البرهان في علوم القرآن للإمام الحوفي - سورة يوسف
الحوفي
[مقدمة التحقيق]
مقدمة الحمد لله رب العالمين القائل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (¬1) والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد: فقد ظل القرآن الكريم على مر العصور موضع عناية كبيرة من العلماء والحفاظ وعامة المسلمين، ولقد أراد الله عز وجل للأمة الإسلامية أن تكون خير أمة أخرجت للناس مادامت تقرأ كتاب الله وتحفظه وتتدبر معانيه وتفهم أسراره وتطبق أوامره وتجتنب نواهيه. ولمكانة القرآن الكريم ومنزلته عُنِيَ به المسلمون عناية لم يحظ بها أي كتاب من كتب الأمم السابقة تفهما لمعانيه واستنباطاً لأحكامه واستخراجاً لعظاته وعبره وبياناً لأخلاقه وتوضيحاً لألفاظه وبلاغته وأصول تلاوته وتجويده. بل إن العلماء المسلمين قاموا بإحصاء سور القرآن الكريم، وآياته، وكلماته وحروفه، كما عنوا بفهرسة آياته وتصنيفها تبعاً لموضوعاتها وبينوا أسباب نزولها ومكان هذا النزول وسمات كل نوع من هذه الآيات ومدلولات عباراتها ومقتضاها ودلالاتها وتفسيراتها المتعلقة بالعقائد أو العبارات أو المعاملات أو الأخلاق أو الجنائيات والأمور التربوية والاجتماعية. ومن هؤلاء الأئمة الأعلام الذين خدموا القرآن وأبرزوا ما فيه من علوم وتفسر وإعراب الإمام الحوفي وهو كما ذكره الحافظ الذهبي في ترجمته في "سير أعلام النبلاء" فقال: العلامة، نحوي مصر، أبو الحسن؛ علي بن إبراهيم بن سعيد، الحوفي، صاحب أبي بكر محمد بن علي الأدفوي. ¬
له: إعراب القرآن؛ في عشر مجلدات تخرج به المصريون وتوفي سنة ثلاثين وأربع مائة (¬1). وقد ألف مؤلفات عديدة من أجلها: البرهان في تفسير علوم القرآن، له تفسير جيد موسوم بـ "البرهان في تفسير القرآن" في عشر مجلدات. وقال ياقوت: بلغني أنه في ثلاثين مجلداً بخط دقيق، وذكره الحافظ ابن كثير، وياقوت، والسيوطي، والأدنوي، والداودي. وقد نهل منه من أتى بعده من المفسرين كالقرطبيِّ وابنِ كثير، وأكثر عنه النقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري شرح صحيح البخاريِ". - كتاب في إعراب القرآن موسوم بـ "البرهان في إعراب القرآن." كتاب "الإرشاد لطريق خير العباد والعباد" (¬2). - كتاب "موارد الانبياء" (¬3). كتاب في تربية الأولاد، وكتب أخرى. وقد وقع اختياري على موضوع: البرهان في علوم القرآن للإمام: أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي (ت: 430 هـ) ¬
من بداية سورة يوسف إلى نهايتها من اللوحة مئة إلى اللوحة رقم مئتين وثنتين وثلاثين (232) وذلك بحسب نسخة دار الكتب المصرية برقم/ 517 تفسير، وهي النسخة التي بها هذا الجزء من التفسير. راجياً الله الكريم أن يوفقني لخدمة كتابه العظيم، وأن يشغل به لساني، وجناني، وأركاني، فيكون لي خير جليس، ورفيق, وأن يلهمني الصواب في القول والعمل, إنه سبحانه قريب سميع مجيب.
مشكلة البحث
مشكلة البحث من عنوان الكتاب يظهر أن هناك خلافا بين العلماء حول مضمونه، حيث ذهب الشيخ عبد العظيم الزرقاني (ت: 1367 هـ) إلى أن الحوفي أول من صنف في علوم القرآن كتابا أسماه [البرهان في علوم القرآن]، لا على طريقة ضم النظائر بعضها إلى بعض، وإنما على طريقة النشر والتوزيع؛ تبعا لانتشار الألفاظ المتشاكلة في القرآن وتوزيعها، وقد اطلع عليه في دار الكتب المصرية، ووصف طريقته، ويوجد منه خمسة عشر مجلدا غير مرتبة، ولا متعاقبة (¬1). وتبعه في هذا الرأي كل من الشيخ مناع القطان (¬2)، والدكتور محمد الصباغ (¬3). ونقض قوله الدكتور محمد بن أبي شهبة (¬4)، والدكتور فهد الرومي (¬5) والدكتور حسن العتر (¬6)، بقولهم إنه كتاب تفسير، وليس كتابا في "علوم القرآن" وقد سبقهم إلى هذا القول كل من الزركشي، والسيوطي، وبالاطلاع على أجزاء المخطوط، وجدته يبدأ بذكر المقطع من الآيات القرآنية التي يريد الحديث عنها، ثم يذكر الإعراب، وشيئا من معاني المفردات، ثم يقول:"وقد تضمنت الآيات ... " ويذكر بعض الاستنباطات والفوائد القرآنية، ثم يقول: "القول في القراءة"، ويذكر قراءات- القراء السبعة- مع ¬
توجيه القراءة، ثم يقول: "القول في المعنى والتفسير"، ويذكر المعنى العام للآيات، ويورد شيئا من الناسخ والمنسوخ، وأحكام القرآن، ثم يقول: "القول في الوقف والتمام" ويذكر المواضع التي ينبغي الوقوف عندها من المقاطع القرآنية، ضمن أقسام الوقف الاصطلاحية، نحو: الوقف التام، والكافي (¬1). وواضح من هذا المنهج أنه كتاب تفسير، فسر به كلام الله تعالى تفسير سورة تلو الأخرى علي ترتيب المصحف الشريف، ولكنه-رحمه الله- أضاف لونا جديدا من علوم القرآن الكريم من الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه وعلم البيان والمعاني والقراءات والمعنى والتفسير ونحو ذلك من أنواع "علوم القرآن". ولا يكفي في الحكم على أي كتاب-من العنوان فقط-بأنه في علم معين، حتى نتأكد من محتواه ومضمونه. ¬
أهمية الموضوع وأسباب اختياره
أهمية الموضوع وأسباب اختياره وقع اختياري لهذا الموضوع وتوجهت إليه للأسباب التالية: 1 - أهمية الالتفات لكتب العلماء المتقدمين - ولا سيما المحققين منهم - وضرورة العكوف على تصانيفهم لاستخراج ما أودعوها من خزائن العلوم , فهي نتاج أزمان وأثر أعمار , وخراج رحلات، ومعاناة, ومكابدات أسفار, وثمرة مُدارسات، ومناظرات، ومطالعات أسفار, وحصيلة تأملات، واجتهادات وعصارات أفكار في أزمنة نقية, وقد وجدت أثر ذلك ولله الحمد والمنة في حياتي العلمية والعملية فنسأل الله السداد والثبات إلى الممات. 2 - قيمة كتاب أبي الحسن الحوفي [البرهان في علوم القرآن]-فهو بين من مصنفات كتب التفسير، حيث جمع فيه مناهج التفسير المتعددة، كالمنهج اللغوي، والمنهج النقلي، والمنهج الفقهي، والمنهج الكلامي، ملتزما فيه أقوال أهل السنة والجماعة والمنهج الأدبي. وهذا ما يميز تفسيره عن أقرانه في التفسير. 3 - جمع وتحقيق هذا التراث العلمي الذاخر، حيث إن كتاب الإمام الحوفي مبعثرة أجزاؤه في ربوع المعمورة- نسأل الله أن يوفق طلاب العلم على جمعه، وتحقيقه-إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الدراسات السابقة
الدراسات السابقة لا شك أن كتاباً مثل [البرهان في علوم القرآن] لابد أن يحظى بدراسة العلماء، والباحثين، فهو موسوعة علمية من موسوعات التفسير التي استنفد صاحبها فيه جهده, واستفرغ وسعه, وأودعه جواهر علمه، فكان حقيقاً أن يتبوأ هذه المكانة، وحرياً أن تنصرف إليه همم المشتغلين بالقرآن وعلومه. وسأذكر -إن شاء الله تعالى- بعض الجهود العلمية التي اهتمت بهذا الكتاب: 1 - البرهان في علوم القرآن للشيخ أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي (ت:430 هـ): دراسة وتحقيقا للجزء الثامن من كتاب البرهان من قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (¬1) إلى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ...} (¬2) المحقق: أزمان إسماعيل أحمد الأندونيسي. جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية. إشراف أ. د./ صبحي عبد الحميد محمد عبد الكريم-أستاذ اللغويات بالكلية، رسالة دكتوراه، العام الجامعي: 1412 هـ-1991 م. 2 - البرهان في علوم القرآن لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف الحوفي (ت:430 هـ).تحقيق ودراسة. المحقق: شعبان محمود إبراهيم علام. جامعة الأزهر. اللغة العربية. الزقازيق ماجستير تحقيق القسم الثاني من المجلد الأول من النسخة 737 تفسير، من قوله ¬
تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ...} (¬1) إلى قوله تعالى: {وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} (¬2) 3 - البرهان في علوم القرآن لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف الحوفي المصري (ت:430 هـ): دراسة وتحقيق الجزء الخامس والعشرين من النسخة (59) تفسير من قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ...} (¬3) إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...} (¬4) المحقق: عمر أحمد محمد شحات-جامعة الأزهر، اللغة العربية-دكتوراه. 4 - البرهان في علوم القرآن لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف الحوفي المصري (ت:430 هـ): دراسة وتحقيق, الجزء الأول-المحقق: محمد أحمد الطهراوي-جامعة الأزهر، اللغة العربية. مستوى وتاريخ الرسالة: ماجستير، 1987 م. دراسة وتحقيق الجزء الأول من النسخة 517 تفسير من قوله تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (¬5) إلى قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (¬6) 5 - البرهان في علوم القرآن لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف الحوفي المصري (ت:430 هـ): دراسة وتحقيق، المحقق: محمد محمد عثمان. رسالة دكتوراة كلية اللغة العربية بسوهاج بعنوان منهج الحوفي في التفسير. ¬
6 - البرهان في علوم القرآن لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف الحوفي (ت:430 هـ): دراسة وتحقيق، القسم الأول من الجزء الأول من النسخة 737 تفسير من قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (¬1) إلى قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} (¬2). المحقق: إبراهيم السيد إبراهيم بدوي- رسالة ماجستير- جامعة الأزهر-كلية اللغة العربية-الزقازيق. 7 - البرهان في علوم القرآن لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف الحوفي (ت:430 هـ): دراسة وتحقيقا. المحقق: حامد عبد السلام الأسنوي. جامعة الأزهر، اللغة العربية-المنصورة. ماجستير: تحقيق القسم الأول من الجزء السادس نسخة 517 تفسير من قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (¬3) إلى قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (¬4) 8 - البرهان في علوم القرآن لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف الحوفي (ت:430 هـ) دراسة وتحقيقا. المحقق: وجيه عبد العزيز زيادة. جامعة الأزهر.، اللغة العربية دمنهور. ماجستير. تحقيق الجزء التاسع من النسخة 59 تفسير من قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ ¬
بِذَاتِ الصُّدُورِ} (¬1) إلى قوله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬2) 9 - البرهان في علوم القرآن لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف الحوفي (ت:430 هـ): دراسة وتحقيقا. المحقق: إبراهيم محمد عطية حسن جامعة الأزهر، اللغة العربية المنصورة. ماجستير. تحقيق القسم الثاني والأخير من الجزء السادس نسخة 517 تفسير من قوله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} (¬3) إلى قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (¬4) 10 - البرهان في علوم القرآن لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف الحوفي (ت:430 هـ): دراسة وتحقيقا. المحقق: يوسف آدم حسن عثمان. جامعة الأزهر، ماجستير. تحقيق القسم الأول من المجلد الحادي عشر نسخة 517 تفسير و 59 تفسير من قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (¬5) إلى قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (¬6) 11 - البرهان في علوم القرآن لأبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف الحوفي (ت:430 هـ): دراسة وتحقيق. المحقق: أبو المجد فتوح فرج ناجي-جامعة الأزهر، اللغة العربية- ¬
المنوفية. ماجستير. تحقيق الجزء الرابع نسخة 59 تفسير من قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (¬1) إلى قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬2) ¬
منهج البحث
منهج البحث [دراسة النص] سرت في خطة البحث وفق المتعارف عليه في تحقيق المخطوطات، فيتكون البحث من: مقدمة، وقسمين، وخاتمة، وفهارس كما سبق بيانه في الخطة، ومضيت في تحقيق الكتاب على النحو التالي: - 1 - اخترت النسخة الأم في تحقيق النص، ومقابلة النسخ عليها، ما أمكن. 2 - نسخ المخطوط حسب القواعد الإملائية الحديثة، ما أمكن. 3 - كتابة الآيات القرآنية بالرسم العثماني، وفق رواية حفص عن عاصم، إلا ما اضطررت إليه، وعزو الآيات القرآنية بذكر اسم السورة، ورقم الآية، وذلك في الأصل، ولا أكرر ذلك حيثما يذكر المؤلف جزءاً من الآية أثناء تفسيرها. 4 - أقوم بعزو أسباب النزول إلى كتب أسباب النزول، ومصادر الحديث التي تعرضت لذلك. 5 - أقوم بتوثيق النصوص من مصادرها الأصيلة، إن وجدت. 6 - بيان القراءات المتواترة والشاذة، وعزوها إلى مصادرها الأصيلة. 7 - تخريج الأحاديث، والآثار بعزوها إلى مصادرها الأصيلة، وذلك بذكر الكتاب، والباب، ورقم الحديث، إن وجد، فإن كان الحديث في الصحيحين، أو أحدهما اكتفيت بالتخريج منهما، وإن كان في غيرهما، فإني أخرجه من مصادر السنة النبوية الأخرى، وأذكر حكم العلماء عليه، ما أمكن. 8 - عزو الشواهد الشعرية من مصادرها، ونسبتها إلى قائليها، ما أمكن. 9 - الترجمة للأعلام ترجمة موجزة، ونسبتها إلى مصادرها، ما أمكن. 10 - بيان الغريب من كتب اللغة، والغريب. 11 - الالتزام بعلامات الترقيم، لما فيها من إبراز للمعنى، وإيضاح المراد، ما أمكن. 12 - ضبط ما يحتاج إلى ضبط، كالشواهد الشعرية، وبعض الألفاظ الغريبة.
13 - أعزو الأحكام الفقهية التي يذكرها المؤلف بالرجوع إلى المصادر الفقهية. 14 - التزم في التحقيق بما كتبه المصنف، والناسخ من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والأبيات الشعرية، وغيرها، وأثبتُ الصواب، وأعلق على المشكل في هامشه. هذا هو منهجي، إن شاء الله تعالى، وبعونه في البحث، مع ملاحظة المنهج العلمي في كتابة البحوث، والرسائل العلمية الخاصة بالجامعة المباركة، ما أمكني، إن شاء الله تعالى.
هيكل البحث
هيكل البحث ويشتمل على مقدمة، وقسمين، وخاتمة، ومصادر، ومراجع البحث، ثم الفهارس العلمية، أما المقدمة فتشمل على: 1 - مشكلة البحث. 2 - أهمية الموضوع، وأسباب اختياره. 3 - الدراسات السابقة. 4 - منهج البحث. 5 - هيكل البحث. وأما القسم الأول قسم الدراسة: التعريف بالإمام، وبكتابه [البرهان في علوم القرآن] وفيه فصلان: الفصل الأول: "الإمام الحَوفي" عصرُه. وفيه مبحثان: المبحث الأول: عصر الإمام الحَوفي. وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: عصره من الناحية السياسية. المطلب الثاني: عصره من الناحية الاجتماعية. المطلب الثالث: عصره من الناحية الاقتصادية. المطلب الرابع: عصره من الناحية الثقافية. المطلب الخامس: تأثر الإمام الحَوفي ببيئته، وتأثيره فيها. المبحث الثاني: حياة الإمام الحَوفي. وفيه عشرة مطالب:
المطلب الأول: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته، ومولده. المطلب الثاني: موطنه، ونشأته، وطلبه للعلم. المطلب الثالث: شيوخه. المطلب الرابع: تلاميذه. المطلب الخامس: بعض معاصريه، وأقرانه. المطلب السادس: عقيدته، ومذهبه الفقهي. المطلب السابع: مذهبه النحوي. المطلب الثامن: أخلاقه، ومكانته العلمية، وأقوال العلماء فيه. المطلب التاسع: ثقافته، ومصنفاته. المطلب العاشر: وفاته. الفصل الثاني: التعريف بمخطوط الإمام الحوفي [البرهان في علوم القرآن]: وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: اسم الكتاب، وتوثيق نسبته للمؤلف. المبحث الثاني: موضوع الكتاب. المبحث الثالث: مصادر المؤلف في الكتاب. المبحث الرابع: منهج الحوفي في كتابه البرهان. المبحث الخامس: قيمة الكتاب العلمية، وثناء العلماء عليه. المبحث السادس: وصف النسخ الخطية المعتمدة لتحقيق الكتاب، مع نماذج من صور المخطوط.
القسم الثاني: التحقيق: ويبدأ من أول سورة يوسف-عليه السلام- من قوله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (¬1) وينتهي بنهاية السورة عند قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (¬2) وعدد لوحاته مئة واثنتان وثلاثون (132) لوحة. ثم أختم الرسالة إن-شاء الله تعالى بخاتمة أذكر فيها أهمَّ ما توصلت إليه من نتائج، ومقترحات، ثم الفهارس العلمية، لهذه الرسالة المباركة-إن شاء الله تعالى. ¬
قسم الدراسة
قسم الدراسة: ويشتمل على فصلين: الفصل الأول: "الإمام الحَوفي" عصرُه. وفيه مبحثان: المبحث الأول: عصر الإمام الحَوفي. وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: عصره من الناحية السياسية. المطلب الثاني: عصره من الناحية الاجتماعية. المطلب الثالث: عصره من الناحية الاقتصادية. المطلب الرابع: عصره من الناحية الثقافية. المطلب الخامس: تأثر الإمام الحَوفي ببيئته، وتأثيره فيها. المبحث الثاني: حياة الإمام الحَوفي. وفيه عشرة مطالب: المطلب الأول: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته، ومولده. المطلب الثاني: موطنه، ونشأته، وطلبه للعلم. المطلب الثالث: شيوخه.
المطلب الرابع: تلاميذه. المطلب الخامس: بعض معاصريه، وأقرانه. المطلب السادس: عقيدته، ومذهبه الفقهي. المطلب السابع: مذهبه النحوي. المطلب الثامن: أخلاقه، ومكانته العلمية، وأقوال العلماء فيه. المطلب التاسع: ثقافته، ومصنفاته. المطلب العاشر: وفاته. الفصل الثاني: التعريف بمخطوط الإمام الحوفي [البرهان في علوم القرآن]. وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: اسم الكتاب، وتوثيق نسبته للمؤلف. المبحث الثاني: موضوع الكتاب. المبحث الثالث: مصادر المؤلف في الكتاب. المبحث الرابع: منهج الحوفي في كتابه البرهان. المبحث الخامس: قيمة الكتاب العلمية، وثناء العلماء عليه. المبحث السادس: وصف النسخ الخطية المعتمدة لتحقيق الكتاب، مع نماذج من صور المخطوط.
الفصل الأول: "الإمام الحوفي" عصره وحياته.
الفصل الأول: "الإمام الحَوفي" عصرُه وحياته. وفيه مبحثان: المبحث الأول: عصر الإمام الحَوفي. وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: عصره من الناحية السياسية. المطلب الثاني: عصره من الناحية الاجتماعية. المطلب الثالث: عصره من الناحية الاقتصادية. المطلب الرابع: عصره من الناحية الثقافية. المطلب الخامس: تأثر الإمام الحَوفي ببيئته، وتأثيره فيها.
المبحث الأول: عصر الإمام الحوفي وفيه خمسة مطالب
المبحث الأول: عصر الإمام الحَوفي وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: عصره من الناحية السياسية عاش شيخنا الإمام الحَوفي حياته في مصر إبان الحكم الفاطمي لمصر، والشام، وغيرهما من البلاد الإسلامية، وخاصة في الثلث الأخير من القرن الرابع الهجري والثلث الأول من القرن الخامس الهجري. وتعد هذه الفترة من أسوأ فترات الحكم الإسلامي في مصر، وغيرها من البلدان الإسلامية (¬1) سياسيا، حيث كانت الدولة العباسية الإسلامية تعاني من التمزق الشديد، الذي أدى إلى سقوطها في النهاية، وانتهاء الخلافة القرشية التي كانت تحظى بتأييد سياسي، وديني واسعي النطاق عند كافة المسلمين. في الثلث الأول من القرن الرابع الهجري، تلاشى نفوذ الدولة العباسية في مصر، والمغرب الإسلامي، حيث استولى على الحكم أول الحكام الفاطميين بعد معارك شرسة في السر والعلن، إلى أن وطدوا حكمهم على مصر وما حولها (¬2). أما معارك السر فقد ادعى الفاطميون، أنهم من نسل رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وأنهم من آل البيت، وبهذا كانوا أحق الناس بالحكم من غيرهم، وصاروا يحرضون الناس على مقاومة الحكم العباسي. ¬
وكان أول مبتدأ أمرهم بالمغرب، ثم ابتدأوا يزحفون نحو مصر (¬1) يساعدهم في ذلك التمزق الشديد في الدولة العباسية التي خرج عليها بنو طاهر في المشرق، والسلجوقيون، والخوارزميون، وكذلك الأمويون في المغرب الأقصى-أعني-الأندلسيين، بجانب ذلك استقلت الدويلات، وأعلن المرابطون عصيانهم ضد الدولة العباسية. إن هذه الفترة هي أسوأ الفترات التي مرت على مصر، وما حولها من البلدان الإسلامية، لأن الفاطميين لم يكونوا مسلمين حقا، فقد قال أبو بكر النابلسي للمعز: إنكم غيرتم دين الأمة وقتلتم الصالحين وأطفأتم نور الإلهية وادعيتم ما ليس لكم (¬2). وفي الفترة التي عاش فيها شيخنا الإمام الحَوفي كان اتجاه الفاطميين أسوأ اتجاهات الشيعة في ذلك الوقت، فقد خرجوا على الناس باعتقاد جديد، واتخذوا الإسماعيلية مذهبا لهم، والإسماعيلية في حقيقة الأمر، هم الباطنية الذين يعتقدون أن لكل ظاهر باطنا، ولكل تنزيل تأويلا، ولهم ألقاب كثيرة، سوى هذا جرت على لسان كل قوم، فبالعراق، يسمون الباطنية، والقرامطة، والمزدكية، ونجراسات التعليمية، والملحدة، ثم إن الباطنية القديمة، قد خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة، وصنفوا كتبهم على ذلك المنهاج فقالوا في الباري تعالى: إنما لا نقول هو موجود ولا موجود ولا عالم ¬
ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز وكذلك في جميع الصفات فإن الإثبات الحقيقي يقتضي شركة بينه وبين سائر الموجودات (¬1). وقد وصلت هذه العقيدة الغريبة البعيدة عن تعاليم الإسلام الصحيحة ذروتها في عهد الحاكم بأمر الله، فقد تعاظم هذا الحاكم في نفسه، وطغى وبغى إلى أن ادعى الألوهية سرا في بادئ الأمر، فلما تيقن من قبول الناس ولا سيما رجال الدولة هذا الأمر أعلن ذلك على الملأ، وأصبح مذهب الإسماعيلية المذهب الرسمي للدولة (¬2). والفاطميون الإسماعيليون هؤلاء باطنيون لا يلتزمون بأركان الإسلام فهم يعتقدون أن صلاتهم في باطنهم وزكاتهم لا يدفعونها إلا إلى قادتهم (¬3) ولا يثقون بأي مسلم ولا يتعاملون مع المسلمين إلا بقدر ما يخدمون مصالحهم ويساعدهم في نشر عقيدتهم. وعلى هذا المنوال، كانت السياسة في هذا العصر في الديار المصرية، وما حولها. وقد بذل الإسماعيليون كل جهودهم لنشر مذهبهم في مصر، ووجدوا أن جذورهم في مصر غير عميقة فبحثوا ¬
عن بديل، وراحوا إلى الشام فأوى بعضهم إلى منطقة جبلية (¬1). لقد خرج الفاطميون على الناس بمذهب جديد يقوم على تقديس الأشخاص. وفي سنة إحدى وأربعمائة (¬2)، هلك الحاكم بأمر الله-منصور بن العزيز بن المعز العبيدي الإسماعيلي، وأُعدم في شِوال بالجبل المقطم، وله ست وثلاثون سنة، فقد جهزت (¬3) أخته-ستُ الملك على مَن قتله غيلة، فظفر به. ثم جاء ابنه الظاهر لدين الله فكان أسوأ من أبيه (¬4)، بل إنه هادن النصارى، فأذن للنصارى بفعل ما منعهم منه أسلافه (¬5). ولكن هذه الدولة كانت تسير نحو نهايتها، فقد كان الشعب المصري المسلم يكرههم، إلى جانب التفرق الذي دب بينهم، فما أن مات الظاهر بأمر الله حتى أصبح ابنه المستنصر بالله خليفة له، لا يستطيع أن يدير الأمور بل صار ألعوبة بيد الوزراء يفعلون ما يشاؤون حتى عمت الاضطرابات، والفوضى، سنة سبع وعشرين وأربعمائة-أي قبل وفاة شيخنا بثلاثة أعوام. وحكم المستنصر بالله، ستين سنة لم يَجِدَّ فيها يوم دون اضطرابات، أو فوضى. وظلت الفوضى تعم البلاد التي يحكمونها حتى آخر واحد فيهم، وهو العاضد لدين الله، ولم تهدأ الاضطرابات حتى خلع المتظاهرون هذا العاضد، سنة سبع وستين وخمسمائة، ثم انقلب الحكم بعد ذلك إلى الدولة الأيوبية. ¬
وهكذا نجد أن عصر الإمام الحَوفي السياسي، كان سيئا تعمه الفوضى والاضطرابات، وتلك الاضطرابات، أو هذه الفوضى تؤدي-ولا شك-إلى انفصام بين الحكام والمحكومين، كما نشأت عنها التقاليد، والعادات المبتدعة البعيدة عن الدين (¬1)، وهكذا هدم الحاكم بأمر الله الكنائس سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة (¬2). ¬
المطلب الثاني: عصره من الناحية الاجتماعية
المطلب الثاني: عصره من الناحية الاجتماعية كان الشعب المصري في عهد الفاطميين يتكون من: 1 - الطبقة الأولى أهل السنة وكانوا يختلفون مع الشيعيين-أنصار الفاطميين، الذين لم يدخروا وسعاً في نشر مذهبهم في المساجد، والقصور، وفي دور العلم، وغيرها، وقد فعلت هذه السياسة فعلها في الناس، فتحول بعض من السنيين إلى المذهب الفاطمي- رغبة في الهبات والمناصب. 2 - أما الطبقة الثانية فهي طبقة المغاربة-الذين قامت الدولة الفاطمية على أكتافهم في بلاد المغرب، ثم في مصر، وكان الفاطميون يعتمدون عليهم في جيوشهم. 3 - الطبقة الثالثة هي طبقة أهل الذمة-وهم النصارى، واليهود (¬1)، وقد دفعت رغبة الكثيرين منهم في الحصول على العطايا، والمناصب، إلى اعتناق المذهب الإسماعيلي لأغراض مادية أخرى من جهلة أهل السنة، فادعوا أن في اليوم الثاني عشر من المحرم، قتل مصعب بن الزبير فصنعوا له مأتما، كما تفعل الشيعة للحسين، وزاروا قبره كما زاروا قبر الحسين، وهذا من باب مقابلة البدعة بمثلها، ولكن لا يرفع البدعة إلا السنة الصحيحة. وكانت أحوالهم سيئة أحيانا حيث هدم الحاكم بأمر الله الكنائس، وألزمهم بالصلبان في أعناقهم وألبس اليهود العمائم السود- نكاية، وإهانة لزي بني العباس. 4 - الطبقة الرابعة هي طبقة الأتراك، الذين كثر عددهم منذ أيام الدولة الطولونية. 5 - الطبقة الخامسة هي طبقة السودانيين، الذين كثر عددهم في مصر منذ عهد كافور الإخشيدي، وظهر أمرهم في أيام الخليفة الحاكم بأمر الله الذي استعان بهم على الأتراك (¬2). ¬
فالمجتمع في عصر الإمام الحَوفي مجتمع غير متوازن، لأن الحكام من طبقة غريبة بعيدة عن الشعب، وهم خليط من الموالي والأعاجم، وأما الكثرة الغالبة فهم أهل السنة، الذين غلبوا على أمرهم، يشاركهم قلة من الجراكسة والأتراك، وهؤلاء في أغلب الأحيان يعدون من الدرجة الثالثة، لا حق لواحد منهم أن يظهر في المجتمع، وإذا ظهر فإنهم يأخذون منه كل شئ. ولاشك في أن الحالة السياسية إذا كانت مضطربة، تبعها اضطراب في الحياة الاجتماعية، حيث يسود الجاهل، ويتسلط الظالم، وبالتالي تضيع القيم، وتمحى المبادئ، وينتشر الجهل، فيعم الفساد بعموم الجهل- ولا حول ولا قوة إلا بالله. فيترتب على ذلك انحلال اجتماعي، وفساد خلقي، وتفكك أسري، لأن الحياة القاسية تجعل الإنسان لا يفكر إلا في نفسه (¬1)، ولا يشغله إلا حاله بخاصة، لأن الدافع الديني قد ضعف فقد أضعفته الدولة، وقضت عليه (¬2)، ولم تترك الأغنياء، ليساعدوا الفقراء. وفي عهد الفاطميين، بنى الخليفة العزيز الفاطمي كثيرا من القصور، التي تدل على وفرة ثروة مصر، ومن ذلك، القصر الغربي- وكان يقع غربي القصر الشرقي الذي بناه جوهر الصقلي للخليفة المعز، شرقي مدينة القاهرة. ويمتاز الفاطميون ببناء المناظر، وهي أماكن اتخذها الخلفاء في القاهرة، وغيرها، للتنزه، والاحتفال ببعض الأعياد. كان الحاكم بأمر الله سفاكاً للدماء، معطاء للمال، قتل عددا كثيرا من كبراء دولته صبرا بلا ذنب، وكتب سب الصحابة على المساجد، واتخذ له فقيهين يعلمانه، ثم ذبحهما صبرا، وقتل عدة سبايا، وغرق عجائز، وأثقلت الدولة المحتاجين بالإتاوات. ¬
هذه هي صورة سريعة عن الحياة الاجتماعية في عصر الإمام الحَوفي، فهل أثر ذلك على مسيرته العلمية؟ أقول: كلا، فعلماؤنا الأجلاء لا تهمهم الدنيا، ولا يهمهم أخذ جائزة من السلطات والسلاطين. والذي يهمهم رضى الله، وثوابُه، ولذلك نفع الله بعلمهم فانتفع بهم الأجيال على مر العصور، والأزمان.
المطلب الثالث: عصره من الناحية الاقتصادية
المطلب الثالث: عصره من الناحية الاقتصادية الاقتصاد تبع للسياسة دائما، فمتى كان هناك اضطراب في السياسة، تبعه اضطراب في الاقتصاد، لأن المال لا يتحرك إلا في منطقة مستقرة، ولا ينمو إلا فيها، وإذا كانت الاضطرابات، فلا يستفيد منها إلا تجار الحروب، وباعة السلاح وعدةِ الهلاك والدمار. ولذا فقد كانت مصر في هذه الفترة تعاني من المشكلات الاقتصادية-بالرغم من كون القاهرة والإسكندرية من أهم مراكز التجارة، وكانت الإسكندرية، وبغداد مقياسين لأسعار البضائع العالمية، في ذلك الحين (¬1)، التي لا حصر لها منذ أيام المعز لدين الله، الذي كان في بداية أمره يهادن الدولة العباسية، فأصهر إلى الخليفة العباسي فزوج ابنته لابن الخليفة، فلما سيرها إلى بغداد، حملها بثلاثمائة جمل، تحمل الأثاث الذهبي مما جعل خزائن الدولة تخلو من الذهب، ثم قامت الاضطرابات. كانت القاهرة في عهد الفاطميين من أهم مراكز الصناعة، فقد بلغ الطراز مبلغا كبيرا من الرقي، كما ازدهرت فيها صناعة المنسوجات الحريرية، وتتبين لنا مهارة المصريين، وحذقهم في تلك الصناعات. وقد بنى المعز دار الكسوة، حيث كانت تفصِّل الثياب لموظفي الدولة على اختلاف مراتبهم، وهناك أنواع خاصة من الثياب اشتهرت في هذا العصر. ووقع الغلاء حتى عم الفقر جميع البلاد. فقد قال ابن كثير: قل الرطب جدا، بسبب هلاك النخل في سنة تسع عشرة وأربعمائة، فلم يحج أحد من أهل الديار المصرية (¬2)، وبهذا أصبح الناس لا يجدون طعامهم إلا بشق الأنفس، أو عن طريق قيام قلة قليلة من الأغنياء بمساعدة هؤلاء الفقراء، وباختصار كانت الحياة الاقتصادية سيئة، كما أن الزكاة لم توزع حسب تعاليم الإسلام. وخلاصة ¬
الأمر أن الحياة الاقتصادية الرغِدة كانت حكرا على الطبقة الحاكمة ومن تقرب إليها، وأما عامة الشعب فكان الفقر يطحنهم، ويقلق مضاجعهم.
المطلب الرابع: عصره من الناحية الثقافية
المطلب الرابع: عصره من الناحية الثقافية اهتم الفاطميون اهتماما كبيرا بالحركة العلمية في اتجاهاتها المختلفة، وأبرز هذه الاتجاهات، تنظيم الفكر الشيعي، ونشرُه على أوسع نطاق، فقد بنى جوهر الصقلي الجامع الأزهر (¬1)، وأنشأ الحاكم بأمر الله دار العلم التي كانت تلقب بدار الحكمة، كما بنى جامعَ الحاكم (¬2). وقد نبغ في مصر كثير من الشعراء، وكثر رجال الأدب من قول الشعر لمدح الخلفاء، لِمَا كان يَدرُّه هؤلاء من العطايا الجزيلة، والجوائز، والأرزاق المخصصة لهم، وقد دفعت الرغبةُ في الحصول على هذه الجوائز، والهبات، قلةٌ قليلة من الشعراء من أهل السنة إلى محاكاة الشعراء الشيعيين، فاتصل بعضهم ببلاط الخلفاء الفاطميين. وقد اهتم الفاطميون بالطب، وأغدقوا على الأطباء الأموال، وأجزلوا لهم المنح، وقلدوهم المناصب العالية، وأصبحت لهم منزلةٌ رفيعة بين رجال البلاط، ومن أطباء المعز لدين الله، موسى العازر الإسرائيلي (¬3)، الذي حَذِقَ صناعة الطب، كما اشتهر ابنه إسحاق بن موسى بالطب، وكان مقربا من المعز. كما اهتم الخليفة الحاكم الفاطمي بعلم النجوم، حتى أنه أنشأ مرصدا بالمقطم أطلق عليه الرصد الحاكمي. ومن أشهر الرياضيين في عهد الفاطميين، أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم، الذي نشأ في العراق، ثم انتقل إلى مصر، وأقام بها، ومن المؤرخين الذين عاصروا الخليفة، العزيز بالله، أبو الحسن علي الشابشتي (¬4). ¬
ومن هنا يمكن القول بأن الحياة الفكرية، والثقافية، في نهاية القرن الرابع الهجري، ومطلع القرن الخامس لم تتأثر بالأحداث السياسية السيئة، وذلك لأن العلماء الأوائل ورَّثوا لهذه الأجيال علما، لا يمحى، وكتبا لا تأكلها النيران (¬1)، ولا تفنيها السنون، فكان العلماء المسلمون الأفذاذ يتجولون في البلاد الإسلامية، يأخذون، ويُعْطُونَ، حتى لا تتوقف حركة الفكر، والثقافة. ¬
المطلب الخامس تأثر الإمام الحوفي ببيئته، وتأثيره فيها
المطلب الخامس تأثر الإمام الحَوفي ببيئته، وتأثيره فيها كان جل العلماء الأفذاذ لا تهمهم الدنيا الفانية، فكان يكفيهم القليل من متاعها، ولم يكن يهمهم إلا إيصال العلم إلى طلابهم، أو إيقاظ همة العلم في الناس. فلم يستطع الحكام الفاطميون القضاء على الفكر الإسلامي الحنيف، ولم يستطيعوا التأثير على العلماء المخلصين كما لم يستطيعوا أن يغيروا عقيدتهم الراسخة رسوخ الجبال، وهذا لا يعني أن أحدا منهم لا يدنو من الحكام ليتعامل معهم، ولكن من يتعامل معهم قليل، فذهبت هيبته في نظر الشعب. وإذا كانت الحالة السياسية سيئة، والاجتماعية منخفضة، والاقتصادية منكمشة، فكل ذلك لم يؤثر على حياة شيخنا الإمام الحَوفي-وهو لم يكن بمنأى عن البيئة التي يعيش فيها بل كان يفكر في كل الأحداث التي تقع بالأمة الإسلامية، ولكن هذه البيئة السيئة دفعته إلى المزيد من طلب العلم، وإلى المزيد من الجهاد لتعليم طلبة العلم، فلم تسقه الحاجة إلى أبواب الحكام والسلاطين (¬1). وأما تأثيره في غيره من العلماء المخلصين، فقد كان عظيما- بحيث لم يستطع الحكام الفاطميون أن يغيروا مذهب أهل السنة عند المصريين، ومن هنا قال المترجمون للإمام الحَوفي: إنه عالم كبير انتفع به أهل مصر، وتخرجوا به في النحو (¬2). ¬
المبحث الثاني ترجمة حياة الإمام الحوفي
المبحث الثاني ترجمة حياة الإمام الحَوفي وفيه عشرة مطالب: المطلب الأول: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته، ومولده. المطلب الثاني: موطنه، ونشأته، وطلبه للعلم. المطلب الثالث: شيوخه. المطلب الرابع: تلاميذه. المطلب الخامس: بعض معاصريه، وأقرانه. المطلب السادس: عقيدته، ومذهبه الفقهي. المطلب السابع: مذهبه النحوي. المطلب الثامن: أخلاقه، ومكانته العلمية، وأقوال العلماء فيه. المطلب التاسع: ثقافته، ومصنفاته. المطلب العاشر: وفاته.
المطلب الأول اسمه، ونسبه، ونسبته، ولقبه، وكنيته، ومولده.
المطلب الأول اسمه، ونسبه، ونسبته، ولقبه، وكنيته، ومولده. أولا: اسمه، ونسبه: هو علي بن إبراهيم بن سعيد بن يوسف بن سعيد- أبو الحسن الإمام الحَوفي المصري النحوي (¬1)، وهذا ما اتفقت عليه المصادر التي توفرت لدي ولم يزيدوا على هذا النسب، ويبدو أنه عربي الأصل، ويؤيد هذا أن المنطقة التي ولد بها، هي منطقة تسكنها القبائل الأصيلة التي نزحت من شبه الجزيرة العربية بعد الفتح الإسلامي لمصر. ثانيا: نسبته: اتفقت جميع المصادر التي ترجمت للمصنف على نسبته للحوفي المصري، وذلك نسبة إلى موطنه الذي عاش فيه، وهو الحوف الغربي الذي يعد الآن من محافظة الشرقية، وفي منطقة "بلبيس" بالتحديد ويقول ابن خلكان في تحديد منطقة (حوف): والإمام الحَوفي بفتح الحاء المهملة وسكون ¬
ثالثا: لقبه
الواو في آخرها فاء، هذه النسبة إلى حوف. قال ابن خلكان: والحوفى نسبة لناحية بِمِصْرَ يقال لها الشرقية، وَقَصَبَتُهَا مَدِينَةُ بُلْبَيْسَ، فجميع ريفها يُسمُّون "حوف"، واحدهم حوفي-وهو- رحمه الله-من قرية يقال لها: "شبرا النخلة" من أعمال الشرقية المذكورة. يستبنط من هذا كله، أن شبرا النخلة قرية من قرى مركز بلبيس، وهي موجودة إلى الآن، وهي القرية التي أجمعت المصادر أن الحوفي ولد بها، فلا عبرة لمن التبس عليه اسم القرية فقد حدث تصحيف، وتحريف عند من ترجم له، وذُكر أن اسم القرية التي ولد بها الحوفي "شبرا النخلة" من أعمال بلبيس. وكانت بلبيس قاعدة الحوف الشرقي أيام العرب، ثم قاعدة الأعمال الشرقية، من أيام الدولة الفاطمية إلى آخر عهد الحكم الجركسي، ثم قاعدةَ ولاية الشرقية، إلى سنة 1832 م، وفي تلك السنة أصدر محمد علي باشا-والي مصر أمرا بنقل ديوان المديرية والمصالح الأميرية الأخرى إلى مدينة الزقازيق، لتوسطها بين بلاد المديرية، وبذلك أصبحت بلبيس قاعدة لقسم بلبيس، الذي أنشئ فيها بدلا من ديوان المديرية من تلك السنة سنة: 1871 م- مسمى مركز بلبيس (¬1) ثالثا: لقبه: بعض المراجع ذكرت لنا لقبا مقرونا باسمه وهو "الإمام" ومنهم من قال: المقرئ ومنهم من لقبه بالإمام المقرئ، ومنهم من قال: الإمام المقرئ النحوي إذ أن القارئ لكتابه [البرهان في علوم القرآن]. يجد فيه كثرة اهتمامه بالقراءات، والنحو فلا يشك أنه إمام في العلم، ومشارك في القراءات، نحوي حاذق، فحق له أن يلقب بالإمام". ¬
رابعا: كنيته
رابعا: كنيته: ذكر كثير من المؤرخين أن الإمام الحَوفي يكنى بأبي الحسن، وهذه الكنية إما لكون أكبر أولاده اسمه الحسن، ولكني لم أجد دليلا على هذا، ولم أجد أحدا يحدث عن زواجه، وأولاده، وأسرته، ولم أعثر على هذا كله، وإما لكون اسمه عليا، وهذا هو ما أرجحه، لأن مناداة من اسمه- علي- بأبي الحسن عادةٌ إسلامية تيمنا بالخليفة الرابع علي بن أبي طالب، أبي الحسن، رضي الله عنه (¬1). خامسا: مولده: لم أعرف عن ميلاد الإمام الحَوفي تحديدا دقيقا، إلا أنه ولد بقرية من قرى حوف يقال لها "شُبْرَا النخلة" قرب بلبيس ولم يذكر أحد من المؤرخين سنة ميلاده، كما لم يذكر عمره، حين وفاته، ولكن بمقارنة بسيطة أستطيع أن أحدد زمنا تقريبيا لميلاد شيخنا-الإمام الحَوفي-حيث إن المراجع اتفقت على أنه تتلمذ على يد ابن رشيق (¬2)، وقد أجمعت المصادر على أن ابن رشيق توفي سنة سبعين وثلاثمائة، وكذلك أجمعت المصادر على أن الحوفي هو تلميذ الأدفوي، الذي توفي سنة 388 هـ، ورحيل الحوفي إلى القاهرة لتلقي العلم لا يكون إلا بعد إكمال نضجه، وهذه كعادة أهل الريف في مصر. وعلى هذا فيكون الأرجح أن تاريخ مولده في بداية النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، وعلى الرغم مما حققته شخصية الحوفي من مجد علمي، ومن عطاء أدبي وافر، شهدت به المصادر فإن التاريخ لم يحفظ لنا من حياته الشخصية شيئا يذكر، ولم نعثر في تراجمه العديدة إلا على النذر اليسير ¬
من الكلمات تناقلتها المصادر دون أن تضيف إليها جديدا، ولعل السبب يرجع إلى العصر الفاطمي، الذي وقف عائقا أمام علماء السنة- فالله المستعان، وحسبنا الله، ونعم الوكيل.
المطلب الثاني موطنه، ونشأته، وطلبه للعلم
المطلب الثاني موطنه، ونشأته، وطلبه للعلم تقدم الكلام في نسبته، إلى أن شيخنا، من منطقة بلبيس، وأن الحوف هو ريف المنطقة، وأنه من قرية يقال: "شُبْرَا النخلة"، ومن هنا أستطيع أن أقول: أنه نشأ في طفولته في منطقة ريفية. ولقد تعلم القرآن في قريته ومبادئ العلوم على أيدي مشايخ بلبيس، ثم رحل إلى القاهرة واستوطن بها وطلب العلم على أيدي علمائها الأجلاء. ثم رحل إلى المغرب، وأخذ العلم عن شيوخ المغرب ثم عاد إلى مصر مسقط رأسه مرة أخرى، وظل يطلب العلم على أيدي مشايخها، حتى صار عالما، حيث كتب وصنف مصنفات عديدة (¬1). وهذا كله دليل واضح أن طلاب العلم في تلك الأزمنة السيئة من الناحية السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، لم يمنعهم ذلك من طلب العلم والرحلة في سبيل تحصيله، وكانوا لا يَرْضَوْنَ بالمقام بين علماء بلد واحد، بل لا بد أن يعددوا مشاربهم دون الاقتصار على عالم معين، لأنهم لا يريدون إلا علما واسعا حرا غير محتكر حتى لا يتأثروا برأي دون رأي إلا إذا كان أرجح عن دليل، وهم غير ملزمين بكتاب دون آخر، وهذا في نظري هو السر في تفوق علمائنا القدامى-والله تعالى أعلى وأعلم. ¬
المطلب الثالث: شيوخه.
المطلب الثالث: شيوخه. شيوخه كثيرون، أذكر أشهرهم على النحو التالي: أولا: ابن رشيق: وهو الحسن بن رشيق، الإمام المحدث، مسند بلده، أبو محمد العسكري المصري المعدل (¬1)، ولد سنة ثلاث وثمانين ومائتين، حدث عن أبي عبد الرحمن النسائي، وأحمد بن زغبة، ومحمد بن عثمان بن سعيد السراج، وخلق كثير. روى عنه الدارقطني، وابن الطحان، ومحمد بن الحسين الطفال، وكان إلى جانب علمه بالحديث عالما بالعربية والقراءات، توفي سنة سبعين وثلاثمائة من الهجرة (¬2). ثانيا: الأدفوي: هو محمد بن علي بن أحمد الإمام أبو بكر الأُدْفُوي المصري-المقرئ النحوي المفسر، ولد سنة أربع وثلاثمائة، "بأُدْفُو"، اسم قرية بصعيد مصر الأعلى، بين أسوان وقوص مما يلي "أسوان"، قرأ القرآن على أبي غانم-المظفر بن أحمد بن حمدان (¬3)، ولزم أبا جعفر النحاس، وروى عنه كتبه، وتتلمذ عليه الإمام الحَوفي، وعبد الجبار بن أحمد الطرسوسي، وعتبة بن عبد الملك، وأبو الفضل الخزاعي. ¬
ثالثا: ابن حيوية النيسابوري
قال عنه الذهبي: وسمع الحروف من أحمد بن إبراهيم بن جامع، ومن سعيد بن السكن. ولزم أبا جعفر النحاس، وحمل عنه كتبه، وبرع في علوم القرآن، وكان سيد أهل عصره بمصر. قال أبو عمرو الداني: انفرد أبو بكر بالإمامة في وقته، في قراءة نافع مع سعة علمه، وبراعة فهمه، وصدق لهجته، وتمكنه من علم العربية، وبصره بالمعاني. روى عنه القراءة جماعة من الأكابر، منهم محمد بن الحسين بن النعمان، وشيخنا الحسن بن سليمان، وعاش ثلاثا وثمانين سنة- قلت: أي "الذهبي": له كتاب التفسير، واسمه: الاستغناء في علوم القرآن في مائة وعشرين مجلدا، موجود بالقاهرة. توفي سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة (¬1). قال الرشيد العطار في نزهة الناظر (ص: 39) ... أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي النحوي، أخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن أحمد الأدفوي قال: قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل الصفار: قرئ على أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كُلُّ مسكرٍ خمرٌ وَكُلُّ مسكرٍ حرامٌ)). ثالثا: ابن حيوية النيسابوري: هو محمد بن عبد الله بن زكريا بن يحيى ويلقب يحيى حيوية أبو الحسن النيسابوري، قال ابن عساكر في تاريخ دمشق (53/ 345): قال ابن ماكولا: كان ثقة نبيلًا، وذكر أبو نصر الوائلي أنه ثقة ثبت شافعي المذهب. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ط الرسالة (16/ 160): الشيخ، الإمام، المعمر، الفقيه، الفرضي، القاضي. ¬
ومن حديثه ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، ت، بشار (3/ 405) قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي في كتابه إلينا من مصر، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري، قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، قال: أخبرنا حميد بن مسعدة، عن سفيان، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن يزيد بن الأصم، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ". وقال القفطي في إنباه الرواة (2/ 220): أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ الأصبهانىّ نزيل الإسكندرية، أخبرنا الشيخ أبو بكر عتيق بن على بن مكى السّمسطاوىّ النيدىّ «3» بالإسكندرية، أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الرازىّ، أخبرنا على بن إبراهيم بن سعيد النحوىّ حدّثنا محمد بن عبد الله النيسابورىّ، حدّثنا أحمد بن شعيب الشيبانى، أخبرنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبد الرحمن عن مالك عن ابن شهاب عن أبى إدريس الخولانى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوْتِرْ". وقال القضاعي في مسند الشهاب (2/ 143) أنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي، نا أبو الحسن، محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري، نا أحمد بن شعيب النسائي، نا سعيد بن عبد الرحمن، نا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن رهطا، من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساقت الحديث، وقالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ».
المطلب الرابع: تلاميذه
المطلب الرابع: تلاميذه تتلمذ على الإمام الحَوفي-رحمه الله-كثير من أهل العلم في عصره، وأخذوا عنه النحو، والقراءات، واللغة، وغير ذلك من العلوم، ولكن لم يذكر أحد من الذين ترجموا له، أحدا من هؤلاء، ولم يزيدوا على أن قالوا: انتفع به أهل مصر وتخرجوا به في النحو (¬1) أو اشتغل خلق كثير وانتفعوا به (¬2) أو: تصدر لإفادة الناس منه أو أن المصريين يشتغلون بمصنفاته (¬3)، ومن تلاميذه: 1 - حسين بن عيسى بن حسين الكلبي: قاضي مالقة، يكنى: أبا علي، ويعرف: بحسون. روى بالمشرق عن أبي الحسن علي بن إبراهيم النحوي الحوفي، وأبي ذر الهروي وغيرهما. وكان فقيه مالقة وكبيرها، وأصله من جراوة. وكان أبو ذر إذا سئل بحضرته أحال عليه في الجواب حدث عنه أبو المطرف الشعبي، وأبو عبد الله بن خليفة وغيرهما. وتوفي في صدر سنة ثلاثٍ وخمسين وأربع مائة. قال الشعبي: وكان فقيها في المسائل حافظا لها، عالما بأصولها ونظائرها ما رأيت مثله في علمه بها (¬4). 2 - عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن عبد الرحمن: يعرف: بابن الحشا، قاضي طليطلة، وأصله من قرطبة: يكنى: أبا زيد. روى بالمشرق عن أبي ذر الهروي بمكة، وأبي الحسن محمد بن علي بن صخر، وأحمد بن علي الكسائي، وعبد الحق بن هارون الصقلي، وعبد الله بن يونس التونسي. وروى ¬
بمصر، عن أبي القاسم عبد الملك بن الحسن القمي، وأبي الحسن علي بن إبراهيم الحوفي، وأبي الفضل مسلم بن علي، وبالقيروان عن أبي عمران الفاسيّ الفقيه، ومحمد بن عباس الخواص، ومحمد بن منصور جيكان، وغيرهم. توفي بها سنة ثلاثٍ وسبعين وأربع مئة، ذكر تاريخ وفاته ابن مدير (¬1). 3 - عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن عبد القدوس الأنصاري، كذا قرأت نسبه بخط الخطيب بالمسجد الجامع بقرطبة، يكنى: أبا القاسم. وأصله من أشونة، ورحل إلى المشرق فحج وسمع بمكة: من أبي بكر محمد بن علي المطوعي وغيره. وسمع بدمشق: من أبي الحسن السمسار، وقرأ بها القراءات على أبي علي الحسن بن إبراهيم الأهوازي، وسمع بحران: من أبي القاسم الزيدي الشريف. وبمصر: من أبي الحسن الحوفي، ومن أبي العباس بن نفيس، وبمَيَّافَارقِين: من أبي عبد الله محمد بن أحمد الفاسي وغير هؤلاء. وكان: من جلة المقرئين، ومن الخطباء الحفاظ المجودين، عارفا بالقراءات وطرقها، حسن الضبط لها، وكانت الرحلة في وقته إليه، وتوفي- رحمه الله- في ذي القعدة لليلتين خلتا من الشهر، سنة اثنتين وستين وأربع مئة. ودفن بمقبرة ابن عباس، ومولده سنة ثلاث وأربع مئة (¬2). 4 - أبو عبد الله الإلبيري الكاتب بمصر في جامع عمرو بن العاص، لقيه أبو علي الصدفي هنالك وسمع منه بعض معاني القرآن لابن النحاس، حدثنا بها عن أبي الحسن الحوفي عن أبي بكر الأدفوي عنه (¬3). ¬
5 - عبد العزيز بن أحمد بن السيد بن مُغَلِّسٍ - أبو محمد الأندلسي اللغوي النحوي، نزيل مصر. قرأ على: صاعد بن الحسن الرَّبعِيّ، ودخل بغداد، وكان بينه وبين إسماعيل بن خَلَف، مصنَّف «العُنْوان» معارضات في قصائد موجودة في ديوانيهما. تُوُفّي في جُمَادَى الأولى، وصلّى عليه ابن إبراهيم الحوفيّ، صاحب «التّفسير» (¬1). 6 - أسد بن أبي الطاهر أبو الوحش الدمياطي، اللَّخميّ. توفي في ربيع الآخر، وله بضع وسبعون سنة. روى عن: جَلْدَك التَّقَويّ (¬2). سمع منه: الدمياطي، والشريف عز الدين، وغيرهما. أخبرني محمود العقيلي، عن الدمياطي، عن أسد اللَّخميّ، عن نعمة بن سالم، عن قاسم بن إبراهيم، عن عبد الكريم بن الحسن التّكَكيِّ، عن علي بن الحسن، عن علي بن إبراهيم الحوفي، عن محمد بن علي الأُدْفُوي، عن أبي جعفر بن النحاس، عن النسائي، عن قتيبة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس:" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ" (¬3) رواه مسلم، عن قتيبة. ¬
المطلب الخامس: بعض معاصريه، وأقرانه
المطلب الخامس: بعض معاصريه، وأقرانه سأذكر إن شاء الله تعالى بعض معاصريه، وأقرانه على النحو التالي: أولا: إسماعيل بن خلف بن سعيد بن عمران، أبو طاهر الصقلي الأندلسي، النحوي المقرئ، قال ابن خلكان: كان إماما في علوم الآداب، متقنا لفن القراءات، صنف العنوان في القراءات، واختصر الحجة للفارسي، وانتفع به الناس، ومات يوم الأحد مستهل المحرم سنة خمس وخمسين وأربعمائة- وقال ياقوت: هو صاحب علي بن إبراهيم الحوفي. صنف إعراب القرآن، تسع مجلدات (¬1). ثانيا: أبو محمد مكي بن أبي طالب بن حَمّوش بن محمد بن مختار, القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي, إمام علامة محقق، عارف أستاذ القرّاء والمجودين، من تصانيفه: الهداية إلى بلوغ النهاية، والكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، وإعراب القرآن، والموجز في القراءات السبع، والإيضاح بناسخ القرآن ومنسوخه، ومن شيوخه في مصر: محمد بن علي أبوبكر الأُدْفُوي. ولد بمدينة القيروان لسبع بقين من شعبان سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وتوفي سنة سبع وثلاثين وأربعمائة (¬2). ثالثا: ابن بَابْشَاذَ أبو الحسن طاهر بن أحمد الْمِصْرِيُّ، الْجَوْهَرِيُّ ومن تصانيفه: شرح الجمل، وتعليقه في النحو نحو خمسة عشر مجلدا، والمقدمة في النحو وشرحها. توفي سنة تسع وستين وأربعمائة (¬3). ¬
رابعا: عبد الواحد بن علي بن برهان، أبو القاسم العُكبَرِي النحوي كان من العلماء القائمين بعلوم كثيرة، منها النحو، واللغة، ومعرفة النسب، وأخبار المتقدمين. توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة (¬1). خامسا: الذاكر النحوي المصري، هو نحوي مشهور كثير التفنن فيه، أخذ عن ابن جني، واستوطن مصر، وأفاد بها، وتصدر لإقراء هذا الشأن: عاش الذاكر إلى سنة أربعين وأربعمائة، ومات بمصر زمن المستنصر (¬2). سادسا: محمد بن الحسن بن علي الطوسي، هو مفسر، نعته السبكي بفقيه الشيعة ومصنفهم. انتقل من خراسان إلى بغداد سنة ثمان وأربعمائة وأقام أربعين سنة ورحل إلى الغري بالنجف فاستقر إلى أن توفي. ومن تصانيفه: الإيجاز في الفرائض، والجمل والعقود في العبادات، والتبيان الجامع لعلوم القرآن، والاقتصاد في العقائد والعبادات، ولد سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وتوفي بالكوفة سنة ستين وأربعمائة (¬3). ¬
المطلب السادس: عقيدته، ومذهبه الفقهي
المطلب السادس: عقيدته، ومذهبه الفقهي صرح من سبقني في تحقيق أجزاء من تفسير الإمام الحَوفي، بأن الإمام الحَوفي من أهل السنة والجماعة، إلا أنهم لم يتوصلوا إلى معرفة مذهب فقهي له، قال الأندونيسي: ولكني بعون الله توصلت إلى أنه مالكي المذهب بل إنه متعصب (¬1) لمذهب مالك-رحمه الله- فقد أكثر النقل من المدونة الكبرى، والدليل على ذلك أنه يقول: قال الإمام مالك في المسافر يؤم: أرى أن يعيدوا جميعا وحكى ابن القاسم عنه أنه قال: يعيد ما كان في الوقت فإذا زال الوقت فلا إعادة عليه (¬2) إلى غير ذلك من المسائل الموجودة في التحقيق (¬3) قلت: ومما دفعني لمعرفة مذهبه الفقهي من مصادر أخرى، لأن سورة يوسف-عليه السالام- لم يتناول المصنف-رحمه الله تعالى- فيها بحثاً واحداً في المسائل الفقهية من عبادات، ومعاملات، ليُعرف من خلالها مذهبه الفقهي. ¬
المطلب السابع: مذهبه النحوي
المطلب السابع: مذهبه النحوي من خلال دراستي لآراء الإمام الحَوفي النحوية وجدته حر التفكير، وحر الاختيار، يأخذ من المذهب، ولا يلتزم به، ويقول برأيه دون تعصب، فقد كان يأخذ من مذهب البصريين كثيرا، ولكنه لم يكن متعصبا، ويأخذ من مذهب الكوفيين أحيانا، ولم يتبعهم، ولم يسر في ركابهم، وهذه في الحقيقة سمات المذهب البغدادي (¬1)، أي أن مذهب شيخنا الإمام الحَوفي، بغدادي بمفهوم عام، وإن كان ميله مع البصريين. ومن الأمثلة التي تدل على أنه أيد البصريين كثيرا، ورد على الكوفيين، قوله عند تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا}:" {ذَلِكَ} رفع بالابتداء, {مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} الخبر متعلق بمعنى الاستقرار, و {ذَلِكَ} إشارة إلى ما تقدم مما أخبر به , {عَلَيْنَا} متعلق بـ {فَضْلِ اللَّهِ} , {وَعَلَى النَّاسِ} , {النَّاسِ} عطف على النون والألف بإعادة الخافض, لأن المضمر لا يعطف عليه إلا بإعادة العامل (وهذا على مذهب سيبويه والجمهور وأمَّا الكوفيون فاحتجوا بجواز العطف على الضمير المجرور دون إعادة العامل لوروده في القرآن ومنه قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَسَاءَلُونَ به وَالْأَرْحَامِ} (¬2) بالخفض، وهي قراءة أحد القراء السبعة، وهو حمزة الزَّيَّات". ¬
والأدلة على هذا من كلامه أنه أعرب الآية وفق قول البصريين، وصدر كلامه بالنقل عن سيبويه وعنهم، وجعله مذهب الجمهور ضمناً. ثم أورد رأي الكوفيين بعد ذلك. (¬1). وكذلك قوله عند تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا}: " {فَيَكِيدُوا} , الفاء جواب النهي فلذا نصب بها {فَيَكِيدُوا} وحذفت النون علامة النصب, {لَكَ} متعلق بـ "يكيدوا"، (والنصب بأن مضمرة بعد فاء السببية المعتمدة على النهي والنفي وما في معناهما هو مذهب البصريين (¬2)). والأمثلة على ذلك من كتابه كثيرة جدا فلا داعي لذكرها. ومن الأمثلة التي تدل على أنه كان يذهب مذهب الكوفيين أحيانا قوله عند تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين} " {إِنْ} بمعنى ما, على تقدير: وإن كنت من قبله إلا غافلا, ويجوز أن تكون إن شرطا أي: إن كنت من الغافلين عن قصة يوسف وإخوته, حتى أتيناك بها ودللناك عليها, ولم تكن تهتدي لها". وهذا الذي رجحه هو مذهب الكوفيين (¬3). ¬
وكذلك قوله عند تفسير قوله تعالى: {حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ} " {حَتَّى} غاية ناصبة لـ {تُؤْتُونِ} , وعلامة النصب: حذف النون, والنون الموجودة مزيدة مع ياء النفس (¬1) , قلتُ: والمشهور عند النحاة أن البصريين يقولون: إنَّ "حتى" لا تنصب بنفسها بل تنصب بـ"أن" مضمرة بعدها" (¬2). وكذلك قوله في تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}: " {ذَلِكَ} رفع بالابتداء, {لِيَعْلَمَ} نصب بلام كي, وهي متعلقة بفعل محذوف تقديره ردي الرسول ليعلم، واللام وما عمل فيها خبر {ذَلِكَ} " (¬3). وقوله أيضا عند تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}: " {أَفْتُونِي} وألفه ألف قطع, {إِنْ كُنْتُمْ} , {إِنْ} حرف شرط, {لِلرُّؤْيَا ¬
تَعْبُرُونَ} اللام متعلقة بـ {تَعْبُرُونَ} وجاز دخول اللام مع تعدي الفعل لتقدمها، وجواب الشرط ما تقدم (¬1). ¬
المطلب الثامن: أخلاقه، ومكانته العلمية، وأقوال العلماء فيه.
المطلب الثامن: أخلاقه، ومكانته العلمية، وأقوال العلماء فيه. أخلاقه: قبل أن يقرأ أي إنسان عن أخلاق هذا العالم الجليل، أو يسمع الثناء عليه يجب أن يفكر في حال عالم معتز بعلمه، لا يتكفف أبواب الحكام، وهذا الموقف وحده كاف للشهادة بأن الرجل ملتزم بدينه، ومبادئه، لم يغيرها ولم تستهوه الأهواء والبدع في عصره, وقد وصفه المترجمون أنه أوحد زمانه، أو النحوي الأوحد، ثم إننا نجد بعد ذلك من خلال مؤلفه الذي بين أيدينا أنه يلتزم حسن الأدب مع العلماء الكبار، وتظهر أخلاقه العالية حينما يتكلم عنهم. قال الإندونيسي: إلا أنه في بعض الأحيان تأخذه العصبية المذهبية (¬1) فيهاجم الحنفية ويصفهم بأهل الرأي، وهذا في رأيي لا يؤثر كثيرا على شخصيته لأن هذا من طبائع البشر. مكانته العلمية: وصل إلى رتبة الإمامة في النحو، وتصدر لتدريس العربية وأصبح أهل مصر يأخذون عنه في اللغة العربية، والتفسير، حتى صارت مؤلفاته الشغل الشاغل للعلماء في عصره. وقال صاحب إنباه الرواة (¬2): تصدر لإفادة هذا الشأن-أي النحو-وصنف في النحو مصنفاً كبيراً عني به النحويون، استوفى فيه العلل، والأصول، وصنف فيه، مصنفات رأيت المصريين يشتغلون بها، وصنف تصنيفا كبيرا في إعراب القرآن، أبدع فيه، يتنافس العلماء هناك في تحصيله، وسمعت أن أحد المشتهرين بهذا النوع، ابتاع منه نسخة بمصر، في عشر مجلدات، وأحضرها إلى مدينته بالشام، وهو غير عالم بقدرها، ولا عارف بمصنفها، ولما تنبه إلى جلالتها اشتد حفظه لها، وضَنَّه بها، وادخرها لولده. ¬
وقال ابن العماد (¬1): وتلميذ الأدفوي، انتفع به أهل مصر وتخرجوا به في النحو وهذا ما قاله أيضا الذهبي (¬2). ويؤكد هذا الكلام ابن خلكان (¬3) حيث يقول: اشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به، ورأيت خطه على كثير من كتب الأدب قد قرئت عليه، وكتب لأربابها بالقراءة كما جرت عادة المشايخ. أقوال العلماء عليه: ولقد أثنى عليه الذين ترجموا له (¬4) فقد قال الداودي في طبقات المفسرين: إنه النحوي الأوحد (¬5) ثم أثنى على مصنفاته، وبخاصة تفسير الإمام الحَوفي في تفسير القرآن. وهذا ما قاله أيضا السيوطي: في طبقات المفسرين (¬6)، كما أثنى عليه في بغية الوعاة: ووصفه بالنحوي القارئ المفسر (¬7) وقال عنه صاحب إنباه الرواة (¬8): هو عالم فاضل عالم بالنحو، والتفسير قيم بعلل العربية أتم قيام. وهكذا أثنى عليه جميع الذين ترجموا له كما رأينا. ¬
المطلب التاسع: ثقافته ومصنفاته
المطلب التاسع: ثقافته ومصنفاته ثقافته: والناظر في هذا الكتاب، يتأكد تماما أن ثقافة شيخنا الإمام الحَوفي تحمل عبئا بالغا وجهدا كبيرا في تأليفها. ولديه كتب من سبقه وكأنها مفتوحة أمامه ينقل منها ما شاء، كلها من أعظم التصانيف المعتمدة حتى يومنا هذا، كتفسير الطبري، وكتاب سيبويه، ومعاني القرآن للفراء، والمدونة الكبرى، وإعراب القرآن للنحاس، كما له اطلاع واسع في الحديث النبوي الشريف، والأدب، والشعر، وغير ذلك. مصنفاته: ذكر أصحاب التراجم أن مصنفاته كثيرة، منها الصغير، والكبير، وأن علماء مصر انتفعوا بتلك المصنفات. والمصنفات التي أكثر المترجمون له من ذكرها والتي استطعت الحصول على أسمائها هي أربعة فقط: أولا: إعراب القرآن قالوا: إنه في عشر مجلدات. ثانيا: تفسير الإمام الحَوفي في تفسير القرآن قالوا: إنه في ثلاثين مجلدا. ثالثا: علوم القرآن قالوا: إنه كبير جدا. رابعا: الموضح في النحو. ولكن لم تحفظ لنا المخطوطات سوى "تفسير الإمام الحَوفي" الذي بين أيدينا (¬1). ¬
المطلب العاشر: وفاته
المطلب العاشر: وفاته أجمع المترجمون له على أن الإمام الحَوفي-رحمه الله-توفي في مستهل ذي الحجة في سنة ثلاثين وأربعمائة، ودفن في مصر بعد أن تخرج على يده أجيال من العلماء في النحو، والتفسير، والقراءات، ولم يضع القلم من يده حتى آخر لحظة في حياته، شأنه شأن علماء هذه الأمة، التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس (¬1). ¬
الفصل الثاني التعريف بمخطوط الإمام الحوفي [البرهان في علوم القرآن].
الفصل الثاني التعريف بمخطوط الإمام الحوفي [البرهان في علوم القرآن]. وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: اسم الكتاب وتوثيق نسبته للمؤلف. المبحث الثاني: موضوع الكتاب. المبحث الثالث: مصادر المؤلف في الكتاب. المبحث الرابع: منهج الحوفي في كتابه البرهان. المبحث الخامس: قيمة الكتاب العلمية وثناء العلماء عليه. المبحث السادس: وصف النسخ الخطية المعتمدة لتحقيق الكتاب، مع نماذج من صور المخطوط.
المبحث الأول اسم الكتاب، وتوثيق نسبته إلى مؤلفه
المبحث الأول اسم الكتاب، وتوثيق نسبته إلى مؤلفه قبل أن يطلع أي قارئ متخصص على نسخ الكتاب "المخطوطة" يستطيع أن يعلم أن للإمام الحوفي كتابا اسمه [البرهان في علوم القرآن].من خلال قراءاته في كتب التراث المتعددة سواء عند المعربين للقرآن، أو النحويين. فمن الذين نقلوا عن الحوفي من النحاة الذين يهتمون بإعراب القرآن أبو حيان (¬1)، والسمين الحلبي (¬2)، وابن عادل (¬3)، وابن هشام (¬4)، وأبو الحسن القيرواني (¬5)، والألوسي (¬6)، أما الكتب المتخصصة في معجم المؤلفات، وكتب العلماء، فإنهم ذكروا لنا أن كتاب الإمام الحَوفي في علوم القرآن أو تفسير القرآن هو من تأليف الإمام الحَوفي، وهم متفقون على أن الإمام الحَوفي صنف كتابا في تفسير القرآن لكنهم اختلفوا في اسمه فمنهم من قال: البرهان في تفسير القرآن، ومنهم من قال: البرهان في علوم القرآن (¬7) ومنهم من قال: ¬
تفسير الحَوفي مثل ياقوت الحموي (¬1)، والقفطي (¬2)، والداودي (¬3)، وطاشكبرى زاده (¬4)، وحاجي خليفة (¬5)، ومنهم من قال: إعراب القرآن للحوفي، ومنهم من لم يسم الكتاب بل نقل قول الحوفي ناسبا إياه له، مثل ابن كثير (¬6)، ومنهم من قال: تفسير القرآن للحوفي مثل ابن خلكان: وسماه بعض الباحثين: "البرهان في علوم القرآن من الغريب والإعراب والأحكام والقراءات والتفسير والناسخ والمنسوخ وعدِّ الآي والتنزيل والوقف والتمام والاشتقاق (¬7) ". وعلى كل حال فقد أجمع العلماء الأجلاء على أن البرهان للحوفي وللباحث في ذلك أدلة ثلاثة. أولا: نقل العلماء عنه وتسميتهم بالبرهان للحوفي. ثانيا: نسبة البرهان إلى الحوفي من قبلِ الذين ترجموه جميعا. ثالثا: نسبة البرهان للحوفي على غلاف النسخ المخطوطة التي استطعت الاطلاع عليها (¬8). ¬
المبحث الثاني موضوع الكتاب
المبحث الثاني موضوع الكتاب يظهر محتوى الكتاب، ومضمونه من خلال العنوان الذي وضعه مؤلفه له، والذي أُثبت على غلاف النسخ المخطوطة وهو: "البرهان في علوم القرآن من الغريب والإعراب والقراءات والتفسير والناسخ والمنسوخ والأحكام وعدد الآي والتنزيل والوقف والتمام والاشتقاق والتصريف" (¬1) وزيد في بعض النسخ "المحكم والمتشابه" (¬2). وبهذا التصور العام لمحتوى الكتاب يتبين لنا أن الحوفي-رحمه الله- أراد أن يؤلف تفسيرا، منظما، مرتبا، يضمنه جانبا تطبيقيا لعلوم القرآن المختلفة. ولعلنا نتساءل هل التزم الحوفي بما قرره في عنوان كتابه البرهان؟ الجواب أن المطلع على كتابه يراه قد التزم بهذا المنهج في كتابه، فهو ملتزم بتناول الآية القرآنية حسب ترتيب المصحف، بادئا بقوله في الإعراب مبينا الغريب والاشتقاق والتصريف ثم القول في القراءة ثم المعنى والتفسير، ثم ما تضمنته الآية من الأحكام الفقهية والمسائل الكلامية وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ والوقف والتمام. هذا المنهج التزم به على مدى آيات القرآن حسب ترتيب المصحف وحسب ترتيب تلك الجوانب، وهو بهذا الصنيع المتميز هدف إلى إظهار ما أنطوى عليه النص القرآني من غرائب التركيب، وتباين الطرق التي تنتزع بواسطتها المعاني، ومعرفة ألفاظ القرآن وفهم معانيه، وإدراك أغراضه وأبعاده. ويؤيد كلامنا هذا قول ابن مجاهد: فمن حملة القرآن المُعرِب العالم بوجوه الإعراب والقراءات العارف باللغات ومعاني الكلام البصير بِعَيْب القراءات المنتقد للآثار فذلك الإمام الذي يفزع إليه حفاظ القرآن في كل مصر من أمصار المسلمين (¬3). ¬
وعلى ما قرره العلماء واتفقوا عليه من الشروط الواجب توافرها فيمن يتصدى لتفسير كلام الله -عز وجل- وعلى ما سوف تكشفه لنا الدراسة بإذن الله تعالى أقول: بأن الإمام الحوفي التزم هذا المنهج في كتابه، فجاء كتابه متكاملا من تلك الجوانب، مستوفيا تلك الشروط، جامعا بين مناهج التفسير المتعددة، فلقد جمع بين منهج التفسير اللغوي، مقتفيا آثار أئمته ابن عباس، وأبي عبيد، والفراء، والزجاج، والنحاس. وبين منهج التفسير النقلي مقتفيا آثار أئمته- عبد الرحمن بن زيد، وابن جرير الطبري، وبين منهج المتكلمين، وبين منهج التفسير الفقهي، مقتفيا آثار أئمته-مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وسفيان الثوري، والأوزاعي. وليس جمعه بين المناهج المتعددة تكرارا لعمل السلف، بل لم يسبقه أحد من السلف بهذا التأليف الجامع المستلْهمِ للتراث السابقِ عليه، المستوعبِ لدقائق ما جاء من مناهجهم، وهذا شأن العلماء أن يستلوا من التراث بعد أن يستوعبوه، ويتخيروا منه ما شاء الله، ثم يضيفوا إليه ما يوحي به إخلاصهم، وتأملهم، وإلهامهم. ولما كانت طبيعة البحث تقتضي بيان منهجه في كتابه، رأيت أن أعرض منهجه مجملا، لأنه قد سبقني عدد من الباحثين ففصلوا في منهجه تفصيلا.
المبحث الثالث: مصادر المؤلف في الكتاب
المبحث الثالث: مصادر المؤلف في الكتاب يتبين للقارئ المتخصص الذي يتابع أقوال الحوفي، ونقوله، أن مصادر كتابه واضحة، جلية، وكأنه وضع هذه المصادر بين يديه لا يتعداها إلى غيرها. وأستطيع أن أقول: إن الحوفي قد اعتمد على كتب كثيرة، ومصادر متنوعة في فنون مختلفة، وبيان ذلك على النحو التالي: أولا: الكتب التي اعتمد عليها في المعاني والإعراب: 1 - معاني الإعراب للزجاج: ومن أمثلة ذلك قول الحوفي عند إعراب قوله تعالى: {أَحْسَنَ مَثْوَايَ}: يقول أحسن منزلتي, وأكرمني وائتمنني فلا أخونه, قال: وقال الزجاج (¬1): يجوز أن تكون الهاء لله عز وجل، أي: أن الله ربي أحسن مثواي في طول مقامي. وكذا أيضا قال عند إعراب قوله تعالى: {قُرْآَنًا} نصب على الحال (¬2) أي: مجموعا. 2 - إعراب القرآن للنحاس: ومن أمثلة ذلك قول الحوفي عند إعراب قوله تعالى: {قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ}: دخلت ألف الاستفهام على "إنك" يقرأ بالاستفهام، وعلى الخبر (¬3). 3 - معاني القرآن للفراء: ومن أمثلة ذلك قول الحوفي عند إعراب قوله تعالى: {وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ} , {مَا} في موضع رفع بالابتداء, {وَمِنْ قَبْلُ} الخبر, ويكون {مَا فَرَّطْتُمْ} بمنزلة التفريط أي: {وَمِنْ قَبْلُ} تفريطكم في يوسف, ويكون {وَمِنْ} متعلقة بالاستقرار, و {قَبْلُ} مبني لأنه غاية والتقدير: {وَمِنْ قَبْلُ} هذا تفريطكم, ويجوز أن تكون {مَا} زائدة, ويكون التقدير: ¬
{وَمِنْ قَبْلُ} فرطتم, ويجوز أن تكون {مَا} في موضع نصب عطف على {أَنَّ} والتقدير: أولم تعلموا من قبل هذا تفريطكم في يوسف (¬1). ثانيا: كتب التفسير التي اعتمد عليها الحوفي: 1 - جامع البيان للطبري: إن كثيرا من كتاب الحوفي في باب المعنى والتفسير منقول من تفسير الطبري، لا سيما الأقوال المأثورة ومن ذلك كلام الحوفي عند قوله في تفسير الحروف المقطعة في أول سورة البقرة، إذ يقول نقلا عن ابن جرير: اختلف أهل التفسير وأهل اللغة فيها فروي عن عطاء عن أبي الضحى عن ابن عباس قال: {الم} أنا الله أعلم، و {الر} أنا الله أرى، و {المص} أنا الله أفصل، وروي عن سعيد بن جبير مثل ذلك وروي عن علي بن أبي طلحة عنه {الم} و {المص} و {كهيعص} وما أشبه ذلك أنه قسم، أقسم الله به، وهو من أسماء الله جل اسمه (¬2). 2 - تفسير ابن أبي حاتم، والطبري: فالحوفي-رحمه الله- يقول نقلا عن ابن أبي حاتم والطبري: فى تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} , وَذُكِرَ أَنَّ سَبَبَ حَبْسِهِ فِي السِّجْنِ، كَانَ شَكْوَى امْرَأَةِ الْعَزِيزِ إِلَى زَوْجِهَا, أَمْرَهُ وَأَمْرَهَا قال السدي: قالت المرأة لزوجها: إِنَّ هَذَا الْعَبْدَ الْعِبْرَانِيَّ قَدْ فَضَحَنِي فِي النَّاسِ، يَعْتَذِرُ إِلَيْهِمْ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنِّي رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَسْتُ أُطِيقُ أَنْ أَعْتَذِرَ بِعُذْرِي، فَإِمَّا أَنْ تَاذَنَ لِي فَأَخْرُجَ ¬
فَأَعْتَذِرَ، وَإِمَّا أَنْ تَحْبِسَهُ كَمَا حَبَسْتَنِي, فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} الآية وقيل: الحين معني به: سبع سنين: قاله عكرمة" (¬1). 3 - تفسير عبد الرزاق الصنعاني: فالحوفي مثلا ينقل عنه عند تفسيره لقوله تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عليه فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} أي: دخلوا على يوسف فعرفهم، وهم لا يعرفونه (¬2) عزو الحوفي إلى المصادر: وأستطيع أن أقول: إن الإمام الحَوفي -رحمه الله- أمين في نقله، دقيق فيه، عالم بما ينقل لكنه-رحمه الله- قلما يصرح بنقله من الكتب التي يعتمد عليها، جريا على المتعارف عليه عند أهل العلم آنذاك، إذ هم على علم بذلك، وفي القليل الذي يصرح الحوفي-رحمه الله- بالمصدر الذي نقل عنه، يكون نقله حرفيا وقلما يتصرف في ذلك. ¬
المبحث الرابع: منهج الحوفي في كتابه البرهان
المبحث الرابع: منهج الحوفي في كتابه البرهان: أما عن منهج الإمام الحَوفي في كتابه، فيستطيع أن يعرفه أي قارئ ببساطة، لأنه قسم كتابه تقسيما جيدا بالنسبة إلى عصره، حيث إن التقسيمات، والترتيبات، لم تكن قد نضجت في عصر الإمام الحَوفي، وإنما كانت النهضة قائمة على ترتيب العلوم التي ورثوها عن العلماء الأجلاء، لأن العلوم من حيث هي لم تنضج إلا في القرون الأربعة الأولى، وجاء بعد ذلك علماء ليشرحوا، ويرتبوا ترتيبا علميا. أولا: منهجه في ترتيب كتابه إن منهج الإمام الحَوفي-رحمه الله-كان واضحا في كتابه حيث وضع له خطوطا واضحة الملامح، سار عليها من أول الكتاب إلى آخره، كما هو واضح من العناوين التي ذكرها في كتابه وذلك على النحو التالي: 1 - يقدم الحوفي بين يدي تفسير السورة أمورا تتعلق بها هي كالمدخل لها كاسم السورة وما يتعلق بنزولها ونحو ذلك، فمثلا يقول: "سُورَةُ يُوسفَ عليه السَّلامُ" ثم يذكر التنزيل فيقول: "قال ابن عباس: نزلت بمكة فهي مكية". ثم يفسر آيات السورة، ويختم السورة بذكر عدد آياتها. 2 - يرتب تفسير الآية، أو الآيات ترتيبا دقيقا، حسب علوم القرآن، فيبدأ بذكر الآية، أو الآيات التي يريد تفسيرها حسب ترتيب المصحف برواية ورش عن نافع (¬1). ثم يبدأ التفسير بالقول في الإعراب، وهو لا يقصد بالإعراب ضبط أواخر الكلم فقط، إنما قصد الإعراب بمعناه الواسع فهو يجمع بين البحث اللغوي، والنحوي، ونحو ذلك، ويبدو ذلك واضحا من جمعه بين المباحث اللغوية ¬
ثانيا: منهجه في الإحالة والتكرار
كالمعاني، والاشتقاق، والتصريف، والظواهر الصوتية من جهة، والمباحث النحوية كالتركيب والإفراد ودور ذلك في الكشف عن المعنى من جهة أخرى. وبعد أن يستوفي القول في الإعراب ينتقل إلى القول في القراءات وصلتها بالمعنى. ثم ينتقل إلى القول في المعنى والتفسير، فيكشف اللفظة المفردة، ودلالتها اللغوية عن طريق كشف النظائر والنقيض، ثم يبين سبب نزول الآية، ويكشف عن الناسخ والمنسوخ، ويبين أن النسخ لا يكون إلا في آيات الأحكام وبعد أن ينتهي من ذلك يكشف المعنى من جوانب عدة، فإن كانت الآية مجملة فصلت في آيات أخرى وضحها وبينها، وإن كانت السنة قد بينتها نص على ذلك وهو في كل هذا يستشهد بالشعر، وغيره، فإن تعرض لقصة قرآنية بينها وذكر أن هذا القول أقرب ما قاله المفسرون، فإن تعرض لمسألة كلامية بينها ونبه عليها وناقشها، فإن كان في الآية حكم فقهي، نص عليه وجمع بين أقوال الأئمة وتخير أجود تلك الأقوال، ثم إذا انتهى من ذلك، ذكر ما تضمنته الآية بعبارة مجملة تلخص محتوى الآيات، ثم ينتقل للقول في الوقف والتمام لينهي تفسيره للآية، أو الآيات، وهو في كل هذا يغلب عليه الطابع اللغوي، والاهتمام بالجانب الأسلوبي، وصولا للمعنى. ثانيا: منهجه في الإحالة والتكرار ليس للحوفي- رحمه الله- منهج ثابت في الإحالة، أو التكرار، فهو يحيل على ماسبق أحيانا فيقول: كما تقدم أو قد تقدم أو سبق أو مثل ما تقدم أوتقدم القول فيها. فمثلا عند تفسيره للحروف المقطعة في أول سورة يوسف-عليه السلام- فيقول عند قوله تعالى: {الر}: قد تقدم القول فيه (¬1). وأحيانا يكرر المعلومة التي يذكرها متوسعا في ذلك أو مختصرا، وأحيانا يزيد عليها مع تكرارها كتكراره الاستشهاد بالأبيات الشعرية، والآيات القرآنية، ويقصد بذلك توضيح الغريب اللغوي. فعند ¬
تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا}:قال: {نَجِيًّا}: نصب على الحال, وهو واحد يؤدي عن جميع, وجمعه أنجية وينشد: إِني إِذا مَا القَوْمُ كَانُوا أَنْجِيَهْ ... واخْتلف القولُ اختلاف الأَرْشِيَهْ هُنَاكَ أَوْصِينِي وَلَا تُوصِي بِيَهْ يقال: نَجَوْتُ الرَّجُلَ أَنْجُوه نَجِيًّا, جعل صفة، ومنه قوله تعالى: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} ويقال للجماعة نجوى، وهم يتناجون تناجياً, وقال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} ويقال نجوت أنجو نجوى وأصل النجو الارتفاع من الأرض, فالمناجاة مثل المسارة (¬1). {خَلَصُوا نَجِيًّا} أي خلا بعضهم لبعض يتناجون ولا يختلط بهم غيرهم, والنَّجِيُّ: يكون واحدا، وجماعة، لأنه مصدر وكونه للجماعة: قوله تعالى: {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى}، {مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} والواحد {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} فهي في هذه المناجاة نفسها ومنه قول الشاعر: وأحب نجوى الرجال فَـ ... كُنْ عِنْدَ سرّكَ حبَّ النَّجِيّ والنجوى و"النجي" في هذا بمعنى واحد، وهي المناجاة (¬2). ثم يقول الحوفي في تفسير سورة المجادلة: "النجوى" ما ينفرد به الجماعة أو الاثنان سرا كان أو ظاهرا، وبمعنى نجوت الشيء في اللغة: خلصته وألقيته، يقال: نجوت الجلد إذا ألقيته عن البعير. قال الشاعر: فقلتُ انجوا عنها نجا الجلد إنه ... سيرضيكما منها سَنام وغاربُهْ (¬3) ¬
ثالثا: منهجه في عرضه للمادة العلمية
وأحيانا لا يكرر، مكتفيا بما ذكره في موضع آخر، كما في باب"التصريف والاشتقاق" فقد فصل في لفظة: {اسْتَيْأَسَ} عند قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ}، ولم يفصل في نفس اللفظة، عند قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ}. ثالثا: منهجه في عرضه للمادة العلمية تقدم القول في ترتيب الحوفي لمحتويات كتابه. وأما عن معالجته لهذه المحتويات فهو يعرضها على النحو التالي: 1 - منهجه في إعراب الآيات: تناول الإمام الحَوفي إعراب الآيات بشئ من التفصيل لم يفعله من سبقه فهو يعرب مفردات الآيات حتى الواضح المعروف فإنه قد يعربه في كثير من الأحيان حتى ليخيل للقارئ أن هذا كتاب إعراب للقرآن، فمثلا يقول عند قوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} {إِنِّي} مستأنف، و {أَحَدَ عَشَرَ} في موضع نصب بـ {رَأَيْتُ} , إلا أنه مبني, و {كَوْكَبًا} نصب على التمييز, {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} نصب الشمس والقمر بإضمار فعل دل عليه, {رَأَيْتُهُمْ} ليعطف ما عمل فيه الفعل, والتقدير: ورأيت الشمس والقمر رأيتهم, وكنى عن الشمس والقمر بالهاء والميم وكذا بالياء والنون في ساجدين، فإنما ذلك للخبر عنهم بفعل من يعقل, إذ السجود لا يكون إلا ممن يعقل, والهاء والميم مفعول أول, و {سَاجِدِينَ} مفعول ثاني, {لِي} متعلق بـ {رَأَيْتُهُمْ} , وإن شئت جعلته متعلقا بـ {سَاجِدِينَ} وعليه المعنى.
وقد لا يكتفي الإمام الحَوفي بإعراب الآية بل إنه كثيرا ما يذكر الآراء في المسألة النحوية الواحدة ثم يرجح ما يراه راجحاً وهذا يؤكد حرية فكره، وإن كان يرجح رأي سيبويه في هذه المسألة فهو مع الحق أينما دار، ومن الأدلة على ذلك: قوله في فاعل "بدا" في قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ} فيقول: واختلف في فاعل {بَدَا} فذهب سيبويه إلى أن الفاعل: ما دل عليه {ليَسجُننّه} أي: ظهر لهم أن يسجنوه, وقال المبرد: "الفاعل مضمر دل عليه بدا بتقديره بدا لهم بداء (¬1) " وقيل: الفاعل رأي: أي بدا لهم رأيٌ لم يكونوا يعرفونه وحذف لدلالة الكلام عليه , والوجه ما قال سيبويه لأنا إذا وجدنا الظاهر لم يقدر محذوف, وكان هذا الظاهر الذي هو {لَيَسْجُنُنَّهُ} لما قام مقام الفاعل ودلّ عليه كأنه هو الفاعل, وأما قول المبرد فإن الفعل لا يدل من لفظه على الفاعل إنما يطلبه (¬2). 2 - منهجه في شرح المفردات، وبيان معاني الكلمات الغريبة، ومسائل الإعلال والإبدال، واللهجات، والبلاغة: مثال شرح المفردات، وبيان معاني الكلمات الغريبة: إن الإمام الحَوفي يكثر من التفصيل في مفردات المادة وإرجاعها إلى أصلها ثم بيان أصل اشتقاقها ويذكر المناسبة بين المادة والكلمة التي يفسرها. فيقول في تفسير النجوىَ (¬3) في قوله تعالى: {خَلَصُوا نَجِيًّا}: أي خلا بعضهم لبعض يتناجون ولا يختلط بهم غيرهم, و"النجي" يكون واحدا وجماعة لأنه مصدر وكونه للجماعة قوله تعالى: {وَإِذْ ¬
هُمْ نَجْوَى} و {مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} والواحد {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} فهي في هذه المناجاة نفسها، ومنه قول الشاعر: وأحب نجوى الرجال فَـ ... كُنْ عِنْدَ سرّكَ حبَّ النَّجِيّ والنجوى و" النجي" في هذا بمعنى واحد، وهي المناجاة. وأما مثال الإعلال والإبدال فهو قوله: في كلمة {دَلْوَهُ} (¬1) يقول: وجمع دلو "أدل" في القليل والكثير دُلي، بضم الدال وكسرها, والأصل دلو, وعلى وزن فعول, قلبت لام الفعل ياء, وقلبت الياء الزائدة, ثم أدغمت الياء في الياء, وفعلت ذلك: لأن الجمع باب لاستثقال الجمع وحرف العلة, ولنفرق بين الواحد والجمع, فمن ضم: فعلى الأصل, ومن كسر: كرِه الكسر بعد الضم استثقالا له، ويقال في جمعه أيضا: دِلاء. ويقال: أدلى الرجل دلوه إذا أرسلها ليستقي بها يدلها إدلاً, ودلاها يدلوها دلوا، إذا مدّها ليخرجها. وأما مثال اللهجات: قوله عند قوله تعالى: {هَيْتَ} يقول: يعني: تعال واقرب (¬2) , وقال ابن عباس: هلم لك, وقال السدي والحسن: هيت بالقبطية هلم, وقال الكسائي وأبو عبيدة: هي لغة حُورَان, معناها تعال, ومن ضم التاء فالمعنى: تَهَيَّات لك من قول القائل: هِئْت لِلْأَمْرِ أَهِيئُ هَيْئَة, وهئت للاثنين والجمع والذكر والأنثى فيه سواء. وأما مثال البلاغة: ¬
قوله عند تعرضه لمعاني الاستفهام: إنها للتوبيخ أو النفي أو التقرير. فمثلا يقول عند قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا} (¬1) ألف الاستفهام دخلت للتقرير. {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} ألف الاستفهام للتقرير والتوبيخ. {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (¬2) الألف للتقرير والتوبيخ. {هَلْ} (¬3) حرف استفهام فيه معنى النفي بتقرير وتوبيخ. 3 - نهجه في عرض القراءات: يلاحظ على منهج الإمام الحوفي في عرض القراءات في سورة يوسف-عليه السلام- ما يلي: - أن الحوفي يقتصر على ذكر القراءات السبع التي اتفقت الأمة على تواترها وهي قراءة الأئمة: نافع، وابن كثير، وأبي عمرو, وابن عامر, وعاصم, وحمزة، والكسائي, ولا يتعرض للقراءات الثلاث المتممة للعشر، وهي قراءات الأئمة أبي جعفر، ويعقوب، وخلف العاشر، وهي قراءات اتفق غالب القراء على تواترها (¬4)، فلعل الإمام الحوفي يعتبر ما دون السبع من الشواذ. فمثال الاقتصار على القراءات السبع، الذي هو غالب عليه قوله: قرأ حفص {يَا بُنَيَّ} بفتح الياء, وقرأ الباقون (¬5): بكسرها, فمن فتح: جعلها ياء النفس, ومن كسر: حذفها, وجعل الكسر دالة ¬
عليها, وقرأ ابن كثير (¬1): {آيَةٌ لِلسَّائِلِينَ} على الإفراد, والباقون على الجمع, فالجمع: لمعنى عبر, لأن أمر يوسف، وحديثه كان فيه عبر. - أن الحوفي ترك ذكر بعض القراءات الواردة في السبع أحياناً. فمن القراءات التي ترك ذكرها ما ورد في كلمة: {غَيَابَتِ الْجُبِّ} حيث لم يذكر أن الإمام نافعًا قرأها بالجمع {غَيَابَاتِ} (¬2) وقرأها الباقون بالإفراد، كما لم يذكر المصنف رواية البزي، في قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا}، حيث قرأها البزي {اسْتَايسُوا} (¬3)، وكذلك في قوله تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا}، قرأها {وَلَا تَايسُوا} (¬4) , وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ} قرأها {لَا يَايسُ} وكذلك في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} قرأها: {حَتَّى إِذَا اسْتَايسَ} وكذلك ترك المؤلف-رحمه الله- ذكر وجه لقنبل، في قوله تعالى: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا نَرْتَعْيِ وَنَلْعَبْ} حيث قرأها بالياء بعد العين (¬5). - أن الحوفي وقعت له أخطاء قليلة في نسبة هذه القراءات للقراء, فلم يضبط نسبة القراءات لمن قرأ بها ضبطاً تاماً، فمن ذلك عند قوله تعالى: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} {اقْتُلُوا}، حيث لم يذكر أن ابن عامر، قرأها بضم التنوين (¬6) , وكذلك في قوله تعالى: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا ¬
بِضَاعَتَهُمْ}، حيث لم يذكر أن حفصا، يقرأها كما يقرأها، حمزة والكسائي (¬1) , وكذلك في كلمة {بِالسُّوءِ إِلَّا} (¬2) , لم يستوف ذكر الأوجه عن قالون والبزي حيث لهما تسهيل الهمزة الأولى (¬3) بين بين كذلك, وكذلك ذكر في قوله تعالى: {يَا أَبَتِ} أن ابن عامر يقرأها وقفًا {يَا أَبَه} ونسبها إلى ابن كثير بلفظ (روي عن ابن كثير) (¬4) مع أن ابن كثير يقرأها كابن عامر وجهًا واحدًا في الوقف (¬5). - أن الحوفي إذا أورد قراءات ليست من القراءات السبع يسميها بالقراءات الشاذة وإن كانت قراءة أحد القراء الثلاثة المتممة للعشرة, فالظاهر من منهجه أنه يختار تواتر القراءات السبع فقط، وهذا ما يفهم بالاستقراء في مصنفه، ومثال ذلك ما ذكره في كلمة: {مُتَّكًا} حيث ذكر أنها من الشاذة، رغم أنها قراءة أبي جعفر المتواترة عند القراء (¬6) , حيث يقول: قال مجاهد: من قرأ {مُتَّكَأً} فهو الطعام, ومن قرأ {مُتَّكَاً} وهي قراءة شاذة: فهو الأترج (¬7). - أن الحوفي يورد بعض القراءات الشاذة أحياناً، ومن أمثلة ذلك في غير سورة يوسف-عليه السلام- قوله عند تفسير قوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} (¬8): وروي أنه كان في ¬
مصحف عائشة رضي الله عنها: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا} "أوثانا"، وكان ابن عباس يقرأها: {إِلَّا} " أُثُناً" جمع وثن، وكان غيره يقول: أنثا النون قبل الثاء جمع الإناث على أُنُثٌ، كما يجمع الثمار على ثمر، ولم يقرأ بشيء من هذا في المشهور، والإِناثُ جمع أنثى، وهي قراءة العامة التي لا ينبغي أن تتجاوز (¬1). 4 - منهجه في الأحكام الفقهية: لم يتناول المصنف-رحمه الله- في سورة يوسف -عليه السلام- بحث شيئ من المسائل الفقهية من عبادات، ومعاملات، ليُعرف من خلالها مذهبه الفقهي، ولكن من خلال اطلاعي على من سبقني في تحقيق هذا الكتاب المبارك، تبين لي أن الإمام الحَوفي يسوق الأحكام المستنبطة من الآية أولا، ثم يفصل هذا الحكم أحيانا، ويسوق فيه أقوال العلماء وبخاصة الأئمة الأربعة، إلا أنه يذكر أبا حنيفة أحيانا-بالنعمان والكوفي (¬2) كما يذكر أصحابه، بأصحاب الرأي. ¬
وقلما يذكر المذهب الحنبلي (¬1). فمثلا يقول في حكم تارك الصلاة: واختلف في تارك الصلاة عامدا حتى يفوت وقتها بغير عذر، فقال إبراهيم النخعي، وأيوب السجستاني، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق: هو كافر. وقال مالك، وحماد بن زيد، ووكيع، والشافعي، ومكحول: يستتاب ثلاثا، فإن صلى في الثلاث، وإلا قتل، وقال الزهري، والنعمان: إن كان إنما تركها لأنه ابتدع دينا غير الإسلام، قتل وإن كان إنما هو فاسق، ضرب ضربا مبرحا، وسجن. وروى عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ والْكُفْرِ أَوْ الشِّرْكِ إِلاَّ تَرْكُ الصَّلاَةِ" (¬2)، وصلى عمر رضي الله عنه وجرحه يثعب دما حين طعن، وقال: لاحظَّ في الإسلام لأحد ترك الصلاة (¬3). وقال علي رضوان الله عليه، وابن عباس: مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ كَافِرٌ (¬4) ¬
(¬1). 5 - منهجه في بيان المعاني العامة، وما تضمنته الآيات: يأتي الإمام الحوفي في هذا الباب بشرح مجمل لما تضمنته الآيات، وأسلوبه في هذا الجانب يحتاج أحيانا لصعوبة في الفهم لما يأتي به من عبارات تلبس أحيانا مما يجهد المحقق كثيرا، فمثلا يقول فيما تضمنه المعنى بعد قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا}، إلى قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} الآية: 80 - 81 - 82 - 83. قال: وقد تضمنت الآيات البيان عما توجبه شدة المحبة في سبب نقض المعاهدة من إظهار البدر (¬2)، لئلا يتوهم اختيار النقض على ركوب القبيح من الأمر, والبيان عما يوجبه نقض العهد من الاعتداء بما وقع لأجله مما لا يملكه المعهود به، مما لم يحتبسه ولا قدر أن يكون مثله, والبيان عما يوجبه طلب التصديق من الاستشهاد بأهل الخبرة حتى يتواتر من الخبر ما يزول معه الشك ويرفع الريب, والبيان عما يوجبه التعهد في شدة المحن من الصبر الجميل والطمع فيما يأتي من قبل الله عزَّ وجلَّ من تجديد النعمة، وكشف البلية على ما وعد الصابرين من الخير في العاقبة (¬3). 6 - منهجه في القول في الوقف والتمام: إن الإمام الحوفي يختم تفسير الآية، أو الآيات بحديثه عن القول في الوقف والتمام دائما، ويتعرض لكل وقف ويسميه تاما، أو كافيا، أو غيرهما، كما هو معروف عند العلماء الأجلاء، وإن كان فيه خلاف يذكره، لكنه يلتزم الاختصار إلا أنه يفرد له عنوانا دائما في آخر حديثه عن الآية، أو الآيات التي يفسرها. ¬
فمثلا يقول عند قوله تعالى: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}: "القول في الوقف والتمام: {كَيْدًا} كاف, وكذلك {عَدُوٌّ مُبِينٌ} , {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} تمام عند نافع وعند غيره, {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} , {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} كاف , و {لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} كاف أيضا" (¬1). ¬
المبحث الخامس: قيمة الكتاب العلمية، وثناء العلماء عليه
المبحث الخامس: قيمة الكتاب العلمية، وثناء العلماء عليه لا يخفى على كل من له باع في هذا الفن، بأن من استشهد بالنقل من كتاب، ونسبه لصاحبه فقد اعتمده، وأثنى عليه ضمنا، ومن هؤلاء الأئمة الأعلام: أبو حيان، والسمين الحلبي، وابن عادل، وابن هشام، وأبو الحسن القيرواني، والألوسي، وغيرهم كثير مما يؤكد عظمَ مكانته عندهم (¬1). وممن وثق الكتاب وأثنى عليه الإمام ابن دحية الكلبي (ت 633 هـ) فقد أكثر في كتابه "نهاية السول في خصائص الرسول-صلى الله عليه وآله وسلّم" من الإحالة إلى كتاب [البرهان في علوم القرآن] لأبي الحسن علي بن إبراهيم الحوفي، وقال في إحدى إحالاته: "فحكى أبو الحسن علي بن إبراهيم الحوفي في كتابه البرهان في علوم القرآن، وهو عندي في ثلاثين مجلدا، وحدثني به جماعة من أشياخ إجازة (¬2). وقال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: في النوع العشرين: معرفة الأحكام من جهة إفرادها وتركيبها، ويؤخذ ذلك من علم النحو، وقد انتدب الناس لتأليف إعراب القرآن، ومن أوضحها كتاب الحوفي (¬3). وقال السيوطي في الإتقان: في النوع الحادي والأربعين في معرفة إعرابه: أفرده بالتصنيف خلائق منهم مكي، وكتابه في المشكل خاصة، والحوفي وهو أوضحها (¬4). ¬
وقد قال حاجي خليفة في كشف الظنون: البرهان في تفسير القرآن للشيخ أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي، المتوفى: سنة ثلاثين وأربعمائة، وهو كتاب كبير، في عشر مجلدات، ذكر فيه: الإعراب، والغريب، والتفسير (¬1). وقد قال الزُّرْقاني في مناهل العرفان: "ظفرت في دار الكتب المصرية بكتاب لعلي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي، المتوفى سنة 430 هـ، اسمه [البرهان في علوم القرآن] ... " ثم استعرض الزُّرْقاني بعض الأجزاء التي وقع عليها فقال: "يعرض الآية الكريمة بترتيب المصحف ثم يتكلم عليها من علوم القرآن مخصصا كل نوع منها بعنوان، فيسوق النظم الكريم تحت عنوان: القول في قوله عز وجل. وبعد أن يفرغ منه يضع هذا العنوان: القول في الإعراب ويتحدث عنها من الناحية النحوية واللغوية، ثم يتبع ذلك بهذا العنوان القول في المعنى والتفسير، ويشرح الآية بالمأثور والمعقول، ثم ينتقل من الشرح إلى العنوان الآتي: القول في الوقف والتمام مبينا تحته ما يجوز من الوقف، وما لا يجوز. وقد يفرد القراءات بعنوان مستقل فيقول القول في القراءة. وقد يتكلم في الأحكام الشرعية التي تؤخذ من الآية عند عرضها ففي آية قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} من سورة البقرة يذكر أوقات الصلاة، وأدلتها، وأنصبة الزكاة، ومقاديرها. ويتكلم عن أسباب النزول، وعلى النَّسخ، وما إلى ذلك عند المناسبة. فأنت ترى أن هذا الكتاب أتى على علوم القرآن ولكن لا على طريقة ضم النظائر والأشباه بعضها إلى بعض تحت عنوان واحد لنوع واحد، بل على طريقة النشر والتوزيع تبعا لانتشار الألفاظ المتشاكلة في القرآن وتوزعها. حتى كأن هذا التأليف تفسير من التفاسير، عرض فيه صاحبه لأنواع من علوم القرآن عند المناسبات. وأيا ما يكن هذا الكتاب فإنه مجهود عظيم، ومحاولة جديرة بالتقدير في هذا الباب. جزى الله مؤلفه خير الجزاء" (¬2). ¬
المبحث السادس وصف النسخ الخطية
المبحث السادس وصف النسخ الخطية النسخة الأولى: وهي الأصل الذي اعتمدت عليها بعد الحصول عليها من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. ووصف هذا المخطوط كالتالي: 1 - صفته: مصور على اسطوانة. 2 - مكان حفظه: مكتبة جامعة لايدن بهولندا. 3 - ورقمه في مكتبة الأصل: or 345. 4 - رقمه بالمركز:3190 - 5 - رقم الجزء: الثالث عشر. 6 - نوع الخط: نسخي واضح. 7 - اسم الناسخ: لم يُذكر. 8 - تاريخ النسخ: وهو في القرن السابع الهجري تقديراً وذلك بسؤالي لأهل الفن في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. 9 - عدد الأوراق: 255 10 - عدد الأسطر: ستة عشر سطرا.
يبدأ هذا المخطوط بسورة هود- عليه السلام- من تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا} إلى تفسير قوله تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} سورة الرعد، الآية: 14. ويتكون من تسع وتسعين لوحة، وقد أخذ تفسير سورة هود، أخي وزميلي/ عبد المنعم محمد خطاب دراسة، وتحقيقا، معتمدا على هذا المخطوط المبارك. وأخذت من أول تفسير سورة يوسف- عليه السلام-من اللوحة رقم الواحد بعد المائة إلى نهايتها، لرقم اللوحة الإحدى والثلاثين بعد المئتين. والجزء المتبقي من أول تفسير سورة الرعد من قوله تعالى: {المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} إلى قوله تعالى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} الآية: 14. وهذه البقية من سورة الرعد سأختص بها لنفسي إن شاء الله تعالى، ما دمت حيا، في بحث آخرَ على نفس المنهج، بعد التوجيه السديد المبارك. وهذه النسخة مكتوبة بخط النسخ غالبا، وهي غير منقوطة إلا في كلمات قليلة، وأحيانا نجدها مضبوطة الشكل، ولم تكتب فيها الهمزات "القطع": فيُكتَب لفظ "قرأ" مثلا "قرا" (¬1). وقد التزم الناسخ بالعناوين وفق ترتيب المؤلف فيبتدئ بالآية القرآنية المشروحة من أول السطر، ويسبقها بلفظ قوله تعالى، أو قوله عز وجل، ثم الإعراب ثم "القول في القراءة" ثم "القول في المعنى والتفسير" ... ثم يختم ذلك بـ"القول في الوقف والتمام". ¬
والغريب أن الناسخ في كثير من المواضع لم يكمل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بل كتبها هكذا "صلى الله عليه" (¬1) بحذف التسليم، ولا أعرف داعيا ولا دافعا ولا تفسيرا لهذا الفعل منه. ولكنه لا يهمل التعظيم غالبا عند ذكر الله فيقول: عزَّ وجلَّ (¬2) وأما إذا جاء ذكر الصحابة فيقول: عمر- رضي الله عنه، وعلي-رضوان الله عليه- وكذلك يوجد "عليه السلام" و"صلى الله عليه" (¬3) بعد ذكر يوسف-عليه السلام-واسم علي بن أبي طالب، وأغلب الظن أن هذا يشير إلى أن الإمام الحَوفي مالكي المذهب، فالمالكية عندهم الاحترام ظاهر جدا أكثر من غيرهم لرسول الله-صلى الله عليه وسلم- ولآل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولآثاره ولمدينته حتى إن الإمام مالكا جعل من مذهبه، تقديم عمل أهل المدينة على الرأي (¬4) لقوله: هو حجة، لأنها معدن العلم، ومنزل الوحي، وبها أولاد الصحابة، فيستحيل اتفاقهم على غير الحق، وخروجه عنهم. وهذه النسخة بها كثير من الأخطاء والتصحيفات فمثلا كتب البيت، هكذا: تشكوا إليَّ جَمَلي طُولَ السُّرَى ... صَبْرٌ جَمِيلٌ، وكِلانَا مُبْتَلَى والصواب: يشكو إليَّ جَمَلي طُولَ السُّرَى ... صبرٌ جميلٌ فكِلانا مُبْتَلَى (¬5). ¬
النسخة الثانية
ونادرا ما يخطئ الناسخ في لفظة قرآنية، فمثلا عند قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا (¬1) وَسَاءَ سَبِيلًا} والصواب بدون (مقتا). ومن الأخطاء عند تفسير الكلمات القرآنية ما جاء عند قوله تعالى: {سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ}: " {سَمَّيْتُمُوهَا} في موضع النعت لـ {أَسْمَاءً} , {أَنْتُمْ} توكيد للتاء والميم, {وَآَبَاؤُهمْ} ... " والصواب: {وَآبَاؤُكُمْ} (¬2). وفي النسخة بياض، وسقط في بعض المواضع، وذلك في مثل قوله: وهو شيئ يحتاج إلى (ـ) على يوسف (¬3). النسخة الثانية: وأما النسخة الثانية: فموجودة في دار الكتب المصرية برقم 59 تفسير ولها صورة في معهد المخطوطات العربية بالقاهرة برقم 40 علوم القرآن، وهي مكتوبة بخط عادي مقروء، ومقاسها 14.50× 20.50 سم. وهي ثلاثون مجلدا، ولكن الموجود منها، خمسة عشر مجلدا فقط. أما الجزء الأول: فهو مفقود. ¬
وأما الجزء الثاني: فيبدأ من قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الآية: 56 من سورة البقرة وينتهي عند قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيْمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} من الآية: 130 من سورة البقرة، وعدد أوراقها مائة وعشرون ورقة. وأما الجزء الثالث: فيبدأ من قوله تعالى: {وَلَكُلٍ وِجْهَةٌ هُوَ مُوُلِّيْهَا} من الآية: 148 من سورة البقرة ينتهي عند قوله تعالى: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} من الآية: 204 من سورة البقرة، وهي في خمس وستين ورقة وأُرِّخَتْ كتابته في الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة تسع وستين بعد خمسمائة. وأما الجزء الرابع: فيبدأ من قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ} من الآية: 205 من سورة البقرة وينتهي عند قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِيْنَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ} من الآية: 261، سورة البقرة وعدد أوراقه ثلاث وأربعون بعد المائة ورقة. وأما الجزء الخامس: فمفقود. وأما الجزء السادس: فيبدأ من قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيْسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ} من الآية: 59 من سورة آل عمران وينتهي عند قوله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَاهُمُ الله} من الآية: 180 من سورة آل عمران وعدد أوراقه سبع وتسعون ورقة وأُرِّخَتْ كتابته سنة تسع وتسعين بعد الخمسمائة. وأما السابع: فمفقود.
وأما الثامن: فيبدأ من قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ} من الآية: 69 من سورة النساء وينتهي عند قوله {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تّشْكُرُونَ} من الآية: 6 من سورة المائدة وعدد أوراقه ثلاث وثلاثون بعد المائة ورقة. وأما الجزء التاسع: فيبدأ من قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ} من الآية: 7 من سورة المائدة وينتهي عند قوله تعالى: {قَالُوا نُرِيْدُ أَنْ نَاكُلَ مِنْهَا} من الآية: 113 من سورة المائدة وعدد أوراقه ثلاثون بعد المائة ورقة. وأما الجزء العاشر: فيبدأ من قوله تعالى: {قَالُوا نُرِيْدُ أَنْ نَاكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} من الآية: 113 من سورة المائدة وينتهي عند قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيْعًا} من الآية: 22 من سورة الأنعام وعدد أوراقه اثنتان وثلاثون بعد المائة، وتمت كتابته سنة ستين بعد الخمسمائة. والجزء الحادي عشر: مفقود. وأما الجزء الثاني عشر: فأوله قوله تعالى: {قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ} من الآية: 109 من سورة الأعراف وآخره قوله تعالى: {كَدَابِ آلِ فِرْعَوْنَ} من الآية: 54 من سورة الأنفال، وتمت كتابته سنة سبع وستين بعد الخمسمائة. والثالث عشر والرابع عشر: مفقودان.
وأما الخامس عشر: فأوله سورة هود-عليه السلام- قوله تعالى: {آلر كِتبٌ أُحْكِمَتْ آيتهُ} وآخره قوله تعالى: {جَنتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} من الآية: 23 من سورة الرعد وعدد أوراقه أربع وتسعون ورقة وأُرِّخَتْ كتابته سنة سبع وسبعين بعد الخمسمائة، وهو الجزء الذي أقوم بتحقيقه. والأجزاء السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر: مفقودة. وأما الجزء العشرون: فيبدأ من قوله تعالى: {عِبَاد الرَّحْمَنِ الَّذِيْنَ يَمْشُونَ} من الآية: 63 من سورة الفرقان وينتهي عند قوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ}. من الآية: 46 من سورة القصص وعدد أوراقه ست وخمسون ومائة ورقة. الأجزاء الحادي والعشرون والثاني والعشرون والثالث والعشرون: مفقودة. وأما الجزء الرابع والعشرون: فيبدأ من قوله تعالى: {وَمَا تَاتِيْهِمْ مِنْ آيَةٍ من آيات رَبِّهِمْ} من الآية: 46 من سورة يس وينتهي عند قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} من الآية: 22 من سورة الزمر وعدد أوراقه خمس وأربعون ورقة. والجزء الخامس والعشرون: يبدأ من قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيْرًا مِنَ الظَّنِّ} من الآية: 12 من سورة الحجرات وينتهي عند قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيْعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} الآية: 6 من سورة المجادلة وعدد أوراقه ست وخمسون ومائة ورقة.
النسخة الثالثة
والجزء السادس والعشرون: يبدأ من أول سورة المعارج من قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} وينتهي عند قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخنس} الآية: 15 من سورة التكوير وعدد أوراقه ثلاث وثلاثون ومائة ورقة. والجزء السابع والعشرون: مفقود. وأما الجزء الثامن والعشرون: فيبدأ من سورة الانفطار وينتهي عند آخر سورة المسد وعدد أوراقه ثلاث وخمسون ورقة. والجزءان التاسع والعشرون والثلاثون: مفقودان. وأغلب أجزاء هذه النسخة بها ثقوب تفوت الانتفاع بها على الوجه المطلوب. لكني لما ذهبت لتصوير الجزء المراد تحقيقه "الخامس عشر" والذي فيه تفسير سورة يوسف وجدت أن بعضه قد فقد، والموجود من تفسير قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} إلى نهاية السورة. ورمزت لهذه النسخة بـ"د"، وهي النسخة التي اعتمدت عليها في مقابلة الأصل. والذي اخترته في وصف النسخة الأولى يكاد ينطبق على هذه النسخة. النسخة الثالثة: وأما النسخة الثالثة: فهي موجودة في دار الكتب المصرية برقم 517 تفسير مقاسها 30× 20 سم وقد كتبت بخط واضح قديم في سبعة مجلدات، لكنها غير مرتبة مثل النسخة الأولى. فالجزء الأول: يبدأ من قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم وينتهي عند قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيْهَا خَلِدُونَ} من الآية: 81 من سورة البقرة وعدد الأوراق اثنتان
وأربعون بعد المئتين، والمحفوظة بدار الكتب القومية حسب ما كتب عليها، وهذا الجزء الذي أحالني عليه المصنف-رحمه الله -في الحروف المقطعة عندما قال: وقد تقدم القول فيه (¬1). والجزء الثاني: بترقيم التجليد في الداخل "السابع" يبدأ من قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} من الآية: 80 من سورة النساء وينتهي عند قوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيْهَا قَوْمًا} من الآية: 22 من سورة المائدة، وعدد أوراقه خمس وأربعون بعد المائتين. والجزء الثالث: يبدأ من أول سورة الإسراء إلى آخر سورة الكهف مع نقصان بعض الآيات في الأول والآخر، وعدد أوراقه واحدة وثلاثون بعد المائتين. والجزء الرابع: يبدأ من أول سورة مريم وينتهي عند قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحَرْثِ} من الآية: 78 من سورة الأنبياء وعدد أوراقه خمس وعشرون بعد المائتين. والجزء الخامس: يبدأ من قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} من الآية: 67 من سورة القصص وينتهي عند قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيْحًا} من الآية: 51 من سورة الروم وعدد أوراقه ثلاث عشرة ومائة ورقة. والجزء السادس: يبدأ من قوله تعالى: {قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ} من الآية: 56 من سورة الأنبياء وينتهي عند قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطفالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ} من الآية: 59 من سورة النور وعدد الأوراق خمس وثمانون بعد المائتين. ¬
النسخة الرابعة
والأجزاء السابع والثامن والتاسع والعاشر: مفقودة. وأما الجزء الحادي عشر: فيبدأ من قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ} من الآية: 199 من سورة الأعراف وينتهي عند قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} من الآية: 74 من سورة التوبة وعدد الأوراق تسع وعشرون بعد المائتين. النسخة الرابعة: وأما النسخة الرابعة: فهي موجودة في دار الكتب المصرية برقم 737 تفسير ومقاسها 30×20 سم مكتوبة بخط واضح قديم، وهي غير مكتملة أيضا والموجود منها، مجلدان فقط. أما المجلد الأول: فيبدأ من قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} من الآية: 178 من سورة آل عمران، وينتهي عند قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} من الآية: 79 من سورة النساء وعدد الأوراق سبع وأربعون بعد المائتين. والمجلد الثاني: غير منتظم يبدأ من قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} من الآية: 46 من سورة الإسراء وينتهي عند قوله تعالى: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} من الآية: 5 من سورة المجادلة وعدد الأوراق إحدى وثمانون بعد المائتين. وهذه النسخ الأربع يكمل بعضها بعضاً نظرا لوجود النقص في بعض النسخ. لكنني لم أتمكن من الوقوف على النسختين الثالثة والرابعة (¬1). ¬
صور من نسخ المخطوطات
صور من نسخ المخطوطات
شكل رقم (2)
شكل رقم (3)
شكل رقم (4)
شكل رقم (5)
شكل رقم (6)
شكل رقم (7)
شكل رقم (8)
شكل رقم (9)
شكل رقم (10)
شكل رقم (11)
شكل رقم (12)
شكل رقم (13)
القسم الثاني التحقيق ويبد أمن أول سورة يوسف-عليه السلام- من قوله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (¬1) وينتهي بنهاية السورة عند قوله تعالى:: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (¬2) وعدد لوحاته مئة واثنتان وثلاثون (132) لوحة. ¬
سورة يوسف عليه السلام
سُورَةُ يُوسفَ (¬1) عليه السَّلامُ ¬
قال ابن عباس (¬1): نزلت بمكة فهي مكية (¬2). ¬
قولُهُ عزَّ وجلَّ: {الر} قد تقدم القول فيه (¬1)، روي عن ابن عباس أنه ¬
قال: (أنا أرى) (¬1). وقوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)} {تِلْكَ} رفع على إضمار مبتدأ أي: هذه الآيات (¬2)، تلك الآيات التي وعدتم بها (¬3)، والفرق بين هذه وتلك: أن هذه لما تدانى وتلك لما تراخى (¬4)، والإشارة بـ {تِلْكَ} إلى ما تقدم من ذكر ¬
السورة في {الر} (¬1) كأنه قيل: سورة يوسف تلك آيات الكتاب المبين, وعلى هذا: تكون تلك آيات الكتاب المبين, جملة مفسرة لألف لام راء هذه الآيات، تلك الآيات, وقيل: إلى ما يأتي من ذكرها على التوقع لها، آيات الكتاب خبر {تِلْكَ} , و {الْكِتَابِ} خفض بإضافة {آَيَاتُ} إليه, و {المُبِينِ} نعت لـ {الْكِتَابِ} (¬2)، و {الْمُبِينِ} بمعنى المبيّن, {قُرْآَنًا} نصب بـ {أَنْزَلْنَاهُ} , والهاء عائدة على {الْكِتَابِ} , ويجوز أن تكون عائدة على خبر يوسف, وهو الأشبه بالمعنى, لأن اليهود سألوا عن خبر يوسف و {قُرْآَنًا} نصب على الحال (¬3) أي: مجموعا (¬4) , و {عَرَبِيًّا} نعت لـ {قُرْآَنًا} , {نَحْنُ} مبتدأ (¬5)، وهي علامة المضمر المرفوع, يخبر بها الجبار عن نفسه, والجماعة وهي مبنية, وضمتها لالتقاء الساكنين, واختيرت الضمة لأن من علامة المجموع ¬
الواو, والضمة من الواو (¬1)، وقيل الأصل: نحن, نقلت ضمة الحاء إلى النون (¬2) , {نَقُصُّ} خبر {نَحْنُ} , {عليك} متعلق بـ {نَقُصُّ}، {أَحْسَنَ الْقَصَص} مصدر, تقديره: قصصا أحسن القصص (¬3)، {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} , {بِمَا} متعلق بـ {نَقُصُّ} , وما بمعنى الذي, وإن شئت جعلتها وأوحينا بمعنى المصدر أي: بوحينا, {إِلَيْكَ} متعلق بـ {أَوْحَيْنَا} , {هَذَا الْقُرْآَنَ} , {هَذَا} نصب بـ {أوْحَيْنَا} , و {الْقُرْآَنَ} نعت لـ {هَذَا} (¬4)، {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين} , {إِنْ} بمعنى ما, على تقدير: وإن كنت من قبله إلا غافلا (¬5) , ويجوز أن تكون إن ¬
شرطا (¬1) أي: إن كنت من الغافلين عن قصة يوسف وإخوته (¬2)، حتى أتيناك بها ودللناك عليها, ولم تكن تهتدي لها, {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ} , {إِذْ} ظرف العامل فيه اذكر, ويجوز أن يكون العامل {نَقُصُّ} أي: نقص عليك, {إِذْ قَالَ} {لِأَبِيهِ} متعلق بـ ... {قَالَ} , {يَا أَبَتِ} (¬3) بكسر التاء على تقدير: ياء النفس (¬4)، وحذفها: للِاجْتِزَاءِ بالكسرة منها (¬5)، وإدخال تاء التأنيث على الأب فإنما تدخل في النداء لا غير لأنه موضع تعبير, كما سمي المذكر بالمؤنث, كعين ونفس, يراد بها الرجل وكما قالوا: غلام يَفَعةٌ ورجل يَفَعةٌ (¬6) , ومن قال يا أبتَ بالفتح: قلب الياء ألفا وحذفها وبقي الفتحة دالة عليها, والوقف في الكلام بالهاء، وهي في المصحف بالتاء, {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} , {إِنِّي} مستأنف، و {أَحَدَ عَشَرَ} في موضع نصب بـ {رَأَيْتُ} , إلا أنه مبني (¬7)، و {كَوْكَبًا} ¬
نصب على التمييز (¬1) , {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} نصب الشمس والقمر بإضمار فعل دل عليه, {رَأَيْتُهُمْ} ليعطف ما عمل فيه الفعل ما عمل فيه الفعل (¬2) , والتقدير: ورأيت الشمس والقمر رأيتهم, وكنى عن الشمس والقمر بالهاء والميم وكذا بالياء والنون في ساجدين فإنما ذلك للخبر عنهم بفعل من يعقل, إذ السجود لا يكون إلا ممن يعقل (¬3) , والهاء والميم مفعول أول, و {سَاجِدِينَ} مفعول ثانٍ, {لِي} متعلق بـ {رَأَيْتُهُمْ} , وإن شئت جعلته متعلقا بـ {سَاجِدِينَ} وعليه المعنى (¬4). القولُ في القراءةِ: قرأ ابن عامر (¬5): "ياأبتَ" بفتح التاء في جميع القرآن, الباقون: بكسرها في جميع القرآن (¬6) {يَا أَبَتِ} فمن فتح: فعلى قلب ياء النفس ألفا وحذفها لدلالة الفتحة عليها, ومن كسر: فعلى إرادة ¬
الياء وحذفها والِاجْتِزَاءِ بالكسرة منها (¬1) , واختلف في الوقف, وابن عامر يقف بالهاء وروي عن ابن كثير (¬2)، والباقون: بالتاء, وقياس من كسر أن يقف بالتاء, لأن الياء مقدرة, وكذا من قدر حذف الألف, وإن الفتحة في التاء ليس على تقدير حذف الألف، وإنما هي على تقدير الإفخام (¬3) كما هي في يا طلحة, وقف بالهاء ووجه دخول الهاء في {يَا أَبَتِ} كأنه العوض من حذف الياء إذ حذفها يكثر في النداء. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم: {تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} (¬4) حلاله وحرامه, ورشده وهداه (¬5). ¬
قاله مجاهد (¬1) وقتادة (¬2) , وقال معاذ (¬3): بيّن الحروف التي سقطت عن السر للأعاجم, وهي ستة أحرف (¬4) والأولى والله أعلم، المبين لمن تلاه وتدبر ما فيه من حلاله، وحرامه، وسائر ما حواه من صنوف ¬
معانيه (¬1) , لأن الله أخبر أنه مبين، ولم يخبر بإِبَانَته عن بعض ما فيه دون جميعه (¬2). وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} أي: أنزلنا هذا الكتاب المبين {قرآناً عربياً} على العرب, لأن لسانهم وكلامهم عربي, فأنزل الكتاب بلسانهم ليعقلوه ويفهموا ما فيه (¬3)، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (¬4)، وذلك قوله: {لعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (¬5). وقوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عليك أَحْسَنَ الْقَصَصِ} (¬6) , يقول لنبيه محمد-صلى الله عليه وسلم: نحن نقص عليك يا محمد أحسن القصص بوحينا إليك هذا القرآن فنخبرك فيه عن الأخبار ¬
الماضية, وأنباء الأمم السالفة, والكتب التي أنزلناها في العصور الخالية. وإن كنت من قبل أن نوحيه إليك لمن الغافلين عن ذلك لا تعلمه (¬1)، وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله-صلى الله عليه- لمسألة أصحابه، أن يقص عليهم (¬2). وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} , يقول تعالى: وإن كنت يا محمد لمن الغافلين عن نبأ يوسف بن يعقوب بن إسحاق إذ قال لأبيه يعقوب: إني رأيت أحد عشر كوكبا, وقيل: إن رؤيا الأنبياء كانت وحيا (¬3)، وروى جابر بن عبد الله (¬4) قال: إن النبي صلى الله ¬
عليه وسلم جاءه رجل من يهود يقال له بستان اليهودي فقال له: يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رأها يوسف أنها ساجدة له, ما أسماؤها؟ قال: فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلم فلم يجبه بشيء, ونزل عليه جبريل فأخبره بأسمائها, قال: فبعث رسول الله إليه فقال: هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟ قال: نعم, فقال: خزنان, وَالطَّارِق, وَالذَّيَّال، وَذُو الكتفات, وَقَابِس, وَوَثَّاب وَعَمُودَيان, وَالْفَلِيق, وَالْمُصْبَح, وَالضَّرُوح, وَذو الْفَرْع, وَالضِّيَاء, وَالنُّور, فقال اليهودي: أي والله إنها
لأسماؤها (¬1). {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ} في منامي لي سجودا (¬2)، ولمّا خبَّر عنها بفعل من يعقل أجرى ضميرها ضمير من يعقل, فقال: {سَاجِدِينَ} ولم يقل ساجدات (¬3). ومثل ذلك قوله: {يَا ¬
أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} (¬1) ولم يقل ادخلن مساكنكن. وقوله: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} , وقال: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} , فكرر الفعل, فإنما ذلك على التوكيد, كما يقول: كلّمت زيدا كلّمته وقيل: إن الكواكب الأحد عشر (¬2): كانت إخوته, والشمس والقمر أبويه (¬3) , وقيل: أبوه ¬
وخالته (¬1)، روي عن ابن عباس. وقد تضمنت الآيات البيان عما توجبه الحكمة من الإنابة مما يؤدي إلى المعرفة بما فيه من الفائدة, والبيان عما يوجبه جعل القرآن عربيا عن التمكين لفهم معانيه بما يقتضيه العقل فيه, والبيان عما يوجبه الحكم في أخبار الأولين, من طلب القصص بأنبائهم لما في ذلك من العبرة بأحوالهم، والتأدب بما جرى من شأنهم, والبيان بتقديم البشارة بما فيه النعمة، والعبرة بما يأتي من موافقة المخبر في الرؤيا: من سجود الإخوة له على ما بينا في الحال الأولى. القولُ في الوقفِ والتمامِ: {الْكِتَابِ الْمُبِين} تمام (¬2)، وكذا {تَعْقِلُونَ} , و {الْغَافِلِينَ} ليس بتمام (¬3) في إن دخلت "إذ" في الصلة أي: {لَمِنَ الْغَافِلِينَ} ذلك الوقت, والتمام {سَاجِدِينَ}. ¬
وقولُهُ جلَّ ثناؤه: {قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)} {يَا بُنَيَّ} (¬1)، نداء مضاف, وهو تصغير ابن, وحذفت الياء منها للِاجْتِزَاءِ بالكسرة عنها, ومن فتح الياء فتحها على أصلها، لأن أصلها الفتح، أعني ياء النفس، لأنه لما احتيج إلى حركتها إذ لا يكون اسم على حرف واحد ساكن، فاختيرت الفتحة لخفتها مع نقل الياء (¬2)، ويراد بالتصغير مع ¬
عظم شأنه، أنه صغير لا إرادة التحقير (¬1)، {رُؤْيَاكَ} نصب بـ {تَقْصُصْ} {عَلَى إِخْوَتِكَ}، متعلق بـ {تَقْصُصْ} (¬2)، {فَيَكِيدُوا} , الفاء جواب النهي، فلذا نصب بها {فَيَكِيدُوا} وحذفت النون علامة النصب, {لَكَ} متعلق بـ يكيدوا, {كَيْدًا} مصدر (¬3)، {إنَّ الشَّيْطَانَ} مستأنف فلذا كسرت {إِنَّ}، {لِلْإِنْسَانِ} متعلق بـ {عَدُوٌّ مُبِينٌ} , {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} , الكاف متعلقة بما دل عليه المعنى, فهي منصوبة (¬4)، والمعنى: كما أعطاك الرؤيا, كذلك يعطيك الاجتباء, وهو مشتق من جبيتُ الشيء إذا حصلته لنفسك, ومنه جبيت الماء في الحوض (¬5)، {ويُعَلِّمُكَ} معطوف على {يجْتَبِيكَ} , {مِنْ تَاوِيلِ الْأَحَادِيثِ} , {مِنْ} متعلقة بـ {يُعَلِّمُكَ} , {ويُتِمُّ نِعْمَتَهُ عليك} , {عليكَ} متعلق بـ {يُتِمُّ} , {وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ} معطوف على {عليك} , ¬
{كَمَا أَتَمَّهَا} , الكاف للتشبيه في موضع نصب نعت لمصدر محذوف, أي: إتماما (¬1)، {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ} متعلق بـ {أَتَمَّهَا} , وكذا {مِنْ قَبْلُ} , و {قَبْلُ} غاية (¬2)، {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} بدلا من {أَبَوَيْكَ} (¬3)، ولم ينصرفا للعجمة والتعريف, {لَقَدْ} لام توكيد, {آَيَاتٌ} اسم {كَانَ} , و {فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} الخبر متعلق بمعنى الاستقرار (¬4)، "السَّائِلِينَ" متعلق بـ {آَيَاتٌ} لأن معناهن العبرة (¬5)، وتقرأ آية, ويكون معناها الجنس, {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ} , {إِذْ} ظرف العامل فيه ما تعلقت به اللام من المعنى, {لَيُوسُفُ} اللام لام توكيد, ويوسف رفع بالابتداء, و {أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا} الخبر (¬6)، وحرفا الجر يتعلقان بـ {أَحَبُّ} , {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} ابتداء وخبر, {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} اللام توكيد، و"في" متعلقة بمعنى الاستقرار, و {مُبِينٍ} نعت لـ {ضَلَالٍ}. القول في القراءة ¬
قرأ حفص (¬1) {يَا بُنَيَّ} بفتح الياء, وقرأ الباقون: بكسرها (¬2)، فمن فتح: جعلها ياء النفس, ومن كسر: حذفها, وجعل الكسر دالة عليها, وقرأ ابن كثير: {آيَةٌ لِلسَّائِلِينَ} على الإفراد, والباقون على الجمع (¬3)، فالجمع: لمعنى عبر, لأن أمر يوسف وحديثه كان فيه عبر, ويشهد لذلك, كتبها في الشواذ بالتاء، والإفراد على عبرة تنوب عن عبر, ويشهد للتوحيد قوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ}. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم: قال يعقوب ليوسف لا تقصص رؤياك هذه على إخوتك فيحسدوك فَيَبْغُوك الْغَوَائِل, وَيُنَاصِبُوك الْعَدَاوَة، وَيُطِيعُوا فِيك الشَّيْطَان, إن الشيطان لآدم وبنيه عدو قد بان لهم عداوته, فاحذر الشيطان أن يغوي إخوتك بالحسد منهم لك إن أنت قصصت عليهم رؤياك, وإنما قال ¬
يعقوب ذلك لأنه قد كان تبين من إخوته له قبل ذلك حسدا (¬1). وقولُهُ تعالي: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} , يقول تعالي مخبرا عن قول يعقوب لابنه يوسف, هكذا كما أراك ربك الكواكب, والشمس والقمر سجودا, فكذلك يصطفيك ربك (¬2)، {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَاوِيلِ الْأَحَادِيثِ} قال: عبارة الرؤيا, وهو معنى قول ابن زيد (¬3)، {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عليك} بِاجْتِبَائِهِ إِيَّاكَ وَاخْتِيَاره وَتَعليمه إِيَّاكَ تَاوِيل الْأَحَادِيث (¬4) , وهو ما يؤول إليه المعنى من فقه الحديث الذي هو حكمه, {وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ} أي: على أهل دين يعقوب وملته وذريته وغيرهم (¬5)، والآل يجمع القرابة والعشيرة, {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} باتخاذه إبراهيم خليلا, وَتَنْجِيَته مِنَ النَّار، وَفَدْيِهِ إسحاق بِذِبْحٍ عَظِيم (¬6) هذا نحو ما روي عن عكرمة (¬7)، {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ} بمواضع الفضل، ومن هو أهل للاجتباء والنعمة, {حَكِيمٌ} في تدبيره خلقه (¬8). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
وقولُهُ: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} أي: لقد كان في يوسف وإخوته عبر للسائلين (¬1) عن أخبارهم وقصصهم, وإنما أراد تعالى بذلك نبيه محمداً-صلى الله عليه وسلم, وذلك أنه يقال: إن الله إنما أنزل هذه السورة على نبيه يعلمه ما لقيَ يوسف من إخوته من الحسد, مع مكرمة الله إياه تسلية له بذلك, مما لقى مِنْ إِذَايَته وَأَقَارِبه مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش (¬2). وقوله تعالى: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} أي: لقد كان في يوسف وإخوته آيات لمن سأل عن نبأهم, حين قال إخوة يوسف: ليوسف وأخوه من أمه {أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} , {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي: جماعة (¬3)، وهي جمع (¬4) لا واحد له من لفظه, والعصبة: من عشرة إلى خمسة عشر رجلا, {إِنَّ أَبَانَا لَفِي} خطأ من فعله وإيثاره يوسف وأخاه من أمه علينا بالمحبة, ويعني بالمبين: أنه خطأ بيّن (¬5) عن نفسه إنه خطأ لمن تأمله ونظر إليه. وقد تضمنت الآيات: البيان عما يوجبه الحسد من كتمان صاحبه حال النعمة ما أنكر لئلا يحمله على ما لا يجوز, ويزين له ما لا يحسن, والبيان عما يوجبه إخلاص الطاعة لله جل وعز, من اجتباء المطيع وتعليم التأويل, وإتمام النعمة عليه وعلى آله ممن يمسه أمره, والبيان عما توجبه العبرة من طلب إخبار من تقدم مما فيه ¬
الاعتبار لمن اعتبر, والبصيرة لمن فكّر كما كان في يوسف وإخوته من المعتبر, والبيان عما يوجبه ظهور التفضيل بالمحبة من الحسد على تلك المنزلة كما كان في أمر يوسف مع إخوته. القولُ في الوقفِ والتمامِ: {كَيْدًا} كاف (¬1)، وكذلك {عَدُوٌّ مُبِينٌ} , {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} تمام (¬2) عند نافع (¬3) وعند غيره, {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} , {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} كاف (¬4)، وفي {ضَلَالٍ مُبِينٍ} كاف أيضا. وقوله تعالى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10) قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)} {اقْتُلُوا}، أمر {يُوسُفَ} نصب بـ {اقْتُلُوا} , و {اطْرَحُوهُ} عطف عليه, والهاء مفعول، {أَرْضًا} مفعول ثان على حذف حرف الجر (¬5)، {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ}، {وَجْهُ أَبِيكُمْ} ¬
رفع بـ {يَخْلُ} , {وَتَكُونُوا} عطف على {يَخْلُ} فلذلك حذفت منه النون (¬1)، {مِنْ بَعْدِهِ} متعلق بمعنى الاستقرار، و {قَوْمًا صَالِحِينَ} خبر {وَتَكُونُوا} , {مِنْهُمْ} متعلق بـ {قَائِلٌ}، {غَيَابَتِ الْجُبِّ} متعلق بـ {أَلْقُوهُ} , {يَلْتَقِطْهُ} جواب الأمر (¬2) الذي هو و"أَلْقُوهُ"، {إِنْ كُنْتُمْ فَاعلينَ} {إِنْ} حرف شرط (¬3) {كُنْتُمْ} مشروط به وجوابه ما تقدم {مَا لَكَ} {مَا} استفهام، اسمٌ تام في موضع رفع بالابتداء {لَكَ} الخبر متعلق بالاستقراروالتقدير: أي شئ لك {لَا تَامَنَّا} في موضع الحال (¬4)، والنون والألف في موضع نصب مفعول تأمن, والأصل تأمنا (¬5) النون من تأمن ونون الضمير, فالتقى حرفان من جنس واحد فوجب الإدغام فرفعت لسانك بهما رفعة واحدة, فصار حرفاً واحداً مشدداً أوله ساكن (¬6)، وثانيه مفتوح, وجمهور القراء على الإشمام، للإعلام بأن النون من تأمن: كانت مرفوعة, ووجه ذلك: أنك تشير إلى الضمة من غير صريت (¬7) بفعل ذلك, مع لفظك بالنون ¬
المدغمة وهو شئ يحتاج إلى- (¬1) {عَلَى يُوسُفَ} متعلق بـ {تَامَنَّا} {وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} {لَهُ} متعلق بـ ناصحون {مَعَنَا} متعلق بـ {أَرْسِلْهُ} وكذا {غَدًا} ويقال: لم بني أمس وأعرب {غَدًا} الجواب, لأن أمس مضمر بالألف واللام, و"غد" ليس كذلك, وكان أمس أحق بالضمير, لأنه على معهود، لأنه قد مضى وعلم, ولهذا تم أمس وتقصر غداً لنقصان "غد" في معناه، بأنه لم يكن بعد وتم أمس لأنه قد وجد وعلم, {يَرْتَعْ} جواب للأمر مجزوم, {وَيَلْعَبْ} عطف عليه, والأصل نرتعي, حذفت الياء للجزم (¬2)، لأن الجازم إذا لم يضاف حركة, وأضاف (¬3) حرفا مقام الحركة حذف, كما تحذف الحركة, وأصل الرتع: التوسع بالملاذ في الجهات يقال: رتع فلان في ماله إذا أنفقه في شهواته, قال القطامي (¬4): أكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي ... وَبَعْدَ عطائك المائة الرِّتَاعَا (¬5) ¬
{لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} , {أَنْ} وما عملت فيه في موضع رفع (¬1) بـ يحزنني, {بِهِ} متعلق بـ {تَذْهَبُوا} , {وَأَخَافُ} مستأنف, {أَنْ يَاكُلَهُ الذِّئْبُ} , {أَنْ} في موضع نصب بـ {أَخَافُ} (¬2)، {وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} , {عَنْهُ} متعلق بـ {غَافِلُونَ}، {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} , "إن" التي للشرط, دخلت عليها لام القسم (¬3)، {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} ابتداء وخبر في موضع حال, أي: وهذه حالنا في الاجتماع (¬4)، {إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ} , "إذن"جواب لا عمل لها (¬5) في هذا الموضع لتوسطها. القولُ في القراءةِ: قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} بالنون فيهما, الباقون: بالياء فيهما, وكلهم جزم العين, إلا أهل الحرمين: فإنهم كسراهما (¬6) , فمن قرأ بالنون: فعلى الإخبار عن جماعتهم, وشاهده: {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} , ومن قرأ بالياء: فعلى الإخبار عن يوسف, لأنهم أرادوا ماله في الخروج من الفائدة, ولم يريدوا ما لهم في ظاهر الأمر, ومن جزم العين: أراد الرتعة وهي السعة في الخصب, يقال: فلان راتع, أي: مُخْصِب, ومن كسر العين: أراد ترتعي من الرعي يقال: رعى وارتعى بمعنى, ثم حذف الياء وبقي الكسرة, و {الذِّيبُ} ترك همزه الكسائي وورش ¬
واليزيدي عن أبي عمرو, وإذا خفف الهمزة آثر الإدغام, والباقون: بالهمزة, وكذلك أبو عمرو إذا حقق الهمزة، فالهمز على أنه مشتق من تذائب الريح إذا جاءت, من كل جانب، مشبّه بالريح بسرعته وخفته, وترك الهمز على التخفيف, واختلف في كسر التنوين وضمه من {مُبِينٍ اقْتُلُوا} في الوصل, فقرأ أهل الحرمين والكسائي (¬1): بالضم, والباقون بالكسر (¬2) , فمن كسر: أتبع الكسر الكسر, ومن ضم: أتبع الضم الضم, لأن الهمزة إذا ابتدأت: كانت مضمومة بضم ثالث الفعل, لأنه من قتل يقتل فكُره الكسرُ ثم الضمُ بعدها. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى - والله أعلم -: قال إخوة يوسف بعضهم لبعض: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ} مكانا من الأرض, {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} , {مِنْ} متعلّقه بيوسف, فإنه ¬
قد شغله عنا وصرف وجهه عنا إليه (¬1)، {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} يعنون أنهم يتوبون من قتلهم يوسف, فيكونون بتوبتهم من قتله بعد هلاك يوسف قوما صالحين (¬2)، واختلف في من قال منهم {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} فقال معمر (¬3) وابن إسحاق (¬4): هو رويبل كان أكبر القوم (¬5)، وروي عن مجاهد: أنه شمعون, وقيل: هو يهودا وكان من أشدهم, وقال الضحاك (¬6): هو الذي قال: {فَلَنْ ¬
أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَاذَنَ لِي أَبِي} وقيل الجب: بئر ببيت المقدس (¬1)، وقال: ابن عباس: بئر بالشام (¬2)،والجب: البئر التي لم تطوَ سميت (¬3) بذلك: لأنها قطعت قطعا، ومنها المجبوب قال الأعشى (¬4): لئن كنتَ فِي جُبّ ثَمانِينَ قامةً ... ورُقّيتَ أسبابَ السماء بسلّمِ (¬5) وغيابة الجب قعره, وغيابة كل شئ: ما غاب عنك (¬6)، و {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} أي: يأخذه بعض مارة الطريق من المسافرين، {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} أي: {فَاعِلِينَ} ما أقول لكم, قال ابن عباس: التقطه بعض الأعراب (¬7). وقوله تعالى: {يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَامَنَّا} أي: قال إخوة يوسف إذ تآمروا بينهم وأجمعوا على الفرقة بينه وبين والده يعقوب لوالدهم يعقوب: {يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَامَنَّا عَلَى يُوسُفَ} فتتركه معنا ونحن له ناصحون نَحُوطهُ وَنَكْلَؤُهُ (¬8). ¬
وقوله تعالى: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} (¬1) أي: "يفتعل" (¬2) من الرعي أي يرعى الإبل, أي: أرسله معنا يلهو وينعم وينشط في الصحراء (¬3)، ونحن حافظوه من أن يناله سوء أو شيء تكرهه أو يؤذيه (¬4) , من قرأ بالياء: كان الإخبار عن يوسف, ومن قرأ بالنون: كان الإخبار عنهم وعنه, ومن جزم العين من يرتع: كان من الخصب, ومن كسر العين: كان من الرعي (¬5). وقوله تعالى: {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} قال يعقوب لهم إني ليحزنني أن تذهبوا به معكم إلى الصحراء مخافة عليه من الذئب أن يأكله, وأنتم عنه غافلون لا تشعرون (¬6) به. {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي: قال إخوة يوسف لوالدهم يعقوب: لئن أكل يوسف الذئب (¬7) في ¬
الصحراء ونحن أحد عشر رجلا معه نحفظه, وهم العصبة, أي: الجماعة, إنا إذاً لعجزة بما نكون (¬1)،والخسران: إتلاف النفس, كما أن أعظم الربح سلامتها. وقد تضمنت الآيات: البيان عما يوجبه الحسد من حملان النفس على عظيم الأمور من قبل المحسود, أو تعريضه للقتل"الإلقاء في المهالك" (¬2) كما كانت حال يوسف مع إخوته, والبيان عما يوجبه الوقوف بين شرّين لا بد من أحدهما من اختيار أنقصهما شرّا, كما أشار هذا القائل إذا رأى أنه لا بد من أحدهما, والبيان عما يوجب الحيلة من التلطف في المسألة ليتم الأمر الذي قُصد له عما فعل إخوة يوسف حين سألوا أباهم إرساله معهم, والبيان عما يوجبه حال من طلب اللهو واللعب من غير مراعاة واجب، ولا جائز, والبيان عما يوجبه شدة الإشفاق من الحزن عند الفراق مع سوء الظن بحوادث الزمان، وعوارض الآفات, والبيان عما يوجبه اغتصاب نفيس ما في يدي الإنسان من كونه في حكم الخاسر بالعجز، والتحسر على الخسران، وما لحق من النقصان. القولُ في الوقفِ والتمامِ: {صَالِحِينَ} تمام (¬3) , وكذا {إِنْ كُنْتُمْ فَاعلانَ} (¬4) , وكذا {لَحَافِظُونَ} (¬5)، وكذا {غَافِلُونَ} (¬6)، وكذا {لَخَاسِرُونَ} (¬7). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: ¬
{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19)} {فَلَمَّا} الفاء جواب ما أخبر به عنهم, ولما ظرف مضاف إلى {ذَهَبُوا} (¬1)، {بِهِ} متعلق بـ {ذَهَبُوا} , {وَأَجْمَعُوا} عطف على {ذَهَبُوا} , {أَنْ يَجْعَلُوهُ} , {أَنْ} في موضع نصب على حذف الخافض, {فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} , {فِي} متعلقه بـ {يَجْعَلُوهُ} , {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} , {إِلَيْهِ} متعلق بـ {أَوْحَيْنَا} , {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ} لام قسم مؤكد بالنون الشديدة (¬2)، {بِأَمْرِهِمْ} متعلق بـ {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ} , {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ابتداء وخبر في موضع الحال (¬3)، أي: {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ} وهم غير عالمين (¬4)، وجواب لما محذوف (¬5)، ¬
تقديره: عظمت فتنتهم أو كبر ما قصدوا له (¬1)، وقيل الجواب: أجمعوا (¬2) , والواو زائدة مؤكدة (¬3)، كما ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
قال امرؤ القيس (¬1): فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانْتَحَى ... بِنا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي قِفاف (¬2) عَقَنْقَل المعنى: فلما أجزتك أحد الحي تنحى بنا, والوجه أن يكون الجواب محذوفا, لكن لا يزيد حرف في كتاب الله لا معنى له (¬3)، {وَجَاءُوا} فعل وضمير فَاعِلِينَ, {أَبَاهُمْ} نصب بـ جاءوا وعلامة ¬
النصب: ثبات الألف, {عِشَاءً} ظرف العامل فيه جاءوا {يَبْكُونَ} فعل مستقبل في موضع الحال (¬1)، أو جاءوا باكين, {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} , {نَسْتَبِقُ} فعل مستقبل في موضع الحال, أي: ذهبنا مستبقين, {عِنْدَ} ظرف العامل فيه تركنا, {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} الفاء جواب ما أخبروا به, {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} ما حرف نفي, و {أَنْتَ} اسم ما, و {بِمُؤْمِنٍ} الخبر متعلق بما يضمنه المعنى, و {لَنَا} متعلق {بِمُؤْمِنٍ} , {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} اسم كان الألف والنون, وخبرها {صَادِقِينَ} , {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ} , {عَلَى} متعلقه بـ {جَاءُوا} , {بِدَمٍ} متعلق أيضا بـ {جَاءُوا} , {كَذِبٍ} نعت لدم, {لَكُمْ} متعلق بـ {سَوَّلَتْ} , {أَمْرًا} نصب بـ {سَوَّلَتْ} , {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} الفاء جواب فعلهم, وصبر رفع على إضمار مبتدأ أي: فأمري صبر جميل, و {جَمِيلٌ} نعت لصبر, ويجوز أن يكون رفع بالابتداء (¬2)، أو الخبر محذوف تقديره: فصبر جميل أولى لي (¬3)، ¬
وينشد (¬1): تشكوا إليَّ جَمَلي طُولَ السُّرَى ... صَبْرٌ جَمِيلٌ، وكِلانَا مُبْتَلَى (¬2) {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ابتداء وخبر, و {عَلَى} متعلقة بـ مُسْتَعَانُ, و {مَا} بمعنى الذي, وإن شئت كانت و {تصِفُونَ} مصدرا (¬3) , أي: على وصفكم, {سَيَّارَةٌ} رفع بـ جاءت, والفاء جواب مجيئهم, {وَارِدَهُمْ} نصب بـ أرسلوا, {فَأَدْلَى} {دَلْوَهُ} نصب بـ أدلى, ¬
والفاء جواب إرسالهم بتقدير: فأتى، فأدلى، وجمع دلو أَدْلٍ في القليل والكثير دُلي بضم الدال وكسرها (¬1)، والأصل دلو, وعلى وزن فعول, قلبت لام الفعل ياء, وقلبت الهاء الزائدة, ثم أدغمت الياء في الياء, وفعلت ذلك: لأن الجمع باب لاستثقال الجمع وحرف العلة, ولنفرق بين الواحد والجمع, فمن ضم: فعلى الأصل, ومن كسر: كرِه الكسر بعد الضم استثقالا له ويقال في جمعه أيضا دِلاء (¬2) ويقال: أدلى الرجل دلوه إذا أرسلها ليستقي بها يدلها إدلاً, ودلاها يدلوها دلوا إذا مدّها ليخرجها, {يَا بُشْرَى} نداء مضاف, ومنهم من لا يضيف (¬3)، فيقول: يا بشرى, ومثله هذا وقد تقدم القول فيه (¬4)، {هَذَا غُلَامٌ} ابتداء وخبر, {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} الهاء في {وَأَسَرُّوهُ} راجعة على يوسف, و {بِضَاعَةً} نصب على الحال, أي: مبضوعة, ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا، ويكون أسروه بمعنى جعلوه بضاعة (¬5)، {وَاللَّهُ عليمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} ابتداء وخبر, و {بِمَا} متعلق بـ {عليمٌ} , وما بمعنى الذي. ¬
القولُ في القراءةِ: قرأ أهل الكوفة: {يَا بُشْرَى} بوقف الياء من غير ألف, الباقون: بفتح الياء وإثبات الألف من غير إمالة (¬1)، والإمالة لحمزة (¬2) والكسائي على أصولهما لأن الألف رابعة, والألف والياء على إضافة بشرى إلى ياء النصب, كمثواي وهداي, والحذف: على نداء البشرى أي أن هذا من آنائك وأوقاتك, ويجوز أن يجعل البشرى اسما, والأول أجود, لأنه غير مصروف المعنى. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم: أن في الكلام حذفا, ترك اكتفاء بما ظهر منه, والمعنى: فأرسله معهم (¬3)، {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا} أي: وأجمع رأيهم وتحزبوا على أن يجعلوه في غيابة الجب (¬4)، ¬
قال السدي (¬1): فأرسله معهم فأخرجوه وبه عليهم كرامة, فلما برزوا إلى البرية أظهروا له العداوة, وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه فجعل لا يرى منهم رحيما فضربوه حتى كادوا يقتلونه, فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه يا يعقوب لو تعلم ما صنع بابنك بَنُو الْإِمَاء, فلما كادوا يقتلونه قال يهوذا: أليس قد أعطيتموني موثقا ألا تقتلوه؟ (¬2) فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فيه, فجعلوا يدلونه في البئر, فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه, ونزعوا قميصه, فقال: يا إخوتاه ردوا علي قميصي لأتوارى به في الجب! فقالوا ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا تؤنسك! قال: إني لم أر شيئا, فدلوه في البئر, حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت. وكان في البئر ماء فسقط فيه، ثم أوى إلى صخرة فيها فقام عليها. قال: فلما ألقوه في البئر، جعل يبكي، فنادوه، فظن أنها رحمة أدركتهم، فلباهم، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه، فقام يهوذا فمنعهم، وقال: قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه! وكان يهوذا يأتيه بالطعام (¬3). وقولُهُ: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} الآية قيل: جواب لمّا محذوف, والتقدير: عظمت فتنتهم أو كبر ما قصدوا له, وحذف ذلك للعلم به ودلالة هيئة الخطاب عليه. وقيل: ليس في الكلام حذف, ولكن الواو زائدة (¬4)، والتقدير: فلما ذهبوا به أجمعوا أن يجعلوه في ¬
غيابة الجب. وقولُهُ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} أي: أوحينا إلى يوسف لتخبرن أخوتك (¬1) بفعلهم هذا الذي فعلوه بك, وهم لا يعلمون لا يدرون. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله بقوله: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} فقال بعضهم: عني بذلك أن الله أوحى إلى يوسف سَيُنَبِّئُ إخوته بفعلهم به ما فعلوه من إلقائه في الجب وبيعهم إياه وسائر ما صنعوا به من صنيعهم (¬2)، وإخوته لا يشعرون بوحي الله إليه بذلك (¬3)، قال مجاهد: وهو معنى قول ابن زيد, وقال آخرون: معنى ذلك وأوحينا إلى يوسف بما إخوته صانعون به، وإخوته لا يشعرون بإعلام الله إياه بذلك (¬4)، وهو معنى قول قتادة, وقال آخرون: بل معنى ذلك أن يوسف سينبئهم بصنيعهم به, وهم لا يشعرون إنه يوسف (¬5)، وهو قول ابن جريج (¬6)، ومعنى قول ابن عباس, وقد قال لهم لما جاؤوا, فقالوا: {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} , فأجابهم بأن قال: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} (¬7)، فأعلمهم بما وعده الله وهم لا يعلمون أنه يوسف, ¬
ودليل أنهم لم يعلموا أنه يوسف, استفهامهم له بقوله: {أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} ولم يستفهموا عن أخيه, لأنهم عالمون به. وقوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} يقول تعالى: وجاء إخوة يوسف أباهم بعد ما ألقوا يوسف في غيابة الجب عشاءً يبكون, وروي عن السدي قال (¬1): أقبلوا إلى أبيهم عشاءً يبكون, فلما سمع أصواتهم فزع, وقال: مالكم يا بني: هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا: لا, قال: فما فعل يوسف؟ (¬2) قالوا: {يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} فبكى الشيخ, وصاح بأعلى صوته, وقال: أين القميص؟ فجاءوه بالقميص, عليه دم كذب, فأخذ القميص وطرحه على وجهه وبكى, حتى تخضب وجهه من دم القميص (¬3). ومعنى قولهم نستبق: نفتعل من السباق (¬4). وقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} يقولون: بِمُصَدِّقِنَا عَلَى قولنا أن يوسف أكله الذئب, {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} , فإن قال قائل: وما معنى قوله: {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} أخبر عنهم أنهم غير صادقين, فذلك تكذيب منهم أنفسهم, أم خبر منهم عن أبيهم أنه لا يصدقهم لو صدقوه, فقد علمت أنهم لو صدقوا أباهم الخبر لصدقهم؟ قيل معنى ذلك: وما أنت بمصدق لنا ولو كنا من أهل الصدق الذين لا يُتَّهَمُونَ لِسُوءِ ظنك بنا وَتُهْمَتِك لَنَا (¬5). وقوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} أي: وجاءوا على قميص يوسف بدم كذب أي: ذي كذب, وقيل المصدر وقع موقع المفعول, كما يقع المفعول موقع المصدر, فمعنى كذب ¬
مكذوب (¬1) كما قالوا ماله معقول أي: عقل, وسماه الله كذباً, لأن الذين جاءوا بالقميص وهو فيه كذبوا فيه, وقالوا ليعقوب: هو دم يوسف, ولم يكن بدمه, وإنما كان دم سخلة (¬2) فيما قيل, قاله مجاهد وابن عباس, قال: ذبحوا جديا من الغنم, ثم لطخوا القميص بدمه, ثم أقبلوا إلى أبيهم, فقال يعقوب: إن كان هذا الذئب لرحيماً كيف أكل لحمه, ولم يخرق قميصه (¬3)؟ يا بني, يا يوسف ما فعل بك بنو الإماء (¬4). فإن قيل كيف قيل بدم كذب, وهو دم لايشك فيه وإن لم يكن دم يوسف؟ قيل في ذلك وجهان (¬5)، أحدهما: أن يكون قيل بدم كذب لأنه كذب فيه, كما يقال الليلة الهلاك, وكما قال: فما ربحت تجارتهم, والآخر: أن يكون مصدرا بمعنى مفعول (¬6)، وتأويله: وجاءوا على قميصه بدم مكذوب, كما يقال: ماله عقل ولا معقول, ولا له جلد ولا مجلود, والعرب تفعل ذلك (¬7)، ¬
قال الراعي (¬1): حَتَّى إذَا لم يَتْرُكُوا (¬2) لِعِظَامِهِ ... لَحْمًا وَلا لِفؤادِهِ مَعْقول أي: عقلا. وقوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} أي: قال يعقوب لبنيه الذين أخبروه أن الذئب أكل يوسف, مكذباً لهم في خبرهم: ذلك ما الأمر كما تقولون، {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} , يقول بل زينت {لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} في يوسف وحسنته ففعلتموه, كما روي عن قتادة (¬3). {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} على ما فعلتم بي في أمر يوسف فأمري صبر جميل, أو فصبر جميل أولى بي, والله استعين على كفايتي شر ما تصفون من الكذب, وقيل الصبر الجميل: هو الذي لا جزع فيه (¬4)، وقيل أن النبي-صلى الله عليه وسلم- سُئل عن صبر جميل؟ قال: صبر لا شكوى فيه, وقال من بثه فلم يصبر" (¬5)، وروى الثوري عن حبيب بن أبي ثابت أن يعقوب النبي -صلى الله عليه ¬
وسلم كان قد سقط حاجباه, فكان يرفعهما بخرقه, فقيل له: ما هذا؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان, فأوحى الله إليه: يا يعقوب أتشكوني؟ قال: يارب خطية أخطأتها, فاغفرها لي (¬1)، وقولُهُ: {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} قال قتادة: على ما تكذبون (¬2). وقوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ} أي: وجاءت مارّة الطريق من المسافرين فأرسلوا واردهم, وهو الذي يرد المنهل أو المنزل وورُوده إِيَّاهُ: مصِيره إِلَيه ودُخوله, فأرسل دلوه في البئر, يقال: أدليت الدلو في البئر إذا أرسلتها فيها, فإذا استقيت قلت دلوت أدلو دلواً (¬3)، وفي الكلام محذوف (¬4) , وهو: فأدلى دلوه فتعلق به يوسف, فخرج فقال المدلي: يا بشرى هذا غلام, واختلف في معنى: قال يا بشرى هذا غلام, فقال بعضهم: ذلك تبشير من المدلي دلوه في إصابته يوسف بأنه أصاب عبدا (¬5)، وهو معنى قول قتادة, وقال آخرون: بل ذلك اسم رجل من السيارة بعينه ناداه المدلي لما خرج يوسف من البئر متعلقا بالحبل (¬6)، وهو قول السدي قال: كان اسم صاحبه بشرى (¬7)،وقوله تعالى: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} اختلف أيضا في تأويله, وقال بعضهم: أسره الوارد المستقي وأصحابه من التجار الذين كانوا معهم, وقالوا لهم: هو بضاعة استبضعناها بعض أهل المال ¬
إلى مصر, لأنهم خافوا إن علموا أنهم اشتروه بما اشتروه به أن يطلبوا منهم فيه الشركة (¬1) , وهو معنى قول مجاهد والسدي, وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأسرّه التجار بعضهم من بعض (¬2)، وهو أيضاً يروى عن مجاهد، وقال قتادة: وأسروا بيعه (¬3)، وقيل: إنما عني بقوله: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} إخوة يوسف, أنهم أسروا شأن يوسف أن يكون أخاهم, قالوا: هو عبد لنا (¬4)، وهو معنى قول ابن عباس: والبضاعة: القطعة من المال, من بضعت الشيء إذا قطعته (¬5)، ومنه المبضع من المال, لأنه يقطع به العرق، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (¬6) والله ذو علم بما يعمله باعة يوسف ومشتروه في أمره, لا يخفى عليه من ذلك شئ لو يشاء لغيره, ولكنه نزل تعبير ذلك ليمضي فيه، وفيهم حُكمه السَّابق, وليرى إخوة يوسف ويوسف وأباه, قدرته فيه (¬7)، وهذا وإن كان خبراً من الله عن يوسف, فإنه تذكير من الله لنبيه محمد-صلى الله عليه وسلم, وتسلية منه له عما كان يلقى من أقربائه وأنسابه المشركين من الأذى, يقول تعالى ذكره له: فاصبر يا محمد على ما نالك في الله, فإني قادر على تغيير ما ينالك به هؤلاء المشركون, كما كنت قادرا على تغيير ما لقي يوسف من إخوته, ولم يكن تركي ذلك لهوان يوسف علي, ولكن لما مضي علمي فيه وفي إخوته, فكذلك تركي تغييرَ ما ينالك به هؤلاء المشركون لغير هوان بك عليَّ, ولكن لسابق علمي بتكذيبهم, ثم مصير أمرك وأمرهم إلى علوك عليهم وإذعانهم لك, كما صار أمر إخوة يوسف إلى الْإِذْعَان لِيُوسُف بِالسُّؤْدُدِ عليهم وعلوه ¬
عليهم (¬1). وقد تضمنت الآيات: البيان عما يوجبه الإقدام على ظلم العظيم الشأن من رجوع الوبال على الظالم حين تنكب بما أقدم عليه بجهله, والبيان عما يوجبه المكر من البكاء لأنها من المصيبة على ما أتوا به من التسلية, والبيان عما يوجبه حال التهمة في الخبر من تأكيده بما يقتضي أن صاحبه محق فيه، وهو متخرص فيما أتى به، والبيان عما يوجبه حال التقي من الصبر الجميل عند المصيبة, والاستعانة بالله عندما يُعرَّض من الأمور الهائلة، ورد الصفة المزينة بما يقتضيه من التهمة. القولُ في الوقفِ والتمامِ: {لَا يَشْعُرُونَ} تمام (¬2)، قال يعقوب: {أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} كاف, {عِشَاءً يَبْكُونَ} حسن (¬3)، وكذا {مَا تَصِفُونَ} (¬4)، وكذا {صَادِقِينَ} (¬5)، وكذا {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} (¬6)، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} حسن (¬7). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: ¬
{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)} يقال: شريت أشري إذا بعت (¬1)، ومنه قوله: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} (¬2) وقال ابن مفزع الحميري (¬3): وَشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي ... مِنْ قَبْلِ بُرْدٍ كنْتُ هَامَهْ (¬4). ¬
يعني: بعت بردا (¬1)، وهو عبد كان له (¬2)، {بِثَمَنٍ} متعلق بـ {شَرَوْهُ} , {بَخْسٍ} نعت لثمن، {دَرَاهِمَ} بدل من ثمن، {مَعْدُودَةٍ} نعت لـ {دَرَاهِمَ} , {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} , {مِنَ الزَّاهِدِينَ} خبر كان, و {فِيهِ} متعلق بما دل عليه من الزاهدين, والتقديم (¬3) وكانوا زاهدين فيه {مِنَ الزَّاهِدِينَ} , وجاز هذا في الظروف للتوسع فيها (¬4)، ولا يجوز مثل هذا في المفعول, لا يجوز كانوا زيداً من الظالمين, بتقدير: كانوا ظالمين زيدا من الظالمين (¬5)، والواو في كانوا يعود على إخوة يوسف, والهاء في شروه و {فِيهِ} يعودان على يوسف, {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ} {الَّذِي} رفع بـ قال، {مِنْ مِصْرَ} متعلق بـ {اشْتَرَاهُ} , ولم تنصرف مصر: لأنها اسم المدينة معرّفة و {لِامْرَأَتِهِ} متعلق بـ {اشْتَرَاهُ} أيضا (¬6) , {أَكْرِمِي} أمر, وألفه ألف قطع (¬7) , ¬
{مَثْوَاهُ} في موضع نصب بـ {أَكْرِمِي} لا يتبين فيه الإعراب, لأن أخره ألف (¬1) , والمثوى الإقامة (¬2) في {عَسَى} ¬
فعل ترج مشبه بكان (¬1) , كما قيل: عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا (¬2) , و {أَنْ} في موضع رفع بـ {عَسَى} , وأَنْ يلزمها لتدل على الاستقبال, {أَوْ نَتَّخِذَهُ} عطف على {يَنْفَعَنَا} , {وَلَدًا} مفعول ثان, والهاء مفعول أول, {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} ووجه التشبيه بالتمكين له في الأرض شبيها بالتوفيق الذي أصاره إليه بالنجاة من الهلاك والإخراج إلى أجل حالٍ, {لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} يتعلق حرفا الجر بمكناه (¬3)، {وَلِنُعَلِّمَهُ} لام كي متعلقة بما دل عليه معنى الكلام (¬4) , بتقدير: دبرنا ذلك لنمكنه في الأرض, {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَاوِيلِ الْأَحَادِيثِ} , و {مِنْ} متعلقة بـ نعلمه, {وَاللَّهُ غَالِبٌ ¬
عَلَى أَمْرِهِ} ابتداء وخبر, و {عَلَى} متعلقة بـ {غَالِبٌ} , {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} , لكن حرف توكيد بمنزلة أن, {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} لما: ظرف (¬1)، العامل فيه {آَتَيْنَاهُ} , و {حُكْمًا} مفعول ثان لـ {آَتَيْنَاهُ} الهاء مفعول أول, {وَعِلْمًا} عطف على {حُكْمًا} , و {أَشُدَّهُ} نصب بـ {بَلَغَ} , {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي: ومثل ما وصفنا من تعليم يوسف, {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (¬2)} أي: كل من أطاع. {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا} يقال: راوده مراودةً ورواداً, والمراودة: المطالبة (¬3)، {الَّتِي} في موضع رفع بـ رَاوَدَتْهُ, {هُوَ} رفع بالابتداء, {فِي بَيْتِهَا} الخبر متعلق بالاستقرار, {عَنْ نَفْسِهِ} متعلق بـ رَاوَدَتْهُ, {وَغَلَّقَتِ} معطوف على رَاوَدَتْهُ, {الْأَبْوَابَ} نصب بـ غلّقت, والمضاعفة في غلقت: للتكثير (¬4)، {هَيْتَ لَكَ} بمعنى: هلم, ويقال: هيت للاثنين والجماعة, والمذكر والمؤنث على لفظ واحد (¬5) , و {لَكَ} متعلق بـ {هَيْتَ} أي: تعال إلى ما هو لك, وأنشد أبو عمرو بن العلاء (¬6): ¬
أبلِغْ أميرَ المؤمنين أخا العِراقِ (¬1) إذا أتَيْتا ... أنّ العِراقَ وأهلَه عُنُقٌ (¬2) إليك فهَيْتَ هَيْتَا (¬3) وفيها لغات نذكرها في القراءة, {مَعَاذَ اللَّهِ} مصدر, يقال: أعوذ بالله عياذاً ومعاذاً ومعاذةً (¬4) , {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} , إن مستأنفة, لأنها بعد القول, والهاء اسم إن, و {رَبِّي} الخبر, و {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} خبر بعد خبر, والهاء عائدة على اسم الله- عز وجل, ويجوز أن يعود على العزيز ملك مصر, أي: أحسن مقامي عنده (¬5)، {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} مستأنف أيضا. ¬
القولُ في القراءةِ: قرأ ابن كثير: {هَيْتُ لَكَ} بفتح الهاء وضم التاء, نافع وابن عامر: بكسر الهاء وفتح التاء, والباقون بفتحها (¬1) , ويقرأ بالهمز وتركه، بفتح الهاء وكسرها على أن يكون بمنزلة الأصوات (¬2)، فمن كسر: فلالتقاء الساكنين, ومن فتح: اختار الفتح بخفته, وفتح التاء مثل: أين وكيف, وهو مبني, لأنه: صوت, واختار الفتح لخفته مع ثقل الياء, والضم على التسبب (¬3) بقبل وبعد, وكان الضم على مضمر للإضافة (¬4) , فلما حذف ما أضيفت إليه ضم, وروي بكسر الياء على أصل التقاء الساكنين, وروي عن هشام عن ابن عامر هيت بكسر الهاء ورفع التاء, والهمز أخذه من هاء يهيئ مثل جاء يجئ فكأنه اشتق (¬5) من الصوت فعلا (¬6) وتكون التاء فاعله, والمعنى: حسنت هيئتك, ويكون لك من كلام آخر كما يقول لك أعني وعلى ما تقدم من القراءة يكون لك تنبيها مثل سعيا لك, وعلى ذا يجوز أن تكون قراءة من قرأ هيتُ كأنه خفف الهمزة, وأراد هذا المعنى, وفتح الهاء والتاء أكثر وأسير في كلام العرب, قرأ أهل الكوفة {الْمُخْلَصِينَ} ومُخْلصاً بفتح اللام حيث وقع, نافع بالكسر في مخْلصاً والفتح في {الْمُخْلَصِينَ} (¬7) الباقون: بالكسر في جميعه, ¬
واتفقوا على كسر ما فيه (¬1) ديني والدين, فالكسر على إسناد الفعل إليهم, وشاهده: إجماعهم على {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} (¬2) وعلى ما فيه الدين وديني, والتقدير: المخلصين دينهم لله, أو المخلصين لطاعة الله, والفتح: على ترك تسمية الفاعل, وهو اسم الله تعالى, والتقدير: من الذين أخلصهم الله من كل حال مذمومة للقيام بأمره, مثل المصطفين وشاهده: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} (¬3)، والمخالفة للجمع بين لغتين. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم: وشروه بمعنى: باع إخوة يوسف يوسف (¬4)، وإن أردت الشراء ولم ترد البيع قلت: اشتريه (¬5) , وهذا قول مجاهد وابن عباس, أي: باعوه (¬6) منهم (¬7) , وقال قتادة: بل السيارة باعوا يوسف, وقولُهُ: {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي: باخس بمعنى: ناقص, وقيل: إنما سمي بخساً: لأنه كان حراما عليهم (¬8)، قاله الضحاك وابن عباس, لم يحل لهم أن يأكلوا ثمنه, (¬9) وقولُهُ: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} أي: ¬
باعوه بدراهم غير موزونة, ناقصة غير وافية لزهدهم "كان" فيه, وقيل: إنما قيل معدودة: ليعلم بذلك أنها كانت أقل من أربعين درهما, لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزِنُونْ ما كان وزنه أقل من أربعين درهما, لأنهم كانوا في زمان أقل أوزانهم وأصغرها: كان الأوقية, وكانت الأوقية أربعين درهما (¬1)، فدل بمعدوده على قلة الدراهم, واختلف في معرفة عددها, فقال عبد الله ونوف النكالي (¬2)، وابن عباس والسدي وقتادة: كانت عشرين درهما (¬3)، وقال مجاهد: كانت اثنين وعشرين درهما, أخذ كل واحد منهم درهمين درهمين (¬4)، وقال عكرمة وابن إسحاق: كانت أربعين (¬5)، وليس على ذلك تعيين لا في خبر ولا في نص (¬6) , وقولُهُ: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} أي: وكان إخوة يوسف في يوسف من الزاهدين لا يعلمون كرامته على الله عز وجل, ولا يعرفون منزلته عنده (¬7)، وهم مع ذلك يحبون أن يحولوا بينه وبين والده, ليخلوا لهم وجهه منه, لتكون المنافع التي كانت مصروفة إلى يوسف دونهم مصروفة إليهم (¬8)، نحو ما رويَ عن الضحاك وابن عباس وجريج (¬9). ¬
وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} أي: قال الذي اشترى يوسف من بائعه بمصر, وذكر أن اسمه قِطْيفِر (¬1)، رويَ ذلك عن ابن عباس، وقيل: أن اسمه إِطْفِير بْن روحيب وهو العزيز, وكان على خزائن مصر, وقال ابن إسحاق: كان الملك يومئذ: الريان بن الوليد, رجل من العماليق (¬2) , وقيل: إن الذي باعه بمصر كان مَالِك بْن ذُعْر بْن ثُوَيْب بْن عَنْقَاء (¬3) بْن مِدْيَان (¬4) بْن إِبْرَاهِيم (¬5) كذا رويَ عن ابن عباس, {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ}، واسمها مما ذكر ابن إسحاق: رَاعِيل بِنْت (¬6) رَعَابيل (¬7)، {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} أي: موضع إقامته, وذلك حَيْثُ يَثْوِي وَيُقِيم فِيهِ (¬8)، وكني بالموضع عنه اتساعا, لأنه معلوم, {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} ذكر أن مشتري يوسف قال هذا القول لامرأته, حين دفعه إليها, لأنه لم يكن له ولد, ولم يكن يأتي النساء, فقال لها: أكرميه, عسى أن يكفينا بعض ما نعاني من أمور (¬9) , إذا فهم الأمور التي نُكَلِّفهَا وَعَرَفَهَا (¬10) ونَتَبَنَّاهُ (¬11)، ¬
قال عبد الله بن مسعود: أفرس الناس ثلاثة (¬1): العزيز حين تفرس في يوسف, وقال (¬2) لامرأته: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} , وأبو بكر الصديق حين تفرس في عمر, والتي قالت: {يَا أَبَتِ اسْتَاجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَاجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (¬3)، وقولُهُ: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} يقول تعالى: وكذلك أنقذنا يوسف من أيدي إخوته, وقد هموا بقتله, وأخرجناه من الجب بعد أن ألقي فيه فصيرناه إلى الكرامة والمنزلة الرفيعة عند عزيز مصر, كذلك مكنا له في الأرض, فجعلناه على خزائنها (¬4)، {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَاوِيلِ الْأَحَادِيثِ} أي: نُعَلِّم يُوسُف مِنْ عِبَارَة الرُّؤْيَا (¬5)، ومكنا له في الأرض (¬6)، {وَاللَّهُ غَالِبٌ} (¬7) على أمر يوسف يَسُوسهُ وَيُدَبِّرهُ وَيَحُوطهُ (¬8) , ¬
قال سعيد بن جبير (¬1): {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} أي: فعّال (¬2)، {ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (¬3) أي: ولكن الذين زهدوا في يوسف فباعوه بثمن خسيس, والذين صار بين أظهرهم من أهل مصر, حتى بيع فيهم, لا يعلمون ما الله بيوسف صانع (¬4). وقوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} أي: لما بلغ يوسف شدته وقوته في شبابه وحدّ ذلك فما بين: ثماني عشرة إلي ستين سنة, وقيل: أربعين سنة, جمع لم يسمع له واحد مثل الأضر والأسر (¬5) , ويجب في القياس أن يكون واحده شَدّ كما وَاحِد الْأَضَرّ ضَرّ, وواحد الأشر شر, كما قال (¬6): ¬
هَلْ غَيْرُ أَنْ كَثُرَ الأشُرُّ وَأَهْلَكَتْ ... حَرْبُ المُلُوكِ أَكَاثِرَ الأَمْوَالِ (¬1) واختلف في المَبْلَغِ: الأشد, فقال مجاهد: ثلاث وثلاثون سنة (¬2)، وقال ابن عباس: بضع وثلاثون سنة, وقال الضحاك: عشرون سنة (¬3)، وأنه لما بلغ أشده وهو في قوته من الأقوال المذكورة: أعطاه الله حكما وعلما, يقول تعالى: وكما جزيت يوسف فأثبْتُه بطاعته إياي الحكم والعلم, ومكنته في الأرض, واستنقذته من أيدي إخوته الذين أرادوا قتله, كذلك أجزي من أحسن في عمله, فأطاعني في أمري, وانتهى عما نهيته في معاصي, وهذا وإن كان مخرجه في ظاهره على كل محسن فإن المراد به محمد-صلى الله عليه- يقول له: كما فعلت هذا بيوسف, فكذلك أفعل بك فأنجيك من مشركي قومك, الذين يقصدونكم بالعداوة (¬4) لأن ذلك جَزَائِي أهل الإحسان في أمري ونهيي, قال ابن عباس: يجزي المحسنين أي: المهتدين (¬5). وقوله تعالى: {ورَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} أي: راودت امرأة العزيز, وهي التي كان يوسف في بيتها عن نفسه أن يواقعها (¬6)، كما روي عن ابن إسحاق والسدي وابن جبير (¬7) , ¬
{وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} أي: غلقت أبواب البيوت عليها وعلى يوسف لما راودته, باباً بعد باب (¬1)، {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} يعني: تعال واقرب (¬2)، وقال ابن عباس: هلم لك (¬3)، وقال السدي والحسن (¬4): هيت بالقبطية هلم (¬5) , وقال الكسائي وأبو عبيدة (¬6): هي لغة حُورَان (¬7)، معناها تعال, ومن ضم التاء فالمعنى: تَهَيَّات لك من قول القائل: هِئْت لِلْأَمْرِ أَهِيئُ هَيْئَة (¬8)، وهئت للاثنين والجمع والذكر والأنثى فيه سواء (¬9). وقوله تعالى: {مَعَاذَ اللَّهِ} يقول-جل ثناؤه: قال يوسف إذ دعته المرأة إلى نفسها وقالت له: هلمّ إلي, قال: أعتصم بالله من الذي تؤمئين إليه, وأستجير به منه (¬10). وقوله تعالى: {إِنَّهُ ¬
رَبِّي} يقول: إن صاحبك زوجك سَيِّدِي (¬1)، قال السدي ومجاهد وابن إسحاق. وقولُهُ: {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} يقول أحسن منزلتي (¬2) , وأكرمني وائتمنني فلا أخونه (¬3)، وقال الزجاج (¬4): يجوز أن تكون الهاء لله-عز وجل-أي: أن الله ربي أحسن مثواي في طول مقامي (¬5) , وقولُهُ: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} يقول: إنه لا ينجح من ظلم, ففعل ما ليس له فعله, وهذا الذي تدعونني إليه من الفجور ظلم وخيانة لسيدي الذي ائتمنني على منزله (¬6) , نحو ما روي عن ابن عباس وابن إسحاق. وقد تضمنت الآيات: البيان عما يوجبه الجهل بمقدار المبيع النفيس من الزهد فيه, مع بيعه بالثمن الخسيس الحقير اليسير النزر, والبيان عما يوجبه حسن تدبير الله-جل وعز-لو كان حقيقا للرفعة (¬7)، من التمكين في الأرض وتعليم (¬8) العلم الذي يحل به القدر، ويعظم به الشأن, كما كان أمر يوسف فما أعطي من تلك الحال, ومكن بالملك, وكثرة المال, والبيان عما يوجبه حال المحسن من الجزاء على الإحسان، بإتيانه الحكم والعلم، وناهيك بهما سَناً وعطاءً وكرامة وكريم جزاء, والبيان عما يوجبه الامتناع من الحرام في حال شدة المنازعة, وقوة الشهوة من المدح بهذه الحال الجميلة، والفضيلة الجليلة. القولُ في الوقفِ والتمامِ: ¬
{يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ} كاف (¬1) عند أبي حاتم (¬2)، وكذا {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} (¬3)، والتمام: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (¬4)، وقال نافع: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} تمام (¬5)، والتمام عند غيره {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} (¬6) , {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} كاف (¬7)، وكذا عنده {مِنْ تَاوِيلِ الْأَحَادِيثِ} (¬8)، والتمام {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (¬9)،و {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} تمام (¬10)، {وَغَلَّقَتِ ¬
الْأَبْوَابَ} تمام (¬1) عند نافع, وقال أحمد بن جعفر التمام: {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} (¬2)، وكذا {لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (¬3). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)} هَمَّ بالشيء إذا قارب فعله ولما يفعله (¬4)، {بِهِ} متعلق بـ {هَمَّتْ} , {وَهَمَّ بِهَا} متعلق بـ {وَهَمَّ} , {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} , {أَنْ} في موضع رفع بالابتداء, وجواب {لَوْلَا} محذوف لعلم السامع, ولا يجوز أن يتقدم جوابها عليها, كما تقدم جواب الشرط لقوة الشرط وقلبه ¬
للماضي إلى معنى المستقبل وقوة الشرط بالعمل (¬1)، {كَذَلِكَ} الكاف للتشبيه في موضع نصب (¬2) , أي: أريناه البراهين كذلك, وقيل: في موضع رفع, أي: أمر البراهين كذلك, والنصب أجود, لمطالبة حروف الجر بالأفعال أو معانيها (¬3)، {لِنَصْرِفَ عَنْهُ} لام كي متعلقة بالفعل المحذوف الذي دلت عليه كاف التشبيه, {عَنْهُ} متعلق بـ نصرف, {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} مستأنف و {مِنْ} متعلقة بمعنى الاستقرار, و {الْبَابَ} نصب بـ استبقا, {مِنْ دُبُرٍ} متعلق بـ {وَقَدَّتْ} , و {سَيِّدَهَا} نصب بـ ألفيا, {لَدَى الْبَابِ} ظرف (¬4) العامل فيه {وَأَلْفَيَا} , {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا} , {مَا} حرف نفي, {جَزَاءُ} رفع بالابتداء, {مَنْ} في موضع خفض بإضافة {جَزَاءُ} إليها, {بِأَهْلِكَ} متعلق بـ {أَرَادَ} , {سُوءًا} نصب بـ {أَرَادَ} , {إلَّا} إيجاب, {أَنْ يُسْجَنَ} , {أنْ} في موضع رفع على خبر الابتداء, و {يُسْجَنَ} نصب بـ {أَنْ} , {أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} عطف على"أن"التقدير: إلا السجن أو عذاب أليم {هِيَ رَاوَدَتْنِي} ابتداء وخبر (¬5) , {عَنْ نَفْسِي} متعلق بـ {رَاوَدَتْنِي} , و {شَاهِدٌ} رفع بـ {وشَهِدَ} , {مِنْ أَهْلِهَا} متعلق بـ {وشَهِدَ} , {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} , {إِنْ} حرف شرط و {قُدَّ} ¬
خبر {كَانَ} , {مِنْ قُبُلٍ} متعلق بـ {قُدَّ} , {فَصَدَقَتْ} جواب الشرط (¬1) , {وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِين} ابتداء وخبر (¬2) , و {مِنَ الْكَاذِبِينَ} متعلق بالاستقرار, و {مِنَ} للتبعيض, وكذا {مِنْ أَهْلِهَا} , {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} مثل ما تقدم, {فَلَمَّا} الفاء جواب ما أخبر به ولما ظرف, {قَمِيصَهُ} نصب بـ {رَأَى} , {قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} في موضع الحال, أي: فلما رأى قميصه مقدوداً من دبر, {قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ} , {مِنْ} متعلقة بمعنى الاستقرار, {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} اسم إن وخبرها, والهاء من {إِنَّهُ} تعود على الكذب, ويجوز أن تعود على السوء (¬3). القولُ في القراءةِ: قرأ أهل الكوفة: {الْمُخْلَصِينَ} ومخلَصا بفتح اللام حيث وقع نافع بالكسر في مخلَصا والفتح في مخلصين, الباقون: بالفتح في جميعه (¬4)، واتفقوا على ما فيه ديني والدين, فالكسر على إسكان الفعل إليهم, وشاهده {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} (¬5)، والفتح على ترك تسميته الفاعل, وهو اسم الله ¬
عز وجل, والتقدير: ومن الذين أخلصهم الله من كل حال مذمومة للقيام بأمره, وشاهده: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ} (¬1) والخلاف والجمع بين لغتين. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم: أن امرأة العزيز لما همّت بيوسف, وأرادت مراودته عن نفسه, جعلت تذكر له محاسن نفسه, وتشوقه إلى نفسها, روي عن السدي قال: قالت له: يا يوسف ما أحسن شعرك! قال: هو أول ما ينتثر من جسدي, قالت له: يا يوسف ما أحسن عينيك! قال: هي أول ما تسيل إلى الأرض من جسدي, قالت: يا يوسف ما أحسن وجهك! قال: هو للتراب يأكله, فلم يزل حتى أطعمته, فهمت به وهم بها, فدخلا البيت, وغلقت الأبواب, وذهب ليحل سراويله, فإذا هو بصورة يعقوب قائما في البيت, قد عضّ على إصبعه, يقول: يا يوسف تُوَاقِعُهَا! وإنما مثلك مَا لَمْ يوَاقِعْهَا مَثَل الطَّيْر في جو السماء لا يطاق, وَمَثَلك إن واقعتها مَثَله إذا مات وقع في الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه, فربط سراويله, وذهب ليخرج يَشْتَدّ (¬2)، فأدركته, فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته حتى أخرجته منه, وطرحه يوسف واشتد نحو الباب (¬3)، ومعنى الهمّ بالشيء: حديث المرء نفسه بمواقعته ما لم يواقع, فأما ما كان من همّ يوسف بالمرأة, وهمّها به فإنه روي عن ابن عباس من طُرق ¬
قال: حَلَّ الْهِمْيَان وجلس منها مجلس الخاتن (¬1)، وقال ابن أبي مُلَيْكَة: استلقت له: وحل ثيابه (¬2). وعن مجاهد من طُرق قال: حل سراويله حتى وقع على السرير, ويقال: كيف يجوز أن يوصف يوسف صلى الله عليه وسلم بهذا الفعل وهو لله نبي؟ قيل: إن هذا ابتلاء لخطيئة ابتلاه بها, ليكون من الله على وَجَل إِذَا ذَكَرَهَا, فيجد في طاعته اشفاقاً منها, ولا يتكل على سعة عفو الله ورحمته, وقيل: ابتلاه الله بذلك: ليعرفه موقع نعمته بصفحه عنه, وترك عقوبته في الآخرة, وقيل: بل ابتلاه ليجعله قدوة لأهل الذنوب, في رجاء رحمته, وترك الإياس من عفوه (¬3)، وكذلك جميع ذنوب الأنبياء التي هي الصغائر, لأنهم لا يرتكبون كبيرة تجري أمورهم في ذلك مجرى يوسف, وقد اختلف في البرهان, فقال: بعضهم نودي بالنهي عن مواقعة الخطيئة (¬4)، قال ابن عباس: نودي يا ابن يعقوب أتزني؟ فتكون كالطير وقع ريشه, فذهب ليطير فلا ريش له (¬5)، وهو قول ابن أبي مُلَيْكَة وقتادة, وقال ابن عباس أيضا: لما هم ¬
بمواقعة الخطيئة, صور له يعقوب يتوعده, وقيل: مثّل له (¬1)، فضَرب في صدره, فخرجت شهوته من أنامله (¬2)، وهو معنى قول سعيد بن جبير, وقال الحسن: زعموا أن سقف البيت انفرج, فرأى يعقوب عاضّاً على أصابعه (¬3)، وقال محمد بن كعب القرظي (¬4): بل البرهان ما أوعد الله على الزنا أهله, قال: ورفع رأسه إلى سقف البيت, فإذا كتاب في حائط البيت, {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا (¬5) وَسَاءَ سَبِيلًا} (¬6) وظاهر الآية: برهان زجره, فجائز أن يكون ما ذكروا وأن يكون غيره (¬7) , وقوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} (¬8) يقول: كما أرينا يوسف برهاننا على الزجر ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
عما هم به من الفاحشة, كذلك نسبب له في كل ما عرض له من هم يهم به فيما لا يرضاه ما يزجره ويدفعه عنه, ليطهره من دنس ذلك (¬1). وقوله تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} أي: واستبق يوسف امرأة العزيز باب البيت (¬2)، أما يوسف: ففراراً من ركوب الفاحشة لما رأى من برهان ربه (¬3) , وأما المرأة: فطلباً ليوسف لتقضي حاجتها منه التي أرادته عليها, فأدركته, فتعلقت بقميصه من خلفه, فجذبته إليها مانعة له من الخروج من الباب, وقدته من دبر أي: شقته من خلف, لا من قدام (¬4)، {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} أي: وصادف سيدها: وهو زوج المرأة, عند الباب (¬5)، وقولُهُ: {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: قالت امرأة العزيز لزوجها لما خافت أن يتهمها بالفجور: ما ثواب من أراد ¬
بامرأتك الزنا؟ إلا أن يسجن أو عذاب مؤلم أي: موجع (¬1). وقوله تعالى: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} يقال: لما قذفته بما قذفته مكذبا لها فيما قذفته به, مَا أَنَا رَاوَدْتهُها عن نفسها, بل هي راودتني عن نفسي, وقد قيل أن يوسف لم يرد ذكر ذلك, لو لم تقذفه عند سيدها بما قذفته به (¬2)، وقوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} اختلف في صفة الشاهد, قال ابن عباس وأبو هريرة (¬3) وسعيد بن جبير: كان صبياً في المهد (¬4)، وروي أيضا عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة والحسن قال: كان رجلا (¬5)، وروي عن مجاهدٍ أيضا قال: الشاهد القميص المقدود (¬6)، وروي عن رسول الله -صلى الله عليه- قال: تكلم أربعة وهم صغار, فذكر فيهم: شاهد يوسف (¬7)، فدل ذلك على أنه صبي في المهد, وقولُهُ: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} لأن المطلوب إذا كان هاربا, فإنما يؤتى من قبل دبره, فكان معلوماً أن الشق لو كان من قُبل لم يكن هاربا, ولكن ¬
كأن يكون طالباً ممنوعاً مدفوعاً, فكان ذلك يكون شاهداً على كذبه (¬1). وقوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} خبر عن زوج المرأة, وهو القائل لها: إن هذا الفعل من كيدكن, أي: من صنيعكن, أي: من صنيع النساء (¬2)، {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} , وقيل: إنه خبر عن الشاهد إنه القائل ذلك (¬3). وقد تضمنت الآيات البيان عما توجبه إخلاص العبادة من الألطاف التي يعتصم بها من المعصية, وإن وقع صاحبها في شدة منازعةٍ، وحال خدعة, والبيان عن ما يوجبه مكر النساء من البهت بطرح الجرم على غير صاحبه, لتبرئة النفس من ذلك, مع إدعاء أن جزاءه السجن، والعذاب الأليم, وهو بمدعيه أحق وله ألزم, والبيان عما يوجبه نفع الاستدلال من تمييز التقي من الفاجر, والحق من الباطل فيما قذف به يوسف-عليه السلام, حتى ظهرت براءته فيما قيل فيه، ونسب إليه, والبيان عما يوجبه دلالة العادة, من أن الذي شق قميصه من دبره، هو الهارب من الأمر, كما أن الذي توجد الضربة في ظهره هو: المنهزم من الحرب, والبيان عما أخرجه البرهان من إضافة الفاحشة إلى غير صاحبها بالبهتان فرُدت على مقترفها, وبرِئَ منها المنزه عنها. القولُ في الوقفِ والتمامِ: ¬
{وَهَمَّ بِهَا} كاف (¬1)، وقال أبو حاتم: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} جيد (¬2)، وأجود منه {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} أي: حسن (¬3)، وكذا {أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬4)، وكذا {مِنْ كَيْدِكُنَّ} (¬5)، والتمام (¬6) {عَظِيمٌ}. وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)} ¬
{يُوسُفُ} نداء مفرد, {عَنْ هَذَا} , {عَنْ} متعلقة بـ {أَعْرِضْ} , وألف {أَعْرِضْ} قطع و {هَذَا} إشارة إلى ما جرى, {لِذَنْبِكِ} متعلق بـ استغفري والألف ألف وصل, {إِنَّكِ} مستأنف, {كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} خبر إنّ, و {مِنَ الْخَاطِئِينَ} خبر {كُنْتِ} , والتاء اسمها, و {مِنَ} متعلقة بمعنى الاستقرار, يقال: خَطِئَ الرجلُ يخطئُ خِطاءً وخَطأً (¬1)، وقال الشاعر (¬2): لَعَمْرُكَ إِنَّمَا خَطَئِي وَصَوْبِي (¬3) ... عَلَيَّ وَإِنَّمَا (¬4) أَهْلَكْتُ مَالُ وقال أميّة (¬5): ¬
عبادك يُخطِئون وأنت رَبٌّ ... بكفَّيك المنايا والحُتُومُ (¬1) قال الأصمعي (¬2): يقال: خطئ الرجل يخطأ إذا تعمد الذنب فهو خاطئ, وأخطأ يخطئ إذا غلط ولم يتعمد, والاسم منه الخطأ (¬3). وقال تعالى: {مِنَ الْخَاطِئِينَ} ولم يقل: من الخاطئات, ليغلب المذكر على المؤنث إذا اجتمعا (¬4)، ويقال صواب وصوب بمعنى, {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} , {فِي} متعلقة بـ قال (¬5) , و {نِسْوَةٌ} رفع بـ قال, {امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ}، {امْرَأَتُ} رفع بالابتداء, {تُرَاوِدُ} الخبر, {فَتَاهَا} نصب بـ {تُرَاوِدُ} إلا أنه لا يسنّ فيه ¬
إعراب, لأن آخره ألف, والهاء والألف في موضع خفض بإضافة فتىً إليها (¬1)، {عَنْ نَفْسِهِ} متعلق بـ {تُرَاوِدُ,} {قَدْ شَغَفَهَا} الهاء والألف في موضع نصب بـ {شَغَفَهَا} , {حُبًّا} نصب على البيان (¬2) , {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} اللام لام توكيد, والهاء والألف نصب بـ نرى, {فِي} متعلقة بـ نرى, و {مُبِينٍ} نعت لـ {ضَلَالٍ} , {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} الفاء جواب ما أخبر به من قول النسوة, {فَلَمَّا} ظرف, {أَرْسَلَتْ} جواب {فَلَمَّا} وهو العامل, {إِلَيْهِنَّ} متعلق بـ {أَرْسَلَتْ} , {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} معطوف على {أَرْسَلَتْ} يقال: اعتد يعتد إذا أعد وهيأ, وألفه ألف قطع, و {مُتَّكَأً} نصب بوقوع {أَعْتَدَتْ} وهو مفتعل من وكأت الأصل: مؤتكا, مثل: مؤتذن, أبدلت من الواو تاء, ثم أدغمت التاء في التاء, وقد أبدلوا التاء في الافتعال, يقال: تكئ يتكأ تكأً (¬3) , وقد تكون متكئاً جمعاً ولفظه واحد, مثل: الجليس, وإن جمعته قلت: متكئات, وإن جمعته مكسر لقلت: مواكي (¬4)، وآتت بمعنى أعطت, {كُلَّ} نصب بـ {وَآَتَتْ} , {مِنْهُنَّ} متعلق بمعنى الاستقرار, لأن منهن في موضع النعت لـ {وَاحِدَةٍ} , {سِكِّينًا} نصب بـ ¬
{وَآَتَتْ}. والسكين تذكر وتؤنث, {وَقَالَتِ اخْرُجْ عليهنَّ} متعلق بـ {اخْرُجْ} , {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ} الفاء جواب قولها, ولما ظرف (¬1) , {أَكْبَرْنَهُ} جواب لما وهو العامل في لما, {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} معطوف على {أَكْبَرْنَهُ} , و {أَيْدِيَهُنَّ} نصب بـ {وَقَطَّعْنَ} , {وَقُلْنَ} معطوف أيضا, وشددت النون من {أَيْدِيَهُنَّ} وخففت من {وَقَطَّعْنَ}: لأن المشددة بحذاء حرفين من المذكر إذا قلت: أيديهم, والمخففة بإزاء حرف واحد من المذكر إذا قلت قطعوا (¬2)،وقوله: {حَاشَ لِلَّهِ} من قرأ بالحذف دل على أنه فعل, لأن الحروف لا يحذف منها, ومعناه المجاوزة, وإذا كان فعلاً ففاعله: يوسف, والتقدير: بعد يوسف عن هذا, وهي حرف, أو فعل على القولين, وأهل اللغة يقولون: هو مشتق من قولك: كنت في حشى فلان, أي: في ناحية فلان (¬3)، فالمعنى في {حَاشَ لِلَّهِ}: براءة الله من هذا (¬4) , من التنحي أي: قد نحى الله يوسف من هذا, فإذا قلت حاشى لزيد من هذا فمعناه: قد نحى زيد من هذا أو تباعد منه, واللام متعلقة بحاشى, وقوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} , {مَا} نفي, و {هَذَا} اسم {مَا} , و {بَشَرًا} خبرها, و {مَا} مشبهة بليس, {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} , {إِنْ} بمعنى ما, و {هَذَا} رفع بالابتداء, {إِلَّا مَلَكٌ} خبر, و {كَرِيمٌ} نعت له, {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} الفاء جواب قولهن, {فَذَلِكُنَّ} رفع بالابتداء, و {الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} الخبر (¬5) , و {فِيهِ} متعلق بـ {لُمْتُنَّنِي}، وذلك إشارة إلى ¬
يوسف, واللام لتراخي الإشارة إليه, وشددت النون في الموضعين: لأنها بإزاء الميم والواو في المذكر, و {عَنْ نَفْسِهِ} متعلق بـ {رَاوَدْتُهُ} , {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ} اللام في {وَلَئِنْ} لام قسم دخلت على حرف الشرط (¬1) , {مَا آَمُرُهُ} , {مَا} في موضع نصب بـ {يَفْعَلْ} وهي بمعنى الذي, لَيُسْجَن جواب القسم, وهو كاف من جواب الشرط, {وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} معطوف على {لَيُسْجَنَنَّ} ,و {مِنَ الصَّاغِرِينَ} متعلق بمعنى الاستقرار في موضع خبر {وَلَيَكُونَنْ} ,والوقف على {لَيُسْجَنَنَّ}: بالنون, لتشديد النون, وعلى ليكونا: بالألف, تشبيهاً بالتنوين وكذا {لَنَسْفَعَنْ} (¬2) يقف بالألف (¬3)، ومنه قول الأعشى (¬4) مؤكد بالنون الخفيفة: ¬
وَصَلِّ عَلى حينِ العَشِيّاتِ وَالضُحى ... وَلا تَحمَدِ الشَيطانَ وَاللَهَ فَاِحمَدا (¬1) يقف عليه بالألف مثل: "لنسفعًا" (¬2)، وقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ} نداء مضاف, {السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} ابتداء وخبر, {مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} من متعلقة بـ {أَحَبُّ} وما بمعنى الذي, {إِلَيْهِ} متعلق بـ {يَدْعُونَنِي} , {وَإِلَّا تَصْرِفْ} إن حرف شرط, ولا نافية, {تَصْرِفْ} جزم بإن {عَنِّي} متعلق بـ {تَصْرِفْ} , {كَيْدَهُنَّ} نصب بـ {تَصْرِفْ} , {أَصْبُ} جواب الشرط, {إِلَيْهِنَّ} متعلق بـ {أَصْبُ} , {وَأَكُنْ} عطف على {أَصْبُ} , {مِنَ الْجَاهِلِينَ} خبر (¬3) {وَأَكُنْ} متعلق بمعنى الاستقرار. القولُ في القراءةِ: قرأ أبو عمرو: {حَاشَ لِلَّهِ} في الموضعين بألف, الباقون: بغير ألف (¬4)، فالحذف والإثبات لغتان فصيحتان, ومن العرب من يحذف لام الفعل كما تقول: لم يك, ولا أدر, ومن قولهما: أصاب الناس جهد, ولو تر ما أهل مكة, وإنما هو: ولو ترى, ودليل الحذف: أنها في الخط محذوفة, ولهذا وقف الجميع عليها بغير ألف. القولُ في المعنى والتفسيرِ: ¬
ذكر عن ابن عباس: أن هذا خبر من الله عن قيل الشاهد أنه قال للمرأة وليوسف, يقول: يا يوسف أعرض عن ذكر ما كان منها إلَيْك فِيمَا رَاوَدَتْك عليه ولَا تَذْكُرْهُ لِأَحَدٍ, وَاسْتَغْفِرِي أَنْتِ زَوْجك, سَلِيهِ أَنْ لَا يُعَاقِبك عَلَى ذَنْبك الَّذِي أَذْنَبْت، وَأَنْ يَصْفَح عَنْهُ فَيَسْتُرهُ عليك (¬1)، {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} يَقُول: مِنَ الْمُذْنِبِينَ فِي مُرَاوَدَتك يُوسُف عَنْ نَفْسه (¬2). وقوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ} يَقُول تَعَالَى: وَتَحَدَّثَ النِّسَاء بِأَمْرِ يُوسُف وَأَمْر امْرَأَة الْعَزِيز فِي مَدِينَة مِصْر، وَشَاعَ مِنْ أَمْرهمَا فِيهَا مَا كَانَ، فَلَمْ يَنْكَتِم، وَقُلْنَ: امْرَأَة الْعَزِيز تُرَاوِد عَبْدهَا (¬3) عَنْ نَفْسه, نحو ما روي عن ابن اسحاق. والْعَزِيز الْمَلِك فِي كَلَام الْعَرَب; وَمِنْهُ قَوْل أَبِي دُؤَاد (¬4) دُرَّةٌ غَاصَ (¬5) عَلَيْهَا تَاجِرٌ ... جُلِيَتْ عِنْدَ عَزِيزٍ يَوْمَ طَلِّ وهو مأخوذ من العزة, وقولُهُ: {شَغَفَهَا حُبًّا} يَقُول: قَدْ وَصَلَ حُبّ يُوسُف إِلَى شَغَاف قَلْبهَا، فَدَخَلَ تَحْته حَتَّى غَلَبَ عَلَى قَلْبهَا (¬6). وَشَغَاف الْقَلْب: حِجَابه وَغِلَافه الَّذِي هُوَ فِيهِ (¬7) وَإِليه عَنَى النَّابِغَةُ الذُّبْيَانيُّ (¬8) قَوْلَه: ¬
وَقَدْ خَالَ (¬1) هَمٌّ دُونَ ذَلِكَ دَاخِلٌ ... دُخُولَ الشَغَاف (¬2) -الشَغَاف (¬3) تَبْتَغِيهِ الأصَابِعُ (¬4). ¬
وقال الشعبي (¬1): الْمَشْغُوف: الْمُحِبّ, وَالْمَشْعُوف (¬2) الْمَجْنُون (¬3)، وقال الحسن: قَدْ بَطَنَهَا حُبًّا (¬4)، وقال الضحاك: هُوَ الْحُبّ اللَّازِق بِالْقَلْبِ (¬5)، وقد قيل بالعين: شعف. وأنشد امرؤ القيس: لتَقْتُلنِي (¬6) وقدْ شَعَفْتُ فُؤادهَا ... كَما شَعَفَ المَهْنُوءةَ الرَّجلُ الطَّالِي فشعف المرأة من الحب والمهنوءة وهي الناقة المطلية بالقطران (¬7) من الدبر, فشبه لوعة الحب وجواه بذلك, وقوله تعالى: {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي: قُلْنَ: إِنَّا لَنَرَى امْرَأَة الْعَزِيز ومُرَاوَدَتهَا فَتَاهَا عَنْ نَفْسه وَغَلَبَة حُبّه عليها لَفِي خَطَأ مِنَ الْفِعْل وَجَوْر عَنْ قَصْد السَّبِيل مُبِين لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَعَلِمَهُ أَنَّهُ ضَلَال وَخَطَأ غَيْر صَوَاب وَلَا سَدَاد, وَإِنَّمَا كَانَ قِيلُهُنَّ مَا قُلْنَ مِنْ ذَلِكَ، وَتَحَدُّثُهُنَّ بِمَا تَحَدَّثْنَ بِهِ مِنْ شَانِهَا وَشَانِ يُوسُفَ مَكْرًا مِنْهُنَّ، فِيمَا ذُكِرَ لِتُرِيهِنَّ يُوسُفَ, فَلَمَّا سَمِعَتْ امْرَأَة الْعَزِيز بِمَكْرِ النِّسْوَة اللَّاتِي قُلْنَ فِي الْمَدِينَة مَا ذَكَرَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُنَّ, قال ابن إسحاق: مكرن لتريهن يوسف, وكان ¬
يوصف لهن بالحسن والجمال. {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} فعَلَتْ مِنَ الْعَتَاد, وَهُوَ الْعِدَّة (¬1) وَمَعْنَاهُ: أي مَجْلِسًا لِلطَّعَامِ، وَمَا يَتَّكِئْنَ عليه مِنَ النَّمَارِق وَالْوَسَائِد, متكئاً مفتعل من اتكأت (¬2)، قال سعيد: اتخذت طعاماً وشراباً ومتكئا (¬3)، وقال السدي: ما يتكئن عليه (¬4)، وقال ابن عباس والحسن: مجلسا, وقيل: اتخذت طعاماً وشراباً وأترجّا, {وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} لتقطع به الأترج, وقيل: كما ورد قاله الضحاك, وقال أبو عبيدة (¬5): المتكأ الأترج, ثم قال: والفقهاء أعلم بذلك, قال مجاهد: من قرأ متكأ فهو الطعام, ومن قرأ متَّكأ وهي قراءة شاذة: فهو الأترج, وقوله تعالى: {وَقَالَتِ اخْرُجْ عليهنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي: قالت امرأة العزيز ليوسف: {اخْرُجْ ¬
عليهنَّ} , فخرج عليهنّ, فلما رأين يوسف, أعظمْنَه وَأَجْلَلْنَهُ وَبُهِتْنَ, وروي عن عبد الصمد بن على الهاشمي (¬1) , عن أبيه, عن جده: أكبرنه, قال: حِضْنَ, وينشد في هذا المعنى بيت ليس بمعروف: تأتي (¬2) النِّسَاءَ عَلَى أَطْهَارِهِنَّ وَلا ... تاتِي النِّسَاءَ إِذَا أَكْبَرْنَ إِكْبَارَا أي: إذا حِضْنَ, {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} قال بعضهم: أَنَّهُنَّ حَزَزْنَ بِالسِّكِّاكينِ فِي أَيْدِيهنَّ وَهُنَّ يَحْسَبْنَ أَنَّهُنَّ يقَطّعْنَ الْأُتْرُجّ (¬3) , قاله مجاهد والسدي وابن زيد وابن عباس ¬
وقتادة (¬1) وابن إسحاق, وقيل: تقطيعهن: تخديش, وقيل: أيديهن (¬2) , والتخديش أولى, لأنه ربما خفي على الإنسان ساعه, وليس القطع كذلك, قال ابن عباس: أعطي يوسف وَأُمّه ثُلُث الْحُسْن (¬3) , وروي ثابت (¬4) عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أُعْطِيَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ شَطْرَ الْحُسْنِ (¬5) وقولُهُ: {حَاشَ لِلَّهِ} أي: تنزيهاً لله, كأنه قال: معَاذَ الله (¬6) قاله مجاهد والحسن، حاشا لله، ¬
معاذ الله (¬1) , وقولُهُ: {مَا هَذَا بَشَرًا} أي: قُلْنَ: مَا هَذَا بَبشَرٍ; لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَرَيْنَ فِي حُسْن صُورَته مِنَ الْبَشَر أَحَدًا, فَقُلْنَ: لَوْ كَانَ مِنَ الْبَشَر لَكَانَ كَبَعْضِ من رَأَيْنَا مِنْ صُورَة الْبَشَر, وَلَكِنَّهُ مِنَ الْمَلَائِكَة لَا مِنَ الْبَشَر. وقوله تعالى: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} أي: قَالَتْ امْرَأَة الْعَزِيز لِلنِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ, فَهَذَا الَّذِي أَصَابَكُنَّ فِي رُؤْيَتِكُنَّ إِيَّاهُ فِي نَظْرَةٍ مِنْكُنَّ نَظَرْتُنَّ إِلَيْهِ مَا أَصَابَكُنَّ مِنْ ذَهَاب الْعَقْل وَغُرُوب الْفَهْم وَلَهًا إِلَيْهِ حَتَّى قطعن (¬2) أَيْدِيَكُنَّ، هُوَ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِي حُبِّي إِيَّاهُ وَشَغَف فُؤَادِي بِهِ، فَقُلْتُنَّ: قَدْ شَغَفَ امْرَأَةَ الْعَزِيز فَتَاهَا حُبًّا {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَال مُبِين}. ثُمَّ أَقَرَّتْ لَهُنَّ بِأَنَّهَا قَدْ رَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسه، وَأَنَّ الَّذِي تَحَدَّثْنَ بِهِ عَنْهَا فِي أَمْره حَقّ، فَقَالَتْ {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي: امتنع مِمَّا رَاوَدْتهُ عليه, قال السدّي: استعصم بعد ما أحل السراويل, لا أدري ما بدا له, وقال قتادة: فاستعصم, وقال ابن عباس: فامتنع وإن لم يُطَاوِعْنِي إلى مَا أَدْعُوهُ إِلَيْهِ مِنْ حَاجَتِي إِلَيْهِ لَيُسْجَنَنَّ في السجن, وَلَيَكُونَا مِنْ أَهْل الصَّغَار وَالذِّلَّة بِالْحَبْسِ وَالسَّجْن، وَلَأُهِينَنَّهُ (¬3). وقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} هَذَا الْخَبَر مِنَ اللَّه تعالى يَدُلّ عَلَى أَنَّ امْرَأَة الْعَزِيز قَدْ عَاوَدَتْ يُوسُف فِي الْمُرَاوَدَة عَنْ نَفْسه، وَتَوَعَّدَتْهُ بِالسَّجْنِ وَالْحَبْس إِنْ لَمْ يَفْعَل مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ، فَاخْتَارَ -صلى الله عليه- السَّجْن عَلَى مَا دَعَتْهُ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ عَاوَدَتْهُ وَتَوَعَّدَتْهُ بِذَلِكَ، كَانَ مُحَالًا أَنْ يَقُول: {رَبِّ السِّجْن أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} , وَهُوَ لَا يُدْعَى إِلَى شَيْء وَلَا يُخَوَّف بِحَبْسٍ. وَالسِّجْن: المحَبْس نَفْسه، وَهُوَ بَيْت الْحَبْس, وتأويل الكلام: قال يوسف: ¬
يَا رَبّ الْحَبْس فِي السِّجْن أَحَبّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتك وَيُرَاوِدْنَنِي عليه مِنَ الْفَاحِشَة, قال السدي: {مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} مِنْ الزِّنَا (¬1) , قال ابن إسحاق: اسْتَعَانَ ربّه ممَا نَزَلَ بِهِ, وقال: {السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} أي: أحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ آتِيَ مَا تَكْرَه (¬2) , وَإِنْ لَمْ تَدْفَع عَنِّي يَا رَبّ فِعْلَهُنَّ الَّذِي يَفْعَلْنَ بِي فِي مُرَاوَدَتِهِنَّ إِيَّايَ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} أي: أَمِيل إِلَيْهِنَّ، وَأُتَابِعُهُنَّ عَلَى مَا يُرِدْنَ مِنِّي، مِنْ قَوْل الْقَائِل: صَبَا فُلَان إِلَى كَذَا (¬3) كما قال: يزيد بن ضبّة الثقفي (¬4): إِلَى هِنْدٍ صَبَا قَلْبِي ... وَهِنْدٌ مِثْلُهَا يُصْبِي (¬5) قال: إِلَّا يَكُنْ مِنْك أَنْتَ الْعَوْن وَالْمَنَعَة، لَا يَكُنْ مِنِّي وَلَا عِنْدِي, وقولُهُ: وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ أي: أَكُنْ بِصَبْوَتِي إِلَيْهِنَّ مِنَ الَّذِينَ جَهِلُوا حَقّك وَخَالَفُوا أَمْرك وَنَهْيك. وقوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} فاستجاب الله ليوسف دعاءه فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله, قال ابن اسحاق: " أي: نجّاه من أن يركب المعصية" (¬6) , ويقال: ما وجه ¬
قوله: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} وَلَا مَسْأَلَة منه تَقَدَّمَتْ لِرَبِّهِ، وَلَا دَعَا, وَإِنَّمَا أَخْبَرَ رَبّه أَنَّ السِّجْن أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَته قِيلَ: فِي إِخْبَاره بِذَلِكَ شِكَايَةً مِنْهُ إِلَى رَبّه (¬1) , وفي قوله: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} موضع دُعَاء وَمَسْأَلَة مِنْهُ رَبّه, فلذلك قال الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل: إِنْ لَا تَزُرْنِي أُهِنْك، فَيُجِيبهُ الْآخَر: إِذَنْ أَزُورك ; لِأَنَّ فِي قَوْله: إِنْ لَا تَزُرْنِي أُهِنْك، مَعْنَى الْأَمْر بِالزِّيَارَةِ, وقوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬2) أي: إن ربه هو السميع دعاء يوسف, ودعاء كل داع من خلقه, {الْعَلِيمُ} بمطلبه وحاجته وما يصلحه, وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم. وقد تضمنت الآيات: البيان عما يوجبه عمل الفاحشة من الاجتهاد في سترها, كالاجتهاد في إبطالها, والاستغفار بالتوبة منها بما يمحو أثرها ويسقط التبعة بها, والبيان عما يوجبه ظهور حب الفاحشة من الفضيحة لصاحبها والعنَت بها, والضلال عن طريق الرشد بلزومها, والبيان عما يوجبه اللطيف في النبوة من البهاء والهيبة والحسن, وجلالة الداعي إلى صاحبها بطلب الرشد من جهته والحق من قبله, والبيان عما تدعوا إليه الجهالة مع شدة الشهوة من حمل النفس على الظلم بإيقاع المكروه بمن لا يستحقه لامتناعه من فعل ما لا يجوز له, والبيان عما يوجبه إخلاص الإيمان بالله من الفزع إلى دعائه بكشف ما قد أظل من البلية, واعترى من الآفة, مع الاعتراف بأنه إن لم يعصم من المعصية صاحبها وقع فيها وهلك بموجبها. القولُ في الوقفِ والتمامِ: ¬
{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} تمام (¬1)، وكذا {مِنَ الْخَاطِئِينَ} , وكذا {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (¬2)، وقال نافع: {مَا هَذَا بَشَرًا} تمام (¬3)، وقال غيره: التمام (¬4) {مَلَكٌ كَرِيمٌ} , وقال أبو حاتم: {فَاسْتَعْصَمَ} كاف (¬5)، {وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} حسن (¬6)، وكذا {مِنَ الْجَاهِلِينَ} (¬7). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)} ¬
الفاء جواب (¬1) ما أخبر به, و {لَهُ} متعلق بـ استجاب, {فَصَرَفَ} معطوفٌ على ما قبله, {عَنْهُ} متعلق بـ {فَصَرَفَ} , {كَيْدَهُنَّ} نصب بـ صرف, {إِنَّهُ} مستأنف, {هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ابتداء وخبر في موضع خبر إنّ, والإضمار عائد على الرّب, والهاء في {لَهُ} على يوسف, {ثُمَّ} حرف عطف, {بَدَا لَهُمْ} {لَهُمْ} متعلق بـ {بَدَا} وكذا {مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ}، {الْآَيَاتِ} نصب بـ {رَأَوُا} و {مَا} مع ما بعدها بتقدير المصدر, والتقدير من بعد رؤية الآيات, ولك أن تقدرها بمعنى الذي (¬2)، {لَيَسْجُنُنَّهُ} لام قسم مؤكد بالنون الشديدة, وفي هذا معنى القسم وليسجننه جواب القسم (¬3)، واختلف في فاعل {بَدَا} فذهب سيبويه (¬4) إلى أن الفاعل: ما دل عليه {ليَسجُننّه} أي: ظهر لهم أن يسجنوه, وقال المبرد (¬5): "الفاعل مضمر دل ¬
عليه بدا بتقديره بدا لهم بداء" (¬1) وقيل: الفاعل رأي: أي بدا لهم رأيٌ لم يكونوا يعرفونه وحذف لدلالة الكلام عليه (¬2)، والوجه ما قال سيبويه لأن إذا وجدنا الظاهر لم يقدر محذوف, وكان هذا الظاهر الذي هو {لَيَسْجُنُنَّهُ} لما قام مقام الفاعل ودلّ عليه كأنه هو الفاعل (¬3)، وأما قول المبرد فإن الفعل لا يدل من لفظه على الفاعل إنما يطلبه"و {حَتَّى حِينٍ} حتى غاية (¬4) متعلقة بـ {لَيَسْجُنُنَّهُ} , {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ}، {مَعَهُ} متعلق بـ دخل و {السِّجْنَ} نصب بـ دخل, {فَتَيَانِ} رفع بفعلهما وهما تثنية فتىً وفتى من ذوات الياء, ولا يعتد بقولهم للفتوة لشذوذه (¬5) {إِنِّي أَرَانِي} كسرت لأنها بعد القول (¬6)، {خَمْرًا} نصب بـ {أَعْصِرُ} , {فَوْقَ رَاسِي خُبْزًا} , {فَوْقَ} ظرف العامل فيه {أَحْمِلُ} , و {خبزاً} نصب بـ {أَحْمِلُ} , {تَاكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} في موضع النعت لخبز (¬7) , و {مِنْهُ} متعلق بـ {تَاكُلُ} , {نَبِّئْنَا بِتَاوِيلِهِ} أمر, أي: خبّرنا, بـ {تاوِيلِهِ} متعلق بـ {نَبِّئْنَا} , {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} من متعلقة ¬
بـ {نَرَاكَ} , {لَا يَاتِيكُمَا طَعَامٌ} {تُرْزَقَانِهِ} نعت لطعام, {إِلَّا} إيجاب بعد نفي, {نَبَّاتُكُمَا بِتَاوِيلِهِ} متعلق بـ {نَبَّاتُكُمَا} , {قَبْلَ أَنْ يَاتِيَكُمَا} قبل ظرف (¬1) العامل فيه {نَبَّاتُكُمَا} , {أَنْ} في موضع خفض بإضافة قبل إليها, {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} ابتداء وخبر, وما بمعنى الذي (¬2)، ومن متعلقة بالاستقرار, وذلك إشارة إلى الإنباء, {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ} مستأنف, {مِلَّةَ} نصب بـ {تَرَكْتُ} , {قَوْمٍ} خفض بإضافة {مِلَّةَ} إليهم, {لَا يُؤْمِنُونَ} في موضع النعت لقوم, {بِاللَّهِ} متعلق بـ {يُؤْمِنُونَ} , {وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} ابتداء وخبر و {بِالْآَخِرَةِ} متعلق بـ {كَافِرُونَ} يجوز أن يكون هم الثانية توكيداً على طريقة التكرير (¬3) و {مِلَّةَ} نصب بـ اتبعت, {آَبَائِي} خُفِض بإضافة {مِلَّةَ} إليهم, {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} بدل (¬4) من {آَبَائِي} , {مَا} حرف نفي (¬5) {كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ} {أَنْ} وما عملت فيه بموضع رفع اسم {كَانَ} (¬6) و {لَنَا} خبر كان متعلق بمعنى الاستقرار, و {بِاللَّهِ} متعلق بـ {نُشْرِكَ} , {مِنْ شَيْءٍ} متعلق أيضاً بـ {نُشْرِكَ} وهي في موضع نصب, والتقدير أن نشرك بالله شيئاً {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ علينا} , {ذَلِكَ} رفع ¬
بالابتداء, {مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} الخبر متعلق بمعنى الاستقرار, و {ذَلِكَ} إشارة إلى ما تقدم مما أخبر به (¬1)، {علينا} متعلق بـ {فَضْلِ اللَّهِ} , {وَعَلَى النَّاسِ} , {النَّاسِ} عطف على النون والألف بإعادة الخافض, لأن المضمر لا يعطف عليه إلا بإعادة العامل (¬2)، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} , {وَلَكِنَّ} توكيد ناصب لـ {أَكْثَرَ النَّاسِ} , و {لَا يَشْكُرُونَ} خبر لكنّ وقد تقدم القول في ياء النفس (¬3) في تحريكها وإسكانها فمن أسكنها فلاستثقال الحركة فيها ومن حركها فعلى الأصل لأن لا يكون اسم على حرف واحد ساكناً واختار الفتحة لخفتها مع ثقل الياء (¬4). القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى-والله أعلم: فاستجاب الله ليوسف دعاءه فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله, قال ابن اسحاق: أي "نجّاه من أن يركب المعصية منهنّ وقد نزل به بعض ما حذر ¬
منهن (¬1) {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} أي: إن ربه هو {السَّمِيعُ} دعاء يوسف, ودعاء كل داع من خلقه, {الْعَلِيمُ} بمطلبه وحاجته وما يصلحه, وبحاجة خلقه وما يصلحهم (¬2)، وقوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} أي: {بَدَا لَهُمْ} للعزيز, وقد قيل: {بَدَا لَهُمْ} وهو واحد, لأنه لم يذكر باسمه ويقصد بعينه, وذلك نظير قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} (¬3)، وقيل: إن قائل ذلك كان واحداً, ومعنى ثم بدا لهم في الرأي الذي كانوا رأوه من ترك يوسف مطلقا, ورأوا أن يسجنوه من بعد ما رأوا الآيات ببراءته مما قذفته به امرأة العزيز, وتلك الآيات كانت، قد القميص من دبر, وخمشا في الوجه وقطع أيديهن (¬4)، وقولُهُ: {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} أي: إلى الوقت الذي يرون فيه رأيهم وجعل الله ذلك الحبس ليوسف عقوبة له من همه بالمرأة وكفارة لخطيئته, روي عن ابن عباس أنه قال: عثر يوسف ثلاث عثرات, حين هم بها, وحين قال اذكرني عند ربك فلبث في السجن بضع سنين, وأنساه الشيطان ذكر ربه, وقال لهم: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} فقالوا: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} , وذكر أن سبب حبسه في السجن كان شكوى امرأة العزيز إلى زوجها, أَمْرَهُ وَأَمْرَهَا (¬5) قال السدي: قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس يعتذر إليهم ويخبرهم أني راودته عن نفسه, ولست أطيق أن أعتذر بعذري, فإما ¬
أن تأذن لي فأخرج وأعتذر, وإما أن تحبسه كما حبستني, فذلك قول الله عز وجل: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} الآية وقيل: الحين معني به: سبع سنين: قاله عكرمة (¬1). وقوله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} أي: دخل مع يوسف السجن فتيان, وفي الكلام حذف, والتقدير: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} , فسجنوه فأدخلوه السجن ودخل معه فتيان, وكان الفتيان فيما ذُكر غلامين من غِلمان ملك مصر الأَكْبر، أحدهما صاحب شرابه, والآخر صاحب طعامه, قال ابن اسحاق (¬2): كان اسم أحدهما مَجْلِثُ, والآخر نَبُو الذي كان على الشراب (¬3)، قال قتادة: كان أحدهما خباز الملك على طعامه, والآخر ساقيه على شرابه (¬4)، قال السدي: غضب على خبازه, بلغه أنه يريد أن يسَّمه فحبسه وحبس صاحب شرابه, ظن أنه مَالَأَهُ (¬5) على ذلك, فحبسهما جميعا. وقوله تعالى: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} ذكر أن يوسف عليه السلام لما دخل السجن, قال لمَنْ فيه مِنَ الْمُحْبَسِينَ, لما سألوه عن علمه قال: إني أعبر الرؤيا (¬6)، فقال أحد الفتيين الذين (¬7) أدخلا معه السجن للآخر: تعال لنختبره أي: هلم فلنحدّث (¬8) هذا العبد العبراني نترائى له, فسألاه ¬
من غير أن يكونا رأَيَا شيئا (¬1)، فقال الخباز: {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَاسِي خُبْزًا تَاكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} , وقال الآخر: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} قال عبد الله بن مسعود: " مَا رَأَى صَاحِبَا يُوسُفَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا كَانَا تَحَالَمَا لِيُجَرِّبَا (¬2) عَلِمَهُ (¬3) " وقال ابن اسحاق ومجاهد: "إِنَّمَا سَأَلَهُ الْفِتْيَانِ عَنْ رُؤْيَا كَانَا رَأَيَاهَا عَلَى صِحَّةٍ وَحَقِيقَةٍ، وَعَلَى تَصْدِيقٍ مِنْهُمَا لِيُوسُفَ لَعَلِمِهِ بِتَعْبِيرِهَا" قال: إن يوسف لما قالا له وَاللَّهِ يَا فَتَى لَقَدْ أَحْبَبْنَاكَ حِينَ رَأَيْنَاكَ, فقال لهما حين قالا له ذلك: أناشدكما الله أن "لاّ" (¬4) تُحبّاني, فوالله ما أحبّني أحدٌ قط إلاّ دخل عَلَيَّ مِنْ حُبِّهِ بَلَاءٌ, لقد أحبتني عمتي فدخل عَلَيَّ في حبها بلاء, ثم لقد أحبني أبي فلقد دخل عَلَيَّ بحبه بلاء, ثم لقد أحبتني زوجة صاحبي هذا فدخل عَلَيَّ بحبها إياي بلاء, فلا تحبّاني بارك الله فيكما, قال فأبيا إلّا حُبَّهُ، وَإِلْفَهُ حيث كان, وجعلا يُعْجِبُهُمَا ما (¬5)، يَرَيَانِ من فهمه وعقله, وقد كانا رأَيا حين أُدخلا السجن رُؤْيَا, فرأى مَجْلِثُ أنه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه, ورأى نَبُو أنه يعصر خمراً فَاسْتَفْتِيَاهُ فيها وقالا له: {نَبِّئْنَا بِتَاوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} إن فعلت (¬6)، وعَنى بقوله: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} أي إني أرى في نومي أني أعصر عنبا (¬7)، وسماه خمراً بما يصير إليه أمره (¬8). الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعلى الْمَنَّانِ ... صَارَ الثَّرِيدُ فِي رُءُوسِ الْعِيدَانِ (¬9) ¬
فسمى السنبل ثريدا لما يؤول إليه أمره, وقال الضحاك:"هو بلغة عمان يسمون العنب خمرا (¬1) " أخبرنا (¬2) بما يؤول إليه ما أخبرناك به إنا رأيناه في منامنا ورجع إليه, أي: {نَبِّئْنَا بِتَاوِيلِهِ} , قال أبو عبيد (¬3): "إن تأويل الشيء ومنه تأويل الرؤيا إنما هو الذي يؤول إليه" واختلف في معنى الإحسان الذي وصف الفتيان به يوسف فقال بعضهم: كان يعود مريضهم ويعزّي حزينهم, وإذا احتاج منهم إنسان جَمَع له (¬4) قاله: الضحاك بن مزاحم, وقال قتادة: في شيء ذكره: فقالوا: من أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسف بن صفيّ الله يعقوب بن ذبيح الله إسحاق بن إبراهيم خليل الله, وكانت عليه محبة, وقال: له عامل السجن يا فتى: والله لو استطعت لخلّيت سبيلك, ولكن سأحسن جوارك, وأحسن إسارك فكن في أي بيوت السجن شئت (¬5)، وقال الآخرون (¬6): إنا نراك من المحسنين (¬7) نبأتنا بتأويل رؤيانا هذه, قاله ابن اسحاق. وقيل: أنهما قالا: له نبأنا بتأويل رؤيانا فإنا نراك محسناً إلينا في إخبارك إيانا بذلك, كما نراك محسناً في سائر أفعالك, {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}. وقوله تعالى: {قَالَ لَا يَاتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّاتُكُمَا بِتَاوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَاتِيَكُمَا} أي: قال يوسف للذين استعبراه الرؤيا: {لَا يَاتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّاتُكُمَا بِتَاوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَاتِيَكُمَا} في يقظتكما قبل أن يأتيكما, نحو ¬
ما روى السدي وابن إسحاق (¬1). ويعنى بتأويله: ما يؤول إليه ويصير ما رأيا في منامهما من الطعام الذي رأيانه أتاهما فيه. {ذَلِكُمَا} هذا الذي أذكر أني أعلمه من تعبير الرؤيا: {مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} فعلمته، علمني ذلك ربي (¬2) , لأني {تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} , وجاء الخبر مبتدأ: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ}، والمعنى: مَا مِلْتُ، وإنما ابتدأ بذلك، لأن في الابتداء الدليل على معناه (¬3) وقوله: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} أي: برِئْتُ من ملة من لا يصدق بالله ويقرّ بوحدانيته, {وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ} مع تركهم الإيمان بوحدانية الله لا يقرّون بالمعاد والبعث, ولا بثواب ولا عقاب (¬4)، "ـ" (¬5) هم مرتين (¬6) حُجر بينهما {بِالْآَخِرَةِ} فحسُن التّوكيد كما قال: {وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (¬7) وكما قال: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} (¬8) فإن قال قائل: أين جواب يوسف للفتيين عما سألاه من تعبير رؤياهما من هذا الكلام؟ قيل: أن يوسف عليه السلام كره أن يجيبهما عن تأويل رؤياهما لما علم من مكروه ذلك على أحدهما, فأعرض عن ذكره, وأخذ في غيره ليعرضا عن مسألته الجواب بما سألاه عن ذلك, قال ابن جريج: كره العبارة لهما وأخبرهما بشيء لم يسألاه عنه ليريهما أن عنده علما، وكان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاما ¬
معلوما فأَرسَل به إليه (¬1) , فقال يوسف: {لَا يَاتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّاتُكُمَا بِتَاوِيلِهِ} إلى قوله: {يَشْكُرُونَ}، فلم يدعاه يعدل بهما، وكره العبارة لهما فلم يدعاه حتى يُعبّر لهما فعدَل بهما, وقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} إلى قوله: {يَعْلَمُونَ} فلم يدعاه حتى عبّر لهما فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَاكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَاسِهِ} قالا (¬2): ما رأينا شيئا, إنما كنّا نلعب, قال: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} (¬3). وقولُهُ: {لَا يَاتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّاتُكُمَا بِتَاوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَاتِيَكُمَا} معناه: لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة لا في النوم, وإنما أعلَمَهما, على هذا القول أن عنده ما يؤول إليه أمر الطعام الذي يأتيهما من عند الملك ومن عند غيره, لأنه قد علم النوع الذي إذا أتاهما, كان علامة لقتل من أتاه ذلك منهما, والنوع الذي إذا أتاه كان علامة لغير ذلك, فأخبرهما أنه عنده عِلْم ذلك (¬4). وقوله تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} أي: اتبعت دينهم لا دين أهل الشرك, ما كان لنا أن نجعل لله شريكاً في عبادته وطاعته, بل الذي علينا إقرارنا بالألوهية والعبادة له {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ علينا} أي: إتباعي ملة آبائي على الإسلام, وتركي {مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} {وَاتَّبَعْتُ} من فضل الله الذي تفضل به علينا, فأنعم إذ أكرمنا به, وذلك أيضاً من فضل الله على الناس, إذ أرسلنا إليهم دعاة إلى توحيده وطاعته (¬5) , ولكن من ¬
يكْفر بالله لا يشكر ذلك من فضله عليه لأنه لا يعلم ما أنعم الله به عليه, وذكر أن أبا الدرداء (¬1) كان يقول: يَا رُبَّ شَاكِرِ نِعْمَةٍ غَيْرُ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ لَا يَدْرِي، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ (¬2). وقد تضمنت الآيات البيان عما توجبه إخلاص الدعاء لله جل وعز من الإجابة على ما فيه من المصلحة والخير والبركة, بما يؤدي إلى الطاعة بدلا من المعصية, والبيان عما يوجبه الهوى من الإقدام على الشيء الذي يزجر عنه العقل مع الرؤية للآيات ووضوح الدلالات, والبيان عما يوجبه لطف الله عز وجل فما سببه لنجاة يوسف بالعمل من إيجاب الحق على من عبر له الرؤيا وأحسن في جوابه عن الفُتيا, والبيان عما يوجبه لزوم الطاعة لله جل وعز من التفضيل بالعلم الذي يجل به القدر ويحيا به القلب وتعلو المنزلة ويستحق به الرئاسة, والبيان عما يوجبه الدعاء إلى الحق بالدليل الواضح من الاتباع له والاعتقاد بصحته في أمور الدين التي هي أكبر الأمور وأجل المطلوب. القولُ في الوقفِ والتمامِ: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} حسن (¬3) , وكذا {حَتَّى حِينٍ} , {قَبْلَ أَنْ يَاتِيَكُمَا} كاف (¬4) عند أبي حاتم, ¬
وقال الأخفش (¬1): {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي}: تمام (¬2)، وهو قول نافع, {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} كاف (¬3)، وهو تمام عند نافع, {علينا وَعَلَى النَّاسِ} كاف (¬4) عند غيرهما, {لَا يَشْكُرُونَ} تمام (¬5). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)} ¬
{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} نداء مضاف, وحذفت النون للإضافة (¬1)، والأصل: صاحبين, فكسرت الياء لالتقاء الساكنين, {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} ابتداء وخبر, ودخلت ألف الاستفهام للتقرير والتوبيخ (¬2)، {أَمِ اللَّهُ} معطوف, {الْوَاحِدُ} نعت لله, والتقدير: {أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} خبر جملة معطوفة على جملة {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا} , {مَا} حرف نفي (¬3)، {مِنْ دُونِهِ} متعلق بـ {تَعْبُدُونَ} , {إِلَّا} إيجاب, {أَسْمَاءً} نصب بـ {تَعْبُدُونَ} , {سَمَّيْتُمُوهَا} في موضع النعت لـ {أَسْمَاءً} , {أَنْتُمْ} توكيد للتاء والميم (¬4) , {وَآَبَاؤُهمْ} (¬5) عطف على الضمير المتصل (¬6) , وحسن للتوكيد, والهاء والألف مفعول أول لـ {سَمَّيْتُمُوهَا} والثاني محذوف تقديره {سَمَّيْتُمُوهَا} ءآلهة (¬7) , {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}، {مَا} حرف نفي, {بِهَا} متعلق بـ {أَنْزَلَ} وكذا {مِنْ سُلْطَانٍ} , {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} , {إِنِ} بمعنى ¬
ما (¬1) , و {الْحُكْمُ} رفِع بالابتداء, و {إِلَّا لِلَّهِ} الخبر متعلق بمعنى الاستقرار, {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} {تَعْبُدُوا} (¬2) ¬
نصب (¬1) بـ {تَعْبُدُوا} , {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} ابتداء وخبر, و {الْقَيِّمُ} نعت لـ {الدِّينُ} , و {ذَلِكَ} اسم إشارة إلى ما أمر به, {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} مثل ما تقدم, {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} {أَمَّا} تفصيل ما لجملته (¬2) , أي: وفيها معنى الشرط, {أَحَدُكُمَا} رفع بالابتداء, {فَيَسْقِي} الخبر, ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط, و {رَبَّهُ} نصب بـ يسقى, {خَمْرًا} مفعول ثان, {وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ} معطوف مثل ما تقدم, {فَتَاكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَاسِهِ} معطوف على {فَيُصْلَبُ} , و {مِنْ رَاسِهِ} متعلق بـ تأكل, {قُضِيَ الْأَمْرُ} , {قُضِيَ} فعل ما لم يسم فاعله, {الْأَمْرُ} اسم ما لم يسم فاعله, {الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} , {الَّذِي} نعت للأمر, و {فِيهِ} متعلق بـ {تَسْتَفْتِيَانِ} , {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا} اللام متعلقة بـ قال, {أَنَّهُ نَاجٍ} "فنجيان" (¬3) لوقوع الظن عليه (¬4)، والهاء اسم أنّ، و {نَاجٍ} خبر, والأصل ناجي استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فسكنت وبعدها التنوين (¬5) فحذفت لالتقاء ¬
الساكنين (¬1) , يقال: نجا نجوا ونجاء (¬2) , {مِنْهُمَا} متعلق بـ {نَاجٍ} , {عِنْدَ رَبِّكَ} متعلق بـ {اذْكُرْنِي} , {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} الفاء جواب الأمر, {فَلَبِثَ} الفاء عاطفة, {فِي السِّجْنِ} فِي متعلقة بـ "لبث", {بِضْعَ سِنِينَ} نصب بـ "لبث", والهاء في {فَأَنْسَاهُ} تعود على يوسف, وقيل: على الساقي (¬3). القولُ في المعنى والتفسيرِ: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} , ذكر أن يوسف -عليه السلام- قال هذا القول للفتيين اللذين دخلا معه السجن, لأن أحدهما كان مشركا, فدعاه بهذا القول إلى الإسلام, فقال: يا من هو في السجن, وجعلهما صاحبيه لكونهما فيه, كما قال تعالى لسكان الجنة: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬4) فسماهم أصحابها لكونهم فيها (¬5)، وكذلك قال لأصحاب النار. وقوله تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} يقول أعبادة أرباب شتّى متفرقون والآلهة لا تنفع ولا تضر خير, أم عبادة الواحد الذي لاثاني له في قدرته وسلطانه الذي قهر كل شيء فذل له وسخّره فأطاعه ¬
طوعاً أو كرهاً (¬1). ثم قال: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ} أي: ما تعبدون من دون الله, فجمع تعبدون, والمخاطب اثنان, فالوجه: أنه أرادهما ومن هو مثلهما على الشرك بالله ممن هو مقيم بمصر من أهلها (¬2) , ويجوز أن يكون جعل التثنية جمعا, لأنها ضم شيء إلى شيء, كما قال: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَاتِيَنِي بِهِمْ} وإنما يريد يوسف وأخاه, فقال: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ} أي: أنتم جعلتم هذه الأصنام آلهة وأربابا تشبيها لها في أسمائها بالله تعالى عن أن يكون له شبه أو مثل, وقد كان دلهم على توحيد الله بقوله: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}. ثم قال: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} يقول: سميتموها (¬3)، بها ولا وَضعَ لهم على أن تلك الأسماء أسماؤها دليلا ولا حجة, ولكنها اختلاق منهم لها وافتراء (¬4)، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} أي: وما القضاء في الخلق والاستعباد والأمر والنهي إلا لله, وهو الذي {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} أنتم وجميع خلقه, {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} أي: هذا الذي دعوتكم إليه من البراءة من عبادة ما سوى الله, هو الدين القيم الذي لا اعوجاج فيه (¬5)، ولكن أكثر أهل الشرك بالله يجهلون ذلك ولا يعلمون ¬
حقيقته (¬1) , {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} يقول تعالى مخبراً عن يوسف للذين دخلا معه السجن: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا} وهو الذي رأى أنه يعصر خمرا فيسقي سيده, وهو ملكهم فإنه يكون صاحب شرابه, قال ابن زيد (¬2): وأما الآخر, الذي رأى أن على رأسه خبزا تأكل الطير منه فيصلب {فَتَاكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَاسِهِ} , فذكر أنه لما عبّر لهما ما أخبراه أنهما رأياه في منامهما قالا له: ما رأينا شيئا, فقال لهما: {قُضِيَ الْأَمْرُ} أي: فرغ من الأمر الذي فيه استفتيتماني ووجب حكم الله عليكما بالذي أخبرتكما به نحو ما روي عن ابن مسعود (¬3) وابن إسحاق وابن جريج ومجاهد (¬4). وقولُهُ: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} (¬5) قال يوسف للذي علم أنه ناج من صاحبيه اللذين استعبراه الرؤيا: اذكرني عند (¬6) سيدك وأخبره بمظلمتي وإني محبوس بغير جرم (¬7) , والعرب تسمي السيد ربا, قال الأعشى (¬8): ¬
رَبِّي كَرِيمٌ لَا يُكَدِّرُ نِعْمَةً ... وَإِذَا تُنُوشِدَ بالمهارق (¬1) أَنْشَدَا ويقال: سقى وأسقى بمعنى (¬2) كما قال لبيد (¬3): سَقَى قومي بني مَجْدٍ وأسْقَى ... نُمَيْرًا والقبائلَ من هلالِ (¬4) ويقال: سقاه ناوله فشرب وأسقاه جعل له سقيا (¬5) , قال الله عز وجل: {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} (¬6) وكان قتادة (¬7) يوجه الظن في هذا الموضع إلى الذي هو خلاف اليقين, وقال غيره ليس كذلك أمر الأنبياء, وإنه يقين لأنه غير جائز أن تخبرني بخبر عن أمر أنه كائن ثم لا يكون (¬8) , وأنه غير كائن ثم ¬
يكون, ودليل ذلك في هذا: قول يوسف -عليه السلام {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} , ولذلك قال {لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} (¬1). وقولُهُ: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} خبر من الله عز وجل عن غفلة عَرَضت ليوسف من قبل الشيطان نَسِيَ لها ذكر ربه الذي لو أنه استغاث به لأسرع مما هو فيه خلاصه, ولكنه زل بها فأطال من أجلها في السجن حبسه (¬2) , وروي عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو لم يقل يعني، يوسف الكلمة التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث, حيث ابتغى الفرج من عند غير الله (¬3) ". ¬
قوله: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} يقول فلبث يوسف لقيله للناجي من صاحبي السجن: اذكرني عند سيدك, {بِضْعَ سِنِينَ} عقوبة من الله له بذلك (¬1) , واختلف في البضع فقال بعضهم: ما بين الثلاثة إلى الخمس, وقال قطرب (¬2): إلى السبع (¬3) , وقال الأصمعي: القول الصحيح مابين الثلاثة إلى التسع (¬4) , وهو مشتق من بضعت الشيء أي: قطعته, فمعناه قطعه من العدد, وقال الفراء (¬5): لا ¬
يذكر البضع إلا مع عشر, وهو مع العشرين إلى التسعين, وما زاد على المائة لا يقال فيه بضع, وقد تضمنت الآيات البيان عما يوجبه الاستبصار في الدين من الدعاء إلى الحق بدليل أن القادر بما يقهر كل شيء سواه أحق بالإلهية من الذليل المقهور والضعيف الحقير, والبيان عما توجبه الحكمة من بطلان تفاريق العبادة وإخلاصها لله وحده بنعمه التي لا يقدر عليها غيرُه جلَّ وعزَّ, والبيان عما يوجبه العلم من حسن الفتيا في عبارة الرؤيا مع الفوز بالهدى في الدين بما هو خير في الآخرة والأولى, والبيان عما توجبه الحكمة من التدبير للخلاص من أيدي الظلمة برفع الحال إلى الملك المعظم ليزيل الفساد ويحض على الصلاح والسداد أهل العلم والرشاد. القولُ في الوقفِ والتمامِ: {الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} كاف (¬1) , وكذا {لَا يَعْلَمُونَ} (¬2) , {فَتَاكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَاسِه} تمام (¬3) عند الأخفش, {الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} حسن (¬4) , وكذا {بِضْعَ سِنِينَ} (¬5). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: ¬
{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)} كسرت إنّ لأنها بعد القول (¬1)، {سَبْعَ بَقَرَاتٍ} نصب بـ {أَرَى} , {سِمَانٍ} نعت (¬2) لـ {بَقَرَاتٍ} , {يَاكُلُهُنَّ} فعل مستقبل نعت لـ {بَقَرَاتٍ} والهاء والنون نصب (¬3) بـ {يَاكُلُهُنَّ} , {سَبْعٌ عِجَافٌ} رفع بـ {يَاكُلُهُنَّ} , {عِجَافٌ} نعت لـ {سَبْعٌ} , {وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ} عطف على {سَبْعَ} الأولى, {سُنْبُلَاتٍ} خفض بإضافة {سَبْعٌ} إليهن, {خُضْرٍ} نعت لـ {سُنْبُلَاتٍ} , {وَأُخَرَ} عطف على {سُنْبُلَاتٍ} , إلا أنه لا ينصرف, {يَابِسَاتٍ} نعت لـ أخر, {فِي أمري} (¬4) متعلق بـ {أَفْتُونِي} وألفه ألف قطع, {إِنْ كُنْتُمْ} , {إِنْ} حرف شرط, {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} اللام متعلقة بـ {تَعْبُرُونَ} وجاز ¬
دخول اللام مع تعدي الفعل لتقدمها، وجواب الشرط ما تقدم (¬1) , و {تَعْبُرُونَ} خبر {كُنْتُمْ} , {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} ابتداء وخبر, {وَمَا نَحْنُ بِتَاوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} ما حرف نفي و {نَحْنُ} اسمها (¬2) , و {بِعَالِمِينَ} الخبر متعلق بمعنى الاستقرار, و {بِتَاوِيلِ الْأَحْلَامِ} متعلق {بِعَالِمِينَ} , {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا} , {الَّذِي} رفع بـ قال, و {مِنْهُمَا} متعلق بـ {نَجَا} , {وَادَّكَرَ} معطوف على {نَجَا} , والأصل: اذتكر الذال معجمة مجهورة, والتاء مهموسة, فلم يجز إدغام الذال في التاء لأن لا يذهب الجهر, فأبدلوا من التاء حرفا مجهورا شِبه الدال في الجهر فصار اذدكر, ثم أدغموا الدال في الذال فصار ادَّكر (¬3)، ويجوز في العربية اذَّكَر بالدال المعجمة على أن نقلت الدال ذالا وتدغم الذال في الدال (¬4)، والأول أجود, {بَعْدَ أُمَّةٍ} نعت (¬5) ظرف العامل فيه"ادَّكر", {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَاوِيلِهِ} ابتداء وخبر, و {بِتَاوِيلِهِ} متعلق بـ {أُنَبِّئُكُمْ} , {فَأَرْسِلُونِ} الفاء جواب ما أخبر به, {يُوسُفُ} نداء مفرد, {فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَاكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} الكلام فيه مثل ما تقدم, {لَعلي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ} , لعلي (¬6) ترج و {إِلَى} متعلق بـ {أَرْجِعُ} , قَالَ: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} , {دَأَبًا} مصدر أي تدائبون ¬
دأبا يقرأ بتحريك الهمزة وإسكانها, فالإسكان أصل المصدر, والفتح من أجل حرف الحلق وهو الهمزة, والدأب العادة والملازمة (¬1) , ومنه قول امرئ القيس: كَدَابِك (¬2) من أُمّ الْحُوَيْرِث (¬3) قَبْلَهَا ... وجَارَتِهَا أُمّ الرَّبَاب بِمَاسَلِ أي كعادتك وقوله: {فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ} ما شرط, و {حَصَدْتُمْ} مشروط به, {فَذَرُوهُ} جواب الشرط, والهاء منصوبة بـ "ذروه", والهاء عائدة على ما, {فِي سُنْبُلِهِ} متعلق بـ "ذروه", {إِلَّا قَلِيلًا} استثناء من الضمير, {مِمَّا تَاكُلُونَ} "ما" بمعنى الذي, ومن متعلقة بالاستقرار في موضع النعت لـ"قليل". القولُ في القراءةِ: ¬
كلهم قرأ {دابا} بسكون الهمزة إلا حفصاً فإنه فتحها (¬1) , فالإسكان أصل المصدر, والتحريك من أجل حرف الحلق, ودليل الإسكان قوله تعالى: {كَدَابِ} , والفتح مثل قولهم نهْر ونهَر وسمْع وسمَع لغتان, وذكر ابن أبي حاتم (¬2) أن الفتح مصدر دِئْب وليس يعرف دِئْب (¬3) وإنما يقال داب. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم وقال: ملك مصر إني أرى في المنام سبع بقرات سمان يأكلهن سبع من البقر عجاف, وقال: إني أرى, ولم يذكر أنه رأى في منامه ولا في غيره لتعارف العرب "بينهما" (¬4) في كلامها, إذا قال القائل منهم: إني أرى أن (¬5) أفعل كذا وكذا أنه خبرٌ عن رؤية ذلك في منامه فأخرج الخبر على ما جرى به استعمال العرب, والتقدير: فأرى سبع سنبلات خضر في منامي وسبعاً أخر يابسات, يا أيها الأشراف من رجالي وأصحابي أفتوني في رؤياي فاعبروها إن كنتم للرؤيا عبَرة (¬6). ¬
وقوله: {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} أي: قال الملأ الذين سألهم ملك مصر عن رؤياه: هذه أضغاث أحلام, يعنون أنها أخلاط (¬1) رؤيا كاذبة لا حقيقة لها (¬2) , والضغث خلط قمش اليد (¬3) , وهو غير متشاكل ولا متلائم, فشبهوا الخلط المنام به, وقيل الضغث الحزمة من الحشيش (¬4) وذلك متقارب, وأضغاث جمع ضغث, والأحلام جمع حلم, وهو ما لم يصدق من الرؤيا (¬5)، قال ابن مقبل (¬6): خَوْدٌ (¬7) كَأَنَّ برأسها (¬8) وُضِعَتْ بِهِ ... أَضْغَاثُ رَيْحَانٍ غَدَاةَ شَمَالِ (¬9) ¬
وقوله تعالى: {وَمَا نَحْنُ بِتَاوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} يقولون: وما نحن بما تؤول إليه الأحلام الكاذبة بعالمين (¬1) إنما هي أضغاث أحلام أي: أخلاط غير ملتمة (¬2). وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا} أي: قال الذي نجا من القتل من صاحبي السجن اللّذين استعبرا يوسف الرؤيا, وتَذَكّر ما كان نسيَ من أمر يوسف, وذَكَر حاجته للملك الذي كان سأله أن يذْكُرَها له بقوله: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} , وقولُهُ: {بَعْدَ أُمَّةٍ} (¬3) أي: بعد حين (¬4). وقولُهُ: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَاوِيلِهِ} أي: أنا أخبركم بتأويله يقول: فأطلقوني أمضي لآتيكم بتأويله من عند العالم به (¬5)، وفي الكلام حذف والتقدير: فأَرسَلوه فأتى يوسف فقال له: يا يوسف أيها الصديق أي: الكثير الصدق, وقال: أرسلوني لأن السجن ما كان بالمدينة (¬6) كما روي عن ابن عباس. ¬
وقولُهُ: {أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} ففسر أن البقرات السمان أنهن السُّنونَ المخْصِبة (¬1) , والعجاف السُّنونَ المجْدِبة التي لا تنبت شيئا (¬2) , وسبع سنبلات خضر السُّنونَ المخْصِبة أيضاً, واليابسات السُّنونَ المجْدِبة الْمُحُول (¬3) , والعجاف المهازيل شبه السنين بها (¬4)، وقوله تعالى: {أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} أي: أرجع إلى الناس فأخبرهم ليعلموا تأويل ما سألتك عنه من الرؤيا (¬5) , وقيل: لعلهم يعلمون بموضعك ويخرجوك من السجن فقال: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} أي: تزرعون هذه السبع السنين كما كنتم تزرعون سائر السنين قبلها على عادتكم, والدأب العادة (¬6) بما حصدتم من رزقكم (¬7) , {فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَاكُلُونَ} قال هذه مشورة أشار بها يوسف على القوم, ورأي رآه لهم صلاحا, فأمرهم باستبقاء (¬8) طعامهم لما فسر لهم حديث الجدب, فقال: نجعل الخصب عبرة للجدب ليبقى للحاجة إليه. وقد تضمنت الآيات البيان عما يوجبه حال العالم من حاجة الملوك إليه فيما ينبئهم مما لايهتدون إلى طريقه ولا يعرفون وجه الصواب فيه, فيجدون عند العالم ما يزيل الحيرة ويشفي النفس عند المسألة, والبيان عما يوجبه حسن التدبير في التنبيه على العالم الجليل من سد الطرق على غيره في التأويل حتى يلجأ إليه فيظهر فضله بالعلم على الجميع, والبيان عما يوجبه ذكر الوصية بما تدعو إليه الحكمة من فرج الموصي بتخليصه من يد الظالم وفرج المستفتي بالبيان عما احتاج إليه من العالم والبيان عما يوجبه سؤال العالم من إخراج الفائدة مما يشتد الحاجة ¬
وتعظم المنفعة بإزالة الحيرة وإيجاب البصيرة في المعنى الذي يطلب به المعرفة, والبيان عما يوجبه جواب العالم من الفائدة فيما وقعت به المسألة فيما يحتاج إلى العمل عليه ولا غناء بالإنسان عنه. القولُ في الوقفِ والتمامِ: {تَعْبُرُونَ} حسن (¬1) , و {بِعَالِمِينَ} كاف (¬2) , {فَأَرْسِلُونِ} تمام (¬3) عند نافع وغيره (¬4) , {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} حسن (¬5)، {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَاكُلُونَ} كاف (¬6). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)} {ثُمَّ} حرف عطف, {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} , {مِنْ} متعلقة بـ {يَاتِي} , {ذَلِكَ} خفض بإضافة {بَعْدِ} إليه, و {ذَلِكَ} إشارة إلى ما ذكر من الخصب, {سَبْعٌ} رفع بـ {يَاتِي} , ¬
{شِدَادٌ} نعت لـ {سَبْعٌ} والتقدير سبع سنين شداد, {يَاكُلْنَ} نعت أيضا وجعلهن يأكلن لوقوع الأكل منهن (¬1). كما قال (¬2): نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ... ولَيْلُكَ نَوْمٌ، وَالرَّدَى لك لاَزِمُ (¬3) فوصف النهار بالسهو والغفلة, والليل بالنوم, وإنما يسهو ويغفل فيه وينام في الليل, وذلك لعلم المخاطبين به (¬4) {مَا} في موضع نصب بـ {يَاكُلْنَ} , و {مَا} بمعنى الذي {لَهُنَّ} متعلق بـ {قَدَّمْتُمْ} , {إِلَّا قَلِيلًا} نصب على الاستثناء, مما قدمتم لهن {مِمَّا تُحْصِنُونَ} من في موضع النعت لـ "قليل" متعلقة بمعنى الاستقرار, {مِمَّا تُحْصِنُونَ} ما بمعنى الذي, والتقدير من الذي يحصنونه (¬5)، {عَامٌ} رفع بـ {يَاتِي} , {فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} , {يُغَاثُ} نعت لـ {عَامٌ} , {وفِيهِ} متعلق بـ {يُغَاثُ} , وكذا {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} , {وَفِيهِ} متعلقة بـ ¬
{يَعْصِرُونَ} , وهو عطف على ما تقدم, {الْمَلِكُ} رفع بـ {قَالَ} , {بِهِ} متعلق بـ {ائْتُونِي} , {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ} الفاء جواب الأمر, والهاء راجعة إلى يوسف, {الرَّسُولُ} رفع بـ {جَاءَهُ} والهاء في {جَاءَهُ} عائدة على {الْمَلِكُ} (¬1) , {إِلَى رَبِّكَ} , {إِلَى} متعلقة بـ {ارْجِعْ} ولما ظرف العامل فيه {قَالَ ارْجِعْ} , {فَاسْأَلْهُ} الفاء جواب الأمر (¬2) في {ارْجِعْ} , {مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} , {أَيْدِيَهُنَّ} نصب بـ {قَطَّعْنَ} , {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} الباء متعلقة بـ {عَلِيمٌ} , {مَا بَالُ النِّسْوَةِ} , {مَا} استفهام على طريق التقرير في موضع رفع بالابتداء, و {بَالُ} الخبر, وكذا {مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} , {إِذْ} ظرف العامل فيه {خَطْبُكُنَّ} وشددت النون من {خَطْبُكُنَّ} لأنها بإزاء الميم والواو في المذكر, وكذلك مَا شاكله, وقد تقدم ذكره, والمراودة المفاعلة من راود يراود مراودة (¬3) , ويوسف نصب بـ {رَاوَدْتُنَّ} , {قُلْنَ} جواب الاستفهام والأصل قولن نقلت حركة الواو إلى القاف فسكنت الواو وسكنت اللام لاتصالها بالضمير فالتقى ساكنان فحذفت الواو لالتقاء الساكنين (¬4) , وخففت النون من {قُلْنَ} لأنها بإزاء جواب حرف واحد من ضمير المذكر في قالوا حاش لله قد تقدم القول فيه, {مَا عَلِمْنَا عليه مِنْ سُوءٍ} , {مَا} حرف نفي, {عليه مِنْ ¬
سُوءٍ} متعلق بـ {عَلِمْنَا} , و {مِنْ} زائدة لتوكيد الجحد، {الْآَنَ} ظرف العامل فيه {قَالَتِ} , {حَصْحَصَ الْحَقُّ} أي: تبين (¬1) وظهر (¬2) , واشتقاقه من الحصة, أي: بانت حصة أي بانت حصة الحق من حصة الباطل (¬3) وأصله من حص شعره إذا استأصل (¬4) قطعة (¬5) , ومنه الحصة القطعة من الشيء, فالمعنى القطع عن الباطل بظهوره, ونظيره كبُّوا وكَبْكَبُوا, وَكَفَ الدمعُ (¬6) وكَفْكَفَه, وردَّ وردَّدَ, {أَنَا رَاوَدْتُهُ} , {أَنَا} رفع بالابتداء و {رَاوَدْتُهُ} الخبر, {عَنْ نَفْسِهِ} متعلق بـ {رَاوَدْتُهُ} , {وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} مستأنف واللام لام توكيد و"من" متعلقة بفعل محذوف تقديره لصادق من الصادقين (¬7) , {ذَلِكَ} رفع بالابتداء, {لِيَعْلَمَ} نصب بلام كي, ¬
وهي متعلقة بفعل محذوف (¬1) تقديره ردي الرسول ليعلم واللام وما عمل فيها خبر {ذَلِكَ} , والإشارة بـ {ذَلِكَ} إلى الرد ويجوز أن يكون {ذَلِكَ} في موضع نصب أي: فقلت (¬2) ¬
ذلك ليعلم (¬1)، "أن" (¬2) في موضع نصب بـ يعلم {بِالْغَيْبِ} متعلق بـ {أَخُنْهُ} , {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} , "أَنَّ" معطوفة على الأولى, و {كَيْدَ} نصب بـ {يَهْدِي} , والأصل في {أَخُنْهُ} أخونه فلما سكنت النون للجزم وقبلها الواو ساكنة حذفت الواو (¬3) لالتقاء الساكنين (¬4). القولُ في القراءةِ: قرأ حمزة والكسائي {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} بالتاء, والباقون الياء (¬5) , مردودةٌ إلى الناس لقربها منهم, والتاء محمولة على الخطاب المتقدم في قوله {تَزْرَعُونَ} {فَمَا حَصَدْتُمْ} و {تُحْصِنُونَ} و {تَاكُلُونَ}. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم ثم يجيء من بعد السنين السبع سُنونَ سبع شداد جدوب قَحِطة يؤكل فيهن ما قدمتم في إعداد ما أعددتم لهم في السنين السبع الخصبة من الطعام والأقوات, ووصف السنين بالأكل لأن الأكل فيهن أي: أهل تلك الناحية يأكلون فيها (¬6) , {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ} المعنى إلا ¬
يسيرا مما تحرزونه (¬1) , و {تُحْصِنُونَ} تصيرونه في حصن أي: في حرز قال ابن عباس (¬2): تحرزون, وقال السدي (¬3): ترفعون وهو ما ينبت. وقوله تعالى: {ثُمَّ يَاتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} وهذا خبر من يوسف عليه السلام للقوم بما لم يكن في رؤيا مَلِكِهم, ولكنه من علم الغيب الذي آتاه الله وذلك دلالة على نبوته وحجة على صدقه (¬4) , قال قتادة: ثم زاده الله علم ما لم يسألوه عنه (¬5)، فقال: {ثُمَّ يَاتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} أي: يغاث الناس بالمطر (¬6)، وأصل الغيث: القطع (¬7) الذي يأتي على شدة حاجة ينفي المضرة, يقال: غاثهم الله يغيثهم غيثا, والكلأ وهو النبات من ماء السماء يسمى: غيثا وجمعه غُيُوث, {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} العنب والسمسم وما أشبه ذلك (¬8) , قال ابن عباس: يعصرون الأعناب، والدهن (¬9) , ¬
وقال قتادة: الأعناب والثمار (¬1) , وروي عن ابن عباس أيضا: يعصرون يحلبون (¬2). وقوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} أي: لما رجع الرسول الذي أرسلوه إلى يوسف فأخبرهم عن يوسف وتأويل الرؤيا التي رأها الملك, علِم الملك حقيقة ما أفتاه به يوسف, وقال الملك ائتوني بالذي عبّر رؤياي هذه (¬3)، {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ} أي: فلما جاء رسول الملك يوسف يدعوه إلى الملك قال يوسف للرسول: ارجع إلى سيدك فاسأله {مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} , والمرأة التي سجنت بسببها (¬4)، وأبى أن يخرج مع الرسول, قال ابن عباس: لو خرج يوسف قبل أن يعلم الملِك بشأنه مازالت في نفس العزيز منه حاجة, يقول: هذا الذي راود امرأته (¬5). وروى الأعرج (¬6) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه: (يرحم الله يوسف إذ كان ذا أناة لو كنت أنا المحبوس وأُرسل إلي لخرجت سريعا إن كان لحليما ذا أناة) (¬7)، وعن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه: (لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه, والله يغفر له حين سأل عن البقرات العجاف والسمان فلو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له ¬
حين أتاه الرسول, ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب, ولكنه أراد أن يكون له العذر (¬1) , وقولُهُ: {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} يقول: إن الله تعالى ذِكْرُه ذو علم بصنيعهن وأفعالهن التي فعلن بي لا يخفى عليه ذلك كله, وقيل إن معنى ذلك: إن سيدي إطفير العزيز زوج المرأة التي راودتني عن نفسي قد علم براءتي مما قذفتني به من السوء (¬2) , وقيل في قوله تعالى: {مَا بَالُ النِّسْوَةِ} ولم يذكر امرأة العزيز فيهن حسن عشرة منه وأدبا فخلطها بالنسوة. وقوله تعالى: {مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} في هذا محذوف قد استغنيَ بدلالة ما ذُكر عنه وهو: فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته, فدعا الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز فقال لهن: {مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} كما روى ابن إسحاق (¬3) ومعنى (¬4) بقوله: {مَا خَطْبُكُنَّ} أي: ما كان أمركن وما كان شأنكن (¬5) {إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} , فأجبنه: {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} أي: معاذ الله وتنزيها لله {مَا عَلِمْنَا عليه مِنْ سُوءٍ} قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ: {الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} تقول: تبيّن الحق وانكشف وظهر, {أَنَا ¬
رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ} وإن يوسف لمن الصادقين في قوله: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} (¬1)، وقال السدي: {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عليه مِنْ سُوءٍ} ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنها راودته عن نفسه, ودخل معها البيت وحل سراويله ثم شده بعد ذلك, ولا تدري ما بدا له, فقالت امرأة العزيز: {الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} (¬2). وقوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} يعني: بقول {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} هذا الفعل الذي فعلته من ردّي رسول الملك إليه وتركي إجابته, والخروج إليه, ومسألتي إياه أن يسأل النسوة اللاتي قطعن أيديهن عن شأنهن إذ قطعن أيديهن, إنما فعلته ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب في زوجته أني لم أركب منها فاحشة في حال غيبته عني (¬3) , {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ ¬
الْخَائِنِينَ} يقول فعلت ذلك ليعلم سيدي أني لم أخنه بالغيب, ولأن الله لا يهدي كيد الخائنين أي: لا يسدد صنيع الخائنين أي: صنيع من خان الأمانات ولا يرشد أفعالهم (¬1) , واتصل قوله: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} بقول امرأة العزيز: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} لمعرفة السامعين بمعناه كاتصال قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} بقول المرأة: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} (¬2) وكذلك قول فرعون لأصحابه: {فَمَاذَا تَامُرُونَ} وهو متصل بقول الملأ (¬3): {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} (¬4). وقد تضمنت الآيات البيان عما يوجبه تفصيل الحكم للمعنى من حسن الإفصاح لما وقع به السؤال ليتقرر في النفس مرتبة بعد مرتبة بأحسن ما يقع به الإبانة, والبيان عما يوجبه تكميل جواب العالم من تمام الفائدة المتصلة بما سئل عنه مما فيه البشارة بما يؤول إليه الحال من السلامة مع إدرار الخير في السنة المخصبة, والبيان عما يوجبه طلب الملِك للعالم الجليل من تمكين أسباب الملك للمطلوب على ما يرى من بينة حتى تظهر براءته مما قذف به وحبس بسببه, والبيان عما يوجبه بطلان الانتفاع بالكذب من الإقرار بالصدق الذي فيه براءة الساحة والتنزيه عن لحاق الريبة, والبيان عما يوجبه قبح الخيانة من الانتفاء منها والإبانة عن فحشها وما يؤدي إليه من حرمان الهداية من الله وإيجاب العقوبة. القولُ في الوقفِ والتمامِ: ¬
{إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ} كاف (¬1) , وكذا {يَعْصِرُونَ} (¬2) , {بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} تمام (¬3) , {مَا عَلِمْنَا عليه مِنْ سُوءٍ} ¬
حسن (¬1) , وكذا {حَصْحَصَ الْحَقُّ} , وكذا {لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (¬2) , وكذا {من الْخَائِنِينَ} (¬3). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)} {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} ضوعف الفعل بمعنى التكثير, و {نَفْسِي} في موضع نصب بـ {أُبَرِّئُ} , ... {بِالسُّوءِ} متعلق بأمَّارة, {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} , {مَا} بمعنى الذي في موضع نصب (¬4) على الاستثناء المنقطع (¬5) , {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} خبر بعد خبر, {ائْتُونِي} أمر, {بِهِ} متعلق بـ {ائْتُونِي} , {أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} جواب الأمر, {لِنَفْسِي} متعلق بـ {أَسْتَخْلِصْهُ} , {فَلَمَّا} الفاء جواب ما أخبر به من قول الملك (¬6)، ولما ظرف زمان مضاف إلى {كَلَّمَهُ} , {قَالَ} جواب "لما" وهو العامل في "لما"، {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} الكاف اسم {إِنَّ}، ¬
و {مَكِينٌ} الخبر, و {أَمِينٌ} خبر بعد خبر, و {الْيَوْمَ} و {لَدَيْنَا} ظرفان متعلقان (¬1) بـ {مَكِينٌ} , {عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} متعلق بـ {اجْعَلْنِي} , {حَفِيظٌ عَلِيمٌ} خبر {إِنَّ}، خبر بعد خبر، وإن شئت جعلت عليماً نعتاً لحفيظ, {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} الكاف للتشبيه والعامل فيها ما دل عليه المعنى من تقدم اللطف به والإكرام له والتشبيه بذلك إليه {لِيُوسُفَ} متعلق بـ {مَكَّنَّا} وكذا {فِي الْأَرْضِ} , {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا} فعل مستقبل في موضع الحال, التقدير مكنا ليوسف متبوأ. {مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ}: حرف الجر والظرف وهو حيث يتعلقان بـ {يَتَبَوَّأُ}. والتبوء: التحيز من منزل يرجع إليه (¬2) من قوله: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (¬3)، قال الشاعر (¬4): ¬
فإنْ تَكُنِ القَتْلى بَواءً (¬1) فإنَّكُمْ ... فَتىً ما قَتَلْتُمْ آلَ عَوْفِ بنِ عامِرِ (¬2) {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} , {بِرَحْمَتِنَا} متعلق بـ {نُصِيبُ} أي: نحن نصيب برحمتنا, {مَنْ نَشَاءُ} , {مَنْ} بمعنى الذي في موضع نصب بـ {نُصِيبُ} , {وَلَا نُضِيعُ} معطوف على نصيب, {أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} نصب بـ {نُضِيعُ} , {وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا} لام قسم، وأجر رفع بالابتداء, و {خَيْرٌ} الخبر, {لِلَّذِينَ آَمَنُوا} متعلق بـ {خَيْرٌ} , {وَكَانُوا يَتَّقُونَ} معطوف على {آَمَنُوا} , {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ} , {إِخْوَةُ} رفع بـ جاء, و {يُوسُفَ} خفض بإضافة {إِخْوَةُ} إليه, {فَدَخَلُوا} الفاء جواب ما أخبر به من المجيء, والفاء في "عرفهم" جواب الدخول, {وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} ابتداء وخبر و {لَهُ} متعلق بـ {مُنْكِرُونَ}. القولُ في القراءةِ: قرأ البزي وقالون (¬3) {بِالسُّوءِ إِلَّا} بالتشديد بتكرير الأولى وتحقيق الثانية. الباقون يمضون على أصولهم في حذف الأولى وتبيين الثانية أو تحقيقها (¬4) , فالتشديد على قلب الهمزة فإدغامها كقولهم في ¬
خطيئة خطية, قرأ ابن كثير {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} بالنون. الباقون بالياء, فالياء (¬1) على إخبار الله-عز وجل- عن نفسه. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم يقول يوسف {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} من الخطأ والزلل فأزكيها, {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} أي: إن نفوس العباد تأمرهم بما تهواه, وإن كان هواها في غير ما فيه رضى الله, {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} إلا أن يرحم ربي من يشاء من خلقه فينجيه من إتباع هواه, {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: إن الله ذو صفح عن ذنوب من تاب من ذنوبه، بتركه عقوبته عليها، رحيم به بعد توبته أن يعذبه (¬2)، وذكر أن يوسف قال هذا القول من أجل أن يوسف لما قال: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} قال له ملك من الملائكة: ولا يوم هممت بها (¬3) قال: فقال يوسف حينئذ: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} وقد قيل: "إن القائل ليوسف ولا يوم هممت فحللت سراويلك عن امرأة العزيز (¬4). فأجابها يوسف بهذا الجواب, وقيل إن يوسف قال ذلك ابتداء من قبل نفسه"، وممن قال إن الملَك قال له، ابن عباس (¬5) وسعيد بن جبير (¬6) والحسن (¬7) ¬
وأبو صالح (¬1) وقتادة (¬2) وعكرمة (¬3) , ومن قال: قائل ذلك المرأة السدي (¬4) , ومن قال: إن يوسف قال ذلك من نفسه فقول مروي عن ابن عباس (¬5).وقوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} أي: وقال ملك مصر الأكبر - قال ابن إسحاق (¬6): هو الوليد بن الريان (¬7) حين تبين عذر يوسف وعرف أمانته وعلمه- لأصحابه: ائتوني به أجعله من خلصائي دون غيره (¬8)، فأتوه به, ¬
فلما كلم الملكُ يوسف وعرف براءته وعِظَمَ أمانته قال له يا يوسف: إنك اليوم عندنا متمكن مما أردت، وعَرَضَ لك من حاجة قِبَلنا, لرفعة مكانك ومنزلتك لدينا, {أَمِينٌ} على ما اؤتمنت عليه من شيء (¬1) , وروي عن أبي الهذيل (¬2) قال: قال الملك: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} قال: فقال له الملك: إني أريد أن أخلصك لنفسي غير أني آنف أن تأكل معي, فقال يوسف- صلى الله عليه: أنا أحق أن آنف أنا ابن إسحاق، أو قال ابن إسماعيل-ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله وابن يعقوب الذي ابيضت عيناه من الحزن (¬3). وقولُهُ: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} أي: قال يوسف للملك: اجعلني على خزائن أرضك, فهذه مسألة من يوسف للملك أن يوليه أمر طعام بلده وخراجها, والقيام بأسباب بلده, ففعل ذلك الملك, كما روي عن ابن زيد وشيبة الضبي (¬4) قال ابن إسحاق وقتادة: حفيظ لما استودعتني, عليم بما وليتني (¬5). ¬
وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} يقول تعالى: وهكذا وطأنا ليوسف في الأرض يعني: أرض ملك مصر, يتخذ من أرض مصر منزلا حيث شاء (¬1) بعد الحبس والضيق (¬2) , {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} من خلقنا كما أصبنا بها يوسف بعد العبودة والإسار والإلقاء في الجب, ولا نبطل جزاء عمل من أحسن فأطاع ربه وعمل بما أمره به, قال ابن إسحاق فيما ذكر إن إطفير هلك في تلك الليالي, وأن الملك الريان بن الوليد زوّج يوسف امرأة إطفير، راعيل, وأنها حين دخلت عليه (¬3) قالت له: أيها الصديق لا تلمني فإني كنت امرأة كما ترى حسناء وجميلة, ناعمةً في مُلك ودنيا, وكان صاحبي لا يأتي النساء, وكنت كما جعلك الله في حسنك وهيئتك تغلبني نفسي على ما رأيت, ويزعمون أنه وجدها عذراء فأصابها فولدت له رجلين: إفرايم بن يوسف ومنسا بن يوسف, وقال السدي (¬4) وابن زيد: مكناه فيها يكون حيث يشاء يصنع فيها ما يشاء, ولو شاء أن يجعل فرعون تحت يديه ويجعله فوقه لفعل, وروي عن مجاهد أنه قال: أسلم الملك الذي كان معه يوسف (¬5). وقوله تعالى: {وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} ¬
يقول تعالى: ولثواب الله في الآخرة خير للذين صدقوا الله ورسوله مما أعطى يوسف في الدنيا, {وَكَانُوا يَتَّقُونَ} الله فيخافون عقابه في خلاف أمره واستحلال محارمه, فيطيعونه في أمره ونهيه (¬1). وقوله تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عليه فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} أي: دخلوا على يوسف فعرفهم وهم لا يعرفونه (¬2) , {وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} وكان سبب مجيئهم قال السدي: أصاب بلاد يعقوب التي هو بها الجوع, فبعث بنيه إلى مصر, وأمسك أخا يوسف بنيامين, فلما دخلوا على يوسف عرفهم وهم له منكرون, فلما نظر إليهم قال: أخبروني ما أمركم؟ فإني أنكر شأنكم! قالوا: نحن قوم من أرض الشام, قال فما جاء بكم؟ قالوا جئنا نمتار طعاما, قال كذبتم أنتم عيون! كم أنتم؟ قالوا: عشرة, قال: أنتم عشرة آلاف, كل رجل منكم أمير ألف فأخبروني خبركم! قالوا: إنا إخوة بنو رجل صديق وإنا كنا اثني عشر, وكان أبونا يحب أخا لنا, وإنه ذهب معنا البرية فهلك منا فيها, أي وكان أحبنا إلى أبينا, قال: فإلى من سكن أبوكم بعده؟ قالوا: إلى أخ لنا أصغر منه, قال: وكيف تخبروني أن أباكم صديق وهو يحب الصغير منكم دون الكبير! ائتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه, {فَإِنْ لَمْ تَاتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ}، {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} , قال فضعوا بعضكم رهينة حتى ترجعوا, فوضعوا شمعون (¬3). وقد تضمنت الآيات البيان عما يوجبه دعاء النفس إلى السوء من التقدم في معرفة موقعه على الاستضرار به ليكون التحذير منه ¬
بحسب ما يؤدي إليه في عاقبة أمره, والبيان عما يوجبه حال العالم الجليل من استخلاص الملوك له بحاجتهم إليه بما يجدون عنه من الغناء الذي لا يجدونه عند غيره, والبيان عما يوجبه حال الحفيظ {الْعَلِيمُ} من جعله على خزائن الأرض بحسن تدبيره وضبطه لما يقوم بمراعاته فلا أحد أحق بذلك منه, والبيان عما يوجبه حال العالم التقي من التمكن في الأرض بما فيه من الصلاح في التدبير وما يتأتى من حسن التقدير, والبيان عما يوجبه عظم أجر الآخرة من الطلب له والحرص عليه واستفراغ المجهود فيه بلزوم طاعة الله عز وجل واجتناب معصيته, والبيان عما يوجبه حال الصابر على المحن طاعة لربه من حاجة من ظلمه إليه بتملكه عليه وبسط يده إلى ضره ونفعه. القولُ في الوقفِ والتمامِ: {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} كاف (¬1) , وكذا {مَكِينٌ} (¬2) , وكذا {حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (¬3) , وكذا {الْمُحْسِنِينَ} (¬4) , وكذا {فَدَخَلُوا عليه}. وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا ¬
يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)} {وَلَمَّا} ظرف زمان (¬1) مضاف إلى {جَهَّزَهُمْ} , {بِجَهَازِهِمْ} متعلق بـ {جَهَّزَهُمْ} , {بِأَخٍ} متعلق بـ {ائْتُونِي} , {لَكُمْ} في موضع النعت لـ "أخٍ" متعلق بمعنى الاستقرار, وكذا {مِنْ أَبِيكُمْ} , {أَلَا} تنبيه (¬2) , {أَنِّي} في موضع نصب بـ {تَرَوْنَ} , {الْكَيْلَ} نصب بـ {أُوفِي} وحذفت الياء في اللفظ لسكونها وسكون اللام من الكيل, يقال: وفي يفي (¬3) , والأصل يوفي حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة استثقالا لذلك (¬4) , {وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} ابتداء وخبر, {فَإِنْ لَمْ تَاتُونِي بِهِ} الفاء جواب الأمر بأتيانهم بأخيهم, والأصل تأتونني, حذفت النون الأولى للجزم (¬5) , {بِهِ} متعلق بـ {تَاتُونِي} وإن حرف شرط, {فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي} الفاء جواب الشرط, و {كَيْلَ} مبني مع لا في موضع رفع بالابتداء, و {لَكُمْ عِنْدِي} الخبر متعلق اللام وعند بمعنى الاستقرار, {وَلَا تَقْرَبُونِ} نهي, والنون الأولى محذوفة للنهي, والأصل تقربونني, وحذفت الياء لدلالة الكسرة عليها, مع أنها رأس آية (¬6)، {عَنْهُ أَبَاهُ} , {أَبَاهُ} نصب بـ {سَنُرَاوِدُ} , ¬
{عَنْهُ} متعلقة به, {وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} اللام لام التوكيد في موضع خبر إنّ, {لِفِتْيَانِهِ} (¬1) متعلق بـ {قَالَ} , {بِضَاعَتَهُمْ} نصب بـ {اجْعَلُوا} (¬2) , {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا} لعل ترجٍ, {إِذَا انْقَلَبُوا} , {إِذَا} متعلقة بـ {يَعْرِفُونَهَا} , إِلَى متعلق بـ {انْقَلَبُوا} , وفتيته وفتيان جمع فتى (¬3) , {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قالوا} لما ظرف (¬4) العامل فيها قالوا, {إِلَى} متعلق بـ {رَجَعُوا} , {مِنَّا} متعلق بـ {مُنِعَ} , {الْكَيْلُ} اسم ما لم يسم فاعله في {مُنِعَ} (¬5) , {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} الفاء جواب ما أخبروا به من منع الكيل, وألف أرسل ألف قطع, {مَعَنَا} متعلق بـ أرسل, {أَخَانَا} نصب بـ {فَأَرْسِلْ} , {نَكْتَلْ} جواب الأمر, والأصل نكتيل على وزن نفتعل, فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فصار نكتال, فلما جزمت اللام لجواب الأمر وسكنت وقبلها الألف ساكنة حذفت الألف لالتقاء الساكنين (¬6) , {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} اللام متعلقة بـ حافظون (¬7) , {هَلْ} حرف استفهام فيه معنى النفي بتقرير وتوبيخ (¬8) , {عليه} متعلق بـ ¬
{آَمَنُكُمْ} , {إِلَّا} إيجاب, {كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ} الكاف للتشبيه (¬1) متعلقة بـ أمن, والتقدير إلا أمنًا {كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ} , {عَلَى} متعلقة بـ {آَمَنُكُمْ} , {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا} ابتداء وخبر, و {حَافِظًا} نصب على التمييز و {حَافِظًا} , يجوز أيضا أن يكون تمييزاً, وأن يكون نصب على الحال (¬2) , والفاء جواب للاستفهام {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ابتداء وخبر. القولُ في القراءةِ: قرأ حمزة والكسائي (¬3) {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ} بألف ونون, الباقون بتاء من غير ألف ونون (¬4) , وهما جمعان مثل: غلمان وغلمة, وصبيان وصبية, وشاهد الحذف أنهم فتية: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} (¬5) وشاهد الإثبات: أنها في مصحف عبد الله كذلك, ولأن الملوك تأمر عبيدها بالأمر وإن لم تنوِ له جميعهم. قرأ حمزة والكسائي {أَخَانَا يكتل} بالياء توضع, الباقون بالنون, فالنون على وجه دخولهم معه في الكيل, والياء يحتمل وجهين: أحدها: انفراده بالكيل لقربه من الفعل. والثاني: اشتراكهم فيه كالنون, ويدل عليه قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَاتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي} , أو تحتمل على التقديم والتأخير, والتقدير: فأرسل {أَخَانَا} يكتل معنا. قرأ حمزة والكسائي وحفص {خَيْرٌ ¬
حَافِظًا} بألف, الباقون بغير ألف (¬1) , فالحذف على المصدر, والنصب على التمييز, والتقدير: خير حفظا منكم, وقيل على الحال والإثبات, على أنه اسم الفاعل ونصبه على الحال, والتقدير: خير شيء وله في حال حفظه (¬2) , ويجوز أن يكون تمييزا على تقدير: خيركم حافظا. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم يقول تعالى: ولما حمَّل يوسف لإخوته أباعِرهم من الطعام فأوقر (¬3) لكل واحد منهم بعيره, قال لهم: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} كما أحمل لكم بعيراً آخر, فتزدادوا به حمل بعير آخر (¬4)، {أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ} فلا أبخسه أحدا, وأنا خير مَن أنزل ضيفا على نفسه بهذه البلدة, فأنا أضيفكم (¬5) , قال مجاهد: أنا خير من يضيف بمصر (¬6)، وقوله: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} قال قتادة: يعني بنيامين وهو أخوه لأبيه وأمه (¬7). وقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَاتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ} أي: هذا قول يوسف لإخوته فإلم تأتوني بأخيكم من أبيكم فليس لكم عندي طعام أكيله لكم, ولا تقربوا بلادي (¬8). ¬
وقوله تعالى: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} أي: قال إخوة يوسف ليوسف سنراود أباه ونسأله أن يخليه معنا حتى نجيء به إليك, {وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} ما قلنا ومجتهدون, والمراودة، المنازعة من القادر بدعائه إلى ما يراد منه فعله, وأصل ذلك الطلب ومنه الإرادة, وهي طلبه الفعل، وفتيانه: غلمانه (¬1) , وقال قتادة: بضاعتهم أرزاقهم (¬2) , وقال ابن إسحاق: جعلت في رحالهم وهم لا يعلمون (¬3) , وقولُهُ: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي: يرجعون إلي (¬4) , ويقال: لأية علة أمر يوسف أن يجعلوا بضاعة إخوته في رحالهم؟ قيل: يحتمل أوجها (¬5): أحدها: أن يكون خشي أن لا يكون عند أبيه دراهم, إذ كانت السنة سنة جدب وقحط, فيضر (¬6) ذلك منهم به, فأحب أن يرجع إليه ويتسع بها أبوه. والثاني أن يكون رأى لوما، أخذ ثمن طعامه من والده، وإخوانه مع حاجتهم إليه، فرده عليهم من حيث لا يعلمون رده تكرما وتفضلا, والثالث وهو أن يكون أراد بذلك أن لا يخلفوه الوعد في الرجوع إذا وجدوا في رحالهم ثمن طعام قد قبضوه وملكه عليهم غيرهم عوضا من طعامه, ويتحرجوا من إمساكهم من طعام قد قبضوه حتى يردوه على صاحبه, فيكون ذلك أدعى لهم إلى العودة إليه. وقوله تعالى: {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} أي: فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم قالوا: {يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} الكيل فوق الكيل الذي كيل لنا, ولم يُكل لكل رجل منا إلا كَيل بعير, {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا} بنيامين يكتل لنفسه كيل بعير آخر زيادة على كيل أباعرنا, {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} من أن يناله مكروه في سفره (¬7)، ¬
كما روي عن السدي فيما ذكره قال: وقال لهم يعقوب: إذا أتيتم ملك مصر فأقرؤه مني السلام, وقولوا له: إن أبانا يصلي عليك ويدعو لك بما أوليتنا (¬1) , وقال ابن إسحاق: كان منزلهم فيما ذَكر لي بعض أهل العلم بالعربات (¬2) من أرض فلسطين بغور الشام, وبعض يقول: بالأولاج (¬3) من ناحية الشعب أسفل من جشم (¬4) , وكان صاحب بادية، شاء وإبل (¬5). وقوله تعالى: {قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عليه إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} أي: قال أبوهم يعقوب: هل آمنكم على أخيكم من أبيكم إلا كما أمنتكم على أخيه يوسف من قبله (¬6)؟ وأصله الاطمئنان, يقال: أمِنه يامَنُهُ أَمْناً وائْتَمَنَه ياتَمِنَه ائْتِمَاناً, ومنه قوله: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (¬7). وقد تضمنت الآيات البيان عما يوجبه صحة التدبير من الوفاء في المكاييل وغيره من الأمور للوصول إلى المطلوب في بلوغ غاية المأمول, والبيان عما يوجبه ترك ما دعى إليه الحكيم من حرمان المحبوب من حياته وبعدمه كما فعل يوسف- عليه السلام بإخوته حين دعاهم إلى ما دعاهم إليه, والبيان عما يوجبه طاعة الداعي فيما دعا إليه من العزم على الاجتهاد في كون ما أحب وفعل ما أراد, والبيان عما يوجبه الإحسان من طلبه بالرجوع إلى صاحبه ابتغاء الخير من قبله لاسيما إذا تلطف في وقوعه على أحسن وجوهه, والبيان عما يوجبه التلطف في وقوع الأمر من الدعاء إليه بما في تركه من الضرر وفي فعله من النفع مع تضمن السلامة من مكروه في العاقبة, والبيان عما يوجبه حال المتهم ¬
من أمر سلفَ من نفور النفس عما يقوله، وقلة الائتمان له فيما يستودعه لمِا كان مما يوحش منه ويصرف عنه. القولُ في الوقفِ والتمامِ: {وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} كاف (¬1) , {وَلَا تَقْرَبُونِ} حسن (¬2) , {لَفَاعِلُونَ} كاف (¬3) , {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} كاف (¬4) , {لَحَافِظُونَ} حسن (¬5) , وكذا {أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (¬6). وقولُهُ عز وجل: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ¬
اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)} {وَلَمَّا} ظرف (¬1) {فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ} متاعهم نصب بـ {فَتَحُوا} , {وَجَدُوا} جواب "لما" وهو العامل فيها, {بِضَاعَتَهُمْ} نصب بـ {وَجَدُوا} , {رُدَّتْ إِلَيْهِمْ} , {رُدَّتْ} فعل ما لم يسم فاعله واسم ما لم يسم فاعله مضمر في {رُدَّتْ} {إِلَيْهِمْ} متعلق بـ {رُدَّتْ} , و {رُدَّتْ} ومَا عمل فيه في موضع الحال من البضاعة (¬2) , والتقدير مردودة إليهم, والأصل في ردت: رددت نقلت حركة الدال إلى الراء, ثم أدغمت هذا على قراءة من يكسر الراء, والجماعة تقرأ بالضم على ما لم يسم فاعله, والأصل على قراءتهم رددت, فحذفت الكسرة من الدال للإدغام (¬3) , {إِلَيْهِمْ} متعلقة بـ {رُدَّتْ} , {مَا نَبْغِي} {مَا} استفهام, والتقدير: أي شيء نبغي, فـ {مَا} في موضع نصب (¬4) بـ {نَبْغِي} , {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا} ابتداء وخبر, {رُدَّتْ إِلَيْنَا} مثل ما تقدم, و {إِلَيْنَا} متعلق بـ {رُدَّتْ} , ويجوز أن يكون {مَا} نفيا (¬5) , والتقدير: ما نبغي شيئا, {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} جملة معطوفة على جملة, ويقال: ماره يميره ميرا وميرة (¬6)، ¬
ويقال: ما عند فلان خير ولا مير (¬1) أي: ولا نفع, والمئرة بالهمز: الإحنة (¬2) والحقد (¬3) , {وَنَحْفَظُ أَخَانَا} معطوف على {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} , وكذا {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} ابتداء وخبر, و {يَسِيرٌ} نعت لـ {كَيْلٌ} {أُرْسِلَهُ} نصب بـ {لَنْ} {مَعَكُمْ} متعلق بـ {أُرْسِلَهُ} , {حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ} , {حَتَّى} غاية ناصبة لـ {تُؤْتُونِ} , وعلامة النصب: حذف النون, والنون الموجودة مزيدة مع ياء النفس (¬4) , {مَوْثِقًا} مفعول ثان لـ {لَتَاتُنَّنِي} {مِنَ اللَّهِ} متعلق بـ {تُؤْتُونِ} , {لَتَاتُنَّنِي بِهِ} مؤكد بالنون الشديدة, واللام لام قسم (¬5)، {بِهِ} متعلق ¬
بـ {لَتَاتُنَّنِي} {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} و {إِلَّا} إستثناء, {أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} {أَنْ} في موضع نصب بالاستثناء, والتقدير: {إِلَّا} الإحاط (¬1) بكم, ويجوز أن ينصب {أَنْ} على المفعول له بتقدير: الإتيان أو الإحاطة (¬2) كما تقول: ما يأتيني إلا لأخذ الدراهم, {بِكُمْ} في موضع اسم ما لم يسم فاعله في يحاط, {فَلَمَّا آَتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ} نصب بـ {آَتَوْهُ} مفعول ثان لـ {آَتَوْهُ} , والهاء مفعول أول, {قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} اسم {اللَّهُ} رفع بالابتداء, و {وَكِيلٌ} الخبر, و {عَلَى مَا نَقُولُ} متعلق بـ {وَكِيلٌ} و {مَا} بمعنى الذي, وإن شئت كانت مع نقول بمنزلة المصدر أي: على قولنا (¬3). {مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} متعلق بـ {تَدْخُلُوا} , وكذا {مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} متعلق بـ ادخلوا, {مُتَفَرِّقَةٍ} نعت لـ {أَبْوَابٍ} , {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} {مَا} حرف نفي, {عَنْكُمْ} متعلق بـ {أُغْنِي} {مِنْ شَيْءٍ} {مِنْ} زائدة للتوكيد في موضع نصب, أي: ما أغنى عنكم شيئا (¬4). {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} {إِنِ} بمعنى ما و {الْحُكْمُ} رفع بالابتداء و {لِلَّهِ} في موضع الخبر متعلق بمعنى الاستقرار {عليه تَوَكَّلْتُ} {عليه} متعلق بـ {تَوَكَّلْتُ} {وَعليه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} {وَعليه} متعلق بـ {فَلْيَتَوَكَّلِ} , واللام لام أمر, {الْمُتَوَكِّلُونَ} رفع بـ"يتوكل", {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ} {وَلَمَّا} ظرف, {مِنْ حَيْثُ} {مِنْ} متعلقة بـ {دَخَلُوا} و {حَيْثُ} مبنية على الضم مضافة إلى الجملة (¬5)، {مَا ¬
كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} {مَا} حرف نفي، عنهم متعلق، بـ {يُغْنِي} {مِنَ اللَّهِ} كذلك {مِنْ شَيْءٍ} {مِنْ} زائدة (¬1) والتقدير: ما كان يغني عنهم من الله شيء, {إِلَّا حَاجَةً} استثناء منقطع (¬2)، {فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ} {فِي}، في موضع النعت لـ {حَاجَةً} متعلقة بمعنى الاستقرار, وكذا {قَضَاهَا}، نعت لـ {حَاجَةً} , وما دل عليه المعنى، عامل في لما, {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} مستأنف, {لَذُو} لام توكيد في موضع خبر إنّ, {لِمَا عَلَّمْنَاهُ} متعلق بـ عِلْم, وما بمعنى الذي, {وَلَكِنَّ} حرف توكيد, {أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} اسم لكن وخبرها. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم ولما فتح إخوة يوسف متاعهم الذي حملوه من عند يوسف, {وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ} أي: ثمن الطعام الذي اكتالوه منه, {رُدَّتْ إِلَيْهِمْ} قالوا لأبيهم: ماذا نبغي؟ {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} (¬3) بطيبتنا (¬4) منهم لنفسه بما صنع بهم في رد بضاعتهم إليهم والتقدير: أي شيء نبغي وراء هذا؟ إن بضاعتنا ردت إلينا, وقد أوفى لنا الكيل (¬5)، وقوله: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} أي: ونطلب لأهلنا طعاما فنشتريه لهم, يقال: مار أهله يميرهم ميرا (¬6). ¬
إذا حمل الطعام لهم من بلد إلى بلد (¬1)، قال الشاعر (¬2): بعثتك مائرًا (¬3) فمكثتَ حولًا ... متى يأتي غِيَاثُكَ من تُغِيثُ {وَنَحْفَظُ أَخَانَا} الذي ترسله معنا, ونزداد على أخينا لنا (¬4) حمل بعير يكال لنا آخر من إبلنا, {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} أي: حمل يسير. وقوله تعالى: {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ} أي: قال يعقوب لبنيه: لن أرسل أخاكم معكم إلى ملك مصر, {حَتَّى تُؤْتُونِ} أي: تعطوني الميثاق, وهو ما يوثق (¬5) به من يمين ¬
وعهد (¬1) , {لتَاتُنَّنِي} بأخيكم {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} أي: يحيط بجميعكم مالا تقدرون على أن تؤتوني به, وأصله ضرب السور حول الشيء, ومنه يقال: يعلمه علم إحاطة أي: على التحديد, قال قتادة: {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} إلا أن تغلبوا حتى لا تطيقوا ذلك (¬2) , وقال ابن إسحاق: إلا أن يصيبكم أمر يذهب بكم جميعا, فيكون ذلك عذرا لكم عندي (¬3) , والوكيل: القائم بالتدبير (¬4) , ويقال لمِ قال موثقا من الله وإنما الموثق من أنفسهم؟ قيل ذلك: لأن المعنى مُوَثَّقاً من جهة إشهاد الله, أو القسم بالله, والموثق بالعقد (¬5) بما لا يجوز حله. وقوله تعالى: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} أي: قال يعقوب لبنيه: لا تدخلوا مصر من طريق واحد, وادخلوها من أبواب متفرقة, وذكر أن قوله ذلك لهم: لأنهم كانوا رجالا, لهم جمال وهيئة, فخاف عليهم إذا دخلوا من طريق واحد وهم ولد رجل واحدٍ العينَ, فأمرهم أن يفترقوا (¬6) , روي معنى ذلك: عن قتادة وابن عباس، ومحمد بن كعب القرظي، والسدي، وابن إسحاق, وقولُهُ: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} يقول: وما أقدر أن أدفع عنكم من الله من شيء من قضاء الله الذي قضاه عليكم من شيء صغير ولا كبير, لأن قضاءه نافذ (¬7) , {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} أي: ما القضاء والحكم إلا لله دون كل ما سواه, على الله توكلت فوثقت به فيكم وفي حفظكم حتى يردكم ¬
إلي وأنتم سالمون معافون لا على دخولكم مصر من أبواب متفرقة, {عليه تَوَكَّلْتُ} أي: فوضت أمري, {وَعليه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} أي: وإلى الله فليفوض المفوضون أمورهم (¬1). وقوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ} أي: ولما دخل ولد يعقوب من حيث أمرهم أبوهم من أبواب متفرقة, {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ} قضاء الله الذي حتمه من شيء, إلا أنهم قضوا وطراً ليعقوب من دخولها (¬2) من طرق متفرقة مما كان يخاف عليهم بدخولهم من طريق واحد من العين, فاطمأنت نفسه أن يكونوا أُتوا من قبل ذلك, أو نالهم من أجله مكروه, قال مجاهد (¬3) وابن عباس: وإن يعقوب لذو علم لتعليمنا إياه (¬4) , وقيل: إنه لذو حفظ لما استودعناه صدره من العلم (¬5) , {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} أي: ولكن كثيرا من الناس غير يعقوب, لا يعلمون ما يعلمه يعقوب. وقد تضمنت الآيات: البيان عما يوجبه الدعاء إلى طاعة المحسن بين الذكر لإحسانه فيما أولى وخيره الذي يرجى إذ هو حقيق به وأهل له, والبيان عما يوجبه الظن بالإنسان النفيس من الامتناع بإرساله إلى من طلبه إلا بعد الميثاق على من أصحبه إياه أن يرده إليه إلا أن يأتيه ما لا قبل له به ولا يطيق الامتناع منه, والبيان عما يوجبه الاحتياط في نفي مكروه العين والحسد من تفريق ما جمعه يكثر في نفوس الحساد وكثير من الناس, حتى ربما أدى ذلك إلى الهلاك, والبيان عما يوجبه إزالة توهم الخطأ على البريء منه من وصفه بما ينباء أنه ما عمل إلا ما له أن يعمله ومن ذكره بالعلم الذي قد وهب له وأن أمراً دار في نفسه بلغه مما يجري مجرى الاحتياط في تدبير ولده. ¬
القولُ في الوقفِ والتمامِ: {رُدَّتْ إِلَيْهِمْ} حسن (¬1) , و {رُدَّتْ إِلَيْنَا} كاف (¬2) , وكذا {يَسِيرٌ} (¬3) , وكذا {يُحَاطَ بِكُمْ} (¬4) , و {وَكِيلٌ}، {فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} حسن (¬5) , وكذا {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (¬6). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)} ¬
{وَلَمَّا} ظرف مضاف (¬1) إلى {دَخَلُوا} , {عَلَى يُوسُفَ} متعلق بـ {دَخَلُوا} , {آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} جواب لما وهو العامل في لما (¬2) وهو فعل رباعي ألفه ألف قطع, وزنه أفعل, {أَخَاهُ} , نصب بـ {آَوَى} , {إِلَيْهِ} متعلق بـ {آَوَى} يقال: أوى فلانٌ فلاناً, إذا ضمه إليه (¬3) , وآواني موضع كذا, وفلان يأوي إيواء إذا فعل ذلك, وآوى بالقصر أويّاً, لجأ إليه (¬4)، {إِنِّي أَنَا أَخُوكَ} مستأنف لوقوعه بعد القول, ويجوز أن يكون {أَنَا} فاصلة, و {أَخُوكَ} الخبر, ويجوز أن يكون {أَنَا} رفعا بالابتداء, و {أَخُوكَ} خبر {أَنَا} , والجملة خبر {إِنِّي} , {فَلَا تَبْتَئِسْ} الفاء جواب ما أخبر به من الإخوة و"لا" نهي, وتبتأس تفتعل من البؤس يقال ابتأس يبتئس ابتئاساً وهو الحزن والابتئاس والاكتئاب والاغتمام نظائر في اللغة (¬5). {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الباء متعلقة بـ {تَبْتَئِسْ} , وما بمعنى الذي, {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ} لما نظير ما تقدم, {بِجَهَازِهِمْ} متعلق بـ {جَهَّزَهُمْ} , {جَعَلَ السِّقَايَةَ} جواب "لما", و {السِّقَايَةَ} نصب بـ {جَعَلَ} , {فِي رَحْلِ أَخِيهِ} , {فِي} متعلقة أيضا بـ {جَعَلَ} , {أَيَّتُهَا الْعِيرُ} نداء مفرد, و {الْعِيرُ} نعت لأي والتقدير: يا أيتها العير, {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} مستأنف, {عليهم} متعلق بـ {أقبلوا} , {مَاذَا تَفْقِدُونَ} ما استفهام في موضع رفع بالابتداء, وذا بمعنى: الذي {تَفْقِدُونَ} في صلة الذي, وذا ¬
و {تَفْقِدُونَ} خبر ما, {صُوَاعَ الْمَلِكِ} نصب بـ {تَفْقِدُونَ} (¬1) , {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} , {حِمْلُ بَعِيرٍ} رفع بالابتداء, {وَلِمَنْ} الخبر ومن بمعنى الذي, و {بِهِ} متعلقة بـ {جَاءَ} , {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} ابتداء وخبر جملة معطوفة على جملة, و {بِهِ} متعلق بـ {زَعِيمٌ} , {تَاللَّهِ} قسم, والتاء بدل من الواو, ولا تدخل إلا في اسم الله بضعفها (¬2) بكونها بدلا من بدل, إذ الواو بدلا من الباء, إذ هي الأصل لكثرتها فيه (¬3)، {لَقَدْ} لام توكيد لجواب القسم, {مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ} , {لِنُفْسِدَ} لام كي متعلقة بـ {جِئْنَا} وكذا {فِي الْأَرْضِ} , {وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} ما نفي, والنون والألف اسم كان, و {سَارِقِينَ} الخبر, {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ} الفاء جواب إنكارهم, وما استفهام في موضع رفع بالابتداء, و {جَزَاؤُهُ} الخبر, {إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} , {إِنْ} حرف شرط, وجوابه ما تقدم, {قَالُوا جَزَاؤُهُ} , {جَزَاؤُهُ} رفع بالابتداء وخبره محذوف تقديره جزاؤه رفع بالابتداء (¬4) عندنا كجزائه عندكم (¬5) , ويجوز أن يكون {جَزَاؤُهُ} مبتدأ و {مَنْ وُجِدَ} مبتدأ ثانٍ, {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} خبر الثاني, والجملة خبر الأول (¬6)، و {مَنْ} شرط, وجوابه: ¬
{فَهُوَ جَزَاؤُهُ} وإن شئت بمعنى الذي, والذي يعود على المبتدأ الأول {جَزَاؤُهُ} الثاني, والتقدير: فهو هو وأظهر الضمير كما أنشد سيبويه (¬1): لا أرَى المَوْتَ يَسْبِقُ الموتَ شَيءٌ ... نَغَّصَ المَوْتُ ذا الغِنى والفَقِير (¬2) ولم يقل (¬3) سبقه ويجوز أن يكون {جَزَاؤُهُ} مبتدأ و {مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ} خبره والتقدير: جزاؤه استعباد من وجد في رحله (¬4) , فهو كناية عن الاستقبال, وفي الجملة معنى التوكيد كما يقول جزاء من سرق القطع فهو جزاؤه, الهاء في قوله: {فَمَا جَزَاؤُهُ} تعود على السارق, وإن شئت على ¬
المسروق (¬1) , والهاء الثانية في {جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ} تقول (¬2) أيضا: على السارق أو على المسروق (¬3) , وكذلك {فَهُوَ جَزَاؤُهُ} , والهاء في {رَحْلِهِ} تعود على {مَنْ} , {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} الكاف في موضع نصب (¬4) , أي: نجزي الظالمين جزاءً كذلك (¬5) , والإشارة بذلك إلى الحكم. القولُ في القراءةِ: قرأ أهل الكوفة برفع {دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} بتنوين {دَرَجَاتٍ} , الباقون بإضافتها إلى {مَنْ} (¬6) , فمن نوَّن كانت {مَنْ} في موضع نصب تكون مفعولاً ثانياً لنرفع, ومن لم ينوِّن أضاف درجاتٍ إلى {مَنْ}. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم ولما دخل ولد يعقوب على يوسف ضم إليه أخاه, قال السدي: لما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه, قال عرف أخاه فأنزلهم منزلا, وأجرى عليهم الطعام والشراب فلما كان الليل ¬
جاءهم بمثل ذلك فقال: لينم كل أخوين منكم على مِثَال (¬1) , فلما بقي الغلام وحده قال يوسف: هذا ينام معي على فراشي, فبات معه, فجعل يوسف يشم رائحته ويضمه إليه, حتى أصبح, وجعل روبيل يقول: ما رأينا مثل هذا أريحونا منه (¬2) , وروي عن ابن إسحاق قال: فأنزلهم منازل شتى, وأنزل أخاه معه فآواه إليه, فلما خلا به قال: إني أنا أخوك أنا يوسف فلا تبتئس بشيء فعلوه بنا فيما مضى, فإن الله أحسن إلينا, ولا تعلمهم شيئا مما أعلمتك (¬3)، وقال عمر بن ذر (¬4): لما دخل إخوة يوسف عليه, احتبسه فأقبل يحدثه, فقال له يوسف: أكل هؤلاء إخوتك لأبيك؟ قال: نعم, قال: فما لك أخ من أمك؟ قال: كان لي أخ, يقال له يوسف: قال فما فعل؟ قال: أكله الذئب, قال فهل حزن عليه والده يعقوب؟ قال: نعم, حزنا شديدا, قال: وما بلغ من حزنه؟ قال: ذهب بصره فهو كظيم, قال: فهل حزنت أنت عليه؟ قال: نعم حزناً شديدا, قال: فهل تزوجت؟ قال: نعم, قال: وهل يتزوج المحزون؟ قال: الشيخ يعقوب أمرني بذلك, قال: يا بني تزوج لعله أن يولد لك من ¬
يثقل الأرض بتسبيحه, وقولُهُ: {فَلَا تَبْتَئِسْ} أي: فلا تستكن ولا تحزن (¬1) لشيء سلف من إخوتك إليك في نفسك وفي أخيك من أمك وما كانوا يفعلونه بك قبل اليوم (¬2). وقوله تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} أي: لما حمل يوسف إبل إخوته ما حملها من الميرة, وقضى حاجتهم (¬3) , جعل الإناء الذي كان يكيل به الطعام {فِي رَحْلِ أَخِيهِ}، "والسقاية": المشْرَبة، وهي الإناء الذي كان يشرب فيه الملك, ويكيل به الطعام (¬4) , قال الحسن: الصواع والسقاية سواء, هو الإناء يشرب فيه (¬5) , وهو قول مجاهد (¬6) وقتادة (¬7) وابن عباس (¬8) والضحاك (¬9) وابن زيد (¬10). {فِي رَحْلِ أَخِيهِ} في متاع أخيه (¬11) ابن أمه وأبيه: وهو بنيامين, {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} أي: نادى منادٍ, وقيل: أعلم مُعْلِم, {أَيَّتُهَا الْعِيرُ} وهي: القافلة فيها الأجمال, {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} (¬12) قال ابن إسحاق: ثم جهزهم بجهازهم, وأكرمهم وأعطاهم, فأوفاهم, وحمل لهم بعيراً بعيراً, وحمل لأخيه بعيراً باسمه, كما حمل لهم, ثم أمر بسقاية الملك وهو: الصواع, وزعموا أنها كانت من فضة, فجعلت ¬
{فِي رَحْلِ أَخِيهِ} بنيامين, ثم أمهلهم حتى إذا انطلقوا وأمعنوا (¬1) من القرية, أمر بهم فأُدركوا فاحتبسوا, ثم نادى منادي (¬2) {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} قفوا, وانتهى إليهم رسوله, فقال لهم فيما يذكرون: ألم نكرم ضيافتكم ونوفكم كيلكم ونحسن منزلتكم ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم, وأدخلناكم علينا في بيوتنا ومنازلنا أو كما قال لهم؟ , قالوا: بلى, وما ذاك؟ قال: سقاية الملك فقدناها ولا نتهم عليها غيركم (¬3) , {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} (¬4) , وحُكيَ عن مجاهد: أن عير بني يعقوب كانت حميراً (¬5) , {قَالُوا وَأَقْبَلُوا عليهم مَاذَا تَفْقِدُونَ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} قال بنو يعقوب لما نودوا {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} أي: أقبلوا على المنادي ومن بحضرتهم يقولون لهم: {مَاذَا تَفْقِدُونَ} فقال القوم: {نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ}، مشربة الملك (¬6) , قيل: كان كهيئة المكوك, وكان للعباس مثله في الجاهلية يشرب فيه (¬7) , وقوله: {وَلِمَنْ جَاءَ ¬
بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} أي: ولمن جاء بالصاع حمل بعير من الطعام أي: وقر بعير (¬1) وقوله: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} أي: أنا بأن أوفيه حمل بعير إذا جاء به كفيل, والزعيم بمعنى الكفيل (¬2) , مثل قول الشاعر (¬3): فَلَسْتُ بِآمِرٍ فِيهَا سليم (¬4) ... وَلَكِنِّي عَلَى نَفْسِي زَعِيمُ وأصله في كلام العرب: القائم بأمر القوم, ولذلك قيل لرئيس القوم زعيمهم ومدبرهم (¬5) , ولهذا جاء الخبر عن واحد في قوله: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ} وهم جماعة, لأنه قصد الرئيس والقيّم بأمرهم. {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} أي: قال إخوة يوسف: {تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ} أي: لنعصيَ في أرضكم (¬6) , فإن قال قائل: وما كان ¬
علم من قيل له {لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ} بأنهم لم يجيئوا لذلك, حتى استجاز قائلوا ذلك أن يقولوه, قيل استجازوا أن يقولوا ذلك, لأنهم فيما ذكر ردوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم, فقالوا: لو كنا سراقاً لم نرد عليكم البضاعة التي وجدناها في رحالنا, وقيل: إنهم كانوا قد عرفوا في طريقهم ومسيرهم أنهم لا يظلمون أحدا, ولا يتناولون ما ليس لهم, فقالوا ذلك حين قيل لهم: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} (¬1). وقوله تعالى: قَالُوا: {فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} أي: قال: أصحاب يوسف لإخوته: فما ثواب السارق إن كنتم كاذبين في قولكم: {مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} قال إخوة يوسف: ثواب من وجد في رحله السرق, أن يسلم بسرقته إلى من سرق منه حتى يسترقه, كذلك نفعل بمن ظلم, فيفعل ماليس له فعله من أخذه مال غيره سرقا (¬2)، ومعنى الكلام: ثواب السرق الموجود في رحله كأنه قيل: ثوابه استرقاق الموجود في رحله, ثم حذف استرقاق إذ كان معروفا معناه, ثم ابتدأ الكلام فقيل: فهو جزاؤه {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} , ويحتمل أن يكون معناه قالوا: ثواب السرق الذي يوجد السرق في رحله, فالسارق جزاؤه الاستعباد, وكانت هذه سنتهم في السارق: أن يستعبد (¬3). وقد تضمنت الآيات البيان عما يوجبه حسن التدبير من بلوغ المحاب في النفس والحميم والأخ القريب بالاجتماع على الحال الجميلة والمنزلة الجليلة, والبيان عما يوجبه التلطف في بلوغ المراد من إيقاع الأسباب التي تؤدي إليه ويبعث عليه مما يخفى على كثير من الناس موقعه ولا يتبن لهم وجهه: لأنه أنفذ له وأنجح للمطلوب منه, والبيان عما يوجبه حال بهت الإنسان بأخذ ما لم يأخذ من الاستفهام للتثبت في الأمر وترك الإسراع إلى مالا يجوز من القول, والبيان عما يوجبه الحرص على وجدان ما ضاع من تضمن الجعل لمن جاء به ليجدَّ في طلبه رغبة فيما ضمن عليه, والبيان عما يوجبه براءة القوم بما قذفوا به من الإحالة على ظاهر حالهم وما يعلم من سداد طريقتهم بالأحوال ¬
الدالة والآثار الشاهدة, والبيان عما يوجبه الكذب من الجزاء بالشر بالذم والضر, والبيان عما يوجبه السرقة من المذلة بالعقوبة وسقوط المحل بالفضيحة إلّا أن يرجع إلى تهمة من غير حقيقة. القولُ في الوقفِ والتمامِ: {آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} صالح (¬1)، وكذا {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬2) , فِي {رَحْلِ أَخِيهِ} صالح (¬3) , وكذا {لَسَارِقُونَ} (¬4) , وكذا {مَاذَا تَفْقِدُونَ} (¬5) , وكذا {زَعِيمٌ} (¬6) , وكذا {سَارِقِينَ} (¬7) , وكذا {نَجْزِي الظَّالِمِينَ} (¬8). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ¬
إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)} {فَبَدَأَ} الفاء جواب ما أخبر به مما تقدم, وبدأ إذا كان بمعنى الابتداء كان مهموزا, وإن كان بمعنى الظهور كان غير مهموز (¬1) {بِأَوْعِيَتِهِمْ} متعلق بـ بدأ {قَبْلَ} ظرف العامل فيه بدأ, {ثُمَّ} حرف عطف, {اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} متعلق بـ {اسْتَخْرَجَهَا} والهاء في {اسْتَخْرَجَهَا} تعود على {السِّقَايَةَ} أو على الصواع وهو يذكر ويؤنث (¬2) , {كَذَلِكَ} الكاف من {كَذَلِكَ} في موضع نصب (¬3) أي: استخراجًا كذلك, فالإشارة بذلك: إلى ما ذكر من هذا التسبب ومصرف الأحوال, {كِدْنَا لِيُوسُفَ} اللام متعلقة بـ {كِدْنَا} , والأصل في {كِدْنَا} كيدنا نقلت حركة الياء إلى الكاف, فسكنت الياء وبعدها الدال ساكنة, لاتصالها بالضمير المرفوع, فحذفت لالتقاء الساكنين, {مَا كَانَ لِيَاخُذَ} , {مَا} حرف نفي, {لِيَاخُذَ} نصب بلام النفي, وهي متعلقة بفعل محذوف, وبتقديره: ما كان استقراره, {لِيَاخُذ أَخَاهُ} نصب بـ يأخذ، {فِي دِينِ الْمَلِكِ} , {فِي} متعلقة بـ يأخذ, {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} في موضع نصب بـ يأخذ بتقدير: إلا بأن يشاء الله (¬4)، وحذفت الباء لطول الاسم بالصلة, {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ ¬
نَشَاءُ} , {دَرَجَاتٍ} نصب بـ {نَرْفَعُ} وعلامة النصب: كسرة التاء, وهي مضافة إلى {مَنْ} , و {مَنْ} بمعنى الذي, هذه أكثر القراءة, وقرأ أهل الكوفة بتنوين درجات, فتكون {مَنْ} على هذا في موضع نصب بـ {نَرْفَعُ} ويتعدى إلى مفعولين, {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}، {عَلِيمٌ} رفع بالابتداء, والخبر فوق وهو ظرف نصبه بمعنى الاستقرار, {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} , {إِنْ} حرف شرط, والفاء جواب الشرط, و {أَخٌ} رفع بـ {سَرَقَ} , و {لَهُ} و {مِنْ قَبْلُ} متعلقان بـ {سَرَقَ}، في موضع النعت للأخ, {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ} الفاء جواب ما أخبر به من قولهم, والهاء والألف نصب بأسرها عائدتان على الكلمة أو المقالة (¬1)، {يُوسُفُ} رفع بأسَرَّ و {فِي} متعلق بـ أسرّ, {وَلَمْ يُبْدِهَا} جزم بـ {لَمْ} فالهاء والألف نظير ما تقدم, و {لَهُمْ} متعلق بـ يبدي, وهو من أبدى يبدي إذا أظهر (¬2)، {قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا} ابتداء وخبر, و {مَكَانًا} نصب على البيان (¬3) , {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} ابتداء وخبر, والباء متعلقة بـ {أَعْلَمُ} , {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ} نداء مفرد, و {الْعَزِيزُ} نعت لأي, {إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} (¬4) اسم {إِنَّ} , و {لَهُ} الخبر متعلق بمعنى ¬
الاستقرار, لا يجوز تقدير إظهاره لأن لا يلي إن, وكسرت {إِنَّ} لأنها بعد القول, و {كَبِيرًا} نعت لشيخ, أو بدل, وشيخ يجمع على أشياخ وشيوخ ومشيخة ومشوخا وشيخان, ولك أن تجمع أشياخا على أشاييخ وأشايخ (¬1) , كما تقول: أقوام وأقاويم وأقاوم, {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} الفاء جواب قولهم، فخذ من أحدنا، نصب بـ "خُذ", {مَكَانَهُ} نصب بـ {فَخُذْ} أي: بدلا منه, {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} , {مِنَ} متعلقة بـ {نَرَاكَ} , {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} مصدر (¬2) , أي: أعوذ بالله عياذا ومعاذا (¬3)، {أَنْ نَاخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} , {أَنْ} في موضع نصب بأعوذ, {إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا} , {مَنْ} في موضع نصب بـ {نَاخُذَ} , و {مَنْ} بمعنى الذي, {عِنْدَهُ} متعلق بـ {وَجَدْنَا} , {مَتَاعَنَا} نصب بـ {وَجَدْنَا} , {إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ} لام توكيد في موضع خبر "إن", و {إِذًا} ملغاة لتوسطها, وهي على الجواب (¬4) , ويقال معاذ الله ومعاذه الله (¬5) وعوذ الله وعياذ الله (¬6). القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم ففتش يوسف أوعيتهم ورحالهم طلباً بذلك صواع الملك, فبدأ في تفتيشه بأوعية إخوته من أبيه, فجعل يفتشها وعاءً وعاءً قبل وعاء أخيه من أبيه وأمه, فإنه أخّر تفتيشه, ثم فتش ¬
آخرها وعاء أخيه, فاستخرج الصواع من وعاء أخيه, قال قتادة: ذكر لنا أنه كان لا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثما مما قذفهم به حتى بلغ متاع الغلام, فقال: ما أظن هذا أخذ شيئا, قالوا: بلى فاستبرئه (¬1) , وقاله أيضا السدي (¬2) ومعنى قول ابن إسحاق وابن جريج (¬3) , وقولُهُ: {كَذَلِكَ كِدْنَا} يقول: هكذا صنعنا ليوسف (¬4) حتى نخلّص أخاه لأبيه وأمه من إخوته لأبيه, بإقرار منهم أنَّ له أن يأخذه منه ويحبسه في يديه ويحول بينه وبينهم, وذلك أنهم قالوا جزاء من سرق الصواع أن من وجد ذلك في رحله فهو مسترق به, وذلك كان حكمهم وفي دينهم, فكاد الله ليوسف كما وصف لنا حتى أخذه أخاه منهم فصار عنده بحكمهم وصنع الله له (¬5) , وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِيَاخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أي: ما كان يوسف ليأخذ أخاه في حكم ملك مصر وقضائه وطاعته منهم, لأنه لم يكن من حكم ذلك الملك وقضائه أن يسترق أحد بالسرق (¬6) , فلم يكن ليوسف أخذ أخيه في حكم ملك أرضه إلا أن يشاء الله ذلك بكيده الذي كاده له, حتى أسلم من وجد في وعائه الصواع إخوته ورفقاؤه بحكمهم عليه وطيب أنفسهم بالتسليم بنحو ذلك قال مجاهد (¬7) وابن جريج والسدي والضحاك, وفِي دِينِ الْمَلِكِ أي: في سلطان الملك (¬8) قاله ابن عباس والضحاك, وقال قتادة وابن جريج: في قضائه وحكمه (¬9)، قال ابن زيد: ليس في دين الملك أن يؤخذ السارق بسرقته, وكان ¬
الحكم عند الأنبياء يعقوب وبنيه: أن يُؤْخَذ السارق بسرقته عبداً يسترق (¬1)، وأصل الدين الطاعة والعادة, قال الشاعر (¬2): تَقُولُ إِذَا دَرَاتُ لَهَا وَضِينِي ... أَهَذَا دِينُهُ أَبَدًا وَدِينِي (¬3) أي هذا عادته أبدا وعادتي, وقولُهُ: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} قال السدي (¬4): صنعناه له بأنهم قالوا: {فَهُوَ جَزَاؤُهُ}. وقال مجاهد: إلا بعلة كادها الله فأعلم بها يوسف. {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} مراتب ودرجات في العلم على غيره, كما رفعنا يوسف, {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} , أي: وفوق كل عالم من هو أعلم منه, حتى ينتهي ذلك إلى الله تبارك وتعالى, وإنما عنى بذلك أن يوسف أعلم من إخوته, وأن فوق (¬5) يوسف من هو أعلم منه, حتى ينتهي إلى الله عز وجل, وروى محمد بن كعب قال: سأل رجل علياً (¬6) ¬
عليه السلام (¬1) عن مسألة, فقال فيها, فقال الرجل: ليس هكذا ولكن كذا وكذا, قال علي-عليه السلام: أصبتَ وأخطأتُ {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (¬2) فإن قال قائل: كيف كان ليوسف أن يجعل {السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ}، ثم يُسَرِّق قومًا أبرياء من السّرَق فيقول: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ ¬
لَسَارِقُونَ} قيل: إن قوله: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}، إنما هو خبَرٌ من الله تبارك وتعالى عن مؤذِّن أذَّن به، لا خبر عن يوسف, وجائز أن يكون المؤذِّن أذَّن بذلك إذ فَقَد الصُّواع من غير أمر يوسف إياه بذلك, وهو يحسب أن القوم سرقوه, ولا يعلم صنيع يوسف وجائز أن يكون كان أذان المؤذن عن أمر يوسف, واستجاز الأمر بالنداء بذلك، لعلمه بهم أنهم قد كانوا سرقوا سَرِقةً في بعض الأحوال, فأمر المؤذن أن يناديهم بوصفهم بالسَّرق, ويوسف يعني ذلك السَّرق لا سَرَقهم الصُّواع, وقيل: تأويل ذلك كان خطأ من فعل يوسف, فعاقبه الله بإجابة القوم إيّاه (¬1): {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}. وقوله تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} أي: قَالُوا: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} "يعنون أخاه لأبيه وأمه، وهو يوسف (¬2)، واختلف في" السَّرَق " الذي وُصِف به يوسف, فقال سعيد بن جبير (¬3) وقتادة (¬4) وابن جريج (¬5): صَنَمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاه في الطريق, وقال ابن إدريس (¬6) عن أبيه قال كان: يعقوب على طعام, إذْ نظرَ يوسف إلى عَرْق (¬7) ¬
فخبأه فعيّروه به (¬1) , وروي عن مجاهد قال: كان أوّل ما دخل على يوسف من البلاء، فيما بلغني أن عَمَّته ابنة إسحاق, وكانت أكبر ولد إسحاق, وكانت إليها منطقة إسحاق وكانوا يتوارثونها بالكبر, فكان من اختانها ممن وليها كان له سَلَمًا لا ينازع فيه، يصنع فيه ما شاء. وكان يعقوب حين وُلِد له يوسف, كان قد حضَنته عَمَّتُهُ فكان معها وإليها, فلم تحبَّ شيئًا من الأشياء حُبَّهَا إياه, حتى إذا ترعرع وبلغ سنواتٍ, ووقعت نفس يعقوب عليه أتاها فقال: يا أخيَّة سلّمي إليّ يوسف, فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة! قالت: فوالله ما أنا بتاركته, والله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة فقال: والله ما أنا بتاركه! قالت: فدعه عندي أيامًا أنظر إليه وأسكن عنه, لعل ذلك يسلّيني عنه، أو كما قالت. فلما خرج من عندها إلى يعقوب عمدت إلى مِنْطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: لقد فقدت مِنْطقة إسحاق، فينظروا من أخذها ومن أصابها؟ فالتُمِسَتْ، ثم قالت: كشِّفوا أهل البيت فكشفوهم، فوجدوها مع يوسف, فقالت: والله إنه لي لسَلَمٌ، أصنع فيه ما شئت. قال: وأتاها يعقوب فأخبرته الخبر، فقال لها: أنت وذلك إن كان فعل ذاك، فهو سَلَمٌ لك، ما أستطيع غير ذلك. فأمسكته فما قدر عليه يعقوب حتى ماتت. قال: فهو الذي يقول إخوة يوسف {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} (¬2) وقولُهُ: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ} أي: فأضمرها يعني الكلمة, و {قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} (¬3) وكنى عن الكلمة ولم يجر لها ذكر متقدِّم, لأن العرب تفعل ذلك كثيرا إذا كان مفهوم المعنى المراد عند سامعي الكلام كما قال حاتم الطائي (¬4): ¬
أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ (¬1) يريد: وضاق بالنفس الصدر، وكنى بها ولم يجر لها ذكر, إن كان في قوله: "إذا حشرَجَت يومًا" دلالة لسامع كلامه على مراده بقوله: "وضاق بها" ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬2) فقال: {مِنْ بَعْدِهَا} ولم يجر قبل ذلك ذكر لاسم مؤنث وقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} والله أعلم بما تكذبون (¬3) فيما تصفون به أخاه بنيامين, وذكر أن الصّواع لما وُجد في رحل أخي يوسف تلاوَمَ القوم بينهم, قال السدي: لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم, فقالوا: يا بني يامين, ما يزال لنا منكم بلاء! متى أخذت هذا الصواع؟ فقال ابن يامين: بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منهم بلاء, ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية! وضَع هذا الصواع في رحلي، الذي وضع الدراهم في رحالكم! فقالوا: لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها! فلما دخلوا على يوسف دعا بالصاع فنقرَ فيه، فأدناه من أذنه، ثم قال: إن صواعى هذا ليخبرني أنكم كنتم اثنى عشر رجلا وأنكم انطلقتم بأخٍ لكم فبعتموه, فلما سمعها ابن يامين، قام فسجد ليوسف, ثم قال: أيها الملك, سل صواعك هذا أخي، أحيٌّ هو؟ فنقره، ثم قال، هو حيٌّ, وسوف تراه, قال: فاصنع بي ما شئت, فإنه إن علم بي فسوف يستنقذني, قال: فدخل يوسف فبكى, ثم توضَّأ, ثم خرج فقال ابن يامين: أيها الملك إني أريد أن تضرب صُواعك هذا فيخبرك بالحقّ، فسله من الذي سرقه فجعله في رحلي؟ فنقره فقال: إن صواعي هذا غضبان, وهو يقول: كيف تسألني عن صاحبي, وقد رأيتَ مع من كنت؟ قال: وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقُوا, فغضب روبيل, وقال: أيها الملك, والله لتتركنا أو لأصيحنَّ صيحة لا يبقى بمصر امرأةٌ حامل إلا ألقت ما في بطنها! وقامت كل شعرة في جسد رُوبيل, فخرجت من ثيابه, فقال يوسف لابنه: قم إلى جنب روبيل فمسَّه. وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم مسَّه ¬
الآخر ذهب غضبه, فمرّ الغلام إلى جنبه فمسَّه, فذهب غضبه, فقال روبيل: مَنْ هذا؟ إن في هذا البلد لبَزْرًا من بَزْر يعقوب! فقال يوسف: من يعقوب؟ فغضب روبيل فقال: يا أيها الملك لا تذكر يعقوب, فإنه سَرِيُّ الله ابن ذبيح الله, ابن خليل الرحمن, قال يوسف: أنت إذًا إن كنت صادقًا (¬1). وقوله تعالى: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} أي: قال إخوة يوسف ليوسف: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ} ياأيها الملك {إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} كلنا نحبه, فخذ واحدًا منّا بدلا منه, وخلِّ عنه {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} يقولون: في أفعالك قال ابن إسحاق: أي نرى ذلك منك إحسانا إن فعلت (¬2). وقوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَاخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} أي: قال يوسف لإخوته أعوذ بالله أن نأخذ بريئًا بسقيم أي: أستجير بالله أن أفعل ذلك. وقولُهُ: {إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ} يقول: إن أخذنا غير الذي وجدنا متاعنا عنده {إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ} أي: لنفعل ما ليس لنا فعله ونجور على الناس (¬3)، وروي عن أسباط قَالُوا: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا} الآية قال يوسف: إذا أتيتم أباكم فأقرئوه مني السلام، وقولوا له: إن ملك مصر يدعوا (¬4) لك أن لا تموت حتى ترى ابنك يوسف، حتى تعلمَ أنّ في أرض مصر صدِّيقين مثلَه (¬5). وقد تضمنت الآيات البيان عما يوجبه التدبير لأخذ الشيء بظاهر جميل مع باطن حق يخفى السبب فيه فلا يظهر لمتأمليه من بلوغ المراد على طريق العدل والإنصاف بما وقع من الإقرار بما هو حق الجزاء, والبيان عما توجبه السرقة من العار بها وتمثيل صاحبها بمن هو من أهلها عيب لربها, والبيان عما يوجبه الدعاء إلى الخطأ المطلوب من التذكير بالإحسان الذي يدعوا إلى المظاهرة فيه على من أنعم ¬
عليه عند تأميله ذلك لدعاء إليه, والبيان عما يوجبه الظلم بأخذ البريء بالسقيم من الانتفاع منه والاستعاذة بالله في السلامة من معرته. القولُ في الوقفِ والتمامِ: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} كاف (¬1) , وكذا {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (¬2) , وكذا {تَصِفُونَ} (¬3) , وكذا {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (¬4) , وكذا {لَظَالِمُونَ} (¬5). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)} ¬
لما ظرف مضاف إلى {اسْتَيْئَسُوا} , {مِنْهُ} متعلق بـ {اسْتَيْئَسُوا} , {خَلَصُوا} جواب لمّا وهو العامل في لمّا (¬1) , {نَجِيًّا} نصب على الحال, وهو واحد يؤدي عن جميع (¬2) , وجمعه أنجية وينشد (¬3): إِني إِذا مَا القَوْمُ كَانُوا أَنْجِيَهْ ... واخْتلف القولُ (¬4) اختلاف الأَرْشِيَهْ (¬5) هناك أوصيني ولا توصي بيه (¬6). يقال: نجوت الرجل أنجوه نجيا, جعل صفة، ومنه قوله تعالى: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} (¬7) ويقال للجماعة نجوى وهم يتناجون تناجياً (¬8) , وقال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ ¬
نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} (¬1) ويقال نجوت أنجو نجوى وأصل النجو الارتفاع من الأرض (¬2) , فالمناجاة مثل المسارة, ويقال يئس يأساً واستيئس استئاساً وهو يائس ومستيئس وأيس يائس (¬3)، و {أَلَمْ تَعْلَمُوا} ألف الاستفهام ودخلت على "لم" للتوبيخ والتقرير (¬4) , {أَنَّ أَبَاكُمْ} , {أَنَّ} في موضع نصب بـ {تَعْلَمُوا} , {عليكمْ} متعلق بـ {أَخَذَ} , {مَوْثِقًا} نصب (¬5) بـ {أَخَذَ}، {مِنَ اللَّهِ} متعلق بـ {مَوْثِقًا} , {وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ} , {مَا} في موضع رفع بالابتداء, {وَمِنْ قَبْلُ} الخبر (¬6) , ويكون {مَا فَرَّطْتُمْ} بمنزلة التفريط أي: {وَمِنْ قَبْلُ} تفريطكم في يوسف, ويكون "من" متعلقة بالاستقرار, و {قَبْلُ} مبني لأنه غاية والتقدير: {وَمِنْ قَبْلُ} هذا تفريطكم, ويجوز أن تكون {مَا} زائدة, ويكون التقدير: {وَمِنْ قَبْلُ} فرطتم, ويجوز أن تكون {مَا} في موضع نصب عطف على {أَنَّ} والتقدير: أولم تعلموا من قبل تفريطكم (¬7) , {وفِي يُوسُفَ} متعلق بـ {فَرَّطْتُمْ} , {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} الفاء جواب موافقة أباهم, و {أَبْرَحَ} نصب بـ لن (¬8) , {الْأَرْضَ} نصب بـ {أَبْرَحَ} يقال: برح يبرح بروحا وبراحا (¬9) , ¬
و {حَتَّى} غاية, {يَاذَنَ لِي أَبِي} , {يَاذَنَ} نصب بـ {حَتَّى} (¬1) و {لِي} متعلق بـ {يَاذَنَ} و {يَحْكُمَ} معطوف على {يَاذَنَ} , و {لِي} متعلق بـ {يَحْكُمَ} , {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِين} ابتداء وخبر (¬2)، {ارْجِعُوا} أمر, {إِلَى أَبِيكُمْ} , {إِلَى} متعلقة بـ {ارْجِعُوا} , {فَقُولُوا} الفاء جواب الأمر (¬3)، {إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} الباء متعلقة بـ {شَهِدْنَا} , {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} , {لِلْغَيْبِ} متعلق {حَافِظِينَ} , {الْقَرْيَةَ} منصوبة بـ اسأل والتقدير: أهل القرية (¬4)، {الَّتِي كُنَّا فِيهَا} نعت لـ {الْقَرْيَةَ}، (¬5) و {فِيهَا} متعلق بمعنى الاستقرار, {وَالْعِيرَ} عطف على {الْقَرْيَةَ} والتقدير: أصحاب العير (¬6)، و {فِيهَا} متعلق بـ {أَقْبَلْنَا} , {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} اسم إنّ وخبرها، بل إضراب عن الأول, وإيجاب للثاني, "لكن" (¬7) متعلق بـ {سَوَّلَتْ} , {أَمْرًا} نصب بـ {سَوَّلَتْ} , {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} ابتداء وخبر (¬8)، ويجوز أن يكون "صبر" رفعاً بالابتداء و {جمِيلٌ} نعتاً له, والخبر محذوف وتقديره: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أولى بي ¬
من جزع (¬1)، والصبر الجميل: الذي لا جزع فيه ولا استكانة (¬2)، ويجوز أن يكون على حذف المبتدأ والتقدير: أمري صبر جميل, ولو أمرهم بالصبر لنصب (¬3) كما قال (¬4): تشكو إِلَىَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى ... صَبْرٌ جَمِيلٌ وكِلاَنا مُبْتَلَى عسى: طمع واشفاق من المخلوقين, ومن الله واجبة, وهي مشبهة بكان (¬5) , {أَنْ يَاتِيَنِي بِهِمْ} {أَنْ} في موضع نصب بـ {عَسَى} ودخول {أَنْ} مع {عَسَى} ليحقق معنى الاستقبال فيها, و {بِهِمْ} متعلق بـ {يَاتِيَنِي} , {جَمِيعًا} نصب على الحال, أي: {يَاتِيَنِي} بهم مجتمعين وفيه معنى التوكيد, {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} يجوز أن يكون {هُوَ} توكيدا للمضمر (¬6) , ويجوز أن يكون فاصلة, ويجوز أن يكون مبتدأ, و {الْعَلِيمُ} الخبر والجملة خبر إنّ. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم فلما يئسوا من أن يخلي يوسف عن ابن يامين، ويأخذ منهم واحدًا مكانه قال ابن إسحاق: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ} يئسوا منه، ورأوا شدّته في أمره (¬7)، {خَلَصُوا نَجِيًّا} أي خلا بعضهم ببعض يتناجون ولا يختلط بهم غيرهم, والنجي يكون واحدا وجماعة لأنه مصدر وكونه ¬
للجماعة (¬1) قوله تعالى: {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} (¬2) {مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} (¬3) والواحد {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} (¬4) فهي في هذه المناجاة نفسها ومنه قول الشاعر (¬5): وأحب (¬6) نجوى الرجال فَـ ... كُنْ عِنْدَ سرّكَ حبَّ النَّجِيّ والنجوى و" النجى" في هذا بمعنى واحد، وهي المناجاة. وقولُهُ: {قَالَ كَبِيرُهُمْ} قال بعضهم, عنى به كبيرهم في العقل والعلم، لا في السن، وهو شمعون, قالوا: وكان روبيل أكبر منه قال ذلك مجاهد (¬7). وقال قتادة (¬8) والسدي (¬9) وابن إسحاق (¬10): عنى بذلك كبيرهم في السن، وهو روبيل (¬11) ¬
وقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عليكمْ مَوْثِقًا} يقول: أخذ عليكم عهودَ الله ومواثيقه, لتأتنه به إلا أن يحاط بكم, ومن قبل فعلتكم هذه، تفريطكم في يوسف. يقول: أو لم تعلموا من قبل هذا تفريطكم في يوسف؟ وقولُهُ: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} يقول: فلن أبرح الأرض التي أنا بها: وهي مصر, فأفارقها {حَتَّى يَاذَنَ لِي أَبِي} بالخروج منها (¬1)، أو يقضي لي ربي بالخروج منها, وترك أخي ابن يامين، وإلا فإني غير خارج {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} والله خير من حكم، وأعدل من فصل بين الناس, وكان أبو صالح يقول: أو يحكم الله لي بالسيف (¬2)، فكأنَّ أبا صالح وجّه {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي}: أو يقضي الله لي بحرب من مَنَعَني من الانصراف بأخي ابن يامين إلى أبيه يعقوب، فأحاربه. وقوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ} يقول تعالى مخبرا عن قيل روبيل لإخوته، حين أخذ يوسف أخاه بالصواع الذي استُخرج من وعائه: {ارْجِعُوا}، إخوتي، {إِلَى أَبِيكُمْ} يعقوب فقولوا له {يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} (¬3)، وقولُهُ: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} واختلف في ذلك فقال بعضهم معناها: وما قلنا إنه سرق إلا بظاهر علمنا فإن ذلك كذلك، لأن صواع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره وهو قول ابن إسحاق (¬4) , وقال ابن زيد: وما شهدنا عند يوسف بأن السارق ¬
يؤخذ بسرقته إلا بما علمنا (¬1)، {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} أي: وما كنا نرى أن ابنك يسرق ويصير أمرنا إلى هذا (¬2)، وإنما قلنا لك {وَنَحْفَظُ أَخَانَا} مما لنا إلى حفظه منه السبيل (¬3). وقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} يقولون: وإن كنتَ مُتَّهمًا لنا، لا تصدقنا على ما نقول من أن {ابْنَكَ سَرَقَ} فاسأل {الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}، وهي مصر، أي: سل من فيها من أهلها, {وَالْعِيرَ}: وهي القافلة التي أقبلت منها معنا عن خبر ابنك وحقيقة ما أخبرناك فإنك تُخْبُر بمصداق ذلك {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} فيما أخبرناك به من خبره قال ذلك قتادة (¬4) وابن عباس (¬5) وابن إسحاق (¬6). وقوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} في الكلام حذف (¬7)، وهو: فرجع إخوة ابن يامين إلى أبيهم، وتخلف روبيل، فأخبروه خبره، فلما أخبروه أنه سرق {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ} أي: بل زينت لكم أنفسكم أمرًا هممتم به وأردتموه فصبر على ما نالني من فقد ولدي، صبرٌ جميل لا جزع فيه ولا استكانة، {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَاتِيَنِي} بأولادي جميعًا فيردّهم علي {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} بوجدي، لفقدهم وحزني عليهم، وصِدْقِ ما يقولون من ¬
كذبه {الْحَكِيمُ} في تدبيره خلقه (¬1) قال ذلك قتادة (¬2) وابن إسحاق, وقال يأتيني بهم جميعا يعني يوسف وأخاه ابن يامين (¬3)، لأنه كان عنده أن يوسف لم يمت, وإنما غاب عنه خبره لأنه حمل وهو عبد لا يملك لنفسه شيء, ثم اشتراه الملك فكان في داره فلا يظهر للناس, ثم حبس فخفي خبره, فلما تمكن احتال في أن يعلم أبوه خبره ولم يوجه برسوله لأنه كره من إخوته أن يعرفوا ذلك فلا يدعوا الرسول يصل إلى أبيه (¬4). وقد تضمنت الآيات البيان عما توجبه شدة المحبة في سبب نقض المعاهدة من إظهار البدر (¬5) لئلا يتوهم اختيار النقض على ركوب القبيح من الأمر, والبيان عما يوجبه نقض العهد من الاعتداء بما وقع لأجله مما لا يملكه المعهود به مما لم يحتسبه ولا قدر أن يكون مثله, والبيان عما يوجبه طلب التصديق من الاستشهاد بأهل الخبرة حتى يتواتر من الخبر ما يزول معه الشك ويرفع الريب, والبيان عما يوجبه التعهد في شدة المحن من الصبر الجميل والطمع فيما يأتي من قبل الله عز وجل من تجديد النعمة وكشف البلية على ما وعد الصابرين من الخير في العاقبة. القولُ في الوقفِ والتمامِ: {قدْ أَخَذَ عليكمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ} كاف (¬6) إذا جعلت ما زائدة أو مصدرا وإن جعلتها منصوبة معطوفة كان الكافي {خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} (¬7)، وكذا {حَافِظِينَ} (¬8)، ¬
{وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} تمام (¬1)، {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} تمام (¬2) عند الأخفش, ويصلح الوقوف على {جَمِيعًا} (¬3) وعلى {الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (¬4). وقولُهُ عز وجل: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)} {عَنْهُمْ} متعلق بـ {تَوَلَّى} , {يَا أَسَفَى} الألف منقلبة من ياء النفس لخفة الفتحة والألف (¬5)، والأصل يا أسفى, ويجوز الإمالة وتركها, فمن أمال: فليدل على انقلاب الألف عن ¬
الياء (¬1)، ومن فتح: فعلى الأصل (¬2). {عَلَى يُوسُفَ} على متعلقة بـ {أَسَفَى} , {مِنَ الْحُزْنِ} متعلق بـ ابيضت، ويقال حُزْنٍ وحَزَنٍ, وأصله الغِلَظِ مأخوذ من الحزن, وهي الأرض الغليظة (¬3)، {فَهُوَ كَظِيمٌ} ابتداء وخبر, والفاء جواب ما أخبر به وجميع ما يذكره من الفاء, وهي عاطفة أنها جواب فلما فيها من ذلك المعنى لشدة اتصال المعطوف بالمعطوف به بلا فصل (¬4)، وليضمن الكلام معنى الفعل, فأشبهت بذلك جواب الشرط, فلذلك يقول جوابا, {تَاللَّهِ} قسم (¬5) والتاء بدل من الواو, لقربها منها, كما أبدلت في تجاه, والأصل وجاه, {تَفْتَأُ} مستقبل بمعنى تزال والمعنى لا تزال, وحذفت لا وهي مراد للعلم بذلك, إذ الإيجاب لا يكون إلا بالنون الشديدة أو الخفيفة (¬6)، يقال: فتى يفتأ فتأً وفتؤاً قال أوس بن حجر (¬7): فَمَا فَتِئَتْ خَيْلٌ تَثُوبَ وَتَدَّعِي ... وَيَلْحَقُ مِنْهَا لاحِقٌ وتَقَطَّعُ (¬8) ¬
أي: فما زالت {حَتَّى تَكُونَ} , {حَتَّى} غاية متعلقة بـ {تَذْكُرُ} ناصبة لـ {تَكُونَ} بإضمار إن, ولا يظهر أن معها حرضاً خبر {تَكُونَ} , وأصل الحرض فساد الجسم والعقل للحزن والحب (¬1). قال العرجي (¬2): إنِّي امْرُؤٌ لَجّ بي حُبٌّ فأَحْرَضَني ... حَتَّى بَلِيتُ وحَتّى شَفَّني السَّقَمُ (¬3) أي: أذابني فتركني محرضا, يقال رجل حرض وامرأة حرضت وقوم حرض لا يثنى ولا يجمع على طريقة واحدة للمذكر والمؤنث (¬4)، لأنه مصدر {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} معطوف على {تَكُونَ} الأولى, و {مِنَ} متعلقة بمعنى الاستقرار, {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} كسرت إنّ لأنها بعد القول, ودخلت ما على "إن" ليليها الفعل فهي مهيئة لدخول الفعل, {بَثِّي} في موضع نصب بـ {أَشْكُو} , {وَحُزْنِي} معطوف عليه, و {إِلَى} متعلقة بـ {أَشْكُو} وألف أشكوا ألف المخبر عن نفسه, {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ} , {مِنَ} متعلقة بـ {وَأَعْلَمُ}، {مَا لَا تَعْلَمُونَ} , ¬
{مَا} بمعنى الذي في موضع نصب بـ {وَأَعْلَمُ} , ويقال بثثت مابي أبثه بثاً إذا ذكرته, وابثثتك مابي إذا أطلعتك عليه (¬1). قال ذو الرمة (¬2): وَقَفتُ عَلى رَبع لِمَيَّةَ يا فتى (¬3) ... فَما زِلتُ أَبكي عِنَدهُ وَأُخاطِبُه وَأَسقيهِ حَتّى كادَ مِمّا (¬4) أَبُثُّهُ ... تُكَلِّمُني أَحجارُهُ وَمَلاعِبُه (¬5) وأصل البث: البسط والنشر (¬6) قال الله جل وعز {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} (¬7) أي: منشورة مبسوطة, {يَا بَنِيَّ} نداء مضاف, {اذْهَبُوا} أمر, {فَتَحَسَّسُوا} معطوف على {اذْهَبُوا} وهو جواب ¬
الذهاب, {مِنْ يُوسُفَ} متعلق بـ تحسسوا, وأصله طلب الشيء بالحس (¬1)، يقال: تحسس وتجسس بمعنى (¬2) {وَلَا تَيْئَسُوا} نهي وهو ضد الرجاء (¬3)، {مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} , ... {مِنْ} , ... متعلقة بـ {تَيْئَسُوا,} {إِلَّا الْقَوْمُ} رفع بـ {يَيْئَسُ} , {الْكَافِرُونَ} نعت لـ {الْقَوْمُ} , {فَلَمَّا دَخَلُوا عليه} لمّا ظرف, {عليه} متعلق بـ {دَخَلُوا} , {قَالُوا} جواب لمّا وهو العامل في لمّا, {وَأَهْلَنَا} عطف على النون والألف في {مَسَّنَا} , {الضُّرُّ} رفع بـ {مَسَّنَا} , بـ {بِبِضَاعَةٍ} متعلق بـ {وَجِئْنَا} , {مُزْجَاةٍ} نعت لـ بضاعة, {الْكَيْلَ} نصب بـ {أَوفِ} , {وَتَصَدَّقْ} معطوف على {فَأَوْفِ} علينا متعلق بـ "تصدق"، {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} , {إِنَّ} المستأنفة. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم وأعرض عنهم يعقوب وقال: {يَا أَسَفَى} أي: يا حُزْناً على يوسف (¬4) يقال: إن " الأسف " هو أشدُّ الحزن يقال منه: "أسِفْتُ على كذا آسَفُ عليه أسَفًا", يقول الله تعالى: {وابيضَّت} عينا يعقوب من الحزن {فَهُوَ كَظِيمٌ}: أي فهو مكظوم على الحزن (¬5)، أي هو مملوء منه، مُمْسِك عليه, صُرِف " المفعول " منه إلى " فعيل " قال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ ¬
الْغَيْظَ} (¬1)، ويسمى الحرض (¬2) ونحوه كِظامة, لأنه يمسك الماء ويحبسه, وقيل: كان حزن يعقوب على يوسف لأنه علم أنه حي فخاف على دينه, وقيل: كان حزنه لأنه سلّمه إليهم وهو صبي فندم على ذلك. وقوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي: قال ولد يعقوب الذين انصرفوا إليه من مصر له حين قال: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}: تالله لا تزال تذكر يوسف (¬3)، {تَفْتَأُ} بمعنى تزال يقال فتئ يفتأ فَتأً وفُتوُءًا (¬4). كما قال (¬5): فَمَا فَتِئَتْ حَتَّى كأَنَّ غُبَارَهَا ... سُرَادِقُ يَوْمٍ ذِي رِيَاحٍ تَرَفَّعُ (¬6) أي: فما زالت, والمعنى لا يزال (¬7)، ولا يحذف مع النفي لدلالة ثبات قول الايجاب, لأنك تقول في الإيجاب والله لآتينك ومن حذف لا في النفي في القسم ¬
قول امرئ القيس (¬1): فَقُلْتُ يَمِينَ اللهِ (¬2) أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَّعُوا رَاسِي لَدَيكَ وَأَوْصَالِي أي: لا أبرح وقولُهُ: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} أي: حتى تكون دَنِفَ الجسم مخبولَ العقل, وأصل الحرض: الفساد في الجسم والعقل, من الحزن أو من العشق (¬3) {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} (¬4) أي: ممن هلك بالموت (¬5) يذهب. وقوله تعالى: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} أي: قال يعقوب للقائلين له من ولده (¬6): {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} الآية، لست إليكم أشكو بثي وحزني، وإنما أشكو ذلك إلى الله (¬7) , والبث همه وحزنه وقيل: البثّ أشد الحزن, إنما أشكوا حزني (¬8) الذي أنا فيه, وأبث حديثي وحزني إلى الله, وقولُهُ: ¬
{وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} قال ابن عباس: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة وإني سأسجد له (¬1) , وقال السدي: لَمَّا أَخْبَرُوهُ بِدُعَاءِ الْمَلِكِ، أَحَسَّتْ نَفْسُ يَعْقُوبَ، وَقَالَ: مَا يَكُونُ فِي الأَرْضِ صِدِّيقٌ إِلا نَبِيُّ. فَطَمِعَ، قَالَ: لَعَلَّهُ يُوسُفُ (¬2). وروي عن الحسن يرفعه إلى النبي صلى الله عليه قال، قيل: ما بلغ من وجدُ يعقوب على ابنه؟ قال: وجد سبعين ثكلى!. قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مئة شهيدٍ (¬3). قال: وما ساء ظنه قط من ليل ولا نهارٍ, ومما أخبر به وهب بن منبه (¬4) قال: أتى جبريل يوسف بالبشرى وهو في السجن, فقال: هل تعرفني أيها الصِّدِّيق؟ قال: أرى صورة طاهرة ورُوحًا طيبة لا تشبه أرواح الخاطئين. قال: فإني رسول رب العالمين، وأنا الروح الأمين, قال: فما الذي أدخلك مُدْخَل المذنبين، وأنت أطيب الطيبين، ورأس المقربين، وأمين رب العالمين؟ قال: ألم تعلم يا يوسف أن الله يطّهر البيوت بطُهْر النبيين، وأن الأرض التي يدخلونها هي أطهر الأرَضِين، وأن الله قد طهَّر بك السجن وما حوله يا طهر الطاهرين وابن المتطهَّرين؟ إنما يتطهر بفضل طهرك وطهر آبائك الصالحين المخلَصِين! قال: كيف لي باسم الصالحين الصّدِّيقين، وتعدُّني من المخلصين، فقد أدخلت مُدْخَل المذنبين، وسميت بالضالين المفسدين (¬5) قال: لم يُفْتَتَنْ قلبُك، ولم تطع سيدتك في معصية ربك، فلذلك سمَّاك الله في الصديقين، وعدّك من المخلَصين، وألحقك بآبائك الصالحين. قال: هل لك علم بيعقوب أيها الروح الأمين؟ قال: نعم، وهب الله له الصبر الجميل، وابتلاه بالحزن عليك، فهو كظيم. قال: فما قَدْرُ حزنه؟ قال: حزن سبعين ثكلى, قال: فماذا له من الأجر ¬
يا جبريل؟ قال: قدر مئة شهيدٍ (¬1). وقال يوسف: فإلى من أدي (¬2) قال: إلى أخيك ابن يامين. قال: فتري ألقاه أبدًا؟ قال: نعم. فبكى يوسف لِما لقي أبوه بعده، ثم قال: ما أبالي ما لقيت إن أرانيه (¬3) , وروي عن الحسن قال: كان منذ خرج يوسف من عند يعقوب إلى يوم رجع ثمانون سنة، لم يفارق الحزن قلبه, ولم يزل يبكي حتى ذهبَ بصره، قال الحسن: والله ما على الأرض يومئذ خليقةٌ أكرم على الله من يعقوب (¬4). وقوله تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} أي: حين طمع يعقوب في يوسف، يقول لبنيه {اذْهَبُوا} إلى الموضع الذي جئتم منه وخلفتم أخويكم به, {فتحسَّسوا} يقول: التمسوا يوسف وتعرَّفوا من خبره وأصل التحسُّس "التفعل "من " الحِسِّ"، {وَأَخِيهِ} ابن يامين, {وَلَا تَيْئَسُوا} أي: لا تقنطوا من روح الله, يعني فرجه ورحمته إنه لا يقنط من فرجه ورحمته وينقطع رجاءه منه, {إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يعني: القوم الذين يجحدون قُدرته (¬5) على كل ما شاءَ, قال السدي: من فرج الله. وهو معنى قول ابن إسحاق والضحاك وابن زيد (¬6). ¬
وقوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عليه قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} في الكلام متروك (¬1) وذلك: فخرجوا راجعين إلى مصر حتى صاروا إليها، فدَخلوا على يوسف, {فَلَمَّا دَخَلُوا عليه قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} (¬2) أي: الشدة من الجدب والقحط {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} أي: قليلة (¬3). قال ابن إسحاق: بدراهم قليلة, أو ثمن لا يجوز في ثمن الطعام ألا يتجوز من البائع فيها (¬4)، وأصل الإزجاء السوق بالدفع (¬5) قال (¬6): لِبَيْكِ عَلَى مِلْحَانَ ضَيْفٌ مُدَفَّعٌ ... وَأَرْمَلَةٌ (¬7) تُزْجِى مَعَ اللَّيلِ أزجَلا يعني: أنها تسوقه بين يديها على ضعف منه عن المشي وعجزاً, قال ابن عباس: مزجاة رثة المتاع خلق الحبل والغرارة (¬8). وقال سعيد بن جبير: ناقصة (¬9). ¬
وقال عكرمة: دراهم فسول رديئة (¬1). وقال عبد الله بن الحارث (¬2): متاعُ الأعراب: الصوفُ والسَّمن (¬3)، وقيل الصوف والحبة الخضراء (¬4)، وقوله تعالى: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} أي: جئنا ببضاعة فيها تجاوز لردائتها فأوف لنا الكيل وأعطنا ما كنت تعطينا بالثمن الجيد والدراهم الجياد (¬5)، وقوله تعالى: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} أي تفضل علينا بما بَيْنَ سعر الجياد والرديّة (¬6)، ولا تنقصنا إن الله يثيب المتفضلين على أهل الحاجة بأموالهم. واختلف في الصدقة هل كانت حلالا للأنبياء قبل نبيِّنا محمد صلى الله عليه؟ أو كانت حرامًا؟ فقال بعضهم: لم تكن حلالا لأحدٍ من الأنبياء (¬7) , وهو معنى قول سعيد بن جبير. وروي عن ابن عيينة (¬8): هل حرمت الصدقة على أحدٍ من الأنبياء قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألم تسمع قوله: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} ويذهب ابن عيينة (¬9) إلى أنهم ¬
لم يقولوا ذلك وإلا فالصدقة لهم حلال (¬1) , وهم أنبياء وأن الصدقة إنما حرمت على محمد صلى الله عليه وسلم (¬2). قال ابن جريج: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا}: براد (¬3) أخينا إلينا. وقد تضمنت الآيات البيان عما يوجبه شدة المحبة لشيء من الحزن على فقده والتأسف لقومه مع جلالة قدر الحزين وعظم منزلته في الدين, والبيان عما يوجبه كثرة الذكر للمحب من الصرف عنه واليأس منه فلا معنى لاختلاف الحزن عليه والتأسف لفقده, والبيان عما يوجبه شدة الاغتمام من الشكوى إلى من يملك الفرج من البلوى ويتفضل بالإحسان الذي هو أعلى وأولى, والبيان عما يوجبه حسن الرجاء لفضل الله من الطلب للأمور التي يكون بها والتعرض للأسباب التي يقع عندها, والبيان عما يوجبه التلطف في المسألة من ذكر ما يدعوا إلى الإجابة من الضر والحاجة وحال من يجوز له الصدقة بتذكير ما فيها من حسن المجازاة. القولُ في الوقفِ والتمامِ: ¬
{فَهُوَ كَظِيمٌ} حسن (¬1)، وكذا {مِنَ الْهَالِكِينَ} (¬2)، {بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} تمام (¬3) عند نافع, {مَا لَا تَعْلَمُونَ} حسن (¬4)، {إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} كاف (¬5)، {يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} حسن (¬6). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)} ¬
{هَلْ} استفهام فيه معنى توبيخ وتقرير, {مَا} بمعنى الذي في موضع نصب, {فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ} متعلق بـ {فَعَلْتُمْ} , {إِذْ} ظرف العامل فيه {فَعَلْتُمْ} , {أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} ابتداء وخبر, {قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} دخلت ألف الاستفهام على إنك، يقرأ بالاستفهام وعلى الخبر (¬1)، {أَنَا يُوسُفُ} ابتداء وخبر, {وَهَذَا أَخِي} جملة معطوفة على جملة, {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} متعلق بـ {مَنَّ} {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} , {مَنْ} شرطـ {يَتَّقِ} جزم بـ {مَنْ} ... {وَيَصْبِرْ} عطف على {يَتَّقِ} , {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} الفاء جواب {مَنْ} وعلامة الجزم في {يَتَّقِ} حذف الياء, ومن أثبتها قدر الحركة جارية على الياء فحذف الحركة وبقي الياء (¬2)، ومثله قول قيس بن زهير (¬3): أَلَمْ يَاتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمِي ... بِمَا لاَقَتْ لَبُونُ (¬4) بَنِي زِيادِ يريد يأتيُك فحذف الضمة الجزم, وبقي الياء, وحذف الياء أجود (¬5)، {قَالُوا تَاللَّهِ} قسم {لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} جواب القسم, و {عَلَيْنَا} متعلق بـ {آَثَرَكَ} , ¬
يقال: آثره يؤثره إيثارا فهو مؤثر (¬1) , ويقال: أثرت التراب إثارة فأنا مثير, والأصل في أثرْتُ: أَثْيَرْتُ, نقلت حركة الياء إلى الثاء ثم قلبت الياء ألفا ثم حذفتها لسكونها وسكون الراء, ويقال أثرت الحديث على فعلت فأنا آثُره (¬2) على أفعل وأنا آثر على فاعل, {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} , {إنْ} بمعنى: مالي (¬3) ما كنا إلا خاطئين, {لَا تَثْرِيبَ عليكمُ الْيَوْمَ} , {تَثْرِيبَ} مبني مع {لَا} في موضع رفع بالابتداء, ومعناه التوبيخ والتعنيف وإلزام الملامة (¬4)، {عليكمُ الْيَوْمَ} في موضع خبر، {لَا تَثْرِيبَ} و {عليكمُ} و {الْيَوْمَ} متعلقان بمعنى الاستقرار (¬5)، {عليكمُ} الخبر متعلق بمعنى الاستقرار, و {الْيَوْمَ} ظرف له متعلق بما تعلق به {عليكمُ} ويجوز أن يجعل عليكم صفة لـ {تَثْرِيبَ} ويكون {الْيَوْمَ} الخبر, ويجوز أن يكون الخبر عليكم, و {الْيَوْمَ} منقطع مما تقدم على طريق الاستئناف فيكون متعلقا بـ {يَغْفِرُ} والتقدير: يغفر الله لكم اليوم لأنه الوقت (¬6) الذي يسمح بما عاملوه به, و {لَكُمْ} متعلق بـ {يَغْفِرُ} , {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ابتداء وخبر {اذْهَبُوا} أمر {بِقَمِيصِي} هذا الباء متعلقة بـ {اذْهَبُوا} , و {هَذَا} نعت للقميص (¬7) لإضافته إلى مضمر الذي هو أعرف من المبهم, {فَأَلْقُوهُ} عطف على فـ {اذْهَبُوا} , {عَلَى وَجْهِ ¬
أَبِي} متعلق بـ {فَأَلْقُوهُ} , {يَأْتِ} جواب الأمر (¬1) , {بَصِيرًا} نصب على الحال، العامل فيها {يَاتِ} وهي حال من المضمر في {يَاتِ} , {وَاتُونِي بِأَهْلِكُمْ} الباء متعلقة بـ أتوني، {أَجْمَعِينَ} توكيد لأهلكم, القميص مذكر, فأما قوله: " تَدْعُو هَوَازِنَ وَالْقَمِيصُ مُفَاضَةٌ " (¬2)، فإنما أراد في هذا بالقميص الدرع. القولُ في القراءةِ: قرأ ابن كثير {إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} على الخبر, والباقون على الاستفهام, لأنه لما قال لهم {هَلْ عَلِمْتُمْ} الآية. استثبتوه فقالوا: {إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} فأجابهم بأن قال: أنا يوسف. والمعنى في الخبر: لما قال لهم {هَلْ عَلِمْتُمْ} الآية, تنبهوا فقالوا: {إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} , قرأ ابن كثير في ¬
رواية قنبل (¬1) {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ} بإثبات الياء, والباقون بحذفها (¬2) , فمن حذفها فللشرط, ومن أثبتها قدّر الحركة في الياء, ثم حذف الحركة, وأقر الياء كقوله (¬3): أَلَمْ يَأتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمِي (¬4) القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم أن يوسف لما قال له إخوته: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} إلى قوله {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} أدركته الرقّة, وباح لهم بما كان يكتمهم من شأنه, هذا نحو ما روي عن ابن إسحاق (¬5) والسدي (¬6)، فتأويل الكلام: هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه، إذ فرقتم بينهما وصنعتم ما صنعتم في حال جهلكم بعاقبة ما تفعلون بيوسف، وما إليه صائر أمره وأمركم؟ , وهذا يدل على أنهم كانوا صغارا في وقت أخذهم ليوسف, حتى تركوا أخاه منفردا منه. ¬
وقوله تعالى: {قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} قال إخوة يوسف حين قال لهم ذلك يوسف: {أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} فقال: نعم {أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ علينا} بأن جمع بيننا بعد ما فرقتم بيننا, يقول إنه من يتق فيراقبه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ويصبر ويكفّ نفسه، فيحبسها عما حرَّم الله عليه من قول أو عمل عند مصيبةٍ نزلتْ به من الله, فإن الله لا يضيع ثواب إحسانه وجزاء طاعته إيَّاه فيما أمره ونهاه (¬1) لا يبطل ذلك. وذكر ابن إسحاق أنه لما قال لهم ذلك: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ} الآية، كشف عنهم الغطاء فعرفوه (¬2) فقالوا: {أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} , وقال مجاهد: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} , بترك (¬3) من يتقي معصية الله ويصبر على السجن (¬4). وقوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ علينا} أي: قال إخوة يوسف لقد فضلك الله علينا، وآثرك بالحلم والعلم والفضل {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} أي: وما كنا في فعلنا الذي فعلناه بك (¬5)، من تفرقتنا بينك وبين أبيك وأخيك وغير ذلك من صنيعنا الذي صنعنا بك، إلا خاطئين، بمعنى: ¬
مخطئين يقال: خَطِئَ فلان يَخْطَأ خَطَأ وخِطْأً وهو خاطئ وأخطأ يخطيء (¬1) مثل: أثم يأثم. وقال أمية بن الأسكر: وَإنَّ مُهَاجِرَيْنِ تَكَنَّفَاهُ ... غَدَاتَئِذٍ لقَدْ خَطِئا وحَابَا (¬2) وقوله تعالى: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عليكمُ الْيَوْمَ} أي: قال يوسف لإخوته: لا تعيير (¬3) عليكم ولا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحقّ الأخوة، ولكن لكم عندي الصفح والعفو (¬4).وفي الحديث" إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا، وَلا يُثَرِّبْ "أي ولا يُعَيِّرها بالزِّنا " (¬5) قال سفيان (¬6) وقتادة وابن إسحاق ¬
قال السدي (¬1): قال لا أذكر لكم ذنبكم يغفر الله لكم وهذا دعاء من يوسف لإخوته بأن يغفر الله لهم ذنبهم يقول: عفا الله لكم عن ذنبكم وظلمكم لي، فستره عليكم والله أرحم الراحمين لمن تاب من ذنبه وأناب (¬2). وقولُهُ: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا} ذكر أن يوسف لما عرّف نفسه إخوته، سألهم عن أبيه، فقالوا: ذهب بصره من الحزن! فعند ذلك أعطاهم قميصَه وقال لهم: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي} يقول يَعُود بصيرًا, {وَاتُونِي بِأَهْلِكُمْ} أي: جيئوني بجميع أهلكم (¬3)، وتوجيهه القميص علامة جعلها الله لشمه رائحة يوسف, وبشارة به قبل لقائه. قال الحسن والسدي في رد بصره عليه: معجزة جعلها الله, ويحكى أن يهوذا قال: أنا ذهبت بالقميص ملطخا بالدم, وأخبرته أن يوسف أكله الذئب, وأنا أذهب اليوم بالقميص فأخبره أنه حي فأفرحه كما أحزنته, فهو كان البشير (¬4). وقد تضمنت الآيات البيان عما يوجبه الجهل من سلوك طريق الغي وحمل النفس على الظلم الذي يؤدي إلى الذل بعد العز, والفقر بعد الغنى, والبيان عما يوجبه صبر التقوى من إسباغ النعمة على صاحبه بما لا يهتدي لطلبه من جود الله وكرمه, والبيان عما توجبه الفضيلة من الإيثار لصاحبها ببسط يده وتمكينه وعلوه على غيره ممن لا يستحق مثل منزله, والبيان عما يوجبه الصفح عن الذنب من تطييب نفس صاحبه بأنه لا تبعة عليه فيه ولا ضرر يلحقه لأخيه, والبيان عما يوجبه منتهى الأمد في محبة الصابر من تبليغه المحنة على نهاية الأمنية. ¬
القولُ في الوقفِ والتمامِ: {إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} كاف (¬1) , {قَدْ مَنَّ اللَّهُ علينا} تمام (¬2) عند نافع, {الْمُحْسِنِينَ} كاف (¬3)، وكذا {لَخَاطِئِينَ} (¬4)، وقال الأخفش: {لَا تَثْرِيبَ عليكمُ} تمام (¬5)، وقال نافع: {عليكمُ الْيَوْمَ} تمام (¬6)، {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} مستأنف (¬7)، ¬
و {أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} كاف (¬1)، وكذا {أَجْمَعِينَ} (¬2). وقولُهُ عز وجل: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96) قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)} {لما} ظرف (¬3) نظير ما تقدم, جوابها: {قَالَ} وهو العامل فيها, {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} , {لَوْلَا} بمعنى هلا (¬4)، {أَنْ} في موضع رفع بالابتداء, والخبر محذوف, تقديره: هلا تفنيدكم, بمعنى من أن أُخبركم, ما أجد مؤكدة، وأن تزاد مع لما وقد لا تزاد (¬5)، وكذلك حتى، تقول: حتى كان كذا وكذا, وحتى أن كان كذا, و {الْبَشِيرُ} رفع بـ {جَاءَ} , {أَلْقَاهُ} جواب "لَمَّا" {عَلَى وَجْهِهِ} متعلق بـ {أَلْقَاهُ} , {فَارْتَدَّ} الفاء جواب ما أخبر به من إلقاء القميص, {بَصِيرًا} نصب على الحال من الضمير في "ارتدّ" وهو العامل في الحال, {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} الألف ¬
للتقرير, {مِنَ اللَّهِ} متعلق بـ {أَعْلَمُ} , {مَا لَا تَعْلَمُونَ} , {مَا} بمعنى الذي في موضع نصب بـ {أَعْلَمُ} , {لَنَا} متعلق بـ {اسْتَغْفِرْ} , {ذُنُوبَنَا} نصب بـ {اسْتَغْفِرْ} , {خَاطِئِينَ} خبر {كُنَّا} , {لَكُمْ} متعلق بـ {اسْتَغْفِرْ} , {رَبِّي} نصب بـ {أَسْتَغْفِرُ} , {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} يجوز أن يكون {هُوَ} فاصلة (¬1)، ويجوز أن يكون مبتدأه, وأن يكون توكيداً للفاء (¬2)، وقد تقدم مثله. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم: ولما فصلت عير بني يعقوب من عند يوسف متوجهة إلى يعقوب، قال أبوهم يعقوب: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}. ذُكر أن الريح استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف, قبل أن يأتيه البشير (¬3)، فأذن لها، فأتته بها. قال ابن عباس (¬4): هاجت بريح يوسف من مسيرة ثمان ليالٍ, وقال الحسن (¬5): بلغنا أنه كان بينهم يومئذ ثمانون فرسخًا، وقال إني لأجد ريح يوسف, وكان قد فارقه قبل ذلك سبعًا وسبعين سنة, وهو معنى قول ابن إسحاق (¬6). وقولُهُ: {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} بمعنى: لولا أن تضعفوني، ¬
وتعجزوني، وتلوموني، وتكذبوني (¬1)، ومنه قول الشاعر (¬2): يا صَاحِبَيَّ دَعَا لَوْمِي وَتَفْنِيدِي ... (¬3) فَلَيْسَ مَا فَاتَ مِنْ أَمْرِي (¬4) بمَرْدُودِ ويقال: أفنده الدهر أي: أفسده وقال ابن مقبل: دَعِ الدَّهْرَ يَفْعَلُ مَا أَرَادَ فإنّه (¬5) ... إِذا كُلِّفَ الإنسان بالدهر أَفْنَدا (¬6) والمعنى: لولا أن تسفهوني: عن ابن عباس (¬7). وقال الحسن (¬8)، ومجاهد (¬9): تهرمون. وقيل: تكذبون عن الضحاك (¬10) , ¬
وقال جرير بن عطية (¬1): يا عَاذِليَّ دَعَا المَلامَ وأَقْصِرَا ... طَالَ الهَوَى وأَطَلْتُما التَّفْنيدا (¬2) أي: إفساد الرأي, والفساد في الجسم: الهرم وذهاب الفعل والضعف, وفي الفعل: الكذب واللوم بالباطل, كما قال جرير بن عطية. وقوله تعالى: {تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} أي: قال الذين قال لهم يعقوب من ولده {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}: تالله أيها الرجل، إنك من حبّ يوسف (¬3) وذِكْره, لفي خطئك ذلك القديم (¬4) لا تنساه، ولا تتسلى عنه (¬5) وقوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} أي: فلما أن جاء يعقوبَ البشيرُ من عند ابنه يوسف، وهو المبشّر برسالة يوسف، وذلك بريدٌ فيما ذكر، كان يوسف أبردَهُ إليه (¬6)، وكان البريد فيما ذكر ¬
والبشير: يهوذا بن يعقوب (¬1)، أخا يوسف لأبيه, قال ابن عباس (¬2): البشير البريد, وهو قول الضحاك (¬3) ومجاهد (¬4)، قال السدي (¬5): قال يهوذا: أنا ذهبتُ بالقميص، ملطّخًا بالدم إلى يعقوب, فأخبرته أن يوسف أكله الذئب، وأنا أذهب اليوم بالقميص فأخبره أنه حيٌّ, فأفرحه كما أحزنته (¬6). وقولُهُ: {أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ} يقول: البشير ألقى القميص على وجه يعقوب. وقولُهُ: {فَارْتَدَّ بَصِيرًا} أي: فرجع وعادَ مبصرًا بعينيه، بعد ما كان قد عمي, قَالَ {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} أي: قال يعقوب لمن كان بحضرته حينئذ من ولده: ألم أقل لكم أنه سيردّ عليّ يوسف، ويجمع بيني وبينه، وكنتم أنتم لا تعلمون من ذلك ما كنت أعلمه، لأن رؤيا يوسف كانت صادقة، وكان الله قد قضى أن أخِرَّ أنا وأنتم له سجودًا، فكنت مُوقنًا بقضائه (¬7). وقوله تعالى: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} أي: قال ولد يعقوبَ الذين كانوا فرَّقوا بينه وبين يوسف: يا أبانا سل لنا ربك يعفُ عنَّا، ويستر علينا ذنوبنا التي أذنبناها فيك وفي يوسف، ولا يعاقبنا بها في القيامة، {إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} فيما فعلنا به وبك, فقد اعترفنا بذنوبنا، قال يعقوب: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} أي: سوف أسأل ربي أن يعفو عنكم ذنوبكم التي أذنبتموها ¬
فيّ وفي يوسف (¬1)، واختُلف في الوقت الذي أخَّر الدعاء إليه يعقوبُ لولده بالاستغفار لهم من ذنبهم, فقال ابن مسعود وإبراهيم التيمي (¬2) وابن جريج: إلى السَّحر (¬3) , وقال آخرون: أخر ذلك إلى ليلة الجمعة, روى عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة (¬4). ¬
وقولُهُ: {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} يقول: إن ربي هو الستير على ذنوب التائبين إليه من ذنوبهم, الرحيم بهم أن يعذبهم بها بعد توبتهم منها (¬1). وقد تضمنت الآيات البيان عما توجبه المحبة من تنسم الرائحة طلبا للفرج من جهتها ورد الصارف عنها, والبيان عما يوجبه استبعاد الشيء من نسبه لصاحبه إلى الطمع فيه مع طول مدته التي توجب اليأس, والبيان عما يوجبه تمام النعمة في البشارة بتبليغ المحبة في الولد من رد البصر بعد ذهابه تفضلاً من الله به ومعجزة تدل على نبوة صاحبه وجلالته عند ربه, والبيان عما يوجبه قبح الخطيئة في الفعل من طلب الاستغفار بما يزيل معرتها عن النفس ويسقط التَّبِعة بالضر إلى الفوز بالنفع الذي يكون من قبل الله عز وجل, والبيان عما توجبه حاجة السائل بما يجوز في الحكمة من العِدَة به لما في ذلك من الإحسان إلى صاحبه والأخذ بالفضل عليه. القولُ في الوقفِ والتمامِ {لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} كاف (¬2)، وكذا {ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} (¬3)، {فَارْتَدَّ بَصِيرًا} كاف (¬4)، وكذا {مَا لَا تَعْلَمُونَ} (¬5)، {خَاطِئِينَ} ¬
حسن (¬1)، وكذا {الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (¬2). وقولُهُ عز وجل: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)} {إِلَيْهِ} متعلق بـ {آَوَى} , {أَبَوَيْهِ} نصب بـ {آَوَى} , و {مِصْرَ} نصب بـ {ادْخُلُوا} وهي لا تنصرف فلم ينون (¬3)، {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} شرط يجوز أن يكون ماتقدم جوابه (¬4)، ويجوز أن يكون محذوفا, و {آَمِنِينَ} نصب على الحال من الضمير في {ادْخُلُوا} , و {أَبَوَيْهِ} نصب بـ"رفع", و {عَلَى} متعلق بـ"رفع", {وَخَرُّوا} معطوف على "رفع", و {لَهُ} متعلق بـ "خروا", {سُجَّدًا} نصب على الحال من الضمير في خروا (¬5) , و {لَهُ} متعلقة بـ "خروا", والهاء تعود ¬
على يوسف (¬1)، يقال: خرّ الرجل خروراً إذا سقط, وخرّ الماء خريراً إذا جاء صوت جريه (¬2)، {هَذَا تَاوِيلُ رُؤْيَايَ} ابتداء وخبر, {مِنْ قَبْلُ} غاية و {مِنْ} متعلقة بـ {تَاوِيلُ رُؤْيَايَ} والهاء والألف مفعول {جَعَلَهَا} وهما عائدتان على الرؤيا, و {حَقًّا} مفعول ثاني, و {إِذْ أَخْرَجَنِي} ظرف العامل فيه {أحسن} , {مِنَ السِّجْنِ} , {مِنَ} متعلقة بـ {أَخْرَجَنِي} , {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} حرفا الجر متعلقان بـ جاء, و {مِنْ بعد} (¬3) معطوف على الأولى, {أَنْ نَزَغَ} , {أَنْ} في موضع جر بإضافة {بعد} إليها, {بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} ظرفان معطوف أحدهما على الآخر, العامل فيهما {نَزَغَ} , {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} اللام في {لِمَا} متعلقة بـ {لَطِيفٌ} وما بمعنى الذي, {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} نظير ما تقدم, {مِنَ الْمُلْكِ} متعلق بـ {آَتَيْتَنِي} , {وَعَلَّمْتَنِي} معطوف على {آَتَيْتَنِي} , {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ} نداء مضاف (¬4) , {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ} ابتداء وخبر, و {فِي} متعلقة بـ {وَلِيِّي} , {تَوَفَّنِي} سؤال وطلب (¬5) ¬
فلهذا جزم حتى حذفت منه الألف المنقلبة من الياء (¬1) , و {مُسْلِمًا} نصب على الحال (¬2) من الياء في {تَوَفَّنِي} , و {تَوَفَّنِي} العامل, {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} الباء متعلقة بـ ألحقني, وألفه ألف قطع, {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} ابتداء وخبر, والإشارة بذلك إلى ما أنبأ به من قصة يوسف يخاطب به محمدا صلى الله عليه (¬3)، و {مِنْ} متعلقة بمعنى الاستقرار, {نُوحِيهِ إِلَيْكَ} فعل مستقبل في موضع الحال, وإن شئت خبرا بعد خبر, وإن شئت جعلت نوحيه الخبر (¬4) , ويكون من الغيب متعلقا بـ {نُوحِيهِ} , والهاء نصب بـ {نُوحِيهِ} وهي راجعة إلى ذلك, و {إِلَيْكَ} متعلق بـ {نُوحِيهِ} , {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ} ما حرف نفي, {لَدَيْهِمْ} ظرف لما قرب في موضع خبر {كُنْتَ} والعامل فيه للاستقرار, {إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ} , {إِذْ} ظرف أيضا, العامل فيه ما عمل في لديهم, {أَمْرَهُمْ} نصب بـ {أَجْمَعُوا} , {وَهُمْ يَمْكُرُونَ} ابتداء وخبر, {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ} ¬
اسم ما, {بِمُؤْمِنِينَ} خبر ما (¬1) متعلق بالاستقرار, {وَلَوْ حَرَصْتَ} (¬2) على أن يؤمنوا وتهديهم {وَلَوْ} فيها معنى الشرط يمتنع بها الشيء لامتناع غيره. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى -والله أعلم-: فلما دخل يعقوب وولده وأهله على يوسف {آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} أي: ضمهما إليه {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ} ويقال: كيف قال لهم {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} بعد ما قد دخلوها لأنه قيل لما ضم إليه أبويه قال لهم هذا القول إذ الخبر به؟ قيل في ذلك خلاف، وقال بعضهم: إن يعقوب إنما دخل على يوسف هو وولده، وآوى يوسف أبويه إليه قبل دخول مصر. قالوا: وذلك أن يوسف تلقَّى أباه تكرمةً له قبل أن يدخل مصر، فآواه إليه، ثم قال: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ} قبل الدخول, هذا معنى قول السدي (¬3)، وروى فرقد السَّبَخِي (¬4) قال: لما ألقي القميص على وجهه ارتد بصيرًا، وقال: {وَاتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} , فحُمل يعقوب وإخوة يوسف، فلما دنا يعقوبُ أُخبر يوسفُ أنه قد دنا منه, فخرج يتلقاه, وركب معه أهلُ مصر, وكانوا يعظمونه, فلما دنا أحدهما من صاحبه, وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على رجلٍ من ولده يقال له يهوذا قال: فنظر يعقوب إلى الخيل والناس فقال: يا يهوذا, هذا فرعون مصر؟ قال: لا، هذا ابنك! قال: فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه, فذهب يوسف يبدؤه ¬
بالسلام, فمُنع من ذلك, وكان يعقوب أحقّ به منه وأفضل, فقال: السلام "عليه" (¬1) يا ذاهب، يا ذاهب الأحزان عني، هكذا قال: "يا ذاهب يريد يا مذهب الأحزان عني" (¬2) وقال آخرون: بل قوله: {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} استثناءٌ من قول يعقوب لبنيه {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} قالوا: وهو من المؤخر الذي معناه التقدم. قالوا: وإنما معنى الكلام: قال: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} (¬3) إن شاء الله {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ}، ورفع أبويه, وهو معنى قول ابن جريج (¬4) , والوجه قول السدي: إذ لا تقديم فيه ولا تأخير, وإذا صحت المعاني على الترتيب فليس يجب حملها على خلافه, وقيل في أبويه أبوه وخالته لأنّ أم يوسف كانت ماتت قاله السدي (¬5)، وقال ابن إسحاق (¬6): أبوه وأمه. وقولُهُ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} قيل: على السرير (¬7) , قاله السدي (¬8)، ومجاهد (¬9) ¬
وقتادة (¬1) وابن عباس (¬2) , وقولُهُ: {آَمِنِينَ} أي: مما كنتم فيه في باديتكم من الجدب والقحط وقولُهُ: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} يقول: خرّ يعقوب وولده وأمّه ليوسف سجّدًا (¬3)، وقالوا: كان ذلك تحيتهم, وقال ابن زيد (¬4): السجود ليس قوله (¬5) كما سجدت الملائكة لآدم, فبشرفه، لا سجود عبادة، وقال أعشى بني ثعلبة (¬6): فَلَمَّا أَتَانَا بُعَيْدَ الكَرَى ... سَجَدْنَا لَهُ وَرَفَعْنَا عمَارَا (¬7) {وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَاوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} أي: قال يوسف لأبيه: هذا السجود الذي سجدتَ أنت وأمّي وإخوتي ما آلت إليه رؤياي التي كنت رأيتها, وهي قبل صنيع إخوته به ما صنعوا, {قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} أي: قد حقّقها ربي، بمجيء تأويلها على الصحَّة, واختلف في المدّة التي كانت بين ¬
رؤيا يوسف وبين تأويلها, فقال بعضهم: مدّةُ ذلك أربعون سنة, قاله سلمان الفارسي (¬1)، وهو قول عبد الله بن شداد (¬2)، وقال آخرون: مدة ذلك ثمانون سنة, وهو قول الحسن (¬3) وحسن بن فرقد (¬4) وفضيل بن عياض (¬5)، وقال الحسن (¬6): ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، فغاب عن أبيه ثمانين سنة, وعاش بعد أن جمع الله شمله ثلاثًا وعشرين سنة، ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة وقال ابن إسحاق (¬7):مدة ذلك ثماني عشرة سنة وقولُهُ: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} يقول تعالى مخبرًا عن قيلِ يوسف: وقد أحسن الله في إخراجه إياي من السجن الذي كنت فيه محبوسًا, وفي مجيئه بكم من البدو. وذكر أن مسكن يعقوب وولده كان ببادية فلسطين ¬
قال ذلك ابن إسحاق (¬1) وقيل: بأرض كنعان أهل مواشٍ وبرّية قاله مجاهد وقتادة (¬2)، وقيل إن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهاليهم وأبنائهم يوم دخلوها، وهم أقلّ من مائة, وخرجوا يوم خرجوا وهم زيادة على ستمائة ألف, كما روي عن محمد بن كعب القرظي (¬3) وعبد الله بن مسعود, وقولُهُ: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} أي: أفسد ما بيني وبينهم، وحمل بعضنا على بعض (¬4) , {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} من الأشياء, ومن لطفه وصنعه أن أخرجني من السجن, وجاء بأهلي من البدو ومن بُعدِ الدار، وبعد ما كنت فيه من العُبُودية والرِّق والإسار (¬5) , إن ربي هو {الْعَلِيمُ} بمصالح خلقه وغير ذلك لا يخفى عليه مبادئ الأمور وعواقبها, الحكيم في تدبيره. {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَاوِيلِ الْأَحَادِيثِ} قال يوسف بعد أن جمع الله إليه أبويه وبسط له من الدنيا ما بسط ومكنه في الأرض, متشوِّقًا إلى لقاء آبائه الصالحين: رب قد آتيتني من ملك مصر, {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَاوِيلِ الْأَحَادِيثِ} , يعني من عبارة الرؤيا يعد به نعم الله عليه وشكراً له عليها، يا {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يا خالقها وبارئها, أَنْتَ تليني فِي دنياي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك, وتغذوني فيها بنعمتك, وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك, {توفني مسلمًا وألحقني} (¬6) بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق, ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك, وقيل: إنه لم ¬
يتمنّ أحدٌ من الأنبياء الموتَ قبل يوسف, وهو قول ابن عباس (¬1)، وقتادة (¬2)، وابن جريج, وقال مجاهد: من تأويل الأحاديث: العبارة (¬3) , وقاله الضحاك (¬4)، وابن إسحاق (¬5)، وذكر أن بني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوه, استغفر لهم أبوهم فتاب الله عليهم وعفا عنهم وغفر لهم ذنبهم, وروي عن أنس بن مالك أنه قال: إن الله لما جمع ليعقوب شمله, وأقر بعينه, خَلا ولده نَجِيًّا, بعضهم لبعض: ألستم قد علمتم ما صنعتم، وما لقي منكم الشيخ، وما لقي منكم يوسف؟ قالوا: بلى! فيغرُّكم كفهما (¬6) عنكم، فكيف لكم بربكم؟ فاستتام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه، ويوسف إلى جنب أبيه قاعد, قالوا: يا أبانا، أتيناك في أمر لم نأتك في مثله قط، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله! حتى حرّكوه، والأنبياء أرحم البرية, فقال: مالكم يا بَني؟ قالوا: ألستَ قد علمت ما كان منا إليك، وما كان منا إلى أخينا يوسف؟ قالا: بلى! فقالوا: ألستما قد عفوتُما؟ قالا بلى! قال: فإن عفوكما لا يغني عنّا شيئًا إن كان الله لم يعف عنا! قال: فما تريدون يا بني؟ قالوا: ¬
نريد أن تدعوا الله لنا, فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفا عنا صنيعنا، قرّت أعيننا، واطمأنت قلوبنا, وإلا فلا قُرّةَ عَين في الدنيا لنا أبدًا. قال: فقام الشيخ فاستقبل القبلة, وقام يوسف خلف أبيه, وقاموا خلفهما أذلةً خاشعين. قال: فدعا وأمَّن يوسف, فلم يُجَبْ فيهم عشرين سنة حتى إذا كان رأس العشرين، نزل جبريل-صلى الله عليه وسلم- على يعقوب- عليه السلام, فقال: إن الله بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك, وأنه قد عفا عما صنعوا, وأنه قد أعقبك مواثيقهم (¬1) من بعدك على النبوّة (¬2) وذكر أن يعقوب توفي قبل يوسف, وأوصى إلى يوسف وأمره أن يدفنه عند قبر أبيه إسحاق (¬3). وقولُهُ: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} يقول تعالى: هذا الخبر الذي أخبرتك به من خبر يوسف ووالده يعقوب وإخوته من أخبار الغيب الذي لم تشاهده ولم تعاينه، ولكنا {نُوحِيهِ إِلَيْكَ} ونعرّفكه, {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} (¬4)، ونشجع به قلبك, فتصبر على ما نالك من الأمر من قومك في ذات الله, وتعلم أن من قبلك من رسل الله، إذ صبروا على ما نالهم فيه, وأخذوا بالعفو, وأمروا بالمعروف, وأعرضوا عن الجاهلين، فازوا بالظفر, وأُيِّدوا بالنصر, ومُكِّنوا في البلاد, يقول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فبهم يا محمد، فتأسَّ, وآثارهم فقُصَّ ما كنت عند إخوة ¬
يوسف, {إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ} , واتفقت آراؤهم (¬1) على أن يلقوا يوسف في غيابة الجب. وذلك كان مكرهم الذي قال جلَّ ثناؤُه: {وَهُمْ يَمْكُرُونَ} نحو ما روي عن قتادة وابن إسحاق (¬2). وقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} أي: وما أكثر مشركي قومك يا محمد، ولو حرصت على أن يؤمنوا بك فيصدّقوك, ويتبعوا ما جئتهم به من عند ربك, {بِمُؤْمِنِينَ} أي: بمصدِّقيك ولا مُتَّبِعيك (¬3) , وقد تضمنت الآيات البيان عما يوجبه الاجتماع مع المحبوب من إيواء السرور والتبشير بالأمن من الخوف, والبيان عما يوجبه الأعظم لمن له حق الأبوة برفع مجلسه لإكرامه بما يجب له من تجديد النعمة لمن هو أهل لها بتأويل الرؤيا التي بشر بها, والبيان عما يوجبه حال الشاكر من الاعتراف بالنعمة والاعتداد بها على تفضيلها وجلالة موقعها, والبيان عما يوجبه الإعلام بما يحتاج إليه في الدين من التذكير به وموقع النعمة فيه وجلالة صاحبه بما ألقي إليه وخص به, والبيان عما يوجبه حال أكثر الناس من العدول عن الحق إلى الباطل جهلا منهم بمنزلة ما صنعوا وسوء عاقبة ما أخذوا بما فيه تسلية الداعي إلى الحق وتخفيف المحنة عليه. ¬
القولُ في الوقفِ والتمامِ: {آَمِنِينَ} كاف (¬1)، ومن الوقف {عَلَى الْعَرْشِ} , وكذا {حَقًّا} (¬2)، و {مِنَ السِّجْنِ}، {وَبَيْنَ إِخْوَتِي} و {لِمَا يَشَاءُ} و {الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (¬3) حسن, وكذا {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (¬4)، و {نُوحِيهِ إِلَيْكَ} (¬5) كاف, وكذا {يَمْكُرُونَ} (¬6)، وكذا {بِمُؤْمِنِينَ} (¬7). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)} ¬
و {ما} حرف نفي, {تَسْأَلُهُمْ عليه} , {عليه} متعلق بـ {تَسْأَلُهُمْ} , {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} , {إِنْ} بمعنى ما, و {هُوَ} ابتداء, و {ذِكْرٌ} خبره, و {لِلْعَالَمِينَ} متعلق بـ {ذِكْرٌ} , {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هي "أي" دخلت عليها كاف التشبيه (¬1)، وقد تقدم القول فيها, وخلاف القراء {مِنْ آَيَةٍ} (¬2) متعلقة بمعنى التشبيه و {يَمُرُّونَ عليها} متعلق بـ {يَمُرُّونَ} ... {وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} ابتداء وخبر و {عَنْهَا} متعلق بـ {مُعْرِضُونَ} , {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ} , {بِاللَّهِ} متعلق بـ {يُؤْمِنُ} , {إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ابتداء وخبر, {أَفَأَمِنُوا أَنْ تَاتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} ألف الاستفهام دخلت للتقرير (¬3) , والفاء جواب ما أخبر به عنهم, {أَنْ تَاتِيَهُمْ} , {أَنْ} في موضع نصب بـ أمنوا، و {تَاتِيَهُمْ} نصب بـ {أَنْ} , {غَاشِيَةٌ} رفع بـ {تَاتِيَهُمْ} , {مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} , {مِنْ} متعلقة بـ {تَاتِيَهُمْ} , {أَوْ تَاتِيَهُمُ} عطف على {تَاتِيَهُمْ} , {بَغْتَةً} نصب على الحال (¬4) من {السَّاعَةُ} , {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ابتداء وخبر, وكذا {هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} حرفا الجر يتعلقان بـ {أَدْعُو} , {أَنَا} توكيد للضمير في {أَدْعُو} , {وَمَنِ اتَّبَعَنِي}، "مَنْ" عطف على الضمير المؤكد (¬5)، {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} مصدر, {وَمَا أَنَا مِنَ ¬
الْمُشْرِكِينَ} , {أَنَا} اسم ما, والخبر محذوف دل عليه من المشركين والتقدير: ما {أَنَا} مشركاً من المشركين, و {مِنَ} متعلقة بالمحذوف, {مِنْ قَبْلِكَ} متعلق بـ {أَرْسَلْنَا} , {إِلَّا رِجَالًا} نصب بـ {أَرْسَلْنَا} , {نُوحِي إِلَيْهِمْ} في موضع النعت لـ "رجال"، ومن قرأ بالنون الشديدة (¬1): أسند الفعل إلى الله -عز وجل-, ومن قرأ {يُوحَى}: جعله لما لم يسم فاعله, وأقام إليهم مقام الفاعل (¬2)، {مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} , {مِنْ} متعلقة بـ {نُوحِي} , {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} الفاء فيها معنى الجواب, وهي فصل الثاني بالأول, والألف للتقرير, و {يَسِيرُوا} جزم بـ لم, {فِي الْأَرْضِ} {فِي} متعلقة بـ {يَسِيرُوا} , {فَيَنْظُرُوا} عطف على {يَسِيرُوا} وفي الفاء معنى الجواب, {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} , {عَاقِبَةُ} اسم {كَانَ} , و {الَّذِينَ} خفض بإضافة {عَاقِبَةُ} إليهم, {مِنْ قَبْلِهِمْ} , {مِنْ} متعلقة بمعنى الاستقرار, و {كَيْفَ} خبر {كَانَ} متعلقة بمعنى الاستقرار, {فَيَنْظُرُوا} لا تعمل في كيف, والجملة في موضع نصب بـ ينظروا, {وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} ابتداء وخبر, واللام لام توكيد, وفيها معنى القسم, واللام متعلقة بخبر (¬3) {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} الألف للتقرير والتوبيخ, والفاء جواب الإخبار عنهم مما مضى. ¬
القولُ في القراءةِ: قرأ حفص {نُوحِي إِلَيْهِمْ} , وفي النحل {نُوحِي إِلَيْهِمْ} (¬1) , وفي الأنبياء {رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} (¬2) , {مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ} (¬3) بالنون, والباقون بالياء (¬4)، إلا حمزة والكسائي: فإنهما وافقا حفصاً في الثاني من سورة الأنبياء, ووافقا الجماعة فيما عدا ذلك, فالنون: إخبار الله عن نفسه, والياء: ترك تسمية الفاعل, والخلاف للجمع بين لغتين, ومن قرأ بالنون شاهده: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} (¬5) وشا (¬6) الياء: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} (¬7). القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى -والله أعلم-: وما تسأل يا محمد هؤلاء الذين ينكرون نبوتك، ويمتنعون من تصديقك والإقرار بما جئتهم به من أجر، من ثواب، وجزاء أي: ما تسألهم على ذلك ثوابًا, فيقولوا لك: إنما تريد بدعائك إيّانا إلى إتباعك لننزلَ لك عن أموالنا إذا سألتنا ذلك. وإن كنت لا تسألهم ذلك، فقد كان حقًّا عليهم أن يعلموا أنك أنما تدعوهم إليه إتباعا منك لأمر ربك، ونصيحةً منك لهم, وأن لا ¬
يستغشُّوك, {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ} أي: ما هذا الذي أرسلك به ربك يا محمد من النبوة والرسالة إلا عظة, وتذكير للعالمين, ليتعظوا ويتذكَّروا به (¬1). وقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: وكم من آية في السموات والأرض لله وعبرةٍ وحجةٍ, كالشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك كالجبال والبحار والنبات والشجر, {يَمُرُّونَ عليها} أي: يعاينونها فيمرُّون بها معرضين عنها، لا يعتبرون بها، ولا يفكرون فيها وفيما دلت عليه من توحيد ربِّها, وإن كانت السماء والأرض آيتين عظيمتين (¬2) وقوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} أي: وما يُقِرُّ أكثر هؤلاء -الذين وصَفَ صفتهم- بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء، {إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} في عبادته الأوثان والأصنام, واتخاذهم من دونه أربابًا, وزعمهم أنَّ له ولدًا (¬3)، تعالى عن ذلك علوا كبيرا, قال ابن عباس: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} يعني: النصارى يقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (¬4) , ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض ليقولن: الله, وهم مع ذلك مشركون به ويعبدون غيره، ويسجدون للأنداد من دونه (¬5). ¬
وقولُهُ: {أَفَأَمِنُوا أَنْ تَاتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} أي: أفأمن هؤلاء الذين لا يقرُّون بأن الله ربَّهم إلا وهم مشركون في عبادتهم إياه غير أن تأتيهم غاشية تغشاهم من عقوبة الله وعذابه (¬1)، على شركهم بالله، أو تأتيهم القيامة فجأةً وهم مقيمون على شركهم وكفرهم بربِّهم, فيخلدهم الله في ناره، وهم لا يدرون بمجيئها وقيامتها, بنحو ذلك قال مجاهد (¬2) وقتادة (¬3). يقال غَشِيَه الشيء يَغْشَاهُ غِشْياناً وهو غاشٍ, وهو ما غطى الشيء وجلله (¬4). وقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} أي: قل يا محمد: هذه الدعوة التي أدعو إليها, والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته، وترك معصيته سبيلي, وطريقي ودعوتي أدعو إلى الله وحده على بصيرة, بذلك ويقين علم مني (¬5)، أنا ومن يدعو إليه على بصيرة أيضًا من اتبعني وصدقني, {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} أي: تنزيهًا وتعظيمًا له من أن يكون له شريك في ملكه أو معبود سواه في سلطانه, وأنا بريءٌ من أهل الشرك به, ولست منهم ولا هم منّي (¬6). ¬
وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} أي: وما أرسلنا يا محمد من قبلك إلا رجالاً, لا نساءً ولا ملائكة, {نُوحِي إِلَيْهِمْ} آياتنا بالدعاء إلى طاعتنا, وإفراد العبادة لنا {مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} يعني: من أهل الأمصار, دون أهل البوادي (¬1) , {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} يقول تعالى ذكره: أفلم يسِر هؤلاء المشركون-الذين يكذبونك يا محمد ويجحدون نبوَّتك, وينكرون ما جئتهم به من توحيد الله وإخلاص العبادة والطاعة له في الأرض، فينظروا كيف كان عاقبة الأمم الذين كانوا من قبلهم إذ كذبوا رسُلنا ألم تحِلّ بهم عقوبتنا, فنهلكهم بها, وننج رسلنا وأتباعهم, فيتفكروا في ذلك ويعتبروا (¬2) نحو ما روي عن ابن جريج, وقوله: {وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ} يقول تعالى ذكره: هذا فِعْلُنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا (¬3)، وما في الدار الآخرة لهم خير، وترك ذكر ما ذكرنا اكتفاءً بدلالة قوله: {وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} , وأضيفت "الدار" إلى {الْآَخِرَةِ} والمعنى لدار الكرة الآخرة, كما قيل: صلاة الأولى أي: صلاة الفريضة الأولى, فالمعنى: {وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه, وقيل: أضيفت الدار إلى الآخرة وهي الآخرة لاختلاف لفظيهما, كما قال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} (¬4) وكما تقول: أتيتك عام الأوَّل (¬5) وينشد (¬6): ¬
أَتَمْدَحُ فَقْعَسًا وَتَذُمُّ عَبْسًا ... أَلا للهِ أُمُّكَ مِنْ هَجِينِ وَلَوْ أَقْوَتْ (¬1) عليك دِيَارُ عَبْسٍ ... عَرَفْتَ الذُّلَّ (¬2) عِرْفَانَ اليَقِينِ يعني: عرفانًا له (¬3) يقينًا (¬4)، وقيل الإضافة على حذف المضاف, وإقامة المضاف إليه مقامه, والتقدير: ولدار الكرة الآخرة, وحذفت الكرة وأقيمت الآخرة مقامها. وقد تضمنت الآيات البيان عما يوجبه حال الداعي إلى الحق من إسقاط الأجر على دُعائه ليخلص جزاؤه على ربه ولا يمتنع من الإجابة للعزم الذي يلزم به, والبيان عما يوجبه الإعراض عن الاعتبار بالآيات من بخس (¬5) صاحبه وذمه بتفريطه فيما عليه مما يلزمه النظر فيه, والبيان عما يوجبه الجهل من الإشراك في عبادة الله على ما فيه من تضييع حق نعمة الله بإهضامها في جعل موضعها من العبادة لغير الله عز وجل, والبيان عما يوجبه حال المتهالك في الكفر: من الوعيد بعذاب يغشى لا يمكن دفعه, ولا يتوجه لصاحبه الخلاص منه, والبيان عما يوجبه حال الداعي إلى الله من البصيرة في الدين مع دعائه إلى الطريق المستقيم الذي يؤدي إلى الخلود في النعيم, والبيان عما يوجبه الاعتبار بالأمم الماضية فيما أبقوا من الآثار مما يقتضي الانزجار عن مخالفة الرسل-عليهم السلام فيما دعوا إليه من اعتقاد الحق والعمل به. القولُ في الوقفِ والتمامِ: ¬
{إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} حسن (¬1)، و {مُعْرِضُونَ} كاف (¬2)، {وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ¬
حسن (¬1)، وكذا {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (¬2)، {سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} تمام (¬3) عند الأخفش وأبي حاتم, وقال غيرهما: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} تمام (¬4)، {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} كاف (¬5). وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)} {حَتَّى} غاية, و {إِذَا} ظرف فيه بمعنى الشرط, و {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} جواب {إِذَا} وهو العامل في {إِذَا} , وفتحت {أَنَّهُمْ} بوقوع الظن عليها, ويقرأ {كُذِبوا} ¬
بالتخفيف (¬1)، وكُذّبوا بالتشديد (¬2)، فمن قرأ بالتشديد: أراد كذبهم قومهم, ومن قرأ بالتخفيف: أرادوا أنهم أخلفوا ما وعدوا به, {فَنُجِّيَ} الفاء جواب النصر بعذاب المكذبين, ويقرأ فننجي بنونين (¬3): على أنه فعل مستقبل, ويقرأ {فَنُجِّيَ} بنون واحدة: على أنه فعل ماضٍ ما لم يسم فاعله, ومن جعله فعلا مستقبلا نصب {مَنْ} به, و {مَنْ} بمعنى الذي, ومن جعله ماضيا رفع {مَنْ} به, {وَلَا يُرَدُّ بَاسُنَا} معطوف {عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} , {عَنِ} متعلقة بـ {يُرَدُّ} , {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} اللام لام توكيد, و {عِبْرَةٌ} اسم {كَانَ} , {فِي قَصَصِهِمْ} الخبر متعلق بمعنى الاستقرار, والهاء والميم يرجعان (¬4) إلى يوسف وإخوته، وذكر و {كَانَ} لأن {عِبْرَةٌ} بمعنى الاعتبار, {لِأُولِي} متعلق بـ {عِبْرَةٌ} {الْأَلْبَابِ} خفض بإضافة أُولي إليهم, {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} {مَا} نفي, و {حَدِيثًا} خبر {كَانَ} , واسمها مضمر فيها, والضمير كناية عن القرآن, أي: ما كان هذا القرآن حديثا يفترى, {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} {لَكِنْ} حرف توكيد, وكان مضمر (¬5) بعد {لَكِنْ} لدلالة الكلام عليها فالتقدير: ولكن كان القرآن {تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} والهاء في يديه عائدة على القرآن أي كان {تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ ¬
يَدَيْهِ} من الكتب: التوراة والإنجيل والزبور يصدق ذلك كله ويشهد أن جميعه حق من عند الله (¬1) , {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} عطف على {تَصْدِيقَ} , {وَهُدًى وَرَحْمَةً} عطف على {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} , {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} اللام متعلقة برحمة. القولُ في القراءةِ: قرأ أهل الكوفة {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} بالتخفيف, الباقون بالتشديد (¬2)، والتشديد: على أن الظن للرسل-صلوات الله عليهم-معطوف على {اسْتَيْئَسَ} والضمير في {أَنَّهُمْ} , و {جَاءَهُمْ} راجع إليهم, والظن يحتمل اليقين أي: لما استيئسوا من إيمان قومهم أيقنوا أن قومهم قد كذبوهم جاءهم نصرنا, ويجوز أن يكون الظن على جاءنا به (¬3) أي: ظنوا أن من آمن من قومهم قد كذبوهم (¬4)، لما لحقهم من البلاء والامتحان. والتخفيف فيه وجهان أيضا: أحدهما: أن الضمير في ظنوا للقوم, والتقدير: حتى إذا استيئس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا, والثاني: أن يكون الضمير في {ظَنُّوا} , و {أَنَّهُمْ} , و {كُذِبُوا} , للقوم، والتقدير: حتى إذا استيئس الرسل من إيمان قومهم, وظن قومهم أنهم قد كذبوا أي: كذبتهم الرسل. قرأ عاصم (¬5) وابن عامر: {فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} بنون واحدة وتشديد الجيم وفتح الياء الباقون: بنونين, ¬
والياء ساكنة (¬1)، فالتشديد: على أنه فعل ماض من نجى ينجي لم يسم فاعله و {مَنْ} اسم ما لم يسم فاعله, والتخفيف: على أنه فعل مستقبل من نجا ينجوا (¬2) أخبر الله تعالى عن نفسه, و {مَنْ} في موضع نصب, وكتبت بنون واحدة لخفائها في اللفظ. القولُ في المعنى والتفسيرِ: المعنى والله أعلم: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} لا ملائكة ولا أغواناً ولا نساء, فدعوا من أرسلناهم إليه فكذبوهم, وردوا ما أتوهم به من عند الله, {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ (¬3) الرُّسُلُ} الذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله، ويصدِّقوهم فيما أتوهم به من عند الله، وظن الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذِّبة: أن الرسل الذين أرسلناهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله، من وَعده إياهم نصرَهم عليهم, {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} قال ذلك ابن عباس (¬4) ¬
وسعيد بن جبير ومجاهد وابن زيد (¬1) والضحاك (¬2) وعبد الله بن مسعود (¬3)، ومعنى الآية: حتى إذا استيئس الرسل من أن يصدقهم قومهم وظن الرسل أن قومهم قد كذبوهم, {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} , فالظن على بابه, ويجوز أن يكون الظن يراد به اليقين, لأن من آمن من قومهم لم يصْدُقوا في إيمانهم لما لحقهم منهم من البلاء والامتحان, ومن خفف كذبوا قال هذا المعنى مؤول أي: ظن قومهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به أو تيقنوا حتى جاءهم النصر (¬4). وقوله تعالى: {فَنُجِّيَ} أي: ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
فننجي الرسل ومن نشاء من عبادنا المؤمنين إذا جاء نصرنا (¬1) , {وَلَا يُرَدُّ بَاسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} وذلك أن الله بَعَث الرسل, فدعوا قومهم، وأخبروهم أنه من أطاع الله نجا، ومن عصاه عُذِّب وغَوَى (¬2). وقولُهُ: {وَلَا يُرَدُّ بَاسُنَا} أي: عقوبتنا وبطشنا, ثم بطشنا به من أهل الكفر بنا وعن القوم الذين أجرموا, فكفروا بالله، وخالفوا رسله. وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} أي: لقد كان في قصص يوسف وإخوته عبرة لأهل الحجى والعقل يعتبرون بها، وموعظة يتّعظون بها, وذلك أن الله جل ثناؤه بعد أن ألقي يوسف في الجبّ ثم بِيع بَيْع العبيد وبعد الإسار والحبس الطويل، ملّكه مصر، ومكّن له في الأرض، وأعلاه على من بغاه سوى إخوته, وجمع بينه وبين والديه وإخوته, وجاء بهم إليه من الشُّقّة البعيدة, يقال للمشركين من قريش: لقد كان لكم أيها القوم، في قصصهم عبرةٌ لو اعتبرتم به, أن الذي فعل ذلك بيوسف وإخوته، لا يتعذَّر عليه أن يفعل مثله بمحمد صلى الله عليه (¬3)، فيخرجه من بين أظهُرِكم، ثم يظهره عليكم، ويمكن له في البلاد، ويؤيده بالأتباع والأصحاب، وإن مرَّت به شدائد، وكان مجاهد (¬4) يقول: لقد كان في قصصهم عبرة ليوسف وإخوته, ورَدُّ العبرة إلى قريش أوْلى: لأنه عَقِيب الإخبار عن نبينا-صلى الله عليه (¬5). وقوله تعالى: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} أي: ما كان هذا القرآن حديثًا يختلق ويُتَكذَّب ويُتَخَرَّص, ولكنه تصديق الذي بين يديه من ¬
كتب الله عز وجل التي أنزلها قبله على أنبيائه, كالتوراة والإنجيل والزبور, يصدِّق ذلك كله. ويشهد عليه أنّ جميعه من عند الله (¬1). وقولُهُ: {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} أي: تفصيل كلما بالعباد إليه حاجة من بيان أمر الله ونهيه، وحلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته {وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: هو بيان أمره, ورشاد من جهل سبيل الحق فعمي عنه، إذا اتبعه اهتدى به من ضلالته {وَرَحْمَةً} لمن آمن به وعمل بما فيه, ينقذه من سخط الله وأليم عقابه, ويورِّثه في الآخرة جناته، والخلودَ في النعيم المقيم {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: يصدِّقون بالقرآن فيعملون بما فيه من أمره وينتهون عما فيه من نهي (¬2) وقد تضمنت الآيتان: البيان عما يوجبه بلوغ الحد في الناس من فلاح أحد من القوم من أخذهم بعذاب الاستئصال في الدنيا مع نجاة من آمن بإيمانه وفوزه بطاعته, والبيان عما يوجبه الاعتبار بأخبار الماضين من الهداية إلى الحق, وسلوك طريق الرشد الذي يؤدي صاحبه إلى أجل حال في أخلص إنعام. القولُ في الوقفِ والتمامِ: {فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} صالح (¬3)، {عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} حسن (¬4)، وآخر السورة تمام (¬5). ¬
وعدد السورة سبعة آلاف ومائة وستة وستون حرفا (¬1) وألف وسبع مائة وست وسبعون (¬2)، ومائة وإحدى عشر (¬3) آية لا خلاف في عددها (¬4). ¬
الخاتمة
الخاتمة نتائج، ومقترحات. النتائج التي توصلت إليها بعد دراستي لهذا الجزء الذي حققته بعون الله، وفضله، والذي استغرق أربعة وعشرين شهراً وشهرين، توصلت بحمد الله إلى النتائج التالية: أولا: النتائج التي توصلت إليها عن عصر المؤلف وحياته: 1 - إن العصر الذي عاش فيه الإمام الحوفي من أزهى عصور الدولة الإسلامية علميا حيث اهتم الفاطميون بالحركة العلمية في المدارس والمساجد والأزهر الشريف والرصد الحاكمي، وإن كان الدافع إلى هذا عندهم هو نشر المذهب الشيعي. 2 - لم يتأثر الإمام الحَوفي بالمذهب الشيعي بل كان من أهل السنة والجماعة. 3 - إن تاريخ مولد الإمام الحوفي في بداية النصف الثاني من القرن الرابع الهجري. 4 - إن الإمام الحَوفي أثر في المصريين فقها، ونحوا، وتفسيرا، وكان سدا منيعا طيلة حياته، وحائلا دون بث المذهب الشيعي بين المصريين. 5 - إن الإمام الحَوفي وضع بكتابه هذا خلاصة ما ألفه السابقون لكي يكون مرجعا كبيرا، يرجع إليه طلاب العلم المبتدئون، والمجتهدون. 6 - ولعدم وجود مسائل فقهية في سورة يوسف-عليه السلام- ولا أحكام فقهية، حرصت على أن أعرف مذهب الإمام الحَوفي الفقهي من الذين حققوا له في كتابه "البرهان في علوم القرآن"، فإن
ثانيا: النتائج التي توصلت إليها عن الكتاب
مذهبه مالكي، وهذا مما توصلت إليه من قبل أخي الدكتور/ أزمان الأندونيسي الذي لم يجزم أحدٌ قبله بمعرفة مذهبه. ثانيا: النتائج التي توصلت إليها عن الكتاب: 1 - توصلت بعون الله تعالى لاسم كتاب الحوفي الذي اختلف في اسمه من قبل العلماء الأجلاء وهو "البرهان في علوم القرآن من الغريب والإعراب والقراءات والتفسير والناسخ والمنسوخ والأحكام وعدد الآي والتنزيل والوقف والتمام والاشتقاق والتصريف والمحكم والمتشابه" وهذا هو المكتوب على الأجزاء التي وقفت عليها فالذين حققوا أجزاءً من الكتاب لم يجزموا باسمه فأقول: إنه سار على منهج المفسرين في تفسير كل سورة تلو الأخرى، على ترتيب المصحف، وتميز الإمام الحوفي عن سابقيه بإضافة فن جديد من علوم القرآن، من الغريب، والإعراب، والناسخ والمنسوخ، وغيرهم، ولذا قال صاحب الكتاب: "في علوم القرآن" من .... ! وكأنه يعني بمن للتبعيض من علوم القرآن، ولم يطلق العنوان بقوله: في علوم القرآن واكتفى، ولكنه بيَّن بعضا من علوم القرآن، وهذه النتيجة -بظني- لم يثبتها أحد قبلي- والله تعالى أعلى وأعلم. 2 - لم ينازع أحد أن كتاب [البرهان في علوم القرآن] من تأليف الإمام الحَوفي، بل أجمع المترجمون له على أن هذا الكتاب من تأليفه. 3 - وقفت على تاريخ قراءة المصريين منذ بداية التاريخ الإسلامي حتى وقتنا المعاصر، ومن ثمَّ توصلت بأن الإمام الحوفي كان يقرأ برواية ورش عن نافع المدني، وكتابه يدل على ذلك، وهذا مما لم يقف عليه أحد من الباحثين الذين حققوا أجزاءً من الكتاب من قبلي- والله تعالى أعلم. 4 - توصلت إلى أن الإمام الحوفي -بظني- لم يكن ملماً بعلم القراءات الشريف, ولكن له فيه مشاركة، وهذا مالم يتوصل به أحدٌ قبلي بهذه النتيجة-والله تعالى أعلم.
5 - أن كتاب البرهان للحَوفي كتاب شامل، عالج موضوعات مختلفة في القراءات، والوقف والتمام، واللغة والإعراب، والتفسير، والمعنى. 6 - أن كتاب البرهان للحَوفي تضمن قدرا كبيرا من علوم النحو واللغة، وأن الإمام الحَوفي أظهر حذقه، وبراعته النحوية، واللغوية في كتابه. 7 - استشهد الإمام الحوفي بالقرآن الكريم في المسائل اللغوية، ولم يستشهد بالحديث النبوي في الجزء الذي حققته، وأما الشعر، وكلام العرب فكان مكثرا للاستشهاد بهما. 8 - أن الإمام الحَوفي اعتمد على العلل النحوية اعتمادا كبيرا، وبينها بيانا شافيا. 9 - أن الإمام الحَوفي فصل كثيرا في إعراب القرآن بحيث يستفيد منه المبتدئ والمجتهد. 10 - أن الإمام الحَوفي بغدادي المذهب، وميله إلى البصريين. 11 - أن الإمام الحَوفي انفرد بين المفسرين بالترتيب الجيد، والتنسيق الواضح، مما جعل الاطلاع على كتابه سهلا، وأنه بالمقارنة بينه وبين كتب التفسير الأخرى، يعد من الكتب الأولى المعتمد عليها في هذا الفن. 12 - أن الإمام الحَوفي اعتمد على أهم المصادر في عصره، فاستقى منها مادته، كتفسير الطبري، وإعراب القرآن للنحاس، ومعاني القرآن للزجاج، وتفسير ابن أبي حاتم، والفراء، وابن قتيبة، وغيرهم. 13 - أن الإمام الحَوفي مثله مثل غيره من العلماء يخطئ، ويصيب لطبيعة البشر بهذه الصفة الجبلية، وأنه أخطأ في عدة مسائل نبهت عليها في محلها. 14 - لم أقف على كتاب للإمام الحوفي، سوى هذا الكتاب المبارك، [البرهان في علوم القرآن]. 15 - جمعت فوائد بالهوامش، في العقيدة، والأخلاق، والمعاملات، والمسائل المختلف فيها، مثل مسألة مَن الذبيحُ؟ وقضية همِّ يوسفَ- عليه السلام- والبرهان الذي رآه-عليه السلام-، ونقد الروايات
الإسرائيلية، ومسألة هل في القرآن حرفٌ زائدٌ؟ وهل يجوز الصلاة والسلام على غير الأنبياء- عليهم السلام؟ وهل يجوز الصدقة على الأنبياء عليهم السلام؟ وغيرها من المسائل النحوية والفقهية. ورجحتُ الراجحَ ما أمكني الدليلُ. ومما سبق ألخص النتائج التي بظني أنه لم يقف عليها أحد قبلي-ولله الحمد والمنة وهي كالتالي: • أن اسم الكتاب"البرهان في علوم القرآن" من الغريب والإعراب والقراءات والتفسير والناسخ والمنسوخ والأحكام وعدد الآي والتنزيل والوقف والتمام والاشتقاق والتصريف والمحكم والمتشابه. • أن الإمام الحوفي ولد في بداية النصف الثاني من القرن الرابع الهجري تقريباً. • معرفة تاريخ قراءة أهل مصر منذ التاريخ الإسلامي إلى وقتنا المعاصر، ومن ثمَّ قراءة شيخنا الإمام الحوفي-رحمه الله تعالى. • أن الإمام الحوفي لم يكن ملما بعلم القراءات الشريف, ولكن له فيه مشاركة. • جمعتُ وناقشت بعض الفوائد، والمسائل العلمية من خلال تحقيق المخطوط المبارك. • أن الإمام الحَوفي انفرد بين المفسرين القدامى بالترتيب الجيد، والتنسيق الواضح عما قبله.
المقترحات
المقترحات هذا المخطوط من الأهمية بمكان، وهو مفرق في الجامعات المختلفة التي تصدت لتحقيق أجزاء منه، ومع هذا لم ير مطبوعا منه في الأسواق المكتبية للإفادة منه، فلذا أقترح التالي:- 1 - أقترح على الجهات المعنية بجمع ما تفرق منه في الجامعات المختلفة، وإعادة إخراجه في عمل واحد، لينتفع الناس به. 2 - أقترح على عامة طلبة العلم، والباحثين إلى العناية بالتفسير، دراسة واطلاعاً وتحقيقاً، ففيه عامة العلوم. 3 - أقترح على عامة المهتمين في إحياء تراث أسلافنا المفسرين، وغيرهم بأن ينقبوا، ويبحثوا جادين عن مؤلفات الإمام الحوفي المندثرة بالبحث في المكتبات العالمية "الخاصة بالمخطوطات" وكما حدث معي، فلقد وُفقتُ في الحصول على هذا الجزء المبارك من جامعة ليدن بهولندا بعد جهد كبير، فلكل طارقٍ مجيبٌ. 4 - أقترح أن يطبع كل جزء أجيز، وحقق، بأن ينشر في المكتبات العامة، حتى يستفيد عامة طلاب العلم من جهد كل مجتهد لينالوا الأجر، والثواب، وحتى لا يندثر عمل الباحث كما اندثرت كتب أسلافنا- فالله المستعان. وفي الختام أقول: حللت بين فضيلتكم، وبين يدي حروف، وكلمات أبتغي بها وجه الله، ثم رجائي أن تنال رضاكم، وأود توجيهاتكم المباركة للإفادة، فما كان فيها من كمال فمن الله تعالى، وما كان فيها من نقص، فمن نفسي والشيطان، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الفهارس
ثالثا: فهرس الغريب م ... الآية ... رقم الآية ... المعنى ... الصفحة 1 ... يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ... 6 ... يصطفيك ... 124 2 ... تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ... 6 ... عبارة الرؤيا ... 124،164، ... 326 3 ... وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ... 8 ... جماعة ... 127 4 ... قَوْمًا صَالِحِينَ ... 9 ... يعنون أنهم يتوبون من قتلهم يوسف, فيكونون بتوبتهم من قتله بعد هلاك يوسف قوما صالحين ... 133 5 ... يَرْتَعْ ... 12 ... من الرعي أي يرعى الإبل, أي: أرسله معنا يلهو وينعم وينشط في الصحراء ... 135 6 ... وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ... 17 ... بِمُصَدِّقِنَا ... 148 7 ... وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ... 18 ... مكذوب ... 149 8 ... قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ ... 18 ... بَلْ زَيَّنَت ... 289 9 ... وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ ... 19 ... مارّة الطريق من المسافرين ... 151 10 ... فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ ... 19 ... وهو الذي يرد المنهل أو المنزل وَوُرُوده إِيَّاهُ: مَصِيره ... 151 11 ... فَأَدْلَى دَلْوَهُ ... 19 ... فأرسل دلوه في البئر ... 151 12 ... وَأَسَرُّوهُ ... 19 ... أسره الوارد المستقي وأصحابه من التجار الذين كانوا معهم, وقالوا لهم: هو بضاعة استبضعناها بعض أهل المال إلى مصر ... 151 13 ... وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ... 20 ... ناقص ... 161 14 ... دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ... 20 ... باعوه بدراهم غير موزونة, ناقصة غير وافية لزهدهم كان فيه ... 162 15 ... أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ... 21 ... نَتَبَنَّاه ... 163
16 ... بَلَغَ أَشُدَّهُ ... 22 ... لما بلغ يوسف شدته، وقوته في شبابه ... 165 17 ... وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ... 23 ... هلم، أو تعال إلى ما هو لك ... 158 18 ... وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا ... 25 ... وصادف سيدها: وهو زوج المرأة ... 178 19 ... قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ... 30 ... قَدْ وَصَلَ حُبّ يُوسُف إِلَى شَغَاف قَلْبهَا , فَدَخَلَ تَحْته حَتَّى غَلَبَ عَلَى قَلْبهَا ... 188 20 ... وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ ... 31 ... فعَلَتْ مِنَ الْعَتَاد, وَهُوَ الْعِدَّة: أي مَجْلِسًا لِلطَّعَامِ ... 190 21 ... مُتَّكَأً ... 31 ... مَجْلِسًا لِلطَّعَامِ ... 190 22 ... أَكْبَرْنَهُ ... 31 ... أعظمْنَه وَأَجْلَلْنَهُ وَبُهِتْنَ ... 191 23 ... فَاسْتَعْصَمَ ... 32 ... امتنع ... 193 24 ... أَعْصِرُ خَمْرًا ... 36 ... عنبا ... 203 25 ... اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ... 42 ... عند سيدك ... 217 26 ... قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ... 44 ... أخلاط رؤيا كاذبة لا حقيقة لها ... 224 27 ... وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ... 45 ... بعد حين ... 224 28 ... تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا ... 47 ... الدأب العادة ... 225 29 ... تُحْصِنُونَ ... 48 ... تحرزون ... 232 30 ... يُغَاثُ النَّاسُ ... 49 ... يغاث الناس بالمطر ... 232 31 ... وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ... 49 ... العنب والسمسم وما أشبه ذلك ... 232 32 ... مَا خَطْبُكُنَّ ... 51 ... ما كان أمركن وما كان شأنكن ... 234 33 ... الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ... 51 ... تبيّن الحق وانكشف وظهر ... 234 34 ... وَنَمِيرُ أَهْلَنَا ... 65 ... نطلب لأهلنا طعاما فنشتريه لهم ... 257 35 ... إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ... 66 ... يحيط بجميعكم ما لا تقدرون على أن تؤتوني به ... 259
36 ... وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ... 67 ... خاف عليهم إذا دخلوا من طريق واحد وهم ولد رجل واحد العين, فأمرهم أن يفترقوا ... 259 37 ... آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ ... 69 ... يقال: أوى فلانٌ فلاناً, إذا ضمه إليه ... 262 38 ... فَلا تَبْتَئِسْ ... 69 ... تفتعل من البؤس يقال ابتأس يبتأس ابتأساً وهو الحزن والابتئاس والاكتئاب والاغتمام نظائر في اللغة ... 262 39 ... ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ ... 70 ... نادى منادٍ ... 267 40 ... أَيَّتُهَا الْعِيرُ ... 70 ... وهي: القافلة فيها الأجمال ... 267 41 ... صُوَاعَ الْمَلِكِ ... 72 ... مشربة الملك ... 268 42 ... وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ... 72 ... كفيل ... 269 43 ... قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ... 75 ... سنتهم في السارق: أن يستعبد ... 270 44 ... كِدْنَا لِيُوسُفَ ... 76 ... هكذا صنعنا ليوسف ... 275 45 ... فِي دِينِ الْمَلِكِ ... 76 ... حكم ملك مصر، وقضائه، وطاعته ... 275 46 ... قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ... 77 ... يعنون أخاه لأبيه وأمه، وهو يوسف ... 278 47 ... فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ ... 80 ... يئسوا منه، ورأوا شدّته في أمره ... 286 48 ... خَلَصُوا نَجِيًّا ... 80 ... خلا بعضهم لبعض يتناجون ولا يختلط بهم غيرهم, والنجي يكون واحدا وجماعة لأنه مصدر ... 68 - 286 49 ... قَالَ كَبِيرُهُمْ ... 80 ... قال بعضهم, عنى به كبيرهم في العقل والعلم، لا في السن، وهو شمعون, قالوا: وكان روبيل أكبر منه ... 287
50 ... فَهُوَ كَظِيمٌ ... 80 ... فهو مكظوم على الحزن، أي هو مملوء منه مُمْسِك عليه ويسمى الحوض ونحوه كظامه, لأنه يمسك الماء ويحبسه ... 295 51 ... حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا ... 80 ... حتى تكون دَنِفَ الجسم مخبولَ العقل, وأصل الحرض: الفساد في الجسم والعقل, من الحزن أو من العشق ... 297 52 ... أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ... 80 ... ممن هلك بالموت ... 297 53 ... وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ... 81 ... وما كنا نرى أن ابنك يسرق ويصير أمرنا إلى هذا ... 289 54 ... وَقَالَ يَا أَسَفَى ... 84 ... يا حَزَنا على يوسف يقال: إن الأسف هو أشدُّ الحزن ... 295 55 ... تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ ... 85 ... لا تزال تذكر يوسف ... 296 56 ... أَشْكُو بَثِّي ... 86 ... والبث همه وحزنه وقيل: البثّ أشد الحزن, إنما أشكوا حزني الذي أنا فيه, وأبث حديثي وحزني إلى الله ... ويقال بثثت مابي أبثه بثاً إذا ذكرته, وابثثتك مابي إذا أطلعتك عليه ... وأصل البث: البسط والنشر ... 297 57 ... بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ ... 88 ... قليلةٍ ... 300 58 ... وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ... 88 ... تفضل علينا بما بَيْنَ سعر الجياد والرديّة ... 301 59 ... قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ... 92 ... لا تعْيير ... 309 60 ... لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ ... 94 ... لولا أن تضعفوني وتعجزوني وتلوموني وتكذبوني ... 213
61 ... وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ... 100 ... على السرير ... 323 62 ... وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ ... 105 ... وكم من آية ... 334 63 ... وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ... 106 ... وما يُقِرُّ أكثر هؤلاء الذين وصَفَ صفتهم بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء، {إِلَّا وَهُمْ} يشركون في عبادته الأوثان والأصنام, واتخاذهم من دونه أربابًا, وزعمهم أنَّ له ولدًا ... 334 64 ... أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ... 108 ... ويقين علم مني ... 335 65 ... مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ... 111 ... حديثًا يختلق ويُتَكذَّب ويُتَخَرَّص ... 345
فهرس الأشعار
رابعا: فهرس الأشعار م ... البيت ... القائل ... الصفحة 1 ... يشكو إليَّ جَمَلي طُولَ السُّرَى ... صبرٌ جميلٌ فكِلانا مُبْتَلَى ... ملبد بن حرملة الشيباني ... ،143، ... 286 2 ... أكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي ... وَبَعْدَ عطاءك المائة الرِّتَاعَا ... القطامي 3 ... أبلِغْ أميرَ المؤمنين أخا العِراقِ إذا أتَيْتا ... أنّ العِراقَ وأهلَه عُنُقٌ إليك فهَيْتَ هَيْتَا ... أبو عمرو بن العلاء 4 ... رَبِّي كَرِيمٌ لَا يُكَدِّرُ نِعْمَةً ... وَإِذَا تُنُوشِدَ بالمهارق أَنْشَدَا ... أعشى قيس 5 ... وَصَلِّ عَلَى حِينِ العَشِيَّاتِ والضُّحَى ... وَلا تَحْمَدِ الشَّيْطَانَ وَاللهَ فاحْمَدا ... أعشى قيس 6 ... لَا أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ ... نَغَّصَ الْمَوْتُ ذَا الْغِنَى وَالْفَقِيرَا ... عدي بن زيد 7 ... بعثتك مائرًا فمكثتَ حولًا ... متى يأتي غِيَاثُكَ من تُغِيثُ ... لم أعرف قائله 8 ... فإنْ تَكُنِ القَتْلى بَواءً فإنَّكُمْ ... فَتىً ما قَتَلْتُمْ آلَ عَوْفِ بنِ عامِرِ ... لَيْلى الأَخْيَلِيَّة 9 ... أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ ... حاتم بن عبد الله الطائي 10 ... وَقَدْ حَالَ هَمٌّ دُونَ ذَلِكَ دَاخِلٌ ... دُخُولَ شَغَافٍ تَبْتَغِيهِ الأصَابِعُ ... النَّابِغَةُ الذُّبْيَانيُّ 11 ... فَمَا فَتِئَتْ خَيْلٌ تَثُوبَ وَتَدَّعِي ... وَيَلْحَقُ مِنْهَا لاحِقٌ وتَقَطَّعُ ... أوس بن حِجر 12 ... فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى ... بِنَا بَطْنُ حُقْفٍ ذِي رُكَامٍ عَقَنْقَلِ (بالهامش) ... امرئ القيس 13 ... حَتّى إِذا لَم يَترُكوا لِعِظامِهِ ... لَحماً وَلا لِفُؤادِهِ مَعقول ... الراعي 14 ... هَلْ غَيْرُ أَنْ كَثُرَ الأشُرُّ وَأَهْلَكَتْ ... حَرْبُ المُلُوكِ أَكَاثِرَ الأَمْوَالِ ... لم أقف على قائله 15 ... لَعَمْرُكَ إِنَّمَا خَطَئِي وَصَوْبِي ... عَلَيَّ وَإِنَّ مَا أَهْلَكْتُ مَالُ ... أوس بن غلفاء الهجيمي
16 ... دُرَّةٌ غَاصَ عَلَيْهَا تَاجِرٌ ... جُلِيَتْ عِنْدَ عَزِيزٍ يَوْمَ طَلِّ ... أبو دؤاد الإيادي 17 ... سَقَى قومي بني مَجْدٍ وأسْقَى ... نُمَيْرًا والقبائلَ من هلالِ ... لَبِيد بن ربيعة بن مالك 18 ... كَدَأْبِك من أُمّ الْحُوَيْرِث قَبْلَهَا ... وجَارَتِهَا أُمّ الرَّبَاب بِمَأسَلِ ... امرئ القيس 19 ... خَوْدٌ كَأَنَّ برأسها وُضِعَتْ بِهِ ... أَضْغَاثُ رَيْحَانٍ غَدَاةَ شَمَالِ ... ابن مقبل 20 ... إِني إِذا مَا القَوْمُ كَانُوا أَنْجِيَهْ ... واضْطرب القَوْمُ اضْطرابَ الأَرْشِيَهْ ... سُحَيْم بْنُ وَثِيل اليَرْبُوعِي 21 ... وَشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي ... مِنْ قَبْلِ بُرْدٍ كنْتُ هَامَهْ ... ابن مفزع الحميري 22 ... نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ... ولَيْلُكَ نَوْمٌ، وَالرَّدَي لك لاَزِمُ ... عبد الله بن عبد الأعلى الشيباني 23 ... إنِّي امْرُؤٌ لَجّ بي حُبٌّ فأَحْرَضَني ... حَتَّى بَلِيتُ وحَتّى شَفَّني السَّقَمُ ... عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن عثمان بْن عفّان 24 ... لئن كنتَ فِي جُبّ ثَمانِينَ قامةً ... ورُقّيتَ أسبابَ السماء بسلّمِ ... أعشى قيس 25 ... عبادك يُخطِئون وأنت رَبٌّ ... بكفَّيك المنايا والحُتُومُ ... أمية بن الأسكر 26 ... فَلَسْتُ بِآمِرٍ فِيهَا بِسَلْمٍ ... وَلَكِنِّي عَلَى نَفْسِي زَعِيمٌ ... حاجز بن عوف الأزدي 27 ... إِلَى هِنْدٍ صَبَا قَلْبِي ... وَهِنْدٌ مِثْلُهَا يُصْبِي ... ضبّة الثقفي 28 ... بُنَيَّ بَدَا خِبُّ نَجْوَى الرِّجَالِ ... فَكُنْ عِنْدَ سرّكَ خَبَّ النَّجِيّ ... الصَّلَتَان العَبْدي 29 ... أَتَقْتُلُنِي وَقَدْ شَعَفْتُ فُؤَادَهَا ... كَمَا شَعَفَ المَهْنُوءَة الرَّجُلُ الطَّالِي ... امرئ القيس 30 ... تَقُولُ إِذَا دَرَأْتُ لَهَا وَضِينِي ... أَهَذَا دِينُهُ أَبَدًا وَدِينِي ... المثقب العبدي
فهرس الأعلام
خامسا: فهرس الأعلام م ... العلم ... الصفحة 1 ... إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج: عالم بالنحو واللغة. ولد ومات في بغداد. (ت:311 هـ) ... 168 2 ... إسماعيل بن عبد الرحمن السدي , تابعي، حجازي الأصل، سكن الكوفة (ت: 128 هـ) ... 146 3 ... أحمد بن محمد بن عبد الله البزي، أبو الحسن, من كبار القراء, من أهل مكة، (ت:250 هـ) ... 240 4 ... أعشى قيس، أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل، من بني قيس بن ثعلبة الوائلي، (ت: 7 هـ) ... 134 5 ... امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، من بني آكل المرار: (ت: 545 م) ... 141 6 ... أمية بن حرثان بن الأسكر ويقال الأشكر بالمعجمة الجندعي، شاعر فارس مخضرم، أدرك الإسلام ... 181 7 ... أوس بن حُجْر بن مالك التميمي، أبو شريح شاعر تميم في الجاهلية (ت:620 م) ... 292 8 ... أبو بكر الأدفوي محمد بن علي بن أحمد، نحوي مفسر. (ت:304 - 453 هـ) ... 39 9 ... تميم بن أبيّ بن مقبل، من بني العجلان ابن مقبل، من عامر بن صعصعة، أبو كعب: شاعر جاهلي (ت: بعد 37 هـ = بعد 657 م) ... 223 10 ... جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري السلمي، صحابي (ت: 78 هـ) ... 115 11 ... جرير بن عطية بن حذيفة اليربوعي أبو حزرة، من تميم, أشعر أهل عصره (ت: 28 - 110 هـ) ... 315 12 ... ابن الحشا عبد الرحمن بن محمد بن عيسى، قاضي طليطلة (ت: - 473 هـ) ... 42 13 ... حاتم بن عبد الله الطائي، أبو عَدِىّ فارس، شاعر، جواد، جاهلي (ت: 46 ق هـ) ... 279 14 ... حاجز بن عوف بن الحارث الأزدي من الأزد، شاعر جاهلي. ... 269
15 ... الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد, ولد بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر. ... 168 16 ... أبو دؤاد الإيادي جارية بن الحجّاج بن حذاق الإياديّ شاعر جاهلي (ت: 146 - 79 ق. هـ) ... 188 17 ... أبو الدرداء، عويمر بن مالك بن قيس الأنصاري، صحابي (ت: 32 هـ) ... 208 18 ... الريان بن الوليد. قد اختلف في اسمه وذكر أن من ولد الريان بن الوليد عزيز مصر. ... 242 19 ... الزَّيَّاتُ، أَبُو عُمَارَةَ التَّيْمِيُّ الْكُوفِيُّ، حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، أحد القراء السبعة، (ت:151 - 160 هـ). ... 146 20 ... زياد بن معاوية بن ضباب النابغة الذبيانيّ الغطفانيّ المضري، أبو أمامة، شاعر جاهلي (نحو 18 ق هـ = نحو 604 م) ... 189 21 ... زيد بن أسلم العدوي: الفقيه العابد المفسر، مولى عمر- رضي الله عنه توفي سنة (ت-136 هـ) ... 324 22 ... السدوسي، أبو الخطاب قتادة بن دعامة الضرير الأكمه، مفسر كتاب الله (ت 117 هـ) ... 113 23 ... سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الكوفي: المقرئ المفسر الفقيه، (ت:95 هـ) ... 166 24 ... سلمان الفارسي: صحابي، (ت: 36 هـ) ... 325 25 ... شَيْبَةُ بْنُ نَعَامَةَ، أَبُو نَعَامَةَ الضَّبِيُّ الْكُوفِيُّ. قَالَ ابْنُ معين: ضعيف الحديث (ت: 141 - 150 هـ) ... 243 26 ... أبو صالح، واسمه باذام، ويقال باذان. مولى أم هانئ بنت أبي طالب. وهو صاحب التفسير ... 242 27 ... الضحاك بن مزاحم البلخي الخراساني، أبو القاسم: مفسر. توفي بخراسان (ت: 105 هـ) ... 133 28 ... عامر بن شراحيل بن عبد أبو عمر الهمدانى ثم الشعبي وعُد من التابعين، (ت: 105 هـ) ... 190
29 ... العائذ بن محصن بن ثعلبة، شاعر جاهلي، من أهل البحرين. (نحو 35 ق هـ =نحو 588 م) ... 276 30 ... أبوعمرو بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبد الله بن الحصين المازني التميمي البصري (68 أو 70 - 154 هـ) ... 159 31 ... أبُو عُمَر عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن عثمان بْن عفّان الأموي العَرجّي الشاعر (ت:120 هـ) ... 293 32 ... أبو علي حسون حسين بن عيسى الكلبي، قاضي مالقة. (ت: 453 هـ) ... 42 33 ... أبو عمران عبد الله بن عامر اليحصبي ابن عامر على الأصح, إمام أهل الشام في القراءة، والذي انتهت إليه مشيخة الإقراء بها، (ت:118 هـ) ... 111 34 ... عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ هَارُونَ. ... 324 35 ... عَبْد الرَّحْمَن بْن هُرْمُز الأعرج، أَبُو دَاوُد المدَنِيُّ, وكان ثقة ثبتا، (ت: 117 هـ) ... 234 36 ... عبد الصّمد بن علي بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عبد المطّلب، رَوَى عَنْ أبيه وحَدَّثَ عَنْهُ: (ت: 185 هـ) ... 192 37 ... عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِث، أَبُو الْوَلِيدِ الْبَصْرِيُّ، وثقه أبو زرعة، وليس هو بالمشهور. (ت:91 - 100 هـ). ... 301 38 ... عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ المدَنِيُّ، أَبُو الْوَلِيدِ. مِنْ تَابِعِيِّ أَهْلِ المدينة (ت: 81 - 90 هـ) ... 325 39 ... عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي، وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان. (ت:216 هـ) ... 183 40 ... عبيد أبو جندل بن حصين بن معاوية النميري، شاعر من فحول المحدثين. ... 151 41 ... علي بن محمد الشابشتي، أبو الحسن: أحد الندماء الأدباء توفي بمصر (ت:388 هـ) ... 30 42 ... غيلان بن عقبة بن مسعود العدوي، أبو الحارث، ذو الرمة, من مضر، شاعر، من فحول الطبقة الثانية (ت:117 هـ) ... 294
43 ... فَرْقَدُ بْنُ يَعْقُوبَ السَّبَخِيُّ، أحَدُ الْعُبَّادِ الأعلام، أَبُو يَعْقُوبَ الْبَصْرِيُّ الْحَائِكُ (ت 121 - 130 هـ). ... 322 44 ... الفضيل بن عياض التميمي اليربوعي، أبو علي كان ثقة في الحديث (ت:187 هـ) ... 325 45 ... قثم بن خبيّة الصَّلَتَان العَبْدي: شاعر حكيم، من عبد القيس (ت: 80 هـ) ... 287 46 ... أبو القاسم عبد الوهاب بن محمد بن عبد القدوس الأنصاري من جلة المقرئين (ت: 403 - 462 هـ) ... 43 47 ... قيس بن زهير بن رواحة العبسيّ, ويكنى أبا هند يلقب بقيس الرأي لجودة رأيه أمير عبس (ت:10 هـ) ... 304 48 ... لَبِيد بن ربيعة بن مالك، أبوعقيل العامري أحد الشعراء في الجاهلية , وفد على النبي- صلى الله عليه وسلم (ت: 41 هـ.) ... 215 49 ... ليلى الأخيلية: ليلى بنت الأخيل بن ذي الرحالة بن شداد بن عبادة العقيلي: (ت: 80 هـ) ... 239 50 ... أبو محمد العسكري ابن رشيق الحسن، المصري إمام محدث. (282 - 370 هـ) ... 39 51 ... مجاهد أبو الحجاج بن جبر الإمام الحبر المكي أحد الأعلام، يروي عن جماعة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم (ت: 103 هـ). ... 113 52 ... محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني مولاهم الكوفي الفقيه العلامة، أحد الأعلام. (ت:181 - 190 هـ) ... 325 53 ... محمد بن المستنير بن أحمد، أبو علي، الشهير بقطرب عالم بالأدب واللغة (ت: 206 هـ) ... 217 54 ... محمد بن كعب القرظي أبو حمزة كان أبوه من سبي بني قريظة (ت:110 هـ) ... 175 55 ... محمد بن يزيد بن عبد الأكبر أبو العباس، المعروف بالمبرد, إمام العربية ببغداد (ت:286 هـ) ... 197
56 ... المظفر بن أحمد حمدان، مقرئ مضري نحوي، له كتاب في اختلاف القراء السبعة. (ت:333 هـ) ... 39 57 ... معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، كان أعلم الأمة بالحلال والحرام. (ت: 18 هـ) ... 113 58 ... معمر بن المثنى، أَبُو عبيدة التيمي البصري، النحوي العلامة, (ت:209 هـ) ... 133 59 ... نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي بالولاء المدني أحد القراء السبعة والأعلام ثقة. ... 128 60 ... هارون بن موسى بن شريك الأخفش أبو عبد الله التغلبي الدمشقي المقرئ. (ت: 300 هـ) ... 208 61 ... هانئ بن شكيم العدوي لم أقف على ترجمته. ... 314 62 ... أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وأبو خالد فقيه الحرم المكيّ, وهو أول من صنف التصانيف في العلم بمكة, مكي المولد (ت:80 - 150 هـ) ... 147 63 ... وهب بن منبه كان ممن قرأ الكتب (ت:113 هـ) ... 298 64 ... يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلميّ، المعروف بالفراء: إمام الكوفيين (ت:207 هـ) ... 217 65 ... يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري من فحول الشعراء (ت:69 هـ) ... 154
فهرس المراجع والمصادر
سادساً: فهرس المراجع والمصادر مصحف المدينة النبوية للنشر الحاسوبي الإصدار 1 مجمع الملك فهد لطباعة المصحف م ... المؤلف ... المصنف 1 ... ابن أبي الدنيا ... أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي الأموي القرشي (ت: 281 هـ) الصبر والثواب عليه، ت: محمد خير رمضان يوسف، ط 1، (بيروت: دار ابن حزم، 1418 هـ- 1997 م) 2 ... ابن أبي زَمَنِين ... أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد المري، الإلبيري المالكي (ت: 399 هـ) تفسير القرآن العزيز، ت: أبو عبد الله حسين بن عكاشة - محمد بن مطفى الكنز، ط 1 (القاهرة: الفاروق الحديثة،1423 هـ -2002 م) 3 ... ابن أبي شيبة ... أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي (ت: 235 هـ) المصنف في الأحاديث والآثار، ت: كمال يوسف الحوت، ط 1، (الرياض: مكتبة الرشد،1409 هـ) 4 ... ابن أبي عام ... أبو بكر وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (ت: 287 هـ) الزهد: ت: عبد العلي عبد الحميد حامد، ط 2، (القاهرة: دار الريان للتراث،1408 م) 5 ... ابن الأثير أبو الحسن عز الدين ... علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، (ت:630 هـ) أسد الغابة (بيروت: دار الفكر،1409 هـ - 1989 م) 6 ... ابن الأثير ضياء الدين ... نصر الله بن محمد (ت: 637 هـ) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ت: أحمد الحوفي، بدوي طبانة، ط 1، (القاهرة- الفجالة- دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع) 7 ... ابن الجزري ... أبو الخير شمس الدين محمد بن محمد بن يوسف (ت: 833 هـ) شرح طيبة النشر في القراءات، ضبطه وعلق عليه: الشيخ أنس مهرة، ط 2، (بيروت: دار الكتب العلمية،1420 هـ -2000 م)
8 ... النشر في القراءات العشر, ت: علي محمد الضباع (ت: 1380 هـ) (المطبعة التجارية الكبرى، تصوير دار الكتاب العلمية) 9 ... ابن الجوزي ... أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت: 597 هـ) زاد المسير في علم التفسير، ت: عبد الرزاق المهدي، ط 1، (بيروت: دار الكتاب العربي-1422 هـ) 10 ... أبو الفرج عبد الرحمن (ت: 597) فنون الأفنان في عيون علوم القرآن، حققه وأكمل فوائده د/حسن ضياء الدين عتر (دار البشائر الإسلامية) 11 ... ابن الخطيب ... محمد محمد عبد اللطيف (ت: 1402 هـ) أوضح التفاسير، ط 6، (المطبعة المصرية ومكتبتها- 1383 هـ - 1964 م) 12 ... ابن السراج ... أبو بكر محمد بن السري بن سهل النحوي (ت: 316 هـ) الأول في النحو، ت: عبد الحسين الفتلي، (لبنان - بيروت-مؤسسة الرسالة) 13 ... ابن الشجري ... أبو السعادات ضياء الدين هبة الله بن علي بن حمزة (ت: 542 هـ) أمالي بن الشجري، ت: الدكتور محمود محمد الطناحي، ط 1، (القاهرة: مكتبة الخانجي،1413 هـ-1991 م) 14 ... ابن العماد ... أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد العَكري الحنبلي، (ت: 1089 هـ) شذرات الذهب في أخبار من ذهب ت: محمود الأرناؤوط وخرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، ط 1، (دمشق: بيروت: دار ابن كثير،1406 هـ - 1986 م) 15 ... ابن المبارك ... أبو محمد تاج الدين، عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه بن عبد الله بن على التّاجر الواسطيّ المقرئ (ت: 741 هـ) الكنز في القراءات العشر، ت: د. خالدالمشهداني، ط 1، (القاهرة- مكتبة الثقافة الدينية-1425 هـ - 2004 م) 16 ... ابن المنذر النيسابوري ... أبو بكر محمد بن إبراهيم (ت: 319 هـ) كتاب تفسير القرآن، قدم له الأستاذ الدكتور: عبد الله بن عبد المحسن التركي، حققه وعلق عليه الدكتور: سعد بن محمد السعد، ط 1، (المدينة النبوية-دار المآثر - 1423 هـ، 2002 م)
17 ... ابن الوزير ... أبو عبد الله، عز الدين محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي، (ت: 840 هـ) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم حققه وضبط نه، وخرج أحاديثه، وعلّق عليه: شعيب الأرنؤوط، ط 3، (بيروت-مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع- 1415 هـ - 1994 م) 18 ... ابن بشكوال ... أبو القاسم خلف بن عبد الملك (ت: 578 هـ) عني بنشره وصححه وراجع أصله: السيد عزت العطار الحسيني، ط 1، (مكتبة الخانجي، 1374 هـ- 1955 م) 19 ... ابن تيمية ... أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الحراني (ت: 728 هـ) مجموع الفتاوى، ت: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، (المدينة النبوية: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416 هـ/1995 م) 20 ... ابن جرير ... أبو جعفر الطبري محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، (ت: 310 هـ) جامع البيان في تأويل القرآن، ت: أحمد محمد شاكر، ط 1، (مؤسسة الرسالة،1420 هـ - 2000 م) 21 ... جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ت: عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط 1 (دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان،1422 هـ - 2001 م) 22 ... تاريخ الرسل والملوك، القرطبي، لعريب بن سعد، (ت: 369 هـ) تاريخ الطبري، ط 2، (بيروت: دار التراث، 1387 هـ) 23 ... ابن جزي ... أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، الكلبي الغرناطي (ت: 741 هـ) التسهيل لعلوم التنزيل، ت: الدكتور عبد الله الخالدي، ط 1 (بيروت -شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - 1416 هـ) 24 ... ابن جني ... أبو الفتح عثمان المولي، (ت: 392 هـ) اللمع في العربية، ت: فائز فارس (الكويت: دار الكتب الثقافية)
25 ... المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها, (وزارة الأوقاف-المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 1420 هـ- 1999 م) 26 ... الخصائص، ط 4، (الهيئة المصرية العامة للكتاب) 27 ... ابن حجر العسقلاني ... أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد (ت: 852 هـ) المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، ت: (17) رسالة علمية قدمت لجامعة الإمام محمد بن سعود، تنسيق: د. سعد بن ناصر بن عبد العزيز الشثري، ط 1، (السعودية: دار العاصمة، دار الغيث، 1419 هـ) 28 ... ابن حزم ... أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي القرطبي الظاهري (ت: 456 هـ) الفصل في الملل والأهواء والنحل، (القاهرة: مكتبة الخانجي) 29 ... ابن خالويه ... أبو عبد الله الحسين بن أحمد، (ت: 370 هـ) , الحجة في القراءات السبع, ت: عبد العال سالم مكرم، ط 4، (بيروت: دار الشروق، 1401 هـ) 30 ... ابن خلف ... أبو طاهر إسماعيل بن سعيد المقرئ الأنصاري السرقسطي (ت: 455 هـ) العنوان في القراءات السبع ت:: زهير زاهد وخليل العطية (عالم الكتب، بيروت , 1405 هـ) 31 ... ابن خلكان ... أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان البرمكي الإربلي (ت: 681 هـ) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ت: إحسان عباس 32 ... ابن دريد ... أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت:321 هـ) الاشتقاق، ت: وشرح: عبد السلام محمد هارون، ط 1، (بيروت: دار الجيل،1411 هـ -1991 م) 33 ... جمهرة اللغة: ت: رمزي منير بعلبكي، ط 1، (بيروت: دار العلم للملايين،1987 م) 34 ... ابن رفاعة، ... أبو الخير زيد بن عبد الله بن مسعود الهاشمي (ت: 400 هـ): الأمثال ط 1، (دمشق: دار سعد الدين، 1423 هـ)
35 ... ابن زنجلة ... عبد الرحمن بن محمد، أبو زرعة (ت: 403 هـ) حجة القراءات, ت: سعيد الأفغاني (دار الرسالة) 36 ... ابن سلاّم ... أبو عُبيد القاسم بن عبد الله الهروي البغدادي (ت: 224 هـ) غريب الحديث ت: د. محمد عبد المعيد خان، ط 1، (الدكن: حيدر آباد، مطبعة دائرة المعارف العثمانية،1384 هـ -1964 م) 37 ... ابن سيده ... أبو الحسن علي بن إسماعيل المرسي (ت: 458 هـ) المحكم والمحيط الأعظم ت: ابن سيده عبد الحميد هنداوي، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية،1421 هـ -2000 م) 38 ... المخصص، ت: خليل إبراهم جفال، ط 1، (بيروت: دار إحياء التراث العربي،1417 هـ- 1996 م) 39 ... ابن طيفور ... أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر (ت: 280 هـ) بلاغات النساء، صححه وشرحه: أحمد الألفي، (القاهرة: مطبعة مدرسة والدة عباس الأول، 1326 هـ-1908 م) 40 ... ابن عادل ... أبو حفص سراج الدين عمر بن علي الحنبلي الدمشقي النعماني (ت: 775 هـ) اللباب في علوم الكتاب، ت: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض، ط 1، (لبنان: دار الكتب العلمية،1419 هـ-1998 م) 41 ... ابن عاشور ... محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر التونسي، (ت: 1393 هـ) التحرير والتنويرط 1، (تونس: الدار التونسية للنشر،1984 هـ) 42 ... ابن عرفة ... محمد بن محمد الورغمي التونسي المالكي، أبو عبد الله (ت: 803 هـ) تفسير الإمام ابن عرفة، ت: د. حسن المناعي، ط 1 (تونس: مركز البحوث بالكلية الزيتونية، 1986 م) 43 ... ابن عطية ... أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام الأندلسي المحاربي (ت: 542 هـ) ,المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ت: عبد السلام عبد الشافي محمد، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1422 هـ)
44 ... ابن فارس ... أبو الحسين حمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، (ت: 395 هـ) الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، ط 1، (محمد علي بيضون-1418 هـ-1997 م) 45 ... معجم مقاييس اللغة، ت: عبد السلام محمد هارون (دار الفكر-1399 هـ- 1979 م) 46 ... مجمل اللغة، دراسة وتحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، ط 2، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1406 هـ - 1986 م) 47 ... ابن فورك ... أبو بكر محمد بن الحسن الأنصاري الأبهاني، (ت: 406 هـ) تفسير ابن فورك من أول سورة المؤمنون - آخر سورة السجدة، دراسة وت: علال عبد القادر بندويش (ماجستير) ط 1، (مكة: جامعة أم القرى، 1430 هـ- 2009 م) 48 ... ابن قاسم ... أبو محمد بدر الدين حسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المري المالكي (ت: 749 هـ) توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، شرح وت:: عبد الرحمن علي سليمان، أستاذ اللغويات في جامعة الأزهر، ط 1، (دار الفكر العربي-1428 هـ - 2008 م) 49 ... أبو حنيفة الدينوري ... أبو حنيفة أحمد بن داود (ت: 282 هـ) الأخبار الطوال، ت: عبد المنعم عامر مراجعة: الدكتور جمال الدين الشيال، ط 1، (القاهرة: دار إحياء الكتب العربي، عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1960 م) 50 ... ابن قتيبة الدينوري ... أبو محمد عبد الله بن مسلم، (ت: 276 هـ) تأويل مشكل القرآن، ت: إبراهيم شمس الدين، (بيروت: دار الكتب العلمية، 2007 م) 51 ... الشعر والشعراء، (القاهرة: دار الحديث، 1423 هـ) 52 ... غريب القرآن، ت: أحمد صقر (دار الكتب العلمية (لعلها مصورة عن الطبعة المصرية) 1398 هـ -978 م) 53 ... الجراثيم، ت: محمد جاسم الحميدي، قدم له: الدكتور مسعود بوبو (دمشق-وزارة الثقافة) 54 ... أدب الكاتب (أو) أدب الكتّاب، ت: محمد الدالي (القاهرة: مؤسسة الرسالة)
55 ... ابن قدامة ... أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، (ت:620 هـ) المغني لابن قدامة، ت: محمد خليل هراس (القاهرة: مطبعة نشر الثقافة الإسلامية بمصر) 56 ... ابن قيم الجوزية ... محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين (ت: 751 هـ) جلاء الأفهام في فضل اللاة على محمد خير الأنام، ت: شعيب الأرناؤوط- عبد القادر الأرناؤوط، ط 2، (الكويت: دار العروبة،1407 - 1987 م) 57 ... ابن كثير ... أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 هـ)، البداية والنهاية، (دار الفكر،1407 هـ - 1986 م) 58 ... تفسير القرآن العظيم، ت: سامي بن محمد سلامة، ط 2، (دار طيبة للنشر والتوزيع،1420 هـ-1999 م) 59 ... ابن مالك ... أبو عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله، الطائي، (ت: 672 هـ) ألفية ابن مالك، (دار التعاون) 60 ... إكمال الأعلام بتثليث الكلام، ت: سعد بن حمدان الغامدي، ط 1 (مكة المكرمة: جامعة أم القرى،1404 هـ 1984 م) 61 ... شرح الكافية الشافية، ت: عبد المنعم أحمد هريدي، ط 1، (مكة المكرمة: جامعة أم القرى مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي كلية الشريعة والدراسات الإسلامية) 62 ... ابن مجاهد ... أحمد بن موسى بن العباس التميمي، أبو بكر البغدادي (ت: 324 هـ) كتاب السبعة في القراءات, ت: شوقي ضيف, ط 2, (مصر: دار المعارف، 1400 هـ) 63 ... ابن ملّا ... عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني (ت: 1398 هـ) بيان المعاني ط 1، (دمشق: مطبعة الترقي،1382 هـ - 1965 م)
64 ... ابن منصور ... سعيد، أبو عثمان بن شعبة الخراساني الجوزجاني (ت: 227 هـ) التفسير من سنن سعيد بن منور - محققا، دراسة وت: د سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد، ط 1، (الرياض: دار الميعي للنشر والتوزيع-1417 هـ - 1997 م) 65 ... ابن منظور ... أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن على الأنصاري الرويفعى الإفريقى (ت: 711 هـ) لسان العرب، ط 3، (بيروت: دار صادر، 1414 هـ) 66 ... ابن ناصف ... إبراهيم بن ناصف بن عبد الله بن ناصف بن عبد الله بن ناصف بن جنبلاط بن سعد الْيَازِجِيّ الْحِمْصِيّ نصراني الديانة (ت: 1324 هـ) نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد، (مصر: مطبعة المعارف، 1905 م) 67 ... ابن هشام ... أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله، (ت: 761 هـ) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ت: د. مازن المبارك/محمد علي حمد الله، ط 6، (دمشق: دار الفكر،1985 م) 68 ... ابن وهب ... أبو محمد عبد الله بن مسلم المري القرشي (ت: 197 هـ) تفسير القرآن من الجامع لابن وهب، ت: ميكلوش موراني، ط 1 (بيروت: دار الغرب الإسلامي،2003 م) 69 ... ابن مهران العسكري ... أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى (ت: نحو 395 هـ) جمهرة الأمثال، (بيروت: دار الفكر) 70 ... أبو البركات ابن الأنباري ... كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري، (ت: 577 هـ) الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين: البصريين والكوفيين، ط 1 (بيروت: صيدا-المكتبة العصرية،1424 هـ- 2003 م) 71 ... أبو الحسن ابن الأثير ... عز الدين علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، (ت: 630 هـ) الكامل في التاريخ، (بيروت: دار صادر، 1402 هـ) 72 ... أبو القاسم النيسابوري ... نجم الدين محمود بن أبى الحسن بن الحسين، (ت: نحو 550 هـ) إيجاز البيان عن معاني القرآن، ت: حنيف بن حسن القاسمي، ط 1، (بيروت- دار الغرب الإسلامي- 1415 هـ)
73 ... أبو بكر الجزائري ... جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، ط 5، (المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، 1424 هـ/2003 م) 74 ... أبو بكر النيسابورىّ ... أحمد بن الحسين بن مِهْران، (ت: 381 هـ) المبسوط في القراءات العشر, ت: سبيع حمزة حاكيمي, (دمشق: مجمع اللغة العربية، 1981 م) 75 ... أبو حيان ... أثير الدين محمد بن يوسف بن علي بن يوسف الأندلسي (ت: 745 هـ) البحر المحيط في التفسير ت: دقي محمد جميل ط 1، (بيروت: دار الفكر،1420 هـ) 76 ... أبو زيد الثعالبي ... عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف (ت: 875 هـ) الجواهر الحسان في تفسير القرآن، ت: محمد علي معوض -عادل أحمد عبد الموجود، ط 1، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1418 هـ) 77 ... أبو سهل الهروي ... محمد بن علي بن محمد (ت: 433 هـ) إسفار الفيح، ت: أحمد بن سعيد بن محمد قشاش، ط 1، (المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،1420 هـ) 78 ... أبو شامة ... أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي , (ت: 665 هـ) , إبراز المعاني من حرز الأماني , (بيروت: دار الكتب العلمية) 79 ... أبو شُهبة ... محمد بن محمد بن سويلم (ت: 1403 هـ) المدخل لدراسة القرآن الكريم، ط 2، (القاهرة: مكتبه السنة، 1423 هـ - 2003 م) 80 ... أبو عبيدة ... معمر بن المثنى التيمى البري (ت: 209 هـ) مجاز القرآن، ت: محمد فواد سزكين، (القاهرة: مكتبة الخانجى، 1381 هـ) 81 ... أبو علي القالي ... إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون بن عيسى بن محمد بن سلمان (ت: 356 هـ) عني بوضعها وترتيبها: محمد عبد الجواد الأمعي، ط 2، (القاهرة: دار الكتب المصرية،1344 هـ- 1926 م)
82 ... أبو منصور الثعالبي ... عبد الملك بن محمد بن إسماعيل (ت: 429 هـ) ,فقه اللغة وسر العربية، ت: عبد الرزاق المهدي، ط 1، (إحياء التراث العربي، 1422 هـ - 2002 م) 83 ... أبو منصور الماتريدي ... محمد بن محمد بن محمود، (ت: 333 هـ) تفسير الماتريدي (تأويلات أهل السنة) ت: د. مجدي باسلوم، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1426 هـ - 2005 م) 84 ... أبو نعيم ... أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (ت: 430 هـ) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (السعادة بجوار محافظة مصر-1394 هـ - 1974 م) 85 ... معرفة الصحابة، ت: عادل بن يوسف العزازي، ط 1، (الرياض: دار الوطن،1419 هـ - 1998 م) 86 ... أبوالحسن السخاوي ... علم الدين علي بن محمد (ت: 643) فتح الوصيد في شرح القصيد تحقيق: د. مولاي محمد الإدريسي الطاهري دكتوراه، ط 1، (الرياض: مكتبة الرشد، السلسلة: سلسلة رسائل جامعية، 92، 1423 هـ - 2002 م) 87 ... أبوالخير السخاوي ... شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد (ت: 902 هـ) المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، ت: محمد عثمان الخشت، ط 1، (بيروت: دار الكتاب العربي، 1405 هـ - 1985 م) 88 ... الأبياري ... إبراهيم بن إسماعيل (ت: 1414 هـ) الموسوعة القرآنية، ط 1، (مؤسسة سجل العرب 1405 هـ) 89 ... الأزهري الهروي ... أبو منصور محمد بن أحمد بن الهروي، (ت: 370 هـ) تهذيب اللغة، ت: محمد عوض مرعب، ط 1، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 2001 م) 90 ... معاني القراءات, ط 1, (السعودية: مركز البحوث في كلية الآداب، جامعة الملك سعود، 1412 هـ - 1991 م) 91 ... الأخفش، أبو الحسن المجاشعي بالولاء البلخي ثم البري، (ت: 215 هـ) معانى القرآن ت: الدكتورة هدى محمود قراعة، ط 1، (القاهرة: مكتبة الخانجي، 1411 هـ -1990 م)
92 ... الإستراباذي ... نجم الدين محمد بن الحسن الرضي (ت: 686 هـ) شرح شافية ابن الحاجب، مع شرح شواهده للعالم الجليل عبد القادر البغدادي صاحب خزانة الأدب المتوفي عام 1093 هـ، ت: مجموعة من تين، (لبنان: دار الكتب العلمية،1395 هـ-1975 م) 93 ... الأشموني ... أحمد بن عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم المصري الشافعي (ت: 1100 هـ) منار الهدى في بيان الوقف والابتدا، ت: عبد الرحيم الطرهوني (القاهرة: دار الحديث، 2008 م) 94 ... الألوسي ... شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني (ت: 1270 هـ) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ت: علي عبد الباري عطية، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية،1415 هـ) 95 ... أمالي القالي ... سمط اللآلي في شرح أمالي القالي [هو كتاب شرح أمالي القالي / لأبي عبيد البكري؛ نسخه وححه وحقق ما فيه وخرجه وأضاف إليه عبد العزيز الميمني]، نسخه وححه ونقحه وحقق ما فيه واستخرجه من بطون دواوين العلم: عبد العزيز الميمني، (بيروت: دار الكتب العلمية) 96 ... الإمام أحمد ... أبو عبد الله بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ت: 241 هـ) مسند الإمام أحمد بن حنبل، ت: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد- وآخرون-إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط 1، (القاهرة-مؤسسة الرسالة- 1421 هـ - 2001 م) 97 ... الإمام مالك ... مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (ت: 179 هـ) المدونة، ط 1، (دار الكتب العلمية، 1415 هـ - 1994 م) 98 ... موطأ الإمام مالك، صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1406 هـ - 1985 م) 99 ... الأنباري ... أبوبكر محمد بن قاسم بن بشار (ت 328 هـ) إيضاح الوقف والابتدا في كتاب الله عز وجل، ت: محي الدين عبدالرحمن رمضان (دمشق: مطبوعات مجمع اللغة العربية،1391 هـ 1971 م)
100 ... الزاهر في معاني كلمات الناس ت: د. حاتم الصالح الضامن، ط 1، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1412 هـ -1992) 101 ... الأندونيسي ... أزمان إسماعيل أحمد، دراسة وتحقيق الجزء الثامن من كتاب البرهان للإمام الحوفي (القاهرة: جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية. إشراف أ. د./ صبحي عبد الحميد محمد عبد الكريم أستاذ اللغويات بالكلية، رسالة دكتوراه 1412 هـ-1991 م) 102 ... الأنصاري ... أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا زين الدين السنيكي (ت: 926 هـ) المقصد لتلخيص ما في المرشد في الوقف والابتداء، ت: شريف أبو العلا العدوي، ط 1 (بيروت- دار الكتب العلمية-1422 هـ - 2002 م) 103 ... إعراب القرآن العظيم حققه وعلق عليه: د. موسى على موسى مسعود (رسالة ماجستير) ط 1) (دار النشر: لا توجد-1421 هـ - 2001 م) 104 ... الأهوازي ... أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد (ت: 446 هـ) ,الوجيز في شرح قراءات القرأة الثمانية أئمة الأمصار الخمسة, ت: دريد حسن أحمد , ط 1, (بيروت: دار الغرب الإسلامى،2002 م) 105 ... الباباني البغدادي ... إسماعيل بن محمد أمين بن مير سليم (ت: 1399 هـ) إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، عنى بتصحيحه وطبعه على نسخة المؤلف: محمد شرف الدين بالتقايا رئيس أمور الدين، والمعلم رفعت بيلكه الكليسى (بيروت: دار إحياء التراث العربي، بيروت) 106 ... الباقولي ... أبو الحسن، نور الدين علي بن الحسين بن علي جامع العلوم الأَصْفهاني (ت: نحو 543 هـ) إعراب القرآن المنسوب للزجاج، ت: ودراسة: إبراهيم الإبياري، ط 4، (القاهرة: دار الكتاب المصري، ودار الكتب بيروت، 1420 هـ) 107 ... البغدادي ... عبد القادر بن عمر (ت: 1093 هـ) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، ت: وشرح: عبد السلام محمد هارون، ط 4، (القاهرة: مكتبة الخانجي، 1418 هـ - 1997 م)
108 ... البغوي ... أبو محمد محيي السنة الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء الشافعي (ت: 510 هـ) معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي، عبد الرزاق المهدي، ط 1، (بيروت: دار إحياء التراث العربي،1420 هـ) 109 ... البقاعي ... إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر (ت: 885 هـ) نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، ط 1، (القاهرة: دار الكتاب الإسلامي) 110 ... البلنسي ... ابن الأبار محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي (ت: 658 هـ) التكملة لكتاب الصلة، ت: عبد السلام الهراس، (لبنان: دار الفكر للطباعة-1415 هـ-1995 م) 111 ... البوصيري ... أبو العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان الكناني الشافعي (ت: 840 هـ) إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة 112 ... الثعلبي ... أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم، (ت: 427 هـ) الكشف والبيان عن تفسير القرآن، ت: الإمام أبي محمد بن عاشور، ط 1، (بيروت: دار إحياء التراث العربي،1422 هـ - 2002 م) 113 ... الجرجاني ... أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأل، الدار (ت: 471 هـ) دَرْجُ الدُّرر في تَفِسيِر الآيِ والسُّوَر، دراسة وت: (الفاتحة والبقرة) وَليد بِن أحمد بن الِح الحُسَيْن، (وشاركه في بقية الأجزاء): إياد عبد اللطيف القيسي، ط 1، (بريطانيا: مجلة الحكمة،1429 هـ - 2008 م) 114 ... الجرجاويّ الأزهري ... زين الدين المري خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد، (ت: 905 هـ) شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلميةن 1421 هـ- 2000 م 115 ... الجريرى ... النهرواني، أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى (ت: 390 هـ) الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي، ت: عبد الكريم سامي الجندي، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1426 هـ - 2005 م)
116 ... الجَوجَري ... شمس الدين محمد بن عبد المنعم بن محمد القاهري الشافعي، (ت: 889 هـ) شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب ت: نواف بن جزاء الحارثي، ط 1، (المدينة المنورة: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،1423 هـ/2004 م) 117 ... الجوهري ... أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي (ت: 393 هـ) الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ت: أحمد عبد الغفور عطار، ط 4، (بيروت: دار العلم للملايين، 1407 هـ-1987 م) 118 ... حاجي خليفة ... مصطفى بن عبد الله كاتب جلبي القسطنطيني (ت: 1067 هـ) عن أسامي الكتب والفنون، (بغداد: مكتبة المثنى، 1941 م) 119 ... الحاكم النيسابوري ... أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع، ط 1، (ت: 405 هـ) المستدرك على الصحيحين ت: مصطفى عبد القادر عطا (بيروت: دار الكتب العلمية - 1411 - 1990) 120 ... حسن ... حسن، د/ إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام، ط 3، (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية،1982 م) 121 ... الحميرى ... نشوان بن سعيد (ت: 573 هـ) شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم ت: د حسين بن عبد الله العمري - مطهر بن علي الإرياني - د يوسف محمدعبدالله، ط 1 (دار الفكر المعاصر (بيروت: دار الفكر (دمشق:1420 هـ - 1999 م) 122 ... الخازن ... أبو الحسن علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيحي، (ت: 741 هـ) لباب التأويل في معاني التنزيل، ت:،: تحيح محمد علي شاهين، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1415 هـ) 123 ... الخراط ... أبو بلال، أحمد بن محمد، المجتبى من مشكل إعراب القرآن، ط 1 (المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1426 هـ)
124 ... الخطاب ... أبو زيد محمد بن أبي القرشي (ت: 170 هـ) جمهرة أشعار العرب، حققه وضبطه وزاد في شرحه: علي محمد البجادي، (نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع) 125 ... الخطيب ... الشربيني، شمس الدين، محمد بن أحمد الشافعي (ت: 977 هـ) السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (القاهرة، مطبعة بولاق (الأميرية) -1285 هـ) 126 ... الخفاجي ... شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر المري الحنفي (ت: 1069 هـ) حَاشِيةُ الشِّهَابِ عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوِي، الْمُسَمَّاة: عِنَايةُ القَاضِى وكِفَايةُ الرَّاضِى عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوي (بيروت: دار صادر) 127 ... الدارمي ... أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بَهرام بن عبد الصمد، التميمي السمرقندي (ت: 255 هـ) مسند الدارمي المعروف بسنن الدارمي، ت: نبيل هاشم الغمري ط 1، (بيروت: دار البشائر،1434 هـ - 2013 م) 128 ... الداني ... أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر، (ت: 444 هـ) المكتفى في الوقف والابتدا، ت: محيي الدين عبد الرحمن رمضان، ط 1، (الأردن: دار عمار،1422 هـ - 2001 م) 129 ... البيان في عدّ آي القرآن ت: غانم قدوري الحمد، ط 1، (الكويت: مركز المخطوطات والتراث،1414 هـ- 1994 م) 130 ... التيسير في القراءات السبع, ت: اوتو تريزل, ط 2 (بيروت: دار الكتاب العربي،1404 هـ/ 1984 م) 131 ... الأحرف السبعة للقرآن, ت: عبد المهيمن طحان ,ط 1, (مكة المكرمة: مكتبة المنارة، 1408 هـ) 132 ... جامع البيان في القراءات السبع ط 1 (الإمارات: الشارقة 1428 هـ - 2007 م)
133 ... الداوودي ... شمس الدين محمد بن علي بن أحمد، (ت: 945 هـ) طبقات المفسرين، ت: علي محمد عمر، ط 1، (القاهرة: مكتبة وهبة، 1392 هـ) 134 ... درويش ... درويش، محيي الدين بن أحمد مطفى (ت: 1403 هـ) إعراب القرآن وبيانه، ط 4 (بيروت: دمشق: دار اليمامة،1415 هـ) 135 ... الدعاس ... أحمد عبيد - أحمد محمد حميدان - إسماعيل محمود القاسم، إعراب القرآن الكريم، ط 1، (دمشق: دار المنير ودار الفارابي،1425 هـ) 136 ... الذهبي ... شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز (ت: 748 هـ) سير أعلام النبلاء، مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، ط 3، (مؤسسة الرسالة، 1405 هـ / 1985 م) 137 ... دول الإسلام، ت: فهيم محمد شلتوت ومحمد مصطفى إبراهيم، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،1974 م) 138 ... معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، ط 1، (دار الكتب العلمية: 1417 هـ- 1997 م) 139 ... تذكرة الحفاظ، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية،1419 هـ- 1998 م) 140 ... أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (ت: 748 هـ) العبر في خبر من غبر، ت: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية) 141 ... الرشيد العطار ... يحيى بن علي بن عبد الله بن علي، أبو الحسين، رشيد الدين القرشي الاموي النابلسي ثم المصري، (المتوفى: 662 هـ) نزهة الناظر في ذكر من حدث عن أبي القاسم البغوي من الحفاظ والأكابر، ت: مشعل بن باني الجبرين المطيري، ط 1، (دار ابن حزم- 1423 هـ - 2002 م) 142 ... رفيدة ... د. إبراهيم عبد الله رفيده، النحو وكتب التفسير (الدار الجماهيرية للنشر التوزيع والإعلان،1990 م)
143 ... الرومي ... أ. د. فهد بن عبد الرحمن بن سليمان (معاصر) ط 12، دراسات في علوم القرآن الكريم (حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، 1424 هـ - 2003 م) 144 ... الزَّبيدي ... محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، (ت: 1205 هـ) تاج العروس من جواهر القاموس، ت: مجموعة من تين (دار الهداية) 145 ... الزجاج ... أبو إسحاق، إبراهيم بن السري بن سهل، (ت: 311 هـ) معاني القرآن وإعرابه ت: عبد الجليل عبده شلبي، ط 1، (بيروت: عالم الكتب، 1408 هـ - 1988 م) 146 ... الزجاجي ... أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق البغدادي النهاوندي، (ت: 337 هـ) اللامات، ت: مازن المبارك، ط 2، (دمشق: دار الفكر،1405 هـ- 1985 م) 147 ... حروف المعاني والصفات ت: علي توفيق الحمد، ط 1، (بيروت: مؤسسة الرسالة -1984 م) 148 ... الزُّرْقاني ... محمد عبد العظيم، (ت: 1367 هـ) مناهل العرفان في علوم القرآن، ط 3، (مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه الطبعة) 149 ... الزركشي ... أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر (ت: 794 هـ) البرهان في علوم القرآن، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه،1376 هـ-1957 م) 150 ... الزمخشري ... أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، جار الله (ت: 538 هـ) أساس البلاغة، ت: محمد باسل عيون السود، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1419 هـ - 1998 م) 151 ... المفصل في صناعة الإعراب، ت: د. علي بو ملحم، ط 1، (بيروت: مكتبة الهلال،1993 م)
152 ... الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ط 3، (بيروت: دار الكتاب العربي،1407 هـ) 153 ... زهد ... أد. عام العبد زهد، الإسرائيليات في تفسير ابن جرير الطبري لسورة يوسف عرض ونقد، مؤتمر خطر الروايات الواهية على الإسلام المنعقد الثلاثاء - الأربعاء 7 - 8 ذو القعدة 1432 الموافق 4 - 5/ 10/2011 م (غزة: كلية أصول الدين، الجامعة الإسلامية) 154 ... الزيلعي ... أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف بن محمد (ت: 762 هـ) تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري، ت: عبد الله بن عبد الرحمن السعد، ط 1، (الرياض: دار ابن خزيمة، 1414 هـ) 155 ... زين الدين الرازي ... أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي (ت: 666 هـ) مختار الصحاح، ت: يوسف الشيخ محمد، ط 5، (بيروت: صيدا: المكتبة العربية-الدار النموذجية،1420 هـ / 1999 م) 156 ... السامرائي ... فاضل بن الح بن مهدي بن خليل البدري، لمسات بيانية في نو من التنزيل، ط 3، (عمَّان: دار عمار للنشر والتوزيع، 1423 هـ - 2003 م) 157 ... السبكي ... تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين (ت: 771 هـ) طبقات الشافعية الكبرى، ت: د. محمود محمد الطناحي د. عبد الفتاح محمد الحلو، ط 2، (القاهرة: هجر للطباعة والنشر والتوزيع،1413 هـ) 158 ... سفيان الثوري ... أبو عبد الله بن سعيد بن مسروق الكوفي (ت: 161 هـ) تفسير الثوري، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1403 هـ 1983 م) 159 ... السمرقندي ... أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم (ت: 373 هـ) بحر العلوم 160 ... السمعاني ... أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي المروزي، (ت: 562 هـ) الأنساب، ت: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني وغيره، ط 1، (حيدر آباد: مجلس دائرة المعارف العثمانية، 1382 هـ - 1962 م)
161 ... السمين الحلبي ... أبو العباس شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم (ت: 756 هـ) الدر المصون في علوم الكتاب المكنون ت: الدكتور أحمد محمد الخراط (دمشق: دار القلم) 162 ... سيبويه ... أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء (ت: 180 هـ) الكتاب، ت: عبد السلام محمد هارون ط 3 (القاهرة: مكتبة الخانجي، 1408 هـ - 1988 م) 163 ... السيوطي ... جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، (ت: 911 هـ) حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، (مصر: دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1387 هـ - 1967 م) 164 ... الدر المنثور (بيروت: دار الفكر) 165 ... طبقات المفسرين العشرين، ت: علي محمد عمر، ط 1، (القاهرة: مكتبة وهبة، 1396 م) 166 ... الإتقان في علوم القرآن ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، (الهيئة المصرية العامة للكتاب الطبعة: 1394 هـ/ 1974 م) 167 ... شلبي ... د/ أحمد شلبي، موسوعة التاريخ الإسلامي، ط 8، (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية،1985 م) 168 ... الشنقيطى العلوي ... أبو محمد عبد الله بن ابراهيم العلوى, (ت: 1836 م) نشر البنود على مراقى السعود, ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1409 هـ - 1988 م)، 169 ... الشنقيطي ... محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني (ت: 1393 هـ) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (لبنان: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415 هـ - 1995 م) 170 ... الشهرستاني ... أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد (ت: 548 هـ) الملل والنحل، تصحيح أحمد فهمي محمد، ط 1، (القاهرة: مطبعة حجازي،1398 هـ)
171 ... الشوكاني ... محمد بن علي بن محمد بن عبد الله اليمني (ت: 1250 هـ) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، ط 1، (دمشق: بيروت: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب،1414 هـ) 172 ... صافي ... محمود بن عبد الرحيم (ت: 1376 هـ) الجدول في إعراب القرآن الكريم، ط 4، (دار الرشيد: دمشق: بيروت: مؤسسة الإيمان، 1418 هـ) 173 ... الصباغ ... محمدبن لطفي، لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير، ط 3، (بيروت: المكتب الإسلامي) 174 ... الصبان ... أبو العرفان محمد بن علي الشافعي (ت: 1206 هـ) حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1417 هـ -1997 م) 175 ... الصعيدي ... الصعيدي، عبد المتعال، المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى الرابع عشر، (دار الحماس للطباعة) 176 ... الضباع ... نور الدين علي بن محمد بن حسن بن إبراهيم بن عبد الله (ت:1380 هـ) الإضاءة في بيان أصول القراءة، ط 1، (القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث،1420 هـ-1999 م) 177 ... طاشْكُبْري زَادَهْ ... أحمد بن مصطفى بن خليل (ت:958 هــ) مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، (بيروت: دار الكتب العلمية) 178 ... طنطاوي ... محمد سيد، التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ط 1 (القاهرة: الفجالة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 1998 - 1997 م) 179 ... الطنطاوي ... الشيخ محمد الطنطاوي رحمه الله، نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة، ت: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل، ط 1، (مكتبة إحياء التراث الإسلامي، 2005 م-1426 هـ) 180 ... عبد الرزاق ... أبو بكر بن همام بن نافع الحميري اليماني النعاني (ت: 211 هـ) , (تفسير عبد الرزاق-تفسير القرآن العزيز) دراسة وت: د. محمود محمد عبده، ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية،1419 هـ)
181 ... عز الدين ابن الأثير ... أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، (ت: 630 هـ) الكامل في التاريخ، (بيروت: دار صادر، 1402 هـ) 182 ... اللباب في تهذيب الأنساب، (بيروت: دار صادر) 183 ... العكبري ... أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله البغدادي محب الدين (ت: 616 هـ) اللباب في علل البناء والإعراب، ت: د. عبد الإله النبهان، ط 1، (دمشق: دار الفكر،1416 هـ 1995 م) 184 ... التبيان في إعراب القرآن, ت: علي محمد البجاوي (عيسى البابي الحلبي وشركاه) 185 ... العمادي ... أبو السعود محمد بن محمد بن مطفى (ت: 982 هـ) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (بيروت: دار إحياء التراث العربي) 186 ... الفارابي ... أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن الحسين، (ت: 350 هـ) معجم ديوان الأدب ت: دكتور أحمد مختار عمر، مراجعة: دكتور إبراهيم أنيس (القاهرة: مؤسسة دار الشعب للحافة والطباعة والنشر،1424 هـ-2003 م) 187 ... الفارسيّ ... أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار (ت: 377 هـ) , الحجة للقراء السبعة, ت: بدر الدين قهوجي - بشير جويجابي, ط 2، (دمشق / بيروت: دار المأمون للتراث، 1413 هـ -1993 م) 188 ... فخر الدين الرازي ... أبو عبد الله فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي، (ت: 606 هـ) مفاتيح الغيب، ط 4، (بيروت: دار إحياء التراث العربي،1420 هـ) 189 ... معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، ط 1، (دار الكتب العلمية،1417 هـ- 1997 م) 1/ 199 190 ... الفراء ... أبو زكريا يحيى بن زياد (ت: 207 هـ) معاني القرآن, ت: أحمد يوسف نجاتى / محمدعلى نجار / عبدالفتاح إسماعيل شلبى, (مصر: دارالمصرية للتأليف والترجمة)
191 ... القاضي عياض ... اليحصبي أبو الفضل بن موسى (ت: 544 هـ) ترتيب المدارك وتقريب المسالك، ت: سعيد أحمد أعراب ط 1، (المغرب: مطبعة فضالة، المحمدية،1981 - 1983 م) 192 ... القضاعي ... أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون المصري (المتوفى: 454 هـ) مسند الشهاب، ت: حمدي بن عبد المجيد السلفي، ط 2، (مؤسسة الرسالة - بيروت- 1407 هـ - 1986 م) 193 ... القطان ... مناع بن خليل (ت: 1420 هـ) مباحث في علوم القرآن، ط 3، (مكتبة المعارف للنشر والتوزيع،1421 هـ- 2000 م) 194 ... القفطي ... جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف (ت: 646 هـ) , إنباه الرواة على أنباه النحاة, ت: محمد أبو الفضل إبراهيم, ط 1، (القاهرة: بيروت: دار الفكر العربي ومؤسسة الكتب الثقافية,1982 م) 195 ... كحالة ... عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني (ت: 1408 هـ) معجم المؤلفين، (بيروت: مكتبة المثنى، دار إحياء التراث العربي) 196 ... كراع النمل ... أبو الحسن علي بن الحسن الهُنائي الأزدي، (ت: بعد 309 هـ) المُنَجَّد في اللغة (أقدم معجم شامل للمشترك اللفظي، ت: دكتور أحمد مختار عمر، دكتور ضاحي عبد الباقي، ط 2، (القاهرة: عالم الكتب-1988 م) 197 ... المبرد ... أبو العباس، محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى الأزدي، (ت: 285 هـ) المقتضب ت: محمد عبد الخالق عظيمة (بيروت: عالم الكتب) 198 ... مجاهد ... أبو الحجاج بن جبر التابعي المكي القرشي المخزومي (ت: 104 هـ) ت: الدكتور محمد عبد السلام أبو النيل، ط 1، (مصر: دار الفكر الإسلامي الحديثة،1410 هـ - 1989 م) 199 ... المرادي ... المرادي، أبو محمد بدر الدين حسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المصري المالكي المؤلف: (ت: 749 هـ) الجنى الداني في حروف المعاني، ت: د فخر الدين قباوة -الأستاذ محمد نديم فاضل، ط 1، (لبنان بيروت -دار الكتب العلمية- 1413 هـ - 1992 م) 1/ 370.
200 ... المَرْوَزِي ... أبو عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج (ت: 294 هـ) مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر، اختصرها: العلامة أحمد بن علي المقريزي، ط 1، (باكستان:- فيصل اباد: حديث أكادمي، 1408 هـ-988 م) 201 ... تعظيم قدر الصلاة، المحقق: د. عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، ط 1، (المدينة المنورة: مكتبة الدار، 1406 هـ) 202 ... مسلم بن الحجاج ... أبو الحسن القشيري النيسابوري (ت: 261 هـ) المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، (بيروت: دار إحياء التراث العربي) - 203 ... الميداني ... أبو الفضل أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري (ت: 518 هـ) مجمع الأمثال، ت: محمد محيى الدين عبد الحميد، (بيروت: دار المعرفة) 204 ... النسائي ... أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، (ت: 303 هـ) المجتبى من السنن = السنن الصغرى للنسائي، ت: عبد الفتاح أبو غدة، ط 3، (حلب: مكتب المطبوعات الإسلامية، 1406 هـ- 1986 م) 205 ... النحاس ... أبوجعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل (ت: 338 هـ) القطع والائتناف، ت: عبدالرحمن بن إبراهيم المطرودي، ط 1 (السعودية: دار عالم الكتب،1413 هـ -1992 م) 206 ... إعراب القرآن, ط 1، (بيروت: دار الكتب العلمية, 1421 هـ) 207 ... معاني القرآن الكريم، ت: محمد علي الصابوني ,ط 1 , (مكة المكرمة: جامعة أم القرى،1409 هـ) 208 ... عمدة الكتاب، ت: بسام عبد الوهاب الجابي، ط 1، (دار ابن حزم، الجفان والجابي للطباعة والنشر- 1425 هـ - 2004 م)
209 ... النسفي ... أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين (ت: 710 هـ) مدارك التنزيل وحقائق التأويل ت: يوسف علي بديوي، ط 1، (بيروت- دار الكلم الطيب-1419 هـ-9981 م) 210 ... نصار ... عمار عبودى محمد حسين (معاصر) تطور كتابة السيرة النبوية، ط 1، (بغداد: الثقافية العامة، 1418 هـ) 211 ... نصر والهلالي ... محمد بن موسى وسليم بن عيد، إتحاف الإلف بذكر الفوائد الألف والنيف من سورة يوسف - عليه السلام، ط 1، (السعودية-الرياض-مكتبة الرشد ناشرون-1424 هـ-2003 م) 212 ... النووي ... أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف (ت: 676 هـ) تهذيب الأسماء واللغات عنيت بنشره وتحيحه والتعليق عليه ومقابلة أوله: شركة العلماء بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية (بيروت: دار الكتب العلمية) 213 ... الهيثمي ... أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان (ت: 807 هـ) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ت: حسام الدين القدسي، (القاهرة: مكتبة القدسي، 1414 هـ، 1994 م) 214 ... الواحدي ... أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي، النيسابوري، الشافعي (ت: 468 هـ) الوسيط في تفسير القرآن المجيد، ت: وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، الدكتور أحمد محمد صيرة، الدكتور أحمد عبد الغني الجمل، الدكتور عبد الرحمن عويس قدمه وقرظه: الأستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي، ط 1 (بيروت: دار الكتب العلمية، 1415 هـ - 1994 م) 215 ... ياقوت الحموي ... أبو عبد الله شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الرومي ت: 626 هـ, معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب, راجعه وزارة المعارف العمومية (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه) 216 ... يوسف ... محمد عثمان (معاصر) الحوفي ومنهجه في تفسير القرآن، ط 1، (كفر الشيخ: دار العلم الإيمان، 2009 م)
- أ - دولة ماليزيا وزارة التعليم العالي (MOHE) جامعة المدينة العالمية كلية العلوم الإسلامية قسم القرآن الكريم وعلومه البرهان في علوم القرآن للإمام الحَوفيِّ المتوفى 430 هـ سورة يوسفَ-دراسةً وتحقيقاً رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن اسم الباحث: إبراهيم عناني عطية عناني الرقم الجامعي: PTF 123 AY 624 تحت إشراف: الأستاذ المشارك الدكتور السيد سيد أحمد نجم العام الجامعي: 1436 هـ - 2015 م
- جـ - بسم الله الرحمن الرحيم صفحة التحكيم: CERTIFICATION OF DISSERTATION WORK PAGE تمّ إقرار بحث الطالب: إبراهيم عنانى عطية عناني من الآتية أسماؤهم: The thesis of Basem Hasan M.H Flemban has been approved by the following: المشرف على الرسالة Supervisor Academic الأستاذ المشارك الدكتور\ السيد سيد أحمد نجم المشرف على التصحيح Supervisor of correction الأستاذ المساعد الدكتور\ خالد نبوى سليمان حجاج نائب رئيس القسم Head of Department الأستاذ المشارك الدكتور\ السيد سيد أحمد نجم نائب عميد الكلية Dean, of the Faculty الأستاذ المشارك الدكتور\ السيد سيد أحمد نجم قسم الإدارة العلمية والتخرج Academic Managements & Graduation Dept عمادة الدراسات العليا Deanship of Postgraduate Studies
إقرار
- د - إقرار أقررتُ بأنّ هذا البحث من عملي الخاص، قمتُ بتحقيقه ودراسته، والنقل والاقتباس من المصادر والمراجع المتعلقة بموضوعه. اسم الطالب: إبراهيم عناني عطية عناني
- هـ - DECLARATION I hereby declare that this dissertation is result of my own investigation, except where otherwise stated. Name of student: Ibrahim Anani Attia Anani
- و - جامعة المدينة العالمية إقرار بحقوق الطبع وإثبات مشروعية الأبحاث العلمية غير المنشورة حقوق الطبع 2015 © محفوظة اسم الباحث: إبراهيم عناني عطية عناني البرهان في علوم القرآن للإمام الحَوفيِّ المتوفى 430 هـ سورة يوسفَ-دراسةً وتحقيقاً لا يجوز إعادة إنتاج أو استخدام هذا البحث غير المنشور في أيّ شكل أو صورة من دون إذن مكتوب موقع من الباحث إلاّ في الحالات الآتية: 1 - يمكن الاقتباس من هذا البحث بشرط العزو إليه. 2 - يحق لجامعة المدينة العالمية بماليزيا الاستفادة من هذا البحث بمختلف الطرق وذلك لأغراض تعليميّة، لا لأغراض تجاريّة أو تسوقيّة. 3 - يحق لمكتبة جامعة المدينة العالميّة بماليزيا استخراج نسخ من هذا البحث غير المنشور؛ إذا طلبتها مكتبات الجامعات، ومراكز البحوث الأخرى. أكدّ هذا الإقرار: إبراهيم عناني عطية عناني
ملخص
- ز - ملخص الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله المنة، والفضل الحسن، فهو المنعم، المتفضل علينا بنعمه المتتابعة المتتالية، فسبحان رب العزة عما يصفون، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين- نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، فهذا ملخص بحثي-وهو تحقيق، ودراسة لتفسير سورة يوسف- من كتاب البرهان في علوم القرآن للإمام الحوفي، أعرض فيه، أبرز ما في هذا البحث: • لم يتأثر الإمام الحَوفي بالمذهب الشيعي، بل كان من أهل السنة والجماعة. • أن الإمام الحَوفي أثر في المصريين، فقها، ونحوا، وتفسيرا، وكان سدا منيعا، طيلة حياته، وحائلا دون تغلغل، وتخلخل، ودون بث المذهب الشيعي بين المصريين. • أن الإمام الحَوفي وضع بكتابه هذا، خلاصة ما ألفه السابقون، لكي يكون مرجعا كبيرا يرجع إليه الناس. • لم ينازع أحد أن تفسير الإمام الحَوفي للقرآن من تأليف الإمام الحَوفي، بل أجمع المترجمون له على أن هذا الكتاب من تأليفه. • أن تفسير الإمام الحَوفي تفسير شامل، بمعنى أنه درس القرآن، نحوا، ولغة، وفقها، وقراءات، ورتب ذلك ترتيبا جيدا.
Abstract
- حـ - Abstract Praise be to Allah that His grace is righteous he may praise in the first and in the Hereafter has gratitude and thanks Hassan is Moneim Almtfdil we blessings row successive we can not owe commendable it is better than praised himself Glory to the Lord of Glory what they describe and praise be to Allah, and peace and blessings on the Prophet Muhammad is the master of the first and the last creatures of humankind, and peace be upon his family , friends and followers. This is my summary of an investigation and study of the interpretation of Surah Yusuf book proof of Science in the Quran to the Imam Hwvay introduce the most prominent results of this studies: o Imam Hawvay was not affected of Shiatte thought, but he was the Sunnatte community and their thought . o Imam Hawvay impacted on the Egyptians, fabricated, and shoved, and explanation, and was a bulwark, throughout his life, and a barrier to penetration, and osteoporosis, and transmit the Shiite sect among Egyptians. o Imam Hawvay put this his book, written summary of what the former, in order to be a great point of reference due to people. o No one disputed that interpretation of the Quran Imam Hawvay authored by Imam Hawvay himself, but the whole Translators who wrote about him said that, this book is on his thoughts. o That the interpretation of Imam Hawvay comprehensive explanation, in the sense that he studied the Koran, shoved, and the language, and accordingly, readings, and arranged so good arrangement
شكر وتقدير
- ط - شكر وتقدير الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله المنة والفضل الحسن- فهو المنعم المتفضل علينا بنعمه المتتابعة المتتالية- وهو ميسر النعمِ وصاحب الفضلِ فلا نستطيع أن نوفيه بالثناء عليه- فهو خير من أثنى على نفسه فسبحان رب العزة عما يصفون والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين -نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد، فاقتداءً بهدي- النبي صلى الله عليه وسلم- القائل"من لا يشكر الناس لا يشكر الله" (¬1) ومن هذا المنطلق أتوجه بالشكر والتقدير لمعالي مدير جامعة المدينة العالمية التنفيذي-لسعادة الأستاذ الدكتور/ محمد بن خليفة التميمي- حفظه الله- على إرساء قواعد هذه الجامعة وتشجيعه وفتح بابه للطلاب، وتذليل العقبات أمامهم أطال الله في عمره. كما أتوجه بالشكر والتقدير لسعادة الأستاذ الدكتور/ عبد الناصر خضر ميلاد الذي لا يدخر جهداً، ولا سعةً، في مساعدة طلاب مركز المدينة المنورة، وتذليل كل الصعاب لهم-حفظه الله تعالى، وأطال الله لنا في عمره. وأتوجه بالشكر والتقدير أيضا لسعادة الأستاذ الدكتور/ السيد سيد أحمد نجم- المشرف على الرسالة- وعلى توجيهاته، وإرشاداته القيمة في أي وقت من ليل أو نهار، زاده الله علما، وأطال الله في عمره، وحفظ الله عليه دينه وأهله وأولاده وماله. وأتوجه بالشكر والتقدير كذلك لسعادة الأستاذ الدكتور/ نبيل الجوهري -الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة- قسم التفسير والقراءات- على توجيهاته القيمة والاستفادة من علمه الجم، وحرصه الدائم ¬
- ي - وتشجيعه لي، ورفع معنوياتي لما وقع في طريقي كثير من المحن والابتلاءات، نسأل الله أن يثيبه ويجزيه عني خير الجزاء ونفع الله به الإسلام والمسلمين. كما أتوجه بالشكر والتقدير لشيخي الجليل-شيخ القراءات بالمسجد النبوي الشريف- الدكتور/ إيهاب فكري حيدر على توجيهاته المباركة والاستفادة من علمه المبارك بارك الله في عمره وعلمه وعمله. ثم أتوجه بالشكر والدعاء الدائم لمشايخي، وزملائي، وأخواتي، وإخواني- العاملين بجامعة المدينة العالمية لما قدموا لي يد العون من خدمات، وتوجيهات، وأجوبة صادقة واضحة على بعض الاستفسارات، والإشكالات التي كانت تواجهني على طول دربي- جزاهم الله عني خيراً. والشكر والتقدير موصول لكل من قدم إليَّ يدَ العون، والمساعدة، من إخواني وأحبابي الفضلاء الذين قضوا أوقاتهم لنفعي، وتقديم المساعدة لي- رزقهم الله الثواب، والأجر الجزيل، إنه جواد كريم. واللهَ أساله أن يجزي الجميع على ما قدموه لي خيرَ ما جزى الله به عباده الصالحين العاملين بهدي سيد المرسلين- محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.