الجزائر الثائرة

الفضيل الورتلاني

الجزائر الثائرة بقلم الأستاذ الجليل والمجاهد الكبير الفضيل الورتلاني طبعة جديدة مزيدة ومنقحة ومدعمة بالصور دار الهدى عين مليل - الجزائر

دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع جميع الحقوق محفوظة للناشر 2009 دار الهدى

مقدمة الطبعة الرابعة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه نستعين مقدمة الطبعة الرابعة بقلم الدكتور حسان الجيلاني {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاةدُواللَّة عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} الأحزاب: 23. أتاحت لي فرصة كتابة هذه المقدمة أن أطلع على جانب كبير من حياة الورتلاني بواسطة تلك الوثائق والمخطواطات والصور التي أمدني بها مشكورًا نجله الأستاذ حسنين مسعود الورتلاني وتمكنت من اكتشاف الرجل من جديد. فهل كان الفضيل الورتلاني مجهولًا لدي؟ بالتأكيد لا، ولكن معرفتي بالرجل كانت سطحية، إذ كنت أعرفه كما أعرف سائر أعضاء جمعية العلماء، ولكن وأنا أغوص في قراءة ما كتبه وما كتب عنه استطعت أن ألم بحياة الرجل واكتشفت سيرته ونضاله وجهاده، وعرفت أنه كان فريدًا من نوعه، ووحيدًا في زمانه، وعبقريًا في قومه، فهو كتيبة في معركة الجهاد، دولة في تمثيلهالدبلوماسي، عالم في دعوته الإصلاحية، زعيم سياسي في مواقفه الثورية، إنه رجل نادر كمثل جده الثالت الحسين الورتلاني صاحب الرحلة، وكمثل ابن باديس وغيره من الأعلام الذين تفتخر بهم الأمم والشعوب لأنهم لا يتكررون كثيرًا ولا يوجدون في كل الأماكن والعصور إلا ما ندر، فالورتلاني كما وصفته جريدة "القبس" الدمشقية سنة 1947: "وجه مشرف، طافح بالرجولة والبشاشة، جسمه ممتلئ قوة وإيمانًا، وحديثه متنوع اللهجات ما بين مغربي وشامي

ومصري. ذلك هو الأستاذ الفضيل الورتلاني" أو كما وصفته جريدة "الأمانة" التي كان يشرف عليها الدكتور منصور فهمي باشا في مصر "الأستاذ الفضيل الورتلاني الجزائري أحد الذين أنجبتهم العروبة مفطورين على حبها، والذود عن حياضها! ينتسب إلى عائلة عريقة في العلم والجهاد وهو الفضيل بن محمد السعيد بن فضيل بن محمد الشريف بن الحسين محمد الورتلانى (1713 - 1779) المشهور بصاحب الرحلة الورتلانية المعروفة بـ "نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار" وقد ألفها بمناسبة حجاته الثلاثة إلى البقاع المقدسة في حدود سنة "1765م". ولد بقرية "أنو" ببلدية بني ورتيلان يوم 6 فبراير سنة 1900م، وحفظ القرآن في سن مبكرة. وواصل دراسته الإعدادية بالقرية المذكورة. وقد تلقى تعليمه الأول على يد الشيخ السعيد البهلولي، وغيره من الشيوخ الأجلاء في المنطقة. وأكمل دراسته على يد الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس، وأعجب هذالأخير بذكائه المتميز عن أقرانه من الطلبة، وقد عينه فيما بعد مساعدًا للتدريس معه وهو طالب، وصار الورتلاني لا يفارق ابن باديس جولاته المختلفة. وفي 1931 عندما تأسست جمعية العلماء صار الورتلاني أحد أعضائها البارزين، وقد تعين بعد تخرجه سنة 1934 معلمًا بمدرسة التربية والتعليم التي أنشأها ابن باديس. وكان في تلك الفترة يكتب المقالات الأدبية والفكرية بالكثير من الجرائد كالشهاب، البصائر والشريعة. قضى الورتلاني حياة كلها أسفار ورحلات وتنقلات بين مختلف عواصم العالم، حاملًا معه قضية تحرير الشعب الجزائري، منددًا بممارسات الاستعمار، فانتدبته جمعية العلماء سنة 1936 لتمثيلها في فرنسا، فأسس الورتلاني ما يزيد عن الـ 30 مدرسة وناديا لنشر الدعوة الإصلاحية وتعليم أبناء الجالية الجزائرية مبادئ اللغة العربية والدين الإسلامي. وقد شعر الورتلاني أن الفرنسيون لا يكنون خيرًا له، بل حاولوا اغتياله لولا فضل الله الذي نجاه من مكرهم، ولما أحس بأن حياته مهددة خرج متخفيًا من فرنسا باتجاه القاهرة، وهناك كون

علاقات صداقة وزمالة امتدت إلى ما بعد وفاته. وفي مصر تمكن الورتلاني من مواصلة دراساته العليا بالأزهر الشريف وحصل على شهادة العالمية في أصول الدين: الشريعة الإسلامية. كما أسهم نضاله بمصر في تأسيس مكتب لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأصبح هو رئيسًا له. وكان له الفضل في تأسيس البعثات الأولى من الطلبة الجزائريين إلى المشرق العربي ومصر خاصة، كما استطاع أن يتعرف على كبار العلماء المسلمين ويربط معهم علاقات متينة. غادر الأستاذ الفضيل الورتلاني مصر ليتجه إلى اليمن وكان ذلك سنة 1947، وحاز إعجاب الملك والأمراء والأعيان هناك، فكانت هذه الثقة بداية الإعداد لثورة اليمن وقلب نظام الحكم، إلا أن الثورة فشلت وظل النظام على حاله، واتهم الورتلاني بقتل الإمام وتدبير قلب النظام هو والدكتور المصري مصطفى الشكعة، فالتجأ الورتلاني إلى لبنان، ومنها زار العديد من الدول غير العربية من أورربية وأسيوية وإفريقية معرفا بقضية الجزائر داعيا الشعوب والحكومات إلى الوقوف بجانب كفاح الشعب الجزائري. وهكذا نجد القضية الجزائرية ما عرفت إلا من خلال رحلات الورتلاني التي جاب بها مختلف أقطار العالم. وكان الورتلاني بالفعل كتيبة كاملة العدة والعدد والهدف من أجل تحرير الوطن الجزائري والشمال الإفريقي من نير العبودية والاستعمار، وكان سجله حافلا بالمواقف الوطنية المشرفة. ومن جديد يعود الأستاذ الورتلاني إلى القاهرة فيحتفي بعودته بإقامة حفلا تكريميا يوم 28 نوفمبر 1952 بأحدث الفنادق هناك، حضرته شخصيات بارزة من مختلف أنحاء الوطن العربي والإسلامي. ويغادر الأستاذ الورتلاني مصر في اتجاه تركيا التي نَظَّرَ فيها لأجل الاعتراف بالثورة الجزائرية موفدا إليها من قبل قيادة جبهة التحرير الوطني بالقاهرة، إلا أن دوره هناك لم يتواصل طويلا حيث سقط مريضا بداية عام 1959، وإثر عملية

جراحية انتقل إلى جوار ربه يوم 12 مارس 1959م، ودفن بأنقرة حتى يوم 12 مارس 1987 حيث نقل جثمانه من تركيا إلى أرض الوطن. يعتبر كتابه ـ[الجزائر الثائرة]ـ ثمرة جهاد وخلاصة عمل جبار، قامت جمعية عباد الرحمن وهي جمعية إسلامية لبنانية سنة 1956 بجمعه وترتيبه وطبعه ولكن لم ينشر في ذلك الوقت نظرًا للظروف التي كانت تمر بها الجزائر، وأعيد طبعه ببيروت سنة 1963 أما طبعته الثالثة فقد قامت بها دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع سنة 1991 وها هي تعيد طبعته الرابعة عام 2007 وهو يحتوي على أهم أفكار وآراء الشيخ الورتلاني، وهو مادة خام في حاجة إلى الكثير من المجهودات، وهو عبارة عن مجموعة من الوثائق التاريخية الهامة والنادرة التي نحتاجها في هذه المرحلة لتدوين تاريخنا ونفض الغبار عن الكثير من المواقف والمعلومات المتعلقة بثورة الجزائر. وفي الكتاب إجلاء لحقائق لا يجحدها إلا مكابر عنيد ظلت بين أخذ ورد، بين مؤيد ومعارض. والله ولي التوفيق الدكتور حسان الجيلاني قسنطينة في 8 محرم 1428 هـ الموافق لـ 28 جانفي 2007 م

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحياة منذ بدايتها، دائمة القوة، دائمة الشباب، دائبة الحركة والتطور والنمو، لا تعرف الضعف والشيخوخة، ولا ينالها فتور أو ركود أو تعطل. وهي تندفع إلى الأمام مع "الأحياء" ذوي الهمم العالية، والعزائم الماضية والإرادات القوية، الذين أدركوا سر وجودهم في هذه الأرض، وامتلأت قلوبهم إيمانا بالقوة العظيمة الخالدة المبدعة التي لا يعدو الون أن يكون مظهر إعجازها، ولا تعدو الحياة أن تكون سرا باهرا من أسرارها، يشع الوعي في العقول: الوعي الذي يعرف الإنسان أن الحياة جهاد وبناء، وأن حياة المرء لا تعد بالعمر الذي يقضيه في هذا الوجود وإنما بما يحدثه فيه. هكذا تصنع الحياة "بالأحياء". أما "الأموات" أو "الأحياء الأموات" الذي قال الشاعر العربي فيهم: فإن قلت: أموات، فلم تعد أمرهم ... وإن قلت: أحياء، فلست مفندا - فإنها تطرحهم عن طريقها، لأنهم خاملون جامدون، يقنعون بالموجود، ويرضون بالدون، لا تتجاوز آمالهم وطموحاتهم مواطئ أقدامهم ... همهم أن يعيشوا حاضرهم بلا ماض ولا مستقبل ... همهم أن يتغنوا بعظمة الأجداد ويتغنوا بذكراهم، ويقروا عينا بأنهم من نسلهم، همهم أن يعيشوا وإن كان ذلك من أجل أن يعدوا من الأحياء لا أكثر ولا أقل!! هكذا تصنع الحياة "بالأحياء" و"الأموات".

إنها تطرح الغثاء، وتلفظ القشور، وتحفظ اللب!! وليس معقولا أن تتخلف عن الحياة نفوس غالية كبيرة، خلقت للحياة، ولا ترضى من الحياة إلا بالعظائم، وتستروح إلا في الجهاد من أجل العظائم، طبعها التحفز والاقدام والتحرك. ولم يكن معقولا أن تبقى مع الحياة نفوس صغيرة وهمم خاملة. وكنوز الحياة أمام هذين الصنفين وافرة، وأبوابها كثيرة، آفاقها مشرقة. وميادينها واسعة فسيحة، ولكنهما في وضعين مختلفين، وعلى طبيعتين متباينتين، ومن هنا كان الصنف "غثاء" وكان الصنف الآخر "لبا". إن من قبيل التأكيد لا من قبيل التكرار والإعادة أن نقول أن الأحياء أدركوا سر وجودهم وفهموا أن مصيرهم بأيديهم، وعرفوا أن الحياة للجديرين بها الذين يجدون وراءها، ويطمحون إلى آفاقها البعيدة المشرقة، ويطرحون أبوابها المختلفة صباح مساء دون أن يملوا ... ويصمدون في الميدان ... ويواجهون الصعاب والمتاعب مستهنين بكل ما يعرض لهم من محن ومشاق لأنهم يعلمون أن الحياة صراع وبذل معاناة، وأن العاقبة فيها للعاملين الصابرين. وهؤلاء يظلون مع الحياة يحتفظون بقوتهم وحركتهم وحرارتهم ... وبالجذوة المقدسة التي وهبها الله لهم حتى تنتهي آجالهم فوق هذه الأرض، ومع هذه الحياة، ثم تبدأ حياتهم التاريخية التي لا تنتهي، فهم على الدوام أحياء أقوياء كالحياة لا يعرفون الضعف ولا الركود ... ولا يموتون! أما "الأحياء الأموات" فقد غفلوا عن سر وجودهم، وشغلوا عن السمو بالقعود والإسفاف، وعن المضي في الطريق الصاعد بالتردد، وعن العمل بالأماني والأحلام، وعن صنع الظروف بانتظار من يصنعها، فإذا هزتهم عاصفة، أو نزلت

بهم محنة أو تنكرت لهم الحياة - ولا مناص من تنكرها يوما - ندبوا حظهم، وشكوا دهرهم واتهموا القدر بالظلم والجور!!. وهؤلاء يظلون في الحياة ومع الحياة أمواتا، فإذا انتهت آجالهم، اختفت أسماؤهم، كما اختفت أجسادهم فلا يعودون يذكرون إلا على ألسنة أقاربهم، فكأنهم لم يعيشوا يوما في مجتمع أو بين قوم ... وهذان الصنفان من البشر يعيشان معا في هذه الأرض، ويتشابهان في كثير من الصور والمظاهر، وتجمعهما أماكن ومناسبات، وترى الواحد من هذا الصنف أو ذاك فلا تستطيع أن تنسبه إلى صنفه، بل قد تظن أنه من صنف واحد "الأحياء" العاملين المجدين لفطانته ونباهته، ولفصاحته وحسن هندامه، أو تظنه من صنف "الأموات" لدمامة وجهه، أو عدم التناسق في ثيابه. ولكن حقيقة كل منهما تختلف جذريا عن حقيقة الآخر، وهذه الحقيقة هي السر الكامن في النفوس الذي عليه مناط النجاح، وعليه يتوقف المصير سواء أكان ذلك بالنسبة إلى الفرد أو إلى المجتمع. فالكسل والخمول، والخلود إلى الراحة، والاكتفاء بما كان، والرضا بما تجود به الصدف والمناسبات، والانكماش والإنزواء في الزوايا والجحور يشل المجتمع ويضع في أقدامه القيود الثقيلة حتى لا يستطيع الحركة والنهوض ... وهذا "مجتمع الأحياء الأموات"، أو الغثاء والقشور، والجد والنشاط، والطموح والرغبة الملحاحة في التغيير، واختراع الفرص واغتنامها، والنزوع إلى حياة أفضل، وكمال ممكن. كل هذا يجعل المجتمع طاقات حية لا تخمد جذوتها، ولا تفتأ تضيء وتفجر الحياة وتصنع العجاب.

وهذا مجتمع "الأحياء" أو مجتمع "الألباب". وقد يكون من "الأموات" ملوك وأمراء يرتمون في أحضان العدو ولا يعنيهم غير الحفاظ على نفوذهم، وتنمية ثروتهم، وقد يكونوا من "الأموات" أناس هرأ السجود جباههم وهم أخطر على الإسلام والمسلمين من يهود تل أبيب، وقد يكونوا من "الأموات" أصحاب ملايين لا هم لهم إلا أن ينتجوا ... ويكدسوا ... ويهربوا إلى الخارج. وهم لا يفتأون يلهجون بالوطن والوطنية. إن "الأموات" لا يحصون عددا في الأمة العربية، وخاصة بعد حرب الخليج التي ارتفعت فيها الأستار عن الوجوه وزالت المساحيق وظهر كل شيء على حقيقته. ثارت في نفسي هذه الخواطر والأفكار بعد أن تصفحت هذا الكتاب ـ[الجزائر الثائرة]ـ، لمؤلفه العالم الثائر، المجاهد الإسلامي الكبير، الأستاذ الفضيل الورتلاني، تصفحته لتقديمه إلى قراء العربية في طبعته الجديدة، وقد كنت قرأته منذ أكثر من عشرين سنة وكان أهداه إلى الأديب المصري الكبير المرحوم فريد أبو حديد بعد أن حدثني عنه في جلسة شاعرية في أصيل يوم من أيام الربيع بفناء الفندق الكبير بطرابلس الغرب، حدثني عنه حديث المعجب الذي يستروح من حديثه نسمة دافئة، ويتخيل من خلاله أنه مع المعجب به يراه وينساق معه في جيشان روحي لا حد له. وأذكر أننا استعرضنا في هذه الجلسة طائفة من رجال الأمة الإسلامية الذين أضاءوا المصابيح أمام الأجيال المختلفة، وأزالوا الصخور عن طريقهم، ودفعوا بهم إلى معركة الإصلاح والتجديد، ومعركة المقاومة ضد الاستعمار بألوانه وأنواعه، أمثال شكيب أرسلان، والأفغاني، ومحمد عبده، وعبد الحميد الزهراوي، وعبد العزيز الثعالبي، ومحمد علي جناح، ومصطفى كامل، ويوسف العظمة، وعبد الحميد بن باديس، والإبراهيمي، والورتلاني، وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم.

وقد ذكرت إذ ذاك للأستاذ فريد أبي حديد أنني أعتزم إعداد كتاب عن رواد الإصلاح في الجزائر يكون منهم المجاهد الإسلامي الكبير الفضيل الورتلاني، فاهتز فرحا لهذه الفكرة وقال: أرجو أن يتمدد عمري حتى أرى هذا الكتاب وقد أديت فيه بعض ما يجب من حق هذا الرجل على رجال الفكر والقلم في الأمة العربية والإسلامية. وظلت الفكرة تراودني من حين لآخر، ولكن أعمالا أدبية أو فكرية أخرى كانت تفرض نفسها ولا أستطيع الفكاك منها حتى جاءني في هذا الأسبوع نجل الأستاذ الفضيل ليُولِيني شرف تقديم كتاب والده، هذا الشرف الذي لا يؤهلني له إلا حسن الظن بي، وما لمسته في نجل الأستاذ الفضيل من رغبة جامحة، وإلحاح شديد، وعدته بالنظر في الأمر، وقبل الموعد اتصل بي أساتذة محترمون من الجزائر وقسنطينة يلحون علي في تقديم الكتاب ويقولون في شرف هذه المهمة ما جعلني ألبي رغبة النجل الكريم في أول لقائي به. وعندما تصديت للكتابة شعرت بالتهيب ... وعندما أمسكت بالقلم تضاعف تهيبي وتضخم لا لأني سأكتب مقدمة لكتاب دبجته براعة عبقري عاش للجزائر وللأمة الإسلامية كل حياته، وكان بذلك من عظماء "الأحياء"، ولا لأني أكتب عن رجل جاهد طويلا من أجل بلده ثم مات وفي قلبه حنين مبرح إلى رؤيته وقد تحققت حريته واستقلاله وانطلق يبني الحياة ويصنع التاريخ. وإنما لأن هذا العبقري المصلح لم ينل من أهل الفكر والقلم حظه من العناية والتقدير، وتوارى عنا منذ أكثر من ثلاثين سنة فلم نر عنه إلا كلمات قليلة من الأوفياء نشرت أو ألقيت بمناسبات لا تعدو أن تكون لمعا تسطع في جهام النسيان تنبه وتذكر، وتنعش عواثر المنى. وكان من حق الأستاذ الفضيل على رجال الفكر والقلم في الجزائر وفي غيرها من البلاد العربية والإسلامية أن يوفوا له ويقفوا على حياته وقفة الذاكر بالجميل،

المدين بالفضل، المفتون بالعبقرية، فيفرغوا في سمع الزمان الواعي آيات الإعجاب والتقدير، وأناشيد الحب والوفاء، وذلك قليل فيمن فهم الحياة نكرانا للذات، وجهادا في سبيل الحق حتى النهاية. تفاقم تهيبي حينما أمسكت بالقلم لكتابة هذه المقدمة لأني أعلم أن إقبالا كبيرا سيقع على الكتاب يوم يصدر في هذه الطبعة الجديدة لأهميته ولمكانه مؤلفه المرموقة في مختلف الأوساط العلمية والأدبية والياسية في الجزائر وفي العالم العربي الإسلامي، ولأني أعلم أيضا أن معظم الذين سيقرأون هذا الكتاب يجهلون تاريخ هذا الرجل ولا يعرفون أكثر من أنه عالم جزائري ثائر ويودون لو أنهم يقفون على حياته مفصلة أو مجملة على الأقل، من هنا فهم لا محالة سيتعرفون عليه قبل أن يقرأوا كتابه - من خلال هذه المقدمة ومن هنا وجب أن تكون وافية بالمطلوب، وأن تتسم بثقة المطلع، ونزاهة المؤرخ، وخبرة الباحث. ولا ننسى بجانب هذا مسؤولية القلم الكبيرة التي لا يقدرها في هذا العصر إلا القليل ممن يمارسون الكتابة، فصناعة القلم أكثر المهن العلمية حاجة إلى التفكير والتدبير والنظر في العواقب والآثار لاختلاف المشارب والأذواق، والأخلاق - والكاتب عندما يجر قلمه على القرطاس يجب أن يعلم ماذا يرضى قراء أو يفيدهم ويطابق حاجاتهم ويوافق أذواقهم ولهذا السبب عطل بعض أهل العلم والأدب أقلامهم مع قدرتهم على الكتابة. وقبل هذا أو ذاك فهناك قلم التسجيل الذي يراقب بدقة كل ما يقال أو يكتب، وبخاصة عمن تواروا عنا ليقول فيهم التاريخ كلمته، وما أصعب أن يجدوا المنصف البريء الذي يكتب كلمته ونصب عينيه قول الشاعر: وما من كتاب سيبلى ... ويبقى الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب لنفسك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه

وتعظم مسؤولية القلم - هذه - وتتضخم عندما تكون الكتابة عن (علامة التمييز) بين الرجال "الأحياء" الذين هم في هذا الوجود كالزهور في الغابة لقلتهم، والنجوم المتلألئة في السماء لعلو مكانتهم، كلهم أدركوا سر وجودهم في هذه الحياة وكلهم جاهدوا من أجل هذا السر حتى غادروا هذه الحياة تاركين فيها بصمات تدل عليهم وتنطق بأثارهم على الدوام، ولكن لكل واحد منهم (علامة التمييز) التي تميزه عن غيره وتعطيه معالمه وتضعه في وضعه الصحيح. وعندما أكتب هذه المقدمة لكتاب واحد أدلاء الطريق الذي صنعهم الله للناس ليستقيموا على هديهم، إنما أحاول أن أضع هذه (العلامة المميزة) على قدر الطاقة وبحسب الظروف النفسية الي يعيشها الخليج العربي، - هذه الأيام - فإن وفقت في ذلك فلي أجران وإن تجافني التوفيق - ولست أول من تجافاه - فلي أجر من اجتهد وأخطأ. لعل أول ما يلاحظ في حياة الأستاذ الفضيل الورتلاني أنه ولد في (بني ورتلان) بالقبائل الصغرى على جبل شامخ من جبال هذه المنطقة الجميلة التي توافرت في موقعها وطبيعتها ومظاهر الحسن والروعة والجلال. وإذا كانت البيئة تؤثر في تكوين الأجسام، وصبغ الألوان، وتوفير الصحة، وغرس الطباع وهو المقرر المشاهد فإنها تؤثر أيضا في العقيدة إيجابا وسلبا، ومعنى هذا بإيجاز أن أهل البيئة البدوية أقرب إلى الإيمان من أهل البيئة الحضرية، فسكان البادية لا تتفتح أعينهم صباح مساء إلا على الآيات الكونية الناطقة بالقدرة الإلهية، الموحية للعقل، المفجرة للشعور والإحساس. من جبال شامخة، وأنهار جارية، وينابيع متدفقة، وشمس ساطعة، وقمر منير .. كل هذا يبعث على التأمل والتفكر وينزع بالقلب إلى الإيمان بالله تعالى.

أما أهل العواصم والمدن فهم بمعزل - تقريبا - عن هذه الآيات، ومن هنا فهم في غفلة من التفكير فيها، والاستدلال بها، وكل ما يحيط بهم صنعه الإنسان بيديه فلا يستشعرون في رؤيته عظمة الخالق سبحانه وتعالى كما يستشعرها أهل البادية ليل نهار!! وقد يقول قائل، أليست شمس البوادي والقرى هي شمس العواصم والمدن؟ والليل هو الليل، والقمر هو القمر؟ أجل إن الأمر كذلك ولكن شتان بين اجتلاء هذه الأشياء وهي غارقة في ضوضاء العواصم، وجلبتها وصخبها ومبانيها الشامخة، وشوارعها المزدحمة واجتلائها في مطالعها ومجاليها واضحة سافرة لا يخفيها شيء ولا يحجبها حاجب!!. في هذه البيئه الجبليه، وهذه المنطقة الطبيعية الجميلة الناطقة بعظمة الكون وعجائبه ولد العلامة الفضيل الورتلاني يوم 06 فبراير 1900 في أسرة دينينة متواضعة قطبها العلامة الشيخ الحسين الورتلاني صاحب الرحلة المعروفة باسمه، وصاحب مصنفات أخرى مفيدة. وترعرع الأستاذ الفضيل في هذه الأسرة وحفظ القرآن الكريم مبكرا وتلقى في مسقط رأسه دراسته الأولى على علماء اشتهروا بالفقه وعلوم القرآن وانقطعوا لخدمة الإسلام والمسلمين في هذه الجبال رغم قساوتها الطبيعية، فغرسوا فيه الأخلاق الكريمة والصفات النبيلة، وعلموه أن حياة المسلم يجب أن تكون جهادا متواصلا، وأن العالم المسلم يجب أن يكون كالكوكب السيار يرسل ضياءه لينير سبل الحياة، وكالعافية للأبدان. ونكتفي بذكر واحد منهم هو العلامة السلفي الشيخ السعيد البهلولي مؤلف كتاب (الرد على القائلين بوجوب تلقين الأوراد) الذي لقي استحبابا ونال رضى في أوساط الطلبة وعلماء الإصلاح.

وهكذا كانت الأرضية التي انطلقت منها حياة الأستاذ الفضيل والعوامل البارزة المميزة التي رسمت نهجه وحددت اتجاهه، وجعلته الغصن الذي يطول، والزهور والثمار التي تعد!! وفي سنة 1935 عقد العزم على الالتحاق بقسنطينة، وكانت آنذاك مهوى القلوب، ومطمح النفوس، ومعقد الأمال، فالمحظوظ من الطلبة من ساعدته الظروف على الانتظام في الثكنة المحمدية لجند الله، التي قائدها المصلح الثائر عبد الحميد بن باديس، وأسلحتها العلم والتربية، وغايتها صنع الانسان الذي يؤمن بالله ويثبت لرجف الزلزال ... ويقدر على الحياة الكريمة في ظلمات الخطوب ويكون المنار الذي يرتفع في طريق الدعوة المحمدية في أرض الجزائر. وندع رفيقه الراحل الأستاذ بعزيز بن عمر في كلمة يتحدث فيها عن هذه الفترة وعن لقائه به ويقول: "عرفت الأخ الورتلاني أيام الطلب بقسنطينة، وهو شاب يتقد ذكاء، ويفيض نبلا وإحساسا، يبسم للحياة فلا نراه إلا متفائلا بالمستقبل، ويتطلع نحو الآفاق البعيدة، فتبدو أمامه العقبات الكبيرة، ولكنه ليس الذي يرهب العقبات فيجبن عن اقتحامها بل أن له من عزمه ما يذهب كل عقبة، ومن نفسه الوثابة وما يتغلب به على كل ما تقيمه الحياة المتجهمة في طريق العاملين الخلصين" (¬1). والغالب على الظن أنه انتظم في سلك الطبقة الثانية عند التحاقه بدروس الإمام وهذا ما ذكره الأستاذ الراحل الشيخ على مرحوم وهو يتحدث عن نشاطه وبعض خصائصه الذاتية. ¬

_ (¬1) - البصائر، العدد 8 س 1 السلسلة 2 سبتمبر 26 سنة 1947.

"حينما التحقت بالدروس المشار إليها، وجدت الشمخ الفقيد ضمن الطبقة الرابعة - في أكتوبر سنة 1932 - وقد لاحظت منذ أول لحظة عرفته فيها أنه يتجلى بروح قوية، ويمتاز بحيوية دافقة، ونشاط ذاتي، وحماس متزايد وكان يسعى دوما لربط صلاته بطلاب الشيخ الواردين من مختلف مناطق الجزائر ويتمثل لنا يومئذ كأنه الأخ الأكبر لأولئك الطلاب، يريد أن يخرجهم من حالة الخمول التي جاءوا عليها في أقصر مدة وأن يبعث فيهم الحيوية والنشاط والثقة بالنفس قبل أن يتاح لهم ذلك عن طريق دروس شيخهم" (¬1). وكان الأستاذ الفضيل لما حباه الله من مواهب فكرية خصبة، وقيم روحية عالية سريع التأثر بتربية الإمام ابن باديس، والاستجابة لرغباته الملحة في بناء نهضة إصلاحية تعيد إلى الإسلام شبابه وازدهاره في الجزائر، وترى المسلمين فيها طريق العز والمجد والكرامة .. وكان لا يفارقه على الدوام بغزارة العلم، وصدق الملاحظة، وقوة الروح، وبعد النظر ونفوذ البصر، والخبرة الواسعة بتاريخ الأمم والشعوب صعودا وهبوطا، ورقيا وانحطاطا، وتعلم الأستاذ الفضيل من أستاذه كيف يتخذ الجهاد في سبيل العلم والإسلام والعربية عقيدة، وإذا لم يكن للجزائر سلاح تقاوم به الاستعمار الفرنسي البغيض حتى تكتسحه من أرضها فإن لها العقول التي تصنعه، هذه العقول التي يجب بذل الكثير بلا كلل أو فتور من أجل ترقيتها وإضاءة الطريق أمامها. ويقول عنه العلامة الأستاذ البشير الإبراهيمي في هذا المنحى: "لازم إمام النهضة عبد الحميد بن باديس فتأثر بمنازعه الخطابية ومواقفه في حرب الضلال، وسقيت ملكته بغيث ذلك البيان فأصبح فارس منابر، وحضر اجتماعات ¬

_ (¬1) - الثقافة الحدد 34 شعبان / رمضان 1946.

جمعية العلماء العامة والخاصة فاكتسب منها الصراحة في الرأي، والجرأة في النقد، والاحترام للمبادئ لا للأشخاص، ثم لابس السياسيين وغشي مجتمعاتهم، فرأى من زيغ العقيدة، وزيف الوطنية، وانحلال الأخلاق ما جعله يثور عليهم" (¬1). وكان الأستاذ الفضيل - وهو ما يزال يسير على ضوء دروس الإمام - ثورة على البدع والخرافات، ودعوة إلى الإسلام الصحيح، وإحياء اللغة العربية لغة الدين والوطن وحملة شعواء على الطريقة الضالة، والشعوذة المخربة، وإنصاف الرجال الذين باعوا أنفسهم وضمائرهم وألسنتهم لفرنسا، ووقفوا أجسامهم وعقولهم على خدمتها، فكانوا لها عيونا وأعوانا، وجنودا وعبيدا .. هكذا كان ثورة ودعوة وحملة فى كل مكان، في أوساط الطلبة والمجالس الخاصة والعامة بالجزائر وقسنطينة، في الشارع، وفي المقهى، وفي المطعم وفي كل مكان يحتضنه .. وكان يردد كلمة أستاذه كلما شعر بخطورة الموقف، أو تأزم الوضع، أو ظلام الليالي الحوالك يضرب على الأفق فيخفي صوى الطريق ومعالم الحياة: "من رام أن يحول بيننا وبين فكرتنا التي نؤمن بها فقد حاول عبثا قلب الحقائق فلن نتزحزح قيد شعرة مهما طمي سيل الكوارث على أمة لها ما للشعب الجزائري من الصفات المرغوب فيها، الكامنة كمون النور في الكهرباء (¬2). واستهوى الأستاذ الفضيل الإمام المصلح بما امتاز به على أقرانه، من فصاحة اللسان وسعة الإدراك وقوة الحجة، وتوقد الفطنة، إلى شجاعة وجرأة ونشاط - فاختاره لتمثيل "شهاب" عبر الوطن، وكان ينتقل باسمها في أنحاء القطر الجزائري، يوضح خطتها ويكثر أنصارها، ويدعو إلى الإصلاح ومحاربة الضلال ¬

_ (¬1) - الجزائر الثائرة. (¬2) - تراجم الأعلام المعاصرين، للأستاذ أنور الجندي ص: 198.

والانحراف، وقد وجد ضالته المنشودة في هذه المهمة فقام بها خير قيام مما جعل اسمه يتردد على ألسنة الناس بالإعجاب والتقدير. كما اختاره الأستاذ الإمام مساعدا له في التدريس لبعض المناهج المقررة من بداية السنة الدراسية 33/ 1934 فنهض بالمهمة أيضا خير نهوض وكان أبرز ما يميز دروسه أنه لا يكتفي بدرس المادة المقررة، بل يتناول ما شاء من الأدب والتاريخ والسياسة، وغيرها، يؤاتيه في كل ذلك لسان فصيح، وقريحة وقادة، وعبقرية في التفكير (¬1). وكذا كان شأنه في مدرسة التربية والتعليم عندما أنيطت به هاذه المهمة هناك فكان منبعا فياضا وشعلة هادية، ومربيا ماهرا. وعلم الطلبة في ندوات خطابية كان يشرف على تنظيمها حرمة البيان العربي وكيف يقتصدون في الكلام قولا وكتابة فإن خير الكلام ما قل ودل، وكيف يرتادون طريق الكلمة قبل تسجيلها بالصوت أو المداد، لأن للسان والقلم مسؤوليتهما ولا بد من رعايتها، ومراعاة مسؤولية اللسان والقلم هي الفرق بين صناع الكلمة وهي الضمان لإجادة التعبير. وكانت العلاقة بينه وبين الطلبة تقوم على الصحبة والمودة والتقدير وكان كل طالب منهم يشعر بأن الأستاذ الفضيل والد له يكن له الخير ويريد له النفع، ويعمل لتكوينه فكريا وروحيا ووطنيا، ومن ثم فقد كان الطلبة لا يشعرون معه بسيطرة أو سطوة أو رهبة، وإنما يشعرون معه بما يشعر به الأبناء مع والديهم مما جعل الفترة التي قضوها معه خصيبة غنية المردود فيذكرونها بالرضا والتقدير. ¬

_ (¬1) - مقال بمجلة الثقافة للشيخ علي مرحوم العدد 34 أغسطس - سبتمبر 1976.

ولقد دفع الأستاذ الفضيل بالطلبة إلى العمل الجاد في متابرة وصبر، وعمق في نفوسهم حب الله والوطن، وهيأ لهم الجو الذي يسمح لهم بالتفكير الحر، والحوار البناء، وكان يهيب بهم أن يقرؤوا التاريخ ويستنطقوه عن الأمم والشعوب ليعرفوا قيمتهم وقيمة أمتهم في هذا الوجود ويعرفوا أنها محقة حينما تطلب الحياة الكريمة وتتعشق الحرية وتستهين بالموت في سبيلها وكان يلفت أنظارهم إلى أمجاد الأمة الإسلامية ويستحثهم على ترسم خطاهم والتجلي بأخلاقهم والاعتزاز بهم، وكان يحبب إليهم اللغة الوطنية لغة القرآن الكريم، ويحرضهم على التحدث بها وينزع بهم إلى النطق بها سليمة صحيحة، ويؤكد لهم أن من يتحدث بغير لغته من غير ضرورة فهو في خليقته وعقيدته ونمط تفكيره لا يختلف عن أهل تلك اللغة، وهو محكوم عليه بالتبعية المدنية والعبودية الأدبية، والوجود "الملفق" دون أن ينسى أن يحثهم في الوقت نفسه على تعلم ما أمكن من اللغات الأجنبية فإن المرء يتعدد بتعدد اللغات التي يجيدها شريطة أن تكون لغته الوطنية (العلامة المميزة) لوجودد والمظهر الصادق لاستقلاله ووطنيته. وقد نال الأستاذ الفضيل بمواهبه الفكرية وجهوده البناءة المتميزة سواء في حقل التربية والتعليم، أو في مختلف المجالات الإصلاحية الأخرى رضا أستاذه الإمام فكان يصطحبه في جولاته عبر الوطن التي كان يعقدها من حين لآخر لنشر الإصلاح وتكوين الجمعيات، وتأسيس المدارس فتمكن الأستاذ الفضيل من رؤية الوضع في الجزائر على حقيقته، وسماع ما يثير دفائن الأسى والحسن من مهازل الاستعمار الفرنسي وفظائعه، واتضح له أن واقع الأمة الجزائرية بين عدوين جائرين أحدهما في الداخل وهو الذي يتمثل في البدع والخرافات والمفاهيم الخاطئة التي تنخر في كيان الإسلام، والآخر من الخارج وهو الاستعمار الفرنسي الفاجر الأعوج الذي يلح على الأمة بالقهر والفقر، والعذاب والخراب مما ظهر أثره بعد ذلك في مقالاته ومحاضراته المختلفة في الشرق والغرب.

وينبغي أن نلاحظ للحقيقة والتاريخ، ولزيادة التوضيح أيضا أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كان الأستاذ الفضيل أحد أبنائها البررة كان لها الأثر العظيم في مجال اليقظة والإصلاح في الجزائر، كما كان لها الفضل الكبير في تكوين رجال صالحين أبرز ما يميزهم الإخلاص للجمعية، والتفاني في خدمة مبادئها، والسير على نهج رائدها المصلح ابن باديس الذي علمهم أن ليس بينهم وبين الغاية - وإن كانت بعيدة - إلا أن يسلكوا إليها طريقها بلا تردد أو خوف!!. ولا يمكن إدراك عملها الضخم، وتصور جهادها الخطير إلا بإدراك خطورة الوضع، ومرارة الواقع الذي برزت فيه الجمعية وتصدت لتغييره، فالاستعمار الفرنسي قد جند كل ما يملك من حيلة وقوة للقضاء على الإسلام واللغة العربية في الجزائر، وطبق قوانين قاسية جائرة غايتها جعل أبناء الوطن عبيدا بل أنعاما للمحتلين يمضون أعمارهم في العمل الوضيع، أو الكسل المذيب، أو الملل المميت، وبجانب الاستعمار بعض الطرقين الذين أخذوا من العلم قشورا فظنوها لبابا، وكانوا للاستعمار خرافا وظنوا أنفسهم أسودا، لم يعرفوا من الإسلام إلا أنه مظاهر مألوفة، وملابس موروثة، وخضوع لأولي الأمر في كل ما يأتون وما يدعون كأنه تنزيل من السماء، وجعلوا الإسلام جسما بلا روح، وطقوسا هزيلة باهتة، ولقاءات نكر، وحفلات "شطح" أو جذب وكانوا بذلك أكبر أعوان الاستعمار على تدمير القيم الإسلامية ومسخ الإنسان الجزائري. وكانت ثورة ابن باديس ورجال جمعية العلماء ضد الجهل والاعتقاد الزائف، والفكر الجامد، وثورة على الطرقية الضالة والشعوذة المخدرة، وثورة على المهازل السياسية الاستعمارية الفرنسية وقد أعلن عن إصراره على مواصلة الجهاد ضد هذه الجبهات مهما كانت الظروف وكانت المؤامرات والعراقيل وكان يقول: "تستطيع الظروف أن تكيفنا ولكنها لا تستطيع أن تتلفنا".

وكان الأستاذ الفضيل من أبرز رجال الجمعية، ومن مشاهير مناضليها المخلصين الذين وقفوا ضد تلك الجبهات مواقف شجاعة تذكر بالإعجاب والتقدير، وكانوا مثلا يقتدى في حب الوطن والغيرة على الدين واللغة العربية والتفاني في العمل الجاد بكل تجرد ونزاهة. وكانت الوشائج والأواصر التي تربط الإمام المصلح برجال الجمعية هي الأواصر التي تربط كل جمعية أو طائفة نهضت لنصرة الحق، ومحارجة الباطل، ولذا انتصرت وحققت في الجزائر إنقلابا فكريا كانت ثماره فى الثورة التحريرية وفي العهد الجديد. تلك الأواصر تربط بين أفراد الجمعية وفي الوقت نفسه كانت حوافز وضوامن ومحققات، فهي تحفز الهمم وتحدد الغاية، وتضمن الاستقامة على الجادة، وتحقق النجاح. فالآصرة الأولى هي آصرة الأخوة والمحبة والألفة والإيثار التي لا يعرف سرها إلا من عرف سر التألف والمحبة بين بلال (العبد) وأبي بكر (السيد) وسر هذا أو ذاك في قوله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال: 63). والآصرة الثانية هي آصرة الفكرة والهدف وهي التي تجعل الإنسان يمضي في الطريق المختار غير مكترث بما يلاقيه من متاعب ومشاق، وقد يعذب أو يسجن أو يموت ولكن كل ذلك هين في نظره. والآصرة الثالثة هي آصرة التنظيم لأن الجمعية أو الطائفة التي لا نظام لها تسير عليه لا يمكن أن يكتب لعملها النجاح أو تقوم لدعوتها قائمة، والتنظيم يتطلب قبل كل شيء حسن القيادة .. والقيادة الحسنة تقوم على الشخصية القوية، والكفاءة المرموقة، وعلى الحزم بعد الشورى، وهذا ما توفر في الإمام المصلح الشيخ عبد الحميد بن باديس حتى تمكن

من جمع أهل العلم المتنورين حوله والتعاون معهم على النهوض بالحركة الإصلاحية، والتجديد، واليقظة الإسلامية بالجزائر. وبتلك الأواصر الوثقى التي لا تنصر الطائفة المصلحة إلا بها، والتي نستشفها أو نستروحها من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي الله بأمره" استطاع كل واحد من أقطاب الجمعية أت يتقمص روح الإمام وشخصيته ويسير بكل إخلاص، وبكل جهد على النهج الذي رسمه، وبالروح التي كان يمتاز بها. فإذا بالإبراهيمي، والميلي، والتبسي، والورتلاني يحملون لواء الدعوة كما حملها رئيسهم بعزيمة قوية، وإرادة صارمة، ورغبة لا يختلط في نبعها حق بباطل، ولا نور بظلمة، ولا لون بلون لأن ارتباط كل واحد بالجمعية، وارتباطه برئيسها ارتباط روح بروح، وقلب بقلب، ومبدأ بمبدأ، وهدف بهدف، ومصير بمصير، وهو أن تتحرر الأمة من الجهل والجمود، والإستعمار وأن تنطلق في بناء الحياة ووضع التاريخ. ومن عمق النظر في مواهب الفضيل وخصائصه وتتبع مختلف حياته الجهادية تبين لهم الأفق البعيد المشرق الذي يجمع الفضيل بأستاذه الإمام وأيقن أن القدوة الحسنة تصنع في الإنسان ما لا يصنعه التعليم، فقد كان الإمام في نظر الفضيل المثال الأعلى لما يجب أن يكون عليه المصلح المجدد: عقيدة راسخة، وتفكير عميق، ونظرة بعيدة، وشخصية قوية، واستماتة في خدمة الإسلام واللغة العربية، وحياة كلها جهاد متواصل لا يعرف الفتور. رأى الفضيل كل ذلك في أستاذه الإمام وتأثر به ونزعت نفسه أن يكون مثله فكان!!. ولا ضرو أن يكون .. فهو مرشح ومتهيء لذلك منذ طفولته وشبابه المبكر.

أليس فرعا من الدوحة المباركة الراسية العررق، والمتهدلة الأغصان، والمتفيئة الظلال، ومن سلالة الأشراف من بني ورتلان؟ أليس ما قوم لسانه وأطلق لهاته، وقدح في حنايا ضلوعه حب العلم والمعرفة هو كتاب الله؟ ألم يكن أول تعلمه على فقهاء المنطقة الذين أدركوا جوهره الخالص، وعنصره الحي فغرسوا فيه أخلاق النبل، وصفات الكمال؟ كان الإمام المصلح الشيخ عبد الحميد يقدر في ابنه الروحي مواهبه الفكرية وإخلاصه في جهاده التربوي والإصلاحي، ويرتاح لنجاحه الباهر الذي يشكر كلما يذكر، وكانت له في الجزائر سمعته الواسعة، ومكانته البارزة، مما يدعو إلى البقاء في الجزائر ومواصلة الكفاح بجانب أستاذه وإخوانه العلماء، ولكنه رأى - وهو الذي أعده القدر لحياة كلها صراع وجهاد ونصب وسهر، وتنقلات مضيئة، وأسفار مكدية من أجل تخفيف متاعب الناس وآلامهم وإضاءة جوانب الحياة أمامهم - رأى أن يغادر الجزائر إلى فرنسا ويلتحق بجاليات الجزائر الذين (استهوتهم أرض فرنسا وربوعها الجميلة ومدينتها اللامعة، فأشفق عليهم أن يبتعدوا عن وطنهم وأجسامهم وأرواحهم معا). ويصبحوا فيها مرتعا عريض الكلأ تخور فيه السوائم الغربية بفكرها وتمسيحها وتمسيخها، فشد الرحيل إلى فرنسا في منتصف سنة 1936 مزود بنصائح الإمام وتوجيهاته، مسلحا بعقيدته وإيمانه تاركا أهله ووطنه. ورغم ما تمتاز به الحياة في فرنسا من سحر وجمال، وما تنفتح عليه العين صباح مساء من مفاتن الدنيا ومغرياتها التي تجلب الألباب وتخطف الأبصار فإن الأستاذ الفضيل لم يجعل نصب عينيه سوى رسالته، ولم يكن يشغله أبناء وطنه الذين أمسوا كالأيتام في مأدبة اللئام، فلم يفكر في جولة أو راحة أو استجمام، هو الذي ظل في الجزائر مدة طويلة لا يعرف الراحة، وما أن وقف على أوضاعهم المختلفة

التي تبعث على الأسى والحزن حتى عزم على إنقاذهم، والنهوض بهم إلى المستوى اللائق مهما واجهه في ذلك من متاعب ومشاق، صحيح أنها مغامرة قد تبوء بالفشل ولكن ذلك لم يكن يهمه بقدر ما يهمه فعل ما أمكن من جهد فمن بصيص اليقين ما يبدد الظلام، ومن قليل الحق ما يكتسح الباطل، فالمهما عنده أن يتحرك ويحاول ويبذل الجهد ... وما هي إلا أشهر قليلة حتى جمع كلمة العمال الجزائريين وأخذ يعلمهم الإسلام الصحيح، ويرشدهم إلى الطريق الأمينة، وقام بحركة أدبية دينية تهذيبية كان لها أثرها العميق في نفوس أبناء الجزائر!! وكان الأستاذ الفضيل يتعرف على مختلف الشرائح الجزائرية، ثم يحاول أن يقف على ما في عقولهم من نزوعهم إلى الحق، وما في نفوسهم من طموح إلى الخير، وما في أذواقهم من صبوة إلى الجمال، فينميها حسب طاقاتها، ويتيح لها المجال، ويعطيها من تجربته وخبرته، ما ينعشها ويعدها للحياة، وتلك طريقته في معالجة النفوس التي أشفق عليها أن تذوي كما يذوي النبات المكروب والأمل المخيب!! نفخ فى أبناء الجزائر هناك الروح الوطنية الصادقة، وطهر عقولهم مما نقلوه من زائف المدينة، وجراثيم الإلحاد، وسخافات اجتماعية بالية قذرة!! وبعد جهاد شاق متواصل وعمل دائب منتظم ظهرت مدارس وأندية في مختلف المدن الفرنسية باسم (التهذيب) وانطلقت تؤدي رسالتها التربوية والتعليمية، من تنظيم المحاضرات الدينية وإلقاء الدروس التربوية، وفي هذه الرحلة الميمونة، والنهضة المباركة البناءة في أرض فرنسا يقول المرحوم الشيخ البشير الإبراهيمي: " .. جاوز البحر سنة 1936 بموافقة من الأستاذ الرئيس، ومني ليرد على الضالين من أبناء قومه هداية الإسلام، ويرد على الناشئين هناك من أبنائهم ما أضاعه الوسط من دين

ولغة، وليزرع في قلوب الآباء والأبناء معا حب الدين، والجنس واللغة، والوطن، وليعيد إلى الجزائر بذلك كله قلوبا قد تنكرت لها، وأفئدة هوت إلى غيرها، وغراسا أضماهم الاستعمار في مغارسه، فالتمس الربى والنماء في غيرها، فتتبعهم الفضيل في مطارح اغترابهم وجمع شملهم على الدين وقلوبهم على التعارف والأخوة، وجمع أبناءهم على تعلم العربية وأسس في باريس وضواحيها بضعة عشر ناديا عمرها هو ورفاقه الذين أمدته بهم جمعية العلماء، بدروس التذكير للآباء والتعليم للأبناء، والمحاضرات الجامعة في الأخلاق والحياة، ونجح الفضيل في أعماله كلها نجاحا على المسلمين في فرنسا بالخير والبركة. ونجح الفضيل هذا النجاح الباهر الأنه كان مؤمنا بالله وكان أيضا قويا .. وقوة الفضيل تكمن في العقل والروح، وفي اللسان والقلم، فقد كان قوي الحجة صحيح الدليل، عميق الفكرة، بعيد النظرة، يصقل روحه بالقرآن، ويمحصها بالارتياض والتأمل والصيام، وكان إلى ذلك كله بارز الشخصية قوي الرجولة، جريئا في كل رأي يراه، وفي كل عمل يتولاه، مجتهدا في الفهم، يحاول اكتشاف الآفاق البعيدة والنظر الثاقب، والإدراك النافذ .. أما قوته في اللسان والقلم فقد كان بليغا فصيحا - كما ذكرنا - فإذا كانت الخطابة من أقوى وسائل الإقناع ومن أهم أدوات النضال السياسي والثقافي والاجتماعي فإن الأستاذ الفضيل كان في طليعة الخطباء المصاقع وكانت له مميزات الخطيب ومواهبه: شخصية قوية، وذهنية خصبة، وعقلية قوية، وبديهة حاضرة، ولفظ مختار، وقدرة على الارتجال لا تبارى!! إذا نهض يخطب في النوادي والمحافل، نهضت معه القلوب، وثارت معه الخواطر، وانشدت إليه المشاعر والأحاسيس طالما هو يتكلم، وكانت قدرته على

الخطابة واللغة الأمازيغية لا تقل عن قدرته بالعربية وقد قيل أنه ألقى خطابا ذات يوم في حشود من أبناء الجزائر بفرنسا، سحر القلوب، وخلب الألباب، ولما نزل من المنصة ارتفعت أصوات من القاعة باللغة الأمازيغية تبدي الأسف من غموض الخطاب، فصعد إلى المنصة مرة أخرى فألقى خطابا بالأمازيغية اهتزت له القاعة. وهكذا كانت الخطابة أحد العناصر الأولية البارزة التي نبغ بها الفضيل بفرنسا وبلغ بها مكان الزعامة في الشرق العربي. وحقق بها نجاحا باهرا في مختلف الأوساط .. ولما اتسعت الحركة بفرنسا وثقلت الأعباء على الأستاذ الفضيل، أمده أستاذه بنخبة من رجال العلم والإصلاح فشدوا أزره، ورفعوا جميعا صوت الإسلام والعروبة عاليا بأرض فرنسا وساروا على المنهجية التي رسمها االأستاذ الفضيل وكلهم إيمان بأن كافة معارفهم وأفكارهم وجهودهم يجب أن تكون في خدمة الإسلام والمسلمين، وأن الظلمات التي ترين على القلوب والعقول لا تزول إلا بالنور: نور العلم ونور الدعوة الصادقة، والجهد المتواصل. وظل الأستاذ الفضيل في فرنسا يؤدي رسالة جمعية العلماء المسلمين، بكل ما أوتي من شجاعة قلب، ومضاء عزيمة، وقوة بيان، وزاد حركة الفضيل دعم وامتداد انضمام شخصيات علمية شرقية إليها، فاجتمع الشمل على إحياء المسلمين هناك وتواجد الصف، وانطلقوا جميعا في طريق الدعوة والإصلاح مدفوعين بإرادة قوية، ورغبة في الجهاد الفكري والقلم جامحة، وكان ممن انتظموا في الحركة بدروسهم ومحاضراتهم: الشيخ عبد الرحمن تاج، والشيخ محمد دراز، وهما من كبار علماء مصر، والأستاذ عمر بهاء الأميري السوري.

ولكن هذه الحركة لاقت معارضة ومناهضة من بعض المغرضين الذين يقلقهم النور، وحاولوا أن ينالوا منها بحيادهم ومكائدهم ومناوراتهم، ولكن أنى لهم ذلك والحركة قائمة على الجهاد المستمر الواعي تحبط المناورات وتكتسح المكائد والعقبات، وتستمد عونها وقوتها من الله رب العالمين .. ولما لاح في الأفق السياسي الغربي بوادر الحرب العالمية الثانية، غادر الأستاذ الفضيل فرنسا إلى مصر - لاسيما والسلطات الفرنسية تتعقب كل تحركاته، وتأخذ بمتنفسه تمهيدا لإلقاء القبض عليه وكان ذلك في أواخر سنة 1938. والتحق بالجامع الأزهر معقل العروبة والإسلام، وتابع الدراسة فيه إلى أن أحرز على الشهادة العالمية الأزهرية وهي أعلى شهادة تمنح في الأزهر. وكان الأستاذ الفضيل حريصا على متابعة أخبار الجزائر بحس مرهف، وتلهف ظامئ في كل مكان يحل به، فيطرب للإيجاب منها وينتشي ويتأثر للسلبي ويعتصره الألم وكان إذا رأى جزائريا فتح له قلبه، وثارت معه ذكرياته وحن إلى الجزائر حنين الآلف فارقه القرين. آثر البقاء بالقاهرة مركز الثقافات المختلفة، وملتقى النازحين من أبناء العروبة والإسلام ومجمع العلماء والمفكرين ورجال السياسة وأحرار الفكر، الذين نبت بهم ديارهم، وطوحت بهم مضايقات الاستعمار ليحملوا لواء الغضبة المقدسة في وجه العدو خارج بلادهم. وجد الجو ملائما، بل مشجعا على مواصلة الجهاد من أجل الجزائر والقضايا العربية والإسلامية الأخرى، فاستأنفه بإرادة أقوى، وعزيمة أمضى، ونفس لا تعرف الكلل أو الفتور، وبالرغم من بعده عن الجزائر فإنه كان يقلق المستعمرين الفرنسيين، وينغص حياتهم، ويكدر صفوهم، بموافقة الدفاعية عن الجزائر، ومقالاته الصحفية الجريئة التي ينذرهم فيها بالويل والثبور ..

وزار الأستاذ الفضيل الورتلاني كثير من الأقطار العربية والإسلامية كالكويت وإيران، والمملكة السعودية، والبحرين، والباكستان، كما زار بلدان مختلفة في أوروبا كاليونان، وإيطاليا، وسويسرا، وإسبانيا، والبرتغال، وكان له في كل بلد يزوره أو يقيم به نشاط مكثف واسع. وصلات بمختلف الجمعيات والهيئات، ورجال العلم والفكر والقلم والدعوة .. وكان الأستاذ الفضيل يحمل بين جوانبه في كل سفر سافره وفي كل بلد يحل به، وفي كل عمل يقوم به، ثورة ملتهبة لا تدعه يهدأ أو يغفل أو ينام قرير العين، فهو على الدوام يعيش بين لجج الظلمات يحاول أن يبدلها ويكتسحها ويبعث فيها نور هادئ فيه الأمن، وفيه الهداية، وفيه الطمأنينة، إنها ثورة ضد أوضاع المسلمين عامة في الشرق والغرب، تلك الأوضاع الرهيبة الفاجعة التي صنعها الاستعمار وعملاؤه وأذنابه، الذين استحلوا حياة الذل والاستخذاء تحت سيطرة المحتلين والحكماء والمستبدين .. ولم تكن هذه الثورة التي تتأجج في حنايا ضلوعه - وهو بالجزائر أو بمصر، أو هو متنقل بين مختلف البلدان الشرقية أو الغربية - قد أوقدتها رغبة في منصب أو وظيف أو ألهبتها نزعة إلى سمعة أو شهرة، بحيث إذا تحققت الرغبة أو حصل المأمول. بدأت الثورة وانطفأت، بل هي ثورة مقدسة قدستها كلمة الله، ودعوة محمد بن عبد الله، وأضرمها حب الوطن وحب الإسلام والمسلمين، ووجه أقباسها وشعلها وشظاياها ابن باديس. هذه الثورة التي ظلت تتأجج في أعماق الأستاذ الفضيل طوال عمره وكان من أجلها شعلة تبرم النار وتنير الطريق، وهي التي قال فيها الأستاذ الداعية سعيد رمضان:

"هي ثورة يجدها صاحبها في ذاته حين يخلو، فالسجن ينشرها، ولا يطويها، ويعرف أصحابها أن سلفهم حملوها تحت مطارق العذاب من كل لون، فالعذاب دائما يصل يومهم بأمسهم، وينزع كل دعي من قافلتهم حتى إذا أبلغ الأمر صداه فلم تعد عين الله تقع منهم إلا على صدق وهمة أشرق النور من خلال العتمة القاسية، وانبلج وجه الصبح بسنة الله التي لا تختلف حتى إذا استأيس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا (¬1). ومن كلمات المجاهد الإسلامي الكبير الفضيل الورتلاني قول في مقال بعنوان: "اقتدوا بخصومهم أيها العرب": "لعل أبرز صفة في اليهود وأقواها على نجاح سياستهم العالمية هي المهارة في استغلال الفرص بل وفي خلقها في كثير من الأحيان. فما من حادثة ذات أهمية تقع في جانب من جوانب الكرة الأرضية إلا وتجدهم أسبق الناس إلى دراستها ومحاولة الاستفادة من آثارها الحسنة والسيئة إلى السواء وعلى العكس من ذلك فلعل أبلد الناس في هذا المعنى بالذات هم حكام العرب .. " (¬2). وقوله من مقال: تحت هذا العنوان: "هل يعرف العرب هذه الحقائق عن فلسطين؟ ". "أيها العرب، أيها المسلمون، إليكم أسوق الكلام لمرة أخرى عن فلسطين، وأنا أعلم أنكم قد مللتم الكلام عن فلسطين لأنكم ألفتموه من عشرات السنين حتى ما بقي ضرب من ضروب البيان في النظم وللنشر إلا وقد مر على أسماعكم يحمل اسم فلسطين، ومآسات فلسطين وكارثة فلسطين، والدعوة إلى التضحية بالمال والأنفس في سبيل فلسطين وإلى غير ذلك من صراخ وبكاء ¬

_ (¬1) - مجلة (المسلمون) ع. 1 م. 5 رمضان 1375 هـ نيسان 1956. (¬2) - البصائر العدد 290 سبتمبر 1954.

وعويل على فلسطين، على أننا نقوم بملء الفضاء بتلك الصيحات من الأقوال مزهويين، كأن اليهود يملأون بالأفعال صامتين ومتواضعين" (¬1). وقوله في مقال بعنوان: (محنة اللغة في الجزائر): "إن اللغة العربية مظهر مقدس من مظاهر كرامة الأمة التي تحترم نفسها وعنوان مجدها ووجودها ولا يجوز أن يقل اعتبار اللغة العربية في مجال الكرامة من اعتبار العلم والنشيد الوطنيين. واللغة العربية ليست لغة الجزائريين وحدهم، وإنما هي لغة الأمة العربية قاطبة، وعنوان كرامتها ووجودها، فمن أهان اللغة العربية فإنما يهين العرب أجمعين، هذا هو المنطق يوم كان للمنطق سلطان على فكر الإنسان، وعلى أساس هذا المنطق أتحدث إليكم اليوم أيها العرب عما أصاب لغتكم من إهانة واضطهاد في عقر دارها .. في الجزائر، وعما ألحقه المستعمرون الفرنسيون في أرضها من ازدراء واحتقار (الجزائر الثائرة ص 82). وممن له بهم علاقة قوية من رجال العلم والفكر والقلم والسياسة الشيخ محمد عبد اللطيف دراز وكيل الجامع الأزهر، والأستاذ محمد بدرة وزير الشؤون الإجتماعية بتونس، والأستاذ محمد محمود الزبيري وزير معارف الييمن، والأستاذ محمد الوزاني رئيس حزب الشورى بمراكش، والأستاذ محمد خيدر مندوت حزب الشعب الجزائري، والأستاذ محمد علي الطاهر رئيس اللجنة الفلسطينية بالقاهرة، والسيد أحمد حلمي رئيس حكومة فلسطين، (ذكرنا هؤلاء بمناصبهم في ذلك العهد) والشيخ فهمي هاشم الوزير الأردني في المملكة السعودية، الحاج الأمين الحسيني مفتي فلسطين، والأستاذ القليبي، والحبيب بورقيبة رئيس حزب ¬

_ (¬1) - البصائر العدد 286 سبتمبر 1954.

الحر الدستوري التونسي، وشاعر العروبة وأندونيسيا علي أحمد باكير، والشاعر محمود جبر المعروف (بشاعر آل البيت)، والأستاذ كامل كيلاني، والأستاذ ساطع الحسري، والدكتور محمد عبد الله دراز والأستاذ حسن البنا. والكلمة الجامعة هي أن للأستاذ الورتلاني صلات ودية بمشاهر العلم والقلم، ورواد النهضة الفكرية، ورجال السياسة في الشرق والغرب، وله مع الكثير منهم مكاتبات في مختلف الأغراض والمجالات، لا سيما فيما يخص تحرير الشعوب الإسلامية المستعمرة. ذلك - قارئي العزيز - الأستاذ العلامة الفضيل الورتلاني أحد النماذج الإنسانية التي يبعثها الله في هذه الأمة كلما شاع المبطلون، وكثر الضالون، وطغى المفسدون، وتسلط المتجبرون، يبعثهم للجهاد في سبيله، والدفاع عن سننه ومقاومة الشر وأهله حتى يستقيم ميزان العدل، فينتصر بهم الضعيف، ويسعد بهم المجتمع، ويذل بهم الظالم، ويأمن الخائف .. أدرك الفضيل رسالته في الحياة فحملها .. وأداها خير أداء .. وجاهد بالفكر الحر والكلمة الصريحة، وطرح جانبا حياة الراحة والنعيم، والأنس بالأهل في الوطن، وآثر عليه حياة التعب والسهر والغربة، واقتحام الصعاب، ومنازلة الخطوب، ومخاطر الأسفار، وكان بإمكانه أن يبقى بالجزائر مع زوجه وأهله، وقد كانت له فيها شهرة واسعة، ومكانة مرموقة، وأثر فعال في تنوير العقول، وتهذيب النفوس وحفز القرائح، ولكن الأستاذ الفضيل عرف نفسه حق المعرفة وتغلغل في أعماقها ليعرف ما يستطيع وما لا يستطيع، ورسم لحياته غاية اتخذ لها هذا الطريق الشاق الذي بغيره لا تتحقق هذه الغاية التي لا تعرف المحاباة ولا التزييف والحدود الضيقة أو المصطنعة.

وشاء القدر بعد عمر حافل بجلال الأعمال أن تكون النهاية في أنقرة يوم 12 مارس 1959 ولكن يخطئ من يظن أن للعظماء نهاية بموتهم، فالذين ينتهون بموتهم ويختفون باختفاء أجسامهم في التراب إنما هم "الأموات الأحياء" أما العظماء الذين تتجدد الحياة بجهادهم ونضالهم فإنهم لا يموتون، بل يبقون على الدوام في القلوب وعلى الألسن، وفي الأعمال التي خلفوها وراءهم. دقات قلب المرء قائلة له ... إن الحياة دقائق وثوان فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها ... فالذكر للإنسان عمر ثان وفي يوم 12 مارس سنة 1987 نقل رفاة الأستاذ الفضيل الورتلاني من أنقرة إلى مسقط رأسه ببني ورتلان بالجزائر، وكان يوما مشهودا، وقف الناس حول نعشه وجوههم إلى الأرض وأفكارهم إلى الوراء، يستعيدون تاريخ هذا الرجل من يوم أن كان طفلا صغيرا يتعلم القرآن في كتاب القرية إلى يوم أن احتضنته قسنطينة طالبا في حلقات الإمام ابن باديس أو مساعدا له. أو معلما في التربية والتعليم إلى أن كون جمعية التهذيب بباريس لإنقاذ الآلاف من أبناء الجزائر من التفرنس والتمسيخ إلى رحلاته في مختلف الأقطار العربية والإسلامية من أجل الجزائر والإسلام والعربية وقضايا التحرر في العالم. وكان يوم نقل رفاته يوما مشهودا انتصر فيه الأستاذ الفضيل وهو رفاة انتصارا باهرا له أبلغ المعاني وأسمى الدلالات: انتصر جهاده الطويل من أجل العربية والإسلام، ومن أجل أن تتحرر الجزائر من الاستعمار الفرنسي، وانتصر إيمانه الذي طالما قهر التبشير والتنصير في الجزائر وفي فرنسا، وانتصرت إرادته التي طالما حاولت غلاة الاستعمار وطغاته، وانتصرت بلاغته التي طالما افحمت فرنسا الفصاحة والبيان.

وقف الناس حول نعشه فشعروا من الأعماق بالنخوة والكبرياء لأن هذا الرجل كان في حياته طاقة ثائرة .. وعنوانا صادقا على آمال هذه الأمة، وأصبح وهو رفاة معنى مقدسا من معاني المجد والخلود، ومثالا أمام الشباب يرون فيه الحياه جهادا ونضالا ومغامرة وإقداما، ولا تخضع إلا لمن يصنع مصيره بيديه ويختار طريقه بنفسه. وبعد: فقد قلت بعض ما يمكن أن يقال في هذا الرجل العظيم، لأن حياته بحر لا ساحل له ولا قعر، فكلما غاص الباحث في أعماقه تجلت له لآلئ رآها أنفس وأجمل، وأجدر بالاهتمام. ولكن فيما ذكرت كفاية لأن الأستاذ الفضيل لا يريد منا أن نتغنى بجهاده بقدر ما يريد منا أن نترسم خطاه وأن نخلص للجزائر والعربية والإسلام التي عاش ومات من أجلها. أما كتابه القيم ـ[الجزائر الثائرة]ـ فخير ما يقدمه إلى قراء العربية الكرام هو مؤلفه بما دبجته فيه يراعته من أشرق الصفحات في تاريخ الجزائر والأمة العربية والإسلامية، وبالروح الكبيرة التي أملت عليه ما دبج، وأملت على المعجبين به والمجاهدين بجانبه ما كتبوا عنه. وإن الكتاب لخير ما يعكس حياة المؤلف الجهادية الخصبة ومواقفه البطولية المشرقة وخير هدية يقدمها نجله البر الأستاذ مسعود حسنين الورتلاني في هذه الطبعة الجديدة إلى قراء العربية. وهنا أرفع القلم معترفا أن الكلام قد طال ومع ذلك فلم أقل إلا قليلا. محمد الصالح الصديق القبة / الجزائر في / 20 شعبان / 1411 هـ، 6 / مارس / 1991 م.

تقديم الطبعة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين تقديم الطبعة الثالثة عندما ظهرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب ـ[الجزائر الثائرة]ـ سنة 1956، والثانية سنة 1963 ببيروت، كان الإقبال عليهما عظيما، تخطى قياس المؤلف، وتجاوز الحد الذي كان متوقعا لكتاب يصدر في هذا الموضوع. وإذا كان لهذا الإقبال النادر من تعليل، فهو موضوعه وشهرة مؤلفه وصدوره في أوانه وتجاوبه مع شعور أهل اللغة العربية في مختلف الأوساط العلمية والأدبية والسياسية، في العالم العربي والإسلامي. وهذا ما جعلني أفكر منذ مدة طويلة في إعادة طبعه وجعل هذا التفكير يتحول إلى إرادة لم أجد فكاكا عنها برغم أني لا أملك من إمكانيات الطبع إلا القليل. وإذا تحققت الرغبة وصدر الكتاب في مظهر جميل أنيق، وثوب قشيب رائع، فإني أزفه إلى القراء الكرام وقلبي مفعم بالغبطة والسرور لتحقيق هذه الرغبة التي طالما وددت أن أنال بها رضى ربي وأبر بها والدي. وإذا كان من الإنصاف أن ينسب الفضل لأهله فإن الفضل في تحقيق هذه الرغبة يعود إلى الله ومجهودات السيد قلاب ذبيح ذياب المدير العام، وكل العاملين بدار الهدى بعين مليلة الذين هيأوا الأسباب، وجعلوا البعيد قريبا والعسير يسيرا.

ولا يفوتني أن أسجل كلمة شكر وتقدير وعرفان بالجميل لأستاذي الوفي الأديب الكبير محمد الصالح الصديق الذي أولاني فضلا كبيرا بتقديم الكتاب، وأحاطني برعايته وعنايته .. وتعهدني بملاحظاته وتوجيهاته منذ أن أقدمت عليه إلى أن تم طبعه. وفي الختام أسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذه الطبعة كما نفع بالطبعتين الأوليين، وأن يثيب مؤلفه على جهاده ويجزيه عن الإسلام وأمته خير الجزاء. نجل المؤلف مسعود حسنين الورتلاني

نبذة عن حياة المرحوم الأستاذ الفضيل الورتلاني

نبذة عن حياة المرحوم الأستاذ الفضيل الورتلاني (1900 - 1959) نشأته ومولده: ولد الأستاذ الجليل المرحوم السيد / حسين الفضيل بن محمد السعيد بن فضيل المعروف باسم (الشيخ الفضيل الورتلاني) في 6 فبراير عام 1900 بقرية (آنو) بلدية بني ورتلان دائرة بني ورتلان ولاية سطيف، وينحدر من أسرة عريقة ينتمي إلى سلالة الأشراف ولقبه العائلي (حسنسن)، وقد نشأ وترعرع في مسقط رأسه وبه حفظ القرآن الكريم، وزاول دراسته الإبتدائية بالقرية المذكورة، وتلقى فيها مبادئ العلوم على مشائخ القرية نذكر منهم على سبيل المثال العلامة الفقيه المعروف الشيخ السعيد البهلولي وغيره، كما تلقى منذ طفولته المبكرة في أحضان أسرته تربية إسلامية أورثته الحفاظ على تعاليم الدين الحنيف والتشبت بأهدافه، ونشأ على احترام كرم الأخلاق والمثل العليا، والقيم الرفيعة، وجده الأعلى (جد والده) المباشر لأبيه هو العلامة الرحالة سيدي الحسين الورتلاني صاحب الرحلة المعروفة باسم (رحلة الورتلاني). إلتحاقه بالشيخ عبد الحميد بن باديس بقسنطينة: في سنة 1928 م انتقل إلى مدينة قسنطينة لمزاولة تعليمه الثانوي على يد الإمام عبد الحميد بن باديس، وبعد تخرجه مباشرة تولى التدريس بالجمعية الخيرية التي كانت نواة التربية والتعليم، وقد تخرج على يده عدد كبير من الطلبة لا يزالون يذكرون ما له عليهم من فضل وإحسان واعتراف له بالفضل والجميل، وقد بعث

في تلاميذه روحا وثابة، وأحدث تطورا فكريا لدى طلابه، ونال بذلك رضا أستاذه بن باديس، لما بذله من جهود معتبرة في خدمة العلم وما يمتاز به من حيوية ونشاط منقطع النظير، بحيث أعجب به الشيخ بن باديس وأخذ يصطحبه معه أينما ذهب وأينما حل وارتحل، خاصة في الجولات التفقدية التي كان يقوم بها بين الفينة والأخرى عبر البلاد، وهكذا لازم الفضيل الورتلاني أستاذه بن باديس عدة سنوات كلها عامرة بالعلم والعمل المثمر البناء، وتأثر بمنازعه الخطابية ومواقفه الوطنية، وسقيت ملكته بغيب ذلك البيان الإلهامي فأصبح فارس منابر، وحضر اجتماعات جمعية العلماء العامة والخاصة، فاكتسب منها الصراحة في الرأي، والجرأة في النقد البناء والاحترام للمبادئ لا للأشخاص، كل هذه الخصال الممتازة في شخص الورتلاني هي التي جعلته يكون محبوبا وأشد ارتباطا بأستاذه بن باديس ويوليه عنايته ويعتمده في المهام الكثيرة. فلا غرو فقد كان يستخلفه أستاذه فى كثير من الاجتماعات والمناسبات وممثلا له في نفس الوقت وهو ما يزال طالبا، وتشتد الحرب المذهبية والصراعات القائمة على أشدها بين أنصار الحركة الإصلاحية من جهة وبين أنصار الطرقية من جهة أخرى فيلعب الفضيل فيها أدوارا إيجابية ذات أثر فعال في ترجيح ميزان القوة لجانب الحركة الإصلاحية على اختلاف أهدافها وتعدد مجالاتها، وبعد هذه الحماسة من حياته وهو ما يزال مواظبا على دروس أستاذه، تناط به مهمة تتلاءم مع طبيعته في حب الإتصال بالجماهير الشعبية وتنسجم مع ميوله نحو الدعوة والتبليغ والتبشير بالمبادئ التي يؤمن بها ويقتنع بصحتها وصدقها، لهذا وجد ضالته في مهمة تمثيل مجلة (الشهاب) التي كانت تصدر في ذلك العهد بمدينة قسنطينة، وقد كان ينشر فيها العديد من البحوث والمقالات القيمة التي يعالج فيها قضايا اجتماعية وثقافية وسياسية، وطاف أطراف البلاد متنقلا باسمها وتكثير أنصارها وتوضيح خطتها وغايتها .. وقد قام بهذه المهمة سنة 1932 م.

وفي نفس السنة قام بعدة جولات عبر كامل القطر الجزائري مدنه وقراه مغتنما هذه الفرصة فدعا من الطلبة المتعطشين للعلم والمعرفة للالتحاق بالدروس العلمية بجامع سيدي الأخضر بقسنطينة، وقد لقيت دعوته تلك استجابة واسعة وأقبل الطلبة أفواجا أفواجا يتوافدون إلى جامع سيدي الأخضر من كل حدب وصوب ومن كل فج عميق. هذا بالإضافة إلى تعريفه وشرحه لمبادئ جمعية العلماء التي كانت آنذاك حديثة العهد بالوجود، والتي لاقت من خصوم العلم وأعداء الوطن معارضة شديدة.

الفضيل الورتلاني بين حركة الإصلاح ونشر الدعوة والتعريف بالقضية الجزائرية

الفضيل الورتلاني بين حركة الإصلاح ونشر الدعوة والتعريف بالقضية الجزائرية هجرته إلى أوروبا في إطار الحركة الإصلاحية: وفي سنة 1936 م، انتدبته جمعية العلماء المسلمين الجزائرين للقيام بنشر مبادئها والدعوة الإصلاحية بفرنسا وذلك قصد توعية العمال الجزائريين المغتربين بأوروبا بحيث تمكن في ظرف سنتين ونيف من إحداث ما يزيد عن عدة مراكز للدعوة الإسلامية والربط بين الجاليات العربية الإسلامية من جهة، وإسماع صوت الجزائر العربية المسلمة للعالمين الشرقي الإسلامي والغربي الأوروبي من جهة أخرى. وهكذا ظل الفضيل الورتلاني يعمل في باريس بجد وحيوية ونشاط ويؤدي رسالة جمعية العلماء بكل ما أوتي من قوة بيان، وشجاعة نادرة، ومضاء عزيمة في الأوساط العالمية في فرنسا التي مكنته فيما بعد بالاتصال بكثير من أعضاء وممثلي الجاليات الشرقية العربية من مختلف الأقطار العربية. وفي أواخر سنة 1940 م، أصبح الفضيل الورتلاني على يقين من أن السلطات الاستعمارية الفرنسية صممت على جعل حد لنشاطه السياسي بعد أن دأبت على تعقب تحركاته تمهيدا لإلقاء القبض عليه، لذلك عقد العزم على السفر إلى مصر، خاصة بعد أن لاحت في الأفق السياسي الغربي بوادر حرب عالمية ثانية فغادر العاصمة الفرنسية بعد توديعه من طرف أنصار الحركة الإصلاحية قاصدا مصر

إستئناف نشاطه السياسي بمصر

تكلؤه عناية الله وهناك التحق بالأزهر الشريف معقل الأحرار حيث تابع فيه دراسته العليا إلى أن نال الشهادة العالمية بكلية أصول الدين والشريعة الإسلامية. إستئناف نشاطه السياسي بمصر: وفي سنة 1949 م، أسس مكتبا بالقاهرة يحمل اسم (مكتب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) الذي كان ممثلا له، وقد قام بعدة اتصالات لدى كثير من الدول العربية الشقيقة وإقناعها بضرورة مد يد العون والمساعدة لإخوانهم الطلبة الجزائريين الذين سيأتون من الجزائر لاستكمال دراستهم وإتمام معلوماتهم العلمية بكليات ومعاهد الشرق فلبت الدعوة واستجابت للنداء وتم كل ذلك في ظروف جد حسنة، فتوالت البعثات العلمية تلو الأخرى من الجزائر نحو الأقطار العربية الشقيقة، وذلك تحت إشراف مكتب جمعية العلماء المذكور. كما أن للفضيل الورتلاني - رحمه الله - في المشرق العربي أعمال جليلة أخرى، منها: انخراطه في كثير من المنظمات الإسلامية التي كان هو على صلة بها في تلك الفترة بالذات، وكتاباته في أغلب الصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك في مصر ولها طابع إسلامي عربي تحرري. ففي مجال الدعوة الإسلامية كانت له علاقة أخوية وثيقة ومتينة بجمعيتي "الإخوان المسلمين" و"الشبان المسلمين" في مصر حتى أنه كان يستخلف أحيانا المرشد العام للإخوان المسلمين الداعية الإسلامي الكبير الشيخ حسن البنا - رحمه الله - في محاضراته الإرشادية الأسبوعية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كانت له روابط متينة بالجمعيات الإسلامية المنتشرة في أطراف دنيا الإسلام والمسلمين منها: (جمعية عباد الرحمن) ببيروت، هذه الجمعية التي ما فتئت تكن له صدق المحبة والولاء وأخلص الوفاء، ولم تتخل عنه في أحرج

الظروف حينما تنكر له بعض الأدعياء من ملوك العرب وزبانيتهم المأجورين، ولقد خلدت بعض مآثره حيث أنها قامت بجمع آثاره العلمية وطبعها في كتاب أطلق عليه اسم: ـ[الجزائر الثائرة]ـ طبع هذا الكتاب سنة 1956 م. على نفقتهم الخاصة، وأعيد طبعه سنة 1963 م، ونحن هنا بصدد إعادة الطبعة الثالثة إن شاء الله - هذا بالإضافة إلى ما كان يكتبه بقلمه حول كبريات الأحداث التي تجري في هذه الأقطار، وقد كان الفضيل الورتلاني على صلات قوية ووثيقة بكثير من أعلام الإصلاح الإسلامي في المشرق العربي منهم أمير شكيب أرسلان، ومحي الدين الخطيب، ورشيد رضا، وجمال عبد الناصر، ومحمد مصدق، وعميد الأدب العربي طه حسين والعقاد وغيرهم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. وهدفه من ذلك توثيق عرى الأخوة بين أبناء الوطن الواحد، ومحاولة ربط الجزائريين بتيارات الفكر العربي المعاصر بعد أن ظلت الأبواب موصدة في وجوههم منذ ابتلائهم بالاستعمار والأمبريالية العالمية عبر العصور. وقد نزل ضيفا على الحكومة المصرية في عهد المرحوم جمال عبد الناصر ولقي فيها كل أنواع الإكرام والتقدير والاحترام من طرف أقطاب السياسة ابتداء من جمهوريتها إلى مجلس الوزراء، وكبار المسؤولين في الدولة، ومضى الفضيل الورتلاني في نشاطه هذا غير مكترث بما ستحمله الأيام له في مصر، فكانت لقاءاته بأحرار مصر فرصة للتوعية والتوجيه السياسي. ومن أهم أعماله الجليلة التي قام بها المشرق العربي مساهمته في تأسيس بعض الهيئات والمنظمات السياسية التي سعى في تكوينها وأسهم في نشاطها بحظ موفور: 1 - اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر التي أسست بالقاهرة سنة 1942 م. 2 - جمعية الجالية الجزائرية التي أسست أيضا في نفس التاريخ تقريبا.

مساهته في الثورة التحريرية

3 - جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا أسست بمصر سنة 1944 م. 4 - جبهة تحرير الجزائر التي تم إنشاؤها بلبنان في فاتح نوفمبر سنة 1954 م. مساهته في الثورة التحريرية: ما كادت ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 م تبرز للوجود في الجزائر حتى ارتفعت أصوات الجزائريين الأحرار في كل أنحاء الدنيا، وكان في مقدمتهم الشيخ الفضيل الورتلاني حيث سارع إلى توجيه نداءات إلى جميع الأحرار في العالم العربي الإسلامي ومنددا في نفس الوقت بأبشع الجرائم الوحشية التي يرتكبها الغلاة الاستعماريين في الجزائر، وقد كان على صلة بكبار قادة جبهة التحرير الوطني مجددين العهد على درب مسيرة النضال حتى النصر. مجندا قلمه ولسانه المتين لإذاعة كل ما يجري من أحداث ضخام بأرض الوطن فأجرى بها أنهارا من الحبر لشرح حقائق هذا النضال الذي يخوضه شعب أعزل من السلاح مجردا من كل وسائل الدفاع سوى سلاح الصبر والإيمان ولكنه قوي بإيمانه وواثق من نصره، فكانت له تلك المساعي الموفقة والمواقف المشهودة، لقد فارق الحياة منذ ثمانية وعشرين سنة وقضى نحبه في بلاد الغربة بعيدا عن وطنه وذويه ولم يفترش جثمانه شبرا أو ذراعا من هذه الأرض التي أحبها وكافح من أجلها ومن أجل تحريرها ورفعة شأنها وإسماع صوتها في عالمي الشرق والغرب. وخلاصة القول أن المرحوم الشيخ الفضيل الورتلاني يعتبر بحق من رواد الحركة الإصلاحية والنهضة الفكرية في العصر الحديث، فعظمته تتجلى في أنه صاحب رسالة آمن بيا وضحى من أجلها منذ نعومة أظافره بكل غال ونفيس، فقد هيأته الظروف وتكوينه التقافي المتين، لكي يتحدى الصعاب وظل كالطود الشامخ لا تهزه

الأعاصير ولا النكبات ولا الدسائس والمؤامرات، فعاش مجاهدا بالقلم واللسان، وناضل طوال حياته دون ملل وبدون توقف، ونضاله الذي يتمثل خاصة في الدفاع عن شخصية الأمة الجزائرية بصفة خاصة والأمة الإسلامية بصفة عامة. إن الذي نذر حياته كلها منذ نعومة أظافره وسخر نفسه لخدمة قضية وطنه دفاعا عن مبادئها المقدسة وحفاظا على ذوبان شخصيتها الغالية، لا جدال بأنه أهل وجدير لأن تكتب عنه مئات المؤلفات وتخصص من أجله العديد من البحوث والدراسات حتى تفوز به الأجيال الصاعدة وتتخذه نبراسا ومصباحا تستضيء به في طريقها الطويل نحو الغد الأفضل. لقد كان المرحوم الفضيل الورتلاني في الصف الأول مع رائد الإصلاح الكبير الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله، وسار مع الفوج الأول يدا في يد لمحاربة الجهل والأمية والبدع والخرافات وكل أنواع الانحراف، وقد كانت المعركة شاملة واسعة النطاق، لأن جميع جوانب الإصلاح الاجتماعي كانت مستوعبة من محاربة المعتقدات البالية والضلالات والبدع إلى التربية الخلقية الإسلامية الصحيحة، والدعوة التي تسني ولا تتوقف إلى نمط جديد من الحياة، يتفق مع الإسلام باعتباره دين التجديد لقد كانت المعركة دائمة متواصلة، لأنها كانت متأنية إرادية ومطالبة حتى اليوم الذي جاء فيد دور السلاح. إن مآثر الرجل الفقيد متعددة لا تفي بها كلمة عابرة مستعجلة كهذه، تكتب كلما دارت دورة الزمن، إذ أن للشيخ الفضيل الورتلاني جوانب متعددة تتطلب دراستها مجلدات، ولعل ذكرى وفاته التي تصادف شهر مارس تكون حافزا للأقلام المتخصصة في الوطن العربي الإسلامي وفي وطنه الجزائر بصفة خاصة، وللذين أتيح لهم الحظ العيش معه، أن يدرسوا ما يزال مادة خاما من مآثره الجليلة التي لا تعد ولا تحصى وأن يستخلصوا العبرة من أعماله ومواقفه النبيلة عبر مراحل

حياته، ومما قدمه من جليل الخدمات للجزائر بصفة خاصة وللعرب والمسلمين بصفة عامة حتى يتاح لجيلنا أن ينعم بالحرية ويستظل براية الاستقلال. لقد بر بوعده بر العظماء، فما مضى يوم من أيام حياته الغالية إلا كان مجاهدا كريما، وقد أصيب في أيام حياته الأخيرة بمرض عضال أخذ يستأثر بجهده الوهي وهو لا يأبه بذلك ولا يسمع إلى أقوال الأطباء إلا قليلا ولطالما وصفوا له الدواء فإذا بالأيام تمر تباعا، والدواء عند رأسه باقيا على حاله، وعندما تدهورت صحته واشتد به المرض نصحه بعض الأصدقاء بالسفر إلى تركيا للعلاج هناك بإحدى المستشفيات فسافر إليها في أواخر سنة 1958م. لم تمض على إقامته بالمستشفى المذكور سوى بضعة أيام حيث أجريت له عملية جراحية لم تنجح فكانت خاتمة لحياته ووافته المنية في الثاني عشر من شهر مارس 1959م ودفن بتركيا، ثم أعيد رفاته إلى أرض الوطن في 12 مارس 1987 ودفن بمسقط رأسه بني ورتلان ولاية سطيف. فالمجد والخلود للشهداء الأبرار

تصدير بقلم الفضيل الورتلاني

بسم الله الرحمن الرحيم تصدير بقلم الفضيل الورتلاني التعاون مقدس، والتعارف أقدس {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} الحجرات: 13. هذا كلام عربي مبين، ومع ذلك فإنا نجد العرب والمسلمين في هذه الأيام، أزهد خلق الله في التعارف، وأزهد ما يكونون مع إخوانهم في الجنس واللغة والدين والمصلحة، وقد يكون لهم عذر أو أعذار، ولكن ذلك غير مبرر، ولا يقلل من أثر الواقع المر الذي باعد بين عقولهم وأفكارهم، وبين قلوبهم وإحساساتهم، حتى كثرت أممهم وهم أمة واحدة، وحتى تعددت دولهم وهم يخافون من دولة مزعومة، وذاك في نظري لسبب أساسي واحد، لأنهم فقدوا المصلحين الأكفاء دراية وإخلاصا، الذين يعرفودن كيف يأتون البيوت من أبوابها، ويدرون من أين تؤكل الكتف، ويعرفون بالتالي كيف يجعلون همهم الأول والأكبر في حشد كل الإمكانات، وكل الوسائل الصالحة لخلق الأمة العربية الواحدة، ذات عقلية واحدة، أو متقاربة، وذات إحساسات واحدة، أو متقاربة، وكل ذاك بلا ريب - لا سبيل إليه البتة إلا من طريق واحد اسمه "التعارف" التعارف في أوسع معانيه وأسماها وأعمقها، التعارف بين العقول والتعارف بين القلوب، والتعارف بين الأفراد والجماعات، والتعارف بين جميع الفئات، من تجار، وزراع، وصناع، وكتاب، وساسة، وحكام، وهلم جرا ..

ما هذا الجهل المخجل بينكم أيها العرب؟

حتى تتعانق المصالح، بين الجميع نتيجة للتعارف والاختلاط، فتكون هي الضمانة الطبيعية الكبرى، لتكريس التعاون واستمراره، ويومئذ نستطيع أن نقول: لإسرائيل: أنت دولة مزعومة. ولأنكلترا: أنت خبيثة غدارة. ولفرنسا: أنت مجرمة عاتية. ثم نقول للجميع أخرجوا كلكم من أوطاننا وارفعوا أيديكم عن جميع حقوقنا ومصالحنا، وإن أبيتم فإن الجواب ما سترون بأم أعينكم، لا ما تقرأون في احتجاجات شديدة اللهجة. ما هذا الجهل المخجل بينكم أيها العرب؟ وإن تعجب فعجب أن تجد بين الصفوص العالية في المعاهد بمصر والعراق وغيرها من لا يعرف عن لبنان سوى أنه بلد اصطياف في موسم الحر، وأنه بلد التزلج على الثلوج في موسم الشتاء، ووالله إنك لتجد من بينهم من لا يفرق بين لبنان وليبيا، وألبانيا، وليبيريا، لجامع وجود الباء في كل منها، وقد يسألك أحد شطارهم عن ملك لبنان، أليس هو أحمد زوغو؟ وما أشبه ذلك. وإنك لتجد من بين أهل العلم الكبار من لا يعرف موقر فلسطين بالضبط حتى الآن، وأنه لا يزال يحسب بعد قيام إسرائيل، بأن مصر لا تزال مرتبطة برا بلبنان وسوريا، وأنه يمكن السفر إليهما بالقطار أو السيارة، والشهود على هذه الأمثلة الواقعية لا يزالون على قيد الحياة، وأنك لتجد في بعض بلاد العرب من يعتقد بأن سكان الكويت يعدون بالملايين، وأن جامعاتها مثل جامعات أوروبا. هذا ولا شك بأن الخواص ممن يشتغلون بالصحافه، والقضايا العامة أو غير ذلك من الخصوصيات، هم من الأفراد الذين تستثنيهم القاعدة المشهورة (لكل عموم خصوص).

ومع ذلك فإنك لا تستطيع أن تستثنيهم من التفاصيل والجزئيات، التي كان يجب أن يكونوا كمسؤولين عارفين بدقائقها. مثال ذلك أن تجد من بين أولئك المسؤولين، من يحسب أن السودانيين ليسوا عربا بل هم برابرة من الجنس الإفريقي القديم، لذلك يتساءل: ما شأنهم وشأن مصر حتى يتحدوا معها؟ كل ذلك لأنه رأى بعض البوابين النوبيين في بنايات مصر، سمر الألوان، أو سودها وقد يرطنون بلغة محلية نوبية، فظن أن أمة السودان كلها برابرة، لا يمكن أن يتحدوا مع مصر العربية المتحضرة .. وقد كان أكثر باشاوات مصر أنفسهم يجهلون حقيقة السودان والسودانيين، وهم الذين غرسوا النفور والحذر في نفوس هؤلاء الأمجاد باحتقارهم والترفع عليهم، الأمر الذي أدى في النهاية إلى كارثة الإنفصال رغم ما بذل من جهود جبارة لعلاج سياسة الماضي وإصلاحها، والتبعة الكبرى عندي تقع على أولئك الذين فرطوا في آداء رسالة التعارف بين الشعبين كاملة منذ عشرات السنين، إذ قديما قالوا: لا يصلح العطار ما أفسده الدهر، وإلا فالسودانيون إخوان المصريين بلا ريب. وأشهد ويشهد العارفون معي بأن أبناء السودان أقرب إلى العروبة، أخلاقا وعادات ولهجة وغيرة، من أكثر المجموعات العربية. أما حين نصل إلى المغرب العربي وجهل أهل الشرق بأحواله، فهنالك الطامة الكبرى، حتى أن الكثير من إخواننا العرب كانوا حتى الأمس القريب يستكثرون على أبناء هذه البلاد أن تكون ألوانهم بيضاء أو حمراء، لأن الأرض هناك في نظرهم، صحراء محرقة، من وظائفها الطبيعية أن تصبغ البشرة بالسواد أو بالسمرة على الأقل، وكان فيهم من يحسب أن المغاربة كظنهم في السودان برابرة الجنس وما يزالون، وسود البشرة، أعاجم اللغة لا يعرفون من العربية إلا تلاوة بعض سور القرآن من غير فهم، وأن أرضهم لا تزرع ولا تحصد، وليس فيها من أسباب ذلك

لا نهر ولا عيون جارية، ولا سماء ممطرة، وإنما يعيشون على أنواع من التمر يجود به نخيل الصحراء والواحات، وعلى آبار غير ارتوازية تكفي لبل ريقهم وإرواء مواشيهم لا غير، وأن حياة المدن عندهم معدومة البتة. لذلك كانوا يسألون في اهتمام كبير! .. عما إذا كان هناك كهرباء أو ترامواي، وطرق معبدة للسيارات وبيوت مبنية بالحجارة مسقوفة بالحديد والأخشاب. وإنهم لتأخذهم أشد الدهشة حين تخبرهم بأن كل ذلك متوفر، وبصفة أكمل مما هي في مصر والعراق، ولربما كان أكمل مما هي في بعض البلاد الأوروبية نفسها، وأغلب الظن أن أكثرهم ما كانوا في الأول يصدقون، ولقد قضينا في ديار الشرق العزيزة بضع عشرة سنة، لم نكن نشعر أثناءها بالغربة، وقضى غيرنا مثل ذلك أو أقل منه أو أكثر، ويعلم الله لو أن ما أذعناه من كلام بالقلم وباللسان عن ديار المغرب العربي - كان من الكائنات المادية - ثم جمعناه على بعضه، ليشكل أطنانا أو تلالا، ولكن عمل الفرد أو الأفراد مهما كانت أهميته، فإنه قاصر لا يسمن ولا يغني من جوع، لأنه كمن يريد أن يملأ بحرا محيطا بطائفة من الحجارة بقذفها إليه بيده، على أننا لا ننكر فائدة ذلك العمل، فلقد نقل القوم في مجموعهم إلى الصفوف الثانوية في بعض الأوساط وإلى الصفوف العالية في بعض الأوساط الأخرى، ولم يعد على الأقل أهل الحل والعقد في أكثر البلاد العربية، يشكون في وجود أمة بالمغرب العربي مستكملة الشروط للحياة الحرة وجديرة بالإستقلال والسيادة، ولا يشكون في أمر العناية بهم، والاشتراك في بناء مستقبلهم، على أنه من الواجبات القومية والمصلحة التي لا يعفيهم التاريخ في المحاسبة عليها، ولو أن حماسهم نحو العمل في المجموع ظل مع الأسف راكدا فاترا، وبات متوقفا على التحريك الدائم، وتابعا للظروف المحلية وملابساتها، ولأهداف الحاكمين الذين تنصبهم الأقدار على كراسيها لأن

مقالات في كتاب

أكثر الحكومات العربية إن لم تكن كلها ليس لها حتى الآن سياسة داخلية ولا خارجية موضوعة ثابتة لها ميزانيتها وجهازها، وبرامجها العملية، كما تفعل الدول في القرن العشرين، ولا كتب الإستقرار للكثير منها، حتى تتمكن من وضع تلك السياسة، وضعا محكما فضلا عن دفعها إلى ميدان العمل والتطبيق، وعلى كل حال فنحن نشكر كل من عمل لنا شيئا على عمله، مهما كان قليلا، ونعتب على كل من قصر وفرط عتاب الأخ لأخيه، وسنظل نذكرهم على الدوام لأن الذكرى تنفع المؤمنين. والمهم أن يفهم الجميع واجبهم، وأن يقدروا مصلحتهم، فواجب العرب أن يتعاونوا فيما بينهم من غير من ولا أذى كما يفعل أعداؤهم من الصهاينة والمستعمرين، وأما مصلحتهم فإنها بلا ريب في قوة إخوانهم وحريتهم، ولو أن ثلاثين مليونا في المغرب العربي يملكون اليوم أمر أنفسهم، لحلوا للعرب في المشرق أكثر مشكلاتهم، وأولها مشكلة فلسطين المستعصية. ويمكن أن تصدقوا بسهولة إذا علمتم بأن هذا المغرب يستطيع أن يعبئ جيشنا من أربعة ملايين مقاتل، شهد لهم كبار قواد الألمان والحلفاء، بأنهم من أعظم المقاتلين في العالم، وثورة الجزائر شاهد قائم، وجديد محسوس، لأن بضعة آلاف من الثوار بالبنادق العادية، وبقروش تجمع لهم سرا من هنا وهناك، قارعوا مئات الآلاف من الجيوش النظامية تساندها أحدث الأساطيل البرية والبحرية والجوية، وتمدها خزينة دولة لا ينضب معينها، ومن ورائهم جبهة الاستعمار التي لا تحصى إمكاناتها. مقالات في كتاب .. وبعد فلقد طلبت مني جماعة عباد الرحمن الكرام ورائدهم المجاهد السيد محمد عمر الدعوق أن آذن لهم في جمع طائفة من المقالات كنت نشرتها بهذه

الفترة القريبة، في جرائد سوريا ولبنان، وما كانوا في حاجه إلى أن يطلبوا مني الإذن في فعل المعروف، ولكنه كرم الخلق منهم، وحسن الأدب فأنا أشكرهم فوق الإذن لهم، وأعتذر عن هذه البضاعة المتواضعة، التي يقدمونها في كتاب إلى الناس لأنها مطبوخة على عجل وللإستهلاك الوقتي، راجيا أن تؤدي عني وعنهم بعض الواجب إن شاء الله. ثم طلبوا مني في إلحاح أن أضع لهم تصديرا فاعتذرت لكثرة المشاغل فلم يعذروني، وكان يكفي بعد القبول أن أقتصر في التصدير على بضعة أسطر ولكن الأسى يبعث الأسى، والألم عند تحريك الجرح يبعث على الأنين والصراخ. فليكن إذن هذا الأنين المضطرب تصديرا. والسلام على من اتبع الهدى

الجزائر تجاهد منذ خمسة قرون

الجزائر تجاهد منذ خمسة قرون بمناسبة موافقة الأمم المتحدة أول مرة على المناقشة في قضية الجزائر، طلب قلم التحرير إلى الزعيم الجزائري المعروف الفضيل الورتلاني المقيم آنذاك في بيروت، كتابة فصل للقراء عن تطور الجزائر في سبيل الإستقلال. وها نحن نقدمه اليوم للقراء في (مقال الأسبوع). يمتد تاريخ نضال الجزائر عبر قرابة 500 سنة، وعلى سبيل التحديد بدأ منذ خرج العرب من إسبانيا إذ ما كادت تنتهي المجزرة ضد العرب في داخل إسبانيا عقب سقوط غرناطة حتى 1492، حتى توجهت أنظار الإسبان وسواهم إلى شمال إفريقيا، فتوالت على الجزائر حملات جبارة من الإسبان والإنكليز والفرنسيين والبرتغال، فما وهنت الجزائر يوما في رد هذه الحملات، رغم عنفها وجبروتها. ولننتقل الآن إلى نضال الجزأئر ضد فرنسا، الديمقراطية محررة الشعوب وواضعة حقوق الإنسان، هذا النضال الأخير يبتدئ منذ 125 سنة، حين تجمعت فلول جيوش نابليون الضخمة في باريس، بعد أن كانت تحتل معظم أراضي أوروبا، وخوفا من قيامها بثورة جامحة في الداخل، وجهوها إلى الجزائر للتخلص من خطرها ولإشباع روح الغزو والفتوح المسيطرة على حكام ذلك العهد. غياب الأسطول الجزائري وقيام الأمير عبد القادر وقد شجع الفرنسيين على هذه المغامرة أن الأسطول الجزائري القوي كان قد اشترك مع الأسطولين العثماني والمصري سنة 1827 في معركة "نافارين" الشهيرة ضد أساطيل بريطانيا وفرنسا وروسيا، وهلك في تلك المعركة، فلم يبق للجزائريين ألوية بحرية تدافع عن سواحلهم.

رأس جزائري بخمسة فرنكات

هكذا عبأت فرنسا جيوشها وأرسلتها في حملة مؤلفة من 37 ألف جندي على أسطول قوي، فنزلت على ساحل "سيدي فرخ " قرب مدينة الجزائر، في 14 جوان سنة 1830 ثم فاوض الفرنسيون الباي التركي يومذاك وحملوه على التسليم، وجلوا العاصمة في 5 جويلية من السنة ذاتها. وأستطيع أن أؤكد أن النضال بين الجزائر وفرنسا قد ابتدأ من ذلك اليوم ولم ينته حتى هذه الساعة، وقد قاد المرحلة الأولى من ذلك النضال العنيف الأمير عبد القادر الجزائري الذي بايعته البلاد يومذاك بيعة شرعية اجتماعية، فدافع عن الجزائر في حملة استمرت (18) سنة في وجه عدو استخدم وسائل دولة كبرى ضد شعب مغلوب على أمره. رأس جزائري بخمسة فرنكات وكانت قيادة الجيوش الفرنسية تبيح للجندي الفرنسي أن يقتل العربي الجزائري كيفما كان وضعه، ذكرا كان أم أنثى، صغيرا كان أم كبيرا، في حالة أمن أو في حالة حرب، وله مقابل كل رأس عربي خمسة فرنكات مكافأة، ثم تحسنت الأسعار حتى بلغت خمسة فرنكات للأذن المقطوعة!. ولما نفذت قدرة الأمير عبد القادر الحربية اضطر إلى التسليم باتفاقية نقضتها فرنسا، وغدرت بالأمير قبل أن يجف حبرها، وقبل أن يترك مياه البحر الأبيض في طريقه إلى إسطنبول التي وعدت بنقله إليها، إذ اعتقلته خيانة ووضعته في أحد قصور ملوكها، هو وأهله وحاشيته ولم يفرج عنه ويطلق سراحه ليواصل طريقه إلى عاصمة الخلافة حتى جاء إلى الحكم نابليون الثالث. وفي هذه الأثناء كانت أطراف البلاد الجزائرية عاصية ثائرة، فما تكاد فرنسا تقهرهم في جهة، حتى تكون الجهة الأخرى قد ثارت من جديد، وكانت فرنسا تنتقم

ثورة المقراني وابن الحداد

من الثوار بالقتل والحبس والنفي ومصادرة الأملاك، حتى أنها قد صادرت إثر ثورة واحدة نصف مليون هكتار من الأراضي، أي خمسة ملايين من الدونمات دفعة واحدة وبهذه الطريقة سلبت الجزائريين أراضيهم وأعطتها للمستعمرين الفرنسيين. ثورة المقراني وابن الحداد وأشهر ثورة بعد حرب الأمير عبد القادر هي التي قامت عام 1871 بقيادة الثائر الجزائري المجاهد الباش آغا المقراني ثم التي تلتها مباشرة بقيادة العلامة الجزائري الشيخ ابن الحداد، ثم تلتها ثورات متوالية ومتقطعة. ولما انتهت الحرب العالمية الأولى، تغيرت أساليب النضال في جميع أطراف العالم، وأصاب الجزائر من هذا التغيير قسط كبير إذ أدخلت في أسلوب نضالها الدعاية باللسان والقلم، والتعبير عن السخط بالاحتجاج والإضراب والمظاهرات وما أشبه ذلك. وكانت هذه الأساليب تأخذ أحيانا طابع العنف فتنتهي إلى ثورة أو ما يشبه ثورة ثم لا يخلو المحصول من قتلى وجرحى واعتقالات وغرامات وما أشبه ذلك. ثورة من أجل يهودي يسب دين الإسلام وأبرز الأحداث التي انتهت إلى عنف ظاهر في هذه الفترة كانت عام 1933، حين مر جندي فرنسي يهودي بالقرب من المعهد الذي كان يرعاه ويديره باعث الجزائر الجديدة العلامة عبد الحميد بن باديس، إذ دخل ذلك الجندي في نقاش مع عربي، سب أثناءه الجندي الدين، فكانت تلك الكلمة الملعونة بمثابة الشرارة الأولى في ثورة عمت مدينة قسنطينة في بضع ساعات، ثم انتشرت في أطراف البلاد، وقد سقط في هذه الثورة مئات من القتلى وآلاف من الجرحى، وحوكم الألوف.

حقوق اللصوص

وأخيرا انفجار كبير حدث عام 1945 إثر إنتهاء الحرب، حين احتفلت الأمم الحرة جميعها بيوم النصر، فكان من الطبيعي أن يشترك الجزائريون في الاحتفال، وكان من الطبيعي أن يعبروا عن آمالهم في الحرية التي يحتفلون بانتصارها فحملوا أعلاما جزائرية، ولافتات كتب عليها ما يعبر عن هذه الآمال في الاستقلال والسيادة. ولكن هذه الظاهرة لم ترق للمستعمرين، فتحرش البوليس والجيش والمدنيون الفرنسيون بالجزائريين، فانتهى ذلك النزاع إلى ثورة جامحة عمت جميع أطراف الجزائر تقريبا، وكان محصولها نحو أربعين ألفا من القتلى المدنيين من النساء والأطفال والعجزة، وفي قراهم غير المحصنة، إذ تولت الطائرات الفرنسية تدميرها ثم أحرقتها قنابل "النابالم"!. ولا يستغربن القارئ هذه الأساليب، ففي الماضي طبقها الفرنسيون على مراكش، إذ أطلقوا دباباتهم تهاجم قرى منطقه "وادي زم" فدمرت عشر قرى بيتا بيتا، وقتلت كل من وجدته من رجال ونساء وأطفال، انتقاما للثمانين فرنسيا الذين قتلهم رجال القبائل. وهكذا أباد الفرنسيون نحو عشرة آلاف شخص بهمجية تثبت أن العسكريين الاستعماريين الفرنسيين هم مجرمون أبدا حيثما كانوا. وعند السوريين واللبنانيين الخبر اليقين في ثورة 1925!. حقوق اللصوص أما الثورة الأخيرة فقد بدأت في خريف 1945 في جبال "الأوراس"، وامتدت إلى جبال جرجرة وسراها، وقد قرأت في الصحف الفرنسية أن عدد الثوار الجزائريين يقدر بمئتي ألف شخص، أما أنا فأعتقد أن أساليب الهمجية الاستعمارية قد جعلت كل جزائري ثائرا، وأنا واثق أن هذه الثورة ستستمر إلى أن يعترف الفرنسيون بحق الجزائر في الاستقلال!.

لماذا يستميت الجزائريون بنضالهم حيث الكرامة أغلى من الموت

هذه فذلكة عابرة عن النضال في الجزائر ضد المستعمرين الفرسيين وهي تدل دلالة قاطعة على أن هذه الأمة العريقة، لم تعترف ولا يوما واحدا بضيافة الاستعمار الفرنسي في ديارها، ولا وضعت السلاح ضده مختارة لترتضيه قيما عليها. أما الحقوق المكتسبة التي يدعيها اليوم في الجزائر حكام فرنسا من جنس حقوق اللصوص بأن يقبص عليهم البوليس داخل البيت متلبسين بالجرم المشهود، فيدعون بأن القضية داخلية لا يجوز للبوليس الفضولي أن يتدخل فيها، وهذا عين ما صنعه وفد فرنسا في هيئة الأمم المتحدة حين حرد على "فضول" الهيئة وتدخلها في قضية داخلية بين اللصوص الفرنسيين والجزائريين المنكوبين. جريدة الحياة عدد 2894 لماذا يستميت الجزائريون بنضالهم حيث الكرامة أغلى من الموت النظام النيابي، القائم على التمثيل الشعبي والحريات السياسية، هذا النظام الذي أقامت فرنسا الثورية الحرب من أجله لم تعرفه الجزائر في ظل الحكم الفرنسي إلا عقب الحرب العظمى الأولى. ولما جاء الفرنسيون أخيرا بقانون تمثيلي، مكافأة للجزائر على مئات الآلاف من الجزائريين الذين ذهبوا ضحية الدفاع عن الأم الكريمة، جاءت روح هذا القانون صورة طبق الأصل لقانون الأهالي الذي تحدثنا عنه سابقا، فهو يعطي ثلاثة أرباع المليون من الفرنسيين والمتفرنسين ثلاثة أخماس المقاعد، ويعطي لعشرة ملايين من الأهالي العرب أصحاب البلد الأصليين الخمسين الباقية. ولا يجيز هذا القانون لعربي أن يكون رئيسا للمجلس ولا نائبا له، ولا يجيز للعربي أن يكون رئيس بلدية، ولا نائبا له، هذا من حيث الشكل، وأما من حيث

الورتلاني يشرح قضايا التحرر في المغرب العربي

الجوهر والتطبيق فلقد كانت مهزلة لا تليق إلا بألاعيب الأطفال، لأن إنتخابات الأهالي كان جريانها على الدوام صوريا، فهي في الحقيقة تعيين وليس بتمثيل، أو هي تمثيل حقا، ولكنه تمثيل بالمعنى الفني الحديث. هذا نموذج مجمل لطبيعة الاستعمار الفرنسي في الجزائر وتحته فروع وفروع. الورتلاني يشرح قضايا التحرر في المغرب العربي اتحاد أقطار المغرب في دولة واحدة واجب مقدس، يسعى إليه كل عربي في الإتفاقية الفرنسية ثلاث سوابق فائقة الخطورة، أرجو أن لا يقع المسؤولون بمراكش في مثل ما وقع فيه التونسيون. قابل مندوبنا السيد الفضيل الورتلاني المجاهد الجزائري المعروف وطرح عليه بعض الأسئلة المتعلقة بالحركة التحررية في المغرب العربي، وهذه هي أجوبة السيد الورتلاني التي تلقي ضوءا على قضية المغرب العربي: س - هل يمكن في المستقبل أن تتوحد أقطار المغرب العربي في دولة واحدة أو متحدة؟ وما هي العقبات التي يحتمل أن تعترض هذا الإتحاد؟ ج - إن اتحاد أقطار المغرب العربي، في دولة واحدة أو متحدة، ليس أمرا ممكنا فحسب، بل هو الواجب المقدس الذي يسعى إليه كل مواطن حر صادق، وأسباب ذلك ومقتضياته بحمد الله قائمة، على أكمل وجه، ولو أردت أن تقابل بين مجموعة العوامل التي تربط بين أبناء المغرب العربي، وبين أي مجموعة أخرى من جميع أطراف العالم، لوجدت روابط الأولى أكثر وأمتن. فالجنس واحد والدين واحد، والمذهب واحد، واللغة واحدة، وأخيرا فإن الألام والأمال واحدة لأن الظالم المستعمر الغاصب واحد. وقديما قال أمير الشعراء: إن المصائب يجمعن المصابينا: أما عن العقبات، فإن

عدد الثوار

العقبة الوحيدة التي يمكن أن تعرقل هذه الوحدة أو هذا الإتحاد، فهي الاستعمار الفرنسي فقط. وهذا الاستعمار، إذا فاته أن يعرقل استقلال هذه البلاد فلا يقصر في بذل أعظم الجهود، لعرقلة وحدتها أو إتحادها، فالاستعمار الفرنسي مثل الشيطان تماما، والشيطان يهمه أن يحمل الإنسان على الكفر بالله، فإذا عجز عن ذلك، أقنع بأن يضعف إيمانه على الأقل، أما وجود سلطان في مراكش، وباي في تونس، فإني أؤكد أنه لا يشكل عقبة دون الوحدة أو الإتحاد مطلقا، فلقد رأيت السلطان الشرعي "محمد بن يوسف" يجازف بعرشه حين ساومه الاستعمار الفرنسي على مصالح بلاده والشعب العربي في مراكش، وكذلك فعل ملك تونس السابق الشهيد "المنصف باي". عدد الثوار س - كم هو عدد الثوار في ظنك، وإلى أي حد يتمتعون بتأييد الأمة الجزائرية .. ؟ ج - إن عدد الثوار في الجزائر هو في نظري على قدر عدد نفوس الأمة الجزائرية نفسها، فالأمة الجزائرية برجالها ونسائها، وصغارها وكبارها، كلها ثائرة وكلها متألمة ومقاومة وآيسة، فمن استطاع من الجزائريين أن يصعد إلى الجبل ويحمل السلاح، فهو الآن في الجبل، ومن لم يستطع ذلك أو ليست رسالته هي حمل السلاح فمثل هذا أيضا ثائر وهو في بيته، أو في دكانه، أو في مكتبه، أو في مزرعته، وثائر في أي مكان تظله فيه السماء وتوحي إليه باسترداد حريته وحقه أو الإستشهاد والفناء دون ذلك، ويكاد يكون الحال كذلك في مراكش وآمل أن يصير مثل ذلك أو قريب من ذلك في تونس أيضا أما تأييد الأمة الجزائرية للثوار، فليس له حد ولا نهاية، لأن المفروض أن الأمة كلها ثائرة، وأنها جميعا هي الثوار فهي المؤيدة "بالفتح" والمؤيدة "بالكسر". ومن نعم الله على الجزائر بالذات أن الفرنسيين فيها، رغم دهائهم ومكرهم

قيادة الحركة

وسخائهم في شراء الذمم، فإنهم لم يستطيعوا أن يعثروا حتى الآن، على خائن واحد، يصنعون منه محمد عرفة ثانيا، أو "كوسلينج" ثانيا، أو دمية من أمثالها. قيادة الحركة س - ما هي الهيئات الرسمية الموجودة في الجزائر ذات الأهمية والمسؤولية التي تتمتع بثقة الأمة الجزائرية؟ ج - في الجزائر اليوم، من الناحية العملية الجوهرية، هيئة واحدة فقط إنها الأمة الجزائرية الثائرة، وهذه الأمة الثائرة على اختلاف طبقاتها، ومشاربها، ودرجاتها في الحماس والعمل، هي جميعا قوة متراصة، تمد المجاهدين الأبطال، بأعز ما تملك من نفس ونفيس، وما عرفنا حتى هذه الساعة، من خرج على هذا الإجماع أو من فكر في الخروج عنه، إلا بعض الأفراد التافهين الذين قد يغريهم أحيانا ترغيب أو ترهيب، وليس لهؤلاء أي قيمة، أو أهمية. أما من الناحية الرسمية والشكلية فإنه يوجد في الجزائر هيئات ثلاث الأولى: "حزب الشعب الجزائري" والتانية: "جمعية العلماء الجزائرين" والثالثة: "حزب البيان الجزائري، وحزب الشعب غير معترف به رسميا" والآخرون لم يعودوا يشتغلون كهيئات إنما أصبحوا جميعا يشتغلون كأمة ثائرة تكافح في سبيل تقرير مصيرها، ومصير الأجيال من أبنائها وأحفادها. والفرنسيون يحاولون دائما ولا ييأسون في السعي لإيجاد تفرقة ينفذون من خلالها، لإيجاد الوهن في الصفوف. ولكنهم فاشلون حتى الآن، ونأمل أن يكون نصيبهم على الدوام الفشل، حتى يكتب الله النصر للجزائريين والمغاربة، وهو نصر للحق الذي ينشده جميع البشر من الأحرار. ومع ذلك، فإن الحزم يقتضي منا أن لا نبالغ في التفاؤل. حتى نقدر بأن الجزائريين والمغاربة معصومون لا يمكن أن يوجد من بينهم ضعفاء أو أنانيون

الإتفاقية التونسية

جهلاء، بل هذا جائز على جميع البشر، قديما وحديثا، من أجل ذلك نحن نناشد على الدوام كل جزائري، وكل مغربي، ونحذرهم من أن يدعوا شيئا يساعد على إيجاد أدنى فرقة في صفوف الأمة، وحتى كرامة الفرد في مثل هذه الظروف الدقيقة يجب أن تهون وتبذل في سبيل كرامة الأمة ومستقبلها. الإتفاقية التونسية س - ما رأيك في الإتفاقية التونسية الفرنسية وفي المفاوضات المنوي إجراؤها بين فرنسا ومراكش؟ ج - إن موضوع الإتفاقية التونسية، ذو شقين الأول والأهم، يتعلق بالإتفاقية نفسها. والثاني: ثانوي يتعلق بالأفراد الذين ارتضوا تلك التجربة الخاطئة أما الأفراد فإني لا أريد أن أتعجل، فأحكم على أحد منهم بسوء فضلا عن الخيانة. وكلهم إخواننا لهم ماضيهم وتضحياتهم المحفوظة والمحترمة، وإنما الذي أحكم به من غير تردد هو أنهم في قبولهم لهذه الإتفاقية نفسها وما سبقها ولحقها من ملابسات، ولقد حصل فيها مع الأسف الشديد سوابق ثلاث هي في غاية الخطورة، السابقة الأولى: هي دعوة المجاهدين التونسيين الذين كانوا في الجبال يكافحون الإستعمار الفرنسي لتسليم أنفسهم وأسلحتهم، لمجرد وعد صدر عن رئيس حكومة فرنسا في ذلك الوقت "منديس فرانس" "يعدهم بأنه سيفاوض التونسيين ويعطيهم استقلالا ذاتيا" ونحن وأهل الدنيا جميعا قد عرفنا وعرفوا من هذه الوعود المطاطة الزائفة المئات والآلاف، وما عرفناهم يوما بصادقين، ثم أن إخواننا الزعماء فعلوا ذلك في وقت كانت الجزائر ومراكش في بداية الإنفجار والثورة، والمفروض عندنا وعند إخواننا المسؤولين في تونس، أن هذه الأقطار الثلاثة - تونس والجزائر ومراكش - إنما تشكل أمة واحدة وقضية واحدة، لا يجوز أن نرضي رغبة المستعمرين بتجزأتها، وتفريق كفاحها الحربي والسياسي.

اليهود في تونس

والسابقة الثانية: هي أن الإتفاقية التونسية الفرنسية، تجعل للفرنسيين الدخلاء حقوقا مشروعة، وتكاد تكون أبدية، وذلك في مقابل إصلاحات طفيفة، في شكل الحكم هي بنظري في غاية التفاهة، بينما كان الوجود الفرنسي قبل الإتفاقية إنما هو وجود استعماري ظالم غير مشروع. والتالي فهو طبعا غير مؤيد، لأن الأبدية إنما هي لله الواحد القهار .. والسابقة الثالثة: هي قبول وزير يهودي في أول حكومة وطنية عرفتها تونس بعد الاحتلال الفرنسي. اليهود في تونس ويجب أن يعلم القراء، أن اليهود في تونس، لا يتجاوز عددهم خمسين ألفا وبعضهم يحمل الجنسية الفرنسية بينما سكان تونس العرب يزيدون على أربعة ملايين، ثم أن هذا اليهودي الغني الخطير، لا يشك عاقل في صهيونيته، ومعنى ذلك فإن إسرائيل غير المزعومة، أصبحت ممثلة في حكومة تونس العربية الحرة. ويجب أن يعلم القراء في الوقت نفسه، أن اليهود المواطنين في جميع أقطار المغرب العربي، وعدد سكانه ثلاثون مليونا لا يتجاوز عددهم مائة وخمسين ألفا، ويلاحظ أن السبعين ألف يهودي في الجزائر، ليسوا مواطنين جزائريين، لأن جنسيتهم فرنسية منذ 1871 بموجب قانون "كريميو" اليهودي المشهور، وليس معنى هذا أن الجزائر تنوي أن تحرمهم الجنسية الجزائرية إذا تم استقلالها، بل ذلك أمر آخر غير وارد هنا، هذا رأيي إجمالا في الإتفاقية التونسية الفرنسية، ويجب في رأيي أن يعاد النظر فيها على أسس ثورة المغرب العربي العامة، وذلك في نظري لمصلحة الطرفين معا إذا حضر عقل المسؤولين الفرنسيين وبعد نظرهم، ثم غابت الأنانية وشهوة المستعمرين. من الفئة الإستغلالية الضئيلة. ومراكش أما مراكش فإن الأسلوب المتبع معها حتى الآن في نظري أضعف من الذي اتبع مع تونس، لأنه قائم كله على تفريق ومغالطة، وعلى مساومة تحمل ظواهرها سوء

أسطورة الوجود الفرنسي بالمغرب العربي

النية واضحة وأرجو أن لا يقع إخواننا المسؤولون المراكشيون في مثل ما وقع فيه إخواننا التونسيون، لا سيما وأن الكفاح الآن، قد أخذ طابعا جديدا من الحزم والإتحاد، فمن التفريط الخطير، بل من الخيانة العظمى، أن يطعن المكافحون من السياسيين في ظهورهم، وأن رأيي القديم الذي أغتنم هذه الفرصة لتجديد إعلانه هنا، هو أن لا يقبل فرد أو هيئة في الأقطار الثلاثة أي نوع من المفاوضات إلا على قاعدتين أساسيتين الأولى: هي الإستقلال التام، والثانية: أن المغرب العربي له قضية واحدة، فيجب أن تحل هذه القضية الواحدة مجتمعة غير مفرقة. وهذا ما نأمل أن يكون بإذن الله. جريدة الجريدة عدد 870 أسطورة الوجود الفرنسي بالمغرب العربي وجهت (الجريدة) إلى السيد الفضيل الورتلاني الزعيم الجزائري المعروف أسئلة عن الوضع الداخلي، والدولي للجزائر. وطلبت إليه ببسط رأيه في ما تزعمه فرنسا من أن الجزائر فرنسية، وأن قضيتها داخلية .. كما سألته عما يريده الفرنسيون من إدماج الجزائر في فرنسا، وما يعنون بهذا الإدماج، وأخيرا سألته عن طبيعة المصالح الفرنسية بالجزائر، ومصير هذه المصالح إذا استقلت الجزائر، وفيما يلي ردود الزعيم الجزائري على أسئلة (الجريدة). س - ماذا يعني الفرنسيون بدعواهم: أن الجزائر فرنسية، وأن الجزائريين فرنسيون، وبالتالي فإن قضيتها داخلية بحتة لا تعني إلا أهلها؟ ج - إن هذا السؤال لخطير، أشد الخطورة، والجواب عنه يحتاج إلى شيء من الإفاضة، والحقيقة أن أسخف بدعة سياسية، عرفها القرن العشرين، هي هذه

يجب أن تكون فرنسا أذن ألمانية .. !

الدعوى الصبيانية، التي لا يستحي كبار الفرنسيين من ترديدها في كل مكان، وأن يسجلونها بحماس في المحافل الدولية بالذات. والغريب أن الدليل الوحيد عند الفرنسيين، بأن الجزائر حقا، وصدقا فرنسية: هو مجرد وجودهم في هذه الديار، بجنود هم وشرطتهم، وأسلحتهم، وظلمهم، وطغيانهم. نعم هذا هو دليلهم الوحيد، وإننا نتحداهم على ملأ من الدنيا، إذا كانوا يملكون دليلا آخر سواه. وهل هذا الدليل العتيق لما يصلح الإستدلال به على جواز استبعاد الشعوب في القرن العشرين؟ يجب أن تكون فرنسا أذن ألمانية .. ! ولو أن حجة الفرنسيين قد صحت في الجزائر لهم، فإنه يجب أن تصح هذه الحجة نفسها عليهم بفرنسا، ذلك لو أن الألمان كانوا قد ادعوا أثناء إحتلالهم الأول والثاني لفرنسا، بأنها المانية، إذن لوجب على العالم الحر، وغير الحر، أن يسلم فرنسا قد أصبحت ألمانية فعلا وأن قضيتها داخلية بحتة، لا تعني إلا أهلها .. الألمان. فهل يا ترى لو زعم الألمان يومئذ مثل هذا الزعم، ثم صدقهم العالم الحر، وغير العالم الحر من الناس، هل كان الفرنسيون يجدون في ذلك الزعم، ق ذلك التصديق شيئا من المنطق، أو شيئا من الحق والنبل؟ أم أنهم كانوا يركلون الأرض بأرجلهم، غضبا وسخطا، ثم ينطلقون في طريق الكفاح يعملون على تحرير وطنهم المقدس؟ لا أظن أنه يوجد فرنسي واحد في الدنيا، كان يمكن أن يعترف بملكية بلده للغزاة لمجرد كونهم غزاة غالبين .. لقد فعل ما هو أهون من هذا بكثير، رجال عظام من قومهم مع لألمان، وفي مقدمتهم بطل فردان المرشال بيتان والرئيس لافال، وغيرهم. ولم يتجاوز ما فعله هؤلاء الفرنسيون العظام التعاون مع الألمان، وهم يحسبون أن ذلك في مصلحة فرنسا. غير أن جراءهم كان التشهير ثم الإعدام. أما الفرنسيون الذين ثاروا على الألمان الغزاة، ولم يعترفوا

المنطق المعكوس

بشرعية وجودهم في أرض الوطن هؤلاء كانوا يسمونهم الأحرار، ورجال المقاومة الأبطال، ولقد كانوا ولا يزالون محل تقديس جميع الفرنسيين حتى هذه الساعة. المنطق المعكوس هذا هو منطق الفرنسيين أنفسهم عند حكمهم على قضاياهم القومية. فإنهم يرون مثلا، أنه من الجريمة الكبرى والخيانة العظمى، أن يعترف فرنسي لغاز، أو فاتح بحق في وطنهم، ولو كان هذا الفاتح يملك أدوات الموت، وأدوات السموات والأرض، أو كان يملك جميع أسباب القهر والغلبة. ويرى الفرنسيون من جهة أخرى أن الواجب المقدس، والمثل الأعلى يوجب على المواطن أن يضحي بكل عزيز لديه في سبيل طرد الغزاة الفاتحين من أرض وطنه. هذا منطقهم في قضاياهم القومية الخاصة. وأما حينما يحاكمون قضايا الناس القومية، ويكونون هم الطرف المدعى عليه، فإن هذه المفاهيم الجميلة، والقوانين المقدسة، تنقلب عندهم رأسا على عقب، وتصبح أوطان ضحاياهم المغلوبين ملكا لهم، لمجرد كونهم غزاة فاتحين، ومنتصرين بالقوة ومسيطرين على الحق، وتصبح قضايا ضحاياهم المغلوبين داخلية بحتة لا تعني أهلها أي لا تعني إلا الغالبين وهم الفرنسيون: ولا يجوز للعالم الحر، ولا لغير العالم الحر أن يتدخل فيها، وإلا عد تدخله فضولا وقحة، وجرأة سافلة دنيئة (كما صرح رئيس وزراء فرنسا إدغار فور في الجمعية الوطنية الفرنسية) ويصبح المقاومون المكافحون للاستعمار لصوصا، وقطاع طرق، وسفاكين خارجين على القانون، يجب في نظر فرنسا أن يتعاون معها العالم الحر، ودول ميثاق الأطلسي على تأديبهم، والقضاء على شغبهم. إدماج الجزائر بفرنسا، دونه قارات وبحار وتاريخ أما الحق الذي تذوب الأباطيل كلها، ويبقى هو شاهدا، ودليلا على نفسه، فهو أن الجزائر ليست فرنسية، وأن الوطن الجزائري، والأمة الجزائرية موجودة منذ آلاف

ماذا يقصد الفرنسيون بالإندماج

السنين أي قبل أن توجد فرنسا بوضعها الحالي. وأن الجزائر تقع في قارة، وفرنسا تقع في قارة أخرى، يفصل بينهما بحر عظيم اسمه البحر الأبيض المتوسط ... وأن الجزائر أمة شريقية، عربية مسلمة من قبل ومن بعد، وليست فرنسا في شيء من ذلك كله .. وإن فرنسا ظالمة بكل ما في الظلم وأن الجزائر مظلومة بكل ما في الظلم من معنى، ولا يزال قانون الظالم مع المظلوم، هو وحده السائد في ربوعها. وإذن .. ؟ فما معنى هذا الإلحاح الفرنسي بأن الجزائر فرنسية، وأن الجزائريين فرنسيون؟ أن معنى ذلك في المنطق الإستعماري الفرنسي وقصده أن هذه الأرض الجزائرية قد غزاها آباؤهم وأجدادهم، فتغلبوا عليها. وعلى هذا وجب أن تكون ملكا لهم، كما ضيعتك أنت ملكا لك أو كما يكون بستان زيد أو دار عمر ملكا لهما .. غير أن هناك فرقا واحدا هو أن البشر الموجودين في ضيعتك ليسوا ملكا لك، أما البشر الموجودون في "ضيعة" الجزائر فإنهم ملك للفرنسيين الغزاة لأنهم تابعون للضيعة، كتبعية: بقرك، وغنمك، وحميرك وما أشبه ذلك .. ماذا يقصد الفرنسيون بالإندماج س - ماذا يعني المسؤولون الفرنسيون بالإندماج الجزائري الذي كثر اللغط حوله في هذه الأيام، والذي يبدو أنهم مصرون على تحقيقه؟ ج - إن الإدماج، أو الإندماج في لغة الناس هو أن يختلط شيء بشيء آخر، أو بأشياء كثيرة أخرى حتى تذوب كلها أو يذوب بعضها في بعض، ثم تصبح بعد ذلك شيئا واحدا جديدا، له حكم واحد. وقيمة واحدة، واعتبار واحد. وحتى إذا كانت المدموجات مما يقوم بالنقود، فلا يكون لها إلا سعر واحد. ومثال ذلك بالبساطة، حال الطبخة التي تصنع من مواد مختلفة فإنها بعد الإندماج، إنما تصير آكلة واحدة ذات قيمة واحدة، وقس على ذلك.

دلائل الإندماج المزعوم

أما الإدماج في لغة الفرنسيين، فهو شيء غير ذلك تماما. وتوضيحه أن إدماج الجزائر مثلا، قد حصل في نظرهم فعلا، وهو قديم قد مضى عليه عشرات السنين. ومع ذلك .. هل تحقق شيء من معاني الإندماج أو من الصفات التي توفرت في الطبخة كما ضربنا المثل بها. كلا لم يتحقق شيء منه على الإطلاق. ذلك بأن عناصر "الطبخة" وموادها في إدماج الجزائر ما زالت منفصلة محتفظة بمزاياها الفردية. ولم تتحقق عناصر المساواة الحقيقية التي يجب أن تتوفر حتى في صنع "الطعام" .. أما الذي حصل بالفعل، والذي يشهد به الواقع حتى اليوم، هو أن الجزائريين إنما يعيشون مع الفرنسيين، كما يعيش العبيد مع السادة .. فالغنم كله للفرنسيين والمتفرنسين، والعزم كله على الجزائريين المنكوبين. ولو أن المقام مقام تفصيل لسردت مئات الأمثلة على ذلك. إلا أنني أقدم نموذجا يصح القياس عليه دون الحصر. فمن مظاهر هذا الإندماج الجزائري الفرنسي المزعوم، الفروق الآتية: دلائل الإندماج المزعوم يجوز للفرنسي، بل من حقه الطبيعي أن يتمتع بجميع وظائف الدولة، الإدارية، والقضائية والعسكرية. فيجوز له مثلا أن يكون رئيس جمهورية، أو رئيس حكومة، أو أن يكون وزيرا، وقائدا للجيش وما إلى ذلك: أما الجزائري "المندمج" فإن القانون الفرنسي "الإندماجي" لا يتيح له أن يتمتع بما فوق وظيفة مختار. أي لا يجوز له أن يكون "قائم مقام" ولا معاونا له، ولا يجوز له أن يكون قاضيا في محكمة أهليه، ولا نائبا للقاضي: ولا يجوز له كذلك أن يكون رئيس قسم بوليس، ولا معاونا له. ولا يجوز أن يرقى في الجيش إلى رتبة أعلى من رئيس كما لا يجوز أن يكون رئيس بلدية، أو نائبا أول.

مصالح الفرنسين هي استعباد الجزائريين

وفي المجالس النيابية المحلية، يمثل ثلاثة أرباع المليون من المتفرنسين ثلاثه أخماس في بعضها، وثلثان في البعض الآخر، بينما يمثل عشرة ملايين من الجزائريين العرب خمسان في بعضها، وثلث في البعض الآخر، وعلى هذه القاعدة الإندماجية فإن عشرة ملايين من الجزائريين لا يعادلون نصف مليون من المتفرنسين. والقانون العام الذي يحكم الجزائريين. فإنه خاص بهم يسمى "قانون الأهالي". وهذا القانون الشاذ ما عرفت العصور البربرية المظلمة مثله. أما لغة الجزائريين العربية، المتوارثة منذ أربعة عشر قرنا، أبا عن جد، فإن القانون الفرنسي "الإندماجي" يعتبرها لغة أجنبية في وطنها الجزائر .. وهكذا سائر الأوضاع الأخرى. التي لا تجد فيها مساواة بين جزائري، وفرنسي، حتى في أبسط الأمور التي يطمع حتى الحيوان في القرن العشرين أن يساهم فيها. هذا توضيح بسيط أقدمه إلى القارئ ليدرك أن الفرنسيين أنفسهم. كانوا كاذبين في دعوى إدماج الجزائر في فرنسا، ولا يزالون يكذبون حتى اليوم، ويغالطون، وإننا لنتحدى فرنسا أن تثبت غير ذلك. أما الذي يجب أن يعرفه الناس جميعا، فإن الجزائر أمة قائمة بذاتها، مستكملة الشروط والخصائص، وأنها كانت قائمة موجودة قبل وجود فرنسا، ولا تزال، وستظل موجودة إلى ما شاء الله، ثم أن الجزائريين أحرار مثل الفرنسيين أنفسئهم لا يريدون إندماجا ولا إلتحاقا، وكانت دواعيه وملابساته متوفرة، وموانعه غير قائمة، لما كان هذا الإندماج إلا بإخوانهم العرب دون سواهم. مصالح الفرنسين هي استعباد الجزائريين س - ما هي طبيعة المصالح الفرنسية في الجزائر التي يدعونها، وماذا يخشون عليها لو استقلت الجزائر؟ ج - إن ما يقصده الفرنسيون المستعمرون بمصالحهم في الجزائر، لا يمكن أن يخطر لعاقل ببال .. لأن معنى المصالح عندهم أن يكونوا على الدوام سادة، وأن

يكون الجزائريون على الدوام عبيدا .. والقاعدة معلومة .. وهي أن العبد وما ملك لسيده .. والواقع أن مجرد الكلام في رفع صفة الرق عن الجزائريين، كان دوما يهيج المستعمرين، ويجعلهم ينادون ويهددون بالويل، والثبور، وعظائم الأمور .. ثم يندبون مصالحهم المهددة بالخطر والزوال. وهذا هو بعينه ما اصطلحوا على تسميته بالوجود الفرنسي، يعنون به الاستعباد الفرنسي للجزائريين، ولجميع سكان المغرب العربي. ولعله يسهل على العاقل أن يصدق هذا بالهين مع أنه خال من كل مبالغة بل يقصر عن الحقيقة، ونحن نتحدى الفرنسيين دائما إذا استطاعوا أن ينفوا شيئا منه. والدليل الواضح أن الجزائريين الذين يطالبون بالاستقلال وهو حقهم الطبيعي في الحياة والكرامة. والذي لا يوحي لهم به أحد، ليعترفون للمستعمرين الفرنسيين بالجنسية الجزائرية وبالمساواة المطلقة مع الجزائريين الأصليين وفي جميع الحقوق والواجبات، وإنهم ليعترفون لهم فوق ذلك بالحقوق المكتسبة أو بالأحرى بالثروات المغتصبة من الجزائريين المساكين، والمكدسة طول قرن وربع القرن من حكمهم الجائر الجبار، هذا وحتى لو تم للجزائر استقلالها اليوم بالفعل، فسيظل الفرنسيون متفوقين مدة نصف قرن أو تزيد، وذلك لما تجمع لديهم من مال وثقافة، أو بما أصاب الجزائريين مقابل ذلك من فقر مدقع، وحرمان من الثقافة والتعليم في الكيفية والكمية. وأما مصالح فرنسا في الجزائر كدولة، فإن الجزائر المستقلة ستكون عاقلة منصفة، إذا أرادت فرنسا أن تسير في طريق العقل والعدل والإنصاف، ولقد جربت فرنسا أساليب التهور والغطرسة في سوريا ولبنان، وجربتها في الهند الصينية ويذكر القارئ أنها قد خرجت من هذه البلدان جميعا بأقبح وداع، وأسوأ الذكريات. جريدة الجريدة عدد 860

الفضيل الورتلاني يحدثنا عن الدين والعرق في المغرب العربي

الفضيل الورتلاني يحدثنا عن الدين والعرق في المغرب العربي ليس في المغرب العربي بربر ... لأن البربر استعربوا استعرابا تاما. جمعتنا صدفة بالمجاهد الجزائري المعروف، الأستاذ الفضيل الورتلاني وكان طبيعيا أن يدور الحديث حول الثورة القائمة اليوم في بلاد المغرب، وبصورة خاصة عن وجود عنصرين مختلفين هناك، هما العرب والبربر على ما تروجه دعايات المستعمرين الفرنسين، وقد شرح حضرته المسألة كما يلي: من القواعد الأساسية التي يبني عليها الإستعمار قديما وحديثا، قاعدة "فرق تسد" فما غزا يوما قوي ضعيفا، إلا وحاول قبل العمليات الحربية، أن يوهن صفوفه بإشاعة الخلاف والتفرقة بين أفرادها، وإذا غزا شعبا بالفعل، وكتبت له الغلبة عليه، ظلت القاعدة "فرق تسد" هي العامل الأول والأكبر لضمان استغلاله وتخليد سلطانهم عليه، ثم لما كان الخلاف يقوم بين قوم، إلا على أصل من النفور بين أفراده، كان من الطبيعي، أن يبحث المستعمرون المفرقون، أول ما يبحثون على عوامل نفسية، تصلح أن تكون مادة فعالة، لإثارة ذلك النفور والحذر، وإشاعة سوء الظن والكراهية بين الأفراد والجماعات من ضحاياهم، والغرض واضح، هو رفع الثقة بين المتساكنين المظلومين، حتى يتعذر التعاون بينهم ضد الظالمين، وليصير بأسهم بينهم شديدا، ويكفي الله المستعمرين القتال. ومن المعلوم أن أقوى العواطف وأشدها سلطانا في النفوس، هي عاطفة الدين، ثم الجنس، من أجل ذلك كان المستعمرون ولا يزالون يدخلون على ضحاياهم، لتشتيت شملهم، من هذين البابين الواسعين، باب الدين، وباب العنصرية فلعله

الدين في المغرب العربي

إذن يحسن أن تعرف ماذا صنع المستعمرون الفرنسيون في استغلال هذين الأمرين الخطيرين بالجزائر والمغرب العربي عامة. الدين في المغرب العربي وقبل أن أعرض لشرح واقع الدين في هذه البلاد، يهمني أن أنبه القارئ إلى أنني لست الآن بصدد تفضيل دين على آخر، أو مذهب على آخر، فذلك ليس من شأني الآن، وله مجال غير هذا المجال، وإنما أنا الآن بصدد شرح حقيقة، وتصوير واقع كما يفعل المؤرخ تماما، ويتعين في نظري على العرب جميعا، أن يعرفوا هذا الواقع جيدا، وأن يقدروه حق قدره. يجب أن يعلموا أولا: أن سكان المغرب العربي لا يقل تعدادهم على ثلاثين مليونا، والأهم من ذلك أن هذه الملايين الثلاثين، إلا - القليل النادر - يعتنقون دينا واحدا، هو الإسلام، وليس فيهم من اليهود أكثر من مائة ألف، لا يزالون يتمتعون بالجنسية المحلية شكلا، ولكنهم في الناحية الجوهرية إنما يعيشون مع مصالحهم الإستغلالية واليهودي لا يهمه شيء سوى ذلك، وأهل المغرب جميعا سنيون، وإنما يوجد قرابة خمسين ألفا من الإباضية، هم من خيرة المواطنين المغاربة، نشاطا واستقامة، ولا يشعر أحد بأنهم أقلية، أو أنهم شيء آخر غير بقية المواطنين، فأنت ترى بعد هذه الفذلكة، بأن باب الدين مسدود تماما، وأنه محكم الغلق في وجه التفريق الإستعماري، ولقد حاولوا بالفعل أكثر من مرة أن يجدوا منفذا منه إلى التشويش والتفرقة، فما أفلحوا ولن يفلحوا أبدا بإذن الله. العنصرية في المغرب العربي هذا هو الوضع الديني في المغرب العربي، والوحدة فيه واضحة لا قلق فيها، أما الذي سيكون محل استغراب القراء حتما، فهو ما أدعيه من أن المغرب العربي بملايينه

التقارب العربي

الثلاثين كلهم عرب لا بربر فيه، وقد لا يصدق القارئ هذا الادعاء بسهولة، وهو يقرأ كل يوم في الصحف السيارة، ويسمع في الإذاعات العالمية، أحاديث طويلة ومتنوعة، عن البربر وعن أعمالهم ضد السلطان مرة، وضد الفرنسيين مرة أخرى، ويسمع ما يملأ آذانه من الحديث عن زعيمهم الأكبر، الجلاوي باشا مراكش، إلى غير ذلك من الروايات المستفضية التي تجعل وجود البربر في المغرب العربي ثابتا بالتواتر، أجل مع هذا كله فإني أزعم، وبعض الزعم حق، أن ليس في المغرب بربر على الإطلاق، وأتدى من يستطيع أن يثبت غير ذلك، وإليك توضيح الأمر .. كان سكات المغرب العربي قبل دخول الرسالة الإسلامية العربية، بربرا لا خلاف في ذلك، ولا يهمني ما يذهب إليه بعض المؤرخين، من أن هؤلاء البربر أنفسهم إنما هم من أصل عربى، وإنما الذي يهمني، والذي لا شك فيه أن أولئك البربر قد تعربوا جميعا بعد الهجرات العربية المتوالية على ديارهم، ولم يبق اليوم على أرض المغرب العربي من يقول: أنا بربري، أو يرضى أن يصفه أحد من الناس بذلك. التقارب العربي أما أهم أسباب هذا التعريب فثلاثة: الدين واللغة والتزاوج. وكان الدين أسبق الثلاثة إلى التحكم في مصير البربر، فلقد اعتنقوا الإسلام عن شوق وقناعة، وأحبوه من أعماق قلوبهم وأخلصوا لتعاليمه أشد الإخلاص، ثم أحبوا معه، ومن أجله كل ما صحبه من مقومات، أحبوا أهله العرب حبا لم يكن يخلو من الغلو، حتى كان البربري يرى أن الأسهار إلى العربي والتقرب منه إنما هو شرف كبير له، بل هو فى نظره ضرب من العبادة والتقرب إلى الله، لأن هذا العربي في نظره إنما هو رسول الله إليه، وأنه مجاهد في سبيل تبليغ رسالة الحق المقدسة، وأنه مرابط في الثغور، بعيدا عن أهله وعن وطنه، وأنه يفعل كل ذلك في سبيل إعزاز كلمه الدين والحق، وفي سبيل نشر مبادئه السمحة الخالدة، وساعد في تسهيل التزاوج والاختلاط، أن

لا بربر في المغرب العربي

حملة رسالة الإسلام الأول من العرب كانوا بدورهم يؤمنون بأن دينهم لا يفرق بين عربي وعجمي، ولا بين أبيض وأسود إلا بالتقوى، من هناك شاع التزاوج بين العرب والبربر، وابتدأ منذ الفتح، وظل يتسع نطاقه حتى يوم الناس هذا، وقد مضى أربعة عشر قرنا على هذا التلقيح، لا يقف في طريقه واقف. لا بربر في المغرب العربي ولا يزال أهل المغرب العربي حتى اليوم، يسمون الأشراف، ذوي النسب المحمدي مرابطين، وكانوا قبل الحركة الإصلاحية للدين - وسنتحدث عنها في المستقبل - يجعلون لأولئك المرابطين منزلة ممتازة، قد يغلون فيها حتى يعطوهم ما لا يليق إلا لله أو لرسوله، ثم أحب البربر اللغة العربية، حب تقديس، لأنها في نظرهم لغة السماء ولسان الخالق، الذي خاطب به عباده والذي يناجونه به في كل صباح ومساء يرجون رحمته، ويخشمون عذابه، لذلك ما تعب العرب الأولون في نشر العربية بينهم، بل كان البربر هم الساعين إلى حفظها والمسارعين إلى تعميمها، حتى أصبحت بعد قليل أو كثير هي وحدها اللغة الرسمية، وأنها لغة الدولة والشعب معا، ولم يكن لها أي شريك يزاحمها، ثم كانت هجرة بني هلال وبني سالم، الجماعية أيام الفاطميين في مصر، هي الموجة الكبرى، التي عم فيها التعريب في الجزائر خاصة، وفي بلاد المغرب عامة، حتى أن بعض المؤرخين يقولون بهذا الصدد ردا على من كان يسمى ببني هلال مخربين، إنما كانوا معربين ولم يكونوا مخربين. وهذا حق لا مرية فيه. والخلاصة في أمر سكان المغرب العربي أنهم قد أصبحوا اليوم بحكم الدين واللغة والإختلاط العنصري. مسلمين عربا. ولا شيء سوى ذلك. وليس هنالك أي جماعة تسمى نفسها بربرا وتطالب بوضع خاص. أو حقوق معينة. كأقلية. أو أكثرية. أو ما أشبه ذلك. أما هذه الضجه التي يسمعها الناس من بعيد، عن البربر وعن الظهير البربري مثلا. فإنما هي من صنع المستعمرين وخبثهم

ليس إلا. والدليل القاطع على صدق ما نقول: أننا نتحدى المستعمرين أنفسهم أن يعثروا لنا على شخص واحد فضلا عن جماعة. أو قبيلة في الغرب العربي، تقول عن نفسها مختارة إنها بربرية. وتطالب بوضع خاص لها. بل الذي أعرفه أنا وأراهن عليه أنك لو قلت لمغربي: يا بربري. لقاتلك بحماس. لأن هذه النسبة يعدها إهانة له. إنما الذي يجب أن يعرفه الناس بهذا الصدد. حتى لا يلتبس عليهم الأمر عند اختلاف التعبير. أو عند قصد التضليل. هو وجود سكان قرى الجبال وأعاليها. وسكان المدن والسهول. فالأولون يتميزون بالشجاعة والخشونة مثلا. وأنهم يرطنون بلغة محلية. هي خليط من اللغات القديمة ومن اللغات العربية نفسها. أما لغتهم الرسمية فهي العربية طبعا. وسكان المدن والسهول. يتميزون بالثقافة من جهة. وبما تستلزمه الحضارة من رقة ولين عيش وما أشبه ذلك من جهة أخرى. ولا يسمى سكان الجبال بربرا. وإنما يسمون في الجزائر بالقبائل، جمع قبيلة. وتسمى لغتهم المحلية بالقبائلية. ويسمى هؤلاء في مراكش بالشلوح. وتسمى لغتهم المحلية بالشلحة. وسكان هذه الجبال فيهم كثرة من الأشراف المنتسبين إلى الدوحة النبوية. ولم تمنعهم هذه النسبة من أن يكونوا من القبائل أو من الشلوح. الأمر الذي يدل دلالة قطعية على أن القبائلية والشلحية. إنما هي نسبة إقليمية. وليست عنصرية، كما لم تمنعهم هذه النسبة من أن يكون فيهم مجاهدون صادقون. وخونة مارقون. فمن الصنف الأول الذي ينسب إلى الرسول العربي، من جهة العروبة، وإلى الشلوح من جهة إقليمية، بطل الريف المجاهد الأمير عبد الكريم الخطابي. ومن الصنف الثاني الذي ينتسب أيضا إلى العروبة من جهة، وإلى الشلوح من جهة أخرى التهامي الجلاوي، الرجل الذي أصبح بالدعاية الفرنسية زعيم البربر، وقائدهم الأكبر، أما مقدار صحة نسبة هذين الاثنين إلى الرسول العربي، فليس من شأني ولا من شأن القارئ. إنما هو من شأن من يدعيها. والناس مصدقون في أنسابهم. جريدة بيروت عدد 5333

ثورة الجزائر كما يوضحها الفضيل الورتلاني

ثورة الجزائر كما يوضحها الفضيل الورتلاني حديثه مع مندوب "المنار" الخاص، ومعلوماته عن كفاح المغرب العربي، ثوار الجزائر وعددهم وسلاحهم ومؤيدوهم - قوات فرنسا وخسائرها - الثوار يطالبون بالسيادة والاستقلال التام، واعتراف فرنسا بذلك، وتحقيق وحدة أو اتحاد مع تونس ومراكش بعد إقامة حياة برلمانية. يعرف أبناء العربية، كما تعرف شعوب العالم الإسلامي، المجاهد الغربي الكبير الأستاذ الفضيل الورتلاني، زعيما من كبار زعماء المغرب، الذين أوذوا وشردوا واضطهدوا من أجل الدفاع عن قضايا المغرب العربي، والاستماتة في الدعوة إلى تأبيد مصالح الأمة الإسلامية، في أي صقع وأي بلد، وهو يقيم الآن مؤقتا في مدينة بيروت، فزاره مندوب (المنار) الخاص، وألقى عليه بضعة أسئلة تتعلق بثورة الجزائر، فتلطف حضرته وأجاب عليها بصراحة ووضوح، وننشر فيما يلي نص الحديث الذي دار، والذي يعطينا فكرة حسنة عن ثورة الجزائر، شاكرين للأستاذ الفضيل حديثه وأنسه. س - هل نستطيع أن نعرف حقيقه وضع الثوار الجزائريين، وعددهم، ولونهم، ومدى تأييد الأمم لهم .. ؟ ج - نعم، يستطيع جميع أهل الأرض، أن يعرفوا من هم الثوار في الجزائر حقيقة، بل تستطيع أنت أن تلقاهم بأشخاصهم، وأن تراهم بأم عينك، وأن تتحدث إليهم، ويتحدثوا إليك، والسر أو السبب بسيط جدا، ذلك لأن الثوار في الحقيقة هم جميع أبناء الأمة الجزائرية من رجال ونساء، وكبار وصغار، وأغنياء

وفقراء، وعلماء وصعاليك، ولا شيء من المبالغة في هذا مطلقا، ومن شك فليسافر إلى الجزائر، إذا أذنت له فرنسا، ليلقى هذه الأمة الثائرة، وجها لوجه، وليرى كيف صبرت طويلا، وكيف نفذ صبرها، ثم ليحس عن كثب ما يضطرم في نفوس أبنائها، من حقد عريق على المستعمرين، ذلك الحقد الذي خلقه الاستعمار الفرنسي نفسه، على الرغم من الجزائريين الأطهار، وتعهدوه بالظلم والتربية، منذ كان جرثومة حتى أصبح اليوم عملاقا يدفع دفعا بتلك النسمات الإنسانية البريئة، إلى أحد أمرين، إما إلى سيادة كاملة، أو إلى فناء كريم، أما إذا كنت تقصد بالسؤال، أولئك الأبطال الذين حملوا السلاح فعلا، وانحازوا إلى الجبال، ليزاحموت الأسود في وظيفتها، فاعلم أن أقرب تعريف لهم، هو ما وصف القرآن به فتية أهل الكهف، إذ يقول: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزذناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والارض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا} الكهف: 13 - 14، نعم، لقد حاول الاستعمار الفرنسي في الجزائر، أن يجعل من نفسه ربا يعبده العرب المسلمون، وبذل في سبيل ذلك جهود جبارة، ولكنه لم يفلح طبعا، لأنه كان يحاول مستحيلا. وكان يسمع دائما هذه الصيحة المفزعة، من أفواه الجزائريين حالا ومقالا: {ربنا رب السماوات والارض لن ندعوا من دونه إلها} ولكنه تصامم وكأن في آذانه وقرا، حتى أرغم اليوم إرغاما، على سماعها من أفواه البنادق والمدافع، وبأبلغ لسان، أما عدد المقاتلين من الثوار الذين يمارسون القتال فعلا، فهم بضعة آلاف، ينتشرون في جميع أنحاء القطر الجزائري، على مساحة تقدر بنصف مليون كيلومتر مربع أو نحو ذلك، وهم يشغلون الآن جيشا فرنسيا جرارا، قوامه 250 ألفا من الجنود المدربين المسلحين، على أحدث طراز، وقد مضى على هذا الصراع النموذجى الخطير حتى الآن، سنة وبضعة أشهر، لقي الفرنسيون أثناءها الأمرين، وقد ثبت رسميا أن الدولة الفرنسية تنفق على جيشها في الجزائر نحو 80 مليارا من الفرنكات في كل شهر،

الأمة كلها حزب واحد

وهذا المبلغ الطائل مفزع، ويهدد ميزانية فرنسا بالإفلاس، كما صرح بذلك رجالها الإختصاصيون الماليون أكثر من مرة، أما احتياطي الثوار فهو الأمة الجزائرية بأكملها، فلو أرادت قيادة الثوار، أن تضاعف قوات المقاتلين العددية إلى مئات الآلاف لكان ذلك، من حيث الإقبال على الجهاد ميسورا، لكنها لم تفعل حتى الآن، لعدم الحاجة إلى الكثرة العددية، وقد يكون السبب الآخر قلة الأسلحة وذخائرها. الأمة كلها حزب واحد س - مما هو موقف الأحزاب والهيئات من كفاح الثوار؟ ج - ليس في الجزائر اليوم، من حيث الرأي والعمل، إلا هيئة واحدة، اسمها ومسماها، الأمة الجزائرية الثائرة، فالقوم في تنازع البقاء اليوم، مع وحشية استعمارية لا تعرف الرحمة طريقا إلى قلوب أفرادها، فلا يجوز إذن، أن يكون للجزائريين المهددين بالفناء، إلا رأي واحد وعمل واحد، هو مكافحة هذا الطغيان الإستعماري، حتى الإنتصار النهائي، أو الأعذار بالعجز النهائي، على أن العجز النهائي غير وارد إن شاء الله، وقيام الأحزاب أو الهيئات السياسية في ظل هذه الظروف الإستثنائية المخيفة، معناه أن تتعدد الآراء، وقد يؤدي ذلك إلى خلاف ثم شقاق، ثم فشل، وهذا ما لا يختلف عاقلان في ضرره. ومن حسن الحظ، أن ليس في الجزائر اليوم أكثر من هيئات ثلاث: حزب الشعب، جمعية العلماء، وحزب البيان، وقد أصبحت كلها مؤمنة بالثورة، مؤيدة لها، ظاهرا وباطنا، عاملة على نجاحها بكل ما تملك من قوى، وهي جميعا من حيث الآراء السياسية، في إجازة، إلى أجل غير مسمى، تنتهي إن شاء الله بنجاح الثورة، وإعلان الجزائر دولة مستقلة ذات سيادة، في اتخاد أو

الثوار وحدهم هم أصحاب الكلمة

فى وحدة، مع مراكش وتونس، ويومئذ يتسع المجال، لتعدد الأحزاب والهيئات، ويومئذ يجوز أن تكثر الآراء وتتنوع الأعمال. الثوار وحدهم هم أصحاب الكلمة س - ما هي مطالب الجزائريين الأساسية، ومن الذي تراه صالحا ليتولى المفاوضات مع فرنسا؟ ج - إن مطالب الجزائريين الأساسية مختصرة جدا، ويمكن أن نعبر عنها بكلمة واحدة، هي "الاستقلال" أما مفاوضات مع فرنسا، فلها في نظري مرحلتان. المرحلة الأولى، يجب أن تستهدف إيقاف العمليات الحربية بين الفريقين المتقابلين، وإعلان الجانب الفرنسي حق الجزائر في السيادة والاستقلال، فهذه المرحلة لا يجوز في نظري أن يتولاها إلا الثوار أنفسهم، ثم لا يجوز حتى بعد ذلك الإعلان، أن يضعوا أسلحتهم حتى يتم إعطاء كل الضمانات: لتحقيق الاستقلال بأسرع ما تسمح به الظروف المعتادة في القرن العشرين. أما المرحلة الثانية للمفاوضات، فيجب أن تقوم بين طرفين متكافئين ومتساويين في الصلاحيات، أعني بين ممثلي فرنسا، الذين تنتد بهم حكومتها الشرعية، وبين ممثلي الجزائر الذين تنتد بهم حكومتها الشرعية أيضا، تلك الحكومة التي يجب أن تكون منبثقة عن مجلس منتخب إنتخابا حرا، لأجل أن يضع دستور البلاد، ولأجل أن يشرق على حكومة حرة تضع القواعد للإستقلال الفعلي، ويكون من مهام هذه الحكومة طبعا، أن تفاوض فرنسا وتفاوض غير فرنسا إذا لزم الأمر، وأن تكون مسؤولة أمام ذلك المجلس، حسبما جرت العادة في البلاد الديمقراطية بالعالم.

ليس في الجزائر أقليات

ليس في الجزائر أقليات س - قرأنا في صحف المغرب العربي هذه الأيام، أن الجزائريين قد قاموا بمقاطعة بني ميزاب، فمن هؤلاء الميزابيون؟ وعلام تلك المقاطعة، ثم ما مقدار تأثير ذلك على الكفاح؟ ج - إن الميزابيين أو بني ميزاب في الجزائر، هم كبقية أبناء الأمة تماما، فهم جزائريون عرب مسلمون، لا يختلفون عن سواهم في شيء، وإنما ينسبون إلى بلد في جنوب الجزائر الصحراوية، إسمها ميزاب، فيقال لهم: بنو ميزاب أو الميزابيون، كما يقال لأهل حلب مثلا حلبيون، لأهل البقاع بقاعيون، وعدد الميزابيون نحو 50 ألفا، ومذهبهم إباضي وهم مشهورون بغاية النشاط الاقتصادي والاستقامة الخلقية، ويمتازون عن سواهم بإتقان فن التجارة والتخصص فيه، وهم منتشرون في جميع مدن القطر من أقصاه إلى أقصاه، ويزاحمون اليهود في التجارة مزاحمة فعالة، الأمر الذي تحتاج إليه البلاد أشد الاحتياج، واشتهروا كذلك بالأخلاق الإسلامية الكريمة والحازمة، حتى لقلما يسمع الناس بمرتكب معصية في جماعتهم، لأن من تعاليم مذهبهم، مقاطعة العاصي في جميع المعاملات، وحتى في الكلام، إلى أن يعلن توبته في ملأ من الناس وفي المسجد الجامع، ونحن نعتز بنشاطهم ونفتخر بأخلاقهم، ولا يعتبرهم عاقل جزائري بأنهم شيء آخر غير جزائريين، ولا عاقل منهم يعتبر نفسه شيئا غير ذلك، وعليه فهم في ميزاب الوطنية، إنما يعد محسنهم كأي جزائري آخر، ومسيئهم كذلك، أما هذه الضجة التي تسمعونها عن مقاطعتهم، فرغم كوني غير مطلع على تفاصيلها، فإني أفترض أنه مبالغ فيها من جهة، وأنها إذا حصل شيء منه فلن يكون بنو ميزاب مقصودين بها كطائفة من جهة أخرى، إنما الممكن المعقول، أن يكون بعض التجار منهم، قد

عدوا من المقصرين، لا كميزابيين، ثم استغل الإستعماريون ذلك بأساليبهم الشيطانية المعروفة، محاولين أن يخلقوا طائفية لم تكن موجودة، فيلعبون بها آخر أوراقهم التفريقية، ولكن الجزائر لا تملك المواد الخام لهذه الطائفية الممقوتة والحمد لله، لذلك فالأمر هين جد، وفي غاية البساطة. جريدة المنار وجريدة الأبناء

ثوار الجزائر يتكلمون ويوضحون أهدافهم ووسائلهم

ثوار الجزائر يتكلمون ويوضحون أهدافهم ووسائلهم في الجزائر اليوم، حرب ضد الاستعمار، مقدسة معلومة، ويشترك أهل هذه الديار جميعا، على اختلاف مشاربهم في تأييدها، ولم يعد من بينهم متطرف ومعتدل، ومحارب ومسالم، بل أصبح الكل متطرفا ومحاربا، والكل يطالب بالانفصال عن فرنسا، وبالإستقلال التام، والسيادة الكاملة. من أجل ذلك، صارت زمام الأمور مجتمعة كلها بين يدي المقاتلين وقادتهم، وسائر أبناء الأمة تبع لهم، وإنما تنقسم الحركة اليوم عندهم من حيث الاختصاص إلى شعبتين، إحداهما حربية، توجهها قيادة جيش التحرير، والثانية سياسية، تقودها جبهة التحرير، وهما في الواقع شيء واحد، وبما أن كل ما يصدر عن هذه الناحية، من بيانات، هو وحده المعتمد، لذلك نرى من المهم جدا، أن نثبت هنا، وجهة نظرهم السياسية والحربية، في طائفة من مناشيرهم الرسمية، وبين أيدينا الآن جملة منها صالحة، نشرها رجل فرنسي كبير، هو السيد مندوز، - الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الجزائر، ومدير مجلة: "الكونسيونس مغربيان" أي "الضمير المغربى"، جمعها في جزء خاص في مجلته، واعتمدنا في ترجمتها على جريدة الصباح التونسية، ومن هذه المناشير الرسمية، يستطيع القارئ أن يعرف جيدا، موقف الثوار السياسي والحربي من قضية الجزائر، ومن قضية المغرب عامة، كما يستطيع أن يأخذ فكرة واضحة، عن قيمة رجال هذه الجبهة، وما يتحلون به من سعة التفكير، ووضوح الاتجاه، ونبل الغاية، وإليك ما جاء في المنشور الأول:

للتوضيح

للتوضيح إلى الشعب الجزائري إلى أنصار القضية الوطنية إليكم أنتم المدعوين إلى الحكم علينا، - الشعب بصفة عامة والأنصار بصفة خاصة - نتجه بهذا البيان. وغايتنا هي أن نوضح الأسباب العميقة، التي دفعتنا لأن نشرح لكم برنامجنا، ومغزى حركتنا، التي بقي هدفها دائما هو تحقيق الاستقلال الوطني في نطاق الشمال الإفريقي. ولنا غاية أخرى في ذلك، وهي نجنبك الوقوع في الغموض الذي يريد الاستعمار أن يحفكم به، هو وعملاؤه من رجال الإدارة والسياسيين المنحرفين. إننا نعتبر قبل كل شيء، أن الحركة الوطنية قد دخلت مرحلتها النهائية، بعد مراحل طويلة مرت بها. ذلك أن هدف الحركة الثورية، قد توفرت الآن جميع شروطه المرضية، التي تيسر لهذه الحركة أن تشن الحملة التحريرية. ونحن نرى أن الشعب تحت ضوء ظروفه الداخلية، قد أصبح متحدا وراء فكرة الاستقلال والعمل، وإنه تحت الظروف الخارجية قد بلغ مرحلة مرضية، لحل المشاكل الصغرى، التي من بينها مشكلة بلادنا، وذلك بفضل المساعدة السياسية التي يبذلها لنا إخواننا العرب والمسلمون، وحوادث تونس ومراكش، لها مغزاها في هذا الصدد، وهي تسجل جانبا عظيما من جوانب قضية تحرير شمال إفريقيا، ولنسجل في هذا الصدد، أننا كنا منذ زمن طويل، حريصين على وحدة العمل، الذي لم يحقق مع الأسف بين أقطارها الثلاثة.

ساعة الخطر

ساعة الخطر أما اليوم فإن كلا من تونس ومراكش قد دخلتا في هذه الطريق، وبقينا نحن من ورائها نتحمل عواقب من فاتهم الركب، وهكذا فإن حركتنا الوطنية، التي مرت عليها سنوات من الجمود، والتوجيه المنحرف، وفقدان المساندة الشعبية الضرورية، قد أخذت شيئا فشيئا، في الحالة التي يغتبط بها الاستعمار أعمق الاغتباط، حتى أصبح يعتبر أنه تحصل على أكبر انتصار، على قيادة الحركة الوطنية الجزائرية. إن الساعة ساعة خطر، وأمام هذه الوضعية التي توشك أن تصبح ميؤوسا منها، رأى جمع من الشباب المسؤولين الواعين لهذا الخطر، والذين جمعوا حولهم عناصر سالمة، ذات تصميم واضح، رأت أن الوقت قد حان، الخروج بالحركة الوطنية من المأزق الذي تردت فيه، بسبب تناحر الأشخاص، وتزاحم النفوذ، وعزموا على أن ينطلقوا إلى جانب إخوانهم التونسيين والمراكشيين، في معركة التحريرية الحقيقة. ونحن نحب أن نؤكد في هذا الصدد، أننا مستقلون عن الطرفين، اللذين يتنازعان النفوذ في الحركة الوطنية. وحركتنا التي وضعت المصلحة الوطنية فوق جميع الاعتبارات الحقيرة، حول الأشخاص ومكاناتهم، والتي تتمشى مع المبادئ الثورية، لا عدو لها تقاومه إلا الاستعمار الأعمى، الذي لم يتح لنا في أي وقت من الأوقات، أن ننظم نضالا سليما. جبهة التحرير هذه هي الأسباب التي جعلتنا نتقدم بحركتنا تحت إسم "جبهة التحرير الوطني". وبذلك تتيح هذه الحركة لجميع الوطنيين الجزائريين، مهما كانت طبقاتهم الاجتماعية، ومهما كانت أحزابهم وحركاتهم الجزائرية الخالصة، أن يندمجوا في معركة التحرير دون أي اعتبار آخر.

مهمتان مرهقتان

ولكي نزيد الأمر تفصيلا وتوضيحا، فها هي الخطوط العامة لبرنامجنا السياسي: الهدف - هو الاستقلال الوطني، بواسطة إيجاد دولة جزائرية، ذات سيادة ونظام ديمقراطي اشتراكي، في دائرة المبادئ الإسلامية، مع احترام جميع الحريات الأساسية، دون أي ميز في الدين أو المعتقد. وغايتنا في الميدان الداخلي، هي التطهير السياسي، وذلك بإعادة الحركة الوطنية في طريقها الثوري الصحيح، والقضاء قضاء مبرما على جميع ألوان الاحتيال، والدخول في سياسة الإصلاحات، التي هي سبب تقهقرنا الحالي. وغايتنا هي أيضا لم شتات جميع الطبقات السليمة للشعب الجزائري، لتصفية حساب النظام الاستعماري. وغايتنا في الميدان الخارجي، هي تدويل القضية الجزائرية، وتحقيق وحدة شمال إفريقيا في نطاقها الطبيعي، الذي هو النطاق العربي الإسلامي. وموقفنا في دائرة ميثاق هيئة الأمم المتحدة، هو تأكيد صداقتنا الفعالة لجميع الدول التي تساند قضيتنا التحريرية. أما وسائل الكفاح فهي - تبعا للمبادئ الثورية، ونظرا للوضعية الداخلية والخارجية - هي مواصلة الجهاد بجميع الوسائل إلى أن يتحقق هدفنا إن شاء الله. مهمتان مرهقتان وجبهة التحرير الوطني، لكي تحقق هذا الغرض، يجب عليها أن تقوم بمهمتين أساسيتين متماشيتين في وقت واحد. أولاهما: عمل داخلي في الميدان السياسي، وفي ميدان العمل والكفاح. وثانيهما: في الميدان الخارجي، حتى تصبح المشكلة الجزائرية حقيقية في نظر العالم كله، بمساعدة جميع حلفائها الطبيعيين.

أسس المفاوضات

وهذه المهمة المزدوجة مهمة ثقيلة الوطأة مرهقة، تتطلب تجنيد جميع الطاقات، وجميع الموارد الوطنية، وصحيح أن المعركة ستكون طويلة الأمد، ولكن انتصارنا فيها لا شك فيه إن شاء الله. وأخيرا لكي يقع تجنب جميع التأويلات الخاطئة أو المغرضة ولكي يقع تجنب إزهاق الأرواح وإراقة الدماء - فإننا نقدم أسسا شريفة، لمفاهمات مع السلطات الفرنسية، إذا كانت لهذه السلطات استعدادات طيبة، للاعتراف أخيرا للشعوب التي تتحكم فيها بحقها في تقرير مصيرها. وهذه الأسس هي: أسس المفاوضات 1 - فتح مفاهمات مع الممثلين الحقيقيين للشعب الجزائري، على أساس الاعتراف بالسيادة الجزائرية، الموحدة التي لا تتجزأ. 2 - إيجاد جو من الثقة، وذاك إطلاق سراح جميع المساجين السياسيين، ورفع جميع التدابير الاستثنائية، والتوقف عن تتبع قوات المقاومة. 3 - الاعتراف بالشخصية الجزائرية في تصريح رسمي، ينسخ جميع القوانين التي صيرت الجزائر أرضا فرنسية، بالرغم من التاريخ، والجغرافيا، واللغة والدين، والعوائد التي يتصف بها الشعب الجزائري. وفي مقابل ذلك نتعهد بما يلي: 1 - أن المصالح الفرنسية الثقافية والاقتصادية، التي تحصلوا عليها بطريقة شريفة تكون مضمونة، وكذلك الأشخاص والعائلات. 2 - جميع الفرنسيين الراغبين في البقاء بالجزائر يكون لهم الخيار بين جنسيتهم الأصلية - وفي هذه الحالة يعتبرون أجانب بالنسبة للقوانين المعمول بها وبين

رأي الثوار في النظام والدعاية والجبهة والاعتدال

الجنسية الجزائرية - وفي هذه الحالة يكونون معتبرين جزائريين لهم ما للجزائريين من حقوق وعليهم ما على الجزائريين من واجبات ... 3 - العلاقات بين فرنسا والجزائر، يقع تحديدها وتكون موضوع مفاوضات بين الدولتين، على قدم المساواة والاحترام المتبادل. وبعد؛ فيا أيها المواطن الجزائري الحر .. إننا ندعوك إلى التأمل في هذا الميثاق، وأن واجبك المقدس يدعوك إلى الانضمام إليه، لإنقاذ بلادنا وإعادة حريتها إليها. إن جبهة التحرير الوطني جبهتك، وانتصارها هو انتصارك. أما نحن الذين عزمنا على مواصلة الكفاح، والذين لا نشك في عواطفك المعادية للاستعمار، والذين نعتبر أنفسنا أقوياء بمساندتك وتأييدك - فإننا سنهب أعز ما نملك لوطنا. جريدة الصباح 11 - 1 - 56 رأي الثوار في النظام والدعاية والجبهة والاعتدال نواصل نقل بعض مناشير الثوار التاريخية الهامة، من مجلة (الكونسيونس مغربيان) أي (الضمير المغربي) وفيما يلي المنشور الثاني. التنظيم إن جبهة التحرير الوطني منظمة كفاح، والمهام التي تواجهها متعددة، وهذا ما يدعوها لأن تكون منظمة تنظيما متينا. فالامتثال فيها يجب أن يكون صارما. وتعليماتها التي تصدرها يجب أن تنفذ بكل دقة. وأعضاء الخلية لا يجب أن يعرفوا بأي شكل كان عن الخلايا الأخرى شيئا، والمسؤولون مهما كانت

الدعاية

درجاتهم، يجب أن يسهروا على حمل أعضاء الخلايا، على التخلص من بعض العادات السيئة، التي ورثوها عن منظمة "حركة انتصار الحريات الديمقراطية". مثل المجيء إلى الموعد بعد الوقت المحدد، أو إهمال تنفيذ بعض التعليمات، والإكثار من اللغو والحديث، الخ ... إن بعض الأعضاء قد ألقي عليهم القبض وحكم عليهم بالسجن، لأن إخوانا لهم لم يراعوا القوانين الأولية للعمل السري. وبما أن جبهة التحرير لا عدو لها إلا الاستعمار، فإنها تطلب من أعضائها أن يفعلوا كل شيء لتقليل خطط أعوان البوليس، وخاصة من ينقل إليهم الأخبار، والأعضاء يستطيعون أن يفعلوا ذلك، إذا نظموا حياتهم الحزبية بدقة (وللمسؤولين في الخلايا تعليمات يعطونها للأعضاء في هذا الصدد). الدعاية إجابة عن الحملة الدعائية التي قامت بها الإذاعة والصحافة الاستعمارية، إثر إلقاء القبض على ياسف سعدي، والتي زعمت فيها أن جبهة التحرير، قد خسرت دعامة أساسية من دعائمها في هذا الشخص، نقول: أن الاستعمار يخادع نفسه بنفسه، لأن جبهة التحرير، هي اليوم قائمة على قواعد من النظام، أمتن وأقوى من أي وقت - مضى، وإلقاء القبض على ياسف سعدي، معناه أن عضوا منا قد خسرناه، فقام مقامه عضو آخر في الحال، والكفاح مستمر. ذلك أن منظمتنا قائمة على مبادئ من التنظيم، نجعل كل عضو إذا فقد يقوم مقامه عضو آخر حالا، ويكون مستعدا لذلك في الصفوف السرية من قبل. وهكذا فإن إلقاء القبض على مصطفي بن بولعيد لم يعرقل قط الفرق المسلحة ولم يمنعها من أن تقوم بعملها في منطقة الأوراس، ومن تسديد ضرباتها القاتلة للقوات الاستعمارية، لقد ألقي القبض على بن بولعيد، فانطلق خمسون بن بولعيد آخرون من الجبال، التي نبتت من قبلهم أبطال الكاهنة،

الجبهة والثوار

وكذلك فقدان مراد ديدوش، لم يعرقل على الإطلاق فرق الثوار العاملة في شمال مقاطعة قسطينة، من أن تزداد عظمة، حتى أصبحت المنطقة كلها تحت رقابتها، بالرغم من النجدات العسكرية، التي تتوالى في كل يوم على هذه المنطقة. الجبهة والثوار إن جبهة التحرير، هي العين التي ينظر بها جيش التحرير، وهي الأذن التي يسمع بها، وأعضاء الجهة أذن، يجب أن يفعلوا المستحيل، لكي يسهلوا مهمة جيش التحرير في جميع الميادين، واستفاء المعلومات والأخبار، يجب أن يكون هو العنصر الأول الذي يحرص عليه م عضو في الجهة. ذلك أن فرقنا المسلحة لا تستطيع أن تعمل بنجاح، إلا إذا كانت تملك معلومات دقيقة. والعمل من أجل إستقاء الأخبار والمعلومات، يجب أن يكون متمشيا مع العمل اليومي للدعاية. وأعضاء الجهة ينبغي أن يفضحوا اتباع مصالي، الذين يريدون أن يشيعوا الغموض وكذاك اتباع اللجنة المركزية لحركة الإنتصار، الذين يتفرجون من بعيد. ونحن نلفت أنظار الأعضاء إلى ما يلي: وهو أن جبهة التحرير ليست إعادة لحركة الإنتصار. إن جبهة التحرير عبارة عن تجمع الطاقات السليمة في الشعب الجزائري ... إن حركة الإنتصار، كانت تعقد أن تحرير الجزائر عمل حزبي - وهذا خطأ - وجبهة التحرير تؤكد أن تحرير الجزائر هو عمل يشارك فيع جميع الجزائريين، لا جزء واحد منه مهما كانت قيمته ... لذلك تنظر جبهة التحرير بعين الإعتبار، لكفاح جميع العناصر المناهضة للإستعمار، حتى ولو كانت بعض هذه العناصر ما تزال خارجة عن رقابتها.

الوطنيون المعتدلون

الوطنيون المعتدلون تجرى إشاعات تتأكد يوم بعد يوم، عن وجود اتصالات سرية بين سوستيل وفرحات عباس، وبين شخصيات من وزارة الداخلية الفرنسية ومصالي. والإدارة الإستعمارية، مع استمرارها على توريد الإمدادات العسكرية لتحطيم حركتنا المسلحة، تحاول منذ الآن أن تفتح الباب للخروج، وبعد مرور برهة من الوقت ستقول للاستعماريين الكبار في الجزائر، أن سياسة القوة لم تعط أية نتيجة، فلنحاول سياسة المرونة وستحاول بواسطة - فرحات عباس وكيوان ومصالى - أن توقف العمل, المسلح، مقابل بعض الإصلاحات السياسية. ونحن ننبه إلى أن هذا خطأ عظيم. وأن جيش التحرير، لا يعترف لأي كان بأن يتكلم باسمه، والأشخاص الوحيدون الذين لهم الحق في التكلم باسم جيش التحرير هم أعضاء جبهة التحرير الموجودون داخل الجزائر وخارجها. ومن أراد من غير هؤلاء أن يشرف بهذا المسعى، فليشمر على ساعديه وليقبل بهذه الشروط، فهي وحدها التي قد تجعل جيش التحرير مستعدا لأن يسمعهم. قائمة الثوار لتسعة أشهر المنشور الثالث مرت الآن تسعة أشهر، منذ أن بدأ بعض الشبان الوطنيون في الجزائر، عملهم للخروج بالحركة الوطنية، من المأزق الذي ساقه إليه قادتنا السابقون. فما زلنا نذكر كيف أن قادة الاتجاهين - مصالي واللجنة المركزية - كانا يتنازعان النفوذ الحزبي، في حين كان شبابنا الوطنيون يتدكون في الشوارع أمام المستعمرين، الذين امتلأت قلوبهم غبطة، وسرورا، وكانت مشاهد مؤلمة تدمي لها

القائمة الرهيبة

قلوب الوطنيين الصادقين، لأن حركتنا الوطنية، التي لم يستطع أي بطش أن يحطمها، أخذت تنهار من الداخل، بينما تنظر عين الاستعمار بالغبطة، وتنتظر اللحظة الأخيرة لتجهز عليها الإجهاز المميت. وهكذا رأت نخبة من شبان إطارات المسؤولين في الحزب، والبعيدين عن هذه الخصومة حول النفوذ الشخصي الحقير، أن تقرر أمرها. فجندت جميع العناصر السليمة في البلاد، ودخلت في معركة التحرير مع الأمل - الذي خاب مع الأسف - في أننا سنجند أنفسنا جميعا في المدن وفي الجبال، لمقاومة الاستعمار الفرنسي. ولكن جماعة مصالي وجماعة اللجنة المركزية، لم يكفهم أن يرفضوا مشاركتنا في الكفاح فقط، وإنما بقي بعضهم متمسكين بعدوانهم للإرهاب. وذلك بتعطيلهم لروح الكفاح في الشعب، وبدخولهم في سياسة الإصلاحات مع الاستعمار، وبقي البعض الآخر يبث الدعايات المضللة، مؤكدا أن "أبناء مصالي هم الذين يقومون بالكفاح في الأوراس، وفي بلاد القبائل" إلى غير ذلك من المضحكات. القائمة الرهيبة ولكن فلنترك هنا هذه القضية، ولنتحدث عن قائمة الكفاح. في بحر تسعة أشهر، قامت وحداتنا المسلحة، التابعة لجيش التحرير بعملها - اليومي، وكبدت العدو خسائر جسيمة، أكثر من ألفين وخمسمائة ضابط وجندي من الجيش الفرنسي، يعدون أمواتا أو جرحى أو أسرى، وأكثر من ثلاثمائة عربة نقل حطمت أو أعطبت، يضاف إلى ذلك حوالي العشرين طائرة عمودية (هيليكوبتر) حطمت أو أعطبت بمدفعيتنا المضادة للطيران، التي تكونت في الشهور القليلة الماضية، كما أخذ سلاح عظيم من العدو.

مسألة السلاح

وخسائرنا كانت مع الأسف جدية: ما يقرب من ثلاثمائة وخمسين قتيلا في المقاطعات الثلاث، وما يقرب من مائة جريح، ونحن نحب هنا أن نؤكد إعجابنا للنخبة من قواتنا المسلحة، التي أظهرت شجاعة مدهشة وإخلاصا ونزاهة، وقد وقع حادث نريد أن نعبر عن أسفنا بصدده، وهو جرح أحد الأطباء من طرف عناصرنا في منطقة "أوراصيف". وقد أرسلت رسالة اعتذار في الوقت لعائلة الطبيب. والقتال الذي نقوم به ضد الجيش الفرنسي لم ينسنا الخونة منا فقد قتل منهم عدد كبير، ومئات آخرون منهم سيظلون محتفظين بعلامة خيانتهم طيلة حياتهم في وجودهم. إن الصحافة الاستعمارية والإذاعة، قد فعلت كل شيء لتجند ضدنا الرأي العام داخل الجزائر وخارجها، فهي تصورنا بكوننا مجرمين ومطاردين، بمقتضي الحق العام، ممن لا يخسرون شيئا في المغامرة، ونحن نؤكد أن 99 في المائة من قواتنا العاملة، هم من الفلاحين الطيبين، وتكاد تكون أكثريتهم الساحقة من أباء العائلات، ومن شبان المدن الذين لم يدخلوا السجن قط في حياتهم، والواحد في المائة هم من المساجين السياسيين. ويحاول المستعمرون أن يتهمونا بأننا عملاء موسكو، ومرة بأننا عملاء القاهرة أو تطوان أو لندن أو واشنطن، ونحن نجيب بأننا لسنا ملكا لأحد، فنحن نخدم قضية الجزائر وحدها، ولا يوجد في صفوفنا أي أجانب، لا تونسيون، ولا مصريون ولا ألمان. إن الجزائريين والجزائريون وحدهم هم الذين يقومون بالقتال ويديرون دفته. مسألة السلاح والإستعمار يعلل نجاحنا العسكري بورود السلاح إلينا من الخارج، وهذه أيضا كذبة ضخمة، إن السلاح الذي بأيدينا قد أخذناه من العدو. على أنه صحيح أن

مسألة حرية

عددا كبيرا من الشبان الجزائريين الموجودين في الجيش الفرنسي يفرون من الجيش ويلتحقون بصفوفنا، مع ما عندهم من عتاد وسلاح. والاستعماريون يريدون أن يصورونا في صورة المتوحشين الظامئين للدماء، الفاقدين للعاطفة الإنسانية، الجاهلين لقوانين الحروب، وهنا نكتفي للرد على ذلك بشهادة جنود المظلات الستة الذين - وهذا بين قوسين - قد أطلقنا سراحهم ولم يفروا من عندنا كما قالت الأنباء، وذلك بعد أن أعطونا كلمة الشرف، بأنهم سيقولون الحقيقة التي رأوها بأعينهم. أما الأسرى فإننا لم نعدم فردا واحدا منهم، في حين لا يستطيع الجيش الفرنسي أن يدعي ذلك. ويتحدث المستعمرون كذلك عن وجود تضامن بيننا وبين الشيوعيين، وكل واحد يعلم أن الشيوعيين لا وجود لهم في جبالنا، وأن عناصر هذا الحزب منحصرة في بعض المدن الكبرى، إنه لا يوجد بيننا حتى شيوعي واحد. وليس لنا أية علامة مع هذا الحزب. مسألة حرية أما المستعمرون الجدد، فيزعمون أخيرا أننا حملنا السلاح لأننا جعنا ولأننا بطالون، ولأن الاستعمار الأعمى قد استغلنا استغلالا شديدا قاسيا، وهذا أيضا خطأ - إنه خطأ ضخم - لقد حملنا السلاح لكي تسترجع الجزائر حريتها واستقلالها، لقد قال أحدهم يوما: "لو كنا في عيشة رغدة مع الاستعمار الفرنسي لما منعا ذك من حمل السلاح من أجل الاستقلال"، وهذا هو الواقع والصواب. إن أي فرنسي لا يقبل أن يصبح إيطاليا، والأمر كذلك بالنسبة إلينا، إننا جزائريون ونريد أن نبقى جزائريين لأننا فخورون بجزائريتنا. ولا يمكن لأي بطش أو قمع أن يصيرنا فرنسيين، وكذلك لا يمكن لأي رخاء أن ينسينا حريتنا المفقودة، وليعلم فور وسوستيل، والجنرال وبرلانغ وضباط الشؤون الأهلية، أن شعب المغرب العربي في سنة 1955 لم يعد ما كان عليه في سنة 1925.

أيها العربي ماذا تعرف عن المغرب العربي

أيها الشعب الجزائري! إننا نبعث إليك بندائنا، أنت - بعد الله - الذي تعتبره الحكم الوحيد لأعمالنا، لكي تواصل تأييدك لنا كما فعلت إلى الآن، إن الكفاح سيكون طويل الأمد. ولكن الانتصار مؤكد إن شاء الله. أما نحن - قادة وجنود جيش التحرير الوطنى - فإننا نحب أن نؤكد مرة أخرى أمام الملأ أننا أعطينا للجزائر أفضل ما عندنا وأننا لن نضع السلاح إلا بعد أن يعترف لبلادنا بسيادتها وحريتها كاملة. جريدة الصباح أيها الجاهدون الأحرار: يسرنا جدا، أن تعلموا بأن الكفاح طويل الأمد. وأن تؤمنوا في الوقت نفسه، بأن النصر مؤكد، فاصدقوا مع الله يضمنه لكم، لأن النصر مؤكد، فاصدقوا الله يضمنه لكم، لأن الله ينصر من ينصره، وعدا منه ناجزا لا يتخلف، واجمعوا الأمة على كلمة سواء، لأن يد الله مع الجماعة، وطهروا نفوسكم من الحسد والطمع، لأن ذلك ليس من شأن المجاهدين، ومن تعلوا بهم الرتب. أيها العربي ماذا تعرف عن المغرب العربي يسر بيروت - المساء، أن تخصص هذه الزاوية لسلسلة من المقالات يكتبها المجاهد العربي الكريم، الأستاذ الفضيل الورتلاني، وإننا إذ نشكر الأستاذ الجليل، نضم صوتنا إلى صوته، في وجوب الاهتمام بهذا الجزء الغالي من العالم العربي العزيز على كل قلب، قال الأستاذ حفظه الله: نحن في عصر يؤمن الواعون فيه بجدوى التكتل أشد الإيمان، وليس هذا الإيمان قاصرا على الضعفاء، بل ربما كانت أعراضه عند الأقوياء، أظهر وأوضح:

جربوا والعبوا ورقتكم الرابحة

خذ مثلا أكبر دولة في العالم، خذ هؤلاء الأمريكان (أعني الولايات المتحدة) الذين يلغ تعدادهم اليوم مئة وستين مليونا، وانظر إليهم كيف يستقلون هذا العدد الضخم، فيروح رجالهم العباقرة، يبحثون عن التكتل والترتيب في جميع القارات العامرة، تحت أسماء تنظيم في هذا العقد اللامع، (مشروع مارشال النقطة الرابعة) ومساعدة المناطق المتأخرة اقتصاديا، وبالتحالف، والنايلون وما أشبه ذلك. ثم لما ضاقت بهم الأرض وبأبحاثهم، راحوا يبحثون في السماء من بين الكواكب السيارة، والنجوم الثابتة حتى عثروا على من يزعم لهم، بأن الوصول إلى المريخ أمر غير مستحيل. فآمنوا بسرعة، وهم الآن بصدد إعداد الأسباب ليصعدوا إليه في الغد القريب أو البعيد. وهذا العصر بالذات يؤمن بجدوى رابطة المصلحة أشد الإيمان، حتى قال قائلهم، وقائد قافلتهم في الحرب والسلم، المستر تشرشل، "لا مانع عندي من محالفة الشيطان، إذا كان ذلك في مصلحة أمني ووطني". جربوا والعبوا ورقتكم الرابحة والواعون اليوم، في سباق جنوني نحو رابطة المصلحة، إلا العرب المساكين ويا ما أتعس العرب المساكين، فإن أمامهم أربح ورقة في عالم التكتيل والمصلحة، ما جربوا أن يلعبوا بها جديا في يوم ما. وأنه ليعيش حولهم ثمانون مليونا من بني جنسهم ولغتهم، ويعيش في دنياهم ستمائة مليون، يدينون بعقيدتهم، ويتوجهون خمس مرات في اليوم إلى كعبتهم، ويشغل هؤلاء، وهؤلاء مساحة تناهز نحو ثلاثين مليونا من الكيلومترات المربعة، تحمل فوقها، وفي بطنها، كل مقومات الحياة السعيدة، ولكنهم مع الأسف ما فطنوا أو بالأحرى، ما أحسوا بأن التعارف بينهم، ولو لمجرد المصلحة (فضلا عن الروابط المثالية الأخرى التي يؤمن بها اليوم جميع الناس) إنما هي عملية مقدمة تؤدي إلى إسعادهم وإعزازهم.

ماذا أريد أن أقول، والحديث ذو شجون، ومساحة هذه الجريدة الكريمة تقتضى الإيجاز، إن في بلاد المغرب العربي، 30 مليونا من إخوان لكم أخيار أبرار وأبطال وموصوفون بكل فضل يرغب به الناس ويرهبه، ويشغلون مساحة عن الأرض تناهز أربعين مليونا من الكيلومترات المربعة، تنتج كل الخيرات، وهي من دياركم على مسافة بضع ساعات بالطائرة، ثم إتي أشهد الله أنهم يحبونكم من أعماق قلوبهم، ويبحثون عنكم بحث شحيح ضاع في الترب خاتمه، أو ليس ما أقول من العار! أو من الحرام! أو من العيب ولكني أقول أو ليس من الخسارة أن يزهد العرب في إخوانهم هؤلاء، وهم يشكلون نصف أمتهم تقريبا؟ ولا يقولون لي أحد ما زهدنا، لأن الواقع المر يشهد بأن العرب اليوم وفي غالب الشرق، يعرفون عن باريس ومرسيليا أكثر مما يعرفون عن فاس والدار البيضاء، ويعرفون عن نيويورك وواشنطن، أكثر مما يعرفون عن قسنطينة وعناية بالجرائر. ويعرفون عن أهل كوريا والصين، أكثر مما يعرفون عن إخوانهم في المغرب العربي، أما من المسؤول عن ذلك فلندعه لوقت آخر، فعفي الله عما سلف، وهيا نتعاون على هذا الواجب المقدس، وأرجو أن ألقاكم في أحاديث متوالية أو متقاربة عن المغرب العربي على صفحات هذه الجريدة المجاهدة. وإلى اللقاء جريدة بيروت المسار عدد 1829 وجريدة المنار. إلى المجاهدين الأخيار: لقد بعتم أشكم لله والوطن، فاصدقوا مع الشاري الجبار، إنه الواحد القهار، الذي لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض. واجعلوا من أورادكم اليومية، قوله تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} المنافقون: 8. وقوله تعالى: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} الجمعة: 8.

نموذج من ديمقراطية فرنسا في الجزائر مهداة إلى أصدقاء فرنسا

نموذج من ديمقراطية فرنسا في الجزائر مهداة إلى أصدقاء فرنسا لقد أصبحت المعاني في هذه الأيام، مثل البضائع والمصنوعات تماما، بحيث تختلف باختلاف موادها الخام، واختلاق جودة الصنع وزيفه، وما أشبه ذلك، فنايلون الإنكليز مثلا، يختلف عن نايلون الأمريكان، ودبابات إيطاليا تختلف عن دبابات تشكوسلوفاكيا، وهلم جرا، فكذلك الديمقراطية، والإشتراكية، والحرية والعدالة، إلى غير ذلك من المعاني، فإنها تختلف كلها، باختلاف صانعيها، ومروجيها، فتعال معي إذن في جولة قصيرة إلى الجزائر العربية، لنشاهن فيها نموذجا من ديمقراطية فرنسا العريقة، واضعة وثيقة حقوق الإنسان، ولو كانت هذه الجريدة واسعة لسردت مئات الأمثلة، ولكنني أكتفي بواحدة فقط؛ وفيه غناء. جزاء الجزائريون من فرنسا بعد الحرب اشترك الجزائريون في الحرب العالمية الأخيرة بنحو مليون ونصف من شبابهم الزاهر، ما بين جنود في الميدان، وما بين عاملين لتموين الجنود من وراء الميدان، وفعلوا ذاك على أساس أنها حرب بين الحرية والديمقراطية، التي تمثلها فرنسا وحلفاؤها، وبين العبودية والفاشستية، التي تمثلها ألمانيا وحلفاؤها، هكذا قالوا لنا، وكنا طبعا عبطاء، فصدقنا مختارين أو مرغمين. ثم مات من مات، وشوه من شوه من الجزائريين، فرملت نساء ويتم أطفال ... إلخ ولكن المعركة على كل حال إنتهت بانتصار الحرية في سنة 1945 وظن الجزائريون - وبعض الظن إثم - إنه نصر ديمقراطي يشترك في ثمراته جميع الناس، أو على الأقل يشترك فيها حتما، أولئك الذين دفعوا ثمنه غاليا، فأصبحوا في يوم النصر يحتفلون، مع المحتفلين، وكتبوا على لافتاتهم عبارات: الديمقراطية والحرية، والاستقلال وهتفوا بها من أعماق أنفسهم، وبأعلى

لتسقط الديمقراطية الفرنسية وتحيا الثورة الجزائرية والمغربية

أصواتهم، وكان مقتضى الديمقراطية الأصيلة أن تكون نفوس الفرنسيين صدى لتلك الهتافات الحبيبة، التي كان يرددها - الجنرال ديغول - ورجال المقاومة أيام الإحتلال النازي - لام الحريات باريس - ولكن الواقع، الذي حصل بالضبط، أن هجم الجيش الفرنسي والبوليس والمدنيون الفرنسيون، هجموا بالبقية الباقية من بنادقهم ودباباتهم، على الجزائريين العزل، المحتفلين بيوم انتصار الديمقراطية، فأشبعوهم تقتيلا وتجريحا وتشويها، ولما رد عليهم الجزائريون بالعصى وبعض المسدسات، ولم يكونوا يملكون غيرها، تمرجلت الست فرنسا، وهاجت نخوتها، ولم تكد ترفع رأسها بعد إلى فوق من إثر إذلال الألمان، وأعلنت حربا شعواء على أنصارها الجزائريين، لم تكن فيها أدنى هوادة، استعملت فيها أسلحة الإنكليز والأمريكان التي كانوا يسمونها الإعارة والتأجير، وكانت حصيلة هذه المجزرة الحقيرة، التي دامت نحو ستة أشهر، زهاء سبعين ألف قتيل من الجزائريين، ولم يكونوا من الثوار، لأن الجيش الفرنسي كان ولا يزال أعجز من أن يصل إلى الثوار، ولكنهم كانوا من العزل المسالين الآمنين، الملازمين لقعر ديارهم، قتلوهم جملة، بهمجية وبربرية لم يعرف التاريخ لها نظيرا. وقد تم ذلك بواسطة حملة جوية مدبرة بليل، حملت الطائرات الديمقراطية الفرنسية نوعا من القنابل الجهنمية، فأفرغتها على أربعين قرية، كأنت آمنة مطمئنة، فدمرتها عن بكرة أبيها، ثم عادت فأفرغت عليها نهرا من البنزين، فأحرقت جميع من فيها حتى الكلاب والقطط، وكان هذا الحادث الفظيع يومئذ موضوع مناقشة مجلس النواب الفرنسي. فلم تستطع الحكومة أن تنكره، وقد سجن أثناء هذه الحوادث زهاء ثمانين ألفا، من خلاصة الشعب وشبابه باسم المشبوهين. ويذكرني بهذا: تقرير وصل إلينا من أيام يقول ملخصه: لتسقط الديمقراطية الفرنسية وتحيا الثورة الجزائرية والمغربية إن الجيش الفرنسي الذي يلاحق الثوار، قوامه 250 ألفا، لكنه عاجز عن الوصول إليهم عجزا تاما، لذلك أفرغ جام غضبه على المدنيين، فدبر حملة وحشية

محنة اللغة العربية في الجزائر

من الطيران، فدمرت 40 قرية وأهلكت جميع من فيها، وهذا الحادث وقع في منطقة واحدة ما بين قسنطينة وعنابة فقط، وهو واحد من العشرات أو المئات. ولما قرأت هذا التقرير قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة، ثم قلت: تسقط الديمقراطية الفرنسية، وتحيا الثورة الجزائرية والمغربية، وبعد، أفتستحق هذه الدولة المسخرة لمئتي أسرة استغلالية، أفتستحق صداقة الأحرار، إذا لم تتب سريعا. أما إذا تابت توبة نصوحا، وعادت إلى المبادئ التي نقشتها على نقودها، الأخوة، الحرية، العدالة، حينئذ سنكون نحن أول من يهتف بحياتها وصداقتها. جريدة بيروت المساء عدد 1831 وجريدة المنار محنة اللغة العربية في الجزائر جريدة بيروت المساء بالمنار الدمشقية، اللغة هي مظهر كرامة الأمة، وعنوان بقائها! .. إن اللغة مظهر مقدس من مظاهر كرامة الأمة، التي تحترم نفسها، وعنوان من عناوين مجدها ووجودها. ولا يجوز أن يقل اعتبار اللغة في مجال الكرامة، عن اعتبار العلم "والببرق" أو تعبير النشيد الوطني، الذي يعاقب القانون والعرف، من لا يقوم له إجلالا عند سماعه. واللغة العربية ليست لغة الجزائريين وحدهم، وإنما هي لغة الأمة العربية كافة، وعنوان كرامتها ووجودها، فمن أهانها إنما يهين العرب أجمعين، هذا هو المنطق يوم كان للمنطق سلطان، وعلى هذا الأساس، أتحدث اليوم إلى العرب عما أصاب لغتهم من ازدراء وإهانة في عقر دارها بالجرائر، وما ألحقه الفرنسيون بها في أرضها، وللغة في نظري عرض كما للأشخاص أو أشد وإليك القصة باختصار:

احتل الفرنسيون الجزائر عام 1830 فوجدوا أهلها يدينون بالإسلام، ويتكلمون بالعربية، ويقدسونها منذ اثنتي عشر قرنا ونيف، فعز على المستعمرين أن يكون لهذه الأمة مقدسات، أو مقومات حياة، لأنهم بيتوا قتلها وإفناءها، أو مسخها على الأقل، فرأوا أن يصوبوا أول ضربة حازمة إلى اللغة، مظهر كرامة الأمة وعنوان بقائها، فأصدروا قانونا يجعل اللغة الفرنسية في الجزائر هي اللغة الرسمية وحدها، وصيروها لغة المدرسة ابتداء من روضة الأطفال، إلى الصفوف العالية في الجامعة، وجعلوها لغة المعاملة العامة، ابتداء من مختار الحارة حتى تنتهي إلى الحاكم العام، وهذا أمر قد يسهل تصديقه، إنما الذي يعز - ولا شك على القارئ، تصديقه هو أن الفرنسيين الديمقراطيين، قد أصدروا قانونا آخر يعتبرون اللغة العربية بين أهلها لغة أجنبية، وهذا ما حصل بالذات، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى اصطناع كل أنواع الإهانات لها، فكل مدرسة أهلية للعربية، إذا سمح بفتحها، إنما تخضع لقانون الصحف الأجنبية، وإذا كتبت أنت إلى صديق لك رسالة في الجزائر، وجعلت العنوان بالعربية إنما ترمى في سلة المهملات ثم إن السماح بفتح المدارس للعربية إنما هو محض افتراض، وإلا فإن فتح مدرسة لتعليم اللغة العربية في الجزائر، كان ولا يزال في نظر الفرنسيين، أخطر من فتح محششة يدار فيها الأفيون والكوكايين وبقية السموم، فلقد شهدت المحاكم في الجزائر مناظر مخجلة يساق فيها معلم العربية في موكب اللصوص والقتلة والمجرمين، لمحاكمتهم على صعيد واحد، وقد تنال رحمة القضاة الفرنسيين، بعض القتلة واللصوص، ولكن ما جربت يوما أن تنال معلم اللغة العربية أبدا، وعلى كل حال، فإنه لا يحسن بي أن أفارق القارئ العربي قبل تطمينه على لغته ومظهر كرامته، فأؤكد أنها اليوم بحمد الله في ألف خير. لأن أهل الجزائر قد داسوا تلك القوانين الحقيرة بأقدامهم، واستهانوا بكل تعذيب يصيبهم في سبيلها. فرحبوا بالسجون والغرامات وبكل مؤلم من أجل لغتهم، فما زالوا كذلك حتى عجزت بربرية الاستعمار، أمام إرادة الجزائريين الجبارة، فسكتت مرغمة، ولو كانت قوانينها لا تزال نظريا قائمة، لكنها غير منفذة.

هل المقاتلون في الجزائر ثوار أم لصوص؟

وبعد فإن وظيفتي هنا هي أن أشكو إلى العرب ما أصاب لغتهم، وعنوان مجدهم، من إهانة ومطاردة، ثم لا أوصيهم بماذا يصنعون مع المجرمين، لأنهم أدرى. برقية لحضرات رؤساء الكتلة الإفريقية الآسيوية في هيئة الأمم المتحدة المحترمة. باسم الجزائر والمغرب العربي وما يبذلونه من دم وعرق، مرغمين صونا لحريتهم وبقائهم، وباسم عامة الأحرار الحاضرين والغائبين من الأجيال، نشكركم على جهودكم النبيلة الموفقة، حيث استطعتم بصبركم رغم عراقيل المستعمرين والطغاة، أن تثبتوا لدى هيئة الأمم والعالم، مبدأ حق الجزائر في السيادة والاستقلال، وأملنا وطيد بأن تواصلوا مساعيكم المتنوعة، لجني الثمرة المطلوبة إذ تعلمون، أن الأعمال بالخواتيم وفقكم الله. 13 أكتوبر 1955 هل المقاتلون في الجزائر ثوار أم لصوص؟ جريدة بيروت المساء والمنار الدمشقية إن أبرز صفة في الاستعمار الفرنسي، الجرأة على الكذب، والمكابرة فيه، فإذا قالوا لك مثلا: إن الجزائر فرنسية، وأن أهلها فرنسيون، وأن قضيتها داخلية، لا تعني أحد سوى أهلها، أي سوى فرنسا، ثم جئت أنت وأنا وهو، بل وجاء الناس أجمعون، لدحض هذه المزاعم ولإقامة ألف دليل مستقاة من أقوال الإفرنسيين أنفسهم، ومن أفعالهم اليومية، على أن الجزائر ليست فرنسا، كما أن السماء ليست بالأرض، وكما أن الملائكة ليسوا بشياطين، ومع هذا يظل المستعمرون الافرنسيون، يؤكدون بكل وقاحة في مناسبة وغير مناسبة، وأمام الدنيا جميعا، بأن الأمر إنما هو كما يزعمون، أحب الناس أم كرهوا، وأنها - عنزة ولو طارت - من هذا القبيل ما

تهديد فرنسا يعطي نتائج معكوسة

دأبوا يصفون به ثوار المغرب العربي عامة، وثوار الجزائر بصفة خاصة، من أنهم لصوص، وقطاع طرق، وخارجون على القانون، وما أشبه ذلك من نعوت الإزدراء، وأن هؤلاء اللصوص، إنما هم شرذمة قليلة تافهة لا قيمة لها، وأما بقية الأمة وسوادها الأعظم، فهي في ألف خير تسبح بحمد حكامها المستعمرين، وتصلي عليهم قبل الصلاة على الأنبياء والمرسلين. تهديد فرنسا يعطي نتائج معكوسة ولا يزال الإفرنسيون حتى هذه الساعة، رغم الإجماع المنعقد على تسفيه زعمهم يؤكدون هذا الزعم، وبعد أن أنفقوا مئات الملايين من الفرنكات، وبعد أن اعتقلوا عشرات الألوف من خواص أبناء الأمة إرهابا للآخرين، من أجل أن يعثروا على جماعة مهما كانت تافهة الكم والكيف؟ تقول بأنها ضد الثورة، أو الثوار، فلم يعثروا على فرد واحد فضلا عن جماعة، بل الذي حصل هو العكس تماما، إذ كلما حاولوا حمل فرد أو جماعة، على أن ينكر عمل الثائرين، وضعوا عليه أو هددوه، حمل في اليوم الثاني بندقيته وما تيسر من الزاد، ثم التحق بأولئك الثائرين في الجبال، وجعل حياته تحت تصرفهم، لطرد المستعمرين. ولم يشذ عن ذلك رجال السياسة من متطرفين ومعتدلين. وحتى أولئك الذين كانوا بالأمس القريب، يؤمنون بوجوب التعاون مع فرنسا، والارتباط إلى يوم الدين معها، لم يبق من هؤلاء من لا يهتف في ملاء من فرنسا نفسها، بحياة الثورة والثوار، والذي يجب أن يعرفه الناس، بمزيد من العناية عن ثورة الجزائر، أمران اثنان: الأمر الأول: أن الثائرين في الجزائر إنما هم جميع الجزائريين، لا فرق بين الكبار والصغار. والذكور والإناث، والأغنياء والفقراء. والعلماء والعوام، كما لم يفرق ظلم الفرنسيين بين هؤلاء جميعا.

وإنما تخصص فريق من أبطال شبابهم. بحمل السلاح فعلا، وبمواجهة المستعمرين بالقتال، وأولئك الأبطال المقاتلون، هم اليوم جيش الأمة الذي تفديه بكل ما تملك من نفس ونفيس، لا مزاح فيه، وهو استرداد سيادة البلاد واستقلالها، وأن هذه الثورة لن تنتهي إلا بتحقيق ما قامت من أجله أو بعد الاستشهاد في سبيله. وبعد فعلى ضوء هذا الاستعراض. يستطيع القارئ أن يعرف أولا: ناحية خطيرة من طباع الافرنسيين ويستطيع ثانيا: أن يحكم بمنطقه الخاص فيما إذا كان المقاتلون في الجزائر ثوارا أم لصوصا. إلى ميسيو ادغار فور رئيس وزراء فرنسا. الجزائر لا تريد إلا الاستقلال، والمغرب العربي لا يريد إلا الوحدة. وكل محاولة خارج هذه الحقيقة، هي تضييع للوقت، ومضاعفه لتعقيد الأمور، وتكبيد الخسائر في الدماء والأموال، وإنما للضغائن والأحقاد، أما إذا سارت الأمور في ذلك الطريق السوي، بصدق نية وسرعة، فإن مصالح فرنسا ومصالح جاليتها، يمكن أن تكون محفوظة بسخاء، ويمكن أن تقوم بعد ذلك صداقة بين البلدين متينة، وتعاون واسع ممتاز، على قدم المساواة، أرجو تلاوة برقيتي على أعضاء الجمعية الوطنية مشكورين. تلغراف باريس في 12/ 10/ 1955

فرنسا تحارب الإسلام علنا في الجزائر

فرنسا تحارب الإسلام علنا في الجزائر جريدة بيروت المساء والمنار الدمشقية أما أن الفرنسيين ظلمة فجرة، فهذا ما لا يختلف فيه عارفان منصفان، ولكن هؤلاء المستعمرين هم إلى جانب فجورهم، مجانين أيضا، لا حكمة في تصرفاتهم البتة فكثيرا ما يقررون القيام بعمل وهو من رابع المستحيلات، ومن قبيل من يريد أن ينقل جبلا من مكانه وأن يحفره بأظافره، فمثال ذلك أن حضراتهم قد قرروا لأول ما تغلبوا على الجزائر، محو الإسلام في جميع ربوعها، وانتزاعه من أمة عاشت تقدسه مدة تزيد على ثلاثة عشر قرنا، ثم لم يكلفوا أنفسهم معرفة هذه الأمة، حتى يتبينوا ما يمكن أخذه منها، وما لا يمكن، وحتى يتبينوا في الوقت نفسه، الكيفية التي تضمن لهم أخذ الممكن حينما يريدون، من أجل ذلك، ومن حسن حظ الجزائر، أنهم جهلوا من بين ما جهلوا، أعرق صفة في تلك الأمة وأعمقها، وهي المقاومة والعناد، ولعل الفرنسيين كان يمكنهم، أن يضعوا شأن الإسلام في نفوس الجزائريين لو أنهم كانوا نفسانيين حكماء، يتقنون فن الوصول إلى الأراضي البعيدة الخطيرة من طريق البنج والحيل، ولكنهم أعلنوها حربا صارخة على دين الإسلام. فأول ما نزلوا إلى أرض الجزائر، عمدوا حالا إلى مصادرة جميع أوقاف المسلمين، التي كانت تقدر بمئات الملايين، ومبالغة في النكاية، جعلوا تك الأوقاف بين يدي المبشرين، ثم عمدوا إلى المساجد، فحولوا أكثرها إلى كنائس، وبعضها حول إلى مكاتب وإدارات وثكنات عسكرية، ولم يفتهم أن يحولوا البعض الآخر إلى اسطبلات، يدوس حرمتها، الخيل والبغال والحمير، ثم التفتوا إلى المدارس الإعلامية فمنعوها من

التدريس والتفهيم، ولكن أذنوا لها بالأول، في تحفيظ القرآن غيبا على شرط أن يكون عن غير فهم، ثم تدرجوا بعد قليل إلى منع التحفيظ الببغائي نفسه، إلا بإذن لا يحصل عليه الراغبون إلا بشروط، هي أقسى وأمنع من شروط الزواج بجارية بنت سلطان، ثم توجه إلى لغة الإسلام العربية، فجردوها من كل حرمة وكرامة، وجعلوها لغة أجنبية غير مرغوب فيها لا حول لها ولا قوة. فعلوا كل ذلك وأكثر من ذلك، لأجل أن يقضوا على دين الإسلام في الجزائر، ولكن فاتهم أن الذي فعلوه، أمام طبيعة عناد الجزائريين وصلابة المقاومة في أصول أخلاقهم، إنما هو عامل تثبيت، لذلك الإسلام في نفوسهم، وذلك ما قد حصل بالفعل، فلقد تعصب الجزائريون لدينهم أشد التعصب، وتحدوا كل القوانين المسنونة ضدهم، فمارسوه في بيوتهم سرا وفي شوارعهم علنا، وفي جبالهم وسهولهم وفي مساجد أقاموها من جديد لهم، ودخلوا السجون، وسيقوا إلى المعتقلات، ودفعوا أفدح الغرامات، لأجل مخالفتهم القوانين المحاربة الدين، وأخيرا وليس آخرا، راح الجزائريون يطمعون في نشر الإسلام بداخل فرنسا نفسها، فنقلوا الدعوة إلى عقر ديارها، وفتحوا في قلب باريس نفسها وفي غيرها من أمهات مدن فرنسا، ذهاء ثلاثين مركزا لتدريس الإسلام، وممارسة تعاليمه، فكان يغشاها عشرات الألوف من أبناء الجزائر ومن أبناء الافرنسيين، وإني بهذه المناسبة أشهد الله، أننا وجدنا في الشعب الفرنسي، داخل بلاده، أحرارا كثيرين، لا أثر للتعصب فيهم، ونرجو مخلصين أن يتغلبوا على المتعصبين الحاقدين يوما، فيخدمون بذلك فرنسا والإنسانية.

الجزائر وأسبوع التسلح لجيش سوريا هل أصبح العرب أضحوكة البشر؟

الجزائر وأسبوع التسلح لجيش سوريا هل أصبح العرب أضحوكة البشر؟ جريدة بيروت المساء والمنار الدمشقية إسرائيل دمل مصطنع عن قصد وسابق إصرار، لأجل إقلاق راحة العرب. لقد كانت مظاهرة طيبة، تلك الحركة التي قامت في أكثر البلاد العربية، بمناسبة ما يسمونه أسبوع التسلح لسورية الشقيقة، ولعل الحركة كانت تهدف إلى تحقيق أمرين اثنين، كلاهما ذو أهمية في ناحيته، ويكمل بعضهما بعضا عند الاجتماع. الأمر الأول: هو جمع المال لأجل التسلح وهو ظاهر، والأمر الثاني: هو تذكير العرب بخطورة عدوهم الجديد، إسرائيل، ورفع معنوياتهم، وتغذية حماسهم، وقد يكون غيري من الناس راضيا بهذا الأسلوب ونتائجه، كل الرضى أو بعضه، ولكنني أنا غير راض مطلقا، وقد أكون مخطئا، ذلك لأن أعداءنا جادون كل الجد، في جميع تصرفاتهم، ذات الصلة في خصومتهم معنا، بينما نحن العرب ودولنا المستقلة قد ظلت تصرفاتنا منذ ثمانية أعوام مرت على الكارثة والنذير، لم تتغير ... إلا قليلا جدا، فما يزال الأسلوب عتيقا وهزيلا، وما تزال حتى هذه الساعة تعتمد في الأكثر، على الخطب والقصائد والمقالات، وعلى البيانات والإحتجاجات وحدها، ونحن دول تسع مستقلة، نملك من أن نسن القوانين الحازمة، ونصدر الأوار الصارمة، وما تزال خلافاتنا الفردية والدولية تستغرق أكبر نسبة من طاقتنا، بينما نرى بأم العين بداية النيران تندلع حول بيوتنا جميعا، وتوشك أن تأتي على ما فيها ومن فيها، وإذا خطونا خطوة بسيطة، في عالم الجد والإستعداد، فضحنا أنفسنا بأنفسنا، ونبهنا الأعداء إلى عرقلتنا، بما نحشده من أنواع الدعاية، والإعلان، والمباهاة.

متى تختفي إسرائيل من الوجود؟

أما اليهود، فإنهم يتسلحون ليلا ونهارا، ومن جميع أطراف الدنيا، وهم صامتون والصهيونيين في داخل إسرائيل، يعدون أنفسهم اليوم بالإجماع، في حكم المجندين، لأجل غزو بلاد العرب واستعمارها، ثم لا يتكلمون إلا بمقدار، ولقد جعلوا كل ما يملكون حتى الحياة، تحت تصرف القوات المسلحة، فأغناهم ذلك عن أسبوع التسلح وشهره، وإخوان اليهود في جميع بقاع الأرض، يجمعون لهم مئات الملايين من الدولارات، ثم لا نستمع لهم من الضجيج إلا قليلا. متى تختفي إسرائيل من الوجود؟ أمام هذا الواقع المر، فإن الذي يرضيني أنا ويرضي الأجيال، هو أن يعمد المسؤولون العرب أولا: إلى خلافاتهم، فلا يدفنونها دفنا، إلى يوم الدين، ذلك ما لا أطمع فيه، ولكن يضعونها في صندوق محكم الغلق، ثم لا يفتحونه، حتى يختفي الاستعمار من أوطانهم، وحتى تختفي إسرائيل من الوجود، وأن الذي يرضينا أن يستعد العرب مثل إسرائيل وأكثر من إسرائيل، لأن العرب معتدى عليهم، في بقعة مقدسة من أراضيهم، وأنهم مهددون بالاعتداء، في بقية تلك الأراضي جميعا، وأن الذي يرضيني أنا والأجيال أخيرا، أن تعبئ حكوماتنا الحرة، كل بما تملك من مال ورجال، وعن طريق القوانين والأوامر، من غير إعلان ولا ضجيج، ومن غير تسول. والأمة العربية، ليس من حقها وواجبها، أن تدفع إسرائيل عن نفسها فحسب، ولكن من حقها وواجبها، أن تقذف بها إلى العدم، لأنها دمل مصطنع عن قصد وسابق إصرار، لأجل إقلاق راحة العرب، وقد يقول بعض القراء العاجزين الانهزاميين، أنني في هذه المطالب شاعر فيلسوف، فلا يهمني قولهم، لأنني لست إلى قصار النظر أكتب، وفي الكلمة التالية أخلص إلى محل الشاهد، وأسأل العرب الأشقاء: ماذا فعلوا لإخوانهم المكافحين في الجزائر والمغرب العربي.

برقية إلى حضرة الرئيس إسماعيل الأزهري المحترم

برقية إلى حضرة الرئيس إسماعيل الأزهري المحترم باسم ثلاثين مليونا من إخوانكم المكافحين في الجزائر والمغرب العربي، أهنيكم والشعب السوداني الشقيق، بتحقيق الحرية والاستقلال، ثمرة جهادكم الطويل وأذكركم في هذه المناسبة الكريمة، بمعركة تنازع البقاء القائمة اليوم في الجزائر على أشدها، بين قوى الشر الاستعمارية، وبين طلاب الاستقلال المجاهدين أمثالكم، والثورة الآن في الجزائر المحرومة، تقاتل ثلاثمائة ألف جندي فرنسي مدججين بأحدث الأسلحة، ومصيرها إنما يتقرر تبعا لانتصارها ولانكسارها لا سمح الله، فمعونتكم إذن، ومعونة العرب أجمعين ماديا وأدبيا، أصبح وجوبها متضاعفا وأنها لتفقد قيمتها إذا لم تكن بالسرعة المناسبة للظروف. عام 1955 الفضيل الورتلاني نريد أسابيع التسلح للجزائر جريدة بيروت المساء والمنار الدمشقية إن في الجزائر وحدها اليوم، ما يناهز ثلاثمائة ألف جندي فرنسي، يقاتلون بضعة آلاف من الثوار بالفعل، ومن وراء هذه القوى من الجنود المسلحين على أحدث طراز، دولة جبارة حاقدة، هي خامسة خمسة في مجلس الأمن، ولها حلفاء وأصدقاء، هم الذي يديرون دفة العالم اليوم، وفي مقابل ذلك هذا الشعب الجزائري الأعزل المحروم، الذي لا يملك سوى الإيمان بالله، والإيمان بحقه في الحياة الحرة، لا يملك حكومة ولا ميزانية، بل الذي يحكمه هو عدوه اللدود وميزانية بلادهم الضخمة، إنما ينفقها ذلك العدو على مقاتلته وإذلاله، والقانون السائد عليه في داخل بلاده، يعد رجاله المكافحين عصاة وخارجين على الدولة، تهدر دماؤهم، وتستباح أموالهم وأعراضهم، والأموال المتواضعة التي يمكن أن تجمع للثوار المقاتلين سرا، إنما هي من أمة أفقرها الاستعمار، وقد ظل يمتص ثروتها منذ قرن وربع، وعملية الجمع تعرض القائمين عليها لأخطر العواقب، وقد امتلأت بهؤلاء المغامرين

نطالبكم بحق وليكن دينا علينا

السجون والمعتقلات فعلا، إلا أن الجزائريين كلهم مقاتلون بالطبع وبالممارسة، وفي استطاعتهم أن يحشدوا مئات الآلاف للقتال، وفي استطاعتهم أن يقلقوا راحة فرنسا لعشرات السنين، حتى تمل وتعجز، ثم تخرج مطأطأة الرأس من حيث دخلت، وهي رافعة إياه، ولكن ذلك متوقف على المال أولا ... وثانيا ... وثالثا ... ولا شيء ينقص المكافحين، في تلك الديار سوى المال، فمن أين يأتي هذا المال الضروري، عصب الحرب كما يقولون أيها العرب؟ .. هل تريدون أن نأخذه من الشيوعيين، أم نأخذه من المستعمرين الآخرين غير الفرنسيين، إن كل هؤلاء أعداؤكم، وإن كل هؤلاء أخباث. نطالبكم بحق وليكن دينا علينا إننا اليوم مضطرون كل الاضطرار، لنعلن عتبنا الشديد على إخواننا العرب، لأننا نفتقر إلى القليل من مالهم، الذي ينفقونه في الكماليات، وفد يكفينا لنحرر به أنفسنا من الاستعباد، ونحن حينما نطالبهم بذلك، فلا نشعر مطلقا بأننا متسولون، أو أنهم يد عليا ونحن يد سفلى، لأننا نطالب بحق أولا، ولأن هذا الحق ثانيا، سيكون دينا علينا نرده إليهم في القريب، وربما يكونون يومئذ في أشد الحاجة إليه وإلينا، وإني أحلف غير حانث، لو أن المغرب العربي قد تحرر وتم استقلاله، لكفى العرب شر إسرائيل وغير إسرائيل، وأن أعدائكم مع الأسف أيها العرب، ليفهمون ذلك ويقدرونه أحسن منكم، فأقرضوا لإخوانكم الأوفياء قرضا حسنا يضاعفه الله لكم، ولكم أجر كريم. وبعد؛ فيا أيها العرب الكرام: اعلموا جيدا أنه، إن كانت سوريا الشقيقة في حاجة إلى أسبوع للتسليح، فإن تسليح الجزائر والمغرب العربي المحروم، يحتاج إلى أشهر وأعوام، ويهمني هنا أن أسجل عتبا آخر، على أولئك الذين تبرعوا بمبالغ متواضعة، وأنهم مع الأسف، جعلوها باسم المنكوبين، ثم حاولوا أن يوصلوها إليهم، من طريق المستعمرين أنفسهم، إنه لشيء يبعث حقا على الحزن والضحك في آن واحد، إذ متى كان الذئب راعي غنم أمين، ومن ذا الذي نكب الجزائريين والمغاربة سوى الاستعمار الفرنسي، الذي تطمعون أن يساعدكم على مواساة إخوانكم هناك.

هل ثوار الجزائر خونة! .. لأنهم يستعينون بدول أجنبية؟

شيئا من الشجاعة أيها العرب .. ولو إكراما لشهامة أسلافكم في التاريخ. برقية إلى حضرة الباشا الفاطمي بن سليمان. الرباط - مراكش - نعيذك بالله، من أن ترأس سومة مراكشية، من طراز حكومة ابن عمار التفاوضية في تونس، إنه لمن الجائر جدا، وأنت بشر أن يغريك المنصب الرفيع لأول مرة. ولكن يجب أن تذكره، إننا في عصر لا يغتصب المرء فيه شيئا لنفسه، على حساب الوطن، إلا ودفع ثمنه غاليا والمجاهدون الوطنيون، لا يفرقون كثيرا، بين العدو الأصلي، وبين أدوات العدو. وعلى كل حال فإن أملنا في ذلك وطيد، بأن يعيشوا وطنيين مخلصين، حتى يلقوا ربهم مغتبطين، ثم ثق بأن ساعة الخلاص آتية بأسرع مما يظن المخطئون. 20 - 10 - 1955 الفضيل الورتلاني هل ثوار الجزائر خونة! .. لأنهم يستعينون بدول أجنبية؟ جريدة بيروت المساء والمنار الدمشقية قال لي صاحبي: لاحظت على ألسنة المسؤولين الفرنسيين، وعلى صفحات جرائدهم، أنهم يتهمون ثوار الجزائر خاصة، وثوار المغرب عامة، بأنهم على اتصال بدول أجنبية، تمدهم بالأسلحة والذخائر والمال، فما رأيك في هذه التهمة؟ فأجبت: أرجو أن تكون هذه التهمة صحيحة كل الصحة، لأن صحتها قد تدل على أن في هذه البشرية الغربية أو الشرقية، بقية من إنسانية ومروءة، أو أن من بين هذه الدول القوية المتعفنة، بقية من خلاق مفيد، يمكن للمستضعفين بفضله أن يتنفسوا، وأن يعيشوا أحرارا كبقية الناس، ويا حبذا لو يتحقق ذلك، ولا يهمني بعد تحقيقه، أن تكون الدولة المساعدة للثوار الأحرار غربية أو شرقية، ديمقراطية أو شيوعية، أم فاشستية، أو أن يساعد ثوران كل هؤلاء مجتمعين، لأن البندقية والمدفع

والقنبلة وسائر أنواع الأسلحة والذخائر، ليس لها دين ولا مذهب، إنما لها صولة فقط والثائر الحر لا يهمه، إلا أن يمتلك تلك الصولة ليستعملها في الدفاع عن نفسه، وفي سبيل استرداد السيادة المغتصبة من أمته، ولكن مما يدعو إلى الأسف الشديد، أنني لا أعلم حتى هذه الساعة أن دولة ما تقدم مساعدة جدية للمجاهدين في الجزائر والمغرب العربي، ونحن لا نخفي على الناس، ولا نخشى من فرنسا أن تعلن للدنيا جميعا، بأن ثورة الحرية في المغرب العربي، في حاجة ملحة إلى معونة كل حر وكل من يدعي الحرية على الأقل، وهم حينما يساعدون قوما يجودون بالحياة في سبيل حريتهم، إنما يقومون ببعض الواجب، وإنما يكفرون عن بعض سيئاتهم الطائلة، أما نحن فلولا الخوف من عرقلة وصول هذه المعونات الحربية وغير الحربية إلى أيدي الثوار، لكان عندنا الجرأة الكافية لنشرها في الصحف والإذاعات، ولشكرنا أهلها وباهينا بعملنا وبفضلهم، لأننا وإياهم إنما نفعل جميلا. وعاد صاحبي يقول: إن الفرنسيين يسمون استعانتكم بالدول الأجنبية خيانة، لأن هذه المعونة في نظرهم لا تكون بالمجان، بل لا بد لها من ثمن وسيكون ذلك الثمن على حساب مصالحكم ومصالحهم، ويعنون أنكم ستستبدلون استعمارا باستعمار. قلت لصاحبي: إن كنت قد نسيت التاريخ القريب فإني مذكرك به، ليستقيم معك المنطق في الحكم على القضايا العظيمة، وذلك أن فرنسا هذه، قد سقطت عام 1940 صريعة العدوان الألماني فاحتل الألمان أراضيها واستذلوا شعبها وطعنتها إيطاليا في ظهرها، ثم راجت الخيانة في ربوعها حتى شملت التهمة رئيسها العظيم بطل فردان المارشال بيتان، ويومئذ قام مثلنا من بين أبناء فرنسا ثوار في الداخل والخارج، يصرخون بأعلى أصواتهم، يخاطبون الضمير الإنساني في جميع أطراف الأرض، ويدعون الدول والشعوب جميعا لا فرق بين مسلمها ومسيحيها، إلى الغوث والإسعاف والإنقاذ، واستعملوا في ذلك أبلغ العبارات وأحر الدموع، واشتهر حامل تلك الراية بالبطولة النادرة ودعى يومئذ برجل فرنسا الأول أعني الجنرال ديغول، وقد قاسم الجنرال هذا

الكلمة في انتخابات الجزائر هي للثوار وحدهم

الجد العظيم، ثوار فرنسا ورجال المقامة فيها، ولا يزالون يعيشون على فتات ذلك المجد العظيم، وما قال لهم قائل فرنسي أو غير فرنسي أنكم خائنون. وبعد؛ فمن هم هؤلاء الأبطال وماذا صنعوا حتى يستحقوا كل هذا التمجيد هنا محل الشاهد: لأن هؤلاء إنما كانوا ثوارا يقاتلون المحتلين الألمان، ويعني ذلك أنهم إنما صنعوا مثل ما يصنع الثوار الجزائريون اليوم تماما، وثوارا استعانوا بجميع دول الأرض وشعوبها، ودعوا جيوشها للنزول في أراضيها مؤقتا، وقبل ذلك أخذوا من الأمريكان أسلحة ودولارات، ومن الإنكليز ذخائر وجنيهات، ومن الروس الأسلحة والذخائر معا، ثم الرجال والروبيلات، وأملنا في أبطال فرنسا الأسوة الحسنة، ففي سبيل تحرير وطننا نحن مستعدون لقبول كل ذلك، ومن أي جهة كانت حتى من فرنسا نفسها، بل يعلم الله أن لو كان ذلك من فرنسا لكان أحب الأشياء إلى نفوسنا. أما تسميتها للعمل الواحد باسمين متناقصين، بطولة منها، وخيانة منا، فإنه من دواعي سخرية العالم بمنطقها. أما إن كانت الدول المساعدة لثوار المغرب العربي هم العرب والمسلمون، فأغلب ظني أنه لا اعتراض عليه، لأنه صلة رحم واجبة، ويا ليتها كانت، يبقى الزعم بأن العون الأجنبي لا بد له من ثمن، فإنه سخف لأن هؤلاء الأجانب أنفسهم هم الذين حرروا فرنسا من قبل، ولم يقبضوا أي ثمن إيجابي سوى التنكيل بأعدائهم. وأخيرا فإنما الذي يهمنا أن يعلم ويطمئن من يعنيه أمر مستقبلنا بحق، أن لا استعمار بعد اليوم في المغرب العربي بإذن الله، ولو جاء من قبل سكان السماء. الكلمة في انتخابات الجزائر هي للثوار وحدهم جريدة بيروت المساء سنة 1956 والمنار الدمشقية قال لي صاحبي: الآن وقد حلت الحكومة الفرنسية مجلسها النيابي، وقررت إجراء انتخابات جديدة، فما رأيك في موقف الجزائر منها؟

قلت لصاحبي على الفور: إن الكلمة اليوم في الجزائر هي للثورة والثوار، ليس غير، لأن صوتهم - صوت النار والحديد - هو وحده الذي يستطيع أن يسمع الاستعمار الفرنسي، وهؤلاء الثوار هم جيش الأمة المغلوبة على أمرها، وهم يعملون عملهم اليوم في شجاعة وشرف، ويؤدون رسالتهم المقدمة في أمانة ونبل، والأمة من ورائهم تؤيدهم وتفيدهم بكل مرتحض وغال، والله فوق الجميع لا يضيع أجر من أحسن عملا، إذا أخلص فيه. قال صاحبي: وما رأيك الخاص؟ هل ترى رجحان المصلحة في اشتراك الجزائريين بهذه الانتخابات البرلمانية، أم ترى المصلحة في مقاطعتها؟ قلت: يجب أن تعرف أولا: ما هي نسبتنا نحن معشر الجزائريين في مجلس نواب باريس، وما هو طراز هذه النسبة وما هي فائدتها؟ إن نسبة نواب الجزائر، التي قررتها الديمقراطية الفرنسية، في أحدث دستور لها سنة 1947 كانت (13) نائبا يمثلون 11 مليونا من العرب، لأنهم عرب، بينما جعلوا نفس النسبة لخليط المتفرنسين وعددهم (800) ألف، ومزية المتفرنسين هؤلاء الوحيدة، إنهم ليسوا بعرب فقط، ولعل هذه القسمة، من ضن ما يصلح في نظر فرنسا، أن يكون دليلا على أن الجزائر فرنسية، وأن الجزائريين فرنسيون، على أن هذه الشركة نفسها، التي لم نعترف نحن بشرعيتها في يوم من الأيام، أو أنها على علاتها كانت مبنية على قواعد العدل، وقائمة على أصول الحرية، لكان عدد نواب الجزائر في برلمان باريس نحو (140) نائبا بدل (13) أما طراز نوابنا هؤلاء فإن أكثريتهم الساحقة، إنما هم معينون في صورة منتخبين، إذ ما عرفت الجزائر العربية يوما انتخابا حرا، أو شبه حر في جميع مجالسها، ومن مكر فرنسا أنها كانت تتعمد دائما، ترك عدد قليل من الوطنيين الأحرار ينجحون لتستدل بهم على حرية الانتخابات، وعلى وجود معارضة ظاهرة، على أنها تعلم طبعا أنها معارضة لا تسمن ولا تغني ...

نريد انتخابات جزائرية حرة

نريد انتخابات جزائرية حرة أما فائدة نوابنا في برلمان باريس، فلو فرضنا المستحيل، وقدرنا أنهم جميعا من الأحرار، فإن فائدتهم لا تتجاوز الدعاية، وتبليغ آلام الجزائر وشكواها، إلى الرأي العام الفرنسي والعالمي، وإلا فما قيمة (13) نائبا إلى جنب (620) من الفرنسيين، والقول الفصل في التشريع كما هو معلوم إنما هو للأكثرية دائما، ولو كانت بصوت واحد، وأما رأيي في اشتراك الجزائريين هذه المرة بالذات، في الانتخابات البرلمانية، فيجب أن يكون تابعا لمصلحة الثورة فقط، فإن رأي المسؤولون فيها، أن يتخذوا هذه المناسبة، فرصة لاستفتاء الأمة، على مقدار رضاها بالثورة ومبادئها كان ذلك خيرا على شرط أن ترشح الثورة نفسها، قائمة واحدة، ولا أظن أنه يوجد في الجزائر بعد ذلك سافل واحد يجرؤ على الوقوف في وجه هذه القائمة المقدسة، وعند نجاحها، وهو مضمون في نظري حتما، يقوم ذلك النجاح مقام الاستفتاء الرسمي للأمة الجزائرية في تقرير مصيرها ويقوم في الوقت نفسه، مقام الدليل القاطع، على أن الأمة لا تريد إلا مبادئ الثورة، وهي الاستقلال والوحدة المغربية، وأقل ما تفيده هذه النتيجة هو قطع طريق المراوغة على حكومة فرنسا، أمام شعبها المضلل، وأمام المحافل الدولية الطويلة البال. أما إذا رأت الثورة أن في هذه العملية تضييعا للوقت، أو إفسادا لبعض الخطط المرسومة، أو أن ذلك يدل من قريب أو بعيد، على الرضا في الارتباط بفرنسا. فيجب أن يكون القول قولها. ويجب أن يقاطع الجزائريون هذه الانتخابات بالإجماع، ومن شذ شذ في النار. أما الانتخابات الحقة، التي ندعوا إليها نحن بإلحاح، وقامت من أجلها الثورة، وستظل قائمة حتى تتحقق، فهي انتخابات جزائرية محضة، لا شأن لفرنسا فيها

وحشية الاستعمار الفرنسي بالجرائر

مطلقا إنما، لأجل إقامة جمعية تأسيسية تضع الدستور الجزائري، وتشكل - حكومة جزائرية، لتفاوض فرنسا على إنجاز الاستقلال، ولتضع أسسه وقواعده الفعلية. وحشية الاستعمار الفرنسي بالجرائر جريدة بيروت المساء سنة 1956 والمنار الدمشقية لا يزال فريق كبير، من الوثنيين العصريين، يعبدون أصناما، من المعاني المزيفة، كما كان يعبد بعض أسلافهم، الجمادات الميتة، ويتوجه الكل إلى آلهتهم بعقيدة مشتركة، وهي افتراض العظمة الخارقة فيها، والجمال الذي ليس معه قبح، فمن هؤلاء الوثنين - الموديرن - جماعة من هذا الشرق، تقدس فرنسا، معتقدة أنها المثل الأعلى، للحضارة الإنسانية، والجمال والكمال، فإلى هؤلاء الوثنيين الموديرن نسوق قصة موجزة لأعمال آلهتهم فرنسا البربرية، في الجزائر العربية، وليس لنا في وضع القصة أي يد، وإنما رويناها بأمانة، عن جريدة فرنسية مشهورة، هي شاهد عدل من أهلها، قالت جريدة - الاكسبرس - في عددها الصادر يوم 10 - 11 - 1955 ما يلي: يبدو أن المغالاة في التنكيل، لم تكن في يوم أفظع مما هي الآن بالجزائر فمنذ عام أصبح التعذيب بالكهرباء، والتغطيس في الماء طبيعيا، اعتادت عليه السلطة البوليسية في قسنطينة وهو ضد كل من يشتبه في أمره وتحوم حوله أية ريبة. وسيأتي اليوم الذي ستصل فيه مثل هذه الأعمال البربرية الآخذة في الاتساع إلى كل الأسماع، وعندها تكون فضيحة كبرى لفرنسا أمام الرأي العام العالمي. وهناك قضية قتل قيد البحث، دبرها بعض رجال البوليس من ذوي النفوذ بالجرائر، وضحية هذه الجريمة شاب جزائري مسلم يبلغ من العمر 31 سنة واسمه -

مسرحية فاشلة

زيدون بن قاسم - وقد ألقي عليه القبض في 3 نوفمبر 1954 في مدينة وهران، وكانت السلطة الفرنسية تعلم أنه من الوطنيين الذين كانوا في القاهرة، وظنت أنها قد وقعت على صيد سمين، حيث اتهمته بأنه همزة وصل بين الثوار الجزائريين والقاهرة، وبعد مرور ثمانية أيام قضاها في سجن وهران، نقل إلى الجزائر حيث سلم لبوليس العاصمة للتحقيق معه، وما إن وصل إلى غرفة التحقيق حتى اتضح لجلاديه أن التعذيب الذي وقع عليه في وهران، قد أثر عليه لدرجة أفقدته النطق، وبالرغم من هذا التعذيب البشع الذي أحال جسده إلى قطعة لحم تشبه الجثة الهامدة فقد تداولت الأيادي المجرمة تعذيبه المرة بعد الأخرى إلى أن فارق الحياة. مسرحية فاشلة وعند ذلك قام المجرمون بتنظيم مسرحية يوهمون الناس أن - زيدون بن قاسم - تمكن من الفرار من السجن، ولكن المجرمين أرادوا أن يخفوا جريمتهم النكراء فوضعوا جثة الشاب الجزائري داخل زكيبة، ثم أثقلوها بسبعين كيلو من الحديد، وألقوها على بعد كيلومترا من الساحل، ومن سوء حظ المجرمين من رجال البوليس الفرنسي، أن رجلا اكتشف الجثة قرب دلتا وادي الجميز، وكانت أمواج البحر قد دفعتها إلى هذا المكان بعد ثلاثة أسابيع. وكل الذي نريد أن نعلق به على هذه القصة الوحشية، هو أن هناك مثيلات لها أفظع منها، عن ضروب وحشية الاستعمار الفرنسي في ديار المغرب العربي، وهي كثيرة لا تكاد تقع تحت حصر، وما هذه إلا واحدة متواضعة من بين المئات أو الآلاف، وقد نشرت أخيرا صحف فرنسا وصحف العالم أن الحاكم العام بالجزائر قد طلب من الحكومة المركزية بباريس، ستين ألف جندي من المدد، إلى الجزائر، يضافون إلى ثلاثمائة ألف، كانوا منذ سنة ونيف يمارسون القتال فيها ضد بضعة آلاف من

ما هو مصير الجزائر - بعد الانتخابات الفرنسية؟

الثوار، بل الحقيقة المرة، أن الجيش الفرنسي قد عجز عن الوصول إلى الثوار، وإنما يقاتل الأهالي العزل الأبرياء، ويصب عليهم النيران في داخل بيوتهم وبعد: فيا أصدقاء فرنسا الكرام، إنكم في عصر المعرفة والمنطق، فالرجاء أن تحرصوا على معرفة الحقائق في عظائم ألأمور وعلى تحكيم المنطق وحده فيها دون العواطف والشهوات. برقية إلى حضرة الزعيم علال الفاسي المحترم أهنئكم على توحيد الكفاح المقدس بين المجاهدين الجزائريين والمراكشيين، آملين توسيعه وتثبيته، واعلموا أن الأجيال، إنما تنتظر من التضحيات المناسبة، لترث مغربها، عربيا مستقلا وموحدا غير مجزء، وإنى آمل أن تكونوا دائما القدوة الصالحة. القاهرة 5 - 10 - 1955 الفضيل الورتلاني ما هو مصير الجزائر - بعد الانتخابات الفرنسية؟ جريدة بيروت المساء والمنار الدمشقية لم يكن المسؤولون الفرنسيون يخفون أهم سبب لحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، قالوا جميعا، بعضهم بلسان المقال والبعض الآخر بلسان الحال: أن السبب الرئيسي، هو مشكلة الجزائر والمغرب العربي، من أجل ذلك كانت المعركة الانتخابية، قائمة بين المتنافسين جميعا على آرائهم في مستقبل الجزائر وإفريقيا الشمالية، وهو وحده الذي كان يرجح كفة على أخرى، بين المرشحين المتنافسين في كافة أنحاء فزنسا وما وراء البحار، فالنتيجة التي انتهت إليها تلك الانتخابات إنما تعد بمثابة استفتاء مقصود، لمعرفة وجهة نظر الرأي العام في قضية معينة، هي بالتحديد الجزائر بالذات، لأن الفرنسيين يرون أنهم قد

وصلوا فيما يتعلق بتونس ومراكش إلى بداية الحل على الأقل، فماذا كانت النتيجة؟ وكيف يكون مصير الجزائر؟ كانت النتيجة واضحة كل الوضوح .. لقد كانت في صالح الجزائر، لأن الأحزاب أو الأفراد الذين كانوا يقولون بإنصاف الجزائر، على اختلاق وتفاوت فيما بينهم في تقدير هذا الإنصاف كلهم أو جلهم نجحوا نجاحا باهرا، قد لا يكون منتظرا، حتى من أصحابه ويلاحظ أن الحزب الوحيد في فرنسا الذي كان يقول باستقلال الجزائر من غير قيد ولا شرط، والذي يناصر الثورة علنا وبكل ما أوتي من قوة، هو الحزب الشيوعي، وهذا الحزب قد حصل وحده على أكثر من ربع المقاعد مجتمعة، وكسب فوق ما كان عنده في المجلس السابق، نحو خمسين نائبا جديدا، ولم يجد عند الشعب الفرنسي من أسباب الانتصار، سوى قضية الجزائر، والمقياس الصحيح عندنا اليوم، معشر الجزائريين، للتفريق بين العدو والصديق، وبين الباذل والمقصر، وهو موقف الناس من ثورتنا، لأن الثورة الجزائرية هي أنبل ثورة، أو هي الأقل من أنبل الثورات التي عرفها التاريخ، لأنها ثورة تطالب بالحرية والاستقلال في القرن العشرين، المطلب الطبيعي الذي وصل إليه اليوم حتى المتوحشون، والمطلب الذي لا يتم أمر السلم في العالم إلا بتحقيقه، هذه الثورة التي دلت على رجولة وعزيمة .. وتضحية وصبر ونبل.

نريد الاستقلال ولا شيء غير الاستقلال

نريد الاستقلال ولا شيء غير الاستقلال لقد قدمت الجزائر لفرنسا ملايين من أبنائها إلى ميادين القتال وإلى الصناعة والتموين، رجحت بهم كفة فرنسا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقد فعل الجزائريون ذلك أملا في الاعتراف بالجميل والمكافأة بالحرية والاستقلال، أو شيء منهما ولكن ويا للعار، لم يكن من الفرنسيين إلا الغدر واللؤم، فكان جزاء الجزائر منهم جزاء سنمار، فسلب الفرنسيون البقية الباقية من حرياتهم، ونهبوا أموالهم، وهتكوا أعراضهم، وأراقوا دماءهم، وخربوا ديارهم، ثم حرموا على الجزائريين حتى الشكوى، فالشاكي عندهم مشاغب وخائن للدولة، ويجب تأديبه وقهره وسجنه أو قتله، حتى طفح الكيل، فكانت الثورة، وكانت ثورة مقدسة يباركها الرجال والنساء، والصغار والكبار، والمعتدلون والمتطرفون، والآملون واليائسون وأعلنت هذه الثورة، سبب قيامها، وحددت مطالبها ولن تنتهي إلا بتحقيقها، أما السبب فهو اليأس المطلق من عدل فرنسا، وأما المطالب فهي الاستقلال ولا شيء غير الاستقلال. ويسرني أن أورد هنا تصريحا خطيرا لمسيو موريس رئيس الحزب الشيوعي الفرنسي، أدلى به عقب ظهور نتيجة الانتخابات، ونشرته أكثر صحف العالم، قالت تلك الصحف: وجه موريس توزير عميد الحزب الشيوعي، نداء إلى الشعب الفرنسي، أعلن فيه أن أول عمل سيقوم به النواب الشيوعيون هو النضال المستمر لسحب جميع القوات الفرنسية من شمال إفريقيا، والمعلوم أن هذه القوات يبلغ عددها في الجزائر وحدها زهاء 250 ألف جندي، ومعنى سحبها هو الرضى بالاستقلال التام، وقد نجحت في الانتخابات إلى جانب الشيوعيين كثرة كبيرة ممن يميلون إلى حرية الجزائر، ومن هؤلاء فقط يمكن أن تتشكل حكومة جديدة يكتب لها البقاء، من أجل ذلك نحن نعتقد أن مصير الجزائر القريب جدا، هو الاستقلال التام، ثم الوحدة المغربية، ثم الجامعة العربية بإذن الله.

إلى المستعمرين

إلى المستعمرين شردوا أخيارها: بحرا وبرا ... واقتلوا أحرارها حرا فحرا إنما الصالح يبقى صالحا ... آخر الدهر ويبقى الشر شرا كسروا الأقلام: هل تكسيرها ... يمنع الأيدي أن تنقش صخرا قطعوا الأيدي: هل تقطيعها ... يمنع الأعين أن تنظر شذرا اطفئوا الأعين: هل إطفائها ... يمنع الأنفس أن تصعد زفرا أخمدوا الأنفاس: هذا جهدكم ... وبه مناجاتنا منكم ... فشكرا خليل مطران الوجود الفرنسي واليهودي بالمغرب العربي جريدة بيروت المساء عدد 1859 والمنار الدمشقية إن الفرنسيين لا يقصدون بوجودهم في المغرب العربي، مجرد بقائهم فيها، ولو مع ضمانة كافية لحياتهم وأعراضهم وأموالهم، ولحريتهم الدينية والدنيوية، في أوسع نطاق، ذلك أمر لم ينازعهم فيه أحد حتى الآن، ولكنهم إنما يقصدون بالوجود الفرنسي، أن تبقى الجالية المتفرنسة الأوروبية، الطارئة على البلاد هي المتحكمة في الأهالي أصحاب البلاد الأصليين، تحكم السادة في العبيد، وأن يظل السلطان كاملا بأيديهم، لا يشاركهم فيه أهل البلاد إلا صوريا، ولا ضمان في نظرهم لبقاء ذلك الوجود: إلا بأن يبقى الأهالي فقراء وهم أغنياء، وأن يبقى الأهالي جهلاء وهم العلماء وهلم جرا ... ولا سبيل بالتالي إلى استمرار هذه القسمة، إلا على طريقة تلك العبودية، وتحت حكم الغاب وقوانينه، هذا ما يعنيه بالضبط غلاة الوجود الفرنسي في المغرب العربي عامة، وفي الجزائر بصفة خاصة، وقد أنفقوا من أجله الملايين من الفرنكات، كانوا يشترون بها ذمم النواب والوزراء

يقتضينا ثلاثة أمور

والحكام الفرنسيين في كل مرة يجد فيها الجد، ليحملوهم على أحباط الحق، والابتعاد عن مصلحة فرنسا الحقيقية. وفي سبيل شهوات أولئك المستعمرين. أما رأيي في هذا الوجود المتعفن فهو رأي الطبيب في وجود الوباء في منزله، ثم لا شك أن الخصومة بيننا وبين هذا الوجود، إنما هي قائمة على تنازع البقاء، لأن معناه الاستعباد، بمعانيه العتيقة، والموت الشريف عندنا بلا أدنى تردد هو أفضل من حياة الاستعباد. أما الوجود اليهودي، فإننا لم نكن نسمع به كمشكلة، في بلادنا حتى تألفت حكومة تونس، ثم حكومة مراكش، وخصص في كل منهما وزيرا لليهود، والذي يحسن أن يعرفه الناس بهذه المناسبة، أن جملة عدد اليهود في المغرب العربي لا يتجاوز مئة وخمسين ألفا، يعيشون ضمن ثلاثين مليونا من العرب، وقد يكون هذا العدد، موزعا بين تونس والجزائر ومراكش بنسب متساوية أو متقاربة جدا، على أن يهود الجزائر لا يعدون مواطنين جزائريين، لأنهم قد تجنسوا في عام 870اجملة واحدة بالجنسية الفرنسية، وذلك بقانون وضعه أخ لهم كان يومئذ وزيرا في حكومة الدفاع الوطني، اسمه كريميو، ولا يزال القانون يحمل اسمه حتى الآن. يقتضينا ثلاثة أمور واليهود كما يعرفهم أهل الدنيا جميعا، لا جنسية لهم في الحقيقة إلا اليهودية والمصلحة، وعندما وجدت في العالم دولة دينية باسم نبيهم إسرائيل، وقبلها الملحدون قبل المؤمنين، أصبح اليهود بعدها في جميع بقاع الأرض إلا ما قل وندر، إسرائيليين صهيونيين فقط، وما زاد عندهم بعد ذلك من الصفات، فإنما هو أداة لخدمة الصهيونية والمصلحة ولا شيء غيرهما، لذلك تجدني منكرا أشد الإنكار لإشراك اليهود في أي عمل حكومي، له أهمية بالبلاد العربية جميعا، فضلا عن اشتراكهم في الحكومات نفسها، ولا يجوز أن نثق بيهودي، فيما له علاقة بالصهيونية ولو كان أحد الأسباط، من أحفاد سيدنا يعقوب عليه السلام،

الشعب الفرنسي يعيش في شقاء

إلا بعد أن تختفي دولة إسرائيل من الوجود. أما السبب الذي حمل المسؤولين في تونس ومراكش على إشراك اليهود بأول وزارة وطنية بعد حكم الاستعمار فهذا ما لا أعلمه حتى الآن وأنه ليقتضينا الواجب أنا وأنت وجميع العقلاء أمورا ثلاثة: أولها - أن ننكر هذا المبدأ من أساسه ونبين للناس فساده، الأمر الثانى - أن نظل نلح في السؤال عن السبب الحقيقي حتى نعلمه ولو لمجرد العلم. لأن العلم بالشيء خير من الجهل به، الأمر الثالث - أن لا نجعل هذا الخطأ كافيا للحكم على المسؤولين بالتهاون أو الخيانة، فسبحان الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ولقد أمن صاحبي على الكل وقمنا متفقين والحمد لله. فرنسيون يقولون: الجزائر للجزائريين، اشتباك في باريس بسبب الجزائر نشرت الصحف الخبر التالي في 22 ففري 1956: اصطدمت اليوم جماعتان من الطلبة في باريس بسبب الموقف في الجزائر، فقد تظاهر عدد من الطلبة الذين لهم آباء وأقارب أوروبيين في الجزائر، أمام كلية الحقوق، يهتفون ببقاء الجزائر فرنسية، فتصدت لهم جماعة من الطلاب، هتفت "الجزائر للجزائريين" ثم نشبت معركة بين الجماعتين، وتدخل البوليس وقبض على عدد كبير من الطلبة. الشعب الفرنسي يعيش في شقاء جريدة بيروت المساء سنة 1956 والمنار الدمشقية 50 في المائة من أبناء فرنسا لا يجدون الملابس الضرورية والمستعمرون بالجرائر، يتقلبون بين قناطير الذهب والفضة. قد يظن الكثير من الناس بأن وباء الاستعمار وسمومه إنما يصيب المغلوبين على أمرهم من الناس فقط، أما أبناء المستعمرين مثلا، فهم في نعم الغنائم يتمتعون،

وفي بحبوحة الراحة يتقلبون، وهذا هو المتبادر إلى الأذهان السليمة، ولا يعقل في عالم المنطق سواه، مع أن الحقيقة غير ذلك على خط مستقيم. إذ الواقع أن تستعين بالمائة من أبناء فرنسا المستعمرة بالذات إنما يعيشون في شقاء دائم ما بين الإنهماك في استعداد للحرب. وما بين اشتباك في حرب بالفعل. وكل ذلك لأجل أن يحفظوا لبضع مئات من آلهة المال بقاء سلطانهم وأسباب طغيانهم في الداخل والخارج. فحال هؤلاء التعساء في أيام السلم، ضنك مستمر، إذ يساقون إلى المعامل الصناعية فتكوى جلودهم بين نيرانها مقابل أجر زهيد لا يسد رمقهم، ولا يدفئ أجسامهم ولا يستر في بعض الأحيان عوراتهم، والباقي من الأرباح الطائلة، يذهب طبعا إلى جيوب السادة المنتجين، والمصدرين إلى المستعمرات المسكينة، وهؤلاء الأهالي التسعون بالمائة، هم الذين يحملون أفدح نسبة من الضرائب، بالنسبة لمدخولهم المحدود. وهي في النهاية، إنما تنفق على تعزيز القوة الباطشة، من الجيش والبوليس، والدبلوماسية الخبيثة. وأما وضع هؤلاء في حالة حرب، فإن الأمر مفهوم بداهة، لأنهم إنما يفارقون الأهل والأولاد والوطن. ويساقون إلى الموت، إلى التشويه والغربة والعذاب على الأقل. هذا هو نصيب الأكثرية الساحقة من أبناء الشعوب المستعمرة، وقد أحس هؤلاء في المدة الأخيرة، بالخطر الذي يهددهم على الدوام. فظهر تمرد جديد، يدعو إلى الامتناع عن دفع الضرائب، وهذه ظاهرة أخرى لا تقل خطورة عن تمرد الجيش نفسه، وقد علم الناس في هذه الأيام القريبة، بأن المسمى الميسيو بوجاد زعيم الداعين إلى التمرد عن دفع الضرائب، قد خاض الانتخابات الأخيرة، على سبيل الاستفتاء فخرج بمعجزة، لم يكن أحد يتوقعها، لا في فرنسا ولا في العالم، إذ فاز باثنين وخمسين مقعدا في مجلس النواب الجديد ولم تكن له أية سابقة في السياسة، ولا كان أحد من الناس يعرف عنه شيئا، مما يدعو إلى اتباعه، وإنما كانت ميزته الوحيدة وباسمها فقط، تقدم أنصاره، إلى الناخبين، وهذه المزية هي الدعوة للتمرد ضد دفع الضرائب.

ويسرنى في هذه المناسبة أن أنقل إلى القراء هنا بيانا أذاعته مؤسسة رسمية لاستفتاء الرأي العام الفرنسي قد نشرته عدة صحف فرنسية وعربية ونحن ننقل ملخصها عن جريدة التلغراف بتارخ 9 - 1 - 1956 ليعرف الناس بالأرقام وعن طريق هيأة فرنسية مسؤولة: أي شقاء يعيش فيه الشعب الفرنسي التعس، الذي كان غافلا حتى الأمس القريب، لما يريد به إخوانه المستعمرون، هؤلاء السفاحون الذين ما فتئوا يسفكون دمه في الحروب الإستعمارية، ثم حرموه اللقمة، وحرموه الملابس الضرورية، وهم يتمرغون في الملايين من الذهب والفضة ويحاولون التشبه بأهل الجنة في التمتع. وتقول هذه المؤسسة بعد التحقيق: إن خمسين بالمائة من الذكور الفرنسيين، لا يجدون الألبسة الكافية، وأن الإفرنسي في الوقت الحاضر لا يستطيع أن ينفق على الملابس أكثر من 230 ليرة في السنة، أما الفرنسية فإنها لا تنفق أكثر من مائة وسبعين ليرة، وأكثر الفرنسيين يشترون طقما كل ثلاث سنوات وهو طقم جاهز عادي، وهناك 25 بالمائة فقط ممن يقصدون الخياطين لتفصيل ألبستهم، والفرنسي لا يستطيع أن يخصص لملابسه الداخلية والقمصان، أكثر من ستين ليرة في السنة، وأن عشرة في المائة من أهل الأرياف لا يجدون القمصان مطلقا، هذا ما قالته المؤسسة الفرنسية عن شقاء الشعب الفرنسي وتعاسته، بعد تحقيق واستفتاء ونحن ننصح لهذا الشعب العريق، إذا أراد السعادة والرفاهية، أن يثور على الاستعمار لأنه هو وحده سبب شقائه، وأول خطوة عملية نحو ذلك هي الاستجابة لمطالب الثوار في الجزائر، والتسليم لهم بالاستقلال الصحيح. وبعد فهل أنتم فاعلون يا أبناء المبادئ والثورات؟ أرجو ذلك ...

بين نهر أبو علي في طرابلس والاستعمار الفرنسي بالجزائر

بين نهر أبو علي في طرابلس والاستعمار الفرنسي بالجزائر جريدة بيروت المساء 1956 والمنار الدمشقية أيهما أظلم؟ .. وأخبث من سنن الله المألوفة، أن يمتحن عباده أفرادا وجماعات، ويبتليهم من حين لآخر. تبصرة وذكرى. أو عقوبة وتكفيرا للذنوب والخطايا. فأحيانا يجري ذلك بواسطة الطبيعة. وأحيانا أخرى يجريه بواسطة الإنسان نفسه. والأصل أن يكون الإنسان، أرحم من الطبيعة بأخيه الإنسان، لأنه عاقل حساس، ولأنه أخوه على كل حال، واليوم نشاهد بلائين قريبين زمانا ومكانا، أحدهما في طرابلس العزيزة تولته الطبيعة بواسطة نهر أبو علي والثاني في الجزائر الغالية، تولاه إنسان اسمه فرنسا، ويحسن أن نقول كلمة في هذين المخلوقين، لنرى أيهما أظلم وأخبث. هل فرنسا الإنسانية، أم نهر أبو علي الأعجم؟ إن نهر أبو علي قد كان دائما إرادة خالقه، قادرا على إزعاج الناس وإقلاق راحتهم، ولم تكن هذه القرون الطويلة التي مرت على هدوئه وتدفق خيراته لتدل على عجز في سلطانه أو جبن في طبيعته، أو تملق لغيره، ولكنه كغيره من آيات الله في الآفاق، كان ولا يزال مظهرا من مظاهر عظمة الله ورحمته ولم يكن، ولن يكون إلى يوم الدين، أداة نقمة وعذاب وإنما غفلة الناس، وعتو الناس، وبطش الناس بعضهم ببعض، وجهل الناس طرق استغلال نعم الله، ثم جحود الناس لقوة أعلى، تسيطر على أنفاسهم, ووجودهم، كل ذلك دفع نهر أبو علي بإرادة الله أن يثبت وجوده في هذا العالم بعد آلاف السنين قضاها معهم في صبر واحتمال، ليدلل على جبروت، وحتى يوقظ أهل الدنيا في مختلف قاراتهم، ثم يجعلهم يتحدثون عنه وعن جبروته بكل ذعر واهتمام، ولقد فعل

ضحايا طرابلس بالمئات وأما الجزائر فهم بالآلاف

مثل ذلك أو أكثر من ذلك، انهر زملاء لأبو علي، في الهند وفي الباكستان وفي أمريكا الجنوبية، وفي كثير من بقاع الأرض الأخرى، والحق أن في ما فعله نهر أبو علي وزملاؤه كل الخير، وكل الفضل، لقوم يعقلون ويعتبرون، لأنه بما فعل إنما يذكر الغافلين العاتين بجبروت ربهم، ويعلمهم الحاجة إلى رضاه وإلى رحمته، ولكن الناس كعادتهم أساؤوا إلى نهر أبو علي أشد الإساءة، فوجهوا إليه أقصى العتاب، وصبوا عليه أشنع اللعنات ظلما وعدوانا، ولو كانت أحكام الأرض قائمة على العدل والمنطق، لكان الناس هم أحق بالعتب واللعن، إذ ما ذنب أبو علي أيها الناس؟ لو أردتم أن تجعلوا من نقمته رحمة، ومن شره خيرا ومن غضبه رضاء، لكان ذلك كله في متناول أيديكم، فما نهر أبو علي إلا كغيره من مخلوقات الله المسخرة للإنسان إن شاء وجهها إلى الخير، وإن شاء أهملها، أو وجهها إلى الشر، وحتى المخلوقات التي تعيش في داخل منزلك، وفي داخل جيبك، هي مثل نهر أبو علي تماما، في خضوعها لتسخير الإنسان، ولو أنك أطلقت الغاز، الذي يكمن في بطارية منزلكم لاختنقتم جميعا، ولو وجهت رأس السكين الذي في جيبك إلى صدرك وقلبك، لكان في ذلك حتفك، وهلم جرا، ولكن المفروض، أن هذه المخلوقات جميعا، إنما هي نعم حينما نستعمل عقولنا في استغلالها، ومن حقها أن تتحول إلى نقم ضدنا، إذا كفرنا بنعمة العقل، وعطلنا طاقتها، وعلى كل حال، جزى الله نهر أبو علي خيرا فلقد أيقظ الضمير الإنساني، الذي كان نائما ونبه العقل الجبار، الذي كان غافلا، فما أحوج الناس إلى يقظة الضمير وإلى صحو العقل، ولعله من المكافأة المتواضعة لنهر أبو علي أن نجعله ثاني الليطاني وليس ذلك عليه بكثير. ضحايا طرابلس بالمئات وأما الجزائر فهم بالآلاف هذه هي قصة الفيحاء وهذه أدوار أبو علي معها، وتلك كانت عظاته مع الناس وماذا كان شأن الجزائر المسكينة التي نكبت بمخلوق، ما عرف مثله تاريخ النكبات، هذا المخلوق الشاذ الذي يسميه الناس فرنسا، عاشت في الجزائر قرنا وربع قرن سجلت

أثناءها كل ما حواه قاموس الشر من أسماء، وما تخلل صفحاتها سطر من الخير فيما نعلم، ولو على سبيل التجربة، لقد كان نهر فرنسا واسعا عميقا، دائم التدفق، ولكنه كله شر لا خير فيه، وكله نقمة لا نعمة فيه وكله عذاب لا رحمة فيه، فكأن منبعه من الجحيم، بينما كان نهر أبو علي، يطل على الفيحاء كالعملاق، ينشر حولها الخيرات والبركات، على اختلاف أنواعها منذ آلاف السنين، فما تخلف عن آداء وظيفته الإنسانية يوما ولا أمسك عليهم من رحمته، ورغم أن الناس تجاهلوه، وجحدوا فضله، فما قال له أحد أحسنت، ولا جزاك الله خيرا، كما فعلوا مع الليطاني مثلا، ورغم ذلك كله فإنه لم يفقد حلمه، كما فقده حاكم الجزائر من قبل فرنسا، حين رأى أن ثلاثمائة ألف جندي ممن يقاتلون تحت إمرته، ويفتكون بالجزائريين العزل، فتك الوحوش، إنما هم عدد غير كاف، فطلب مددا من باريس على جناح السرعة من ستين ألفا أخرى، ليبطش باسم الحضارة الغربية وباسم حقوق الإنسان بطشته الكبرى، هذا وإذا بلغت الضحايا في طرابلس مئات فقد بلغت في الجزائر عشرات الآلاف، وإذا كانت الكارثة في طرابلس بشعة، لأن السيول قد فاجأت الناس ليلا، فإن سيول الجنود الفرنسية الحاقدة في الجزائر، إنما تفاجئ الناس بالويل والثبور، في كل من الليل والنهار، وإذا كانت سيول أبو علي، مجنونة لأنها لم تفرق بين الكبير والصغير، والصحيح والمريض، فإن جنود الاستعمار الفرنسي في الجزائر لا تقع إلا على المستضعفين فيهم من النساء والولدان، والشيوخ والمرضى، ثم لا يرضيهم أن يريحوا ضحاياهم، بإزهاق أرواحها على طريقة أبو علي السريعة، ولكنهم وقد فقدوا إحساس الإنسان لا يلذ لهم إلا تعذيب الإنسان، وبعد فإن الفرق بين كارثة طرابلس، وكارثة الجزائر شاسع جدا كالفرق بين رحمة نهر أبو علي وبين حقد المستعمرين الفرنسيين أما أبرز الفروق بين الكارثتين فإن طرابلس قد بكاها وواسها جميع الناس، حتى الفرنسيون، وأما الجزائر فلم يبكيها ولم يواسيها إلا الأقل من القليل.

عهودنا وعهودهم

"عهودنا وعهودهم" يا من له الأخلاق ما تهوى العلى ... منها وما يتعشق الكبراء فإذا سخوت، بلغت بالجود المدى ... وفعلت ما لا تفعل الأنواء وإذا عفوت، فقادرا ومقدرا ... لا يستهين بعفوك الجبناء وإذا رحمت، فأنت أم أو أب ... هذان في الدنيا هم الرحماء وإذا خطبت، فللمنابر هزة ... تعرو النبي وللقلوب بكاء وإذا أخذت العهد، أو أعطيته ... فجميع عهودك ذمة ووفاء شوقي في الرسول العربي الكريم صلى الله عليه وسلم هل أصبحت إسبانيا أخبث من فرنسا جريدة بيروت المساء ت 2, 1955 والمنار الدمشقية رسالة من المجاهد الفضيل الورتلاني للزعيم المغربي عبد الخالق الطريس أخي الكريم، الأستاذ عبد الخالق الطريس، رئيس حزب الإصلاح حفظه الله وأدامه للكفاح وتحرير الأوطان، تحية وتقديرا وبعد: قرأت اليوم خبر استقالتكم من الوزارة، احتجاجا على الأسلوب الجد يد، الذي انتهجته إسبانيا المنحرفة، والداعية على لسان زعيمها الجنرال فرانكو، وحاكمها العام في تطوان، إلى وجوب بقاء الاستعمار في المغرب، وإنكارها على فرنسا العريقة في الاستعمار والعناد، السير في هذا الطريق السوي، فما كان الخبر عندي محل استغراب، وإنما الاستغراب عندي! أن لا يقع ذلك من مثلكم في هذه

الظروف الدقيقة الحاسمة، وكنا نأمل أن تكون عقلية الإسبان قد تطورت، وأن يكون حكامها اليوم عقلاء، يعرفون أين تقع مصلحتهم الحقيقية البعيدة، هل في بناء صداقة بريئة، قائمة على العدل والإنصاف، مع ثلاثين مليونا في المغرب العربي الحر القوي؟ أم أن مصلحتهم في تسجيل عداوة لهذه القوة الفتية الجبارة، وهي قوة سائرة في طريق الاستقلال، بإذن الله، رغم أنف أهل الدنيا جميعا، كنا نحسب أن مظاهرات التودد، التي قامت بين إسبانيا والعرب، في الأعوام الأخيرة، لا تخلو من النوايا الحسنة، ومن تفهم الأمور على أسلوب القرن العشرين، وأنها قائمة على شيء من الصدق ولو كان قليلا. لقد زار بلاد إسبانيا من قبل العرب ملوك لهم، وزارها الأمين العام، ثم الأمين العام المساعد لجامعتهم، ثم زارتها وفود أخرى كريمة، تحمل معها الثناء العاطر والهدايا النفيسة وإسبانيا من قبلها، فقد أوفدت رجالا مسؤولين يطوفون البلاد العربية، ينشرون في عواصمها، وأمام مسؤوليها، أطيب الأحاديث، وأجمل الوعود، وسمحت الحكومة الخليفية بالاشتراك في بعض لجان الجامعة العربية، وقامت ببعض أعمال المروءة، نحو قضية فلسطين ولاجئيها، ثم جاء السماح لكم أنتم، بالعودة إلى الوطن وبالنشاط السياسي، ثم بتأليف حكومة وطنية، وهي على علاتها كان يمكن أن تكون خطوة حسنة، نحو حرية كاملة واستقلال صحيح، ولكن موقف حكام الإسبان الأخير، كان صدمة عنيفة حتى لأحسن الناس ظنا بهم، وكانت الخسائر التي نجمت عن هذا الموقف في حساب إسبانيا، تساوي كل ما كسبته في عشر سنوات ونيف. أخي الكريم: إنك تعلم جيدا، أن الاستعمار، لا يفهم إلا لغة القوة لذلك أنصح لكم ولإخوانكم جميعا أولا ببذل كل جهد وحكمة، في سبيل جمع

أيهما أحب إليكم أيها المكافحون؟ ..

الكلمة، وتسوية الصفوف في مناطق المغرب كله. وثانيا: الإعتماد بعد الله، على الثورة القائمة المباركة، والعمل على صيانتها وتعميمها في المناطق التي لم تتحرك فيها بعد، وإعادتها في المناطق التي هدأت فيها، أو ألقت السلاح تغريرا، وأملا في إنصاف المستعمرين الماكرين، ونحن إذ نفعل كل ذلك، لا نريد بأحد شرا، وإنما نفعله إنسانية، وعلى قاعدة تعاليمنا الخالدة التي تقول: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} الأنفال: 60، والتي تقول: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} الأنفال: 61. وأخيرا يجب أن تعلموا المكافحين في السهول والجبال حكمة أمير الشعراء شوقي: وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تأخذ الدنيا غلابا وما استعصى على قوم منال ... إذا الأفدام كان لهم ركابا والسلام من أخيكم المخلص الفضيل الورتلاني أيهما أحب إليكم أيها المكافحون؟ .. {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم ... والله لا يهدي القوم الفاسقين} التوبة: 24.

هل في حكومة تونس ومراكش صهيونيون

هل في حكومة تونس ومراكش صهيونيون جريدة بيروت المساء سبتمبر 1955 والمنار الدمشقية نسي صاحبي الرزين - من فرط غضبه - أن يحييني تحية الصباح، وسألني رأسا من غير مقدمات، وفي ألم شديد: ما هذه الأخبار المزعجة يا أستاذ؟ أما قرأت الصحف اليوم؟. لقد قرأت الآن في جرائد الصباح، بأن حكومة مراكش، بعد حكومة تونس، قد عينت وزيرا صهيونيا في مجلسها، وصدر المرسوم فعلا في ذلك. هل أصبحت حكومة تونس وحكومة مراكش صهيونيتين؟ هل من أجل هذه النهاية المزرية، كانت تلك الشعوب، تستعذب الموت، وتقاسي الحرمان؟ أم أنه صحت حقا، تلك الأسطورة القائلة، بأن كرسي الوزارة والحكم، يحمل في بطنه شيطانا، وأنه بمسخ الجالسين عليه، ولو كانوا من قبل ملائكة؟ ماذا جرى يا أستاذ؟ خبرني قبل أن أفقد صوابي. الوجود الصهيوني بالمغرب العربي قلت لصاحبي: لقد كدت تفقد صوابك فعلا، وإلا لما نسيت أولا: تحية الصباح، وهي مثل النسيم تفتح النفوس المغلقة، وإلا لما تسرعت ثانيا، في الحكم القاسي على حكومتين جديدتين، مهما يقل الناس فيهما، فإنهما وطنيتان لأول مرة، منذ حكم الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي، ويجب أن لا ننسى في الوقت نفسه، أنه ما ضاع الحق في تاريخ أعمال الناس، إلا في غمرة الغضب، وفي ركاب التسرع عند لحكم على الأشياء الكبيرة، وكان الأولى بك أن تحاكم قبل أن تحكم، وأن تستفهم قبل أن تفهم، فبذلك يستقيم لك المنطق، ثم عاد يسألني: كنا نسمع شيئا يسميه المستعمرون بالوجود الفرنسي في المغرب العربي، واليوم نسمع بوجود

سابقة خطيرة

جديد، اسمه الوجود اليهودي أو الصهيوني، وذلك بدليل تعيين وزير يهودي في كل من الحكومتين التونسية والمراكشية، فما معنى ذلك، أفدني رحمك الله؟ .. سابقة خطيرة قلت: لا يخطرن ببالك تجاه تهدئتي لروعتك ودعوتك إلى التروي، إنني كنت أو سأكون، في يوم من الأيام ميالا إلى إشراك اليهود في حكوماتنا الوطنية، سواء بالمغرب العربي أو بمشرقه، بل كنت ولا أزال، أعد ذلك سابقة خطيرة، ما كان يجوز أن يرتكبها المسؤولون مهما كانت الظروف قاهرة، وهي بالمغرب العربي قاهرة فعلا، وإنما الذي أريد أن أوجه إليه الأنظار، بل أراه واجبا مقدسا، هو أن نفرق دائما عند الحكم على الأحداث بين الفعل والفاعل، فالفعل حين نتأكد من قبحه وفساده، يجب أن نعلن ذلك في صراحة وقوة. ويجب أن نحاربه في ملأ من الدنيا، بدليل وحجة، قم نبين للناس ما هو الأصلح منه والأنفع، وأما فاعله، وهو بالطبع إنسان غير معصوم، فقد يكون مجتهدا فأخطأ، وقد تكون مقاييسه تختلف عن مقايسنا - فمن حقه أن يتمتع بحرية الرأي مثلنا تماما. ولكن لا يجوز أن نجرحه أو نخونه، حتى نتأكد يقينا من استحقاقه للتجريح أو الخيانة، لأن تحطيم الرجال، الذين بنتهم أحداث الزمن، ليس من القضايا الهينة، التي يسهل التصرف فيها، ولا هي بالتالي، من الأمور التي يجوز أن يقضي فيها بالعجلة وتحت تأثير الغضب، فإن ذلك لا يسر عادة إلا الأعداء ولا ينتهي غالبا إلا إلى الشر، أما ما يسمونه بالوجود الفرنسي قديما، وما تسميه أنت بالوجود اليهودي حديثا، فمن حقك أن أشرحهما لك وأن أعطي لك رأي فيهما صريحا حتى ترضى إن شاء الله.

برقية إلى وزراء خارجية العرب المجتمعين بالقاهرة

برقية إلى وزراء خارجية العرب المجتمعين بالقاهرة بتاريخ 1 أكتوبر سنة 1955 المغرب العربي في نظرنا بلدكم، يلزمكم نجدته وتحريره، أخوة، ومروءة، ومصلحة، وشكرنا لكم على فدائه من محنته، هو شبه إنكار عليكم لهذا الحق المقدس، وحريق الاستعمار في الجزائر بالذات منذ سنة، لا يقبل انتظار الاجتماعات والمداولات الكثيرة، ولا تغنيه مجرد القرارات والتصريحات، وأن جيش التحرير الجزائري والمغربي، قد أتى بمعجزة، في صموده لقوة بربرية فرنسية لا يدانيها في القدرة والعدد والفرض، وهم اليوم بحاجة قبل كل شيء إلى أسلحة وذخائر وأموال، تجودون بها قبل الهزيمة أو اليأس، فالجزائريون ليسوا ملائكة لا يغلبون، وعبرة فلسطين، ليست بعيدة العهد، أما دم أبناء المغرب العربي جميعا، وعرقهم، فمبذول حتى النصر النهائي أو الفناء، ومعذرة فإن الأجيال تنتظر أعمال الجميع، لتحكم لها أو عليه وفقكم الله. الفضيل الورتلاني مهرجان مكافحة الاستعمار جريدة بيروت ت 2, 1955 والمنار الدمشقية كانت اللجنة التنفيذية لمؤتمر الهيئات والأحزاب، قد دعت إلى مهرجان كبير، عقد في خلية الملك سعود الاجتماعية، وكان خطباءه الأستاذان الكبيران، المجاهد الفضيل الورتلاني، والعلامة عبد الله العلايلي.

مهرجان مكافحة الاستعمار

وتكلم الأول عن الجزائر والمغرب العربي، والثاني عن البريمي والإنكليز، وبهذه المناسبة كتب الأستاذ الكبير عبد الله المشنوق في جريدته بيروت المساء تعليقا قيما عن المهرجان، نقتطف منه الكلمة الآتية. مهرجان مكافحة الاستعمار كان مهرجان مكافحة الاستعمار في خلية الملك سعود الاجتماعية غاية في الروعة والجلال، إذ احتشدت الجماهير في هذا البيت، السعودي الكريم، للاستماع إلى خطيبين من أعظم خطباء العالم العربي، هما الأستاذان الكبيران المجاهد الفضيل الورتلاني والشيخ عبد الله العلايلي .. مخازي الاستعمار ولعمري لقد كان الخطيبان المفوهان، موفقين إلى أبعد حدود التوفيق في الكشف عن مخازي الاستعمار المثلث; البريطاني والفرنسي والأمريكي .. ومطامع المستعمرين، والجرائم ااتي ارتكبوها في الأقطار التي تفشى فيها مكروبهم .. فالاستعمار - كما يرى الأستاذ الورتلاني - جرثومة فتاكة، لا يجوز التهاون في مكافحتها .. بل يجب إبادتها واستئصالها من الأقطار العربية لأنها أشد فتكا من السرطان والطاعون. جريمة البريطانيين في البريمي وقد لفت النظر هذا الحماس الشديد الذي استقبل به وزير المملكة السعودية المفوض الشيخ عبد العزيز الكحيمي، فقد أعرب الجمهور بذلك عن تعلقه الشديد بجلالة الملك سعود المعظم، والمبادئ السامية والأهداف النبيلة التي يعمل جاهدا على تحقيقها.

همجية فرنسا في الجزائر

وقد أظهر الخطيبان هول الجريمة التي ارتكبها البريطانيون في البريمي، ضاربين عرض الحائط بالتحكيم والاستفتاء والعهود والمواثيق، لاجئين إلى القوة والعدوان في احتلالهم أرضا عربية، محاولين بعملهم هذا إقامة سور فولاذي حول ما يسمونه بالمحميات، حيث لا يعرف أحد ما يجري هناك .. فقد كانت واحة البريمي المنفذ الوحيد الذي يستطيع المحكومون الاتصال بواسطته بالدنيا، وإبلاغ أحرار العرب ما يقاسونه من عنف وإرهاق! .. هذه هي القيمة الحقيقية لواحة البريمي .. بالإضافة إلى البترول الذي ثبت وجوده فيها. همجية فرنسا في الجزائر وكان الهجوم الورتلاني مركزا على الإستعمار الفرنسي، فلم يأت بشيء من عنده بل نقل بأمانة ما يقوله الفرنسيون أنفسهم في محاضر المجلس النيابي الفرنسي عن الأعمال الوحشية البربرية التي ارتكبوها .. وهي - يشهد الله - أفظع مما يمكن أن يتصوره المرء في عالم الإرهاب والهمجية. أربعون قرية في الجزائر أحرقوها بالبترول فلم ينج بشر ولا حيوان من الموت .. أجل 40 ألف عربي أحرقوا عام 1945 يوم إعلان النصر الحليف. رأس المغربي بخمسة فرنكات رأس المغربي الجزائري بخمسة فرنكات .. هذه هي التعريفة التي وضعها الفرنسيون الذين يقتلون الجزائريين. وكان الورتلاني عظيما حين بسط بالأرقام أهمية المغرب العربي، بالنسبة إلى العالم العربي وكشف عن تقصيرنا في مساعدة هذه الشعوب المجاهدة الباسلة الشقيقة.

بيان حول العدوان الإنكليزي على واحة البريمي

بيان حول العدوان الإنكليزي على واحة البريمي جريدة بيروت المساء سبتمبر 1955 والمنار الدمشقية يعلم الناس جميعا، بأن أبناء الجزائر خاصة، وأبناء المغرب العربي بصفة عامة، هم اليوم في كفاح مرير، ضد الاستعمار الإفرنسي الغاشم، ولولا ذلك لسمع الناس صوتهم ولأحسوا آثار أعمالهم، في قضية العدوان الإنكليزي على واحة البريمي، بأقوى مما فعل أي عربي وأي مسلم آخر في العالم، فهم ينظرون إلى تلك الأماكن المقدسة، نظرتهم إلى القلب بالنسبة للجسد، ويغارون على كرامة أراضيها، كغيرتهم على حياتهم، وهم ينظرون إلى الدولة السعودية الكريمة، التي تنوب عن المسلمين في خدمه تلك الأماكن، وفي دفع العدوان عنها، نظرة كلها إكبار وتقدير. وينظر الجزائريون خاصة، والمغاربة عامة، إلى حضرة صاحب الجلالة الملك سعود عاهلها العظيم؛ نظرة المدين إلى الدائن، فوق ما له من حقوق عامة، يشترك فيها جميع الناس. ذلك بأن جلالته هو العربي الأول، الذي أقبل على تبني قضية الجزائر جهارا، وأعلن ذلك في ملأ من الدنيا، وحمل كثيرا من الناس على تأييد استقلالها، ثم دفع بها في كل جرأة، إلى مجلس الأمن، وإلى هيئة الأمم وإلى جميع الميادين الدولية، حتى أصبحت بالفعل محل اعتراف هيئة الأمم وموضوع محاكمتها، بقطع النظر عن مقدار عدالة تلك الهيئة وتأثيرها. إن هذه الأعمال الجريئة من جلالة الملك سعود، لا يمكن أن ينساها، أو يقلل من شأنها أبناء الجزائر "وأبناء المغرب العربي في يوم من الأيام" يضاف إلى كل هذه الاعتبارات المقدسة اعتبار آخر، لا يقل أهمية عنها، ذلك هو كره الجزائريين والمغاربة الشديد للاستعمار على اختلاف أجناسه، وتنوع أساليبه. من أجل ذلك كله أستطيع أن

جمعية العلماء الجزائريين (1) باعثة الأمة الجزائرية والمغرب العربي وهادمة الاستعمار

أعلن، بأنني أعبر أصدق تعبير عن عواطف أولئك الملايين الثلاثين، المكافحين في المغرب العربي، حين أمقت وأحتقر، ذلك العدوان البريطاني الحقير على واحة البريمي، من دولة لا تزال تزعم بأنها رائدة العدل، والحرية والسلام، وأعد صنيعها ذلك حماقة منها، ورجوعا إلى الوراء بسمعتها، ومجازفة بالبقية الباقية من ثقة الرأي العالمي بدعايتها. برقية إلى مؤتمر الغرف التجارية العربية في عمان نحييكم أجمل تحية، ونرجوا أن يكون تعاونكم، وبعد نظركم، أعظم حام للاقتصاد العربي الذي يهدده اليهود والاستعمار، وتعلمون حضراتكم، أننا في عصر لا قيمة فيه للاستقلال السياسي، من غير استقلال اقتصادي متين ويهمنا بهذه المناسبة أن نذكركم بقضية المغرب العربي المكافح، ونطلب إليكم في إلحاح أن تقرروا مقاطعة فرنسا اقتصاديا، وأن تتخذوا الإجراءات اللازمة للتنفيذ، واسمحوا لي أن أقول لكم بأن ذلك بالنسبة للحقوق المستحقة، هو أضعف الإيمان. 27 - 10 - 1955 الفضيل الورتلاني جمعية العلماء الجزائريين (1) باعثة الأمة الجزائرية والمغرب العربي وهادمة الاستعمار جريدة بيروت المساء فيفري 1956 والمنار الدمشقية كان يمكن أن تختفي الجزائر من الوجود، لولا أن قيض الله لها جمعية العلماء الجزائريين، ولا يمكن أن نقدر بحق، ذلك الدور الخطير، الذي لعبته هذه الجمعية، في بعث الأمة الجزائرية القوية، إلا إذا عرفنا ولو بإيجاز، هدف الاستعمار الفرنسي في تلك الديار، وما بذله من جهود جبارة في سبيل محوها وإلى القراء القصة باختصار -:

العروبة والإسلام

كان الهدف الأول للاستعمار الفرنسي في الجزائر، هو قتل الروح المعنوية في الأمة قبل كل شيء، فما كادت رايتهم الحمراء ترتفع على تلك الربوع العريقة في الحضارة، حتى انطلقت أفاعيهم الاستعمارية، تنفث سمومها في جميع أطرافها الحية، وتعمل على هدم كيانها من الأساس، وظنوا أنهم قادرون على مسخها، والعود بها إلى الهمجية الأولى، ثم اتخاذ أبنائها عبيدا، وأدوات للسخرة والعمل، من غير أن يبقى معهم من الصفات ما يخيف، على أنهم أدركوا بداهة أن ذلك أمر خطير، وأن الوصول إليه دونه خرط القتاد، أو بعبارة أصح، دونه العروبة والإسلام، وعلموا جيدا، بأن من تحصن بالعروبة قومية، وبالإسلام دينا وعقيدة، فقد وضع بينه وبين الفناء أو الذل، أقوى قلاع، وأمنع الحصون. العروبة والإسلام لذلك قرروا من أول يوم، أن يعبئوا بل ما يملكون، من الأسلحة المادية والمعنوية، ثم تصويبها إلى الهدفين الأساسيين: .. العروبة، والإسلام، فمن ناحية العروبة، أعلنوا حربا على لغتها، لا هوادة فيها، وعدوها عدوهم اللدود، الذي يجب القضاء عليه قضاءا مبرما، لتحل محلها اللغة الفرنسية بأي ثمن، فأقفلوا جميع المعاهد التي تدرسها، ثم تدرجوا في إذلالها، فجعلوا اللغة الفرنسية هي وحدها اللغة الرسمية في دوائر الدولة، ومعنى ذلك أن اللغة العربية لم تعد صالحة البتة، لأكل الخبز في الجزائر، والناس من طبيعتهم يحبون الخبز ويحبون الحياة ثم تدرجوا في احتقارها فأصدروا قانونا يعدها لغة أجنبية، في عقر دارها، تعامل كما تعامل كل لغة أجنبية في الظاهر، وتعامل في الباطن وعند التطبيق، معاملة العدو غير المرغوب في حياته.

تشكيك الجزائريين في عروبتهم

تشكيك الجزائريين في عروبتهم تم حاولوا من الناحية القومية أن يشككوا الجزائريين في عروبتهم، فزعموا لهم أحيانا، أنهم من بقايا الرومان العظام، وأحيانا أخرى يزعمون لهم أنهم من أصل البربر، الذين ضرب المثل بشجاعتهم وأصالتهم، والذين من أسلافهم هانيبال وأضرابه، وأنهم أرباب البلاد الأصليين، أما العرب الهمج أبناء الصحراء، رعاة البقر والغنم، وأحلاس الإبل، فإنهم أغراب طارؤون، إلى غير ذلك من ألوان السحر الذي يفرق بين المرء وزوجه، وظلوا يمارسون هذا السحر غير الحلال، مع الأمة الجزائرية العربية، طيلة قرن وبعض القرن، وتعاونت معهم كل فئاتهم من إدارة وبوليس، وجيش ومبشرين ومال، ثقافة، على إحراز نصر في هذا الميدان، ولو كان قليلا، فما فلحوا، فظل الجزائري عربيا يعتز بعروبته، - علم الله - أكثر من سكان الحجاز أنفهم، وصار يغار عليها أكثر من سواه، لأنه قد حورب فيها، فاجتمع عنده عامل الغيرة عليها، مع عامل العناد في الدفاع عنها، كجزء من كرامته. موقفهم من الإسلام هذه إشارة عابرة إلى موقف الاستعمار الفرنسي، من العروبة في الجزائر، لأن التفاصيل لا تتسع لها المجلدات، وأما موقفهم من الإسلام، فكان أبشع من ذلك بكثير .. كانوا يرون أن الإسلام، هو العقبة الكؤود، في طريق برنامجهم الوحشي الخبيث، وهو العمل على مسخ الأمة الجزائرية وإفنائها، أو إدماجها في الأمة الفرنسية، وكانوا يرون أن اللغة العربية والقومية العربية، لا يمكن التأثير عليهما، ما دام سلطان الإسلام على النفوس، ونفوذ تعاليمه على المجتمع قائما مسيطرا، لأن الجزائري، يرى اللغة العربية في لغة الإسلام، التي لا يفهم الدين فهما سليما إلا

بها، ولا تحفظ معانيه من الانحراف والتشويه إلا بها، فهي إذن مفتاح الدين .. وحارسه الأمين .. إنما يحيا الحياة الحقيقية بحياتها، وقد يموت بموتها، فالدفاع إذن عن وجودها وحياتها، إنما هو دفاع عن الدين نفسه، وتكاد تكون نظرة الجزائري إلى القومية العربية، بنفس هذا المنظار، وأن التخلي عنها هو تخلي عن الدين نفسه، هذه عاطفته، وهذا حسه .. لأنه يؤمن من أعماق قلبه بما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن العروبة إنما هي باللسان وليست بالعرق، فمن تكلم بالعروبة فهو عربي، وهؤلاء القوم قد اندمجوا في العروبة، اندماج السكر بالماء بعد الذوبان، وتكلموا بلغتها منذ أربعة عشر قرنا، دون انقطاع، فلو اجتمع أهل الدنيا إذن بحيلهم، وعبقريتهم، وتعاونوا على تشكيك الجزائريين في عروبتهم، لن يفلحوا ما دام الإسلام دينهم. هذه حقيقة فهمها الفرنسيون جيدا، لذلك خصصوا لها أعظم جهدهم لتفويض أركان هذا الدين، لأنهم وثقوا بعد الدرس والتحقيق بأنه هو الأساس في مناعة هذه الأمة، والباقي كله مبني عليه، فبانهياره ينهار معه كل شيء، وبأقل المجهودات. هنا اعتمدوا لهدم الإسلام وسيلتين أساسيتين، ليست الواحدة منهما أقل خبثا وقبحا من الأخرى: أما الأولى - فهي نشر الخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وتشجيعها في الأوساط الإسلامية، واستعملوا في هذه الوسيلة كل أصناف الدجالين والمشعوذين، وفي مقدمتهم كثيرون من مشايخ الطرق الصوفية، الذين تحولت الرسالة عندهم إلى مهنة تجارية. أما الثانية - فهي نشر الإلحاد في أوساط الشباب الإسلامي، بواسطة المدارس وغيرها، الأمر الذي كان سيؤدي إلى انتشار الشيوعية بشكل مريع، وقد أنفق

شروط الجنسية العربية

الاستعمار في هذا السبيل جهدا ومالا لا حد لهما، حتى بدا لهم في الصورة الظاهرة، كأنهم نجحوا نجاحا واسعا، فكان مظهر الخرافات في الأوساط المتدينة، أكبر منفر للشباب الواعي من تعاليمه، وكانت موجة الإلحاد التي يقودها الاستعمار، ويشن حربها بمهارة وفن، تتعاون مع تخريف رجال الدين، فشاعت البلبلة في النفوس، والاضطرابات في العقول، حتى وجد من بين كبار المثقفين الجزائريين، من أنكر وجود أمة حرة اسمها الجزائر في التاريخ، ووجد كثرة من أولئك المثقفين، دعوا إلى الإندماج في فرنسا، حتى ظنوا أن ذلك هو السبيل الوحيد للوصول إلى حياة حرة كريمة .. وهنا جاء دور جمعية العلماء الجزائريين، لتصرخ في وجه التيارات المدمرة أن .. قف!! هنا العروبة في صفحاتها المشرقة، وهنا رسالة الإسلام الإنسانية الواضحة ليلها كنهارها. وسأحدث القراء في الكلمة الآتية عن دور هذه الجمعية الخطير، في بعث الجزائر والمغرب العربي بشيء من التفصيل. شروط الجنسية العربية قال سيد العرب محمد - صلى الله عليه وسلم - "إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى". أيها الناس: إن الأب واحد، والرب واحد، والدين واحد، وليست العروبة بأحدكم من أم ولا أب، وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي.

جمعية العلماء الجزائريين (2) باعثة الأمة الجزائرية والمغرب العربي وهادمة الاستعمار

جمعية العلماء الجزائريين (2) باعثة الأمة الجزائرية والمغرب العربي وهادمة الاستعمار جريدة بيروت المساء 28 - 2 - 1956 والمنار الدمشقية كان أولئك العلماء الأحرار، أفرادا قلائل، يعدون على الأصابع، لا يجمعهم زمان ولا مكان ولا حزب ولا هيئة، ولا ناد من الأندية، فضلا عن برنامج مسطر معلوم. وإنما جمعتهم فكرة مشرقة، وعقيدة حارة، وآلام مشتركة، ذلك وحده هو الذي أقنع كل واحد منهم على انفراد، بوجوب السعي لإصلاح حال الأمة الجزائرية العريقة، لأن كل واحد منهم شعر شعورا عميقا، بالذي ساقه إليها الاستعمار من محن، وما أنزله عليها من ضربات، وما كان ينتويه لها من غدر وإفناء. ظهرت علائم تلك النية، وطلائعها واضحة، من ثنايا جميع تصرفاتهم المريبة، أفرادا ودولة، وكان هذا الوحش الضري الذي نسميه الاستعمار، يعتمد في افتراسه للأمة الجزائرية على سلاحين أساسيين، ما وجد على وجه الأرض حتى الآن أخبث منهما. الأول: التجهيل. الثاني: التفقير. فعبأ تحت رايهما، كل ما كان يملك من قوة مادية وأدبيه، وكانت جميع أجهزة الدولة، من جيش وبوليس، وإدارة وقضاة، من ضمن أسلحتهما، ولم يكن عيسى عليه الصلاة والسلام نبي الرحمة، ورسول الإنسانية، بعيدا عن هذه المعركة الفاجرة التي يبرؤ منها، وتبرؤ منها تعاليمه السمحة الخالدة، فلقد حشد الاستعمار جيشا عرمرما ممن يسميهم المبشرين، وما كانوا من التبشير بتعاليم المسيح البرئ إلا كما يكون الذئب مع الغنم. ولقد ساعد الاستعمار على النجاح في مهمته الإجرامية، ما

كانت الأمة فيه من غليان، وما أبدته من مقاومة للاحتلال، في ثورات عنيفة متوالية جامحة، فكان يتوسل بها إلى مصادرة كل ما تصل إليه يده من علم ومال، حتى أنه قد صادر مرة واحدة، إثر ثورة فاشلة، ما يعادل نحو خمسة ملايين دونم من الأراضي المملوكة للأفراد، وحتى أصبح ممارسة العلم في نظره، نوعا من الخيانة العظمى للدولة الغازية، تعاقب عليه بأقسى العقوبات. وبعد قرن ونيف من هذه الحملات البربرية، ضد العلم والرزق، كادت الأمة الجزائرية، أن تغرق فعلا في بحر من الجهل والفقر، كما ظهرت إلى الوجود وإلى العمل، تلك الفئة الواعية من العلماء الأحرار، وسموا أنفسهم بالمصلحين، وسميت حركتهم بالإصلاح، وكان مظهر دعوتهم في الأول دينيا محضا. ولكنه دين واسع نظيف، يتناول الحياة من جذورها ويرقى معها حتى يصل إلى أعلى أغصانها، فتوجهوا أول ما توجهوا إلى العقول، يطهرونها مما علق بها من تخريف، ويعوضون عليها ما فقدته من نور، وتوجهوا إلى القلوب، فمسحوا عليها بيد السماء فمست حرارتها الشغاف، فصحت من نومها العميق، ونهضت حالا تطلب الحق، وتطلب الحياة، ولكن معرفتهما بالتفصيل وإدراكهما بالفعل، كان في حاجة إلى وقت طويل، وإلى كفاح مرير، كان لا بد من المرور على الشك، ثم على الظن نم إلى اليقين، ولم تكن الطرق بينها معبدة، ولا المواصلات السريعة متوفرة، إلا ما كان من أصالة تلك القلوب وتلك العقول، وما طبعت عليه من حنين فطري إلى الحق وإلى الحياة. قام هؤلاء الأفراد القلائل من العلماء الأحرار، يدعون الأمة الجزائرية إلى الرجوع لدينها الصحيح، الذي نجده غضا طريا في الكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح، ودعوا الأمة إلى نبذ كل ما خالف ذلك من تخريف، كان من صنع المستعمرين بواسطة الجهلة الدجالين، والمتعالين المأجورين، وقام هؤلاء

الدجالون من جهة أخرى قومة جديدة، بإيعاز من الاستعمار ومساعدة علنية منه. ووقع في فخهم من وقع من الصالحين عن حسن نية، فدعا الجميع إلى ما كان عليه الآباء والأجداد، وإلى ما يراه الدراويش في المنام، وترك كل ما قاله الله والرسول، والاقتصار على التبرك بها ليس غير، فكانت المعارك بين الفريقين، وبين الدعوتين، وكانت عنيفة قاسية، كانت بين حق أعزل من جميع الأسلحة المادية طرفه المصلحون، وبين باطل يملك منها كل شيء طرفه المستعمرون ودولتهم في الواقع، وإنما يسترون أنفسهم بطائفة من الدجالين المأجورين في الظاهر. ثم لقن الاستعمار دجاليه أولا: - حتى يشوشوا على الأمة ويبعدوا بينهما وبين المصلحين - بأن يتهموا العلماء بكل خبيثة، وأوصوهم بأن يبالغوا في الإساءة إليهم ما استطاعوا، على أن تضمن الدولة حمايتهم من أي عقاب، فقالوا في المصلحين: إنهم ملحدون زنادقة: وأنهم كفرة مارقون، وقالوا أنهم وهابيون يكرهون النبي وآل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: أنهم صنائع دول أجنبية مأجورون، وقالوا أنهم شيوعيون ونازيون، وفاشستيون، وانكليز وهلم جرا ... ولكن صفاء فطرة الجزائريين وتعلقهم بالحق المجرد وتقديسه، والرغبة الصادقة في البحث عنه، ساقهم أخيرا، وبعد نقاش طويل، وجدال عنيف وخصومات شديدة، حتى بين الأخ وأخيه، وبين الجار وجاره، ساقهم إلى النور فرأوا صورة الحياة واضحة، ورأوا وجه الحق جليا، فاعتنقوهما عن رغبة وشوق وعن قناعة وإيمان، وبعد حين، أصبحت الأمة الجزائرية كلها مصلحة، بل أصبحت بعد ذلك كلها ثائرة - ثائرة على الشر والباطل - ثائرة على الاستعمار الذي هو منبع كل شر وباطل، فحملت السلاح جادة، وأقسمت صادقة، أن لا تضعه حتى تتحرر منه تحررا كاملا، وهي واصلة عما قريب بإذن الله.

جمعية العلماء الجزائريين (3) باعثة الأمة الجزائرية والمغرب العربي وهادمة الاستعمار

جمعية العلماء الجزائريين (3) باعثة الأمة الجزائرية والمغرب العربي وهادمة الاستعمار جريدة بيروت المساء 1 - 3 - 1956 والمنار الدمشقية دامت دعوة العلماء الأحرار، بضع سنوات، يحمل رايتها أفراد مبعثرون هنا وهنالك، في نفوذ متواضع ضئيل، لأن سلطان الجهل والتحريف، يسانده الاستعمار بكل قواه، كان ما يزال في أوجه، جبارا مخيفا، وعامة أهل الجزائر أشد من عامة الناس، فإذا آمنت بالشيء، واقتنعت بصوابه ونفعه، تفديه بالنفس وبالنفيس، ولو كان في نفس الأمر والواقع باطلا وضلالا، وذلك ما قد حصل, منها بالفعل في أوائل الدعوة الإصلاحية، وقبل أن تفهم ما فيها من حق وخير، فلقد تعرض لإهانتها، بل تعرض للقتل أكثر من عالم مصلح، ولم ينج مرة رئيسها الأول، علامة الدنيا في أيامه، الأستاذ عبد الحميد بن باديس، من القتل إلا بأعجوبة. وفي سنة 1931 تداعى فريق من أولئك العلماء، إلى الاجتماع في عاصمة الجزائر، لتأسيس هيئة تضم شملهم، ويتعاون أفرادها في انتظام، على بث دعوتهم، ونشر مبادئهم. فاستجاب لتلك الدعوة الكريمة، عدد كبير، وتم تأسيس الهيئة فعلا، ووضع لها قانون أساسي، ينص من بين مواده على عدم الاشتعال بالسياسة، لأن ذلك كان هو الضمانة الأولى، والشرط الأساسي، لتأذن الحكومة الاستعمارية بقيامها، وسميت الهيئة (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) فمنذ تلك الساعة تطور عمل المصلحين تطورا سريعا، لأنه أصبح جماعيا، ولأن قسما كبيرا من الأمة أصبح يؤمن بدعوتها، أو يميل إليها على الأقل.

وكانت أدوات العلماء في دعوتهم هي اللسان والقلم، وكانت ميادينهم المساجد والأندية، والمدارس الحرة، والصحف والمناشير، وكان لهذه الميادين قصة غريبة بشعة، لا بد من إثباتها هنا، أما المساجد، فكان أكثرها قد صودر من الحكومة الاستعمارية، وحول بعضه إلى كنائس، وبعضه إلى مرافق عامة، وبعضه إلى إصطبلات للحيوانات، والأقل من القليل الذي بقي بالاسم ملكا للأمة. أو الذي أنشأته حديثا بأموالها المتواضعة، هو الذي كان يستعمله العلماء في دعوتهم الإنسانية الكريمة. ولكن لم تطل المدة حتى شعرت الحكومة الاستعمارية، بخطورة هذه الدعوة الحية، لما تحمله في ثناياها من أسباب الهدم للعبودية والاستعمار، فأصدرت أمرا حازما يمنع العلماء المصلحين من التكلم في المساجد منعا باتا، وينص على أن المخالف منهم يقع تحت طائلة عقوبة السجن والغرامة، وما يزال هذا الأمر الحقير قائما حتى هذه الساعة - وبعد مضى خمس وعشرين سنة - معمولا به بكل عناية، ومن ذلك اليوم، والخصام ما يزال قائما على أشده بين الحكومة الاستعمارية، وبين الأمة الجزائرية على تحرير مساجدها، وتحرير شؤون دينها من هذا الاستعمار. نعم، إنها لخصومة مزمنة. وعلى تحرير المساجد وشؤون الدين. وما رضي هذا الاستعمار السخيف أن يتخلى عن مراقبتها وعن إدارة شؤونها المقدسة بنفسه. فهو الذي يعين أئمة المساجد والمؤذنين والخدم، وأن الخطبة التي يلقيها الإمام في مسجد المسلمين يوم الجمعة، لا بد أن يوافق عليها الحاكم الفرنسي الحر، واللائكي الديمقراطي، ولا بد أن تكون في الدرجة الأولى خالية من روح الدين، وبعيدة عن الحياة، بعد السماء من الأرض، هذا ولما كانت الأوقاف الإسلامية هي الروح التي تقوم عليها حياة الدين في نشر تعاليمه ولغته، وإقامة شعائره، وآداء وظيفة الإحسان للمريض والفقير تبعا لرغبة نصوصه، عمدت الحكومة الاستعمارية إلى مصادرتها جميعا، وضمها إلى خزينة الدولة نهائيا. وكانت تقدر بمئات الملايين من الفرنكات، هذا بعض شأن المساجد. وأما الأندية، فلم يكن منتشرا

منها يومئذ إلا أندية القمار، أو اللهو واللعب والخمور، جريا مع خطة الاستعمار العامة من هدم الفضيلة من أساسها، هذا النوع وحده هو الذي كانت تشجعه الحكومة، وتعرقل كل ما عداه. ولما ظهرت جمعية العلماء إلى الوجود، ورأت أن أكثر طبقات الأمة وأهمها من الشباب، لا تستطيع أن تلقاهم في المساجد، حتى لو كانت حرة مباحة، فشرعت في فتح الأندية، بكل مدينة وبكل قرية مستجيبة للدعوة، يجتمع فيها الشباب وغير الشباب، يسمعون العلم، ويذكرون بالحياة وبالحرية. فلم يمض إلا قليل من الزمن، حتى أصبحت هذه الأندية تعد بالعشرات ثم بالمئات، فشعرت الحكومة بخطر جديد اسمه (الأندية) فأخذت تحاربها بكل الوسائل، حتى الحقير منها، فسنت لها قوانين خاصة تستهدف، إما منعها بتاتا، أو تعجيزها عن أداء رسالتها كاملة على الأقل، مثال ذلك: تحريمها لبيع جميع المشروبات فيها، حتى القهوة والشاي، لأنها هي موردها الأساسي الذي تحيى عليه. واشترطت هذه القوانين أن يكون النادي مستكملا لشروط صحية وغير صحية، قد لا تتوفر إلا في قصر الحاكم العام الفرنسي. والغرض من ذلك مفهوم، هو التعجيز، ومع ذلك كله استمرت الأندية في أداء رسالتها، ضمن معركة شديدة دائمة، حتى غزت حركتها فرنسا وباريس نفسها، وأما المدارس الحرة لنشر اللغة العربية، فيكفي أن تقول أن نصيبها من المحاربة كان أكثر وأعنف من نصيب المساجد والأندية، ومع ذلك فإن في الجزائر اليوم، ما يزيد عن 300 مدرسة حرة أكثرها تديرها جمعية العلماء مباشرة. أما الصحف وجميع المطبوعات، فيكفي أن يعلم القراء، بأن لغتها العربية، تعد في قانون الاستعمار لغة أجنبية، ويلاحق كل من يحمل على نشرها، كما يلاحق عند الأمم الراقية بائع المخدرات، ومزيف النقود. ومع ذلك لم تعش جمعية العلماء من غير صحف، فكانت تصدرها تباعا، وكانت الحكومة تعطلها بدورها تباعا، فكلما

الفضيل الورتلاني يوضح عدد سكان المغرب العربي

سقطت لها صحيفة شهيدة في ميدان الجهاد، قامت مقامها أخرى على الفور؛ حتى يومنا هذا، ومن غريب ما يجب تسجيله بهذه المناسبة - وكل شؤون الاستعمار الفرنسي غريبة - أن الحاكم العام، قد أصدر مرة، أمرا استبداديا يقضي بتعطيل كل صحيفة تصدرها جمعية العلماء مسبقا قبل ظهورها، وكان ذلك مخالفا للقوانين العامة مخالفة ظاهرة، فتحدته الجمعية، وانتصرت عليه كما انتصرت على سواه. وبعد، فإن هذه الفذلكة الموجزة، من تاريخ جمعية العلماء الجزائريين، إنما هي قطرة من بحر، أما استيعاب الكلام على أعمال جهادها، فيحتاج إلى أكثر من كتاب، وخلاصة القول فيها، وشهادة الحق لله، أنها كانت الباعثة للأمة الجزائرية على الخصوص، وأعظم مشاركة في بعث المغرب العربي على العموم، وأنها كانت الواضعة للاسفين الأول، في نعش الاستعمار. وأن هذا الاستعمار ليعرف ذلك أكثر من جميع الناس وأنه لم ينس للجمعية يوما هذا الصنيع، وأنه ما يزال يحفظ لها ذلك (الجميل) حتى الآن. الفضيل الورتلاني الفضيل الورتلاني يوضح عدد سكان المغرب العربي كتب الأستاذ منير شريف بزاويته في جريدة (الحياة) الغراء، يصحح فيها عدد السكان العرب في مختلف أقطارها، ويغلب على ظني، أن أرقامه عما سوى المغرب العربي لا تخلو من مبالغة، بينما كانت أرقامه عن هذا المغرب المسكين، مجحفة أشد الإجحاف، ويظهر أن حظ هذه البلاد المكافحة، الصابرة صبر الأنبياء، من إخوانها العرب قليل، حتى في النظريات التي لا تكلفهم لا خيلا ولا مالا. من أجل ذلك لم يشذ الأستاذ الشريف عن القاعدة، حين أسقط نحو ثلث سكان هذه البلاد من إحصائه، إذ قدرهم بثلاث وعشرين مليونا فقط، وهو صنيع غير جميل،

إلى ذلك النفر المكافح العزيز

لاسيما في هذه الفترة بالذات، من تنازع البقاء مع الاستعمار الإفرنسي الجبار. هذا مع يقيننا بحسن نية الأستاذ الشريف، وشديد غيرته على إخوانه في المغرب العربي. أما الحقيقة عن تعداد سكان هذا المغرب، فإنهم يزيدون عن ثلاثين مليونا وتفصيلها كما يلي: ........................... مليون ليبيا ........................ 1 تونس ....................... 4 الجزائر ..................... 11 مراكش ..................... 15 والمجموع ثلاثون مليونا ..... 30 هذا تقدير معتدل، وفي المغاربة من يقدرهم بأكثر من ذلك، وفي هذه المناسبة، نلفت نظر القراء ونرجو منهم أن لا يعتمدوا على إحصائات الإفرنسيين مطلقا، لأنها قائمة على أغراض إستعمارية، لا تخفى عن العارفين، بيد أن نهاية هذا الاستعمار قربت بإذن الله. وبعد رحيله ستجرى في البلاد إحصاءات سليمة، تحت حكم وطني حر، ويومئذ فقط تعرف الحقيقة من الزيف. إلى ذلك النفر المكافح العزيز {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} الأحزاب: 23. إلى ذلك النفر المكافح العزيز ...

الجزائر مقبرة الشباب الفرنسي

إلى الشباب المؤمن القوي ... إلى الذين جاهدوا وأوذوا في سبيل الله ... إلى الذين شرفوا بدمائهم الطاهرة أرض الوطن ... إلى أولئك الذين عقدوا العزم، على إنقاذ الجزائر، وتوحيد المغرب العربي ... إلى أولئك الذين سينالون هذا الشرف، ويتوجون رؤوسهم بهذا الفخار ... نسوق هذه الوصية القرآنية. {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} آل عمران: 200. الجزائر مقبرة الشباب الفرنسي المستوطنون الفرنسيون في الجزائر يفرون لأستراليا وكندا هروبا من الموت الأحمر الذي يترصدهم في بنادق المجاهدين جريدة بيروت المساء بتاريخ 24 - 2 - 1956 إن حزام هذه الحرب في الجزائر لن ينتهي، ولن يكون للجزائر الهدوء الذي تطلبه وتسعى إليه وتحارب من أجله بضراوة، ولن يكون لها سلام وأمن واطمئنان طالما أن الجيوش الإفرنسية متمركزة في أرضها، والاستعمار جاثم فيها. أما الفرنسيون في الجزائر من مدنيين وعسكريين فإنهم يعيشون في خوف عظيم وقلق أعظم، والدليل هذه الرسالة التي بعث بها حاكم مدينة "سكيكدة" إلى رئيس قسم المستعمرات في "الكي دورسيه" بوزارة الخارجية الإفرنسية.

وفيما يلي بعض فقرات من هذه الرسالة: نحن هنا ... وسنظل هنا مطمورين تحت الأرض في القبور، سنظل جثثا ممزقة بالطعنات، مشوهة الوجوه من أثار البارود. أما "سكيكدة" الجميلة الني تعتبر "نيس" إفريقيا والجزائر، والتي يقصدها السياح من جميع أنحاء العالم، فلم يدخلها منذ سنة ونصف سائح واحد، وجميع الذين دخلوها، كانوا باللباس العسكري .. كلهم جنود، نخبة الشباب الفرنسي، تحملهم وزارة الحرب الفرنسية إلى هذا البلد الرهيب، ليمزق أجسادهم الرصاص، ولتخترق صدورهم الحراب والخناجر. إن هؤلاء العرب، السمر الوجوه، والذين كنا نظنهم فلاحين مساكين .. ما هم إلا مقاتلون أشداء .. ولن يسكتوا عن وجودنا في ديارهم .. لقد قام زيغود وهو عربي جزائري في الرابعة والثلاثين من عمره، يرأس جماعة من المقاتلين العرب، في الأسبوعين الأخيرين بهجومين على الأحياء والثكنات الفرنسية، ولم ينسحب إلا بعد أن خلف وراءه 80 جثة ممزقة مشوهة. وقامت القوات الفرنسية بهجوم مضاد، فجمعت أربعة آلاف عربي من سكيكدة والقرى المجاورة .. وهددوهم ثم عذوهم بأقسى ما يمكن لعدو أن يستعمله ضد عدو آخر، ولكن رجلا واحدا لم يتكلم، ولم تفد هذه العملية شيئا .. وكانت كسابقاتها خائبة. وبينما الفرنسيون يوارون جثث قتلاهم، إذ بإذاعة الثوار تذيع عليهم: أيها الفرنسيون ليس لكم أي خيار، فإما الرحيل، وإما الموت!! وبالطبع قرر الفرنسيون الرحيل. وفي مدينة "سكيكدة" الآن أكثر من 300 فيلا وبيت مهجور ينعق فيها البوم .. وتدخلها الريح التي تحمل من الجبال أصوات الثائرين مهددة بالموت والدمار.

تجارة المؤمنين

وقد ألف الفرنسيون عدة لجان لترحيل العائلات، ويرأس هذه اللجان مواطن فرنسي اسمه بول دومنييك، وتقوم اللجنة بالاتصالات مع الفرنسيين في كندا وأستراليا، لترحيل العائلات الفرنسية إلى البلدين المذكورين. وجاء في رسالة الحاكم الفرنسي أخيرا ما نصه: لقد قال لي أحد كبار موظفي شركة "إير فرانس": هناك شيء واحد يجب أن نفعله نحن فرنسيي الجزائر .. يجب أن نرحل .. وأن نرحل من هذا البلد بسرعة. وقد أحدثت هذه الرسالة ضجة كبيرة في الأوساط الفرنسية، وقامت اتصالات شعبية واسعة مع المسؤولين، وتظاهرت النساء مطالبات بأطفالهن وأبنائهن. وقام الشعب الفرنسي بكامله، يطالب بعودة الجنود الفرنسيين من مراكش والجزائر .. وبعد .. فهل فهمت فرنسا أنه لم يعد لها خبز في الجزائر وبقية المغرب العربي؟ .. "تجارة المؤمنين" {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله .... وبشر المؤمنين} الصف: 10 - 13.

خطاب رئيس جمعية العلماء في مؤتمرها السنوي

خطاب رئيس جمعية العلماء في مؤتمرها السنوي سماحة الشيخ العربي التبسي تنشر هذه الخطبة الجامعة، لأنها صادرة عن رئيس جمعية كبيرة لها أثرها وخطرها، في ماضي الجزائر وحاضرها ومستقبلها، ولأنها دستور كامل للمبادئ الكريمة القوية، التي تسير عليها هذه الجمعية، وتربى عليها تلك الأمة العريقة المجاهدة. وإننا نرى مناسبة نشرها هنا لتلتقي مباشرة مع مقالات الأستاذ الورتلاني، عن الجمعية. ومما يزيد في أهمية الخطبة، أن المؤتمر العام للجمعية، الذي عقد في 23 جمادى الأولى 1275 هـ الموافق 7 يناير 1956 م بمركز الجمعية بعاصمة الجزائر قد أقر كل ما فيها بالإجماع. قال الرئيس حفظه الله: الحمد لله الذي وهب للجزائر، في كبر محنها، وشدائد أيامها، وقسوة بلوتها، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فكانت لإسلامها حارسة، ولعروبتها حافظة، وعلى تراثها أمينة، ولتاريخها باعثة، هذه الجمعية التي كانت للجزائر، دعوة إسلامها، ومشرق نورها، ومربية بنيها وبناتها، والمنافحة عن قوميتها، والمحيية للغتها، والصلاة والسلام على أنبياء الله ورسله من عرفنا أسماءهم فالصلاة والسلام عليهم بأسمائهم، ومن جهلنا فالصلاة عليهم إجمالا، ثم الصلاة بعد

تحية الوافدين

التعميم، الصلاة بالخصوص، على من بلغنا الإيمان بهم، وبما جاءوا به للإنسانية في غابر عصورها، سيدنا ونبينا رسول البشرية محمد إمامهم حين الإصطفاف للصلوات، وخاتمهم في عالم الرسالات والنبوات، وعموم الدعوة إلى الإنس والجن من حضر زمانه، ومن يأتي إلى يوم تقوم الساعة. تحية الوافدين أما بعد فسلام عليكم أيها الوافدون لمشهد من مشاهد الدعوة الإسلامية، ولموقف من مواقف تجديد العهد، على أن تكونوا لهذه الحركة الإسلامية، في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر، وفي الرخاء والشدة، وفي الفرح وعند المحنة، ومرحى بكم أفرادا وجماعات، وشكرا لكم على ما تحملتموه من أتعاب وأوصاب، وما مسكم من مشقة وآلام، في سبيل الله، من يوم أن تأسست جمعيتكم، وظهرت هيئتكم إلى الوجود، وانتسبتم إليها، فتشرفتم بالإنتساب لأفضل المبادئ وأقوم الدساتير، واشتهرتم شرقا وغربا، بأنكم رمز حي لأولئك الذي كانوا، في خير أزمنة الإنسانية، قد حبسوا أنفسهم وأوقاتهم، وحياتهم على خدمة المثل الصالحة، وكدتم تفهمون أهل هذا الزمان، وظيفة الذين تشير إليهم بعض من آيات القرآن العظيم كآية: {رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم} آل عمران: 35. فأنتم يا أشباه النذور لخدمة الشريعة، ونصوصها وكتابها، وروحها، ولنشرها، والمحافظة عليها، والدعوة إليها، رضيتم من هذه الدنيا، بما لا يقبله لأنفسهم، عبيد الدنيا، أولئك الذين لا يوجدون إلا في مظاهر الفخفخة الزائفة، فجزاء الله لكم على ما أسلفتم في ماضي أيامكم، وعلى ما تتحملونه في أيامكم هذه، وعلى ما أنتم عازمون على تحمله، في مستقبل أيامكم، إنكم لم تدخلوا فيما دخلتم فيه، من أعباء هذه الحركة، وأثقال هذه المهمة، على عمى بما فيها من جهد يتطلب كثيرا من الصبر والجلد، ولا على

تاريخ الجمعية ومبادئها وكفاحها

جهالة، بما فيها من صعاب، هي ضريبة الدعوة إلى الحق، ولا شك من دينكم وحقكم في الحياة، ونعم الحياة، حتى ترتابوا في أمركم، أو تتأخروا عن آداء واجبكم، أو يصدكم عن ذكر الله، وعن الصلاة، وعن هذه الحركة، إنس أو جن، أو شيطان، فالهدف الذي وضعتموه، نهاية لسيركم في هذه الميادين، هو فوزكم بهذه الحركة، والعمل بهذه الحياة الدينية، وبلوغ الغرض الذي أنشئت له، لتفوزوا بجنات تجري من تحتها الأنهار، يوم الفصل الأكبر فميدانكم ميدان الصبر والمصابرة، ميدان يطيب فيه الثبات، والتثبيت،؛ وتحسن فيه القدوة الحسنة، بصالح الرجال، فسارعوا إلى مغفرة من ربكم، وإلى الفوز بحركتكم الشريفة، هذه الحركة التي لا يحاربها، ولا يصد عنها ولا يعارضها إلا الذين عارضوا كل دعوة حقة، والذين حاربوا كل نبوة فاضلة، والذين صدوا عن رجال كموسى وعيسى ومحمد. تاريخ الجمعية ومبادئها وكفاحها والآن لنقف وقفة صغيرة، ولنلتفت لفتة خفيفة تبتدئ من سنة 1931 وتنتهي سنة 1955 نمر فيها خلال الحقبة العظيمة، بما تم فيها من أعمال رائعة، وتخللها من منشآت،، ولنستغفر لإخوان لنا، كانوا مبرزين في هذا الميدان ولنترحم عليهم، ولنذكرهم بما هم أهل له من عاطر الذكر، وجميل الكلام، أولئك الإخوان الذين التحقوا بربهم بعد أن أدوا ما عليهم من واجب وبعد أن قاموا بما حملوه من رسالة، لنترحم على عبد الحميد بن باديس، وعلى مبارك الميلي، وعلى جميع الأفراد الذين شاركوا في خدمة هذه الجمعية وأخلصوا لمبادئها، وثبتوا في المواقف التي تزل فيها الأقدام، وتتخلع فيها القلوب وتندهش لها الألباب، فرحمهم الله، وأجزل لهم المثوبة، وعاملهم بما عامل به، من آمن وعمل صالحا وصبر صبر البصراء وثبت ثبوت العارفين.

رجوع إلى الماضي للاعتبار

نشأت هذه المؤسسة المباركة في سنة 1931 بذرة قليلة، وفكرة صغيرة، ومبدأ صالحا، ونعمة من ربنا عظيمة، معروفة البداية، مجهولة النهاية كما هو الشأن في كل فكرة من أفكار الرشد، وكل عقيدة من عقائد الحق، وكل مبدأ من مبادئ الخير، هذه المؤسسة التي جمعت أصول الفوز الثلاثة فكرة واضحة لا شبهة فيها، وممثل لها صادق لا ريبة عنده، وأمة تدرك هذه الفكرة وتنزه رجالها عن الدجل والنفاق والخديعة، هذه الحقائق الثلاث تجمعت بحمد الله في دعوة جمعية العلماء، فدعوتها واضحة لأنها تتلخص في كلمات ثلاث: الإسلام، العروبة، القومية. ورجالها صادقون في دعوتهم، مؤمنون بمبدأهم، مخلصون لفكرتهم، يعلم هذا منهم كل من حبب الله إليه الحق، وزين له الإيمان، وحسن في عينه الفضيلة، وأمتنا أسبغ الله عليها نعمة ظاهرة وباطنه، عرفت دعوة جمعية العلماء، وأدركت ما تدعو إليه، من دين قويم، وعربية صحيحة، وقومية حقة، فعرفت الحق، فاتبعته ثم لزمته. ظهرت جمعية العلماء في الجزائر، وقد تمثلت فيها هذه الحقائق العلمية الثلاثة، التي جعلها الله أصلا لنجاح كل دعوة وأساسا لفوز كل مبدأ، وبخلود كل ذي عمل صالح فجمعيتكم هذه، كالشجرة الطيبة، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، باقية ما بقيت المبادئ الصالحة وما بقيت لها قواعدها الثلاث، الدعوة إلى الإسلام، والداعي الصادق، والأمة العاقلة. رجوع إلى الماضي للاعتبار فيا رجال هذه الجمعية ويا أيها الأمناء عليها، ويا ورثة خاتم النبيين، ويا أيها المعدودون ركنا ثالثا في حقيقة جمعية العلماء، إن الذين سبقونا بإحسان من إخواننا، دخلوا هذه الجمعية، طاهرة قلوبهم، خالصة نياتهم، صادقة ألسنتهم، وخرجوا منها

رضي الله عنهم ورضوا عنه، أطهر ما يكون رجال الدعوات، وأرضى ما تذكر تراجم الأمناء على تسيير الحركات، وقد ورثتم عنهم هذه الأمانة، وأخذتم عنهم هذه الحركة، فينبغي لكي ترضوا الله والحركة والأمة، أن يشعر كل واحد منا نحو نفسه، ونحو إخوانه في هذه الحركة، أن قيمته إنما توزن، بثلاث من مثاقيل الحق والعلم: الأول إلتزام كل واحد منا لعقيدته الإسلامية، وظهوره مع دينه بمظهر من استوى ظاهره مع باطنه، وتوافق سلوكه مع مبادئ الجمعية، الثاني: ما لكل واحد منا الحصول العلمي، وما منزلته بين علماء الدين، واللسان، والتاريخ، وما للأمة الإسلامية، من نصيب منه ونفع فيه، الثالث: تمثيله لمقوماتنا الإسلامية العربية، وحظها منه في باب الأعمال التي تجعل منه رجلا يثبت أمام العواصف الهوج، ويصبر حين تهب الرياح الخرقاء، ويتجلد حين تمتد الأيدي العادية إلى الواحد منا بالإمتحان، يدافع حين يحاول الظلم أن ينال من هذه القومية، فيحاول بمحو حقيقتها، وإنكار واقعها؛ وبذلك الدفاع يكون أهلا لأن يقتدي به، لأنه قد جعل من المعنى واقعا ملموسا، ومن اللفظة، حقيقة حية، ومن الكلمة وصفا يظهر، وخلقا يؤثر، وسلوكا يعمل به. إخواني، إن ما زاد على هذه المعاني الثلاثة، زوائد لا أثر لها في أرواحنا، ولا قوة فيها لديننا، ولا صلاح منها لوطننا، فلا اعتبار لها في أفرادنا، وجماعاتنا لأن تلك الحقائق الثلاث، هي التي يجب أن نحيا لها، وبها كحملة أمانة، وورثة حركة، وملتزمي واجبات؛ والآن لنقدر أنفسنا أننا في ذلك الاجتماع الذي انعقد في سنة 1931 لانتخاب المجلس الإداري الأول لجمعية العلماء، ولنحاول بما لدينا من قوة الخيال، وبما بقي عندنا من ذكريات الماضي، وبما نحفظه من تاريخ، أن نستحضر ظروف ذك الوقت، وهي ظروف لا أعادها الله للوجود، إذ ليس هناك يومئذ، في دنيا الجزائر، إلا غالب يفرض ما يشاء، ومغلوب يعرف أن الغالب في يسراه الظلم والشهوة، تلك الظروف العصيبة التي اجتازتها بلادنا في جهد ومشقة وعسر، ظهرت جمعية العلماء في الجزائر، ونزلت سكينة الله على الذين ظهرت هذه الجمعية

جهاد الجمعية العلمي والتربوي

على أيديهم، وكانت هذه الجزائر على اتساع رقعتها، وكثرة سكانها ليس فيها مدرسة واحدة، تملكها هذه الجمعية، وليس في نية مؤسسيها، ولا في قدرة الشعب يومئذ، ما يمكن من تأسيس هذا العدد الكبير، الموجود اليوم من المدارس العربية التي ترسل النور، وتنشر العربية وتبشر بالدين، وكانت الحكومة الاستعمارية يومئذ لا تأذن للمعلم أن يعلم القرآن الكريم، ولا مبادئ الإسلام البسيطة، إلا برخصة خاصة، إننا إذا رجعنا بالذلكرة أو الخيال إلى ذلك التاريخ وعشنا يوما أو ساعة في ذلك الزمان؛ وراجعنا ما كان بأيدينا يومئذ من مال، رأينا المحصول المالي السنوي، لآخر الدورة الإنتخابية في السنة الثالثة وهي لا تتجاوز عشرات الآلاف، وكذلك إذا راجعنا أوجه صرف تلك الأموال، وهي لا تعدو أن تكون محصورة، في سفرات الوفود، وجلسات الهيئة، ثم رأينا ما تملكه الجمعية اليوم من مدارس، ونوادي، وما أسسته من مساجد، ومشاريع ومعاهد، نجد أن البون شاسعا، والفرق بعيد، وهو بون يدهش حتى الذي يغرق في الخيال ويبالغ في التصور، ولكن هذه الدهشة لا تلبث أن تزول إذا عرفنا سبب هذا النجاح، وعلة هذا الفوز وهو الإخلاص في العمل. جهاد الجمعية العلمي والتربوي إخواني، لقد أثمرت الجمعية في هذه الحقيقة الماضية ثمارا طيبة وكثيرة، في جميع نواحي نشاطها وميادين أعمالها، فقد نظمت التعليم بإنشائها البرامج التي تساير التطور، وتتكيف حسب ما يتطلبه تقدم الوقت، من إلحاق لمادة، أو حذف لموجود، وبإختراعها الشهادة الإبتدائية، التي أعطت للتعليم العربي الحر، نوعا من الميزة والمواطنة لم يكن موجودا من قبل، واتصالها الدائم بالمعلمين، والهيئات المحلية، وبربط المعلمين بعضهم ببعض، حتى يتوحد الإتجاه والسيرة، وبتوجه المنشورات إليهم، كلما دعت الظروف إلى توجيههم وجهة جديدة وبتصفيف المعلمين صفوفا في إطارات حسب أهلياتهم ومعارفهم؛ ونظمت مركزها بالجرائر

تنظيما نافعا حكيما صالحا، فنمت المالية وضبطت، ووجد لها من الترتيب والحفظ والجمع، ما جعلها تبلغ في هذه السنة وحدها، مبلغا تضرب به الأمثال عند الهيئات الجزائرية؛ وجريدتنا البصائر، تكاد تكون أرقى صحيفة عربية في الشمال الإفريقي، في جميع نواحيها الصحفية، والمالية والأدبية. ومعهدنا بات في نظر العالم الإسلامي والعربي، أحد معاهد الإسلام والعلم والتربية، بما يلقنه لأبنائه من علوم، وما يحاول أن يصبغه به من فاضل الأخلاق، وما يريد أن يزودهم به، من صحيح العقيدة، وما رغب أن يحليهم به من عالي المبادئ، فانتشرت سمعته ونقلت الأحاديث الطيبة الذكر عنه في أطراف عالمنا، وتلاميذه مبثوثون في مدارس وجامعات وكليات الشرق. وتلك اتصالاتها بالهيئات الدينية والعلمية والإجتماعية، وبالشخصيات ذات الصيت الذائع في عالم الثقافة والإصلاح والعلم والأدب، وتلك رحلاتها وجولاتها في سبيل الجزائر ورفع مكانتها وتبليغ صوتها إلى أسماع الدنيا، وتلك وفودها التي تطوف داخل الوطن وخارج الوطن مؤسسة للفروع، داعية إلى التعليم، مرغبة في الخيرات، مذكرة بالصالحات، واصلة لما أمر الله به أن يوصل، رابطة للصلات بين الجزائر وبين الشعوب العربية بتلك الرحلة التي جال بها رئيس الجمعية جولته الشهيرة التي شملت باكستان، الكويت، العراق، الشام، الحجاز، مصر. تلك الشعوب التي تقبلت حكوماتها وشعوبها وهيئاتها بعثاتنا العلمية، وتولت تعليمهم والعناية بإعدادهم لمستقبلهم، وآخر هذه الوفود هو الوفد الذي مثل الجزائر في المغرب الأقصى، يوم أن نال المغرب استقلاله وعاد إليه سلطانه المعظم محمد بن يوسف. وكان هذا يوم الذكرى لإعتلائه العرش المغربي، وقد خدم هذا الوفد الجزائر خدمة عظيمة، لها أنفع الآثار في مستقبل العلاقات بين الشعبين.

كفاحها ضد الاستعمار في محاربته للدين ولغته

كفاحها ضد الاستعمار في محاربته للدين ولغته إخواني؛ إن لجمعيتكم في الدفاع عن الإسلام والعروبة واللغة العربية، مواقف مشهودة مشهورة، دافعت فيها ضد الاستعمار عن مقدساتها، وذادت فيها عن حياض شرفنا ذيادا يذكر ويسجل. وتباهي به جمعيتنا ساعات ذكر مواقف الشرف. إن تاريخنا حافل بالمواقع الكبيرة في محاربة الاستعمار ومحاولة إبعاده عن مساجدنا وشعائر ديننا، وأوقاف أمتنا وحرية لغتنا، حاربنا ذلك الاستعمار الظالم بكل سلاح نملكه، حاربناه في الجزائر في كل مناسبة، وحاربناه في فرنسا، وحاربناه في الشرق، حاربناه جماعات وأفرادا، حاربناه منفردين وحاربناه متحالفين مع غيرنا، في كل مناسبة وجدناها قضينا في هذه المحاربة، وقبلنا الغرامات المالية، ورضينا بغضب الاستعمار علينا، وبما يسومنا به من ظلمه وعسفه. إخواني؛ إذا لم تتحرر المساجد، وإذا لم يبعد الاستعمار عن إفساد شعائرنا الدينية، وإذا لم يرد إلينا أوقافنا وأموالنا المحبسة على المعابد والشعائر الدينية، ولم يرفع الظلم والباطل عن مقدساتنا وحقوقنا فإنما ذلك راجع لما عرف به مستعمرنا من صممه سماع صوت المظلوم، ومن محافظته على استعماره، وعلى قوانينه الظالمة، وعلى شدة تمسكه بالاستعمار، وما في الاستعمار من عيوب وتاريخ استعماره عند الناس بهذه الخواص، وبهذه العيوب، وها أنتم ترون أن استعمار غيره أخذ في الزوال وأخذت الشعوب المستعمرة لغيرها تتحرر في آسيا وإفريقيا سواء في ذلك الشعوب البيضاء والسوداء، واعترفت أمم الدنيا كلها، بأن هذا العصر عصر تحرر الأمم، وعصر حكم الشعوب لنفسها بنفسها، وعصر المنظمات، الأممية، وعصر استنكار استعمال القوي لقوته ضد الضعفاء وضد الأقليات وضد الشعوب العزلاء من السلاح، ولا يخفى على أحد ممن تتبع سير جمعيتكم في الست والعشرين سنة، التي قضيتموها مطالبين بإخراج الحكومة الاستعمارية من المساجد ومن محاربيها، ومنابرها ومن تدخل هذا

يجب أن نكون للأمة قدوة صادقة

الاستعمار في قواعد الإسلام، فهو يتداخل في الصوم ويتداخل في الحج، ويتداخل في الصلاة، حاربتموه طوال هذه المدة بكل سلاح غير الحديد والنار، فأبى أن يعترف لكم بحقوقكم الدينية، وباستقلالكم في مباشرة إسلامكم ودينكم، حين تنحى غيره عن حقوق الشعوب، وحين حرر غيره عوالم من المستعمرات والممتلكات، تنحت بريطانيا عن الهند، وعن باكستان وعن برما وعن مصر، ويأبى هذا الاستعمار الفرنسي أن يخرج عن المسجد ومن المعبد، ومن عبادات المسلمين في الجزائر، وتاريخ هذا الاستعمار وطبيعته واحدة، في الشام، في الهند الصينية، في تونس، في مراكش، إذ يأخذ كل شيء، الأخضر واليابس، القائم والحصيد، الماديات والمعنويات، ولا يترك شيئا منها مكرها مبعدا محكوما عليه بأقسى الأحكام من الحكومات الشعبية، ومن المنظمات العالمية ومن الشعوب المحبة للحرية والسلام. يجب أن نكون للأمة قدوة صادقة إخواني؛ إنكم في نظر شريعتنا الإسلامية، وأمتنا العربية، تشتغلون من حياة أمتكم ومن ميراثنا الإسلامي، وظيفة من يعد الأجيال الآتية، ويحمل مقدرات شعب تاريخي عربي، ووظيفة من يهدم الأوضاع, الفاسدة الباطلة، ويقيم مكانها الأوضاع الصالحة الصحيحة، وبالتالي إنكم مكلفون إن كنتم أمناء على وظيفتكم، وأمناء على وراثة نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، بتمثيل ما جاءت به رسالته من عقائد، كما في سلوككم الشخصي في إظهار تلك الرسالة إلى الناس بمظهرها الحقيقي الصادق الصادع بالحق، وأنتم أيضا مكلفون بأن تقفوا من أمتكم التي تنظر إليكم نظر المأمومين من إمامهم، تصلح أعمالهم بصلاحكم، وتفسد بفسادكم، وتؤدي المهمة الإنسانية الدينية الشعبية على وجهها إذا أخلصتم أنتم في موقفكم، وإذا استوت ظواهركم وبواطنكم، وإذا سارعتم إلى الأعمال الصالحة بأنفسكم قبل أن تطالبوا بها غيركم،

أصلحوا أنفسكم يصلح لكم الناس

فيومئذ يفرح المؤمنون بكم، ويومئذ يشهد لكم الأشهاد الصرحاء بأنكم للإسلام وللعروبة، وللجزائر وللإنسانية، والديمقراطية البريئة من عيوب المستعمرين. إخواني؛ أصلحوا ما بينكم وبين الله، يصلح الله ما بينكم وبين الناس، افعلوا ما أمركم الله به، يدافع عنكم من يريد بأمتكم شرا، أظهروا في أمتكم بأقوالكم وأعمالكم وسلوككم في خلوتكم وفي علانيتكم وفي حالة السراء وفي حالة الضراء، في المنشط وفي المكره، مبتلين أو معافين، بما كان يظهر به الذين أنعم الله عليهم من رجال سلفكم، من أول ظهور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بدعوته الحقة بمكة إلى أيام القادسية واليرموك، أظهروا طلاب هداية ورجال مبادئ ودعاة إصلاح، علموا الناس أن الإسلام عقائد صحيحة، ومبادئ إنسانية شريفة، وأخلاق فاضلة وتربية قوية، علموا شعبكم، أن عصركم هذا عصر يصلح لمبادئ الإسلام التي تجعل من الإنسانية كلها أسرة واحدة، وتدعو إلى الأخوة الإنسانية الصحيحة، القائمة على وحدة العقيدة الحقة، ووحدة النظام الإجتماعي، ووحدة أداة الحكم وأصول الحكم. أصلحوا أنفسكم يصلح لكم الناس إخواني؛ إن الإسلام دين العزة المبنية على الأهليات والقيم الرفيعة، والأخلاق العالية المقتضية لعزة المتخلفين بها، يرفع الله الذين آمنوا منكم، والذين أوتوا العلم درجات. إخواني؛ ابنوا مجتمعكم على الصراحة وإعلان ما تؤمنون به، اجمعوا بين إيمانكم وعملكم، اذكروا أن سلفكم الصالح خلق لكم عقيدة، هي دين وتربية، هي نظم تستوحونها من هذه العقيدة الفياضة الحية، وأن من ذلك التراث الصالح الخالد إصلاح الفاسد، وأن من مواقف الإصلاح في تاريخكم العظيم الكبير: "من رأى في إعوجاجا فليقومني"، وإن من هاتيك المواقف المؤمنة: "الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم إعوجاجي" هذان روحان إسلاميان فاضا بالمثالين،

نعم نحن موافقون

فأجيبوا هذه الأرواح، وأحيوا آثارها يحييكم الله ويشكركم، ويثبت أقدامكم، ويعز أمتكم، ويشف صدور قوم مؤمنين. أيها الإخوان؛ إن اليوم بمثابة من يريد الإقلاع من محطة يودع بها ما قطع في سفره من المسافات، ليستفبل مراحل أخرى جديدة واسعة، إن لنا أوضاعا حاضرة مستمدة من ماضينا تشتمل على هيئه إدارية وقانون أساسي وتشكيلات فرعية نص عليها، ومن عاداتنا حين نختار الاجتماع العام، نختار له وقت لنمثله إجتماعا عاما بحق، فنعيد النظر في القانون الأساسي، وفي ما بين أيدينا فنصحح هذا ونكمل ذلك ونغير وننشئ جديد، كل ذك يوم كنا نتمكن من الاجتماعات العامة في القاعات الكبرى التي تضم الشعب الجزائري بمدارسه وشعبه برجاله كلهم، فنكون مؤتمرا جزائريا دينيا عمليا وطنيا، يصدر فيه الشعب عن حيوية جديدة وآمال واسعة تربطه بالعهود المقطوعة، والوصايا الحكيمة، وتلك سنتنا في الماضي أيها الإخوان. نعم نحن موافقون ... أما اجتماعنا اليوم فقد طالبتنا به الظروف، وأملته علينا القوانين الاستعمارية وأصبحنا في غير إرادتنا وغير عادتنا المعروفة، والمعمول بها سابقا، فجاء اجتماعنا هذا كما تشاهدون حتى في زمانه الشتائي. لذا فنحن لا نرى مصلحة في تغيير قديمنا ولا شيء منه ما عدا مادة واحدة من قانوننا الأساسي كان الرأي فيها أن تغير، وهذه المادة التي نريد تغييرها، هي المادة التي حددت عمر الدورة الانتخابية في القديم بثلاث سنوات، وهي مادة ينبغي أن تستعاض عنها بأخرى تجعل مدة الدورة الانتخابية سنة واحدة في الظروف العادية، فإذا طرأت ظروف خاصة كالتي نعيش فيها الآن، فإن الإدارة المباشرة تبقى ما بقيت تلك الظروف.

كتاب مفتوح من الورتلاني إلى رئيس حكومة فرنسا "جي موليه"

فنحن الآن أمام الوقوف تجاه القوانين، فالواجب أن يبقى كل شيء كما كان، لا تغير من أمورنا الماضية شيئا، لا فرق بين الأعمال والأشخاص والقوانين، حتى نتمكن من الظروف الصالحة، ويومئذ يعاد الانتخاب، فهل أنتم موافقون؟ نعم نحن موافقون ... وختاما أسأل الله أن يشفي العالم من داء الاستعمار، وأن ينزل على بلاده وعباده نعمة الحرية، والعيش في ظلال السلام والحق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين العربي التبسي كتاب مفتوح من الورتلاني إلى رئيس حكومة فرنسا "جي موليه" جريدة بيروت المساء 26 و27 فيفري 1956 والمنار الدمشقية دولة الرئيس تحية واحتراما وبعد؛ لعله من حسن حظ فرنسا، قبل مستعمراتها وضحاياها، أن اختارتكم الأقدار لقيادة سفينتها أثناء هذه الأمواج المتلاطمة من بحر سياستها الداخلية والخارجية. وأنكم لتستطيعون أن تسجلوا أكبر كسب لفرنسا، وأخلد نصر لعقلها على شهوتها، إذا استطعتم أن تكونوا أمناء لإشتراكيتكم الإنسانية، ولشبابكم الغض الطري، وإنكم لتعلمون بأن مجيئكم إلى الرياسة في هذه الظروف الدقيقة بالذات، لم يكن من الصدف العابرة، ولكنه كان نتيجة استفتاء استثنائي خاص، قد خاضه الشعب الفرنسي الحر في اندفاع وحماسة، ليعبر فيه عن رأيه وإرادته في أخطر ما تواجهه حكومته المقبلة من البت في عويص الأمور، ودقيق

المشاكل، وقد كان على رأس قائمة المشاكل الخطيرة، التي قصدها الإستفتاء علنا، هي قضية الجزائر ومستقبلها، وحالة الحرب القائمة فيها، وقد تكون هذه القضية هي وحدها السبب الحقيقي والمباشر لحل المجلس القديم والإتيان بالمجلس الجديد، وبأكثريته المعروفة بميولها التحريرية والسليمة، ثم المجيء بكم في التالي لرئاسة الحكومة. وعليه فإني كجزائري حر، كرس حياته لخدمة هذه الأمة المظلومة، وقضى زهرة شبابه في بناء نهضتها، وكمغربي عارف بما في المغرب العربي كله، ومؤمن بوجوب وحدته المقدسة. ثم إني كإنسان مؤمن بالمثل العليا، ومحب لخير الإنسانية جميعا، التي منها الشعب الإفرنسي العريق، أتقدم من أجل ذلك كله إلى دولتكم بهذا الكتاب المفتوح، راجيا أن يصادف ما فيه من حق ثقيل، كل قبول واهتمام عندكم، لأنكم إنما دعيتم إلى هذا المنصب، خصيصا لأجل إحقاق الحق مهما كان ثقيلا على بعض النفوس المريضة، مرضا مزمنا، ولأنه الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى إسعاد أمتنا وأمتكم معا. وإني أبين لكم ناصحا ومنذرا ومعذرا، القواعد الأساسية، والحلول الضرورية، التي يمكن أن تحل قضية الجزائر، والمغرب العربي الحل السليم الدائم إلا على ضوئها، وإنه ليغشكم كل من يزعم لكم، بأن نظام الاستعمار، يمكن أن يعيش بعد اليوم في تلك الديار، وأن أسلوب اللف والدوران، أو تسديد حقوق الشعوب بالألفاظ الجميلة، والعبارات المنمقة والوعود المعسولة، هي بضاعة ما يزال يمكن الاعتماد عليها في صرف الناس عن حقوقهم، أو نسيانها، وقد يغشكم بذلك حتى بعض الجزائريين والمغاربة، تحت ضغط أي مؤثر عارض، ومن الزبد سيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، وأنه لمن تمام الحزم والجرأة، أن تجعلوا في حسابكم أمرين مهمين جدا.

الأمر الأول - هو أن الشعب الفرنسي الذي طالما غرر به تجار الحروب والدماء، قد أدركه الوعي، ولم يعد مستعدا لبذل العرق والدم في سبيل مئتي أسرة استغلالية في فرنسا ومثلها في الجزائر، وأكبر آية على ذلك، هو بداية تمرد الجنود على القتال ضد طالبي الحرية في المستعمرات عامة، وفي الجزائر بصفة خاصة، ثم انتصار رسالة (بوجاد) الذي يدعو علنا إلى الامتناع عن دفع الضرائب. والمعلوم عند الخاص والعام، أن الدولة التي لا يطيعها جيشها، ويمتنع عن تمويل الخزينة شعبها، لهي دولة مفلسة لا محالة، والشعب الفرنسي الواعي لا يقبل بإفلاس دولته، إرضاء لشهوات طائفة من المستعمرين المجرمين. الأمر الثاني - هو أن الشعب الجزائري، قد أصابه اليأس نهائيا من استعمال أساليب المنطق والسلم مع المستعمرين، لأنه قد جربهما معهم طيلة قرن وربع، فلم يصدقوا معه مرة واحدة، وأن روح الفداء في هذا الشعب قد أصبحت عامة، فشملت الذكور والإناث من جميع الطبقات، وإن كان مجاهد فيه يقتله رصاص الاستعمار، إنما ينقل فيه العدوى والحمية إلى ألف من الرجال والنساء، وأنه في الوقت نفسه، مستعد ليتعاون مع أسوأ المذاهب في العالم، وأن يتعاهد حتى مع (الشيطان) إذا لم يكن سوى ذلك وسيلة لحريته واستقلاله، وإني قبل أن أعرض لتفاصيل الحلول التي أنوي اقتراحها، أرى من واجبي أن أنصح لكم بسلوك طريق النبل والكرم مع هذه البلاد، وذلك إذا نظرتم بعيدا في مصلحة فرنسا قبل مصلحتها. لأن الجزائر كغيرها من شعوب الأرض العريقة الواعية، هي واصلة إلى حريتها واستقلالها لا محالة، أحب الناس أم كرهوا، أتم ذلك اليوم، أم بعد أشهر، أم بعد أعوام، وما دامت النهاية واحدة، فمن المصلحة إذن، أن تصطنعوا مع هذه البلاد أجدر الأساليب بإرضائها في تصفية علاقاتكم معها، حتى تكسبوا في المستقبل صداقتها، إذ ليست صداقة ثلاثين مليونا من أعرق الناس في الحضارة، ومن أشهرهم في الشجاعة، ويملكون أوسع مساحة من الأرض وأغناها وأمنعها، وهي أقرب ما يكون بأرضكم في الجوار، ولهم أخوة في الجنس يقدرون بثمانين مليونا، وأخوة في الدين يقدرون بستمائة مليون، ليست صداقة

مطالب الجزائريين من فرنسا

هؤلاء بالأمر الرخيص الذي يستهان به، على أنكم إذا زهدتم في هذه الصداقة، فإن في العالم كثيرين يرغبون فيها أشد الرغبة. وأغلب الظن أن اشتراكيا شابا مثلكم، يعيش في عصر التكتل والصداقات والمنافسات الدولية، لا يمكن أن تفوته أهمية هذه الحقائق. ولكن الذي أخشاه، ولا أخشى سواه، أن تلعب بكم دسائس المستعمرين الذين لا يطيقون الحياة من غير عبيد أحرار ومن غير المستعمرات. فهنا يمتحن شبابكم واشتراكيتكم، وتمتحن أمانة الأكثرين التي وكلها الشعب الفرنسي الحر للتخلص من وباء أولئك المجرمين السفاكين. وعلى كل حال فإن الفرص كلها في جانبكم، نرجو من أعماق قلوبنا أن توفقوا إلى حسن استعمالها، حتى تصفو القلوب وتتعاون الأيدي على البناء. وإني يعد هذا الاستعراض أفرض أنكم قد سلمتم فعلا بمبادئ هذه المقدمة لأنها سليمة كل السلامة، ومن مصلحة الجميع، ولأني حتى الآن لا أزال حسن الظن بكم وبظروفكم، ولذلك أرجو أن تسمحوا لي بأن أضع بين أيدي حكومتكم هذه الحلول العلمية، التي أراها هي وحدها الكفيلة بحل مشكلة الجزائر والمغرب العربي، ليحل السلم محل الحرب، والصداقة محل العداء، ثم جعل حد حقيقي لتلك الدماء الغزيرة التي تراق على مذبح الشهوات الاستعمارية، ولتلك الأموال الطائلة التي تؤخذ من عرق جبين الشعب البرئ، ثم تنفق عبثا، ولذلك الحقد الذي ما فتئ ينمو بسرعة وخطورة في نفوس المظلومين. مطالب الجزائريين من فرنسا إن مطلب الجزائر وإن كان مختصرا جدا، لأنها لا ترضى اليوم بغير الاستقلال التام، ولكن بما أن كلمة الاستقلال مطاطة جدا، وإن الوضع في الجزائر يختلف عنه في جميع بلاد العالم، لأن فرنسا قد سلبت الجزائريين كل حرياتهم ابتداء من الأسفل إلى أعلى الأعلى، فإني أريد من الحكومة الحاضرة، إذا كانت صادقة النية، جادة في العمل، أن تعمد حالا إلى تحرير الجزائريين ابتداء من الأسفل فصاعدا حتى القمة،

ويمكن أن يتم ذلك بالمرسيم وبجرة قلم. ثم يتلو ذلك مباشرة حرية السيادة والاستقلال، تلك الحرية التي تحتاج فعلا إلى مفاوضات وإلى وقت وقد يكون طويلا، وقد يكون قصيرا، والراجح المعقول أن يكون طويلا، وإني أعلن نصيحتي لكم يا دولة الرئيس، وأنذركم في آن واحد، بأن الأمة الجزائرية عن بكرة أبيها لا يمكن أن تثق بأي حكومة فرنسية، لا تبادر أولا وقبل كل شيء إلى إزالة مظاهر الرق والاستعباد عليها. ولو أن هذه الحكومة قد قبلت فعلا بالاستقلال وأعلنته على الملأ. إذا كان مجرد ألفاظ خداعة لا يصحبها أبسط الدلائل. في عالم الأعمال. لذلك أرى أن أضع بين أيديكم هذه الحلول العملية وأدعوكم إلى تنفيذها بصدق وجرأة، وإلا كان اليأس منكم ومن حكومتكم لا قدر الله، وإني أقسم هذه الحلول إلى سلبية وإيجابية، أبدأ بالحلول السلبية لأنها هي مظهر الرق عندنا ولأنها لا تكلفكم لا وقتا ولا مالا، فيجب أن تتخذوا فورا الإجراءات الآتية: 1 - إلغاء ذلك الذي يسمى بالدستور الجزائري، وهو كما تعلمون دستور استعماري محض، لا ناقة للجزائريين فيه ولا جمل. 2 - إلغاء المجلس الجزائري لأنه من بنات هذا الدستور، ولأنه سبة في تاريخ الديمقراطية الفرنسية. 3 - إلغاء نظام جميع المجالس المحلية القديمة، من بلدية، وعملية، وغيرها، لأنه استعماري، مخجل لتاريخكم. 4 - إلغاء الأحواز الممتزجة وجميع بقايا القانون الأهلي، لأنه لا يليق إلا بهمجية العصور المظلمة واستبدال حكام الأحواز والمحافظات الفرنسيين بحكام مسلمين. 5 - إعلان حرية الدين الإسلامي، الذي شمله استعماركم منذ قرن وربع، خلافا للمبادئ الإنسانية منذ عرفت الحضارة حتى اليوم، وتسليم جميع شؤونه لأهله يتصرفون فيها كما يشاؤون من غير دخل فيه للغير من قريب أو بعيد.

6 - إعلان مبدأ وجوب التعويض الكامل على جميع الأوقاف التي اغتصبها الاستعمار ظلما وعدوانا، واعتماد عدة مليارات من ميزانية فرنسا والجزائر حالا لتبتدئ بها عملها وزارة الأوقاف، أو مديرية الأوقاف التي يجب أن تنشأ حالا. 7 - إعلان عفو عام على جميع المسجونين والمعتقلين والمبعدين السياسيين، من غير قيد ولا شرط. 8 - إعلان حرية القول والاجتماع والنشر وتأسيس الهيئات. 9 - إيقاف جميع العمليات الحربية والبوليسية حالا، وسحب كل القوات الزائدة على المعتاد إلى فرنسا وتسريحها. هذه هي بعض الحلول السلبية السريعة التي أرى وجوب تنفيذها حالا من غير أدنى تردد، لتكون دليلا على حسن نيتكم وصدق جديتكم، وإلا فإن معنى ذلك أن الذي يمتنع عن دفع دينار من حقوق الغير، لا يمكن بحال أن يسمح بدفع المليون. وأما الحلول الإيجابية فإني أجملها فيما يلي: 1 - إعلان حق الجزائر في السيادة والاستقلال، وإقامة علاقات ودية تعاونية بين البلدين، تتفق عليها حكومات مفوضة ذات صلاحية رسمية. 2 - تأسيس حكومة جزائرية حالا، على غرار الحكومة المراكشية بجميع الصلاحيات، ولا بأس أن يظل رئيس الدولة في فترة الانتقال هو الحاكم العام الفرنسي، حتى يتم انتخاب رئيس جمهورية جزائري، كما جرى في السودان. 3 - اعتبار قيادة الثورة الآن هي وحدها، أو من تفوضه اللسان الرسمي للشعب الجزائري، وهي وحدها التي تستطيع أن تدخل في المفاوضات الأولية، حتى تتألف الحكومة الجزائرية فعلا، فتحل محلها، وأن يكون الاعتراف بالثورة كطرف شريف أمرا رسميا.

حلول سلبية أو إيجابية

4 - بعد تأليف الحكومة الجزائرية مباشرة يجب أن تتحول قوات الثوار إلى نواة جيش جزائري وطني حر يتبع الحكومة الجزائرية رأسا. 5 - يجب أن يشرع حالا وبالتدرج في جزأرة الوظائف الرئيسية في الدولة، فيحل الجزائريون محل الفرنسيين أو المتفرنسين بالنسب المعقولة. 6 - تتولى الحكومة الجزائرية الوطنية عقب تأليفها أو حينما ترى الوقت مناسبا إجراء إنتخابات حرة لجمعية تأسيسية تضع الدستور الجزائري العتيد، وتقوم مؤقتا مقام مجلس النواب في سن القوانين، ومراقبة الحكومة. 7 - تتولى الحكومة الجزائرية إجراء انتخابات جديدة لجميع المجالس المحلية على أساس قانون ديمقراطي جديد. 8 - إعلان رسمية اللغة العربية في جميع دوائر الدولة، وإخضاع ميزانية المعارف لتنفيذ ذلك. 9 - تتولى الحكومة الجزائرية الحرة إجراء مفاوضات مع فرنسا لأجل تحديد العلاقات بين البلدين، وعقد معاهدة صداقة وتعاون بينهما، ويكون المجلس المنتخب هو صاحب الحق في مناقشة الاتفاقات والتصدق عليها. 10 - ينبغي - عملا بقاعدة التعاون - أن تساعد فرنسا على توحيد المغرب العربي في دولة واحدة أو متحدة، ونعتقد أن ذلك في مصلحتها ومصلحتنا جميعا. وإلا فلا يجوز على الأقل أن تعارض أو تعاكس. حلول سلبية أو إيجابية ... هذه هي الحلول السلبية والإيجابية التي أرى المبادرة إلى اعتمادها، إذا أردنا بصدق الوصول إلى حل حقيقي لقضية المغرب العربي عامة، ولقضية الجزائر خاصة، وستكون فرنسا هي الكاسبة إذا لم نتردد في سلوك هذا الطريق القويم، فإن إنكلترا

قد سلكت مثله من قبل ولم تكن أقل رغبة في الاستعمار، ولا كانت أقصر نظرا أو أقل تجربة، ومع ذلك فقد خرجت من الهند ومن الباكستان، وكان الناس من قبل يعتقدون أنها قد تخرج من لندن، ولن تخرج من إمبراطورية الهند الحبيبة، ولكنها خرجت مختارة من غير أن تراق قطرة واحدة من الدم، بل بعثت الجنرال (منتباين) ليقول لهؤلاء الهنود، ويعلن في ملأ من الدنيا - أن بريطانيا قد قررت الخروج من الهند بعد سنة من هذا الإعلان، فليدبر أهل البلاد أمرهم من الآن، وقد كان ذلك فعلا، فاستقلت الهند، واستقلت الباكستان، وكسبت بريطانيا صداقتهم، وحفظت جميع مصالحها المعقولة عندهم، وظهرت في الوقت نفسه أمام العالم بمظهر من يقدر الديمقراطية، وحق جميع الناس في الحرية والاستقلال. وقد فعلت بريطانيا مثل ذلك مع الشعوب أقل قدرة من الهند، فعلت ذلك مع بورما، ومع سيلان، وأخيرا مع السودان، وهي في الطريق الآن لتفعله مع قبرص، والملايو والماوماو. وما كانت في هذه السياسة خاسرة، نرجو أن يمثل وزيركم المقيم في الجزائر في نفس الدور الذي مثله الجراد (منتباين) في الهند، إذ لسنا نحن أقل إنسانية من الوثنيين الهنود، ولستم أنتم أقل حاجة إلى صداقة الشعوب من الإنكليز ولا أنتم أقل إدعاء للحرية والديمقراطية من الروس والأمريكان، وإن لم تفعلوا - لا سمح الله -: فوالله لا يحكم بينكم وبين هذه الأمة الجبارة، إلا السيف حتى النصر أو حتى الفناء. يا جناب الرئيس - إن الذي يدعوكم إلى هذه المبادئ الإنسانية والحلول الكريمة السليمة ليس هو ضحية من ضحاياكم، وإنما الذي يدعوكم هو: أولا: تاريخكم العريق الذي تنكر له بعض أسلافكم، وبعض مستغليكم أبشع تنكر. ثانيا: شعبكم الذي استفتيتموه من قريب عن مصلحته أين تكون، هل هي في الحرب أو في السلم - أهي في الحرية وصداقة الشعوب، أو في الاستبداد ومعاداتها. فأفتى هذا الشعب الواعي بما يتفق مع مصلحته وكرامته وتاريخه

صدى ثورة الجزائر في الشرق

فكونوا أنتم أمناء على هذه الوكالة، وإلا فإن عقابه القاسي لكم بالمرصاد، وإلا فإن انتخابات أخرى جديدة ستحمل إلى المجلس صنفين اثنين لا ثالث لهما (الشيوعيون) (والبوجاديون) لأنهم في هذه المعاني أقرب إلى عقلية الشعب الفرنسي وعواطفه ومصالحه، وإلى الواقعية والمثالية معا من سواهم، ونحن مستعدون لنقول إلى كل من يحسن إلينا أحسنت، وإلى كل من يسيء إلينا أسأت من غير نظر إلى مذهبه وعقيدته. ولقد علمنا داهية أوروبا (المستر تشرشل) أن نتعاون مع الشيطان إذا كان ذلك في سبيل وطننا وأمتنا. وبعد؛ فإني أعرف جيدا بأن سفاراتكم في هذا الشرق مهتمة فعلا بكل ما يقال لدولتكم أو عليكم، وأنها ترفع ذلك إلى الحكومة بحذافيره من غير طلب ولا رجاء ومع ذلك فإني أرجو من سفارتي بيروت ودمشق بصفة خاصة بأن ترفع إلى دولتكم، وإلى الخارجية القرنسية نسخة مترجمة من هذا الكتاب المفتوح الذي بعث منه نسخة لكل منهما، ثم أرجو أخيرا من دولتكم أن تطلعوا عليه حكومتكم ومجلسكم، وأرجو لكم مرة أخرى في مهمتكم الشاقة كل توفيق والسلام من المخلص. الفضيل الورتلاني صدى ثورة الجزائر في الشرق ما كادت ثورة نوفمبر سنة 1954، تندلع نيرانها في الجزائر، حتى ارتفعت أصوات الجزائريين الأحرار، في كل بقعة من الشرق والغرب، وكان في مقدمة من سارع إلى توجيه نداءات للثوار وللأمة، مؤيدا ومشجعا ومحرضا، مكتب جمعية العلماء الجزائريين بالقاهرة. الذي كان يمثله، الأستاذ البشير الإبراهيمي، والأستاذ الفضيل الورتلاني. ونحن نقدم هنا بعض تلك البيانات:

إلى الثائرين الأبطال من أبناء الجزائر اليوم حياة أو موت = بقاء أو فناء

إلى الثائرين الأبطال من أبناء الجزائر اليوم حياة أو موت = بقاء أو فناء نشر في حينه بالجرائد المصرية وغير المصرية 3 نوفمبر سنة 954ا حياكم الله أيها الثائرون الأبطال، وبارك في جهادكم، وأمدكم بنصره وتوفيقه، وكتب ميتكم في الشهداء الأبرار، وحيكم في عباده الأحرار. لقد أثبتم بثورتكم المقدسة هذه، عدة حقائق: الأولى: أنكم سفهتم دعوى فرنسا المفترية، التي تزعم أن الجزائر راضية مطمئنة، فأريتموها أن الرضى بالاستعمار كفر، وأن الاطمئنان لحكمه ذل، وأن الثورة على ظلمها فرض. الثانية: إنكم شددتم عضد إخوانكم, المجاهدين في تونس ومراكش، وقويتم آمالهم في النصر، وثبتم عزائمهم في الجهاد، وقد كان من حقهم الثابت، أن ينتظروا هذه النجدة منكم، فجئتم بها في وقتها، وكفرتم عن التقصير في هذه المباغتة المفزعة لعدوكم. الثالثة: إنكم وصلتم بثورتكم هذه، حلقات الجهاد ضد المعتدين الظالمين، الذي كان طبيعة دائمة في الجزائري منذ كان، وكشفتم عن حقيقته الرائعة، في إباء الضيم، والموت في سبيل العزة، وجلوتم عن نفسيته الجبارة، ما علق بها في السنين الأخيرة من صدأ الفتور.

الرابعة: إنكم بيضتم وجوها، وأقررتم عيونا، وسررتم نفوسا، مملوءة بحبكم، معجبة بصفحاتكم القديمة، في الجهاد راثية لحالتكم الحاضرة. أيها المجاهدون الأحرار: إن فرنسا لم تترك دينا ولا دنيا، فأوقافكم مصادرة، لم يبق منها أثر ولا عين، ومساجدكم حولت إلى كنائس، ومرافق عامة، وأرضكم الغنية مغضوبة، مستباحة، وكرامتكم مهدورة، وقد أراقت فرنسا من دماء أبنائكم أنهرا، في الحروب الاستعمارية الإجرامية، ولا تزال حتى الآن تطمع في تسخير الملايين منكم، لإذلال الأحرار من أمثالكم، بما فعلت في مدغشقر والهند الصينية، ولا تزال تساوم بكم، وبخيرات أرضكم، الدول الكبرى لمصالحها، كأنكم ضرب من البضاعة، ولقد عرفنا من خبث فرنسا، ما يحملنا على الاعتقاد، بأن ما تنويه من غدر، وما تخفيه من خبث فرنسا، ما يحملنا على الإعتقاد، بأن ما تنويه من غدر، وما تخفيه من حقد، أعظم من أن يوصف، فانتبهوا أشد الانتباه. أيها الأحرار الجزائريون - أيها المكافحون في جميع أقطار المغرب العربي. إعلموا .. أن الجهاد للخلاص من هذا الإستعباد، قد أصبح اليوم واجبا عاما مقدسا، فرضه عليكم دينكم، وفرضته قوميتكم، وفرضته رجولتكم، وفرضه ظلم الاستعمار الغاشم الذي شملكم ثم فرضته أخيرا مصلحة بقائكم، لأنكم اليوم أمام أمرين: إما حياة أو موت، إما بقاء كريم أو فناء شريف. عن مكتب جمعية العلماء الجزائريين بالقاهرة الفضيل الورتلاني

ثلاث صرخات ... نداء حول ثورة الجزائر والمغرب العربي

ثلاث صرخات ... نداء حول ثورة الجزائر والمغرب العربي الأولى موجهة إلى ذات الآذان الصماء عن الحق، وعن عويل الباكين .. فرنسا التي تتمارى بالنذر، وتعمى عن الحقائق، وتكفر بسنن الله في أمثالها من الظالمين، وتسجد للأقوياء، وتتأله على الضعفاء. هذه نتيجة سياستك البليدة، وهذا جني غرسك الخبيث، زرعت الحنظل فتجرعي مرارته، وحاربت الله في دينه، ومحارب الله محروب، فأخزاك في جميع المواقف، ورماك بالإفلاس في المال، والرجال، والرأي، والسياسة، حاولت أن تقطعي ما وصل الله، من أجزاء الشمال الإفريقي، وأن لا تجمعينا إلا في بلاياك ومصائبك، فكان ظلمك أكبر جامع لشملها، وأعظم موحد لها، في بغضك، ثم في الثورة عليك، ويا ويحك إذا انفجرت عليك، موجات الغضب من القلوب المملوءة حقدا عليك، والصدور التي ضاقت بظلمك وطغيانك، وقد رأيت وسترين ما يقض مضجعك. ابتلعت المغرب العربي قطعة قطعة، وستخرجين منه دفعة واحدة بإذن الله. والصرخة الثانية .. موجهة إلى أبناء المغرب العربي كلهم: اعلموا أيها المواطنون الأحرار: أن مهر الحرية غال، وأنه لا ينقذ إلا دماء تراق، ونفوسا تزهق، فوطنوا أنفكم على تحمل الشدائد والمكاره، وأن وطنكم عزيز فادفعوا في تحريره الثمن الباهظ.

إنكم قمتم بواجب، لا يقبل منكم أداؤه، إلا بالمحبة وطهارة القلوب، واقتحمتم ميدانا لا تنتصرون فيه، إلا بالاتحاد وجمع الكلمة، وتسوية الصفوف، وتنظيم الخطط، والصبر على البلاء، في الأنفس والأموال، لأن كل بلاء يصيبكم في هذا السبيل، فبلاء الاستعمار البغيض أشد منه وأنكى. أيها الأحرار {اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} آل عمران: 200. والصرخة الثانية: موجهة إلى الشعوب العربية وحكوماتها: يا أبناء العمومة: إن هذه الشعوب الثائرة، تونس والجزائر ومراكش، هم إخوانكم، وأجزاء جسمكم، ونصف عددكم، والقطع الخصيبة من وطنكم، والسهام الرابحة من رأس مالكم، وقد ابتلاهم الله باستعمار منهوم، لم يترك لهم درهما في جيب، ولا ريشة في جناح، ولا عقلا في دماغ، فإذا ثاروا اليوم، فإنما يثورون لشرف هو شرفكم، وكرامة هي كرامتكم، فالآن وجب حق الأخ على أخيه، من إسعاف يشد العزيمة، ونجدة تقوي الأمل، وإن عدوهم هو عدوكم لم تجدوه دائما، إلا في مواطن الخذلان لكم، وجلب الشر إليكم، وكفى بموقفه منكم في قضية فلسطين. أما المجاملات، فإنها لا تنفع مع هؤلاء المتألهين، فاروهم من أنفسكم القوة، والمعاملة بالمثل يحترموكم. أنتم قادرون إن شاء الله، على نجدة إخوانكم في موقفهم الفاصل، الذين هم فيه، وعارفون بوجوه النجدة، ولا تحتاجون - بحمد الله - إلى من يعرفكم بواجب، أو يدلكم على كيفية أدائه، وإنما نحن مذكرين المتألم، وذكرى المألم تنفع المؤمنين. عن مكتب جمعية الجزائريين بالقاهرة الفضيل الورتلاني

نداء إلى الشعب الجزائري المجاهد .. نعيذكم بالله أن تتراجعوا ..

نداء إلى الشعب الجزائري المجاهد .. نعيذكم بالله أن تتراجعوا .. أيها المسلمون الجزائريون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله وأحياكم، وأحيا بكم الجزائر، وجعل منكم نورا يمشي من بين يديها ومن خلفها. هذا هو الصوت الذي يسمع الآذان الصم، وهذا هو الدواء الذي يفتح الأعين المغمضة، وهذه هي اللغة التي تنفد معانيها إلى الأذهان البليدة، هذا هو المنطق الذي يقوم القلوب الغلف، وهذا هو الشعاع الذي يخترق الحجب والأوهام. كان العالم يسمع ببلايا الاستعمار الفرنسي لدياركم، فيعجب كيف لم تثوروا وكان يسمع أنينكم وتوجعكم منه، فيعجب كيف تؤثرون هذا الموت البطيء، على الموت العاجل المريح، وكانت تسوق شبابكم إلى المجازر البشرية، في الحروب الاستعمارية، فتموت عشرات الآلاف منكم في غير شرف ولا محمدة، بل في سبيل فرنسا، وتوسيع ممالكها، وحماية ديارها، ولو أن تلك العشرات من الآلاف من أبنائنا ماتوا في سبيل تحرير الجزائر، لماثوا شهداء، وكنتم بهم سعداء. أيها الإخوان الجزائريون: أذكروا غدر الاستعمار ومماطلته احتلت فرنسا وطنكم منذ قرن وربع القرن، وشهد لكم التاريخ، بأنكم قاومتموها مقاومة الأبطال، وثرتم عليها مجتمعين ومتفرقين، نصف هذه المدة، فما رعت في حربها لكم دينا ولا عهدا، ولا قانونا ولا إنسانية، بل ارتكبت كل أساليب الوحشية، من تقتيل النساء والأطفال والمرضى، وتحريق القبائل كاملة، بديارها وحيواناتها وقواتها.

ثم حاربتم معها وفي صفها، وفي سبيل بقائها نصف هذه المدة، ففتحت بأبنائكم الأوطان وقهرت بهم أعداءها، ورحمت بهم وطنها الأصلي، فما رعت لكم جميلا، ولا كافأتكم بجميل، بل كانت تنتصر بكم، ثم تخذلكم، وتحيا بأبنائكم، ثم تقتلكم، كما وقع لكم معها في شهر مايو سنة 1945، وما كانت قيمة أبنائكم، الذين ماتوا في سبيلها، وجلبوا لها النصر، إلا أنها نقشت أسماء بعضهم في الأنصاب التذكارية، فهل هذا هو الجزاء؟ طالبتموها بلسان الحق، والعدل والقانون، والإنسانية، من أربعين سنة، بأن ترفق بكم، وتنفس عنكم الخناق قليلا، فما استجابت، ثم طالبتموها، بأن ترد عليكم حقوقكم الآدمية، فما رضيت، ثم طالبتموها بحقكم الطبيعي، يقركم عليه كل إنسان، وهو إرجاع أوقافكم ومعابدكم وجميع متعلقات دينكم، فأغلقت آذانها في إصرار وعتو، ثم ساومتموها على حقوقكم السياسية بدماء أبنائكم الغالية التي سالت في سبيل نصرها، فعميت عيونها عن هذا الحق، الذي يقرره حتى دستورها، ثم هي في هذه المراحل كلها، سائرة في معاملتكم من فظيع إلى أفظع. أيها الإخوة الجزائريين الأبطال: لم تبق لكم فرنسا شيئا تخافون عليه، أو تدارونها لأجله، ولم تبق لكم خيطا من الأمل تتعللون به، أتخافون على أعراضكم وقد انتهكتها. أم تخافون على الحرمة وقد استباحتها، لقد تركتكم فقراء تلتمسون قوت اليوم فلا تجدونه؟ أم تخافون على الأرض وخيراتها، وقد أصبحتم فيها غرباء حفاة عراة جياعا، أسعدكم من يعمل فيها رقيقا، زراعيا يباع معها ويشتري، وحظكم من خيرات بلادكم، النظر بالعين والحسرة في النفس؟ أم تخافون على القصور، وتسعة أعشاركم يأوون إلى الغيران كالحشرات والزواحف؟ أم تخافون على الدين؟ ويا ويلكم من الدين الذي لم تجاهدوا في سبيله، ويا ويل فرنسا من الإسلام، ابتلعت

إن التراجع معناه الفناء

أوقافه وهدمت مساجده، وأذلت رجاله، واستعبدت أهله، ومحت آثاره من الأرض، وهي تجهد في محو آثاره من النفوس. أيها الإخوة المسلمون: إن التراجع معناه الفناء إن فرنسا لم تبق لكم دينا ولا دنيا، وكل إنسان في هذا الوجود البشري، إنما يعيش لدين ويحيا بدنيا، فإذا فقدهما فبطن الأرض خير له من ظهرها. وإنها سارت بكم من دركة إلى دركة، حتى أصبحت تتحكم في عقائدكم، وشعائركم، وضمائركم، فالصلاة على هواها لا على هواكم، والحج بيدها لا بأيديكم، والصوم برؤيتها لا برؤيتكم، وقد قرأتم وسمعتم من رجالها المسؤولين، عزمها على إحداث (إسلام جزائري) ومعناه إسلام ممسوخ، مقطوع الصلة بمنبعه في الشرق وبأهله من الشرقيين. إن الرضا بسلب الأموال، قد ينافي الهمة والرجولة، أما الرضى بسلب الدين والاعتداء عليه فإنه يخالف الدين، والرضى به كفر بالله وتعطيل للقرآن. إنكم في نظر العالم العاقل المنصف، لم تثوروا، وإنما أثارتكم فرنسا بظلمها الشنيع وعتوها الطاغي، واستعبادها الفظيع لكم قرنا وربع قرن، وامتهانها لشرفكم وكرامتكم، وتعديها المريع على مقدساتكم. إن أقل القليل مما وقع على رؤوسكم من بلاء الاستعمار الفرنسي، يوجب عليكم الثورة عليه، من زمان بعيد، ولكنكم صبرتم، ورجوتم من الصخرة أن تلين، فطمعتم في المحال، وقد قمتم الآن قومة المسلم الحر الأبي فنعيذكم بالله وبالإسلام، أن تتراجعوا أو تنكصوا على أعقابكم، إن التراجع معناه الفناء الأبدي والذل السرمدي.

هلموا إلى الكفاح المسلح

إن شريعة فرنسا، أنها تأخذ البريء بذنب المجرم، وأنها تنظر إليكم مسالمين أو ثائرين نظرة واحدة، وأنها عدو لكم وأنكم عدو لها، والله لو سألتموها ألف سنة، لما تغيرت نظريتها العدائية لكم، وهي بذلك مصممة على محوكم، ومحو دينكم وعروبمكم، وجميع مقوماتكم. إنكم مع فرنسا، في موقف لا خيار فيه، ونهايته الموت، فاختاروا ميتة الشرف على حياة العبودية التي هي شر من الموت. إنكم كتبتم البسملة بالدماء، في صفحة الجهاد الطويلة العريضة، فاملأوها بآيات البطولة التي هي شعاركم في التاريخ، وهي إرث العروبة والإسلام فيكم. ما كان للمسلم أن يخاف الموت، وهو يعلم أنها كتاب مؤجل، وما كان للمسلم أن يبخل بماله أو بمهجته، في سبيل الله، والانتصار لدينه، وهو يعلم أنها قربة إلى الله، وما كان له أن يرضى الدنية في دينه، إذا رضيها في دنياه. أخلصوا العمل لله وأخلصوا بصائركم في الله، واذكروا دائما وفي جميع أعمالكم، ما دعاكم إليه القرآن، من الصبر في سبيل الحق، ومن بذل المهج والأموال في سبيل الدين، واذكروا قبل ذلك كله قول الله {وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله} التوبة: 41. وقول الله: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيره بإذن الله والله مع الصابرين} البقرة: 249. أيها الإخوة الأحرار: هلموا إلى الكفاح المسلح إننا كلما ذكرنا ما فعلت فرنسا بالدين الإسلامي في الجزائر، وذكرنا فظائعها في معاملة المسلمين، لا لشيء إلا لأنهم مسلمون، كلما ذكرنا ذلك احتقرنا أنفسنا واحتقرنا المسلمين، وخجلنا من الله أن يرانا ويراهم، مقصرين في الجهاد لإعلاء كلمته، وكلما استعرضنا الواجبات وجدنا أوجبها وألزمها في أعناقنا، إنما هو الكفاح المسلح فهو الذي يسقط علينا الواجب، ويدفع عنا وعن ديننا العار، فسيروا على بركة

أوسع المعلومات عن بداية الثورة في الجزائر

الله، وبعونه وتوفيقه إلى ميدان الكفاح المسلح، فهو السبيل الواحد إلى إحدى الحسنيين، إما الموت وراءه الجنة، وإما حياة وراءها العزة والكرامة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عن مكتب جمعية العلماء الجزائريين بالقاهرة محمد البشير الإبراهيمي الفضيل الورتلاني القاهرة 15 نوفمبر 1954 أوسع المعلومات عن بداية الثورة في الجزائر انفجر بركان الثورة المباركة في الجزائر ليلة اليوم الأول من نوفمبر الحالي، 1954 وقد كنا نحن الجزائريين الموجودين خارج الجزائر، نترقب هذه الثورة ونتوقعها، نترقبها لأنها الأمل الوحيد في تحريرنا من التعسف الفرنسي، الذي لا يعرفه إلا من أبلى به، ونتوقعها لأن هذا هو وقتها، ولأن فرنسا لا تفهم إلا هذه اللغة، ولا يفتح آذانها إلا هذا الصوت. ومضى على الثورة عشرة أيام، ونحن نحترق شوقا إلى الإطلاع على حقيقة ما يجري هناك، وكيف ابتدأت الثورة؟ وما هي العناصر التي قامت عليها؟ وبأية صبغة تصطبغ؟ وإلى أي اتجاه تتجه؟ وهل انتشرت في جميع البلاد، حتى نبني على مقدماتها الصحيحة، نتائج صحيحة. ونستطيع أن نتحدث عليها بالصدق، ونصفها لإخواننا الذين لا يعرفون الجزائر، ونصورها بصورتها الحقيقية من غير مبالغة، نغرهم بها. ولا تقصير يثبط العزائم، وحتى نغذيها بما نستطيع من وقود روحي أو مادي، إذ لا يستطيع العاقل أن يتحدث عن شيء يجهل تفاصيله، وإن كان يعرف أسبابه.

ثورة الجزائر طابعها عسكري حازم

لبثنا هذه المدة نتلقى الأخبار من محطات الإذاعة العالمية، ومن الجرائد المحلية المستقاة من وكالات الأنباء، ولكنها لا تشفي غليلا في هذا الباب، وقد توقعنا في التضليل، حينما تذكر أسماء القرى والأماكن محرفة بسبب الترجمة، وأن استنتاجنا نحن الجزائريين العارفين بأجزاء وطننا، لا يكون صحيحا مفيدا، إلا إذا عرفنا أسماء الأماكن والقرى صحيحة الألفاظ، لنستخرج الفائدة من خلال المواقع والمسافات، وما بينها من التشابه في الخصائص، بحيث تكون طبائعها التكوينية، تتعاضد على ما ينفع الثورة، ويدفعها إلى الدوام والانتشار. ثورة الجزائر طابعها عسكري حازم واليوم وصلنا العدد رقم 292 من جريدة "البصائر" لسان حال جمعية العلماء الجزائريين، المؤرخ بيوم الجمعة 9 ربيع الأول سنة 1374 الموافق 5 نوفمبر سنة 1954 وهو أول عدد يصلنا بعد الثورة. وفي افتتاحيته سرد مرتب للحوادث التي وقعت في ساعة واحدة من الليلة الأولى للثورة، ففهمنا من هذا السرد المجرد من التعاليق أشياء كثيرة، منها أن وقوع عدة حوادث في لحظة واحدة، يشهد بحسن التدبير والنظام والإحكام، ومنها أن الثورة شعبية غير متأثرة بالتأثيرات الحزبية، ومنها أن طابعها عسكري حازم، عارف بمواقع التأثير. وها نحن أولا ننشر جدول الحوادث التي وقعت في ظرف ست ساعات من ليلة واحدة، نقلا عن العدد المذكور من "البصائر"، وقد استندت فيه إلى شهادة المعاينة، وإلى الرسميات:

الليلة الليلاء ... ليلة 1 نوفمبر سنة 1954 بداية ثورة الجزائر المباركة

الليلة الليلاء ... ليلة 1 نوفمبر سنة 1954 بداية ثورة الجزائر المباركة فوجئت البلاد الجزائرية، بعدد عظيم من الحوادث المزعجة، وقعت كلها ما بين الساعة الواحدة والساعة الخامسة من صبيحة الاثنين غرة نوفمبر 1954، وهو عيد ذكرى الأموات. ولقد بلغ عدد تلك الحوادث ما يزيد عن الثلاثين ما بين الحدود التونسية وشرقي عمالة وهران، إلا أن عمالة قسنطينة وخاصة جهاتها الجنوبية كانت صاحبة المقام الأول فيها، وكانت تتركز الحوادث في جهات جبال أوراس، وفي خط يسير من باتنة إلى خنشلة، ثم يشمل الجنوب. وتلي عمالة قسنطينة بعض جهات العمالة الجزائرية، كبلاد القبائل والعاصمة الجزائرية وبوفاريك. إننا إلى حد هذه الساعة، لا نملك التفاصيل المقنعة عن هذه الحوادث، وأسبابها، وليس بين أيدينا إلا ما تناقلته الصحف وشركات الأخبار، فلا نستطيع أن نعلق عليها أدنى تعليق، إلى أن تتبين لنا طريق الصواب، فليس من شأن "البصائر" أن تتسرع في مثل هذه المواطن. لكننا من جهة أخرى رأينا أنه لا يمكن أن يخلو هذا العدد من جريدتنا من ذكر هذه الحوادث، التي تناقلت صحف العالم بأسره تفاصيله، فقررنا الاكتفاء بذكر أهمها، تاركين للزمن كشف الحقائق عن أسرارها، ولسوف نتتع ذلك بالدقة والاهتمام. مدينة الجزائر: انفجرت قنبلة من المصنع المحلي أمام بوابة راديو "الجزائر" فأحدثت به ضررا، وقد وجدت قنبلتان لم تنفجرا.

ووقعت محاولة إحراق في مستودع زيت الوقود، الذي يملكه مسيو موري، والذي يخزن ثمانية أطنان من البترول في شارع دينان، ولقد تنبه الحرس وأطفأت النيران ولم تقع الكارثة. في مدينة بوفاريك: انفجرت قنبلة في مستودع خزن الفواكه، فاحترق المستودع الذي تبلغ قيمته خمسة ملايين، واحترقت الصناديق الخشبية المعدة للتصدير، وقيمتها 25 مليونا. في بابا علي: وقع إحراق معمل الورق وتمكنت فرق المطافئ، بعد جهد جهيد، من إخماد النيران. في مدينة العزازفة: وقعت مهاجمة دار الجندرمة، ورميت بسبعة وأربعين رصاصة، تبين أنها من رصاص البنادق الطليانية صنع سنة 1946. وفي الوقت نفسه، وقع إشعال النار في مستودع البهش "قشر الفرنسان" الذي تملكه إدارة الغابات والمياه، فكانت الخسائر به عظيمة جدا، والتهمته النيران وبلغت قيمة الخسائر نحو الخمسين مليونا. ولقد حطمت في ذلك الوقت أعمدة الأسلاك، التابعة لإدارة البريد، فأصبحت المدينة في عزلة تامة. في بقية بلاد القبائل الكبرى، وحول مدن وقرى: بوغنى - دلس - بويرة - برج أم نايل - آبو - وغيرها، وقع تحطيم وإتلاف أعمدة أسلاك التليفون. في ذراع الميزان: وقع إلتحام قتل فيه أحد حراس الغابة. في تيزي نتليته: قتل أحد حراس الغابة أيضا، إلى غير ذلك من مثل هذه الحوادث، في عدة قرى القبائل. في عمالة وهران: وقعت محاولة تحطيم المولد الكهربائي في وليس، لكن العملية لم تسفر عن خسائر.

في جهة كسان: وقعت مهاجمة إحدى قرى المستعمرين، وجرح أحد الحراس، والتجأ أحد أصحاب الضيعة إلى دار الجندرمة، ولكنه لم يكد يصلها حتى أصابته رصاصة أردته قتيلا ووقعت مهاجمة دار الجندرمة، فجرح فيها أحد حراسها الليليين. في عمالة قسنطينة: كانت الحوادث كثيرة، وخاصة في شرقها وجنوبها. وفي خنشلة: وقعت مهاجمة إدارة الحوز الممتزج، وكوميسارية البوليس، كما وقعت مهاجمة رجال عسكريين، ووقع تحطيم الخزان الكهربائي. وقتل ثلاثة من رجال الجيش. وسحبت السلطة من المنطقة، حراس الغابة والسواجين، ثم احتلت فرقتان عسكريتان إريس، ورفعت عنها الحصار. وأعلنت حالة الحصار، في كامل تلك الجهة، وباتنة وبسكرة وخنشلة، ومنع التجول من الساعة الثامنة وقطعت الأسلاك البرقية على طريق أريس. في بسكرة: وقع تفجير قنبلة أمام المعمل الكهربائي، كما انفجرت قنابل أخرى، أمام الثكنة العسكرية وأمام الكمسارية، وفي محطة السكة الحديدية ولقد جرح أحد البوليس كما جرح أحد الحراس. أما الطريق بين بسكرة وأريس، فقد منع التجول بها، وأخذت طائرة عسكرية تحوم حول كامل تلك الجهات. ولقد أرغم رجال مسلحون، عربة كبيرة على الوقوف، وأنزلوا ركابها، واختاروا ثلاثة، ثم أمروا الباقين بالرجوع إلى مقاعدهم. أما الثالثة: فهم قائد مشاونش، ومعلم فرنسي وزوجه، ولم يمض على زواجهما أكثر من شهرين فقد أطلقوا عليهم الرصاص، فمات القائد والمعلم، وجرحت زوجته جراحا خطيرة، ونقلت إلى مستشفي أريس.

في الأوراس: وهي المنطقة الجبلية الوعرة الشاسعة، وقعت عدة حوادث في شتى الجهات، وكان الرجال المسلحون، يباشرون العمليات، ثم ينسحبون إلى الجبال. ويدمرون وراءهم الجسور، ولقد قتل واحد منهم وجرح آخرون، وحاولوا الاستيلاء على منجم إيشمون، لكنهم انسحبوا، بعد معركة عنيفة، أطلقت، خلالها ستمائة طلقة نارية. وحوصرت مدينة "أريس" المركزية في الأوراس، من طرف الثوار المسلحين. في باتنة: وقع إطلاق الرصاص بقي مدة ساعة من الزمن، كان يسمع على مسافة كيلومترين من المدينة، وهوجمت ثكنة فرقة الشاسور، فقتل بها جنديان، واكتشفت قنبلة في مستودع الثكنات لكنها لم تنفجر. في الخروب: وقع إطلاق القذائف النارية على حارس مستودع الوقود العسكري، لكنه لم يصب بسوء. في السمندو: وقعت مهاجمة دار الجندرمة وكسر بابها الخارجي، وأطلق الرصاص على من كان داخلها وأسفرت كامل هذه الحوادث عن سبعة من القتلى، وعدد من الجرحى لم يعرف بعد. هذه خلاصة وجيزة، عن الأعمال التي وقعت يوم الاثنين، لخصناها بغاية الدقة عن الصحف الفرنسية، ولربما عدنا إليها في مستقبل الأيام بشيء من الإطناب إن اقتضى الحال ذلك. ولقد قابلت الحكومة هذه الحوادث، بتجهيز كامل قواها العسكرية، واستنجدت فرنسا فأمدتها سريعا بثلاثة آلاف من فرق المظلات، وسلحت البوليس وشددت الحراسة في المدن والقرى، حول الإدارات والجسور وغيرها، ثم ألقت القبض يوم الاثنين والثلاثاء، على جماعات مختلفة في عدة مدن.

ملاحظات وتعليق: عظمة الثورة ومغزاها

ولقد عقد الوالي العام، ندوة صحفية تكلم فيها عن هذه الحوادث فقال إنها حوادث أمليت إملاء من الخارج، واستشهد طويلا بأقوال مذياع "صوت العرب" من القاهرة، وقال إن الذين دبروا هذه الحوادث ونفذوها، يريدون أن يتخذوا منها حجة لدى هيئة الأمم المتحدة، لتنفيذ ما تقوله فرنسا، من أن الأمن مستتب بالقطر الجزائري. أما الصحف الفرنسية، فقد انقسمت إلى قسمين، سواء بالجزائر أو بالبلاد الفرنسية، فالقسم المالي المتطرف، ينادي بوجوب الزجر والبطش، واستئصال الداء، بواسطة دراسة عادلة للوضعية الجزائرية، وتحقيق العدل والإنصاف في سائر الميادين، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالمشاكل الكبرى لا تحل بالعنف والبطش والإرهاب، إنما تحل بالدراسة والمفاهمة الصريحة والرجوع إلى الحق. ملاحظات وتعليق: عظمة الثورة ومغزاها هذه الأعمال الحربية كلها وقعت من ثوار الجزائر في ليلة واحدة وفي بضع ساعات من بداية قيام العمليات الحربية، والعارفون بجغرافية الجزائر، هم وحدهم، الذين يستطيعون أن يقدروا عظمة هذه الأعمال الجبارة، ويدركوا مغزاها، لأنها وقعت متفرقة، في أكثر من سبعين منطقة، تقدر مساحتها، بما يناهز نصف مليون كيلومتر مربع، وعلى مسافات وأبعاد، تقدر بآلاف الكيلومترات، ومع ذلك كله كان البدؤ بجميعها في ساعة من الليل واحدة، ومتجهة كلها إلى نواحي إستراتيجية خطيرة، كالإذاعات والثكنات العسكرية، والإدارات الحساسة ووسائل المواصلات على اختلافها، وما أشبه ذلك، الأمر الذي يدل على أنها حرب تحريرية جديدة لا مجرد مظاهرة عابرة، وعلى أن الشعب كله على اختلاف أفراده وجماعاته، لها مؤيدة، وتدل في الوقت نفسه، على نظام للثورة بديع ومدروس، وعلى قيادة عسكرية موحدة مطاعة، وعلى استعداد لمواصلة العمل الجدي حتى النصر النهائي والاستقلال التام. عن مكتب جمعية العلماء الجزائريين بالقاهرة الفضيل الورتلاني

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (*) ¬

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: نص مكرر للصفة السابقة بدءا من السطر الخامس

رسالة من الورتلاني إلى حكومة مراكش الحرة

رسالة من الورتلاني إلى حكومة مراكش الحرة المنار الحياة بيروت المساء بيوت نوفمبر 1955 إلى حضرة صاحب الدولة، ريس حكومة مراكش الحرة السيد محمد البكاي وإلى أصحاب المعالي وزارائه الكرام، حفظهم الله جميعا. السلام عليكم، وعلى وزراتكم الأبرار، بقدر ما تبذلون من جهود كريمة جبارة، في سبيل تحرير الوطن .. وبعد: لأول مرة في التاريخ، بعد مأساة الاحتلال الإفرنسي لوطننا العزيز (مراكش) تتألف حكومة وطنية حرة، تشرفتم برئاستها، ومن فضل الله الذي لا نستطيع أن نوفيه حقه من الشكر، أن هيأ ظروفا كريمة تجعل كون أعضاء هذه الحكومة، من خيرة رجالنا، وطنية وشبابا، أمرا ميسورا، ومن تمام ذلك الفضل العظيم، أن يكون مرجع هذه الحكومة الشريفة، هو سلطان البلاد الشرعي، الذي دل بثباته الرائع، وتضحياته الخطيرة على صدق في الرجولة، وعزيمة في الوطنية، لم تكن معهودة، في الملوك والسلاطين، الذين يشبهونه في الوضع منذ العصور المتوغلة في القدم، إلى يوم الناس هذا، نعيذه بالله ونعيذكم من سوء الخاتمة. لا قيمة لحق لا تسنده قوة سيدي الرئيس ... إن الذي تم حتى الآن، من خضوع الاستعمار العتيد، لمبدأ الحق، الذي كان خصما له على الدوام، لم يكن من قبيل الصدف أبدا، إنما كان نتيجة، لمقدمات

وأسباب خطيرة كما تعلمون، من تلك الأسباب، اضطراب العالم كله، وتقسيمه إلى معسكرات جبارة، يهدد بعضها بعضا بالفناء، ومنها ازدياد نفور الرأي العام العالمي البليغ، من الاستعمار، وعده إياه، العامل الأكبر للقلق السائد، الذي أفقد الإنسانية أمنها وسعادتها، ومنها شعور الشعوب المستعمرة نفسها، بأن هذه التجارة البغيضة، إنما هي صناعة عنيفة، لطبقة معينة من أراذلها، وأنها تقيم الحروب المدمرة من أجل فائدتها، هي وحدها، بينما الخاسر دائما للراحة والدماء هم أولئك الشعوب المسكينة المضللة، وقد دلل الشعب الإفرنسي على ذلك في أكثر من مظهر، كان أهمها تمرد بعض جنوده، عن إطاعة الأوامر العسكرية الحازمة، وامتناعهم عن القتال في الجزائر والمغرب العربي، وإعلانهم صراحة، حق المستعمرات في الحرية، وتقرير المصير، أما السبب الأكبر والأهم في نظري لعودة الاستعمار، إلى بعض صوابه، إنما هو موقف الأمة المغربية الرائع النبيل والشامل، من حدود ليبيا إلى ضفاف الإطلنطيك، حينما واجهوا بسلاح متواضع، قوة جبارة، كانت حتى الأمس القريب، تعد الرابعة في العالم، ولم يشذ عن الكفاح والتضحية حتى ملوكهم، فإن أحد هؤلاء مات شهيدا، في المنفى الاستعماري، أعني جلالة المنصف باي، والثاني سلك السبيل نفسه، فلم يخفه مصير سلفه، ولم يمنعه من المجازفة، في سبيل استقلال أمته، أعني جلالة السلطان، سيدي محمد بن يوسف، وأما شعب المغرب العربي - وأكره أن أجعله شعوبا متعددة - فلقد برهن على حيوية ونبل نادرين، وبرهن على وفاء عريق، لدينه ووطنه، ولماضي أسلافه، بما جعل أعز شيء عند الناس، لديه رخيصا، وهو الأمن والحياة، وأنه ليكون من الغفلة، ومن الجحود بمكان، أن نقلل من شأن أعمال الثوار الذين يسميهم الاستعمار، لصوصا وخوارج على القانون، أجل، إنهم خارجون على القانون فعلا، وبارك الله في ذلك الخروج، لأنه خروج على قانون حقير، وضع لاستعبادنا واستغلالنا، هم الذين علموا الدنيا، المبدأ الخالد: (متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار).

احذروا غدر الاستعمار

سيدي الرئيس إن أملي في همتك، وحسن ظني في إخواني الوزراء، وتقديري لديمقراطية جلالة السلطان الحقة، ومشاركتنا بحمد الله، في بناء هذه الأمة، وفي هدم الاستعمار، منذ نعومة الأظفار، ثم دقة الموقف، وخطورته، لأنه يتعلق بمصير ثلاثين مليونا من الحاضرين، وبمئات الملايين من الأجيال الغائبين، كل ذلك يسمح لي، ويفرض علي في آن واحد، أن أضع بين يدي دولتكم، وبين يدي إخواني الوزراء، هؤلاء الذين أرجو، أن يطلعوا جميعا على هذا الكتاب، الملاحظات الآتية: احذروا غدر الاستعمار أولا: يجب في نظري، أن تحسبوا لغدر الاستعمار، كل حساب استنادا إلى طباعه المشهورة، وإنه لمن الجائز جدا، أن تجدوا أنفسكم في يوم من الأيام، أو في ليلة من الليالي ومن غير سابق إنذار، بين يدي البوليس الاستعماري، وقد يضع الحديد في أيديكم وأرجلكم، وأنتم وزراء الأمة، وتقودكم في الظلام أو في النور، إلى السجن أو المعتقل، كما يقاد القتلة والمجرمون العاديون، وله في ذلك سوابق، سارت بذكرها الركبان، وليست قصة حكومة لبنان، ورئيس جمهوريتها، وقصف مجلس نواب سوريا بالمدافع والقنابل، بالأحداث البعيدة، التي يجوز نسيانها، وعليه فمن الحزم والحكمة، ألا تدعو حياة الكرسي الوثير والمنصب الفخم، لتؤثر على طباعكم بحال، إذا ما نزل ما نزل، من عظماء الرجال، إلا من طريق اعتياد الرفاهية والفخامة، أعانكم الله منها. ثانيا: يجب أن تحترسوا من أساليب الاستعمار الملتوية، وألاعيبه المعهودة، وأنه لا ليبني نية غدره دائمة، على التطويل في المفاوضات، والتسكين، والتخدير بالوعود المعسولة، حتى يكسب الوقت، ويختار الظرف المناسب، لضربته الغادرة، وأنتم بحمد الله أدرى الناس، بأن الاستعمار لا عهد له، وأن لا شرف في كلماته.

وحدة المغرب العربي أمانة مقدسة في أعناقكم

وحدة المغرب العربي أمانة مقدسة في أعناقكم ثالثا: لقد لمستم بأنفسكم، ما كان لاتحاد المغرب العربي، وتعاون أبناء أمته، في الكفاح، من أثر فعال، في احترام الدنيا له، وفي الاعتراف بوجوده الكريم، وبحقه في الحياة الحرة وفي الاستقلال، لذلك أناشدكم الله باسم الأجيال، أن تجعلوا قضيته واحدة، لا تفريق فيها، كما جعل الله أمته واحدة، في توحيد دينها وفي جنسها وفي لغتها، وطبيعة أرضها، وفي تقاليدها وصالحها، وحتى في توحيد أعدائها المستعمرين، على أنني لست الآن بصدد وضع الخطط لكم، حتى تكون برنامجا لوسائل تحقيق هذه الوحدة، معاذ الله أن أقصد إلى ذلك، فإن في رجالكم كل الكفاية والحمد لله، بل الغاية طويلة، والعمل التفصيلي، إنما تمليه الظروف اليومية، وإنما مهمتي الآن، أن أذكركم بمبدأ قدسية هذه الوحدة، التي عملنا لها، علم الله منذ ربع قرن ونيف، وإني أرى وجوب وضعها في حساب كل عمل، يعرض لكم، كحكومة تحضيرية، وكل إليها أمر وضع القواعد الأساسية، لمستقبل هذه الأمة العريقة. جيش التحرير هو رأس مالنا المفدى رابعا: لقد وقع إخواننا التونسيين، في خطأ كبير، حينما دعوا المقاتلين الأبرار إلى التسليم، وإلى وضع الأسلحة، فهؤلاء الأبطال المقاتلون، إن كانوا في نظر فرنسا لصوصا، كما تزعم دائما، فيجب أن يكونوا في نظرنا نحن، هم جيش الأمة المظلومة المغلوبة على أمرها، ويجب أن يكونوا في نظرنا، أكثر من مجاهدين عاديين، ولكنهم الزمرة المثالية التي يعود إليها، أكبر الفضل بعد الله في خضوع العدو للاعتراف بنا، والتحدث إلينا، وإخراجنا من السجون والمنافي والمعتقلات، فضلا عن دعوته إيانا، لكون حكاما ووزراء، وعليه فلا يجوز بحال من الأحوال، أن تدعو هذا الجيش المكافح، إلى التسريح، إلا إذا رضيت فرنسا نفسها بأن تسرح جيشها، بل

الواجب والحزم في نظري، أن يبقى هذا الجيش قائما، وأن نعمل على تنميته، حتى بعد الاستقلال الفعلي، ليكون نواة طاهرة، لجيش وطني كريم، وفي ذلك اعتراف متواضع، بفضله من جهة، وفيه اطمئنان إلى أمانته وإخلاصه من جهة أخرى، وإلا فسنضطر حتما، إلى أن نضع قواتنا المسلحة، وأسرارها في أول عهدها، بين يدي رجال مرتزقة، أو مشكوك في وطنيتهم، كما حصل لبعض شقيقاتنا المحترمة، أما عقد هدنة بين الجيشين، بشروط كريمة واضحة، يتفق عليها الطرفان، لمصلحة الجميع، ولمصلحة السلام فذلك أمر لا بأس به، بل مرغوب فيه، بشرط أن تكون هدنة شاملة، ويرضى بها جيش التحرير الموحد، حتى لا يجد الاستعمار، منفذا لتفريقنا، وتوهين قوانا، ثم الغدر بنا في النهاية. خامسا: إن أي غموض أو قيد في النصوص على الاستقلال التام، يجب أن يعتبر سوء نية، من جانب الاستعمار، وحيلة وضعت قصدا للتراجع حين اللزوم. سيدي الرئيس أرجو من كرم أخلاقكم، أن تتقبلوا هذا التذكير المتواضع، من أخ لكم في الوطن والجهاد، بصدر رحب وبعناية تتفق وخطورة المهمة، التي وكلت إلى حكومتكم، كما أرجو مثل ذلك، من إخواننا الوزراء أعزهم الله، وأرجو أن ترفعوا أسمى تحياتي وأعظم إجلالي لجلاله السلطان المعظم، حفظه الله، ذخرا للجهاد والثبات، ورمزا لاستقلال المغرب العربي ووحدته، وأسأل الله جلت قدرته، لكم ولوزرائكم أن يوفقكم لما فيه مصلحة الوطن الكبرى، وأن يسدد خطاكم، ويمدكم بعون من عنده، لإتمام مهمتكم النبيلة المقدسة، والسلام من المخلص. الفضيل الورتلاني

مذكرة عن جمعية العلماء إلى الجامعة العربية

مذكرة عن جمعية العلماء إلى الجامعة العربية عن الجرائد المصرية منبر الشرق والدعوة أغسطس 1954 إلى حضرات أعضاء مجلس الجامعة العربية المتحرمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إن مكتب جمعية العلماء الجزائريين بالقاهرة - يتشرف بأن يعرض على حضراتكم المعلومات والرغبات الآتية: راجيا أن تنال من مجلسكم الموقر كل اهتمام. الشعب الجزائري إن الشعب الجزائري جزء ثمين من الأمة العربية الماجدة، ما زال محتفظا بخصائص العروبة كأقوى ما يكون الاحتفاظ، ومن ثم فهو رأس مال العرب يجب أن تحافظوا عليه. وهو كذلك - جزء له قيمته من الأمة الإسلامية العظيمة، ما زال محتفظا بشعائره، متصلبا في عقائده الكريمة السمحة، ومن ثم فهو رأس مال عظيم للمسلمين يجب عليهم - حيثما كانوا - أن ينظروا إليه نظرة الأخوة المقتضية للنجدة والنصر. فإذا تم للاستعمار الفرنسي ما يريده به، من فرنسة واستعجام، فمعنى ذلك أنه ضاع على العرب والمسلمين - كل باعتباره الخاص - رأس مال عظيم، يقوم في العدد بأحد عشر مليونا، وفي المعنى بذخيرة غالية من ذخائر الإنسانية وفضائلها، من الشجاعة

أشنع أعمال فرنسا في الجزائر

والكرم، والصبر على مكاره الحياة، والثبات على الخصائص الأصلية، وقوة المقاومة الروحية، والوفاء للأصول التاريخية، والاعتزاز بالمقومات من لغة وجنس ودين. وإذا ضاعت الجزائر، ضاعت معها تونس ومراكش، فضاع على العرب ما يقرب من نصف عددهم، في وقت تتكاثر فيه الأمم القوية بمن ليس من دينها ولا من جنسها. أشنع أعمال فرنسا في الجزائر كانت الجزائر قبل احتلال الفرنسيين لها في سنة 1830، دولة مستقلة غنية، تملك خصائص الدولة في ذلك العصر، وأهمها العلم بالدين والدنيا، وفيها من الأوقاف الإسلامية الدارة على العلم والدين، ووجوه البر ما لا يوجد مثله في قطر إسلامي آخر، ومنذ تغلب عليها هذا الاستعمار الفريد في الخبث، وهو يعمل جاهدا على قتل شخصيتها، بالقضاء على الدين واللغة العربية، وكان أول عمل قام به، هو مصادرة الأوقاف الإسلامية، والمعاهد التابعة لها، من مساجد ومدارس وزوايا، وتحويلها إلى كنائس وثكنات، وإصطبلات وميادين ومرافق عامة، ثم أصدرت قانونا لا نعرف له نظيرا، في تاريخ البشرية العاقلة يقضي باعتبار اللغة العربية لغة أجنبية، في وطنها، وبين أهلها، يتوقف تعليمها على إذن خاص، وشروط ثقيلة وزادت تلك الشروط على الأيام ثقلا وعنتا، حتى أصبحت في السنوات الأخيرة لا تطاق، وأصبح معلم العربية يقف في قفص الاتهام، مع اللصوص والسافكين، وتسري عليه العقوبات مثلهم بالسجن والتغريم والتعذيب. ثم دأب الاستعمار من مائة ونيف وعشرين سنة، على طمس كل أثر للإسلام والعربية، وقطع كل صلة بينهما وبين الشرق، ليتم له مسخ الأمة الجزائرية، وإدماجها في الأمة الفرنسية، ولكن المناعة الطبيعية في هذه الأمة، وتصلبها في المحافظة على التراث الإسلامي المقدس، وعلى خصائصها الشريفة - دفع عنها ذلك البلاء وإنقاذها من ذلك المصير.

لمن يرجع الفضل؟

لمن يرجع الفضل؟ يرجع الفضل الأكبر في تسطير تاريخ جديد للجزائر بإحياء الدين، وما يتبعه من لغة وتاريخ وآداب - إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تأسست رسميا سنة 1931 فقد استطاعت بفضل الله وعونه، أن تقضى على فكرة الاندماج، وغيرها من مقاصد الاستعمار، وأن تضع أساسا متينا للثقافة الإسلامية والعربية في تلك الديار المعزولة، رغم استماتة الفرنسيين في محاربتها، واستطاعت بجهودها الخاصة أن تعمل الأعمال العظيمة الآتي بيانها: مبدأ جمعية العلماء وغاياتها مبدأ جمعية العلماء، يرمي إلى غاية جليلة، فالمبدأ هو العلم، والغاية هي تحرير الشعب الجزائري، والتحرير في نظرها قسمان، تحرير العقول والأرواح، وتحرير الأبدان والأوطان، والأول أصل للثاني، فإذا لم تتحرر العقول والأرواح، من الأوهام في الدين، وفي الدنيا، وفي الحياة، كان تحرير الأبدان من العبودية والأوطان، من الاحتلال متعذرا أو متعسرا، حتى إذا تم منه شيء اليوم، ضاع غدا، لأنه بناء على غير أساس، والمتوهم ليس له أمل، فلا يرجى منه عمل. لذلك بدأت جمعية العلماء - من أول يوم نشأتها - بتحرير العقول والأرواح، تمهيدا للتحرير النهائي، فوضعت برنامجا محكما، لوعظ الكبار وإرشادهم بالدروس والمحاضرات، حتى بلغت من ذلك أقصى غاية من الجهد، وأقصى غاية في النتائج، وأصبح الشعب - في جملته - صافي الفكر، مستقل العقل متوهج الشعور، مشرق الروح، فاهما للحياة، واسع الأمل فيها، عاملا للحرية والاستقلال، مؤمنا بماضيه، عاملا على ربط الحاضر، ووصله بالوطن العربي الأكبر، متبصرا في وزن رجاله، لا ينطلي عليه غش الغشاشين، ولا تدجيل الدجالين، ومعلوم أن هذه المعاني لا تدخل النفوس دفعة

أعمال جمعية العلماء في التعليم العربي للصغار

واحدة، وإنما تكمل بالتدريج، والذي وصل إليه الشعب الجزائري من هذا، هو نتيجة نيف وعشرين سنة، في أعمال جدية متواصلة، ولكنه لا يتم عادة في أقل من خمسين سنة. أعمال جمعية العلماء في التعليم العربي للصغار أولا: زادت الجمعية على هذا العمل العام آخر خاصا، وهو العمل على تخريج جيل جديد، يتلقى هذه المعاني في الصغر، ويثبتها بالعلم الصحيح، لتحارب الاستعمار بسلاح من نوع سلاحه وهو العلم، فأسست في هذين العقدين من السنين نحو مائة وخمسين من المدارس الابتدائية للعربية والدين، وشيدتها بمال الأمة، وصيرتها ملكا للأمة، وهي تضم اليوم ما يقرب من خمسين ألف تلميذ، من حملة الشهادات الابتدائية من مدارس الجمعية. ثانيا: بما أن المساجد التي هي تراث الأجداد، صادرتها الحكومة الفرنسية وصادرت أوقافها من يوم الاحتلال، فأحالت بعضها كنائس، وبعضها مرافق عامة، وهدمت كثيرا منها لتوسع الشوارع والحدائق، واحتفظت بالباقي لتتخذ منه حبالة تجر أشباه الموظفين الدينيين، وما زالت إلى الآن، هي التي تعين الأئمة والخطباء والمؤذنين والقومية، ولكنها تستخدمهم في الجاسوسية والمخابرات، وشيدت بمال الأمة نحو سبعين مسجدا في أنحاء القطر، لأداء الشعائر وإلقاء الدروس الدينية، والحكومة الفرنسية تنظر إلى هذه المساجد نظرتها إلى الحصون المسلحة. ثالثا: في الجزائر مئات الآلاف من الشبان العرب المسلمين، فاتهم التعليم الديني والعربي، ولا تلقاهم الجمعية في المدارس ولا في المساجد، والاعتناء بهم واجب، فأنشأت لهم الجمعية عشرات من النوادي المنظمة الجذابة، تلقي عليهم فيها المحاضرات العلمية والدينية والاجتماعية، وأدت هذه النوادي أكثر مما تؤديه المدارس والمساجد من التربية والتوجيه.

رابعا: أنشأت لجمعية للعمال الجزائريين في باريس وغيرها من مدن فرنسا، عشرات من النوادي وزودتها بطائفة من الوعاظ والمعلمين من رجالها، يتعلم فيها أولئك العملة ضروريات دينهم ودنياهم، ويتعلم فيها أبناؤهم اللغة العربية تكلما وكتابة، ويتربون على الدين والوطنية، وقد استفحل أمر هذه النوادي، وآتت ثمراتها قبل الحرب الأخيرة، ثم قضت عليها الحرب، ثم حاولت الجمعية تجديدها بعد الحرب، غير أن التكاليف المالية تضاعف واحدها إلى الآلاف، فكان ذلك وحده سببا للعجز. خامسا: أنقذت الجمعية عشرات الآلاف من أبناء الجزائر من الأمية، بوسائل دبرتها ونجحت فيها نجاحا عجيبا، وأن هذا العمل من غرر أعمالها لأن الأمية شلل الشعوب. سادسا: بعد هذه الجهود كلها، بقي من أبناء الجزائر مليونان من الأطفال محرومين من التعليم بجميع أنواعه، بشهادة الحكومة وإحصاءاتها الرسمية، فلا هي علمتهم، لأن سياسة التجهيل تأبى عليها ذلك، ولا جمعية العلماء استطاعت أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من هذين المليونين، لأن مواردها المالية محدودة، تأتي من اشتراكات قليلة منظمة، ولأن الأغنياء والموظفين لا يجودون عليها بشيء، خوفا من انتقام فرنسا، ومعلوم أن هذين المليونيين، إذا لم يتعلموا، أو يتعلم معظمهم، كانوا جنودا للشر وأعداء الإسلام، والعروبة، فإذا تعلم معظمهم، غلب الخير فيهم على الشر وأصبحوا جنودا للعروبة والإسلام - والإنسانية. سابعا: بعد مساع طويلة مرهقة، دامت سنوات لدى الحكومات العربية - تم لجمعية العلماء إرسال بعثات إلى الشرق العربي، من تلامذة معهدها ومدارسها، تدرس في الجملة على نفقة هذه الحكومات، ولكن القدر الذي تم لم يزل قليلا جدا لا يحقق الغرض المقصود، ولا ما يقاربه، لأنه عبارة عن بعثة في مصر تتكون من عشرين تلميذا، وأخرى في العراق تتكون من خمسة عشر تلميذا، ومثلها في الكويت، وأخرى في سوريا تتكون من عشرة - وبعض هؤلاء لا تزال الجمعية هي التي تنفق عليهم، أو تساعدهم لعدم كفاية عون الحكومة لهم.

رغبات جمعية العلماء وآمالها في الحكومات العربية

رغبات جمعية العلماء وآمالها في الحكومات العربية تقوم جمعية العلماء بهذه الأعمال الجبارة، التي تفوق قدرتها المالية، وقد تفوق قدرة الأمة أيضا، وهي - بعد - لم تزل في حاجة ملحة إلى إكمال وتثبيت ما بنته، ثم إلى إعلاء ذلك البناء والزيادة فيه. أما التثبيت والإكمال فبإنشاء عشرات من المدارس الثانوية، لتستوعب ما تخرجه المدارس الابتدائية الحاضرة، وإنشاء عشرات من مدارس المعلمين والمعلمات، لأن مدارسها الابتدائية استنفذت كل ما عندها من المعلمين، وإذا كثرت المدارس الجديدة احتاجت إلى معلمين جدد، وعليه فإنشاء هذا النوع من المدارس ضروري لنمو هذه الحركة، وتقدم هذه النهضة، وإلا تعطلت وانهارت، ولا واسطة بين الطرفين. وأما إعلاء البناء والزيادة فيه، فبمضاعفة عدد المدارس الابتدائية إلى المئات. واجب جمعية العلماء هنا، هو التبليغ الصادق للحكومات العربية، الممثلة في جامعة دولها، وواجب الحكومات الإسراع بالنجدة، بالكيفية التي تراها، بعد أن تؤمن بما شرحناه لها من حالة الجزائر، في المذكرات المتتابعة للحكومات وللجامعة، والله يعلم أن ما شرحناه، ووصفناه قليل من كثير، ولا يقف في طريقها احتمال اعتراض فرنسا على هذه النجدة، فالوقت والضرورة والواجب، لا يسع لهذا الاحتمال، فقد آن لحكوماتنا العربية أن تقف موقف الحزم والصلابة، من فرنسا المتعنتة، التي تحارب الثقافة والإنسانية - فضلا عن العربية والإسلام - في المغرب العربي، ولا تتساهل كما تساهلت في قضية المعهد الثقافي بالجرائر، وفي العهد الثقافي في طنجة، وفي فضية أحداث قنصليات في عواصم المغرب ولو لتأشيرة الحجاج، وفي قضية الباخرة فوزية وغيرها. ونحن نؤكد لرجال حكوماتنا العربية بالصدق والشرف، أن تساهلهم في تلك القضايا، زاد من جرأة فرنسا علينا وعليهم، وحكوماتنا تعلم كما نعلم أن بيدها

بادروا لنجدة إخوانكم ...

أسلحة قوية، تستطيع أن تحارب بها فرنسا، ولكنها لا تستعملها، ومن تلك الأسلحة إقفال المدارس والقنصليات الفرنسية حقا وعدلا، ومقابلة بالمثل، إن فرنسا لا تفهم إلا هذه اللغة، ولا ترجع عن غيها، إلا باستعمال هذا السلاح. بادروا لنجدة إخوانكم ... على حكوماتنا العربية أن تبادر بهذه النجدة، ما دام في الرمق بقية، ولها في تحويل الأموال اللازمة عدة طرائق، هي أعلم الناس بها، فلها أن ترسل مشرفا من جهتها، يقوم بالصرف على بناء المدارس والمعاهد اللازمة، وجمعية العلماء ترحب بهذا، لأنها تفخر بأنها أدق الجمعيات الإسلامية نظاما، وأقواها أمانة وثقة في المال، وأحرصها على المحاسبة التي تقوي الأمانة، ولها أن تسلم المال إلى الجمعية، وتلزمها بالمحاسبة الدقيقة عن كل فلس تدفعه، والجمعية تقوم بذلك حامدة شاكرة. ولتعلم حكومتنا الموقرة، أن كل جنيه تدفعه للأمة الجزائرية، بواسطة جمعية العلماء، لينفق في هذا السبيل، يقع موقع الغيث على النبات، لأنه ينقذ طفلا عربيا حرا مسلما من الشر، ويحرر عقلا من الوهم، ولتعلم كذلك، أنه ليس علينا تحديد المبلغ وإنما علينا أن نصور الحالة، ونبلغ الأمانة التي كلفتنا الأمة الجزائرية بتبليغها إلى الحكومات العربية، وقد بلغنا: وطال الأمد وهي تنتظر، ونكل الأمر بعد ذلك إلى هيئة حكوماتنا، مبلغ تقديرها لحرمة الرحم. وإذا كانت لا تستطيع تحرير الجزائر تحريرا عسكريا لاستحالة ذلك في الوقت الحاضر، فلا أقل من أن تعاوننا بالحظ الأوفر على تحرير العقول، فهو واجب يهون القيام بالواجب العسكري أو السياسي. قد تعتذر بعض الحكومات العربية - وهي صادقة - بأنه ما زال في شعوبها ملايين من الأطفال محرومين من التعليم، ونحن نلاحظ على هذا

العذر بأنه يوجد بإزاء الملايين المحرومة ملايين أخرى متعلقة، بخلاف الجزائر فليس فيها إلا المحروم، وليس هناك خير يسلي عن الشر. وفي هذا المقام يجب أن نذكر حضراتكم بنسبة المتعلمين من أبنائنا في المدارس الفرنسية مؤيدة بالأرقام المأخوذة من أدق المصادر الرسمية الحديثة لسنة 1951، فقد وقعت مناقشة في المجلس الجزائري، في قضية تعليم الجزائريين، وتقدمت المعارضة بتقارير مدروسة رسمية فضحت بها الحكومة، ومن تلك التقارير الدامغة نقتطف هذه الأرقام. قال التقرير المفحم الذي لم تستطع الحكومة له ردا، ما ترجمته بالحرف، بلغ عدد التلاميذ الأوروبيين سنة 1950 في مدارس الجزائر 97400 بينما لم يتجاوز عدد التلاميذ المسلمين 82864 تلميذا، ولما كانت الأغلبية الساحقة من سكان الجزائر مسلمة فتكون إذن نسبة التلامذة الأوروبيين إلى التلامذة المسلمين كنسبة 4 بالمائة وهذا الفرق يرتفع كثيرا في المدارس الثانوية، فيما يبلغ عدد الطلبة المسلمين في هذه المدارس 3214 تلميذا، والإفرنسيين 5177 نرى أن الطلبة الأوروبيين يفوقونهم لمقدار 500 ضعفا (156 أوروبي في مقابل مسلم واحد) وباقي المسلمين لا يحق لهم الدخول في هذا النوع من المدارس. وفي عام 1951 بلغ عدد التلاميذ من المسلمين الجزائريين الذين وجدوا أمكنة في التعليم الابتدائي 198678 تلميذا في وطن مسلم يبلغ عدد سكانه أكثر من عشرة ملايين نسمة بينما يبلغ عدد التلامذة من الأوروبيين في هذه المدارس 111402 تلميذا من جالية أوروبية، لا تزيد عن المليون نسمة في الجزائر. هذه فقرات مترجمة حرفيا عن تقرير المعارضة، ومقدمه فرنسي، وقد نقص من تعداد المسلمين الجزائريين ولكنه أحسن في تسميته للأوربيين بالجالية.

ثامنا: سبق لجمعية العلماء، أن جلبت عشرات من تلامذتها للدراسة بمعاهد الشرق العربي على نفقة حكوماته، ولكن عدد قليل بالنسبة لحاجة الجزائر، ولقدرة الحكومات العربية، فالشعب الجزائري يعتقد ويأمل, في آن واحد، أن حكومات العرب، تستطيع أن تعلم من أبناء الجزائر آلافا وتؤثرهم على أبنائها، حتى تحفظ التوازن بين أجنحة العروبة. وعليه، فمن رغبات هذا الشعب القوية، ومن آماله الواسعة، أن ترتفع نسبة هذه البعثات إلى المئات حتى تصل إلى الآلاف بالتدريج، بل ذلك لتسد جمعية العلماء في سنين عوز الجزائر إلى المعلمين في مدارسها. تاسعا: جمعية العلماء في حاجة شديدة إلى الكتب المدرسية المتنوعة لتلامذتها الابتدائيين، وهي تجري في تعليمها على المنهاج المصري، لقربها من مصر ولسهولة جلب هذه الكتب، فمن حقها أو من دلالها على جامعة الدول العربية ووزارة المعارف المصرية أن تقدم لها هدايا سنوية سخية من هذه الكتب لتوزيعها بالمجان على فقراء التلاميذ. عاشرا: لجمعية العلماء مكتب في القاهرة يشرف على هذه البعثات يجلبها ويقوم عنها بالإجراءات القانونية، ويسد خللها، ويوزعها على الأقطار العربية، ويراقبها ويكمل نقائصها في التربية والمال ويعين المحاويج منها، ويقوم بنفقات المنتظرين وإسكانهم، وقد بلغت نفقاته الشهرية في هذه السنة ثلاثمائة جنيه، وكلما زادت البعثات زادت نفقاته، ونتوقع أن تبلغ نفقاته الشهرية في السنة الدراسية المقبلة 500 جنيه مصري فمن العدل أن تعتبره الحكومات العربية مؤسسة من مؤسسات الجمعية، يجب الإلتفات إليه والعناية به، وهو زيادة على ذلك همزة وصل بين شرق العرب وغربهم، بل نقطة اتصال بين أجزاء العالم الإسلامي كلها، ومن التواضع أن ننسبه إلى الجزائر بل هو للعرب كلهم، وطالما خدم - على حداثته - قضايا العرب، ولا منة.

الجزائر تعتز بعقيدتها وعروبتها

والمكتب يعلن شكره لجامعة الدول العربية، فقد عرفت قيمته، فقررت إعانته منذ أكثر من سنة بمبلغ مائة وعشرين جنيها مصريا في كل شهر، ثم عرفت توسعة في الصلاحيات، فرفعت هذا المبلغ إلى مائتين، ابتداءا من هذا الشهر، وأن الخجل لا يمنعنا أن نقول، أن رجال هذا المكتب محتسبون بأعمالهم لأنهم لا يعملون لأنفسهم وإنما يعملون لرفع شأن العروبة والإسلام. الجزائر تعتز بعقيدتها وعروبتها يبقى شيء آخر قد يخفى على كثير عن الناس، فوجب علينا أن ننبه حضراتكم إليه، وهو أن الجزائر لا تقاس بأختها مراكش في هذا الباب، فكل من تونس ومراكش، ما زالت لها شخصية معترف بها في الآفاق الدولية، ولها حكومة كيفما كان حالها، وما زالت العربية في كليهما رسمية، ولها كثير من الشأن في الوظائف وما زالت أوقافها قائمة، وما زال في تونس جامع الزيتونة ثاني الأزهر يضم هو وفروعه آلافا من طلاب العربية والدين، وفي فاس جامع القرويين يتلو الزيتونة في الدرجة، أما الجزائر البائسة فلم يبق فيها من هذا أثر ولا عين، كما أسلفنا في المقدمة، وإنما هي تعتز بعقيدتها وعروبتها، وتعيش بها ونعيش لها. إننا لا نبعد إذا قلنا، أن الجزائر أتعس حالا من فلسطين، فمن وراء فلسطين دول وشعوب عربية وأمم إسلامية، وذكرها في المحافل الدولية، وجدل عنيف في قضيتها، يشترك القريب والأجنبي فيه أما الجزائر المسكينة، فليس لها شيء من هذا، ونعيذ أبناء العمومة أن ينسوها، وأن لا يقوموا ببعض حقها، وأن لا يستغلوا هذه القوة الكاملة في أبنائها.

وزير فرنسي ينكر على فرنسا أعمالها البربرية

وزير فرنسي ينكر على فرنسا أعمالها البربرية لقد كنا حينما نتكلم مع إخواننا في الشرق، عن المحن القاسية التي تتخبط فيها الجزائر منذ قرن وربع، ونصور لهم شناعة الاستعمار الفرنسي، وتجر الأحاديث، إلى الأرقام التي تضمنتها هذه المذكرة، كنا نحس بشيء غير قليل من الخجل، خشية أن يحمل كلامنا على شيء من المبالغة والتهويل، حتى أراد الله أن يؤيد الحق بشهادة من فرنسي مسؤول، سبق له أن ولي الوزارة في بعض الحكومات الفرنسية وشأنه كشأن سائر زملائه أن يحطب في حبل أمته، ولكنه رأى في هذه المرة من مصلحة دولته أن تقلع عن هذا التهور، وتجاهل العواقب الوخيمة وهاله هذا التخبط الذي ترتكس فيه السياسة الفرنسية، نتيجة للحقد العنصري، والغرور والكبرياء اللاتنيتين، فزار الجزائر على رأس وفد للبحث والدراسة فبحث فعلا ولقي قادة الحركات الجزائرية، وجاء بفكر مبني عن السماع والظن، ورجع بفكر مبني على المشاهدة واليقين، ويظهر أن حضرة الوزير الفرنسي، يحمل روحا متألمة من حال دولته وأمته، فخشي عليها من العواقب التي تنتج عن الاستمرار في التهور، والإمعان في المطامع المهلكة، وعقد ندوة صحفية في باريس حضرها الكثير من المسؤولين، وألقي عليهم بيانا شاملا لكثير من الحقائق الواقعية، وتناول الأركان الثلاثة التي تبنى عليها السياسة الفرنسية، التي ترمي إلى إذلال الجزائريين ثم إلى إفنائهم، وهي السياسة، والاقتصاد، والثقافة، ففضح بيانه الحكومة الاستعمارية للشعب الفرنسي وللرأي العام العالمي. نقتصر عن بيانه على النقطة الأساسية التي تهمنا، وهي الثقافة، لأن شهادته فيها، مطابقة للواقع الذي كنا نتحدث به، ومؤيدة للأرقام التي كانت تجري في أحاديثنا مع إخواننا، والصفات الوحشية التي كنا نصف بها أعمال الفرنسيين في الجزائر، وما كابدته الأمة الجزائرية، وجمعية العلماء خاصة، من العنت والإرهاق،

الجزائر محرومة من كل شيء

وقد ترجمت معظم الجرائد العربية هذا البيان، نقلا عن الجرائد الباريسية، فرأينا أن نقتطف منه ما يتعلق بجمعية العلماء وأعمالها - والحق ما شهدت به الأعداء - وهذا هو نص ما به الحاجة من بيان الوزير الفرنسي المذكور زيادة في تنوير أذهان حضراتكم. قال الوزير ما ترجمته: وأخيرا أحدثكم بإجمال عن المشكل الثقافي الجزائر محرومة من كل شيء لقد رأينا رأي العين، كيف أن مليونين من أبناء المسلمين، لا يتلقون أي علم، على أي مقعد مدرسي. وذلك بعد أن بسط عليهم النظام الاستعماري رحمته طيلة 125 عاما. رأينا المسلمين لا يشاركون في التعليم الابتدائي، إلا على نسبة 10 بالمائة - وليس لهم في التعليم العالي إلا نحو ثلاثمائة طالب. رأينا الأبواب العلمية كلها موصدة في وجه المسلمين، وخرجنا من كل ذلك بنتيجة عظيمة، وهي أننا إذا كنا في فرنسا نجهل معنى العنصرية، فإن العنصرية في القطر الجزائري، هي القانون الرسمي المعمول به. رأينا التعليم الحر، الذي تقوم بنشره جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وعلمنا أن هذه الجمعية تشرف على ما يزيد عن مائة وخمسين مدرسة، وإنها تعلم قرابة 45 ألفا من البنين والبنات - تنتشلهم من بين أيدي الجهل والإهمال، فنحن لا يسعنا إلا أن نثني الثناء الحار على هذا المجهود الصالح، الذي تقوم به هذه الجمعية، وإننا لنشجعها على الاستمرار فيه، ونشيد بمجهودها وأعمالها، كما أننا نعلمكم بأننا سنشهر بهذه العقبات التي تلقاها في طريقها. وهذه المثبطات التي يريدون بها ألفت في عضدها، فقد رأينا المدارس التي أقفلت بأمر الحكومة، ورأينا المدارس التي بنتها الأمة وأنفقت فيها الأموال الغزيرة، ولم تأذن الإدارة بفتحها، وعلمنا أن

عددا كبيرا من المعلمين يضطهدون وينالون نصيبا من أعمال الزجر. ورأينا في قسنطينه معهد عبد الحميد بن باديس وأعجبنا به ولكننا علمنا بعد ذلك، أن الإدارة لا تعتبر لشهاداته أدنى قيمة، ولا تعترف بها، في الوقت الذي لم تستطع فيه هي نفسها أن تحدث مثل ذلك أو ما يشابه ذلك. ثم رأينا مشكل فصل الدين عن الدولة، واطلعنا على حال المسلمين وأوقافهم تجاه الحكومة، إنها حقيقة لمأساة من أفظع ما يمكن أن يتصوره الناس، فقانون 1905 لم ينفذ، وبينما تحررت بقية الأديان من ربقة الحكومة، نرى الدين الإسلامي يوما فيوما سقوطا بين أيدي الإدارة المباشرة الحكومية، فالحكومة هي التي تدير ما جل وما قل من أمور المسجد والدين. ورأينا أن المدير إذا أراد مكافأة أحد فراشيه عينه إماما أو مفتيا، لقد خرجنا بحقيقة لا غبار عليها، ألا وهي أن الدولة تعمل على قتل اللغة العربية، وعلى تحطيم الدين الإسلامي، وعلى تجهيل الأمة. والعلماء المسلمون يعملون على خط مصادم للخط الحكومي, فهم يقومون بالجهود المحمودة، لإحياء الإسلام وتطهيره من الخرافات، ونشر اللغة العربية، ورفع الأمية عن الأمة، غير مبالين بالعقبات ووسائل الزجر والتنكيل. وختاما أيها السادة أؤكد لكم، أننا لم نتعب كثيرا في البحث عن الثعبان الاستعماري في هذه البلاد، بل أن هذا الثعبان نفسه، قد أخرج لنا رأسه منذ اللحظة الأولى، فعرفناه لكل ما انطوى عليه من سوء ولؤم، ولقد تأكد لنا أن الدستور الجزائري الذي خلناه حقيقة واقعة، ما هو إلا تدليس وتلبيس، وأنه أصبح صورة مشوهة لنظام ديمقراطي، مبني على السرقة الانتخابية والغش. سنقول لفرنسا كل هذا، وسنشرح لها كل ذلك، وما قلناه لكم إنما هو قطرة من بحر، سنقول لفرنسا بصراحة وشدة، حذار فإذا لم يقع الاستماع لصوت الحق، وإذا لم تسد في هذه الأقطار سياسة العدل، فإن الجزائر سوف تغدو قريبا

بيان من المؤتمر السنوي لجمعية العلماء الجزائريين

مثل مراكش ومثل تونس، فإذا لم يقع عمل بات وسريع، لفائدة الجزائريين، فإنه لا لوم عليهم ولا تثريب، إذا ما ركبوا المراكب التي تدعو إلى اليأس. لا ريب أننا سنجد من يقول لنا، عندما نصيح صيحة الخطر، وننادي بوجوب السرعة في عمليات الإنقاذ، أنكم لستم من الفرنسيين الصالحين. سنقول لهم في قوة وجرأة، كلا بل إننا نحن الصالحون من الفرنسيين، لأن الفرنسي الصالح. هو الذي يقول لأمته كلمة الحق ولا يخفي عنها شيئا. ولا يرتكب جريمة السكوت، وسنكون أيها السادة - ونعدكم، بهذا - من أحسن الفرنسيين. هذه هي شهادة الوزير الفرنسي للجزائر على دولته والفضل ما شهدت به الأعداء وبها تختم هذه المذكرة والسلام. عن مكتب جمعية العلماء الجزائريين بالقاهرة البشير الإبراهيمي الفضيل الورتلاني بيان من المؤتمر السنوي لجمعية العلماء الجزائريين بمناسبة الاجتماع العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، المنعقد في يوم السبت الموافق لـ 7 يناير سنة 1956 بعاصمة الجزائر، قرر المجتمعون بالإجماع البيان التالي: الاستعمار مسؤول عن كل شيء ... نحن المجتمعين من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. نعلن بكل صراحة، أن الاستعمار المفروض بقوة السلاح على القطر الجزائري منذ سنة 1830 هو المسؤول الوحيد عن كل المآسي والمصائب والويلات، التي

وقعت في القطر "الجزائر"، وذلك بما أحدثه فيه من ميز عنصري مخجل، وما سلكه فيه من سياسة التفقير والتجهيل والحرمان من كل نعم الحياة، بالنسبة للعنصر الإسلامي، وما حارب به الدين الإسلامي في أقدس مقدساته، وما أجهز به على التعليم العربي القرآني في كل جهة من جهاته، وما تعمده من محق جنسية الأمة، ومحاولة ابتلاعها، ومحو كل مظهر من مظاهر سيادتها، وما أعلنه مرارا رغم إرادتها، من إلحاقها وإدماجها، إلى أن أوصل الأمة بكل ذلك إلى درجة اليأس، فعمدت إلى الأعمال التي يوجبها اليأس. ونرفع أصواتنا بالاحتجاج الصارم العنيف، على ما ارتكب في مختلف جهات البلاد من أعمال البطش والإرهاب والتنكيل، وما وقع من الفظائع والفضائح والمنكرات، بدعوى الزجر ومحاولة إخماد الثورة. كما نحتج الاحتجاج الصارخ، على تلك المظالم المثيرة المتعددة، التي وقعت على مدارس جمعية العلماء، وما وقع على المعلمين فيها من حيف وجور، بين سجن وتغريم وإبعاد إلى المحتشدات. ونترحم على الشهداء الأبرار الذين ذهبوا ضحية القمع الأعمى الفظيع، وندعوا الأمة للقيام بواجبها نحن أبنائهم وعائلاتهم، وكفالتهم كفالة يوجبها الإسلام وتفرضها المروءة والشرف. ونبعث بصادق الود وعظيم التقدير والعطف، لسائر رجال الأمة الأحرار الأبرار، الذين أوصدت عليهم أبواب السجون، أو أطبقت عليهم الأسلاك الشائكة في المحتشدات، ونشاركهم في تلك المحن التي تقبلوها بثغور باسمة وصدور رحبة، ونعلمهم أن الأمة الحية الشاعرة لن تنسى لهم تضحيتهم، وأنهم سيكونون غدا في طليعة العاملين على إنشاء الهيكل الوطني العظيم.

ونرفع عظيم الامتنان ووافر التقدير، لسائر الأحرار في كل أقطار الدنيا، ولجميع الصحف العالمية النزيهة، ولسائر الحكومات الحرة التي أيدت الأمة الجزائرية في نضالها الشريف، ودافعت عنها، ومدت يمين الأخوة لمبادئ الحق والعدل والتحرير، ونرجو أن يشارك كل شعب حر، وكل حكومة حرة، وكل صحيفة نزيهة، في هذا الكفاح الميمون. لفائدة الحق والعدل والحرية بالبلاد الجزائرية. ونعلن مرة أخرى، أن كل سياسة مبنية على ترقيع الماضي، وإجراء "إصلاحات على قاعدة" النظم الاستعمارية الحالية مهما تغير اسمها، إنما هو من قبيل العبث والاستهتار، والإمعان في الزج بالأمة الجزائرية في مضيق اليأس الذي لا يحدث إلا الانفجار. ونقول كلمة صريحة علنية، نرجو أن يسمعها المسؤولون في باريس، وأن يمسمعها العالم أجمع، وهي أنه لا يمكن حل القضية الجزائرية بصفة سليمة وسريعة إلا بالاعتراف العلني الصريح بكيان الأمة الجزائرية الحرة، وجنسيتها الخاصة، وحكومتها القومية، ومجلسها التشريعي المطلق التصرف، في دائرة واحترام مصالح الجميع، والمحافظة على حقوق الجميع. ونؤكد أنه لا يمكن وضع حد لحالة الحرب الحاضرة، والإقدام على بناء النظام الحر الجديد، إلا بواسطة التفاهم الصريح المخلص، مع سائر الممثلين الحقيقيين للشعب الجزائري، من رجال الحل والعقد الذين أظهرهم الكفاح الجزائري. ونوصي الأمة ختاما بالحق، ونوصيها بالصبر ونستحثها على العمل الصالح، والثبات وتوحيد الصفوف، ونسيان الخلافات القديمة، حتى تستطع متحدة متظافرة، أن تصل قريبا إلى الدرجة الرفيعة التي أهلها لها جهادها المستمر منذ أحقاب، وكفاحها الشريف الذي أصبح في العالم مضرب المثل؟ وتاريخها الحافل بجلائل الأعمال. {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} التوبة: 105. {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} الحج: 40.

تصحيح واحتجاج

والسلام على الأمة الحبيبة المجاهدة، ورحمة الله وبركاته الإجماع العام لجمعية العلماء المسلمين الكاتب العام: أحمد توفيق المدني نائب الرئيس: العربي التبسي تصحيح واحتجاج نشرت جريدة الأهرام الغراء بعددها رقم 35253 الصادر بتاريخ 20 يناير سنة 1956 وجريده الأخبار بعددها رقم 1111 الصادر بتاريخ 20 الجاري أيضا مقالة مقتطفه عن بلاغ جمعية العلماء الجزائريين المنشور بجريدة البصائر بعددها رقم 340 الصادر بتاريخ 13 يناير سنة 1956. وبما أن هذا الاقتطاف شوه حقيقة ما جاء في البلاغ بصورة مغرضة، وجب علينا أن نعلن احتجاجا ضد هذا التشويه، وننشر البيان التوضيحي الآتي: إن ما نشر من أن جمعية العلماء الجزائريين ناشدت الشعب الجزائري بوقف أعمال المقاومة المسلحة لتهيئه جو المفاوضات غير صحيح، وأن البلاغ كان يتضمن احتجاجا صارخا على ما ترتكبه القوات العسكرية الفرنسية يوميا من الزجر والتنكيل والقتل الجماعي في الجزائر. كما أن ما يدعي من أن جمعية العلماء ناشدت الشعب الجزائري باحترام أحكام القانون التي فرضها النظام الاستعماري المعمول به حاليا في الجزائر غير صحيح أيضا ولم يرد شيء من ذلك في نص البلاغ الذي نشرته جريدة البصائر. وتؤكد جمعية العلماء بأن المسؤولين الفرنسيين في الجزائر هم الذين يحترمون القوانين الإنسانية. عن مكتب جمعية العلماء الجزائريين بالقاهرة

كيف يسيطر المستعمرون الرأسماليون

كيف يسيطر المستعمرون الرأسماليون على رجال السياسة والإدارة في فرنسا وشمال إفريقيا ننقل هذا المقال الخطير عن جريدة المعرفة لسان حال حزب الشورى والاستقلال الصادرة بتطوان بالعدد رقم 105 بتاريخ 23 محرم 1374 - 22 سبتمر سنة 1954. اطلع قراء "المعرفة" - في العدد الماضي - على مقال للكاتب الفرنسي "فرانسوا مورياك" وفي هذا المقال إشارة إلى الدور الذي لعبه بعض الرأسماليين من أقطاب الاستعمار الفرنسي، على حساب قضية المغرب، محاولة في إبقاء أوضاعه على ما هي عليه، وحرصا منا على تنوير الرأي العام المغربي، وجعله على بينة مما يدبر ضد قضية الوطن سواء في المغرب أو في فرنسا، على يد طائفة من الاستعماريين الكبار ذوي المصالح المالية والاقتصادية الهائلة، وسيرا على خطتنا في فضح أسرار الاستعمار والمستعمرين أبرقا إلى مراسلنا في باريس، ليقوم بتحركات دقيقة في العاصمة الفرنسية وموافاتنا بمعلومات عن تلك، "القوى المالية" التي تحدث عنها مورياك، والتي ذكر أن من بين ممثلها "فرانسوا شارل روا" وقد حصل مراسلنا في باريس على المعلومات الخطيرة التالية: الأيادي الخفية عندما تسلمت حكومة "مانديس فرانس" زمام الأمور في فرنسا عاود النفوس بعض الأمل في حل قضايا الشمال الإفريقي، وذلك بناء على الوعود الكثيرة التي طالما أدلى بها الوزير الفرنسي الأول قبل أن يدعى لتأليف حكومته. لقد كان "منديس فرائس" يبدو - من خلال تصريحاته وخطبه - ملما بحقيقة الأوضاع في شمال إفريقيا، مستعدا لحل الأزمة المستفحلة في تونس ومراكش حلا يرضي مطامح هذين القطرين الوطنية دون أن تتعرض مصالح فرنسا

من هو فرانسوا شارل رو؟

للضياع. ومما ساعد على تقوية الأمل في نفوس الكثيرين، الشجاعة التي واجه بها مانديس فرانس مشكلة الهند الصينية التي عجزت الحكومات الفرنسية السابقة عن حلها حلا نهائيا، بما كانت تبدو عليه من الجمود والتصلب والمراوغة وعدم الجرأة على مواجهة هذه المشكلة التي لم تكن في بادئ الأمر إلا كمشكلة المغرب العربي الآن - شعوب محكومة تطالب بحريتها واستقلالها ودولة حاكمة تريد أن تبقى ناصبة سلطاتها على تلك الشعوب إلى الأبد. وتفرغ مانديس فرانس - بعد الانتهاء من قضية الهند الصينية - لمشاكل أخرى وفي مقدمتها مشكلة تونس ومراكش - فقام برحلته الخاطفة إلى عاصمة القطر التونسي حيث أعلن أمام الباي أن فرنسا ستمنح - لتونس استقلالها الداخلي، ورضيت بعض الهيئات الوطنية بهذا الحل، الذي اعتبرته خطوة نحو الاستقلال التام، وماذا فعلته حكومة مانديس فرانس بالنسبة لمراكش؟ لقد أعلن رئيس الحكومة ووزير الشؤون التونسية والمغربية أثناء مناقشة القضية المغربية في الجمعية الوطنية الفرنسية عن سياسة الحكومة الحالية تجاه المغرب، وهي سياسة لا تختلف كثيرا عن سياسة الحكومات السابقة وهي لا ترمي إلى شيء آخر سوى إبقاء الأوضاع على ما هي عليه في المغرب. إن هنالك أيادي خفية قوية تقبض على زمام الأمور في شمال إفريقيا وتفرض على الحكومة وعلى ممثليها في تونس ومراكش والجزائر السياسة التي تريد أن تتبعها؟ فما هو سر الأيادي الخفية القوية؟ من هو فرانسوا شارل رو؟ توجد في فرنسا فئة من أقطاب الرأسمال الاستعماري، تعمل بجميع الوسائل للمحافظة على الوجود الفرنسي في شمال إفريقيا، وإحباط كل حركة تهدف إلى الاعتراف بالمطامح الوطنية لشعوب الشمال الإفريقي أو تغيير الأوضاع فيها، وذلك محافظة على مصالح هذه الفئة المتشعبة التي تستغل بأموالها وشركاتها هذه البلاد أفظع استغلال.

لجنة فرنسا المركزية

ولعل أبرز رجال تلك الفئة من أقطاب الرأسمال الاستعماري في فرنسا، هو "فرانسوا شارل رو" الذي يعد دعامة قوية من دعائم الاستعمار في البلاد الفرنسية. وشارل رو، هو عضو معهد العلوم الأخلاقية والسياسية، ومعهد العارم الاستعمارية في باريس وهو رئيس شركة سويس ومدير بنك باريس والأمم الواطئة، كما أنه مدير عدد من الشركات المهمة في فرنسا. لجنة فرنسا المركزية ويترأس "فرانسوا شارل رو" زيادة على ما تقدم جماعة استعمارية خطيرة تسمى "اللجنة المركزية لفرنسا فيما وراء البحار" ومقر هذه اللجنة في باريس، شارع "بيافرانس" رقم 41. وليست هذه الجمعية حديثة العهد، فقد نشأت مع الاستعمار الفرنسي، وتأسست سنة 1893، وكانت تعرف في ذلك الحين باسم "الإتحاد الاستعماري". وقد اعترفت الحكومة بها كهيئة "ذات منفعة عمومية" سنة 1904. وينتخب أعضاء هذه اللجنة من بين شخصيات الاستعمار الفرنسي فيما وراء البحار، ورجال الشؤون الاستعمارية في فرنسا. وينقسم أعضاء هذه اللجنة إلى طبقتين مختلفتين كل الاختلاف عن بعضهما، فالطبقة الأولى، تتألف من الرجال الذين لا يهتمون إلا بالمسائل الفنية البحتة أو المشاكل الاستعمارية التي تنافسها اللجنة. أو من الذين يشاركون في هذه اللجنة مشاركة تمثيلية صورية. وقلما يطلع رجال هذه الطبقة على العمل السياسي الجبار الذي تقوم به اللجنة سرا، والذي لا يكون أبدا محل دراسة علنية من طرف مجلس الإدارة أو المجلس الاستشاري. ونذكر من بين شخصيات هذه الطبقة المنتمين إلى اللجنة المركزية لفرنسا فيما وراء البحار: المحافظ "لوبر" وهو رئيس قسم الجزائر في

الطبقة المسيطرة

اللجنة و "كيلمي" رئيس قسم المغرب. "مارتين" رئيس قسم مدغشقر، وهؤلاء الثلاثة أعضاء في المجلس الإداري، ومن أعضاء المجلس الاستشاري المسيو "روني مورو" والمسيو "بوداسمون" والمسيو كاستون من جمعيه الإتحاد الفرنسي والمسيو "بريبور" والمسيو "جورج كيي" رئيس المجلس الاستشاري والذي هو في نفس الوقت عضو "لجنة دراسات مشاكل ما وراء البحار" وهو من ذوي الميول الحرة. الطبقة المسيطرة أما الطبقة الأخرى من أعضاء "اللجنة المركزية لفرنسا فيما وراء البحار" فهي الطبقة التي تلعب الدور الحقيقي الخطير في قلب اللجنة، ومعظم أعضائها من أقطاب الاستعمار، وفي مقدمتهم "جاك لوفيير" الرئيس السابق للجنة رجال الصناعة بالمغرب. وشاستوني "مستشار الإتحاد الفرنسي"، والسفير بيو المقيم الفرنسي الأسبق بالمعرب و "دوران ريفي" و"الفريد بوز" من كبار رجال البنوك: وغيرهم. فالمحرك لشؤون الجزائر ليس هو المحافظ "لوبو" الذي سبقت الإشارة إليه - وهو من الرجال الأحرار الذين ينظرون إلى الإسلام نظرة تسامح وعطف - بل المستعمر "بوجار" الحاكم السابق لمدينه وهران، والمستشار الفني السابق في حكومة "بليقن" الذي له صلات وثيقة بعضو مجلس الشيوخ الفرنسي "هنري بورجو" من أخطر رجال استعمار الجزائر، ويملك "بوجار" نفوذا كبيرا في أوساط وزارة الداخلية، بما له من صلات إدارية وسياسية، وهو الذي يشرف على إدارة "مركز الدراسات التشريعية الجزائرية" الواقع في بوليفار سان جيرمان رقم 205 ويتولى هذا المركز العمل في الأوساط البرلمانية. وقد حصل هذا المركز على مبالغ طائلة من المال من المستعمرين الفرنسيين في الجزائر، ليقوم بمهمته خير قيام، والذي تولى الحصول على هذا المبلغ هو المسيو "بولار".

شؤون تونس

شؤون تونس ويبدو نشاط اللجنة محدودا بالنسبة لتونس، فأمور هذا القطر تسير طبقا للبرنامج السياسي الفرنسي الذي رسمه المسيو "ييو" والمسيو "كولونا" - زعيم المعمرين في تونس - والمسيو كولونا لا يهتم بشؤون اللجنة إذ هناك هيئة هي "مركز الدراسات التونسية" الذي يشرف عليه المسيو "بانيو" وهو حاكم سابق والمسيو "بريسي" وهذا المركز يعمل باتفاق مع الهيئات الاستعمارية في تونس، وليست لهذا المركز صلات حقيقية بلجنة "شال رو" وهنالك لجنة أخرى تسمى "لجنة فرنسا وإفريقيا الشمالية" يترأسها الأستاذ "ليزور" وهي ذات صلات متينة مع لجنة شارل رو. الدعاية الاستعمارية في أمريكا وتتولى لجنة فرنسا الحالية "حليفة اللجنة المركزية" لفرنسا فيما وراء البحار - العمل في الولايات المتحدة، وهي التي تتولى ترويج أراجيف الاستعمار في أمريكا الشمالية، ويشرف على هذه اللجنة الصحافي "بال". مشاحنات في قلب اللجنة قلنا أن من بين أعضاء هذه اللجنة أعضاء متحررو الفكر بعض الشيء، إلا أنهم لا يلعبون إلا دورا ثانويا. وكثيرا ما يتصادمون مع الأعضاء المحركين لهذه اللجنة في مناقشات حامية تدور بين أولئك وهؤلاء. ونذكر على سبيل المثال معركة دارت في السنة الماضية في قسم "المغرب العربي" بين "شارل رو"، والمسيو "كليمي" رئيس قسم المغرب في اللجنة، فقد هاجم شارل رو أثناء إحدى الجلسات الكاتب الفرنسي فرانسوا مورياك، بسب انتقاداته الموجهة ضد سياسة الإدارة الفرنسية في المغرب، وهاجم أيضا جريدة

المسيو مزاوبي

"طيموانياج كريطيان" نظرا لكتابتها مقالا حول التقارب الديني بين الإسلام المسيحية، وحمل هذا الاستعماري الكبير على الدين الإسلامي. فنهض المسيو كليمي ورد على شال رو قائلا بأن الإدارة الفرنسية في المغرب تستحق التقريع والانتقاد بسبب ما تقوم به في تلك البلاد، وصحح المسيو "كليمي" أخطاء "شارل رو" حول الدين الإسلامي، ورد على الحملات الزائفة الموجهة ضده. المسيو مزاوبي يتولى الأمانة العامة للجنة "شارل رو" المسيو "ووبر هيرلى". ويتجلى نشاط اللجنة الفعال في مجال الشؤون المغربية التي توليها كل عناياتها، وقد أنشأ شارل رو في قلب القسم المغربي هيئة للعمل، مؤلفة من العناصر النشيطة العاملة بعضها أعضاء في اللجنة، والبعض الآخر ليسو أعضاء. والشخصية المسيطرة على هذا المسيو "مزاوبي" مدير إدارة "المغرب" في باريس وحاكم فيشي السابق، وقد عين سنة 1942 مديرا لبوليس "مارسيليا" ولكنه لم يتمم عمله حيث بقى في المغرب وكان أيضا مديرا لاستعلامات الماريشال جوان، ثم عزل في أيام الجنرال جيوم وغادر المغرب بطلب من وزارة الخارجية، ثم أصبح رئيسا لمكتب المسيو "شيفينى" وكان يعمل بتحالف تام مع اللجنة المركزية لفرنسا أيام إبعاد جلالة الملك محمد بن يوسف. أحلاف الاستعمار وتلتف حول شارل رو، ومزاوبي وجاك لوفيير، طائفة من أقطاب الاستعمار والرأسمالية، ونذكر من بينهم "شاشتوني" و"هيرلي" و"دوريفيل" وطرون، مدير المالية السابق بالمغرب، ومونيك رئيس بنك باريس والأمم الواطئة، وبتيني الممثل الدائم لـ "آكوتوربي".

مقررات اللجنة

وآكوتوربي هذا من أكبر المعمرين في المغرب فهو رئيس الغرف الفلاحية في هذا القطر. وصديق جوان، ويلعب في مراكش نفس الدور الاستعماري الذي يلعبه في الجزائر بورجو. ونضيف إلى هؤلاء روبر مانتان، ومساعده الكومندان سالفي اللذين يحضران الجلسات عادة، والمقيم العام السابق في المغرب جابريال بيو، والذي يمثل في مجلس الشيوخ الفرنسي تونس، وهو ذو روابط عائلية مع بعض الأوساط البنكية البروتستانية الكبيرة في شمال إفريقيا وكذلك الفريد بوز من كبار رجال البنوك، وجيسكار ديستين، الذي نقل جزء من شركاته في الهند الصينية إلى المغرب. وهؤلاء جميعا يحضرون جلسات اللجنة. مقررات اللجنة وتتخذ الجماعات العاملة في اللجنة قراراتها في كثير من الأحيان بناء على المستندات التي تعدها - إدارة المغرب في باريس - وبعد ذلك تذاع بين النواب الفرنسيين الذين يشتغلون لمصلحة اللجنة. ومن الوثائق التي أعدتها أخيرا الوثيقة "رقم 3" التي أذيعت بعد قضية علماء جامعة القرويين، بقصد إقناع البرلمان بأن دور العلماء في مبايعة الملوك ليس إلا دورا ثانويا ضئيلا حسب التقاليد، والوثيقة رقم "4" حول التدخلات الأجنبية في العلاقات الفرنسية التونسية: وهذا يعني بالذات الهجوم الذي شنته النقابات الأمريكية والبريطانية على "عنصرية" النواب الفرنسيين. شبكة موصولة الحلقات ويتصرف كل من شارل رو، ومزاوبي، في شبكة متصلة الحلقات من أعضاء البرلمان الفرنسي من المعمرين القاطنين بالجرائر، ومن بعض المسلمين من بني "وي وي" الذين

وفي المغرب

يسيرون في ركاب هؤلاء، ومن كثير من النواب المتصلين بالشركات المالية الكبرى الموجودة في شمال إفريقيا، أو الشركات الفرنسية التي لها مصالح كبرى في الشمال الإفريقي، أضف إلى ذلك أن كثيرا من الذين شغلوا المناصب الوزارية في فرنسا يحاطون علما بكل ما تتخذة اللجنة من المساعي، ومن هؤلاء: "مارتينو دوبلا"، الذي شغل منصب وزارة الداخلية، وكان من أكبر المتحمسين لخلع السلطان المبعد، ويبدو وزير الخارجية السابق وشيفتني، ويناي الوزير الأول الأسبق. وفي المغرب حينما تعين الحكومة الفرنسية مقيما عاما في الرباط أو في تونس، يعتبر هذا المقيم من اللازم لنجاح مهمته أن يقيم علاقات ودية متينة، مع "شارل رو" لا فرق بين ذلك في جميع من يتولون منصب الإقامة العامة في تونس أو مراكش، وكثيرا ما كانت وزارة الخارجية تحاول إبدال أحد المقيمين، فتسعى اللجنة لإطالة مدة إقامته يا تقتضيه مصلحتها، واللجنة لها صلات متينة بالجماعة الإدارية التي لا زالت تتصرف في الشؤون المغربية في عهد لا كوسط - بموافقة أو بعدمها - كما كانت تتصرف في عهد جيوم. وأكثر هؤلاء المستعمرين الإداريين نشاطا هم: المراقب المدني كيراما، المستشار السابق للوزير المفوض دوبلسون الذي كان يشغل منصب معتمد في الإقامة العامة، وكيراما هذا هو أحد المدبرين لخطة خلع الملك، وهو الآن يقوم بالإشراك مع موظف آخر بأشغال المستشار الشريفة، ونذكر أيضا الكولونيل "هوبير" والكمندان "ديلكيروو" رئيس القسم السياسي، والكومنذان سالي وقد عينا في منصبهما أيام كان بونيفاس مديرا للشؤون السياسية، وهذه الجماعة من رجال الإدارة الفرنسية في مراكش هي التي تعد الخطط الاستعمارية الهائلة، وتعمل جاهدة للمحافظة على الوجود الفرنسي

في المغرب، ومن ورائها لجنة جبابرة من المستعمرين الرأسماليين الكبار في باريس الذين يتجرون في ضمائر النواب والموظفين المسؤولين بالمال بغير حساب، فيعرقلون بذلك جميع المساعي التي تهدف إلى الاعتراف بحق المغرب. وقد صرفت اللجنة ما يزيد عن مائة وخمسين مليونا من الفرنكات في شهر أوت سنة 1953 فاضطرت الحكومة الفرنسية إلى المصادقة على خطة إبعاد الملك، وتقرير الإصلاحات الرامية إلى تجزئة السيادة الوطنية، وهي تصرف المبالغ الطائلة منذ استلام مانديس فرانس لمقاليد الأمور في فرنسا وذلك لعرقلة كل سياسة من شأنها أن تحل الأزمة المستفحلة في المغرب، والاستمرار في استغلال أرضه ومقدراته. إن هذه اللجنة الاستعمارية، تملك من القدرة والنفوذ، ما لا يلكه "مانديس فرانس" و"نفوشي" و"لاكوسط" فالسياسة المغربية، يقررها جبابرة الاستعمار في المغرب وفي فرنسا، ثم يفرضونها بأموالهم ونفوذهم. إن الكفاح المغربي، الذي يتجه الآن إلى مقاطعة الاقتصاد الفرنسي، ومقاومة عناصر الاستغلال من المعمرين والمستعمرين، والحيلولة بينهم وبين الاستمرار في استغلال المغرب، وإبقائه مسرحا لمطامعهم التي لا تنتهي، وبشعهم الذي لا يعرف الحد، هو الطريق الوحيد إلى إرغام فرنسا على الاعتراف بحقوق المغرب وجعل تلك الطائفة من المستعمرين الكبار تتخلى على أطماعها ومحاربتها لا بد أن يحقق ما يصبو إليه من حرية وسيادة وعزة واستقلال إن شاء الله. هذه حقائق خطيرة تحتاج إلى نظر عميق من القارئ الكريم، لكي يدرك جيدا مر هذا الأخطبوط، الذي يسمى "بالجالية الفرنسية في المغرب العربي" والذي يسعى لتأييد استعباد هذه الديار، تحت أسماء مختلفة، أحدثها "الوجود الفرنسي" وهذا الوجود لا يعني في تفسير المستعمرين، إلا الإستعباد

جبهة تحرير الجزائر للتاريخ

في أشنع معانيه، ولكن الله يقول: {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} الرعد: 17. عن مكتب جمعية العلماء المسلمين بالقاهرة الفضيل الورتلاني جبهة تحرير الجزائر للتاريخ كانت جماعة من أبناء الجزائر المسؤولين، والمقيمين في القاهرة - تداعوا إلى عقد اجتماع لدراسة المواقف وما يتطلبه، ويمليه عليهم من واجبات، خاصة بعد اندلاع الثورة. ولقد استقر رأيهم من ذلك الوقت على الوثيقة التالية التي تأخر نشرها حتى اليوم لأسباب لا محل لذكرها هنا. كما كان الأمير محمد عبد الكريم الخطابي أول من أمضى الوثيقة وباركها، كما أمضاها السادة: شقيقة الأمير محمد عبد الكريم، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والفضيل الورتلاني، وأحمد بيوض، والشاذل مكي، يوم 5 - 10 - 1955، على أن تبقى مفتوحة ليمضيها كل من له ماض صادق، وسعي مشكور من أبناء الجزائر المخلصين العاملين. ولقد اتفقت الكلمة على أن تسمى الجماعة (جبهة تحرير الجزائر)، وعلى أن تسند رئاستها للمجاهد الأمير محمد عبد الكريم الخطابي، لفضله على حركات التحرر في الغرب العربي، وإسداء رأيه في كل عمل يكون الغرض منه مقاومة الاستعمار والمستعمرين. وفيما يلي نص الوثيقة التي بحثها الجميع، واتفقت عليها الكلمة منذ اليوم السابع من شهر نوفمبر الأخير سنة 1954:

بسم الله الرحمن الرحيم في الجزائر العربية المسلمة اليوم، كفاح مسلح خطير، دفع الشعب الجزائري إليه مرغما بسبب الاضطهاد الاستعماري الغاشم، الذي لا يريد أن يفتح عينيه على الواقع ليتطور مع الزمن، رغم أن أهل الدنيا كلهم تطوروا، وعرف حتى المستعمرون الأقوياء أنفسهم، من غير الفرنسيين، أن الاستعمار في القرن العشرين لم يعد أسلوبا صالحا للبقاء. ولقد كان من طبيعة التخصص في الأعمال، وطبيعة اختلاف وجهات النظر، في أساليب العمل، عندما تكون الظروف عادية، كان ذلك يقضي أحيانا بوجود أحزاب وهيئات، فتتحول إلى جيش واحد معبأ للكفاح، ويجب أن ترتفع جميع الآراء، أما في ظروف الجهاد التي تقرر مصائر الأمم، وتنتهي بالموت أو الحياة، فيجب أن تذوب أثناءها الأحزاب والهيئات، فتتحول إلى جيش واحد معبأ للكفاح، ويجب أن ترتفع جميع الآراء المختلفة، فتتحول إلى رأي واحد موحد، يستهدف استعمال جميع المواهب للوصول إلى التحرر والنصفة من الظالمين، لذلك اجتمعت الشخصيات المسؤولة والموجودة اليوم في ضيافة مصر الشقيقة، وتدارسوا الأمور بعناية وعمق، فكانت قلوب الجميع، وآراء الجميع متفقة والحمد لله، وكانوا مقتنعين بجميع ما تضمنته هذه المقدمة من المعاني، ثم قرروا بالإجماع وبدون تردد ما يأتي: 1 - يعتبر الشعب الجزائري اليوم على اختلاف أفراده، وجماعاته، وأنواع اختصاصاته فيما يختص بالكفاح القائم، يعتبر ذائبا في كتلة واحدة، اسمها (الشعب الجزائري) ومن شذ شذ في النار. 2 - يعتبر المغرب العربي بأقطاره الثلاثة: تونس، والجزائر، ومراكش، أمة واحدة يكمل بعضها بعضا، ويجب التعاون بين الجميع، تعاونا تاما في الحرب والسلم، حتى ينالوا حريتهم جميعا.

إلى حضرات الوزراء الأربعة الكبار في جنيف

3 - تألفت في القاهرة هيئة تحت اسم (جبهة تحرير الجزائر) تمثل إحساسات الأمة الجزائرية ومشاربها، وذلك لتنظيم الأعمال وتحمل المسؤوليات، وإلا فكل جزائري صالح، يجب أن يعد نفسه عضوا عاملا في هذه المعركة المقدسة الفاصلة. 4 - هذه الهيئة الجزائرية مستعدة من الآن لتذوب في هيئة أجمع وأشمل للأقطار الثلاثة بنظام يوضع، ومسؤوليات تحدد. 5 - تبعث الهيئة بتحياتها العميقة إلى المكافحين في الجزائر، وفي جميع أقطار المغرب العربي، سواء منهم من حمل السلاح، أو من كان عاملا وراء الميدان، وتدعوهم جميعا ليوطنوا أنفسهم على الصبر والتضحية، وجميع القلوب، وتسوية الصفوف، وتبشرهم بأن الأمل في النصر عظيم إن شاء الله، ولكنها تنذرهم بأن العمل شاق وأن الطريق طويل. 6 - تهيب الهيئة بإخوانها العرب والمسلمين، ثم بأحرار الدنيا جميعا، ليشدوا أزر المكافحين في سبيل الحرية والحق، وليؤدوا زكاة الأخوة، وزكاة الإنسانية المقدسة، وليمنعوا ما قد يترتب على هذا الظلم الفرنسي الفادح، من قيام حرب عالمية تهلك الحرث والنسل والعياذ بالله. القاهرة في 11 جمادى الأولى 1374 5 يناير سنة 1955 إلى حضرات الوزراء الأربعة الكبار في جنيف إن المشاكل العالمية التي تنتظر من حكمتكم وحزمكم، حلولا صالحة، لهي كثيرة جدا، ولكن مشكلة الجزائر والمغرب العربي، نراها نحن، من النوع الخطر والسريع، فإهمالكم لشأنها، أو السير بعيدين عن جادة العدل والإنصاف فيها، كما يفعل البعض

حتى الآن، سيؤدي حتما، إلى قلق أوسع وأخطر، وقد يسبب في النهاية حرب عالمية ثالثة مهلكة، وأنتم الذين ستتحملون بطبيعة مراكزكم المسؤولية العظمى، أما الأجيال. لقد أفنيتم بحق الهند الصينية، وبحق منطقة السار، في تقرير المصير، وتدخلتم بالسلاح في مصير كوريا، وأقررتم مبدأ الحرية بالنسبة للهند، وباكستان، وبورما، والفلبين، والصومال، والسودان، وساحل الذهب، ونيجيربا، وغيرهم، وتطالبون بمثل ذلك للشعوب الواقعة وراء الستار الشيوعي، وتساعدون اليوم بكل همة على توحيد ألمانيا، فهل تكون كل تلك الشعوب أرقى وأحق بالحرية والاستقلال من شعب المغرب العربي. هذا الشعب العريق في الحضارة، والذي شارك في تنوير أوروبا نفسها وفي تحريرها، وتعلمون حضراتكم، أن القوات المسلحة التي عبأتها فرنسا، ضد الجزائر العزلاء وحدها، تقدر بمئات الآلاق، حتى صار لها مظهر إرادة الإفناء، وطابع حرب عالمية شاملة، إذ سبت إليها قوات من ميثاق الأطلنطي، ومن الهند الصينية، ودعت الاحتياطى للخدمة، ولا تزال مساعيها مبذولة بكل حماس، لتوسيع نطاق الامدادات، واعلموا يا سادة أن المكافحين في الجزائر وفي المغرب العربي، إنما هم رجال مقاومة، وطلاب حرية ووحدة، مثلما فعل رجال المقاومة، الفرنسيين تماما، أيام الاحتلال النازي لوطنهم، ولقد ساعدتموهم في ملاء من الدنيا، بجيوشكم، ودمائكم، وأموالكم، فأصبح هؤلاء المقاومون الفرنسيون، في نظر العالم الحر أبطالا، وأصبحتم أنتم، تعتبرون بمساعدتكم منجدين ومنفذين، فما بالكم مع الجزائريين والمغاربة؟ نرجوا أن يكون الحكم واحدا، وإلا فإن التاريخ جبار، لا يرحم أحدا وهو أقوى منا ومنكم. بيروت في 28 - 10 - 1955 الفضيل الورتلاني

إلى مولاي محمد بن يوسف سلطان مراكش في ذمتكم أمور أربعة خطيرة ...

إلى مولاي محمد بن يوسف سلطان مراكش في ذمتكم أمور أربعة خطيرة ... سيدي صاحب الجلالة: لقد امتحنتم بقسوة استعمارية باطشة، فصبرتم بعزمة عربية إسلامية مثالية، وضحيتم بأعز ما يملك المرء في دنيا الناس، ولكن المغرب العربي بأسره، والأمة العربية والإسلامية بل أحرار العالم جميعا، قابلوا صنيعكم العظيم بوفاء أعظم، وبتقدير منقطع النظير، وإنما فعلوا ذلك مع جلالتكم، تكريما للشهامة، وتقديرا لفداء المصلحة العامة، وإعجابا بروح الكبرياء على المستعمرين المغرورين، مع إيثار السير، في ركب أبناء شعبكم المستضعفين، فبفضل الله، وبفضل وعي الشعوب الصحيح، وبفضل التضحيات الغالية، عدتم إلى عرشكم، منتصرين انتصار الحق على الباطل، والحرية على الاستعباد. وإننا إذ نهنيكم من أعماق القلوب فإننا لا نشك بأن هذه المعاني جميعا، موضوعة في حسابكم، على أن مقامكم المحترم، لا يمنعنا من تذكيركم بطباع المستعمرين، القائمة كلها، على المساومة ثم الغدر، فاحذروهم حفظكم الله، أن يشوهوا، جمال ذلك الذي كسبتموه، من مجد جدير بالخلود. هذا وإن في ذمة جلالكم اليوم بنظرنا، أمورا أربعة هي من الخطورة بمكان، أعانكم الله عليها. الأمر الأول: أن لا تقبلوا بغير الاستقلال التام الواضح. الأمر الثاني: وجوب اعتبار قضية المغرب العربي واحدة لا تقبل الانفكاك.

كونوا ربانيين

الأمر الثالث: العمل على صيانة حركة الكفاح المسلح البريء حتى تنال الحقوق بالفعل كاملة. الأمر الرابع: الاعتماد بعد الله على الشعب دائما، والأخذ بالشورى التي قدسها الله. أدام الله توفيقكم وجنبكم العثرات الفضيل الورتلاني بيروت في 11 - 11 - 1955 كونوا ربانيين {ما كان لبشر أن يوتيه الله الكتاب والحكم والنبوءة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} آل عمران: 79. مذكرة من الأمير عبد الكريم الخطابي إلى الجامعة العربية بسم الله الرحمن الرحيم حضرة السيد الكريم الأمين العام لجامعة الدول العربية المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فإني إذ أجدد شكري لسيادتكم على اهتمامكم الكريم بقضايا المغرب العربي، فإني أغتنم فرصة اجتماع مجلس الجامعة، وقيام الأحداث الخطيرة في ديار المغرب المكافحة، فأرجوكم بما لكم من واسع الإطلاع على قضاياه، أن تكونوا أمام الأعضاء المحترمين خير مبلغ، وخير مرافع عنها، كما أرجو أن تتكرموا برفع المذكرة الآتية إلى الأعضاء المحترمين ولكم الشكر سلفا. حضرات السادة الكرام. ممثلي الدول العربية، في مجلس الجامعة المحترمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإني أسأل الله أولا، أن يوفقكم في مهمتكم العظيمة، وأن يسدد خطاكم في خدمة الأمة العربية، وأن يمدكم بالقدرة التي تمكنكم من الإشراك في التخفيف من الآلام الإنسانية كلها، ثم إنني على يقين من إطلاعكم على أحوال المغرب العربي بأقطاره الثلاثة، تونس والجزائر ومراكش، فلديكم من المذكرات والمستندات والمعلومات الشيء الكافي، وعليه فلا أدعي أنني سأزيدكم الآن علما بها، وإنما الذي أقصد إليه في هذه الكلمة، أن أذكر - والذكرى تنفع المؤمنين - بأن الحلة في تلك الديار قد تغيرت تغيرا يستوجب من الجمع عناية خاصة وجديدة فالثورة التي قامت أخيرا في الجزائر بعد حوادث تونس ومراكش، أخذت طابعا من الجد، قدره العدو لما تعلمون حق قدره، ولربما قدره أكثر قدره، ليضمن العواقب لصالحه، ونحن نأمل أن تكون هذه الحركة الجدية بداية لنهاية الاستعمار الفرنسي في بلادنا، ولكن ذلك متوقف لا محالة على ما نقوم به من أعمال جدية، وما نأخذ به من أسباب معقولة، والنتائج على كل حال ستكون خطيرة جدا، فإن كانت الغلبة لنا في هذه المرة استرحنا من الاستعمار إن شاء الله إلى الأبد، وإن كانت الأخرى لا قدر الله، فمن المحتمل جدا، أن نعود إلى الوراء خمسين عاما أو تزيد، وهذه البلاد في نظر الماضي، والحاضر والمستقبل، هي بلادكم، وأنتم اليوم المسؤولون القادرون، ونحن جنود من ورائكم، نشهد الله والتاريخ، أننا قد وضعنا أعز شيء لدينا هو - الحياة - تحت تصرف القضية، وتحت تصرفكم في كل ما يؤدي إلى خدمتها، وأكتفي بهذا الآن منتظرا ما ستكلفوننا به، وإذا لزم منا أي توضيح في طرق العمل، ووسائل النجاح فإننا طبعا على استعداد، وأخيرا فليسمح لي حضرات السادة الأعضاء، أن أوصيهم باسم الأخوة، بأمرين مهمين الأول: هو تكتيل القوى والثاني: السرعة اللازمة التي تفوت على العدو أغراضه الخطيرة. وأسأل الله مرة أخرى أن يوفقكم وينصركم والسلام عليكم ورحمة الله. تحريرا في 29 - 11 - 1954

نداء من الأمير عبد الكريم الخطابي إلى أبناء المغرب العربي المجاهدين

نداء من الأمير عبد الكريم الخطابي إلى أبناء المغرب العربي المجاهدين بسم الله الرحمن الرحيم إلى أهل شمال إفريقيا، من علماء وأعيان وتجار وفلاحين وشيوخ وشبان، وبعد، فإن هذا الذي يتكلم إليكم اليوم هو جندي من إخوانكم ومن قدماء المحاربين يحييكم أكرم تحية، ويدعو لكم بكامل التوفيق ويوصيكم في هذه الظروف الدقيقة الحاسمة بالكلمات الآتية: أيها القادة الثائرون. أيها الضباط والجنود المكافحون. أيها الشعب الكريم إليكم أيها المكافحون أوجه هذه الكلمة بمناسبة قيامكم للدفاع ضد الطغيان وضد جماعة من الفرنسيين، خرجت عن كل القوانين السماوية والأرضية، ودأبت على التمرد والخروج عن الحدود المفروضة على الإنسان في معاملة أخيه الإنسان، وجعلت تتحدى وتستفز وتتحرش بكل الوسائل بعد ما سلبتنا كل شيء، وبعد ما تكرر اعتداؤها. هذه الجماعة لا تعرف قيمة للكرامة الإنسانية، ولذلك داست حرمة أهل البلاد، وعذبتهم بكل ألوان العذاب. لقد حان وقت تصفية الحساب أيها الإخوان المجاهدون إن هذه الجماعة الفاسدة لا ينفع معها إحسان ولا يفيد معها صبر ولا تعترف بشيء اسمه الخير من أي إنسان، فأفراد هذه الجماعة من الفرنسيين الذين سموا أنفهم المعمرين

المستعمرون أجبرونا على الانفجار أيها الأبطال المكافحون في تونس والجزائر ومراكش

قد أطلقوا العنان لطغيانهم واعتدائهم حتى نفذ الصبر الذي كان يتذرع به الصابرون، لتأخير ما حدث اليوم حقنا للدماء ومحافظة على الأرواح ولكن إلى متى؟. أما وقد نفذ الصبر وطال عهد الطغيان والفساد وصارت الحياة مع هذه الجماعة لا تطاق، فقد نهضتم للكفاح والدفاع وأطلقتم صفارة الإنذار ليعلم الطغاة أنه قد حان وقت تصفية الحساب، ولتعلم الجماعة أن أهل المغرب يصبرون ولكنهم أباة الضيم وليسوا بجنباء. المستعمرون أجبرونا على الانفجار أيها الأبطال المكافحون في تونس والجزائر ومراكش لقد حان الوقت لتسمع جماعة الاعتداء الصوت الذي بحثت هي نفسها على سماعه ولتفهم ما يجب أن تفهمه بلغة القوة الصريحة. أيها الإخوان الجزائريون نحن جميعا ما كنا نود في يوم من الأيام أن تصل الحالة في شمال إفريقيا إلى هذه المرحلة الدامية، ولكن رغبة جماعة المفسدين من الفرنسيين في الفتنة هي التي جعلتكم وجعلتنا جميعا ننفجر، فنهضتم تدافعون هذا الدفاع المبارك المجيد، ونزلتم إلى الميدان الذي تريده الجماعة الضالة جماعة المخربين الذين سموا أنفسهم معمرين، ومعهم بعض أنصارهم وشركائهم الموجودين في فرنسا، والذين تآمروا على بلادنا فهتكوا حرماتنا هتكا مريعا، وسلبوا أموالنا، وقتلوا رجالنا وأمعنوا في القتل والإبادة والمحق كلما وجدوا فرصة وكلما سنحت لهم سانحة. لا مفاوضة بعد اليوم أيها الإخوان المكافحون في المغرب العربي كله اتحدوا وكونوا صفا واحدا ولتتحد قلوبكم قبل أبدانكم، واجعلوا من هذه الحركات التحريرية كفاحا إجماعيا، كما جعل أعداؤكم الظلم إجماعيا، إنهم ظلموكم جميعا فقاتلوكم جميعا حتى تطردوهم من بلادكم، وقد أفنيتم، أعماركم

نريد أن نعيش أحرارا أيها الإخوان المكافحون

معهم في السلم والمفاوضات السلمية فلم ينفعكم ذلك شيئا، فسدوا معهم باب المفاوضات واجعلوا شعاركم لا مفاوضة بعد اليوم، واعلموا علم اليقين أنهم لا يثقون بكم سالمتم أو حاربتم، فلا تثقوا بهم ولا تجعلوا معهم عهدا ولا ميثاقا. نريد أن نعيش أحرارا أيها الإخوان المكافحون طالما حذرنا هذه الطائفة المعتمدة على الطغيان والظلم، أنذرناها بسوء العاقبة إن هي استمرت تتحكم في مصير أهل شمال إفريقيا، ولم تترك البلاد لأهلها، وكررنا مرارا على أسماعهم بواسطة الصحافة، إننا لا نريد إلا أن نقف على أقدامنا ونعيش في المستوى الذي تعيش فيه بقية الأمم الحرة، ولكن جماعة الطغيان والضلال قد أصمت آذانها عن سماع كلمة الحق، وسدت على نفسها باب الحكمة والرشد والخير. الشعب الفرنسي لا يريد حربا اتحدوا ورتبوا صفوفكم ولا تسمعوا لما يعرضونه عليكم من المهادنة فما هي إلا خدعة وتحليل وتضليل وكسب للوقت، وما هذه الأشياء إلا حيلة تدل دلالة قاطعة على عجز هذه الجماعة وخوفها وعنوان من عناوين مصيرها الأسود النهائي. تأكدوا أن شعب فرنسا لا يريد حربا ولا يذهب إلى حرب فهو يعلم أن جماعة الطغيان عدوته أيضا لأنها تخدعه كما تخدعنا بالكلام المعسول الخادع، والشعب الفرنسي يعلم أكثر من غيره أن هذه الجماعة، تلعب بحياة الجمع لتعيش وحدها في الرفاهية. كلمتي إلى أهل تونس وإلى الجنود في جيش فرنسا إن جماعة الضلال من الفرنسيين يحاربون بما يسمونه المفاوضة ليخدعوا الشعب التونسي، وغايتها من هذا هو فصل المكافحين التونسيين عن إخوانهم

إلى الفرنسيين الأحرار

الجزائريين والمراكشيين وسحبهم من ميدان الكفاح، فلا تثقوا بكلمهم ولا بوعودهم فأنتم تعلمون مصير أربعين من المجاهدين (الفلاقة) منذ بضع سنوات فقد استنزلهم الفرنسيون بالأمان ثم خدعوهم وقتلوهم عن آخرهم. أما كلمتي إليكم أيها الجيش المغربي من التونسيين والجزائريين والمراكشيين الموجودين في الجيش الفرنسي فهو أن تمتنعوا عن مقاتلة إخوانكم الذين قاموا لطرد الطائفة الباغية. فقد علمتم أن إخوانكم الجزائريين قد قاتلوا مع فرنسا في حرب القرم وقاتلوا أيضا في حرب السبعين ضد الألمان في جيش نابليون الثالث وقام أهل شمال إفريقيا كلهم في الحربين العالميتين الأولى والثانية وفتحوا لفرنسا مدغشقر والهند الصينية، وتمتعت الطائفة الباغية بخيرات هذه البلاد بثمن دم المغاربة، كل هذا لم يجعل هذه الطائفة أن تتطلب كلمة شكر لهؤلاء التعساء الذين قاتلوا من أجلها وخسروهم لتربح هي. إلى الفرنسيين الأحرار إلى طائفة الاستعمار تريد أن تبقى في شمال إفريقيا إلى الأبد، وقد حان الوقت لتعلموا يا أهل شمال إفريقيا هذه الحقائق لتعلموا ما يلزم عمله وهو طرد الطائفة الباغية، أما أنتم يا أحرار فرنسا فقد حان الوقت أيضا لأن تقولوا كلمتكم لإنقاذ سمعة فرنسا بل لإنقاذ فرنسا نفسها، لا من أهل شمال إفريقيا بل لتنقذوها من عدو فرنسا الحقيقي، وهو هذه الجماعة التي تعبث بشعب فرنسا حسب أهوائها، واعلموا أنه لا يصلح لكم بحال من الأحوال السكوت والإغضاء، بل يجب عليكم أن تفعلوا ما فعله أحرار الأمم الأخرى القوية الأبية وأن تكفوا شر هذه الجماعة الظالمة عن أهل شمال إفريقيا.

وكلمتي - أخيرا - إلى الموظفين والساكنين

وكلمتي - أخيرا - إلى الموظفين والساكنين يجب - أيها الإخوان أن تعلموا أن إخوانكم المكافحين إنما يعملون لمصلحة الجميع وليس غرضهم الانتقام من أحد، وأنهم لم يثوروا على الفرنسيين لأنهم فرنسيون، وإنما ثاروا على الظلم الذي تعانونه جميعا من الطائفة الاستغلالية. وأنتم تعلمون أن أكثر هذه الطائفة ليست فرنسية، ولم تجمعهم مع بعض الفاسدين المفسدين من الفرنسيين إلا المصلحة المادية في استغلال أرضكم وامتصاص دمائكم. فالواجب عليكم أن تشدوا أزرهم بكل ما يمكنكم ولو بالكلمة الطيبة، واحذروا من شياطين الاستعمار أن يلقوا بينكم العداوة والبغضاء، ثم يقتلوا بعضكم بيد البعض الآخر، فإنما هم أعداؤكم جميعا ولا تظنوا أنهم يرضون عن واحد منكم ولو خدمهم بدمه وماله، والدليل القاطع هو أن عشرات الآلاف من أبنائكم وأبناء أمتكم ماتوا في سبيل هؤلاء، ثم لم يكافؤوهم ولو بكلمة شكر. أيها الإخوان هذه نصيحتي إليكم وهي صادرة عن قلب محب لكم مخلص لقضيتكم، ولذلك تسمعونها بلغة بسيطة خالية من التكلف، وقد سبقكم صاحبها إلى هذا الميدان وإلى الثورة على الظالمين أعداء الحق وأعداء الإنسانية. محمد عبد الكريم الخطابي القاهرة 10 نوفمبر سنة 1954 خطابات مفتوحة من الورتلاني إلى سفير فرنسا في القاهرة نقدم هنا طائفة من المقالات كان الأستاذ الورتلاني قد وجهها في صورة خطابات مفتوحة إلى سفير فرنسا في القاهرة عام 1954 أثناء قيام الثورة الجزائرية يومئذ، وذلك ردا على مزاعم للسفير، كان أفضى بها إلى رجال كبار ومسؤولين من المصريين وغير المصريين، ادعى فيها بأن الورتلاني، إنما هو رجل حاقد على فرنسا، وأنه يعمل بكل الوسائل لتشويه سمعتها في هذا الشرق، وأن أكثر ما

حول غطرسة الفرنسيين في شمال إفريقيا (1)

يدعيه عنها وينبه إليها من ظلم وعدوان وحرمان، إما أن يكون كذبا محضا، أو على الأقل مبالغا فيه إلى حد بعيد. فكانت هذه المقالات المفتوحة بمثابة رد على مزاعم السفير، وتحد لدولته "فرنسا" وقد بلغت هذه المقالات يومئذ، نحو ثمانية عشر رسالة، نشرت أولا في جريدة "مصر الفتاة" في أعداد متوالية، ثم نقلتها بعض الجرائد السورية، والعراقية، وأخيرا جمعت جريدة "النذير" المصرية، التي تصدرها جمعية "شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم" في القاهرة بتاريخ 4 محرم سنة 1366 عدد 151 و 152) بعضها في عدد خاص، بكفاح جبهة الدفاع عن إفريقيا التالية، التي كان يرأسها العلامة الشيخ "محمد الخضر حسين" ويقوم بسكرتاريتها الأستاذ "الفضيل الورتلاني". ومن تمام الفائدة، أن تدرجها في هذا الكتاب للتاريخ، ولما فيها من الحقائق عن بشاعة الاستعمار الفرنسي، لا يكاد المرء يصدقها، وكنا نود أن نحصل على جميع تلك المقالات، ولكننا لم نستطع أن نحصل إلا على هذا القدر الذي نشر في جريدة النذير الغراء. وإلى القراء الكرام المقالة الأولى ثم تتلوها بقية المقالات: حول غطرسة الفرنسيين في شمال إفريقيا (1) حضرة السفير الجليل بعد تقديم كل ما يجب من الاحترام لمثلكم. بلغنا من الثقات أن الناطقين بلسانكم يزعمون أننا نبالغ دائما في عرض الحقائق عندما نتحدث عن صلات استعماركم لبلادنا، وأننا نختلق من الحوادث والمظالم ما لا يوجد إلا في مخيلاتنا وشهواتنا وهذا الأسلوب، وإن كانت مذاهب الدعاية تجيزه في كثير من الأحيان ولكننا نحن نربأ بمروءتنا أن نكون مفترين، لأن المفتري لا تروج بضاعته إلا حينا من الدهر ثم تذهب

ثقته واحترامه بين الناس، ثم أننا أكرم على أنفسنا من أن نسلك سبيل السفهاء من الناس فنجعل هدفنا الأول هو الطعن والسباب، بل الغرض الوحيد أن نحمل الناس على إنصافنا، ولو إنصافا غير كامل، اللهم إلا إذا كان النداء بالحق نوعا من الطعن عندكم والغضب لإهانته نوعا من السباب لديكم، فإذا كان الأمر كذلك فإننا نخشى أن تجدوا منا أعظم الطاغين وأكبر السبابين. على أننا نرجو أن نجد عندكم من الاستعداد لدراسة الأمور على طبيعتها وسماع الحقائق الحلوة والمرة كما هي، والقيام برسالة السفير الحكيم الحازم على أكملها ما يشجعنا على أن نقدم سلسلة من الخطابات المفتوحة نعرض فيها لكم من البيانات والنصائح التي تنفع سمعة تاريخ بلادكم ومصلحة مستقبل شعبكم ودولتكم ما لا تجدونه عند أحد المنافقين الذين يصطنعهم الاستغلاليون الأنانيون للرد على كل سؤال بنعم، ولحمد كل فعل ولو كان يذهب بالناس إلى جهنم .. كما لا تجدونه عند المستعمرين والمتفرنسين والاستغلاليين أنفسهم. يا حضرة السفير: أنت تعلم أنه قد مضى على استعمار فرنسا لبلاد إفريقيا الشمالية ما يزيد على قرن من الزمان وكان هذا الاستعمار مباشرة بواسطة مجموعة متفرنسة من أخلاط من الناس حضرت أو أحضرت من كورسيكا ومالطة وإسبانيا وإيطاليا واليونان وغيرهم لا يجمعهم إلا رابطة المصلحة الشخصية البحتة ولا يقيمون وزنا للظروف الدولية ولا يعملون حسابا لسمعة فرنسا ولا لعظمتها الحقيقية، ولا لمستقبلها الطويل إنما كل همهم أن يجمعوا المال أكواما، ولحسابهم الخاص وأن يذلوا باسم فرنسا هذه الملايين من البشرية الكريمة بالسلطان والبأس وأن يسدوا عليهم كل أبواب الحياة فيحرموهم من التعليم حتى في أول مراحله، ويرتكبوا في سبيل ذلك كل ما يزري بسمعة فرنسا الثقافية بل بسمعة الإنسانية عامة في القرن العشرين.

حول غطرسة الفرنسيين أبضا (2)

ثم يبعدونهم عن مواطن الكسب من تجارية وصناعية وإدارية ثم تتكون عندهم عصبية ضد أولئك العرب كلها حقد ظاهر وازدراء مكشوف، الأمر الذي يجب أن يحز في نفوس من يغارون على فرنسا. إن هذه السياسة الحقيرة إنما يحملون كل وزرها لفرنسا نفسها واليوم هو يوم الامتحان ويوم الفصل في مصائر الأمم: إما أن تبرأوا من أعمال هذه الشرذمة وتتقدموا من جديد بأسلوب كريم على أنفسكم وكريم علينا، وإما أن تقروا أعمالهم فتكون هي أعمالكم فيومئذ يرى كل منا مصلحته في أي واد من الأودية فيسبح فيه. وفي العدد القادم تجدون الأمثلة والتفاصيل وإلى اللقاء. مصر الفتاة 9 ذو الحجة سنة 1364 14 نوفمبر سنة 1945 حول غطرسة الفرنسيين أبضا (2) حضرة السفير المحترم وعدتكم في العدد الماضي إيراد التفاصيل والإتيان ببعض الأمثلة على مساوئ استعماركم في إفريقيا الشمالية وها أنذا منجز وعدي - وإليكم البيان: - لعل أقرب الحوادث إلى الأذهان هي ثورة الجزائر الأخيرة تلك الثورة المحزنة المريعة التي كثر عنها الحديث في الصحف والأندية والتي أعدنا نحن القول فيها في كثير من المناسبات وكنا فيها بحق متحمسين وكنا فيها ثائرين - ومع أننا في تلك الحالة النفسية الشاذة كان يجوز أن نكون مبالغين وكان يجوز أن نكون متحاملين ولكننا لم نكن كذلك كما سترى، لقد تصورنا دماء آبائنا وإخواننا وأبنائنا بل وإخواتنا وبناتنا ونسائنا .. تصورناها تراق على مذابح الشهوات الاستعمارية لحساب طائفة من المتفرنسين الانتفاعيين الذين جمعتهم

إلى الجزائر مجرد الصداقة النفعية من كل أطراف أوروبا ومن جزر البحر الأبيض المتوسط وأطلقتم أنتم عليهم اسم الفرنسيين وأبحتم لهم العمل (مع الأسف) باسم ماضيكم العظيم وكانوا إلى الأمس القريب يحيكون الدسائس مع النازيين والفاشيين ضد فرنسا الحرة والإنسانية ويشاء سوء الطالع أن تبتدئ المذبحة الكبرى يوم الاحتفال بالنصر، النصر الذي كان الجزائريون وإخوانهم المراكشيون والتونسيون فيه وقوده الأول - وكانوا فيه حجر الزاوية والذي ترددت فيه صدى بطولتهم في سبسليا وإيطاليا وكورسيكا وتونس وفي فرنسا نفسها ثم في ألمانيا أخيرا - ونوه بذلك كبار القواد من الحلفاء وسجله مستر تشرشل في إحدى خطبه التاريخية كان جزاء أولئك المحررين البواسل في يوم الحرية الأخير أن بادر الجلادون المستعمرون إلى إشعارهم بواسطة النار والحديد بأنهم لا يزالون عبيدا أرقاء وأن النصر عليهم لا لهم خشية أن يذهب بهم الغرور مذهب البطش فتحدثهم أنفسهم بالخروج عن طاعة أسيادهم أشباه الآلهة في القرن العشرين. ولكن الجزائريين الذين قدموا مئات الألوف من زهرات شبابهم إلى الموت في ساحة النزال باسم الحرية فذهب أكثرهم ضحيتها قتلا أو تشويها، لم يكونوا سوائم يعبث بثمن دمائهم بمثل هذه السرعة وبمثل هذه الصورة التي تتنافى مع أقل درجات الوفاء والمروءة لقد كان طبيعيا أن يسجلوا غضبهم وأن يثوروا لحقهم المغصوب إلى جميع طبقات الأمة وأن يشمل الرجال والنساء والصغار والكبار وكان طبيعيا أن تباع النفوس رخيصة غاضبة لهذا الغدر إغتباطا واختيارا ثم كان ما كان من حشد حكومتكم للقوات البرية والبحرية والجوية وتعبئة العسكريين والمدنيين وتسليط الجميع على الثوار وعلى الآمنين الأبرياء في المدن والقرى. ولقد كان طبيعيا أيضا رغم الحصار الذي ضربتموه على هذه البلاد أن تتسرب أنباء هذه الكارثة إلى بلاد الشرق والغرب فقرأناها وعلمنا كثيرا من تفاصيلها - وكان طبيعيا أن يسري الغضب إلى نفوسنا - وكان طبيعيا أن نذيع هذا في الناس ونستنكره

كما كنتم أنتم تفعلون بإذاعة جرائم الألمان التي كانوا يرتكبونها في البلاد المحتلة واستنكارها وما جاز لكم نعتقد أنه يجوز لنا إنما لحضرة السفير المحترم الحق أن يعيب علينا إذا كذبنا أو زورنا، فهل كان منا شيء من ذلك - كلا - لقد قلنا للناس أن الفرنسيين قتلوا من إخواننا العرب ما يزيد عن ثلاثين ألفا وهذا الرقم هو متوسط ما نشرته الصحف اليومية نقلا عن شركات الأنباء العالمية المحترمة ونشرت جريدة المارسيين لسان حالكم في مصر أن عدد القتلى بلغ مليونا ولنا أخيرا مصدر لا يستطيع أحد أن يعترض على صحته وهو مضبطة جلسات الجمعية الاستشارية بباريس التي نشرتها الجريدة الرسمية الفرنسية وهى بين أيدينا الآن - هذه المضبطة تذكر لنا أن أحد النواب ذكر لوزير الداخلية أن أربعين مشتى (قرية) قد محيت من الوجود بفعل قنابل الأسطول والطائرات واختلفوا في تقدير عدد سكان المشتى ما بين خمسمائة وألفين. وأنا أعلم أن بعض المشاتي يزيد عدد سكانها عن خمسة آلاف فإذا أخذنا بالوسط وقدرنا عدد سكان المشتى بألف يكون عدد الذين قتلوا عملا برواية الجريدة الرسمية في المشاتي وحدها أربعين ألفا يضاف إليهم من مات في الجبال والسهول والمدن الأخرى فلا يمكن أن يقل عددهم عن العدد الأول فيصير المجموع ثمانين ألفا فنكون نحن قد تواضعنا كثيرا فيما نذيعه على الناس - ونقول للناس - إن الفرنسيين اعتقلوا ما لا يقل عن أربعين ألفا وضعوهم في السجون مع المجرمين بل بلغنا أخبار بأن الحكومة تفرج عن المجرمين لتجد محلات في السجون تضع فيها طالبي الحرية والإنصاف والدليل على صحة هذا لا نرجع فيه إلى أخبار الصحف وشهود العيان بل نتركه لرجل من كبار المسؤولين فيكم وهو المسيو كالدر عضو الجمعية الاستشارية الذي نشرت تصريحه صحف لندن وبعث به مراسل المصري الخاص ونشر في 22 - 9 - 1945 جاء فيه ما يلي:

(تقول البرقيات الواردة من باريس أن مسيو كالدر العضو عن شمال إفريقيا في حركة الرخاء العام الفرنسية قد تحدث عن حالة التوتر في الجزائر وقال أن اضطرابات خطيرة قد تحدث في أي لحظة ما لم تطلق الحكومة سراح ثلاثين ألف عربي معتقل حوكموا أو في انتظار محاكمتهم لميولهم الوطنية ولمحاولة تأليف إتحادات وطنية، وقال مسيو كالدر أنه عندما غادر الجزائر أخيرا أصدر البوليس الفرنسي منشورا إلى الأوربيين في مناطق عديدة أبلغهم فيه وجوب إعطاء إشارة للطائرات حال الشعور بالخطر معنى ذلك أن كل محرض بإمكانه أن يحدث اضطرابات) هذا الكلام صريح بأن مسيو كالدر ينصح للحكومة بوجوب إطلاق سراح ثلاثين ألف معتقل ومعنى ذلك أن هنالك أكثر من ثلاثين ألف بعضهم قد لا تدعو الضرورة إلى تسريحه - أما ما وصلنا من تفاصيل هذه المذبحة (وأنا مصر على تسميتها مذبحة بل مجزرة) فإن ذكرها ترتعد له الفرائص وتشمئز له النفوس ويرق لحال أهلها من في قلبه مثقال ذرة من العطف الانساني وأختم خطابي اليوم بالملاحظة الآتية: افرض يا حضرة السفير أن الذين قتلوا من العرب أقل من ثلاثين ألف فليكونوا ثلاثة آلاف، وليكونوا ثلاثمائة، وليكن المسجونون آلافا بدلا من عشرات الآلاف، وافرض مرة ثانية أن ذلك قد حصل لكم أنتم ومن قوم لم يزل بعد إثر إحسانكم إليهم مائلا للعيان فكيف يكون وقعه في نفوسكم وكيف يكون رد الفعل منكم؟ كنتم ولا شك تستحيلون إلى قنابل ذرية تحاولون أن تنفجروا عليهم لتهلكوا حرثهم ونسلهم لأنكم، حريصون على حياتكم وكرماء على أنفسكم .. أرجو يا حضرة السفير أن تعلم من جديد أننا مثلكم حريصون على حياتنا كرام على نفوسنا. مصر الفتاة في 3 من ذي الحجة 1364 الفضيل الورتلاني

حول اعتقال عشرات الآلوف من المجاهدين (3)

حول اعتقال عشرات الآلوف من المجاهدين (3) والحكم بالإعدام على الزعماء .. وتقييد الحريات وتدمير القرى وإفناء القبائل وإباحة الأعراض والأموال للجنود الفرنسية والسنغالية. حضرة السفير المحترم: لقد حدثتكم في الخطاب الماضي بإيجاز عن ثورة الجزائر الأخيرة، وأجملت فيه القول إجمالا واكتفيت بالإشارة إلى عشرات الألوف من خيرة شبابنا الطاهر البرئ الذين ذهبوا ضحية الحقد والشهوة، والذين اخترتموهم عزلا مستضعفين لإظهار قدرة أسلحتكم على الفتك والتفوق بعدما عجزت عن رد عادية المساوين لكم المسلحين النازيين، ويا ليتها كانت كلها أسلحتكم بل كانت أسلحة الإعارة والتأجير من الحلفاء المحررين، واكتفيت بالإشارة إلى عشرات الألوف من الأحرار الذين أودعتموهم السجون والمعتقلات، وسلطتم عليهم من أنواع التعذيب ما ترتعد الفرائص لذكره، ودللت على ذلك بما لا يدع مجالا للشك في صحته وأسوق إليكم اليوم طائفة من الأمثلة على الطريقة التي تمت بها هذه الجريمة الإنسانية الكبرى، حسبما وصلت إلينا أنباؤها - حدثنا قادم من تلك البلاد أن السلطات المسلحة التي تولت عملية الانتقام من الأحرار الجزائريين، كانوا يملؤون "عربة نقل" من هؤلاء الضحايا مكبلين ومحروسين بالجستابو الفرنسي فيتجهون بهم إلى ناحية مجهولة فإذا وصلوا بهم إلى شاهق من جبل معلوم - وما أكثرها في بلاد الغرب - نزل السواق إلى الأرض على إتفاق سابق ودفعوا بعربة النقل نحو الهاوية فتنقلب بمن فيها من أولئك التعساء فتتطاير أجسامهم وتقطع أشلاؤهم فلا تكاد تصل عربة النقل إلى قاع الوادي حتى لا تبقى جارة مع أختها من جثث أولئك الآدميين التعساء والمنتقمون واقفون يتفرجون ويتلذذون! وحدثنا قادم آخر على أسلوب من أساليب الوحشية: إن الفرنسيين يحفرون أخاديد على طريقة خاصة وأعماق معينة وعلى طول مقصود

وعرض مقصود ويسوقون إليها جموعا من البشرية الكريمة مكبلين فيدفعون بفريق إلى الأخدود فإذا ما وقعوا فيه أهالوا عليهم الأتربة والحجارة من كل جانب فيدفنونهم أحياء في غير شفقة ولا رحمة، وكثيرا ما يكون الفريق الثاني يشاهد الرواية بعينيه وينظر مصيره المشؤوم وكثيرا ما يحضرون جموعا أخرى لمجرد شهود العذاب وإلقاء الرعب في قلوب من وراءهم من المعاندين وبلغنا أن الحكومة أباحت لجنود الميليشيا الذين لا يختلفون عن الجستابو النازي لا في قليل ولا في كثير أباحوا لهم أيام الثورة أن يقتلوا من شاءوا كيفما شاءوا وأباحوا لهم الأموال والأعراض وقيل إن جماعة منهم تذهب إلى بيت فلان من الأعيان فيطرقون بابه ويدعونه للخروج فإذا ما وصل إلى الباب أطلقوا عليه الرصاص وأردوه قتيلا من غير أدنى سبب وتذهب جماعة منهم إلى بيت فلان ويقتحمون عليه داره ويكبلونه في قيود عندهم ثم يجبرون النساء على ارتكاب الفاحشة معهم في مرأى ومسمع منه، وإذا حاول أن يدافع عن عرضه كان جزاؤه القتل الشنيع، وتذهب جماعة أخرى إلى دار فلان شاهرين السلاح فيدخلون عليه وينهبون كل ما وصلت إليه أيديهم من متاع وأثاث وكثيرا ما يتهمون صاحب الدار بأنه يملك نقودا أو أشياء ثمينة أخفاها عنهم فينزل عليه سوط العذاب لحمله على الاعتراف بما أخفي من ثمين المتاع، وقد ينتهي التعذيب بالقضاء على حياته، وبلغنا من غير واحد أن الحكومة الفرنسية أباحت مدينة فاس بمراكش مدة ثلاثة أيام لجنود السنعال والفرنسيين وشملت الإباحة النفوس والأموال والأعراض فعاثوا في المدينة فسادا فامتدت الأيدي اللئيمة إلى أعراض المسلمين في حيوانية ووحشية تدمي القلوب وذهبت ضحيتها أموال وأرواح لا يسأل المجرمين فيها إلا الله يوم القيامة، وبلغنا أن السلطات حكمت على طائفة من خيرة الشباب بالإعدام في أنحاء مراكش بتهمة الاشتراك في الثورة، وإمعانا في الانتقام والإغاظة فرضت على أولياء أمورهم أن يحضروا تنفيذ حكم الإعدام ومن أراد أن يمتنع يكون جزاؤه السجن

سنة كاملة، ومبالغة في النكاية مرة أخرى حددت يوم عيد المسلمين ميعادا لتنفيذ حكم الإعدام وبفضل تدخل مولانا جلالة السلطان في الموضوع آخر الميعاد عن العيد بأيام وبلغنا أن السلطات في تونس قبضت في السنة الماضية على أربعة عشر ألف 14000 دفعة واحدة وأودعتهم السجون والمعتقلات بتهمة الميل إلى الألمان. وبلغنا أنها تعاملهم معاملة لا يقرها من فيه رائحة الإنسانية، منها تسخين الماء إلى درجة من الحرارة لا يطيقها بشر، ثم رميهم في أحواض منها، ومنها تسليط ضغط الكهرباء على أطراف أجسامهم بصفة مريعة ومميتة لحملهم على إعترافات ضد أنفسهم وضد أوطانهم، ما أنزل الله بها من سلطان، ومنها - وهي متناهية في البشاعة - أن يجمع الأب مع ابنه ويجبران على خلع ثيابهما حتى تظهر عوراتهما، وقيل لنا أمور أخرى أشنع من هذا نكف عن ذكرها تنزيها لألسنتنا واحتراما للقارئ الكريم، فهذا بعض ما وصلنا يا حضرة السفير المحترم من أنباء محنة الأمة العربية في إفريقيا الشمالية بأيدي إخوانكم الفرنسيين الأحرار الذين آوتهم أرضا وسعدوا بأرزاق بلادنا، والذين قاتلنا أشد قتال في سبيل حريتهم وحرية بلادنا. فهل لحضرة السفير الكريم أن يعير لي أذنه لحظة في اهتمام الرجل الحصيف، وعناية الرجل المسؤول، وفي شيء من الإضاف لنحاول سواء على أن نخرج بنتيجة لخير الجميع أو لمجرد إثبات الحق على الأقل .. يا حضرة السفير أنت أمام هذا الكلام بين أن تصدق أو أن تكذب وأنت حر على كل حال، على أن لي في تلك الحالتين كلاما في غاية الإنصاف والعدل فإن كنت من المصدقين ولو في الجملة فأكبر ظني أن لا تسمح إنسانيتك وما تحمله في عروقك من دم الثورة الفرنسية التحريرية، والحرص على سمعتها أن يقع في القرن العشرين وباسم فرنسا هذه المجزرة البشرية الشنيعة وبعد ما انتصرت الديمقراطية مباشرة على البربرية كما يقولون، ففي مثل هذه الحال فإن الواجب يحتم عليك أن تنصح لحكومتك بالمبادرة إلى التكفير عن غلطاتها وفي مقدمة ذلك إطلاق سراح جميع المعتقلين

حول عزل الشعب المغربي عن العالم الإسلامي (4) ومنع السفر لحج بيت الله الحرام

والمسجونين ورد المبعدين والسماح لهم بممارسة حقهم الطبيعي في التعبير عن مصيرهم وجميع أغراضهم، ثم التفاهم معهم على المصالح المشتركة بالمنطق كما يفعل المنصفون في جميع أطراف الدنيا هذا إذا كنت من المصدقين وأما إذا كنت من المكذبين - وأنا نفسي لست من القاطعين بالأمر وأتمنى أن لا تكون كل هذه الأهوال قد حصلت - ففي مثل هذه الحال عليك واجب نحو سمعة حكومتك وأمتك وهو أن تنصح لها برفع الحصار المضروب على هذه البلاد فتسمح للناس بالدخول والخروج وتسمح للمطبوعات بمثل ذلك، أو تطلب أخيرا لجنة تحقيق تجوب أطراف هذه البلاد تؤلف من الحلفاء والعرب أما الحلفاء فلأنهم دفعوا أعلى رقم في ثمن الانتصار من أموال ودماء، وأما العرب فلأنهم إخواننا يهمهم أن يطمئنوا علينا ومن مصلحتكم أن ينقلب بعضهم لكم حبا فإذا فعلتم ذلك وعلمت الدنيا أن في الأمر مبالغة وغرضا خرجتم من الموضوع مرفوعي الرأس محترمين وقطعت جهيزة قول كل خطيب، وإذا لم تفعلوا فاعلم يا حضرة السفير أن الدنيا من أقصاها إلى أقصاها سوف تصدق كل ما يقال عن جرائمكم ونحن أنفسنا سنظل عن حق نهاجموكم ونحاربوكم بألسنتنا وأقلامنا وكل ما نملك من قوى والله معنا ولن يترنا أعمالنا وانتظروا في العدد القادم معلومات أنتم في أشد الحاجة إليها. حول عزل الشعب المغربي عن العالم الإسلامي (4) ومنع السفر لحج بيت الله الحرام حضرة السفير المحترم: لقد أشرت في خطاب مضى إلى الحصار الذي ضربته حكومتكم على بلاد إفريقيا الشمالية والسور المحكم الذي أقامته بين 25 مليونا من النفوس العربية الحرة الكريمة هناك وبين العالم المتمدن كله. ذلك العمل الذي جعل الناس يوقنون أن جريمة كبرى لا بد أنها ترتكب في تلك البلاد وأن نية سيئة خطيرة

تبيت لأبنائها الأمجاد. فوق تصديقهم لكل ما قيل عن المجزرة البشرية التي مثل روايتها جنودكم البواسل، ضد الأهالي العزل والتي قتل فيها عشرات الآلاف وسجن فيها مئات جزاء مطالبتهم بالحرية التي بذلوا في سبيلها أطهر الدماء وأغلاها وأحب في خطاب اليوم أن أسوق إليكم مظهرا من مظاهر هذا الحصار ينطوي على أشنع وصمة في جبين القرن العشرين وأنتم تظنون أنه أروع مظهر اهتديتم إليه لترفعوا به عن أنفسكم تهمة دفن الشعب المغربي وعزله عن العالم. ذلك هو مظهر حجاج بيت الله الحرام وسوف أتوسع قليلا في سرد قصتهم حتى أكون قد أديت لكم واجب النصيحة كاملا وحتى يشترك القراء في فهم هذه المهازل التقليدية التي أخذت عليها فرنسا الاستعمارية الرجعية وتمسكت بها فرنسا الحرة الجديدة. وحتى يعلم الناس جميعا مقدار إمعانكم في خنق الحريات ومقدار إهانتكم لأشد الناس ولاء لكم ومقدار تدخلكم في شؤون الدين التعبدية المحضة - وأرجو بعد ذلك أن يعلم الغير أن الحج شعيرة دينية يقوم بها المؤمن إذا كان قادرا مختارا ويعرف هذا كل مسلم على الأرض - وليس في دين الإسلام شيء اسمه حج رسمي تفرضه حكومة لا دينية على طائفة من موظفيها المسلمين وتنفق عليهم في أدائه من ميزانية الدولة، والذي يفهمه كل العقلاء من الناس من تنطيمكم لبعثة الحج على نفقة الدولة ومن الموظفين الرسميين بالطائرات الفخمة أمران. الأول: أن تحكموا عملية الحصار وتمنعوا 25 مليون من أداء هذه الفريضة أحرارا مختارين وحتى لا يفك الحصار ويخرج أولئك السجناء من قبورهم التي دفنتموهم فيها ويتصلوا بالعالم الخارجي فيذيعوا على الدنيا مساوئكم الفادحة وبطشكم الجبار، وحتى لا يسمعوا أخبار الناس في أطراف المعمورة وما يتمتعون به من حرية وسعادة فيشعروا بفداحة الحرمان فيتضاعف غضبهم وتشتد خصومتهم وتقوى آمالهم في مساعدة أحرار العالم لهم يحاولوا أن يخرجوا من

عبوديتكم التي لا بد منها لكم فليمنعوا إذن قطيعا من السفر إلى الحج وغير الحج وليبقوا إذن في القفص الضيق جاهلين كل ما يجري في الدنيا من أحداث لعلهم يرضخون ويستسلمون ولو بعد عناء طويل. هذا هو الغرض الأول والأهم. والغرض الثاني: أن توهموا الناس بأنكم أحرار كرماء لا تعترضون على الشعائر الدينية بل تساعدون على أدائها ودليلكم المادي هو هذه المجموعة المسكينة التي أطلقتم عليها اسم الحجاج والتي وضعتموها في علب من الطائرات ثم أقمتم عليهم رقباء في غدواتهم وروحاتهم يعدون عليهم أنفاسهم ويحصون عليهم إشاراتهم ولا يتحركون ولا ينطقون إلا تحت سمعكم وبصركم ولا ينتقلون إلا بالأوامر الصارمة منكم كأنهم شرذمة من المجرمين يساقون إلى مقرهم في السجن المؤبد ويدفعون إلى مصيرهم في الأشغال الشاقة ويعيشون باسم الحج والعبادة في هذا الجو الإرهابي القلق الذي يحيطهم من كل جانب وشهده رجال الشرق من بعد ومن قرب معا ويأخذ الدهش منهم مأخذه ويكادون يكذبون مع المشاهدة والعيان أن هذه فرنسا الجديدة وأن هؤلاء العظماء والتعساء هم أصدقاؤها بل أذنابها الموالون الطائعون وأنا حقا في سنة 1945 وهو العام الذي شملت فيه الحرية فرنسا حتى النساء وأصحاب العشرات منهن مشرعات تحت قبة البرلمان بباريس وطبيعي أمام هذه الرواية الهزلية أن يتسائل الشرقيون إذا كانت فرنسا تعامل جماعة من أخلص الناس إليها انتقتها بنفسها من بين مئات الآلاف من موظفيها الطائعين وخدمتها المخلصين وأوفدتهم على حسابها وسيعود ون بعد حين إلى خدمتها والعيش في كنفها إذا كانت تعامل هؤلاء الموالين المسبحين بحمدها ولو في الظاهر على الأقل بهذا الأسلوب الرجعي القديم فكيف تكون معاملتها لمعارضيها من الأحرار الساخطين الثائرين وهم بقية الـ 30 مليونا من سكان هذه البلاد؟ لا بد أنهم شر مستطير وأنهم في فتنة هوجاء وأنهم في بلاء لا يعلم مدى

أثره في تعذيبهم إلا علام الغيوب ولا بد أن كل ما ينشر ويذاع إذن عن مختلف الفظائع في كل الأقطار واقع من الوقائع. هذا ما يقوله المحايدون من الناس على طريقة الاستنتاج المنطقي السليم واسمح لي يا حضرة السفير أن أصف لك على سبيل المثال بعض مظاهر التصرفات فمن سنتين مثلا حضر وفد من بلاد إفريقيا الشمالية في طريقه إلى الحج بالطائرة وكان من بين أعضائه بعض الوزراء فحيل بينهم وبين الاتصال بالعالم بأساليب يمقتها أرذل الناس منها أن وزير الأوقاف التونسي السيد مزالي طلب إلى الناحية المختصة فيكم أن تسمح له بزيارة وزير الأوقاف المصري باعتباره زميلا له في المنصب فهي مجاملة ودراسة ويعلم الله كم أخذ هذا الطلب من أخذ ورد وكم وضع له من شروط والذي ظهر للعيان ولا يزال حديث المصريين إلى الآن أنكم لما وافقتم على مبدأ الزيارة بعثتم معه ضابطا رافقه فصحبه حتى مكتب الوزير ولزمه في الجلسة إلى النهاية يعد عليه أنفاسه فدهش الوزير المصري عبد الحميد عبد الحق أن يكون في الدنيا من لا يزال يعمل على استعباد الناس إلى هذا الحد ويعده الصورة المزرية لفرنسا الحرة التي كانت ولم تزل يومئذ تقاسي احتلال النازي وإذلالها ووجه إلى زيارة الوفد كثير من الأفراد والهيئات بدعوتهم إلى الزيارة عن طريق غذاء أو عشاء أو حفلة شاي فلمسوا منهم فقدان كامل حريتهم حتى أن أحد الأعيان ألح عليهم في زيارة خاطفة لبيته وقبلوا تحت الإلحاح وأعد لهم حفلة شاي دعا إليها غيرهم فمنعوا في آخر لحظة ولم يحضر منهم إلا شخصان عداها مخاطرة، وفي السنة الماضية حضر الوفد كالعادة وقد حضر من الأماكن المقدسة إذا أردتم تطيروا بهم رأسا إلى البلد فحصل شجار بالمطار قيل لنا انتهى بالإضراب عن ركوب الطائرات فاضطررتم إلى الموافقة على بقائهم على أنكم تركتموهم يقضون ثلاثة أيام داخل مستشفى الحميات بإمبابة بعيدين عن الدنيا وأهلها لما خرجوا عن المستشفى انهالت عليهم

الدعوات من كل جهة وكم كان بود أولئك المحرومين أن يتمتعوا أياما بمدينة القاهرة مع أهلها ولكن حزمكم النادر حال دون ذلك وبشيء كثير من المخاطرة حضر حفلة الإتحاد العربي ثم صدرت الأوامر ليلا وكان السفر ليلا وفي هذه السنة بالغتم في الاحتياط فسمحتم للوفد في الذهاب بالنزول في القاهرة ساعة وكسور ليتناول الطعام من غير علم أحد ثم طرتم به إلى الأقصر بدل أن يمضوا ليلهم بالقاهرة خشية أن يحتكوا بأحد ولما عادوا إلى القاهرة أقبل الناس عليهم بدعوتهم للتعارف فما وجدوا منهم إلا الأسف والاعتذار بأنهم لا يملكون أمر أنفسهم!! يا حضرة السفير صدقني إذا زعمت أنني أنصح لكم فو عزة الله لو كنت أنا مكانكم فرنسيا أحرص على سمعة فرنسا وعظمتها وخلودها لكنت من أشد خلق الله مقتا لهذه الأساليب البغيضة ولاصطنعت لمصلحة فرنسا بدلها أساليب الكرم والتسامح لأن الكرم والتسامح هما دليل النبل والقوة معا وأما الغطرسة والشدة وفرط الحذر كل ذلك دليل الهوان وبعد فماذا كان يضركم لو سمحتم لأهالي إفريقيا الشمالية بباخرة تنقل منهم بضع مئات أو آلاف يزورون الأماكن المقدسة كما يسمح لغيرهم من أهل فلسطين وطرابلس وكما يفعل الناس جميعا لا يستطيع العقلاء أن يعللوا ذلك إلا بخوفكم من نتائج الاختلاط ولا يستطيع العقلاء أن يجعلوا الخوف دليل المجد والقوة يا حضرة السفير احرصوا على مجدكم وقوتكم ولكن نصيحتي أن تتخذوا أسلوبا غير هذا الأسلوب وإلى اللقاء في العدد المقبل. مصر الفتاة 21 محرم 1365 - 26 ديسمبر 1945

حول حقد الفرنسيين على العرب (5) والحرص عل امتهانهم وإذلالهم واغتصاب أراضيهم وتقتيل شبابهم .. وسجن أحرارهم

حول حقد الفرنسيين على العرب (5) والحرص عل امتهانهم وإذلالهم واغتصاب أراضيهم وتقتيل شبابهم .. وسجن أحرارهم حضرة السفير المحترم: أرجو أن تكون خطاباتي السابقة قد نالت ما تستحق من عنايتكم وأنها رفعت إلى الحكومة بباريس مرفقة بما يجب عليكم من النصائح وأرجو أن تكون روح الجمهورية الرابعة قد ودعت جزءا كبيرا من الروح الاستعبادية العتيقة وأنها فطنت إلى خطورة مواصلة السير على تلك الأساليب الشيطانية المنكرة. وأن لفظ الإنسان الذي ورد في عقد حقوق الإنسان سليل الثورة الفرنسية المجيدة يشمل الإفريقي والآسيوي كما يشمل الأوروبي بالضبط حتى لو أتى عليه زمن حشرته القوة الغاشمة فيه في صفوف الحيوان فإنه اليوم يعيش في عصر القنبلة الذرية لا بد أن يأخذ مكانه في صفوف البشر وإلا فيوشك أن تنفجر على الجميع وتهلك الحرث والنسل والمصيبة إذا عمت هانت وبعد فإني أوثر في هذا الخطاب أن أقدم لكم نموذجا صغيرا مما يقول الناس عنكم وخاصة ما يقوله عنكم الجيل الحديد فقد أذاع حزب البعث السوري منشورا جاء تحت عنوان "العرب وفرنسا" ما يأتي: إن نظرة العرب إلى فرنسا لتختلف عن نظرتهم إلى أية دولة إستعمارية أخرى. فلدول مصالح دفعتها إلى الاعتداء على حقوق العرب وإلحاق الأضرار بهم بأشكال وأساليب بلغت في كثير من الأحيان أقصى حدود القسوة والأنانية والاستهتار البشع. ولكن فرنسا تحمل للعرب حقدا موروثا فكانت اعتداءاتها المجرمة المتعددة عليهم لا تصدر عن طمع وابتغاء المصلحة فحسب، بل تمتزج

أعمق الامتزاج بروح الانتقام والتشفي، وتظهر بأفظع أشكال الإذلال والامتهان، وبسياسة ترمي إلى إفناء العرب وتحويل أرضهم بتراثها المجيد وخيراتها العميقة أرضا فرنسية صرفة، وهذا يفسر كيف أن سياسة فرنسا مع العرب، سواء أكان ذلك قبل قرن وبعض القرن في الجزائر ثم في تونس ومراكش، أم في سوريا ولبنان منذ احتلالها لهما، لم تتبدل الظروف والمصالح، لأن المحرك الحقيقي لتلك السياسة كان دائما ذلك الكره العاطفي والتصميم النهائي على اعتبار العرب عدو يجب أن يزول إما بالفرنسية وإما بالموت. وها هي فرنسا قد مضى على احتلالها الجزائر أكثر من قرن امتصت خلاله ثروة الأرض العربية فيها حتى آخر قطرة، وسخرت لخدمتها السكان في حروبها والدفاع عن مصالحها، ومع ذلك فما كادت تخرج من تحت وطأة الاحتلال الأجنبي في نهاية هذه الحرب حتى كان أول ما خطر لها أن تعمله في حياة السلم الجديدة أنها صبت النيران على عشرات الألوف من عرب الجزائر العزل فأمنت قرى وقبائل دون أي مبرر أو سبب يستوجب مثل هذه الفظائع. وها هي فرنسا التي بلاها العرب في سوريا ولبنان طوال ربع قرن وابتلوا بها تنتظر فرصة إعلان السلم العالمي لتؤيد عهدها الذي قطعته لسوريا بالاستقلال بارتكاب فظائع وأهوال ضج باستنكارها العالم قاطبة. وهي لا تزال حتى هذه الساعة وبالرغم من التجارب الأليمة ومن فشل سياستها المفضوحة المرة تلو الأخرة تصر على طلب امتيازات ونفوذ وسيطرة في سوريا ولبنان، وتسخر كل ما بيدها من حيلة وكل ما لمركزها السياسي في أوروبا من إغراق لإستمالة إنكلترا إلى مساعدتها في نيل مآربها من هذين البلدين العربيين، علاوة على أن موقفها العدائي من الجامعة العربية وعزلها عرب المغرب عن الانضمام إلى تلك الجامعة، وسعيها الحثيث، لإحباط كل ما يسير بالمغرب نحو وحدتهم ونهضتهم هو أمر لا يحتاج أن يقوم عليه دليل.

ثم قال المنشور إن شمال إفريقيا قد بقي بمعزل عن مؤتمرات دول العالم وقراراتها ولم يشمله أي نوع من أنواع الحلول الدولية، فقد بقيت فرنسا فيه تمارس سياستها في محق المعنويات والإفقار والإذلال والتقتيل والتشريد والفصل بين السكان وبين مقومات وجودهم اللغوية والبيئية والتاريخية ورغم هذا فالعالم المتمدن والدول التي تدعي أنها دخلت هذه الحرب دفاعا عن حرية الشعوب تلتفت إلى ما يجري هناك من مظالم وجرائم ومخالفات لأبسط الحقوق الطبيعية التي يجب أن يتمتع بها البشر فالعرب لا يعدون أن تغيرا قد طرأ على العالم من حيث تحقيق المبادئ السامية ونشر الحرية في عالم يعطي لهذه البلاد العربية حقوقها من استقلال وحرية وسيادة، وما لم تجل القوات الفرنسية عنها لتتمكن هذه البلاد من تنظيم شؤونها ولم شتاتها وإعادة الحياة إليها بالتعاون مع الأقطار العربية وبالانتماء الرسمي إلى الجامعة العربية، والدول الكبرى والعالم المتمدن مدعوون، إذا كانوا حقا يريدون السلام الدائم إلى معالجة هذه المشكلة وصون حقوق العرب. وهذا الذي يشعر به حزب البعث في سوريا هو بالذات ما يشعر به شباب العرب والإسلام في جميع أقطار الدنيا وهل تظنون أن عداوة 450 مليون عن التفاهة بحيث لا يؤيه لهم ولا يقام لهم وزن؟ إن ظننتم ذلك فقد أسرفتم في الضلال وضيعتم الأجيال من أبنائكم فاللهم اشهد أنني نصحت وأختتم كلمتي اليوم بنصيحة أخرى لو وفقكم الله إلى وزنها والمبادرة إلى العمل بها تحدثون انقلابا كبيرا في عواطف الناس جميعا ذلك هو أن تطلقوا فورا سراح أولئك العشرات الألوف المعذبين من المعتقلين والمسجونين وأن تصدروا عفوا عاما على المحكوم عليهم بالإعدام ظلما وعدوانا ثم تطلقوا الحريات من عقالها للعرب كما فعلتم مع الفرنسيين والفرنسيات والله ولي التوفيق. مصر الفتاة 5 صفر 1365 - 9 يناير 1946

في سبيل استقلال طرابلس الغرب (6) الجنرال ديغول ينصب نفسه حاميا للاستعمار الدولي

في سبيل استقلال طرابلس الغرب (6) الجنرال ديغول ينصب نفسه حاميا للاستعمار الدولي نقلا عن جريدتي الكتلة والإخوان والنذير حضرة السفير المحترم: هل أتاك نبأ ذلك الحادث الغريب الذي ظهر به جنرالكم العظيم كهدية العالم بمناسبة عيد الميلاد؟ لقد روت الصحف أنه جمع الصحفيين في صالة أنيقة بباريس عاصمة الثورات والحريات في الزمن الذي تم القضاء نهائيا على الرجعية الفاشية وغير الفاشية البغيضة، التي أتى القضاء فيها حتى على مرشال فرنسا الأعظم وجرده من جميع فضائل حياته لأنه تعاون مع الألمان المستبدين المعتدين الظالمين وفي الوقت الذي ظهرت فيه الجمهورية الرابعة الفتية، التي تتكون أكثريتها الساحقة من أهل اليسار المتطرفين في الحرية والعالمية، وفي الوقت الذي تذاع فيه إحصاءات عن ضحايا الحرب الاستعمارية الماضية أو القائمة، وتقدر بحوالي خمسين مليونا من زهرة شباب الدنيا الغض الطري. في هذا الجو الديمقراطي الرابع وفي هذا الوضع الإنساني قام جنرالكم العظيم بالإعلان عن نفسه بواسطة صاحبة الجلالة أنه داعية الاستعمار الدولي، وأنه حامي حمى القوي الطاغي على الضعيف المتواضع الحاني ولو كان ذلك الطاغي شيطانه الرجيم بالأمس ما دام يجتمع معه في مبدأ القهر والاستبداد، قام جنرالكم العظيم يدافع عن من؟ أخشى أن لا يصدقني الناس إذا زعمت أنه يدافع عن إيطاليا ولكن من غير قسم يا حضرة السفير، لقد كان ذلك مع الأسف العميق، ونشرته صحف الدنيا وها أنا ذا أنقل لكم نصه عن جريدة الكتلة الغراء عدد رقم 358 قال الجنرال العظيم غير الموفق: والإيطاليون ثبتوا أقدامهم في طرابلس وبرقة، قبل الفاشيستية وأصلحوا منها الشيء الكثير، وسنحت لي الفرصة أن أشاهد الأعمال المهمة التي قاموا بها في

هذا القطر فهم عمروا أرضا كان من الصعب جدا تعميرها أو الاستفادة منها ولا أرى من العدالة في شيء حرمانهم منها وخصوصا أمامنا إيطاليا الجديدة التي تحرم حق الإنسان، وخصوصا الحق الطبيعي للسكان، وعليه لا أرى سبب يحرم إيطاليا من طرابلس وبرقة، هذه وجهة نظر الحكومة الفرنسية التي سبق أن أعلنتها، هذه هي باقة الزهور والريحان التي تفضل الجنرال باسم فرنسا الحرة الجديدة فقدمها إلى الإنسانية المعذبة في يوم عيد المسيح عليه السلام الذي قال فيه شاعرنا المسلم: ولد الرفيق يوم مولد عيسى ... والمروءات والهدى والحياء لا وعيد، لا صولة، لا انتقام ... لا حسام، لا غزوة، لا دماء ملك جاور الأرض فلما ... مل نابت عن الأرض الماء يحاول الجنرال ديغول أن يبعث في الإيطاليين من جديد روح التغلب والاستعمار خشية أن تنسيبهم إياه صدمة الهزيمة، ومن سخرية القدر حقا أن يلتقي نداء الجنرال ديغول الحار المتين إلى الإيطاليين للتمسك بالاستعمار - بنداء أحر وأمتن، لعظم مسؤول من رجال إيطاليا الحاكمين للتخلي نهائيا عن الاستعمار وذلك الإيطالي العظيم هو السنيور بليرو رئيس الحزب الشيوعي ونائب رئيس الوزراء سابقا ووزير العدل الآن، أدلى بتصريح لجريده (بنتا) عن السياسة الاستعمارية جاء فيه: "ما الذي قدمته السياسة الإيطالية القديم منها والحديث، لأجل تحسين حال بلادنا" لا شيء. وما هي النتائج الحسنة التي نتجت عن احتلالنا لبعض هذه الأراضي المستعمرة؟ لا شيء إن فتوح الإمبراطورية الاستعمارية كبدت الشعب الإيطالي خلال ستين عاما مغامرات شاقة حملته قسطا كبيرا من الدخل الوطني كما أنها كبدت الإيطاليين فقد حريتهم مرتين منفصلتين ونحن كإيطاليين نفكر وننظر من الناحية الوطنية وبصفتنا شيوعيين لا نجيز الاستعمار إطلاقا؛ ثم قال الوزير الإيطالي: وتحتم العدالة أن يؤدي انهيار

إمبراطورية موسليني إلى انتقال الأراضي كلها التي خضعت لنير هذه الإمبراطورية إلى نوع من الحكم الذاتي فألبانيا يجب أن تكون للألبانيين والدوديكانيز يجب أن تكون للدولة التي يريدها أهلوها والأراضي الإفريقية يجب أن تحصل على نوع الحكم الذاتي، الذي يرغبه سكانه، ثم قال الوزير: وإيطاليا الديمقراطية تستطيع اليوم أن تكسب كل شيء ولا تخسر شيئا إذا هي أصبحت في طليعة العاملين على تحرير الشعوب المستعمرة هذا هو منطق الوزير الإيطالي ورأيه في مصير مستعمراتهم، وذلك منطق الوزير الفرنسي ورأيه في مصير مستعمرات غيرهم فالأول يقول أن العدالة تقتضي بأن يتخلى عن هذه المستعمرات، والثاني يرد عليه ربما عن غير قصد بأن العدالة تقضي أن يتمسكوا بها وباستعباد أهلها، والأول ينصب نفسه للدفاع عن حرية الشعوب والثاني ينصب نفسه للدعاية إلى استعبادها، والأول يرى أن كل الأسباب قائمة لحرمان إيطاليا منها فما أشقى المنطق المسكين في هذه الأيام. يا حضرة السفير: لقد عودت نفسي أن أنصح لكم متطوعا أو متطفلا غير واثق كل الوثوق من أن تنال نصائحي منكم قبولا ولكنه خلق نشأت عليه وترعرعت في أحضانه لا أملك العدول عنه فأرجو أن توفق إلى تنبيه حكومتك إلى ما تنطوي عليه هذه الروح الرجعية العتيقة من خطر على سمعة مستقبلكم، لعلها تتدارك الأمر قبل الفوات. وبعد فما الذي دعا الجنرال ديجول إلى خوض هذا الغمار لمصلحة قوم كانوا بالأمس من ألد أعدائه، وضربوا أسوأ الأمثلة في الغدر ضد بلاده، ولم يشذ أحد من ذوي المروءات في الحكم على شناعة جريمة إيطاليا ضد الشعب الفرنسي في أشد محنته؟ ثم ما الذي دعاني أنا بالذات للرد عليه والتشنيع على صنيعه، وكان يكفيني الاحتجاج الصارخ الذي رفعه أعرق الناس في الحق على القيام بذلك، وهو الأمير

إفريقيا الشمالية والجنرال سبيرس (7) العرب أمة واحدة يريدون الوحدة والاستقلال

الجليل السيد إدريس السنوسي؟ الجواب بسيط الذي دعا الجنرال ودعاني سبب واحد، من جانبه هو الانتصار لمبدأ الاستعمار ومن جانبي هو مقاومة ذلك المبدأ وبعبارة أدل أن الجنرال يريد أن يبقى الاستعمار في الدنيا إلى الأبد لتبقى له إفريقيا الشمالية إلى الأبد، وأنا أريد أن يرتفع الاستعمار في الدنيا إلى غير عودة ليزول الاستعمار عن الناس جميعا من ضمنهم عرب إفريقيا الشمالية، وأكبر الظن أن الزبد سيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. مصر الفتاة 12 صفر سنة 1365 إفريقيا الشمالية والجنرال سبيرس (7) العرب أمة واحدة يريدون الوحدة والاستقلال عن الجرائد المصرية الكتلة والإخوان والنذير يعلم القراء جميعا أن الجنرال سبيرس ممثل بريطانيا في سوريا ولبنان سابقا يزور البلاد العربية في هذه الأيام، ونزل أول ما نزل في مصر ضيفا على الجامعة العربية، وأقامت له الجامعة حفله شاي فخمة في فندق هليو بوليس بالاس، حضرها مئات من زعماء العرب وعظمائهم وكنت من المدعوين لهذه الحفلة وعند وصول الجنرال قدموني إليه كسكرتير لجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية فصافحني مصافحة حارة ضغط فيها على يدي ضغطة شديدة وطويلة، يستطيع المرء أن يفهم منها كل ما يريد، وفهمت منها أنا أنها تحية خاصة لثلاثين مليونا من عرب المغرب العربي المتحفزين لتصفية الحساب. ثم قال لي الجنرال: إن في إفريقيا الشمالية مشاكل كثيرة. فقلت له: حقا أن مشاكل إفريقيا الشمالية كثيرة وأن أصدقاؤها - مع الأسف - من الأوروبيين قليلون. فأطرق الجنرال قليلا ثم رفع رأسه فقال:

يجب عليكم يا أحبابنا أن تتحاملوا الآلام، ويجب أن تخلقوا الأصدقاء. فقلت له لقد تحملنا طول حياتنا الآلام، ونتحملها دائما، وسنخلق الأصدقاء إن شاء الله. لقد كانت هذه الوقفة خاطفة لم تشف الغليل مع رسول بريطانيا وصديق العرب. وكانت الجبهة عقدت العزم على لقائه في وفد كبير للتحدث إليه طويلا عن قضية هذه البلاد ومحنتها الخطيرة. ولكنه بادر بالسفر إلى سوريا قبل أن يتم هذا اللقاء. من أجل ذلك نريد أن نلاحقه بهذه الكلمة تسجيلا لتلك المقابلة الخاطفة وشكرا له على تعرضه بخير لقضيتنا مرتين اثنتين إحداهما في مجلس العموم، والثانية في حديث له بجريدة التيمس. وإن كنا قد أرسلنا إليه في كلتا المناسبتين برقية شكر رقيقة، وتذكيرا للجنرال بأن العروبة التي يريد أن يصادقها اليوم إنما هي أمة واحدة متماسكة أشد التماسك تبتدئ حدودها من الأطلنطي حيث وضع ميثاق الحرية، وتنتهي في خليج البصرة، ويوجد عند هذه البداية بلد عربي اسمه مراكش وبعد مراكش مباشرة الجزائر وتونس وليبيا، كل أولئك من خواص العرب يريدون حرية ويريدون استقلالا، كشقيقتهن سوريا ولبنان، ونريد من الجنرال أن يدفع عن نفسه ما قد أشيع من انتصاره للشقيقتين سوريا ولبنان كان مجرد تنفيذ لخطة رسمت له من لندن، قضت بها مصلحة الإمبراطورية فقط، ولم يكن بدافع ذاتي أملاه حب العدل والحرية، وإذا أراد أن يدفع هذه التهمة فليس في الأدلة أقوى وأقطع في دفعها من انتصاره لقضية إفريقيا الشمالية انتصارا قويا سافرا، ونحن لا ننكر بعد ذلك على الجنرال أن يتفانى في خدمة وطنه وعظمة أمته ما دام الشعور الإنساني العام متغلبا عليه، بل نعتقد أنه قادر إذ أراد وأرادت لندن أن تجمع بين الأمرين - لأنه من الإنسانية أن ينتصر هو ودولته لقضية العرب أينما كانت، وفي المقدمة عرب إفريقيا الشمالية المجاهدون، ولأنه من مصلحة بريطانيا نفسها أن تفعل ذلك.

فالعرب اليوم قد استيقظوا فعلا، وتنادوا فيما بينهم: أن حي على التحرر السريع الكامل وتجاوب النداء بينهم جميعا، ولن يعودوا إلى النوم والسكون أبدا فمن مصلحة بريطانيا إذن بالتأكيد أن تصادقهم بإخلاص. ذلك لأن دنيا اليوم تأبى أن يكون في عالم السياسة وسط بين الصداقة والعداوة وإذا كتب لكم التوفيق وفعلتم ذلك فستجدون في العرب - كما هو العهد بهم دائما - أكثر الناس تقديرا لمصالحكم، وأوفى الناس لصداقتكم، وإذا أراد الجنرال أن يتم ذلك على يده فالفرصة سانحة له هو بالذات ليكرس إذن جهده على إقناع ذوي الشأن في لندن بأن العرب أصبحوا في شعورهم وإيمانهم فعلا أمة واحدة، وأنهم مستعدون لصداقه إنكلترا على شرط حريتهم ووحدتهم وأنهم مستعدون فعلا في الوقت نفسه لبذل كل مجهود في سبيل هذه الحرية وهذه الوحدة. فإذا تم للجنرال هذا الإقناع، وهو ما يجب أن يكون، أسر ذلك في إذن بعض المسؤولين "أولا" بتسوية قضية فلسطين من غير أي تسويف أو مغالطة "ثانيا" بتسوية قضية إفريقيا الشمالية كما فعلتم في سوريا ولبنان بالضبط، إذ ليس بين البلدين أي فرق ما عدا الفلسفة الاستعمارية التي نريد أن نطرحها في هذه المرة جانبا. ثم أنصح للجنرال، وأنصح له في إلحاح، أن يقدروا شعور العرب نحن سماحة المفتي الأكبر، فإنه اليوم في نظر العرب رمز الجهاد والإخلاص. وأؤكد للجنرال أن هذا الشعور نحو هذا الرجل هو في المغرب أقوى منه في المشرق وأرجو في الختام أن يضع الجنرال هذه الكلمة المتواضعة ضمن أوراقه الكثيرة التي سيعود بها إلى لندن، لنذكره عند الحاجة أن في المغرب عربا كما أن في المشرق عربا وهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وأنهم يريدون جميعا أن يتحدوا وأن يتكتلوا ولن تكون صداقتهم لأحد مستقيمة ومضمونة إلا على هذا الأساس. مصر الفتاة 17 صفر 1365

سيتحد أبناء إفريقيا الشمالية رغم أنوف المستعمرين (8)

سيتحد أبناء إفريقيا الشمالية رغم أنوف المستعمرين (8) جريدة الموند الباريسية تضلل العالم - من هم القبائل؟ .. نقلا عن الجرائد المصرية الكتلة والمصري والنذير هي كلمات تبدو لأول وهلة قليلة متواضعة، بعث بها مراسل الأهرام الغراء في باريس يوم 17 - 9 - 1946 ولكنها في الحقيقة تنطوي على أخبث ما يذهب إليه المستعمرون الماكرون في الدس والتضليل، وأعني بالكلمات مقالا طويلا صيغ في قال تهميش نشرته جريدة (الموند) الباريسية وهي جريدة رأسمالية متعصبة تمثل كتلة اليمين العريقة في الاستعمار، الحقودة على العرب والمسلمين، وتكاد تكون الوارثة الشرعية (للمرحومة) جريدة (الطان) الشهيرة، ولخطورة الغرض الذي ترمي إليه (الموند) نورد ما به الحاجة من عباراتها ثم نغلق عليه بما يكشف المكيدة قال مراسل (الأهرام) الغراء. نشرت جريدة (الموند) الباريسية المعروفة مقالا للمسيو موريس فير وعنوانه (في أروقة الجامعة العربية) قال فيه: (إن جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية تضاعف مناوراتها ومساعيها وهي جبهة ثلاثية ألفت من الحزب الدستوري التونسي وحزب الشعب الجزائري وحزب الاستقلال المراكشي ثم قال: (إن الفضيل الورتلاني، السكرتير العام ليس عربيا بل هو من أبناء القبائل التي تعارض سيطرة العنصر العربي بكل قواها، وقد عهد إليه بهذا المنصب لإظهار تضامن إفريقيا الشمالية بمظهر أتم اتجاها لمقاومة الاستعمار). ويعنينا من هذه الكلمات أمور: أولا: بلغنا - والعهدة على الراوي - أن مراسل الجريدة مسيو موريس فير صهيوني من الطبقة الأولى، والصهيونيون يعرفون جيدا كيف يتغلغلون في

الأوساط الاستعمارية ليؤدوا رسالتهم الصهيونية الخاصة، وليشفوا غليلهم بالكيد للعرب والمسلمين من جهة أخرى. ثانيا: قول الجريدة "أن جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية تضاعف مناوراتها ومساعيها" بعد أن جعلت العنوان (في أروقة الجامعة العربية) وتقصد الجريدة بذلك إثارة النواحي الفرنسية صاحبة المصلحة لمضاعفة مناوراتها ومساعيها هي الأخرى مع أرباب المصالح في هذا الشرق االمسكين، وهم - مع الأسف - موجودون، وكثيرا ما تؤثر فيهم دعاية الاستعمار فتبطل حماستهم نحن قضية إخوانهم في هذه البلاد المغربية. ثالثا: قول الجريدة (وإنها جبهة ثلاثية ألفت من الحزب الدستوري التونسي وحزب الشعب الجزائري وحزب الاستقلال المراكشي، كلمات خطيرة مزعجة لا يقوى المستعمر على مجرد سماعها. بل كأني بالجريدة هنا واقفة على جمرة من النار تنبعث حرارتها إلى أطراف جسمها وأعماق نفسها وتنادي بالويل والثبور: أن أجمعوا أمركم أيها الفرنسيون على العدو المشترك فلقد أوشك أن يهتدي إلى الباب - الباب الذي اتفقنا على إيصاده في وجوههم بعرقنا وأموالنا ودمائنا، باب الوحدة والاتحاد. واذكروا العهد المقدس الذي بينكم وبين أسلافكم الغازين الفاتحين أن تحتفظوا بهذا القطيع كالبقر الحلوب إلى يوم الدين، ولقد تواصى أسلافكم أبا عن جد إلا سيادة لكم على أمة عريقة من غير التفريق والتشتيت، لقد رضعتموها من ألبان أمهاتكم وتلقيتموها حتى من أطفال جارة من جاراتكم كلمة موحدة خالدة أن "فرق تسد" ما هذا الكلام الذي تسمعونه أيها الفرنسيون. وهل تنامون ملء الأجفان على ترديده؟ جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، الدستوريون، الشعبيون، الاستقلاليون وغيرهم من الأفراد والهيئات، كل أولئك يريدون أن يصيروا كتلة واحدة؟ أعوذ بالله! 30 مليون مغربي من دين واحد، ولغة واحدة، وأرض واحدة كل أولئك سيجتمعون عليكم؟ وأيما الحق أنها لإحدى الكبر، وإنه لمن العبث أن تنشغلوا بمؤتمر الصلح وبمجلس الأمن،

وبوضع الدستور، وتتركوا هذا السيل الجارف بتقوى بمرور الساعات فينهال عليكم بياتا وأنتم نائمون، أو ضحى وأنتم تلعبون. هذا ما تريد (الموند) أن تنبه إليه الفرنسيين، وأن تسرع إلى إلقائه في روعهم حاثة على تدارك الأمر الخطير قبل الفوات، ولكنني على شبه يقين من أن (الموند) فاتها القطار، فسيخيب المغاربة ظنها، ويضعون نصب أعينهم مغزى هذه النصيحة الغالية التي يستمد المستعمرون منها بقاءهم أسيادا، نصيحة "فرق تسد" التي لم يبق لهم سواها من مجد السلف، وتراث يعضون عليه بالنواجذ، إذا لم يكن للمغاربة من دافع للتكتل والاتحاد سوى هذا الحرص الشديد، وذلك الاهتمام البالغ من حضرات السادة المستعمرين على تفريق شملهم، وتوهين قواهم، وتفريقهم على الأقاليم، ثم تفريقهم على الهيئات، ثم تفريقهم على المعسكرات في داخل الهيئات - يفعلون ذلك لأنه هو السلاح الوحيد الذي يمكنهم من حفظ سيادتهم مع تمكينهم من رقاب عبيدهم، إذا لم يكن للمغاربة سوى ذلك، لكفي إيغارا لصدورهم، أو استفزازا لنخوتهم أو باعثا لهم على التضحية بالأنانية مرتخص بل بكل مرتحض وغال في سبيل إتحادهم، وسيفعل المغاربة ذلك في أوسع صورة إن شاء الله، لأنه هو الطبيعي، ولأنه هو السلاح الوحيد للإبقاء على وجودهم فضلا عن حريتهم وعزهم. فخير إذن لجريدة (الموند) أن ينصح لأهلها بغير هذا من الحفول الطبيعية التي لا تخرج عن السماح للمغاربة بممارسة حريتهم واستقلالهم، وأتخرص بعد ذلك على مصالح فرنسا في صداقة أهلها عن إخلاص ما تشاء. الأمر الرابع الذي يعنينا من عبارات الموند قولها: (إن الفضيل الورتلاني السكرتير العام ليس عربيا، بل هو من أبناء القبائل التي تعارض سيطرة العنصر العربي بكل قواها، وقد عهد إليه بهذا المنصب لإظهار تضامن إفريقيا الشمالية بمظهر أتم لمقاومة الاستعمار).

الحقيقة أن الفرنسي الكيس وخاصة المستعمر منهم، إذا أردت أن تخرجه عن كياسته، بل من عقله وصوابه أحيانا، استدرجه إلى الحديث عن مصالحه، وفي مقدمتها على مذهبه. وينسى عقول الناس وما لها من حق في وزن الأمور، ثم قبولها أو رفضها. ففي هذه العبارة الأخيرة (الموند) شواهد ناطقة على هذه العقلية التي نعرفها نحن من قديم. أولا يقولون أن الفضيل الورتلاني ليس عربيا، وهذا الفضيل يعلمون علم اليقين أنه سليل محمد بن عبد الله سيد العرب أجمعين لأن عائلة الورتلاني مشهورة في أقطار المغرب جميعا بأنها مرجع في تصحيح أنساب الأشراف فضلا عن تمتعها بهذا النسب الكريم ولها من الفرنسيين أنفسهم امتيازات، بسبب هذا الاعتبار ويعلم الفرنسيون والناس جميعا أن تقاليد هذه الأسرة تغالي في المحافظة على نسبها حتى (الموند) أن تزعم أن الفضل الورتلاني ليس حتى عربيا فضلا عن كونه شريفا إنما تتساءل: هل تفعل الموند ذلك لوجه الله ولتصحيح الأنساب فقط! معاذ الله أن يكون غرضها بسيطا إلى هذا الحد إنما تريد أن توهم العالم أن في هذه البلاد عنصرين متنافرين: أحدهما عربي قاهر والآخر اسمه القبائل مقهور، وتريد أن تفهم الناس أن المقصود (بالقبائل) هم البربر. وأن العداوة والبغضاء قائمان على قدم وساق بينهما من قديم الزمان لشعوب البربر، بأن العرب قوم طارئون مغتصبون مسيطرون ويجب مقاومتهم ثم طردهم من البلاد، ويفهم ذلك صراحة من قولها "أن الفضيل الورتلاني السكرتير العام ليس عربيا بل هو من أبناء القبائل التي تعارض سيطرة العنصر العربي بكل قواها" لا يشك من يقرأ هذه العبارات ويصدقها أن المغرب عنصرا مسيطرا عليه وهم العرب، وعنصرا مسيطر وهم القبائل أو البربر. وأن هذا الأخير في حرب سجال مع الأول لا يخبو لها أوار، ويعلم الله ويعلم الفرنسيون وتعلم جريدة (الموند) المفترية لسان حال المستعمرين المضللين أن كل ذلك بهتان مبين لا وجود له حتى في مخيلة المستعمرين. أما الحقيقة التي ظلت وستظل قائمة إن شاء الله إلى يوم الدين فهي أن 30 مليونا من سكان المغرب اليوم كلهم مسلمون على

قلب رجل واحد في شعورهم الديني وعواطفهم التقليدية، وليس من بينهم نفران اثنان يشعر أحدهما بالسيادة والغلبة نحو الآخر والجميع يشعر أنهم عرب سواء أكان ذلك بالأصالة أم بفعل الاستعراب الذي تم بمرور الزمن والاختلاط ومن أمثال تضليل الفرنسيين للعالم أن جريدة (المارسيز) لسان حالهم في الشرق الأوسط زعمت عندما أذعنا نبأ قيام الثورة في الجزائر سنة 1943 وذكرنا بعض تفاصيلها وأن القتلى وحدهم يعدون بعشرات الألوف، زعمت يومئذ أن الذي يذيع هذه الأخبار الكاذبة رجل طريد هارب كان متصلا بالألمان وبالأمير شكيب أرسلان (وتعنيني أنا طبعا) ثم زعمت أن القائمين بالثورة هم القبائليون الذين يعطفون على النازية غضبا منهم على سقوطها وأما العرب فهم أصدقاؤنا ومتعاونون معنا ضد الثائرين. والحقيقة أن هذه جرأة على الافتراء والتضليل لا يركن إليها إلا شديد الأعصاب الفاقد لعقله ولماء وجهه وكفى هذا لكثرة ترداد كلمة (القبائل) على ألسنة المستعمرين يجب أن أبين للقراء من هم القبائل في بلاد المغرب. القبائل جمع القبيلة طبعا، وأهل المغرب قوم يسكنون الجبال، ولهم بعض التقاليد المشتقة من شدة بأسهم وأخشيشانهم وتماسك أفراد القبيلة فيهم، فمثلهم تقريبا كمثل أهل الصعيد بالضبط، عرفوا بالغيرة المتناهية والرجولة الكاملة والتدين الذي ينتهي في كثير من الأحيان إلى التعصب الشديد. هذه القبائل أصلهم مزيج ممن كان أصلهم بربرا ثم امتزجوا بالعرب، ومنهم من أصلهم من العرب الأقحاح، ومنهم كثيرون من الأشراف الهاشميين وغاية ما بينهم وبين الناس هو نحو ما بين أهل الوجه البحري والصعايدة مع فارق بسيط وهو: أن القبائل في المغرب لهم إلى جانب اللغة العربية لغة خاصة اسمها (القبائل) هي مزيج من العربية واللغات القديمة لهذه الأوطان فالمسألة كما ترى مسألة بلاد وأقاليم، وليست مسألة أديان ومذاهب أو عناصر وأجناس ونحن إذ نقول هذا نتحدى الفرنسيين أن

يجروا استفتاء في هذه البلاد عما إذا كان واحد في المائة من سكانها يرغب في بقائهم أو كان واحد في المائة يرغب في أن تكون دولة غير مسلمة أو غير عربية. فإذا عثروا على هذا الواحد نكون نحن معشر المطرودين الهاربين كما يسموننا - نكون نحن المغترين ويكون لهم حق البقاء والخلود في هذه البلاد وإلا فلنناد فيهم جريدة (الموند) أن استحوا واشفقوا على تاريخكم الثوري ومجدكم في وضع أسس الحرية والعدالة، ثم لا مانع بعد ذلك من أن تطلبوا السعادة لبلادكم من طريقها النبيل. وستجدوننا يومئذ أول الأصدقاء - وخير الأوفياء. وآخر ما يعنينا من كلام (الموند) هذه العبارة "وقد عهدوا إليه - أي الفضيل بهذا المنصب - السكرتير - لإظهار تضامن إفريقيا الشمالية بمظهر أتم اتجاها لمقاومة الاستعمار" مرحى أيها الموند وأيم الحق أنه ليس أحب إلى نفسي منذ أدركني الرشد وذفت مر الاستعمار من أن أكون مظهرا للتضامن في سبيل مقاومة الاستعمار سواء أكنت بعد ذلك عربيا من سلالة محمد سيد العرب كما هو الواقع، أو كنت غير ذلك بما تريد الموفد أن أكون وأخيرا، أرجو أن تبلغي أسيادك الطغاة أيتها الموفد أن هذا المغرب العربي يجمع أنظاره قد خلقه الله وحدة كاملة، وأتم الله عليه نعمة هذه الوحدة بجمعه على دين واحد ولغة واحدة وظلم واحد فسنتحد ونتحد رغم أنف المبطلين، ونصيحتي الخالصة أن تعملوا على جعل هذا الإتحاد لكم لا عليكم. وسيأتي أمر الله لا محالة {فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون} غافر: 78. جريدة الإخوان 12 - 10 - 1946 سكرتير جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية الفضيل الورتلاني

إفريقيا الشمالية باستيل القرن العشرين (9) دولة الحرية والإخاء والمساواة تحارب الحرية والإخاء والمساواة وتعتدي على الأديان والأعراض والأموال

إفريقيا الشمالية باستيل القرن العشرين (9) دولة الحرية والإخاء والمساواة تحارب الحرية والإخاء والمساواة وتعتدي على الأديان والأعراض والأموال وقع اختيار جمعية الإتحاد العربي في هذا العام على الدكتور محمد عبد السلام العبادي عضو مجلس إدارة جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية مندوبا لها في المؤتمر الطبي العربي الذي انعقد بحلب، وكان للدكتور - من زهاء سنتين - اقتراح رسمي في الجبهة للسعي إلى جعل المؤتمر الطبي ينعقد في إحدى بلاد إفريقيا الشمالية (تونس أو الجزائر أو المغرب) وبذل في ذلك مجهودا مشكورا. فمن سعيه لدى بعض النواحي الحكومية، إلى سعيه لدى كثير من زملائه الأطباء، إلى خطب ألقاها في بعض المناسبات، إلى بعض كتابات في الموضوع، حتى سنحت له فرصة تمثيل الإتحاد العربي في هذا العام فعقد العزم على بذل كل ما يمكنه من جهود في سبيل حمل المؤتمر على اتخاذ قرار بذلك، وفعلا تم له ذلك من ناحية المؤتمر والحمد لله. فبهذه المناسبة أحببت أن أشرح للقراء لونا خطرا من ألوان سياسة فرنسا في هذه البلاد. فالذي تهدف إليه - منذ وضعت أقدامها في أرض المغرب المجاهد وعرفت شدة شكيمة أهله ومبلغ آبائهم - أمران: إما إذلالهم لدرجة لا يبقى معها أحد عنهم يفكر في حرية واستقلال، وذلك بإفشاء الجهل والفقر في جميع الطبقات حتى ينسوا الحرية والاستقلال تحت ضغط الحاجة إلى القوت وسد الرمق وإما بإقامة سد حائل بينهم وبين ماضيهم ثم تحويلهم إلى فرنسيين مادة وروحا، وذلك بتحويلهم عن لغتهم ودينهم وتقاليدهم، فمن أجل ذلك جعلت اللغة الفرنسية الرسمية في جميع فروع الحياة حتى في روضة الأطفال، وشرعت في

محاربة العربية بهمة تزري بهمة حكومة مصر في محاربة المخدرات, ثم جاءت بفكرة الظهير البربري الذي طبق فعلا في الجزائر قبل أن يعرفه الناس في مراكش، والغرض منه الظاهر صد المسلمين عن دينهم الذي عاشوا عليه أربعة عشر قرنا، بالنار والحديد لتتم لهم عمليه المسخ المبيتة، وفتح باب التجنس على مصراعيه مصحوبا بالترغيب والترهيب ففشلت فيه فشلا ذريعا. ثم أطلقوا العنان للمبشرين وزودوهم بأموال أوقاف المسلمين لتنصير الجائعين الجاهلين من سكان القرى والفلاحين، وإلى جانب ذلك كله أنشأوا كل ما عرفته مدنية القرن العشرين عن ألوان الفجور من لهو وعهر وخمر الخ. ويلاحظ أن أكثر بلاد الله إنتاجا للخمر هي الجزائر بسبب هذه المكيدة، حتى أن خمر الجزائر كانت أزمة خطيرة في يوم من الأيام بين مسعتمري الجزائر وحكومة فرنسا أدت إلى أن بعض المستعمرين المتطرفين طلبوا استقلال الجزائر والانفصال عن فرنسا، وسبب ذلك أن الجزائريين المغالين في التمسك بدينهم لم ترج في أوساطهم مكيدة قتل عقولهم بالخمر، فاضطر المستعمرون إلى تصديره إلى بلاد فرنسا، فزاحمت خمر فرنسا، وحصلت تلك الأزمة. وأخيرا - ولعله ليس الأخير - طلعت فرنسا بمشروع خطير سمته "الإتحاد الفرنسي" فبهذه الوسائل وغيرها توسلت العملية لفرنسا ولم يتم لها ما تريد ولا بعضه، ولكن مع الأسف قد تم لها الكثير من الإفقار والتجهيل، لأنها كانت تعلم جيدا أن هذه النية الخبيثة - نية قتل أمة عريقة كهذه - قد تم بالإفقار والتجهيل إن لم يكن بالفرنسية والمسخ، لأن هذه الأدوار يكمل بعضها بعضا. وكانت تعلم أن ذلك لا يتم إلا في فترة طويلة، مع استعمال كل أساليب القسوة والمكر، وكانت تعلم كذلك أن ارتكاب جريمة كهذه بتلك الأساليب الفظيعة لا يجوز أن يتم على مشاهدة من العالم، وإلا لثارت عليها الدنيا ولو من الناحية

الإنسانية فقط فمن هنا - وهو محل الشاهد - جاءت فكرة عزل هذه الأمة عن الدنيا عزلا كاملا شاكلا لا تسمح فيه، ثم إجراء العملية المبينة في خلوة لا تطلع عليها إلا هذه القافلة القاسية ومن فوقها علام الغيوب الذي ينتقم ولو بعد حين وأخذت في حزم تقف دون كل راغب (وخاصة من أهل الشرق) في زيارة هذه البلاد، حتى ولو كان تاجرا أو عالما مستشفيا، وحتى لو كان بسيطا حاجا لا يملك من أسباب النفع والضر شيئا، وتمنع على العموم إيجاد أي صلة بينها وبين الشرق حتى ولو كانت النهاية في التفاهة وتشدد الرقابة الأخرى على سكانها أن يتسربوا إلى الشرق ولو لطلب العلم، طلب الرزق أو الزيادة، وتعرقل السفر حتى إلى الحج وإذا سمحت بالحج لعدد محدود من المتعبدين الطيبين، فإنها تحيطهم بجواسيسها ليعدوا عليهم أنفاسهم وهم في رحاب بيت الله الحرام. أما الصحف والرسائل فدون دخولها وخروجها ما هو أمنع من خط ماجينو. وهنا أحب أن ألفت نظر القراء إلى ظاهرة عجيبة، ذلك أنه في هذا العصر أصبحت الإنسانية من حيث تيسير أسباب الاتصال كعائلة واحدة لدرجة تكاد ترتفع معها عملية الإبعاد من حساب المزاورين، فهذه مؤتمرات تعقد في أقاصي أمريكا ويحضرها أهل الدنيا جميعا وتعقد مرة أخرى في أقاصي الشرق كالهند والصين فيشهدها أهل القارات طرا، ولكن هناك بلاد واحدة يلاحظ الناس لأنهم لا يشهدون شيئا من ذلك أبدا، هذه البلاد هي إفريقيا الشمالية (تونس، الجزائر، ومراكش). ولقد انعقدت مؤتمرات في البلاد العربية الشقيقة نفسها لرجال المحاماة والصيدلة، والطب، والهندسة، والاقتصاد ... الخ ويلاحظ الناس أيضا أن بلدا واحدا فقط حرم من الإشراك فيها (وهو المغرب العربي الذي يطوي بين جنبيه أكثر من ثلاثين مليونا) ولو قدر للمغاربة أن يخرجوا من هذا السجن، بل هذا الباستيل الحديدي لاستفادت الدنيا جميعا من رجولتهم وعبقريتهم.

ومما يجدر ذكره في هذا الصدد على سبيل المثال أن بعض رجال الإتحاد العربي أرادوا أن يزوروا إخوانهم في البلاد المغربية كما فعلوا مع البلاد العربية الأخرى فتبينوا أن دون ذلك خرط القتاد، وأكبر من ذلك أن الإتحاد العربي قدم في بعض المناسبات مذكرة لوزير فرنسا المفوض بمصر بشأن هذه البلاد وما يقع فيها من اضطهاد فثار ثائر الوزير وعدها تطاولا من الإتحاد على فرنسا ورد المذكرة ردا غير جميل، ممتنعا عن رفعها إلى حكومته زاعما بما مؤداه "أنها قليلة الأدب" وأن رفعها إلى حكومته قد يؤدي إلى توتر العلاقات بينها وبين مصر! وأبشع من ذلك أن أناسا من أهل البلاد المغربية يزاولون التجارة هنا في الشرق ولهم هناك في الوطن المغربي أملاك وأهل مصالح لا تعد، ويحملون جنسية بلادهم أبا عن جد ومعهم جوازات سفر فرنسية، وقد بذلوا جهد الجبابرة في سبيل زيارة أهلهم والوقوف على مصالحهم فعادوا بخفي حنين، لأن الفرنسيين الأحرار؟ يخشون أن تفتح ثغرة - كثغرة سيدان - في هذا النطاق الفولاذي المضروب على المغرب العربي فيندفع أهله كالسيل الجارف وكيأجوج ومأجوج فيجيء وعد ربي {فإذا جاء وعد ربي جعله دكا وكان وعد ربي حقا} الكهف: 98. من هذه الأمثلة القليلة يتبين للقارئ أن فرنسا تغار على أهالي البلاد غيرة الذكر على الأنثى، أستغفر الله بل لم يلغ بهم الغيرة على إناثهم أن يحولوا بينهن وبين الاتصال بالناس، فالمرأة عندهم اليوم (نائبة) ووزيرة وسفيرة وتملك أن تسافر حيث تشاء وتحضر المؤتمرات وتقول ما تشاء وتملك حتى مرافقة الأجنبي من غير قيد ولا شرط، وتملك أن تراقصه إن شاءت. يا أيها العرب، ويا أيها الناس، لقد بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين وإن هذه الحالة التي يعيش لكم إخوان في العروبة والإسلام والإنسانية لا يطيقها

إنسان، ولقد عبروا هم من جانبهم عن سخطهم وإبائهم بأنهر من الدماء التي أراقوها في الثورات المتتالية وبلغ من قتل فيها عشرات الألوف، ومن سحن أو شرد مثل ذلك أو أكثر، فما بقي إلا أن تعبروا أنتم عن جانبكم عن سخطكم على هذه المهزلة البشرية التي تمثل في القرن العشرين على مرأى ومسمع من الديمقراطية والحضارة ورغم أنف القنبلة الذرية أننا ندعوا ونستصرخ المسلمين والعرب بل ندعوا ونستصرخ الديمقراطيين في أوروبا وأمريكا وفي الدنيا بأجمعها أن يعملوا على إنصاف هذه المجموعة الإنسانية ولو بعض الإنصاف وقديما استصرخ غيرنا بالناس، ولم ينس العالم استغاثات الجنرال ديغول المدوية فأغيثونا من ظلمه وظلم قومه كما أغثتموه من ظلم الألمان والطليان، أما بماذا تغيثون فكل على حسب ظروفه ومركزه، ففي قدرة الصحافة أن تكتب وتندد بالظالمين، وفي قدرة الهيئات أن تحتج على المعتدين. وفي قدرة الحكومة - ومن حقها - أن تقابل فرنسا في معاملاتها بالمثل، فإذا منعت رعايا الدول العربية من الدخول في مناطق نفوذها، منعت الدول العربية رعاياها من الدخول إلى الأوطان العربية، وإذا أبت أن تقبل لنا قناصل في بلادنا، وإذا منعتنا من إقامة معاهد ومدارس وبنوك فعلينا مثل ذلك. فالشر بالشر والبادئ أظلم وثقوا أنه لا يكون ذلك هين ولا قليل الوقع في نفوس إخوانكم فجربوا فقط لله ولرسوله والمؤمنين. الفضيل الورتلاني سكرتير جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية 9 ذي القعدة سنة 1365 جريدة الإخوان 28 سبتمبر سنة 1946

يوم إفريقيا بعد يوم فلسطين (10) نداء الجبهة إلى العرب من هيئات وأفراد

يوم إفريقيا بعد يوم فلسطين (10) نداء الجبهة إلى العرب من هيئات وأفراد أرسل هذا النداء من الجبهة إلى جميع الهيئات العربية والإعلامية ونشر في معظم الصحف. أيها العرب الأمجاد، لعل من الخير أن نعلم جيدا أن ما نبذله في سبيل فلسطين العربية أفل بكثير مما يبذله خصومنا الصهيونيون فمن أجل ذلك تأخر النصر الذي وعد الله به المظلومين فلقد بذل الصهيونيون أموالا طائلة في سبيل استبعادها ولم نبذل نحن في سبيل التحرير غاليا إلا الكلام ولسنا "والله" بالفقراء كما يتوهم الكثير فلو جمع كل عربي منا جنيها واحدا ثم استغنى عنه لصندوق العربية "مثلا" وهو ما لا يعجز عنه أحد لتجمع لدينا ثمانون مليونا من الجنيهات نستطيع أن نهد بها الجبال فضلا عن شراء أراضي فلسطين جميعها. ثم بذل الصهيونيون في سبيل إذلالنا أرواحا كثيرة وأسالوا دماء غزيرة وهم من وصفهم القرآن بأنهم أحرص الناس على الحياة ولم نبذل نحن أيضا للدفاع عن عزنا غالبا "ونحن نتربص إحدى الحسنيين" إلا الكلام. ولست مع هذا بالمقلل من شأن الكلام إذا كان "الكلام لقي الفؤاد" وإنما جعل اللسان عليه دليلا إنما أخشى أن يصير الكلام لنا حرفة وكيفما تم مرضا نتلهى به كما يتلهى الأطفال باللعب فيحل الهزل محل الجد ويكون من وراء ذلك "لا سمح الله" بلاء عظيم، ثم أن اليهود اتخذوا لهم زعماء أحاطوهم بسياج من التكريم والتقديس دونه تكريم وتقديس الملوك ولنا نحن زعيم واحد هو سماحة المفتي الأكبر وهبه الله كل معاني النبل وجعله رمزا لخلود فلسطين العربية فأقل ما يقال أنه لم يجد منا كل ما يليق بمثله أمهد بهذه الكلمة لأسجل "من ناحية" عدم الرضى عن مقدار ما قدمه

العرب إلى الآن لصالح قضية فلسطين كما وكيفا وأنهم من ناحية أخرى لم يقصروا من حيث إبداء الاستياء وإلهاب الشعور في المناسبات المختلفة فلقد كتبوا كثيرا وخطبوا كثيرا وقامت المظاهرات المتعددة والإضرابات المتكررة وقد أطلقوا على بعض هذه الأيام "يوم فلسطين المجاهد" ولم يذهب ذلك سدى بل كان له أثره العظيم ولعل أول الحرب كلام ثم غضب ثم بذل للأموال والأنفس ثم فوز بالنصر المبين بإذن الله. أقول هذا عن فلسطين العزيزة هناك كتلة عظيمة أخرى عربية تقاسي الأمرين أصابها حيف كبير من إخوانها العرب وليست ظروفها "من جهة" بأقل خطورة من ظروف فلسطين المجاهدة ولن يستطيع العرب "من جهة أخرى" أن يحيوا حياة العزة والكرامة بدونها وهذه الكتلة الجبارة هي شمال إفريقيا العربي - تونس - الجزائر - مراكش - لم يقسم العرب لهذه الكتلة نصيبها الكامل حتى من هذا الكلام - الكلام الملهب للشعور المعبر عن الاستياء والمدلل عن التضامن والألم المشترك، إن فيها الثلاثين مليونا هم من أكثر العرب عددا وأشدهم بأسا وانسجاما وأطولهم صبرا واحتمالا وينظرون إلى إخوانهم في الشرق كما ينظر الناس إلى الشمس التي تمدهم كل صباح بالنور والحرارة ويبذلون ثمنا غاليا من أنفسهم وأموالهم والمحافظة على هذا التراث العربي المشترك من قومية ودين هؤلاء المجاهدون والمستميتون من إخوانكم لا يرهقونكم اليوم بمطالبهم ولكنهم يريدون فقط، وفي إلحاح شديد أن يلمسوا شعوركم متدفقا قويا نحوهم، ولما كانت الوسائل لإبداء هذا الشعور كثيرة، وقد أعربتم عنه في مظاهر كثيرة نريد أن يتكرر اليوم في صورة أقوى وواضح وأعم. نتقدم بندائنا هذا لجميع الهيئات الإسلامية والمسؤولين من الأفراد مقترحين وراجين أن يعملوا على تخصيص يوم يطلقون عليه "يوم إفريقيا الشمالية" ونقترح نحن أن يقوم هذا اليوم على ما يلي: "وللقائمين عليه بعد الرأي الأعلى".

وحشية الفرنسيين في إفريقيا الشمالية (11) وبطولة العرب المجاهدين في سبيل حريتهم

نقترح أن يكون الإضراب في ذلك اليوم عاما في جميع الأقطار العربية وأن تصدر الجرائد بافتتاحيات على شؤون هذه البلاد وأن تجمع الهيئات في دورها وأنديها لتنظيم الاحتجاجات ضد عدوان الفرنسيين فيها وأن تنظر في طريقة جديدة لمقاطعتهم عند اللزوم وأن تؤلف لجنة لجمع اكتتابات تواسي بها منكويي الثورات في تلك البلاد ثم نهيب بالحكومات العربية من جديد على تحديد موقفها من هذه البلاد الشقيقة من الدولة الفرنسية الظالمة بالصراحة والوضوح. نذكر هذا على سبيل المثال والتفاصيل تدرسها الهيئات عند اجتماعها. أما واجبنا الأساسي في هذا النداء هو أن نلج على المسؤولين لإقامة هذا اليوم الخالد "يوم إفريقيا الشمالية المجاهدة" وأن نؤكد لهم بأن أثره عند إخوانهم في المغرب سيكون عظيما وفوق ما يظنون إن شاء الله وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. 12 ذو الحجة سنة 1365 6 نوفمبر سنة 1946 وحشية الفرنسيين في إفريقيا الشمالية (11) وبطولة العرب المجاهدين في سبيل حريتهم لقد تواترت الأخبار بما لا يدع مجالا للشك بأن الفرنسيين في إفريقيا الشمالية عامة وفي الجزائر خاصة يعملون بكل وجيه لأحد غرضين إما إذابة ثلاثين مليونا في الجنسية الفرنسية وسلخهم من القومية العربية وإما إبادتهم بأقسى الوسائل وأسرعها فلقد استعملوا كل أنواع الأسلحة للوصول إلى أحد هذين الغرضين بعدما زجوا بكل الزعماء في السجون والمعتقلات وبعد ما منعوا صدور أي نوع من أنواع المطبوعات، وبعدما حلوا جميع الهيئات، وبعدما أشاعوا الإرهاب في جميع الأفراد والجماعات، ثم بعد ذلك كله مدوا أيديهم

إلى ما بيد الأهالي من الأقوات فانتزعوها منهم ليقتلوهم جوعا أو يذلوهم فينزلوا عن إرادتهم ويرضوا مكرهين بالمسخ والفرنسية التي أرادوا لهم. لقد احتمل أولئك العرب الأمجاد كل هذه المحن وقبلوا كل تحد بالحديد والنار في الثورات الدموية الخطرة استمساكا بمطالبتهم بالحرية والاستقلال محتفظين بقوميتهم العربية الإسلامية كاملة غير منقوصة. لقد قتل في الثورة الجزائرية الأخيرة وحدها على أصح الروايات 36 ألفا من العرب وقبض على ما يزيد على 60 ألفا تحت المحاكمة وحكم على المئات فعلا بالإعدام ونفذ الإعدام في بعضهم وأرجئ في البعض الآخر كل ذلك على سبيل الإرهاب لعل هذا الشعب العنيد تلين قناته فيشتري حياته بالتنازل عن قوميته وكرامته فيتقبل الجنسية الفرنسية وينال الحرية البيضاء ولكنه لم يزده هذا الإرهاب المبيت وهذه الوحشية المهلكة إلا مبالغة في الإباء وزيادة في العناد الشريف وعدم الرضا إلا بالحرية الحمراء التي تحفظ له قوميته وكرامته، ولو على أشلاء الرجال والنساء والشبان والأطفال، ولو على أنقاض المدن وخرائب القرى. لله دره من شعب جبار! ما أجدره بنخوة العرب وعزة الإسلام، وما أحقه بالمجد والخلود. والغريب المدهش أن تحيط بهذا الشعب كل هذه المحن ويغرق في كل هذا البلاء، وهو أعزل لا يملك إلا الإيمان بالله والثقة بالنفس ثم تجده واقفا على رجليه لا يرتعش ثابتا في مكانه وعلى مبدئه لا يطيش. بينما تقف فرنسا الجبارة أمامه يساندها أسطولها في البحر، وطائراتها وقنابلها في الجو، وجيوشها ودباباتها ومدافعها في البر ومليون من المدنيين مسلحين معهم السلطان والمال ثم تقف بكل ذلك أمامه حائرة ترتعد. ويصور هذه الحقيقة تصريح رسمي لرجل مسؤول يمثل الحكومة الفرنسية وهو عضو في مجلس نوابها ومكلف من قبلها للتعرف على أحوال سكان هذه البلاد

النفسية. ثم رفع تقرير لها بما وصل إليه بحثه من حقائق. واسمعوا تصريحه بنصه كما جاء في جريدة المصري يوم 22 - 9 - 45 لمراسلها الخاص من لندن. قال لا فض فوه "تقول البرقيات الصادرة من باريس أن مسيو كالدر العضو عن شمال إفريقيا في حركة الرخاء العام الفرنسية قد تحدث عن حالة التوتر في الجزائر وقال أن اضطرابات خطيرة قد تحدث في أي لحظة ما لم تطلق الحكومة الفرنسية حالا سراح ثلاثين ألف عربي معتقلين أو في انتظار المحاكمة لميولهم الوطنية أو محاولتهم تأليف إنحيازات وطنية. وقال كالدر أنه عندما غادر الجزائر أخيرا أصدر البوليس الفرنسي منشورا إلى الأوروبيين في مناطق عديدة أبلغهم فيه وجوب إعطاء إشارة للطائرات حال الشعور بالخطر معنى ذلك أن كل محرض بإمكانه أن يحدث اضطرابات. هذا تصريح الرجل الفرنسي المسؤول الذي أنشأنا من أجله هذا المقال فما الذي يؤخذ منه؟ أولا - إن هذه البلاد أصبحت بركانا من الوطنية الصادقة. فهي تغلي كلها كالمرجل رغم الاضطهاد الوحشي الذي لم يعرف التاريخ مثله حتى في العصور المظلمة. ثانيا - أنه يعترف بأن ثلاثين ألفا من خيرة رجال البلد معتقلول. ثالثا - يعترف بأن سبب اعتقالهم هو ميولهم الوطنية. رابعا - أن فرنسا بعد كل الذي قامت به من أعمال الإرهاب والتشريد والتشتيت والإبادة والإفناء ... بعد ذلك كله لا تزال ترتعد فرائصها خوفا من أولئك الأسود المكبلين وذلك يؤخذ من اقتراح مسيو كالدر على الحكومة لإطلاق سراج ثلاثين ألف معتقل لا لوجه الله بل لأن اضطرابات خطيرة قد تحدث في أية لحظة، وأن كل محرض يمكن

أن يحدث هذه الاضطرابات وبلغ بهم الرعب إلى أن أصدروا منشورا للمدنيين الأوروبيين وهم قرابة مليون ليتعاونوا مع الطيران في حالة الخطر الداهم. ونحن نقترح على الفرنسيين بنصيحة واحدة إذا أرادوا أن ينقلب خوفهم أمنا وأن يزول الخطر المحدق. فعليهم أن يكفوا عن هذه الأساليب الوحشية وأن يتخلصوا من شرذمة المستعمرين المتفرنسين، وأن يقفوا أمام العرب وجها لوجه يسلمون لهم حريتهم، ويطلبون ودهم وصداقتهم، والتعاون معهم إلى أقصى حدود التعاون وفي ذلك خير للجميع. هذا عن الجزائر وأما عن مراكش فإننا نكتفي بإيراد ما أبرق به مراسل المصري الخاص من طنجة، ففيه أبلغ تصوير للحقيقة المرة هناك. قال المراسل "تقاسي مراكش اليوم من أهوال الاستعمار ما لم تقاسيه أية أمة أخرى، فمناطقها الثلاثة المشمولة بالحمايتين الفرنسية والإسبانية، تخضع لنظام جائر، ولم تجب السلطات أي طلب من طلبات الحركات الوطنية منذ نهضت هذه البلاد تطالب بحقوقها من نحو عشرين سنة مضت، وهي لا تعير هذه المطالب أدنى إلتفات. فمعظم الطبقة المثقفة معتقلة منذ أوائل سنة 1944، والزعماء المعتقلون من أوائل سنة 1944، والصحف العربية معطلة كلها، والأحزاب والجمعيات قد حلت جميعا، وأساليب الإرهاب منتشرة في كل مكان. وتكتسح مراكش اليوم موجة من خيبة الأمل بعد أن آمن شعبها بميثاق الأطلنطي، وجعل قضية الديمقراطية قضيته، وبعد أن حارب أبناؤه في ميادين القتال الإفريقية والأوروبية.

جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية

جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية كانت حركة الدفاع عن أقطار إفريقيا الشمالية، تونس والجزائر ومراكش، في بلاد الشرق مفرقة، فكل قطر يعمل مستقل عن الآخر، ولو أن التعاون بينهم كان في الجموع كان سائدا. ولما جاء عام 1944 تألفت هيئة عامة لجمع الشمل، وتوحيد الرأي والكفاح، سميت (جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية) تحت رئاسة العلامة الجليل شيخ الأزهر سابقا الأستاذ الأكبر "محمد الخضر حسين" وسكرتارية الأستاذ "الفضيل الورتلاني"، وضمت أعضاء من جميع أقطار المغرب العربي، ومن جميع الهيئات والأحزاب، ووضعت لها قانونا أساسيا استهدفت فيه بالدرجة الأولى، استقلال هذه البلاد، استقلالا تاما لا زيف فيه، ووحدة كاملة شاملة لا نقص فيها، فأبلت هذه الجهة بلاء عظيما في سبيل تنمية روح الاستقلال والوحدة في نفوس أبناء المغرب العربي، عامتهم وقادتهم، وفي سبيل إشاعة هذه المعاني في بلاد الشرق، شعوبهم وحكوماتهم، وتم لها الكثير مما أرادت، إذ أصبحت كلمة الاستقلال، وكلمة الوحدة، من التحيات المفضلة عند المغاربة جميعا، وخفت روح الإقليمية، حتى كادت أن تختفي تماما، كما خفت أغنية الإصلاحات والاستقلال الأعرج الذي تغطي عرجه إصلاحات إستعمارية كاذبة وخادعة، وحتى أصبح أهل المشرق يدركون خطورة هذه البلاد، وأصبحوا يحسون في الوقت نفسه، بواجبهم نحوها، بعدما كانوا ينظرون إليها، كما نظر الطالب الإبتدائي إلى أطلس الجغرافيا. ويحسن بنا أن ننشر هنا بعض نشاط الجبهة للتاريخ. وليس بين أيدينا الآن من آثارها إلا عدد خاص بها، من مجلة "النذير" المصرية، وسنأخذ منها نموذجا من أعمالها في صورة مذكرات، وبرقيات، ونداءات الخ ...

كيف تكونت جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا

وإلى القارئ الكلمة الأولى بقلم الأمير "مختار الجزائري" نائب رئيس الجبهة يومئذ، لأنها تتعلق بكيفية تكوين الجبهة، ثم تتلوها بقية المختارات، قال الأمير مختار تحت عنوان: كيف تكونت جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا في يوم من أيام ذي القعدة من سنة 1362 ورد علي تلغراف من يافا فلسطين وأنا يومئذ ببيروت، يطلب إلي فيه مرسله وهو من أعز الناس عندي أن أحضر إليه لأمر مهم سبق لنا فيه حديث طويل ويتصل بقضية الوطن العزيز، ويذكر لي أن "من حدثني عن جهاده موجود" ولم أجد صدري منشرحا في حياتي مثل ذلك اليوم، فلم أتردد كثيرا ولا قليلا إلا قدر ما وسع التهيؤ للسفر، فتوجهت إلى يافا فوجدت أخا لي في الله والوطن الأستاذ الفضيل الورتلاني سمعت بجهاده كثيرا ولكن لم أره، واختلينا أنا والأخ الورتلاني مع اثنين من أعز أصدقائنا فتناجينا طويلا واستعرضنا أمجاد ماضي الجزائر والمغرب والعرب والإسلام، فسالت الدموع حزنا على ما ذهب، وسرورا بما حفظ الله لهذه الأمة المجيدة من أسباب الخلود، ثم استعرضنا الحاضر بما فيه من خير وشر ثم قلنا: إن ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها، وإن خدمة الأوطان لا سيما في الظروف القاسية التي تقرر فيها المصائر من أجل العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى الله جلت قدرته، خصوصا عندما تكون خالية من كل غرض بريئة لوجهه الكريم. وبما أن القيام بمثل هذه الرسالة الجليلة لا يتم إلا في مركز واسع الصلة بالدنيا، اتجهت النية للانتقال إلى القاهرة، وبذلت في سبيل ذلك أمام المعاكسات الاستعمارية ما الله به عليم، وتم الانتقال لي منفردا ثم للعائلة جميعا وبدأ العمل

للقضية فأسسنا جمعية الجالية الجزائرية، وأسسنا اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر اشترك في عضويتها أعظم الشخصيات العربية من جميع الأقطار، فاتصلنا بجميع الحكومات العربية وملوكها وأمرائها وهيئاتها وأحزابها وجرائدها، كما اتصلنا بجميع الدول المتحالفة من طريق المذكرات والتلغرافات والمقابلات والمحاضرات، واستطعنا كذلك أن نتصل بالوطن من طريق بعض المنشورات والقصاصات والرسائل الخاصة، كل ذلك في ظروف كانت الرقابة على المطبوعات والرسائل على أشدها، فصادفنا من العقبات ما لم نستطع تلافيه إلا بشيء كثير من الصبر والمصابرة وكان العزاء لنفوسنا ما كنا نلمسه من أثر محسوس لهذه الأعمال المتواضعة، وفي هذه الأثناء كانت الظروف تجمعنا بخيرة الرجال من أبناء المغرب العربي أمثال حضرة صاحب الفضيلة العلامة الجليل السيد محمد الخضر حسين وأمثال الدكتور محمد عبد السلام العيادي وأحمد نجيب بك برادة عضو الشيوخ والحاج أحمد بن قايد ومصطفي بك بيرم وأصحاب الفضيلة الشيخ إبراهيم أطفيش والشيخ إسماعيل علي والشيخ السعدي عمار والحاج اليمين الناصري وأمثال حضرات الشبان الأساتذة أبو مدين الشافعي وأحمد ابن المليح وحمود بن قايد وأحمد السعدي ومحسن بيرم وغيرهم كثيرون وكنت ألمس من هؤلاء جميعا ثقة بالله إيمانا بعد قضية وطنهم، وكان الحديث، الوطني بيننا يشمل دائما كل أقطار المغرب، لعله من هنا ابتدأت فكرة إيجاد هيئة جامعة تتناول قضية إفريقيا الشمالية موحدة، وكان من حضرات المذكورين وغيرهم تأليف الجبهة فيما بعد. وأمامي الآن قانونها الأساسي مصدر بكلمة مختصرة جامعة لمقاصدها شارحة لحقيقتها، وهي خير ما يوضع بين يدي القارئ وهذه هي وإليكم فيما يلي:

الجبهة وأغراضها

الجبهة وأغراضها مادة 1 - في يوم أول ربيع الأول سنة 1364 هـ الموافق 18 فبراير سنة 1944 ميلادية تألفت هيئة في القاهرة تسمى (جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية). مادة 2 - أغراض الجبهة: - السعي بالطرق المشروعة لتحقيق حرية واستقلال شعوب شمال إفريقيا: (تونس - الجزائر - مراكش) - السعي لضم هذه الشعوب إلى الدول العربية. مادة 3 - دستور الجبهة: (التضامن وتحرير العصبيات). مادة 4 - تسعى الجبهة لتحقيق أغراضها بجميع الوسائل المشروعة كإنشاء صحف وفتح أندية وإيجاد شعب لها في مصر وخارجها إذا اقتضى الحال ذلك. بتوفيق الله مثمرا، وأثر مساعيها العظيمة في كل مجال محسوسا، وكان أكبر نشاطها مع الدول العربية وشعوبها ومع دول الأمم المتحدة وشعوبها، تقدم المذكرات وترفع الاحتجاجات وتنور الأذهان بالخطب، والمقالات وتتصل بالهيئات والأندية والشخصيات وتتابع بعناية كبيرة النشاط الذي يقوم به رجال الوطن في البلد، وتعمل على إذاعته حسب المناسبات وفي هذا العدد الخاص من جريدة النذير الغراء، نموذج طيب لهذه الأعمال الجليلة يجد القراء فيه إلى جانب المعلومات الكثيرة ألما وأملا، والحياة من مبدئها إلى نهايتها كلها أمل وألم، أما هدف الجبهة الأخير فهو استقلال أقطار المغرب كلها استقلالا تاما في وحدة كاملة والانضمام إلى جامعة الدول العربية والعزم معقود على مواصلة العمل لإدراك يوم النصر الحقيقي، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله والله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. الأمير مختار الجزائري

الثورة الاستقلالية الدائمة في إفريقيا الشمالية

الثورة الاستقلالية الدائمة في إفريقيا الشمالية لقد مضى على الاستعمار الفرنسي الغاشم في بلاد المغرب العربي مائة وسبعة عشر عاما، لم يذق أثناءها - بحمد الله - لذة الراحة أمام الثورات المتعاقبة الخطيرة التي كان يقوم بها العرب الأمجاد ضد الغازين الغاصبين - إلا في فترات قليلة جدا - وأول ما وضع هذا الاستعمار قدمه في الجزائر المسلمة، واجهته قوة دولة البطل الإسلامي العظيم الأمير عبد القادر الجزائري الذي أذاق الفرنسيين أمر حياة عرفها تاريخ الحروب التحريرية مدة ثمانية عشر عاما كاملة، وأشهر ثورات المغرب العربي بعد الأمير عبد القادر ثورة الباش آغا المقراني سنة 1870 وكادت تقضى نهائيا على النفوذ الفرنسي ثم طرده من البلاد، وأقرب ثورات المغرب العربي إلى الأذهان ثورة المجاهد الإسلامي الخالد الأمير عبد الكريم الخطابي الريفي، الذي أقض مضاجع الفرنسيين والإسبانيين معا مدة ثمانية أعوام كاملة ما بين سنة 1919 وسنة 1927 ولولا تكاثر الخصمين معا عليه لاستطاع أن يسحق كلا على إنفراده مع عدم تكافؤ القوتين عتادا والأمير لا يزال يعاني ألم الغربة والنفي في جزر الرينييون إلى الآن والديمقراطيون متغافلون وإخواننا العرب مع الأسف ساكتون، ولعل عذرهم أنهم مشغولون بسواه وآخر هذه الثورات تلك التي اندلع لهيبها في مراكش والجزائر وتونس بعد نهاية هذه الخرب الطاحنة للمطالبة بالحرية والاستقلال والتي ذهب ضحيتها بين القتلى والجرحى والمعدمين والمشربين مئات الألوف، وقد رددت صدى هذه الحوادث الخطيرة جميع صحف

مذكرة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى مؤتمر الجامعة العربية

العالم، فضلا عن الصحافة العربية، ونحن نغتنم فرصة إصدار هذا العدد الخاص من النذير لنورد فيما يلي بعض أمثلة مما كانت تقوم به الجبهة في سبيلها، آملين أن لا تذهب تلك الدماء العربية العزيزة سدى، بل تكون سقيا لشجرة الحرية المقدسة إن شاء الله، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. السعدي عمار مدرس بالأزهر وعضو مجلس إدارة الجبهة مذكرة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى مؤتمر الجامعة العربية حضرة صاحب السعادة عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام لجامعة الدول العربية. تحية واحترام، وبعد: ترجو جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية من سعادتكم عرض هذه المذكرة الوجيزة على مؤثر الجامعة الموقر، ولنا كبير الأمل في أن نحظى من أنظاره البعيدة المرمى بعناية ضافية وهي: أن شعوب إفريقيا الشمالية العربية: تونس والجزائر ومراكش، طالما قاست من الاحتلال الفرنسي ألوانا من الاعتداء على الأنفس والأعراض والدين والأموال وطالما حاول الناهضون من رجالها تخفيف شيء من ذلك الاضطهاد الممقوت فيوجهون الشكوى بعد الأخرى إلى فرنسا نفسها على أمل أن يجدوا من الفرنسيين من يحمل في صدره شفقة على الإنسانية المعذبة، فتخيب آمالهم، بل لا يجدون إلا من يعد شكواهم طعنا في سياسة الاحتلال، والطعن في السياسة جناية تقابل بالعبودية في غير رحمة.

وكثيرا ما يأخذ أولئك العرب غضب من العسف الذي تغمرهم به فرنسا فينهضون لمكافحته بما في أيديهم من قوة، ويبذلون في سبيله دماءهم الغالية، ولا يبالون في كفاحهم ما تفعله به الحكومة الباغية من تنكيل وتقتيل. وأقرب دفعهم إليه دافع الغيرة على حريتهم المسلوبة وحقوقهم المهضومة، هذه الثورات التي قاموا بها منذ أشهر بعد أن أشعروا فرنسا بأن صبرهم على عدوانها قد نفذ، وأنهم لا يرضون إلا أن يعيشوا كما تعيش الأمم ذات التاريخ المجيد في عزة وكرامة. كانت تلك الشعوب العربية تحسب أن انهزام الفرنسيين أمام الجيش الألماني وابتلاءهم بسيطرة الأجنبي على بلادهم وتجرعهم غصص الإهانات في ديارهم قد يذكرهم حال الشعوب التي يدوسون كرامتها بنعالهم، فيخففون عن غلوائهم ويعودون إلى رشدهم، ويقفون في مفاوضة أولئك العرب موقف الحريص على أن يتساوى الناس في الحرية تساويهم في التمتع بالهواء الطلق، وضياء الشمس، ولا سيما شعوبا ساقت منهم جيوشا كثيرة إلى مواقع القتال وبذلوا دماءهم في الدفاع عن بلادها ولكن فرنسا نهضت بفضل الحلفاء من نكبتها وبدل أن يكون لها في تلك النكبة موعظة، تتحول بها من عقليتها العتيقة إلى عقلية تحترم المنطق السليم ولا تجاري الأهواء الجامحة بها إلى غير سبيل، عادت تتحول إلى ما عرفت به من معاملة تلك الشعوب معاملة من لم يعترف بأن لهم حقا في الحياة. ففرنسا الحديثة كفرنسا القديمة تستأثر بخيرات شمال إفريقيا وتصدرها إلى أوطانها وتدع رجال تلك الأقطار وولدانهم ونساءهم يتساقطون موتى في الطرقات حيث لا يجدون من القوت ما يسد رمقهم. وفرنسا الحديثة استأنفت العمل لقلب جنسية أولئك العرب إلى جنسية فرنسية ونقلهم إلى دين غير دينهم وإلجائهم إلى أن تكون اللغة الفرنسية لسانهم حتى تقضي

على اللغة العربية التي هي أجلى مظهر لعربيتهم، إلى غير هذا من وضع الضرائب الفاضحة وتضييق الخناق على الصحف العربية، والانتقام من الزعماء بالزج بهم في السجون والمعتقلات وإقصائهم بالنفي إلى أماكن بعيدة لا يدري أقوامهم كيف يعذبون فيها أو كيف يموتون، ولولا خوف الإطالة لضربنا الأمثال وسقنا الشواهد على ما نقول. والواقع أن جامعة الدول العربية في غنى عن الإسهاب في الحديث عن مساوئ الاحتلال الفرنسي فحضرات أعضائها على الإطلاع واف وخبرة واسعة من فظاعة ذلك الاحتلال وتفاقم شره إلى حد لا يطاق والذي نريد تذكير أعضاء الجامعة به ووضعه تحت أنظارهم السديدة هو أن تلك الشعوب العربية قد امتلأت غيطا من استعباد فرنسا لها وأصبحت تشعر بقلب رجل واحد أن لا خير في الحياة إلا بأن تتخلص من ذلك الاحتلال الغاشم وتقف في صفوف الأمم المستقلة جنبا لجنب. وهذا الشعور النبيل الشامل قد جعلهم مصممين على مواصلة الجهاد في سبيل هذه الغاية، فإما أن يعيشوا سعداء، وإما أن يموتوا شهداء. سيرت هذه الشعوب بقوة حقها، فدفعتها الشهامة وإباية الضيم إلى الكفاح في سبيله معتمدة على توفيق الله جل شأنه وطامحة ببصرها إلى أن ترى من جامعة الدول العربية عملا يقوى أملها، ويؤكد صلتها بالجامعة، ولا سيما حين استشيرت بما جاء في ملحق ميثاق الجامعة من أنها ستتجه بمعونتها إلى جميع الشعوب العربية وبما يصدر عن أصحاب المعالي أمين الجامعة العام ورؤساء الدول العربية ومندوبيها في مؤتمر الجامعة من تصريحات تنبئ بأن قضية شمال إفريقيا قد حازت جانبا كبيرا من عنايتهم وأنهم يعدون تلك الشعوب بمنزلة أحد الجناحين حيث تمثل الأمة العربية بطائر يتحفز لأن ينهض ويحلق في عنان السماء. وإننا لنقدر ظروف الجامعة حق قدرها، ولا يفوتنا العلم بما يجب أن نتدرع به من حكمة وتؤدة، وإذا رجونا منها أن تتجه إلى قضية شمال إفريقيا بخطوات

مذكرة إلى هيئة الأمم المتحدة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية

عملية، فإنا ندع رسم هذه الخطوات وتقديرها إلى يقظة رجالها المجاهدين، وحرصهم النهوض بها نهضة تسعد بها الشعوب العربية قاطبة. وترى الجبهة أن من الميسور الذي يعد خطوة أولى عملية تعين طائفة من أبناء شمال إفريقيا في إدارة الجامعة ولجانبها ومكتبي الدعاية في لندن وواشنطن. وفي القطر المصري شبان ينتمون إلى تلك البلاد. وفيهم كفايات ثقافية وخلقية تؤهلهم لأن يشاركوا في العمل للقضية العربية على الخطط الني ترسمها الجامعة. هذا ما نرجوا من معاليكم عرضه على الجامعة، ولكم جزيل الشكر؟ السكرتير الفضيل الورتلاني رئيس الجهة محمد الخضر حسين مذكرة إلى هيئة الأمم المتحدة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية كانت بلاد إفريقيا الشمالية: تونس والجزائر ومراكش تتمتع باستقلالها حتى هاجمتها فرنسا ومدت عليها سلطانها بقوة وأهلها كارهون. استولت على الجزائر باسم الفتح وعلى تونس ومراكش باسم الحماية وأخذت تتصرف في شؤون تلك البلاد تصرف المستبد الغاشم. لا تبالي أن تعتدي على النفوس والأعراض والأموال، تم تعد الشكوى والمطالبة بالحقوق جناية يستحقون عليها أقصى العقوبات ويساعدها على هذا الاعتداء الفظيع أولئكم الذين تسميهم بالمعمرين وتطلق أيديهم فيغتصبون الأموال ويعذبون الأنفس كما يشاءون. ولكن الشعوب العربية وإن استضعفتهم فرنسا من جهة القوة المادية واعتمدت في إدخالهم تحت سيطرتها على النار والحديد، لم يزالوا مطبوعين على إباء الضيم والطموح إلى العزة، فلم يستكينوا لسلطانها وما برحوا يقاومونها ما استطاعوا

ويجاهدون في التخلص منها بالثورة عقب الثورة إذ لم يجدوا في رجالها من يقوم للمنطق وزنا أو يعترف لغيره بحق الحرية. كان الناس يعتقدون أن فرنسا بعد أن ذافت مرارة الاحتلال الألماني وبعد أن كان لجنود إفريقيا الفضل في الدفاع عن بلادها ستعترف لتلك البلاد بحق حريتها وتتجه في سياستها وجهة الإنصاف فتدعهم يسودون أنفسهم بأنفسهم وتكتفي لهم بصلة الصداقة التي تخول لها الانتفاع ببعض فوائد اقتصادية ولكن فرنسا بعد انتهاء الحرب هي فرنسا قبل نشوبها، بل ازدادت حرصا على بقائهم محرومين من التمتع بشيء من حقوقهم وعلى تنفيذ ما كانت تحاوله منذ وضع قدم الاحتلال في أرضهم وهو سلخهم من قوميتهم العربية وديانتهم الإسلامية، وإمعانها في اضطهادهم وشد الخناق على أعناقهم من جديد، قد أثار حماستهم وجعلهم يستهينون بكل ما تنالهم به من عذاب وتنكيل، فأقدموا على عقد المؤثرات، وإشعال نار الثورات ومصارحتها بأن الاحتلال الفرنسي قد ذهب هباء فتمسكها به إنما تمسك بشيء لا يوجد إلا في مخيلتها. وجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية بالقاهرة تعرض على حضراتكم هذه المذكرة الموجزة والهدف الذي نرمى إليه هو أن من واجب الدول الحريصة على نشر السلام العالمي أن تساعد على إنقاذ الشعوب المغربية بالبطولة والوفاء بالعهد هو الوسيلة لانضمامهم إلى الدول التي تعمل للسلام العام وتأييدها من صميم أفئدتهم. أما إذا تركوا وشأنهم فإن السلام العالمي لا ينظم ما دامت هذه الشعوب الإفريقية تجاهد في سبيل خلاصها من سيطرة الحكومة الفرنسية. السكرتير الفضيل الورتلاني رئيس الجهة محمد الخضر حسين

مذكرة مرفوعة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم عبد العزيز آل سعود عند زيارته لمصر

مذكرة مرفوعة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم عبد العزيز آل سعود عند زيارته لمصر إن فرنسا يا صاحب الجلالة هجمت على بلاد الجزائر منذ مائة وسبع عشرة سنة، ودافعها أهلها بحروب نظامية استمرت نحو سبع عشرة سنة، ولما تغلبت عليه بكثرة الجند ووفرة السلاح، بسطت عليهم سلطانها وانتزعت منهم حقوقهم الحيوية والسياسية بل اعتبرت ذلك القطر قطعة من فرنسا، وجعلت النظر في شؤونه يرجع إلى وزارة الداخلية بباريس، بالرغم من أن قوميته ولغته عربية وأن دينه الإسلام. ثم هجمت على البلاد التونسية منذ ست وستين سنة، وقدمت لأميرها محمد الشادق باي معاهدة وقع عليها مكرها بين مدافع فاغرة أفواهها إلى القصر، وجنود مدججين بالسلاح، ولم تقف عند هذه المعاهدة المغصوبة، بل قبضت على زمام الإدارة ولم تدع كبيرة ولا صغيرة من شؤون البلاد إلا وكلت التصرف فيها إلى طاغية من الفرنسيين، وإذا ألقيت إلى بعض الوطنيين منضبا في الحكومة، فإنما هو عمل صوري، والحقيقة أن الفرنسيين لا يتركون للوطنيين في سياسة المملكة من الأمر. ثم هجمت على المغرب الأقصى (مراكش) منذ ثمان وثلاثين سنة، واحتلتها بمعاهده اضطر السلطان عبد الحفيظ لتوقيعها وتجاوزت حدود تلك المعاهدة، وأخذت تفعل في البلاد ما فعلت في تونس من الاستبداد وتصريف شؤون البلاد على قاعدة تثبيت قدم الاستعمار، وإيثار أبناء جلدتها بكل ما تجود به أرض ذلك القطر من خيرات.

لا يتسع المقام لأن نبسط القول في اضطهاد فرنسا لأولئك العرب المسلمين وعملها بالليل والنهار لأن يعيشوا في فاقة وحرمان وتفرق كلمة، بل تعمل في غير مبالاة لإخراجهم من دينهم الإسلامي إلى ملة غير الإسلامي، ومن قوميتهم العربية إلى الجنسية الفرنسية، ذلك أنها تعلم أن الثراء والعلم واتحاد الكلمة أساس الرقي إلى الحرية والعزة، وتشعر بأن الأمة التي تدين بالإسلام وتستضيء بهدى القرآن لا تخضع إلا لسلطان يحترم ديانتها ويسوسها بنظم شريعتها، ولا يرضى إلا أن تستعيد سيادتها وتتمتع باستغلالها. وعرب شمال إفريقيا وإن وضعت فرنسا بينهم وبين الشرق حواجز، واتخذت كل ما استطاعت من وسيلة لقطعهم عن العالم الإسلامي، فإن بطولتهم واعتزازهم بسالف مجدهم لا زال ولن يزالا ينهضان بهم إلى المطالبة بحريتهم, واقتحام الثورات الدموية في سبيل هذا المطلب. لا يبالون بما تصبه عليهم فرنسا من عذاب التقتيل والتنكيل والزج في السجون. وقد قدمت جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا إلى جامعة الدول العربية مذكرات أودعتها جانبا كبيرا من فظائع الاحتلال الفرنسي لتلك البلاد، وتلقى رجال الجامعة هذه المذكرات بعناية وأصبحت قضية أولئك العرب الأبطال مشمولة بأنظارهم كما تنبئ بذلك تصريحاتهم ونرجوا أن يكون لهذه الخطوة النظرية خطوات عملية تشد أزر سكان تلك البلاد وتزيدهم قوة على الجهاد في سبيل استقلالهم واحتفاظهم بكيانهم الملي والقومي، وهذا ما سيكون بتوفيق الله ولا يضيع وإن كان مغتصبه جبارا عنيدا على اغتصابه عشرات أو مئات السنين متى كان وراءه طالب يأبى الضيم، فيسهر الليل وينفق كل مجهود في تخليصه. وبقاء شمال إفريقيا في أيدي مغتصبيها منذ عشرات السنين لا تلقى تبعته على كاهل سكان تلك البلاد وحدهم، بل يسأل عنه كل عربي وكل مسلم في استطاعته أن يقوم بعمل، أو يجهر بقول يساعد على خلاص أولئك العرب المسلمين من أغلال الاضطهاد التي يضعها الفرنسيون في أعناقهم.

ثورة الجزائر العربية أول بيان لجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية

ولجبهة الدفاع في شمال إفريقيا كبير الأمل في أن جلالتكم تشملون قضية تونس والجزائر ومراكش بدعاية وتبذلون ما استطعتم من المساعدة على إنقاذها من الاستعمار الفرنسي الذي يعمل لإذلالها وفصلهم عن القومية العربية، وإدماجهم في الجنسية الفرنسية ويأخذ لتحقيق هذه الغاية المفرقة الوحدة العربية والجامعة الإسلامية بكل وسيلة يستطيعها من ترهيب أو ترغيب. ولجبهة الدفاع كبير الأمل في أن ترى من جلالتكم اتجاها إلى هذه القضية يبشر بنجاحها ويزيد المجاهدين داخل تلك الأقطار وخارجها إقداما واطمئنانا إلى أنهم يستنصرون على الرغم من خصومهم الطغاة المبطلين. السكرتير: الفضيل الورتلاني رئيس الجبهة: محمد الخضر حسين ثورة الجزائر العربية أول بيان لجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية نشرت الصحف اليومية في صباح 13 - 5 - 1945 نبأ الثورة في بلاد الجزائر العربية نقلا عن مراسل رويتر بباريس يقول أن جماعات مسلحة تابعة لحزب (البيان) المعروف بعدائه للفرنسيين هبطت من الجبال إلى مدينة سطيف بالجزائر في يوم النصر فأوقعت الاضطرابات في المدينة وقتلت بعض الشخصيات البارزة من الفرنسيين واليهود، وتقدر رويتر عدد القتلى من أولئك البارزين بخمسين رجلا، وتقول أنه قد وقع قبل ذلك كثير من الاضطرابات في إقليم قسنطينة. ولكن حادث يوم النصر كان أشد هولا. وجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية تعلق تعليقا سريعا على هذا النبأ بما يلي: إن القطر الجزائري كشقيقيه تونس ومراكش، يعيش اليوم في موجة من الاضطهاد لا يكاد الإنسان يجد لها نظير في تاريخ البشرية العاقلة، فلقد عبأ المستعمرون هناك كل ما

يملكون من قوة ومكر ضد الأهالي العرب العزل، مستخدمين في تعذيبهم لقتل الروح الوطنية والاستقلال كل أدوات الحكم العسكري من أحكام عرفية وإيقاف كل المطبوعات ومنع كل الاجتماعات وحرمان الأهالي من الغذاء والكساء الضرورين بواسطة نظام التموين، بينما يأخذون كل ما يمكله العرب قهرا بأبخس الأثمان، ليتاجروا به فيكسبوا أضعافا مضاعفة. وقد يساق المرء إلى السجن أو المعتقل لغير سبب معروف، بل ربما كان لمجرد نظرة لا يستلطفها الفرنسي منه فيلصق به أخطر التهم، وهذا يصدق من غير دليل، ولقد بلغ عدد المعتقلين من خيرة أبناء الأمة عشرات الألوف ولا يزال من وراءهم يكافح ويستميت فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. هذه إشارة سريعة إلى ما يجري في هذا البلد من كوارث مع أمة عربية مسلمة تأبى الضيم وتأنف الاستذلال فإذا ما جاءت الأنباء اليوم بوقوع اضطرابات خطيرة فيها فإنما هي شرارة خير بسيطة أفلتت من بين نيران مندلعة هناك واسعة النطاق، لأن المعلوم أن الفرنسيين يبذلون شبه المستحيل في منع تسرب أي خبر يتعلق بهذا التعذيب، حتى لا يكون للعالم حق التدخل فيه، فلولا ما ضربوه من حصار على أبناء هذه البلاد لسمع الناس كل شهر بهذه الثورات، لأن ظلم الفرنسيين يأبى أن ينتهي، والشمم العربي يأبى أن يموت؛ أو يفتر، أما حزب البيان الذي ورد اسمه في خبر الثورة، فنسبه إلى بيان وقعه ممثلوا الأمة بالإجماع في 10 يناير سنة 1943، بعد نزول الحلفاء في الجزائر بقليل، مطالبين فيه بالاستقلال، والأمة بأجمعها تؤيد هذا البيان، وتسير وراء المطالبين بتنفيذه بإيمان وحماس، خلافا لما تزعمه الأخبار ذات المصادر الفرنسية من أن هذه الجماعة لا تمثل إلا أقلية ضئيلة، وتزعم أنباء هذه المصادر كعادتها دائما - أن زعيم هذا الحزب الأستاذ عباس فرحات ينتمي إلى الفاشستية، والواقع أنه ليس أوقح وأجرأ من هذا الزعم، فلقد عرف الشعب الفرنسي نفسه أن عباس فرحات كان دائما من أنصار الجبهة الشعبية الفرنسية إلى حد بعيد، وعدو الفاشستية اللدود، أما ذنبه الحقيقي فلأنه حر يريد

استقلال بلاده بما يريد الفرنسيون استقلال بلادهم، بالضبط فالفاشستية سلاح المستعمرين الوحيد الذي يريدون أن يستفزوا به الديمقراطيين دائما، وأن يقطعوا به رأي كل من يطالب بالحرية الطبيعية. ليبقى لهم حق امتصاص دم البشر إلى الأبد. وهذا جزاء الجزائر التي آوت فرنسا المنهزمة يوم محنتها الكبرى وشاركت بمئات الآلاف من زهرة شبابها محاربين في صنوف الخلفاء في سبيل تحريرها وتحرير الإنسانية المعذبة، ولا تزال أنباء بطولتهم في محاربة الفاشيست في تونس وصقلية وإيطاليا وفرنسا وبجميع الميادين الأروبية مائلة في الأذهان إلى الآن. ونحن اليوم من حقنا ومن واجبنا في آن واحد، أن نستصرخ في ألم ممض بجامعة الدول العربية ورجال الأمة العربية والأمم المتحدة جميعها التي أرقنا معها كثيرا من دمائنا في سبيل إحراز النصر، نستصرخ بهم جميعا في كثير من الأوقات على حياة تلك الأمة المسجونة العزلاء إلا من الإيمان ليتدخلوا سريعا في إنقاذ ثلاثين مليونا في ذلك المغرب العربي من الأسر والتعذيب لعل الناس بعد ذلك يصدقون أن حزب القوي على الضعيف قد انتهت حقا، وانتهت إلى غير عودة، وأن أمل الإنسانية لم يخب مرة ثانية. ويدفع بنا الإنصاف والثقة بالعدالة إلى المطالبة بشيء واحد ولكن في إلحاح شديد - وهذا الشيء لا يجوز أن يعترض عليه إلا فاشستي غشاش. هو أن تؤلف لجنة دولية من الحكومات العربية والأمم المتحدة فيذهبوا بأنفسهم إلى هذه البلاد المضطربة ليجروا تحقيقا بريئا وليشاهدوا عن كثب: أمدنية أم وحشية في القرن العشرين تلك التي يمثلها المتفرنسون في تلك البلاد ولهم بعد ذلك الحكم الذي يريد فيمن هم الفاشستيون المجرمون. عن الجبهة "السكرتير" الفضيل الورتلاني 10 - 5 - 45

إلى دول الجامعة العربية ... ودول الأمم المتحدة ثورة الجزائر دفاعا عن حقوقهم ودينهم وأعراضهم وأموالهم مذكرة خطرة ... من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية

إلى دول الجامعة العربية ... ودول الأمم المتحدة ثورة الجزائر دفاعا عن حقوقهم ودينهم وأعراضهم وأموالهم مذكرة خطرة ... من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية في بلاد الجزائر ثورة دموية واسعة النطاق، إنما هي وليدة العسف والاضطهاد الذي تصبه الحكومة الفرنسية على الوطنيين في غير رحمة، وأن في مثل هذه الثورة، لشهادة صدق على السلام العام الذي تلهج به الدول الديمقراطية، وتعقد له المؤتمرات وتبذل في سبيله ما تستطيع من المجهودات. لا ينتظم في شمال إفريقيا إلا أن تتخلص شعوبه من ذلك الاحتلال الذي كنا نراه بأعيننا، كيف يقطع بينها وبين الشرق كل صلة، وسومها سوء العذاب لما يشاء. وإن أمثال هذه الشعوب المحتلة إن فاتتها القوة المادية الكافية لنجاتها، ومهابة جانبها فقد أصبحت تعرف حقوقها، وتغار على حريتها وتميز بين من يريد بها رشدا ومن يريد بها سوءا وأصبحت على بصيرة من مذاهب السياسة فلا يشتبه عليهما من يدعو إلى السلام بجد وإخلاص، ومن يدعو إليه ليقضي بالدعاية مآرب في نفسه، وفي هذه اليقظة الرائعة، والحماسة المتقدة، قومية معنوية لا يستهين بها الدارسون لشؤون الشعوب بحكمة وتؤدة. وقد درسنا تاريخ الجزائر، منذ الاحتلال الفرنسي حتى اليوم، وتقصينا الثورات التي يقوم بها الوطنيون في وجه الاستعمار فرأيناها ثورات يدفع إليها إباية للضيم، والاعتزاز بالنفس والغيرة على الحقوق من عرض أو دين أو مال.

ولو نظر دعاة السلام الشامل، إلى هذه الثورات بإنصاف لعالجوها بدوائها الناجع الوحيد، وهو كف الأيدي التي تعبث بحقوق تلك الشعوب، وتضع العقبات في سبيل رقيها. وجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، ترجو من جامعة الدول العربية، أن توجه إلى تونس والجزائر ومراكش، عناية واسعة، وتعمل لأن تكون على خبرة من تلك الأقطار، وما يجري فيها من عسف وبغي، وتمد إليهم يد المساعدة على ما يطمحون إليه من حياة آمنة، ومدنيه راقية وهم إذا فعلوا هذا يحسنون إلى أقوام تربطهم بهم صلات محترمة، بل يحسنون إلى الجامعة العربية ذاتها، بضم خمسة وعشرين مليونا من العرب، يزداد بهم نطاقها سعة، وجانبها عزة ومنعة. وترجو الجبهة من الدول الديمقراطية، أن يراعوا حق تلك الشعوب التي بذلت دماءها وأموالها في مناصرتهم، منذ بدء الحرب إلى يوم الانتصار، وإنما حقها الاطلاق من أسر الاحتلال الغاشم، وذلك أقل ما يجازون به عن بطولتهم وثباتهم في حروب جرت في غير أوطانهم. ونحن لا نشك لحظة في أقطاب الدول الديمقراطية اليوم قد أوتوا من سداد الفكر وبعد النظر، ما يقدرون به الأمم الطامحة إلى حريتها، الحريصة على الاحتفاظ بكيانها، ولا تفوتهم أن السلام العالمي لا يتم بناؤه إلا أن تعيش هذه الأمم المتيقظة في أمن واستقلال. السكرتير الفضيل الورتلاني رئيس الجبهة محمد الخضر حسين

مذكرة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى دول الأمم العربية وإلى الأمم المتحدة

مذكرة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى دول الأمم العربية وإلى الأمم المتحدة في شمال إفريقيا أمة عربية، عرف التاريخ الصادق فضلها في توسيع دائرة العلوم وإصلاح نظم الاجتماع، والنهوض بجلائل الأعمال (أعني سكان تونس والجزائر ومراكش) وقد ابتليت هذه الأمة بالاحتلال الفرنسي منذ عشرات السنين، وبلغ هذا الاحتلال الغاشم في استعبادها والعبث، بحقوقها أقصى غاية وإن أبلغ الكتاب ليعجز عن وصفه لمن لم يشاهده وصفا يأخذه من أطرافه ويجعله أمامه بمنزلة المشاهد، ونحن على يقين من أن كل إنسان فيه بارقة من العطف على الإنسانية، متى أحس ما يفعله ذلك الاحتلال الجائر بعينه أو يسمعه، هاجت عاطفته واندفع يفكر في إسعافهم، وبذل المستطاع في مؤازرتهم. وإذا عجزت الأقلام عن تصوير فظائع الاحتلال الفرنسي في شمال إفريقيا كما هو، فإن ذوي البطولة، والغيرة على حرية أقوامهم. مثل حضرات أعضاء الجامعة العربية يكفيهم في الاتجاه إلى إسعاد تلك الشعوب ومديد الإخاء إلى مؤازرتها علمهم بطبائع الاحتلال الفرنسي الذي يعد الشعوب المغلولة له كالأنعام لا يستحقون أن يكون لهم في أمرهم رأي ولا أن يكون لهم من خيرات أوطانهم إلا ما يستغنى عنه الفرنسيون والمتفرنسون. ذاقت الحكومة الفرنسية مرار احتلال أعدائها لبلادها وأحست بنفسها مباشرة احتلال الأجنبي في نفوس الوطنيين من حسرات وما يجره عليهم من مهانات، واعتقد الناس أن

الحكومة الفرنسية ستتخذ من تلك الكارثة عبرة، وتعود إلى شيء من رشدها، وتخفف جانبا مجن طغيانها فتجد فيها الشعوب المصابة باحتلالها شيئا من الرفق، بل يجدون منها دولة تنادي بحرية الشعوب على الإطلاق، وتكون في مقدمة من يعملون لمحو كلمات (الاحتلال - الحماية - الانتداب - الوصاية) من معاجم السياسة الدولية، ولكنها نهضت من مصرعها ولم تفكر في شيء غير أن تعود إلى سيطرتها على تلك الشعوب فجاءت تنظر إليهم نظرة من كانوا السبب في سقوطها وأخذت تذيقهم من ألوان الاضطهاد والتنكيل ما لا يحتمله بشر، ولا سيما بشر لا يزالون يذكرون ما كان لسلفهم من عزة وسيادة ومدنيه راقية، وليست الثورات العنيفة التي تقوم بها تلك الشعوب اليوم وقبل اليوم إلا وليدة اضطهادها لهم واعتدائها على حريتهم. وفرنسا تعلم أن الثورات التي قامت في شمال إفريقيا إنما يدعو إليها أباء الضيم والطموح إلى الاستقلال ولكنها تريد أن تشوه تلك الثورات البريئة بعلل لا أصل لها ولا فرع، كزعمها أن هذه الثورات وليدة الدعاية النازية، أو أن الدافع إليها البؤس والمجاعة، ونحن نعلم أن القائمين بهذه الثورات يقدرون النظم الاجتماعية الإسلامية قدرها فلا تحدثهم أنفسهم بأن يستبدلوا بها مذهبا من هذه المذاهب الحديثة، ونعلم أن كثيرا من زعماء هذه الثورات يعيشون في بسطة من الرزق. إذن فالثورات على فرنسا وشمال إفريقيا كالثورة في سوريا ولبنان، إنما هي بنت أباء الضيم والذود عن الكرامة. كانت أخبار الثورة السورية تنشر في العالم يمينا ويسارا، ويطلع الناس على أسبابها وما كان يقع فيها من الحوادث ساعة فساعة، حتى استطاعت الشعوب العربية قريبة أو بعيدة أن تغضب لها وتتحفز لاقتحام أرض سوريا مناصرون لها على الاحتفاظ باستغلالها. واستطاعت الشعوب الأخرى كالهنود أن تعلن استنكارها للاعتداء الفرنسي وتحتج عليه بشدة، ولكن شمال إفريقيا تقوم فيه

الثورات ذودا عن الكرامة، وطموحا للحرية، وأول ما تعمله فرنسا أن تقيم بينه وبين العالم الذي من شأنه أن يغضب له سدودا منيعة ثم تملأ أيدي جنودها بالأسلحة الفتاكة والمقذوفات النارية الساحقة وتغريهم بأولئك المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فيصبوا عليهم البلاء من فوقهم وعن أيمانهم وشمائلهم في غير هوادة تقوم تلك المجازر البشرية ولا يتسرب من أخبارها إلى الشرق سوى كلمات تتلقاها بعض شركات الأنباء عن طرق تأثيرها بروح ذلك الاحتلال كما نقلوا أن في بلاد الجزائر ثورة تلفت فيها آلاف من النفوس ثم أخمدتها القوة الفرنسية ويزيدون على هذا أن سببها المجاعة الفادحة وأن القائمين بها أتوا إلى الحكومة الفرنسية خاضعين تائبين، إلى نحو هذا من الأساليب التي يتهمون بها إخوانهم في الشرق أنهم فقدوا نخوتهم العربية والإسلامية وأنهم غير مصممين على دفاع الاحتلال الفرنسي بل توهم إخوانهم في الشرق أنهم راضون بأن يكونوا رعايا لفرنسا وأن تكون أوطانهم قطعة من الأرض الفرنسية. والواقع أن تلك الشعوب وقد تقلبنا في مدنها وقراها لا زالت في مدنها وقراها لا زالت تفاخر بعربيتها وترى أن سعادتها في الاحتفاظ بإسلاميتها وقد عرف مؤتمر الجامعة العربية أن لأولئك العرب من الحقوق ما لسائر الشعوب العربية فأعلن في ميثاق إتحاد الجامعة أنها ستعني بشأنهم وتقدم المستطاع في مساعدتهم على بلوغ أمنيتهم، وذلك ما زاد قيمة الميثاق ورفعه جعل أولئك العرب المغلوبين في شمال إفريقيا على أمرهم يتقبلونه بالابتهاج وترديد عبارات الثناء والشكر، وما لنا أن نضع قضية شمال إفريقيا تحت أنظار جامعة الدول العربية وندعها تتصرف فيها على مقتضى الحكمة والشهامة ونود لو أن الجامعة الموقرة تفتتح جهادها بشيء من الأعمال الدالة على أنها معنية بأمر تلك البلاد العربية، وتعرض الآن عملا سيكون له في نفوس أولئك العرب وقع عظيم، وهو إرسال وفد من نبهاء الشرق، ليتجول في تلك البلاد (تونس - والجزائر - ومراكش) وينظر في حالتهم السياسية والثقافية

والاقتصادية، حتى تكون الجامعة على بينة من أمرها، وتسهل عليها المساعدة على إصلاحها، المساعدة العملية، علاوة على ما يكون لإرسال هذا الوفد من تأكيد الصلة بين عرب المشرق والمغرب. وجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، ترجو من جامعة الدول العربية، بعد هذا أن تعمل لهدم الحواجز التي أقامتها فرنسا لعزل المقيمين في الشرق، حتى يتيسر الإتحاد الذي ينهض بالأمة العربية، نهوضا تستعيد به سيادتها، وتأمن به من كيد خصومها، وذلك أسمى غاية تتجه إليها همم العظماء من الناس. السكرتير الفضيل الورتلاني رئيس الجبهة محمد الخضر حسين 6 - 5 - 1945 عن الجرائد المصرية

من همجية فرنسا الديمقراطية ...

من همجية فرنسا الديمقراطية ... النار والدمار في تونس العربية المسلمة نداء جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا إلى العالم أيها العرب الأمجاد، إليكم نسوق الحديث، أولا، وإلى من لا تزال فيهم بقية من الإنسانية ثانيا. لقد آلت فرنسا الحرة على نفسها فيما يبدو، أن ترث فرنسا العتيقة الباطشة، في كل جرائمها، فمن احتقار للشعوب الضعيفة، إلى فتك بالعزل والأبرياء، إلى مقاومة وحشية لكل صوت ينادي بالعدل والحرية، فصدى جرائمها في سوريا ولبنان في الآذان، ووحشيتها البربرية في ثورة الجزائر المجاهدة لا تزال متغلغلة في أعماق النفوس، واليوم تمتد يدها الأثيمة إلى تونس الخضراء، فتعلنها حربا انتقامية عمياء على الأهالي العزل، الذين لا يملكون من أدوات الدفاع عن أنفسهم، إلا ازدراء هذه الفئة الاستعمارية الممقوتة، فلقد ورد اليوم على أمانة الجامعة العربية، نبأ مفزع من باريس، يفيد قيام ثورة خطيرة في مديرية الساحل بتونس، وأن الفرنسيين يستعملون أحقر ما عرفه الناس من وسائل القمع والمقاومة، ويهمنا أن نسجل البرقية التي وردت على أمانة الجامعة وفيما يلي نصها: "باريس - نشرت جريدة "الأومانيتية" لسان حال الحزب الشيوعي في 28 يونيو: أن القرى التونسية زرامدين وبني حسان وغيرها من مديرية الساحل بالإيالة التونسية، أصبحت من أسبوعين ضحية حركة انتقامية جماعية فظيعة. فلقد ألقي القبض على خلق كثير من الأهالي، وأخذت منهم الرهائن، وعم القتل والنهب

وإحراق البيوت، وأن الجنود قد اعتدوا على النساء بهتك أعراضهن قهرا، واستعراضهن بالإجبار عاريات أمام الرجال، ولقد عطلت جميع الأعمال في الحقول تماما، وحرمت القرى من التموين أسبوعين". هذه هي البرقية التي وردت على الجامعة العربية بل هذه هي الحقائق التي نشرتها جريدة فرنسية مسؤولة، تمثل حزبا من أكبر الأحزاب وأخطرها في فرنسا، وهو اليوم مشترك في الحكم يتحمل نصيبا رسميا كبيرا من المسؤولية على هذه الحوادث المفزعة. والواقع الذي لا نشك فيه نحن الذين نعرف حرص الفرنسيين على كتمان الحقائق، أو تهوينها على الأقل، أن الحقيقة لا بد أن تكون أفظع مما جاء في جريدة "الأومانيتية" ونحن إزاء هذه الفصول من رواية فتك الإنسان بأخيه الإنسان، لا لسبب سوى أنه أقوى منه، نسجلها وصمة عار جديدة، في جبين فرنسا الطاغية غير يائسين بعد، من أن يتنبه العقلاء منها والأحرار، إلى ما يترتب على هذا الأسلوب البالي من ضياع لهيبتها، وتسويد لها في سمعتها، ثم نسجل هذا التبليغ إلى رجال العروبة المسؤولين، من رسميين وشعبيين، حتى نبرأ إلى الله والتاريخ من أداء الأمانة المقدمة، آملين بعد ما بلغ السيل الزبى، أن يغضبوا لإخوانهم غضبة مضربة، لا تقف عند حد الكلام، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. عن الجرائد المصرية التاريخ 30 يونيه 1946. سكرتير الجبهة الفضيل الورتلاني

مذكرة عن مؤتمر تونس

مذكرة عن مؤتمر تونس إعتداء فرنسا على الأرواح والأعراض في تونس أرسلت جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، إلى جميع دول الحلفاء، ودول الجامعة العربية البيان التالي: يذكر الناظرون، في سير القضية المغربية باهتمام، حادثة "زارمدين" في تونس وأمثالها من الحوادث، التي تطلق فيها السلطة الفرنسية لأعوانها من الجنود والدرك والشرطة، أن يعتدوا على أنفس الوطنيين وأموالهم وأعراضهم، في غير حرج ولا مبالاة، وقد كانت هذه الحوادث، كقطرات أخيرة امتلأت بها قلوب الوطنيين، سخطا على الاحتلال الفرنسي، وجعلتهم يستهينون بكل ما يلاقونه في سبيل العمل للاستقلال، من تنكيل وتعذيب، وقد جاءت البرقيات أخيرا، تنبئنا بقيام الأمة التونسية عن بكرة أبيها، معلنة استقلالها، وأن فرنسا قابلت هذه الحركة بكل ما تملك من قسوة، وقد تمهلت جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا، وصلتها أخبار مفصلة عن هذه الواقعة العظيمة، من طرق لا ترتاب في صحتها. وخلاصة الواقع أن أعيان التونسيين من رجال العلم والسياسة، عقدوا مؤتمرا لتقرير مصير البلاد برياسة الشيخ الوقور، السيد العروسي الحداد، وتمكنوا من عقد هذا الاجتماع، حيث أخفوا مكانه ولم تعلم به السلطات الفرنسية، إلا عند عقده، وخطب زعماء الحركة وأصدروا قراراتهم المتضمنة، أن عهد الحماية قد انقرض، وأن تونس قد عادت إلى وضعها قبل الحماية، وأصبحت، مستقلة استقلالا تاما. وبعد أن خطب

خطباؤهم، وأصدروا قراراتهم، هجمت عليهم الجنود الفرنسية والشرطة بأسلحتهم ومدافعهم ودباباتهم، وأحاطوا بالمكان، واقتحم القائد الفرنسي مكان الاجتماع من غير إنذار، وسلك في حديثه مع الزعماء والمجتمعين سبل الإرهاب، فلم ير منهم إلا إصرارا على ما قرروه، ولم يترددوا في أنهم يريدون الاستقلال التام. ثم انصرف الجمهور بحكمة، وتحاشوا أن يجعلوا للقوة الفرنسية المسلحة، وسيلة إلى قلب الحركة، ثورة دموية لم يحن وقتها بعد. وكان من فرنسا، أن ألقت القبض على نحو خمسين من زعماء هذه الحركة الاستقلالية، من بينهم زعماء الأحزاب مثل المحامي الصالح بن فرحات، والمحامي صالح بن يوسف، وأساتذة من جامع الزيتونة، من بينهم الأستاذ الفاضل ابن عاشور، وزجت بهم في السجون، وقد أيد هذه الحركة شيخ جامع الزيتونة، وشيخا الإسلام الحنفي والمالكي، وأعضاء المحكمتين الحنفية والمالكية، ووقع إضراب عام، بحيث بقيت المحال العامة من تجارية وصناعية، مغلقة لمدة ثلاثة أيام، وعم هذا الاتجاه سائر البلاد، ولهجت به كل الطبقات، فهي حركة استقلالية صادرة عن الأمة التونسية بأجمعها. وجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، تؤيد قرارات أولئك المؤتمرين، وتحتج على اعتقال أولئك الزعماء، وترجو من جامعة الدول العربية، والدول المتحدة التي أخذت على نفسها تحرير الشعوب المستضعفة، تأييد هذه القرارات والاعتراف بعدالتها، وحمل فرنسا على إطلاق سراح أولئك المعتقلين، حتى يتمكنوا من مواصلة العمل على استقلال بلادهم، وإشعارها بأن شعوب شمال إفريقيا، قد أصبحت تفضل الفناء على العيش تحت سيطرتها ... السكرتير الفضيل الورتلاني رئيس الجبهة محمد الخضر حسين الكتلة والمصري 24 شوال سنة 1365 و 21 ديسمبر 1946

إلى السفراء بمناسبة الذكرى السنوية لثورة الجزائر العربية

إلى السفراء بمناسبة الذكرى السنوية لثورة الجزائر العربية بعثت جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية بالمذكرة التالية، إلى كل من سفراء بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، والصين، ودول الجامعة العربية. حضرة المحترم ... ترجو جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية بمصر، رفع المذكرة الآتية لحكومتكم الموقرة ولكم الشكر الجزيل. لقد انتهت الحرب العالمية الثانية، منذ سنة. وكان كل إنسان يرجو من وراء نهايتها، أن يرى بصيصا من النور، وأن يلمس جانبا من السعادة، وأن يسترد قسطا من الكرامة البشرية، وكان من بين الذين أبلوا بلاء حسنا، في سبيل نصر الجانب الديمقراطي، أمة الجزائر العربية المسلمة، فلقد شهد ببطولة رجالها وبلائهم، في سبيل الحرية، كبار قواد الحلفاء وكبار ساستهم. من أجل ذلك، لم يكد يشرق عليهم يوم النصر 8 مايو سنة 1945، حتى استعدوا للاحتفال به، والاشتراك مع أهل الدنيا جميعا بإبداء السرور، هاتفين بالحرية منادين بالعدالة كما هو الشأن الطبيعي، ولكن الروح الاستعبادية الكامنة في خليط الفرنسيين والمتفرنسين بالجرائر، أنكرت ذلك، وعز عليهم أن يفلت من أيدهم عصر الاستعباد، فراحوا يجمعون ما تفرق من شملهم، وما تشتت من فلول جيوشهم، فوجهوها للأهالي العزل، ينكلون بهم حرقا وتقتيلا، فكانت الدماء، وكانت الثورة العامة، التي شملت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، فدامت شهرا، ومات فيها من الأهالي ما يناهز ستين ألفا، وسجن من أجلها سبعين ألفا، لا يزال مصيرهم مجهولا لدينا إلى الآن.

احتجاج الجبهة في ذكرى الظهير البربري

بهذه المناسبة المؤلمة، نتقدم إليكم، مجددين احتجاجنا الصارخ على هذا العدوان. مطالبين مرة أخرى في إلحاح، بتنفيذ العفو العام على جميع السياسيين، والسماح لهم كغيرهم من البشر بالتعبير عن آمال أمتهم الحقيقية، التي تختلف كل الاختلاف، عما يسعى إليه الفرنسيون من استعباد هذه الأمة العربية أو دمجهم في جنسيتهم الفرنسية. وتفضلوا بقبول عظيم الاحترام. سكرتير جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية الفضيل الورتلاني عن مجلة النذير 8 - 5 - 1946 احتجاج الجبهة في ذكرى الظهير البربري أرسلت جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، المذكرة التالية، إلى كل من حكومات بريطانيا العظمى، الولايات المتحدة، روسيا، إسبانيا، الصين، فرنسا، والأمين العام لجامعة الدول العربية. حضرة صاحب السعادة ... ترجو جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، من سعادتكم رفع المذكرة الآتية لحكومتكم الموقرة، مع الشكر الجزيل. إن يوم 16 مايو سنة 1930 كان يوما مشؤوما على الأمة المغربية، ففيه صدر الظهير البربري من الحكومة الفرنسية، الذي كانت تقصد به إخراج بضعة ملايين من أبناء هذه الأمجة من دينهم الإسلامي، بعدما عاشوا تحت لوائه ثلاثة عشر قرنا يدينون بعقيدته، ويتعبدون بشريعته، ويتعاملون بأحكامه، ويذودون بالنفس والنفيس عن حوزته، قامت فرنسا الديمقراطية، فرنسا اللائكية، تفرض على الناس بواسطة المراسيم، من ورائها النار والحديد، تفرض عليهم دينا لم يعقلوه، وشريعة لم يرضوها، لأجل تفريق كلمتهم،

جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية تحتج ضد المساومات الاستعمارية في تونس

وتشتيت شملهم، ثم استعبادهم بعد ذلك إلى الأبد. ولكن فرنسا أخطأت التقدير، وضلت على القصد، فقام الشعب المغربي عن بكرة أبيه، يحتج ويثور على هذا العمل الشنيع، وقام معه العالم الإسلامي، يردد صداه ويسجل على فرنسا أفظع خطيئة ترتكب باسم المدنية في القرن العشرين، ومع ذلك ففرنسا الاستعمارية، فرنسا العنصرية، ظلت تعاند في غير منطق، وتقاتل في غير ميدان من أجل تركيز هذا العار، وتثبيت هذه الوصمة. فبمناسبة ذكرى هذا اليوم المشؤوم ومرور ستة عشر عاما عليه، تتقدم جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية بمصر، لدولتكم بتجديد احتجاجا ضد هذا الصنيع، راجين منكم كعضو في هيئة الأمم المتحدة، أن تعملوا في تعاون مع الأعضاء الآخرين، لجعل حد لهذه البربرية التي لم تعد تصلح لهذا العصر بأي حال من الأحوال. 16 مايو سنة 1946 عن الجرائد المصرية السكرتير الفضيل الورتلاني جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية تحتج ضد المساومات الاستعمارية في تونس في الوقت الذي تتجه الدنيا بأسرها لتصفية عهود الاستعباد، نسمع أصواتا تنبعث من وراء الجدران المهدمة، لتعيدها على العالم جذعة، بمساومات استعمارية هزيلة. تردد هذا الصوت، بين روما، وباريس، في شأن تونس العربية، التي لها ملكها وحكومتها، والتي تم تحريرها بجيوش الحلفاء الظافرة، فلقد خفت الجبهة إلى الاحتجاج، ضد هذه الألاعيب، فبعثت بالمذكرة الآتية إلى أعضاء جامعة الدول العربية، إلى الحكومات المتحالفة.

المذكرة

المذكرة اطلعت المذكرة جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، على البيانات التي نقلتها أسلاك البرق إلى الصحف العربية، عن مفاوضات واتفاقات تدور بين بعض رجال إيطاليا وفرنسا، حول امتيازات استعمارية، تجري المساومة عليها بين الفريقين في بلاد عربية إسلامية، هي البلاد التونسية التي لها حكومة مستقلة، وكيان قومي، وآمال في الحياة الوطنية كأمثالها من أمم الأرض، وأن جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية في الحياة الوطنية كأمثالها من أمم الأرض، وأن جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية في مصر، تحتج على هذه المساومة، وتستنكرها، وترى فيها مظهرا من مظاهر الجشع الاستعماري الذي قضت عليه ويلات الحرب وعظاتها البالغة، وتعلن أن تونس كإخوانها من الأوطان العربية الشقيقة، حريصة على كرامتها القومية، واستقلالها العظيم. وتتطلع إلى عصر جديد ينسيها هذه الأساليب الممقوتة، التي نرجو أن تكون هذه الحرب آخر العهد بها. السكرتير الفضيل الورتلاني الرئيس محمد الخضر حسين حول مطالب جمعية العلماء الجزائريين فرنسا تحارب العلم والدين والإنسانية لا يمكن لمن يعيش في ربوع إفريقيا الشمالية، ويلمس الأهوال فيها عن كثب، أن يتصور الواقع كما هو، ولو قرأ أو سمع، لأن ما يفعله الفرنسيون المستعمرون ضد الأهالي العرب هناك، شيء فوق التصور، وشيء ينفر من تصديقه عقل القرن العشرين. هل يمكن أن تتصور يا ابن القرن العشرين، إن فرنسا اللائكية تصادر

مساجد المسلمين، وتحولهم إلى كنائس، وهل يمكن أن تتصور أن بعض هذه المساجد حولتها إلى إسطبلات للخيل والبغال والحمير؟ وهل يمكن أن تتصور بعد ذلك أن البقية الباقية من هذه المساجد يحرم قانونا على علماء المسلمين أن يتكلموا في الدين بها وإلا زجوا في السجون والمعتقلات؟ وهل يمكن أن يخطر لك ببال أن فرنسا اللائكية تصادر أوقاف المسلمين ثم تنفق أكثر ريعها على التبشير للمسيحية، بل للإلحادية ضد الإسلام؟ وهل تتصور أن اللغة العربية في عقر دارها، تجعلها فرنسا الديمقراطية لغة أجنبية قانونا في أمة عربية عريقة تعد بالملايين، ويجب أن تخضع لقوانين اللغات الأجنبية في جميع أحوالها؟ وهل تتصور بعد ذلك أن فرنسا المتمدنة تتساهل مع اللغات الأجنبية في بلادنا بالإيطالية والألمانية والروسية كل التساهل. فالمدارس تفتح لتدريسها يكل بساطة، والصحف بها تنشر بكل حرية، بينما يجد العربي في بلده من العنت في سبيل فتح مدرسة لتدريس لغته، ما لم يجده مونتجمري من العنت في سبيل صد روميل عن العلمين، والجرائد العربية إذا سمح بصدورها ابتداء، فإنها لا تعيش أكثر من أشهر، ثم تقع صريعة إداريا بجرة قلم من الحاكم الفرنسي، من غير أدنى محاكمة ولا تحقيق؟ ثم هل تتصور بعد ذلك كله أن القضاء في أكثر هذا البلد الإسلامي القح، بنوعه الأهلي والشرعي، لا يمارسه إلا الفرنسيون؟ وأنه لا يجوز لعربي أن يكون قاضيا زلا نائبا للقاضي، حتى في الشؤون الإسلامية البحتة أعني الأحوال الشخصية، ولو كان عنده علم الأولين والآخرين، وليس له من نقص سوى أنه عربي مسلم يعيش في بلد آبائه وأجداده غير طارئ على أحد. وأكبر الظن، أن الغائب عن هذه البلاد، لا يستطيع أن يصدق بسهولة كل هذا أو بعضه، لأن الكثير من أبناء الشعب الفرنسي نفسه، الخالي الذهن والمضلل من الاستعمارين، لا يكادون يصدقونه، ولكن "مع الأسف" كل هذا واقع، بل هو

بعض ما هو واقع، والمسلمون بل الإنسانيون عنه غافلون، أكتب هذه الكلمة بمناسبة ما بعث به مراسل جريدة المصري الخاص من الجزائر، عن مطالب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، صاحبة الفضل الأكبر في المحافظة على العروبة والإسلام بهذه الديار. فبقراءة نص هذه البرقية الخطيرة، يدرك القارئ جيدا، أن هذا الذي قصصته لا يختلف في حقيقته إثنان، با صار من المطالب التي تتقدم بها الهيئات العظيمة كجمعية العلماء، وهذا نص البرقية. الجزائر في 14 - 1 - 1946 لمراسل المصري الخاص. وعقد علماء المسلمين بالجرائر، مؤتمرا بحثوا فيه الحالة العامة، ثم قرروا المطالبة باعتبار اللغة العربية لغة رسمية في الجزائر العربية، وفصل الدين عن الحكومة الفرنسية، التي ما برحت تستخدمه لشهواتها، وإرجاع الأوقاف الإسلامية للمسلمين، لاستعمالها فيما وقفت من أجله، وإصلاح القضاء الإسلامي، وتمكين من يهمهم الأمر من المسلمين في تعيين القضاة والمفتين والعدول وغيرهم، وفتح المدارس التي أغلقت على إثر حوادث 8 مارس سنة 1943 وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين". هذا ما رواه مراسل المصري الغراء، عن مطالب مؤتمر جمعية العلماء، وهي كما يرى القارئ، لا يتصور العقل أن تكون ضمن الشؤون التي يطالب بها الناس، حتى في القرون المظلمة، ص حيث الزمن، أو في مجاهل إفريقيا، من حيث المكان، ولكن من يعرف خليط المتفرنسين المستعمرين، لا يستبعد منهم أفظع وأشنع منه. وأخيرا، نريد أن نقرأ هذا بكل إمعان، حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الإسلام، وشيخ الجامع الأزهر الشيخ مصطفي عبد الرازق، ونريد أن يقرأه مفتي الديار المصرية، وهيئة كبار العلماء، ونريد أن يقرأه الدكتور طه حسين الديمقراطي، والأستاذ توفيق الحكيم، والأستاذ أحمد الصاوي، والأستاذ محمد التابعي، وبقية

إنسانية فرنسا

تلاميذ السربون ثم المصريون جميعا، ونريد بعد ذلك أن يقرأه أمين الجمعية العربية، وأعضاؤها، ونريد في النهاية أن تقرأه الهيئات العربية والإسلامية والشعبية والصحافة الحرة، ويكفينا من الجميع بعد ذلك أن يعلموا هذه المساوئ الفظيعة، وأن يشعروا بآثارها الطبيعية ونكل أمر العمل فيها، لضمائرهم الحية، وإنسانيتهم العادلة. الفضيل الورتلاني إنسانية فرنسا روت الجرائد اليومية، بأن الفرنسيين، عمدوا إلى أخبث ما عرفته البشرية من أساليب الغدر، ضد عرب الجزائر، منها: تسميمهم للمأكولات المحفوظة، ثم تقديمها للأهالي حتى مات نتيجة لذلك مئات من الأطفال الأبرياء. في سبيل طرابلس الغرب من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى دول الأمم المتحدة والدول العربية باسم ثلاثين مليونا، من عرب المغرب المجاهدين، نتقدم لدولتكم بقلوب ملؤها الألم، محتجين أشد الاحتجاج على الروح الشريرة، التي ظهرت بباريس، في اجتماع وزراء خارجية الأمم المتحدة نحو طرابلس الغرب، التي اختارت لنفسها من أول يوم اندلع فيه لهيب الحرب العالمية المدمرة، مكانا للكفاح في صفوف الحلفاء، الذين أعلنوا وقتئذ أنهم إنما يحاربون الظلم، ويقاتلون الاستبداد، ويدافعون عن الديمقراطية والحرية والكرامة والإنسانية. أما الآن وقد ظهرت نية الأقوياء الديمقراطيين مع الأسف العميق، في صورة لا تكاد تختلف عن نيات هتلر وموسوليني وفرانكو الديكتاتوريين، إلا في تزويق الألفاظ، وتنميق العبارات، فإننا نعتقد أن هذا الأسلوب العتيق، الذي يستند إلى مجرد القوة والأطماع، والذي كان

من سكرتير جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا

دائما سببا في إثارة الفتن الدولية التي تنتهي دائما، بتخريب ما بنته يد الإنسان بمجهود قرون، والتي تنتهي بإفناء الملايين من زهرة شباب الدنيا في سبيل شهوات الانتفاعيين، إننا نعتقد أن هذه الروح السيئة إذا لم يكبح جماحها العقلاء فسوف تؤدي حتما إلى خاتمة الحروب التي تنتهي بفناء العالم - هذا ولما كان الكلام الآن على طرابلس الغرب فقط فإننا نرى من دعوة فرنسا لرجوع إيطاليا، التي طعنتها في أيام محنتها من الخلف - إلى هذه البلاد التي كان أبناؤها في صفوفها يقاتلون ضد المعتدين عليها. أن في ذلك صغارا لا يمكن أن ينزل ذو كرامة إلى أسفل منه، ونرى أن كل من يوافق من الدول المتحالفة على هذه النغمة، إنما هو بعيد عما يزعمه من سعي لإقامة سلام عالمي دائم، أما العرب فإنهم مصممون على مقاومة العدوان ومقاتلة الظلم من أي ناحية يجيء حتى يتم لطرابلس استقلالها التام ووحدتها الكاملة. الفضيل الورتلاني جريدة الكتلة والمصري تاريخ 5 - 6 - 1946 من سكرتير جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا إلى الأستاذ أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة وإلى الهيئات العربية الإسلامية. حضرة الأخ الكريم الأستاذ أحمد حسين، رئيس حزب مصر الفتاة، بعد تحية الأخوة والجهاد، قرأت لكم في عدد 47 من مجلة مصر الفتاة المجاهدة، خطابا موجها إلى رئيس جمعية الشبان والإخوان المسلمين تدعو فيه إلى التعاون معكم، في جمع المال لإنقاذ أراضي فلسطين، ونعم ما فعلت، لأن اليهود لا يكادون يعتمدون في محاربتهم للعرب، إلا على المال. فسلاح المقاومة لا يمكن أن يكون مجديا، إلا إذا كان من نوع سلاح العدو بالذات، وإلا إذا داويناه بالتي كانت هي الداء، وحتى إذا كانت الأموال التي ستجمع من الأهالي، لا تحل المشاكل كلها، فيكفي أن تكون مظهرا للتعاون العربي، ويكفي أن نعلمهم مبدأ البذل في سبيل

الأخوة والحرية والاستقلال، كما يفعل الصهيونيون في جميع أطراف الدنيا، من أجل انتزاع أراضينا، وبالتالي في سبيل إذلالنا، وإنما أحب أن تكون هذه العاطفة من جميع العاملين طبيعية، وأن تكون هذه الأريحية شاملة، ويجب أن يتسع هذا المبدأ كما هو الواجب والأصول، فيشمل جميع المجاهدين المنكوبين، من أبناء العروبة، لا سيما أولئك الذين تعمهم اليوم، موجة من البلاء الفرنسي المبيد، والتي لم يعرف التاريخ لها نظير، أولئك هم إخوانكم الأبطال في أقطار إفريقيا الشمالية. وأرى من واجبي المقدس، أن أغتنم هذه الفرصة، فأوجه نداء حارا باسم 30 مليونا إلى جميع المسؤولين، من رجال العروبة والإسلام، أفرادا وهيئات وحكومات، ليفكروا جدا فيما يجب أن يسعفوا به إخوانهم، المعذبين الصابرين الثابتين، في هذه الأقطار، وأن أذكركم بقرابة خمسين ألفا ممن استشهدوا على مذبح العروبة والحرية، في ثورة الجزائر الأخيرة، وأذكركم بصفة خاصة، بقرابة ثمانين ألفا من المسجونين التونسيين والجزائريين والمراكشيين، الذين يعيشون (بعد محو النازية والفاشستية) تحت طبقات الأرض، في عذاب أهون منه الموت، وإني أقترح أن تتألف حالا هيئة خاصة من ممثلي الهيئات، ومن الشخصيات البارزة للسعي الحثيث إلى: أولا - إطلاق سراح المعتقلين والمسجونين في هذه البلاد. ثانيا - استصدار العفو للمحكوم عليهم بالإعدام في القضية الوطنية ظلما وعدوانا. ثالثا - فتح اكتتاب عام يشترك فيه الغني والفقير والصغير والكبير. ثم ثقوا أن هذا العمل السهل الميسور، لن يكون قليل الأثر في نفوس إخوانكم المجاهدين هناك مهما كان مظهر النتيجة المادية تافها، وأرجو أن يوفق الجميع لخير الجميع. سكرتير جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية الفضيل الورتلاني

جواب "مصر الفتاة"

جواب "مصر الفتاة" لبيك يا أخا الجهاد يا أستاذ الورتلاني، فلقد عرفت حزب مصر الفتاة وكفى بك شهيدا، فلقد كتبنا على أنفسنا من أول يوم ظهرنا فيه للكفاح، أن يكون مجال جهادنا هي البلاد العربية كلها، ثم الإسلامية جميعا، ونحن بحمد الله من أكثر الناس تقديرا لبطولة عرب إفريقيا الشمالية، ومن أشد الناس إحساسا بآلامهم وآمالهم، ومن المؤمنين أعمق الإيمان، بأن الأمة العربية التي لا يكون في جسمها هذا الجناح الأيسر الجبار، الذي لم يخل عصر من عصوره من صفحات المجد والبطولة والجهاد، وبالنفس والنفيس، لهي أمة ناقصة مشلولة، ونحن من المؤمنين أخيرا، أن الشرق عامة ومصر خاصة، مقصرون أشد التقصير في حق أولئك الإخوان البررة، ولكن ظروفهم المحلية قبل اليوم، تقيم بعض العذر لهذا التقصير. أما اليوم، فإننا نرى نحن مصر الفتاة، أنه يجب أن لا يقف عون عرب الشرق لإخوانهم عرب المغرب، عند حد بعض الملاليم تجمع، بل يجب أن نهب حتى شيئا من دمائنا في سبيلهم إذا لزم الأمر، وهذه يدنا ممدودة إلى جميع الهيئات، وإلى جميع الشخصيات البارزة، وحتى غير البارزة، لنتعاون معهم في ذلك ولنكون معهم في الصف الأول عملا ونصيحة، وفي الصف الأخير ترتيبا وظهورا، وأريد أن أطمئن أخي الأستاذ الورتلاني على أن جهوده وجهود إخوانه المتواصلة بالليل والنهار، منذ عرفتك من نحو سبع سنوات، لم تذهب عبثا والحمد لله، بل خلقت قضية إفريقيا الشمالية خلقا جديدا، وجمعت جميع الناس على الإيمان بها، بل بخطورتها ولقد لمست أنت بنفسك هذا الشعور حتى عند أبرد الناس، وغدا سترى النتيجة الباهرة التي تشبع نهمك الوطني، وأن غدا لناظره قريب والسلام من: أخيك المخلص: أحمد حسين مصر الفتاة العدد 48

استغاثة لم تسمع من الجبهة إلى رفعة علي ماهر باشا

استغاثة لم تسمع من الجبهة إلى رفعة علي ماهر باشا حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا رئيس اللجنة العليا لمساعدة منكوبي سوريا ولبنان، بعد تقديم أطيب التحيات: إن جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، تقوم بنصيب كبير على الأخذ بيد الحرية المكبلة، في ذلك القسم من الوطن الأعظم، الذي يشارك مصر في لغتها وقوميتها وتراثها الثقافي وهدفها القومي، وقد أصيبت مدن الجزائر وقراها في الشهر الماضي، بمثل ما أصيبت به مدن الشام، من تهديم العمران بالمدافع على رؤوس قاطنيها. وتقتيل الألوف من الناس، وتمكين رجال الاستعمار الفرنسي من حشد دعاة الحرية في غيابات السجون، وقد عملوا على منع أخبار هذه الكوارث الهمجية، من أن تتسرب إلى الخارج، إلا ما أفلت بغير علم منهم، فظلت مصر غير عالمة بتفاصيل هذه النكبات المحزنة، التي إن اختلفت ظروفها السياسية عن ظروف أختها سوريا - فإنها سواء من الجائب الإنساني والإسلامي والقومي. إن جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، لعظيمة الأمل بمقامكم الرفيع أن تلفتوا أنظار رجال مصر، وهي محط أنظار العالم العربي، والعالم الإسلامي، إلى ما يوفقهم الله إليه من نجدة وعطف، على منكوبي ذلك القطر المجاهد العزيز. فهم في حاجة قصوى إلى أن يروا من مصر إتجاها يؤكد رعايتها لعهد إخائهم - فإذا هي أشعرتهم كما أشعرت سوريا بتأليف لجنة مساعدة وإغاثة، تكون بذلك قد أحسنت إلى أولئك المنكوبين ... بل أحسنت إلى العالم العربي .. وضمت إلى جامعة الدول العربية التي يرعاها ملك مصر وحكومتها .. أعضاء رئيسية تزداد ببطولتهم وضخامة عددهم قوة إلى قوتها،

تحية إفريقيا الشمالية إلى أمين الجامعة العربية

والغرض الذي نرمى إليه بهذه المذكرة، أن تكونوا يا صاحب الرفعة اليد اليمنى، وتقيموا الدليل عمليا على أن مصر العظيمة إنما هي الأخت الكبرى للجميع، ثم تشهدوا الناس قاطبة بأن مصر إنما لإغاثة المنكوبين، ولا رائد لها إلا رعاية عهدهم وتخفيف آلامهم .. وندع لرفعتكم ولحضرات أعضاء اللجنة النظر في طريق إسعاف أولئك المنكوبين، واستنهاض الهمم لإغاثتهم، وسيحفظ لرفعتكم التاريخ الصادق، هذه المكرمة كما حفظ لكم مكارم عظيمة من قبلها، وما عند الله خير وأبقى. عن الكتلة والمصري تاريخ 6 - 10 - 1945 السكرتير الفضيل الورتلاني الرئيس محمد الخضر حسين تحية إفريقيا الشمالية إلى أمين الجامعة العربية لكل إنسان في الحياة شخصيتان إحداهما حقيقية، وهى التي تتألف من ماضيه وتربيته وعقيدته ومبادئه وطبيعته، فهذه يصدر عنها في جميع تصرفاته من غير أدنى تكلف، وفي كثير من القوة، وأخرى اصطناعية تفرضها عليه الظروف كالممثل في المسرح، يبدي الحزن لغير داع، ويظهر السرور لغير باعث وهلم جرا، فالحزبي مثلا كثيرا ما يكون طبعه عف اللسان ولكن الحزبية قد توجب عليه أن يكون شتاما، وصاحب الوظيفة كثيرا ما يكون عزيزا، ومن الوظيفة قد تفرض عليه بعض الذلة، والمجاهد المخلص يكره أن يبدي في الحق تهاونا، ومن الظروف والملابسات قد تعرضه على الناس متهاونا وعبد الرحمن عزام باشا من جملة الناس فله شخصيته الحقيقية، شخصية الجهاد والكفاح والعروبة العامة، والإخلاص لهما، فهذه توحي إليه بأن يكون حربا على الاستعمار، في كل دقيقة من دقائق حياته ولصالح العرب والمسلمين جميعا، وفي غير أدنى مهاودة، ولا مهاونة ولا مجاملة، وله شخصية

متكلفة فرضتها عليه وظيفته الخطيرة التي تتناول الدول كلها في الشرق والغرب، فهو حينما يريد أن يقول أو يفعل يتصور أولا: هل الدول العربية كلها تكون راضية؟ وإذا كان بعضها، قد يعرض الجامعة لقلق، وسوء تفاهم؟ ويتصور ثانيا: هل النواحي التي ليس من مصلحة الجامعة أن تغضبها الآن، أفلا يحرجها هذا العمل؟ ثم يتصور ثالثا: هل الشعوب التي لا يهمها أمر الحكومة، إنما يهمها فقط، الوصول إلى حقوقها، وإلا كان القائمون عليها في نظرهم مقصرين، وربما أبشع من مقصرين، نحن نعترف أن هذه الملابسات، تجعل المسؤول في حيرة وارتباك، ولكن العظمة كل العظمة، أن يعمل المسؤول للحق، وللحق فقط، مع إيجاد حلول بقدر الإمكان لهذه العقد كلها، ونحن نعتقد أن عبد الرحمن عزام باشا، رجل عظيم، ورجل مخلص، ويجب أن يجد حلولا مهما شحت عند سواه، وفعلا قد استطاع أن يحل أعقد المشاكل الدولية. ويسرنا اليوم أن نراه يحل مشكلة الجامعة، وموقفها من إفريقيا الشمالية التي تعاني أسوأ العذاب، بل إنها تعاني عملية الإفناء، فلقد كان موقف الجامعة من هذه البلاد، إلى الأمس القريب، غامضا ومائعا، وكنا مع حسن ظننا بجميع رجال الجامعة - نأسف كل الأسف لتخيلهم عن ثلاثين مليونا من إخوانهم في أشد محنتهم، ومع أسفنا كنا نلتمس لهم الأعذار، واليوم يقف عزام المجاهد، على منبر لندن لا القاهرة، فيعلن موقف الجامعة، الحازم المشرف من هذه البلاد. فيدلي إلى الهيئة البرلمانية لحزب العمال في مجلس النواب بالتصريح الخطير التالي: "إننا سنعمل لحرية العرب واستقلالهم، أينما وجدوا، ولنا إخوان في شمال إفريقيا ينتمون إلى أعرق العناصر العربية يطلبون بإلحاح مساعدتنا لهم، للحصول على الحرية والاستقلال، وسينال هؤلاء دائما عطفنا، لأننا نطلب الحرية وليس لأنفسنا فقط بل للآخرين أيضا". مرحى يا أخا الجهاد، فوالله أنها لأفعل في النفوس بالمغرب المكافح من جيش جرار بجميع أسلحتهم. نعم إنه حتى الآن لكلام، ولكن الكلام عند البلاء كائن حي يربيه

مجاهدون يعودون من الآخرة

صاحبه، كما يربي المولود، حتى يبلغ رشده وأشده، ولذلك يأبى عزام المجاهد، أن يقوم من لندن، حتى يتعهد مولوده مرة أخرى، وذلك حين يرد على الدعوة التي وجهت إليه من باريس، بأبلغ رد وأخلده، فيقول في صراحة ووضوح وهو يدلي بتصريح للصحفيين عن حرية الشعوب العربية التي لا تتمتع بحريتها إلى الآن فيقول: "إننا نعتقد أن واجبنا يملي علينا أن نعمل لتحقيق حرية هذه الشعوب واستقلالها، وقد تولت الجامعة العربية كل جهد لتحرير ليبيا، كما أنها عازمة على تعديل الموقف الحالي، وهو موقف غير مرضي في شمال إفريقيا، وإني أرجو أن لا يكون اليوم الذي يتبوأ فيه 30 مليونا من العرب، أماكنهم مع أشقائهم في الجامعة ببعيد" فمرحى مرة أخرى، فلئن أغضبت باريس بهذه القنبلة الذرية، فلا يروعنك ذلك فوالله لقد أطربت 600 مليونا، وربما وجدت في نفس فرنسا من يكبر فيك، هذه الهمة والإخلاص، وأما من فقد فيهم الكرامة في نفسه، ولا يقدرها في الناس فلينفلق، وأننا من أعماق القلوب نحييك ونشكرك، وفي الختام باسم ثلاثين مليونا نرجو أن تذكر نيفا وخمسين ألفا من المسجونين، يعيش الزعماء والأعيان منهم تحت الأرض بـ 80 درجة حتى أشرف المسنون منهم على الهلاك، كما نذكر المحكوم عليهم بالإعدام، وندع لصحافتكم وإخلاصكم طرق العمل والرحمة. عن الكتلة والإخوان سكرتير جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية الفضيل الورتلاني تاريخ 4 - 3 - 1946. مجاهدون يعودون من الآخرة في إفريقيا الشمالية، زهاء ثلاثين مليونا من أبطال العروبة، يقاسون من أساليب الظلم، ما لا مثيل له في القرون المظلمة. فمن فرط رهبة فرنسا، من سطوتهم، عبأت كل ما تبقى لديها من قوة عسكرية ومدنيه لإرهابهم، ثم وضعتهم في

"باستيل" أحكمت غلقه، حتى لا يتسرب منه، أو إليه أي نفس من الحرية وبالأمس القريب، دعت باسم زعيم التحرير الجنرال ديغول إلى عودة إيطاليا، أي والله - إيطاليا التي طعنتهم يوم المحنة - من خلف - للرجوع إلى استعمار طرابلس الغرب، حبا في مجرد الاستعباد، وحسبة لوجه الاستعباد، وزعيمهم ديغول هذا، لم يرق إلى سماء القداسة في نفوس الشعب الفرنسي، إلا لأنه هجر بلده يوم نزلت به الكارثة، ليستنجد بالإنكليز، وبالأمريكان، وبالروس، في سبيل تحرير بلده، وكان صنيعه ذلك كله، في نظر الفرنسيين فضيلة وبطولة وجهادا، ما دام في مصلحة فرنسا، وشاء الله تعالى أن يخلق رجالا من العرب، على غرار الجنرال ديغول، يريدون تحرير أوطانهم، فهجروا هذه الأوطان على طريقة ديغول، ليستنجدوا بالدنيا جميعا، في سبيل تحرير أوطانهم، فمنهم من رمت به الأقدار إلى الشرق، ومنهم من رمت به إلى الغرب، كل ذلك سعيا لتحرير أوطانهم، على مذهب ديغول ورجال فرنسا الحرة، فمن هؤلاء جماعة من أبطال تونس المجاهدة، حاربتهم حكومة فيشي ربيبة الألمان، وبنت إيطاليا البكر، فحكمت على بعضهم بالإعدام، وعلى البعض الآخر بالأشغال الشاقة، ثم جاءت حكومة ديغول ربيبة الحرية، وبنت الديمقراطية البكر، فعززت هذه الأحكام، وزادت إليها حمل بعير، أما الأبطال، فلقد كتب الله لهم النجاة من هؤلاء وهؤلاء، ففروا هائمين في البلاد الأوروبية، تتقاذفهم أمواج القدر من مكان لآخر، وشبح الموت يلاحقهم في كل مرحلة، حتى استقر بهم النوى في إسبانيا، فسكنوا مدريد في جوار " فرانكو" المغضوب عليه من الديمقراطيين، فكأنهم كانوا بجوار الآخرة، ومن عناية الله أرحم من كل ذلك، فلقد مدت يدها في سرعة البرق، وانتزعتهم من بين مخالب الموت، فبين عشية وضحاها، وضعتهم في طائرة فخمة، حلقت بهم في طريقها إلى القاهرة، عاصمة العروبة والإسلام وهم:

زلزال لبنان وقوى الشر الفرنسية في الجزائر

الدكتور حبيب ثامر، والأستاذ الطيب سليم، والأستاذ رشيد إدريس، والأستاذ الهادي سعيد، والأستاذ حسين التريكي، وسيجدون كما وجدنا من قبل - من إخوانهم العرب في مصر والشرق عامة - العائلة النبيلة تضمهم إلى أبنائها في حب وحنان، أما الذين ظلموا فسيعلمون أي منقلب ينقلبون. جريدة الكتلة 3 - 3 - 1946. الفضيل الورتلاني زلزال لبنان وقوى الشر الفرنسية في الجزائر في كارثة الحريق في بيروت، مات زهاء خمسين شخصا وشوه أكثر من مائتين. وفي كارثة الفيضان في طرابلس، مات زهاء 150 شخصا، ودمرت مئات المنازل. وفي كارثة الزلزال المفجع مات 133 شخصا، وجرح خمسمائة، وهدم أكثر من ألفي بيت. هذه كوارث ثلاث، فجع بها لبنان العزيز خلال عامين اثنين، فضج الشعب اللبناني، واهتزت لها قلوب العرب أجمعين، وتحركت لها مشاعر الإنسانية. ولكن ما قولهم بقوى الشر والعدوان، التي تتحرك كل يوم تقريبا، وتسلط حمم نيرانها على الجزائريين الآمنين فتحصدهم حصدا. إبادة بالجملة لقد وضعت فرنسا رقما قياسيا في مجازرها بتونس، ومراكش، والجزائر فقنبلت بمدافعها وطائراتها عشرات الألوف من المجاهدين والمدنيين في بضعة شهور، فما تحرك أحد.

فرنسا الأثيمة

فرنسا الأثيمة هذا الأسبوع، صادرت فرنسا جميع وسائل النقل البري، والجوي، والبحري لإرسال 500 ألف جندي إلى الجزائر لشن حرب إبادة .. وكانت قبل ثلاثة أيام، قد زحفت بجيوشها الحديثة، وطائراتها النفاثة، فقتلت زهاء 130 مجاهدا في يوم واحد. حيال هذه الإبادة المنظمة بالحديد والنار، لعرب الجزائر الأحرار، إذ تزهق كل أسبوع أرواح المئات من المجاهدين المطالبين بحريتهم .. يحق لنا أن نتساءل عن موقف ملوك العرب وأمرائهم ورؤسائهم وشعوبهم، من السفاكة فرنسا؟. ماذا فعل العرب الكبار إن فرنسا كلها، لا تعد أكثر من 35 مليونا .. فهل يرضى العرب وهم أكثر من 80 مليونا، لديهم إمكانات عظيمة، أن تستبد بهم قوى شريرة أثيمة، فتنتهك حرماتهم وتعمل فيهم تقتيلا وتعذيبا؟. لو كان في دنيا العرب شهامة ونجدة، لما سكت المسؤولون العرب عن هذه الجريمة البربرية .. في لبنان اليوم مناحة لزلزال .. ولكن في الجزائر كل يوم مناحات .. فماذا فعلتم أيها المسؤولون العرب الكبار .. وأنت أيتها الشعوب المسوقة؟ .. أين الديبلوماسية والحمية العربية هل هددتم على الأقل فرنسا .. ؟ هل تحركتم للقيام بحملة ديبلوماسية واسعة ضدها في عواصم الدنيا؟ ..

كلمة عن مملكة تونس العربية

أم ترى بصدق فيكم اليوم، ما كان يصدق بأجدادكم يوم شن الإسبان، حملة الإبادة ضد عرب الأندلس .. فصاح أبو البقاء صالح الرندي، بلسان الأجيال مناشدا العرب، أن ينجدوا إخوانهم فقال: يا راتعين وراء البحر في دعة ... لهم بأوطانهم عز وسلطان! هل عندكم نبأ عن أهل الأندلس ... فقد سرى بحديث القوم ركبان ألا نفوس أبيات لها همم! ... أما على الحق أنصار وأعوان؟ بيروت المساء تاريخ 21 مارس 1956 كلمة عن مملكة تونس العربية المملكة التونسية واقعة بشمال القارة الإفريقية، يحدها شمالا وشرقا، البحر الأبيض المتوسط، وغربا قسنطينة من بلاد الجزائر، وجنوبا الصحراء الكبرى وطرابلس، ومساحتها مائة وثلاثون ألف كيلومتر مربع تقريبا، وسكانها نحو ثلاثة ملايين نسمة، وهم بحسب أصولهم، يرجعون إلى أجناس مختلفة، إلا أن السائد فيهم، العنصر العربي، ومن كانوا من غير العنصر العربي كالبربر والترك، فقد أصبحوا عربا لغة وعادات، فهم ما بين عرب خلص ومستعربين. فمن الحق أن تونس بلاد عربية، شعبا وحكومة، وهى جديرة بأن تعد في مقدمة الشعوب والدول العربية ... وقد بلغت تونس في العهود السالفة، من الحضارة والمدنية، وقوة السلطان، غاية عزيزة المنازل، كانت فيها مطلع العلماء ورجال السياسة العظام، ومحط رجال الأدباء، والشعراء، والكتاب.

شذرة من تاريخها

شذرة من تاريخها كانت القيروان منذ الفتح العربي، عاصمة إفريقيا، ومنها خرج الجيش الذي فتح صقلية، ثم صارت مدينة تونس نفسها، عاصمة إفريقيا في القرن السادس الهجري، وما زال الشعب التونسي، يتمتع بحرية كاملة، ولواء الاستقلال، يخفق على أرجاء تلك البلاد، إلى أن امتدت إليها يد الإسبان، سنة 942 هـ. وتخلصت منهم على يد الدولة العثمانية، سنة 981 هـ. وصارت من ذلك الحين، ولاية عثمانية، إلا أنها تتمتع بجانب عظيم من استقلالها الداخلي، تولى أمرها المشير أحمد باشا باي (عاشر أمراء الدولة الحسينية) سنة 1253 هـ. فنهض بهذه المملكة، من الوجهة السياسية، والعسكرية، والعلمية .. وكان من أول إصلاحاته أن جعل الحكومة التونسية، حكومة عربية إسلامية يربطها بالدولة العثمانية، الاعتراف بسيادتها، وحور المراسلة بينه وبينها، من اللغة التركية إلى اللغة العربية، ونظم العساكر على أسلوب جديد، وأنشأ مدرسة حربية، ووجه عنايته إلى إعداد أسطول، وابتنى دار صناعة لإنشاء السفن، ومعملا لصنع الأسلحة ومستودعات للذخائر الحربية. ثم تولى بعده أخوه محمد باشا باي فجرى على سيرته ووضع لسياسة الحكومة دستورا سمي لذلك العهد "عهد الأمان". وقرئ هذا الدستور، في حفل عظيم، حضره أعيان الأمة وعلماؤها وسفراء الدول الأجنبية في 20 محرم سنة 1374 هـ. وأقسم الباي، على أن يعمل به، ويجري في سياسة الحكومة، على مقتضاه. وانتهى الأمر من بعده، لأخيه محمد الصادق باي، وشد أزره الوزير المصلح، خير الدين باشا، فألف مجلسا أعلى، يتألف من ستين عضوا، من الوطنيين، للنظر في مصالح

كيف وقع الاحتلال الفرنسي؟ ..

الوطن، وقام إصلاحات زراعية وصحية، وسعى لتقدم الصناعات الأهلية، وتوسيع دائرة التجارة الوطنية، كما نظم مناهج التعليم بجامع الزيتونة، قرين الجامع الأزهر، وأنشأ بجانبه المكتبة الصادقية، والمدرسة الصادقية، لدراسة العلوم العصرية، واللغات الأجنبية، وأطلق على الحكومة اسم الدولة، وأعطى لنفسه لقب الملك ... يرى الناظر من هذه الشذرات، أن تونس أخذت منذ عهد المشير، أحمد باشا باي، تسير سير الأمم المتيقظة، وأنها قطعت في إصلاح شؤونها السياسية، والعسكرية، والعمرانية، شوطا يشهد بأنها تستطيع القيام بواجبات استقلالها بنفسها، وأنها ليست في حاجة إلى ما يسمونه حماية. كيف وقع الاحتلال الفرنسي؟ .. بعد أن تم لفرنسا، احتلال بلاد الجزائر واغتصاب استقلالها، اتجه نظرها إلى احتلال تونس، فادعت أن بعض العربان التونسيين، الذين يقيمون بالقرب من حدود الجزائر، يعتدون على بعض جيرانهم من الجزائريين، واتخذت هذه الدعوة وسيلة لاحتلال المملكة بأسرها، وجلبت على تونس بخيلها ورجالها، من ناحية الجزائر، وبنزرت إلى أن وصل جندها إلى العاصمة، وأحاط بقصر الملك، وفي هذه الحال، قدمت إليه معاهدة ليضع إمضاءه عليها. فتوقف الباي، وطلب من نائبي فرنسا - قنصلها وقائد عسكرها - أن يمهلاه مدة ليتأمل فيما تضمنته المعاهدة، من الشروط فأتاحا له ذلك، فجمع رجال مجلس الشورى، وكان ممن عارض في إمضاء المعاهدة، السيد العربي زروق، ورئيس البلدية قائلا: إن ما تخشاه من عدم الإمضاء، سيقع لا محالة، فالتمسك بعدم الإمضاء، أشرف وأسلم. ولكن الباي، رأى نفسه مضطرا إلى توقيع المعاهدة، فوقعها وهي في عشرة بنود تذهب باستقلال البلاد وحريتها، وتقضي باحتلالها ..

قابل الوطنيون هذا الاحتلال، بحزن وجزع بالغين، وقامت بعض المدن والقبائل، في وجه جيش الاحتلال، واستمر دفاعهم حينا، ولكنهم لم يجدوا من يمد يده ليساعدهم على إطالة مدة الحرب، فاستطاع جيش الاحتلال بأن يلجئهم بكثرة عدده، وإطلاق مدافعه، إلى التسليم .. ثم رأت فرنسا، أن المعاهدة السابقة، لا تسمح لها بأن تبسط نفوذها، في كل شأن من الشؤون الداخلية. فعززتها بمعاهدة ثانية، قدمتها للباي، للتوقيع. فتم لها ما أرادت، من فرض حمايتها، على المملكة التونسية. وكان من نتيجة ذلك، أن فرنسا قلدت معظم الوظائف في الدولة من مناصب الوزارة، إلى الوظائف الصغرى للفرنسيين، حتى أن كل الوزارات، تقلدها فرنسيون ما عدا وزارة الداخلية، التى جردتها من النفوذ، على أنها لم تتوف المرتبات، بين الوطنيين والفرنسيين كما كانت ميزانيه تونس، توضع في فرنسا، وترسل إلى تونس للتنفيذ، واحتكرت فرنسا أراضي الدولة، وصارت تبيعها للفرنسيين، وتقسط أثمانها على عشر سنين، وانتهى الأمر، بأن أصبح معظم أملاك الحكومة، وأراضي الأوقاف الإسلامية، ملكا للفرنسيين ... أما شؤون القضاء، والتعليم الديني، والمدني، واللغة العربية وحرية الصحافة، وما إلى ذلك، فإن السياسة الاستعمارية، حيالها مما يطول الكلام فيه، فليس الوطنيون - في نظر الحكومة المحتلة - بأهل لأن يمنحوا الحرية، التي يتمتع بها الفرنسيون في تونس، ولكنها فتحت باب التجنيس، بالجنسية الفرنسية ترغيبا للوطنيين في الخروج على قوميتهم العربية، إلى الجنسية الفرنسية، ولكن الوطنيين المسلمين، أدركوا أن هذا التجنيس يسلخهم من دينهم، فأحجموا عنه، وسخطوا على من استهوتهم منافعه، وصارت الأمة تنظر إليهم، بإنكار وازدراء، وأصرت على أن لا يدفنوا في مقابرهم، حتى اضطرت الحكومة ورسمت لهم مقبرة خاصة بهم ...

جهاد التونسيين في سبيل الاستقلال!!

جهاد التونسيين في سبيل الاستقلال!! لم يغمض التونسيون أعينهم، عن سالف مجدهم، ولم يستسلموا لما يلاقونه، من عسف، بل كانوا يقابلون ذلك بالغصب والإنكار، ولهم في جهادهم مواقف حفظها التاريخ، وكم قاموا بمظاهرات، تعرضوا فيها للحديد والنار، وابتلوا بالاعتقال والسجن والإبعاد، وكانوا يحتملون ذلك الأذى، ويتلقونه فيما مضى بالتجلد، والتصميم على الجهاد والكفاح، في سبيل استقلالهم، والآن فإن البلاد التونسية، قد أصبحت من البلاد المحررة من نير الاستعمار، والاستبداد الفرنسي، بانسحاب جيوش حكومة فيشي الفرنسية، ومع ذلك فلا تزال تقاسي حرمانها من الحقوق الضرورية، لحياتها السياسية، ما يتنافى ومبادئ الحريات الذي حاربت من أجله الأمم المتحدة ... وإن تونس العربية شعبا وحكومة، لا فرق بينها وبين العراق، وسورية، وغيرها من البلاد العربية، في جنسيتها وثقافتها التي تؤهلها لأن تقف في صفوفهم، وتكون لبنة في بناء اتحادهم، وهي ترغب، مباشرة شؤونها بنفسها، وأن تحظى بانضمامها إلى جامعة الدول العربية، ولا يضيع حق وراءه مطالب، وإن أقيمت دونه العقبات، وألقيت في سبيله العثرات. عن مجلة الإخوان المسلمون 26 يوليه 1945

مأساة الجزائر

مأساة الجزائر أتنسون الجزائر وهي دوح؟ - 1 - دموعك ليتها تجدي فتيلا ... لقد هطلت فما نقضت غليلا وشعرك كيف هب شواظ نار ... وعهدي أن يسبل ندى بليلا سمعت صراخه ففزعت رعبا ... وقبلا كنت أسمعه هديلا وقالوا إنه فن جميل ... فكيف يذيقك الشر الوبيلا فقلت بلى فقد أصمى فؤادي ... وحمل كاهلي عبئا ثقيلا إذا كان القريض كما وصفتم ... فإني أمقت الفن الجميلا - 2 - فرنسا أي كارثة ألمت ... بشعبك فاغتدي خجلا ذليلا شمت به وقد أمسى صريعا ... يقلب في الورى صرفا كليلا تغشاه الظلام ضحى الصباح ... فأرخى في جوانبه السدولا فلا تبغي فلاحا بعد هذا ... فقد أمسى فلاحك مستحيلا ألفت الذل من أمد بعيد ... فمهما حدت عنه لن يزولا فتلك قصورك الشماء أضحت ... وقد طمست معالمها طلولا فهل أرسلت من يحمي حماها؟ ... أجل! أرسلت كالثكلى عويلا

وجئت الآن في قبح دميم ... تعدين الكتائب والنصولا لمن هذا؟ إلى شعب نبيل ... هداه الله للحسنى سبيلا فيا لفضيحة فتشت جهدي ... فلم أر في الحياة لها مثيلا كذئب راح يجحل نحو كبش ... يحاول أن يطيح به قتيلا وخلى دونه في الغيل ليثا ... رماه فهل مضى يرتاد غيلا - 3 - ألا لطفا بالجزائر أن فيها ... كوارث تجلب الهم الطويلا ورقرق إن مررت بساكنيها ... مدامع فد أبت إلا همولا وقل لي هل شهدت بها رقابا ... شوامخ تعشق السيف الصقيلا كرام يبذلون الروح طوعا ... فلست ترى بهم رجلا بخيلا وحدت كم رأيت بها شهيدا ... نوى عن هذه الدنيا رحيلا وكم من ضائق بالسجن ذرعا ... يصل القيد في يده صليلا رأيت بها الدخيل يميس زهوا ... ويسحب في تبختره الذيولا ويرفع صوته كالرعد يعلو ... فهل صار الدخيل بها أصيلا!؟ وشاهدت الأصيل يدب هونا ... ويخفض رأسه العالي خجولا ويهمس إن أراد القول همسا ... فهل صار الأصيل بها دخيلا!؟ غرائب قد أجلت الطرف فيها ... فكدت أغيب عن نفسي ذهولا - 4 - رجال الشرق ما هذا رويدا ... لقد أغفلتموا أمرا جليلا أتنسون الجزائر وهي دوح ... يرف عليكمو ظلا ظليلا

أهمية القطر الجزائري

رقدتم عن مطالبها فهلا ... تزيحون الرقاد ولو قليلا فأبناء الجزائر أهل عزم ... أكيد يوجب المدح الجزيلا أقام القوم بينكمو سدردا ... ألا تدعونها رملا مهيلا! هي الفصحى تضمكموا جميعا ... فهل ترضون بالفصحى بديلا؟ هو الإسلام يجمعكم قلوبا ... على التقوى ويهديكم عقولا هو الدم واحدا، يسري فتوحي ... لنا - رغم النوى - معنى نبيلا إخاء قد سقاه الحب كأسا ... مشعشعة تدور بنا شمولا فإن دمتم على هذا دليلا ... فبين قلوبنا نجد الدليلا وإن نك قد تفرقنا ديارا ... فإنا فد توحدنا ميولا فذودوا عن مطالبها فإني ... رأيت الله بالحسنى كفيلا عن مجلة الإخوان المسلمون الخميس 17 شعبان 1364 أهمية القطر الجزائري تنحصر بلاد الجزائر بين البحر المتوسط شمالا، والصحراء الكبرى جنوبا، حيث تقع بلاد الهقار، موطن عشائر الطوارق الأحرار، وتحدها شرقا أراضي تونس الخضراء وصحراء ليبيا، كما تمتد حدودها الغربية إلى مراكش وإفريقيا الاستوائية، وتبلغ مساحتها نحو مليونين وربع مليون كيلومتر، وهذه هي حدود الجزائر منذ القرن الثالث قبل الميلاد، فهي حدود عريقة في القدم إلى حد لا نظير له. وهي - على هذا الاعتبار - تعد من أوسع أقطار الشرق الأدنى، ذلك أن مساحتها تبلغ أربعة أمثال مساحة فرنسا وأكبر من ثلثي مساحة الجمهورية المصرية وأزيد من أربعة أمثال مساحة سوريا والعراق مجتمعين، وتعدل مساحة سويسرا ستين مرة ...

ويكون القطر الجزائري مع تونس ومراكش وحدة جغرافية وعنصرية ودقنية وتاريخية، فطبيعة أرضهم واحدة، وقد انحدروا جميعا من أصل واحد، إما يمني أو مصري أو خليط منهما، نزحوا إلى هذه الأقطار، فارتبطت منذ القديم مصالحهم، وقربن بينهم وحدة الأمال والآلام. وكان أهل الجزائر وأبناء عمومتهم التونسيون والمراكشيون يدينون في الأصل بالوثنية، إلى أن ظهرت المسيحية، ثم انبثق نور الإسلام، فعمر القلوب واستقر فيها استقرارا راسخا، فإذا هو عقيدة ودين وقومية ... على أن للجزائر طابعها الخاص، فعلى الرغم من تعاقب الغزو الأجنبي عليها قبل الإسلام، لم تتغير طبيعة أهلها، حتى أن الاحتلال الروماني - وقد دام ستة قرون - لم يؤثر في شخصيتها ونفسيتها إلا كما تؤثر الريح في صفحة الماء، فلم يبق من أثار روما وسلطانها الواسع في المغرب بصفة عامة، والجزائر بصفة خاصة، إلا تلك الصخور المنحوتة التي تصور لمن يراها مدى المحنة التي احتمل القرويون من أهل البلاد عبثها صابرين مستمسكين بتراثهم وتقاليدهم، فما هي إلا دلائل على صلابة الفلاح الجزائري الذي يقف في وجه الأعاصير الهوج ثابتا محتفظا بشخصيته معتزا بقوميته، متربصا بأعداء بلاده حتى تحين الساعة الموعودة فيجتث جذورهم ويقذف بهم وراء الحدود ... والقطر الجزائري من حيث عدد السكان - بملايينه الأحد عشر من العرب والدخلاء عليهم - ثالث الأقطار العربية شرقا وغربا. والجزائر بلاد زراعية، تنتج كميات وفيرة من الحبوب، إذ تبلغ مساحة المزروع منها سبعة ملايين من الهكتارات، علاوة على مليون هكتار من الكروم، هذا إلى مزارع الزيتون والبقول والنخيل وأنواع الفواكه والغابات وجملة القول أن مجموع الأراضي المنزوعة يبلغ حسب الإحصائيات الأخيرة نحو 20 مليون هكتار، أي نحو 50 مليونا من الأفدنة. وتصدر الجزائر سنويا أكثر من مليوني قنطار من الحلفاء كما تصدر مليون رأس من الأغنام، وتنتج ربع ما ينتجه العالم بأجمعه من الفلين، أما الثروة المعدنية فتشمل

مراكش .. والاستقلال

الفحم والحديد والرصاص والزنك والنحاس والمنجنيز والفوسفات والكبريت والبترول، وغير ذلك مما تزخر به تربة الجزائر، وتسابق الشركات الأجنبية لاستغلاله. فهي إذن من حيث الموارد الطبيعية والثروة الزراعية والمعدنية والحيوانية، جنة من جنات الأرض، ولكنها جنة لا يتمتع أصحابها الشرعيون بخيراتها، وتعتبر بلاد الجزائر بمنطقة سياحية من الطراز الأول، لا تكاد تجد فرقا بينها وبين سويسرا، بل أن مناطق الغابات والجبال فيها تفوق أمثالها في سويسرا روعة وجمالا. وبهذه الطبيعة الغنية الخصبة، السهلة الوعرة، الشديدة اللينة، تأثرت نفسية الشعب الجزائري على نحو ما يتأثر كل كائن حي بعوامل البيئة الطبيعية التي تحيط به. فإذا أضفنا إلى ذلك تلك الأحداث التي تعاقبت منذ فجر التاريخ على القطر الجزائري، أمكننا أن ندرك ماهية النفسية الجزائرية على حقيقتها، وعرفنا سر تلك المقاومة التي يبديها الجزائريون في وجه الغزاة المعتدين ذودا عن الوطن، وحفظا لأمجادهم وتمسكا بتراث أجدادهم. والاستعمار، على وجه العموم، هو أشد قارعة تصاب بها الأمم، وهو على فظاعته وبربريته أنواع ودرجات، على أن أخبث أنواعه وأشدها فظاعة وأكثرها خطرا على قوميات الشعوب ومصائرها هو الاستعمار الفرنسي. مراكش .. والاستقلال في 11 يناير سنة 1944، قدمت جميع الهيئات السياسية في مراكش إلى جلالة ملكها، وإلى سلطات الحماية، وإلى ممثلي إنكلترا وأمريكا وروسيا، عريضة تطالب فيها، باسترجاع استقلال الدولة المراكشية المسلوبة. ومن وراء هذا التاريخ، سنوات طويلة ترجع إلى سنة 1912 يوم أرغمت فرنسا وجيوشها المحتلة، جلالة السلطان الأسبق على توقيع معاهدة، لم تنفذ على

وثيقة الاستقلال

جورها، سنوات طويلة، عانى أثناءها الشعب المراكشي، أقسى ما عاناه، شعب حرم استقلاله، فشرد أبناؤه وسلبت أراضيه، وخضعت البلاد كلها، لنظام لم تراع فيه إلا مصلحة المستعمر الغاصب. ففي عهد الجمهورية الفرنسية، وعهد حكومة فيشي، وعهد لجنة التحرير، وعهد الحكومة المؤقتة الحالية، لم تعرف مراكش إلا حياة الاستعباد والإرهاق. وبما أن هذا الشعب لم يعرف غير الحرية، منذ فجر التاريخ فقد قدمت "الهيئات المراكشية" ومن ورائها خمسة عشر مليونا من المراكشيين العريضة التالية مطالبين بالاستقلال. وثيقة الاستقلال إن الهيئات الوطنية المراكشية تعلن أنه: أولا: حيث أن الدولة المراكشية، ظلت تتمتع بحريتها وسيادتها، محافظة على استقلالها، طيلة ثلاثة عشر قرنا، إلى أن فرض عليها نظام الحماية، في ظروف خاصة .. ثانيا: وحيث أن الغاية من هذا النظام، والغرض من وجوده، إنما كان إدخال الإصلاحات الداخلية، التي تحتاج مراكش في شؤون الإدارة والقضاء والثقافة والاقتصاد، والوسائل المالية والعسكرية، دون أن يمس من ذلك سيادة الشعب المراكشي، وسلطات جلالة الملك. ثالثا: وحيث أن سلطات الحماية الفرنسية، استبدلت بهذا النظام نظاما، جديدا من الحكم الفرنسي المباشر، والاستبداد لفائدة الجالية الفرنسية. ومنها عدد ضخم من الموظفين، لا تحتاج مراكش إلا إلى عدد يسير منهم - ومع هذا لم تحاول هذه السلطات، التوفيق بين مصالح طبقات الشعب المراكشي. رابعا: وحيث أن الجالية الفرنسية، استحوذت بسبب هذا النظام، على مقاليد الحكم، واحتكرت خيرات البلاد، دون أهلها وأصحابها ..

خامسا: وحيث أن السلطات الفرنسية، تحاول في هذا النظام بشتى الوسائل، هدم الوحدة المراكشية، ومنع المراكشيين من الاشتراك الفعلي في إدارة شؤون بلادهم، وحرمانهم من كل حرية خاصة أو عامة .. سادسا: وحيث أن الظروف التي يجتازها العالم اليوم، تختلف عن الظروف التي فرضت فيها الحماية الفرنسية، على مراكش .. سابعا: وحيث أن مراكش اشتركت اشتراكا فعليا في الحرب العالمية الماضية، وفي الحرب القائمة إلى جانب الحلفاء، وقامت جيوشها بتضحيات، ومجهودات، أثارت إعجاب الجميع في ميادين فرنسا، وتونس، وصقلية، وإيطاليا، وكورسيكا، ولا تزال تحارب إلى الآن، في ميادين أخرى للمساعدة في تحرير فرنسا، وكسب فضية الديمقراطية ... ثامنا: وحيث أن الحلفاء الذين يريقون دماءهم في سبيل الحرية، قد اعترفوا في ميثاق الأطلنطيكي، بحق الشعوب في حكم نفسها بنفسها وأعلنوا أخيرا في مؤتمر طهران، عزمهم على أنها لا تحكم الدول القوية في الدول الضعيفة ... تاسعا: وحيث أن الحلفاء في كثير من المناسبات، أعلنوا عطفهم على الشعوب العربية، ومنحوا بعضها الاستقلال والحرية ... عاشرا: وحيث أن الأمة المراكشية، التي تكون وحدة متناسقة الأجزاء، تشعر لما لها من حقوق، وما عليها من واجبات داخل البلاد وخارجها وتقدر الحريات الديمقراطية حق قدرها، تلك الحريات التي لا تتنافى في جوهرها، مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، والتي كانت الأساس في وضع نظم الحكم في البلاد العربية الشقيقة. لكل هذا أجمع المراكشيون رأيهم، على المطالب الآتية: أولا: المطالبة باستقلال مراكش، ووحدة أراضيها تحت ظل صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم محمد الخامس نصره الله، وإجلاء الجيوش الأجنبية عنها ...

توقيعات ممثلي الشعب

ثانيا: الالتماس من جلالته السعي، لدى الدول التي يهمها الأمر، للاعتراف بهذا الاستقلال وضمانه، ولوضع اتفاقيات تحدد ضمن المادة المراكشية، ما للأجانب من مصالح مشروعة. ثالثا: المطالبة بانضمام مراكش إلى الدول الموقعة على ميثاق الأطلنطي، والاشتراك في مؤتمر الصلح. رابعا: الالتماس من جلالة الملك، أن يشمل برعايته حركة الإصلاح الداخلي، الذي تتوقف عليه بلاده، وإحداث نظام سياسي شوري، شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية الإسلامية الشقيقة ... حررت بمدينة الرباط في 14 محرم سنة 1463 - 11 يناير سنة 1944. توقيعات ممثلي الشعب هذه هي الوثيقة التاريخية، التي أعلن فيها الشعب المراكشي رغبته في انتهاء عهد الحماية، وبداية عهد الاستقلال، وإذا كان الفرنسيون في مراكش لا يعرفون معنى لكون الشعب، هو مصدر السلطات، فسيعرفون غدا أن إرادة الشعب، فوق إرادة الطغيان، وأن هذه الوثيقة التي هي شرعية اليوم، ستصبح نافذة غدا لأن وراءها إرادة الشعب وإرادة ملك البلاد ... إن علاقة مراكش مع فرنسا، مبنية على أساس جائر خاطئ منذ اليوم الأول، صحيح أن معاهدة الحماية، تحمل توقيع السلطان عبد الحفيظ وممثل فرنسا، ولكن يجب أن نعرف أن السلطان، اضطر إلى توقيعها بعد أن احتلت الجيوش الفرنسية البلاد، وأصبح في استطاعتها أن تملي بنود المعاهدة إملاء، ولم يكن في استطاعة السلطان المحاصر غير القبول، وهذا الإكراه يفقد المعاهدة، صفتها القانونية، وهي: بقطع النظر عن الظروف الشاذة، التي أملتها، لا يمكن أن

تكون أساسا صالحا، تقوم عليه العلاقة بين دولتين، وهي تعبر عن قصر في النظر ونجده دائما في السياسة حينما يمليها الجيش وينفذها العسكريون. فليس من الغريب أن يكون، عمل فرنسا في مراكش منذ أن أكرهتها حرابها على إمضاء هذه المعاهدة، في 31 مارس سنة 1912، سلسلة من الأخطاء، تفضي حلقة منها إلى حلقة حتى تصل إلى السنة الحالية. فالنظام الذي تخضع له مراكش، نظام لا يمكن أن ينتج إلا الصدام بينها وبين الفرنسيين، فقد ألغوا هيئة إدارية فرنسية، إلى جانب الحكومة الوطنية الشرعية، وأعطوا لهذه الهيئة الحق في أن تتصرف كيف تشاء - ووضعوا زمام الجيش في يدها. وهكذا فقدت الحكومة الوطنية القدرة على التصرف، إزاء هذه الهيئة التي يسندها الجيش. وحيثما أنست الهيئة من نفسها قدرة التحكم بدأت تظهر نتائجها المروعة، فإذا بالبلاد من أقصاها إلى أقصاها، تعيش في ظل جاسوسية غريبة، فقد أنبث أعوان الهيئة في كل الأرجاء حتى أصبح مجرد الحياة عبثا لا يطاق، واستولت الهيئة على أموال الأوقاف الضخمة وممتلكاتها الكبيرة. وبدأت تستغلها في سبيل تنمية ثروة الجالية الفرنسية، وأضاف إلى ذلك أنها خلقت سياسة عنصرية، وبدأت تقسم البلاد إلى مناطق صغيرة تضرب حول كل منطقة، منها سياجا من الحراب، وأصبح المراكشي في بلاده، لا يملك حتى التنقل فيها إلا بجواز سفره وأرادت الهيئة أن تحول بين الشعب، وبين التطور فخلقت ما سمته "مصلحة الآثار". ومهمتها الإشراف على البلاد، بحيث لا تسمح بإحداث أي تغيير في أسلوب الحياة، وبحيث تظل مراكش متحفا للآثار! ثم ساعدت الهيئة أفراد الجالية الفرنسية بالقوة على احتلال أراض شاسعة فيحاء، بحيث تصبح مقادير البلاد الزراعية بعد مرور وقت كاف في أيدي زمرة من الرأسماليين الفرنسيين يحكمون كيف شاءوا في حياة مراكش اليومية، دون أن يكون لهم غرض سوى امتصاص دم شعب، لا ينتمون إليه ...

وضربت بيد من حديد على كل ما ينتمي إلى الحريات العامة، فليس في مراكش شيء يسمى حق التعبير عن الرأي، ولا بد من رقابة الهيئة، على كل مطبوع، مهما كان تافها قل النشر، والاجتماعات العامة محظورة بصفة باتة، بقرار من الهيئة، وحتى حرية العبادة نفسها، أصبحت مهددة بعد أن أصدرت الهيئة قرارا، يقضي بالشروع في تنصير سكان جبال الأطلس، والاستحواذ على مقاليد التعليم في مدارسهم، وتحويل قانونهم عن القانون الإسلامي العام. وهكذا أصبح القانون يتغير في مراكش بحسب المناطق، وضاعت وحدة البلاد القانونية، كما ضاعت وحدتها السياسية: إذ أن معاهدة الحماية السالفة الذكر، تقضي بتقسيم مراكش إلى منطقتين، واحدة كبرى تحميها فرنسا في الجنوب، وأخرى صغرى تحميها إسبانيا في الشمال، ثم اقتطعت من البلاد منطقة ثالثة سنة 1923، هي مدينة طنجة وضواحيها. يضاف إلى هذا، حكم الإرهاب المنتشر في البلاد، حيث يساق الناس إلى المقصلة، وإلى المنافي القاحلة، في غرب إفريقيا السوداء، وصحرائها الجرداء، ويفرج عن فوج من الشباب ليساق إلى السجن بدله فوج آخر. هذا هو الجو الذي تعيش فيه مراكش، وليس من الغريب أن لا يعرف العالم الخارجي الديمقراطي، شيئا مطلقا عما تقاسيه، لأن الهيئة الحامية، ضربت حولها حلقة من حديد، لا تتسرب منها الأخبار، وليس من الغريب كذلك، أن يرفع الشعب المراكشي، في هذا الظرف صوته مطالبا بالاستقلال، مؤيدا الوثيقة المعبرة عن أمانيه بالرغم من الخطر المستطير الذي يتهدده بسبب هذه المطالبة. كما أنه ليس من الغريب، أن ينظر جلالة الملك المعظم محمد الخامس إلى هذه المطالبة، بعين العطف والرعاية، ويرى أن لشعبه الحق، بعد كل ما عاناه، في أن يعبر عن إرادته، ذلك أن عينه الساهرة، على مصالح شعبه، تجعله يؤيد كل ما يؤدي إلى الرفاهية العامة، ويرفع عن الناس، كابوس الظلم والاضطهاد. وقد رأى القوة إلى جانب الفرنسيين، ورأى الحق إلى جانب شعبه، فآثر أن ينضم

المغرب العربي والصهيونية

صوته إلى جانب الحق، وإلى جانب الشعب، وهكذا رفع الشعب المراكشي كله، الملك، والحكومة، والأمة، صوته باسترجاع حقوقه المسلوبة. وقد اتهم الفرنسيون زعماء هذه الحركة، بأنهم من أنصار الفاشية لكي يشوهوها في عيون الرجال الحلفاء، فاضطروا إلى محاكمتهم - محاكمة عسكرية - ومع ذلك صدر الحكم ببراءتهم. وليست هذه أول تهمة توجه إلى رجال الوطنية في مراكش، وقد اعتاد الفرنسيون، أن يتهموهم بمثل هذه الاتهامات. وقد هال الشعب ألا يكون لهذه المطالبة، أي اعتبار لدى الهيئة الحامية، فبدأ سكان البوادي، يتوافدون على المدن، وبدأ الشعب يتوافد على القصر الملكي، في جموع غفيرة هاتفة باسم الحرية والديمقراطية، وهناك نسي الفرنسيون بلادهم المحتلة، ووجهوا جيوشهم نحو الشعب المراكشي الأعزل، فحاصروا تلك الجموع، وبدأ رصاصهم يحصد الشعب حصدا. وقاست مراكش الشهيدة شهرا داميا، اختلطت فيه الدماء بالأشلاء. فلما انجلت العاصفة، انجلت عن مقابر مئات من الشهداء. وأنين مئات من المشوهين، وعن شباب حر يرسف في الأغلال!! .. عن مجلة، الإخوان المسلمون العدد 64 المغرب العربي والصهيونية يحاول الاستعمار الفرنسي في المغرب، قطع كل صلة بين المغرب وبين البلاد العربية والإسلامية، ويقيم في سبيل ذلك ستارا حديديا، فهو يأبى أن يتبادل عرب شمال إفريقيا، مع إخوانهم العرب والمسلمين في مختلف البلاد، الصلات المادية وغير المادية، ويحاول قطع الصلات الروحية، والشعور بالأخوة، واتحاد الغايات، وتقارب المقاصد. ولكن هذه المحاولات، لا تجد لها سبيلا، أمام إيمان المسلمين، في شمال إفريقيا، بعروبتهم، وإسلامهم، واعتزازهم بقوميتهم، التي يشتركون فيها مع إخوانهم العرب والمسلمين، في الشرق.

الصهيونية

ولقد اتخذ الاستعمار الفرنسي، في محاولاته هذه وسائل كثيرة منها: الصهيونية: فلقد عمدت فرنسا في محاولتها القضاء على القومية العربية الإسلامية، في شمال إفريقيا، من ناحية، وإلى قطع صلة المغرب بالشرق، من ناحية أخرى إلى وسيلة من بين الوسائل التي استعملتها: وهي تأييد الصهيونية، في المحيط الدولي، وتقويتها، ومساعدتها في شمال إفريقيا. فأقام الصهيونيون في شمال إفريقيا، عدة مؤسسات هامة، فلهم في الجزائر صحف كثيرة، أبرزها جريدة تسمى "النداء" وفي تونس جريدة "لاجازت دي إسرائيل" و"النهضة اليهودية" و"صوت إسرائيل" وفي مراكش كذلك، كل هذه الصحف، تنطق بالمبادئ الصهيونية، وتترك لها الحرية كاملة، في الوقت الذي تمنع فيه الصحف، والكتب العربية، من دخول المغرب، كما يمنع إصدار الصحف العربية، ويضيق الخناق على ما يصدر منها، وصرح للصهيونيين بإنشاء منظمات، كصندوق الإغاثة اليهودي، والكشافة لليهودية، وهنا وجد المسلمون في شمال إفريقيا أنفسهم أمام عدو لهم من ناحيتين: الأولى - أن الصهيونية، سلاح من الأسلحة، التي يستعملها الفرنسيون، للقضاء على قوميتهم، وتنفيذ خططهم الاستعمارية، والثانية - أن الصهيونية تريد أن تنتزع، من إخوانهم عرب فلسطين وطنهم، وإيجاد سرطان يسري بعد ذلك في البلاد العربية الأخرى. فعولوا على محاربة الصهيونية، وتأييد إخوانهم عرب فلسطين بمختلف الوسائل. بدء الحرب: لما نشطت هذه المنظمات الصهيونية للعمل، وذلك قبيل الثورة الفلسطينية، عام 1936، وأرادت جلب محاضرين لنشر المبادئ الاستعمارية والصهيونية، قام الشباب بإفساد الاجتماعات التي عقدت من أجل ذلك، فعمد الصهيونيون، إلى عرض أفلام الدعاية، بسينما "الكوليزية" بتونس، فما كان من الشباب التونسي، إلا أن تظاهر ضد المسألة، ووقع اصطدام بينه وبين الشباب

الثورة التونسية

اليهودي، حتى أجبر الحكومة على وقف عرض الفيلم، ولما قامت الثورة في فلسطين، تألفت في أنحاء المغرب العربي، لجان لجمع التبرعات، لمساعدة الثوار، فلم تستطع الحكومة الوقوف في هذه السبيل، لشدة تحمس الأهالي، إلا أنها كانت تعمل على انتهاز أية فرصة للحد من هذا النشاط، والقضاء على كل أثر لتعاون المسلمين في المغرب، مع إخوانهم في فلسطين أو أي بلد عربي أو إسلامي. الثورة التونسية: ولما قامت الثورة في تونس، ضد الاستعمار الفرنسي، جندت الحكومة الفرنسية، كل ما عندها من الوسائل للقضاء عليها، ومعاقبة رجالها أشد العقوبات، وقبضت على كثير من الشباب وقدمتهم للمحاكمة، وكان بين التهم التي وجهت إليهم تأييدهم لقضية فلسطين، حتى قامت الحرب الأخيرة. في المرحلة الأخيرة: ولما بدأت القضية الفلسطينية تأخذ دورها الأخير، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تحرك المغرب العربي لتأييدها، والوقوف في وجه الاستعمار الصهيوني، فقامت الصحف العربية بحملاتها على الصهيونية، وتكونت لجان الدفاع عن فلسطين، تضم قادة الرأي في المغرب العربي، ونشطت الأحزاب المغربية، على اختلاف نزعاتها، لتأييد القضية الفلسطينية. وبدأ العرب بالمغرب في مقاطعة البضائع الصهيونية، وتعمل الهيئات واللجان والأحزاب، في شمال إفريقيا الآن على جمع التبرعات، لإنقاذ الأراضي الفلسطينية، ومساعدة العرب، وتجنيد الشباب للتطوع من أجل الجهاد في فلسطين، إلا أن الحكومة الفرنسية، مازالت ماضية في سياستها، التي تؤيد فيها الصهيونية، بل أنها قد سهلت للصهيونيين، وسائل الهجرة لفلسطين فعلى الحدود، بين مراكش والجزائر، في "وجدة" يقوم الصهيونيون بتهريب المهاجرين إلى الشرق، وكذلك على الحدود، بين طرابلس وتونس، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى فلسطين إما عن طريق اجتياز مصر أو عن طريق البحر إلى فلسطين.

المغاربة في الخارج

المغاربة في الخارج: هذا بالنسبة لما يقوم به عرب المغرب إزاء الصهيونية، في داخل البلاد، أما المغاربة في الخارج، فإنهم يقومون بأعمال كثيرة، من أجل فلسطين، فعند قدوم لجنة التحقيق الإنكليزية - الأمريكية، في العام الماضي، تقدم إليها الأستاذ الحبيب "بورقيبة" نائبا عن شمال إفريقيا، وأعلن لديها، تأييد المغرب العربي لفلسطين، وبين خطورة إقامة وطن قومي لليهود على أرض العرب. وعلى إثر قرارات الجامعة العربية الأخيرة، تلقت الجامعة تأييدا من المسلمين في شمال إفريقيا وخارجها، وأصدر مكتب المغرب العربي، في القاهرة بيانا قال فيه: لقد دقت ساعة الحربة، في فلسطين، وهذه هي الجيوش العربية المظفرة، تطوقها من كل مكان، وهذه الجيوش الباسلة، مستعدة لامتشاق الحسام، للكفاح في سبيل إنقاذ جزء من العالم العربي مهدد بخطر الصهيونية، ولا يقل عرب المغرب، تضامنا مع فلسطين عن عرب الشرق، ولولا الاستعمار الفرنسي، لكانت جيوشنا في طليعة الجيوش العربية الزاحفة نحو هذه البلاد ... وقد أعلن شباب المغرب في مصر، استعدادهم للتطوع في جيش فلسطين، أما في فرنسا والمغاربة هناك يكونون الجالية الكبيرة، فقد ألفوا من بينهم لجانا للدعاية للقضية الفلسطينية. بل أنهم كثيرا ما يذهبون إلى الاجتماعات التي يقيمها اليهود لتأييد الصهيونية ويفسدونها، هذه صورة من الصور المحبوبة. خلف الستار الحديدي الذي تقيمه فرنسا حول أقطار المغرب، تبين مقدار إيمان العرب في شمال إفريقيا، بالوحدة العربية، والأخوة الإسلامية. فمتى يتحطم هذا الستار المظلم، الذي تقيمه فرنسا، ومتى ينقشع ظلمها الوحشي حتى يظهر للعالم أي حيوية وقوة وصلابة في رجال المغرب العربي المسلمين. عن مجلة الإخوان المسلمون العدد 58 - 22 نوفمبر سنة 1947. 9 محرم سنة 1367.

لكم أيها المجاهدون في ليبيا أخت الجزائر أسوة حسنة

لكم أيها المجاهدون في ليبيا أخت الجزائر أسوة حسنة قضى الشاطئ الصامت ليلته يتوجس، وطلع الصبح عليه، كما كان دائما من قرون، لجة زرقاء تداعب الرمل الأصفر اللانهائي، إلا عيون قلقة رابضة فوق الكثبان ترقب أشباحا ضخمة سوداء، تتراءى على الأفق حينا وتختفي ... في ذلك الوقت من سبتمبر 1911 تنتهي المدة التي حددتها إيطاليا في إنذارها الذي وجهته الدولة العلية في القسطنطينية. والباب العالي صامت لا يرد، حقا أن الأزمات تنتابه وأنه ليترنح، ولكن لا أحد يجرؤ على القول بالتفريط في ليبيا. وما كان أشبه إيطاليا في ذلك الوقت بالطفل الأحمق، الذي يضج ويصرخ ويضرب الأرض بقدميه، حين يريد شيئا، فهي تملأ الدنيا كلاما عن مطالبها المشروعة في ليبيا، وتلجأ في ذلك إلى الطرق المسرحية التي لا تتقن غيرها، كأن تكون فرقة من الجنود تسميها الفرقة الطرابلسية، تلبس جنودها السراويل الواسعة والطراطير الضخمة، ويسير الجند في ملابسهم الكرنفالية في شوارع روما، بين هتاف الجماهير، وتترى على الباب العالي أنباء الاستعداد الضخم للحرب في إيطاليا، فترتعد فرائصه، دون أن يحير جوابا. واعتقد الجبان أنه خلا بأرض ... ومن نهار آخر على الشاطئ الصامت، والعيون القلقة تترقب، والأشباح الضخمة السوداء تظهر وتختفي. وأوشكت الشمس أن تغرب، وإذا بهذه الأشباح السوداء تقترب وتنجلي من بوارج ضخمة شاكية السلاح، وبغير مقدمات يهتز الشاطئ هزات

الجبل الأخضر

شديدة إذ تسقط عليه القنابل الأولى، التي قذفها الأسطول الإيطالي على بنغازي ... وتختلط بأصوات القنابل، أصوات السكان الآمنين. وسرت الأنباء في الصحراء مسرى الكهرباء .. وقد حملتها الركبان فيما حملت إلى زاوية القصور .. ووقف شيخ الزاوية - وكان كهلا بارح الخمسين - يسمع للأنباء الدامية، ثم يطرق برأسه ينكت الرمل ويفكر. كان السيد عمر المختار شيخا لزاوية القصور، من قبل السيد محمد المهدي السنوسي أمير برقة. كهل في السادسة والستين من عمره، قد ضمرت قامته، وابيضت لمته ولحيته، يخاله الناظر إليه محطما منهوكا لا يقوى على شيء، حتى يرى بريقا في عينيه ما زال نفاذا .. فقير إلا من غني النفس، يلتف بعباءته البيضاء من وبر الإبل. . وينتعل خفا بسيطا، أما أعصابه ففيها عزم يزعزع الرواسي، وأما ذهنه فليس فيه إلا أمر واحد لا يعرف سواه: الاستشهاد في ميدان الشرف، والجنة بعد ذلك عاقبته ومثواه. الجبل الأخضر هو جنة ليبيا، وأثمن ما في أرضها، يقع في قلب برقة وعلى مقربة من الساحل، رقعة شاسعة من الخضرة الكثيفة، عامرة بأشجار الصنوبر والزيتون، وأنواع الغار والآس، والزهور الوحشية الملونة والأعشاب المخضرة التي لا تترك من الأرض بقعة عارية، تتخلل كل ذلك عيون ثائرة، تتفجر في قسم الهضاب، ثم تنحدر على سفوحها جداول ونهيرات جارية. وعلم سكان الصحراء بوصول عمر، فتقاطروا عليه من أبعد بقاع الصحراء، فلم يلبث أن تجمع لديه جيش قوي ممن باعوا أرواحهم بالجنة، فقسمهم فرقا

حرب السنين السبع

منظمة لكل فرقة قائدها من أبرز الفرسان، كالفضيل أبو عمر وحسين بن مفتاح، وكان شعور الطليان بقوة هذه الجماعة سريعا، حين بدأت تهاجمهم في معاقلهم الساحلية وتكبدهم أفدح الخسائر. وأرسل الحاكم الإيطالي إنذارا نهائيا إلى عمر المختار، ملأه بالترهيب والترغيب، وحدد لانتهائه سبعة أيام، فرفضه السيد عمر رفض الكرام. وقبل مضي الأيام السبعة نظم الجيش الإيطالي هجوما عاما، على مواقع العرب في الجبل الأخضر، فردهم المجاهدون مدحورين. حرب السنين السبع يقول الجنرال غرازياني قائد الجيوش الإيطالية في برقة: أنه خاض ضد المختار مائتين وثلاث وستين معركة في مدة لا تتجاوز عشرين شهرا، وعنى هذا الأساس نستطيع أن نقدر قسوة النضال الذي تحمله عمر المختار سبع سنوات .. الحصار لقد غدا الجبل الأخضر بندقية صعبة الكسر، وعمر المختار لا ينهزم في صدام قط، والمال والعتاد الذي يأتيه من كل ناحية، يزيده في كل يوم قوة وشأنا، فليس أمام الطغيان المميت، إلا العودة إلى حديث المفاوضات. وسير الطليان وجنودهم إلى الواحات البعيدة، فأخذت تتساقط في أيديهم جغبوب وأوجله وجالو، وفزان، والكفرة، وغيرها حتى أحاطوا بالمختار إحاطة السوار بالمعصم. وكانت الخيانة تسبقهم، فتفتح لهم الواحات والقرى، قبل أن يشهروا سيفا، أو يطلقوا طلقة واحدة.

المستميت لا يموت

أما المفاوضات، فالواقع كانت تتصل وتنقطع طيلة السنين السبع. وأكثر الإيطاليون من إرسال المندوبين والمفاوضين إلى السيد عمر، ولم تكن هذه المفاوضات تسفر عن شيء بل كانت تقطعها دائما غضبة من السيد عمر، لكلمة أو إشارة تصدر عن المفاوض الإيطالي، يفهم منها معنى التعالي والازدراء. وسعى إليه المارشال بادوليو، مرة بنفسه، والتقى الطرفان في سيدي رحومة، بين جمع من المشايخ العرب وقواد الإيطاليين، واتفقوا على شروط حملها معه بادوليو ليحصل على موافقة حكومته عليها. وذهب باديليو ولم يعد، فأرسل السيد عمر مندوبا من قبله، هو الحسن بن رضا السنوسي، فعاد إليه الحسن يحمل شروطا ظنها ترضي المختار، إذ تعهدت له فيها الحكومة الإيطالية، بمعاش قدره خمسين ألف فرنك في الشهر، وبناء بيت ومسجد ومأذنة، فلما اطلع السيد عمر على هذه الشروط، قال للحسن: غروك يا بني بمتاع الدنيا الفانية ورضيت بهذه الشروط المزرية. وبعد زمن أغارت الطائرات الإيطالية، على الجبل الأخضر، تقذفه يالقنابل .. مكان قض الهدنة، وأذاع المختار منشورا يعلن فيه استئناف الثورة. المستميت لا يموت حين خرج المارشال باديليو من عند المختار قال عنه: إنه رجل مرتاح الضمير، قرير العين بما هو فيه. عاش المختار هذه السنين الحالكة في هدوء نفس وراحة ضمير، وهو بهذا الهدوء وهذه الراحة، كان يقود ثلاثة آلاف من قومه بأسلحة بدائية، ضد ثلاثين ألفا من الأعداء، وكان أبناؤه يقتلون، فيرسل إلى المعمعة أحفاده، وكان أعداؤه

يحيطون به ويمنعون عنه كل طعام أو سلاح، فلا يزيده الجوع أو العري إلا قوة وإصرارا، وكان هو الشيخ الذي قارب الثمانين، لا يترك سلاحه ما دام هناك قتال، ويقذف بنفسه في مقدمة الصفوف، ويتبعه الأحرار، فلا يلبث شمل الأعداء أن يذهب بددا، وكان يصيبه المرض أحيانا، وتشتد به الحمى والقتال ناشب، فيربط نفسه إلى جواده بالحبال حتى لا يقع، وينطلق إلى الساحة مستميتا فلا يموت. وآية صفاته، أنه كان يخرج بين رجاله في دوريات مسلحة، كأي جندي بسيط، تطوف بالأرض الحرام، وتشتبك مع من تصادف من الأعداء، وكان آخر خروج له في 17 سبتمبر 1921، فبينما كان يسير مع رجاله، إذ فوجئ بفرق إيطالية تحيط به من كل جانب، وكانت خطة مدبرة، ودارت رحى القتال الأخير، وقاتل عمر المختار قتال الأبطال، وأصابت إحدى الطلقات جواده فخر صريعا، وسقط المختار من فوقه على وجهه، وهو يريد أن ينهض فرأته ثلة من الجند الإيطاليين فتكاثروا عليه وأسروه. وفي اليوم التالي، أجريت له محاكمة سريعة، وقال البلاغ الإيطالي: أنه اعترف بجميع التهم التي وجهت إليه، ترى ما هي هذه التهم؟ .. أنه كان يدافع عن وطنه ضد العدوان، وأنه ضحى بأبنائه وأحفاده في سبيل حرية الوطن، وأنه فضل الموت على الضيم. نعم لقد كانت هذه تهمه، وقد اعترف بها جميعا، فصدر الحكم بالإعدام. وجمع الطليان في الصحراء جمعا كبيرا من العرب الأسرى ... علقوا في الفضاء مشنقة لفوا حبلها حول عنق الشيخ الشهيد. وسقط الجسد الفاني على الرمل بلا حياة، وصعدت الروح النبيلة، في طريقها إلى الجنة

نصيحة غالية

وقال شوقي يرثيه: في ذمة الله الكريم وحفظه ... جسد ببرقة توسد الصحراء لم تبق منه رحى الوقائع أعظما ... تبلى ولم تبق الرماح دماء كرفات نسر أو بقية ضيغم ... باتا وراء الساقيات هباء بيروت المساء عدد 1928 - 27 مارس سنة 1956 نصيحة غالية من حضرة صاحب السعادة، مصطفى بك مستشار جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، إلى إخوانه وأبنائه في إفريقيا الشمالية. وإني أنصح لأبناء المغرب العربي نصيحة من خبر الحياة حلوها ومرها، أولا: أن ينفوا التحاسد فيما بينهم البتة. ثانيا: أن لا تلهيهم القشور عن اللباب، وأن لا تصرفهم الأسماء اللامعة عن الحقائق الخالدة، فالحرية مثلا ما أحلاها، والاستقلال ما أجله، ولكن منهما ثمن لا بد منه، والثمن هو الاستعداد، فنصيحتي لكم إذا أن تستعدوا عمليا واقتصاديا واجتماعيا، حتى تكونوا بالفعل أهلا للحرية والاستقلال، ويومئذ تسمع الدنيا لمطالبكم وتخطب ودكم والعزة للعاملين. مصطفى بيرم مستشار الجبهة في سبيل فلسطين أرسلت الجبهة هذه المذكرة إلى جميع الدول العربية المتحالفة حضرة صاحب ... بعد التحية والاحترام ترجو جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية بمصر رفع المذكرة الآتية لحكومتكم الموقرة مع الشكر الجزيل.

المأساة الخطيرة في إفريقيا الشمالية

إن ثلاثين مليونا من أخلص العرب في إفريقيا الشمالية، يعدون فلسطين جزءا من وطنهم العربي الكبير، بل يعدونها بمثابة القلب من سائر الجوارح، لما تنطوي عليه من المعاني المقدسة لهم، وأن كل أذى يتجه إليها يحسون بأثره، ويذمرون بألمه قبل سكان فلسطين أنفسهم، وجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية بمصر، التي تعبر عن إحساسات هذه المجموعة المحترمة، ترى في قرار لجنة التحقيق الإنكليزية والأمريكية افتياتا على حقوق العرب في فلسطين وعدوانا صريحا على كرامتهم فيها، وأن عنصر الهوى في القرار الجائر هو الدفاع الأول والأخير. وترى الجهة أن أي محاولة لتنفيذه، تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من العواقب الوخيمة، أهمها تعرض السلام العالمي إلى الخطر مرة أخرى، ودون ذلك تضيع صداقة العرب والمسلمين في جميع أقطار الأرض. تضييعا ينتهي بهم إلى اليأس، من أنصاف من ينتسبون إلى الديمقراطية. ثم الميل إلى جانب آخر مضطرين. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام. عن المصري 12 - 2 - 1945. السكرتير: الفضيل الورتلاني المأساة الخطيرة في إفريقيا الشمالية "أيها العرب الكرام هل ترضون بانسلاخ ثلاثين مليونا من قوميتكم"؟ والله إنها لكارثة الأندلس، تعود مرة ثانية إلى الظهور، على مرأى ومسمع من العرب، وعلى مرأى ومسمع من العالم المتمدن، الذي ذاق الأمرين في هذه الحرب الضروس من جراء هذا النوع من الطغيان، والذي يعمل جاهدا على إيجاد سلم عالمي عام. اسمعوا! اسعوا! أيها المسؤولون جميعا! أن الفرنسيين دأبوا يعملون على محو العروبة والإسلام في بلاد الجزائر بكل أنواع اللؤم والقساوة، واصطنعوا في سبيل

ذلك كل وسائل الترهب والترغيب، وارتكبوا أشنع الفظائع وأحقرها، وصحب ذلك مع كل المراحل فيما مضى الفشل الذريع، والمقت الكبير. ولكنهم اليوم باتوا يعتقدون أن الضربة القاتلة، هي وحدها التي تنهي الموضوع لمصلحتهم، فقرروا: أولا - أن يسرعوا إلى إدماج إفريقيا الشمالية كلها في فرنسا بما فيها تونس ومراكش، على رغم أنف أهلها وأنف بني عمومتها. ثانيا - الإسراف في الترهيب إلى حدود الوحشية، وفي الترغيب إلى حدود الملائكية، أما الأول فبالتقتيل، والتعذيب، والتجويع، الخ. وأما في الثاني فبما يزعمونه من إعطاء المساواة المطلقة مع الفرنسيين لأبناء هذه البلاد، فإن كان سلاح الإرهاب ظاهر التأثير فإن سلاح الترغيب أخطر منه، لأن الرجل الذي يقاسي عذاب الجحيم، ثم يعرض عليه ما يشبه ظاهرة الجنة، لا يتردد مطلقا في أن ينتقل من ذلك الجحيم إلى تلك الجنة. والجديد الخطير أن مجلس الوزراء الفرنسي، قد شرع فعلا في العملية الجراحية، فأصدر أمرا من يومين كما روته الجرائد اليومية، بسلخ 80000 من الصفوة الممتازة في الجزائر من الجنسية العربية إلى الجنسية الفرنسية. على أن يوالوا هذا السلخ حتى تتم العملية في جميع بلاد إفريقيا الشمالية، كل ذلك يتم في الوقت الذي عبأوا فيه كل طائراتهم، ودباباتهم، ومدافعهم، يقتلون بها عشرات الألوف من الثائرين والمعارضين. وعبأوا كل محاكمهم العسكرية لتقضي بالإعدام على الأعيان والزعماء، وفي الوقت الذي تمسك الأقوات الضرورية عن الأهالي وتصادر ما في أيديهم ليموتوا جوعا، وفي الوقت الذي يأخذون سلطان مراكش، وباي تونس ووفدا من كبار الجزائريين تحت تأثير هذا الإرهاب إلى باريس، لتجعلهم في قفص من ذهب، ثم تفعل في شعوبهم ما تشاء، وتقول على ألسنتهم ما تشاء، وفي الوقت الذي ضربت فيه الحصار على هذه البلاد، فمنعت منها

فرنسا والعالم الإسلامي

وعنها كل خبر، حتى تتم هذه المؤامرة الإجرامية، في غيبة عن العالم المتمدن، ولتزعم بعد ذلك أن الأمر قد تم برضى أهلها، هذا بعض ما هنالك من إجرام الفرنسيين، وذلك هو غرضهم الخبيث. واليوم بل الآن، وفي هذه الدقائق السريعة، ماذا يقول العرب وماذا يقول المسلمون؟ وماذا يقول الديمقراطيون والمسؤولون عن الأمن في العالم؟ أن التاريخ لينتظر كلمتكم السريعة الحاسمة. الكتلة وغيرها 9 - 11 - 1945. الفضيل الورتلاني فرنسا والعالم الإسلامي نشرت جريدة (الأهرام) برقية (لرويتر) لخصت فيها رسالة لمراسل المنشستر جاردين في باريس يقول فيها: "إنما كانت فرنسا في العالم الإسلامي، هي موضوع الاهتمام من كل حكومة فرنسية، لأن هناك إثني عشر مليونا من المسلمين في شمالي إفريقيا تحت لواء فرنسا، وسوادهم من الناطقين بالضاد، وإنما شمالي إفريقيا لا يعد عضوا حيويا في كيان الوحدة الفرنسية، وإذا صحب خروج فرنسا من سوريا شيء من المهانة لقدرها، فسيكون لهذا الحدث أعظم تأثير في مستقبل فرنسا. وجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، ترى في هذا الكلام مواطن تحتاج إلى شيء من البيان، فالبلاد التي توجد فيها فرنسا الآن بشمالي إفريقيا، يسكنها نحو ثلاثين مليونا من العرب المسلمين، لا إثنا عشر مليونا، والجزائر وحدها يبلغ تعدادها الآن نحو أحد عشر مليونا، والمغرب الأقصى يزيد تعداد أهله على أربعة عشر مليونا، وتونس لا يقل عدد سكانه عن ثلاث ملايين، ودعوى المراسل أن هذا الشمال الإفريقي يعد عضوا حيويا في كيان الوحدة الفرنسية، ينقضها كون كل من المغرب الأقصى، وتونس له حكومة مستقلة، أعرق قدما من كثير من المماليك

برقيات مختلفة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية

القائمة الآن، ومركز فرنسا القانوني فيها يناقض وصفها بأنها عضو حيوي في كيان الوحدة الفرنسية، وكذلك الجزائر، تعرف لنفسها كيانا قوميا ومليا، ولها أماني تتعلق بحياتها القومية، ومن الكرامة لفرنسا، مجاراة هذه الحقائق، لأنها أصبحت من روح العصر، وإليها تتجه مستقبل الأمم، وبها توزن الكرامة والمهانة في نظر أبناء الجيل الحاضر، وأن فرنسا، التي تعتز بمالها في تاريخ الحرية من صفحات وأعمال، إنما تستكمل تاريخ عزتها بمجاراة روح العصر، القائمة على مبدأ الاعتراف بحقها في الحياة. الأهرام 7 - 1 - 1946 برقيات مختلفة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية سيجد القارئ طائفة من البرقيات، منشورة في صفحات هذا الكتاب، متباعدة هنا وهناك، وهي مما أرسله الأستاذ الورتلاني إلى عدة جهات، في مناسبات مختلفة، في هذه الفترة القريبة، ولعلها لو كانت مجتمعة ومتصلة بعضها ببعض، لكان أحسن، وبين أيدينا طائفة أخرى من البرقيات، منشورة في العدد الخاص من مجلة النذير، وهي مما أرسلته جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى عدة جهات مختلفة، في مناسبات متعددة، وفي فترة ما بين 1945 وسنة 1946، وهي جميعا باسم رئيس الجبهة السيد محمد الخضر حسين والسكرتير الأستاذ الورتلاني أو باسم إحداهما دون الآخر في بعض الأحيان، ونحن ننشرها هنا متصلة حاذفين الإمضاءات في الأخير، مكتفين بهذه الإشارة للمسؤولية والتاريخ، وليعرف القارئ شيئا من تطور قضية المغرب العربي، وليعرف أن أهلها لم يسكتوا يوما عن الشكوى من ظلم الظالمين، ولم يتأخروا منذ القدم عن تحديد حقهم في الحرية والاستقلال، وهذه هي البرقيات:

برقية الجبهة إلى أمين الجامعة العربية

برقية الجبهة إلى أمين الجامعة العربية حضرة صاحب المعالي، عبد الرحمن عزام باشا، الأمين العام لجامعة الدول العربية. بمناسبة عزمكم على السفر إلى أوروبا وأمريكا، ترجو جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، أن يكون لتونس، والجزائر، ومراكش، نصيب وافر من المجهودات التي تبذلونها في خدمة القضية العربية، وللجبهة كبير الأمل في أن ترى من مساعيكم الموفقة، ما يؤكد الصلة بين أولئك العرب المسلمين، وبين جامعة الدول العربية، ويزيد حركتهم الوطنية، المتجهة إلى تحقيق الاستقلال نشاطا على نشاطها، ونرجو لكم النجاح، والسلامة، أينما حللتم. إلى رئيس مؤتمر سان فرانسيسكو حضرة صاحب السعادة، رئيس مؤتمر الأمم المتحدة، فرانسيسكو. سعادة الرئيس: سينعقد المؤتمر للنظر في تثبيت دعائم السلام العام، وتطهير العالم من اضطهاد الدول القوية، للدول الضعيفة. وأن في شمالي إفريقيا، تونس، الجزائر، ومراكش - ثلاثين مليونا من العرب، يلاقون من الاحتلال الفرنسي أشد العذاب، وجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، ترجو من طموحكم العظيم، إلى إسعاد البشرية قاطبة، أن تتفضلوا بعرض قضية تلك الأقطار على المؤتمر، وأملنا كبير بأن المؤتمر سينظر إليها، بعين العدل، ويقضي بتحرير تلك الشعوب، وعدها في الشعوب الرئيسية، التي لا يستقر السلام إلا أن تكون مرتاحة لما يقرره المؤتمر. وستجد الدول الديمقراطية، من شهامة هذه الشعوب العربية، وقوتها الروحية، أكبر مؤازرة على تقرير السلام الشامل، إذا هي قدرت يقظتهم، وطموحهم، حق قدرها، وساعدتهم على حفظ كيانهم القومي، واستلالهم بالنظر في جميع شؤونهم. أكتوبر 1945 م

إلى هيئة الأمم المتحدة

إلى هيئة الأمم المتحدة احتلت فرنسا، تونس والجزائر ومراكش، منذ عشرات من السنين، ومرت في احتلالها، على أفظع ما يتخيل من الاستبداد، وما زال سكانها، وهم وارثو الحضارة العربية الأندلسية، يطالبون بحريتهم، فتزداد فرنسا إمعانا في اضطهادهم، وتلجئهم إلى الثورة عقب الثورة، حتى جاءت هذه الحرب، التي أذاقتها مرارة احتلال النازيين لبلادها، وكان المنتظر أن تأخذ ذلك عبرة، وتتخذ مع أولئك العرب الأبطال سياسة الانصاف، ولكنها تمادت في سياستها القديمة الجائرة، فهم اليوم يلاقون من التقتيل والتنكيل، والزج في السجون، ما تتفتت له الأكباد، وتثور له نفوس أنصار الحرية غضبا. وجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، ترجو من عواطفم الإنسانية أن تشملوا شمالي إفريقيا بعناية، وتعملوا لتخليصه من الاستعباد الفرنسي، حتى يتمتع بحريته، ويتصرف في شؤونه بنفسه، ويكون من الأيدي العاملة، لتحقيق السلام الشامل لبني الإنسان قاطبة. 3 - 8 - 1946 إلى وزراء الدول الخمس هذه برقية أرسلت إلى كل واحد من وزراء خارجية الدول الخمس: إنكلترا، أمريكا، روسيا، الصين، فرنسا. بمناسبة اجتماعكم للنظر في مصير الشعوب، وأمامكم الهدف المثالي الذي هو دعاء سلام عام، تشعر به الأمم قاطبة، تذكر جبهة الدفاع عن شمالي إفريقيا، مؤتمركم الموقر، بأن في شمال إفريقيا: تونس، الجزائر، ومراكش - نحو ثلاثين مليون من العرب، سيشاركونكم في بناء السلام العام متى ساعدتموهم على التخلص من الاستعمار الجائر، وأصبحوا يريدون شؤونهم السياسية بأيديهم. رجب سنة 1365 هـ

إلى جلالة ملك شرق الأردن

إلى جلالة ملك شرق الأردن جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا الشمالية، ترجو معاليكم، رفع تهانيها باسم ثلاثين مليونا لصاحب الجلالة الملك عبد الله، راجية منه عطفا سريعا على إخوانه في هذه البلاد، المهددين بالانسلاخ من القومية العربية. إلى جلالة سلطان مراكش حضرة صاحب الجلالة. مولاي محمد سلطان مراكش: جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، تقدم لكم عظيم الاحترام، وهي تقدر الظروف التي دعت جلالتكم، لزيارة فرنسا في هذه الأوقات التي يتجه فيها العالم العربي، إلى الاحتفاظ بكيانه القومي والمالي، حق قدرها، وتعتقد أن جلالتكم ستنتهزون الفرصة، وتطالبون باستقلال مراكش حتى تتمتع بحريتها، ويمكنها أن تسير في حياتها السياسية والثقافية، والاقتصادية، مع الدول العظيمة جنبا لجنب. جمادى الآخرة سنة 1365. إلى رئيس المجلس الاستشاري الفرنسي سعادة رئيس المجلس الاستشاري ... باريس بمناسبة ما تقرر من منافشة قضية إفريقيا الشمالية، في المجلس يوم 3 يونيه، وما بعده. ترجو جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية تبليغ حضرات أعضاء المجلس ما يأتي: إن الجبهة ترى من مصلحة شمالي إفريقيا ومن مصلحة فرنسا نفسها، أن تذكر المجلس بأن خير ما يحسن به المجلس لفرنسا الحديثة، العمل على كسب أصدقاء لها، وأن تكون عند الشجاعة الأدبية الكافية، لتحقيق، ما تكتسب به هذه الصداقة.

من الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية

إن كل عربي في شمال إفريقيا، صار يؤمن بحقه في الحياة كإيمان كل إنسان حر في الدنيا، بهذا الحق، وأن الدماء التي بذلتها جنود شمالي إفريقيا، في سبيل الديمقراطية، قد آن لأولئك الجنود أن يجدوا ثمرتها في أمتهم، بما تنشده من حياة استقلالية عزيزة يعترف فيها، بثقافة الإسلام، ولغة العرب، وكرامة القومية، ومن الخير لفرنسا أن تبعد من دائرة تفكيرها، إدخال أولئك العرب المسلمين، في الجنسية الفرنسية، فإن ذلك يثير عليها غضب العالم العربي، بل والعالم الإسلامي على اختلاف قومياته، ولا يفوت المجلس، وهو ينظر في قضية عرب شمالي إفريقيا، أن يضع أمامه الطور الجديد، الذي ستتدخل فيه تلك الأمة العربية المستيقظة، إما بتعاون مع من يخلص في صداقتها، وإما بالاعتماد على قوة حقها، وبذل أقصى مجهود في سبيل حريتها غير منخدعة بالوعود طالما التي أعطتها السياسة الفرنسية بلسانها، وقبضت عن إنجازها، وغير مكترثة بتلك التهم التي يوجهها إلى زعمائهم، من يقصد تشويه نهضتهم البريئة. جمادى الآخرة سنة 1364هـ من الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية حضرة المحترم الفاضل الأستاذ محمد الخضر حسين رئيس جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية أتشرق بأن أنبئكم أنني استلمت برقيتكم الكريمة المؤرخة 13 يناير سنة 1946 م وأشكركم على جميل عواطفكم، وأتمنى لشمال إفريقيا كامل الحرية والاستقلال، نسأل الله لكم ولجميع العاملين لخير بلادكم، النجاح والتوفيق. وتقبلوا تحياتي واحترامي ... 23 صفر سنة 1365 هـ

إلى أمين الجامعة العربية

إلى أمين الجامعة العربية "جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، ترجو معاليكم إبلاغ المؤتمرين للوحدة العربية، الآتي: أن ثلاثين مليونا من إخوانكم العرب بإفريقيا الشمالية، يقاسون أشد الاضطهاد، وينتظرون إسعافكم واشتراككم، في المباحثات العربية". إلى رئيس الجمهورية السورية حضرة صاحب الفخامة شكري القوتلي بك رئيس الجمهورية السورية قصر الزعفران مصر. جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، تحيي فخامتكم، وتذكركم بثلاثين مليونا من إخوانكم العرب بإفريقيا الشمالية. تهنئة الجبهة لسوريا بجلاء الجيوش المحتلة حضرة صاحب الفخامة رئيس الجمهورية السوري جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، تقدم لفخامتكم أخلص التهاني بجلاء الجيوش المحتلة الذي كان ثمرة جهادكم المتواصل. وقد حققتم بهذا الفوز العظيم آمال الأمة العربية والإسلامية في تحرير سورية العزيزة من الاحتلال الأجنبي الجائر، أدام الله عزكم وتأييدكم. الاحتجاج على الاعتداء البريطاني وأرسلت الجبهة البرقية الآتية إلى السفارة البريطانية في القاهرة .. "جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية تستنكر عدوان جنودكم على الشعب المصري الأعزل المطالب بحقوقه بالطرق السلمية وتعد هذا اعتداء على الحرية التي قاتلتم، وقاتل المصريون والعرب في صفوفكم من أجلها". الكتلة، المصري 2 مارس 1946

إلى مؤتمر الجامعة العربية في بلودان

إلى مؤتمر الجامعة العربية في بلودان حضرة صاحب المعالي عبد الرحمن عزام باشا، الأمين العام لجامعة الدول العربية بلودان - سوريا. ترجو جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، من معاليكم، تبليغ تحياتها، ودعواتها بالتوفيق لحضرات المؤتمرين، راجية أن تكون قضية إفريقيا الشمالية في هذه الدورة غير العادية، محل عنايتهم الزائدة، جوابا على مضاعفة الفرنسيين الجهود لفرنسيتهم، فلقد انتظرنا كثيرا، وبلغ السيل الزبا، ووجب العمل لإنقاذ ثلاثين مليونا، يدفعون بقوة هائلة، للاندماج في غير العرب. 9 رجب 1369 - 9 يونيه 1946 إلى مؤتمر الملوك والرؤساء بانشاص مصر أصحاب الجلالة والسمو والفخامة ... بعد التحية والإجلال: إن هذا اليوم الخطير، فاصل بين تاريخين. وشاهد بين جيلين ففي إفريقيا الشمالية ثلاثون مليونا من أبطال العروبة، تعمل فرنسا بأعنف وسائل الاستعمار على سلخهم من جنسيتهم، وإدماجهم في العائلة الفرنسية، وأن لكل قلب من هذه الملايين المجاهدة من الأمل في اجتماعكم، والتطلع إلى الإنقاذ على أيديكم، أضعاف ما يأملون من جهادكم وبذل دمائهم، وتضحياتهم الغالية في عشرات السنين الماضية، فبادر بالنجدة لهذه الحصون العزيزة، حصون العروبة والإسلام، فلعل صيحة تجتمع عليها قلوبكم العظيمة، أمضى أثرا في الإنقاذ، من الدماء التي لم يبخلوا بها مدة قرن لم تنقطع. جريدة الإخوان المسلمون 28 جمادى الآخرة سنة 1365 هـ

إلى جلالة سلطان مراكش

إلى جلالة سلطان مراكش حضرت صاحب الجلالة مولاي محمد سلطان مراكش بمناسبة عيد جلوس جلالتكم على عرش مراكش المفدى، ترفع جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية بمصر، لسيادتكم الملكية، أخلص التهاني والولاء راجية مواصلة الجهاد للحرية والاستقلال. إلى رئيس الجمهورية السورية الحرة المستقلة حضرة صاحب الفخامة رئيس الجمهورية السورية ... "جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، ترجو من فخامتكم بالنيابة عن ثلاثين مليونا من العرب المسلمين، أن تشملوا برعايتكم السامية العرب المغاربة الذين كانوا في الجندية الفرنسية، وانفصلوا عنها أيام تحرير سوريا، والتحقوا بالمجاهدين السوريين وأن تتفضل حكومتكم الموقرة فتمنحهم الجنسية العربية السورية". 1 - 12 - 1946. منع عقد مؤتمر طلبة إفريقيا الشمالية احتجاج الجبهة على ذلك حضرة صاحب الدولة، سير جورج بيدو رئيس الحكومة الفرنسية بباريس. بعد التحية والاحترام: أذاعت شركة لوتر يوم 15 أكتوبر سنة 1946. البرقية الآتية: كانت جمعية طلبة إفريقيا الشمالية، عقدت النية على أن تقيم مؤتمرها السنوي، في هذا العام بمدينة رباط الفتح وهيأت له كل العدة.

في سبيل أندونيسيا مطالبة الجبهة بالاعتراف باستقلالها

وفي آخر لحظة، أبلغها المقيم العام التونسي بمراكش، "بلاغ منع" يحظر عليها عقد هذا المؤتمر دون أن يوضح لها الأسباب، وجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية بمصر تستنكر هذا العمل التعسفي، وتحتج عليه أشد الاحتجاج وتعده مخالفا لمقتضيات الديمقراطية الأولية التي تنادون بها، والذي ذهب الملايين من زهرة شباب الدنيا، ضحية الدفاع عنها. في سبيل أندونيسيا مطالبة الجبهة بالاعتراف باستقلالها حضرة صاحب السعادة، وزير هولندا في القاهرة. بمناسبة اجتماع هيئة الأمم المتحدة، واستمرار قيام حالة حرب استعمارية جائرة، بينكم وبين إخواننا الأندونيييين، ترجو جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية بمصر، تبليغ حكومتكم استنكار ثلاثين مليونا من أهالي هذه البلاد، لتلك الحرب القائمة على الروح الرجعية المنبوذة، آملة أن تعترف باستقلالهم، محافظة على كرامتها وصداقة 450 مليون مسلم في أقطار العالم. المصري والكتلة 21 - 1 - 1946 حضرة صاحب المعالي الأمين العام لجامعة الدول العربية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - وبعد: فبمناسبة انعقاد مجلس الجامعة للدورة الخامسة، ترجو جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية بمصر عن المجلس الموقر أن ينظر لقضية إخواننا الأندونسيين الذين أعلنوا استقلال بلادهم، وأراقوا في سبيله دمائهم، وترى الجبهة أن انتصار الأندونيسيين هو انتصار الحرية نفسها، وأن أقل ما يجب على الحكومات العربية، الاعتراف بهذا الاستقلال الواقع، ليكون من السابقين الأولين في تأبيد قضية الحق والحرية، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام. 12 ذو الحجة 1365 هـ. نوفمبر 1946

رحلة أمين سر جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى الأقطار الشقيقة

رحلة أمين سر جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى الأقطار الشقيقة أوفدت الجبهة أمين سرها العام الأستاذ الفضيل الورتلاني، إلى سوريا ولبنان، لإثارة الرأي العام فيها عن قضية المغرب العربي، بواسطة المحاضرات والصحافة، والاتصال برجال الحكم والنواب والزعماء والهيئات، فقام من القاهرة بالطائرة إلى دمشق في منتصف شهر شعبان 1365، فقضى ما بين سوريا ولبنان نحو عشرة أيام، ثم عاد بالطائرة بعد ما قام بمهمته أحسن قيام، ولقي من رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، والوزراء، والصحافة، والهيئات، من التكريم والتشجيع ما لا يستطيع القلم أن يوفي حقه من الشكر والثناء، ويسرنا أن نورد نبذة مما يتعلق بهذه الرحلة المباركة فيما يلي: إسماعيل علي، مدرس بالأزهر، وعضو مجلس إدارة الجبهة بيان أمين سر الجبهة إلى الصحف العربية بمجرد وصول الأستاذ الورتلاني إلى البلاد السورية الشقيقة، أذاع النداء الذي نشرته جميع الصحف السورية في حينه: أيها العرب الأمجاد باسم ثلاثين مليونا من إخوانكم المجاهدين في المغرب العربي أحييكم تحية أخوة وأمل وألم وجهاد، وأحمل إليكم عواطف إخوانكم وتحياتهم ومباركتهم لكم في الجلاء الأجنبي عن دياركم، ما يجعلني مغمورا بنشوة من الفرح والغبطة، فخورا بزيارة البلاد التي تنسمت نسيم الحرية الحمراء، ونعمت بالكرامة بعد أن قدمت آلاف الضحايا والشهداء.

يوم العروبة المجاهدة في شمال إفريقيا محاضرة الأستاذ الورتلاني بدار الإخوان المسلمين بدمشق

إن هذا الجو العربي المليء بمظاهر العزة والكرامة، والذي يشعر به زائر هذه البلاد الكريمة، متجليا في كل ناحية من نواحي الحياة العامة، هو الذي يجعل قطرا عربيا كبيرا كالشمال الإفريقي، يتوجه إلى بلاد عربية كبلاد الشام، ليبث إليها شكواه، وليعرض عليها طرفا من محنته، فلقد طالت هذه المحنة به حتى كادت تهد من كيانه. ولولا إيمان بالله، وثقة بحقه، وأمجاد يتوارثها عن أجداده الغر الميامين، لناء تحت ضربات الاستعمار وألقى سلاح المقاومة منذ أمد طويل. إن الشمال الإفريقي العربي المسلم ليتوجه اليوم إلى بلاد العرب يذكرها بنفسه وبنكبته، ويؤكد لها تعلقه بالوحدة العربية، وتطلعه إلى أن يعيش مع الأقطار العربية الشقيقة، عيشة العزة والكرامة، وهذا ما جئت من أجله إلى بلاد الشام العزيزة، في زيارة قصيرة. وسأتحدث - اليوم - الثلاثاء في دار الإخوان المسلمين عن بلادي التي هي بلادكم، حديث من عرف داءها، واصطلى بنار طغاتها، وأنا أرجو أن أجد من أبناء هذه المدينة الخالدة تشوقا إلى معرفة الواقع في بلادنا. ورغبة في الإطاحة بحركات جهادها، ما يجعلني أعود إلى بلادي وأنا أحمل من تباشير الوعي العربي ما تشد أزرها في نضالها، ويخضد من شوكة أعدائها، أسأل الله أن يجمع شمل هذه الأمة، وأن يكتب لها أن تعيد سيرتها الأولى حتى تحتل مكانتها في قيادة الإنسانية إلى مواطن السمو والخير والسعادة. الفضيل الورتلاني يوم العروبة المجاهدة في شمال إفريقيا محاضرة الأستاذ الورتلاني بدار الإخوان المسلمين بدمشق نشرت الجرائد الدمشقية تعليقات ضافية على المحاضرة التاريخية التي ألقاها الأستاذ الورتلاني بدار الإخوان المسلمين بدمشق، وأصدرت جريدة المنار اليومية عددا خاصا بها، ونأسف من عدم إثباتها في هذا العدد الخاص لطولها، وقد عهدت المنار بوصف موجز للحفلة في العدد الذي قبل العدد الخاص، بالكلمات الآتية، تحت العنوان أعلاه:

ابتدأت الحفلة بما تيسر من القرآن الكريم، ثم تقدم عميد الجمعية الأستاذ محمد المبارك، فعرف بالمحاضر وقال: إذا عرفتم الفضيل الورتلاني، عرفتم صفحة من صفحات الجهاد. في هذا العصر، وذكر أمثلة بين فيها كيف أن الأستاذ الورتلاني يدعو لعروبة شمال إفريقيا في باريس، وكيف يضع الأناشيد الوطنية باللغتين العربية والفرنسية ليذكي شعلة الحماس، والوطنية، والرجولة في أبناء ذلك القطر. ثم تقدم الأستاذ الورتلاني، فألقى محاضرة فياضة، استهلها بتهنئة السوريين بجلاء الجيوش الإفرنسية عن ديارهم، وبين أن إخوانهم بشمالي إفريقيا، مغتبطون لاغتباطهم. وبين أن جلاء الجنود عن سوريا لا يكفي، بل يجب أن يكون شاملا لكل أثر من أثار الاستعمار، وأنه لا يمكن أن تحيا حياة سعيدة في هذا العصر الذي اخترعت فيه القنبلة الذرية، إلا إذا كنا مجتمعين، متعارفين، متكتلين، ولن يكون هذا التكتل وهذا التعاون إلا إذا سبقه تعارف. ثم أفاض في ذكر أمثلة وافية عن مكان تلك البلاد، والبالغ عددهم 30 مليونا أو يزيدون، وأنهم مجتمعون، متفقون عقولا وأجساما ولغة، ويؤسفنا أن هذه الكتلة الجبارة لم يسع إخواننا العرب للتعرف يوما على أوضاعها، ثم توجه إلى رجال الصحافة في البلاد العربية، وبين تقصيرهم من ناحية الدعاية لشمالي إفريقيا التي تئن تحت نير أقسى استعمار، وبين تقصيرهم أيضا في الدعاية لكل ما يتصل بالعروبة. وأنهى كلمته شاكرا الرئيس الأول على حفاوته التي لقيها منه، وسننشر خلاصة محاضرته القيمة في غير هذا المكان. ثم تقدم المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا ولبنان، الأستاذ الشيخ مصطفي السباعي، وعلق على كلمة الأستاذ الورتلاني، وذكر الشيء الكثير عن تاريخ الاستعمار الفرنسي في بلاد الجزائر، ومما قال:

سيذهب المؤرخون، يمينا وشمالا فيما سبب انهيار فرنسا، ولكن أنتم أيها الأبطال، وأيها الزعماء، كشفتم للتاريخ عن سر انهيار هذه الدولة، التي لم نخجل أن نقول أنها أم الدنيا، وأم الحريات. وأنهى كلمته بتلاوة برقية ترسل باسم الحاضرين إلى الأمين العام للجامعة العربية، وإلى وزير فرنسا المفوض في مصر، هذا نصها: "الجماهير المحتشدة في دار الإخوان المسلمين لنصرة العروبة المجاهدة في شمالي إفريقيا، تعلن استنكارها لسياسة فرنسا الغاشمة، في ذلك القطر العربي الشقيق، وتحيي جهادهم، وثباتهم على الدفاع عن حريتها وكرامتها، وتعاهد الله بأن تربط مصيرها بمصير إخوانهم. وتتوجه إلى الجامعة العربية، وملوك العرب، ورؤسائهم بالمطالبة برفع الظلم عن ذلك الشعب المناضل، حتى يضم إلى دول الجامعة، وينعم بجلاء الأجانب عن أوطانهم جلاء تاما لا يشوبه احتلال. زين العابدين التونسي الأمير سعيد الجزائري السيد محمد المكي الكتاني مصطفى السباعي ثم تكلم الأمير مختار الجزائري، فاستهل كلمته بشكر الأستاذ الورتلاني، ثم شكر الحاضرين وقال: لقد رافقت الأستاذ الورتلاني، في مراحل ثلاثة في الجهاد، وفي سبيل الجزائر العربية، وفي جميعها وجدته ذلك المجاهد الجزائري، وفي جميعها كان مثال الإخلاص، ومنبع الحماس لقضيتها الحقة، ولمبادئ التحرر من الاستعمار، وانتهت الحفلة، وخرج الحاضرون يلهجون بالإعجاب والتقدير.

تصريح رائع عن شمالي إفريقيا لرئيس الوزارة السورية إلى سكرتير الجبهة الأستاذ الورتلاني

تصريح رائع عن شمالي إفريقيا لرئيس الوزارة السورية إلى سكرتير الجبهة الأستاذ الورتلاني زار المجاهد الكبير الأستاذ الورتلاني دولة رئيس وزراء سورية في مكتبه، فجرت بينهما أحاديث ودية عن شعور العرب بعضهم نحو البعض، وما يجب عمله لدعم التضامن، وجعل الوحدة العربية، وحدة حقيقية ترضي مطامع العرب وتحقق أهدافهم، وقد أدلى دولة الرئيس في نهاية الجلسة بالحديث الخطير الآتي، ونشرته المنار وغيرها: نحن نعتبر أن القومية العربية، تمتد من المحيط الأطلسي، حتى خليج البصرة، ونعتبر أن شمالي إفريقيا جوهرة ثمينة في عقد الوحدة العربية، وهو أكثر الأقاليم العربية انسجاما ووحدة، كما أنه أكثرها عرضة للمتاعب والظلم. فواجب البلاد العربية، أن تشد أزره بكل الوسائل الممكنة، وعلى الجامعة العربية أن لا تشغلها مشكلة قطر عربي عن مشكلة قطر آخر بل يجب أن تأخذ الجسم العربي كمجموعة واحدة، تنظر إلى جميع أعضائه نظرة واحدة، تعالج الضعيف وتشفي الناقه، وتستعين بالقوي، وأننا لنقدر هذا الخطر الجاثم على صدر شمالي إفريقيا، ونقدر نتائجه، ولكننا مؤمنون كل الإيمان بأن الأمة العربية لها من المناعة، ما لم تستطع الدهور السالفة أن تمحوها، ولا يستطيع المستقبل أن يزيلها، وأن إفريقيا العربية صائرة حتما إلى الاجتماع مع الأقطار العربية شاء الأجنبي أم أبى، فعلى أبنائه أن لا يرموا بأنفسهم في أحضان اليأس، وأن يعتمدوا على الله أولا، ويثقوا بعدالة قضيتهم ثانيا، فمن لم يؤمن بعدالة مطلبه،

سعد الله بك الجابري يجابه الوزير الفرنسي بشأن شمالي إفريقيا على أثر المقابلة

لا يستطيع العمل، وعليهم أن يعتمدوا على إخوانهم ثالثا وعلى أنفسهم أخيرا، حتى إذا اقتضى الأمر بعض التضحية، تقدموا غير نادمين ولا مترددين؟ وأنا لا أشك في أن أهل الشمال الإفريقي العربي في جهاد عنيف كلفهم وسيكلفهم الشيء الكثير من التضحيات، في النفوس والأموال، ولا يزال أمامهم الطريق مليئا بالأشواك، وأنا جد معجب بجهادهم وتضحيتهم، مما يجعلني أؤمل في المستقبل القريب إن شاء الله أن يحصلوا على حريتهم، واستقلالهم، واتصالهم بالدول العربية الأخرى. لقد أصبح الاستعمار اليوم أمرا غير مقبول، وليس من المقبول أبدا أن يحرم الشعب من حريته وكرامته، وخاصة إذا كان هذا الشعب هو الشعب العربي، وأخص منه هذا الشعب المجاهد الثابت شعب إفريقيا الشمالية. وسنسعى مع بقية الدول العربية، لتهتم الجامعة العربية بهذا الشعب اهتماما عمليا يتفق مع أمانينا وأهدافنا القومية العربية الاستقلالية ولأن هذا الاستقلال من مصلحة العرب أجمع، وليس عندنا أسهل من تضحية كل شيء في سبيل البلاد العربية وتحقيقه، وإذا كان القدر قد جعلك تولد في الجزائر مثلا، فهو لا يعطيك الحق بالأفضلية علي إذا كانت أقوم بخدمة الجزائر مثلا، إن وطننا بلاد العرب أجمع لا فرق بين قطر وقطر، ونرجو أن نصل قريبا إلى الوحدة الشاملة التي لا تعرف حدودا ولا قيودا. سعد الله بك الجابري يجابه الوزير الفرنسي بشأن شمالي إفريقيا على أثر المقابلة دولة تؤكد له أن شمالي إفريقيا، قطر عربي يهتم بمستقبله جميع العرب أذاعت الوكالة الفرنسية، أنه جاء في نشرة رسمية، صدرت عن دار الجمعة العربية، أن سعد الله الجابري، رئيس وزراء سوريا، دعا الوزير

شكر الجبهة للجمهورية السورية حكومة وشعبا

الفرنسي المفوض، وأعرب له عن قلق السوريين، على إخوانهم العرب في شمال إفريقيا، بعد تلقيهم الأنباء الأخيرة عنهم. فأجابه الوزير، إن الأنباء التي نشرت في سوريا مبالغ فيها، وعلى كل حال، فالمسألة في الحقيقة، من المسائل الفرنسية، فقال دولة الرئيس أن وجهة نظر العرب جميعا تخالفها، فشمال إفريقيا قطر عربي، يهتم بمستقبله جميع العرب. شكر الجبهة للجمهورية السورية حكومة وشعبا عهدت جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، إلى فضيلة أمين سرها العام، الأستاذ الشيخ الفضيل الورتلاني، ببسط قضية شمالي إفريقيا، لدى أولي الأمر في الحكومة السورية، وزعماء السياسة، ورجال الصحافة، والجمعيات العربية والإسلامية، هنالك قد قام فضيلته بما عهد به إليه خير قيام، وحظى بمقابلة صاحب الفخامة رئيس الجمهورية، ومعالي رئيس الوزراء، وغيره من الوزراء، ولقي منهم عناية كبيرة بقضية شمالي إفريقيا، واتجاها إلى العمل لفائدتها، كما لقي من رجال الصحافة، والزعماء السياسيين والإسلاميين، احتفاء وتقديرا. والجبهة تقدم شكرها الجزيل، إلى فخامة رئيس الجمهورية السورية، ومعالي رئيس الوزراء، ورجال الصحافة، والأمة السورية، على ما أسدوه إلى الجبهة من تكريم، في شخص أمين سرها العام، وترجو من الله تعالى، أن يمد الشعوب الناهضة، لنيل حريتها بالتأييد. الجرائد المصرية والسورية رئيس الجبهة محمد الخضر حسين

هذا هو الزلزال الحق فرنسا تنصب في الجزائر دكتاتورا وإلها للشر

هذا هو الزلزال الحق فرنسا تنصب في الجزائر دكتاتورا وإلها للشر ما كان أهل لبنان، يتوقعون أن تغضب عليهم الطبيعة مرة ثانية، بعد كارثة الفيضان، بنهر أبو علي، وشأن أهل لبنان، كشأن أكثر الناس حينما تغمرهم الغفلة، حتى يظنوا أنهم في منجاة من ابتلاء الله، والإنسان، من يوم عرف الحياة، وعرفته، مطبوع على الغفلة والنسيان، فلا يكاد يخرص رنين جرس النذير له حتى يأخذ طريقه من جديد، إلى مواطن الهلاك، ولا يكاد يرتفع سوط التأديب، من القدر، فوق ظهره، حتى ينسى السوط، وصاحب السوط، ثم يظن أنه قد أصبح وحده صاحب الأمر، والنهي في هذه المعمورة وأنه باق فيها إلى الأبد غير قابل للانتقال، وقد استفحل هذا الداء العياء، على بني البشر، فأظلمت نفوسهم، وتحجرت قلوبهم، واكتسبوا مناعة ضد كل العلاجات الروحية العادية، من وعظ وتذكير، العادية، وما أشبه الوعظ والإرشاد والتذكير. لذلك اقتضت حكمة الله البالغة، أن يدخل في الأمر جنود الطبيعة القاتلة، كالفيضانات، والزلازل وغيرها، ومن يدري لعلنا غدا أو بعد غد، سنرى من آثار جنود الله، ما هو فوق الفيضان والزلزال، وما يعلم جنود ربك إلا هو، وما هي إلا ذكرى للبشر. ولقد كث من الذين عاصروا هذا الزلزال المتواضع، الذي فاجأ أرض لبنان، في ساعة من الليل والناس ما بين نائم ومتهيء للنوم، وقد أحسست بوطأته كما أحس به الناس، وأشد من الناس.

ومع ذلك فأنا أحس بزلزال آخر، ينزل في أرض عربية أخرى، أخطر وأشنع من زلزال لبنان، بأضعاف مضاعفة، هذا الزلزال الحقيقي الداهم، هو في الجزائر العربية الصابرة المكافحة، تتولاه قوى الشر الفرنسية الحاقدة، المتوحشة، ولا أحب أن أسود هنا بياضا في شرح تلك الزلازل البشرية بالتفصيل، وإنما قصدي اليوم فقط أن أضع بين يدي القارئ الكريم، هذه الصلاحيات، الاستثنائية، التي زودت فرنسا بها، وزيرها المقيم في الجزائر المسيو لاكوست، ولو أردنا أن نختصر الصفة، التي تعطيه له هذه الصلاحيات في كلمة واحدة لقلنا أنه "إله الشر". لقد أصبح لاكوست، ممثل فرنسا في الجزائر، حاكما بأمره، وإلها للشر وحده، لا شريك له، ولكنه إله حقير، من جنس الذي يبول عليها الثعالب، ولقد ذل من بالت عليه الثعالب. وهذه هي الصلاحيات، كما نشرتها الجريدة الرسمية، وقدمت لها بعض الصحف بالكلمة الآتية: نشرت الجريدة الرسمية اليوم 19 - 3 - 56 نص القانون الذي وافق عليه البرلمان أخيرا، وقضى بمنح الحكومة الفرنسية، سلطات استثنائية لمعالجة المشكلة الجزائرية، مما جعل روبير لا كوست الوزير الفرنسي، المقيم في الجزائر، دكتاتورا فعليا، يتمتع بسلطات واسعة، تعطيه حق الحكم بالإعدام، على كل من يهرب من الجيش الفرنسي، وينضم إلى الثوار، ويزودهم بالأسلحة والذخيرة، وقد وصل الوزير إلى الجزائر، قادما من باريس، بهذه السلطات المختلفة: 1 - الخطر الجزئي أو التام، لتنقل الأشخاص والسيارات والحيوانات في المناطق والأوقات التي تحددها الأوامر. 2 - مراقبة تداول السلع المختلفة.

3 - تنظيم أو حظر الصادرات والواردات والمبيعات، ونقل وتخزين السلع والخامات والحيوانات. 4 - تحديد مناطق تقيد فيها تنقلات الأفراد، أو تمنع كلية. 5 - إلزام كل من يأوي في منزله أشخاصا من غير أسرته، إبلاغ البوليس عنهم. 6 - مراقبة كل من يدخل الجزائر، أو يخرج منها أو يقيم فيها، من الفرنسيين أو الأجانب، وإبعاد أي شخص يعرقل أوامر السلطات المختصة وأعمالها. 7 - تحديد إقامة كل من يقوم بنشاط خطر على النظام، والأمن العام. 8 - حظر الاجتماعات العامة أو الخاصة التي قد تثير الاضطرابات أو يطيل أمدها. 9 - إغلاق دور السينما والمسارح والمطاعم والحوانيت وقاعات الاجتماعات إغلاقا مؤقتا. 10 - التبليغ عن الأسلحة، والذخائر، والمفرقعات، والبحث عنها ومصادرتها. 11 - تفتيش المنازل في أي وقت من أوقات الليل والنهار. 12 - مراقبة جميع وسائل التعبير، وبخاصة الصحف وسائر المطبوعات الأخرى والمواصلات التليفونية والإذاعات اللاسلكية والحفلات السينمائية. 13 - نقل أو وقف أو وضع تحت تصرف السلطات، أي شخص أو موظف رسمي يقوم بنشاط ضار بالنظام والأمن العام. 14 - حظر وحل أية شركة أو جمعية أو هيئة يعرقل نشاطها النظام والأمن العام. 15 - القيام بعمليات الاستيلاء والمصادرة. 16 - تحديد التعويضات عن الخسائر التي تلحق بالممتلكات العامة أو الخاصة، نتيجة لأعمال الذين يساعدون الثوار أو يسهلون العناصر الثورية.

17 - وقف إلى أجل غير مسمى، أي شخص رسمي منتخب، يعارض أي عمل من أعمال السلطات، وتأجيل أي انتخاب جزئي. 18 - إنشاء مناطق تسند فيها مسؤواية صيانة الأمن العام إلى السلطات العسكرية التي تتولى بمقتضى ذلك السلطات البوليسية المدنية، وإعلان حالة الطوارئ. 19 - يعاقب كل من يخالف هذه الإجراءات بالحبس من 8 أيام إلى سنتين، أو بغرامه قدرها يتراوح بين 5 آلاف ومليوني فرنك. وبعد؛ فأي الكارثتين أعظم؟ وأي الزلزالين أضخم؟ أهذا الذي حصل في لبنان، ودام بضع ثوان معدودات، وكان بالناس رحيما؟ أم ذلك الذي ابتدأت هزاته العنيفة، منذ سنة ونصف في الجزائر، وما تزال وطأته تشتد ساعة بعد ساعة، منذ ذلك اليوم، على أمة بأجمعها ووطن بأكمله، حتى نصبوا له اليوم، إلها، وزودوه بهذه الصلاحيات، ثم أوصوه وأعوانه، بالجرائري المسكين، وقالوا لهم: خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه، إنه كان لا يؤمن بالإستعمار العظيم، ولا يحض على قتل المسكين، فليس له اليوم هاهنا حميم، ولا طعام إلا من غسلين، ثم ماذا؟ إن زلزال لبنان الذي عاش في أرضه بضع ثوان، قد اهتزت له الدنيا، وقامت له رحمة أهلها - بحمد الله - ولم تقعد حتى الآن، فما تخلف عن مواساته عربي ولا عجمي، ولا أسمر ولا أبيض، ولا مسلم ولا مسيحي، ولا ديمقراطي ولا شيوعي، إلا وساهم بأكرم ما يواسي الإنسان به أخاه الإنسان، ماديا وأدبيا، فلقد مرت على أسماعنا وأبصارنا، أرقام التبرعات، وكان فيها المليون، والمائة ألف، وما دون ذلك، ولقد مرت علينا في الصحف والمجلات، قصائد ومقالات تعد من عيون البيان، ومن أرق ما قيل في الرثاء والعزاء، والتحريض على النجدة، أن هذه الأمواج التي غمرت منكوبي الزلزال في لبنان بالعطف والتقدير، لجديرة بأن تنسيهم هول النكبة، وتخفف عليهم آلامها، ثم

رأي الأمريكان في قضية الجزائر

تذكرهم بحكمة الله التي جمعت القلوب، وفرضت المساواة بين جميع الناس، ولو لبضع ثوان من الزمن، نسأل الله جلت قدرته وعز جبروته، أن يبعث بحفنة مناسبة سريعة من زلازله الكثيرة، إلى واشنطن، ولندن، وباريس، وموسكو، وأن يجعل أكبر نصيب منها لتلك المقامات العالية، التي يقيم فيها من نسميهم بالكبار، والذين يظنون، أن مفاتيح خراب الدنيا، قد أصبحت بأيديهم، من يوم ملكوا زمام القنبلة الذرية والهيدرومبية، ولعلهم إذا أحسوا بجبروت رب العالمين، شعروا بتفاهة جبروتهم، ولعلهم إذا عرفوا رحمة الله بهم وبالناس، أمسكوا عن الشر، وتحولوا إلى رحماء. وبعد: فأننا نحمد للبنان الشقيق، أن هيأ الله له هذا العطف العالمي الكريم، ولكننا من حقنا بهذه المناسبة، ومن واجبنا، أن نصرح بأعلى أصواتنا، في وجوه أهل الدنيا جميعا: أنكم إذا لم تسارعوا إلى نجدة الجزائر، وتعملوا من غير من ولا أذى، على تخليصها من بين شقوق هذا الزلزال الفرنسي الخبيث، فإنه يوشك أن يبتلعها بمن فيها وما فيها، إذا لم تفعلوا ذلك، أو بعضه على الأقل، فمن حقنا أن نسجل للتاريخ ونعلن للدنيا، أن إحسانكم للبنان وغير لبنان، إنما هو رياء في رياء، ونفاق في نفاق، وأنه سيكون للتاريخ حتما حساب قاس، مع كل واحد على قدر مركزه، ومسؤوليته، وتقصيره، واعلموا أن الله قد يمهل للمقصر، كما يمهل للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته. عن بيروت المساء والمنار الفضيل الورتلاني رأي الأمريكان في قضية الجزائر إن رأي الأمريكان الرسمي، مضطرب أشد الاضطراب، فبينما يعلن سفيرهم في باريس، تأييد حكومته لفرنسا في الجزائر، إذا بالرئيس إيزنهاور، يعلن بعد يومين، بأنه يتمنى أن تنتهي مشكلة الجزائر، بطريقة سلمية، مع عدل وإنصاف، وعلى كل حال، فالاستعمار ملة واحدة، ولا يمكن مطلقا لأبناء الملة الواحدة، أن يتخاذلوا إلا مؤقتا، ونحن إنما نعتمد - بعد الله على أنفسنا، وما حك جسمك مثل ظفرك،

دعاة الوحدة العربية

أما رأي الأمريكان الشعبي، فلا يمكن حصره، لأن الولايات المتحدة وحدها، إنما هي أمم وأقطار، ففيها من الآراء، بقدر كثرة عددها، وسعة أقطارها، إنما الذي لا شك فيه، هو أن كفة الاستعمار والدعاية بين أظهرهم هي الراجحة، بل تكاد تكون وحدها في الميدان، وبين أيدينا الآن، مقال لكاتب أمريكي كبير، حرره بالقرب من الحوادث في الجزائر، حيث زارها، وتنقل في أطرافها، واجمع بكثير من المسؤولين فيها، والكاتب هو "بنغامين برادلي" مندوب جريدة "نيوزويك" الكبرى، ونحن ننشر المقال ونعلن عليه لخطورته، وخطورة الأمة التي نشر فيها، قال الكاتب: إن الظروف لقيام السلم في الجزائر غير قائمة، فإجراء انتخابات حرة، هو أمر في حكم المستحيل، ما دام الوطنيون يعلنون صراحة أنهم لا يريدونها، وأنهم سيقضون على كل من يتقدم للترشيح أو للانتخاب على السواء، كما أن دمج الجزائر في فرنسا، لن يؤدي إلا إلى استمرار الحرب لفترة أطول. وأما الدعوة إلى إنشاء ولايات متحدة لشمالي إفريقيا، فتلقى شيئا من التأييد من جانب الوطنيين، ولكنها تقابل معارضة شديدة من جانب المستوطنين. وفي نفس الوقت، يعارض الفرنسيون معارضة باتة، الاقتراح القائل: باعتبار الجزائريين العرب مواطنين فرنسيين، لهم كل ما للفرنسيين من حقوق. فالفرنسيون لن يقبلوا بأي حال من الأحوال، أن يدخل إلى الجمعية الوطنية 200 نائب ليمثلوا مسلمي الجزائر. دعاة الوحدة العربية ويختلف الوضع في الجزائر، عما كان عليه في تونس ومراكش، إذ ليس في الجزائر هيئة تمثيلية للزعماء الوطنيين، يمكن لفرنسا أن توقع معها اتفاقية، تكون لها قيمة عملية. وقد فقد المعتدلون كل نفوذ كان لهم من قبل. وتستمع الجماهير الآن، إلى الصيحات الرنانة التي يطلقها دعاة الوحدة العربية، من أمثال "ابن بلة" الذي يقود "جيش التحرير الجزائري" من مقر قيادته في القاهرة، كما يستمعون إلى الدعايات المختلفة، التي يروجها الشيوعيون.

لا ثقة بعد تراجع موليه

لا ثقة بعد تراجع موليه وفي القاعة المزخرفة، التي يشغلها المجلس الاستشاري الجزائري ببولفار كارنو، والتي تطل على ميناء الجزائر الذي يزدحم بالعمل، صرح النائب المسلم الدكتور عيسى ابن سالم، الذي كان معدودا في يوم من الأيام من المعتدلين، صرح لمندوب النيوزويك بقوله: "نحن مسلمون فقدنا كل ثقة بفرنسا، فقد كان قبول موليه لاستقالة كاترو، تراجعا كاملا". وحوادث كل يوم تزيدنا اقتناعا، بأن الصف يؤدي إلى نتائج إيجابية، وقد شهدنا بأعيننا الدليل على ذلك، في الأسبوع الماضي. وفي ردهة "أوتيل آلي" أدلى الزعيم المسلم صلاح مصباح، بتصريح أشد وضوحا، قال: "إن الدم يجب الآن أن يبذل بشكل متزايد .. ونحن المعتدلين لا ندعي أن في وسعنا السيطرة على شعبنا، إن 95 بالمائة منهم خاضعون لسيطرة المقاتلين الوطنيين، التابعين لابن بلة". نابليون الجيب وفي نفس الوقت نجد أن المتطرفين يسيطرون على الجانب الفرنسي أيضا، وفي مقدمة هؤلاء المتطرفين، جان باتيست بياجي، وهو من أبناء كورسيكا الأشداء، ويشتغل محاميا في باريس، وقد برز بين عشية وضحاها، كبطل في نظر الآلاف من المستوطنين الفرنسيين، وقد جعل مقر قيادته، في مقهى "أوشي سوا" الجزائري، ويلقى فيه أتباعه، وهو يسير جيئة وذهابا، وقد وضع يده في فتحة صدريته، على طريقة نابليون. وهو يخطب في اجتماع بعد اجتماع، ملهبا حماسة المستوطنين الفرنسيين، بعبارات طنانة كقوله: "اطرقوا الحديد وهو ساخن ... اطرقوا ضد المؤامرات التي يحيكها جي موليه ... ولن يذوق محارب فرنسي واحد طعم النوم، ما دام هناك مقاتل جزائري على قيد الحياة".

الموقع الأخير الباقي

وقد قال بياجر في أحد خطاباته: نحن لا نتعلم شيئا من الأمريكيين الذين قضوا قضاء تاما على الهنود الحمر، والذين قتلوا الصبي ايميت ثيل، والذين طاردوا الطالبة الزنجية في ألباما. وقد استقبل جمهوره هذه العبارات الهستيرية بالهتاف. الموقع الأخير الباقي هذا بينما خلف الستار، زعيم آخر - يدعى أندريه أشياري - يدعي أنه يسيطر على فرق كبيرة منظمة، مستعدة للقيام بأعمال الإرهاب، وقد كان في يوم من الأيام من قادة حركة المقاومة، وكان أحد الأشخاص الذين سارعوا في التمهيد لغزو قوات الحلفاء في شمالي إفريقيا في عام 1952، وفي وسط كل هذا الاضطراب، قام اثنان من نواب بوجاد، ذي النزعات الفاشية الواضحة، بزيارة استطلاعية للجزائر، وقضينا يوما طويلا في الاستماع إلى أقوال المواطنين الساخطين. ومشاعر هؤلاء المستوطنين، لم تعد تحتمل الخطأ، ففي بار فندق - سان جورج - الذي كان إيزنهاور قد اتخذه مقرا لقيادة قواته في شمالي إفريقيا. صرخت مدام كريستيان رينو - وهي سيدة محتفظة بجمالها رغم تقدمها في السن، ووالدة لجيلين من المستوطنين الفرنسيين - صرخت بقولها: هذه بلادنا، فهل يتوقعون منا الآن أن نتخلى عنها دون قتال؟ إن هذه لن تحدث، وأنا سأموت هنا، قبل أن يتم ذلك، وسيموت أبنائي معي. كما صرح أحد الفرنسيين القادمين إلى الجزائر، حديثا متباهيا بالرشاشات الخمسة عشرة التي أحضرها معه من فرنسا، استعدادا للطوارئ، ثم أضاف متجهما "إن هذا هو الموقع الأخير الباقي".

سياسة موليه

سياسة موليه وعلى الرغم من التفاؤل الرسمي الذي يتظاهر به موليه، يسود الشعور هنا بأنه ليس هناك أمل كبير في الوصول إلى تسوية بين الطرفين. فهو مقتنع أولا بأنه لا بد من إعادة السلم والهدوء قبل كل شيء، حتى إذا استلزم ذلك مزيدا من سفك الدماء في بداية الأمر، وليس ذلك بالأمر السهل الآن، وأكثر القوات الميكانيكية الفرنسية تحاصرها الثلوج في الجبال القبائلية الوعرة، ولا تستطيع الدبابات الثقيلة، والسيارات المصفحة، وسيارات جيب أن تتجاوز الطرقات الممهدة، وهي بذلك هدف سهل للمهاجمين الجزائريين. وقد وصف أحد القواد الفرنسيين الموقف، بأنه أشبه ما يكون بمحاولة قتل الذباب بسيارة. وأنه لمواجهة المعركة في منطقه تكاد تبلغ مساحتها مساحة فرنسا، يجد الجيش الفرنسي نفسه بحاجة ماسة، إلى زيادة تدريبه على فنون حرب العصابات كما أنه لا بد من إيجاد طريق فعال، لوقف وصول الإمدادات المستمرة، إلى الثوار من مصر وليبيا. وقد اقتنع موليه ثانيا، بأنه لا بد من اتخاذ إجراءات جدية، لرفع مستوى حياة الجزائريين العاديين، ففي هذا البؤس الذي تعانيه الجماهير العربية، تكمن جذور المأساة الجزائرية، وما يزال ما يقرب من ثلث الأراضي الصالحة للزراعة، ملكا لـ 25 ألفا من المزارعين الفرنسيين، كما أن 40 بالمائة من الوطنيين، يعانون البطالة، وأجور العمال العرب، لا تتجاوز الدولار الواحد يوميا لأسرة كاملة، ولا يتردد على المدارس من الأطفال العرب، أكثر من ربعهم. وقد اضطر الآلاف من الأهالي، إلى مغادرة الريف، والزوج إلى الضواحي الفقيرة المزدحمة البائسة، التي تحيط بكل مدينة كبرى بالجرائر.

توضيحات، وتعليقات ... لا بد منها

وفي بداية هذا الأسبوع، كان يبدو أن موليه قد تراجع، أمام القائلين بأن القوة والقوة وحدها، هي السبيل العملي للاحتفاظ بالسيطرة على الموقف في الجزائر، وهذا بطبيعة الحال، قد يكون صحيحا لفترة قصيرة. ولكن التجربة المرة التي عرفتها فرنسا، قد دلتها على أن القوة لم تستطع أن تحقق شيئا مذكورا في سبيل وقف تيار الوطنية الصاعد في شمالي إفريقيا. توضيحات، وتعليقات ... لا بد منها لا يمكن للقارئ العادي أن يخرج من مثل هذا الاستعراض، بفكرة نظيفة، ما لم نوضح له أكثر من حقيقة واحدة، وما لم نعلق على أكثر من رأي واحد، وقبل ذلك كله، نريد أن نذكر بأن الأمريكان، هم الذين يقولون بأن الكذب، هو من أعظم المؤهلات الصحفية، وللتدليل على ذلك، وللترويح على القارئ معا، نروي هذه القصة الطريفة، قالت الصحف: زار مصر أخيرا "روبرت كروميك" صاحب جريدة "شيكاغو تريبون" ومن ألطف فكاهات الصحفية التي رواها قال: جاءني صحفي شاب، يرجو أن أعينه في "شيكاغو تريبون" فسألته: أوتجيد الكذب؟ قال أعتقد أنه بوسعي أن أتدرب على إجادته، قلت إذن إذهب وتدرب أولا، ثم عد إلي بعد حدقه. ويعقب الصحفي الأمريكي الكبير، على ذلك قائلا: لست أعدو الواقع، إذا قلت أن الكذب أصبح من مؤهلات الصحافة الأمريكية، وهذا الذي يذهب إليه الصحفي الأمريكي، حقيقة لا يختلف فيها اثنان، وحقيقة أخرى، هي أن الكذب لها سوق تجارية، ترتفع فيها الأسعار وتنزل، تبعا لقاعدة العرض والطلب، وشأن الكذب في ذلك، كشأن جميع البضائع التي تتداولها أيدي التجار، والذي يعرف خليط المستعمرين في الجزائر، يعلم ولا شك، أنهم أسخى خلق الله، في البذل على الكذب،

فما تركوا رئيسا، ولا وزيرا، ولا نائبا، ولا زعيما، ولا صحفيا، في فرنسا وفي غير فرنسا، ومن كل أرض لهم فيها مصلحة، إلا وساوموه، وأغلوا الثمن في شراء ذمته، وقد وقع في فخهم عدد كبير من كبار الرجال، فصنعوا منهم أكبر الكذابين. ولقد علمنا، نحن الجزائريين، الذين أجبرتنا رذالتهم، إلى ملاحقة مؤامراتهم في السر والعلن، بأنهم اعتمدوا عشرات الملايين من الفرنكات، لشراء الذمم في هيئة الأمم المتحدة، حتى لا يؤيدوا حق الجزائريين البائسين ضدهم، ومعنى ذلك أنهم يشترون أو يحاولون شراء دولا في شخص وفودها وممثليها. وتدل الظواهر والقرائن على أنهم حتى في هذا الميدان العالي، قد نجحوا في كثير من الأحيان، ولا يستغربن القارئ من هذه المحاولات الجبارة، ومن هذا البذل الواسع، فإن هؤلاء المستعمرين، ذوي النفوس الحقيرة، إنما هم تجار ماكرون ماهرون، فقدوا معاني الإنسانية، والشرف في سبيل الربح غير الحلال، فإذا أنفقوا عشرات الآلاف في سبيل الإبقاء على سلطانهم، في الجزائر، فإن هذا السلطان هو نفسه، يضمن لهم مئات الملايين على حساب أولئك المستضعفين من الجزائريين، ونحن نقصد من وراء هذه الفذلكة، أن يعرف القارئ أن كل ما تنشره الصحف الأوروبية والأمريكية وفي بعض الصحف الشرقية، إنما هو بضاعة واقعة دائما، أو في كثير من الأحيان، تحت تأثير هذا العامل الجبار، أعني البيع والشراء ومع ذلك فما تخلو أعمدة هذه الصحف من حقائق، ولو كانت مصحوبة بشيء من الغموض المقصود أو غير المقصود. وهذا المقال الذي بين أيدينا "للنيوزويك" الأمريكية هو من هذا القبيل، لما فيه من حقائق، ولما فيه من غموض. ولنشرح إذن هذه الحقائق، ولنوضح ذلك الغموض، أن الحقيقة الأولى والكبرى، هي أن الوطنيين الجزائريين لا يريدون حقا إجراء انتخابات في وطنهم على النحو الذي يريده الاستعمار، والذي لا يقبله إلا من هان على نفسه أو عير الحي والوتد، والغريب في حكام فرنسا الجريئين على الكذب، والدجل، وفي

مقدمتهم الاشتراكي الشاب الرئيس "جين مولييه" أنهم يعلنون في كل مناسبة، وفي غير مناسبة، وفي معرض المن والوعود الكريمة الديمقراطية، السخية، بأنهم مستعدون لإجراء انتخابات حرة في الجزائر إذا وضع الثوار أسلحتهم، واستسلموا للسلطات الاستعمارية، من غير قيد ولا شرط. سبحانك ربي، ما أوقح هؤلاء الحكام وما أصغر هذه النفوس التي ترضى موضع سخرية الأطفال، في الجزائر، وفي غير الجزائر، وما أجرأهم على التضليل، وعلى الهذيان. الواقع أن القارئ العادي، الخالي الذهن، حينما يقرأ أو يستمع إلى تصريحات الحكام الفرنسيين، وإلى نداءاتهم المتكررة، التي يوجهونها إلى الثوار، يظن، بل يعتقد حتما، أن أمنية الجزائريين الكبرى التي قامت من أجلها الثورة، هي إجراء انتخابات حرة فيها، مع أن الحقيقة الخالدة التي يعرفها حكام فرنسا المفترون، قبل أي أحد من الناس، هي أن أبغض شيء إلى الجزائريين عامة، وإلى الثوار بصفة خاصة، هو هذه الانتخابات السافلة التي يعرضها عليهم حكام فرنسا، كهدية ثمينة، وترضية لهم كريمة، والعلة في ثورة الجزائريين على هذه الانتخابات، معروفة فيهم عند الخاص والعام، فهي إلى جانب كونها لم تسلم ولا يمكن أن تسلم مرة واحدة من التزوير الفاضح، فهي قائمة على قواعد استعمارية وقحة، سلبتها كل هيئة الانتخابات، من المعاني الكريمة ويكفي أن يعلم القارئ، أن أكبر هيئة انتخابية في الجزائر هي ما يسمونه المجلس الجزائري وعدد أعضاء هذا المجلس (120) عضوا لكن نصفهم يمثل ثمانمائة ألفا من المستعمرين الأوروبيتين، والنصف الآخر يمثل أحد عشر مليونا من أبناء الوطن العربي المسلمين. أما المجالس المحلية، من بلدية ومديرية وغيرها، فهي أسوء من ذلك بكثير، لأن الجزائريين فيها، لا يمثلون أكثر من الثلث. وإذا علمت إلى جانب ذلك، بأن جهاز الإدارة التي تجري الانتخابات في الجزائر، هو كله من المتفرنسين، ابتداء من البواب، والبوليس العادي، إلى أن تصل إلى الحاكم العام، ثم إذا علمت مع ذلك أن أولئك المستعمرين، يملكون أكثر من نصف ثروة الجزائر، يستطيعون أن يشتروا بأموالهم أرفع الذمم.

إذا علمت كل ذلك، استطعت أن تفهم، وتقتنع بأن ثورة الجزائر، إنما قامت لأجل أن تقضي على هذا النوع من الانتخابات الملعونة، بل على هذا الضرب من الإهانات، التي تنزل بكرامة الأمة العريقة، إلى مستوى العبيد. ومع ذلك كله تسمع حكام فرنسا، في كل موقف كريم، وفي كل دعوة إلى السلام، يجعلون أسخى عروضهم، على الجزائريين، هي هذه الانتخابات السخيفة. الحقيقة أن الذي يعرف الأوضاع في الجزائر كما هي، ثم يسمع عروض أولئك الحكام، ولم يكن يملك ثلاجة يضع فيها أعصابه، فإنه لا يسعه إلا أن يخرج عن وقاره، ولربما يخرج عن آداب دينه، فيسب ويلعن ... ولقد أعلنا مئات المرات، أن الانتخابات التي يؤيدها الجزائريون في وطنهم، وأمتهم، ويقاتلون من أجلها، حتى النصر أو الفناء. إنما هي مثل انتخابات الفرنسيين في وطنهم وأمتهم، سواء بسواء. تلك الانتخابات التي سبقنا إلى المطالبة بها، ويسبقونا إلى الثورات، والقتال، وإعدام ملوكهم، من أجل الحصول عليها، وهم ما يزالون يباهون، ويفتخرون، حتى اليوم بتلك الفعال كلها. فهل يليق بكرامتهم، وأمجادهم، وتاريخهم، أو هل يليق بمنطق الذي يحتكم إليه الناس، أن يلوحوا علينا إذ قلنا لهم: نحن على آثاركم مقتدون، وعلى طريقتكم المفضلة سائرون، وعلى كل حال، فليعلم الفرنسيون أننا، والله العالي القهار، لنقاتلن كل من يقف في طريقنا هذه التي سبقتمونا إلى سلوكها، ولو كان الواقف فيها، من أعز الناس لدينا، ولو كان من ملوكنا وعظمائنا. فكيف لو كان من جلادينا، وممن لا يريدوا أن يعترفوا لنا بحق اشتريناه بدمائنا. نعم اشتريناه بدمائنا - رغم كونه حقا طبيعيا لنا - يوم قدمنا مئات الآلاف من زهرة شبابنا، ليحققوا لكم النصر، في حربين عالميتين، لم تكونوا فيهما شيئا معتبرا راجحا لولا

قوى الجزائريين وبلاؤهم، أن تظنون، أنه ما يزال في الإمكان، أن تظل هذه القوى إلى جانبكم، وحريتهم مسلوبة، وغدركم بهم، واحتقاركم لهم، سنن دائمة خالدة .. ؟ كلا يا سادة، إذا لم تريدوا أن تعقلوا جيدا، وتفكروا في مصلحتكم الحقيقية البعيدة، فإنكم ستجدوننا أمام الدفاع عن كياننا أجن من المجانين بإذن الله، ولن يبقى يومئذ في الدنيا حرام نمتنع عن استعماله ضد وحشيتكم واستعبادكم والله المستعان. الحقيقة الثانية: إن محاولة إدماج الجزائر في فرنسا، لن يؤدي حقا إلا إلى استمرار الحرب لمدة أطول، لأن هذه المحاولة، مخالفة لكل القواعد التي تسير عليها الطبيعة، وتسير عليها البشرية في حياتها، فجمع الليل مع النهار، ودمج بعضها في بعض آخر تأباه قوانين الطبيعة، ومحاولته عبث يتنزه عنه حتى الأطفال، وكذلك دمج أمتين في بعضهما ولم يكن يجمع بينهما في الأصول، ولا فيما تعاشرا فيه من أعوام، سوى ما يجمع بين الذئب والحمل، وبين الأضداد من الأشياء، والحياة البشرية الكريمة تأبى كذلك، أن تتألف شركة بين أفراد من الناس، يكون فريقا منها عبيدا، وفريق آخر سادة، ومما يحسن توضيحه هنا، وهو يبعث على الضحك والبكاء في آن واحد، هو أن الفرنسيين، وخاصة حكامهم وزعماؤهم، ملأوا أجواء الفضاء ادعاء وصراخا بأن الجزائر فرنسية، وأن أهلها فرنسيون، وأنه لا تعتريهم حالة من الهستيريا، حينما يأبى عاقل أن يصدقهم في ذلك، حتى لو كان هذا العاقل، هو مجلس هيئة الأمم المتحدة بجلالة قدره، فلقد انسحب وفدهم من المجلس فعلا، احتجاجا على قبوله النظر في قضية الجزائر، على اعتبار أنها شيء آخر غير فرنسا. ومع ذلك كله، لا يخجل هؤلاء الحكام البرابرة، أن يواجهوا الدنيا في الوقت نفسه، بقوانين يسنونها، وأنظمة يضعونها خاصة بالجزائريين دون الفرنسيين ولم تكن مألوفة حتى العصور الحجرية. وإذا كان الفرنسيون لا يملون في تكرار الكذب والافتراء، فإنه من حقنا، ومن حق القارئ علينا، أن نكرر قول الحق والواقع. هذا الحق وهذا الواقع يا حضرة القارئ، هو أن هذا الجزائري، الذي يزعم الفرنسيون في غير حياء، أنه فرنسي، لا تسمح له القوانين الفرنسية، أن يكون موظفا إداريا، فوق

رتبة مختار، أو عمدة، ولا موظفا قضائيا فوق رتبة باش كاتب، ولا موظفا عسكريا فوق رتبة رئيس، ولا يجوز أن يكون ضابطا بوليسيا، فضلا عن رئيس ومعاون رئيس، ولا تسمح له القوانين الديمقراطية الفرنسية، أن يكون رئيس بلدية ولا نائبا أولا. والجزائري، هذا الذي يقولون عنه أنه فرنسي. فإنه محروم من كل ما يتمتع به الفرنسي الأوروبي الأصل، من مزايا اقتصادية مع الحكومة والبنوك وغيرها، وقد علمت موقف القانون الفرنسي، من الجزائريين في الانتخابات، فهو فيها دون قاعدة الإرث {للذكر مثل حظ الأنثيين} النساء: 11. هذا نموذج صغير، للفروق المكرسة بين الجزائريين والفرنسيين، في الحقوق والواجبات، والقاعدة مطردة في بقية الأمور جميعا، من الأعلى حتى الأسفل. ذلك أن حق الجزائريين في التمثيل البرلماني في باريس، كان يجب أن يكون لهم (200) نائبا في المجلس الوطني، ولكن الذي سمح لهم به هذا القانون الاندماجي المزعوم، الذي يستند إليه الفرنسيون، ويتبجحون به، هو ثلاثة عشر نائبا فقط. الحقيقة الثالثة: أنه كان بالجزائر جماعة من المعتدلين فعلا، ومن الذين يميلون إلى التعاون مع فرنسا، على تسامح كبير في حقوق أمتهم خضوعا للواقع المر من جهة وأملا في أن يعقل الفرنسيون يوما من جهة أخرى فيخطون خطوة عملية إلى الأمام حتى يلتقي الفريقان في الوسط، ثم يعيش الجميع في تعاون وسلام. لكن جحود الفرنسيين وتألههم على الجزائريين، ونكرانهم لكل جميل، وجمودهم الاستعماري، الذي لا يقبل أدنى تطور مع الزمن، مع ما عرفوا به من مكر وخداع واحتقار للجميع، كل ذلك حمل آخر المعتدلين إلى الكفر بإنسانية فرنسا، وإلى اليأس من إنصافها، لذلك تسمع من كبار أولئك المعتدلين اليوم صيحات اليأس مدوية، ويعلنونها في وجه فرنسا، وفي ملأ من الدنيا.

هذا الدكتور ابن جلول، رئيس جمعية النواب السابق، وأكبر المعتدلين من كان ينعته المتحمسون بصنيعه فرنسا والاستعمار، يقول هذا المعتدل الكبير في تصريح لشركة "روتر": لم يعد لنا أي ثقة في فرنسا، ولم يبق إلا السير وراء الثورة ورجالها ويقول: إن فرنسا التي عجزت عن حماية رئيسها، لا تستطيع أن تحمي الجزائريين، وأن الذي يجب أن يحمي الجزائر، هو الجيش الجزائري، والبوليس الجزائري. وهذا الدكتور عيسى بن سالم، من طراز ابن جلول يقول لمراسل "نيزويك": نحن مسلمين، قد فقدنا كل ثقة بفرنسا، وحوادث كل يوم، تزيدنا اقتناعا، بأن العنف يؤدي إلى نتائج إيجابية، وهو يعني بذلك استفحال أمر الثورة. وهذا الأستاذ صلاح مصباح، رئيس المجلس الجزائري السابق، ومن أعرق الأسر المعتدلة الموالية لفرنسا يقول: إن الدم يجب الآن أن يبذل بشكل متزايد، ونحن المعتدلين، لا ندعي، أن في وسعنا السيطرة على شعبنا، لأن 95./. منهم خاضعون، لسيطرة المقاتلين الوطنيين، التابعين لجيش التحرير، هذا وإن الذي يعرف الأوضاع في الجزائر جيدا، ليتأكد ويغمره اليقين بأن فرنسا، بعد خسارة أولئك المعتدلين، لم يبق لها في الجزائر، من تستطيع أن تستميله إليها ولو بذلت أغلى ما يبذله الخادعون الماكرون من المستعمرين. وإذا كان المعتدلون على لسان الأستاذ مصباح، يعترفون علنا بأن 95 بالمائة خاضعون للثوار، فإن الذي يقدره مثلي في الواقع، أن الخاضعين للثوار هم 99./. وكسور، ومع ذلك فلا يخجل حكام فرنسا، أن يصفوا الثوار للدنيا، بأنهم جماعة من اللصوص وقطاع الطرق، وهم يحسبون أنهم بهذا الأسلوب من الدعاية، إنما يخدمون قضيتهم، والواقع أنهم بهذا الأسلوب الصغير، إنما يزيدون في النار اشتعالا، لأن معنى الثوار لصوص، أن الأمة الجزائرية كلها لصوص، وهذا نوع من

الاحتقار، الذي يستفز حتى البارد القاعد من الجزائريين، ونحن أعرف الناس بطباع أهلنا وأمتنا، ولكن الفرنسيين فقدوا صوابهم، وضاعت منهم الحكمة، وسيطرت عليهم الشهوة ورشوة المستعمرين {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} الشعراء: 227. الحقيقة الرابعة: أن القائمين على رسالة تأييد استرقاق الجزائريين، إنما هم عصابة من أرباب المصالح فيها، وكل ميزاتهم أنهم يملكون الملايير من الفرنكات، ويملكون نفوذا دونه نفوذ الملوك والسلاطين في العصور الغابرة، وأفراد هذه العصابة المتمردة، لا تجمعهم إلا رابطة المصلحة المادية والشخصية. وأكثريتهم الساحقة لا يمتون بعرق إلى الجنس الفرنسي الباتة، وإنما صاروا فرنسيين قانونا بحكم التجنيس فقط. والدليل القاطع على ذلك، أن الزعيمين المتطرفين منهم، هما هذان اللذان يذكرهما مراسل جريدة "النيوزويك" وأحدهما كورسيكي الأصل، وهو "جان باتيست بياجى" والثاني إسباني الأصل وهو "أندري إشياري" وكل زعماء العصابة الاستعمارية، هم أحد الشخصين. إما أن يكون صاحب مصلحة مباشرة، وإما أن يكون مستأجرا للعصابة بأثمان غالية. أما الذي يدفع الحساب الغالي في النهاية، فهو الشعب الفرنسي المسكين، وطالما نصحنا لهذا الشعب، مخلصين، صادقين، بأن يستفيق من غفلته الطويلة، ويضع يده الحديدية، مباشرة، على ميكروب هذا السرطان الاستعماري المدمر، فيريح نفه ويريح الناس، ولكن القرائن تدل على أنه حتى الآن، قد عمل أعمالا دون المطلوب. ولكنه لم يضرب بعد، ضربته الحاسمة المطلوبة ولعله فاعل ذلك بعد حين قريب، نرجو أن يوفق إلى القيام بواجبه كاملا وسريعا، قبل أن تحل به وبغيره الكارثة الكبرى. نشرت في الحياة والمنار وبيروت المساء في مارس 56.

لن نستكين وفي أرواحنا قبس

لن نستكين وفي أرواحنا قبس قوافل المجد سيرى في ذرى العلم ... واستقبلي الفجر مسفوحا على القمم قوافل المجد نحن الركب فانطلقي ... فهذه الأرض لا نامت على الحلم .. حلم اللقاء مع الأمجاد ما برحت ... رؤى الشروق تناجيه ولم تنم حلم التوحد لا نجد ولا يمن ... سوى العروبة لفظا ثائرا بفم يا إخوة القيد يطوي في معاصمنا ... وحول أعناقنا دهرا من الظلم قد آن للقيد أن ينفك منكسرا ... عن معصم الحق مصهورا من الألم يا إخوة الأرض هذي الأرض ما برحت ... ظمأى إلى الثأر لن تروى بغير دم ظمأى إلى البذل والحشد الكبير لقى ... في هوة البؤس والتشريد والعدم والحاكمون عبيد الذل ما لبثوا ... يساومون على الأمجاد باللقم ويشترون بنا، بالشعب أسلحة ... كأنما السوط لم يشفع لذي نقم هم الطغاة ونحن الشعب لا عجب ... إذا تهاووا غدا كالحائط الهرم نحن الطليعة في أقدارهم كتبت ... ثاراتنا الحمر يوما ثائر الحمم غدا نسير بلى، بل سار موكبنا ... وتلك آثارنا في الحزن والأكم في المغرب الحر، في الأردن من دمنا ... يفوح للعرب أزكى عاطر النسم "رجاء" في القدس تحكي أننا بشر ... وأننا عن هوان "الحلف" لم ننم وفي الجزائر كم أخت لها سقطت ... شهيدة الحق، ياللجود والكرم هناك ثارت على الطغيان أمتنا ... تهدي الحياة دروس الكبر والشمم ونصرة الحق إذ كانت مقدسة ... لا يسأل البذل في ساحاتها بكم وما الألوف التي جادت بأنفسها ... إلا الطريق لسيل جارف عرم

هل تكون الجزائر الشرارة الأولى لحرب عالمية ثالثة؟ ...

سيملأ الأرض أشلاء وأضرحة ... ويصبغ الأفق في إشراقه بدم حتى يزول عن الأوطان غاصبها ... ويشتفي الثأر من جلادها النهم يا إخوة المجد هذا عهدنا قسم ... نهديه أمتتا، يا روعة الشم لن نستكين وفي أرواحنا قبس ... من العروبة تذكي فاتر الهمم .. لن نستكين وفي أعماق أمتنا ... الثأر يهدر لحنا راعب النغم. عن مجلة الرأي شعر زهير القاسم هل تكون الجزائر الشرارة الأولى لحرب عالمية ثالثة؟ ... ليس من البعيد أن تكون الجزائر والمغرب العربي، هي الشرارة الأولى، لاندلاع حرب عالمية ثالثة، وليس من البعيد في الوقت نفسه، أن تنزل فيها ولأول مرة في التاريخ، القنبلة الذرية الهيدروجينية إلى الميدان وإلى العمل، ومن يدري لعلها تكون بها يومئذ نهاية العالم، ونهاية الإنسانية، فيستريح من هذه الدنيا الآلهة المستعمرون، ويستريح منهم أولئك الأحرار المستضعفون، وهذا ظن قوي جدا، ومبني على أصول، لا يختلف طرفان منصفان في خطورتها، ذلك أن في الجزائر والمغرب العربي، جالية أوروبية طارئة على هذه البلاد، بسبب الغزو والاستعمار، ومتجمعة من جميع أطراف القارة والبحر الأبيض المتوسط، وكان أغلبها، إن لم يكن كلها، من بيئات حقيرة سافلة. وكان همها الوحيد، منذ نزلت في هذه الديار، هو اغتنام فرصة انهزام الأمة، لجمع المال الحرام، وبجميع الوسائل الاستعمارية الحقيرة، فأثرت بسرعة إثراء فاحشا، رفعها من الدرك الأسفل، إلى الأوج. وكسب لها هذا الإثراء على حساب أشقاء الجزائريين، من النفوذ ما جعل سياسة فرنسا، فضلا عن الجزائر، تابعة في كثير من الأحيان لمصالحها وشهواتها، وذلك بسبب ما تبذله من أموال طائلة، في سبيل شراء ذمم بعض النواب والوزراء،

وشراء الصحف وشراء بعض الغوغاء لاستعمالهم في صغار الأمور، كالمظاهرات، والإضرابات، وما أشبه ذلك، هذه الجالية المتفرنسة، أو هذا الخليط الاستغلالي الغريب التركيب، وعددهم يقدر بنحو مليون نفس، في وسط ثلاثين مليونا من العرب، أرباب البلاد الأصليين، لا يرضون إلى أيامنا هذه، التي تحرر فيها حتى الزنوج وأكلة لحوم البشر، بأن يكون الجزائريون والمغاربة أقل من العبيد. لم يرضوا بالاستقلال طبعا، ولو كان أعرج أعور أصم أبكم مقطوع الأطراف، كالذي زعموه في تونس. ولم يرضوا في الجزائر بالاتحاد ولا بالاندماج، ولا بالامتزاج، ولا بالإصلاحات، ولا بأي قصيد من هذه القصائد الفاجرة المخادعة، التي ينشدها لنا من حين لآخر حكام فرنسا الجبناء الحائرون. بنعم إنهم المساكين حائرون، لأنهم يعرفون من جهة، أن الأمة الجزائرية مظلومة بألوان من الظلم، لا تحتمله العصور المظلمة المتوحشة، فضلا عن القرن العشرين، وأنهم يعرفون، بأن بقاء هذا النوع من الظلم في هذا العصر بالذات، وعلى هذه الأمة العريقة الجبارة بالذات، إنما هو ضرب من المستحيل، وأن استمراره لا يعود على فرنسا نفسها، إلا بأسوأ العواقب، ومن جهة أخرى، فإنهم لا يجرؤون على مواجهة الحق، وإغضاب أولئك المستعمرين من آلهة المال، إما رغبة أو رهبة أو هما معا. ففي هذه الدوامة العجيبة، ظلت الأمة الجزائرية قرنا وربع قرن، تعيش في عذاب وشقاء، وفي ثورات وحروب، وكان إلى وقت قريب، ما يزال فيها من يحسن بعض الظن بمجموع الفرنسيين، ويبني على ذلك بعض الآمال، في الحصول على الإنصاف أو بعضه، ولو بعد حين، ولكن مرت الأيام والسنون، بل مرت القرون، فتبدلت عقلية أهل الأرض جميعا، إلا فرنسا الاستعمارية، وقفت جامدة وعاجزة أمام مائتي أسرة من الاستغلاليين، لم تستطع أن تفرض عليهم سلطانها، ولم تتقدم مع ركب الحياة ولو خطوة واحدة، لتنصف أولئك المظلومين، ولتريح نفسها من متاعب القمع، التي ليس لها نهاية.

لم يبق في الجزائر معتدل ومتطرف

لم يبق في الجزائر معتدل ومتطرف بعد هذا كله، وبعد أن استقل أهل آسيا من الوثنيين، واستقل زنوج إفريقيا، حتى من أكلة لحوم البشر والعريانين، ولم تفكر فرنسا ذات التاريخ الطويل العريض في الثورات، على الاستبداد، لم تفكر في السماح ولو بقسط صغير من الحرية، لمن كانوا من قبل أسيادا لها، ومعلمين ومناصرين وممدنين، أعني أبناء الجزائر الأبطال. هنا شمل اليأس الجميع، ولم يبق معتدل ومتطرف، ولم يبق في الأمة جميعا، من يحمل للاستعمار الفرنسي ذرة من ثقة أو من احترام، لا سيما بعد تلك المحاولة الأخيرة الفاشلة، التي قام بها رئيس حكومتهم الاشتراكي مسيو جي موليه، حيث استقبله خليط من المتفرنسين في الجزائر، بالطماطم الفاسدة، والشتائم القذرة، وطردوه منها أشنع طرد، ولم يستطع الجيش والبواليس الفرنسي أن يحموا رئيس حكومتهم ويدفعوا عنه الأذى، الأمر الذي دعا آخر رجل في الجزائر، كان يمكن أن يقبل التعاون مع الفرنسيين، في حدود الكرامة والمصلحة المشتركة، وذلك هو الدكتور ابن جلول رئيس اتحاد النواب السابق، إذ أعلن في مؤتمر صحفي عام، بأن أي تعاون مع فرنسا لم يعد في الإمكان، وأن استقلال الجزائر التام هو المتعين، وأن طريقة الثوار هي التي يجب أن تحتذى. وقال الدكتور ابن جلول: إن الدولة التي تعجز عن حماية رئيسها، لهي عن حماية الجزائريين أعجز، وأن الذي يجب أن يحمي الجزائر والجزائريين، هو الجيش الجزائري والبوليس الجزائري فقط. وأعتقد أن تصريح هذا الرجل الكبير ذا الميول التعاونية القوية، يكمل نصاب الإجماع في الجزائر، على المطالبة بالاستقلال التام، ولا شيء سوى الاستقلال. هذا ونحن ننكر، أن الشعب الفرنسي في مجموعه، فيه نبل، وفيه وعي، ولعله يريد أن ينقذ نفسه، من استعباد أولئك الطغاة، لأنه هو الضحية دائما، فهو الذي يقدم

ثمرة عرقه في الضرائب الحربية، وهو الذي يقدم دماءه في الحروب الاستعمارية، وهو الذي يتيتم أطفاله، وترمل نساؤه، ويتشوه رجاله، ولكنه حتى الآن مع الأسف، قد عجز عن القيام بعمل جدي حاسم، يريح نفسه ويريح به الناس، ونحن نرى أنه في كل الأحوال، هو المسؤول عن كل ما يجري باسمه ولو كان كارها، ولن ترفع عنه المسؤولية، حتى يجبر جلاديه وجلادي الأحرار، بواسطته وباسمه على العدل، ولو كان ذلك بثورة شعبية مسلحة، لأن الثورة قد تكلفه شقاوة الأمة الأبدي. لقد زعمنا في صدر هذا المقال، أن الوضع في ديار الجزائر والمغرب، قد يسبب قيام حرب عالمية ثالثة لا تبقى ولا تذر، والذي يرجح هذا الاحتمال، هو هذا الذي شرحناه عن موقف الاستعمار الفرنسي من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الشعب الجزائري خاصة، والمغرب العربي عامة، لم يعد يطيق هذا النوع من الاستعباد وهذا الضرب من الإهانات التي لا نهاية لها، ومن الاحتقار الذي لا حد له، وقد عزم عزم الأباة البائسين، على التخلص من كل ذلك، وهو اليوم مستميت، بجميع طبقاته، حتى لم يعد فيه، بحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، طبقات، لأن الكل مستعبد ومهمل ومحتقر، وقد اتخذ قراره نهائيا، وهو يتلخص في كلمتين موجزتين، إما حرية واستقلال، وإما استشهاد وفناء، ولن يثنيه عن عزمه إلا تحقيق إحداها. على أننا نتمنى من أعماق قلوبنا أن تكون الأولى، كما نتمنى في الوقت نفسه أن يسود السلام بيننا وبين الشعب الفرنسي العريق، ولكن لم يعد الاختيار لنا، وإنما الاختيار اليوم للشعب الفرنسي نفسه، نرجو أن يستعمل جرأته، وأن يحسن الاختيار، على أننا لو فرضنا البعيد، وقدرنا أن فرنسا الاستعمارية قد اتسطاعت اليوم، أن تسكت الثورة، فإننا على يقين بأن ثورة أخرى غدا ستقوم أشد منها، ولو أسكتت الثانية ستقوم ثالثة أعنف، إلى أن تفنى هذه الأمة عن بكرة أبيها، أو يعترف لها بإنسانيتها وحريتها، وهذه طبعا حالق يأس، والمعلوم أن اليائس كالمجنون، لا يهمه خراب العالم: من باب: "علي وعلى

فرنسي كبير يسفه مزاعم كبار الفرنسيين

أعدائي يا رب" ومن قبيل: "إذا مت عطشانا فلا نزل القطر" وقد لا يعدم اليائس في هذا الخضم الدولي المضطرب، وسيلة لإشراك العالم كله في الخراب والدمار، ونحن وإن كنا في يأس تام من آلهة الاستعمار، وممن جربوا في حكم فرنسا حتى الآن، ولكننا لا نزال على شيء من الأمل في الشعب الفرنسي نفسه، لعله يدرك الخطر الذي يهدده، فيجرؤ على العمل الحاسم، ليدفع عن نفسه البلاء المحتم، قبل دفعه عن الناس ولنا بعض الأمل في الرأي العام الدولي الحر، لعله يستطيع أن ينفذ حرارته إلى هذه العقدة الدولية، فيساعد على حلها قبل الكارثة الكبرى، خدمة للسلم العام، ولراحة الإنسانية المعذبة. نشرت في الحياة والمنار وبيروت المساء آذار 1956 فرنسي كبير يسفه مزاعم كبار الفرنسيين لقد جندت فرنسا في هذه الأيام، كل رجالها العظماء، للقيام بحملات من الكذب والبهتان، حول قضية الجزائر، كل ذلك لأجل أن تحمل الرأي العام المحلي والعالمي، على التصديق بأن الجزائر، إنما هي قطعة من فرنسا، وأن الأمة الجزائرية، إنما هي قطيع تابع لفرنسا، وأن المحافظة على هذه القطعة وعلى هذا القطيع إنما هي من الأمور المقدسة، التي تفرضها المصلحة الوطنية والإنسانية معا، فبهذا الهذيان، تحاول فرنسا الاستعمارية، أن تبرر أعمالها البربرية في تلك الديار، وأن تبرر ما تهدره من دماء الشعب الفرنسي وأمواله، ولكن أبناء فرنسا، ليسوا كلهم على هذا القدر من الغفلة، أو من التنكر للحق والعدل، فمن كبار أحرار فرنسا الذين تفخر بهم أمجاد فرنسا الحقة وثوراتها التحريرية، الكاتب الكبير "مسيو كلود بورديه" رئيس تحرير جريدة "فرانس أبسرفاتور" وقد اعتقل وأوذي مرارا في سبيل آرائه الحرة نحو الجزائر، ونحن نسجل له هنا مقالا قيما نشره في جريدته فرانس أبسرفاتور في مارس 1956، يفند فيه كل مزاعم المستعمرين، قال الكاتب لا فض فوه: -

تحاول صحافة باريس في كل يوم، أن تقنع مواطنينا بأن يكرسوا ما في وسعهم من المال، وما في وسعهم إذا اقتضى الأمر، من الأرواح الفرنسية في حرب الجزائر وفوق ذلك فإن حكومتنا التي تعرف، بأن لا حياة لها، إلا بالوصول إلى السلم، وتعرف بأن عليها أن تبذل المستحيل، لكي توفر الهدوء اللازم الذي لا بد من وجوده، لكي نمكن البدء بأي نوع من المفاوضة، أجل فإن حكومتنا هذه، تنشر الآن فيلما "ثقافيا" يبعث على الأسف الشديد، غايته جعل المتفرج يتصور بأن الحرب، إن لم يكن شيئا منشطا وجميلا، فهي على الأقل شرعية ولا بد منها. هذه الدعاية تجد وللأسف، منبتا خصبا في ضمائر كثير من الفرنسيين، يفضل الصورة المزيفة التي كونوها من خلال الكتب المدرسية، التي تصدر منذ مائة عام، وتبحث في الاستعمار والاحتلال، ولم ينج من هذا الزيف، سوى التلامذة الذين تتبعوا التاريخ الاستعماري، وأولئك الذين دفعهم الفضول للبحث في المراجع الأصلية، والعمال الذين اطلعوا على الحقيقة، عن طريق المنظمات العالمية، أولئك فقط هم الذين تسنى لهم أن يدركوا الهوة التي تفصل بين تاريخ الجزائر "العلمي" والتاريخ "الابتدائي والثانوي" الذي درسه جميع الفرنسيين، ولذا رأينا هنالك رد فعل "بافلوفي" يتكون لدى الكثير من مواطنينا، شبيه بذلك الذي أدى إلى خوضنا حرب الهند الصينية. "الجزائر هي فرنسا"، "ماذا يحل بهم لو تركناهم"؟، بفضل هذه النداءات، نستبيح كل المجازر، ونتأمل بكل الفوائد والأرباح!! ولئن كنا لا نملك الجمهور الذي تملكه الصحافة الكبرى، أو صالات السينما، بل رواد الكتب المدرسية، إلا أننا نفخر بصحة ما ننشره ونذيعه، هذه الصحة التي تؤكدها الحوادث في كل يوم، ونفخر بعشرات الألوف من قرائنا وأصدقائنا، يساهمون معنا في توضيح الحقيقة، وتحذير الرأي العام. إننا نريد اليوم، أن نساعد أولئك الذين لا يعرفون المؤلفات العلمية، التي تبحث عن الجزائر، وذلك بأن نقدم لهم بشكل موجز، بعض الأجوبة على بعض الحجج

الجزائر دولة قائمة بالفعل

التقليدية، على أن هذا لا يغنيهم عن الرجوع إلى الكتب الأساسية، ككتاب "تاريخ إفريقيا الشمالية لشارل أندريه جوليان" وكتاب "الجزائر الخارجة عن القانون" لمؤلفيه كوليت وفرانسيس جونسون، اللذين نحث قراءنا على الرجوع إليهما. الجزائر دولة قائمة بالفعل الحجة الأولى: "لم تكن الجزائر دولة مستقلة حين احتلتها فرنسا، وإنما كانت من الممتلكات التركية". الجواب: إن تكوين فكرة صحيحة عن الوعي القومي الجزائري، قبل عام 1830، هو بالطبع أمر صعب جدا، ولكن من الثابت، أنها كانت دولة قائمة بالفعل، ومستقلة إلى حد بعيد عن الباب العالي. ومع هذه الدولة، خاضت فرنسا الحرب عدة مرات، وعملت في عهد هنري الرابع وفرانسوا الأول على عقد معاهدة معها. وأنشئت العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا ودولة الجزائر هذه منذ عام 1561، وهي التي في عام 1793 غذت فرنسا في عهد حكومة المؤتمر الوطني، بالقمح والقنب والخيل الخ .. كذلك فإن إنكلترا وهولندا والولايات المتحدة عام 1795 - قد عقدت معاهدات مع الجزائر. ثورة عبد القادر وأما الشعور القومي بعد 1830، فيكفي للتدليل عليه أن نذكر بأن الاحتلال، أدى إلى ثورة عبد القادر، الذي صمد في وجه الفرنسيين حتى عام 1847، والذي عقدت فرنسا معه معاهدتي 1834 و 1837، والذي احتجنا لكي نقضي عليه، إلى "40 ألف فرنسي وخمسمئة مليون فرنك" - (من كتاب إفريقيا الشمالية لجوليان) - أي ما يعادل اليوم مائة مليار فرنك، ويجدر بنا أن نذكر ما كتبه الجنرال كافينياك نفسه

الاحتلال .. لتصريف البضائع

بهذه المنسابة "لا يمكن لأمة تفقد استقلالها، إلا أن تحزن وتتألم. ولذا فإن المقاومة تبقى في روحها. وإذا ما قبلت بالواقع، فإن قبولها يعني التحمل لا الرضا". الاحتلال .. لتصريف البضائع الحجة الثانية: "لقد احتلت فرنسا الجزائر لكي تضع حدا لنشاط القراصنة". الجواب: إن السبب المباشر للاحتلال، هو النزاع الذي قام بين الحكومة الملكية الفرنسية، وبين سلطان الجزائر بشأن الديون التي كانت للسلطان بذمة جمهوريتنا الأولى. فقد كانت هذه الديون، سبيلا لعمليات فاسدة، قام بها بعض التجار في مدينة الجزائر، واشترك فيها تاليران وممثل فرنسا السيد ديفال الذي تلقى من السلطان ضربة المذبة الشهيرة. وأما مبرر الاحتلال، فقد أباح به الجنرال جيرار وزير الحربية، فور نزول قواته في الساحل الجزائري، حيث قال: إن هذا الاحتلال مستند إلى ضرورات هامة جدا، ويرمي إلى فتح منفذ واسع لتصريف بضائعنا. الحجة الثالثة: "احتلال الجزائر صفحة من أمجد صفحات التاريخ الفرنسي". الجواب: هكذا تقول كتب الصغار المدرسية، ويذهب أحد هذه الكتب إلى تشبيه حرب الجزائر بحرب القوات الفرنسية الحرة في بير حكيم - وإني أسوق بهذه المناسبة، وصف المذابح التي قام بها الجنرال روفيجو، والتي أباد فيها قبيلة الوفية، بعد أن اتهمها بسرقات هي برية منها: "كان ذلك في يوم 6 أفريل 1832. خرجت فرقة فرنسية من مدينة الجزائر ليلا، فصادفت عند الفجر قبيلة الوفية، وقد نصبت خيامها واستسلمت تحتها إلى الرقاد العميق. فذبحت الفرقة أفراد القبيلة، دون أن تفسح لواحد منهم مجال الدفاع عن النفس هكذا أبيد كل من كان حيا دون تفريق بين الشاب أو الشيخ، والذكر أو الأنثى (من كتاب إفريقيا الفرنسية لمؤلفه كريستيان).

رسالة التمدين

رسالة التمدين وجاء في تقرير لجنة التحقيق الفرنسية عام 1833 ما نصه "لقد قتلنا أناسا يحملون تذاكر رسمية يسمح لهم بموجبها أن يتجولوا. وذبحنا لمجرد الشبهة، جماهير برمتها وجد فيما بعد أنها بريئة، وحكمنا على رجال ليس لهم من ذنب سوى أن لديهم من الشجاعة، ما دفعهم للوقوف في وجهنا الغاضب، لكي يدافعوا عن إخوانهم البؤساء. لقد وجد هنالك قضاة ليحكموا على هؤلاء، ووجد رجال متمدنون لينفذوا فيهم الأحكام، لقد تجاوزنا في بربريتنا، هؤلاء البربر الذين جئنا لتمدنهم". وفي عام 1845 كان الجنرال كافينياك وزملاؤه بيليسبه، وسان آرنو، يخنقون قبائل بكاملها في المغاور. وفي كتاب "رسائل عسكري" - كتب الضابط مونتانياك يقول عن هذه المجازر: "قمت بزيارة ثلاث مغاور، فوجدت تحت الحيوانات المتجمعة، جثث رجال ونساء وأطفال .. كانت المغاور كبيرة واسعة، وقد أحصيت فيها 760 جثة". ثورات الجزائر الحجة الرابعة: "رضخت الجزائر وقبلت بالاحتلال الفرنسي". الجواب: ثورة عبد القادر من 1832 حتى 1847. ثورة بني يسناسن في 1859، ثورة أولاد سيدي الشيخ 1864، ثورة القبائل 1871. الحجة الخامسة: "كانت الجزائر أرضا بائرة وغير مزروعة قبل الاحتلال". الجواب: يكفي أن أورد بعض ما جاء في يوميات المارشال سان آرنو، المذكورة في الكتاب الذي وضعه جاسون عن الجزائر: "إن بلدة بني مناصر رائعة حقا، وهي من أغنى ما رأيت في إفريقيا. القرى والمساكن قريبة جدا". لقد أحرقنا كل شيء، هدمنا كل ما صادفناه .. (1842) .. اليوم اقتلعت أشجار البرتقال الجميلة، وأحرقت أملاك بني سالم، وقرى بني قاسم القاضي.

الجواب الثاني: لم تجد حكومة المؤتمر في عهد الثورة الفرنسة، القمع اللازم لمعيشة الشعب إلا في الجزائر. الحجة السادسة: "لقد استوطن الفرنسيون، في أمكنة لم تكن مشغولة من قبل بأحد". الجواب: لقد بدأنا عام 1830 حتى 1840 بترحيل سكان البلاد عن أراضيهم، بطرق ذات طابع ظاهري حقوقي، وهي في الواقع طرق القوة والأمر الواقع. ذلك أن القرارات أخذت تصدر تباعا وفي كل سنة، فتقضي مثلا بحجز أملاك جميع الذين حملوا السلاح ضد فرنسا، وحجز جميع الأراضي غير المبنية، التي لا يحمل أصحابها سندات تمليك قديمة التاريخ، واستملاك ملايين الهكتارات من أجل النفع العام، بحيث وصلت الحالة في الوقت الحاضر إلى ما يلي: إن أطيب الأراضي في الجزائر، وتبلغ مساحتها 25 مليون هكتار، هي اليوم بيد خمسة وعشرين ألف ملاك فرنسي، هذا فضلا عن عشرات الألوف من الهكتارات بملك بنك "الشركة الجزائرية" وبنك جنيف وغيره عن كبار الاقطاعيين الفرنسيين. وأما ما بقي من الأراضي، فهو مجذب قليل الإنتاج، وتقدر مساحته بسبعة ملايين هكتار، موزعة على نصف مليون جزائري. من ذلك نرى أننا قد طبقنا هناك، حكمة الجنرال بوجو الذي قال: "حيثما وجدت الأراضي الطيبة والأراضي الخصبة، يجب أن يقيم المستوطنون الفرنسيون، دون أن يعرفوا لمن تعود هذه الأراضي". الحجة السابعة: - "إن أراضي المستوطنين، هي وحدها الأراضي المعتنى بها" الجواب: هذا صحيح، لأن المستوطنين ينعمون وحدهم بالأوائل والعلم والمال، وخاصة المال الذي يأتي من المؤسسات الحكومية. "لماذا توزع قروض الصندوق الجزائري للزراعة بنسبة 99 بالمائة للأوروبيين، وواحد بالمائة للعرب؟ ".

هذا السؤال وجهه في الجمعية الوطنية الفرنسية، النائب موريس فيولت وهو رادكالي سبق له أن كان حاكما عاما في الجزائر. الحجة الثامنة: - يقول دعاة الاستعمار، أن استثمار المستوطنين لأراضي الجزائر الزراعية يعود بالنفع والثراء على الجزائر وعلى فرنسا. ونحن نقول بأن هذا صحيح، إذا ما اعتبرنا أن الجزائر، مجموعة لأملاك المستوطنين الفرنسيين. وأما السكان العرب فلا يفيدون من شيء. الحجة التاسعة: - "إن ارتفاع عدد السكان من مليونين، عام 1830 إلى تسعة ملايين في 1954، دليل على توفر الشروط الصحية، وعلى العناية المبذولة س قبل فرنسا". إن التوالد في الجزائر، لا يعود الفضل فيه إلى العناية الفرنسية، ففي بلاد إفريقيا وآسيا، يزيد الفقر وقلة الغذاء في نسبة التوالد. وأما المجهود الصحي فهو معدوم، فهناك 1851 طبيبا بينهم 1500 موزعون في المدن الرئيسية، مما يجعل النسبة تتراوح بين 4 و 8 أطباء لكل مائة ألف نسمة. ويقول الدكتور فالنسي في تقرير له أن انتشار السل بين 9 ملايين جزائري، هو بنسبة انتشاره بين الأربعين مليون فرنسي. الحجة العاشرة: - "إن سدس الموازنة الجزائرية مخصصة للتعليم، وهنالك خمسة آلاف طالب في جامعة الجزائر". صحيح، ولكن هناك خمسمئة طالب عربي من أصل الخمسة آلاف، وجميع الطلاب الفرنسيين يتمتعون بمنح دراسية، بينما لا تصيب المنح سوى 19 بالمائة من الطلاب العرب. الحجة الحادية عشر: - "على كل حال، يجب على الجزائريين أن يقروا بفضل فرنسا" وبماذا يعترفون؟ هل جعلناهم على اتصال مع العالم الحديث، وكنا واسطة اتصال بينهم وبينه؟ كلا فإنهم متصلون به، ويتوقف علينا أن نجعل هذا الاتصال دائما. هل يعترفون بخدماتنا الاقتصادية والاجتماعية؟ كلا فإن هذه الخدمات قدمت إلى الأوروبيين، وإذا ما استفاد منها العرب، فبنسبة ضئيلة وبمجرد الصدفة،

قوة السلاح لا تقهر الأفكار

وكما يقول كتاب جونستون: لا شك أن فرنسا قدمت خدمات كبرى، وهي ملموسة بتمامها عند الأوروبيين، وظاهرة على شكل عينات بالنسبة للعرب. وأخيرا، أليست فرنسا هي المتحكمة بمصير الجزائر منذ 125 عاما، ألسنا مسؤولين عن الحال التي وصلت إليها هذه البلاد؟ إن بقاء طويل كهذا، ونتائج مخزية كهذه، جديرة حقا بأن تدفع حكومتنا وصحافتنا إلى قدر من التواضع، وقدر قليل من النزاهة والإخلاص. فرنسي كبير يقول: قوة السلاح لا تقهر الأفكار كنت مستعدا لكتابة ما يجب علي أن أكتبه، تعليقا على خطاب م. جي مولييه، حينما اتصلت بجريدة "فرانس أبسرفاتور" وتلوت بإمعان ذلك الفصل القيم الثري، الذي دبجه يراع الكاتب المبدع الحر، صديقنا الأستاذ دوفالار، فرأيت أن هذا الفصل يفصح عن فكرتي، أكثر مما كنت أستطيع أن أعبر عنها بقوة قلمي. لهذا رأيت أن أقدم للقراء، أهم ما جاء في هذا البحث المدقق البليغ، كأنما هو صادر عن البصائر، بقلم تحريرها. يقول الكاتب: المحقق هو أن فرنسا قامت بأعمال كبيرة في الجزائر. لكن يجب علينا أن نعترف بأن هذه الأعمال، كانت منقوصة وغير كافية، إذا رأينا م. جي مولييه يستنتج من رحلته، وم. لاكوست يستنتج من أيام خبرته القصيرة، أن المشكل الجزائري، إنما هو مشكل اقتصادي واجتماعي، نعم، يوجد مشكل اقتصادي ويوجد مشكل اجتماعي، فالقطر الجزائري، لا يزال قطرا فقيرا جدا، يحتاج إلى رؤوس أموال عظيمة، وإلى برامج إنشائية واسعة؛ وفي القطر الجزائري، يعيش

عشرات الآلاف من "البيض" أو المسلمين عيشة الضنك والشقاء طيلة السنة؛ هذا القطر الجزائري الذي يزداد عدد سكانه كل سنة، بنسبة مائتي ألف نسمة، والذي هو في حاجة إلى أربعة آلاف مدرسة جديدة لتعليم أبنائه، وأخيرا هذا القطر الذي يعانى أزمة تمييز عنصري شنيعة، حيث يعيش مليون من الأوروبيين، وتسعة ملايين من المسلمين بين أحضان البغضاء والجهل والفزع. لكن هذه الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، لا تكون لها أدنى أهمية، ولا تحصل منها أدنى فائدة، ما لم يقع الاعتراف بالمشكل الأساسي الحقيقي، الذي هو المشكل السياسي، وما لم يقع إيجاد حل فعلي لهذا المشكل. أما تجاهل هذا المشكل السياسي، والتغافل عن إيجاد حل له. إنما هو من قبيل تحكيم الأوهام وإفساد الحلول في مستقبل الأيام. لقد قال لي الكثير من الأوروبيين، أنه ما كان ليقع في القطر الجزائري ما هو واقع الآن، لو أن قوى الأمن كانت مستعدة لتحقيق النظام؛ وما كان المسلمون ليركنوا إلى جانب الثائرين، لو أن السلطة حمتهم من عمليات الإرهاب. وأقول أنني لا أعتقد صدق هذه النظرية، لعدة أسباب، أهمها أن الأمة الحقيقية، إنما هي التي تنظر للمستقبل أكثر مما تنظر للماضي. فمن ذا الذي يستطيع يا ترى، أن يحجب عن أنظار البائسين من أهل البادية الجزائرية، هذه الحقيقة الناصعة التي يراها كل الناس حول ضفاف البحر المتوسط، وخلال عشرة أعوام، في المغرب، وفي تونس، في ليبيا وفي مصر، في سوريا، وفي لبنان؛ هذه الحقيقة تزداد كل يوم قوة وتزداد كل يوم ظهورا، ألا وهي الاستقلال. منذ 18 شهرا، أي في فاتح نوفمبر 1954، كانوا يقدرون قوة رجال الثورة في القطر الجزائري، بنحو ألف رجل، أما اليوم، فإنهم يقدرون عددهم بما يزيد عن العشرين ألف مقاتل. ولقد كان الثائرون في أول يوم لا يحملون من السلاح إلا

السكاكين وبنادق الصيد العتيقة؛ أما اليوم، فهم يرتدون اللباس العسكري، ويحملون المترايات، وبين أيديهم قطع من مدافع الميدان، ثم إنهم يغشون القرى والدواوير بكل حرية، ويجدون كل التسهيلات من رجال البادية فيما يتعلق بالتموين؛ كما يجدون الأطباء لمعالجة جرحاهم، ويجدون المستشارين السياسيين لإرشادهم، وبمعنى آخر، إنهم يجدون أنصارا حقيقيين في أغلب سكان القطر الجزائري. فياليت شعري، ما هي الفائدة التي تنجز لنا، من معرفة ما إذا كان هذا الاندفاع الشعبي، لفائدة الثورة، واقعا بدافع حقيقي من العطف، أو واقعا بسبب الخوف؟ ربما كان لإعدام الخونة من المسلمين - كما كان المقاومون الفرنسيون يعدمون الخونة من الفرنسيين - بعض التأثير، لكن ليت هذه هي الأسباب التي جعلت العمال في مزرعة أوروبية نموذجية، يقولون للمستعمر الذي أحسن إليهم، ودفع لهم من جيبه الخاص، ما شحت به عليهم إدارة الضمان الاجتماعي: أما نحن فلن نقوم ضدك بأي عمل عدائي، لكننا لا نقف أبدا موقف الدفاع عنك، إذا هاجمك الثائرون، كما أنه ليس تحت تأثير الخوف، ما رأينا وقوعه بعاصمة الجزائر من مظاهرات الصغار، غداة يوم 6 فبراير، إذ كانوا يصرحون في اليوم الأول: الجزائر عربية! الجزائر عربية! أما في اليوم الثاني فقد كانوا ينادون: الجهاد! الجهاد! وهل يعتقد أحد، أن الخوف وحده، هو الذي دفع برجال القومية، للتصريح لقائدهم الفرنسي: إننا نتبعك إلى كل مكان، لكن لا تطلب منا أن نقاتل إخواننا، أم يعتقد أحد أن الخوف وحده، هو الذي دفع بالعدد العديد من رجال الترايور، إلى التخلي عن قادتهم وعن رفقائهم، والانضمام لرجال الثورة، مما حدا بالقيادة للإرسال بتلك الفرق إلى ألمانيا، والاستعاضة عنها بالجند الفرنسي؟ كلا. إنني لا أعتقد أن الخوف وحده، هو الذي يجعل حركة ثورية أو ملية، تتمتع بعطف وتحبيذ سائر السكان تقريبا، بل إن الذي يوجب ذلك العطف وذلك التحبيذ، إنما هو تأييد الأهداف التي ترمي إليها الثورة.

وكم هي يا ترى نسبة تأييد الشعب للثورة؟ يقول الثائرون: إن النسبة هي 75 بالمائة خلال الثلاثة أشهر المقبلة، لكن لنفرض جدلا، أن نسبة مؤيدي الثورة، إنما هي 50 بالمائة فقط، كما يقول كبار الموظفين الفرنسيين، فالأمر الأهم، هو تفاقم أمر هذه الثورة وانتشارها بصورة مستمرة. فبينما كانت لا تشمل إلا بعض نقط في الأوراس وبلاد القبائل منذ سنة، إذا بنا نرى الآن، أن هذه النقط قد اتسعت وتعددت وامتدت داخل البلاد، وأصبح الخطر محدقا بعدد من الجهات، كما أن الطرقات الكبرى أصبحت غير مأمونة. أما في المدن الكبرى، فالأمن سائد الآن، لكن أمرا ما، يمكن أن يصدر بين يوم وآخر. إن الثورة تبسط اليوم سلطانها على عدد من الجهات التي يتصل بعضها ببعض. وقد احتفظت في كثير من الجهات بالجهاز الحكومي، وبعض القياد الذين أصبحوا من موظفيها، وأصبحوا مسؤولين أمام "الكوميسار" السياسي الذي يمثل الثورة. أما الضرائب، فإن الشعب يدفعها بسرعة، وبصفة نظامية لهيئة الثورة، وفي بعض الجهات دفع الناس الضرائب النظامية لسنة 1957، أما المحاكم فقد ألغيت، وأصبح "الكوميسار" السياسي مكلفا بالإصلاح بين الناس. ولقد آمن المستعمرون اليوم بهذه الحقائق. فغلاة الاستعمار في عمالة قسنطينة، الذين كانوا ينادون منذ أشهر قليلة بوجوب التسلح، ليقتل كل منهم تسعة أو عشرة من العرب (لإيجاد النسبة بين العنصرين) هؤلاء الغلاة، قد أصبحوا ينادون اليوم، والألم يحز قلوبهم، وجوب "المفاوضة"، بينما مستعمرو عمالة وهران الذين لم يروا أخطار الثورة إلا مؤخرا. أصبحوا ينادون بوجوب "الانفصال"، وهي كلمة لا يفهم مدلولها، بينما شركات الضمان قد أعلنت أنها لن تضمن أي شيء في المستقبل ضد أعمال الثورة. إن الثورة يتفاقم أمرها يوما إثر يوم منذ 18 شهرا، ولا يستطيع أي مستعمر أن يستمر على خدمة الأرض، إلا إذا كان كثير الشجاعة. لكن النتيجة ستظهر عند الحصاد المقبل. واليوم أصبح الكثير منهم يفكر في مغادرة الأرض الجزائرية التي

ولد فيها. كما أصبحت الكثير من المعامل والمصانع في القطر الجزائري، معروضة للبيع بأسعار زهيدة، لكن لا تجد من يشتريها، وهنالك شركات كبرى أصبحت تهرب رؤوس أموالها، إذ شعرت أن الهوة المحفورة بين المسلمين والفرنسيين تزداد عمقا واتساعا، فالمواقف قد تصلبت، ولم يبق هنالك من معتدل، إذ انضم المعتدلون إلى المتطرفين كما لم يبق هنالك من يستطيع التوسط بين الجانبين. فهل يمكن التفكير في حل عسكري لهذا المشكل الرهيب. لكن، إذا كان ثلاثمائة ألف عسكري، لم يستطيعوا التغلب على عشرين ألفا من الثائرين، فهل ترى خمسمائة ألف جندي يستطيعون ذلك؟ فإذا كانت "ديان بيان فو" غير ممكنة في الجزائر، التي لا تبعد إلا ساعتين عن فرنسا، فإن النصر العسكري على الثورة، يعتبر مقابل ذلك من قبيل المستحيلات. ثم إن الأمر المحقق إلى جانب كل ذلك، هو أن ما دامت الثورة قائمة بالبلاد الجزائرية، فهيهات أن تستقر الأمور بالبلاد التونسية، وبالمغرب الأقصى. فلم يبق أمامنا إلا باب واحد فقط لفض المشكل، ألا وهو "المفاوضة" مع رجال الثورة. لكن الحكومة الفرنسية ليست الآن مع هذه الفكرة. فالمفاوضة لا تقع إلا على قاعدة الاعتراف بـ "الواقع القومي الجزائري" ومعنى هذا استقلال القطر الجزائري، أو على أقل تقدير، الاستقلال الداخلي للقطر الجزائري. ولا يوجد أصلا، أي جزائري يستطيع المفاوضة على غير هذه القاعدة، كما أنه لا يجب الاعتقاد بأنه يوجد زعيم ثائر، يستطع أن يصدر أوامره بوقف إطلاق النار لجنوده، إلا إذا ما أسفرت المفاوضات على أمور عملية حقيقية. ونحن نعرف أن خلافا عظيما جدا بين وجهات النظر، لا يزال موجودا بين الفرنسيين والمسلمين. فمسيو جي مولييه يكون غالطا جدا، إذا اعتقد أن "الفلاقة" سوف يضعون السلاح من أيديهم لمجرد ندائه الموجه لهم، دون أن ينالوا أي مقابل. والزعماء

الوطنيون يعلمون علم اليقين، أن وجود الثائرين في الجبال، هو حجتهم العظمى في هذا المعترك السياسي، وهم يعلمون أن وقف إطلاق النار، معناه رجوع الفلاحين إلى حقولهم، وتركهم لميادين الثورة. لكن، مع من تقع المفاوضة؟ إن المسلمين الذين يتصلون بالحكومة من قدماء النواب، أصبحوا لا يمثلون شيئا، وهم يصرحون بذلك علنا. أما رجال حزب البيان ورجال جمعية العلماء، فهم يعترفون بتفوق رجال الثورة، ولا يعملون أي عمل مستقل. ومن المعروف أن السيد فرحات عباس كان بعيدا في باريس، عندما حل م. جي مولييه بمدينة الجزائر. أما جمعية العلماء ذات الأساس الديني، فقد اعترفت بصفة علنية، أن المفاوض الصالح الوحيد، إنما هو "الثورة" ولقد رفض الكاتب العام لجمعية العلماء، الدعوة التي وجهت إليه بطريق شبيه بالرسمي لمقابلة م. جي مولييه وقال: أنه لا ترجى أبدا أية فائدة من تلك المقابلة. فنحن اليوم لا نفتش عن "المفاوضين الصالحين" بل أصبحنا نفتش عن مجرد "المفاوضين" فلا نجد إلا رجال الثورة. وهذا دليل قاطع لا ريب فيه، مهما كان مؤلما، على التأييد المطلق الذي يجده رجال الثورة عند سائر طبقات الشعب، وعلى الاعتقاد بأنهم وحدهم هم الذين يستطيعون أن يضمنوا احترام التعهدات التي تؤخذ للمستقبل. ثم يقول الكاتب المجيد: إن جبهة التحرير الوطني ممتدة ومتسعة، وأن رجال نظامها الحربي يوالون الاجتماعات مع رجال السياسة. فأما رجال العسكرية فهم معروفون، وأما رجال السياسة فهم يعملون داخل المدن تحت الكتمان. وليس هدا الكتمان بحجة على عدم المفاوضة، فإذا أرادت الحكومة أن تفاوض حقا، فإنها ستجدهم لا محالة. هذه هي بعض الحقائق الجزائرية المزعجة التي أردت تسجيلها، لكن إذا كانت فرنسا تتهرب من المفاوضة، فإن رجال الجبهة يفرون منها كذلك.

فهم يعتقدون أن الزمان يخدم مصالحهم، وأنهم سينالون بعد سنة أكثر ما يمكن أن يحرزوا عليه اليوم، وهم يقتدون ويتطرفون في مطالبهم لكن هذه الشدة تزول لو صلحت النيات للمفاوضة، إنما لا يجهل أحد، أن فرنسا طالما نكثت عهودها، فلم تبق للمسلمين أية ثقة فيها؟ إن الحالة في الجزائر يهيمن عليها خيال 125 سنة، قد انقضت في مذلة الشعب وفي هوانه، وإنه ليحمل على فرنسا كلها جريرة ذلك، فهل يمكن أن نطلب من شعب كامل، أن ينسى بين عشية وضحاها، أنه كان ذلك "الإنديجان" المحتقر؟ لا يستطيع أي إصلاح اقتصادي أو أي إصلاح اجتماعي، أن ينال أي منال من هذه الحقيقة الناصعة، ألا وهي "الظاهرة الملية القومية" وأن حركة الاستقلال لا تقاوم بواسطة الفروض. نقلا عن البصائر لسان حال جمعية العلماء بتاريخ 9 مارس 1956 م.

لا قيمة لاستقلال تونس ومراكش ما لم تستقل الجزائر

لا قيمة لاستقلال تونس ومراكش ما لم تستقل الجزائر استبشرت الأمة الجزائرية قاطبة، باستقلال القطر المراكشي الشقيق، ولولا الأحداث التي تعانيها اليوم، والمآسي التي تمثل على صعيد الجزائر، كامتلاء المعتقلات والمحتشدات بالرجال المطالبين بالحرية، وزجرهم وردعهم، وسوق فريق عظيم منهم للمحاكمات، وإذاقة بنيهم لباس الجوع والخوف، لكان لزاما على الأمة الجزائرية، أن تتخذ يوم استقلال مراكش، يوم عيد ويوم عرس، لأنه يؤذن بأن استقلالها آت لا ريب فيه، وإن طال الليل، فإن تباشير الصباح تبدو في الأفق للناظرين. بيد أن الأعراس لا تقام حيث يسمع أنين الجرحى، وحشرجة المرضى، وترى أشلاء الموتى، صباح مساء، وصواعق الظلم والطغيان، تنصب على العزل من كل سلاح، إلا من سلاح الإيمان. ورغم كل هذا، فالأمة الجزائرية لا تنسيها آلامها، آمالها في تحرير القطر المراكشي الشقيق، فهي ترى في تحريره تحرير جزء من وطنها، وهيهات أن ينعم باستقلاله أو يتم له ذلك، والجزائر تئن بجانبه، أو يأمن على مصيره من كيد الاستعمار، ولا يتصور أحد أيا كان أن يسعد أخ، وأخوه يعاني الشقاء والبلاء، وتنتهك حرماته وتداس كرامته. وإذا كانت تونس الشقيقة أخذت تسترد استقلالها، والجزائر بينها وبين مراكش، تصارع الاستعمار وتجالده في المعركة الحاسمة، فإذا غلبت على أمرها - لا قدر الله - وخسرت هذه المعركة، فإن الاستعمار يبطش من جديد بمراكش وتونس ولو بعد حين، فما دام هذا السرطان جاثما على الجزائر ينهشها، وهي بمثابة القلب من

مراكش وتونس، وثلاثتهم كالجسد الواحد، إذا تأذى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، فإن الحالة لا تستقر على شيء من القلق الذي يساور النفوس. سواء كان ذلك في مراكش أو في تونس، لأن استقلال هذين القطرين، دون استقلال القطر الجزائري، كالمعالجة لمرض مزمن بالمسكنات والمخدرات، لا تنجح وإن نجحت فمفعولها سريع الزوال. وإذا رجعنا إلى التاريخ، وبعبارة أدق إلى ما قبل قرن ونيف، تجد أن الاستعمار، عندما حاول أن يطعن هذه الأقطار الثلاثة، طعنها في الصميم، فاحتل الجزائر، واغتنم إذ ذاك فرصة انطواء كل واحد من القطرين، التونسي والمراكشي على نفسه، ظانا أن ذلك أسلم له وأنجح، مغترا بمسألة الاستعمار له، لكنه ما كاد الاستعمار يمد أطنابه بالقطر الجزائري، حتى أنشب مخالبه في القطر التونسي، ثم بطش بالقطر المراكشي وأخذه أخذ عزيز مقتدر، وبث بين الأقطار الثلاثة، بذور الفتنة والتفرقة، لتحصل له السيادة على الجميع، فلقى منه القطران الشقيقان، ما لاقى القطر الجزائري منه قبلهما من عذاب الهوان، وذلك جراء تخلفهما عن نصرته، يوم زحف عليه الاستعمار بخيله ورجاله، وجلوسهما على الربوة في انتظار المعركة، كأن ذلك شأن لا يهمهما ولا يعنيهما هذا إن لم أقل أنهما ألزما بالتنكر للقطر الجزائري في محنته، ومصانعة الاستعمار ومسالمته، ليشكر لهما يوما ما، حيادهما ولا يعتدي عليهما، ولكن هل سالمهما وشكر لهما ذلك؟ لا لا. بل تربص بهما الدوائر، وأخذهما من مأمنهما، فلم ينجوا من مكره، ولدغهما من جحره، فهل يأمنانه مرة ثانية، وشبحه في الجزائر قريب منهما، أنه يريد البقاء، وما هو بباق، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. إن المفكرين الأحرار، سواء كانوا في القطر التونسي، أو في القطر المراكشي، يرون أن استقلال أي قطر من القطرين، دون استقلال الجزائر، استقلال منقوص. مهدد من جوانبه، لا تطمئن إليه النفوس، لهذا فهم يؤمنون كما نؤمن، أن النتيجة الحتمية بعد

الامتزاج، أم الدولة ذات الجنسيات؟

استقلال القطرين الشقيقين، هي استقلال الجزائر، وإن كانت تلاقي العناء، وتماطل من الغرماء، فإن الأيام كفيلة باقتضائها منهم؛ ونيلها ما كانت تصبو إليه وتتمناه، وكافحت من أجله منذ الاحتلال، ومأثوراتها هذه الأخيرة، إلا من سلسلة الثورات التي قامت في وجه الاستعمار، وإن أخمدت أحيانا بالقوة، فهي ما تزال كامنة كمون النار في الحجارة. ولا يزيدها ما تمني به من ضغط، إلا انفجار على انفجار. إن الأمة الجزائرية الخالدة، أمة صارعت القرون وهي محتفظة بكيانها، ما ركبت هذا المركب الصعب، إلا لإيمانها أنها تتخلص من براثن الاستعمار وإن الله كتب لها الانتصار. وها قد جاء استقلال القطرين خير بشير لها بذلك، وليفرح المؤمنون بنصر الله. جريدة البصائر 13 مارس 1956. حمزة بوكشه الامتزاج، أم الدولة ذات الجنسيات؟ صاحب هذا المقال، "مسيو سيل إيمري" من كبار علماء فرنسا المتحررين، وعضو في المجمع العلمي، وأستاذ قسم التخصص والتبريز في كلية العلوم بجامعة الجزائر، وهو بحكم الدم والرحم، وبحكم المصلحة، يحب فرنسا، ويريد لها الخير، ولكنه في الوقت نفسه إنسان، يرى أن للإنسانية كرامة مقدسة، لا يفقد اعتبارها أحد، بسبب لونه، أو عرقه، أو ضعفه، تم إنه يرى، أن كل معركة تقوم بين الحق والباطل، فالنصر النهائي للحق دائما، لذلك يكتب هذا المقال بتجرد، ويسخر من ألاعب بني جنسه وعبثهم، لأنهم قد قضوا قرنا وربع قرن في الجزائر، يتمتعون وحدهم بخيراتها، ويمتصون دماء أهلها، وإذا رأيتهم يحاولون يوما أن يغيروا شيئا من الأوضاع فيها، فلا يتجاوز البحث تغيير الألفاظ مطلقا، فمن كلمة الاستعمار إلى الإلحاق، إلى الاندماج، الخ ... وآخر ما وصلت إليه عبقريتهم في

اختراع الألفاظ، هو كلمة (الامتزاج، أو الدولة ذات الجنسيات) ونحن نترك مهمة شرح هذا الدجل الاستعماري، لمقال مسيو إيمري، والمقال من تعريب البصائر، عن جريدة لوموند بتاريخ 6 - 10 - 1955 قال الكاتب: سياسة الامتزاج؟ لست أدري من هو مخترع هذا الاصطلاح الجديد، الذي يعجب الكثير من مواطنينا؛ فالفرنسيون قد اشتهر ولوعهم بالكلمات. إنما الأمر الذي تعمدوا عدم كشفه، فهو المعنى الحقيقي المقصود من هذه الكلمة الجديدة. إنني أتصور أنهم يريدون بها نفس المعنى، الذي كانت تعبر عنه كلمة "الاندماج" لكنهم عدلوا عن هذه لتلك، حتى يوهموا الناس أنهم أتوا بفكرة جديدة. وكثير من الناس يقتنعون بهذا. ثم إنهم يغمضون أعينهم بعد هذا، ويتجاهلون وجود حركة ملية في القطر الجزائري، تستطيع أن تحرك طبقات الشعب، وخاصة منذ أدركت هذه الطبقات الشعبية، أن سياسة الاندماج (التي كانت تطبقها فيما مضى من الأيام) ليست إلا خدعة وتضليلا. ثم يتجاهلون أيضا هذا الأمر المزعج الفاضح، الذي هو أساس المشكل كله: يوجد اليوم في قطر الجزائر، بعد مائة عام ونيف من انتصابنا فيه، 82 بالمائة من الأميين الذين يجهلون القراءة والكتابة؛ ويوجد فيه عدد هائل من العاطلين لا يمكن حصره، إنما يقدر على الأقل بنحو المليون نسمة. إنهم يجيبون بصفة تقليدية كل متسائل، أن عمل فرنسا إنما هو عمل كيف، يقولون لنا: إننا أنشأنا عددا من المدارس الضخمة الجميلة. أي نعم، لقد وقع هذا فعلا، إنما يقولون لنا عمدا، كم هو عدد هاتيك المدارس الضخمة الجميلة. لكننا إذا تطوعنا بعمل حساب كمي لهذه المدارس، رأينا أنه لا يمكن إيجاد المدارس الكافية لتعليم سائر أبناء المسلمين، إلا بعد مضي 85 سنة بعد اليوم!

يقولون في أبهة وخيلاء: إن فرنسا هي التي أنشأت النخبة الجزائرية! أي وربي إنهم يقولون هذا. لكنهم لا يقولون أن جامعة الجزائر، تضم بين جدرانها خمسة آلاف من الطلبة. لا يوجد من بينهم إلا نحو المائتين فقط من المسلمين. ويكلموننا عن الأعمال الإنشائية والعمرانية العظيمة. وعلينا أن نعترف طوعا بأنها حقيقة أعمال جميلة مدهشة؛ لكنهم لا يقولون لنا من هو المستفيد من هذه المنشآت العمرانية الضخمة. يقولون لنا أن أجرة العامل الفلاحي قد زادت خلال العشر سنوات الأخيرة؛ على نسبة 50 بالمائة وإنما الأمر الذي لا يقولونه، هو أن معدل أجر العامل الفلاحي، لا يتجاوز اليوم 300 من الفرنكات. أتريدون سياسة "الامتزاج"؟. إن هذه السياسة تقضي بجعل كل الجزائريين فرنسيين فعلا وقانونا. لكن ما هو الأجل المحدد لتنفيذ هذه السياسة؟ إن كان هذا التنفيذ يقتضي مرور قرن من الزمن، فلا موجب أصلا للاستمرار على البحث. وإن كان تنفيذه يقع حالا؛ فيجب علينا أن نبادر بوضع مدرسة في كل قرية، وبلدية منتخبة في كل قرية وبلدة؛ كما هو الحال في البلاد الفرنسية وأن نرسل بمائتين عن النواب الجزائريين، للمجلس الوطني الفرنسي، بما أن قطر الجزائر، مأهول بعشرة ملايين من السكان. لكن الجواب على هذا من طرف الإدارة، هو السكوت العميق! ويقولون لنا: إن تنفيذ كل هذه الاصلاحات، يستلزم نفقات طائلة، ومن أين لنا الحصول على المال؟ ولقد حسبوا أنه يلزم إنفاق 120 مليارا لتعميم التعليم، ومن هنا جاء حساب تقسيمها على 85 سنة مقبلة. لكننا رأينا خلال السنة ثورة الجموع الأمية، ولقد قالت لنا الصحف، أن الجند الذي أرسل لإخماد هذه الثورة، تستلزم نفقاته عشرة ملايير لإنفاقها في الشهر الواحد، فياليت شعري، كيف تراهم يجدون 120 مليارا لإنفاقها في عام واحد، لمقاومة الثورة، ولم يجدوها من قبل لتعميم المدارس، ومحو الأمية، والاستمساك بحبل السلام؟

ثم يقول لنا فريق من المجادلين الذين يمتازون بسوء النية: أن المسلمين لا يريدون أن يتعلموا، ألا ترونهم يحرقون المدارس الحكومية؟ لكن هؤلاء المجادلين عن سود نية. لا يعترفون لنا بأن المدارس الحكومية، التي يحرقها الثائرون إنما هي المدارس التي أصبحت مأوى للجنود. لقد بلغ من تعطش المسلمين للعلم والمعرفة، أنهم أقدموا خلال السنوات الأخيرة، على تشييد أكثر من مائة وخمسين مدرسة عربية قرآنية، أنفقوا على إقامتها من أموالهم الخاصة، وجاءوا لمزاولة التعليم بها بشيوخ تلقوا علومهم بمساجد الشرق. وهكذا رأينا مكان المدرسين المحترفين، الذين يعلمون العلوم التي تلقوها بواسطة فرنسا يعمره مدرسون ووعاظ دينيون. أم هل يعتقدون أن الوعود الطيبة والكلمات الحلوة؛ تكفي الآن لتهدئة الحالة في القطر الجزائري؟ لقد اقترحوا من أجل ذلك برنامج إصلاحات. لكن يظهر أنهم لم يستشيروا أحدا من ذوي الكفاءات أو الأخصائيين، في شأن هذه الإصلاحات؛ ولم يجروا أي بحث لدى الدول الأوروبية، التي تشمل بين أفرادها عددا عظيما من المسلمين. لقد رجعت من رحلة، قمت بها بواسطة جهودي الخاصة، في قطر يشبه كثيرا قطر الجزائر، ألا وهو بلاد أذربيجان، وعرفت الآن بواسطة هذه الرحلة، مدى ما قام به الروسيون من عمل في آسيا. لقد بادروا قبل كل شيء، بفتح المدارس، وتكوين الأساتذة، وتمكنوا خلال سنتين أو ثلاث سنوات، من تعميم التعليم. فلم تنقض مدة 24 عاما حتى وقع القضاء بصفة تامة، على الأمية في البلاد، ووضعت تحت تصرف الناشئة، كميات عظيمة من الكتب، ونظم جهاز جديد للشباب، وشاركت الهيئة الإسلامية كلها في هذا المجهود. وبعد أن بين الكاتب، الطرق الفنية التي سلكها الروسيون للتعليم، وارتأى تنفيذ بعضها في القطر الجزائري، مما هو محل نظر ومناقشة، قال:

الأمة الجزائرية كلها ثائرة وحزب واحد ...

إن أصحاب جمهورية أذربيجان، يديرون اليوم الحظائر الفلاحية الكبرى، ويستطيعون بين محصولها لبقية بلاد الإتحاد السوفياتي، ويديرون الصناعات الحديدية والفولاذية، ويستخرجون النفط من الآبار، وتختلط هنالك الشعوب اختلاطا أخويا، ويستطيع الإنسان اجتياز كل الطرقات، دون أن يحمل معه المترايات. في هذا القطر الأذربيجاني، لم يتكلم الروسيون عن سياسة "الامتزاج" بل سلكوا سياسة "الدولة ذات الجنسيات" ولا يوجد أي شيء يهدد كيان وسلامة هذه الاتحادية "الفدرالية" التي نشأت بهذه الصفة ... لا أقول أن فرنسا، يجب عليها أن تقلد السياسة الأجنبية تقليدا أعمى. لكنني أتساءل، هل يكلفها البحث، أو تكلفها دراسة ما هو واقع بالبلاد الأجنبية ثمنا باهظا، إذا كان البحث، الذي يقع لمصلحة بلاد ما وراء البحر، يسفر عن أفكار وآراء جديدة نافعة؟ الأمة الجزائرية كلها ثائرة وحزب واحد ... منذ اليوم الأول لقيام الثورة التحريرية في الجزائر، حددت من جديد أهداف الأمة الجزائرية وأعمالها، أما أهدافها فهو الاستقلال التام، الذي لا يقل عن استقلال فرنسا نفسها، وأما العمل، فهو الكفاح المسلح حتى النصر النهائي أو الفناء، ومنذ ذلك اليوم، ذابت آراء الهيئات والأحزاب والنواب جميعا، ولم يبق إلا رأي واحد، هو رأي الثورة والثوار فقط، والثوار في الحقيقة، هم الأمة الجزائرية عن بكرة أبيها، لا فرق بين من حملوا السلاح لقتال المستعمرين وبين من ثاروا باللسان، أو بالقلم، أو بالمال، أو بالقلب على الأقل، ولا فرق بين من يعملون علنا، ومن يعملون سرا. المهم لم يشذ عن ذلك العمل المقدس، رجل ذو حسب أو نسب، أو ذو نفوذ أو نيابة، وإذا خرج عن صفوف الكفاح، بالقعود عن مد المجاهدين بالعون المقدور عليه، أو بمساعدة المستعمرين على الوصول إلى النيل من أعمالهم، أو الإساءة إلى

رسالتهم، فلن يكون ذلك الخارج، إلا من بعض الموظفين الساقطين، أو حثالة الناس، الذين يباعون كالسلع في الأسواق، وهذا الصنف على ندرته، بالنسبة لأمة تعدادها 11 مليونا من الفقراء والمحتاجين، وبالنسبة للظروف القاسية، والمغريات الاستعمارية، فإن يد المجاهدين لم تقصر على أحد من الخائنين، فلقد حاكمت الثورة مئات من هؤلاء، فحكمت على الكثير منهم بالإعدام، ونفذت فيهم الأحكام على أدق وجه وأسرعه، هذا هو الوضع منذ قامت الثورة في فاتح نوفمبر سنة 1954، وما تزال الأمة من ذلك اليوم، تزداد بالثورة تعلقا وتفانيا حتى الآن، رغم التضحيات العظيمة التي تكبدتها، من جراء الأعمال الوحشية، التي ما فتئ المستعمرون يصبونها على المدنيين العزل الآمنين، هذا ولقد أراد الفرنسيون أن ينعتوا هذه الثورة المقدسة، بكل صغيرة يمكن أن تقلل من شأنها، من ذلك زعمهم المتكرر، بأن هؤلاء المقاتلين، إنما هم عصابة من قطاع الطرق والجائعين، أما بقية الأمة الجزائرية، فهي في ألف خير راضية مطمئنة، وإن كانت الحوادث تكذبهم في كل يوم بضع مرات، ولكنهم ما يزالون يزعمون ويفترون ... لأنهم لا يستحون، والذي لا يستحي يصنع ما يشاء، ويهمني أن أنبه القارئ هنا، إلى أنه ليس في الجزائر إلا أربع هيئات فقط، يمكن أن تدعى بأنها تمثل قسما كبيرا أو صغيرا من الجزائريين، هذه الهيئات، هي: 1 - حزب الشعب، 2 - جمعية العلماء، 3 - حزب البيان، 4 - هيئة النواب، وليس في الجزائر غيرها على الإطلاق، وقد أصبحت اليوم جميعا تؤمن بالثورة وآرائها، أو تؤيدها علنا، وفي ملأ من الفرنسيين وأهل الأرض، وفي فصول هذا الكتاب، شواهد كثيرة على ذلك، ونحب أن نثبت هنا مذكرة لحزب الشعب، كان قد قدمها لهيئة الأمم سنة 1950، ليعرف القارئ مقدار سهر الجزائريين على قضيتهم، وبعدها نثبت كلمة الأستاذ فرحات عباس، رئيس حزب البيان، "الذي أعلن انضمامه رسميا، إلى الثورة، وإلى جبهة التحرير، فبهذين الحزبين مع العلماء والنواب، يكمل نصاب إجماع الجزائريين على الكفاح من أجل الاستقلال، وعلى طرد المستعمرين بأي ثمن. وفيما يلي، مذكرة حزب الشعب:

مذكرة حزب الشعب الجزائري إلى أعضاء هيئة الأمم المتحدة

مذكرة حزب الشعب الجزائري إلى أعضاء هيئة الأمم المتحدة إن الندوة المنعقدة في 12 أوت 1950، قد جسمت ما كان يتخوف منه الشعب، الجزائري،، وقد حضر هذه الندوة كل من السادة: بليفن رئيس الوزارة الفرنسية، وجول موك، روبير شومان، ورينيه مايير، واجين طوماس، وداملون، وانضم إليهم الجنرال جوان، المقيم العام بالمغرب الأقصى وإدمون ناجلان، الوالي العام بالجرائر، وبيريلي المقيم العام بتونس. إن الحالة الدولية التي تتفاقم يوما فيوما، جعلت الشعب الجزائري يشعر شعورا يتضح شيئا فشيئا، بأنه أصبح مجرد آلة في ميدان السياسة، والإستراتيجية الدولية، وقد أحالت هذا الشعور، إلى يقين الأخبار الشبيهة بالرسمية، التي كشفت عن مرمى هذه الندوة، التي تتلخص قراراتها في بعض نقط معينة: 1 - تضخم عدد الجيش الفرنسي المرابط بالقطر الجزائري، وهذا أول خطر مهدد، إذا علمنا الدور الذي تلعبه الجيوش أثناء عمليات القمع، وقد اتضح أن هذه التدابير، معلقة على إرسال جيوش أمريكية انكليزية إلى أوروبا لسد الفراغ الناشئ عن تطبيقها، وقد بشرنا المسيو ماكس لوجون، مساعد سكرتير الدولة وزارة الجيش، إثر مناورات البخاري، التي جرت في أوائل شهر سبتمبر الحالي، بتعبئة عامة بالقطر الجزائري، إلا أن الجيوش المكونة بهذه التعبئة، ليست معدة للدفاع عن التراب الجزائري، ولكن للقتال بعيدا عن بلادها. 2 - إنشاء معامل السلاح لتزويد الجيوش بالعدة الخفيفة، وهذا يثير مشكلة اليد العاملة الاختصاصية، التي لا يمكن فضها إلا باستجلاب اليد العاملة الألمانية

ملاحظتان

والإيطالية، وفي هذا خطر على العمال الجزائريين، كان يطوي عليه مشروع شومان، لتوحيد صناعة الفحم والفولاذ، ثم وجد دواعي أخرى جديدة للظهور. 3 - إبقاء الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على ما هي عليه، حرصا على "النظام والاستقرار" ومعنى هذا عمليا، مضاعفة القمع السائد بالجرائر منذ عدة سنين. فهل أخذت الحكومة الفرنسية - عند اتخاذ هذه التدابير - برأي الجزائريين واعتبرت إرادتهم، وهم أول من يهمهم الأمر؟ كلا: ملاحظتان إن موقف الحكومة الفرنسية هذا، يستدعي ملاحظتين اثنتين: أولاهما - أن هذا الموقف ينتظم في سلسلة القوانين المفروضة، التي دامت أكثر من قرن، وابتدأت بإلحاق التراب الجزائري بالقوة، ودعمت بنصوص قانونية لم تكن لها، وليس لها الآن أية قيمة إذا قيست بالمبادئ الحالية في حرية الشعوب، إنما أصبحت الجزائر "ملكا فرنسيا" بالأمر الملكي المؤرخ 22 يوليو 1834 (البند 1) وهو ما كانت عاقبته إخضاع التراب الملحق، وقد وضعت صفة هذا الإلحاق، وعدلت بعدة قوانين تنظيمية أهمها: أ - قرار 4 مارس 1848 الذي ينص على أن الجزائر "جزء لا يتجزأ من التراب الفرنسي". ب - قرار مجلس الشيوخ المؤرخ 13 يوليو 1865، الذي ينص بنده الأول على أن "الأهلي المسلم فرنسي". ج - قرار 28 أغسطس 1884 المدعو "قرار ضم الجزائر إلى التراب الفرنسي".

د - قانون 7 مارس 1944 الذي يصرح بأن الجزائريين "مواطنون فرنسيون" ويقسم المجتمع الجزائري إلى قسمين من المواطنين. هـ - قانون 20 سبتمبر 1947 المشتمل على الأسس التنظيمية للجزائر، والذي ينص في بنده الأول، على أن الجزائر "مجموع عمالات فرنسية". إن هذه الوثائق صادرة عن إرادة طرفي واحد، وذلك أن الشعب الجزائري، إما أنه لم يدع لإعطاء رأيه في القضية، أو أنه وجد الفرصة للتنديد بهذه الوثائق (قانون 8 مارس 1944). أو عبر بإجماع ممثليه في المجالس النيابية عن معارضته، (قانون الأسس التنظيمية للجزائر). ثانيهما - أن الحكومة الفرنسية، تعمل ضد إرادة الشعب الجزائري، بإقحامه عنوة في الجهاز الاستراتيجي لميثاق الأطلنطي، وهذه الإرادة، لم تكن خامدة قبل اليوم، فقد عبر عنها "مصالي الحاج" في ندائه الموجه إلى الأمم المتحدة، سنة 1948 حين كتب: "إننا نعلن فيما يخص الشعب الجزائري - نظرا للحالة السيئة التي يحياها - أنه غير مستعد ليكون بضاعة تتداولها الأيدي، ولا جيشا مرتزقا في خدمة أية كتلة عسكرية، وهو على هذا يعتبر نفسه غير مرتبط بأحد، وحرا في جميع حركاته، وسيعرف - في جميع المناسبات - كيف يواصل الكفاح من أجل تحريره، بضم جهوده إلى جهود جميع الأفراد والشعوب، التي تبرهن باستقامة وإخلاص، عن تعلقها بالمبادئ الديمقراطية، وحرية الشعوب التي ما زالت تابعة بعد لغيرها. وفي شهر مارس 1949، وقع التنديد من طرف الحركة الوطنية التحريرية، بالاتفاق الذي أدخل الجزائر عنوة في الميثاق الأطلنطي، بصفتها "ثلاث عمالات فرنسية" وقد عبرت عن ذلك أصدق تعبير، استنتاجات القرارات التي أذاعتها حركة انتصار الحريات الديمقراطية، التي تؤكد:

"أن الشعب الجزائري الذي يتميز غيظا، لمجرد الفكرة التي تشعره، بأنه قد يصبح مرة أخرى ضحية مساومات مخزية، يفصح من الآن، بلسان حركة انتصار الحريات الديمقراطية، ترجمانه الصادق عن أن: كل عمل من شأنه مسخ شخصيته، ويشهر بكل مداولة تدور تحت تأثير عقلية رجعية، ويحتج بشدة ضد كل أمر واقع يراد فرضه عليه، وينكر مرة أخرى على أي من كان التكلم باسمه، والتشريع مكانه، ويؤكد أمام الملأ أن له وحده الحق في تقرير مصيره، وأنه لا يريد أن يكون تحت تصرف أية أمة، ولا أية كتلة من الأمم. ويصمم على عدم الرضوخ لاستعماله كبضاعة تتداولها الأيدي، أو طعمة للمدافع، كما وقع في الحربين العالميتين الماضيتين، ليرى في نهاية الأمر، السيطرة الاستعمارية سائدة في بلاده. ويعلن أنه لا يشارك في أي نزاع مسلح، تكون فيه حقوقه مهضومة ومصالحه ملغاة. وهذه الحقائق يعلنها كل الناس، وإن كان بعضهم يتوخى سياسة ميكافيلية تقوم على استعمال دماء الشعب المغلوب وثرواته، لتحصين السجن الذي يضمه، وتقوية السلاسل التي تقيده، والبعض الآخر يتوخى سياسة مراعاة الظروف، لغايات استراتيجيه، وكلا الأمرين يؤدي حتما إلى نتائج واحدة، وأن من واجبنا أن ننير السبيل أمام من تحمل مسؤوليات مباشرة، أو غير مباشرة ترمي إلى عرقلة أو تأخير سير شعبنا إلى التحرير. إن تخوفات الشعب الجزائري، ليست ناتجة عن أي تحيز، وإنما هي مبنية على التجارب المؤلمة، التي عاشها في مختلف الحروب، التي دفع إلى المشاركة فيها منذ قرن.

قمع

ففي كل مرة تتجدد الرواية بصفة متشابهة تقريبا، يعلل الشعب الجزائري بوعود الحرية، فيظن أن في استطاعته تحقيق مطامحه، ويقدم خيرة أبنائه وثرواته. وحيتئذ يلقى إليه بعظم، فإذا أظهر استياءه، قوبل كالعدو بالقمع الوحشي. قمع فقد وجدت حرب 1870 الشعب الجزائري خاضعا لسياسة استعمارية قاسية، تمتاز بالاستغلال الاقتصادي، والاضطهاد السياسي، الذي تزعم تدابير الإمبراطورية أنها خففته. فكانت هذه الحال، مؤدية إلى ثورة 1871، وكان قمع هذه الثورة "لا يعرف أحدا، وكان أشبه بعملية انتقام، لا تعرف الشفقة منه بعقاب مناسب للسيئات التي ارتكبت" (روبان). قوانين إرهابية وقد ألزم الشعب الجزائري بدفع غرامة حربية، تبلغ 36 مليون فرنك، وهو مبلغ فادح في ذلك العهد، كما صودر من أراضيه 2,500,000 هكتار، واضطر إلى استرداد شيء منها بمبلغ 50 مليون فرنك، وهذه الأراضي وزعت على الألزاسيين واللوريين، وهكذا أنشئ 210 مراكز للمعمرين، تشتمل على 269,097 هكتارا من أخصب الأراضي، ومن سنة 1914 إلى سنة 1920، وزعت 940 قطعة مجانا، أي أنشئت 905 مراكز للمعمرين تشتمل على 1,370,196 هكتارا، وجاء القانون بعد هذه المصادرات التي سببتها الثورة، يضيف لها سيئاته المنكرة، التي تفتح باب المبادلات المخجلة، فكانت 26 أبريل 1879 (قانون فارني) و 28 أبريل 1887، و 6 فبراير 1897 التي أدت في النهاية، إلى نقل 2،99،879 هكتارا من أيدي المالكين الجزائريين، إلى أيدي المعمرين.

دعوة .. !

وبعد هذه المصادرات، جاء القمع السياسي يعتمد على آلة منتقاة، هي قانون 28 يونيو 1881، الشهير بقانون "الأنديجينا" وقانون الغابات الصادر 21 فبراير 1903، الذي كان قانونا إجراميا، يقيم نظام المسؤوليات الجماعية، ويترك للاستعمار فرصة تجويع الشعب الجزائري، وسياسة التخريب والبؤس. دعوة .. ! وفي هذا الجو من الاضطهاد السياسي والاقتصادي، دعى الشعب الجزائري للمشاركة في المجهود الحربي بجانب الحلفاء، ولم يبخل عليه بالوعود، فقد صرح المسيو بوانكاري رئيس مجلس الوزراء الفرنسي يوم 20 يونيه 1912، مخاطبا وفد المسلمين الجزائريين الذي ذهب إلى باريس: وإنكم تستطيعون أن ترجعوا لبلادكم، وكونوا على يقين من أن فرنسا ستستقبل رغائبكم المشروعة بصدر رحب، ونحن نعتبر ذلك كتعويضات عادلة عن الحمل الجديد الذي حملتموه" وقد أردف المسيو موتي الذي استشهد، بهذه الكلمات في خطابه بالبرلمان يوم 4 سبتمبر 1926 قائلا: "أن الجزائريين قد رجعوا لديارهم، بل أنهم غادروها مرة أخرى سنة 1914، وانضموا للفرق المقاتلة على ضفاف "المارون" ولكنهم رجعوا بخفي حنين". وقد خاطب المسيو لوطو، الوالي العام الفرنسي بالجزائر في ذلك العهد، المسلمين الجزائريين، يوم 6 أغطس 1914 بقوله: "ابقوا شركاء لنا وإخوانا، واذكروا أن فرنسا كانت دائما على مدى القرون، أمة الحق والجود والعدالة" وقال في 5 سبتمبر 1914: "سيكون هذا الجيش الباسل ماجدا، وعندما ترجع أعلامنا الإفريقية مخرقة بالرصاص، ولكنها متوجة بانتصار، يكون لكم الحق في المطالبة بنصيب وافر من هذا الانتصار".

نسيان ..

وقد شارك الشعب الجزائري مع فرنسا بـ 146,000 محارب، سقط منهم 34,000 في ميادين القتال، حتى أن محرر افتتاحية "الديبيش الجريان" ختم مقاله الخاص، ببطولة الجنود الجزائريين، في العدد الصادر 11 نوفمبر 1918 بقوله: "أن هذا لن ننساه"! نسيان .. ولكن كل شيء قد نسي! نسي الموتى والمفقودين، والمبتورين، ونسي الثلاثون ألفا من العمال المغاربة، المسخرين في المصانع الحربية، ونسيت الإعانة المادية التي بلغت سنة 1912. 290,000 طن من القمح، و 185,000 طن من الشعير، و 168,000 طن من الخرطال، و 185,000 طن من الصوف، و 2,500,000 رأس من الغنم، و 60,000 رأس من البقر، و 9,000 من الخيل والبغال، و 370 مليونا من الفرنكات بطريقة الاكتتاب. وقد اتخذت أثناء الحرب، تدابير لتعزيز وسائل القمع بيد الإدارة الجزائرية، وذلك بسن طريقة الوضع تحت الرقابة الإجبارية، بمجرد أمر إداري (قانون 14 يوليه 1914، وقرار 3 ديسمبر 1916، و 5 يونيه 1918). وبعد الحرب صدر قانون 4 فبراير 1919، الذي كان يزعم مكافأة التضحيات التي قدمها الجزائريون، ولكن ما لبثت الحالة أن تفاقمت، فاتخذت تدابير جديدة، ترمي إلى تعزيز النظام الاستعماري، سواء في الميدان السياسي، أو في الميدان الاقتصادي، وشددت حكومة بوانكاري نظام القرارات القانونية، ابتداء من سنة 1924، وهذا النظام، هو الذي وضع أسس الاقتصاد الجزائري، الذي أصبح منذ ذلك العهد، ينحصر دوره في اقتصاد تكميلي بالنسبة للإقتصاد

الحركة الإصلاحية

الفرنسي، الأمر الذي كانت نتيجته، مثل كل نهضة صناعية بالجرائر. وفي الميدان الفلاحي ضوعف نقل الأراضي من أيدي الجزائريين، إلى أيدي المعمرين، وذلك بمقتضى قرار 24 سبتمبر 1924، العنصري البحت، الذي يخصص كراء وشراء الأراضي الدولية، "للمواطنين الفرنسيين الذين هم من أصل أوروبي". وهناك تدابير عنصرية أخرى، تجلت في طرد العمال الجزائريين من فرنسا إلى الجزائر سنة 1926. الحركة الإصلاحية وفي الميدان السياسي، قام الأمير خالد، وهو ضابط بارع من ضباط حرب (1914 - 1918)، بحركة متواضعة جدا، ولكنه اصطدم بنفس النظريات الرجعية، التي أدت إلى حل هذه الحركة الإصلاحية، وإبعاد الأمير خالد نهائيا عن الديار الجزائرية. وقد كانت فترة بين الحربين العالميتين، حافلة بالأحداث السياسية، ففيها نشأت حركة إصلاحية، أو حركات تحرير وطني، وقد اصطدمت كلها بنفس التصلب الاستعماري. فحركة نجم شمالي إفريقيا التي أنشأت سنة 1925، قد حلت سنة 1937، وقد تدخل رئيسها مصالي الحاج - وهو من كبار المكافحين ضد الاستعمار - يوم 4 سبتمبر 1935 لدى جمعية الأمم، لتأييد الحبشة، وشارك عمليا في الكفاح الذي قامت به الجبهة الشعبية بفرنسا. بصفته ممثلا لحركة نجم شمالي إفريقيا، التي كانت تضم كثيرا من الزعماء الحاليين، من مراكشيين وجزائريين وتونسيين.

حزب الشعب

حزب الشعب وبعد حل حركة نجم شمالي إفريقيا، أنشأ مصالي الحاج حزب الشعب الجزائري، فاعتقل هو ورفقاؤه في الكفاح 1937، ولم يخرج من السجن إلا سنة 1939 ليعتقل مرة أخرى بعد شهرين من خروجه، عند إعلان حرب 1939 ثم صدر الأمر بحل حزب الشعب الجزائري، في 26 سبتمبر 1939، ووقع الحكم على مصالي الحاج ورفقائه بأحكام قاسية، من طرف محاكم فيشي 1941، وفي أثناء هذه السنوات العشر، نشأت حركة إصلاحية في عمالة قسنطينة، باسم جامعة النواب، وكان يتزعم هذه الحركة الدكتور ابن جلول، وفرحات عباس، وبالرغم من الصبغة الإصلاحية التي اصطبغت بها سياستها، والنظرية المنافية للقومية، التي تجلت في برنامجها الاندماجي، فإن آمال هذه الحركة قد انعدمت برفض مشروع بلوم فيوليت من طرف البرلمان الفرنسي، وقد رأى زعماء هذه الحركة، من النافع أن يبرهنوا عن ثقتهم في وعود فرنسا، في الجيوش المحاربة، ولكن آمالهم خابت، كما خابت آمال غيرهم من محاربي 1939 - 1945، ولما نزلت جيوش الحلفاء بشمالي إفريقيا، انضم الاندماجيون القدماء إلى الوطنيين، ووضعوا البرنامج السياسي لجهة موحدة "بيان 10 فبراير 1943، وبعد سنة قامت حركة شعبية عظيمة تؤيد هذه السياسة، فوافق رجال الحكومة الفرنسية المؤقتة في ذلك العهد، بلسان المسيو بيروطون الوالي العام في الجزائر، على تحقيق هذا البرنامج السياسي بعد انتهاء العمليات الحربية، وتشكلت في غضون 1949 لحنة تدعى لجنة الإصلاحات الإسلامية، فكانت نتيجتها المزرية، قرار 7 مارس 1944 الذي ثارت ضده جميع الحركات التقدمية التي كانت تمثل رأي الشعب الجزائري، الملتف بأجمعه حول حركة "أحباب البيان والحرية".

تأييد الجزائر

تأييد الجزائر وفي أثناء هذه المدة، كان الجيش الإفريقي يقاتل ببطولة فائقة جيوش المحور، ويطاردها من تونس إلى صقلية، ومن صقلية إلى إيطاليا، ومن إيطاليا إلى فرنسا، ومن فرنسا إلى ألمانيا، وكان هذا الجيش، يحتوي على 90 بالمئة من الأهالي، وكانت الجزائر مستودعا لجيوش الحلفاء، ونستطيع أن نقول غير مبالغين، أن برامج الحلفاء كادت تختل اختلال عظيما لولا معاضدة التعب الجزائري، والشعب المغربي بوجه عام. الهدنة ومذبحة الجزائر وفي 8 مايو 1945، بينما كان العالم بأسره يحتفل بيوم الهدنة، والانتصار على الهتلرية، أراد الشعب الجزائري أن يعبر عن أمله، في أن يرى تضحياته تحظى بالاعتبار، وأن يتمكن من تحقيق مطامحه القومية، ولكن الجيوش الفرنسية المكلفة بحفظ الأمن والاستقرار" انضمت - مع الأسف - للفرق الفرنسية المسلحة، وأحدثت مجزرة كان ضحيتها 45 ألف نسمة. فوجد أبطال الفرقة السابعة من الرماة الجزائريين، الذين عادوا مكللين بالنصر من ميادين القتال إفريقيا، وأوروبا، ديارهم مهدمة؛ وحقولهم مدمرة، ونساءهم مهتوكة الأعراض، وأهليهم, مقتولين بالرصاص، وقد أجبرت الدولة الفرنسية أمام موجة الاستياء الهائلة التي غمرت العالم إثر هذه الحوادث، على أن تتخذ موقفا تمحو به الأثر السيء الذي ترتكبه سياستها الاضطهادية، فكان هذا مختلا، وكان وليده قانون الأسس التنظيمية، مختلا مثله، وكان غاية ما امتاز به، أنه تسبب في إجماع الرأي العام الجزائري ضده، هذا الرأي العام الذي عبر عنه ممثلو مختلف النزعات في المجالس التشريعية، على أن النقط التقدمية القليلة التي احتوت عليها هذا القانون، قد مسخت كما ينبغي من طرف أولئك الذين كلفوا بالسهر على تطبيقها.

مصارحة

مصارحة ولماذا؟ لسبب بسيط جدا، وهو أن ضغط الرأي العام العالمي قد انقطع وأحسن اعتراف بذلك هو ما صرح به أحد ممثلي النظريات الاستعمارية، المسيو باتيستيني النائب بالمجلس الجزائري، في جلسة 2 فبراير 1950، عند مناقشة قضية إلغاء الأحواز الممتزجة، حيث قال: "وبالأحرى فلنقل قولا فصلا، وقد كنت عودتكم ذلك فيما أظن، أيها الزملاء الأعزاء، أن المصادقة على هذا القانون، قد وقعت في جو يخالف الجو الحاضر كثيرا، فقد أريد التنازل - شكليا على الأقل - لبعض النزعات وبعض المطالب الملحة في ذلك العهد". فقدان الثقة ويمكن أن تفهم الأزمة التي أفقدت الشعب الجزائري، الثقة في فرنسا، من الروح التي تتجلى في هذه الكلمات، التي لها على كل حال فضل الصراحة، والتي جاءت تعزز التجارب القاسية، التي تمخضت عنها الأحداث السابقة أو المصاحبة أو التابعة لجميع الحروب. وهذه الأزمة لم تفقد الشعب الجزائري الثقة في فرنسا وحدها، بل في جميع حلفائها السابقين أو اللاحقين، فبينما كان الميثاق الأطلنطي، وتصريحات أبرز الشخصيات العالمية، تؤكد أمام الملأ، أن أهداف الحلفاء الحربية، هي تحرير الشعوب كلها من الاضطهاد الأجنبي، وتحقق استقلالهم الوطني، كانت اتفاقات "كلارك درلان" بالجرائر تنص على: "الاعتراف من جميع العناصر الفرنسية، ومن يهمهم الأمر، ومن طرف السلطات العسكرية الأمريكية، بأن القوات الفرنسية، تؤيد وتساعد قوات الولايات المتحدة وحلفائها، لطرد العدو المشترك من التراب الإفريقي، وتحرير فرنسا وإرجاع الإمبراطورية الفرنسية".

خطورة الحالة

وهكذا تغلبت تعهدات رؤساء الحكومات، وها نحن اليوم على أبواب حرب جديدة ونرى رجال الجيش يتفقون على رجال السياسة. خطورة الحالة إن حالة الشعب الجزائري تزداد خطورة في الميدان السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، وسياسة الاندماج يشاد بها من جديد في الأوساط الحاكمة، وخنق مظاهر الشخصية الجزائرية يزداد كل يوم، وترى هذه الجماهير، تأتي لتضخيم صفوف المعوزين في المدن الجزائرية، أو تهاجر بمئات الآلاف خصوصا إلى الديار الفرنسية، والبطالة قد رمت الشباب والعائلات الجزائرية في بؤس مشين، والقمع الاقتصادي يزرع المجاعة في بيوت البعض، والروع في بيوت آخرين، والحريات الإنسانية الأساسية مداسة، والصحافة الوطنية مخنوقة بمصادرة "الجزائر الحرة" لسان حركة انتصار الحريات الديمقراطية، واضطهاد المدافعين عنها واعتقالهم بالآلاف في باريس، وحرية الاجتماع معدومة عمليا حتى بالنسبة للنواب البرلمانيين، والديانة نفسها لا تزال خاضعة لمراقبة الإدارة وضغطها، والثقافة القومية مخنوقة دائما، والجماهير ترزح في قيود الجهل والأمية. خاتمة هذه هي الظروف التي نستعد فيها اليوم، لدعوة الشعب الجزائري للاستعداد لخوض غمار حرب عالمية ثالثة. أن للشعب الجزائري هدفا واضحا: (تحقيق التحرير الوطني) فهو يرى في كل أنحاء العالم شعوبا تحررت وأخرى تتحرر، وهو يرى في العالم تيارا عظيما من العطف يعينه على مهمته، وأن أهداف كفاح الشعب الجزائري، وأهداف كفاح الذين يريدون تشريكه، بالرغم عنه في حرب

عالمية، لا يمكن أن تكون إلا متناقضة، وإذا كان لكل كتلة من الكتلتين، في الحرب التي ظهرت بوادرها، شيء تدافع عنه أو تناله، فإن الشعب الجزائري يريد قبل كل شيء، الدفاع عن حياته وأخذ حريته، ولهذا يرى من الضروري أن يذكر أمام الملأ بما يلي: 1 - أنه ينكر على أي إنسان الحق في إقحامه في جهاز حربي من غير سابق استشارته، ومن غير اعتراف بحقوقه. 2 - ويؤكد من جديد عزمه على أن العمل إلا حسب المقتضيات التي تضمن له فعلا بلوغ هدفه، الذي هو الاستقلال الوطني. 3 - ويبدي أمله في أن يرى الوئام الدولي، يحل محل المسابقة إلى الحرب، وفي أن لا تؤدي الضروريات الإستراتيجية - على الأقل - إلى نسيان إرادة الشعوب، وعدم تقديرها حق قدرها. 4 - وبالجملة، فالشعب الجزائري، لن يعتبر نفسه أبدا حليفا لمن ينكر حقه في الحرية والاستقلال. الجزائر في 20 سبتمبر 1950. عن حركة انتصار الحريات الديمقراطية الأمين العام الحسين الأحول

من زعماء الجزائر فرحات عباس رئيس حزب البيان

من زعماء الجزائر فرحات عباس رئيس حزب البيان وصل إلى القاهرة في منتصف أبريل الحالي سنة 1956، زعيم كبير من زعماء الجزائر، وهو فرحات عباس، "رئيس حزب البيان الجزائري"، ولم يكد يضع قدمه على أرض مصر الشقيقة، حتى عقد ندوة صحفية، دعا إليها الصحف العربية والأجنبية، ووكالات الأنباء، وأعلن في ملأ من الدنيا، انضمامه رسميا إلى جيش التحرير، وإلى جبهة التحرير التي تنطق باسمه، ثم أعلن موقف الأمة الجزائرية المتحدة المكافحة من الاستعمار، ويتلخص في كلمتين، هما الاستقلال، أو الفناء، وحزب البيان، هو ثالث هيئة في الجزائر، بعد جمعية العلماء، وحزب الشعب، والهيئات الثلاثة، وكل عناصر الأمة اليوم، أصبحت ذائبة في الثورة، وفي جبهة التحرير الوطنية، والمعروف عن فرحات عباس، أنه مكتمل الرجولة، واسع الثقافة، ربيب الصدق والثبات، وقد ابتدأ عمله السياسي، معتدلا جدا، ولو أن فرنسا أخذت ببرنامجه في الأول، لكانت هي الرابحة، ولكن سنة التطور أخذت بيد عباس، حتى وصلت به اليوم إلى القمة، وبعدما لمس نهاية خبث الاستعمار الفرنسي، ويئس من إمكان عودة الحياة إلى ضميره ... والذي نعرفه من فضائل عباس، أنه رزين، لا يأخذ بأمر حتى يقلبه على جميع وجوهه، ولكنه إذا اقتنع واتجه، فإنه لا يحسن السير إلى الوراء مطلقا ولا يعرف التردد والذبذبة، ونحن نثبت هنا تصريحه الذي نشرته أكثر صحف العالم، ونلفت نظر القارئ، إلى أن الرجل اعتاد دائما أن يعني ما يقول، وأن يتحمل مسؤولية ما يقول كاملة، وهذا نص التصريح:

تصريح فرحات عباس

تصريح فرحات عباس القاهرة 25 أبريل 1956 - وكالات الأنباء - عقد الوفد الجزائري لدى لجنة تحرير المغرب العربي في القاهرة، مؤتمرا صحفيا ظهر اليوم. وقد تحدث في المؤثمر، السيد فرحات عباس زعيم "حزب البيان الجزائري" وأحد زعماء جبهة التحرير الجزائري، المعروف بالاعتدال فقال: إن النظام الاستعماري المفروض على الجزائر، أصبح يعمل اليوم، في حرب قاسية لفتح البلاد من جديد، وهو اليوم يغرق البلاد في بحر من دماء وقد بلغ عدد الضحايا من المواطنين مائة ألف شهيد. ثم قال أيضا: أن الثورة الجزائرية القائمة، إنما قامت لمحاربة النظام الاستعماري، وأن الشعب مصمم على الاستمرار في الكفاح، أو الموت من أجل الحرية، ومن أجل هذا الهدف، ماتت الحزبية والأحزاب، وحل محلها شعب متحد قوي، أجمع أمره في جبهة التحرير الوطنية، ومضى السيد فرحات عباس يقول: لا يمكن أن تجرى مفاوضات مع فرنسا، إلا على يد رجال جبهة التحرير، وبشرط أن تعترف فرنسا أولا وقبل كل شيء، بالجنسية والقومية الجزائرية، وأن الجزائر جزء من المغرب العربي. وما لم تحرر الجزائر، فإن استقلال تونس ومراكش يصبح هباء. ودعا الزعيم عباس إلى جلاء قوات الاحتلال الفرنسية عن الجزائر. وقال: إذا لم يتم هذا الجلاء، انتقلت الحرب إلى فرنسا نفسها. وإذا ما تم الخلاء، فإن جيش التحرير الوطني سيضمن حرية الفرنسيين المستوطنين في الجزائر، ويؤمن لهم المساواة مع سائر الجزائريين. ومما قال الزعيم الجزائري: أن فرنسا ما تزال تشن الحرب ضد الشعب الجزائري، بالرغم من وعودها بتحقيق السلام. وبالإضافة إلى 350 ألف مقاتل فرنسي يعملون

يجب إعادة السلام إلى الجزائر

في الجزائر، يقوم الأوروبيين المدنيون بأعمال الاستفزاز، وقد سلحتهم الإدارة الفرنسية، التي تشبعت بفكرة الحرب، واستعمال القوة، وهذا الجهاز الحربي الضخم، يعمل اليوم ضد شعبنا بكل شدة، ولا تقتصر أعماله الإرهابية، على رجال الدولة في معاقلهم وغاباتهم، بل يصب جام نقمته، على جموع السكان المدنيين الجزائريين، دون أي تمييز، ويصيب الرجال والنساء والشيوخ. وقال: أن مئات المدنيين، سيقوا من ديارهم إلى ساحة الإعدام، واستشهد الكثيرون نتيجة ضرب ديارهم بالقنابل من الجو والبحر. ثم قال: أنه أعلن رسميا، أن مجموع الضحايا بلغ مائة ألف نسمة، في حين أن الإحصاء الرسمي الحكومي يقول: أن عدد جنود جيش التحرير القومي الجزائري، لا يتجاوز 15 ألفا، وهذا يكشف عن العدد الكبير من المدنيين، الذين استشهدوا ضحية أعمال الاغتيال الشنيع. يجب إعادة السلام إلى الجزائر وأضاف قائلا: أننا نخاطب الضمير الإنساني العام، ونخاطب ضمائر أحرار الفرنسيين بصراحة وبصوت مرتفع، ونقول لهم، أنه يجب إعادة السلام إلى الجزائر، ولولا المعونة التي تقدمها الدول الكبرى لفرنسا، لما وصلت المأساة الجزائرية إلى هذا الحد. هذا تصريح الزعيم عباس، وقد أحدث في الأوساط الفرنسية ضجة كبرى، وعلقت عليه جميع صحفهم بكثير من الفزع، لأنهم يفهمون الرجل أحسن الفهم يفهمونه رزينا معتدلا، ويفهمونه صادقا، إذا اتجه إلى عمل، لا يثنيه ترغيب ولا ترهيب، ويؤمنون حينما يقول لهم: سننقل المعركة إلى فرنسا نفسها، أنه صادق النية، ويفهمون أن الشعب الجزائري، شعب عزة وكفاح، وأنه قد سبق زعماؤه في الحماس بكثير، وأن هذه الدعوة الجريئة من مثل عباس المعتدل الرزين، ستحول

المقاومة

الجزائر كلها إلى بركان وزلزال ضد الاستعمار وأنها في الوقت نفسه، ستقضي نهائيا على عوامل التفرقة، ويكتمل عقد الإتحاد والتضامن باتصال طرفيه، والاتحاد أخطر سلاح يخشاه الاستعمار، وعباس لم يقفز إلى هذه الزاوية المتطرفة دفعة واحدة، وإنما انتقل إليها تدريجيا، تدرج العارفين المؤمنين، وبين أيدينا الآن، تصريح له إلى جريدة الأكسبريس الباريسية. المقاومة في 10 يناير 1956 نقتطف منه ما به الحاجة، قال عباس: أتكلم الآن عن المسألة الرئيسية وهي المقاومة. فالمقاومة في الجزائر، ذات شوكة قوية، لا من حيث عدد الرجال الذي يتضاعف يوما فيوم، بل من حيث الأسباب التي دعت لانبعاث هذه المقاومة بالخصوص، والتي ما تزال قائمة الذات، بحيث أصبحت المقاومة اليوم في نظر جميع السكان المسلمين بالجرائر، مصدر الأمل الوحيد. س - كيف ترى الحلول الملائمة للمشكلة؟ ج - إن رأيي في هذا الصدد، معروف عام 1934، وقد أتيحت لي إذ ذلك، الفرصة لأشرحها بنفسي للجنرال كاترو، وهي تتلخص في الاعتراف بالواقع الوطني في الجزائر، وهذا الاعتراف ينطوي على اعتراف الحكومة الفرنسية في أقرب الآجال - إذا شاءت أن تحقن الدماء - بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره بنفسه. س - وهل تنتهي الاشتباكات والمعارك فورا، في حالة ما إذا أعلن ذلك الاعتراف. ج - هذا ما أعتقده إعتقادا قويا، وعلى كل فإن ذلك الاعتراف، يكون خطوة كبيرة نحو الانفراج.

الماريشال بيجو الرئيس فور ... وقدمته بالكلمات الآتية

س - هل أن في وسع حزبك، وهو حزب البيان، أن يساهم في إيقاف العمليات العسكرية؟ ج - إن حزب البيان حزب وطني ديمقراطي، يعترف بأنه استنقذ جميع الوسائل السلمية لتسوية الخلاف، بطريق الحوار والإقناع والتفهم، وهنا أقول بصراحة: أن حزب البيان لم يعد في وسعه المساهمة في حل سلمي، وبدون موافقة المقاومة، وتحبيذ جيش التحرير الوطني، حب من حب، وكره من كره، ليس هناك حلا سلميا. س - وفي هذه الحالة، أي إذا ما حلت المشكلة وفقا لرغبة الجزائريين، فهل يكون بالإمكان تعاون بين المسلمين والأوروبيين؟ ج - بدون شك، ولكن على شرط، وهو أن يتخلص الأوروبيون من مركبات النقص الاستعمارية، وأن يلغي الاستثمار الاستعماري، وعندئذ لا يكون التعاون بين المسيحيين واليهود والمسلمين بالجرائر سلميا فحسب، بل مثمرا أيضا. وفرحات عباس كان في وقت ما، متهما بأن عقيدته الانفصالية عن فرنسا كانت لينة، لأنه لم يكن قوي الإيمان بقدرة الأمة الجزائرية يومئذ على طرد الاستعمار، وإقامة دولة وحدها، ولكن لما قويت شوكة العرب والمسلمين، وارتفع شأن الحرية في جميع أنحاء العالم، دار مع العلة حيث، دارت، ولعباس مقال يرد فيه على "إدغار فور" رئيس الحكومة الفرنسية، بمناسبة ترديده - في خطبة له المعروفة، بأن الجزائر فرنسية، والمقال منشور في جريدة "لاكسيون التونسية" وعربته الصباح في عدد 2 - 11 - 1955 تحت عنوان: الماريشال بيجو الرئيس فور ... وقدمته بالكلمات الآتية أما "بيجو" فهو القائد الفرنسي المشهور الذي احتل الجزائر. وأما الإجابة، فمدارها هو ما إذا كانت الأمة الجزائرية، أمة قائمة بذاتها، أم هي لاحق لها في أن تكون أمة.

حقائق وأفكار رائجة ...

والمقال من تحرير السيد فرحات عباس رئيس حزب البيان الجزائري، نشره في صحيفة "لاكسيون" التونسية. وقد رأينا أن ننقله إلى القراء، لأهمية ما يحتوي عليه من الشواهد التاريخية المدهشة، التي كانت تسير بها خطة استعمار هذا الوطن العظيم. وأما مناسبة هذا المقال، فهو خطاب ألقاه "مسيو إدغار فور" أخيرا عن الجزائر، وادعى فيه كالعادة أن الجزائر فرنسية. وقد اختار الكاتب، أن يكون رده على رئيس الحكومة مقتبسا من التاريخ، كما يسجله الفرنسيون أنفسهم. وإليك ما جاء في هذا المقال: حقائق وأفكار رائجة ... "إن الجزائر المسلمة، بعد أن سجلت قرار هيئة الأمم يبحثها في جمعيتها العامة - أخذت تنتظر الخطاب الذي ألقاه بشأنها فيما بعد، الرئيس إدغار فور، وإذا كان رئيس الحكومة قد قال - في هذا الخطاب - حقائق قانونية فيما يخص المغرب الأقصى وتونس، فإنه بالعكس من ذلك فيما يخص الجزائر، راح يستعيد "الكليشات" القديمة التي ورثها عن استعمار القرن الماضي - وباختصار فإن هذا الخطاب لم يأت بأي حل للمشكلة الجزائرية، ولا بأي جديد فيها" لقد قال رئيس الحكومة: "أن الجزائر أرض فرنسية وليس هناك ولا يمكن أن يكون هناك شيء، اسمه الأمة أو الدولة الجزائرية". وهذه بطبيعة الحال هي الأفكار الرائجة في الكتب المدرسية، التي يتعلمها الصبيان في المكاتب، أما الواقع، فهو أن الجزائر قبل سنة 1830، كانت لها نفس الأنظمة السياسية والاجتماعية، التي كانت لجارتيها تونس ومراكش، مع فارق واحد، وهو أن الجزائر كانت أكثر من جارتيها، من حيث المكان والغنى الطبيعي. وإذا كانت وضعية الجزائر اليوم من الناحية القانونية، تختلف عن وضعيتي مراكش وتونس، فليس ذلك ناشئا عن وضعيتها التي كانت عليها قبل سنة 1830.

التجربة المرة

وإنما نتجت بالعكس من ذلك عن الطرائق التي استعملتها معها الدولة التي استعمرتها، إذ أن هذه الدولة بدلا من أن تحافظ في الجزائر على سياسة المحميات فضلت أن تتبع فيها سياسة الألحاق. التجربة المرة وبعد أن مر الفرنسيون بالتجربة الجزائرية على هذا المنوال، تبين أن لهم نظام "المحميات" أكثر مرونة وأقل إهدارا للدماء، وأقل ثمنا. وهذا هو السبب الوحيد الذي جعل الفرنسيين فيما بعد، يتبعون في تونس ومراكش في سنتي 1881 وسنة 1905 سياسة في الاحتلال، غير التي اتبعوها في الجزائر. فبين عصر بيجو (الجزائر) وعصر جول فيري (تونس) وليوتي (مراكش) مرت فرنسا بسلسلة مفيدة من التجارب، فيما يخص معرفة المسلمين، وكان ميدان هذه التجارب، هو الجزائر بطبيعة الحال. ويجوز أن نذكر هنا بأن الشعب الجزائري، هو الذي كان ضحية هذه التجربة. ذلك أن هذا الشعب، كان شيئا آخر، غير ما يمكن أن يتصوره اليوم مسيو إدغار فور. ومن الأفضل أن نقتصر في إجابة رئيس الحكومة على خطابه. بأن نعرض أمام عينيه بعض الشواهد الثقيلة الوزن، مما كتبه المارشال بيجو نفسه، من ذلك قوله "آه! لو لم يكن في الجزائر هذه عرب، أو لو كان شعبها يشبه شعوب الهند المنحلة الرخوة. إذن لنصحت إلى بلادي، أن تخصص ميزانية لاستعمارها بعناصر من الجيش. ولكن وجود هذه الأمة، وما تمتاز به من شدة المراس والاستعداد للحرب، استعدادا يفوق ما عليه شعوب أوروبا - يضطرنا اضطرار أكيدا - أن نكون أمامها وبجانبها وفي وسطها بأقوى العناصر من سكاننا وأشدهم شكيمة".

مشروع جهنمي

مشروع جهنمي "ويقول المؤرخ "إيميرت": أن العامل الرئيسي في المقاومة العنيفة الشرسة التي قام بها الشعب الجزائري، هو قوته الجماعية التي لم يستطع الفرنسيون في ذلك العهد، أن يفهموها أو يعزلوها". وهذه القوة الجماعية التي كانت تحرك شعبنا كان لها اسمها الذي تحمله، وهو "الوطنية". ولكن المارشال بيجو أقام برنامجا فظيعا لمحو هذا الشعب، والقضاء على هذه الأمة، ليصير الجزائر وطنا للشعب الذي جاء يستعمرها، وهو نفسه يشرح هذا البرنامج، بعاطفة متحجرة، أمام البرلمان في يوم 16 يناير سنة 1830 فيقول: "سأقيم جالية في تلمسان، وأخرى في معسكر وغيرها في مدية، وأقول للجنرال، قائد الجالية في تلك المناطق: أيها الجنرال إن مهمتك ليست في الجري وراء العرب - وهو عمل لا فائدة منه إطلاقا - ولكن مهمتك في منعهم من زرع الأرض وحصادها، إذن فعملك هو أن تتجول في أنحاء البلاد، داخلا من ناحية إلى أخرى، فعندما تمنعهم من الحرث في الجهات الشرقية مثلا، لا تكون في حاجة فيما بعد لمنعهم من حصادها، وتستطيع بذلك أن توفر جهدك، لتبذله في جهات أخرى، بقدر ما تسمح لك قواتك العسكرية لذلك، لأن هذه القوات، هي العامل الأول لنجاحك. الهدف الرهيب وهذه الأوامر نفسها، تعطي لجميع قواد الحاميات، لمنع العرب من أن يتمتعوا بحقوقهم (أصوات استنكار من النواب) أن هذه الأصوات التي أسمعها، تدل على أن حضرات النواب هنا، يرون أن هذا الأسلوب فيه وحشية كبيرة. ولكن أيها السادة، أن الحرب لا تسير بالعاطفة.

يجب أن تمض إلى النهاية، إلى هدف صلب متين، وهو أن نجعل من هذه البلاد قطعة من فرنسا، يجب أن تقوم بالغزو الأعظم في إفريقيا، كما فعل الفرنج من قبل، وكما فعل القوط، وبغير هذا فلا سبيل إلى النجاح، أن جميع هذه التدابير، أدت بشعبنا إلى أن يصبح أشبه (بغبار من الأشباح) كما يقول المؤرخ "إيفير" ثم أن هذه المجموعة من الخلائق، جعل لها نظام خاص بها اسمه "إينديجينا" (النظام الأهلي) وبمقتضى هذا القانون، أصبحوا محل الاستغلال المطلق، والاستعباد الذي لا يرحم، ولكننا نحن البشر كثيرا ما نكره أشياء وهي خير لنا. إن هذا العربي الجزائري المستعبد، أخذ يصطدم بالعنصرية، فلم يجد بدا من الانكماش على نفسه، ثم أصبح هذا الانكماش اليوم، كتلة صماء لا تتفتت، وهي الأمة الجزائرية القائمة الذات، ومصير هذه الأمة، هو الذي يتأرجح اليوم في كفة القدر، فهل يجب إذن أن تحطم هذه الكتلة من جديد بالمعاول والسيوف والنيران، أم يجب أن يفسح لها مجال النمو والتطور، وأن يبذل لها المساعدة حتى تكون دولة عصرية؟ هذا هو السؤال في صميمه، ولكن رئيس الحكومة الفرنسية لم يجب عنه بشيء. وبعد ففي واقع مجموع هذه الكلمات يمكن أن تعرف حقيقة الأستاذ عباس فرحات حق المعرفة ومثله في هذه الظروف بالذات، يجب أن يكون معروفا للناس أصدق المعرفة بما فيه من كمال ونقص، لأن الأمة الجزائرية والأمة المغربية التي ينتسب إليها إنما تعاني اليوم أهوالا، وتعالج تقرير أجيال، ومثل هذا الرجل، مدعو في هذه الدقائق، ليرجح كفة رأي على رأي، ونأمل أن يكون ثقله دائما، في كفة الحزم والحكمة وتمتين الصفوف، وتخييب ظن المستعمرين الظالمين، أما حزب البيان الذي يرأسه عباس، فله قصة مختصرة، ذلك أن الحلفاء لما نزلوا في الجزائر

تصريح للورتلاني عن اليمن وعن رحلته إلى الأندلس

بجيوشهم في 10 فبراير سنة 1943 وطردوا منها الألمان والطليان، انعقد مؤتمر جزائري، تمثلت فيه جميع العناصر الصالحة، واتفقوا على إذاعة بيان ضمنوه المطالبة بالسيادة والاستقلال، والتفت الأمة عن بكرة أبيها يومئذ، حول هذا البيان، ولما انتهت الحرب، رأى عباس، وفريق كبير من المثقفين، الذين كانوا يعملون في صفوف النواب، أن يؤسسوا حزبا شعبيا، فكان هذا الحزب الذي سموه "البيان الجزائري" تلميحا لذلك البيان التاريخي العظيم. نشرت في جريدة المنار وبيروت المساء والشهاب في مايو 1956 تصريح للورتلاني عن اليمن وعن رحلته إلى الأندلس إن الأحداث الكبيرة في التاريخ، لا سيما الثورات والانقلابات منها، كثيرا ما يضيع وجه الحق فيها، ويقوم الباطل مقامه، ثم يصير ذلك الباطل، تاريخا مدونا، يقرؤه طلاب العلم في المدارس والكليات، ويستدل به العلماء على قيام الدول وزوالها، ويستخرجون منه الحكم والأقيسة. وهذا النوع من الباطل، الذي يسجله المنتصر وحده في غياب المنهزم، هو من طبيعته أن يتوالد ويتكاثر، حتى يملأ الدنيا فراخا، لذلك كنا نود لو أن أمثال الأستاذ الورتلاني، تولى كتابة الوقائع التي كانت تحيط بحوادث اليمن، بتجرد وأمانة حتى يجنب الناس اعتقاد الخطأ، ولكنه فيما يظهر، لا يرى الوقت بعد مناسبا لهذا العمل، أو شغله ما هو أهم من ذلك، من جهاد بلاده الجزائر والمغرب العربي. وبين أيدينا الآن "جريدة البصائر" لسان حال جمعية العلماء الجزائريين، عدد 174 تاريخ 5 نوفمبر سنة 1951، وفيها تصريح عامر للورتلاني في الموضوع، وتعليق قيم لرئيس الجمعية، العلامة الأستاذ الإبراهيمي ونرى من المناسب جدا، ومن المفيد، أن نثبت الاثنين معا للتاريخ، قال العلامة الإبراهيمي تحت عنوان:

الفضيل الورتلاني

الفضيل الورتلاني وصلتنا كلمة من الأخ الكريم، الحاج خليل أبو الخدود مندوب وكالة أنباء أندونيسيا - ومعها تصريحات لولدنا الأبر، الفضيل الورتلاني - قبيل الاجتماع العام لجمعية العلماء، وكنا إذ ذلك منهمكين في إعداد الاجتماع، وفي استقبال السنة الدراسية، وشؤون المدارس والمعهد الباريسي، وما يستلزمه ذلك من أدوات، ووسائل، وتجديد في الأجهزة اللازمة، من برامج ومال ورجال؛ ولقد كان إسكان تلامذة المعهد - وعددهم يشارف السبعمائة - كافيا لاستنفاذ الجهد، واستغراق الوقت؛ وقارنت تلك الجهود، تأخر "البصائر" عن مواقيتها، لأسباب داخلية اقتضاها التجديد؛ لذلك كله، تأخر نشر الكلمة وما معها من التصريحات إلى هذا العدد، فمعذرة منا إلى الأستاذين الفاضلين، البعيدين عنا بعد الدار، القريبين منا قرب العمل المشترك والفكرة الجامعة: أبي الخدود والورتلاني. وقد كنا قرأنا في الجرائد الشرقية، خبر عفو أمير اليمن، عن المتهمين في الحركة الانقلابية، التي كان من آثارها قتل أبيه يحيى حميد الدين، فلم يحرك منا هذا العفو شعرة، لما لم يثر منا ذلك الانقلاب إلا الألم، ولا يستطيع أحد أن يتهمنا في هذا بجفاء الطبع، أو جفاف العاطفة، فنحن من أشد الناس افتتانا بالعروبة والعرب، وأرقهم إحساسا في النوائب التي تنوبهم وأعماقهم أسى للحالة التي هم عليها؛ ولكن رأينا في ملوك العرب معروف، ومن رأينا في الكثير منهم، أن كل ما يصدر منهم من عقد ونقص وعفو ومؤاخذة - فهو ناشئ عن خطرات من الوساوس الفردية، لا عن بواعث من المصلحة العامة، وأنهم عدموا القوانين المقيدة، فاستحكمت فيهم النزعات المطلقة، فأصبحوا في نظرنا يوجدون، فكأنهم عن فراع الحياة ما وجدوا، ويفقدون فكأنهم لهوان الخط ما فقدوا؛ ومن رأينا في ذلك الانقلاب، أنه أحط من بصيرة المتبصرين بدرجات، وأنه متأخر عن وقته بسنوات، وأنه لو صحبته البصيرة، وكاد العلم والعقل من ذرائعه، لكان تطورا لا انقلابا، ولما سال فيه ملء محجم من الدم.

وقالت تلك الأخبار: أن العفو شمل الأستاذ الفضيل الورتلاني، المتهم بتدبير الانقلاب والاغتيال، وتباشر أصدقاؤه وعرفوا فضله بهذا العفو، كأنهم رأوا فيه حدا للحالة التي يعيش فيها، وكأنهم يرون أن تلك التهمة - على بطلانها - عاقت الأستاذ الفضيل عن مواصلة جهاده في سبيل العرب والمسلمين، فالعفو يضمن له متابعة الكفاح. والأستاذ الورتلاني، ابن بار من أبناء جمعية العلماء، وغصن من دوحتها الفياحة، فتح عينيه على شعاعها، وسار في الحياة من أول خطوة على هداها، وقضى عنفوان شبابه في أحضانها، وتخرج في العلم والعمل على قادتها، وبز الجياد القرح في ميادينها، ورمى الغايات البعيدة بتسديدها، وراض عقله على التفكير الصائب، ولسانه على الحديث الصادق، في الإصلاح الديني الذي هو أساس مبادئها؛ فجذبه استعداده القوي منه، إلى العمل في ميدان الإصلاح الاجتماعي وجرته غيرته المحتدمة على وطنه، إلى العمل للإصلاح السياسي؛ وهذه أنواع من الإصلاح متشابكة الأصول، متشابهة الفروع تفصل بينها فواصل اعتبارية دقيقة، ولكن الجرآء المقدامين يرونها متلازمة، متوقفا بعضها على بعض، فلا يتم جزء منها إلا بتمام جميعها؛ ومن هؤلاء ولدنا الفضيل؛ فلما ضاق عنه وطنه الأصغر طار إلى وطنه الأكبر. ولمكان الأستاذ الورتلاني منا، ومكانته عندنا، وعدنا إياه من أبنائنا البررة ورجالنا الأفذاذ، ويقيننا بطهارة ذمته من القاذورات، وتسامي همته إلى بناء المأثورات - نرى أن كلمة (العفو عنه) كما تقول الجرائد، سبة لم يسب بأفحش منها، ونظن أن ولدنا الفضيل ارتاح لها، أو وقعت منه موقعا، لما نعرفه فيه من الشمم وكبر النفس، وما زالت كلمة العفو في مثل هذه المواطن، ثقيلة على النفوس الحرة، لا يطرب لها إلا المذنبون الضارعون، كالذي يقول:

"رأيت العفو من تمر الذنوب"؛ وإذا كان العفو لا يكون إلا عن جان، فإقراره إقرار للجناية، ومتى كان الفضيل جانيا حتى يعفى عنه، أو حتى يكون العفو عنه مدعاة للسرور والابتهاج؟ وقد وقع لنا مثل ذلك مع الاستعمار، يظلمنا، ثم يبدو له فيقول: عفوت عنكم، فلا يكون آخر في نفوسنا من ظلمه إلى عفوه. كل ذنب الفضيل، أنه أراد أن يعالج ناحية من نواحي تلك المملكة الشقيقة، فعالجته الأيدي الخفية، التي لا تريد إصلاحا - بتلك الحادثة. وبعض ذنبه - إن كان هذا يسمى ذنبا - أن جرأتها على مصارحة الأمير القتيل بلزوم الإصلاح، وتنبيهه إلى مواقع الخطر المترتب على الإهمال - كل ذلك جرأ الطائشين على التعجل بأمر لم يجيلوا فيه روية، ولا تدبروا له عاقبة، والمعاني الكبيرة، لا تحتلها العقول الصغيرة، وأعان على ذلك ظلم طال أمده وتظلم خفت صوته فلم يتردد صداه. إننا نعلن - نيابة عن الأستاذ الورتلاني، بما لنا عليه من حق الأبوة - أنه يستحق التبرئة والاعتذار إليه، لا العفو، إذا كانت العقول قد ثابت إلى رشدها، وطهر الجو من الروائح الاستعمارية التي أفسدته، أما إذا كان الإمام لا يحسن الإمامة، وكان السيف لا يقطع إلا أوصال جاليه، فخير للفضيل أن تتخطفه الطير، أو تهوي به الريح في مكان سحيق، من أن تكتب في تاريخه الحافل "طرة" وهي أنه (مجرم معفو عنه). إننا قوم لا نرضى من الأخلاق إلا أن تكون عقائد، وأن هذه الاعتبارات هي التي أسكتتنا عن الحديث في هذا العفو، وإن لامنا عن هذا السكوت اللائمون، أما ما جرته تلك التهمة على الأستاذ الفضيل من تنكر الملوك له، وضيق

أول تصريح للأستاذ الفضيل الورتلاني بعد إعلان براءته والعفو عن سياسيي اليمن

الحكومات به، فهو امتحان البطولة، وطالما أداه الأبطال قاسيا ثقيلا وما زالت العليا تعني غريمها، كما يقول ابن خميس، وهو دليل البطولة، وللبطولة منها عليها شواهد. وأما ما لقيه بسببها من تجهم بعض الأصدقاء، فهو دليل على أن صداقتهم كانت على دخن، أو من شماتة بعض الخصوم، فهو دليل على أنه كان غيظ الحاسد ومسيح الدجاجلة، وكل ذلك مما يعلي قيمة الفضيل، ويبين عن صفاء جوهره، وأن تلك الغمة العارضة، ما زادت على أن كانت تلقيحا في رجولته، وتنقيحا في أصدقائه، وافتضاحا لخصومه. محمد البشير الإبراهيمي وإلى القراء أجوبة الورتلاني على أسئلة وكالة أنباء أندونيسيا تحت عنوان: أول تصريح للأستاذ الفضيل الورتلاني بعد إعلان براءته والعفو عن سياسيي اليمن س - ما هو شعوركم اليوم نحو اليمن. وكيف كان وقع العفو الذي أصدره الإمام أحمد، عن رجال الانقلاب عامة، وعن جنابكم بصفة خاصة؟ ج - إن اليمن قطعة من صميم الوطن العربي العزيز، وجزء كريم من العالم الإسلامي الغالي، وأخشى أن أظلم التاريخ، وأصحاب الحق في إرثه من الأجيال، إذا أنا تواضعت، وسكت عما كان لي من هوى مبرح، نحو هذين الحبيبين المظلومين، العالم العربي والعالم الإسلامي، بل نحو كل مظلوم في هذا الوجود، ولقد قاسيت كثيرا من أجل أن أفتح عيني يوما على محياها، فأجدها

مشرقة بنور الحرية والسيادة، وأن أرى شبح الظلم الذي طالما خيم على ربوعهما وجر على البشرية الويلات المتكررة، أراه قد حل عنهما غير مأسوف عليه، وإلى غير عودة، ويعلم الله، أنني ما حقدت يوما على أحد، ولو خالفني في الجنس والوطن والدين. وإنما أحقد على ذلك الظلم، الذي ما زال منذ دخل في طاعة الاستعمار الغربي حتى الآن، يفتح على الإنسائية أبوابا من الشقاء، لم ينج منه حتى أبناؤه، فيقطع ما وصل الله بين أفرادها من أسباب الود والتعاون على الخير، ويغرس في نفوسهما - بدل ذلك - الحقد وتنازع البقاء، ثم يسوقهم في كل فترة من الزمن، إلى ميادين الحتف والهلاك، من أجل ذلك كله، تجد من الطبيعي جدا أن يكون كل ما يمت إلى هاذين الرحمين بصلة، محل تحسسي وعنايتي في آن واحد، واليمن هو القطر الوحيد الذي لا يزال يتمتع باستقلال وسيادة كاملتين، لا تشوبهم شائبة من الطلاء الذي يسمونه انتدابا أو وصاية أو حتى معاهدة، وعلى عرشه اليوم صديقي حضرة صاحب الجلالة الإمام أحمد. وقد عرفت من جلالته عن كثب، طائفة من المزايا، تجعلني كثير الأمل والتفاؤل، في صيانة ذلك البلد الغالي، من دسائس الاستعمار ومن الفتن الداخلية، عرفت في جلالته ثلاث خصال، هي كالأركان للرجل المسؤول: الأولى - حذره الشديد من المستعمرين والأغراب. الثانية - الشجاعة - والثالثة - الكرم. فهذه الصفات، ليس من طبيعتها أن تسكن قلبا يحمل حقدا أو يغرق في الانتقام، ثم ينس الحكمة التي من أوتيها، فقد أوتي خيرا كثيرا. من أجل ذلك فإن العفو العام الذي أصدره جلالته، عن المتهمين وغير المتهمين مثلي، وفي ثورة 1948 يتمشى جنب إلى جنب، مع تلك الخصال الحميدة التي يتجلى بها، بل يعانق الوحي، ويرضى تعاليم

السماء. فمن مبادئ القران {إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ... ذو حظ عظيم} فصلت: 34 - 35. ومن مبادئه {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} آل عمران: 159. وإن التوراة والإنجيل، لمشحونان بمثل هذه التعاليم السامية. على أنه ليس بعيدا ولا غريبا، عمن ينحدر كجلالته من أرومة النبوة والرسالة، أن ينشرح صدره لنصائح القرآن. ففي ذلك - والله - خير الدنيا والآخرة، لا سيما وأن العصر الذي نعيش فيه، يلد في كل رجب، عجبا من المذاهب الهدامة والفلسفات الفاسدة. وهذه لا تجد لها أتباعا، إلا في بيئة يسودها الخلاف، وينتشر فيها القلق والسخط، وهي أسرع في الانتقال من الأوبئة والجراد، بفضل ما وصلت إليه المدنية، من أسباب المواصلات الإخبارية والنقلية، وبفضل ما برع فيه الصيادون في الماء العكر، من أساليب التفتين والتفريق بين المرء وزوجه، أو الحاكم ورعيته. وقد كان ذلك دينهم منذ وضعوا مبدأهم الشهير (فرق، تسد). س - هل تنوي نشر مذكرات لك عن ذلك الجهاد الطويل، والتجارب الكثيرة، لتستفيد الأجيال عما أصبت فيه أو أخطأت، وليطلع الناس على حقائق، لو ظلت مكتومة لكانت خسارة على التاريخ. ج - صحيح, كل ما ذكرت، ولدي مذكرات مختصرة تحمل الخطوط العريضة، وأنوي أن أتوسع فيها وأنشرها، ولكن في الوقت المناسب. ولقد فاوضني في أمر نشرها كثيرون من دور الطباعة والنشر، ولكن آثرت أن أؤجل ذلك إلى حين، وعسى أن لا يطول كثيرا إن شاء الله.

س - لقد تحدثت الصحف والإذاعات، كثيرا عن احتمال عودتكم إلى اليمن، لمواصلة رسالتكم الإصلاحية والتوجيهية، مع صديقكم القديم جلالة الإمام أحمد، كما تحدثت عن ذلك بالنسبة للبلدان الشقيقة، وبالنسبة لأندونييا والباكستان، فهل عزمتم على شيء من ذلك. ج - أنا أعد العالم العربي والعالم الإسلامي كليهما وطنا لي، وقد عشت على هذا الشعور منذ نعومة أظافري، وأقمت رسالتي وجهادي على أسام من قواعده. ثم ليست الصلة بين نفسي وبين هاتين المجموعتين، قائمة على مجرد الإحساسات التي تحملها روابط القربى، من جنس وثقافة ودين فحسب، ولكنها فوق ذلك، كانت ولا تزال قائمة على خوض الظلم المشترك، الذي حفره لنا الاستعمار، فسبحنا فيه جميعا، وشربنا من علقمه جميعا، فأمسى هذا الأخير، رحما ماسة بيننا قد بر كل رحم. فالتعاون إذن، مع أي دولة ممن ذكرت، لنقوى على الوقوف أمام الظلم والظالمين، ولنسابق ركب الحياة في الميادين المختلفة، هو من طبيعتي التي نشأت عليها، وظلت ولا تزال تنمو في ملكاتي حتى الآن. أما إلى أين اتجه بالفعل في القريب العاجل، فأمر غير مبتوت فيه بعد، والكلام عنه الآن في نظري سابق لأوانه، وإن كان ما تحدثت عنه الصحف، والإذاعات، له أصل في الجملة لا محالة، ولكن ما ثبتت أصوله، يجوز أن تذاع في الناس فصوله، وإنما الذي أحرص على إذاعته، وتجديد العهد عليه لله والناس من الآن، هو مبدأ خدمة الصالح العام، ما استطعت إليه سبيلا، دون النظر إلى مصلحة شخصية أو هوى ذاتي، على أن لا أنسى وطني الصغير المغرب العربي أينما كنت، ولعنة الله على الكاذبين. س - كيف كانت إقامتك في لبنان؟

ج - لقد أحببت لبنان على اختلاف طوائفهم حبا جما، من قبل أنزل ضيفا على لبنان وأهله. وكنت دائما أضرب الأمثال للناس، حينما أريد أن أحفزهم إلى المعالي، بأهل لبنان في عبقريتهم ونشاطهم، اللذين ملآ الدنيا الجديدة والقديمة نورا وعرفانا، وكنت أضرب بهم المثل في التسامح النادر، أو الديمقراطية الحقة، التي لولاها ما استطاعت أن تتساكن هذه المجموعات، التي لا يكاد يقع عدد مذاهبها وطوائفها تحت حصر، مع أنها تعيش فعلا في جو من الجمال والإخاء والتعاون، كأنهم أبناء عائلة واحدة. كنت أفعل ذلك يوم كنت بعيدا عن لبنان، ولما أقمت فيه، ازددت حبا له واحتراما وقلت: ليس من يرى كمن يسمع. وكان لي من الأصدقاء في أبناء لبنان حينما كنت في مصر، من لا أستطيع أبدا أن أنسى عشرتهم ووفائهم، أذكر من الأحياء الذين تعاونا معهم في خدمة العروبة: خليل بك ثابت، وحبيب بك جاماتي، والأستاذ موريس أرقش، والأستاذ أسعد داغر، وحليم بك أبا عز الدين، وتقي الدين بك الصلح، وغيرهم كثيرين. وأذكر من الأموات المرحوم أنطوان باشا الجميل، والمرحوم خليل بك مطران، وغيرهما ولقد لقيت الشيء الكثير من العطف والاحترام في أهل لبنان، ابتداء من رئيسه الأعلى حضرة صاحب الفخامة الشيخ بشارة الخوري، الذي صادف وصولي إلى لبنان، يوم تجديد ولاية فخامته الثانية. فكانت صدفة كريمة، وفألا حسنا إلى فقيد العروبة، الزعيم الجليل رياض بك الصلح رحمه الله، فلقد كان صديقا وفيا وشهما فذا. وأن خسارة العروبة فيه، لا تقل عن خسارة لبنان، ولم تقل نحوي مروءة جميع الطبقات الأخرى، من رؤساء ومرؤوسين، عن الرئيسين الجليلين، بارك الله في لبنان وأهل لبنان، وجعله على الدوام مصدرا للنور والعرفان ومثالا للتسامح والإخاء. س - هل كانت إقامتك طول هذه المدة بلبنان؟

ج - لقد أقمت في غير لبنان طويلا، ولكن ما قضيته في لبنان كان أطول، ويليه سوريا الشقيقة ثم تركيا، ولم أكن لا في الأولى ولا في الثانية، أشعر بشيء من الغربة البتة، بل كنت كأني بين أهلي وعشيرتي. ولقد صارت لي فيها صداقات وإخاء، بلا تلامذة ومريدون، والحمد لله. س - لقد زعمت بعض الصحف والإذاعات، أنك كنت تحمل رسالة خطيرة عن الشرق، حين زرت طنجة، أثناء الأزمة التي كانت قائمة في مراكش، بين القصر والإقامة، فكانت شيئا جديدا لاشتداد الأزمة وتهييج الوطنيين ... ج - لم يكن الشرق في حاجة ليحملني مثل هذه الرسالة، ففي المشرق كما في أوروبا وغير أوروبا، ممثلون من وزراء وسفراء ووكلاء، كما لم يكن جلالة السلطان ولا الزعماء الوطنيون الأبرار، في حاجة إلى من يهيجهم. ففي وطنيتهم وتفانيهم في خدمة بلادهم الكفاية. وحتى إذا كانوا في بعض الحاجة إلى التهيج ففي سياسة الجنرال جوان وأساليبه العسكرية، ما هو فوق الكفاية والحمد لله. أما زيارتي إلى المنطقة الخلفية وإلى طنجة، بعد زيارتي للأندلس الخالدة، فهي طبيعية، لأنها جزء صميم من وطن المغرب العربي، ولقد لقيت من سمو الخليفة المعظم كل حفاوة وإكرام، ولقيت مثل ذلك من جميع الزعماء والمواطنين. ولعله كان من حقي الصريح، أن أكون أداة خير ما استطعت، في تلك الفترة الدقيقة من ظروف مراكش الغالية، ويسرني أن أسجل لهما، أنني كنت كذلك والحمد لله. وأشكر لزعماء مراكش، الذين كانوا مقيمين في طنجة يومئذ، حسن استقبالهم لأخيهم هذا، بل أشكر لهم من صميم قلبي، حسن قبولهم عني، فجراهم الله عن الوطن كل خير. س - لماذا لم تدخل مناطق النفوذ الفرنسي في تلك الرحلة، مع أن أهلك وأملاكك وإخوانك وتلامذتك، كل هؤلاء إنما هم الجزائر؟

ج - هذا السؤال ينبغي أن يوجه إلى الحكومة الفرنسية، التي أذاعت في الناس أنها قد حكمت علي بالإعدام، لأنني قد شوشت عليها في الشرق، حين قاومت استعمارها لبلادي، ولا أدري ما هي هذه المحكمة، التي كانت لها الصلاحية في محاكمتي، وما هي الحيثيات التي استندت إليها، اللهم إلا أن يكون حب الوطن، الذي يقولون أنه من الإيمان، قد أصبح عند أم الحريات جريمة يستوجب مرتكبوها الحكم بالإعدام. فإذا تم ذلك، وجب على فرنسا العريقة في الحريات، أن تحرق تاريخها القديم بكل ما فيه من أمجاد، وتضع تاريخا جديدا يبتدئ من الجنرال جوان فصاعدا. س - بماذا توصي الوطنيين في المغرب العربي؟ ج - أرجو قبل كل شيء، أن تحمل إلى جميع المواطنين في المغرب العربي الكثير، تحياتي العاطرة، وأشواقي المتراكمة، وأن تحمل إكباري وإجلالي بصفة خاصة، إلى أولئك الذين وقفوا حياتهم في سبيل تحريره وإسعاده، فثبتوا ولم يبدلوا تبديلا، أما وصيتي إليهم، ففي كلمة واحدة، وهي، إن كانت كلمة واحدة، ولكنها بقدر ما هي خفيفة على اللسان، فهي ثقيلة في الميزان، هذه الكلمة هي (الإتحاد) ليست بضاعة مزجاة، يقدر عليها بالرخيص من الأثمان، وإنما هي سلاح فتاك، يستطيع المدافعون عن كرامتهم وحريتهم ووجودهم بواسطته، أن يردوا الجحافل من جيوش الظلم والاستبداد. فهو إذن عزيز كعزة القنبلة الذرية في هذه الأيام. فحينما يطلبونه، يجب أن يعدوا ثمنه، إن كانوا في وطنيتهم من الصادقين، وثمنه هو نكران الذات في الدرجة الأولى، ويليه اصطناع الحكمة دائما في معالجة الصلات بين العاملين لصالح البلاد. ولو كان في ذلك شيء من الذل، لأن قبول الذل لصالح الإتحاد، ضرب من الجهاد الجليل، والواجب المقدس، لأن فيه تضحية وصبرا. وإنما يضحك على نفسه وعلى الناس، من يزعم أن الجهاد يمكن أن يقوم على غير التضحية والصبر. وإني بحمد الله، ما قبلت يوما في حياتي ذلا من أحد،

مسيحيو لبنان يمقتون فرنسا والاستعمار

مهما سما في منزلته، وإن الموت أهون عندي من احتماله. ومع ذلك فلقد احتملت الذل أكثر من مرة، في سبيل هذه المعاني الخالدة، واحتسبت ذلك من صميم الجهاد، وعسى أن يتقبل إخواننا هذه النصيحة الخالصة، ونراهم عند حسن ظننا بهم، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه. الحاج خليل أبو الخدود مندوب وكالة أنباء أندونيسيا مسيحيو لبنان يمقتون فرنسا والاستعمار لم تظلم نسبة في تاريخ البشرية - فيما نعلم - مثلما ظلمت، نسبة المستعمرين الفرنسيين، إلى المسيحية الطاهرة، وإلى نبي الرحمة عيسى عليه السلام، هذا النبي الكريم، الذي صحب بعثته قوافل من الأخلاق الفاضلة، بهرت أنوارها العالم، وعجزت على الوقوف في وجهها، شياطين الإنس والجن، وسجدت بين يديها القوة، وتقهقر أمامها كل من كان يبعث في دنيا الناس يومئذ، من الرذائل والمنكرات. وكان أبرزها في طلائع رسالته الخالدة، الدعوة الواضحة الملحة إلى التسامح وإلى الرفق، والدعوة إلى الرحمة الواسعة، التي شملت حتى الأعداء والمذنبين السفهاء، وكان هذا السلاح السماوي الجبار، من أقوى أدواته التي فتح بها أمنع القلع، في نفوس المتمردين المحجوبين، فتحولت من مصادر لكل شر، إلى ينابيع متدفقة بكل بر وخير، ولم يترك عليه السلام هذه الدنيا، ويغيب عن وجوه أهلها، حتى بلغ الرسالة خير تبليغ، وأدى الأمانة على أحسن وجه. وتركها أمانة مقدسة في أعناق أتباعه والمؤمنين به، ذلك هو المسيح الحق عليه السلام، وتلك هي المسيحية المقدسة، والمسلمون العارفون، يتعبدون إلى الله من أعماق قلوبهم، بحب عيسى عليه السلام ويتقربون إلى الله في خلواتهم، بتقديس رسالته الكريمة، ومبادئه الخالدة، ويرون أن أي تقصير في ذلك، إنما هو معصية، يعذب صاحبه من

أجله في الدنيا والآخرة، وأن أي جحود لذلك، إنما هو كفر، يخلد صاحبه في نار جهنم، ويعلم الله إننا نغار أشد الغيرة على هذا النبي العظيم، ويحزننا أن ينتسب إليه زورا وبهتانا قوم من الملاحدة، كالاستعماريين الفرنسيين، أقفرت قلوبهم من الإيمان والرحمة، وجفت وجههم من ماء الحياء والمروءة، وشقيت بهم العائلة الإنسانية أسوء شقاء، ولا هم لهم في هذه الدنيا، إلا الاتجار بالدماء والحروب، في سبيل الاستعمار والشهوات الحيوانية، أولئك قوم يبرأ منهم المسيح عليه السلام وتبرؤ منهم المسيحية الكريمة، ومع ذلك، فلا يستنكفون في سوق تجارتهم الحقيرة، أين عرضوا هذه الرسالة الخالدة إلى الإهانة، فينسبون همجيتهم، إلى الحضارة المسيحية الطاهرة، فكأن المسيح عليه السلام، يبارك القنبلة الذرية التي دمروا بها هيروشيما، ويبارك هذه الملايين التي تذهب أرواحها البريئة في الحروب المهلكة، وفي سبيل شهوات استعمارية سافلة، وكأن المسيح أخيرا، يبارك هذه الأدوار الوحشية، التي يمثلها الاستعمار الفرنسي، على مسرح الجزائر العربية، ويباهي أمام العالم، بتسخير كل ما يملك من قوى الشر، لإفناء أمة عزلاء، لا ذنب لها سوى المطالبة بالحرية. معاذ الله أن يرضى المسيح الرحيم نسبة هؤلاء إليه ورسالته، أولئك السفهاء، الذين انقطعت كل العلاقات بين الله وبين قلوبهم المتحجرة، ولم يبق لهم معه إلا أن يصطنعوا حوضا من الماء باسم المسيح العظيم، ثم يخوضوا الماء بأرجلهم النجسة ليعكروه، ثم يضعوا شباكهم الاستعمارية، ليصطادوا فيه الشعوب، والرزق غير الحلال، وقد ظن الفرنسيون المستعمرون، ثم الإنكليز المضللون، بأن لبنان الكريم، هو المجال الصالح لزرع هذه الأوبئة وللتنكر لعيسى عليه السلام، ولمبادئه الإنسانية المقدسة، ولكن ظنهم قد خاب، وسهمهم قد طاش، لأن هذا الشرق الكريم قد استفاق فعلا من غفلته، وعلم المسيحيون والمسلمون، وعلم حتى الوثنيون فيه، بأن الاستعمار لا دين له ولا ذمة، إنما هو مرض ووباء، يجب على كل من يؤمن بالله، أو بالمثل العليا الإنسانية، أن يشارك في محاربته، إلى أن يباد ويقضى عليه، ويأمن الناس شر عدواه وبلائه، كما تفعل الدول اليوم، في محاربة الجراد والوباء بجميع أنواعه، ومن حسن حظ المسيحية،

الاتجار بالمسيحيين

أن حفظ الله لها من بين المنتسبين إليها، بتجرد وصدق، من يرعى حرمتها، ويغار على مبادئها، ولا يرضى لها بحال، أن تكون بضاعة يتاجر بها، أو مجرد حزب سياسي، يعمى أو يتعامى عن كل ما في المسيحية من الفضائل والمثل العليا، وأمامنا الآن طائفة من المقالات النزيهة الكريمة، كتبها مسيحيون شرقيون، بل لبنانيون ومارنيون، ينددون فيها بالاستعمار عامة، ويتنكرون من أعمال الفرنسيين في الجزائر بصفة خاصة، ويسرنا أن نثبتها هنا بنصوصها للعبرة والتاريخ، منسوبة إلى أهلها وإلى الصحف التي نشرت فيها، ونبدأ بكلمة جريدة الديار الغراء، في عدد 12 - 4 - 1946 بقلم صاحبها الجريء الأستاذ حنا غصن قال: الاتجار بالمسيحيين استعان المستر رالف إيزارد، الصحفي البريطاني، بكاتب في جريدة "لوسوار" الفرنسية، ليبرهن للرأي العام البريطاني، على أن اللبنانيين، وبصفة خاصة المسيحيين، لا يوافقون الرئيس عبد الناصر على مقاطعة فرنسا. وقد نقل الصحفي البريطاني ما نشرته "لوسوار" بالحرف الواحد، ثم اتخذ رأي الكاتب دعامة استند إليها عندما قال: إن لبنان أيضا لا يتلفت إلى القاهرة، ولا يقول بالاتفاق مع رئيس حكومتها. ولم تعد نيات بريطانيا نحو الرئيس المصري مجهولة، لنحمل أقوال المستر إيزارد وأمثاله على محمل حسن النية. فهدف الصحفي البريطاني، امتدادا لأهداف دولته، وهي أهداف مفضوحة، تنبثق من مرارة الفشل التي منيت بها السياسة البريطانية في الشرق العربي. وما الاستناد إلى كلام تنشره "لوسوار"، وتصوير كاتبها أنه يمثل الرأي العام المسيحي في لبنان، سوى مغالاة في الاندفاع مع المغالطات وسوء النية. وإلا فكيف يستند صحفي بريطاني، يستلهم فيما يكتبه الدوائر البريطانية الرسمية كاتبا نكرة بالنسبة، تنشر كل مقالاته جريدته إذا لم تكن نكرة بجميع معاني الكلمة، فهي شبه نكرة؟ ومن هذا الذي يستطيع الزعم، أنه يمثل الرأي العام

رأس الأفعى أو سياسة بريطانيا الاستعمارية

المسيحي في لبنان؟ أهو غبطة البطريق الماروني، وقد صدر عن مقام غبطته السامي، ما جعل الحكومة تطمئن إلى موقف غبطته السامي، من سياستها العربية في جميع الميادين، حتى في ميدان العلاقات الفرنسية - العربية؟ وهل تحول الكاتب في "لوسوار" إلى مجمع المطارنة ورجال الإكليروس، أو صار مجموعة النواب المسيحيين، أم نطق باسم الصحف والصحفيين المسيحيين؟ لقد دجل الكاتب فيما نشره في "لوسوار" ودجل الصحفي البريطاني، لأنه يعرف قيمة الكاتب ومقامه، عندما نقل رأيه إلى "الديلي ميل" وزعم أنه رأى المسيحيين في لبنان. وحان أن تفهم بريطانيا وغير بريطانيا، أن المسيحيين في الشرق العربي، جزء لا يتجزأ من بقية الشعوب العربية، ينسجمون ويمتزجون في قومية هذا الشرق العربي، ويحملون فيه لواء النهضة الوطنية والتحرر. ليس المسيحيون بضاعة للاتجار في أسواق الشهوات الاستعمارية، وما كانوا ولن يكونوا، غير جنود الحركة الوطنية، في كل بقعة من بقاع الشرق العربي، سواء كان ذلك في مصر أو سوريا أو لبنان. وكتب الأستاذ ملحم عياش النصراني في نفس العدد من الديار الكلمة الآتية: رأس الأفعى أو سياسة بريطانيا الاستعمارية عار على لبنان، أن يصبح مرتعا للأفعى البريطانية، تنفث منها سمومها القاتلة، على رجال العرب الأحرار، فلا تطال منهم سوى الأقدام. وعار علينا، أن تصبح حريتنا، ملجأ للمأجورين الأجانب، يرتعون بظلها، ويسيئون استخدامها، فيحولونها إلى فوضى، ويستعملونها لهدم أمجاد أبطالنا الأحرار، وللتأثير على نفسية شعوبنا الظامئة للثأر. أجل عار على لبنان العربي، أن يصبح مطية لعملاء بريطانيا، يوجهون منه حملاتهم ضد عمالقة العرب، وأعداء الاستعمار البريطاني، لأننا وإن كنا نفخر بالحرية التي نتمتع بها، ونعمل دائما لصونها والدفاع عنها، إلا أننا

نريدها لأنفسنا ولأقلامنا، نهدم بها حصون الاستعمار ونفضح مؤامراته، لا لأقلام البريطانيين النجسة، ومن يخدم مصالحهم. وليسمح لنا حكامنا الأكارم، أن نسألهم: كيفت يسمحون بوجود أمثال المستر "إيزارد" في بلادنا، وكيف يرتضون بدخول الجرائد والمجلات التي تنشر سمومهم، وتسود صفحاتها بألوان وجوههم الكالحة. فهل كانت بريطانيا - وهي التي تدعي الحرية - ترتضي ببقاء مراسل عربي في أراضيها، يكتب عن حكامها نصف ما كتبه المستر "إيزارد" مراسل الدايلي ميل، عن حكام العرب؟ وقد يجدر بحكومتنا أن تأمر حالا، بإخراج هذا الداعية البريطاني من أراضيها كي لا يقال أنها بسكوتها عنه، تشترك معه في الجرم ... قال المستر "إيزارد" وهو يعدد للقارئ البريطاني، النواحي الثلاث التي فشل بها الرئيس جمال عبد الناصر: (أن لبنان الصغير الذي يحاول بجهد وعصبية، أن يبقى على الحياد في المنازعات العربية، رفض قبول مقاطعة فرنسا). واستشهد "الفطحل" البريطاني، يقول جريدة "لوسوار" البيروتية بهذا الشأن، ليبرهن لمواطنيه، أن اللبنانيين يعارضون سياسة الرئيس المصري. فهل يتنازل حضرة المراسل البريطاني، ويقول لنا عن أي "لبنان" يتحدث، وأي "لبنان" هو المقصود، أهو لبنان - ديكران توسباط، أم لبنان - كسروان لبكي؟ وهل يظن حضرته، أن جريدة "لوسوار" تمثل فئة معينة من اللبنانيين؟ وأية فئة؟ النصارى؟ لا أظن أن المستر "إيزارد" بلغ من الجهل مرحلة جعلته يرى أن نصارى لبنان "يؤيدون" فرنسا، كما تؤيدها "لوسوار" أو غيرها من الجرائد المعروفة اللون، فهل يعني هذا بعرف المراسل البريطاني، أن مسيحي لبنان برمتهم، يؤيدون الاستعمار، ويعارضون سياسة الرئيس جمال عبد الناصر التحريرية؟ مسكينة بريطانيا. لقد فقدت صوابها.

فقدت صوابها لأنها ادعت أن الرئيس جمال عبد الناصر، هو صاحب فكرة مقاطعة فرنسا، بينما الحقيقة، هي أن عبد الناصر والمملكة العربية السعودية، قد عارضتا مع لبنان قرار المقاطعة، لأنه ليس من صالح النضال العربي ضد الاستعمار بشيء ... ومسكينة لأنها مازالت تعتقد أن عندنا في لبنان، من "يؤيد" الاستعمار الغربي، لأنه ينتمي إلى طائفة دون أخرى. فهل غاب عنه، أن محاربة الاستعمار والقضاء على نفوذه، ليسا رهنا بفئة دون فئة، بل قد أصبحنا عملا وطنيا، تتوحد فيه الصفوف وتزول أمامه النعرات؟ مسكينة لأنها ما زالت تعتمد على أمثال المستر "إيزارد" لمحاربة العاملين على دك حصون نفوذها ... أما الفشل الأخير، الذي مني به الرئيس عبد الناصر، على حد زعم المراسل البريطاني، فهو عمله على استخدام البترول، للضغط على الدول الغربية فالمستر "إيزارد" يقول إن هذه الفكرة لم تتحقق، لأن المملكة العربية السعودية، مدينة بمبلغ 300 مليون دولار للبنوك والتجار، "وأن أي محاولة من جانب جلالة الملك سعود، للإخلال بالتدفق الحالي لعائداته البترولية، قد يحدث اضطرابا خطيرا بين دائنيه، الأمر الذي قد يكلفه عرشه" ... لنفترض مع المستر "إيزارد" أن المملكة السعودية، واقعة تحت عجز قيمته 300 مليون دولار، ولنفترض أن هذا المبلغ، كما يقول المراسل، كان لدك العرش السعودي، أفلا يظن حضرته، أن من كان له ثروات المملكة السعودية البترولية، لا يحتاج كبير عناء، لنيل ما يطلبه من أموال، من أي مصدر شاء، ولا يظن كذلك، أن الحكومات، كل الحكومات تتهافت وتترامى على أقدام العاهل السعودي، حتى يقبل بأن "تفي ديونه"؟

كلمة حق تغني عن الجيوش ..

وهل لا يعتقد المراسل البريطاني، أن مبلغ 300 مليون دولار، لا تشكل خطرا على العرش السعودي خاصة، والمستر "إيزارد" يعلم أن الإتحاد السوفياتي، قد عرض على الحكومة المصرية مبلغ 200 مليون دولار، لبناء السد العالي، فهل تتأخر الحكومة السوفياتية عن منح السعودية، أضعاف هذا المبلغ، إذا شاءت. ليحارب الاستعمار البريطانى، على جهة أخرى، لأن فشله على هذا محتما، وليجد أساليب أجدى ... إذا لم يقتنع بعد، بأن ساعة نهايته قد قربت ... وكتب الأستاذ نصري المعلوف المسيحي في الجريدة بتاريخ 15 - 4 - 56 الكلمة الآتية: كلمة حق تغني عن الجيوش .. من ذا الذي يستطيع أن يصدق، بأن دولة كبيرة كفرنسا، تعلن النفير العام، لتجنيد مئتي ألف محارب جديد، تبعث بهم إلى الجزائر، لينضموا إلى زملائهم هناك، فيتألف منهم جيش عدده نصف مليون جندي، يقاتلون خمسة عشر ألف مجاهد جزائري. إنه لولا أن وردت هذه الأنباء، على لسان المسؤولين في باريس، لحسبناها ضربا من الدعاية، لأولئك الأبطال الثائرين لكرامتهم وحرية بلادهم. على أن القضيه، إذا كانت تبدو عجيبة غريبة من الوجهة العسكرية، للتفاوت العظيم، بين القوتين المجاورتين، في العدة والعدد، فإن هذه القضية، لتبدو أعجب وأغرب، من الواجهة السياسية والقانونية والإنسانية. وهي الناحية التي يدور عليها مقالنا اليوم. نبدأ بالسؤال البديهي، موجها إلى الدولة الأوروبية الكبرى، ذات الأمجاد العسكرية والفكرية والتحررية:

- ما هو موضوع الخلاف الذي أثار هذا النزاع الدامي، وأوجب حشد هذا الجيش الضخم؟ لقد فهمنا وفهم العالم أجمع، أن الجزائريين يطالبون باستقلال بلادهم، على نحو ما تم في مراكش وتونس. فهل لنا أن نفهم حجة أصحاب النصف مليون جندي؟ لن نسترسل في الحماس والهجوم، على مألوف هذه المواقف، ولن نتحدث عن الاستعمار والمستعمرين، والاستثمار والمستثمرين، وعن حكاية الحمل الذي عكر الماء ... بل سنكون إيجابيين - على حد تعبيركم - وسنحاول أن نتفهم وجهة نظركم، وأن نفترض أن الحق قد يكون بجانب النصف مليون جندي، مثلما قد يكون في جانب البضعة عشر ألف مجاهد. نشكر الله، إن عدتم إلى أنفسكم، فأدرككم هزال وهزل الأسطورة القائلة: وإن الجزائر جزء من فرنسا. وأن العشرة ملايين عربي أسمر مؤمن بالله وبرسوله، هم فرنسيون شقر الشعور وزرق العيون ... كسائر الفرنسيين .. " فرجعتم عن هذه الدعوى. تقولون إن هناك، مليون فرنسي لهم أملاكهم ومزارعهم ومتاجرهم، وأن لفرنسا مصالح مادية وأعلى من مادية، من شركات ورؤوس أموال، إلى بعثات وكليات، إلى سائر ما يمكن أن ينشأ من مؤسسات، خلال مئة سنة احتلال وإقامة. فمن الواجب إذن، أن يظل الوضع على حاله، محافظة على هذه المصالح ... ليس في الجزائر ولا في غيرها، من ينكر وجود هذه المصالح، وليس من ينازع في ضرورة صيانتها، وحفظ حقوق أصحابها. ولكن، هل أن فرنسا هي الدولة الوحيدة، التي لها مثل هذه المصالح في خارج بلادها؟ وهل أن الجزائر هي البلد الوحيد، الذي يقوم على أرضه مؤسسات أجنبية، مالية وغير مالية؟

ألم يكن لبريطانيا مؤسسات ومصالح في الهند وباكستان والسودان؟ أليس لفرنسا نفسها مؤسسات وأملاك ومصالح ورعايا، في مراكش وتونس، شقيقتي الجزائر وجارتيها اللطيفتين؟ لقد خطب بالأمس رئيس وزراء فرنسا، فوجه نداءه إلى المجاهدين الجزائريين، طالبا إليهم أن يكفوا عن القتال، متعهدا بأن يجري انتخابات حرة، بعد ثلاثة أشهر من وقف الحرب، واستتباب الأمن، وأن يعقب ذلك مفاوضات مع الزعماء المنتخبين لحل المشكلة. نظن أن هذا النداء، قد كان يمكن أن يكتب له الاستجابة والقبول، لو أن صاحبه، وهو المسؤول الأول، بين ووضح الأسس التي ستجرى عليها المفاوضات. أي أنه كان يجب على الرئيس الفرنسي - وأهداف الجزائريين ومطالبهم معلومة - أن يعلن في ندائه، أن حكومته قد قبلت مبدأ الاستقلال وأنها تعترف بالجرائر كيانا دوليا مستقلا، على مثال الكيان المراكشي أو التونسي، وأن السلطات الحاكمة، ستشرف على انتخاب شعبي تنبثق عنه هيئة المفاوضة الشرعية، التي تتولى الكلام باسم شعب الجزائر، كما تولاه السلطان باسم مراكش، والباي باسم تونس. لقد سكت الرئيس الفرنسي عن الجوهري في حل المعضلة، واكتفى بأن طمأن المجاهدين، بأن حكومته مستعدة لمنحهم ضمانات تؤمن سلامتهم. وقد فاته أن سلامتهم هي آخر ما يهتمون له ... وأن لهؤلاء المجاهدين كتابا نزل فيه {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} التوبة: 111. وأنهم به يؤمنون وعلى عهده يموتون. في تاريخ 24 أفريل سنة 1956. جريدة التلغراف تقول:

وحدة صفوف اللبنانيين تخدم العرب والجزائر

وحدة صفوف اللبنانيين تخدم العرب والجزائر كلنا نؤيد تحرير الجزائر العربية، وتمتع شعبها العربي بالحرية والاستقلال. ويخطئ كل من يظن، أن أحدا ينكر على الجزائر نضالها وحقها بالحياة، وقد دفعت ثمنه غاليا جدا، من دماء شهدائها المجاهدين الأبطال. فلبنان البلد الحر، يتناقض مع نفسه ومع رسالته، ومع مقومات وجوده، إذا هو تردد في تحرير كل شعب، وتمتعه إلى أبعد الحدود، بما تتمتع به أمم الدنيا من استقلال وكرامة وحرية، وعلى هذا لما كانت وحدة الصفوف، هي القوة الأولى التي تخدم الجزائر، وكل قطر عربي آخر، وتخدم في الوقت نفسه، الجبهة الوطنية اللبنانية، التي نعتبرها الضمانة الكبرى لكيان لبنان، ومجابهة أخطار الاستعماريين الصهيوني والغربي على السواء. فإن التلغراف، رسول الجبهة الوطنية، يدعو جميع الفئات والهيئات، إلى العمل على وحدة الحقوق، وتحاشي كل تحد أو استفزاز، أو الإقدام على أعمال تستفز أية فئة لبنانية إزاء الأخرى. إننا نريد خدمة الجزائر متضامنين، وهناك فريقان: أحدهما يؤيد الجزائر بمقاطعة فرنسا، والثاني يؤيد حق الجزائر بالتفاهم مع فرنسا، وبإقناعها بهذا الحق. فهل يعجز اللبنانيون، عن أن يجدوا حلا وسطا يتفقون عليه، في الصعيد الوطني البعيد عن الخلاف والتفرقة، والتأثيرات الطائفية في بلد الطوائف والحريات. وأي ثمن يقابل النضال والمقاطعة، التي تجمع عليها بلدان عربية كثيرة؟ أفليس من الأفضل أن تبادر الفئة التي تقول بإقناع فرنسا بالحق، إلى توجيه نداء إلى

إننا ننتظر البادرة

فرنسا، لتقوم في الجزائر، بمثل ما قامت به في لبنان الذي ربحت صداقته؟ أننا لا نذهب إلى هذا الحد الآن، بل نريد أن ندعوا فرنسا إلى اتفاق مع الجزائر، يعترف لها بالحق وبالحياة، ولتتفق مع شعبها قبل سواها. إننا ننتظر البادرة والتلغراف الذي مثل في معركة الانقلاب، التوفيق بين الجهات المختلفة، وأركان الأحزاب المتباعدة في اجتماعات واتصالات، كانت لها ثمارها اليانعة، ما يزال رسول الجبهة الوطنية والأخوة اللبنانية، وهو يدعو إليها في هذا الظرف الخليق بأن يشهد إتحادنا أكثر من أي ظرف آخر. ورئيس الكتاتب يؤيد الجزائر نشرت التلغراف في 28 أفريل 1956 تحت عناوين ضخمة الكلمة الآتية: تعليقا على موقف لبنان من الجزائر. قال لنا الشيخ بيار الجميل أمس: إن اللبنانيين يؤيدون تحرر شعب الجزائر ومراكش وتونس، ومن غير المعقول أن تبقى الشعوب على وضعها الحالي، فهي ستتحرر، ومن الأفضل أن يتم تحررها في وقت قرب، لأن العالم كله سائر في طريق التحرر والقضاء على الاستعمار. ولا بد لنا من القول، أننا كنا ننظر إلى الفرنسيين، عندما كانوا يحتلون بلادنا، ويحكموننا باسم الانتداب نظرة حقد وعداء، في حين أن الحال تبدلت اليوم، وأصبحنا أصدقاء، وباتت علاقاتنا معهم طبيعية، تحمي نفسها بنفسها، ولا يحميها الجندي السنغالي.

صرخات لبنان

أقول هذا تأييدا لتحرر الجزائر والمغرب، من غير أن أوافق على التظاهر والإضراب في لبنان، في سبيل هذا التأييد، لأن الإضراب والتظاهر والمقاطعة ترافقها محاذير نحن في غنى عنها، في وضعها الخاص، فلطالما اندس كثيرون من دعاة السوء، في تظاهرات وإضرابات، فحطموا المتاجر وكسروا حافلات الترامواي، وأساءوا إلى الفكرة الأساسية من هذه الحركات، وما دامت الحكومة قد تعهدت في بيانها الوزاري بتأييد الجزائر والمغرب، فمن الأفضل أن تقوم الحكومة بهذا التأييد، من الناحية الدولية قبل سواها، بشرط أن لا يضر هذا بالمصالح اللبنانية. صرخات لبنان هذه هي صرخات مسيحيي لبنان الكريم، ضد الاستعمار والمستعمرين، تندد به على اختلاف أجناسه ومذاهبه، وهذا هو موقفهم المشرف، من قضية الجزائر، ضد فرنسا بالذات، وقد قصدنا إثبات شواهد هذا الموقف النبيل لأجل أن نخرص بها ألسنة المتاجرين المستعمرين، ولنقطع الأمل على الطامعين، في جعل مسيحي لبنان، أداة للاستعمار في القرن العشرين، ولندفع عن هؤلاء الإخوان، هذه التهمة الحقيرة، التي قد تكون صادقة فعلا، في بعض الشواذ، ولكن الشاذ لا حكم له والحمد لله، ولا يفوتنا أن نسجل هنا عطف رئيس الدولة صديقنا فخامة الرئيس شمعون، على قضية الجزائر خاصة وعلى المغرب العربي بصفة عامة، فلقد تحدث إلينا شخصيا، بما يكنه من احترام وتقدير لتلك البلاد المجاهدة، وعما يبنيه على استقلالها من آمال، لعامة العرب والإنسانية، ووعد وعد الأشراف، بأنه لا يدع فرصة صالحة ومعقولة، تفيد هذه البلاد، إلا ويغتنمها ليس فقط بالنسبة للبنان، ولكنه سيقول الكلمة الطيبة في كل مكان، وفي كل زمان، ومع كل شخص مفيد. أما مسلمو لبنان، فليسوا محل شك الناس وتهمتهم حتى نسوق الدلائل على صدق عواطفهم نحو الجزائر والمغرب، فلقد قام أحزابهم وهيئاتهم، وصحفهم وشخصياتهم

ليس أوقح من فرنسا

وطلابهم، بالاشتراك مع المسيحيين بأعمال جليلة، تعد من النوع الممتاز، إذ لاحظنا الاعتبارات الخاصة بلبنان، دون البلاد العربية الأخرى، وعلى كل حال، فمع شكرنا العميق لجميع العاملين، يجب أن نصارح الأحرار في الوقت نفسه، بأن الجزائر في محنتها الكبرى اليوم، لم تعد تكفيها العواطف المجردة، وإنما تريد من هذه العواطف، أن تحمل المسؤولين القادرين على البذل السريع، وعلى إدراك الجزائر بالقوة، التي تستطيع أن تواجه بها الجحافل الفرنسية الجبارة الحاقدة، وبعد فإن أصدق ما قيل على ألسنة الشعراء وأحلاه، كما نكرر قول شوقي رحمه الله. وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا وما استعصى على قوم منال ... إذ الأقدام كان لهم ركابا لسان حال الوفد المصري يقول: ليس أوقح من فرنسا أصل هذه الكلمة، تصريح طويل للدكتور محمد صلاح الدين، الوزير الوفدي السابق، نشر في جريدة الوفد اليومية، بتاريخ 5 يوليه سنة 1945 م، نقتطف منه الكلمة الآتية: والأمر في بلاد الجزائر الشقيقة، هائل وجد خطير: ففرنسا تعتبر هذه البلاد العربية في كل شيء، جزءا من أرض الوطن الفرنسي، وتعتبر أهلها العرب رعايا فرنسيين، فهي تفخر بأنها قد أصدرت أخيرا قانونا (يرفع) أهل الجزائر إلى مستوى المواطن الفرنسي، ويعطيهم مثل ما له من الحقوق، تفخر بذلك وتعتبره دليلا قائما على ما يملأ قلبها الكبير من روح الحرية والإخاء والمساواة ... !

الشهيد حسن البنا يقول: اغضبوا قبل أن لا ينفع الغضب

فهل رأيتم أيها السادة، أبعد من هذا في القحة، وأبلغ منه في الاستغلال القبيح والاستعمار؟ بلاد عربية، وشعب عربي، يلحقون إلحاقا، قهرا وغلابا وقوة واغتصابا، بدولة أجنبية، ويعتبرون من رعاياها الخاضعين، ثم يمن عليهم منا، بأن الدولة الغاصبة قد تنازلت ... فرفعتهم إلى مستوى رعاياها الممتازين .. ولكن من قال لفرنسا أن أهل الجزائر، يبيعون الحرية والكرامة والاستقلال بهذا الشرف المفتعل الرخيص، وهم أبناء العرب الأحرار؟ فلنذكر ما فعلته فرنسا، وتفعله في الجزائر، وجارتيها تونس، ومراكش فلا يهدأ لنا بال أو يقر لنا قرار، حتى نصفي معها الحساب على آخره، باستقلال هذه الشعوب العربية استقلالا تاما. الشهيد حسن البنا يقول: اغضبوا قبل أن لا ينفع الغضب هذه كلمة نشرت في مجلة (الإخوان المسلمون) بتاريخ 26 يوليه سنة 45وا م بقلم الشهيد حسبن البنا المرشد السابق للإخوان المسلمين، قال رحمه الله: لن تكون أندلس ثانية إن شاء الله مهما حاول الغاصبون، واستكبر في أرض الله المتجبرون، فلقد كانت غفوة من غفوات الزمن نسي فيها العرب والمسلمون أنفسهم، ونسوا الله فنسيهم، وعاقبهم في الشرق والغرب بانتقاص أرضهم، وتقلص سلطانهم، والوقوع تحت حكم غيرهم. أما اليوم فلا: لقد استيقظ الشعور العربي الإسلامي، وسرى في العروق والدماء، والنفوس والمشاعر، سيالا دفاقا غامرا قويا، لا يدفعه شيء، ولا يقف في سبيله شيء. لقد عرفنا أنفسنا وعرفنا غيرنا، وعرفنا معقد عزتنا وسر ضعفنا، وعرفنا قبل ذلك وبعده "ربنا" الذي بيده ملكوت كل شيء فلا خديعة بعد اليوم

قد يطول بنا أمر الجهاد، وقد يكون جهادا قاسيا مريرا، نبذل فيه كثيرا ونواجه آلاما شدادا، وتأخذنا الزلازل والرجفات، حتى يقول المجاهدون: {متى نصر الله} .. ولكن سنرى الفجر، وسنشهد مطلع الصبح، ومشرق النور، وسنسمع اللحن الشجي بعد طول العناء، ينسكب في آذاننا حلوا نديا {ألا إن نصر الله قريب}. يا ويح الإنسانية؟ فيما كان هذا العناء والبلاء، والدماء والدموع والعرق، إذا لم يستفيد الناس من وراء تلك التضحيات عدلا وحرية، وأمنا وطمأنينة، وهدأة وسلاما .. ؟ وأين العهود والمواثيق، والوعود والآمال العذاب، والمؤتمرات تلو المؤتمرات، والتصريحات بعد التصريحات؟ صدق الله العظيم إذ قال {وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ... ليضل عن سبيله} الزمر: 8. الآن، وبعد أن وجدت فرنسا الجريحة الطريحة، تحت أقدام الاحتلال النازي ووطأته، شيئا من الراحة والعافية، تصب جام الغضب، على المغرب الإسلامي، فتقذف بطائراتها وبوارجها، الجماهير الهاتفة للحرية، المجاهدة في سبيل الحق الطبيعي، بالقنابل والنيران، وتصب عليهم وابلا من الحميم والجحيم، وتطاردهم في كل مكان، وتهاجم قواتها أربعا وأربعين قرية إسلامية، وتعتقل الآلاف من أعضاء الجمعيات العاملة المؤمنة، وتحكم المحاكمة العسكرية على عشرات من المجاهدين بالإعدام في الجزائر - كما صرح بذلك وزير داخليتها - وينسى الجنرال ديجول السجون والمعتقلات، والتجوال في أرض الله، ما آب من سفر إلا إلى سفر، ينشد حرية نفسه وحرية شعبه، ويلتمس النصير والمعين عليهما في كل أمة، وعند كل دولة.

إلا أن الجنرال ديغول، قد وجد المعين والنصير على حقه في الحياة، وحق أمته في الحرية، وساعدته المقادير، فوصل إلى ما أراد. فهلا يجد ثلاثون مليونا، من أكرم عباد الله على الله والناس، النصير في إخوانهم العرب والمؤمنين - وهم بحمد الله كثير لم تأكلهم الضبع، ولم تنقصهم الأيام؟ وهلا يجد هؤلاء الملايين النصير في الأمم المتحدة وفي أوروبا وأمريكا - وقد كان الجنود المغاربة البواسل في صفوف جيوشها المحاربة في إيطاليا، وفي حملة فرنسا نفسها، وفي كل مكان، على حين كان الفرنسيون الأصليون في صفوف الألمان يقاومون جيوش الحلفاء بكل سبيل .. ؟! أغلب الظن، أن عرب شمال إفريقيا من الطرابلسيين، والتونسيين والجزائريين، والمراكشيين، سيجدون النصير فعلا في العرب والمسلمين من إخوانهم، وفي الأمم المتحدة، وقد حاربوا في صفوفهم، على أنهم بعد ذلك وقبله، أكرم على الله وعلى الإسلام، من أن يدعهم نهب الظلم وطمعة الطامعين. فإن تخلى عنهم جند الأرض، فسينصرهم جند السماء {والله غالب على أمره} يوسف: 21. {وما يعلم جنود ربك إلا هو} المدثر: 31. ولن تكون أندلس ثانية بحول الله ويأبى الله ذلك والمؤمنون. أيها الإخوان المسلمون، أيها العرب في آفاق الأرض، أيها المسلمون جميعا، يا من تؤمنون بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن القرآن حق، وأن الأخوة هي لب الإيمان وصميمه، وأن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا، وبأن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وبأن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق قد قال لكم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه).

من أبطال الدعوة

اعلموا أن لكم ثلاثين مليون من إخوانكم المنتشرين في خير بقاع إفريقية، على شاطئ بحر العرب، من حدود مصر، إلى الدار البيضاء على الأطلس يستصرخونكم، ويهيبون بكم، وينادونكم، أن اغضبوا قبل أن لا ينفع الغضب .. ! اعلموا هذا ثم اعلموا: أقلقوا الدنيا بصراخكم، وأيقظوا الضمير العالمي المشغول عنكم، المخدر بالباطل، يتيقظكم، وجاهدوا واحتملوا، فلئن جاهد قوم في سبيل الباطل الذي يغني عن الحق شيئا، فإن جهادكم هو الحق المحض الذي لا حق سواه، لله وللدين وللوطن وللأخوة، فاعلموا والله معكم قبل أن تزل قدم بعد ثبوتها، وتضيع فرصة لم تنتفعوا بها عند سنوحها، ولله الأمر من قبل ومن بعد. من أبطال الدعوة تحت هذا العنوان، نشرت جريدة البصائر، لسان حال جمعية العلماء الجزائريين في عدد 358 بتاريخ 16 مارس سنة 1956، كلمة قيمة لأحد أعضائها العلماء الكرام، الأستاذ محمد شرفة الأكحل، يحيي فيها حب تعبيره (رجل النضال الإسلامي الصامد، الأستاذ الجليل الفضيل الورتلاني) ونحن ننشرها هنا لنفس الأسباب التي ذكرها في المقدمة، قال حفظه الله: إذا كان من تعاليمنا المقدسة أن "من لم يشكر الناس لم يشكر الله، فإن ذكرنا الأفذاذ رجالنا وعباقرتهم بين الحين والآخر، باللسان والقلم، حتى يطمئن الأحياء منهم، إلى أن شعوبهم التي وهبوا لها حياتهم لم تنسهم، ولمن غادرنا إلى العالم الآخر، كي تعيش ذكرياتهم معنا، نستمد منها الهدى، ونستلهمها روح النضال، كأنما هي أولئك الأعزة الذين كانوا يعيشون بيننا بأشخاصهم. إن هذا الذكر من واجب الواجبات، على ذوي الدعوات وأرباب الرسالات العظمى، التي من شأنها أن تبعث أعمق الإيمان، في الوقت الذي تخلص للمثل العليا، إخلاصا يضمن وصول الإنسان إلى ما أراد الله له من سمو وعزة وكمال.

أقل ما يقال عنه

فبوحي إيماني بجدوى جهود كهذه، وعائداتها النافعة، أدعو بقلمي هذا المتواضع، كل الإخوان حملة الأقلام في عالمي الإسلام والعروبة، إلى بعث ذكريات عظمائنا الإسلاميين، الذين وفوا لدعوة الإسلام قولا وعملا، ثم فارقونا إلى دار الخلد، حتى لا تنقطع الصلة بيننا وبينهم، كما أناشد هذه الأقلام الإسلامية العربية، إلى شد أزر المجاهدين الذين لا يزالون على قيد الحياة، يتابعون جهادهم في سبيل الله، حتى ينكسر الاستعباد، ويندحر الاستبداد، وأنه لا يضمن النصر في ميادين النضال شيء كالتعاون المخلص، والتآزر المركز وقديما عرفنا الإنسانية هذا المعنى، ببروزنا التكتلي العلمي في جميع ميادين الحياة، قبل أن نعلمها ذلك بمبادئنا الفلسفية المدروسة، منذ أجيال وأجيال. ولا تزال في هذا العصر، الذي غمر التطور جميع أجهزته، جديدة صالحة لقيادة المبادئ المعاصرة، وتبوؤ مركز الزعامة لها، لو رزقت رجالا من طراز عمر، وعلي، وخالد، وأبي عبيدة، وابن عبد العزيز، ثم صلاح الدين في الأولين، ومحمد بن عبد الوهاب، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، والرافعي والبنا، وابن باديس في الآخرين. ولكن! "ما ذنب الكتاب إذا لم يأخذه يحيى بقوة؟؟؟! ". أقل ما يقال عنه لقد غمرتني هذه الخواطر حينما أخذت القلم، لأكتب كلمة عن أستاذي الجليل الفضيل الورتلاني، كشخصية إسلامية لها في ميدان الدعوة والنضال، عن أمة الإسلام في المغرب العربي ومشرقه، دور خطير، ولا زالت توالي هذا النضال آناء الليل وأطراف النهار، ولم أكن علم الله قد قصدت أولا بالذات إلى هذا التقديم، ولكني لم أجد بدا من تسجيله، ثم لم أملك نفسي من أن تسن به بعد ذلك، وهذه الكلمة التي أقولها اليوم عن أستاذي، هي أقل ما يفرضه الوفاء لذلك الشخص العزيز، الذي يمثل الرجولة الإسلامية المغربية أصدق تمثيل وأقواه، وأنها

ما لم يتحقق اليوم من آمال سيتحقق غدا

لرجولة شامخة تتحطم على صخرتها رؤوس المكائد والأغراض السافلة، والمؤامرات الاستعمارية المدبرة، والسبب في ذلك واضح معقول: إذ شخصية الورتلاني أصبحت قلعة من قلاع الإسلام الضخمة، التي تتحدى العوادي، وتشهد الدنيا على متانة ذلك البناء، القائم على أساس الدعوة، تلك الدعوة التي تنهزم أبدا أمام أية قوة في الدنيا. وإنما المنهزم دوما هو الضعيف البشري، الذي لم يلقح بالعقيدة، ولم يطعم بالغذاء المقوى الذي تقدمه رسالات السماء، للنفوس المناضلة عن الحق، في جميع بقاع الأرض ... ما لم يتحقق اليوم من آمال سيتحقق غدا تلك النفس المطعمة بهذا الغذاء، تشعر أن هموم كل شعب مضطهد، إنما هي همومها، وأن آمال المظلومين المغصوبي الحق، من عباد الله جميعا، إنما هي آمالها، وأن آلام كل المعذبين بحكم الاستعمار، إنما هي آلامها، فتتحدى بوحي هذا الشعور للنضال الدائم، بكل ما تملك من وسائل عن الحقوق المسلوبة، واستصراخ الضمائر الإنسانية، أينما وجدت في دنيا الإنسان، حتى تتحرك لنجدة المظلوم، والضرب على يد الظالم. ثم هي لا تفتر لها عزيمة، إذا ما ذاقت ألوان المرارة، وتجرعت صنوف العذاب في هذا السبيل، أو تعرضت لحشود شوكتها! وثقلت وطأتها. وهي بوحي إيمانها بالحق الذي تناضل عنه، موقنة بأن ما لم يتحقق اليوم من آمال، سيتحقق غدا وأن الأمور مرهونة بأوقاتها، ولكل شيء أجل، إذا جاء لا يستأخر ساعة، ولا يستقدمها. وهذا المدد العظيم الذي لا ينفذ أبدا، يمنع تلك النفس من أن تزيغ، ويحصنها ضد الزوابع، ويمنحها المناعة الكافية، ضد الأوبئة، والشجاعة الوافية لاتخاذ المواقف البطولية الجريئة حينما يخذلها الرعاديد من الناس، وتتكتل عليها الأحداث المتجهمة، والأيام العابسة. وأن النفس التي لا تمتلك هذه الطاقة، سرعان ما تذوب شخصيتها المصطنعة، وتتبخر في الهواء إذا سلطت عليها الحوادث نيرانها.

الورتلاني ... والعقبات التي وقفت في طريقه

الورتلاني ... والعقبات التي وقفت في طريقه إن نفس الورتلاني العظيم، من تلك الفئة الأولى الأصيلة: تلك التي تشبه المعدن الذهبي، ذلك الذي يصهر بالنار، ولكنه يخرج منها ألمع ما يكون بريقا، وأنقى ما يكون من الشوائب، وهذا نفس ما حدث للفضيل، فلقد مرت عليه كما تمر على الأفذاذ العباقرة، ظروف عابسة، حسبها الناس حجابا صفيقا بين ماضيه ومستقبله، ولكنها سرعان ما انقشعت لما تنقشع السحب الثقال عن وجه الشمس. فأشرف الورتلاني من جديد على دنيا الإسلام والعروبة بالأضواء الكاشفة، فأنار طريق الكفاح من جديد، وفتح جبهة الجهاد من جديد، وتبوأ مركزه العظيم بين أساطين النهضة الإسلامية في العالم الإسلامي. نشاط دائب ... قلت هذا بصدد الحديث، عن الرجل العظيم، الذي لم تعرف عنه الجزائر، ولا المغرب أو المشرق الإسلاميين، إلا كل صدق ووفاء، وشجاعة وإخلاص ومروءة ونجدة، وصدع بكلمة الحق والحرية، وإيثار للصراحة في القول، والاستماتة في النضال والاتجاه الواضح المستقيم، على المناورة والمداورة، وسلوك السبل الملتوية، وتصيد الفرص السانحة للشهرة والظهور .. هكذا عرفنا ماضيه في الكفاح المغربي والإسلامي معا، سواء داخل الوطن أو خارجه. ففي أرض الوطن، لم يكن أحد من المعنيين يتتبع أطوار النهضة، بجهل دور الورتلاني ونشاطه الدائب، في أوائل النهضة، لبناء حركة قومية انبعاثية متينة الأركان، قوية الدعائم، ثابتة على الدهر، فلم تخل أية محاولة للانبعاث، إلا وكان له فيها دور عظيم، ثم نقل حركة الدعوة الإسلامية التحريرية، التي بعثتها في أرض الوطن، جمعية العلماء إلى قلب فرنسا نفسها سنة 36، حيث تمكن في ظرف سنتين ونيف، من إحداث نحو 30 مركز

هل فتر الورتلاني؟! ... كلا

للدعوة الإسلامية والربط بين جميع الجاليات العربية الإسلامية، وبعث روح العزة الإسلامية في نفوسها، وإسماع صوت الجزائر المسلمة العربية، للعالمين الشرقي الإسلامي العربي والغربي الأوروبي، ولا أظن منصفا عاقلا في البلاد الإسلامية قاطبة، يستنكف من الاعتراف بهذه الحقيقة التاريخية الماثلة. هل فتر الورتلاني؟! ... كلا وإن ننس، فلا ننس بعد أن رحل الفضيل إلى الشرق، تلك النداءات الصارخة التي كان يرسلها إلى الضمير الإنساني، لو قوى حينئذ هذا الضمير، لإنقاذ 30 مليون من عرب المغرب عن عسف الاستبداد، وقمع الاستعمار عقب الحرب العالمية الأخيرة مباشرة، ومن ينس فضحه الأساليب الاستعمارية المتبعة في هذا المغرب الإسلامي ... تلك التي تهدف إلى الضرب بالطمس، على أقدس ما لهذا الشعب الزكي من موروثات كريمة: دين - تاريخ - أمجاد - تقاليد؟ وأي شخص يتدفق في شرايينه دم الإسلام الزكي، والعروبة الأصيلة لم يكبر جهاد الورتلاني ونضاله، ولم يشد بهذه الرجولة الغلابة، التي استطاعت حقا وصدقا، أن تزعج النظام الاستعماري، وتكشف عن فضائح مجزرة 8 ماي 1945، بما ترتعد له فرائض الإنسانية الرحيمة، ثم ماذا حدث؟؟ ثم قدر الله تبارك وتعالى، أن يمتحن الورتلاني المناضل، كما يمتحن عباده المؤمنين الذين أخذ عليهم العهد والميثاق بقوله: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} محمد: 31 امتحنه بما يعرفه الناس جميعا، فخرج من الامتحان بخير ما يخرج به رجل الإيمان الصابر الشاكر، المجد المفلح فهل فتر الفضيل أو وقف نشاطه؟ كلا إنه تابع النضال العزيز، وبصفة أكثر اتساعا، حيث تمكن من التجوال في أقطار شتى، وكسب أكبر عدد ممكن من الأنصار للقضية الإفريقية العادلة.

ثم قدر الله تبارك وتعالى، أن تتعرض الأمة الجزائرية مع شقيقتها الأمتين المغربية والتونسية، لأقسى امتحان وأعسره، عرفته في أطوار حياتها كلها منذ الاحتلال المشؤوم: امتحان في أبنائها وبناتها، في وجودها وكيانها، في دينها ودنياها، بما يعلمه كل إنسان، وما هو حديث محطات العالم، وأنديته وصحفه اليوم. فماذا كان موقف الورتلاني تجاه الوضع القائم؟ إنه لم يفته مطلقا أن يجدد من عزيمته، ويشحذ من همته تلك القسعاء التي لا يعرف الكلل والملل والفشل طريقا إليها فشنها حربا شعواء على الطغيان، وجند لسانه المبين، وقلمه المتين، لإذاعة ما يجري من أحداث ضخام بأرض وطنه، فأجرى به أنهار من الحبر لشرح حقائق هذا النضال المغربي، والتعبير عن آلام وآمال هذا الجزء الكريم من دنيا الإسلام والعربية .. ونحن مع انقطاعنا الأليم عن الجناح الشرفي لعروبتنا، قد نفحتنا عناية الله، ببعض صحف الشرق، فقرأنا فيها للورتلاني عجبا: أنه يتحدث عن حقائق ما يجري هنا، كأنه يشهدها بأم عينيه، ويقف على مجرياتها بنفسه، ثم هو يعرض من الحلول الصالحة للمشاكل القائمة، ما لا يزول الصداع إلا بمثلها، ولا يقف الصراع إلا بتطبيقها .. وهذه الصحف التي أسعدنا الحظ بالإطلاع عليها هي: "المنار" الدمشقية والحياة، والجريدة، وبيروت، والأنباء وبيروت المساء، وهي صحف لبنانية، لم يترك شاردة ولا واردة مما يتصل بالنضال المغربي القائم، إلا نشرها بتفصيل لا مزيد عليه كما أبرق إلى عدة دوائر فيما يخص المشكل الجزائري خاصة، والمغربي بصفة عامة، اطلعنا على نصوص بعض البرقيات في جريدة "المنار" الفيحاء التي نشرتها في عددها الصادر بتاريخ 23/ 11 / 1955 وقدمتها بما يلي: نشاط الورتلاني في خدمة العروبة - كيف يستقبل العالم العربي اعتداء الإنكليز. على واحة البريمي - نصوص تعطى برقيات الورتلاني إلى محمد بن يوسف وعمان، وجنيف ومصر، وأمريكا، وفرنسا ومراكش.

أذاع المجاهد العربي الكريم الأستاذ الفضيل الورتلاني، بيانا حول اعتداء الإنكليز على واحة البريمي، ننشره فيما يلي الخ الخ. وأرسل الأستاذ الفضيل بعدد من البرقيات التي تتناول مجمل قضايا المغرب العربي، والعالم العربي، ننشرها فيما يلي: الخ الخ. وأنا لا يسعني في هدا المجال أن أثبت النصوص المنشورة في هذا المقال، وحسبي أن أذكر الدوائر التي وجه إليها البرقيات: صاحب الجلالة مولاي محمد بن يوسف - مؤتمر الغرف التجارية بعمان - الوزراء الأربعة الكبار الذين اجتمعوا بجنيف - السيد محمد بن يوسف الوزاني، أمين حزب الشورى والاستقلال - ومحمد اليزيد عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، في الرباط - مراكش وزراء خارجية العرب الذين اجتمعوا بالقاهرة في 1/ 10/ 55 - السيد الباشا الفاطمي بن سليمان، حينما كلفه مجلس العرش بتأليف الحكومة المغربية والزعيم السيد علال الفاسي بالقاهرة بتاريخ 0/ 10/ 55 - وإلى الكتلة الإفريقية الآسيوية بهيئة الأمم بنيويورك - وإلى المسيو إدغار فور كبير وزراء فرنسا آنئذ. وفي عدد المنار، الصادر بتاريخ 18 ديسمبر 1955، رسالة للأستاذ الورتلاني، موجهة إلى سعادة الأستاذ مبارك البكاي، رئيس وزراء مراكش قددتها الصحفية هكذا "طالع قرار المنار" سلسلة مقالات قيمة، نشرناها تباعا بقلم الأستاذ المجاهد الفضيل الورتلاني، تصور وجه الشعب الجزائري الشقيق المشرق، وتلقى الضوء على واقعه الأحمر في هذه الأيام، ونضاله المستميت ضد الطغيان الاستعماري، وهذه المقالات إن دلت على شيء، فإنما تدل على الجهاد اليومي الذي يقوم به الفضيل الورتلاني وحده، باسطا وجهة نظر إخواننا الجزائريين إلى العالم معبرا عن إرادتهم. وفيما يلي حلقة جديدة من جهاده المتواصل في الرسالة التي بعث بها إلى رئيس الحكومة المراكشية السيد "البكاي" الخ.

وكل الصحف التي ذكرت أسماءها، تشيد بنضاله المستميت، بمثل ما أشادت المنار فأكثر. وليس في مقدوري الآن أن أورد نماذج من كل تلك الصحف، وحسبي هذا المقدار. ولعل الظروف ستتيح لي من الفرص، ما يسمح بعرض نماذج أخرى من عمله، منشورة بقلمه لخدمة الإسلام والعروبة، والمغرب العربي الإسلامي، في الظروف الحاضرة، كما خدم كل ذلك قبلها في وقت قريب إن شاء الله. وذلك كله إذا تمكنت أو تمكن غيري من فعله، لا يفي حتى بأقل حق للأستاذ الفضيل علينا، ذلك الرجل الذي أعطى للقضية المغربية والإسلامية كل ما يملك دون أن ينال هو لنفسه شيئا، سوى الذكر الطيب والسمعة العطرة: نعم! أعطى كل شيء: قلمه - لسانه - مواهبه - حياته كلها، وضحى في هذا السبيل بأعز ما يضحي به الإنسان من مال، وأهل، وراحة ومنصب. فهل يجدر بنا أن نعتبر أن كلمة متواضعة مثل هذه إذا قيلت، تفي بحق هذا البطل العظيم العزيز علينا؟؟ اللهم اشهد أنها جهد المقل العاجز .. وليتقبلها مني الأستاذ الجليل، تحية إسلامية عربية مباركة على بعد، معبرة عما تحمله نفوسنا له من حب وإكبار وتقدير، وما نرجوه له من حياة مديدة، تمكنه من شهود الغرس الزكي، الذي ناضل حياته كلها من أجل صونه من العاديات وحياطته بسياج من الأعمال الخالدات قديما، وترعرع وأتى الثمار الشهية اليانعة، بعد أن تمكن من الانتصار الساحق، على الجوائح المبيدة .. فليبارك الله أعمال الورتلاني العظيم، وليعش الفضيل رمزا للنضال الإسلامي الصامد الخالد. محمد شرفة الأكحل

كلمة عباد الرحمن الختامية بقلم مدير الشؤون الاجتماعية الأستاذ: رفيق سنو

كلمة عباد الرحمن الختامية بقلم مدير الشؤون الاجتماعية الأستاذ: رفيق سنو بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين كلفني إخواني عباد الرحمن، أن أضع خاتمة للكتاب ـ[الجزائر الثائرة]ـ لمؤلفه الجليل أستاذي وحبيبي الفضيل الورتلاني. وفهمت أنهم قد اختاروني لهذه المهمة قصدا، لأنني من أعرف الناس بجوهر الورتلاني، وأدراهم بكثير من تفاصيل طباعه وشؤون حياته، حيث تشرفت بصحبته وملازمته، مدة لا تقل عن خمس سنوات عامرة. هي وإن كانت خمس سنوات في عالم العد، ولكن ملابساتها الكريمة، تجعل قيمتها في عالم الأثر أكثر من خمسين، حتى أصبح الورتلاني أستاذي وأخي وصديقي في آن واحد، وهذه الخصوصية التي أتشرف بها، وأحمد الله عليها، تجعلني أشعر بواجب شخصي، متعين على نحو المجتمع، ونحو التاريخ، ولا أجد مناسبة كريمة لأداء هذا الواجب، خيرا من هذه التي عرضها علي إخواني مشكورين، هذا الواجب الشخصي هو تصوير بعض انطباعاتي عن جوهر الأستاذ الورتلاني، ممثلة في عقيدته ورسالته واهتماماته وأعماله، وكنت ولا أزال دائما ممن يرون، أن كل رجل صار له اسم كبير في التاريخ، وارتبطت حياته بأحداث ضخام، تتعلق بالأمم ومصائرها، يجب أن يعرف الناس حقيقته، من غير غمط ولا مبالغة، حتى إذا جاء اليوم الذي يريدون أن يحكموا على جزئية ما من تصرفاته الكثيرة في غيابه، أو بعد مماته، استطاعوا أن يخصصوها لقواعد مستمدة، من صميم

كيف عرفت الورتلاني

جوهره وسلوكه، فيحكموا عليه الحكم الصحيح البرئ، ولا شك أن غير العارفين بحياة كبار الرجال عن كثب ومداومة، لا يستطيعون أن يقدموهم إلى التاريخ صائبين وصادقين، والورتلاني بغير نزاع ممن لهم اسم كبير في التاريخ، وممن اقترنت أسماؤهم بأعظم الأحداث في الشرق والغرب، وهذا الضعيف، يستطيع أن يدعي أنه عرف الرجل عن كثب ومداومة، ويغلب على ظنه، أنه قد فهم حقيقته أحسن الفهم، وكانت معرفته له مجردة من كل غرض وهوى، خالصة لوجه الله الكريم فإذا زعمت إذن أنني قادر على تقديمه، أطمع أن أكون في ذلك مصيبا وصادقا إلى أبعد الحدود إن شاء الله. كيف عرفت الورتلاني عرفت الورتلاني في الأول، عن السماع بحكم شهرته الواسعة، كما يعرفه عامة الناس، وكانت منزلته في نفسي، منزلة أي مجاهد حر، يعمل لتحرير الناس من أنفسهم ومن المستعمرين، ولكنني لم أستطع أن أصنفه، من أي طبقة في المخلصين والعاملين، ولم يكن ذلك يهمني يومئذ كثيرا أو قليلا. وبعد أن عاد أخي رشيد من اليمن، وقد كان مديرا للمطبوعات في حكومتها سمعت منه ثناءا عاطرا على الورتلاني، وإكبارا زائدا لعبقريته وقوة شخصيته؛ وأمل أخي يومئذ أن يكون على يد هذا الرجل الفذ، فتح كبير في تلك البلاد السعيدة، إذا أراد الله خيرا لأهلها، وأخي ممن لهم فراسة حسنة وممن لا يعرفون الكذب والمبالغة، حتى لو كان له غرض مقصود، فكيف به حينما يكون الشخص لا يعنيه ولا يحتاج إليه، لا من قريب ولا من بعيد، كشأنه مع الورتلاني. فمن يوم حدثني أخي هذا الحديث عن الورتلاني، ابتدأت أصنفه في نفسي وأعده من المصلحين الملهمين حقا، وأدعو كما أدعو لجميع المجاهدين في الغيب، أن يجري الله الخير على يده، وأن ينور العقول المظلمة بتوجيهه، وأن يكثر بين أبناء العرب والإسلام من أمثاله، كل هذا وأنا لم أر الورتلاني بعد ولم أتعرف عليه، ولم أكن أحسب أنني سأراه

الورتلاني في البحار

يوما أو أتعرف عليه، ويشاء الله أن يعود أخي رشيد إلى اليمن مرة ثانية في مهمة حكومية. ويشاء الله تعالى أن يبقى هناك، بجانب الورتلاني أكثر مما كان يقدر حتى وقع الانقلاب المشهور وهو هناك، واتهم الورتلاني بأنه المدبر الأول للإنقلاب، والمسؤول الأول عنه، وذاع الأمر في جميع أطراف الدنيا، ولكن الورتلاني سلمه الله من الفتن. فخرج من اليمن قبل أن يقدروا عليه. وأما أخي فقد أتهم أيضا بالاشتراك في الانقلاب، وكان ما يزال بين أيديهم قادرين عليه، ولولا لطف الله به لأصابه شر وأذى خطأ، كما أصاب سواه خطأ في بلدة لا تعرف شيء بعد، لا من أصول الاتهام ولا التحقيق ولا الدفاع. الورتلاني في البحار كانت الأخبار قد بلغتنا بأن أخي محبوس في اليمن متهم، ويوشك بين الساعة وأخرى أن يصبح في عداد المعدمين، فقمنا هنا بمساعي كبيرة، حتى حملنا رئيس الحكومة اللبنانية أن يبرق في شأنه إلى الإمام، باعتبار أخي مندوبا رسميا عن الحكومة اللبنانية، ولكن الإمام عرف في الأخير براءة أخي، وعرف أن الخير في الإحسان إليه، فاعتذر له وبالغ في إكرامه، واستشاره في كثير من الأمور، وأخذ برأيه في بعضها، ثم ترك اليمن وعاد إلى لبنان، وأخذ يحدثني عن الورتلاني من جديد، حديث المعجبين أعظم الإعجاب بهمة الرجل الفذ، وشخصيته النادرة، وإخلاصه العميق، وكان يصحب إعجاب أخي بالورتلاني، كثير من الحزن والإنفاق على مصيره، لأن الورتلاني وقتئذ، ما يزال على ظهر الباخرة، ينتقل في البحار، وأبواب الدنيا جميعا موصودة في وجهه، والحاكمون بأمرهم والمستعمرون، يلاحقونه بأراجيفهم، ويطاردونه في كل مكان، وهنا أخذ الورتلاني من نفسي، مركزا جديدا من التقدير والاحترام، وصرت أدعو الله دائما أن يكتب له السلامة، ليستأنف جهاده الكريم في هذا المجتمع المسكين، المقفر من الرجال الأكفاء المخلصين، وأن يجمعني به يوما في أسعد الحالات وأكرمها، لقد كانت ظواهر

الورتلاني في بيروت

الحال يومئذ، لا تدل على إمكان استجابة هذا الدعاء، ولكن الله كان أكبر من الطغاة، وأعظم من المستعمرين، فاستجاب دعائي ودعاء الكثيرين مثلي، فنجاه من كيد المجرمين، وأراد الله أن يزيد في إكرامنا، فجعل بيروت شاطئ نجاته وسلامته. الورتلاني في بيروت كان الاتفاق بين الحكومه اللبنانية وبين الورتلاني، أن يكون التجاؤه مكتوما غير رسمي، تجنبا لمشاكل الطغاة والمستعمرين، ومقتضى هذا الشرط، أن يظل وجود الورتلاني في لبنان، مجهولا لا يعرفه إلا الحكام، ولكن أخي استطاع أن يعرف وصول الورتلاني من أيامه الأولى، واستأذن من رئيس الحكومة المرحوم رياض بك الصلح، في الاتصال به فلم يمانع، وأخي من عادته معي، أن لا يكتم عني شيئا من الأمور الكبيرة والصغيرة، فلم ينفرد بهذا النبأ السار إلا بضع ساعات، حتى هرول يحمله إلي، كبشرى وهدية كريمة، لما يعلمه من فرحي بمثل ذلك، فحمدت الله وشكرته، وطلبت من أخي أن يعمل المستحيل ليجمعني بهذا الرجل، الذي أحببته في الغيب، ولم أكن قد رأيته بعد. ولم يمض إلا أيام قلائل، حتى جاء يخبرني بأن الورتلاني، سيحضر الليلة عندك في البيت، على شرط أن لا يكون معنا غريب. وحضر الورتلاني، وشعرت من أول ساعة، بأنني كنت أعرفه من سنين طوال، وكانت الليلة ليلة قدر، وكانت خيرا من ألف شهر، تمت فيها الصداقة والأخوة والأستاذية، تم كل ذلك في ساعات، وما يزال ينمو بمرور الزمن، حتى يومنا هذا والحمد لله. الصحبة ابتدأت الصحبة من تلك الليلة المباركة، وشاءت الظروف أن تجعلها دائمة مثمرة، لأن أوضاع الورتلاني السياسية لا تسمح له يومئذ بنشاط ظاهري صريح، فضلا عن التنقلات والأسفار، ولعله من جهة أخرى، وجد في شخصي الضعيف

تأثيره على الطبقات ووفاؤه لوطنه

ضالته المنشودة، كما وجدتها فيه، لأنني أنا أحب العلم والعلماء وأطلبهم في شغف، وأحب الجهاد والمجاهدين وأعزهم في صدق. وهو من جهته مغرم بصنع الرجال، وسريع جدا في فهم ما عندهم من كمال ونقص، ثم ما عندهم من قابلية للتطور والارتقاء. وعنده قدرة خارقة على تقريب البعيد وتذليل الصعاب، ورفع الهمم إلى المستوى العالي، فأكرمني الله بالحظ الأكبر من تلك الخلوة الإجبارية التي فرضها القدر عليه، حتى جاء على وقت، لا يمكن أن يمضي يوم أو ليلة من غير أن أراه، أو أن أسمعه على الأقل بالهاتف. ولم تكن مجالسنا عامرة إلا بالعلم والحكمة، والوطنية والإنسانية. وكنت مستأثرا بها وحدي في الأول، ثم اتسعت شيئا فشيئا، إلى أن شملت كثيرا من الخواص، والذي يحسن تسجيله من الناحية النفسية في هذا المقام. المألوف بين عامة الناس، إذا تعاشروا طويلا أن يقل الاحترام ويخف بينهم الود بكثرة الاختلاط، لأن كل عظيم من الناس مهما جلت أخلاقه، وسمت نفسه فلا يخلو من نقص وعيوب تظهر، ولا بد بكثرة الاحتكاك ولو بعد حين، ويكون ظهورها عادة سببا مباشرا، لنقص الوقار والاحترام، ولكنني أنا يعلم الله، أنني رغم احتكاكي بالورتلاني نحو ست سنوات بالليل والنهار، في السراء والضراء، في الرضى والغضب، في اليسر والعسر ما زدت له إلا حبا، واحتراما وإكبارا، لأنني بمرور الزمن، إنما كنت أكتشف فيه أفضالا جديدة والحمد لله. تأثيره على الطبقات ووفاؤه لوطنه حضرت كثيرا من مجالس الورتلاني مع رجال السياسة، ابتداء من رئيس الجمهورية إلى رؤساء الوزارات، إلى الوزراء والنواب والزعماء والصحفيين، فكان في كل ذلك محل إكبار وإعجاب، فكان في كل ذلك أستاذا معلما وموجها، في كل لغة مشرفة، ومنطق رصين. وكان في كل ذلك تستوقفني منه ظاهرة ملازمة له عجيبة، وهو وفاؤه لوطنه الأول الجزائر والمغرب العربي، ولم أسجل له يوما العجز

إهماله لصحته

على خلق الفرصة، للتحدث عن آلامه وآماله، والدعوة الحارة إلى نصرته ضد الاستعمار. ولو كان في جو بعيد كل البعد عن هذا الموضوع. وحضرت له كثيرا من المجالس مع رجال العلم والدين، من مسلمين ومسيحيين، فكانت تنجلي في لغته وأبحاثه معهم، معاني السماء في جمالها وجلالها ويغمر جو الحاضرين، حالة من الروحانية والتأثر، حتى كأنهم صاروا في جو من الصحابة والحواريين، وحضرته مع الشباب المثقف الشاك، ومع أهل العقائد السياسية من اشتراكيين وشيوعيين، وقوميين ونقابيين، فكان هو ذلك المبرز في كل ميدان، المحترم في كل من ينشد الحق والاستفادة، وحضرته مع العوام والدراويش والأبضيات الأطهار، فكان يفهم عنهم ويفهمون عنه، حتى كأنهم عاشوا في بيئة مشتركة، واصطلحوا على لغة واحدة، وفي ظني لو أن الرجل في مجموع مواهبه العظيمة، قد كتب الله له الاستقرار في مجتمع معين، لمدة من الزمن كافية، لأمكن أن يخلق منه مجتمعا مثاليا بحق، ولكن آماله الواسعة في خدمة الإنسانية عامة، وتشتت جهوده في كل مكان من الشرق والغرب، وتغلب الأحوال السياسية والدولية في الأماكن التي يبتدئ فيها عمله، وحرمانه من مواصلته قبل أن يصل إلى هدفه الأخير. كل ذلك كان يقطع عليه الطريق في وسطه أو في أواخره، ويضطره إلى العود لأوله، فيستأنف السير من جديد، وفد تكرر له ذلك في حياته مرارا، ولم ييأس ولم يفكر أن ينصرف نهائيا عن المتابعة والمحاولة، حتى في أسوأ الأحوال، وأقسى الظروف، لأن الكفاح في سبيل رسالته التي آمن بها، أصبح جزءا من حياته، ومرضا مزمنا غير قابل للعلاج. إهماله لصحته لقد كان بالفعل مريضا برسالته، ومتفانيا في الاهتمام بها، وهي رسالة ضخمة تنوء بالعصبة أولي القوة، تبتدئ بوطنه الصغير الجزائر، والمغرب العربي، ثم ترتقي إلى العرب وإلى المسلمين، ثم إلى الإنسانية كافة، وهو في الاستجابة لطلباتها التي لا تنتهي لا

تضحياته وتضييعه للفرص

يرحم نفسه، ولا يخصص لها أدنى نصيب من حقوقها، فقد يشتغل الليل موصولا بالنهار، يعصر مخه وأعصابه، ويرهق جسمه، وقد يمضي عليه اليوم والليلة، وهو منهك في عمل لا يذوق أثنائهما طعاما، وقد يمضي عليه أكثر من ذلك ولا يذوق نوما، وتكاد تكون هذه الحالة عادة له لا تفارقه إلا نادرا، ومما يزيد في خطورة الإرهاق على جسمه، أنه في تصرفاته بإحساساته التي تأخذ من المخ والدم، أكثر مما يعمل بأطرافه التي تفتر ثم تنشط وتتعب، ثم ترتاح وينتهي الأمر عند هذا الحد، ثم لم تترك له هذه الرسالة الدائبة الدائمة، أدنى فرصة لتنظيم حياته الضرورية، كالأكل والشرب والنوم والاستقرار، بل جعل كل ذلك تابعا للعمل خاضعا له، مما أدى إلى اختلال ظاهر في صحته، فلقد أصابه مرض الربو وضيق التنفس، نتيجة للإرهاق، وأصابه مرض السكر نتيجة الإرهاق. وقد أجمع أصدقاؤه الأطباء وغير الأطباء، على وجوب التخفيف من العمل، والإقبال على العناية بصحته، لأن الاستمرار في ذلك الإهمال، إنما هو من الانتحار. على أن أصدق العلاج له هو الراحة قبل كل شيء وأنا في مقدمة أولئك الناصحين، ولكنه لم يستطع أن يستجيب لهذه النصيحة حتى الآن، ولو أنه قد اعترف مرارا بوجاهتها من الناحية النظرية والعلمية، ثم عينه، وأي شيء أغلى عند الإنسان من العين، قد احتاجت منذ سنوات ثلاث، أو أربع، إلى عملية جراحية في أوروبا، ونصح له أصدقاؤه الأطباء التبكير في ذلك، ولكن الرسالة تحمله على تأجيلها شهرا بعد شهر، حتى جاءت ثورة الجزائر، فألهته عن عيونه وأنسته كل شيء، والأمر له من قبل ومن بعد. تضحياته وتضييعه للفرص إنني أعلم أن الورتلاني قد ورث عن آبائه وأجداده أموالا كثيرة، لو خصص لها جزءا صغيرا من عنايته، لكان بها من كبار الأغنياء، ولكن انصرافه إلى الرسالة وإهماله لها، كما أهمل صحته في سبيلها، جعل تلك الثروة تتبعثر، وتلعب بها الأيدي الاستعمارية وغير الاستعمارية، وهو يتفرج من بعيد، كأنه لم يكن من أصحابها، وما

يزال حتى الآن، يستعمل شتى الحيل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه منها، حتى يعيش به عفيفا كريما، ولقد كان في مصر قبل ثورة اليمن، يتمتع بنفوذ كبير على طائفة من الشركات الاقتصادية الكبرى، ذات رؤوس أموال تعد بملايين الجنيهات، وكان يمكنه يومئذ بكل سهولة، أن يجمع ثروة طائلة في رحابها الواسعة الكريمة، ولكن الرسالة المقدسة كانت صاحبة السلطان الأكبر على أخلاقه. فخرج من ذلك المحيط الضخم، صفر اليدين من المال، ولكنه خرج منه بثروة كبيرة من العفاف والإكبار. وعاش في اليمن بنفوذ اقتصادي خطير، كان يستمده من الشعب والحكومة معا. ولقد كان مديرا عاما للشركة الوحيدة، ذات الامتيازات الواسعة في دولة اليمن. وقد علمت من المطلعين الصادقين، أن الورتلاني لو أراد أن يتنازل قليلا عن الحنبلية في رسالته وعفافه، لخرج من اليمن بمئات الآلاف، غير خائن ولا مشار إليه بالبنان، وعاد إلى مصر بعد الثورة الأخيرة، وكان أقرب المقربين إلى رجال الثورة، وكانت صلاته بأرباب الملايين واسعة عريضة، ولكنه لم يرض أن يشرب من كأس مشبوهة يوما ما. وقد عرضت له فرص كثيرة ونظيفة، وهو لا تنقصه المعرفة بشؤون التجارة والاقتصاد، ولولا أن رسالته كانت دائما، هي التي تعوقه عن استغلالها، لكان اليوم في سعة من المال عظيمة، ونحن تلامذته ومحبوه لا نوافقه أبدا على هذا الإفراط في إهمال شؤون نفسه المالية والصحية إلى هذه الدرجة، لأن ذلك قد يؤدي يوما إلى الحاجة، والحاجة إلى اللئام قتل شنيع لكبار النفوس، فلقد كان الأنبياء والقديسون، يذكرون الله كثيرا، ولكنهم لا ينسون أنفسهم في حدود الحلال، وكثير منهم قد خدموا مبادئهم بالمال، واستعانوا به في أكثر من موقف خطير. وفي مقدمة هؤلاء، كبار الصحابة رضوان الله عليهم. وإني أخط هذه الكلمات، وأسجل هذه النصائح في كتاب، وكلي أمل في أن يعمل بها أستاذنا الورتلاني، كما نعمل نحن بنصائحه، وهو الذي علمنا بأن المبالغة والإفراط في كل شيء أمر غير محمود. فنرجو أن يرحم نفسه حتى يستطيع أن يرحم مبادئه نفسها ويرحم الناس.

نموذج من أسفاره

نموذج من أسفاره في الوقت الذي كانت ظروفه السياسية في غاية الدقة دوليا، وفي الوقت الذي كانت تلاحقه أكثر من حكومة استعمارية وشبه استعمارية، كان يعمل مقيما ويعمل مسافرا، فيكتب المقالات الطوال بأسماء مستعارة، ويشتغل بأوراق موضوعة مرتبة، ويستعمل صفة الصحافة، مندوبا متجولا لبعض وكالات الأنباء، وبعض الصحف الكبرى، وإني أسجل هنا معتزا، بأنني قد ساهمت معه بنصيب كبير، في ترتيب هذه الأمور والحمد لله. إلى أوروبا ابتدأت رحلته سنة 1950، من سوريا فتركيا فاليونان فإيطاليا فسويسرا فلوكسمبرغ فبلجيكا فهولندا فإنكلترا فإيرلندة الحرة فإسبانيا فالبرتغال فالمنطقة الخليفية فطنجة، وعاد منها حالا بأكثر هذه البلاد للمرة الثانية، وقد أقام في كل تلك البلاد، كل على قدر ما يتطلبه العمل فيها، والتقى بكثير من رجال المغرب العربي، المسؤولين على اتفاقات سابقة، في سويسرا ولندن وغيرهما، ولما ابتدأت أزمة سلطان مراكش مع الجنرال جوان، كان الورتلاني في لندن، فطار منها إلى إسبانيا فتطوان فطنجة، ليساهم مع الوطنيين في مواجهة تلك الأزمة وبقي مع إخوانه هناك، متنكرا من سلطات فرنسا وجواسيسها مدة كافية، فكان له فيها مساعي فعالة مشكورة. وكان له جميع تلك الأقطار اتصالات واسعة نافعة مع زعمائها وقادتها وحكامها، عادت على بلاده المغرب العربي خاصة وعلى العرب عامة بشيء كثير من النفع إيجابيا وسلبيا.

وفاؤه لإخوانه وتلامذته

وفاؤه لإخوانه وتلامذته كانت واجبات هذه الرحلة العامة التي استغرقت ستة أو سبعة أشهر جديرة بأن تستغرق أطراف المعمورة، ولكن وفاء الرجل لكل ذي حق عليه وهمته وطاقته الفذة جعله على اتصال دائم بكل هؤلاء، فلقد كان في هذه الرحلة يكتب إلي الرسائل دائما، وكنت أعلم أنه كان يكتب لعشرات مثلي في الشرق والغرب بل كان يبعث بواسطتي مقالات ذات أهمية كبرى، لبعض الصحف ننشرها تحت أسماء مستعارة. رحلته إلى الشرق: لم يكد الورتلاني يأخذ بعض راحته بعد عودته من أوروبا إلى لبنان، حتى استأنف الرحلة إلى الشرق. هذه الرحلة من الكويت فإيران فالسعودية فالبحرين فالباكستان فالهند فالباكستان الشرقية فبورما فسيام فالملايو فسنغافورة فأندونيسيا. وكان له في تلك البلاد أعمال نافعة وآثار عظيمة، وصلات مع أهلها حكوميين وشعبيين كريمة، فحاضر وخطب ووجه ونصح، وعاد في طريقه مارا بأكثر هذه البلاد للمرة الثانية، وكانت له أعمال ومساعي مثلما كان له في الأولى، وكان في أكثر هذه البلاد ضيفا على حكوماتها، مكرما وحرا وناصحا صريحا عفيفا لا يقبل عطاء ولا هدية من عظيم مهما علت منزلته. وحضر في أثناء هذه الرحلة، ثلاث مؤتمرات إسلامية عالمية وانتخب عضوا أساسيا فيها جميعا، أحدها المؤتمر الإسلامي العالمي، والثاني مؤتمر علماء الإسلام، والثالث مؤتمر الشعوب الإسلامية، وانتدبه الأولان انتدابا رسميا في رحلة عالمية عامة، وقام بجزء كبير منها. أعماله في لبنان: إن لبنان بلد صغير ضيق، وكبير واسع في آن واحد، فهو في حجمه وعدد سكانه، صغير وضيق، ولكنه في موقعه ومركزه كبير وواسع ففي بيروت يلتقي أهل الأرض جميعا في كل يوم، فمنهم القادم للتجارة، ومنهم القادم للإصطياف والإشتاء ومنهم القادم لأعمال سياسية، ومنهم القادم للهو وما أشبه ذلك، حتى أنهم ليزعمون أن الجاسوسية العالمية، بحمد الله الذي لا يحمد على

مكروه سواه، متركزة في لبنان، وزاد في رغبة الناس لزيارة لبنان، هذه التسهيلات الواسعة في المواصلات الجوية والبحرية والمحلية، وحرية النقد والتجارة وحرية الدخول والخروج من غير إجراءات أو إجراءات خفيفة عادية، ووجود مثل الورتلاني في لبنان يجعله بحكم هذه الظروف الدولية كأنه موجود في قلب العالم، يستطيع أن يتصل بجميع أطرافه من غير الانتقال إليها، ولا سيما في موسم الاصطياف، ولقد كنت أنا الشاهد كيف يتابع أخبار الداخلين والخارجين، والمارين من المسؤولين ليلا حقهم ويتصل بهم، ويبلغهم رسالة وطنه، وينبههم إلى واجباتهم الخطيرة نحوه. وكثيرا ما كنت أصحبه أنا بنفسي، وأنقله في سيارتي الخاصة، وأشاهد كيف يكون الدفاع على الأوطان، وكيف يكون التأثير والإقناع، وكيف يكون الصبر والجرأة والاحتمال، يجتمعون في وقت واحد. ونجد الورتلاني بجانب هذه الأعمال العامة المرهقة يستقبل العدد العديد من ذوي الحاجات الشخصية، من لبنانيين وأغراب، هذا طالب علم أو يزعم أنه طالب علم، وصل من المغرب ليس معه إلا لا إله إلا الله. فيجب على الورتلاني أن ينظر في أمره، وهذا مجاهد هارب من وجه العدالة الفرنسية، محكوم عليه أو مطارد، يجب أن يبحث على راحته، وهذا لبناني له حاجة في ناحية حكومية أو غير حكومية، يريد أن يقوم الورتلاني بحلها، وهذا مسافر إلى مصر أو العراق أو إلى الواق الواق، يريد من الورتلاني أن يزوده بتوصية لأهلها. وهذه رسائل وصلت من أنحاء المعمورة يجب الرد عليها، وهذه صحف ومجلات ذات مشارب مختلفة، يجب الإطلاع عليها، وهذه أضاليل في تلك الصحف عن بلاده، يجب التعليق عليها، وهلم جرا، والحق أنها دوامة خطيرة، يجب على الراحمين أن يرحموه، والراحمون يرحمهم الرحمن. وأنا أكرر نصيحتي، واقتراحي بأن يأخذ إجازة راحة، رغم عنف الظروف في وطنه ولو لمدة قليلة.

في أسفاره

في أسفاره يدعو الورتلاني إلى الأسفار وكثرة الانتقال في جميع أطراف العالم، أمور أولها طبيعته: الاجتماعية التي نشأ عليها، وترعرع في حب الإستطلاع والدراسة والوقوف على أحوال العالم، في مختلف بيئاته وأجناسه وأحواله، من هنا كانت معارفه الاجتماعية، وخبرته بشؤون الشعوب في غاية السعة والنضوج. ثانيها: رسالته العامة الشاملة، التي لا تقف عند حد الإقليمية أو الجنسية أو المذهبية، ففي كل أرض يشكو أهلها ظلم الظالمين، رجوع إلى الحرية والانطلاق، له إليها حنين، فكأنها رحم له بالفعل، يشترك مع أهلها في الآلام والآمال، ويشترك معها في الأعمال، ثالثها: إيمانه العميق بوجوب إتحاد المستضعفين من أبناء هذا الشرق المسكين، ولا سيما العرب والمسلمين، حتى يتخلصوا من وباء الاستعمار، فيسعدوا أنفسهم وتسعد الدنيا بهم، فهو شغوف بالدعوة إلى هذه الفكرة، وكان لا بد لتحقيق ذلك من أسفار وانتقال، رابعا: وهي الأهم عنده، هي حاجة وطنه الأول المغرب العربي إلى الدعاية في جميع أقطار الشرق، هذه الأقطار التي كانت مع الأسف، تجهل كل شيء عن تلك البلاد المجاهدة المظلومة. وقد يكون حالهم معها أقبح من مجرد الجهل لشؤونها، بل ربما كان أكثر المثقفين من طريق أوروبا، يعلمون عنها ما هو مخالف لحقيقتها وواقعها تماما، ومهمة رفع هذا الجهل، أو تصحيح ذلك العالم الخاطئ في أقطار تعد مساحاتها بعشرات الملايين، وسكانها بمئات الملايين، أمر فوق طاقة الفرد بكثير، ولكن الورتلاني واجه هذا الواجب الضخم وحده، يوم لم يكن في هذا الشرق من إخواننا المغاربة سواه.

الخلاصة

الخلاصة لو أردت أو أراد غيري أن يكتب تاريخ الورتلاني، لاحتاج إلى مجلدات، ولكنني شعرت بأن الباب أوشك أن ينفتح لي على مصراعيه، ولدي أشياء كثيرة ذات أهمية عن هذا الرجل الكريم، يحسن أن يعرفها التاريخ وقد تعرض مناسبة أخرى لتسجيلها. أما الآن فنجمل القول ونختصره، وندعو للورتلاني بطول البقاء، وبالصحة والعافية. ونشكره أعمق الشكر على ما أسداه لنا ولغيرنا منذ عرفناه من نصائح غالية، ومن توجيهات ثمينة ومعارف قيمة، ونشكره على ما قدمه من خدمات جبارة، لوطنه الصغير بالمغرب العربي، ولوطنه العربي الكبير، ولوطنه الإسلامي الأكبر، ثم للإنسانية جميعا. ونسأل الله أن يريه ثمرة ذلك الجهاد، في تحرير وطنه قريبا تحريرا نظيفا كاملا، لا زيف فيه ولا مقص، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. وبعد بما أنني ما عرفت الورتلاني إلا في لبنان، وأنه لمن تمام الواجب في نظري أن نكمل التعريف به على ألسنة أوثق الناس ممن عرفوه في وطنه الأول ومنشأه الأصلي، وأمامي الآن مجموعة من الصحف التي تتحدث عن الورتلاني، منها مقال لعالم فاضل من أحد تلامذته الكرام الأستاذ محمد شرفة الأكحل أحد أعضاء جمعية العلماء في جريدة البصائر لسان حال الجمعية قدمناه لينشر مستقلا على حدة كحتمية خاصة من الجزائر للأستاذ، وأخذت من بقية الصحف نبذا من كلمتين إحداهما لرئيس جمعية العلماء العلامة الأستاذ الشيخ البشير الإبراهيمي في افتتاحية البصائر بتاريخ 6 مارس سنة 1950 والثانية لسكرتير جمعية التهذيب بباريس السيد الوائل محمد الصغير في جريدة السلام التي كان يصدرها بكارديف بريطانيا المرحوم الأستاذ عبد الله الكحيمي رئيس الإتحاد اليمني بتاريخ 25 فبراير سنة 1951، وهذه كلمة الإبراهيمي تحت عنوان:

الفضيل الورتلاني

الفضيل الورتلاني الفضيل الورتلاني، نشأ نشأة الصبا والحداثة، في أحضان الفطرة الطاهرة وفي أحضان الجبال الشماء، فاكتسب من الأولى قوة الروح، وصفاء العقيدة، والصلابة في الدين؛ ومن الثانية قوة الجسم ووثاقة التركيب، وسلامة الحواس، ثم نشأ نشأة الشباب، في أحضان جمعية العلماء، ففتح عينه على الميادين العامرة بأبطالها، وفتح أذنيه على الأصوات المجلجلة بالعلم والإصلاح، من دروس عامرة بحقائق التنزيل والحكم النبوية، ومحاضرات بليغة في التاريخ الإسلامي والأدب العربي، تفيض بالبيان الساحر، وتندفق بالبلاغة الرائعة، فنشأ مؤمنا متين العقيدة، حرا عميق الفكر، صريحا لاذع الصراحة، جريء اللسان على كلمة الحق، شجاع الرأي إذا جمعت الآراء وتخافتت، غيورا على وطنه غيرته على دينه، إذن فهو معدود من بواكير هذه النهضة المباركة في الجزائر، رافقها في جميع مراحلها، وشارك - على فتوته - الشيوخ المحنكين في بنائها. لازم إمام النهضة عبد الحميد بن باديس سنوات، فتأثر بمنازعه الخطابية، ومواقفه في حرب الضلال، وسقيت ملكته بغبث ذلك البيان الهامي، فأصبح فارس منابر، وحضر اجتماعات جمعية العلماء العامة والخاصة، فاكتسب منها الصراحة في الرأي، والجرأة في النقد، والاحترام للمبادئ لا للأشخاص، ثم لابس السياسيين وغشي مجتمعاتهم، فرأى من زيغ العقيدة وزيف الوطنية؛ وانحلال الأخلاق - نقيض ما رأى من رجال جمعية العلماء، فثار عليهم ودهوا منه بباقعة، وكان الأستاذ الرئيس يقدر له - وهو في الحداثة - عواقب الرجال، ويتخيل فيه مخايل الأبطال، ويقول له كلما رأى منه مخيلة صدق: (لمثل هذا كنت أحسيك الحسا).

ثم جاوز البحر سنة 36 ميلادية، بموافقة من الأستاذ الرئيس ومني، ليرد على الضالين من أبناء قومه هداية الإسلام، وليرد على الناشئين هناك من أبنائهم ما أضاعه الوسط من دين ولغة، وليزرع في قلوب الأبناء والآباء معا، حب الدين والجنس واللغة والوطن، وليعيد إلى الجزائر - بذلك كله، قلوبا تنكرت لها، وأفئدة هوت إلى غيرها، وغراسا أظمأه الاستعمار في مغارسه فالتمس الري والنماء في غيرها، فتتبعهم الفضيل في مطارح اغترابهم، وجمع شملهم على الدين، وقلوبهم على التعارف والأخوة، وجمع أبناءهم على تعلم العربية، وأسس في باريس وضواحيها بضعة عشر ناديا، عمرها هو ورفاقه الذي أمدته بهم جمعية العلماء، بدروس التذكير للآباء والتعليم للأبناء، والمحاضرات الجامعة في الأخلاق والحياة، ونجح الفضيل في أعماله كلها، نجاحا عاد على المسلمين في فرنسا بالخير والبركة، وعاد على جمعية العلماء، بالسمعة العطرة والدعاية الطيبة، وكان في تلك المدة كلها، متصل الأسباب بجمعية العلماء، مراسلة واستمدادا، وإشارة واستشارة، وقد رجع في أثنائها إلى الجزائر، كلما انعقد اجتماع أو حزب أمر، وما زلت أذكر حضوره في اجتماع الجمعية صيفة سنة 1937، وحضوره على إثر ذلك، إفتتاح مدرسة "دار الحديث" بمدينة تلمسان، وخطبته في ذلك الحشد، الذي ضم عشرين ألفا يعد سماعه لقصيدة الشاعر محمد العيد، وحملته الجارفة على التجنيس والمتجنسين. وفي أواخر سنة 1938 فيما أذكر، هاجر إلى مصر مستزيدا من العلم والتجارب، مستجمعا قوته للعمل في ميدان أوسع وجو أصفى، وكانت له المواقف المشهودة، والرحلات الموفقة إلى الأقطار العربية، وكان في تلك المدة كلها، متصلا بنا على قدر ما تسمح به ظروف الحرب، الخ .. وهذه كلمة سكرتير جمعية التهذيب بباريس تحت عنوان:

إلى مجاهد العروبة والإسلام في استانبول

إلى مجاهد العروبة والإسلام في استانبول قال حضرته بعد كلام يخاطب فيه صاحب الجريدة: والأمر الثاني الذي يهمني يا سيدي، فيما نشرته جريدتكم، هو ما يتعلق بالمجاهد الإسلامي الكبير الأستاذ الفضيل الورتلاني فلقد كان ما نشرته صحيفتكم من أخباره السارة، ونصائحه الغالية، التي كان يسديها لملككم الراحل، رحمه الله - وما كانت تحمله عباراتكم من معاني وفاء أهل اليمن لفضله وإخلاصه، كل ذلك كان بردا وسلاما على قلوب ثلاثين مليونا من أبناء المغرب العربي. لأن الرجل، كان دائما ولا يزال، مفخرة هذه البلاد في علمه الواسع، وحنكته وتجاربه العميقة، كل ذلك يوجه عمل مستمر لا ملل فيه، وإخلاص لا تشوبه شائبة، وتضحية هي مضرب الأمثال. فلقد كان يملأ اعظم الفراغ في هذه البلاد، في جميع الميادين العلمية والتربوية والسياسية، حتى ضاق الاستعمار به زرعا، ونصب له عشرات المكائد للإيقاع بحريته أو حياته، وظل يكافح ويبطل، بفضل إخلاصه وحكمته، كل مكائد الاستعمار، حتى أوشكت الحرب الماضية أن تندلع، وصار قاب قوسين أو أدنى من الوقوع في شباك هلاكهم، فسلمه الله وسلك به طريقا إلى ذلكم الشرق العزيز، فكان من جهاده هناك، للعروبة والإسلام، ما تعرفونه أنتم أكثر منا، حتى إذا وقعت حوادث اليمن، وجدها المستعمرون المتربصون فرصة لأذيته، فسخروا وكالات الأنباء، والإذاعات الرسمية، والصحف المأجورة، في سبيل النيل من سمعته، ولكن كان مثله كمثل الشمس في كبد السماء، يرجمها جمع من الأطفال بطائفة من الحجارة، وما هم بواصلين إليها. ولقد كان للزعيم الورتالاني، أعظم جهاد في هذه البلاد الأوروبية وفي هذه

العاصمة الفرنسية بالذات، حتى أنك لتشعر في أيامه وأنت في باريس، كأنك في إحدى كبار عواصم الشرق، من حيث الجو الإسلامي والعربي، وكان لي شرف مصاحبته في تلك الفترة الكريمة، وكان لي عمل متواضع معه، ففي باريس وحدها فتح الورتلاني خمسة عشر، ناديا، يتردد على كل واحد منها، آلاف من أبناء المسلمين، يتلقون الدروس، ويسمعون المحاضرات، ويؤدون فروض العبادة، ويحيون تعاليم الإسلام وفضائل العروبة، ويكافحون الاستعمار وكانت هذه الأندية مثابة لكل شرقي ينزل في هذه البلاد الأوروبية، وإني أذكر تلك الاجتماعات العمومية التي كان يخطب فيها على الآلاف المؤلفة من المسلمين، جمع كبير من رجال الإسلام، على اختلاف أوطانهم، وأذكر بالضبط ليلة تكلم فيها ثمانية عشر خطيبا، كل واحد منهم على قطر خاص، فمن مصري إلى عراقي إلى جزائري إلى هندي إلى ألباني وهلم جرا، وإني في هذه الكلمة العاجلة، غير قاصد ولا قادر البتة، أن أسرد ولو مجرد رؤوس أقلام، لجهاد الورتلاني، وإنما عاطفة السرور، دفعتني إلى مناجاة روحه الطاهرة بهذه الكلمة المتواضعة، وأن أتوجه إليه في مقره باستانبول، بتحياتي وتحيات ثلاثين مليونا من أبناء المغرب العربي، راجيا باسمهم جميعا وملحا في الرجاء، أن يعيد النظر في أمر إقامته باستانبول فإن بلاد المغرب العربي أحوج ما تكون إلى شخصيته الكريمة في مثل هذه الظروف الدقيقة، التي يتقرر فيها مصير الأجيال من أبنائها الأبرار، وإلى أن يتقرر لديه هذا، وتتشرف البلاد بعودته نرجو له أطيب الإقامة في استانبول، عاصمة السلاطين العظام. باريس - الوائل محمد الصغير سكرتير جمعية التهذيب في فرنسا

عباد الرحمن

عباد الرحمن وبعد فلقد تولى أخي الكريم الأستاذ محمد عمر الداعوق رائد الجماعة تقديم الكتاب ـ[الجزائر الثائرة]ـ بكلمة قيمة صادقة، وكان دوري أنا أن أقدم الكتاب، وقد فعلت ذلك على عجل، كنت أود أن يكون في سعة من الوقت، واجتماع الفكر، ليكون عملا أنقى، ولكن قديما قيل: ما لا يدرك كله لا يترك جله، ومن النصيحة أن أدعو كل عربي ومسلم أن يقرأ هذه المجموعة الحية، من الأبحاث عن الجزائر والمغرب العربي، حتى يعلم ويحق ما تعانيه هذه البلاد الشقيقة من بلاء، قل نظيره في تاريخ الظلم والاستعمار. شكر واجب وشكر الله لجماعة عباد الرحمن ولرائدها الكريم، الذين تولوا إخراج هذه الأبحاث إلى الوجود، مجتمعة في هذا الكتاب القيم. وشكر الله للأخ الكريم الأستاذ درويش عبد الرحيم عضو الجماعة والذي باشر هذا العمل المبارك بنفسه، وبذل أقصى ما عنده من جهود ليتم العمل في كمال وإتقان، وقد وفق والحمد لله إلى حد طيب، ونكرر الشكر للأخ السيد زكريا المصري عضو الجماعة الذي بذل من ذات نفسه ووقته في سبيل إتمام هذا العمل المبارك، واحترام للسيد عز الدين الجمل. إلى هؤلاء نسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء، والسلام على من اتبع الهدى، والله أكبر على من طغى وتجبر. رفيق سنو

تحية حزب النجادة إلى أبطال الجزائر

تحية حزب النجادة إلى أبطال الجزائر هذه كلمة نبيلة كتبها رئيس حزب النجادة وسكرتير مؤتمر الأحزاب والهيئات في لبنان المكافح الجريء الأستاذ عدنان الحكيم فقال: أيها المكافحون الأبرار لقد بيضتم وجه العروبة ورفعتم رأس الإسلام الحق عاليا، وأحييتم ذكرى حطين والقادسية عمليا وأعدتم بكبرياء حرية الشعوب سلطاتها وهيبتها، وقضيتم على أحلام الاستعمار نهائيا، هذا ما يشهد به جميع أحرار العالم، بعدما دلت عليه أعمالكم العبقرية، فإليكم تحية الإعجاب والتقدير من اللبنانيين، بل من العرب ومن الأحرار أجمعين. عدنان الحكيم تحية مسلمي الهند والباكستان للمجاهدين الجزائريين أبو الحسن الندوي، عامر القلب بالإيمان، مشرق العقل بالمعرفة، هو حجة في العلم، ولكنه آية في الحكمة يسكن بجسمه النحيف بلاد الهند في لكناو، ولكنه بقلبه وبآثاره، موجود في كل مكان، ينشد النور والرحمة، يعد من كبار المجددين الإسلاميين في هذا العصر، يشهد لذلك مؤلفاته ومقالاته الخالدة، متعبد ذو روحانية على غرار الصحابة، يتنقل من قارة إلى قارة، يبكي على ما خسر الناس بسبب انحطاط المسلمين، ويعرض عليهم الدواء والرقية الصحيحة، وهو اليوم ضيف الحكومة السورية في دمشق، دعته خصيصا لإلقاء المحاضرات أو النور في الجامعة، زار بيروت قريبا، وحاضر فيها، واجتمع بصديقه الورتلاني، ثم بعد العودة، أرسل إليه بهذه الرسالة، قال حفظه الله: عزيزي الكريم وأخي في الله، السيد الفضيل الورتلاني، بارك الله في أعمالكم وتقبل جهادكم، وحياكم أطيب تحية، وبعد؛ فلقد ازداد تأثري واشتد ألمي من

قضية شقيقتنا الجزائر بعد اجتماعنا الأخير، حتى وددت لو أني كنت هناك، في جبالها أو سهولها أحمل البندقية، إن كان نفعي في حملها، أو أؤدي أي عمل مفيد، يشرفني بالانتساب إلى المجاهدين، ويحشرني في زمرتهم يوم القيامة، وقد يبدو هذا الذي أتمناه أنا والمستضعفون من أمثالي، ليس بالأمر المهم الذي يعجل لقضية الجزائر النصر والنهاية، لأن عصب الحرب في كل زمان ومكان، هو المال الذي لا يملك منه أمثالي، ما تقام به الحروب وتدفع به الجيوش الجرارة، هذا صحيح، ولكن الأصح منه، أن القليل من المادة بيد مؤمنة ثابتة مستميتة، أقوى بألف مرة من كثيرها في يد حريصة على الحياة، مرتجفة متخاذلة، والشاهد على ذلك اليوم، قائم في الجزائر محسوس، أما في ماضينا المجيد، فأيام محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأيام أصحاب محمد، كلها شواهد كالنجوم في ظهورها وإشراقها، ويؤسفنا أن المال موجود عند معشر المسلمين بكثرة مفرطة، ولكنه في أيدي سفيهة تسوقها في الغالب الشهوات، ويوجهها الشيطان نحو الهاوية، ولكن قديما كان الناس ينتصرون بفقرائهم، إذا كانت النفوس سليمة، لأن النصر في الحقيقة، إنما هو بيد الله، صاحب هذه النفوس المطمئنة، التي تتمنى الموت في سبيله، بقدر ما يتمنى الحياة أولئك المستعمرون الجبناء وأولئك المترفون البخلاء، وإني لأحس من أعماق قلبي، بأن ستمائة مليون من المسلمين إلا قليلا من المترفين، ونسبة كبيرة من أحرار الغرب والشرق، يحملون مثل عواطفي أو أحسن منها، وأعتقد أن هذه الثروة من العواطف البريئة، قوة لا يجوز الاستهانة بها مطلقا، فمفاتيح السماء إنما هي في سر هذه القلوب المنكسرة لربها، وصاحب السماء إنما أمره إذا أراد شيئا - في الأرض أو في غير الأرض - أن يقول له كن فيكون، هذا وأكون شاكرا لإخوتك، وممنونا لو تفضلت فأبلغت على لساني الضعيف، تحيات أهل الهند والباكستان جميعا وتقديرهم البالغ، لأولئك الذين يؤدبون البربرية الفرنسية، في بقاع الجزائر الكريمة،

والذين تذكرنا أعمالهم العجيبة، بأيام محمد - صلى الله عليه وسلم - وبأيام أصحابه البررة. أجل إذا كان هنالك في أيامنا خوارق حقا، فإن الذي يصنعه إخواننا الجزائريون - في قلة عددهم وعددهم مع كثرة العدو الفادحة فيهما معا - إنما هو من أعلى طراز في الخوارق وأغلاه، ولا عجب في شأن أهل الإيمان، فقديما قال فيهم ربهم {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} البقرة: 249. والسلام من أخيكم المخلص 15 رمضان سنة 1375. أبو الحسن الندوي

ملحق بالصور

محتويات الكتاب

_ مقدمة الطبعة الرابعة ................................................... 03 مقدمة بقلم الأستاذ محمد الصالح الصديق ............................... 07 تقديم الطبعة الثالثة ..................................................... 34 نبذة عن حياة المرحوم الأستاذ الفضيل الورتلاني ......................... 36 تصدير بقلم المؤلف الورتلاني ........................................... 45 الجزائر تجاهد منذ خمسة قرون .......................................... 51 لماذا يستميت الجزائريون بنضالهم ....................................... 55 الورتلاني يشرح قضايا التحرر في المغرب العربي ........................ 56 أسطورة الوجود الفرنسي بالمغرب العربي ................................. 61 الفضيل الورتلاني يحدثنا عن الدين والعرق في المغرب العربي ........... 68 ثورة الجزائر كما يوضحها الفضيل الورتلاني ............................. 73 ثوار الجزائر يتكلمون ويوضحون أهدافهم ووسائلهم ....................... 79 رأي الثوار في النظام والدعاية والجبهة والاعتدال ......................... 84 قائمة الثوار لتسعة أشهر ................................................ 87 أيها العربي ماذا تعرف عن المغرب العربي .............................. 91 نموذج من ديمقراطية فرنسا في الجزائر .................................. 94 محنة اللغة العربية في الجزائر .......................................... 96 هل المقاتلون في الجزائر ثوار أم لصوص .............................. 98 فرنسا تحارب الإسلام علنا في الجزائر .................................. 101 الجزائر وأسبوع التسلح لجيش سوريا .................................... 103 نريد أسابيع التسلح للجزائر ............................................ 105

_ هل ثوار الجزائر خونة؟ لأنهم يستعينون بدول أجنبية ................................... 107 الكلمة في انتخابات الجزائر هي للثوار وحدهم .......................................... 109 وحشية الاستعمار الفرنسي بالجرائر .................................................... 112 ما هو مصير الجزائر بعد الانتخابات الفرنسية ......................................... 114 الوجود الفرنسي واليهودي بالمغرب العربي ............................................. 117 الشعب الفرنسي يعيش في شقاء ...................................................... 119 بين نهر أبو علي في طرابلس والاستعمار الفرنسي بالجرائر أيهما أظلم وأخبث .......... 122 هل أصبحت إسبانيا أخبث من فرنسا ................................................. 125 هل في حكومة تونس ومراكش صهيونيون؟ ........................................... 128 مهرجان مكافحة الاستعمار ........................................................... 130 بيان حول العدوان الإنكليزي على واحة البريمي ....................................... 133 جمعية العلماء الجزائريين (1) باعثة الأمة الجزائرية والمغرب العربي ................... 134 جمعية العلماء (2) .................................................................. 139 جمعية العلماء (3) .................................................................. 142 الفضيل الورتلاني يوضح عدد سكان المغرب العربي .................................. 145 الجزائر مقبرة الشباب الفرنسي ........................................................ 147 خطاب رئيس جمعية العلماء في مؤتمرها السنوي ...................................... 150 كتاب مفتوح من الورتلاتي إلى رئيس حكومة فرنسا .................................... 101 صدى ثورة الجزائر في الشرق ........................................................ 169 إلى الثائرين من أبناء الجزائر - اليوم حياة أو موت .................................. 170 ثلاث صرخات ...................................................................... 172 نداء إلى الشعب الجزائري المجاهد ................................................... 174 أوسع المعلومات عن بداية الثورة في الجزائر ......................................... 178 الليلة الليلاء ........................................................................ 180

_ رسالة من الورتلاني إلى حكومة مراكش الحرة ..................................... 186 مذكرة من جمعية العلماء إلى الجامعة العربية ..................................... 191 بيان من المؤثر السنوي لجمعية العلماء الجزائريين ................................ 204 تصحيح واحتجاج ............................................................... 207 كيف يسيطر المستعمرون الرأسماليون على رجال السياسة ......................... 208 جبهة تحرير الجرائر ............................................................. 217 إلى حضرات الوزراء الأربعة الخيار في جنيف .................................... 219 إلى مولاي محمد بن يوسف سلطان مراكش ....................................... 221 مذكرة من الأمير عبد الكريم الخطابي إلى الجامعة العربية ......................... 222 نداء من الأمير عبد الكريم الخطابي إلى أبناء المغرب العربي المجاهدين .......... 224 خطابات مفتوحة من الورتلاني إلى سفير فرنسا في القاهرة ........................ 228 حول غطرسة الفرنسيين في شمال إفريقيا (1) .................................... 229 حول غطرسة الفرنسيين في شمال إفريقيا أيضا (2) .............................. 231 حول اعتقال عشرات الألوف من المجاهدين (3) ................................. 235 حول عزل الشعب المغربي عن العالم الإسلامي (4) ............................. 238 حول حقد الفرنسيين على العرب (5) ............................................ 243 في سبيل استقلال طرابلس الغرب (6) ........................................... 246 إفريقيا الشمالية والجنرال سبيرس (7) ............................................ 249 سيتحد أبناء إفريقيا الشمالية رغم أنوف المستعمرين (8) .......................... 252 إفريقيا الشمالية باستيل القرن العشرين (9) ....................................... 258 يوم إفريقيا الشمالية بعد يوم فلسطين (10) ....................................... 263 وحشيت الفرنسيين في إفريقيا الشمالية (11) ..................................... 265 جهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية .................................................. 269

_ كيف تكونت جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية ........................................... 270 الثورة الاستقلالية الدائمة في إفريقيا الشمالية ............................................. 273 مذكرة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية .............................................. 274 مذكرة إلى هيئة الأمم المتحدة ............................................................ 277 مذكرة مرفوعة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية ...................................... 279 ثورة الجزائر العربية ....................................................................... 281 إلى دول الجامعة العربية ودول الأمم المتحدة ............................................ 284 مذكرة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية إلى دول الأمم المتحدة ...................... 286 النار والدمار في تونس العربية المسلمة .................................................. 290 اعتداء فرنسا على الأرواح والأعراض في تونس ......................................... 292 إلى السفراء بمناسبة الذكرى السنوية لثورة الجزائر العربية ................................ 294 احتجاج الجبهة في ذكرى الظهير البربري ................................................ 295 جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية تحتج ضد المساومات الاستعمارية في تونس .......... 296 فرنسا تحارب العلم والدين والإنسانية ..................................................... 297 في سبيل طرابلس الغرب ................................................................. 300 من سكرتير جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا إلى الأستاذ أحمد حسين ..................... 301 إستغاثة لم تسمع من الجبهة إلى رفعة علي ماهر باشا .................................. 203 إفريقيا الشمالية إلى أمين الجامعة العربية ................................................ 305 مجاهدون يعودون من الآخرة ............................................................. 307 زلزال لبنان وقوى الشر الفرنسية في الجزائر .............................................. 309 كلمة عن مملكة تونس العربية ............................................................ 311 مأساة الجزائر أتنسون الجزائر وهي دوح .................................................. 316

_ أهمية القطر الجزائري .............................................. 318 مراكش والاستقلال .................................................. 320 المغرب العربي والصهيونية ......................................... 326 لكم أيها المجاهدون في ليبيا أخت الجزائر أسوة حسنة ................ 330 نصيحة غالية ...................................................... 335 في سبيل فلسطين .................................................. 335 المأساة الخطيرة في إفريقيا الشمالية .................................. 336 فرنسا والعالم الإسلامي .............................................. 338 برقيات مختلفة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية .................. 339 إلى رئيس المجلس الاستشاري الفرنسي .............................. 342 من الأمين العام للجامعة العربية إلى جبهة الدفاع عن إفريقيا .......... 343 منع عقد مؤتمر طلبة إفريقيا الشمالية ................................ 346 رحلة أمين سر جبهة الدفاع إلى الأقطار الشقيقة ..................... 348 يوم العروبة المجاهدة في شمال إفريقيا ............................... 349 تصريح رابع عن شمالي إفريقيا لرئيس الوزارة السورية ................. 352 سعد الله بك الجابري يجابه الوزير الفرنسي ........................... 353 شكر الجبهة للجمهورية السورية حكومة وشعبا ........................ 354 هذا هو الزلزال الحق ................................................ 355 رأي الأمريكان في قضية الجزائر ..................................... 359 توضيحات وتعليقات لا بد منها ...................................... 364 لن نستكين وفي أرواحنا قبس ........................................ 372 هل تكون الجزائر الشرارة لحرب عالمية ثالثة ......................... 373 لم يبق في الجزائر معتدل ومتطرف .................................. 375

_ فرنسي كبير يسفه مزاعم الفرنسيين .................................. 377 فرنسي كبير يقول: قوة السلاح لا تقهر الأفكار ....................... 384 لا قيمة لاستقلال تونس ومراكش ما لم تستقل الجزائر ................. 391 الامتزاج أم الدولة ذات الجنسيات .................................... 393 الأمة الجزائرية ثائرة وكلها حزب واحد ................................ 397 مذكرة حزب الشعب الجزائري إلى أعضاء هيئة الأمم المتحدة .......... 399 من زعماء الجزائر: فرحات عباس رئيس حزب البيان ................. 412 تصريح للورتلاني عن اليمن وعن رحلته إلى الأندلس ................. 421 مسيحيو لبنان يمقتون فرنسا والاستعمار .............................. 432 الاتجار بالمسيحيين ................................................. 434 رأس الأفعى أو سياسة بريطانيا الاستعمارية .......................... 435 كلمة حق تغني عن الجيوش ........................................ 438 وحدة صفوف اللبنانيين تخدم العرب والجزائر ........................ 441 صرخات لبنان ..................................................... 443 لسان حال الوفد المصري يقول: ليس أوقح من فرنسا ................ 444 الشهيد حسن البنا يقول: اغضبوا قبل أن لا ينفع الغضب ........... 445 من أبطال الدعوة .................................................. 448 كلمة عباد الرحمن الختامية ........................................ 456 الفضيل الورتلاني ................................................. 469 إلى مجاهد العروبة والإسلام في إستانبول .......................... 471 تحية مسلمي الهند والباكستان للمجاهدين الجزائريين ................ 474 محتويات الكتاب ................................................. 507

المؤلف في سطور - ولد المرحوم الشهيد الشيخ الفضيل الورتلاني يوم 06/ 02 / 1900 في بلدية بني ورتيلان ولاية سطيف. - تلقى علومه على يد والده وعلماء أجلاء. - في 1930 التحق بقسنطينة لإتمام تعليمه في مدرسة المصلح الكبير الشيخ عبد الحميد بن باديس. - في 33/ 1934كلف بالتدريس أستاذا مساعدا للشيخ ابن باديس. - في 1936 انتدب ممثلا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بفرنسا. - في 1940 سافر إلى مصر والتحق بالجامع الأزهر للحصول على شهادة العالمية بكلية أصول الدين. - في 1949 أسس مكتبا بالقاهرة لجمعية العلماء المسلمين لينطلق منه صوت الجزائر إلى الدول العربية الشقيقة. - كتب في أغلب الصحف والمجلات العربية يشرح فيها قضية الجزائر العادلة. - اتصل بالعديد من الملوك والرؤساء والأحرار في العالم من أجل الجزائر. - أسس العديد من اللجان والجمعيات في المشرق للدفاع عن الجزائر. - ساهم بقلمه ولسانه في الثورة التحريرية منذ 1954. - توفي في أنقرة عاصمة تركيا يوم 12 مارس 1939 بعيدا عن الوطن. - نقل رفاته إلى مسقط رأسه يوم 12 مارس 1987 ودفن فيه.

§1/1