الروض الأنف ت الوكيل

السهيلي

الجزء الأول

الجزء الأول مقدمة المؤلف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالمين. والصلاة والسلام على خاتم النبيين. أما بعد: فحينما عهد إلىّ بهذا الكتاب «كتاب الروض الأنف» لتحقيقه توجهت إلى الله بالضراعة أن يهدى فكرى إلى الحق الجليل، والصدق النبيل، والصواب الجميل، وأن يلهمنى البيان الذى يرف بوضاءة الحق، وإشراق الجمال، وأن يجعل من عملى فى الكتاب صالحة أبلغ بها من رضوانه رزقا كريما به تنعم الروح، وتهنأ النفس، وتجمل الحياة فى الأولى والآخرة. ليس تحقيق هذا الكتاب بالعمل الهين، فهو عن النبى العظيم الذى به ختمت النبوات، والإنسان الذى أشرقت الإنسانية فيه بكمالها الأعظم، والذى يعتبر تاريخه بعد الوحى هو تاريخ التطبيق الحق لما جاء به القرآن، كما قالت أم المؤمنين عائشة- رضى الله عنها- حين سئلت عن خلق النبى، فقالت: «كان خلقه القرآن» ثم هو من تأليف إمام أندلسى كبير ذهبت آراؤه- فى دين كثير من الناس- مذهب الحجة الناصعة التى لا يجوز أن تتلقى إلا بالإذعان، ومذهب البرهان الذى يشع منه فلق الصبح الوضئ.

إمام بسط سلطانه القوى على الكثير من أئمة الدين فى عصره وبعد عصره- لما ذهب إليه فى كتابه «الروض الأنف» - الهيمنة على من قاموا بشرح السيرة، أو الحديث عنها بعده؛ لأنه احتشد لهذا الكتاب بكل ما كان عليه من علم وذكاء ومعرفة وريفة، فأودعه كل هذا، فكان أشبه «بدائرة معارف» فى السيرة والتاريخ والحديث والفقه والنحو واللغة. والكتاب شرح لسيرة «ابن هشام» وحسبنا أن نذكر هذا؛ فسيرة ابن هشام أجلّ من أن تعرّف، فلمؤلقها- أو لمهذيها- المكانة الممتازة التى تتألق على ذرا التاريخ بآياتها الباهرة. وأنت فى هذا الكتاب تجد نفسك بين عاطفة تتوهج بالأشواق، وعقل يرصد أفق الحقيقة، عاطفة قد لا يندى ظمأها إلا تهويلات الخرافات، وتهويمات الأساطير، وعقل يستشرف الحق علوىّ السلطان، وقد جعله الإيمان ذا رغبة فى أن يكون هذا الحق فى وضوحه جمال صبح ناضر، وألق نور زكى باهر. ثم أنت أيضا قبل هذا تحت سلطان عقيدة هى المثل الأعلى للحق فى صفائه وجماله وجلاله. عقيدة لا يلمح أحد فى حقائقها الإلهية أثارة ما من خيال يفتنه بسحره وشعره، وإنما يرى نورا وحياة بهما يكون النور، وتكون الحياة لكل مسلم، لأن هذه العقيدة حق من حكيم حميد. ثم أنت- أيضا- أمام نصوص انتقلت إلينا عبر قرون. والأمانة تفرض علينا أن نبقيها كما هى، لنعرف الحقيقة غير مشوبة بشئ. فهذا هو الواجب فى تحقيق التراث، فلا ينزع بنا الهوى إلى تحريف أو تبديل، فنعيد مأساة التراث حين استخفت به اللعنة اليهودية، فغيرت معالمه، وأحالته أمشاجا

من الحق والباطل، ومن الإيمان والكفر، ومن وحى الرحمن، ووسوسة الشيطان، ثم أظهرته فى عماية التاريخ تزعم أنه مطيّب بروح السماء. وإذا كان هذا هو المفروض علينا حيال أى تراث، فما بالنا ونحن مع تراث يقص سيرة النبوة الخاتمة، سيرة الإنسانية الكاملة، وهى تسلك السبيل الأقوم على نور الوحى وهدايته، سيرة محمد- صلى الله عليه وسلم- وهو يطبق القرآن أول تطبيق وأعظم تطبيق ليكون للبشرية المؤمنة شرعا ومنهاجا، يطبقه فى اعتقاده وعبادته وخلقه، وسلوكه فى الحياة. كل هذا فى أصدق إيمان، وأشرف إرادة، وأقدس غاية ونية، فكانت سنته- عليه الصلاة والسلام- الآية على السلوك الذى به تهتدى وتشرف الحياة، وتضئ بأعظم القيم. وكانت سيرته السيرة التى تجذب إليها بالحب الصدوق، والإعجاب الودود كل مشاعر النفس ونوازع الحس، وتفرض بالحب على الفكر الحر الذى لم تزغه حمية جاهلية، أو ضلالة صليبية أن يسجد خاشعا لله الذى خلق هذا الإنسان، واصطفاه خاتما للنبيين. فإذا وجدنا نصوص التراث آيات حقّ أحببنا التراث وأكبرناه، وإذا لم نجده كذلك فماذا نفعل؟ هذا بعض ما يعرض من قضايا أمام العقل والقلب، ولقد استهديت- للفصل فيها فصلا قويما- بهدى القرآن، فإننا نراه يقص علينا مفتريات عبدة الهوى والإثم. ثم يكر عليها بالحجة التى تزهق الباطل؛ لهذا تركت النص كما هو فى شعور جعلنى أو من أننى لو نلت منه- حين يصدم ما أدين به- فإنى أنال من قدسية الحقيقة. هذا والإنسان الذى يكتب عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- يخشى على نفسه أن تجمح به عاطفة مشبوبة أو مجنونة تسحرها خلابة التصورات التى يفتن بها الهوى عبيده، أو يخشى عليها من شطط الفكر المغرور بنفسه، فإن استبدّت تلك العاطفة بزمامه استهواه

الشيطان واستغواه، واستزله إلى عبادة وهم أسطورى سحرىّ الأصباغ والألوان يسميه له محمدا!! واصفا إيّاه له بما لله وحده من صفات كما صنع الصوفيون الإشراقيون أمثال السهروردى المقتول، والحلاج وابن عربى والجيلى وابن سبعين والصدر القونوى، وغيرهم ممن حكموا على محمد أنه هو الله ذاتا وصفة وربوبية وألوهية، أنه هو الحق والخلق، والرب والعبد، أنه هو الوجه الإنسانى للحقيقة الإلهية، أو أنه المظهر البشرى لماهية الربوبية، أو أنه حقيقة الوجود المطلق فى إطلاقه وعمائه وتجلّياته وتعيّناته وسرمديته وديموميته. وقد لا يستزله الشيطان إلى أعماق هذه الهاوية، وهو يكتب عن النبى- صلى الله عليه وسلم- فيحمله على أن يؤكد بألفاظه أنه يدين بالفصل بين الوجودات، فيدين بوجود حق، ويدين بوجود خلق. بوجود رب، ووجود عبد، ولكنه يضيف إلى هذا الذى تسميه عبدا أسماء وأفعالا تجعلك ترى ربا لا عبدا، وخالقا لا خلقا. إنه يزعم أن الله صرّف محمدا، أو غيره فى شئون خلقه، ووهب له تدبير شئون الملك والملكوت، والجبر والجبروت!! هذا الإنسان الذى يكتب هذا أو يتصوره إما خادع بنفاق، وإما مخدوع بنفاق!! لقد فصل لغويا بين لفظين هما: رب وعبد، وبين اسمين هما: الله ومحمد، وظن أنه بهذا الفصل اللغوى قد نجا مع الإيمان من الكفر، ومع التوحيد من الشرك. غير أنك حين تبتلى ما يعتقده فى محمد، وما يكتبه عن محمد عبدا ورسولا، تجده يسوى فى اعتقاده تسوية تامة بين محمد وبين الله. لقد خدعه الشيطان عن قتلته، فظن أنه أحياه، ورشف من يديه كأس السعادة والخلود!! إن مصيره مع نفس تلك المصائر التى تردّى فيها كهنته من قبل كابن عربى وتلاميذه. إنك حين تقرأ لابن عربى فصوص الحكم، ولعبد الكريم الجيلى كتابه الموسوم بالإنسان الكامل ولابن الفارض تائيته الكبرى التى تدنو من

سبعمائة بيت، ستجد نعيق الحقد، ونعيب الوثنية، مصوّرين نغمات محبة، وتسبيحات توحيد، وحفيف أجنحة الملائكة فى فجر المحاريب. ستجد الزعم بأن فرعون هو الله حكمة وحكما، وقهرا وملكا، وبأن الشيطان هو أصل من أصول الحقيقة المحمدية، وبأن أولئك الغوانى اللاتى سرن فى التاريخ غزل فتنة، ونسيب صبوات لم يكنّ سوى الله فى أجمل مظاهره!! كان قيس هو الله فى مظهر ذكورة، وكانت ليلى هى الله فى مظهر أنوثة. كان كل شئ هو حقيقة الله التى تتجلى فى صور شتى، شيخ عابد، وعربيد جاحد، وملك كريم، وشيطان رجيم. فالحقيقة الإلهية تجمع فى كنهها بين النقيضين وبين الضدين، وبهذا تنعدم التفرقة بين الحقائق المتباينة، أو تلتقى المتناقضات كلها فى حقيقة سموها: الحقيقة الإلهية، أو الحقيقة المحمدية التى هى حقيقة الوجود، وحقيقة العدم، الوجود المطلق، والوجود المتعين، الخير والشر، الإيمان والكفر، الحق والباطل، الصدق والكذب، وفى التعين البشرى هى: نوح ويغوث، وهى موسى وفرعون، وهى أبو بكر وأبو جهل!! بين هذه الفهوم تناوحت صور الحقيقة المحمدية، أو صورة الوهم الذى افتروا له اسم محمد، وبهذا النباح تجاوبت الكلاب الشاردة، لعلها تطغى به على النغمة العلوية التى تمجد محمدا، وهو على قمة البشرية، يشع بأنوار النبوة الخاتمة. إن هؤلاء وأولئك عبد شياطين تنزّت بهم أحقادهم، فإذا هى تدق بهم كل باب من أبوب جهنم. وإن استبدّت بالكاتب عبادته لعقله فى قصوره وتقصيره تردّت به فى

هوة سحيقة، وهو يحسب أنه يرقى معارج السماء!. إنه نزّاع إلى إخضاع كل شئ فى وضح الشهود، أو فى سرائر الغيب لمقاييسه العقلية، أو- بتعبير أدق- لهواه يعبق بالفتنة الخلوب، فالخير هو ما يرى، أو ما يشعر أنه خير، وكذلك الشر، وكذلك الحق والباطل، وإن يك كلّ ذلك فى مقياس الحقيقة مناقضا لرؤيته ووجدانه. مثل هذا المترف بعبادة العقل، أو المسرف فى الجحود ينظر إلى محمد، وكأنما هو بشر بلا نبوة، أو آدمى هواه يقود نوازع حسّه، ويبطش بعواطف نفسه، وبهذه النظرة يرى فى محمد ما يرى الكفر فى الإيمان، وما يرى الخبث فى الطيب، وما يرى الحقد فى النعم المتلألئة الوسامة، الناضرة الجمال. ويقول عنه عين ما تقول العداوة فى جهالتها وحماقتها وضلالتها المركومة، ويسخر فى أعماقه التى تفح فيها أفاعية من قولنا: صلى الله عليه وسلم. ونحن المسلمين نعوذ بالله من هؤلاء الذين أسرفوا فى التجريد والجحود والحقود، ومن أولئك الذين أسرفوا فى العشق، وعاشوا أنضاءه، فرأوا الوجود كله أنوثة تلفح بالحرمان والصدود، حين استبد بهم غرام جسدى لم يبرد لهم أواما، ولم يند منهم غليلا. ولم يقرّ بهم فى سكن. فكان هذا التصور لمحمد، وكان هذا التصوير منهم للحقيقة. إن الكتابة عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- تفرض علينا أن نكون على بينة من الكتاب والسنة، وأن نجعل ما نقول حليفا للحق، ووليا للصدق، وكذلك يفرض على كلّ من يتصدى لتحقيق كتاب عن خاتم النبيين. ومن هنا تتجلى لنا خطورة الأمر وجلالته! فقد خلف لنا أسلافنا تراثا

مكتوبا عن النبى، لا يوجد مثيله فى أمة من الأمم كتبت تاريخ زعيم، أو قائد أو بطل، أو نبى هو منها فى مكانة الشمس من الكون، وفى الكثير مما خلف لنا الأسلاف من تراث مكتوب عن النبى لا نلمح فيه شعاعة حقّ إلا كما نلمح ومضة البرق فى الليلة الداجية زكمت آفاقها الظلمات، فلقد خيل إلى أصحاب هذا التراث أن الكذب آية حب، وأن محمدا لا يكون عظيما إلا بما افترت الصليبية ليسوع، فصوروا رسول الله فى صورة بشر تستكنّ فى أعماقه ربوبية قهارة خلاقة، تهيمن على مصائر الوجود، وأقدار كائناته، وتجمع بين أزل الوجود، وأبده فى معرفة لا يخفى عليها شئ!! وافتروا قصصا، وأحاديث هى نفثات يهودية، ومفتريات وثنية، وضلالات صليبية، ورددت أفواه وألسن فى عديد من قرون التاريخ هذه القصص والأحاديث، وتلقفت الأجيال- خلفها عن سلفها- كلّ ذلك، وقد صنع التاريخ الكذوب لمن افتروا هذه الأكاذيب، أو لمن رددوها عن بلاهة عروشا تسجد تحتها أفكار أجيال وأجيال، وتهطع فى قنوت يأخذ منها كل العمر، فتسخّر لتمجيد تلك الأكاذيب كلّ فكر ولسان وقلم، فصار قرينا للمستحيل أن يفكر امرؤ فى نقد شئ من تراث أولئك الأسلاف بشروح هؤلاء الأخلاف، وصارت هذه الترهات التى يمجها حتى الباطل لعوارها- تختال وكأنها درر حقائق تتلألأ بنور الوحى، بل صارت، وهى أحب ما يعشق الناس مما كتب عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصارت مكانة أربابها كالزجر القاصف، والردع العاصف لمن يهم بالهمس بكلمة حق ينقدبها تلك الضلالات. والمسلم الذى يحاول أن يجلو للناس سيرة النبى- صلى الله عليه وسلم- على نور من القرآن وهدى من الأحاديث الصحيحة. تجده وقد تفجرت فى وجهه حمم، ودوّت فى سمعه رعود، وألوف الألسنة تبهتة بالسوء، وهى التى لم تطب لحظة بذكر الحق: إن الباطل الذى سخّر هذه الألسنة، وزكم بطون أربابها بسحته لا يحب أن يعرف الناس أنه باطل،

لأنه- بما هو عليه- فى عقول عبيدى الخرافة يعيش مسجودا له، معبودا تساق إليه حمر النّعم، وتحتشد الدنيا فى باحاته وساحاته بكل ترفها وزينتها وفسوقها وشهواتها!!. إنهم يريدون منه أن يقول ما قال الإشراقيون من الصوفية عن محمدهم الموهوم: إن محمدا هو الأول والآخر، والظاهر والباطن. أن يقول عنه ما يقول نعقة «الموالد» ونبحة المناوى!! «لولاه ما كان ملك الله منتظما» !!. أو ما قاله الوضاع الأقاك الذى افترى أن الله قال لمحمد: «لولاك ما خلقت الأفلاك» . أو ما قاله البوصيرى: فإن من جودك الدنيا وضرّتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم وإذا كانت الدنيا والآخرة بعض كرم الرسول، فماذا بقى لله؟ وإذا كان علم اللوح والقلم بعض علم محمد، فماذا بقى لله؟. يريدون منه أن يؤمن، وأن يحمل الناس على الإيمان بأن محمدا حى فى قبره لم يمت، وأن أعمالنا عليه تعرض، يريدون منه أن يعتقد بلا وهم ريبة فى أن قبر محمد خير وأفضل من عرش الله. والذين يريدون حمله على هذا لا يعرفون عما جاء به محمد شيئا. مدى معرفتهم أنه خلق من نور، وأن المصحف لا يجوز أن يمس على غير طهارة!! أما عن نبوة محمد، أما ماذا فى المصحف من هدى؟ أما هذا النور والحق والحياة فهم عنه عمون!!

بل إنهم فى كثير مما تعرفة الحياة عنهم لا يذكرون محمدا إلا حين يرون عرائس «المولد» ، وثمت ترى على الشفاه غمغمة وهمهمة!! وقد يخيّل إليك أن هذه صلوات وسجدات، وما هى إلا نفثات من حمم شهوات!!. فماذا نفعل، لنكتب الحق؟. أنجبن عن الهتاف الروحى الجميل بالحقيقة خشية هؤلاء المنذرين بالوعيد الكنود، والفتنة الحقود؟. أندهن كما يدهنون مخافة أن يعر بد علينا الباطل ببهتانه وعدوانه، أو يقترف ضدّنا المكر السئ؟!. إن إيماننا بالله، وبرسوله- صلى الله عليه وسلم- لأكرم وأعز من أن نذلّه لدعاة إلافك، وكهنة الزور، أو أن نرغمه على الاستخذاء فى سبيل الوصول إلى غرض دون هو: النجاء من سلاطة جاهلية جاحدة، أو سفاهة وثنية حاقدة، وإن الحق الذى يجعل من الحياة شيئا جميلا وعظيما، لأسمى من أن نأذن لهذا الركام الأسود من الأساطير أن يزحف على أفق ضياء الحق، لا لشئ سوى أن نكون مع ردغة الأكثرية فى تلطّخ نتن!! والله يهدينا بقوله: (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) يوسف: 103 (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) . الأنعام: 116 ثم إنى أتساءل: هل تحتاج مكانة الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى أن ندعمها بالأكاذيب، حتى نؤيد أو نردد كل أكذوبة اختلقت؟ إن الذى يزعم هذا كالذى يزعم أن الحق فى حاجة إلى الباطل، وأن الصدق

محتاج- فى تأييد الناس له- إلى الكذب، وأن الإيمان يريد سندا من الكفر، وأن الخير فقير إلى الشر؛ ليهب له فى الحياة مكانته. إن محمدا- صلى الله عليه وسلم- كالشمس لا تحتاج إلى دليل يثبت أنها بزغت سوى أن تراها وهى بازغة فحسب، ومكانته أجل من أن نقترف الكذب لنثبت به أنه صدوق. إن نوره يدل عليه، ويثبت بلا برهان- سوى تألقه وتوهجه- أنه حقا يضئ، فلنقل عنه ما قاله ربه الذى خلقه فى أحسن تقويم لنقل: إنه ما كان بدعا من الرسول، وإنه كان بشرا يوحى إليه. ألا وإن حق القرآن هو الحق الأول، فهو المهيمن على كل كتاب جاء به البشر، أو جاء به رسول الله من عند الله، فلنعتصم به، ونحن نكتب، أو ننقد ما كتب، ليهب الله لنا الفرقان المبين. ولنحذر أن نتهيب اسما يسحرنا تهيّبه عن الصواب، أو نذعن لسلطان ما يخادعنا، ليلوينا عن الحق. وبهذه الروح أقبلت على تحقيق كتاب «الروض الأنف» «1» وفى فكرى، وعلى قلمى حفاظ قوى على النص، وإن وجدت فيه ما يخالف بعض ما أرى أنه مجانف للحق، وقد احتشدت لهذا الكتاب بكل ما أملك من جهد، لا أزعم أنه عظيم، وإنما أزعم أنه كل ما أملك. وقد لقيت فى سبيل تحقيقه ما لقيت من مشاق لا آمن بها، وإنما أضرع إلى الله أن يكون لها عند الله حسن المثوبة؛ فما يكون الثواب إلا على ما يرضيه سبحانه.

_ (1) فى اللسان «روضة أنف: لم يرعها أحد، أو لم توطأ. وكأس أنف: لم يشرب بها قبل ذلك كأنه استؤنف شربها مثل- روضة أنف» ويريد السهيلى بهذه التسمية أن يؤكد أن كتابه هذا لم يؤلف أحد مثله من قبل.

الروض الأنف: وكتاب الروض الأنف- كما ذكر مؤلفه فى مقدمته- هو: «إيضَاحِ مَا وَقَعَ فِي سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الّتِي سَبَقَ إلَى تأليفها أبو مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ، وَلَخَصّهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ الْمَعَافِرِيّ الْمِصْرِيّ النّسّابَةُ النّحْوِيّ مِمّا بَلَغَنِي عِلْمُهُ، وَيُسّرَ لِي فَهْمُهُ مِنْ لَفْظٍ غَرِيبٍ، أَوْ إعْرَابٍ غَامِضٍ، أَوْ كَلَامٍ مُسْتَغْلِقٍ، أو نسب عويص، أو موضع فاته التّنْبِيهُ عَلَيْهِ، أَوْ خَبَرٍ نَاقِصٍ يُوجَدُ السّبِيلُ إلى تتمته» إلى أن يقول: «تَحَصّلَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ فَوَائِدِ الْعُلُومِ وَالْآدَابِ وَأَسْمَاءِ الرّجَالِ وَالْأَنْسَابِ وَمِنْ الْفِقْهِ الْبَاطِنِ اللّبَابِ، وَتَعْلِيلِ النّحْوِ، وَصَنْعَةِ الْإِعْرَابِ مَا هُوَ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ نَيّفٍ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِيوَانًا سوى ما أنتجه صدرى» . وهو جهد بارع صادع بأن الرجل كان إماما فى فنون عصره. فهو المحدّث الفقيه النسابة اللغوى النحوى «1» المفسر المؤرخ الآخذ من كل فنون عصره بنصيب وفير. وقد لاءم بين فنون معرفته، حتى جعل منها وحدة يصدر عنها فى كل ما يكتب، ومما يزيدنا إعجابا بالرجل أنه فقد بصره، وأن الكتب كانت فى زمانه مخطوطة، فمتى طالع كل هذا؟ وكيف طالعه؟ وتراثه يشهد له بأنه استوعب كل ما قرأ، وبدت سعة اطلاعه، ونفاذ بصيرته وقوة تفكيره فى أكثر ما كتب. ومما يجعلنا أيضا شديدى الاحترام للرجل- رغم ما وجدت عنده من خرف- هذه الحقيقة التى تطالعك فى كتابه: إنها الأمانة الصادقة فى النقل، وفى نسبة كل شئ

_ (1) انتفع بمادته كثير ممن جاءوا بعده، ولا سيما ابن القيم فى كتابه بدائع الفوائد. ولكنه كان كما يقول ابن مضاء القرطبى «كان صاحبنا الفقيه أبو القاسم السهيلى- رحمه الله- يولع بعلل النحو الثوانى ويخترعها ويعتقد ذلك كمالا فى الصنعة وبصرابها» ص 160 كتاب الرد على النحاة.

عملى فى الكتاب:

إلى قائله، فلم يأت بزيادة مفتراة، أو يقترف فى نقله نقصا قد يغير من مفهوم القول، وقد راجعت أعظم ما نقل، وقايسته على مصادره، فلم أجد إلا طهر الأمانة، ونبل الصدق فى كل نقوله، غير أنه كان لا يميل إلى نقد ما ينقل إلا حين كان يجد النص معارضا لما يدين به، لهذا نراه ينقل ما يتفق مع الحق، وما لا يتفق فى بعض أحيانه. ينقل ما يلمع بنور الحقيقة، وينقل ما يمكن فيه خبث الباطل من رأى فطير أو حديث سنده أو هى من بيت العنكبوت، ومعناه كيد دنئ من طاغوت. عملى فى الكتاب: طبع هذا الكتاب من أكثر من نصف قرن، وقد بذل المشرف على طبعه كثيرا مما كان يبذل. غير أنه أغفل كثيرا من الأخطاء المطبعية وغيرها، ولم يكتب رقم آية، ولم يخرج حديثا، ولم يضبط كلمة، ولم يعلق بشئ سوى بضع كلمات، فقمت بما يأتى: أولها: ضبط مئات الأعلام التى وردت فيه، وقد رجعت فى هذا إلى أهم، كتب الأنساب، وإلى اللسان والقاموس كما ضبطت ألوف الكلمات، وقد لقيت فى هذا عنتا كبيرا ومشقة مضنية. ثانيها: مراجعة نقوله التاريخية واللغوية فى المصادر التى أشار إليها كتاريخ الطبرى ومروج الذهب للمسعودى، وأشرت إلى مكانها من الكتب. أما اللغويات فراجعتها فى اللسان والقاموس ومعجم ابن فارس والاشتقاق لابن دريد ومفردات الراغب والنهاية لابن الأثير وغيرها. ثالثها: راجعت ما نقله عنه المؤرخون وأصحاب السير للمقارنة بين ما هو فى كتابه، وبين ما نقلوه هم عنه، مثل ابن كثير فى البداية، وابن خلدون

فى تاريخه، والقسطلانى فى المواهب، والحلبى فى سيرته، والحافظ ابن حجر فى الفتح. رابعها: راجعت وصوّبت الأنساب التى ذكرها فى أهم كتب النسب، وقد أشرت إليها فى تعليقاتى. خامسها: راجعت الترجمات التى ذكرها للصحابة فى الإصابة لابن حجر وغيرها. سادسها: أشرت إلى مراجع عشرات الأحاديث التى ذكرها، وإلى ما قيل عنها فى كتب الأحاديث. سابعها: ترقيم الآيات القرآنية، وإتمام ما ذكره منها مبتورا. ثامنها: التعليق على بعض ما ذكره من مسائل النحو العويصة، ومراجعة هذه المسائل فى مصادرها الأصلية، والمقارنة بينها وبين ما نقله الإمام ابن القيم فى كتابه «بدائع الفوائد» من هذه المسائل. والرجل- أعنى السهيلى- كان شديد الولع بمسائل النحو. تاسعها: قمت بالتعليق على ما ذكره، أو رآه فى أمر الدين مما رأيته مجافيا للحق، فكانت هذه التعليقات التى أضرع إلى الله أن تكون حقا وصوابا. ولقد كان الرجل أشعرى العقيدة- والأشعرية كانت دين الدولة فى أيامه- فأشرت فى تعليقاتى إلى ما يجانب الحق القرآنى مما ذهب إليه، وذكرت ما آمن به سلفنا الصالح، وما قالوه عن صفات الله سبحانه. عاشرها: راجعت ما ذكره من شواهد شعرية وأمثال وغيرها فى مصادره الأصلية أو فى اللسان، وضبطت كل هذا ضبطا دقيقا.

السيرة:

حادى عشرها: قمت باستعمال علامات الترقيم، وهناك غير ذلك مما قمت به، وأسأل الله أن يكون لوجهه- جل شأنه- وأن يجزينا عنه. كان من الممكن أن يكون الجهد المبذول أقل مما كان، غير أنه كتاب عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن القرآن الكريم، ونبيه العظيم، وقد توعدنا بالنار نتبوّأ منها مقعدنا إن تعمدنا عليه كذبا. وأعتقد أن الكتاب- وما ذكرته معه- أصبح شيئا يمكن الاعتداد به فيما يقال ممن خاتم النبيين- صلى الله عليه وسلم- غير أنى لا أزعم أنى بلغت كل ما كان بجب أن يبلع، وإنما أزعم أننى بذلت كل ما كنت أملك من جهد أسأل الله أن يكون جهدا يكافئ هذه المهمة الجليلة. وأرجو ممن يعثر على أخطاء أن يذكر أننا بشر، والسهو والنسيان والخطأ من خصائص البشرية، وكما نحب أن يعفو الله عن أخطائنا ويغفرها لنا، فإننا نحب أن يعفو عنا القراء، حين يعثرون على خطأ أحب أن يثقوا فى أنى لم أتعمده. السيرة: وقد رأيت- كما رأى الناشر- أن يكون مع الكتاب نفس سيرة ابن هشام التى ألف السّهيلىّ كتابه الروض شرحا لها، ليكون النفع قيما. والسيرة من عمل ابن إسحاق وروايته عن شيوخه وغيرهم، ولكن ابن هشام عكف على هذه السيرة بالتهذيب حتى، صارت إلى ما هى عليه الآن. وقد لخص عمله فيها بقوله: «وَأَنَا- إنْ شَاءَ اللهُ- مُبْتَدِئٌ هَذَا الْكِتَابَ بِذِكْرِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ،

وَمَنْ وَلَدَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- مِنْ وَلَدِهِ، وَأَوْلَادِهِمْ لِأَصْلَابِهِمْ الْأَوّلَ فَالْأَوّلَ، مِنْ إسْمَاعِيلَ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا يَعْرِضُ مِنْ حَدِيثهِمْ، وَتَارِكٌ ذِكْرَ غَيْرِهِمْ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ لِلِاخْتِصَارِ، إلَى حَدِيثِ سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَتَارِكٌ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِمّا لَيْسَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- فِيهِ ذِكْرٌ، وَلَا نَزَلَ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ شئ، وليس سببا لشئ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَا تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَا شَاهِدًا عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْت مِنْ الِاخْتِصَارِ، وَأَشْعَارًا ذَكَرَهَا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا، وَأَشْيَاءَ بَعْضُهَا يَشْنُعُ الْحَدِيثُ بِهِ، وَبَعْضٌ يَسُوءُ بَعْضَ النّاسِ ذِكْرُهُ، وَبَعْضٌ لَمْ يُقِرّ لَنَا الْبَكّائِيّ «1» بِرِوَايَتِهِ، وَمُسْتَقْصٍ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- مَا سِوَى ذَلِك مِنْهُ بِمَبْلَغِ الرواية له، والعلم به» ولهذا الجهد الذى بذله ابن هشام اشتهرت السيرة بالانتساب إليه، حتى كاد ينسى صاحبها الأول، وهو: محمد بن إسحاق، والله أسأل أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يعين كل امرئ على القيام بما فرض الله عليه، وأن يجمعنا نحن أبناء هذه الأمة على كلمة سواء، ولها ما كان من مجد وسؤدد، ودولة تجيش

_ (1) هو زياد بن عبد الله بن الطفيل العامرى أبو محمد البكائى الكوفى، والبكائى نسبة إلى البكاء بن عمرو بن ربيعة بن صعصعة بن معاوية تركه ابن المدينى، وضعفه النسائى وابن سعد، وقال أبو زرعة: صدوق، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، ولكنه من أثبت الناس فى سيرة ابن إسحاق، وقال أحمد: ليس به بأس مات سنة 183 هـ

فيها من «كشغر على حدود الصين إلى جبال البرانس على مشارف فرنسا» تكبيرات النصر، وتسبيحات الشكر، وصلوات الحمد لله رب العالمين «1» القاهرة- مدينة الزهراء حلوان عبد الرحمن الوكيل الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية

_ (1) سننشر سيرة ابن هشام فى أعلى الصفحة، وتحتها «الروض الأنف» ثم تعليقاتى

ترجمة ابن إسحاق

ترجمة ابن إسحاق محمد ابن إسحاق بن يسار المطّلبى مولى قيس بن مخرمة أبو عبد الله المدنى أحد الأئمة الأعلام، ولا سيما فى المغازى والسير رأى أنس بن مالك. وجدّه يسار كان من سبى عين التمر التى افتتحها المسلمون فى السنة الثانية عشرة من الهجرة. وقد ولد ابن إسحاق فى المدينة، والراجح أنه ولد سنة خمس وثمانين من الهجرة، وتوفى- كما يقول صفى الدين الخزرجى- سنة إحدى وخمسين ومائة. وقيل: (150 أو 153) وهو الذى ألف السيرة المشهورة النسبة إلى ابن هشام وقد ألفها بأمر أبى جعفر المنصور؛ ليعلمها لابنه المهدى، وفى هذا يقول ابن عدى: «ولو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل منها شئ للاشتغال بمغازى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومبعثه ومبتدأ الخلق، لكانت هذه فضيلة سبق بها ابن إسحاق، وقد فتشت أحاديثه الكثيرة، فلم أجدها تهيئ أن يقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ واتهم فى الشئ بعد الشئ كما يخطئ غيره. ولم يتخلف فى الرواية عنه الثقات والأئمة، أخرج له مسلم فى المبايعات واستشهد به البخارى فى مواضع، وروى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجة» ، وقد روى هو عن أبيه وعن الزهرى وخلق غيرهم، وممن روى عنه شيخه يحيى الأنصارى، وعبد الله بن عون وشعبة وسفيان الثورى وسفيان بن عيينة. الرأى فى ابن إسحاق: أثار ابن إسحاق خلافا كبيرا حوله بين رجال

الجرح والتعديل، وقد اختلف فيه هؤلاء بين قادح ومادح، أو بين مجرح ومعدل، فبينا يقول ابن شهاب: «لا يزال بالمدينة علم جم ما كان فيها ابن إسحاق» إذا بغيره يقول: إنه كان يرى التشيع والقدر وكان يلعب بالديوك. المجرّحون: ممن جرّحه مالك، وقال فيه: «ابن إسحاق كذاب ودجال من الدجاجلة» ، وروى عن أحمد بن حنبل أنه قال: «ابن إسحاق ليس بحجة» وحكم عليه ابن معين فى رواية عنه بأنه سقيم، وليس بحجة، وممن جرحه: هشام بن عروة، ويعقوب بن شيبة، وسليمان التيمى والدارقطنى، وقد اتهم بأنه كان يسمع بعض اليهود والنصارى، ويسميهم أهل العلم الأول وقد اتهم ابن إسحاق بأنه كان يضع فى السيرة شعرا مصنوعا. المتوسطون فى الرأى فيه: وكما نسب إلى أحمد اتهامه لابن إسحاق فإنه نسب إليه قوله عنه: «حسن الحديث. أو: هو صالح ألحديث، ماله ذنب عندى إلا ما روى فى السيرة من الأخبار المنكرة» وقد نسب إلى محمد بن عبد الله بن نمير قوله عنه: كان ابن إسحاق يرمى بالقدر، وكان أبعد الناس منه. وقوله: «إذا حدث عن المعروفين، فهو حسن الحديث صدوق، وإنما أتى من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة» المعدّلون له: ينسب إلى ابن معين أيضا قوله: «ابن إسحاق ثبت فى الحديث» ونسب إلى ابن عينة قوله: «ما رأيت أحدا يتهم ابن إسحاق» وقال أبو زرعة: «قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ منه» وقد استشهد به مسلم، وصحح له الترمذى، وروى له أبو داود والنسائى وابن ماجة. وأرى- قياسا على السيرة- أن أصدق قول قيل فيه هو قول ابن

عبد الله بن نمير؛ فقد روى فى السيرة عن المجهولين مالا يحترمه الصدق، وروى أيضا ما ينفح بطيب الحق، وقد بقى فيها ما لا يصح، رغم قيام ابن هشام بتهذيبها، وهو الذى يقول عن ابن إسحاق فى مقدمة كتابه من أنه سيترك مما ذكر ابن إسحاق «أشعارا ذَكَرَهَا، لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا وَأَشْيَاءَ بَعْضُهَا يَشْنُعُ الْحَدِيثُ بِهِ، وَبَعْضٌ يَسُوءُ بَعْضَ النّاسِ ذِكْرُهُ وَبَعْضٌ لَمْ يُقِرّ لَنَا الْبَكّائِيّ بِرِوَايَتِهِ، وَمُسْتَقْصٍ- إنْ شَاءَ الله تعالى-، سِوَى ذَلِك مِنْهُ بِمَبْلَغِ الرّوَايَةِ لَهُ وَالْعِلْمِ به» .

ترجمة ابن هشام

ترجمة ابن هشام جاء عنه فى وفيات الأعيان: «قال أبو القاسم السهيلى عنه فى كتاب الروض الأنف شرح سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: إنه مشهور بِحَمْلِ الْعِلْمِ، مُتَقَدّمٌ فِي عِلْمِ النّسَبِ وَالنّحْوِ، وهو من مصر، وأصله من البصرة، وَلَهُ كِتَابٌ فِي أَنْسَابِ حِمْيَرَ وَمُلُوكِهَا، وَكِتَابٌ فِي شَرْحِ مَا وَقَعَ فِي أَشْعَارِ السّيَرِ من الغريب فيما ذكر لى. وتوفى بمصر سنة ثلاث عشرة ومائتين رحمه الله تعالى» . قلت- أى ابن خلكان- وهذا ابن هشام هو الذى جمع سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- من المغازى والسير لابن إسحاق وهذبها ولخصها وشرحها السهيلى المذكور، وهى الموجودة بأيدى الناس المعروفة بسيرة ابن هشام، وقال أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس صاحب تاريخ مصر المقدم ذكره فى تاريخه الذى جعله للغرباء القادمين على مصر: إن عبد الملك المذكور توفى لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ثمانى عشرة ومائتين بمصر والله أعلم بالصواب. وقال: إنه ذهلىّ والحميرى «1» قد تقدم الكلام عنه والمعافرىّ هذه النسبة إلى المعافر بن «2» يعفر قبيل كبير ينسب إليه بشر كثير»

_ (1) نسبة إلى حمير بْنِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قحطان، وفى حمير بطون وأفخاذ كثيرة (ص 120 الإنباه لابن عبد البر) (2) هو معافر بن يعفر بن مالك بن الحارث بن مرة بن أدد بن الهميسع بن عمرو ابن يشجب بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كُهْلَانَ بْنِ سبأ، وفى معافر بطون كثيره (الإنباه لابن عبد البر ص 118)

ترجمة الإمام السهيلى

ترجمة الإمام السهيلى وردت ترجمته فى عدة كتب: «الضبى فى البغية، وابن خلكان فى وفيات الأعيان، وابن دحية فى المطرب الورقة 74، والسيوطى فى البغية، والمقرى فى نفح الطيب، وابن تغرى بردى فى النجوم الزاهرة، وابن عماد الحنبلى فى شذرات الذهب، وكتاب المطرب فى حلى المغرب، ونكت الهميان للصفدى، والديباج المذهب لابن فرحون» ، وأنقل هنا ترجمته عن الديباج بلفظه معقبا عليها بما له فائدة من المصادر الأخرى «عبد الرحمن السهيلى أبو القاسم، وأبو زيد عبد الرحمن بن الخطيب، أبى محمد ابن عبد الله بن الخطيب، أبى عمر أحمد بن أبى الحسن أصبغ بن حسين بن سعدون بن رضوان بن فتوح السهيلى، الإمام المشهور، صاحب كتاب «الروض الأنف» فى شرح سيرة سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وله كتاب «التعريف والإعلام فيما أبهم فى القرآن من الأسماء الأعلام» . وله كتاب «نتائج الفكر» وكتاب «شرح آية الوصية فى الفرائض» كتاب بديع «ومسئلة رؤية النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَنَامِ «1» » ، «ومسئلة السر فى عور الدجال» إلى غير ذلك من تآليفه المفيدة «2» وأوضاعه الغريبة، وكان له حظ وافر من العلم والأدب أخذ الناس عنه، وانتفعوا به «3» ومن شعره- قال ابن دحية: أنشدنى، وقال: ما سأل الله بها حاجة إلا أعطاه إياها، وكذلك من استعمل إنشادها وهى:

_ (1) فى الوفيات. أن الكتاب فى رؤية الله وفى رؤية النبى (2) زاد الصفدى فى نكت الهميان كتاب. شرح الجمل وقال. لم يتم (3) فى نكت الهميان «ناظر على بن الحسين بن الطراوة فى كتاب سيبويه، وسمع منه كثيرا من اللغة والآداب، وكان عالما بالعربية واللغة والقراءات بارعا فى ذلك، تصدر للافتاء والتدريس والحديث، وبعد صيته، وجل قدره جمع بين الرواية والدراية» .

يا من يرى ما فى الضمير ويسمع ... أنت المعدّ لكل ما يتوقّع يا من يرجّى للشدائد كلّها ... يا من إليه المشتكى والمفزع يا من خزائن ملكه فى قول: كن ... امنن فإنّ الخير عندك أجمع مالى سوى فقرى إليك وسيلة ... فبالافتقار إليك فقرى أدفع مالى سوى قرعى لبابك حيلة ... فلئن رددت، فأى باب أقرع؟! ومن الذى أدعو، وأهتف باسمه ... إن كان فضلك عن فقيرك يمنع؟! حاشا لمجدك أن تقنط عاصيا ... والفضل أجزل والمواهب أوسع ثم الصلاة على النبى وآله ... خير الأنام، ومن به يستشفع «1» وله أشعار كثيرة، وكان ببلده يتسوغ بالعفاف، ويتبلغ بالكفاف، حتى نمى خبره إلى صاحب مراكش، فطلبه إليها، وأحسن إليه وأقبل بوجهه كل الإقبال عليه، وأقام بها نحو ثلاثة أعوام «2» ، وذكره الذهبى: فقال: أبو زيد، وأبو القاسم وأبو الحسن: عبد الرحمن، العلامة الأندلسى المالقى النحوى الحافظ العلم، صاحب التصانيف، أخذ القراءات عن سليمان بن يحيى وجماعة، وروى عن ابن العربى القاضى أبى بكر وغيره من الكبار، وبرع فى العربية واللغة والأخبار والأثر، وتصدر للافادة، وذكر الآثار، وحكى عنه أنه قال: أخبرنا أبو بكر بن العربى فى

_ (1) فى مصادر أخرى مغايرة طفيفة لما هنا مثل: يا من خزائن رزقه، فبالافتقار إليك ربى أضرع، إن كان فضلك عن فقير يمنع. ولا يستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الشفاعة لله جميعا. (2) وولاه بها قضاء الجماعة، وصاحب مراكش هو: أبو يعقوب يوسف ابن عبد المؤمن الذى تولى إمرة الموحدين فى المغرب سنه 558. وأظن أنه استدعى السهيلى سنه 578 هـ.

مشيخته عن أبى المعالى، أنه سأله فى مجلسه رجل من العوام فقال: أيها الفقيه الإمام: أريد أن تذكر لى دليلا شرعيا على أن الله تعالى لا يوصف بالجهة، ولا يحدد بها. فقال: نعم قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تفضلونى على يونس بن متّى» فقال الرجل: إنى لا أعرف وجه الدليل من هذا الدليل، وقال كل من حضر المجلس مثل قول الرجل، فقال أبو المعالى: أضافنى الليلة ضيف له علىّ ألف دينار، وقد شغلت بالى، فلو قضيت عنى قلتها، فقام رجلان من التجار، فقالا: هى فى ذمتنا، فقال أبو المعالى: لو كان رجلا واحدا يضمنها كان أحب إلىّ فقال أحد الرجلين أو غيرهما: هى فى ذمتى، فقال أبو المعالى: نعم إن الله تعالى أسرى بعبده إلى فوق سبع سموات، حتى سمع صرير الأقلام، والتقم يونس الحوت، فهوى به إلى جهة التحت من الظلمات ما شاء الله، فلم يكن سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- فى علو مكانه بأقرب إلى الله تعالى من يونس فى بعد مكانه «1» ، فالله تعالى لا يتقرب إليه بالأجرام والأجسام، وإنما يتقرب إليه بصالح الأعمال، ومن شعره: إذا قلت يوما: سلام عليكم ... ففيها شفاء، وفيها السقام شفاء إذا قلتها مقبلا ... وإن أنت أدبرت فيها الحمام قال صاحب الوفيات: «والسّهيلىّ يضم السين المهملة وفتح الهاء وسكون

_ (1) هذا دليل مصنوع، ومدفوع، فالله يقول «أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ» وقد سأل الرسول- صلى الله عليه وسلم: أين الله يا جارية؟ فقالت: فى السماء. فقال لصاحبها: أعتقها فإنها مؤمنة. إنه معنا حيث كنا وهو مستو على العرش.

الياء المثناة من تحت، وبعدها لام، ثم ياء هذه النسبة إلى سهيل، وهى قرية بالقرب من مالقة سميت باسم الكوكب «1» لأنه لا يرى فى جميع الأندلس إلا من جبل مطلّ عليها، ومالقة بفتح اللام والقاف، وهى مدينة بالأندلس. وقال السمعانى بكسر اللام وهو غلط، وتوفى بمراكش سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وكان- رحمه الله- مكفوفا، وعاش اثنتين وسبعين سنة» . هذا ما فى الديباج المذهب لابن فرحون، ويقول الصفدى فى كتابه نكت الهميان: «ومن شعره يرثى بلده، وكان الفرنج قد ضربته، وقتلت رجاله ونساءه [وقتلوا أهله وأقاربه وكان غائبا عنهم، فاستأجر من أركبه دابة، وأتى به إليه، فوقف إزاءه وقال: «2» يا دار أين البيض والآرام! ... أم أين جيران علىّ كرام راب المحبّ من المنازل أنه ... حيّا، فلم يرجع إليه سلام! أخرسن أم بعد المدى، فنسينه ... أم غال من كان المجيب حمام! دمعى شهيدى أننى لم أنسهم ... إن السلوّ على المحبّ حرام لما أجابنى الصدى عنهم، ولم ... يلج المسامع للحبيب كلام طارحت ورق حمامها مترنّما ... بمقال صبّ، والدموع سجام يا دار ما صنعت بك الأيام ... ضامتك، والأيام ليس تضام

_ (1) وهو سهيل. وهو كوكب يمان لا يرى بخراسان، ويرى بالعراق، وقال ابن كناسة: سهيل يرى بالحجاز، وفى جميع أرض العرب، ولا يرى بأرمينية «عن اللسان» . وعند الصفدى: «وأصله من قرية بوادى سهيل من كورة مالقة، وهى- كما وصفها ياقوت فى معجمه- سورها على شاطئ البحر بين الجزيرة الخضراء والمرية. (2) ما بين قوسين من المغرب فى حلى المغرب.

ويقول ابن خلكان عنه: «ومولده سنة ثمان وخمسمائة بمدينة مالقة، وتوفى بحضرة مراكش يوم الخميس، ودفن وقت الظهر، وهو السادس والعشرون من شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة» ، وقال عنه إنه خثعمى نسبة إلى خثعم بن أنمار، وهى قبيلة كبيرة. وذكر صاحب النجوم الزاهرة أيضا أنه مات فى شعبان.

مقدمة الروض الأنف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مُقَدّمَةُ الرّوْضِ الْأُنُفِ حَمْدًا لِلّهِ الْمُقَدّمِ عَلَى كُلّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ، وَذِكْرُهُ- سُبْحَانَهُ- حَرِيّ أَلّا يُفَارِقَ الْخَلَدَ وَالْبَالَ، كَمَا بَدَأَنَا- جَلّ وَعَلَا- بِجَمِيلِ عَوَارِفِهِ قَبْلَ الضّرَاعَةِ إلَيْهِ وَالِابْتِهَالِ، فَلَهُ الْحَمْدُ- تَعَالَى- حَمْدًا لَا يَزَالُ دَائِمَ الِاقْتِبَالِ. ضَافِيَ السّرْبَالِ «1» ، جَدِيدًا عَلَى مَرّ الْجَدِيدَيْنِ «2» غَيْرَ بَالٍ. عَلَى أَنّ حَمْدَهُ- سُبْحَانَهُ- وَشُكْرَهُ عَلَى نِعَمِهِ، وَجَمِيلِ بَلَائِهِ مِنّةٌ مِنْ مِنَنِهِ. وَآلَاءٌ مِنْ آلَائِهِ. فَسُبْحَانَ مَنْ لَا غَايَةَ لِجُودِهِ وَنَعْمَائِهِ! وَلَا حَدّ لِجَلَالِهِ، وَلَا حَصْرَ لِأَسْمَائِهِ وَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَلْحَقَنَا بِعِصَابَةِ الْمُوَحّدِينَ، وَوَفّقَنَا لِلِاعْتِصَامِ بِعُرْوَةِ هَذَا الْأَمْرِ الْمَتِينِ، وَخَلَقَنَا فِي إبّانِ الْإِمَامَةِ الْمَوْعُودِ بِبَرَكَتِهَا عَلَى لِسَانِ الصّادِقِ الْأَمِينِ، إمَامَةِ سَيّدِنَا الْخَلِيفَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ابن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين «3» ،

_ (1) القميص والدرع، أو كل ما يلبس (2) الليل والنهار (3) يعنى دولة الموحدين التى بدأ أمرها بمحمد بن تومرت، والتى حكمت المغرب العربى والأندلس، ويعنى بالخليفة: أبا يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الذى تولى إمرة الموحدين سنة 558 هـ بالمغرب، وفى عهده تم للموحدين إخضاع الأندلس، وعنه يقول ابن خلكان: «كان يوسف فقيها حافظا متقنا نشأ فى ظهور الخيل بين أبطال الفرسان» وعنه أيضا يقول المراكشى فى المعجب: «لم يكن فى بنى عبد المؤمن فيمن تقدم منهم، وتأخر ملك بالحقيقة غير أبى يعقوب» هذا وقد توفى أبو يعقوب سنة 580 هـ. وقد بدأ السهيلى فى إملاء كتابه هذا فى المحرم سنة 569 هـ وانتهى منه فى جمادى الأولى من نفس العام.

الغاية من تأليف الكتاب

السّاطِعَةِ أَنْوَارُهَا فِي جَمِيعِ الْآفَاقِ. الْمُطْفِئَةِ بِصَوْبِ سَحَائِبِهَا، وَجَوْبِ «1» كَتَائِبِهَا جَمَرَاتِ الْكُفْرِ وَالنّفَاقِ: فِي دولة لحظ الزمان شعاعها ... فَارْتَدّ مُنْتَكِصًا بِعَيْنَيْ أَرْمَدِ مَنْ كَانَ مَوْلِدُهُ تَقَدّمَ قَبْلَهَا ... أَوْ بَعْدَهَا، فَكَأَنّهُ لَمْ يُولَدْ فَلَهُ الْحَمْدُ- تَعَالَى- عَلَى ذَلِكَ كُلّهِ، حَمْدًا لَا يَزَالُ يَتَجَدّدُ وَيَتَوَالَى، وَهُوَ الْمَسْئُولُ- سُبْحَانَهُ- أَنْ يَخُصّ بِأَشْرَفِ صَلَوَاتِهِ، وَأَكْثَفِ بَرَكَاتِهِ، الْمُجْتَبَى مِنْ خَلِيقَتِهِ، وَالْمَهْدِيّ بِطَرِيقَتِهِ، الْمُؤَدّيَ إلَى اللّقَمِ الْأَفْيَحِ «2» وَالْهَادِيَ إلَى مَعَالِمِ دِينِ اللهِ مَنْ أَفْلَحَ، نَبِيّهُ مُحَمّدًا- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- كَمَا قَدْ أَقَامَ بِهِ الْمِلّةَ الْعَوْجَاءَ، وَأَوْضَحَ بِهَدْيِهِ الطّرِيقَةَ الْبَلْجَاءَ «3» ، وَفَتَحَ بِهِ آذَانًا صُمّا، وَعُيُونًا عُمْيًا، وَقُلُوبًا غُلْفًا «4» . فَصَلّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ صَلَاةً تُحِلّهُ أَعْلَى مَنَازِلِ الزّلْفَى. الْغَايَةُ مِنْ تَأْلِيفِ الْكِتَابِ (وَبَعْدُ) فَإِنّي قَدْ انْتَحَيْت فِي هَذَا الْإِمْلَاءِ بَعْدَ اسْتِخَارَةِ ذِي الطّوْلِ «5» ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِمَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ وَالْحَوْلُ «6» . إلَى إيضَاحِ مَا وَقَعَ فِي سِيرَةِ رَسُولِ الله

_ (1) الصوب: المطر بقدر ما ينفع، ولا يؤذى، والجوب: القميص تلبسه المرأة، والترس والكانون والدلو الضخمة. والأخيرة هى المناسبة (2) اللقم: الطريق الواضح (3) الواضحة. (4) جمع أغلف. يقال: غلف قلبه- بكسر اللام- لم يع قلبه الرشد (5) الغنى والفضل واليسر (6) من معانيها الحركة والتحول، والحيلة والقوة، وهذه هى المقصودة.

- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الّتِي سَبَقَ إلَى تَأْلِيفِهَا أَبُو بَكْرِ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ، وَلَخَصّهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ الْمَعَافِرِيّ «1» الْمِصْرِيّ النّسّابَةُ «2» النّحْوِيّ مِمّا بَلَغَنِي عِلْمُهُ، وَيُسّرَ لِي فَهْمُهُ: مِنْ لَفْظٍ غَرِيبٍ، أَوْ إعْرَابٍ غَامِضٍ، أَوْ كَلَامٍ مُسْتَغْلِقٍ «3» ، أَوْ نَسَبٍ عَوِيصٍ، أَوْ مَوْضِعِ فِقْهٍ يَنْبَغِي التّنْبِيهُ عَلَيْهِ، أَوْ خَبَرٍ نَاقِصٍ يُوجَدُ السّبِيلُ إلَى تَتِمّتِهِ، مَعَ الِاعْتِرَافِ بِكُلُولِ الْحَدّ، عَنْ مَبْلَغِ ذَلِكَ الْحَدّ «4» ، فَلَيْسَ الْغَرَضُ الْمُعْتَمَدُ أَنْ أَسْتَوْلِيَ عَلَى ذَلِكَ الْأَمَدِ «5» ، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُدَعّ الْجَحْشُ مَنْ بَذّهُ الْأَعْيَارُ «6» ، وَمَنْ سَافَرَتْ فِي الْعِلْمِ هِمّتُهُ، فَلَا يُلْقِ عَصَا التّسْيَارِ، وَقَدْ قَالَ الْأَوّلُ: افْعَلْ الْخَيْرَ مَا اسْتَطَعْت، وَإِنْ كَا ... نَ قَلِيلًا فَلَنْ تُحِيطَ بِكُلّهْ وَمَتَى تَبْلُغُ الْكَثِيرَ مِنْ الْفَضْلِ ... إذَا كُنْت تَارِكًا لِأَقَلّهْ؟! نَسْأَلُ الله التّوْفِيقَ لِمَا يُرْضِيهِ، وَشُكْرًا يَسْتَجْلِبُ الْمَزِيدَ مِنْ فضله ويقتضيه.

_ (1) نسبة إلى معافر بن يعفر، وهم قبيل كبير نزح بعضهم إلى مصر، ومن الرواة من يجعله حميريا، ومنهم من يرد نسبه إلى ذهل، وآخرون يردونه إلى سدوس. (2) العليم بالأنساب، والتاء للمبالغة. (3) استغلقت المسألة: عسر فهمها. (4) كلّ كلولة وكلالة: ضعف. وكلّ حد السيف: لم يقطع. وحدّ الرجل: بأسه. ونفاذه فى نجدته، وحد الشئ: نهايته. (5) الغاية والنهاية. (6) الجحش: ولد الحمار. وبذّه: غلبه وفاقه وسبقه، والأعيار: جمع عير: الحمار الوحشى والأهلى. ويدع: يدفع.

لماذا أتقن التأليف:

لِمَاذَا أَتْقَنَ التّأْلِيفَ: قَالَ الْمُؤَلّفُ أَبُو الْقَاسِمِ: قُلْت هَذَا؛ لِأَنّي كُنْت حِينَ شَرَعْت فِي إمْلَاءِ هَذَا الْكِتَابِ خُيّلَ إلَيّ أَنّ الْمَرَامَ عَسِيرٌ، فَجَعَلْت أَخْطُو خَطْوَ الْحَسِيرِ «1» ، وَأَنْهَضُ نَهْضَ الْبَرْقِ الْكَسِيرِ «2» ، وَقُلْت: كَيْفَ أَرِدُ مَشْرَعًا لَمْ يسبقنى إليه فارط «3» ، وأسلك سَبِيلًا لَمْ تُوطَأْ قَبْلِي بِخُفّ وَلَا حَافِرٍ، فبينا أنا أتردد تردد الحائر، إذ سنح لى هنا لك خَاطِرٌ: أَنّ هَذَا الْكِتَابَ سَيَرِدُ الْحَضْرَةَ الْعَلِيّةَ الْمُقَدّسَةَ الْإِمَامِيّةَ «4» ، وَأَنّ الْإِمَامَةَ سَتَلْحَظُهُ بِعَيْنِ الْقَبُولِ، وَأَنّهُ سَيُكْتَتَبُ لِلْخِزَانَةِ الْمُبَارَكَةِ- عَمّرَهَا اللهُ- بِحِفْظِهِ وَكِلَاءَتِهِ، وَأَمَدّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِتَأْيِيدِهِ وَرِعَايَتِهِ، فَيَنْتَظِمُ الْكِتَابُ بِسَلْكِ أَعْلَاقِهَا «5» ، وَيَتّسِقُ مَعَ تِلْكَ الْأَنْوَارِ فى مطالع إشراقها، فَعِنْدَ ذَلِكَ امْتَطَيْت صَهْوَةَ الْجِدّ، وَهَزَزْت نَبْعَةَ العزم «6» . ومريت أخلاف الحفظ «7» ،

_ (1) حسر بصره حسارة: كل وانقطع من طول مدى، وما أشبه ذلك، (2) البرق: الحمل وجمعه: أبراق، وبرقان «بضم الباء أو كسرها» وهو معرب: بره. (3) المشرع: مورد الماء، والفارط: من يسبق القوم إلى الماء، ليهيئه ويعده. (4) كناية عن أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، وقد سبق الكلام عنه. (5) جمع علق: وهو النفيس من الشئ (6) أصل النّبعة؛ شجرة تتخذ منها القسى. ومن أغصانها السهام وهى تنبت فى قلة الجبل. (7) مرى الشئ: استخرجه، ومريت الفرس بفتح الميم والراء: حملته على إبراز مقدرته على الجرى، ومرى الناقه: مسّ ضرعها، والأخلاف: جمع: خلف بكسر الخاء: حلمة الضّرع، وضرع الناقة.

وَاجْتَهَرْتُ يَنَابِيعَ الْفِكْرِ «1» ، وَعَصَرْت بَلَالَةَ الطّبْعِ «2» ، فَأَلْفَيْت- بِحَمْدِ اللهِ- الْبَابَ فُتُحًا «3» وَسَلَكْت سُبُلَ رَبّي ذُلُلًا «4» ، فَتَبَجّسَتْ «5» لِي- بِمَنّ اللهِ تَعَالَى- مِنْ الْمَعَانِي الْغَرِيبَةِ عُيُونُهَا، وَانْثَالَتْ عَلَيّ مِنْ الْفَوَائِدِ اللّطِيفَةِ أَبْكَارُهَا وَعُونُهَا «6» ، وَطَفِقَتْ عَقَائِلُ الْكَلِمِ يَزْدَلِفْنَ «7» إلَيّ بِأَيّتِهِنّ أَبْدَأُ، فَأَعْرَضْت عَنْ بَعْضِهَا إيثَارًا لِلْإِيجَازِ، وَدَفَعْت فِي صُدُورِ أَكْثَرِهَا خَشْيَةَ الْإِطَالَةِ وَالْإِمْلَالِ، لَكِنْ تَحَصّلَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ فَوَائِدِ الْعُلُومِ وَالْآدَابِ، وَأَسْمَاءِ الرّجَالِ وَالْأَنْسَابِ، وَمِنْ الْفِقْهِ الْبَاطِنِ اللّبَابِ، وَتَعْلِيلِ النّحْوِ، وَصَنْعَةِ الْإِعْرَابِ، مَا هُوَ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ نَيّفٍ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِيوَانًا «8» ، سِوَى مَا أَنْتَجَهُ صَدْرِي، وَنَفَحَهُ فِكْرِي. وَنَتَجَهُ نَظَرِي، وَلَقِنْته «9» عَنْ مَشْيَخَتِي، مِنْ نُكَتٍ عِلْمِيّةٍ لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهَا، وَلَمْ أُزْحَمْ عَلَيْهَا، كُلّ ذَلِكَ بِيُمْنِ اللهِ، وَبَرَكَةِ هَذَا الْأَمْرِ الْمُحْيِي لِخَوَاطِرِ الطّالِبِينَ وَالْمُوقِظِ لِهِمَمِ الْمُسْتَرْشِدِينَ، وَالْمُحَرّكِ لِلْقُلُوبِ الْغَافِلَةِ إلَى الِاطّلَاعِ عَلَى مَعَالِمِ الدّينِ، مَعَ أَنّي قَلّلْت الْفُضُولَ «10» ، وَشَذّبْت أَطْرَافَ الْفُصُولِ، وَلَمْ أَتَتَبّعْ شُجُونَ الْأَحَادِيثِ، وَلِلْحَدِيثِ شُجُونٌ «11» ، وَلَا جَمَحَتْ بِي خَيْلُ الْكَلَامِ إلَى غَايَةٍ لم

_ (1) اجتهر البئر: نقاها من الحمأة ونزحها. (2) البلالة: النّدوة (3) مفتوح واسع لا يكاد يغلق. (4) جمع ذلول: الطريق الممهّد. (5) تفجرت. (6) انثال عليه القول: تتابع. العون: جمع عوان، وهى المتوسطة فى العمر بين الكبر والصغر من النساء والبهائم. (7) العقائل جمع عقيلة السيدة المخدرة، والزوجة الكريمة، وسيد القوم. ويعنى: الكلمات العظيمة. ازدلف: زلف: دنا وتقدم. (8) نيّف من 1 إلى 3 أو هو كل مازاد على العقد إلى أن يبلغ العقد الثانى. (9) لقنته: فهمته. (10) ما لا فائدة فيه. (11) فنون وأغراض.

أُرِدْهَا، وَقَدْ عَنَتْ لِي مِنْهُ فُنُونٌ، فَجَاءَ الْكِتَابُ مِنْ أَصْغَرِ الدّوَاوِينِ حَجْمًا. وَلَكِنّهُ كُنَيْفٌ ملئ عِلْمًا «1» ، وَلَوْ أَلّفَهُ غَيْرِي لَقُلْت فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِي هَذَا. وَكَانَ بَدْءُ إمْلَائِي «2» هَذَا الْكِتَابِ فِي شَهْرِ الْمُحَرّمِ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْهُ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ. سَنَدُهُ: فَالْكِتَابُ الّذِي تَصَدّيْنَا لَهُ مِنْ السّيَرِ هُوَ مَا حَدّثَنَا بِهِ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَرَبِيّ سَمَاعًا عَلَيْهِ قَالَ: ثِنَا أَبُو الْحَسَنِ الْقَرَافِيّ الشّافِعِيّ، قَالَ: ثِنَا أَبُو مُحَمّدِ بْنُ النّحّاسِ، قَالَ: ثِنَا أَبُو مُحَمّدِ عَبْدُ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: عَبْدِ الرّحِيمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، بْنِ عَبْدِ الرّحِيمِ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ الزّهْرِيّ «3» الْبَرْقِيّ، عَنْ أَبِي مُحَمّدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ، وَحَدّثَنَا بِهِ أَيْضًا- سَمَاعًا عَلَيْهِ- أَبُو مَرْوَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بُونُهْ الْقُرَشِيّ الْعَبْدَرِيّ عَنْ أَبِي بَحْرٍ سُفْيَانَ بْنِ الْعَاصِ الْأَسَدِيّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، هِشَامِ بْنِ أَحْمَدَ الْكِنَانِيّ. وَحَدّثَنِي بِهِ أَيْضًا أَبُو مروان، عن أبى بكر بن بر آل، عَنْ أَبِي عُمَرَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمّدٍ الْمُقْرِي الطّلَمَنْكِيّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَوْنِ اللهِ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُحَمّدِ بْنِ الورد عن البرقى عن ابن هشام.

_ (1) تصغير كنف، وهو وعاء الراعى الذى يجعل فيه آلته. وهو يشير إلى ما قاله عمر بن الخطاب عن ابن مسعود: كنيف ملئ علما. (2) قال هذا لأنه كان كفيف البصر. كفّ فى السابعة عشرة. (3) فى السند اضطراب.

ترجمة ابن إسحاق:

وَحَدّثَنِي بِهِ أَيْضًا- سَمَاعًا وَإِجَازَةً- أَبُو بَكْرِ مُحَمّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْإِشْبِيلِيّ عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ، عَنْ أَبِي عُمَرَ النّمَرِيّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَشْيَاخِهِ عَنْ الطّلَمَنْكِيّ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّمِ. تَرْجَمَةُ ابْنِ إسْحَاقَ: (فَصْلٌ) وَنَبْدَأُ بِالتّعْرِيفِ بِمُؤَلّفِ الْكِتَابِ، وَهُوَ: أبو بكر محمد بْنُ إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ الْمُطّلِبِيّ بِالْوَلَاءِ؛ لِأَنّ وَلَاءَهُ لِقَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ جَدّهُ يَسَارٌ مِنْ سَبْيِ عَيْنِ التّمْرِ «1» ، سَبَاهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. وَمُحَمّدُ بْنُ إسْحَاق «2» هَذَا- رَحِمَهُ اللهُ- ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَمّا فِي الْمَغَازِي وَالسّيَرِ، فَلَا تُجْهَلُ إمَامَتُهُ فِيهَا. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ «3» : مَنْ أَرَادَ الْمَغَازِيَ، فَعَلَيْهِ بِابْنِ إسحق. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي التّارِيخِ، وَذَكَرَ عَنْ سُفْيَانَ بن

_ (1) عين التّمر فتحها المسلمون سنة 12 هـ. (2) قال عنه ابن شهاب: لا يزال بالمدينة علم جمّ ما كان فيها ابن إسحاق، وقال أحمد: حسن الحديث، وقال البخارى: رأيت على بن عبد الله يحتج به وقال ابن نمير: كان يرمى بالقدر. إذا حدث عن المعروفين، فهو حسن الحديث صدوق، وقال يعقوب بن شبه: لم أر لابن إسحاق إلا حديثين منكرين، ووثقه العجلى وابن سعد: تهذيب الكمال. (3) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله كان إماما حجة فى الفقه والحديث بصيرا بالقرآن. مات سنة 125 وقال أبو بكر بن أبى شيبة: أصح الأسانيد: الزهرى عن عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ على. وقال البخارى: أصحها الزهرى عن سالم عن أبيه.

عينيه «1» أَنّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكْت أَحَدًا يَتّهِمُ ابْنَ إسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ، وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجّاجِ أَنّهُ قَالَ: ابْنُ إسْحَاقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي: فِي الْحَدِيثِ، وَذَكَرَ أَبُو يَحْيَى السّاجِيّ- رَحِمَهُ اللهُ- بِإِسْنَادِ لَهُ عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: خَرَجَ إلَى قَرْيَتِهِ بَاذَامَ، فَخَرَجَ إلَيْهِ طُلّابُ الْحَدِيثِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَيْنَ أَنْتُمْ مِنْ الْغُلَامِ الْأَحْوَلِ: أوَ: قَدْ خَلّفْت فِيكُمْ الْغُلَامَ الْأَحْوَلَ يَعْنِي: ابْنَ إسْحَاقَ، وَذَكَرَ السّاجِيّ أَيْضًا قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الزّهْرِيّ يَلْجَئُونَ إلَى مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ فِيمَا شَكّوا فِيهِ مِنْ حَدِيثِ الزّهْرِيّ، ثِقَةً مِنْهُمْ بِحِفْظِهِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ السّاجِيّ نَقَلْته مِنْ حِفْظِي، لَا مِنْ كِتَابٍ. وَذَكَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطّانِ أَنّهُمْ وَثّقُوا ابْنَ إسْحَاقَ، وَاحْتَجّوا بِحَدِيثِهِ، وَذَكَرَ عَلِيّ بن عمر الدار قطنى فِي السّنَنِ حَدِيثَ الْقُلّتَيْنِ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ «2» ، وَمَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ، ثُمّ قَالَ فِي حَدِيثٍ جَرَى: وَهَذَا يَدُلّ عَلَى حِفْظِ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ، وَشِدّةِ إتْقَانِهِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَإِنّمَا لَمْ يُخْرِجْ الْبُخَارِيّ عَنْهُ، وَقَدْ وَثّقَهُ، وَكَذَلِكَ وثّقه مسلم

_ (1) كان إماما فى علوم القرآن والسنة وحديث الحجازيين، ثقة حجة، ولكنه تغير فى آخر عمره، انتقل من الكوفة إلى مكة ومات بها سنة 198 هـ ودفن بالحجون. (2) يشير إلى الحديث: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» رواه الخمسة والشافعى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدار قطنى والبيهقى، وفى الحديث اضطراب فى الإسناد وفى المتن. قال ابن عبد البر فى التمهيد عن مذهب الشافعى فى الحديث: إنه ضعيف من جهة النظر غير ثابت من جهة الأثر، لأنه حديث تكلم فيه جماعة من أهل العلم، ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما فى أثر ثابت ولا إجماع.

ابن الْحَجّاجِ، وَلَمْ يُخْرِجْ عَنْهُ أَيْضًا إلّا حَدِيثًا وَاحِدًا فِي الرّجْمِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِيهِ، مِنْ أَجْلِ طَعْنِ مَالِكٍ فِيهِ، وَإِنّمَا طَعَنَ فِيهِ مَالِكٌ- فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللهُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ إدْرِيسَ الْأَوْدِيّ- لِأَنّهُ بَلَغَهُ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ قَالَ: هَاتُوا حَدِيثَ مَالِكٍ، فَأَنَا طَبِيبٌ بِعِلَلِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: وَمَا ابْنُ إسْحَاقَ؟! إنّمَا هُوَ دَجّالٌ مِنْ الدّجَاجِلَةِ، نَحْنُ أَخْرَجْنَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، يُشِيرُ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- إلَى أَنّ الدّجّالَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ «1» . قَالَ ابْنُ إدْرِيسَ: وَمَا عَرَفْت أَنّ دّجال! يجمع على دجاجلة، حتى سمعتها من مَالِكٍ، وَذَكَرَ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ مَاتَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَقَدْ أَدْرَكَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ مَالِكٌ، رَوَى حَدِيثًا كَثِيرًا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ «2» ، وَمَالِكٌ إنّمَا يُرْوَى عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ ثَابِتٍ فِي تَارِيخِهِ- فِيمَا ذَكَرَ لِي عَنْهُ- أَنّهُ- يَعْنِي ابْنَ إسْحَاقَ- رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، وَالصّبْيَانُ خَلْفَهُ يَشْتَدّونَ «3» ، وَيَقُولُونَ: هَذَا صَاحِبُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يَمُوتُ حَتّى يَلْقَى الدّجّالَ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَيْضًا أَنّهُ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ.

_ (1) يشير إلى حديث ورد فى مسلم، وقد جاء فيه على لسان الدجال أن طيبة- أى المدينة- ومكة محرمتان عليه. (2) أبو عبد الله المدنى أحد العلماء المشاهير. يروى عن أنس عن جابر عن عائشة فى الترمذى والنسائى فى سننه. قال ابن سعد: كان ففيها محدثا، وقال أحمد: يروى أحاديث منكرة، ووثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائى وابن خراش توفى سنة 120 هـ. (3) يسرعون.

رواة الكتاب عن ابن إسحاق:

وَذَكَرَ أَنّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيّ شَيْخَ مَالِكٍ رَوَى عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَ: وَرَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ، وَالْحَمّادَانِ: حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ بن دينار، وحماد ابن زَيْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، وَشُعْبَةُ. وَذَكَرَ عَنْ الشّافِعِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنّهُ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحّرَ فِي الْمَغَازِي، فَهُوَ عِيَالٌ عَلَى مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ، فَهَذَا مَا بَلَغَنَا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ- رَحِمَهُ اللهُ. رُوَاةُ الْكِتَابِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ: وَأَمّا الرّوَاةُ الّذِينَ رَوَوْا هَذَا الْكِتَابَ عَنْهُ فَكَثِيرٌ. مِنْهُمْ: يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ الشّيْبَانِيّ، وَمُحَمّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، وَالْبَكّائِيّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسَدِيّ، وَغَيْرُهُمْ. وَنَذْكُرُ الْبَكّائِيّ «1» لِأَنّهُ شَيْخُ ابْنِ هِشَامٍ، وَهُوَ: أَبُو مُحَمّدٍ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ طُفَيْلِ بْنِ عَامِرٍ الْقَيْسِيّ الْعَامِرِيّ، مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْبَكّاءِ، وَاسْمُ الْبَكّاءِ: رَبِيعَةُ، وَسُمّيَ الْبُكَاءَ لِخَبَرِ يَسْمُجُ ذِكْرُهُ، كَذَلِكَ ذَكَرَ بَعْضُ النّسّابِينَ. وَالْبَكّائِيّ هَذَا ثِقَةٌ، خَرّجَ عَنْهُ الْبُخَارِيّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ، وَخَرّجَ عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَحَسْبُك بِهَذَا تَزْكِيَةً. وَقَدْ رَوَى زِيَادٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطّوِيلِ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ فِي التّارِيخِ عَنْ وَكِيعٍ قَالَ: زِيَادٌ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ فِي الْحَدِيثِ، وَوَهِمَ التّرمذىّ

_ (1) تركه ابن المدينى، وضعفه النسائى وابن سعد. وقال: ولكنه أثبت الناس فى سيرة ابن إسحاق، وقال أحمد: ليس به بأس. قال ابن عدى: ما أرى بروايته بأسا، وقال أبو زرعة: صدوق. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. مات سنة 183 هـ كما ذكر ابن سعد.

فَقَالَ فِي كِتَابِهِ عَنْ الْبُخَارِيّ: قَالَ: قَالَ وَكِيعٌ: زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ- عَلَى شَرَفِهِ- يَكْذِبُ فِي الْحَدِيثِ، وَهَذَا وَهْمٌ، وَلَمْ يَقُلْ وَكِيعٌ فِيهِ إلّا مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخِهِ، وَلَوْ رَمَاهُ وَكِيعٌ بِالْكَذِبِ مَا خَرّجَ الْبُخَارِيّ عَنْهُ حَدِيثًا، وَلَا مُسْلِمٌ، كَمَا لَمْ يُخَرّجَا عَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ «1» لَمّا رَمَاهُ الشّعْبِيّ بِالْكَذِبِ، وَلَا عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيّاشٍ «2» لَمّا رَمَاهُ شُعْبَةُ بِالْكَذِبِ، وَهُوَ كُوفِيّ تُوُفّيَ سنة ثلاث وثمانين ومائة.

_ (1) هو الحارث بن عبد الله الهمدانى الحوتى أبو زهير الكوفى الأعور أحد كبار الشيعة. قال الشعبى وابن المدينى: كذاب، وقال ابن معين فى رواية والنسائى: ليس به بأس، وقال أبو حاتم والنسائى فى رواية: ليس بالقوى. وقال ابن معين فى رواية: ضعيف توفى سنة 165 هـ. (2) هو فيروز أو دينار العبدى ولاء أبو إسماعيل البصرى. قال أحمد وابن معين: متروك. مات سنة 140 هـ.

"ذكر سرد النسب الزكى"

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وبه نستعين الحمد لله رَبّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيّدِنَا مُحَمّدٍ وَآلِهِ أجمعين [ «ذِكْرُ سَرْدِ النّسَبِ الزّكِيّ» ] «مِنْ مُحَمّدٍ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- إلَى آدَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ» قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هشام: هَذَا كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ- صّلى اللهُ عليه وآله وسلم- محمد بن عبد الله ابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَاسْمُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: شَيْبَةُ بْنُ هاشم، واسم هاشم: عمرو بن ـــــــــــــــــــــــــــــ تَرْجَمَةُ ابْنِ هِشَامٍ: وَأَمّا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، فَمَشْهُورٌ بِحَمْلِ الْعِلْمِ، مُتَقَدّمٌ فِي عِلْمِ النّسَبِ وَالنّحْوِ، وَهُوَ حِمْيَرِيّ مَعَافِرِيّ مِنْ مِصْرَ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْبَصْرَةِ، وَتُوُفّيَ بِمِصْرِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَهُ كِتَابٌ فِي أَنْسَابِ حِمْيَرَ وَمُلُوكِهَا، وَكِتَابٌ فِي شَرْحِ مَا وَقَعَ فِي أَشْعَارِ السّيَرِ مِنْ الْغَرِيبِ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- وَالْحَمْدُ لِلّهِ كَثِيرًا، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى نَبِيّهِ مُحَمّدٍ وسلامه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَفْسِيرُ نَسَبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ بِمَا أُبْهِمَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ «1» مَعَانِيَ بَدِيعَةً، وَحِكْمَةً مِنْ اللهِ بَالِغَةً فِي تَخْصِيصِ نَبِيّهِ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ: مُحَمّدٍ وَأَحْمَدَ، فَلْتَنْظُرْ هُنَاكَ، وَلَعَلّنَا أَنْ نَعُودَ إلَيْهِ فِي بَابِ مَوْلِدِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. عَبْدُ الْمُطّلِبِ: وَأَمّا جَدّهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، فَاسْمُهُ عَامِرٌ فِي قَوْلِ ابْنِ قُتَيْبَةَ «2» ، وَشَيْبَةُ فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ «3» وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الصّحِيحُ. وَقِيلَ: سُمّيَ شَيْبَةُ لِأَنّهُ وُلِدَ، وَفِي رَأْسِهِ شَيْبَةٌ «4» ، وَأَمّا غَيْرُهُ مِنْ الْعَرَبِ مِمّنْ اسْمُهُ شَيْبَةُ، فَإِنّمَا قصد فى تسميتهم

_ (1) فى نكت الهميان للصفدى: والأعلام. (2) ذكر رأيه هذا فى كتابه المعارف، وتابعه عليه صاحب القاموس المجد الشيرازى. (3) وكذلك ذكر ابن دريد فى الاشتقاق، والطبرى فى تاريخه. وذكر ابن دريد: أنه مشتق من قولهم: شاب شيبة حسنة، وشيبا حسنا. ثم قال: وأحسب أن اشتقاق الشيب من اختلاط البياض بالسواد من قولهم: شبت الشئ بالشئ أشوبه شوبا إذا خلطته. (4) وهو رأى القسطلانى فى المواهب اللدنية، وقد جزم به فى شرحه للبخارى. ويذكر شارح المواهب أن أباه أوصى أمه بذلك. ثم ذكر تعليلا لإضافة شيبة إلى الحمد: إنه رجاء أن يكبر ويشيخ، ويكثر حمد الناس له. ويقول الطبرى عن سبب تسميته بشيبة: كان فى رأسه شيبة. ويقول ابن دريد أن المطلب أصله مطتلب على وزن مفتعل بكسر العين، وأن اشتقاقه من الطلب، ويقول القسطلانى فى المواهب: وإنما قيل له عبد المطلب؛ لأن أباه هاشما قال لأخيه-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِهَذَا الِاسْمِ التّفَاؤُلُ لَهُمْ، بِبُلُوغِ سِنّ الْحُنْكَةِ «1» وَالرّأْيِ، كَمَا سُمّوا بِهَرِمِ وَكَبِيرٍ، وَعَاشَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً «2» وَكَانَ لِدَةَ «3» عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ الشّاعِرِ، غَيْرَ أَنّ عُبَيْدًا مَاتَ قبله بعشرين سنة، قتله المنذر أبو النّعان بْنُ الْمُنْذِرِ، وَيُقَالُ: إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ أَوّلُ مَنْ خَضّبَ بِالسّوَادِ مِنْ الْعَرَبِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ سَبَبَ تَلْقِيبِهِ بِعَبْدِ المطلب. والمطلب مفتعل مز الطّلَبِ. هَاشِمٌ: وَأَمّا هَاشِمٌ فَعَمْرٌ- كَمَا ذُكِرَ- وَهُوَ اسْمٌ مَنْقُولٌ مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ. من

_ المطلب- وهو بمكة حين حضرته الوفاة: أدرك عبدك، ويذكر الزرقانى فى شرحه للمواهب: إنه قال ذلك استعطافا، أو على عادة العرب فى قولهم لليتيم المربى فى حجر شخص: عبده، فسماه عبدا باعتبار الأول، لأنه رأى نفسه محتضرا، وأنه لا يقوم على ابنه غيره، وذكر القسطلانى وشارح المواهب رأيا آخر فى سبب تسميته بهذا وهو: أن عمه المطلب جاء به إلى مكة رديفه، وهو بهيئة رثة، فكان يسئل عنه، فيقول: هو عبدى. حياء من أن يقول: ابن أخى. فلما أدخله مكة وأحسن من حاله. أظهر أنه ابن أخيه. وذكر الزرقانى فى شرحه للمواهب: إنه سمى بهذا، لأن أباه لما مات بغزة، وكان خرج إليها تاجرا وترك أمه بالمدينة، فأقامت عند أهلها من الخزرج، فكبر عبد المطلب، فجاء عمه المطلب، فأخذه، ودخل به مكة، فرآه الناس مردفه، فقالوا: هذا عبد المطلب، فغلبت عليه، وإلى الرأى الثانى ذهب الطبرى فى قصة طويلة. (1) التجربة والبصر بالأمور. (2) كذلك ذكر عالم النسب الزبير بن بكار، وحكاه ابن سيد الناس عن أبى الربيع عنه، وحكاه مغلطاى، وتبعه القسطلانى فى شرحه للبخارى. وقيل إنه عاش 120 سنة. (3) اللّدة «بكسر اللام وفتح الدال» من ولد معك فى وقت واحد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْعَمْرِ الّذِي هُوَ الْعُمْرُ، أَوْ الْعَمْرِ الّذِي هُوَ مِنْ عُمُورِ الْأَسْنَانِ، وَقَالَهُ الْقُتَبِيّ: أَوْ الْعَمَرِ الّذِي هُوَ طَرَفُ الْكُمّ، يُقَالُ: سَجَدَ عَلَى عَمَرَيْهِ أَيْ: عَلَى كُمّيْهِ، أَوْ الْعَمْرِ الّذِي هُوَ الْقُرْطُ، كَمَا قَالَ التّنّوخِيّ: وَعَمْرُو هِنْدٍ كَأَنّ اللهَ صَوّرَهُ ... عَمْرَو «1» بْنَ هِنْدٍ يَسُومُ النّاسَ تَعْنِيتَا وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهًا خَامِسًا، فَقَالَ فِي الْعُمْرِ الّذِي هُوَ اسْمٌ لِنَخْلِ السّكّرِ، وَيُقَالُ فِيهِ عَمْرٌ أَيْضًا، قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ الْوُجُوهِ الّتِي بِهَا سُمّيَ الرّجُلُ: عَمْرًا وَقَالَ: كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَسْتَاكُ بِعَسِيبِ «2» الْعُمْرِ. عَبْدُ مَنَافٍ: وَعَبْدُ مَنَافٍ اسْمُهُ: الْمُغِيرَةُ- كَمَا ذُكِرَ- وَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ الْوَصْفِ، وَالْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ: إنّهُ مُغِيرٌ عَلَى الْأَعْدَاءِ أَوْ مُغِيرٌ مِنْ أَغَارَ الْحَبْلَ، إذَا أَحْكَمَهُ، وَدَخَلَتْهُ الْهَاءُ، كَمَا دَخَلَتْ فِي عَلّامَةٍ وَنَسّابَةٍ؛ لِأَنّهُمْ قَصَدُوا قَصْدَ الْغَايَةِ، وَأَجْرَوْهُ مَجْرَى الطّامّةِ وَالدّاهِيَةِ، وَكَانَتْ الْهَاءُ أَوْلَى بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنّ مَخْرَجَهَا غَايَةُ الصّوْتِ، وَمُنْتَهَاهُ، وَمِنْ ثَمّ لَمْ يُكَسّرْ مَا كَانَتْ فِيهِ هذه الهاء، فيقال فى

_ (1) يقول إن قرط هند مثل عمرو بن هند أحد الملوك فى الجاهلية. (2) العسيب: جريدة النخل المستقيمة يكشط خوصها. وما لم ينبت عليه الخوص. وقد ذكر ابن دريد فى الاشتقاق كثيرا مما قيل هنا. كما ذكر أن هاشما سمى بهذا لهشمه الخبز للثريد. وقال الطبرى: «وإنما قيل له هاشم، لأنه أول من هشم الثريد لقومه بمكة وأطعمه» ، وفيه قال الشاعر: عمرو الذى هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف وإليه ذهب القسطلانى فى المواهب وغيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلّامَةٍ: عَلَالِيمُ، وَفِي نَسّابَةٍ: نَسَاسِيبُ؛ كَيْ لَا يَذْهَبَ اللّفْظُ الدّالّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، كَمَا لَمْ يُكَسّرْ الِاسْمُ الْمُصَغّرُ؛ كَيْ لَا تَذْهَبَ بِنْيَةُ التّصْغِيرِ وَعَلَامَتُهُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي مُغِيرَةَ لِلتّأْنِيثِ، وَيَكُونُ مَنْقُولًا مِنْ وَصْفِ كَتِيبَةٍ، أَوْ خَيْلٍ مُغِيرَةٍ، كَمَا سُمّوا بِعَسْكَرِ. وَعَبْدُ مَنَافٍ هَذَا كَانَ يُلَقّبُ قَمَرَ الْبَطْحَاءِ- فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ «1» - وَكَانَتْ أُمّهُ حُبّى قَدْ أَخْدَمَتْهُ مَنَاةَ «2» ، وَكَانَ صَنَمًا عَظِيمًا لَهُمْ، وَكَانَ سُمّيَ بِهِ عَبْدُ مَنَاةَ، ثُمّ نَظَرَ قُصَيّ فَرَآهُ يُوَافِقُ عَبْدَ مَنَاةَ بْنَ كِنَانَةَ، فَحَوّلَهُ: عَبْدَ مَنَافٍ. ذَكَرَهُ الْبَرْقِيّ وَالزّبَيْرُ أَيْضًا، وَفِي الْمُعَيْطِيّ عن أبى نعيم قال: قت لِمَالِكِ: مَا كَانَ اسْمُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؟ قَالَ: شَيْبَةُ. قُلْت: فَهَاشِمٌ؟ قَالَ: عَمْرٌو، قُلْت: فَعَبْدُ مَنَافٍ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي «3» . َقُصَيّ: وَقُصَيّ اسْمُهُ: زَيْدٌ، وَهُوَ تَصْغِيرُ قَصِيّ أَيْ: بَعِيدٌ لِأَنّهُ بَعُدَ عَنْ عَشِيرَتِهِ فِي بِلَادِ قُضَاعَةَ حِينَ احْتَمَلَتْهُ أُمّهُ فَاطِمَةُ مَعَ رَابّهِ «4» رَبِيعَةَ بْنِ حرام، على

_ (1) انظر ص 181 ج 2 المطبعة الحسينية تاريخ الطبرى. (2) جعلته خادما له. (3) ويقول ابن دريد فى الاشتقاق: «ومناف: صنم. واشتقاقه من ناف ينوف، وأناف ينيف إذا ارتفع وعلا. والنوف: السنام، وبه سمى الرجل: نوفا ... واسم عبد مناف: المغيرة، والمغيرة: الخيل تغير على القوم، وفى التنزيل: (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) العاديات: 3. والمغيرة: مفعلة من الغارة.. يقال: أغار الرجل على القوم يغير إغارة، والاسم الغارة، وموضع الغارة: مغار. ويقال: أغرت الحبل أغيره إغارة إذا شددت فتله. ويقال: غرت أهلى أغيرهم غيرة إذا مرتهم من الميرة «الميرة: الطعام يجمع للسفر» انظر ص 16 وما بعدها: الاشتقاق لابن دريد مطبعة السنة المحمدية. (4) الرابّ: زوج الأم يربى ابنها من غيره.

عَبْدِ مَنَافٍ، وَاسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ: الْمُغِيرَةُ بْنُ قصىّ، بن كلاب، بن مرّة ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْكِتَابِ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- وَصُغّرَ عَلَى فُعَيْلٍ وَهُوَ تَصْغِيرُ فَعِيلٍ «1» ، لِأَنّهُمْ كَرِهُوا اجْتِمَاعَ ثَلَاثِ يَاءَاتٍ، فَحَذَفُوا إحْدَاهُنّ وَهِيَ الْيَاءُ الزّائِدَةُ الثّانِيَةُ الّتِي تَكُونُ فِي فَعِيلٍ نَحْوَ قَضِيبٍ، فَبَقِيَ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ لَامَ الْفِعْلِ، فَيَكُونُ وَزْنُهُ فُعَيّا، وَتَكُونُ يَاءُ التّصْغِيرِ هِيَ الْبَاقِيَةَ مَعَ الزّائِدَةِ، فَقَدْ جَاءَ مَا هُوَ أَبْلَغُ فِي الْحَذْفِ مِنْ هَذَا، وَهِيَ قِرَاءَةُ قُنْبُلٍ: يَا بُنَيْ بِبَقَاءِ يَاءِ التّصْغِيرِ وَحْدَهَا، وَأَمّا قِرَاءَةُ حَفْصٍ يَا بُنَيّ فَإِنّمَا هِيَ يَاءُ التّصْغِيرِ مَعَ يَاءِ الْمُتَكَلّمِ، وَلَامُ الْفِعْلِ مَحْذُوفَةٌ، فَكَانَ وَزْنُهُ فُعَيّ وَمَنْ كَسَرَ الْيَاءَ: قَالَ يَا بُنَيّ فَوَزْنُهُ: يَا فُعَيْل، وَيَاءُ المتكلم هى المحذوفة فى هذه القراءة «2» .

_ (1) قال ابن دريد: «وقصى تصغير قاص، وإنما سمى قصيا، لأنه قصا عن قومه، فكان فى بنى عذرة مع أخيه لأمه: يقال قصا الرجل يقصو قصوا.. واسم قصى: زيد.. وزيد مصدر من زاد الشئ يزيد زيدا» . ويذكر الطبرى أن كلابا والد قصى هلك بعد أن أنجب زهرة وزيدا- أى قصيا-، فتزوجت بربيعة بن حرام- وزهرة رجل- وزيد فطيم، فاحتملها إلى بلاده من أرض بنى عذرة من أشراف الشام، فاحتملت معها زيدا لصغره، وتخلف زهرة فى قوم.. وشب زيد فى حجر ربيعة، فنسمى زيد. قصيا لبعد داره عن دار قومه «الطبرى ص 81 ج 2. (2) ويقول العكبرى فى إعراب يا بنى- ابن نوح- من سورة هود «يا بنى يقرأ بكسر الياء، وأصله. بنيى بياء التصغير وياء هى لام الكلمة، وأصلها واو عند قوم، وياء عند آخرين، والياء الثالثة: ياء المتكلم، ولكنها حذفت لدلالة الكسرة عليها فرارا من توالى الياءات، ولأن النداء موضع تخفيف، وقيل حذفت من اللفظ لالتقائها مع الراء فى اركب، ويقرأ بالفتح- أى فتح الياء- وفيه-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كِلَابٌ: وَأَمّا كِلَابٌ فَهُوَ مَنْقُولٌ: إمّا مِنْ الْمَصْدَرِ الّذِي هُوَ مَعْنَى الْمُكَالَبَةِ نَحْوَ: كَالَبْت الْعَدُوّ مُكَالَبَةً وَكِلَابًا، وَإِمّا مِنْ الْكِلَابِ جَمْعُ كَلْبٍ، لِأَنّهُمْ يُرِيدُونَ الْكَثْرَةَ، كَمَا سَمّوْا بِسِبَاعِ وأنمار «1» . وقيل لأبى الرّقيش [الكلابى] «2»

_ وجهان أحدهما: أنه أبدل الكسرة فتحة، فانقلبت ياء الإضافة ألفا، ثم حذفت الألف، كما حذفت الياء مع الكسرة لأنها أصلها، والثانى أن الألف حذفت من اللفظ لالتقاء الساكنين. ويقول البيضاوى فى تفسير قوله سبحانه: (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) : «الجمهور كسروا الياء، لتدل على ياء الإضافة المحذوفة فى جميع القرآن غير ابن كثير؛ فإنه وقف عليها فى لقمان فى الموضع الأول باتفاق الرواة، وفى الثالث فى رواية قنبل وعاصم فإنه فتح ههنا اقتصارا على الفتح من الألف المبدلة من ياء الإضافة» وأقول: إذا أضيف المختوم بياء مشددة إلى ياء المتكلم تجمعت فيه ثلاث ياءات متوالية. وهذا ممنوع فى الغالب. ولهذا يكون لمثل هذا الاسم ثلاث أحوال: حذف ياء المتكلم مع بقاء ما قبلها مكسورا فى كل حال؛ لتكون الكسرة دليلا على الياء المحذوفة. والحال الثانية: قلب ياء المتكلم ألفا، ثم تحذف الألف مع فتح ما قبلها ليكون الفتح دليلا عليها. والحال الأخيرة: حذف إحدى الياءين الأوليين وإدغام الثانية فى ياء المتكلم، فتنشأ ياء مشددة مكونة من ياءين، أولاهما: ساكنة، والأخرى وهى ياء المتكلم مفتوحة، وصورة هذه كتلك السابقة. ويفضل النحاة الاقنصار على الحال الأولى. وإسكان الياء من بنى قراءة شاذة «شواذ القرآن لابن خالويه، ص 60. (1) فى القاموس: المكالبة: المشارة والمضايقة. يقول ابن دريد: «وأهل الحجاز يسمون الجرئ الذى يخاصم الناس: مكالبا» . (2) الزيادة من القلائد للقلقشندى وهو الدقيش. فى اللسان: الدقشة «بفتح-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَعْرَابِيّ: لِمَ تُسَمّونَ أَبْنَاءَكُمْ بِشَرّ الْأَسْمَاءِ نَحْوَ: كَلْبٍ وَذِئْبٍ، وَعَبِيدَكُمْ بِأَحْسَنِ الْأَسْمَاءِ نَحْوَ: مَرْزُوقٍ وَرَبَاحٍ؟ فَقَالَ: إنّمَا نُسَمّي أَبْنَاءَنَا لِأَعْدَائِنَا، وَعَبِيدَنَا لِأَنْفُسِنَا، يُرِيدُ أَنّ الْأَبْنَاءَ عُدّةُ الْأَعْدَاءِ «1» ، وَسِهَامٌ فِي نُحُورِهِمْ، فَاخْتَارُوا لَهُمْ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ. مُرّة: وَمُرّةُ مَنْقُولٌ مِنْ وَصْفِ الْحَنْظَلَةِ وَالْعَلْقَمَةِ، وَكَثِيرًا مَا يُسَمّونَ بِحَنْظَلَةَ وَعَلْقَمَةَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، فَيَكُونُ مَنْقُولًا مِنْ وَصْفِ الرّجُلِ بِالْمَرَارَةِ، وَيُقَوّي هَذَا قَوْلُهُمْ: تَمِيمُ بْنُ مُرّ، وَأَحْسَبُهُ مِنْ الْمُسَمّيْنَ بِالنّبَاتِ، لِأَنّ أَبَا حَنِيفَةَ ذَكَرَ أَنّ الْمُرّةَ بَقْلَةٌ تُقْلَعُ، فَتُؤْكَلُ بِالْخَلّ والزيت يشبه ورقها ورق الهندباء «2» .

_ الدال وسكون القاف وفتح الشين: دويبة رقشاء، وقيل: رقطاء أصغر من العظاءة. وأبو الدقيش كنية. قال الأزهرى: أبو الدقيش كنية. واسمه: الدّقش. قال يونس: سألت أبا الدقيش: ما الدقش؟ فقال: لا أدرى. قلت: ما الدقيش؟ فقال: ولا هذا. قلت: فاكتنيت بما لا تعرف ما هو؟!، قال: إنما الكنى والأسماء علامات» وفى القاموس: الدّقشة بالفتح: دويبة رقطاء «أى سوداء يشوبها نقط بياض» أصغر من القطاة، أو طائر أرقش. «أى فيه نقط بياض وسواد» . والدّقش كالنقش وفى حياة الحيوان للدميرى: «الّدقيش بضم الدال وفتح القاف. طائر صغير أصغر من الصّرد. وتسميه العامة الدقناش» أقول: والصرد طائر أكبر من العصفور ضخم الرأس والمنقار يصيد صغار الحشرات، ولم أجد الرقيش. (1) فى القلائد للقلقشندى «معدة للأعداء» : ص 22 (2) فى القاموس: والمرة بالضم شجرة أو بقلة. والهندباء أو الهندبا-

بن كعب بن لؤىّ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ بْنِ كنانة بن خزيمة ـــــــــــــــــــــــــــــ كَعْبٌ: وَأَمّا كَعْبٌ فَمَنْقُولٌ إمّا مِنْ الْكَعْبِ الّذِي هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ السّمْنِ «1» ، أَوْ مِنْ كَعْبِ الْقَدَمِ وَهُوَ عِنْدِي أَشْبَهُ، لِقَوْلِهِمْ: ثَبَتَ ثُبُوتَ الْكَعْبِ، وَجَاءَ فِي خَبَرِ ابْنِ الزّبَيْرِ أَنّهُ كَانَ يُصَلّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ يَوْمَ قُتِلَ، وَحِجَارَةُ الْمَنْجَنِيقِ «2» تَمُرّ بِأُذُنَيْهِ، وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ كأنه كعب راتب «3» . وكعب ابن لُؤَيّ هَذَا أَوّلُ مَنْ جَمَعَ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ ولم تسمّ العروبة «4» .

_ بكسر الهاء وفتح الدال أو كسرها: بقل زراعى معروف حولىّ من الفصيلة المركبة، يطبخ ورقه أو تخلط به «السّلطة» وهو عند باعة الخضروات. (1) فى القاموس «كتلة من السمن، وقدر صبّة من اللبن وفى الاشتقاق لابن دريد: بقية السمن فى النحى. (2) آلة قديمة من آلات الحصار كانت ترمى بها حجارة ثقيلة على الأسوار؛ فتهدمها وهى مؤنثة معرّبة. (3) أى ثابت. (4) كان يوم الجمعة يسمى فى الجاهلية يوم العروبة، وقد ذكر فى تسميته بيوم الجمعة عدة أقوال، منها: ما ذكر هنا، ومنها ما أخرجه عبد بن حميد عن ابن سيرين بسند صحيح إليه فى قصة تجميع الأنصار مع أسعد بن زرارة، فصلى بهم، وذكرهم، فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه، وقيل: سمى بهذا لاجتماع الناس للصلاة فيه، وبهذا جزم ابن حزم، وقال: إنه اسم إسلامى لم يكن فى الجاهلية، ورد الحافظ بأن أهل اللغة قالوا: إن العروبة اسم قديم كان للجاهلية، وقالوا فى الجمعة: هو يوم العروبة، فالظاهر أنهم غيروا الأسماء لسبعة الأيام- وكانت تسمى: (أول، أهون، جبار، دبار، مؤنس، عروبة، شيار) وذكر الجوهرى أن العرب كانت تسمى يوم الاثنين أهون، وهذا يشعر بأنهم أحدثوا لها أسماء وهى هذه المتعارفة كالسبت والأحد ودبار بضم الدال وكسرها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْجُمُعَةَ إلّا مُنْذُ جَاءَ الْإِسْلَامُ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَقِيلَ هُوَ أَوّلُ مَنْ سَمّاهَا الْجُمُعَةَ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَجْتَمِعُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَيَخْطُبُهُمْ «1» وَيُذَكّرُهُمْ بِمَبْعَثِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» - وَيُعْلِمُهُمْ أَنّهُ مِنْ وَلَدِهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِاتّبَاعِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَيَنْشُدُ فِي هَذَا أَبْيَاتًا مِنْهَا قوله: باليتنى شاهد فحواء دعوته ... إذا قريش تبغي الحق خذلانا «3»

_ (1) وذكر مثل هذا الزبير فى كتاب النسب، وبه جزم الفراء، وغيره. وقيل إن قصيا هو الذى كان يجمعهم، ذكره ثعلب فى أماليه. (2) التعبير الدقيق الذى ذكره الزبير فى كتاب النسب «ويأمرهم بتعظيم الحرم، ويخبرهم بأنه سيبعث نبى» وهذا يمكن تصديقه. ففى كتب أهل الكتاب بشارات بنبى يبعث اسمه أحمد. أما من أبوه ومن أيّة قبيلة يكون؟ فهذا ما لم يكن معروفا لأحد بدليل أن محمدا نفسه لم يكن يعرف شيئا عن هذا قبل بعثه فالله يقول له- (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) القصص: 86. ويقول ابن كثير فى تفسيرها (أى ما كنت تظن قبل إنزال الوحى إليك أن الوحى ينزل عليك (إلا رحمة من ربك) أى إنما أنزل الوحى عليك من الله من رحمته بك وبالعباد بسببك) فكيف ننسب إلى كعب بن لؤى أنه كان يعلم ما لم يكن يعلمه الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن نفسه؟! الحق أن مكانة الرسول- صلى الله عليه وسلم- فوق هذا، ولا تحتاج إلى أساطير كهذه لدعمها، فهو بالوحى فوق كل إنسان فى الوجود وإن كان مثلهم فى بشريته. وقد ذكر الزرقانى فى شرحه على المواهب أن ما أورده القسطلانى عن كعب- وهو نفس ما ذكره السهيلى- «قد رواه أبو نعيم فى الدلائل عن كعب الأحبار مطولا. وفى آخره: وكان بين موت كعب ومبعث النبى- صلى الله عليه وسلم- 560 سنة» (3) الفحوى: معنى الكلام ولحنه وفيها لغات ويروى نجواء بدل فحواء، و (حين العشيرة تبغى) بدلا من (إذا-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ كَعْبٍ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ لَهُ. لُؤَيّ: وَأَمّا لُؤَيّ، فَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ هُوَ تَصْغِيرُ اللّأْيِ، وَهُوَ الثّوْرُ الْوَحْشِيّ وَأَنْشَدَ: يَعْتَادُ أَدِحْيَةً بَقَيْنَ بِقَفْرَةِ ... مَيْثَاءَ يَسْكُنُهَا اللّأْيُ وَالْفَرْقَدُ «1» قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: اللّأْيُ هِيَ الْبَقَرَةُ. قَالَ: وَسَمِعْت أَعْرَابِيّا يَقُولُ: بِكَمْ لَاءَكَ هَذِهِ، وَأَنْشَدَ فِي وَصْفِ فَلَاةٍ: كَظَهْرِ اللّأْيِ لَوْ يَبْتَغِي رِيّةً بِهَا ... نَهَارًا لأعيت فى بطون الشّواجن «2»

_ - قريس تبغّى) والمعنى- كما ذكر الزرقانى- (يتمنى إدراك زمن دعوته- صلى الله عليه وسلم- للناس، وقريش يعارضونه، ويطلبون خذلان دينه؛ لينصره ويظهر دينه» (1) يعتاد: ينتاب. الأدحية- وفيها لغات-: أمكنة بيض النعام. ميثاء: لينة سهلة. الفرقد: ولد البقر (2) البيت للطرماح وهو فى اللسان: تبتغى على البناء للمجهول، وعيت بدلا من أعيت. وقد فسره بقوله: هذه الصحراء كظهر بقرة وحشية ليس فيها أكمة ولا وهدة. وفى مكان آخر من اللسان فى مادة لأى: كظهر اللأى لو يبتغى رية بها ... لعنت وشقّت فى بطون الشواجن يبتغى بالبناء للمجهول، وفتح زاء ريّة. ورواه فى مادة ورى. وشجن بروايات مختلفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشّوَاجِنُ: شُعَبُ الْجِبَالِ، وَالرّيّةُ: مَقْلُوبٌ مِنْ وَرَى الزّنْدُ «1» ، وَأَصْلُهُ: وِرْيَةٌ، وَهُوَ الْحُرَاقُ الّذِي يُشْعَلُ بِهِ الشّرَرَةُ مِنْ الزّنْدِ، وَهُوَ عِنْدِي تَصْغِيرُ لَأْيٍ، وَاللّأْيُ: الْبُطْءُ، كَأَنّهُمْ يُرِيدُونَ مَعْنَى الْأَنَاةِ، وَتَرْكِ الْعَجَلَةِ، وَذَلِكَ أَنّي أَلْفَيْته فِي أَشْعَارِ بَدْرٍ مُكَبّرًا عَلَى هَذَا اللّفْظِ فِي شِعْرِ أَبِي أُسَامَةَ، حَيْثُ يَقُولُ: فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ ... وَدُونَكِ مَالِكًا يَا أُمّ عَمْرِو «2» مَعَ مَا جَاءَ فِي بَيْتِ الْحُطَيْئَةِ فِي غَيْرِهِ: أَتَتْ آلَ شَمّاسِ بْنِ لَأْيٍ، وَإِنّمَا ... أَتَاهُمْ بِهَا الْأَحْلَامُ وَالْحَسَبُ الْعِدّ «3» وَقَوْلُهُ أَيْضًا: فَمَاتَتْ أُمّ جَارَةِ آلِ لَأْيٍ ... وَلَكِنْ يَضْمَنُونَ لَهَا قراها

_ (1) ورى الزّند: خرجت ناره، وورى الزّند كذلك وأورى الزّند خرجت ناره وأخرجها. (2) ستأتى القصيدة كاملة فى الشعر الذى قيل فى قتلى بدر من المشركين. والشاهد فيه قوله: بنى لأى يريد: بنى لؤى. (3) البيت فى اللسان والقصيدة فى الأغانى، والحطيئة هو أبو مليكة جرول الشاعر المشهور. كان من أكبر الهجائين والمداحين فى عصره، وصم بدناءة الخلق ورقة الدين، إلا أن شعره طار بذكره. جاء عنه فى مهذب الأغانى: «وهو من فحول الشعراء ومتقدميهم، ومن فصحائهم، متصرف فى جميع فنون الشعر من المدح والهجاء والفخر والنسيب، مجيد فى ذلك أجمع» وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، فأسلم ثم ارتد» والبيت من عيون قصائده فى المدح. والأحلام: جمع حلم: العقل والأناة وضبط النفس. والحسب: ما يعدّه الإنسان من مناقبه أو شرف آبائه، والعدّ: القديم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ [وَالرّاوِيَةُ يَوْمَئِذٍ يُسْتَقَى عَلَيْهَا] أَحَبّ إلَيّ مِنْ شَاءٍ وَلَاءٍ، فَاللّاءُ هَهُنَا جَمْعُ اللّائِي، وَهُوَ الثّوْرُ، مِثْلُ الْبَاقِرِ وَالْجَامِلِ، وَتَوَهّمَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنّ قَوْلَهُ: لَاءٍ مِثْلُ مَاءٍ فَخَطّأَ الرّوَايَةَ، وَقَالَ: إنّمَا هُوَ أَلْآءُ مِثْلُ: أَلْعَاعٍ جَمْعُ لَأْيٍ، وَلَيْسَ الصّوَابُ إلّا مَا تَقَدّمَ، وَأَنّهُ لَاءٍ مِثْلُ جَاءٍ «1» . فِهْرٌ وَغَيْرُهُ: وَأَمّا فِهْرٌ «2» فَقَدْ قِيلَ: إنّهُ لَقَبٌ، وَالْفِهْرُ مِنْ الْحِجَارَةِ: الطّوِيلُ، واسمه

_ (1) ما بين قوسين من اللسان. قال ابن الأثير فى النهاية تعليقا على هذا الحديث: «قال القتيبى- يعنى ابن قتيبة- هكذا رواه نقلة الحديث: لاء بوزن جاء، وإنما هو ألأء بوزن العاع، وهى الثيران، واحدها. لأى بوزن قفا، وجمعه أقفاء يريد: «بعير يستقى عليه يومئذ خير من اقتناء البقر والغنم، كأنه أراد الزراعة لأن أكثر من يقتنى الثيران والغنم الزراعون» . ويقول ابن دريد: (واشتقاق لؤى من أشياء، إما تصغير لواء الجيش وهو ممدود، أو تصغير لوى الرمل (أى ما التوى من الرمل أو منقطعه) وهو مقصور، أو تصغير لأى تقديره: لعى، وهو الثور الوحشى، والّلوى اعوجاج فى ظهر القوس. واللوى: الوجع يعترى البطن، وتقول لويت الرجل دينه ألويه ليّا إذا مطلته. (2) لم يذكر هنا غالبا وهو- كما يقول ابن دريد- فاعل من قولهم: غلب يغلب غلبا. ويقول ابن دريد: الفهر: الحجر الأملس يملأ الكف أو نحوه، وهو مؤنث يدلك على ذلك أنهم صغروا فهرا: فهيرة، وقال الخشى ص 3: يذكر ويؤنث، وخطأ الأصمعى من يؤنثه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قُرَيْشٌ، وَقِيلَ: بَلْ اسْمُهُ فِهْرٌ، وَقُرَيْشٌ لَقَبٌ لَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي الِاخْتِلَافُ فِيهِ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- وَمَالِكٌ وَالنّضْرُ وَكِنَانَةُ لَا إشْكَالَ فِيهَا «1» . خُزَيْمَةُ: وَخُزَيْمَةُ وَالِدُ كِنَانَةَ تَصْغِيرُ خَزَمَةَ، وَهِيَ وَاحِدَةُ الْخَزَمِ «2» ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَصْغِيرَ خَزْمَةَ، وَكِلَاهُمَا مَوْجُودٌ فِي أَسْمَاءِ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ، وَهِيَ الْمَرّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْخَزْمِ، وَهُوَ: شد الشئ وَإِصْلَاحُهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْخَزَمُ مِثْلُ الدّوْمِ تُتّخَذُ مِنْ سَعَفِهِ الْحِبَالُ، وَيُصْنَعُ مِنْ أَسَافِلِهِ خَلَايَا لِلنّحْلِ، وَلَهُ ثَمَرٌ لَا يَأْكُلُهُ النّاسُ، ولكن تألفه الغربان وتستطيبه.

_ (1) مالك فاعل من (ملك) والنضر هو أبو جميع قريش، والنضر: الذهب بعينه، والنضار: الخالص من كل شئ، وربما سمى الذهب: نضارا، وكل شئ استحسن فهو نضير. وابن كنانه: الكنانة: كنانة النّبل إذا كانت من أدم «جلد» فهى كنانة فإن كانت من خشب، فهى جفير، وإن كانت من قطعتين مقرونتين فهى قرن، والكنانة تجمع هذا كله.. وكن كل شئ: ما اكتننت فى ظله. (2) الخزم: شجر تتخذ من لحائه الحبال، وهو خوص الدّوم. وكانت أسفاط النساء تعمل منه. والدّوم: شجر عظام من الفصيلة النخلية يكثر فى صعيد مصر، وفى بلاد العرب وله ثمار فى غلظ التفاحة ذات قشر صلب أحمر، ونواة ضخمة ذات لبّ، وضخام الشجر من كل نوع، ومفرد خزم: خزمة.

ابن مُدْرِكَةَ، وَاسْمُ مُدْرِكَةَ: عَامِرُ بْنُ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ بن أدّ ـــــــــــــــــــــــــــــ مُدْرِكَةُ وَإِلْيَاسُ: وَأَمّا مُدْرِكَةُ «1» فَمَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ، وَإِلْيَاسُ أَبُوهُ، قَالَ فِيهِ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: إلْيَاسُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَجَعَلَهُ مُوَافِقًا لِاسْمِ إلْيَاسَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ فِي اشْتِقَاقِهِ أَقْوَالًا مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ فِعْيَالًا مِنْ الْأَلْسِ «2» ، وَهِيَ الْخَدِيعَةُ وَأَنْشَدَ: مِنْ فَهّةِ الْجَهْلِ وَالْأَلْسَةِ «3» . وَمِنْهَا أَنّ الْأَلْسَ: اخْتِلَاطُ الْعَقْلِ، وَأَنْشَدُوا: إنّي إذًا لَضَعِيفُ الْعَقْلِ مَأْلُوسُ. وَمِنْهَا: أَنّهُ إفْعَالٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ أَلْيَسُ، وَهُوَ الشّجَاعُ الّذِي لَا يَفِرّ. قَالَ الْعَجّاجُ: أَلْيَسُ عَنْ حَوْبَائِهِ سخى «4» .

_ (1) لقب مدركة؛ لأنه أدرك الإبل التى كانت قد ضلت، وهو من أدرك يدرك إدراكا أى: لحق. (2) يقال فيه: ألس- بفتح فكسر- غش وخدع. وألس بضم فكسر: اختلط عقله. وابن الأنبارى هو: أبو محمد بن القاسم كان من الحفاظ وعلامة فى النحو واللغة، توفى سنة 328 هـ. والأنبار بلدة قديمة على الفرات. (3) الفهة والفهاهة والفهفهة: العى والزلة والجهلة. (4) ليس- بفتح فكسر- ليسا بفتح فسكون شجع، والحوباء: النفس أو روع القلب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ آخَرُ: أَلْيَسُ كَالنّشْوَانِ وَهُوَ صَاحٍ. وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْقُتَبِيّ «1» أَنّ فُلَانًا: أَلْيَسُ أَهْيَسُ ألدّملحس. إنْ سُئِلَ أَزَزَ، وَإِنْ دُعِيَ انْتَهَزَ. وَقَدْ فسره، وزعم أن أهيس مقلوب

_ (1) يعنى: ابن قتيبة، وقد نقله اللسان، وفيه فى مادة ليس: الأهوس الذى يدق كل شئ ويأكله.. وربما ذموه بقولهم: أهيس أليس، فإذا أرادوا الذم عنى بالأهيس: الأهوس، وهو الكثير الأكل، وبالأليس: الذى لا يبرح بيته، وهذا ذم. والألد الخصم الجدل، والملحس: الحريص، أو الذى يأخذ كل ما قدر عليه، أو الشجاع. جمعها: ملاحس. الأزز: فى القاموس: امتلاء المجلس، والضيق والممتلئ. وحلب الناقة. وفى النهاية لابن الأثير- المسجد أزز ممتلئ بالناس، وأتيت الوالى، والمجلس أزز: كثير الزحام ليس فيه متسع، والناس أزز إذا انضم بعضهم إلى بعض. وانتهز: قبل وأسرع. وقد جاء فى النهاية لابن الأثير: «وفى حديث أبى الأسود: عليكم فلانا فإنه أهيس أليس ألدّ ملحس» وعقب بقوله عن ملحس: «هو الذى لا يظهر له شئ إلا أخذه، وهو مفعل من اللحس ويقال: التحست منه حقى أى: أخذته» وفى فتح البارى: إلياس بهمزة قطع وهو اسم عبرانى، وفى اللسان فى مادة ليس: «وإلياس اسم أعجمى، وقد سمت به العرب، وهو إلياس بن مضر» وفى مكان آخر فى مادة سلل: «قال المفضل بن سلمة- وقد ذكر إلياس النبى عليه السلام- فأما الياس بن مضر فألفه ألف وصل، واشتقاقه من اليأس وهو السّل، وقال الزبير بن بكار: الياس بن مضر هو أول من مات من السل، فسمى السل يأسا، ومن قال إنه إلياس بقطع الألف على لفظ النبى عليه الصلاة والسلام، أنشد بيت قصى: أمهتى خندف والياس أبى» وفى رأى ابن الأنبارى ستكون همزة إلياس مكسورة، وفى رأى قاسم بن ثابت: ستكون الهمزة مفتوحة لأنها همزة أداة التعريف ال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْوَاوِ، وَأَنّهُ مَرّةً مِنْ الْهَوَسِ، وَجُعِلَتْ وَاوُهُ يَاءً لِازْدِوَاجِ الْكَلَامِ، فَالْأَلْيَسُ: الثّابِتُ الّذِي لَا يَبْرَحُ، وَاَلّذِي قَالَهُ غَيْرُ ابْنِ الْأَنْبَارِيّ أَصَحّ، وَهُوَ أَنّهُ الْيَاسُ سُمّيَ بِضَدّ الرّجَاءِ، وَاللّامُ فِيهِ لِلتّعْرِيفِ، وَالْهَمْزَةُ هَمْزَةُ وَصْلٍ، وَقَالَهُ قَاسِمُ ابن ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ «1» ، وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا شَوَاهِدَ مِنْهَا قَوْلُ قُصَيّ: إنّي لَدَى الْحَرْبِ رَخِيّ اللّبَبِ ... أمّهتى خندف والياس أبى «2»

_ (1) هو ابن حزم العوفى المالكى الأندلسى الفقيه المحدث توفى سنة 302 هـ. (2) اللبب، المنحر، وموضع القلادة من الصدر، وما يشد فى صدر الدّابة، ليمنع استئخار الرّحل. وإنه لرخىّ اللبب: واسع البال لا يضيق بها، وفى سعة حال. ويقال: فلان فى لبب رخى: فى سعة وخصب وأمن. والمراد هنا بيان كثرة مبارزته للأقران مما سبب ارتخاء اللبب من كثرة الجرى. وخندف زوجة الياس بن مضر هى: ليلى بنت حلوان بن عمران، وكان الياس بن مضر خرج فى نجعة، فنفرت إبله من أرنب، فخرج إليها عمرو فأدركها، وخرج عامر فتصيدها، وطبخها، وانقمع عمير فى الخباء، وخرجت أمهم تسرع، فقال لها الياس: أين تخندفين؟ فقالت: ما زلت أخندف فى إثركم، فلقبوا- أى أولاد الياس- مدركة، وهو عامر- كما فى نسب قريش- وطابخة، وهو عمرو كما ذكر المصدر السابق وقمعة «الطبرى والقاموس» وخندف والخندوف: المتبختر فى مشيه كبرا وبطرا. أقول ذكر الزرقانى فى شرح المواهب عن الياس: «وفى سيرة مغلطاى اسمه حبيب، وفى الخميس إنما سمى الياس، لأن أباه كبر، ولم يولد له، فولد على الكبر واليأس، فسمى: الياس، وكنيته: أبو عمر. وفى الطبرى أن الياس قال لعمرو ابنه: إنك قد أدركت ما طلبتا. وقال لعامر: وأنت قد أنضجت ما طبختا، وقال لعمير: وأنت قد أسأت، وانقمعتا. وأمهتى: والدتى، وقيل إن جمع الأم فى البهائم. أمات، وفى الناس: أمهات. وقال آخرون. أمهات واحدها أمهة. وقيل: الهاء زائدة، وقيل أصلية. وقد ورد فى اللسان:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيُقَالُ: إنّمَا سُمّيَ السّلّ دَاءَ يَاسٍ؛ وَدَاءَ الياس، لأن الياس بن مضرمات مِنْهُ. قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ. يَقُولُ الْعَاذِلُونَ إذَا رَأَوْنِي ... أُصِبْت بِدَاءِ يَاسٍ، فَهُوَ مُودِي وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِيَةَ: فَلَوْ كَانَ دَاءُ إلْيَاسَ بى، وأعاننى ... طبيب بأرواح العقيق شفانيا

_ - إنى لدى الحرب رخىّ لببى ... عند تناديهم بهال وهب معتزم الصولة عال نسبى ... أمهتى خندف والياس أبى وهال: زجر للخيل، وهب: دعاء لها. وفى باب الهاء ورد فى اللسان هكذا عند تناديهم بهال وهب ... أمهتى خندف، والياس أبى حيدرة خالى لقيط وعلى ... وحاتم الطائىّ وهاب الئمئ وفيه: وقد جاءت الأمهة فيما لا يعقل وفى إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه: «ولقيط وعدى» وفى خزانة الأدب للبغدادى أن قوله: «وحاتم الطائى وهاب المئى» هو من رجز أورده أبو زيد فى نوادره فى موضعين فى أحدهما: نسبه إلى إمرأة من بنى عقيل تفخر بأخوالها من اليمن وهو: حيدة خالى ولقيط وعلى ... وحاتم الطائى وهاب المئى ولم يكن كخالك العبد الدعى ... يأكل أزمان الهزال والسّنى هنات غير ميت غير ذكى وأقول: لا يعقل أن يكون البيت الأول من كلام قصى لأنه كان قبل أن يولد حاتم «انظر اللسان وإعراب ثلاثين سورة لابن خالويه والأمالى والسمط وشرح شواهد الشافية»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ حِزَامٍ «1» : بِي إلْيَاسُ أَوْ دَاءُ الْهُيَامِ أَصَابَنِي ... فَإِيّاكَ عَنّي لَا يَكُنْ بك مابيا ويذكر عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ قَالَ: لَا تَسُبّوا إلْيَاسَ، فَإِنّهُ كَانَ مُؤْمِنًا «2» وَذَكَرَ أَنّهُ كَانَ يَسْمَعُ فِي صُلْبِهِ تَلْبِيَةَ النبى- صلى الله عليه وسلم- بِالْحَجّ «3» . يَنْظُرُ فِي كِتَابِ الْمَوْلِدِ لِلْوَاقِدِيّ. وَإِلْيَاسُ أَوّلُ مَنْ أَهْدَى الْبُدْنَ «4» لِلْبَيْتِ. قَالَهُ الزّبَيْرُ. وَأُمّ إلْيَاسَ: الرّبَابُ بِنْتُ حُمَيْرَةَ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ قَالَهُ الطّبَرِيّ «5» ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمّا مُضَرُ، فَقَدْ قَالَ الْقُتَبِيّ هُوَ مِنْ الْمَضِيرَةِ، أو من اللبن الماضر، والمضيرة

_ (1) فى الأغانى وتزيين الأسواق أنه للمجنون. (2) قال البرهان الزركشى: لا أدرى أنا حال هذا الحديث. والذى فى الجامع الصغير: «لا تسبوا مضر، فإنه كان قد أسلم» رواه ابن سعد عن عبد الله بن خالد مرسلا، وهو ضعيف. (3) أسطورة لا يشرف النبى «ص» أن نخترعها له. (4) مفردها بدنة جمعها: بدن وبدن. قيل: هى البعير ذكرا كان، أو أنثى، والهاء فيها للوحدة لا للتأنيث، ونقل عن مالك أنه كان يتعجب ممن يخص البدنة بالأنثى. ويقول الأزهرى فى التهذيب: البدنة لا تكون إلا من الإبل، وأما الهدى فمن الإبل والبقر والغنم، وفى الصحاح للجوهرى أن البدنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها. (5) الذى فى الطبرى: الرباب بنت حيدة، فلا يكون مخالفا لابن هشام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شئ يُصْنَعُ مِنْ اللّبَنِ «1» ، فَسُمّيَ: مُضَرَ لِبَيَاضِهِ «2» ، وَالْعَرَبُ تُسَمّي الْأَبْيَضَ أَحْمَرَ، فَلِذَلِكَ قِيلَ: مُضَرُ الْحَمْرَاءُ، وَقِيلَ بَلْ أَوْصَى لَهُ أَبُوهُ بِقُبّةِ حَمْرَاءَ، وَأَوْصَى لِأَخِيهِ رَبِيعَةَ بِفَرَسِ، فَقِيلَ: مُضَرُ الْحَمْرَاءُ، وَرَبِيعَةُ الْفَرَسِ. وَمُضَرُ أَوّلُ مَنْ سَنّ لِلْعَرَبِ حداء الإبل «3» ، وكان أحسن النّاس صوتا فِيمَا زَعَمُوا- وَسَنَذْكُرُ سَبَبَ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى-، وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيّ: «لَا تَسُبّوا مُضَرَ وَلَا رَبِيعَةَ، فَإِنّهُمَا كَانَا مُؤْمِنَيْنِ «4» » ذَكَرَهُ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ. نِزَارٌ وَمَعَدّ: وَأَمّا نِزَارُ، فَمِنْ النّزْرِ وَهُوَ الْقَلِيلُ، وَكَانَ أَبُوهُ حِينَ وُلِدَ لَهُ، وَنَظَرَ إلَى

_ (1) مضر اللبن بفتح الميم والضاد مضرا ومضرا بسكون الضاد وفتحها ومضورا حمض، وابيض، فهو ماضر. (2) وقيل لأنه كان يمضر القلوب لحسنه وجماله لأنه كان يأخذ بقلب من يراه: وقيل اسمه: عمرو، وكنيته: أبو الياس. (3) وفى القاموس: «ومضر الحمراء، لأنه أعطى الذهب من ميراث أبيه وربيعة أعطى الخيل، أو لأن شعارهم كان فى الحرب: الرايات الحمر» وفى نهاية الأرب أن أولاد نزار اقتسموا ميراثه: فخرج الفرس من نصيب ربيعة، فسمى ربيعة الفرس، وكان لمضر الناقة الحمراء، فسمى مضر الحمراء.» وأما حداؤه للابل ففى الكامل لابن الأثير 2: 11 لأنه سقط عن بعيره، فجعل يقول: يا يداه، فأتته الإبل (4) رواه الديلمى فى مسند الفردوس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النّورِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَهُوَ نُورُ النّبُوّةِ الّذِي كان ينتقل فى الأصلاب «1» إلى محمد

_ (1) يغلو بعض الناس فى تقديس الرسول- صلى الله عليه وسلم- تقديسا ينزع بهم إلى تأليهه، أو يسبغ عليه ما أسبغ الأسطوريون على يسوع، فيرددون ماردده المؤلف هنا، وحقائق التاريخ تكذب هذه المفتريات، والقرآن يدمغها بأنها ضلالة، والأحاديث الصحيحة تنفيها. فإن هذه المفتريات تزعم أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان نورا يتنقل فى الأصلاب من آدم إلى عبد الله، وأن هذا النور كان يشرق فى جباه هؤلاء الذين كان ينتقل فى أصلابهم. ويستشهدون على هذا بقوله سبحانه- (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) وأيضا بما رواه البزار وابن أبى حاتم من طريقين- عن ابن عباس- أنه قال فى هذه الآية: «يعنى تقلبه من صلب نبى إلى صلب نبى حتى أخرجه نورا» والآية القرآنية لا تعطى هذا المفهوم، وإليك ما يقوله ابن كثير فى تفسير قوله تعالى (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) الشعراء: 218، 219. «قال ابن عباس: (الذى يراك حين تقوم) . يعنى إلى الصلاة، وقال عكرمة: يرى قيامه وركوعه وسجوده. وقال الحسن: (الذى يراك حين تقوم) إذا صليت وحدك، وقال الضحاك: (الذى يراك حين تقوم) أى من فراشك، أو مجلسك، وقال قتادة: (الذى يراك) قائما وجالسا، وعلى حالاتك وقوله تعالى: (وتقلبك فى الساجدين) قال قتادة: (الذى يراك حين تقوم، وتقلبك فى الساجدين) قال: فى الصلاة يراك وحدك، ويراك فى الجمع، وهذا قول عكرمة، وعطاء الخراسانى، والحسن البصرى ويقول البغوى: «وقيل معناه: يرى تصرفك وذهابك ومجيئك فى أصحابك المؤمنين، وقيل تصرفك فى أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك» . أماما نقله البزار وابن أبى حاتم عن ابن عباس فهو كلام مفترى على حبر هذه الأمة ابن عباس؛ ولهذا لم يخرجه أحد من رواة الحديث فى صحيحه أو مسنده أو سننه، وقول ابن عباس الذى نقله ابن كثير يدمغ ما نقله البزار بأنه موضوع. ثم إنا-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا بِهِ، وَنَحَرَ وَأَطْعَمَ، وَقَالَ: إنّ هَذَا كُلّهُ نَزْرٌ لِحَقّ هَذَا الْمَوْلُودِ، فَسُمّيَ: نِزَارًا لِذَلِكَ «1» . وَأَمّا مَعَدّ أَبُوهُ فَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ مَفْعَلًا مِنْ الْعَدّ، وَالثّانِي أَنْ يَكُونَ فَعَلّا مِنْ مَعَدَ فِي الْأَرْضِ أَيْ: أَفْسَدَ كَمَا قَالَ. وَخَارِبَيْنِ خَرَبَا فَمَعَدَا ... مَا يَحْسِبَانِ اللهَ إلّا رَقَدَا «2»

_ - نسأل: أكان آزر والد إبراهيم من الساجدين؟ وحسبنا هذا، ولن نتعرض لغيره ممن تنقل الرسول- صلى الله عليه وسلم- فى أصلابهم كما يزعمون. والله تعالى يأمر فى القرآن نبيه أن يصدع بهذه الآيات: (قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ذكرت مرة فى سورة الكهف، وأخرى فى فصّلت، (قُلْ: ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ، وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي، وَلا بِكُمْ) الأحقاف (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ، وَلَا الْإِيمانُ) (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أفمن خصائص البشرية ما يزعم المفترون؟ وهل تقلّب الرسل جميعا تقلب محمد، فهو ليس بدعا من الرسل؟ وإذا ثبت أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ببرهان القرآن- لم يكن يعرف إيمانا ولا كتابا قبل بعثته، فمن أين هذه النبوة التى كان يشرق نورها على جباه أصلابه؟ إن حقائق القرآن تشهد لمحمد- صلى الله عليه وسلم- بأنه خاتم الرسل، وعلى خلق عظيم، وبأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، وبأنه ما افترى على الله كذبا. فلنشهد له بما شهد له به القرآن، لا بما يزينه الشيطان. (1) وقال صاحب الأغانى: سمى بذلك لأنه كان فريد عصره، وقيل: لقب به لنحافته؛ وعن الماوردى أنه كان مهزول البدن، فقال له ملك الفرس: ما لك يا نزار: ومعناها فى الفارسية، مهزول. (2) فى اللسان: معد فى الأرض: إذا أبعد فى الذهاب، والخارب: اللص أو سارق الإبل. والرجز هو: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِي الْأَسْمَاءِ مَا هُوَ عَلَى وَزْنِ فَعَلٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ إلّا مَعَ التّضْعِيفِ، فَإِنّ التّضْعِيفَ يُدْخِلُ فِي الْأَوْزَانِ مَا لَيْسَ فِيهَا كَمَا قَالُوا. شَمّرَ وَقُشَعْرِيرَةَ، وَلَوْلَا التّضْعِيفُ مَا وُجِدَ مِثْلُ هَذَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ الثّالِثِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَعَدّيْنِ، وَهُمَا مَوْضِعُ عَقِبَيْ الْفَارِسِ مِنْ الْفَرَسِ «1» وَأَصْلُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ الْمَعْدِ بِسُكُونِ الْعَيْنِ، وَهُوَ الْقُوّةُ، وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الْمَعِدَةِ. عَدْنَانُ: وَأَمّا عَدْنَان فَفَعْلَانُ مِنْ عَدَنَ إذَا أَقَامَ، وَلِعَدْنَانَ أَخَوَانِ: نَبْتٌ وَعَمْرٌو فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ «2» . النّسَبُ قَبْلَ عَدْنَانَ: وَأُدَدٌ مَصْرُوفٌ. قَالَ ابْنُ السّرَاجِ. هُوَ مِنْ الْوُدّ وَانْصَرَفَ، لِأَنّهُ مِثْلُ ثُقَبٍ، وَلَيْسَ مَعْدُولًا كعمر، وهو معنى قول سيبويه.

_ - أخشى عليها طيئا وأسدا: وخاربين خربا فمعدا: لا يحسبان الله إلا رقدا أى: اختلساها واختطفاها. قال ابن برى عن معد: الميم أصلية، قال: وكذا ذكر سيبويه: قولهم معدّ فقال: الميم أصلية لقولهم تمعدد قال ولا يحمل على تمفعل مثل تمسكن لقلته ونزارته. وفى مادة معد نقل اللسان عن اللحيانى: معد الشئ معدا وامتعد: اختطفه، فذهب به، وقيل اختسله. ثم استشهد بهذا الرجز، ومعد فى الأرض يمعد «بضم العين» معدا ومعودا: إذا ذهب. (1) فى اللسان أيضا: المعدان: الجنبان من الإنسان وغيره.. والمعدان من الفرس ما بين رءوس كتفيه إلى مؤخر متنه. (2) هما أخواه لأبيه كما فى الطبرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ قِيلَ فِي عَدْنَانَ: هُوَ ابْنُ مَيْدَعَةَ وقيل ابن يحثم «1» قاله القتيبىّ وَمَا بَعْدَ عَدْنَانَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مُضْطَرَبٌ فِيهِ، فَاَلّذِي صَحّ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ انْتَسَبَ إلَى عَدْنَانَ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ، بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ لَمّا بَلَغَ عَدْنَانَ. قَالَ «كَذَبَ النّسّابُونَ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» «2» ، وَالْأَصَحّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ «3» ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنّهُ قَالَ: إنّمَا نَنْتَسِبُ إلَى عَدْنَانَ، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ لا ندرى ما هو وأصحّ شئ رُوِيَ فِيمَا بَعْدَ عَدْنَانَ مَا ذَكَرَهُ الدّوْلَابِيّ «4» أَبُو بِشْرٍ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمَعَةَ الزّمَعِيّ، عَنْ عَمّتِهِ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: «مَعَدّ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ أُدَدِ بْنِ زَنْدٍ- بِالنّونِ- بْنِ الْيَرَى بْنِ أَعْرَاقِ الثّرَى «5» » قَالَتْ أمّ سلمة. فزند هو

_ (1) الذى فى المعارف لابن قتيبة: يجثوم. (2) أخرجه ابن عساكر، وابن سعد والديلمى فى مسند الفردوس وقال ابن عبد البر فى الإنباه: ليس بالإسناد القوى. (3) كان ابن مسعود إذا قرأ قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ) يقول: كذب النسابون. يعنى أنهم يدعون علم الأنساب، ونفى الله علمها عن العباد بقوله سبحانه: لا يعلمهم (إلا الله) الزرقانى فى المواهب. (4) هو: أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد بن سعيد الأنصارى الرازى الدولابى روى عنه ابن أبى حاتم وابن عدى وابن حبان والطبرانى وغيرهم. قال الدارقطنى تكلموا فيه. وقال ابن يونس: ضعيف ولد سنه 224 ومات 310 هـ. (5) هو فى الطبرى بدون ال، وفى غيره: برى- بالباء- وهو الصواب، فالبرى: التراب وهو يناسب معنى ما بعده. والحديث مكذوب، فالرسول-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْهَمَيْسَعُ، وَالْيَرَى هُوَ: نَبْتٌ، وَأَعْرَاقُ الثّرَى هُوَ: إسْمَاعِيلُ؛ لِأَنّهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ تَأْكُلْهُ النّارُ، كَمَا أَنّ النّارَ لَا تَأْكُلُ الثّرَى. وقد قال الدّار قطنىّ: لَا نَعْرِفُ زَنْدًا إلّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَزَنْدُ بْنُ الْجَوْنِ وَهُوَ أَبُو دُلَامَةَ الشّاعِرُ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي لَيْسَ بِمُعَارِضِ لِمَا تَقَدّمَ مِنْ قَوْلِهِ: كَذَبَ النّسّابُون، وَلَا لِقَوْلِ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِأَنّهُ حَدِيثٌ مُتَأَوّلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: «ابْنِ الْيَرَى، ابْنِ أَعْرَاقِ الثّرَى» كَمَا قَالَ: «كُلّكُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» «1» لَا يُرِيدُ أَنّ الهميسع ومن دونه ابن لإسمعيل لِصُلْبِهِ، وَلَا بُدّ مِنْ هَذَا التّأْوِيلِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنّ أَصْحَابَ الْأَخْبَارِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي بُعْدِ الْمُدّةِ مَا بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِبْرَاهِيمَ، وَيَسْتَحِيلُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ آبَاءٍ أَوْ سَبْعَةٌ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ، أَوْ عَشْرَةٌ أَوْ عِشْرُونَ؛ فَإِنّ الْمُدّةَ أَطْوَلُ مِنْ ذلك كلّه،

_ - الذى نزل الله عليه القرآن لا يمكن أن يفترى ما يكذب القرآن: فالله تعالى يقول: «لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ» وقد سبق ذكر ما قاله عمر وابن مسعود وقد قال عروة بن الزبير: «ما وجدنا أحدا يعرف بعد معد بن عدنان» ويروى ابن عبد البر فى الإنباه قول عكرمة: «أضلت نزار نسبها» وسئل مالك عَنْ الرّجُلِ يَرْفَعُ نَسَبَهُ إلَى آدَمَ، فَكَرِهَ ذلك وقال: من أخبره بذلك؟ وقال الحافظ أبو الخطاب عمر بن حسن بن على بن محمد المشهور بأنه: ابن دحية: «أجمع العلماء- والإجماع حجة- عَلَى أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- إنما انتسب إلى عدنان ولم يتجاوزه» وأكثر هذه الأنساب التى بعد عدنان منقول عن أسفار اليهود. (1) رواه البزار عن حذيفة وروى قريبا منه أبو داود والترمذى، والبيهقى وتأويل السهيلى لا يناسب مكانة عالم مثله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَلِكَ. أَنّ مَعَدّ بْنَ عَدْنَانَ كَانَ فِي مُدّةِ بُخْتَنَصّرَ «1» ابْنِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ الطّبَرِيّ: وَذُكِرَ أَنّ اللهَ تَعَالَى أَوْحَى فِي ذَلِكَ الزّمَانِ إلَى إرْمِيَاءَ بْنِ حَلْقِيَا «2» أَنْ اذْهَبْ إلَى بُخْتَنَصّرَ، فَأَعْلِمْهُ أَنّي قَدْ سَلّطْته على العرب،

_ (1) يذكر المسعودى عن كثير ممن عنى بأخبار الفرس أنه كان مرزبان العراق والمغرب، وأنه هو الذى وطئ الشام، وفتح بيت المقدس، وسبى بنى إسرائيل «المرزبان يراد به صاحب ربع المملكة وقائد عسكر ووزير وصاحب ناحية من النواحى، وواليها» وأسفار اليهود تلقبه: «نبوخذ نصّر» ويقول الدكتور بوست فى قاموسه: «إنه لقب لملك بابل، وهو مذكور فى أسفار الملوك والأيام وعزرا ونحميا وأستير وأرميا ولا سيما فى دانيال» ويقول: إنه مات سنة 561 قبل الميلاد وأن مدة ملكه أربع وأربعون سنة وأقول: إنه يلقب فى أسفار اليهود بأنه ملك بابل، وقد خرب أورشليم (القدس) هدم معابدها وقصور ملكها، وأحرق كل بيوتها ما عدا بيوت الكرامين والفلاحين وقضى على كهانهم، واستولى على كل كنوز المعابد «انظر الجزء الثانى من قاموس الدكتور بوست، والإصحاح الأخير من سفر أرميا» وانظر ص 280 ج 1 الطبرى طبع الحسينية، وص 292 أيضا ففيه قصة معد الخرافية مع بختنصر وكان سن معد 12 سنة (2) يقول عنه بوست فى قاموسه: «أحد أنبياء العبرانيين العظام، وهو ابن حلقيا من نسل الكهنة» ثم يزعم أنه كان حديث السن حينما أقامه الله نبيا فلذلك رفض الدعوة أولا، غير أن الله وعده بالمعونة والنعمة فيما دعاه إليه، وذكر بوست نفس ما يقوله السهيلى، وفى الطبرى مثله مما يقطع بأن المرجع واحد، وهو أسفار اليهود. وقد ذكر بوست أن نبوته تشمل مدة ست وأربعين سنة بين سنة 628 وسنة 586 قبل الميلاد ... وكان من نبواته فى شأن ما سينزل ببنى إسرائيل، لأنهم عبدوا الأصنام، وحادوا عن طريق الرب، واتبعو الملذات- هو لفظ بوست- والفساد. وله سفر هو الرابع والعشرون من أسفار العهد القديم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَاحْمِلْ مَعَدّا عَلَى الْبُرَاقِ كَيْلَا تُصِيبُهُ النّقْمَةُ فِيهِمْ «1» ، فَإِنّي مُسْتَخْرِجٌ مِنْ صُلْبِهِ نَبِيّا كَرِيمًا أَخْتِمُ بِهِ الرّسُلَ، فَاحْتَمَلَ مَعَدّا عَلَى الْبُرَاقِ إلَى أَرْضِ الشّامِ، فَنَشَأَ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَتَزَوّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً اسْمُهَا: مُعَانَةُ بِنْتُ جَوْشَنَ مِنْ بَنِي دُبّ بْنِ جُرْهُمٍ، وَيُقَالُ فِي اسْمِهَا: نَاعِمَةٌ. قَالَهُ الزّبَيْرُ، وَمِنْ ثَمّ وَقَعَ فِي كِتَابِ الإسرائيليين نَسَبُ مَعَدّ، ثَبّتَهُ فِي كُتُبِهِ رَخِيَا، وَهُوَ يُورَخ «2» كَاتِبُ إرْمِيَاءَ. كَذَلِكَ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ النّمَرِيّ «3» حُدّثْت بِذَلِكَ عَنْ الْغَسّانِيّ عَنْهُ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ إبْرَاهِيمَ فِي ذَلِكَ النّسَبِ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جَدّا، وَقَدْ ذَكَرَهُمْ كُلّهُمْ أَبُو الْحَسَنِ الْمَسْعُودِيّ عَلَى اضْطِرَابٍ فِي الأسماء، ولذلك

_ (1) الذى فى الطبرى أن الله أوحى إلى إرميا وبرخيا أن الله سلط بختنصر على أهل عربة، كما سلطه على قومهما بنى إسرائيل، وأنه قال لهما: فعليكما بمعد ابن عدنان، فخرجا حتى سبقا بختنصر، فلقيهما عدنان، فطوياه إلى معد، فحمله برخيا إلى البراق وردف خلفه، فانتهيا إلى حزان، وطويت الأرض لإرميا!! ص 292 ج 1 الطبرى، وهو كلام يحتاج إلى كلام يثبته!! (2) واسم بروخ فى سفر أرميا: باروخ يقال إنه حمل رسالة إرميا إلى بابل تخبر بما سيحل بالمدينة من قصاص الله، وكان باروخ فى جملة من عاد إلى مصر والذى ورد فى سفر عزرا: معداى، وقد ذكره بين بنى الكهنة الذين اتخذوا نساء غريبة، وذكر أنه من بنى بالى. أما معديا المذكور فى نحميا، فكان كاهنا، ويقول الطبرى وكان رجل من مسلمة بنى إسرائيل قد قرأ من كتبهم، فذكر أن بروخ بن ناريا كاتب إرميا أثبت نسب معد ووضعه فى كتبه. (3) أبو عمر بن عبد البر: واسمه، يوسف بن عبد الله بن محمد شيخ علماء الأندلس وكبير محدثيها فى عصره توفى سنه 463، وفتحوا الميم فى النسبة إلى ثمر استيحاشا لتوالى الكسرات لأن فيه حرفا واحدا غير مكسور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَاَللهُ أَعْلَمُ- أَعْرَضَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رَفْعِ نَسَبِ عَدْنَانَ إلَى إسْمَاعِيلَ، لِمَا فِيهِ مِنْ التّخْلِيطِ، وَتَغْيِيرٍ فِي الْأَلْفَاظِ، وَعَوَاصَةِ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ مَعَ قِلّةِ الْفَائِدَةِ فِي تحصيلها. وقد ذكرى الطّبَرِيّ نَسَبَ عَدْنَانَ إلَى إسْمَاعِيلَ مِنْ وُجُوهٍ ذَكَرَ فِي أَكْثَرِهَا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ أَبًا، وَلَكِنْ بِاخْتِلَافِ فِي الْأَلْفَاظِ «1» ، لِأَنّهَا نُقِلَتْ مِنْ كُتُبٍ عِبْرَانِيّةٍ، وَذُكِرَ مِنْ وَجْهٍ قَوِيّ فِي الرّوَايَةِ عَنْ نُسّابِ الْعَرَبِ، أَنّ نَسَبَ عَدْنَانَ يرجع إلى قيذر «2» بن إسمعيل، وَأَنّ قَيْذَرَ كَانَ الْمَلِكَ فِي زَمَانِهِ، وَأَنّ مَعْنَى قَيْذَرَ: الْمَلِكُ إذَا فُسّرَ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ فى عمود هذا النسب بور ابن شُوحَا، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ عَتَرَ الْعَتِيرَةَ، وَأَنّ شُوحَا هُوَ: سَعْدُ رَجَبٍ، وَأَنّهُ أَوّلُ مَنْ سنّ رجبا للعرب. والعتيرة هى الرّجبيّة «3» .

_ (1) ولكى تعرف مدى اضطرابهم فى هذا أنهم ذكروا- وحملوها لابن عباس ظلما- أن بين عدنان وإسماعيل ثلاثين أبا لا يعرفون، وقيل هم أربعة أو سبعة أو ثمانية أو تسعة أو عشرة أو خمسة عشر أو عشرون أو ثمانية وثلاثون أو تسعة وثلاثون، أو أربعون، أو فوق هذا (2) فى القاموس: قيذار وكذلك فى بعض نسخ مروج الذهب للمسعودى، وفى المطبوعة: قيدار، وفى كتاب نسب قريش: قيذار وفى الطبرى: قيدر وقيذر وقيذار، وقد ذكر نقلا عن ابن إسحاق هذه الحقيقه عن علم الأنساب: «وذلك أنه أخذ من أهل الكتاب الأول» صفحة 192 ج 2 الطبرى وفى ص 194 «وتأويل قيدر: صاحب ملك» (3) انظر ص 193 ج 2 من الطبرى، وقد كان الرجل- كما فى اللسان وغيره- يقول فى الجاهلية: إن بلغت إبلى مائة عترت عنها عتيرة، فإذا بلغت مائة ضنّ بالغنم، فصاد ظبيا فذبحه، وعن الأزهرى، أن العرب فى الجاهلية كانت إذا طلب أحدهم أمرا نذر: لئن ظفر به ليذبحن من غنمه فى رجب كذا، وكذا، وهى العتائر أيضا، فإذا ظفر به فربما ضاقت نفسه عن ذلك، وضنّ بغنمه، وهى الربيض، فيأخذ عددها ظباء-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ فِي هَذَا النّسَبِ عُبَيْدَ بْنَ ذِي يَزَنَ بْنِ هَمَاذَا، وَهُوَ الطّعّانُ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الرّمَاحُ الْيَزَنِيّةُ «1» ، وَذَكَرَ فِيهِمْ أَيْضًا دَوْسَ الْعُتُقَ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النّاسِ وَجْهًا، وَكَانَ يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: أَعْتَقُ مِنْ دَوْسٍ «2» ، وَهُوَ الّذِي هزم جيش قطورا بن جرهم.

_ - فيذبحها فى رجب مكان تلك الغنم، وقد عتر بفتح التاء يعتر بكسرها عترا بسكونها إذا ذبح العتيرة. وهكذا كان الأمر فى صدر الإسلام، وأوله، ثم قضى عليه ولعل للرجبية المعروفة الآن نسبا إلى ذلك. ورجبية السيد البدوى أيضا. ويقول الخطابى: العتيرة: تفسيرها فى الحديث: أنها شاة تذبح فى رجب. وأما العتيرة التى كانت تعتبرها الجاهلية، فهى الذبيحة التى كانت تذبح للأصنام، فيصب دمها على رأسها «النهاية لابن الأثير» والرّجبيّة: ما كان يذبح للأصنام فى الجاهلية فى رجب، ويقول المسعودى فى أسباب تسمية العرب لشهورها: «ورجب لخوفهم إياه، يقال: رجبت الشئ إذا خفته» وابن الأثير يقول: «أضاف رجبا إلى مضر؛ لأنهم كانوا يعظمونه خلاف غيرهم» والرأيان غير متضادين. (1) الذى فى الطبرى عن ابن إبداعى: «وهو عبيد، وهو يزن الطعان، وهو أول من قاتل بالرماح، فنسبت إليه- ابن همادى. (2) من العتق، وهو الكرم والجمال والنجابة والشرف والحربة، فى الطبرى «يقول العرب: أعتق من دوس لأمرين: أما أحدهما، فلحسنه وعتقه، والآخر لقدمه. جاء الطفيل بن عمرو الدوسى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: إن دوسا قد هلكت. عصت وأبت فادع الله عليهم، فظن الناس أنه يدعو عليهم فقال: اللهم اهد دوسآ وأت بهم «متفق عليه» . وعن أبى هريرة قال: قال لى النبى: ممن أنت؟ قلت: من دوس. قال: ما كنت أرى أن فى دوس أحدا فيه خير «الترمذى» وقال: حديث حسن صحيح. وأقول: إن الأول أشبه بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر فيهم إسمعيل ذَا الْأَعْوَجِ، وَهُوَ فَرَسُهُ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الْخَيْلُ الْأَعْوَجِيّةُ «1» ، وَهَذَا هُوَ الّذِي يُشْبِهُ، فَإِنْ بُخْتَنَصّرَ كَانَ بَعْدَ سُلَيْمَانَ بِمِئَتَيْنِ مِنْ السّنِينَ، لِأَنّهُ كَانَ عَامِلًا عَلَى الْعِرَاقِ «لَكَيْ لهراسب» ثُمّ لِابْنِهِ «كَيْ بستاسب «2» » إلَى مُدّةِ بهمن قَبْلَ غلبة الإسكندر على دارا بن دارا بن بهمن، وذلك قريب من مدة عيسى بن مريم فأين هذه المدة من مدة إسمعيل؟ وَكَيْفَ يَكُونُ بَيْنَ مَعَدّ وَبَنِيهِ مَعَ هَذَا سَبْعَةُ آبَاءٍ، فَكَيْفَ أَرْبَعَةٌ وَاَللهُ أَعْلَمُ؟. وَكَانَ رُجُوعُ مَعَدّ إلَى أَرْضِ الْحِجَازِ بَعْدَ مَا رَفَعَ اللهُ بَأْسَهُ عَنْ الْعَرَبِ وَرَجَعَتْ بَقَايَاهُمْ الّتِي كَانَتْ فِي الشّوَاهِقِ إلَى مَحَالّهِمْ وَمِيَاهِهِمْ بَعْدَ أَنْ دَوّخَ بِلَادَهُمْ بُخْتَنَصّرُ، وَخَرّبَ الْمَعْمُورَ، واستأصل أهل حضور «3» ، وهم

_ (1) الأعوج: فحل كريم تنسب الخيل الكرام إليه. وأعوج أيضا فرس عدى بن أيوب، وفرس كان لكندة فأخذته بنو سليم، فصار إلى بنى هلال وليس فى العرب فحل أشهر منه، ولا أكثر نسلا، وقيل كان لبنى آكل المرار ثم صار لبنى هلال بن عامر «عن اللسان» . (2) اسمهما هكذا فى الطبرى «كى لهراسب وبشتاسب» ، ويذكر الطبرى والمسعودى أن مدة ملك الأول 120 سنة والآخر 112 سنة ويذكر أن بختنصر عاش أكثر من 300 سنه. ص 282 ج 1 الطبرى وص 228 ج 1 المسعودى مطبعة السعادة، ويذكر بوست أن مدة ملك بختنصر كان 44 سنه، ويقول عن سليمان إنه ملك أربعين سنة من 1021، 981 قبل الميلاد، فيكون بينه وبين بختنصر أكثر من 400 سنة. والله أعلم بالصواب. (3) بلدة باليمن من أعمال زبيد؛ وتروى بالألف الممدودة «مراصد الاطلاع» .

وَيُقَالُ أُدَدُ بْنُ مُقَوّمِ بْنِ نَاحُورَ بْنِ تَيْرَح بْنِ يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ نَابِتِ بن إسماعيل ـــــــــــــــــــــــــــــ الّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ) الأنبياء الآية؛ وَذَلِكَ لِقَتْلِهِمْ شُعَيْبَ بْنَ ذِي مَهْدَمٍ «1» نَبِيّا أَرْسَلَهُ اللهُ إلَيْهِمْ؛ وَقَبْرُهُ بِصِنّينَ جَبَلٌ بِالْيَمَنِ، وَلَيْسَ بِشُعَيْبِ الْأَوّلِ صَاحِبِ مَدْيَنَ «2» . ذَلِكَ شُعَيْبُ بْنُ عَيْفِي، وَيُقَالُ فِيهِ ابْنَ صَيْفُونٍ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ عَدَنٍ، قَتَلُوا نَبِيّا أُرْسِلَ إلَيْهِمْ اسْمُهُ: حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ، فَكَانَتْ سَطْوَةُ اللهِ بِالْعَرَبِ لِذَلِكَ، نَعُوذُ بِاَللهِ مِنْ غَضَبِهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ. عَوْدٌ إلَى النّسَبِ: ثُمّ نَعُودُ إلَى النّسَبِ. فَأَمّا مُقَوّمٌ «3» بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَأَبُو أُدَدٍ فَمَفْهُومُ المعنى،

_ (1) فى القاموس «وذو مهدم كمنبر ومقعد: قيل لحمير وملك الحبش» ولا نقطع بنبوة شعيب هذا إذ لم يرد به نص صريح. (2) فى مروج الذهب ص 49 ج 1 «شعيب بن نويت- وفى نسخة نويل بن راعويل بن مر بن عنقاء، بن مدين، بن إبراهيم. وفى تفسير الطبرى- لقصة شعيب فى الأعراف- أنه شعيب بن ميكيل بن يشجر واسمه بالسريانية: بثرون، ونسب البغوى فى تفسيره إلى عطاء أنه شعيب بن توبة بن مدين بن إبراهيم، وإلى ابن إسحاق أنه شعيب بن ميكائيل بن يسحر بن إبراهيم. وهكذا كلما بعدنا عن الحق اضطرب القول والفكر. ومدين تجاه تبوك على بحر القلزم بينهما ست مراحل ويقول بوست: إنها كانت تمتد من خليج العقبة إلى موآب وطور سيناء، أو من شبه جزيرة سيناء إلى الفرات. وقال الشيخ النجار فى قصص الأنبياء: «عن قوم شعيب كانوا نزولا فى بلاد الحجاز- مما يلى الشام على خط عرض يوافق خط عرض قفط فى البر الإفريقى إلى الجنوب من القصير فى الجهة المقابلة» وقفط مدينة بالصعيد الأعلى كما جاء فى مراصد الاطلاع. (3) فى الطبرى مقوّم وفى المعارف بتشديد الواو مع كسر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَتَيْرَحُ فَيْعَلٌ مِنْ التّرِحَةِ إنْ كَانَ عَرَبِيّا. وَكَذَلِكَ نَاحُورُ مِنْ النّحْرِ، وَيَشْجُبُ مِنْ الشّجْبِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ أَنْ يُقَالَ: شَجِبَ بِكَسْرِ الْجِيمِ يَشْجَبُ بِفَتْحِهَا «1» ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ فِي الْمُغَالَبَةِ: شَاجَبْتُهُ، فَشَجَبْته أَشْجُبُهُ بِضَمّ الْجِيمِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَفَتْحِهَا فِي الْمَاضِي؛ كَمَا يُقَالُ مِنْ الْعِلْمِ: عَالَمْته فَعَلَمْته بِفَتْحِ اللّامِ أُعْلِمُهُ بِضَمّهَا. وَقَدْ ذَكَرَهُمْ أَبُو الْعَبّاسِ النّاشِئُ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَنْظُومَةِ فِي نَسَبِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى آدَمَ كَمَا ذَكَرَهُمْ ابْنُ إسْحَاقَ. وَإِبْرَاهِيمُ مَعْنَاهُ: أَبٌ رَاحِمٌ، وَآزَرُ قِيلَ: مَعْنَاهُ: يَا أَعْوَجُ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ صَنَمٍ، وَانْتُصِبَ عَلَى إضْمَارِ الْفِعْلِ فِي التّلَاوَةِ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِأَبِيهِ؛ كَانَ يُسَمّى تارِح وَآزَرُ «2» ، وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ لِمَجِيئِهِ فِي الْحَدِيثِ مَنْسُوبًا إلَى آزر

_ (1) فى القاموس شجب كنصر، وفرح شجوبا، وشجبا مثل جلوس، ومثل فرح: هلك والشّجب: الحاجة والهم، وعمود من عمد البيت، وسقاء يابس يحرّك فيه حصى تذعر بذلك الإبل، وأبو قبيلة، والطويل، وبالتحريك- شجب- الحزن والعنت يصيب من مرض أو قتال.. وشجبه: أهلكه وحزنه وشغله، والظبى: رماه. (2) قرأ عامة قراء الأمصار آزر بالفتح؛ لأنه بدل من أبيه. ولكنه- أى آزر- ممنوع من التنوين، فيجر بالفتحة. ونسب إلى أبى يزيد والحسن البصرى أنهما كانا يقرآنها بالرفع على أنها منادى: يا آزر. وقد نقل عن السدى أن آزر اسم صنم، وإنما ورد منصوبا بمعنى: أتتخذ آزر أصناما آلهة. فجعله مفعولا به لفعل مضمر. وقد خطأ الطبرى فى تفسيره رأى السدى، وقال: إن العرب لا تنصب اسما لفعل بعد حرف الاستفهام، لا تقول: أخاك. أكلمت، وهى تريد: أكلمت أخاك. ثم صوب قراءة من قرأ بفتح الراء من آزر باعتبار-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأُمّهِ: نُونًا، وَيُقَالُ فِي اسْمِهَا. لُيُوثِي، «1» أَوْ نَحْوِ هَذَا وَمَا بَعْدَ إبْرَاهِيمَ أَسْمَاءٌ سُرْيَانِيّةٌ فَسّرَ أَكْثَرَهَا بِالْعَرَبِيّةِ ابْنُ هِشَامٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَذَكَرَ أَنّ فَالَع «2» مَعْنَاهَا: الْقَسّامُ، وَشَالَخ مَعْنَاهَا: الرّسُولُ، أَوْ الْوَكِيلُ، وَذَكَرَ أَنّ

_ - آزر بدلا من أبيه، أو باعتباره نعتاله، وذكر أن المختار عنده هو جعل آزر اسما لوالد إبراهيم؛ لأن الله تعالى أخبر أنه أبوه، وهو القول المحفوظ من قول أهل العلم. ورد على من يزعم أن تارح هو اسم لوالد إبراهيم بأنه ليس من المحال أن يكون له اسمان: تارح وآزر، وجائز أن يكون لقبا. أقول: والذى سبب هذا الخلاف حول شئ صريح واضح فى القرآن هو أن أسفار اليهود تسمى والد إبراهيم تارح!! بينما يقطع القرآن بأنه آزر!! فكيف نعبث بالقرآن؛ ليوافق ما جاء فى أسفار اليهود الذين يحرفون الكلم عن مواضعه؟؟ وفى الطبرى ورد اسم تارح: تارخ، وكذلك فى المعارف لابن قتيبة. أما مروج الذهب ففى نسخة منه: تارح، وفى أخرى: تارخ. أما فى سفر التكوين فهو: تارح، وقد تكرر ذكره مرارا. انظر الطبرى ص 119 ج 1، ص 11 المعارف لابن قتيبة المطبعة العامرية، ومروج الذهب ص 44 ج 1 وسفر التكوين. أما إبراهيم، فقد ورد فى الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين عنه ما يأتى: «ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لأبرام، وقال له: أنا الله القدير. سر أمامى، وكن كاملا، فأجعل عهدى بينى وبينك، وأكثرك كثيرا جدا، فسقط أبرام على وجهه، وتكلم الله معه قائلا: أما أنا فهو ذا عهدى معك، وتكون أبا لجمهور من الأمم، فلا يدعى اسمك بعد: أبرام، بل يكون اسمك: إبراهيم» ويقول «بوست» إن معنى أبرام العبرانى: أبرام السائح أو المهاجر. أما أبرام فمعناها: أب مرتفع، أما إبراهيم فمعناها: أب جمهور عظيم. (1) فى الطبرى ص 159 ج 1: نوثا بنت كريتا، وفى رواية أنموتا. (2) وهو أيضا كذلك فى المعارف والطبرى ومروج الذهب ونسب قريش أما فى سفر التكوين إصحاح 9 ففالج، ويذكر المسعودى أنه عاش 230 سنة وفى نسخة 239 سنة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إسْمَاعِيلَ تَفْسِيرُهُ: مُطِيعُ اللهِ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ بين فالغ وَعَابِرِ أَبًا اسْمُهُ: قَيّنَن «1» أُسْقِطَ اسْمُهُ فِي التّوْرَاةِ؛ لِأَنّهُ كَانَ سَاحِرًا، وأرفخشذ «2» تَفْسِيرُهُ: مِصْبَاحٌ مضئ، وَشَاذّ مُخَفّفٌ بالسريانية «الضّيَاءُ وَمِنْهُ: حم شَاذّ» بالسريانية وَهُوَ رَابِعُ الْمُلُوكِ بَعْدَ «جيومرث» ، وَهُوَ الّذِي قَتَلَهُ الضّحّاكُ، وَاسْمُهُ «بيوراسب بْنِ إندراسب» وَالضّحّاكُ مُغَيّرٌ مِنْ ازدهاق. قَالَ حَبِيبٌ: وَكَأَنّهُ الضّحّاك فى فتكاته ... بالعالمين وأنت أفريدون «3»

_ (1) ورد فى سفر التكوين ما يأتى «وعاش أنوش بن شيث بن آدم تسعين سنة وولد قينان، وعاش أنوش بعد ما ولد قينان 815 سنة.. وعاش قينان سبعين سنة، وولد مهللّئيل؛ وعاش قينان بعد ما ولد مهللئيل 840 سنة ويذكر الطبرى أن قينان هو: ابن يانش بن شيث بن آدم، وفى مكان آخر أن قينان هو ابن أنوش بن شيث، وفى مكان آخر ص 107 ج 1 أن قينان بن أرفخشد ويقول بوست: «قينان بن أرفكشاد بن سام بن نوح، ولا يذكر فى سلسلة نسب أرفكشاد فى الأصل العبرانى، ويظن أنه أدخل إدخالا فى الترجمة السبعينية، ومن هذه الترجمة نقل لوقا الإنجيلى اسمه، فذكره فى جدول أنسابه» أما الطبرى فنص تعبيره عن قينان فى ص 104 ج 1: «ولا ذكر له فى التوراة، وهو الذى قيل إنه لم يستحق أن يذكر فى الكتب المنزلة، لأنه كان ساحرا، وسمى نفسه إلها. (2) كذا فى المروج، وفى القصد والأمم لابن عبد البر وفى الطبرى والمعارف: أرفخشد. (3) حم شاذ: هو حمشيد أو جمشيد أو جم وهو أحد ملوك الفرس القدامى. ويقول المسعودى: وقيل: كان فى زمنه الطوفان، وأن النيروز حدث فى أيامه، وأنه حكم 600 سنة أو 900 أما جيو مرت، فهو- كما يزعم الفرس- أول ملوكهم، وأنه هو آدم، أو ابن آدم، أما الضحاك، فاسمه: بيوراسب، وهو-

ابن إبْرَاهِيمَ- خَلِيلِ الرّحْمَنِ- بْنِ تَارِحٍ وَهُوَ آزَرُ بن ناحور بن ساروغ بن راعو ابن فَالَخ بْنِ عَيْبَرَ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامَ بْنِ نوح بن لمك بن متّوشلخ ابن أخنوخ، وهو إدريس النبىّ- فيما يزعمون- والله أعلم، وكان أول بنى آدم ـــــــــــــــــــــــــــــ لِأَنّ أفريدون هُوَ الّذِي قَتَلَ الضّحّاكَ، بَعْدَ أَنْ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ فِي جَوْرٍ وَعُتُوّ وَطُغْيَانٍ عَظِيمٍ؛ وَذَلِكَ مَذْكُورٌ عَلَى التّفْصِيلِ فِي تَارِيخِ الطّبَرِيّ وَغَيْرِهِ. نُوحٌ وَمَنْ قَبْلَهُ: وَذَكَرَ نُوحًا- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَاسْمُهُ: عَبْدُ الْغَفّارِ؛ وَسُمّيَ نُوحًا لِنَوْحِهِ عَلَى ذَنْبِهِ، وَأَخُوهُ: صَابِئُ بْنُ لَامَك؛ إلَيْهِ يُنْسَبُ دِينُ الصّابِئِينَ «1» فِيمَا ذَكَرُوا وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذُكِرَ أَنّ لَامَك وَالِدُ نُوحٍ عَلَيْهِ السّلَامُ. وَلَامَك أَوّلُ مَنْ اتّخَذَ الْعُودَ لِلْغِنَاءِ بِسَبَبِ يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَاِتّخَذَ مَصَانِعَ الْمَاءِ. وأبوه: متّوشلخ. وذكره

_ - الازدهاق- والعرب تسميه: الضحاك، - كما يقول الطبرى، فتجعل الحرف الذى بين السين والزاى فى الفارسية ضادا، والهاء حاء، والقاف كافا، وينقل الطبرى عن رواته أنه هو النمرود الذى عمل على إحراق إبراهيم، وهو الذى قتل جمشيد. وقد ذكرته شعراء العرب كثيرا، وافتخر به أبو نواس، وزعم أنه من اليمن. وأفريدون أو أفريذون هو الذى حكم بعد الضحاك ونكل به، وكان ملك أفريدون كما فى المروج 500 سنة «انظر ص 97 وما بعدها ج 1 الطبرى» ، ص 220 ج 1 مروج الذهب. وبيت الشعر لحبيب بن أوس الطائى المشهور بأبى تمام. (1) هم عبدة الملائكة أو الكواكب وتطلق أيضا على من يخرج من دين إلى دين، وقد جاء ذكرهم فى القرآن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النّاشِئُ فِي قَصِيدَتِهِ «1» فَقَالَ: مَتّوشَلَخ، وَتَفْسِيرُهُ: مَاتَ الرّسُولُ؛ لِأَنّ أَبَاهُ كَانَ رَسُولًا وَهُوَ «2» خنوخ؛ وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: هُوَ إدْرِيسُ النّبِيّ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَرَوَى ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي ذَرّ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: «أَوّلُ مَنْ كَتَبَ بِالْقَلَمِ إدْرِيسُ «3» » وَعَنْهُ- عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ- أَنّهُ قَالَ: «أَوّلُ مَنْ كَتَبَ بِالْعَرَبِيّةِ إسْمَاعِيلُ «4» » وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: وهذه الرواية أصح من رواية من

_ (1) هو أبو العباس عبد الله بن محمد الناشئ. وهى قصيدة طويلة وردت فى ابن كثير والقصد والأمم لابن عبد البر. وموضوعها: مدح الرسول- صلى الله عليه وسلم- وذكر نسبه إلى آدم، وهى تبلغ ثمانين بيتا تقريبا. وهاك ما قاله عن متوشلخ ومن قبل لمك لم يزل متوشلخ ... يذود العدا بالذائدات الشوارب ص 54 الإنباه على قبائل الرواه لابن عبد البرط 1350 هـ و 157 ج 2 البداية (2) فى السيرة المطبوعة على هامش «الروض» أخنوح، وفى طبعة الحلبى أما فى الطبرى فخنوخ. (3) رواه أحمد عن أبى ذر فى حديث طويل وعند ابن حبان أن إدريس كان أول من خط بالقلم. (4) ذكر ابن عبد البر فى كتابه: «القصد والأمم» روايات مختلفة. فعن كعب الأحبار: أن أول من تكلم بالعربية: جبريل، وأن أول من وضع الكتاب العربى والسريانى والكتب كلها: آدم، وعن ابن بريدة أن اللسان العربى المبين هو لسان جرهم، وعن الكلبى أن أول من تكلم بها عمليق، وعنه أيضا أنه يعرب بن قحطان، وأن عادا تكلمت بها ولم تفصح، وأن الذين تكلموا بها قديما هم قحطان وعاد وثمود وعملاق وطسم وجديس، وروى عن غيره أن الله-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَوَى: أَنّ أَوّلَ مَنْ تَكَلّمَ بِالْعَرَبِيّةِ إسْمَاعِيلُ «1» ؛ وَالْخِلَافُ كَثِيرٌ فِي أَوّلِ مَنْ تَكَلّمَ بِالْعَرَبِيّةِ. وَفِي أَوّلِ مَنْ أَدْخَلَ الْكِتَابَ الْعَرَبِيّ أَرْضَ الْحِجَازِ. فَقِيلَ: حَرْبُ بْنُ أُمَيّةَ. قَالَهُ الشّعْبِيّ. وقيل: هو شعبان بين أُمَيّةَ. وَقِيلَ: عَبْدُ بْنُ قُصَيّ تَعَلّمَهُ بِالْحِيرَةِ أَهْلُ الْحِيرَةِ مِنْ أَهْلِ الْأَنْبَارِ «2» . إدْرِيسُ: قَالَ الْمُؤَلّفُ: ثُمّ نَرْجِعُ الْآنَ إلَى مَا كُنّا بصدده. فنقول: إن إدريس

_ - أنطق باللسان العربى يوم تبلبلت الألسن ببابل فى زمن نمرود بن كوش بن كنعان وعن وهب بن منبه أن أول من تكلم بها هود، وعن غيره أنه إسماعيل مما يدل على كثرة الاضطراب والخلاف!! (1) نص كلام ابن عبد البر: «وأظن رواية من روى «كتب» أصح من رواية من روى «تكلم» . وأولى بالصواب! لأن العرب كانت قبل إسماعيل وقبل أبيه وجده، وقد يحتمل أن يكون المعنى: أول من تكلم باللغة العربية المبينة الفصيحة، ويحتمل أن يكون أراد «أول من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم» ثم يقول: «وأولى ما قيل بالصواب فى ذلك- والله أعلم قول من قال: إن آدم عليه السلام أول من تكلم بالعربية وبالسريانية وغيرهما، وأول من وضع الكتاب بذلك لأنه علم اللغات» ص 17 وما بعدها القصد والأمم لابن عبد البر. (2) الحيرة: مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على النجف. كانت مسكن ملوك العرب فى الجاهلية وهم النعمان وآباؤه، والأنبار مدينة قرب بلخ بخراسان. ومدينة على الفرات غربى بغداد كانت الفرس تسميها: فيروز سابور. وهى المقصودة.

أُعْطَى النّبُوّةَ، وَخَطّ بِالْقَلَمِ- ابْنِ يَرْدِ بْنِ مهْلَيِل بْنِ قَيْنَن بْنِ يانِشَ بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ: حَدّثَنَا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ بِهَذَا الّذِي ذَكَرْتُ مِنْ نسب محمّد رسول الله صلى الله وَآلِهِ وَسَلّمَ إلَى آدَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَمَا فيه من حديث إدريس وغيره. ـــــــــــــــــــــــــــــ - عَلَيْهِ السّلَامُ- قَدْ قِيلَ: إنّهُ إلْيَاسُ، وَإِنّهُ لَيْسَ بِجَدّ لِنُوحِ. وَلَا هُوَ فِي عَمُودِ هَذَا النّسَبِ. وَكَذَلِكَ سَمِعْت شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا بَكْرٍ «1» - رَحِمَهُ اللهُ- يَقُولُ- وَيَسْتَشْهِدُ بِحَدِيثِ الْإِسْرَاءِ- فَإِنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلّمَا لَقِيَ نَبِيّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ الّذِينَ لَقِيَهُمْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالنّبِيّ الصّالِحِ وَالْأَخِ الصّالِحِ. وَقَالَ لَهُ آدَمُ: مَرْحَبًا بِالنّبِيّ الصّالِحِ، وَالِابْنِ الصالح. وكذلك قَالَ لَهُ إبْرَاهِيمُ. وَقَالَ لَهُ إدْرِيسُ: وَالْأَخُ الصّالِحُ. فَلَوْ كَانَ فِي عَمُودِ نَسَبِهِ، لَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لَهُ أَبُوهُ إبْرَاهِيمُ، وَأَبُوهُ آدَمُ، وَلِخَاطِبِهِ بِالْبُنُوّةِ. وَلَمْ يُخَاطِبْهُ بِالْأُخُوّةِ. وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي أَنْبَلُ، وَالنّفْسُ إلَيْهِ أَمْيَلُ لَمّا عضّده من هذا الدليل.

_ (1) يعنى القاضى أبا بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن العربى المعافرى ولد فى إشبيلية سنة 468 هـ، وله مؤلفات كثيرة، ومن كبار الآخذين بمذهب مالك. شهد سقوط دولة آل عباد على يد يوسف بن تاشفين فى بدء شبابه وسقوط دولة بنى تاشفين أو المرابطين أو الملثمين على يد عبد المؤمن بن على الذى أرسى قواعد دولة الموحدين. وذهب ابن العربى على رأس وفد من إشبيلية يطلب من عبد المؤمن فى مراكش الاستيلاء على ما بقى من مدائن الأندلس فى أيدى المرابطين، ولكن حبسه عبد المؤمن، ثم أطلق سراحه، وتوفى سنه 543 هـ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي خَلّادُ بْنُ قُرّةَ بن خالد السّدوسىّ، عن شيبان ابن زُهَيْرِ بْنِ شَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ قَتَادَةَ بن دعامة، أنه قال: إسماعيل بن إبراهيم- خليل الرحمن- ابن تارح- وهو آزَرُ- بْنُ نَاحُورَ بْنِ أسرغ بْنِ أَرْغُو بْنِ فَالَخ بْنِ عَابِرِ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامَ بْنِ نوح بن لمك بْنِ مَتّوشَلَخ بْنِ أخنوخ بْنِ يَرْدِ بْنِ مهْلائِيل بْن قاين بْن أَنُوش بْنِ شِيثِ بن آدم صلى الله عليه وسلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ: إدْرِيسُ بْنُ يُرِدْ «1» ، وَتَفْسِيرُهُ: الضّابِطُ. ابْنُ مهْلائِيل، وَتَفْسِيرُهُ: الْمُمَدّحُ، وَفِي زَمَنِهِ كَانَ بَدْءُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ «2» . «ابْنِ قَيْنَانَ» وَتَفْسِيرُهُ: الْمُسْتَوَى. «ابْنِ أَنُوشِ» وَتَفْسِيرُهُ: الصّادِقُ، وَهُوَ بِالْعَرَبِيّةِ: أَنَشّ؛ وَهُوَ أَوّلُ مَنْ غَرَسَ النّخْلَةَ، وَبَوّبَ الْكَعْبَةَ «3» وَبَذَرَ الْحَبّةَ فِيمَا ذَكَرُوا، «ابْنِ شيث» وَهُوَ بالسريانية: شاث. وبالعبرانية: شيث. وَتَفْسِيرُهُ: عَطِيّةُ اللهِ «ابْنُ آدم» .

_ (1) يذكر فى الطبرى أيضا بيارد، وكذلك فى سفر التكوين، ويقرر الطبرى أن إدريس هو خنوخ أو أخنوخ، وأن الله رفعه بعد 365 سنة ص 85 ج 1 الطبرى، ويذكر المسعودى أن الصابئة تزعم أنه هو هرمس ص 39 ج 1 مروج. (2) ينسب الطبرى إلى ابن عباس أنه قال: «فى زمان يرد عملت الأصنام، ورجع من رجع عن الإسلام» ولطالما حمل القوم ابن عباس أوزارهم، ونسبوا إليه ما لم يقله!! أقول: وليس لإدريس ذكر فى أسفار اليهود. ويرى مؤرخو العرب أنه أخنوخ، وفى سنة 1773 عثر على ثلاث نسخ من كتاب منسوب إلى أخنوخ، وقد طبع سنة 1853. والغاية من الكتاب تبرير العناية الإلهية، وقد رفض اليهود وآباء الكنيسة هذا الكتاب. (3) أول من أقام الكعبة إبراهيم وإسماعيل، فكيف يقال إن هذا بوبها؟!

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آدَمُ: وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ: هُوَ اسْمٌ سُرْيَانِيّ وَقِيلَ: هُوَ أَفْعَلُ مِنْ الْأُدْمَةِ. وَقِيلَ: أُخِذَ مِنْ لَفْظِ الْأَدِيمِ «1» . لِأَنّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ. وَذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ. وَهُوَ: قُطْرُبٌ أَنّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ لَكَانَ عَلَى وَزْنِ فَاعِلٍ، وَكَانَتْ الْهَمْزَةُ أَصْلِيّةً فَلَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُ مِنْ الصّرْفِ مَانِعٌ، وَإِنّمَا هُوَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ مِنْ الْأُدْمَةِ. وَلِذَلِكَ جَاءَ غَيْرَ مجرى «2» . قال المؤلف: وهذا القول ليس بشئ؛ لِأَنّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَدِيمِ وَيَكُونَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ. تَدْخُلُ الْهَمْزَةُ الزّائِدَةُ عَلَى الْهَمْزَةِ الْأَصْلِيّةِ كَمَا تَدْخُلُ عَلَى هَمْزَةِ الْأُدْمَةِ. فَأَوّلُ الْأُدْمَةِ هَمْزَةٌ أَصْلِيّةٌ. فَكَذَلِكَ أَوّلُ الْأَدِيمِ هَمْزَةٌ أَصْلِيّةٌ. فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُبْنَى مِنْهَا أَفْعَلُ. فَيَكُونُ غَيْرَ مُجْرًى. كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ أَعْيَنُ وَأَرْأَسُ مِنْ الْعَيْنِ وَالرّأْسِ. وَأَسْوَقُ وَأَعْنَقُ مِنْ السّاقِ وَالْعُنُقِ. مَعَ مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِقَوْلِ السّلَفِ الّذِينَ هم أعلم منه لسانا، وأذكى جنانا.

_ (1) الأديم: ظاهر الشئ والجلد. (2) أى ممنوع من التنوين.

"عمل ابن هشام فى سيرة ابن إسحاق"

[ «عمل ابن هشام فى سيرة ابن إسحاق» ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنَا إنْ شَاءَ اللهُ مُبْتَدِئٌ هَذَا الْكِتَابَ بِذِكْرِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَمَنْ وَلَدَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- مِنْ وَلَدِهِ، وَأَوْلَادِهِمْ لِأَصْلَابِهِمْ، الْأَوّلَ فَالْأَوّلَ، مِنْ إسْمَاعِيلَ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- وَمَا يَعْرِضُ مِنْ حَدِيثهِمْ، وَتَارِكٌ ذِكْرَ غَيْرِهِمْ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ لِلِاخْتِصَارِ، إلَى حَدِيثِ سِيرَةِ رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- وَتَارِكٌ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، مِمّا لَيْسَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- فِيهِ ذِكْرٌ، وَلَا نزل فيه من القرآن شئ، وليس سببا لشئ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَا تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَا شَاهِدًا عَلَيْهِ؛ لِمَا ذَكَرْت مِنْ الِاخْتِصَارِ وَأَشْعَارًا ذَكَرَهَا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا، وَأَشْيَاءَ بَعْضُهَا يَشْنُعُ الْحَدِيثُ بِهِ، وَبَعْضٌ يَسُوءُ بَعْضَ النّاسِ ذِكْرُهُ، وَبَعْضٌ لَمْ يُقِرّ لَنَا الْبَكّائِيّ بِرِوَايَتِهِ، وَمُسْتَقْصٍ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- مَا سِوَى ذَلِك مِنْهُ بِمَبْلَغِ الرواية له، والعلم به. ـــــــــــــــــــــــــــــ حُكْمُ التّكَلّمِ فِي الْأَنْسَابِ: قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَإِنّمَا تَكَلّمْنَا فِي رَفْعِ هَذَا النّسَبِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَلَمْ يَكْرَهْهُ كَابْنِ إسْحَاقَ وَالطّبَرِيّ وَالْبُخَارِيّ والزبيريين. وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَأَمّا مَالِكٌ- رَحِمَهُ اللهُ- فَقَدْ سُئِلَ عَنْ الرّجُلِ يَرْفَعُ نَسَبَهُ إلَى آدَمَ فَكَرِهَ ذلك. قيل له: فإلى إسمعبل، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَقَالَ: وَمَنْ يُخْبِرْهُ بِهِ؟! وَكَرِهَ أَيْضًا أَنْ يَرْفَعَ فِي نَسَبِ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ. قَالَ: وَمَنْ يُخْبِرْهُ بِهِ؟ وَقَعَ هَذَا الكلام لمالك فى الكتاب

سياقة النسب من ولد إسماعيل عليه السلام

[سِيَاقَةُ النّسَبِ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ] [ «أبناء إسماعيل عليه السلام» ] : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الله البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي قَالَ: وَلَدَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِمَا السّلَامُ- اثنى عشر رجلا: نابتا- وكان ـــــــــــــــــــــــــــــ الْكَبِيرِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْمُعَيْطِيّ وَإِنّمَا أَصْلُهُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ حُنَيْنٍ «1» . وَتَمّمَهُ الْمُعَيْطِيّ، فَنَسَبَ إلَيْهِ. وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا نَحْوُ مِمّا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ أَنّهُ قَالَ: مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ ثَلَاثُونَ أَبًا لَا يُعْرَفُونَ. (ذِكْرُ إسْمَاعِيلَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَبَنِيهِ) وَقَدْ كَانَ لِإِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- بَنُونَ سِوَى إسْحَاقَ وَإِسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ سِتّةٌ مِنْ قَطُورَا بِنْتِ يَقْطُرَ «2» وَهُمْ: مَدْيَانُ وَزَمِرَانِ وَسُرُج بِالْجِيمِ وَنَقْشَانِ

_ (1) فى شرح المواهب للزرقانى «بن جبير» . (2) فى سفر التكوين «قالت سارة لإبرام: هو ذا الرب قد أمسكنى عن الولادة. ادخل على جاريتى، لعلى أرزق منها بنين، فسمع إبرام لقول ساراى فأخذت ساراى امرأة إبرام هاجر المصرية جاريتها.. وأعطتها لإبرام رجلها زوجة له، فدخل على هاجر، فحملت» وفيه أيضا: «وعاد إبراهيم فأخذ زوجة اسمها: قطورة، فولدت له زمران ويقشان ومدان ومديان وبشتاق وشوحا.. وهذه أيام سنى حياة إبراهيم التى عاشها 175 سنة» الإصحاح 16، 25 وفى الطبرى: أن اسم زوجة إبراهيم التى تزوجها بعد وفاة سارة وهاجر هى: قطورا-

أكبرهم- وقيدر، وأذبل، ومنشا، ومسمعا، وماشى، ودمّا، وأذر، وطيما، ويطورا، ونبش، وقيذما. وأمهم: بِنْتُ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مِضَاضٌ. وَجُرْهُمُ بْنُ قَحْطَانَ- وَقَحْطَانُ أَبُو الْيَمَنِ كُلّهَا، وَإِلَيْهِ يَجْتَمِعُ نَسَبُهَا- ابْنُ عَابِرِ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامَ بْنِ نوح. ـــــــــــــــــــــــــــــ - وَمِنْ وَلَدِ نَقْشَانِ الْبَرْبَرُ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ- وَأُمّهُمْ رِغْوَةُ. وَمِنْهُمْ نُشِقّ وَلَهُ بَنُونَ آخَرُونَ مِنْ حَجّونِ «1» بِنْتِ أَهَيّن، وَهُمْ: كَيْسَانُ وسورج وَأُمَيْمُ وَلَوّطَانِ وَنَافِسُ. هَؤُلَاءِ بَنُو إبْرَاهِيمَ. وَقَدْ ذكر ابن إسحاق أسماء بنى إسمعيل، ولم يذكر بنته، وهى نسمة «2»

_ - بنت يقطن الكنعانية، وأنها ولدت له ستة هم: يقسان، وزمران، ومديان، ويسبق، وسوح، وبسر. وفى رواية: مدن ومدين ويقسان وزمران ويسبق وسوح، وأمهم قنطورا بنت مقطور، ويقال فى يسبق: يسهاق وفى سوح: ساح. ويذكر ابن خلدون فى تاريخه «وقال السهيلى: قنطورا بزيادة نون بين القاف والطاء» ثم يقول: «فولدت له- كما هو مذكور فى التوراة- ستة من الولد» ثم ذكر ستة الأولاد غير أنه ذكر أسبق وشوخ بدلا من بشتاق وشوخ المذكورين فى سفر التكوين ص 99 طبع لبنان، ويذكر الطبرى أن بعضهم ذكر أن إبراهيم تزوج بعد سارة امرأتين من العرب إحداهما قنطورا بنت يقطان فولدت له ستة، والأخرى: حجّور بنت أرهير، فولدت له خمسة بنين هم: كيسان وشورح وأميم ولوطان ويافس. أما فى المعارف فيذكر أنه جاء من قطورا بأربعة، ومن حجورا بسبعة وروايته عن وهب بن منبه، ولا أدرى من أين؟!. (1) انظر ص 309 وما بعدها ج 1 الطبرى، ص 12 المعارف. (2) فى الطبرى: بسمة، وفى التكوين أن عيصو أو عيسو تزوج هوديت ابنة بيرى الحثى، وبسمة ابن إيلون الحثى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بنت إسمعيل، وهى امرأة عيصو بن إسحق «1» ، وَوَلَدَتْ لَهُ الرّومَ وَفَارِسَ- فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ «2» - وَقَالَ: أَشُكّ فِي الْأَشْبَانِ هَلْ: هِيَ أُمّهُمْ، أَمْ لَا؟ وَهُمْ مِنْ وَلَدِ عيصو، وَيُقَالُ فيه أيضا: عيصا، وذكر فى ولد إسمعيل طيما «3» ، وَقَيّدَهُ الدّارَقُطْنِيّ: ظُمْيًا بِظَاءِ مَنْقُوطَةٍ بَعْدَهَا مِيمٌ كَأَنّهَا تَأْنِيثُ أَظْمَى، وَالظّمَى مَقْصُورٌ: سُمْرَةٌ فِي الشّفَتَيْنِ «4» . وَذَكَرَ دَمًا «5» ، وَرَأَيْت لِلْبَكْرِيّ أَنّ دومة الجندل عرفت بدوما ابن إسْمَاعِيلَ وَكَانَ نَزَلَهَا، فَلَعَلّ دَمًا مُغَيّرٌ مِنْهُ، وذكر أن الطور سمّى بيطور

_ (1) فى الطبرى: عيص، وفى التكوين: عيسو. وفيه أيضا أن عيسو ويعقوب توأمان، وأن عيسو سمى بهذا لأنه ولد أحمر كفروة الشعر، وسمى يعقوب باسمه هذا لأنه ولد ويده قابضة على عقب عيسو. (2) ذكره فى ص 162 ج 1. (3) طيما بفتح الطاء وكسرها وسكون الياء، وفى أصول الأنساب. تيما. أما فى الطبرى، فطما، وفى التكوين: تيما. (4) يقال. ظلّ أظمى أى: أسود، ورمح أظمى: أسود، وشفة ظمياء: فيها سمرة وذبول. (5) هو دمّا أو دمار، وفى القاموس دومة، ودوماء، وفى مراصد الاطلاع أنها بالضم والفتح، وأنكر ابن دريد الفتح وعده من أغلاط المحدثين، وعند الواقدى: دوما، وفى ياقوت: دوماء، وفى معجم البكرى. بضم الدال، وقال إنها بين الحجاز والشام وأنها سميت بدومان بن إسماعيل إذ كان بها، وذكر صاحب المراصد أنها سميت كذلك، لأنها مبنية بها أى بالجنادل، وهى الصخور العظيمة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن إسْمَاعِيلَ، فَلَعَلّهُ مَحْذُوفُ الْيَاءِ أَيْضًا- إنْ كَانَ صَحّ مَا قَالَهُ- وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَأَمّا الّذِي قَالَهُ أَهْلُ التّفْسِيرِ فِي الطّورِ، فَهُوَ كُلّ جَبَلٍ يُنْبِتُ الشّجَرَ، فَإِنْ لَمْ يُنْبِتْ شَيْئًا فليس بطور «1» ، وأما قيذر فَتَفْسِيرُهُ عِنْدَهُمْ: صَاحِبُ الْإِبِلِ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ صَاحِبَ إبِلِ إسْمَاعِيلَ. قَالَ: وَأُمّهُ «2» : هَاجَرُ. وَيُقَالُ فِيهَا: آجَرُ، وَكَانَتْ سُرّيّةً «3» لِإِبْرَاهِيمَ، وَهَبَتْهَا لَهُ سَارّةُ بِنْتُ عَمّهِ، وَهِيَ سَارّةُ بِنْتُ توبيل بْنِ نَاحُورٍ، وَقِيلَ: بِنْتُ هَارَانِ «4» بْن نَاحُورٍ، وقيل: هاران بنت تارح.

_ (1) فى مفردات الراغب: أن كل جبل يقال عليه طور، وفى المعجم الوسيط جبل ينبت الشجر. (2) أى أم إسماعيل. (3) جارية مملوكة. (4) فى الطبرى: سارة هى بنت هاران الأكبر عم إبراهيم، وقيل: إنها كانت ابنة ملك حران، وفى المعارف أنها بنت هرون ملكى، أما هاران فأخ له، وفى التكوين أن هاران أخ لإبراهيم، وأن ناحور، الذى هو أخو إبراهيم تزوج ملكة بنت هاران «أى بنت أخيه» ويذكر سفر التكوين أن إبراهيم قال لأبيمالك ملك حران عن سارة إنها أخته، ولكن الملك رأى فى منامه أنها زوجة إبراهيم فسأل إبراهيم فى هذا، فقال إبراهيم «بالحقيقة أيضا هى أختى ابنة أبى، غير أنها ليست أمى» انظر ص 125 ج 1 الطبرى، ص 11 المعارف لابن قتيبة، والإصحاح المتمم للعشرين من سفر التكوين هذا والآية التى استند إليها لا تدل على وحدة الشريعة، وإنما تدل على وحدة الدين فى عمومه، وقد ورد فى نفس الآية ما وصى الله به كل الرسل فى قوله سبحانه: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ، وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) والله تعالى يقول فى سورة المائدة آية رقم 48: (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) وعن قتادة: «الدين واحد، والشريعة مختلفة» . وأنا لا أجزم بأمر، وإنما أريد أن أنبه- فحسب- إلى أن الآية ليست حجة له فيما ذهب إليه.

"وفاة إسماعيل، وموطن أمه":

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: جُرْهُمُ بْنُ يَقْطَنَ بْنِ عيبر بن شالخ، ويقطن هو قحطان ابن عيبر بن شالخ. [ «وفاة إسماعيل، وموطن أمه» ] : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عُمْرُ إسْمَاعِيلَ- فِيمَا يذكرون- مائة سَنَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمّ مَاتَ- رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِ- وَدُفِنَ فِي الْحِجْرِ مَعَ أُمّهِ هاجر، رحمهم الله تعالى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ: هَاجَرَ وَآجَرَ، فَيُبْدِلُونَ الْأَلِفَ مِنْ الْهَاءِ، كَمَا قَالُوا: هَرَاقَ الْمَاءَ، وَأَرَاقَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ: وَهَاجَرُ مِنْ أَهْلِ مصر. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهِيَ بِنْتُ أَخِيهِ عَلَى هَذَا، وَأُخْتُ لُوطٍ. قَالَهُ الْقُتَبِيّ فِي الْمَعَارِفِ، وَقَالَهُ النّقّاشُ فِي التّفْسِيرِ، وَذَلِكَ أَنّ نِكَاحَ بِنْتِ الْأَخِ كَانَ حَلّالَا إذْ ذَاكَ فِيمَا ذُكِرَ، ثُمّ نَقَضَ النّقّاشُ هَذَا الْقَوْلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً) الشّورَى: 13. إنّ هَذَا يَدُلّ عَلَى تَحْرِيمِ بِنْتِ الْأَخِ عَلَى لِسَانِ نُوحٍ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَهَذَا هُوَ الْحَقّ، وَإِنّمَا تَوَهّمُوا أَنّهَا بِنْتُ أَخِيهِ، لِأَنّ هَارَانِ أَخُوهُ، وَهُوَ هَارَانِ الْأَصْغَرُ، وَكَانَتْ هِيَ بِنْتُ هَارَانِ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ عَمّهُ، وَبَهَارَانِ سُمّيَتْ مَدِينَةُ حَرّانَ، لِأَنّ الْحَاءَ هَاءٌ بِلِسَانِهِمْ، وَهُوَ سُرْيَانِيّ «1» وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ إبْرَاهِيمَ إنّمَا نَطَقَ بالعبرانية حِينَ عَبَرَ النّهْرَ فَارّا مِنْ النمروذ، وَكَانَ النمروذ قَدْ قَالَ لِلطّلَبِ «2» الذين أرسلهم فى طلبه: إذا

_ (1) ص 159 ج 1. (2) طلب بفتح الطاء واللام، أو ضمها وتشديد اللام مع فتحها جمع طالب.

(حديث فى الوصاة بأهل مصر) :

[ (حديث فى الوصاة بأهل مصر) :] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- قَالَ: اللهَ اللهَ فِي أَهْلِ الذّمّةِ، أَهْلِ الْمَدَرَةِ السّوْدَاءِ، السّحْمِ الجعاد، فإن لهم نسبا وصهرا. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَجَدْتُمْ فَتًى يَتَكَلّمُ بالسريانية، فَرُدّوهُ، فَلَمّا أَدْرَكُوهُ اسْتَنْطَقُوهُ، فَحَوّلَ اللهُ لِسَانَهُ عِبْرَانِيّا، وَذَلِكَ حِينَ عَبَرَ النّهْرَ، فَسُمّيَتْ الْعِبْرَانِيّةُ بِذَلِكَ، وَأَمّا السّرْيَانِيّةُ «1»

_ (1) ويقول بعض الباحثين أن إبراهيم وصف بالعبرانى لأنه منسوب إلى إحد آبائه الأقدمين المعروف باسم: عبر غير أن الدكتور «ولفنسون» الذى كان أستاذا للغات السامية فى جامعة مصرية هى جامعة القاهرة الآن. يرفض الرأيين، ويزعم أن كلمة عبرى لا ترجع إلى شخص بعينه أو حادثة معينة، وإنما هى ترجع إلى الموطن الأصلى لبنى إسرائيل، وكان هؤلاء أمة بدوية صحراوية لا يستقرون فى مكان بل يرحلون من بقعة إلى أخرى بالإبل والماشية بحثا عن الماء والمرعى، ثم يقول: وكلمة عبرى مشتقة من الفعل الثلاثى عبر بمعنى قطع مرحلة من الطريق أو عبر الوادى، أو النهر من عبره إلى عبره «شطه وجانبه» أو عبر السبيل شقها، وكل هذه المعانى نجدها فى هذا الفعل سواء فى العربية والعبرية، وهى فى مجملها تدل على التحول والتنقل الذى هو من أخص ما يتصف به سكان الصحراء وأهل البادية، فكلمة عبرى مثل كلمة بدوى، أى: ساكن الصحراء والبادية، وقد كان الكنعانيون والمصريون والفلسطينيون يسمون بنى إسرائيل: بالعبريين، ثم نفر بنو إسرائيل من هذه الكلمة بعد أن سكنوا المدن. ثم قال: وليس يوجد فى صحف العهد القديم ما يدل على تسمية لغة بنى إسرائيل بالعبرية، بل كانت تعرف تارة باسم اللغة اليهودية، وتارة باسم لغة كنعان ولم تعرف باسم العبرية إلا بعد السبى البابلى فى كتاب حكم ابن سيرا، وفى مصنفات المؤرخ اليهودى: يوصف، وفى المشنا والتلمود. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ سَلَامٍ- فَسُمّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنّ اللهَ- سُبْحَانَهُ- لَمّا عَلّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلّهَا، عَلّمَهُ سِرّا مِنْ الْمَلَائِكَةِ! وَأَنْطَقَهُ بِهَا حِينَئِذٍ، وَكَانَتْ هَاجَرُ قَبْلَ ذَلِكَ لِمَلِكِ الْأُرْدُنّ، وَاسْمُهُ صَادُوقٌ- فِيمَا ذَكَرَ الْقُتَبِيّ- دَفَعَهَا إلَى سَارّةَ حِينَ أَخَذَهَا مِنْ إبْرَاهِيمَ عَجَبًا مِنْهُ بِجَمَالِهَا، فَصُرِعَ مَكَانَهُ، فَقَالَ: اُدْعِي اللهَ أَنْ يُطْلِقَنِي. الْحَدِيثَ، وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الصّحَاحِ، فَأَرْسَلَهَا، وَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ «1» ، وَكَانَتْ هَاجَرُ قَبْلَ ذَلِكَ الْمَلِكِ بِنْتِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكٍ الْقِبْطِ «2» بِمِصْرِ ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ من حديث سيف ابن عمر أو غيزه أَنّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ حِينَ حَاصَرَ مِصْرَ، قَالَ لِأَهْلِهَا: إنّ نَبِيّنَا عَلَيْهِ السّلَامُ قَدْ وَعَدَنَا بِفَتْحِهَا، وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نَسْتَوْصِيَ بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنّ لَهُمْ نَسَبًا وَصِهْرًا، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا نَسَبٌ لَا يَحْفَظُ حَقّهُ إلّا نَبِيّ، لأنه نسب بعيد.

_ - ويذكر ولفنسون عن السريانية أنها لهجة المنطقة الثالثة للهجات الكتلة الآرامية الشرقية، وكان مركز المدينة التى عرفت عند العرب باسم: الرّهاء «بالمد والقصر مدينة بالجزيرة فوق حران بينهما ست فراسخ» ؛ ثم حرف اسمها فى القرن الخامس عشر إلى أورفا. ويقول إن كلمة سريانى التى اصطلح عليها عوضا عن لفظة آرامى إنما غلبت لأن الآراميين الذين اعتنقوا ديانة المسيح لم يرضوا بهذه التسمية إذا كان هذا اللفظ يمثل فى التوراة جماهير الآراميين الوثنيين، وعلى هذا ادعوا أنهم سريان أى آراميون اعتنقوا المسيحية ص 77 وما بعدها، ثم ص 145 وما بعدها كتاب تاريخ اللغات السامية ط 1 سنه 1929 م. (1) فعل الملك معها هذا ثلاث مرات كما ورد فى البخارى، وفى الثالثة أطلقها، وأخدمها هاجر، وفى الطبرى أيضا أنه فرعون، وأن هذا كان بمصر، وأن فرعون هذا هو الذى أخدمها هاجر ص 245 ج 1 الطبرى. (2) فى الطبرى بعد هذا: «وكانت من أهل منف، والملك فيهم» ص 229 ج 4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَصَدَقَ، كَانَتْ أُمّكُمْ امْرَأَةً لِمَلِكِ مِنْ مُلُوكِنَا، فَحَارَبْنَا أَهْلَ عَيْنِ شَمْسٍ، فَكَانَتْ لَهُمْ عَلَيْنَا دَوْلَةٌ، فَقَتَلُوا الْمَلِكَ وَاحْتَمَلُوهَا، فَمِنْ هُنَاكَ تَصَيّرَتْ إلَى أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ- أَوْ كَمَا قَالُوا- وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ الْمَلِكَ الّذِي أَرَادَ سَارّةَ هُوَ سِنَانُ بْنُ عِلْوَانَ، وَأَنّهُ أَخُو الضّحّاكِ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ، وَفِي كِتَابِ التّيجَانِ لِابْنِ هِشَامٍ أَنّهُ عَمْرُو بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ بَابِلْيُونَ بْنِ سَبَأٍ، وَكَانَ عَلَى مِصْرَ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَهَاجَرُ أَوّلُ امْرَأَةٍ ثَقَبَتْ أُذُنَاهَا، وَأَوّلُ مَنْ خُفِضَ مِنْ النّسَاءِ «1» ، وَأَوّلُ مَنْ جَرّتْ ذَيْلَهَا، وَذَلِكَ أَنّ سَارّةَ غَضِبَتْ عَلَيْهَا، فَحَلَفَتْ أَنْ تَقْطَعَ ثَلَاثَةَ أَعْضَاءٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، فَأَمَرَهَا إبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- أَنْ تَبَرّ قَسَمَهَا بِثَقْبِ أُذُنَيْهَا وَخِفَاضِهَا، فَصَارَتْ سُنّةً فِي النّسَاءِ، وَمِمّنْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ. وإسمعيل عَلَيْهِ السّلَامُ نَبِيّ مُرْسَلٌ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى إلَى أَخْوَالِهِ مِنْ جُرْهُمٍ وَإِلَى الْعَمَالِيقِ الّذِينَ كَانُوا بِأَرْضِ الْحِجَازِ، فَآمَنَ بَعْضٌ وَكَفَرَ بَعْضٌ. وَقَوْلُهُ: وَأُمّهُمْ بِنْتُ مُضَاضٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا. وَاسْمُهَا: السّيّدَةُ ذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ. وَقَدْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ سِوَاهَا مِنْ جُرْهُمٍ، وَهِيَ الّتِي أَمَرَهُ أَبُوهُ بِتَطْلِيقِهَا حِينَ قَالَ لَهَا إبْرَاهِيمُ: قُولِي لِزَوْجِك: فَلْيُغَيّرْ عَتَبَتَهُ «2» يُقَالُ اسْمُهَا: جِدَاءُ بِنْتُ

_ (1) خفض الصبية خفاضا: ختنها والشريعة لا توجب هذا. (2) لأنه- كما ورد فى صحيح البخارى- سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن فى ضيق، وشدة، فلما جاء إسماعيل، وأخبرته زوجته-

"أصل العرب وأولاد عدنان ومعد وقضاعة":

قَالَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ: نَسَبُهُمْ: أَنّ أُمّ إسْمَاعِيلَ النّبِيّ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ. وَصِهْرُهُمْ، أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- تَسَرّرَ فِيهِمْ. قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: أُمّ إسْمَاعِيلَ: هَاجَرُ، مِنْ «أُمّ الْعَرَبِ» قَرْيَةٍ كانت أمام الفرما من مِصْرَ. وَأُمّ إبْرَاهِيمَ: مَارِيَةُ سُرّيّةُ النّبِيّ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- الّتِي أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ مِنْ حَفْنٍ، مِنْ كُورَةِ أنْصِنا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ شِهَابِ الزّهْرِيّ: أَنّ عَبْدَ الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ، ثُمّ السّلَمِيّ حَدّثَهُ أَنّ رَسُولَ الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «إذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا؛ فَإِنّ لَهُمْ ذِمّةً وَرَحِمًا» فَقُلْت لِمُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ: «مَا الرّحِمُ الّتِي ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- لَهُمْ؟ فَقَالَ: كَانَتْ هَاجَرُ أُمّ إسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ» . [ «أَصْلُ الْعَرَبِ وأولاد عدنان ومعد وقضاعة» :] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَالْعَرَبُ كُلّهَا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَقَحْطَانَ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ يَقُولُ: قَحْطَانُ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، وَيَقُولُ: إسْمَاعِيلُ أَبُو الْعَرَبِ كلها. ـــــــــــــــــــــــــــــ سَعْدٍ، ثُمّ تَزَوّجَ أُخْرَى، وَهِيَ الّتِي قَالَ لها إبراهيم فى الزّورة الثانية قولى

_ - بما حدث بينها وبين أبيه، وأنه يطلب منه أن يغير عتبة الباب قال إسماعيل: ذاك أبى وقد أمرنى أن أفارقك.. والحديث كما قال السهيلى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِزَوْجِك: فَلْيُثَبّتْ عَتَبَةَ بَيْتِهِ: الْحَدِيثَ «1» ، وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الصّحَاحِ أَيْضًا يُقَالُ اسْمُ هَذِهِ الْآخِرَةِ: سَامَةُ بِنْتُ مُهَلْهِلٍ، ذَكَرَهُمَا، وَذَكَرَ الّتِي قَبْلَهَا الْوَاقِدِيّ فِي كِتَابِ «انْتِقَالِ النّورِ» وَذَكَرَهَا الْمَسْعُودِيّ أَيْضًا «2» وَقَدْ قِيلَ فِي الثّانِيَةِ: عَاتِكَةُ. هَدَايَا الْمُقَوْقِسِ وَقَوْلُهُ: فِي حَدِيثِ عُمَرَ: مَوْلَى غُفْرَةَ، وَغُفْرَةُ هَذِهِ هِيَ أُخْتُ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ. وَقَوْلُ مَوْلَى غُفْرَةَ هَذَا: إنّ صِهْرَهُمْ لِكَوْنِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسَرّرَ «3» مِنْهُمْ، يَعْنِي: مَارِيَةَ بِنْتَ شمعون الّتِي أَهْدَاهَا إلَيْهِ الْمُقَوْقِسُ، وَاسْمُهُ: جُرَيْجُ بْنُ مِينَاءٍ، وَكَانَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أَرْسَلَ إلَيْهِ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ وَجَبْرًا مَوْلَى أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيّ، فَقَارَبَ الْإِسْلَامَ وَأَهْدَى مَعَهُمَا إلَى النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَغْلَتَهُ الّتِي يُقَالُ لَهَا دُلْدُلُ، وَالدّلْدُلُ: الْقُنْفُذُ الْعَظِيمُ، وَأَهْدَى إلَيْهِ مَارِيَةَ بِنْتَ شمعون، وَالْمَارِيَةُ: بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ: الْبَقَرَةُ الْفَتِيّةُ بِخَطّ ابْنِ سِرَاجٍ يذكره عن أبى عمرو المطرز.

_ (1) لأنها قالت لإبراهيم- عليه السلام- حين سألها عن عيشهم وهيئتهم- كما ورد فى صحيح البخارى- «نحن بخير وسعة، وأثنت على الله» (2) انظر ص 47 وما بعدها ج 2 مروج الذهب الطبعة الثانية، وذكر عن جداء أنها من العماليق من بنى كركر. (3) تسرر الرجل: اتخذ أمة لفراشه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا الْمَارِيّةُ بِالتّشْدِيدِ، فَيُقَالُ قَطَاةٌ مَارِيّةٌ أَيْ: مَلْسَاءُ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفِ. وَأَهْدَى إلَيْهِ أَيْضًا قَدَحًا مِنْ قَوَارِيرَ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَشْرَبُ فِيهِ. رَوَاهُ ابْنُ عَبّاسٍ، فَيُقَالُ: أَنّ هِرْقِلَ عَزَلَهُ لَمّا رَأَى مِنْ مَيْلِهِ إلَى الْإِسْلَامِ. وَمَعْنَى الْمُقَوْقِسِ: الْمُطَوّلُ لِلْبِنَاءِ، وَالْقُوسُ: الصّوْمَعَةُ الْعَالِيَةُ، يُقَالُ فِي مَثَلٍ: أَنَا فِي الْقُوسِ وَأَنْتَ فِي الْقَرَقوُسِ مَتَى نَجْتَمِعُ؟ وَقَوْلُ ابْنِ لَهِيعَةَ بِالْفَرَمَا مِنْ مِصْرَ. الفَرَما: مَدِينَةٌ كَانَتْ تُنْسَبُ إلى صاحبها الذى بناها، وهو الفرما ابن قيلقوس، وَيُقَالُ فِيهِ: ابْنُ قَلِيس، وَمَعْنَاهُ: مُحِبّ الْغَرْسِ، وَيُقَالُ فِيهِ: ابْنُ بِلِيسِ. ذَكَرَهُ الْمَسْعُودِيّ. وَالْأَوّلُ قَوْلُ الطّبَرِيّ، وَهُوَ أَخُو الْإِسْكَنْدَرِ بْنِ قَلِيس الْيُونَانِيّ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ الْإِسْكَنْدَرَ حِينَ بَنَى مَدِينَةَ الإسكندرية قَالَ: أَبْنِي مَدِينَةً فَقِيرَةً إلَى اللهِ، غَنِيّةً عَنْ النّاسِ، وَقَالَ الْفَرْمَا: أُبْنَى مَدِينَةٌ فَقِيرَةٌ إلَى النّاسِ، غَنِيّةٌ عَنْ اللهِ، فَسَلّطَ اللهُ عَلَى مَدِينَةِ الْفَرْمَا الْخَرَابَ سَرِيعًا، فَذَهَبَ رَسْمُهَا، وَعَفَا أَثَرُهَا، وَبَقِيَتْ مَدِينَةُ الْإِسْكَنْدَرِ إلَى الْآنَ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ حِينَ افْتَتَحَ مِصْرَ «1» ، وَقَفَ عَلَى آثَارِ مَدِينَةِ الْفَرْمَا، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَحَدّثَ بِهَذَا الحديث، والله أعلم.

_ (1) أكثر المؤرخين على أن النبى- صلى الله عليه وسلم- أرسل كتبه إلى الملوك والأمراء- ومنهم المقوقس- فى العام السادس من الهجرة التى أولها 23 ما يو سنة 627 للميلاد. وقيل إن المقوقس أرسل جاريتين: مارية وشيرين. وأهدى حمارا اسمه: يعفور أو عفير، وقالوا. أهدى إليه سمنا وعسلا. ويقول ابن عبد الحكم فى كتابه ص 48 عن المقوقس بعد أن جاءه كتاب النبى - صلى الله عليه وسلم - «ثم-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ دعا رجلا عاقلا، ثم لم يدع بمصر أحسن ولا أجمل من مارية وأختها، وهما من أهل حفن من كورة أنصنا، فبعث بهما إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهدى له بغلة شهباء وحمارا أشهب، وثيابا من قباطى مصر وعسلا من عسل بنها» ثم يذكر أنه صلى الله عليه وسلم، اختار مارية لأنها بادرت إلى الإسلام حين عرضه عليها قبل أختها، ووهب أختها لمحمد بن مسلمة الأنصارى أو لدحية الكلبى. هذا ويقول بتلر فى كتابه «فتح العرب لمصر» أن مارية ماتت سنه 636 م. فلم تشهد فتح مصر وخضوعها للعرب، وقد اختلفت الآراء حول كلمة «المقوقس أو المقوقس» بفتح القاف الثانية أو كسرها فمن المؤرخين الأجانب من ذكر أنه لقب كان يطلق على العامل على مصر من قبل امبراطور الروم أى على الحاكم العام لمصر وأنه هو «قيرس» البطريق من قبل الرومان وفى ابن عبد الحكم ما يؤيد الرأى الأول، والواضح أن مؤرخى العرب يطلقون على حاكم مصر فى أيام النبى- صلى الله عليه وسلم- المقوقس، وعلى الحاكم فى زمن فتحها مما يشعر أنهم حسبوه لقبا أصله غير عربى يطلق على حاكم مصر، وقد عرض الدكتور بتلر» آراء المؤرخين العرب فى هذا «الطبرى والبلاذرى واليعقوبى وابن الأثير، وياقوت والمكين وابن دقماق، والمقريزى وأبى المحاسن، والسيوطى» ثم بين أن قولهم إنما يدل على أن المقوقس كان الوالى على مصر من قبل هرقل. ويؤيد بهذا رأيه الذى يقرر به أن المقوقس هو عين البطريق «قيرس» الذى كان يحكم مصر من قبل الرومان. ويميل الأستاذ فريد أبو حديد إلى أن اسم حاكم مصر فى زمن النبى هو جيرج بن مينا أو جورج، وأنه كان الحاكم الأعلى، والبطريق الملكانى فى مصر قبل قيرس الذى كان يحكم مصر زمن الفتح «انظر كتاب فتح العرب لمصر» تأليف بتلر ترجمة محمد فريد أبو حديد ط 2 سنه 1946» . ولكن فى تاريخ الحضارة المصرية: «وقد حاول ألفريد بطلر فى كتابه المعروف أن يحل بعض هذه المشكلات فلم يخرج إلا بنتيجة واحدة قبلها الناس زمانا، ولكنها الآن موضع شك كبير، ونعنى بذلك قوله أن المقوقس هو: قيرس» . وانتهى الكتاب إلى نتيجة هى أنه كان

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: عَادُ بْنُ عَوْص بْنِ إرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَثَمُودُ وجديس ابْنَا عَابِرِ بْنِ إرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وطَسْم وَعِمْلَاقُ وَأُمَيْمُ بَنُو لَاوِذْ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ. عَرَبٌ كُلّهُمْ. فَوَلَدَ نَابِتُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: يَشْجُبَ بْنَ نَابِتٍ، فَوَلَدَ يَشْجُبُ يَعْرُبَ بْنَ يَشْجُبَ، فَوَلَدَ يَعْرُبُ: تَيْرَح بْنَ يعرب، فولد تيرح: ـــــــــــــــــــــــــــــ مِصْرُ وَحَفّنِ وَأَمّا مِصْرُ فَسُمّيَتْ بِمِصْرِ بْنِ النّبَيْطِ، وَيُقَالُ: ابْنُ قِبْطِ بْنُ النّبَيْطِ مِنْ ولد

_ = فى مصر قبيل الفتح قوتان متعاديتان: القبط فى ناحية، والبيزنطيون فى ناحية، ويمثل القبط المقوقس، وفرق من جنود القبط كانت مشتركة فى الجيش البيزنطى وعدد من الرهبان ورجال الكنيسة ثم بقية أهل البلاد وكلهم على المذهب المرنوفيزى القريب من توحيد الإسلام، وفى ناحية أخرى نجد البيزنطيين تمثلهم حاميات من الجند فى المعاقل والحصون والمسالح وخاصة فى الإسكندرية، ويمثل السلطان البيزنطى «الرومانى» كله قيرس الذى أقامه هرقل بطركا لمصر وأطلق يده فى شئونها» ويقول فى مكان آخر أن قيرس كان قد أساء إلى الأقباط، فصار المقوقس مستعدا للتفاهم مع أى قوة تخلص القبط من اضطهاد البيزنطيين، فلما أقبل العرب وتوالت هزائم البيزنطيين، استطاع المقوقس أن يحصل من العرب على عهد يؤمن القبط على عقيدتهم وأموالهم، فكانت نتيجة هذا دخول مصر فى طاعة العرب بعد أن انضمت فرق الجيش من القبط والرهبان ومن إليهم من أهل البلاد إلى المقوقس وائتمرت بأمره ص 325 وما بعدها المجلد الثانى. وفى النهاية لابن الأثير: المرىّ بوزن صبى، والمرية: الناقة الغزيرة الدّر من المرى، وهو الحلب، وفى القاموس: المرية، والمرية بضم الميم وكسرها وإسكان المراء وفتح الياء الناقة التى درّ لبنها، وناقة مرىّ بفتح الميم وكسر الراء: غزيرة اللبن. والماريّة بكسر الراء وتشديد الياء مع فتح القطاة الملساء والمرأة البيضاء البراقة، والمارية: البقرة ذات الولد المارى، والقوارير، وقوارير: زجاج.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ والقوس كما قال السهيلى، ولكن ابن فارس يقول فى معجمه: وما أراها عربية، والقرقوس. القاع الأملس والسين زائدة. وابن لهيعة هو عبد الله ابن لهيعة الحضرمى الغافقى المصرى. ولاه أبو جعفر المنصور القضاء بمصر فى مستهل سنة 155، ثم صرف عنه. ولد سنة 97 وتوفى سنة 170. والفرما. مدينة على الساحل من ناحية مصر أو حصن لطيف فاسد الهواء، ومدينة قديمة بين العريش والفسطاط خراب، قد سفت الرمال عليها. والذى فى المروج عن ابن قليس أنه ابن فليبس- وهو الصواب- ومعناه: محب الغرس، وقيل اسمه. يلبس- أو ملبص، وقيل: فيلفوس، وفى الطبرى أنه ابن فيلسوف، أو فليفوس، أو بيلبوس. وفى ابن خلدون: فليقوس والصحيح فى هذا كله: فيلبس. وقد ولد الإسكندر سنة 356 ق م، وتوفى سنه 323 ق م وقد ادعى فى مصر أنه ابن الشمس، وطلب من المصريين أن يعبدوه وفى سنة 324 ق م، أرسل إلى كل الدول اليونانية- ما عدا مقدونية- يبلغها أنه يرغب فى أن يعترف به من ذلك الوقت ابنا لزيوس- أمون، وصدعت معظم الدول بما أمر. وفى سنة 331 ق م، بنيت مدينة الإسكندرية، ويقول المؤرخون إن اليونانيين المقيمين فى نقراطس هم الذين أشاروا عليه بإنشائها؛ لأنها بموقعها هذا على ساحل البحر الأبيض المتوسط غربى الفرع الكانرپى- اسم لأحد فروع النيل القديمة الذى كان يشق مديرية البحيرة ويصب قرب «أبو قير» وسمى هكذا باسم مدينة كانت واقعة عليه عند مصبه- لتكون مستودعا عاما للتجارة اليونانية الكبيرة، والإسكندر هو الذى خطط أسوارها، وحدد شوارعها الرئيسية ومواضع الهيا كل التى اعتزم أن يقيمها لآلهة المصريين واليونان، ثم ترك الباقى لمهندس دنقراطيسى. انظر قصة الحضارة الجزء الثانى من المجلد الثانى، وتاريخ اليونان. وعن فتح مصر يقال إنه اجتمع عمرو بن العاص بعمر بن الخطاب فى الجابية بقرب دمشق، وراح يزين له فتح مصر، وذلك فى خريف 630 م. ومما أبداه من أسباب أن-

نَاحُورَ بْنَ تَيْرَح، فَوَلَدَ نَاحُورُ: مُقَوّمَ بْنَ نَاحُورٍ: فَوَلَدَ مُقَوّمُ أُدَدَ بْنَ مُقَوّمٍ: فَوَلَدَ أُدَدُ: عَدْنَانَ بْنَ أُدَدَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويقال: عدنان بن أدّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَمِنْ عَدْنَانَ تَفَرّقَتْ الْقَبَائِلُ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِمَا السّلَامُ- فَوَلَدَ عَدْنَانُ رَجُلَيْنِ: مَعَدّ بْنَ عَدْنَانَ، وَعَكّ بن عدنان. ـــــــــــــــــــــــــــــ كُوشِ بْنِ كَنْعَانَ «1» . وَأَمّا حَفّنِ الّتِي ذَكَرَ أَنّهَا قَرْيَةُ أُمّ إبْرَاهِيمَ بْنِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرْيَةٌ بِالصّعِيدِ مَعْرُوفَةٌ، وَهِيَ الّتِي كَلّمَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- مُعَاوِيَةَ أَنْ يَضَعَ الْخَرَاجَ عَنْ أَهْلِهَا، فَفَعَلَ مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ حِفْظًا لِوَصِيّةِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِمْ، وَرِعَايَةً لِحُرْمَةِ الصّهْرِ، ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: وذكر أنصنا «2» وهى قرية بالصعيد

_ = مصر ستكون قوة للمسلمين إذا هم ملكوها، وأن حاكم الروم على بيت المقدس هرب إلى مصر، وراح يجمع فيها جنود الدولة، فيجب المبادرة إلى القضاء عليه وقد أقام عمرو عيد الأضحى بالعريش من عام 18 هـ- 12 من ديسبر سنه 639 م، وقد تم تسليم الإسكندرية بعد هذا بعامين «من المؤرخين من يذكر أن فتح مصر حدث سنه 20 أو 25 أو 16» . (1) فى الطبرى ص 102 ج 1 أن القبط هم أولاد قوط بن حام بن نوح، وفى رواية أن مصرايم بن حام بن نوح هو والد المصريين، وفى المسعودى ص 357 ج 1 أن الأقباط هم أولاد قبط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح وأنه قيل لكل قبط: مصر. أما فى القصد والأمم لابن عبد البر فهم «أبناء قبط بن حام» ص 24. (2) يقول عنها صاحب مراصد الاطلاع أنها مدينة أزلية بصعيد مصر فيها برابى وآبار كثيرة. والبرابى جمع بربا بفتح فسكون كلمة قبطية: قصور مبنية فى عدة مواضع من صعيد مصر بها صور ثابتة فى الحجارة من كل حيوان مختلف وقد ركب رءوس بعضها على أبدان غيرها، وخولفت أشكالها يقال إنها كانت من عمل السحرة «المراصد» ويقول ابن عبد الحكم أن العجوز دلوكة ابنة زباء وهى صاحبة حائط العجوز وضعت بها مقياسا للنيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يُقَالُ: إنّهَا كَانَتْ مَدِينَةَ السّحَرَةِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَا يَنْبُتُ اللّبْخُ إلّا بأنصنا، وَهُوَ عُودٌ تُنْشَرُ مِنْهُ أَلْوَاحٌ لِلسّفُنِ، وَرُبّمَا، رَعَفَ نَاشِرُهَا، وَيُبَاعُ اللّوْحُ مِنْهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا، أَوْ نَحْوِهَا، وَإِذَا شُدّ لَوْحٌ مِنْهَا بِلَوْحِ، وَطُرِحَ فِي الْمَاءِ سَنَةً الْتَأَمَا، وَصَارَا لَوْحًا وَاحِدًا «1» . عِكْ فَصْلٌ: وَذَكَرَ عِكْ بْنَ عَدْنَانَ، وَأَنّ بعض أهل اليمن يقول فيه: عكّ ابن عَدْنَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، بْنِ الْأَزْدِ، وَذَكَرَ الدّارَقُطْنِيّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَنْ ابْنِ الْحُبَابِ أَنّهُ قَالَ فِيهِ: عَكّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، بْنِ عُدْثَانَ بِالثّاءِ الْمُثَلّثَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوّلِ أَنّهُ بِنُونَيْنِ، كَمَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِي دَوْسِ بْنِ عُدْثَانَ، أَنّهُ بِالثّاءِ، وَهِيَ قَبِيلَةٌ مِنْ الْأَزْدِ أَيْضًا، وَاسْمُ عَكّ: عَامِرٌ. وَالدّيْثُ الّذِي ذَكَرَهُ هُوَ بِالثّاءِ «2» ، وَقَالَهُ الزّبَيْرُ: الذّيْبُ بالذال والياء، ولعدنان أيضا

_ (1) وكذلك فى القاموس، وزاد أن للّبخة ثمرا كالتمر حلوا لكنه كريه ثم ينقل أسطورة منها أن اللّبخ كان سما بفارس، فنقل إلى مصر، فزالت سمّيته وفى المعجم الوسيط: أنه ينبت فى البلاد الحارة. ورعف: مثل نصر، ومنع، وكرم وعنى، وسمع: خرج من أنفه الرّعاف. وهو الدم. (2) أكثر النسابين الذين تكلموا عن نسب الأزد لم يذكروا الديث. وفى القلائد للقلقشندى: وعك واسمه: الديث، وفى كتاب نسب قريش: أن عكّا اسمه: الحارث، وفى جمهرة ابن حزم أن عكاهو ابن الديث بن عدنان، والنساب يختلفون فى نسب معد بن عدنان، فبعضهم يقول: هو من ولد قيدار، وبعضهم-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابْنٌ اسْمُهُ: الْحَارِثُ، وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ الْمُذَهّبُ «1» ، وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي الْمَثَلِ: أَجْمَل من الْمُذَهّبِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَيْضًا فِي بَنِيهِ الضّحّاكَ وَقِيلَ فِي الضّحّاكِ إنّهُ ابْنُ مَعَدّ، لَا ابْنَ عَدْنَانَ، وَقِيلَ إنّ عَدَنَ الّذِي تُعْرَفُ بِهِ مَدِينَةُ عَدَنٍ، وَكَذَلِكَ أَبْيَنُ هُمَا «2» : ابْنَا عَدْنَانَ، قَالَهُ الطّبَرِيّ. وَلِعَدْنَانَ بْنِ أُدَدٍ أَخَوَانِ: نَبْتُ بْنُ أُدَدٍ، وَعَمْرُو بْنُ أُدَدٍ. قَالَهُ الطّبَرِيّ أَيْضًا. (ذِكْرُ قَحْطَانَ وَالْعَرَبِ الْعَارِبَةِ) أَمّا قَحْطَانُ فَاسْمُهُ مِهْزَمٌ- فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ مَاكُولَا- وَكَانُوا أَرْبَعَةَ إخْوَةٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مُنَبّهٍ: قَحْطَانُ وَقَاحِطٌ وَمِقْحَطٌ وَفَالِغٌ. وَقَحْطَانُ أَوّلُ مَنْ قِيلَ لَهُ: أَبَيْت اللّعْنَ، وَأَوّلُ مَنْ قِيلَ له: عم صباحا «3» ، واختلف فيه، فقيل:

_ - يقول: هو من ولد نبت، وكان نبت بكر إسماعيل، ويقول ابن حجر فى الفتح إنه وقع اضطراب شديد فى النسب بين عدنان وإسماعيل وأنه قد وقع له مما جمعه أكثر من عشرة أقوال، وذكر هذه الأقوال ص 469 ج 1 فتح البارى ط 1 1348 هذا والبيت الذى رواه ابن هشام «وعك بن عدنان» يروى: بمذحج. (1) وبه أيضا كان يلقب قثم بن العباس.. وأصل المذهب: الذهيب: المموه بالذهب. (2) أى عدن وأبين. (3) جملة دعائية، كان- كما روى- ملوك لخم وجذام يخاطبون بها، ومعناها: أبيت أن تفعل شيئا تلعن به، وعم صباحا: تحية تقال فى الصباح ولعل عم اختصار نعم ينعم انعم، فحذف منها الألف والنون.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَصَارَتْ عَكّ فِي دَارِ الْيَمَنِ، وَذَلِكَ أَنّ عَكّا تَزَوّجَ فِي الْأَشْعَرِيّينَ، فَأَقَامَ فِيهِمْ، فَصَارَتْ الدّارُ وَاللّغَةُ وَاحِدَةً، والأشعريون: بَنُو أَشْعَرَ بْنِ نَبْتِ بْنِ أُدَدَ بْنِ زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان ابن سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ، وَيُقَالُ: أَشْعَرُ: نَبْتُ بْنُ أُدَدَ، وَيُقَالُ: أَشْعَرُ: بن مَالِكٍ، وَمَالِكٌ: مَذْحجُ بْنُ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بن هميسع. ويقال أشعر: بن سبأ بن يشجب. ـــــــــــــــــــــــــــــ هُوَ ابْنُ عَابِرِ بْنِ شالَخ، وَقِيلَ: هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ أَخُو هُودٍ، وَقِيلَ: هُوَ هُودٌ نَفْسُهُ، فَهُوَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ إرَمِ بْنِ سَامٍ، وَمَنْ جَعَلَ الْعَرَبَ كُلّهَا من إسمعيل قَالُوا فِيهِ: هُوَ ابْنُ تَيْمَنَ بْنِ قَيْذَرَ بن إسمعيل. ويقال. هو ابن الهميسع ابن يَمَنِ «1» وَبِيَمَنِ سُمّيَتْ الْيَمَنُ فِي قَوْلٍ، وَقِيلَ: بَلْ سُمّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنّهَا عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ. وَتَفْسِيرُ الْهَمَيْسَعِ: الصّرّاعُ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَمَنُ هُوَ. يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ، سُمّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنّ هُودًا عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ لَهُ: أَنْتَ أَيْمَنُ وَلَدَيْ نَقِيبَةَ «2» فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ. قَالَ: وَهُوَ أَوّلُ مَنْ قَالَ الْقَرِيضَ وَالرّجَزَ، وَهُوَ الّذِي أَجْلَى بَنِي حَام إلَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْجِزْيَةَ مِنْ وَلَدِ قُوطَةَ بْنِ يَافِثٍ. قَالَ: وَهِيَ أَوّلُ جِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ أُخِذَتْ فِي بَنِي آدَمَ. وَقَدْ احْتَجّوا «3» لِهَذَا القول أعنى: أن قحطان من ولد إسمعيل

_ (1) اختلف النسابون فى نسب قحطان، فمنهم من نسبه إلى آدم وآخرون إلى عابر بن شالح بن سام بن نوح، وآخرون إلى إسماعيل بن إبراهيم. وكل قول تشعب إلى ثلاثة أقوال. وقد ذكر ابن عبد البر كل هذا فى الإنباه ص 55. (2) نفسا. (3) انظر ص 57 الإنباه على قبائل الرواة لابن عبد البر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ السّلَامُ بقول النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- «ارموا يا بنى إسمعيل فَإِنّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا «1» » قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لِقَوْمِ مِنْ أَسْلَمَ بْنِ أَفْصَى، وَأَسْلَمُ أَخُو خُزَاعَةَ وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَهُمْ مِنْ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ، وَلَا حُجّةَ عِنْدِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ؛ لأنّ اليمن لو كانت من إسمعيل- مع أن عدنان كلها من إسمعيل بِلَا شَكّ- لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ بِالنّسَبِ إلَى إسْمَاعِيلَ مَعْنًى؛ لِأَنّ غَيْرَهُمْ مِنْ العرب أيضا أبوهم إسمعيل، وَلَكِنْ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- عَلَى أَنّ خُزَاعَةَ مِنْ بَنِي قَمَعَةَ «2» أَخِي مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ لُحَيّ- إنْ شَاءَ اللهُ- وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هريرة- رضى الله عنه-

_ (1) نص الحديث كما رواه البخارى فى صحيحه: عن سلمة بن الأكوع قال: «خرج عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق، فقال: ارموا بنى إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميا، وأنا مع بنى فلان- لأحد الفريقين- فأمسكوا بأيديهم فقال: ما لكم؟ قالوا: كيف نرمى، وأنت مع بنى فلان؟ قال: ارموا، وأنا معكم كلكم» انفرد به البخارى. ويتناضلون: يترامون على سبيل المسابقة، وعند ابن حبان والبزار نحو هذه القصة وفيها: وأنا مع ابن الأدرع، واسمه: محجل، وقع ذلك من حديث حمزة بن عمرو الأسلمى فى هذا الحديث عند الطبرانى، قال فيه: وأنا مع محجل بن الأدرع، ومثله فى مرسل عروة وقيل اسم ابن الأدرع: سلمة. وورد أن القائل: كيف نرمى هو: فضلة الأسلمى ج 4106 فتح البارى. (2) لقب عمير بن الياس بن مضر.

وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، لِعَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَحَدِ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسٍ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ معد بن عدنان، يفخر بعكّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ «هِيَ أُمّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السّمَاءِ» «1» يَعْنِي: هَاجَرَ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَأَوّلَ فِي قَحْطَانَ مَا تَأَوّلَهُ غَيْرُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَسَبُهُمْ إلَى «مَاءِ السّمَاءِ عَلَى زَعْمِهِمْ» فَإِنّهُمْ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ، كَمَا يَنْتَسِبُ كَثِيرٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ إلَى حَاضِنَتِهِمْ وَإِلَى رَابّهِمْ، أَيْ: زَوْجِ أُمّهِمْ- كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ قُضَاعَةَ إنْ شَاءَ اللهُ. سَبَأُ وَأُمَيْمٌ وَوِبَارٌ: وَسَبَأٌ اسْمُهُ: عَبْدُ شَمْسٍ- كَمَا ذُكِرَ- وَكَانَ أَوّلَ مَنْ تَتَوّجَ مِنْ مُلُوكِ الْعَرَبِ، وَأَوّلَ مَنْ سَبَى فَسُمّيَ سَبَأً، وَلَسْت مِنْ هَذَا الِاشْتِقَاقِ عَلَى يَقِينٍ؛ لِأَنّ سَبَأَ مَهْمُوزٌ وَالسّبْيُ غَيْرُ مَهْمُوزٍ «2» .

_ (1) جزء من حديث أخرجه البخارى فى باب قوله سبحانه: «وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا» عن محمد بن محبوب عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبى هريرة، وقد تفرد به من هذا الوجه موقوفا، وقد رواه البزار، وأخرجاه من حديث هشام. ويقول ابن عبد البر، وهو يتحدث عن نسب خزاعة: «ولحى اسمه: ربيعة بن حارثه بن عمرو، أو هو مزيقياء بن عامر، وهو ماء السماء بن حارثه بن امرئ القيس، وفى مكان آخر يقول: «وحوط بن أبى حوط أخو المنذر بن ماء السماء لأمه. أمهما جميعا: ماء السماء بنت عوف بن جشم بن هلال» وفى مكان آخر عن مزيقياء: «وأبوه عامر وهو المعروف بماء السماء» ص 93، 99، 107 الإنباه. وفى القاموس: «ماء السماء أم بنى السماء» . (2) ذكره القاموس فى مادة سبأ وسبى. وفى نهاية الأرب: لأنه أول من أدخل بلاد اليمن السبى، وفى المسعودى السبية والسبايا، وكذلك فى البداية لابن-

وَعَكّ بْنُ عَدْنَانَ الّذِينَ تَلَقّبُوا ... بِغَسّانِ حَتّى طُرّدُوا كُلّ مَطْرِدِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَغَسّانُ: مَاءٌ بِسَدّ مارِب بِالْيَمَنِ، كَانَ شِرْبًا لِوَلَدِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، فَسُمّوا بِهِ، وَيُقَالُ: غَسّانُ: مَاءٌ بِالْمُشَلّلِ قَرِيبٌ من الجحفة، والذين شربوا منه تحزبوا، فَسُمّوا بِهِ قَبَائِلُ مِنْ وَلَدِ مَازِنِ بْنِ الأسد ابن الغوث بن نبت، بن مالك، بن زيذ بْنِ كَهْلَانَ، بْنِ سَبَأِ، بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يغرب، بن قحطان. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ أُمَيْمًا، وَيُقَالُ فِيهِ: أَمِيمٌ: وَوَجَدْت بِخَطّ أَشْيَاخٍ مَشَاهِيرَ: أَمّيمٌ، وَأَمّيمٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَكْسُورَةً، وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْكَلَامِ، وَالْعَرَبُ تَضْطَرِبُ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْقَدِيمَةِ قَالَ الْمَعْرِيّ: «1» يَرَاهُ بَنُو الدّهْرِ الْأَخِيرِ بِحَالِهِ ... كَمَا قد رأته جرهم وأميم

_ - كثير، وفى الأغانى كذلك، وقال: اسم سبأ عامر، وكان يقال له عب الشمس أى: عديل الشمس، سمى بذلك لحسنه. ويقول صاحب نهاية الأرب- وهو يتحدث عن الملك فى العرب-: «لم يكن للعرب ملك حقيقى، وإنما كان من ملك حمير فى بلاد اليمن سمى ملكا ... وأول ملوك قحطان: عبد شمس وهو: سبأ» ويذكر نقلا عن كمامة الزهر أنه ملك 484 سنة، وأن يعرب بن قحطان هو أول من نطق بالعربية، ومن حيى بتحية الملك: أبيت اللعن، وأنعم صباحا، ثم قال: والأشهر أن عبد شمس هو أول ملوكهم ج 15 ص 291. ويقول ابن دريد: «وسبأ: اسم يجمع القبيلة كلهم، وهو فى التنزيل مهموز فمن صرف سبأ «أى نوّنها» جعله اسم الرجل بعينه، ومن لم يصرفه جعله اسم القبيلة، واشتقاق سبأ من قولهم: سبأت الخمر أسبؤها سبئا إذا اشتريتها، أو من قولهم: سبأت النار جلده إذا أثرت فيه» ص 361 ولا تنون كلمة سبأ إذا قصد بها القبيلة للعلمية والتأنيث. (1) أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرى التنوخى الشاعر الفيلسوف عاش يضر به الشك، وتأخذ به الحيرة، فكثرت المتناقضات فى شعره فهو يتناوح بين إيمان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَجَاءَ بِهِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَأُمَيْمٌ- فِيمَا ذَكَرُوا- أَوّلُ مَنْ سَقّفَ الْبُيُوتَ بِالْخَشْبِ الْمَنْشُورِ، وَكَانَ مَلِكًا، وَكَانَ يُسَمّى: آدَمَ، وَهُوَ عِنْدَ الْفُرْسِ: آدَمُ الصّغِيرُ، وَوَلَدُهُ: وَبَارٌ، وَهُمْ أُمّةٌ هَلَكَتْ فِي الرّمْلِ، هَالَتْ الرّيَاحُ الرّمْلَ عَلَى فِجَاجِهِمْ وَمَنَاهِلِهِمْ «1» فَهَلَكُوا. قَالَ الشّاعِرُ:

_ - وجنوح عنه. آية شعره فى الكهولة جزالة اللفظ، وبداوة الأسلوب والغموض فى التراكيب، ووجود الغريب من الألفاظ، وهو فوق المتنبى فى دقة الخيال وتصريف القول فى الفلسفة وطبائع البشر ولد بمعرة النعمان سنه 363 وعاش عزبا حتى مات سنة 449 هـ. (1) فى القاموس: وبار كقطام قد يصرف: أرض بين اليمن، ورمال بيرين سميت بوبار ابن إرم لما أهلك الله تعالى أهلها عادا. وفى المراصد أنها أرض واسعة بين الشّحر إلى صنعاء زهاء ثلثمائة فرسخ فى مثلها. قيل كانت من محال عاد بين رمال بيرين واليمن.. وقيل ما بين نجران وحضرموت، وما بين بلاد مهرة والشحر والمهرة بفتح الميم والهاء- وهو الأصح- بخلاف ينسب إليه مهرة، وهم قبيلة من قضاعة بينه وبين عمان نحو شهر، وكذلك بينه وبين حضرموت والشّحر بتشديد الشين وكسرها وسكون الحاء بلدة صغيرة بين عدن وظفار، أو هى صقع على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن، وهو عدة مدن يتناولها هذا الاسم انظر مراصد الاطلاع، وتقويم البلدان لأبى الفداء. والبيت الذى استشهد به السهيلى أنشده سيبوبه للأعشى، وهو فى اللسان: «فهلكت جهرة وبار» بضم الراء، فمن العرب من يجرى وبار مجرى نزال بكسر اللام، ومنهم من يجريها مجرى سعاد. وقد أعرب فى الشعر، ودليله هذا البيت فالقوافى مرفوعة فى القصيد. والفجاج جمع فجّ. وهو الطريق الواسع بين جبلين، والمناهل: جمع منهل: المورد، وهو عين ماء ترده الإبل فى المراعى، وتسمى المنازل التى فى المفاوز على طريق السّفّار مناهل لأن فيها ماء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَرّ دَهْرٌ عَلَى وَبَارٍ ... فَأُهْلِكَتْ عَنْوَةً وَبَارُ وَالنّسَبُ إلَيْهِ أَبَارِيّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَمِنْ الْعَمَالِيقِ «1» مُلُوكُ مِصْرَ الْفَرَاعِنَةُ، مِنْهُمْ: الْوَلِيدُ بْنُ مُصْعَبٍ صَاحِبُ مُوسَى «2» وَقَابُوسُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ إرَاشَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بن عمليق أخو الأول، ومنهم: الرّيّان ابن الْوَلِيدِ صَاحِبُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَيُقَالُ فِيهِ: ابن دومع فيما

_ (1) العمالقة قوم تفرقوا فى البلاد من ولد عمليق بكسر العين، أو عملاق ابن لاوذ بن إرم بن سام، وعمليق هو أخو طسم وجديس. وقد تفرق العماليق فى البلاد، فنزل بعضهم الحرم والبعض الشام، والبعض فارس والعملقة: البول والسّلح أو الرمى بهما، وفرعون لقب كل من ملك مصر قديما. أو كل عات متمرد كفرعون، أو فرعون؛ بضم الفاء فيهما وضم العين فى الأولى وفتحها فى الثانية: وتفرعن تخلق بخلق الفراعنة، والفرعنة: الدهاء والنّكر (2) لم يجزم التاريخ برأى حول اسم فرعون صاحب موسى، فمنهم من يقول إنه: رمسيس الثانى الذى توفى عام 1225 قبل الميلاد، ويزعم الأستاذ جارستاخ عضو بعثة جامعة هزبول إنه كشف فى مقابر أريحا الملكية أدلة تثبت أن موسى قد أنجته فى عام 1527 قبل الميلاد بالتحقيق الأميرة حتشبسوت الملكة فيما بعد، وأنه تربى فى بلاطها بين حاشيتها، وأنه فر من مصر حين جلس على العرش عدوها تحتمس الثالث. وكانت زوجة لأخيها تحتمس الثانى، ولما ارتقى تحتمس الثالث العرش استطاعت حتشبسوت تنحيته. لكن الذى ورد فى القرآن أن المرأة التى أنجته كانت امرأة لفرعون وقت إنجائه يقول سبحانه: (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) القصص. وفى الإصحاح الأول من سفر الخروج ورد أن التى أنجته هى ابنة فرعون لا امرأته، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَكَرَ الْمَسْعُودِيّ «1» . وَأَمّا طَسْمٌ وَجَدِيسٌ فَأَفْنَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَتَلَتْ طَسْمٌ جَدِيسًا لِسُوءِ مَلَكَتِهِمْ إيّاهُمْ، وجورهم فيهم، فأفلت منهم رَجُلٌ اسْمُهُ: رَبَاحُ بْنُ مُرّةَ، فَاسْتَصْرَخَ بِتُبّعِ «2» ، وَهُوَ حَسّانُ بْنُ تُبّانَ أَسْعَدَ «3» ، وَكَانَتْ أُخْتُهُ الْيَمَامَةُ، وَاسْمُهَا عَنَزُ نَاكِحًا فِي طَسْمٍ، وَكَانَ هَوَاهَا مَعَهُمْ، فَأَنْذَرَتْهُمْ، فَلَمْ يَقْبَلُوا، فَصَبّحَتْهُمْ جُنُودُ تُبّعٍ فَأَفَنُوهُمْ قَتْلًا، وَصَلَبُوا الْيَمَامَةَ الزّرْقَاءَ بِبَابِ جَوّ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ، فَسُمّيَتْ جَوّ بِالْيَمَامَةِ مِنْ هُنَالِكَ إلَى الْيَوْمِ «4» وَذَلِكَ فِي أَيّامِ مُلُوكِ الطوائف،

_ (1) والمسعودى يذكر اختلاف الناس فى شأن فرعون، فمنهم من رأى أنه من العماليق، ومنهم من رأى أنه من لخم من بلاد الشام، ومنهم من رأى أنه من الأقباط من ولد مصر بن بيصر وكان يعرف بظلما ونص ما ذكره السهيلى هو فى ص 358 ج 1 المروج. (2) فى نهاية الأرب: رياح بكسر الراء وجمع تبع تبابعة وقد كانت حمير- وهم سبأ- كلما ملك فيهم رجل سموه: تبعا. (3) كنيته: أبو كرب وتبان فى وزن غراب أو رمان. (4) ذكر بعض المؤرخين أن طسما وجد يسا أخوان لثمود بن كاثر وكانت اليمامة ديار جديس وكانت البحرين ديارا لطسم. وعند الطبرى أنهما للاوذ بن سأم بن نوح، وكانت ديارهم اليمامة، وكان عليهم ملك من طسم، وكان غشوما سادرا فى غيه. ويقال له: عملوق، وكان مستذلا لجديس. حتى كان يأبى أن تزف البكر إلى زوجها إلا بعد أن يفترعها، فدبر أحد أبناء جديس كيدا استطاع به القضاء على عملوق أو على عمليق وعلى الرؤساء الذين معه، ولكن أفلت منهم رباح بن مرة ابن طسم، واستغاث بحسان بن تبع، فسمع له، فقال له رباح فى الطريق إن لى أختا متزوجة فى جديس، وإنها لتبصر الراكب على ثلاث مراحل، وأخاف أن تنذر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَبَقِيَتْ بَعْدَ طَسْمٍ يَبَابًا لَا يَأْكُلُ ثَمَرَهَا إلّا عَوَافِي الطّيْرِ وَالسّبَاعِ «1» ، حَتّى وَقَعَ عَلَيْهَا عُبَيْدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْحَنَفِيّ، وَكَانَ رَائِدًا لِقَوْمِهِ فِي الْبِلَادِ، فَلَمّا أَكَلَ الثّمَرَ قَالَ: إنّ هَذَا لَطَعَامٌ، وَحَجّرَ بِعَصَاهُ عَلَى مَوْضِعِ قَصَبَةِ الْيَمَامَةِ، فَسُمّيَتْ: حِجْرًا «2» ، وَهِيَ مَنَازِلُ حَنِيفَةَ إلَى اليوم، وخبر طسم وجديس مشهور اقتصرنا منه على هذه النّبذة لشهرته عند الإخباريين.

_ - القوم بك، فقطع كل رجل من قوم حسان شجرة، وجعلها أمامه وهو يسير بمشورة رباح، فأبصرتهم اليمامة، فأنذرت جديسا، ولكنهم لم يصدقوا، فدهمهم حسان، فأبادهم، وأخرب بلادهم، - وكانت تسمى اليمامة جوّا والقرية، وأتى حسان باليمامة ابنة مرة، فأمر بها، ففقئت عيناها، وسميت جو باليمامة. هذا ما رواه الطبرى ص 38 وما بعدها ج 2 ونقله عنه أبضا ابن خلدون فى تاريخه ص 43 وما بعدها ج 6 طبع لبنان وانظر أيضا ص 339 ج 15 نهاية الأرب ط 2 وبين ما ذكرت وبين ما رواه السهيلى خلاف. فهو يذكر طسما مكان جديس، وهو فى هذا يتابع بعض ما رواه المؤرخون حول هذه القصة كما بين ابن خلدون فى تاريخه ص 46 ج 6 وعنز هى زرقاء اليمامة التى يضرب بها المثل فى حدة البصر. (1) اليباب: الخراب، العوافى: طلاب الرزق من الناس والدواب والطير. (2) حجّر: يقال حجّر الأرض، وعليها، وحولها: وضع على حدودها أعلاما بالحجارة ونحوها لحيازتها، وقصبة البلاد: مدينتها. وحجر اسم ديار ثمود بوادى القرى مدنية بين الشام والحجاز.

قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ- وَالْأَنْصَارُ بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ابْنَيْ حَارِثَةَ، بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو، بْنِ عَامِرٍ، بْنِ حَارِثَةَ، بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، بْنِ ثَعْلَبَةَ، بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بن الغوث: إمّا سَأَلْتِ فَإِنّا مَعْشَرٌ نُجُبٌ ... الْأَسْدُ نِسْبَتُنَا وَالْمَاءُ غَسّانُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. فَقَالَتْ الْيَمَنُ: وَبَعْضُ عَكّ، وَهُمْ الّذِينَ بِخُرَاسَانَ منهم: عكّ بن عدنان ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَيُقَالُ: عدثان بن الدّيث بن عبد الله ابن الأسد بن الغوث. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ذِكْرُ نَسَبِ الْأَنْصَارِ) وَهُمْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَالْأَوْسُ: الذّئْبُ وَالْعَطِيّةُ أَيْضًا، وَالْخَزْرَجُ: الرّيحُ الْبَارِدَةُ، وَلَا أَحْسَبُ الْأَوْسَ فِي اللّغَةِ إلّا الْعَطِيّةَ خَاصّةً، وَهِيَ مَصْدَرُ أُسْته «1» وَأَمّا أَوْسٌ الّذِي هُوَ الذّئْبُ فَعَلَمٌ كَاسْمِ الرّجُلِ، وَهُوَ كَقَوْلِك: أُسَامَةَ فِي اسْمِ الْأَسَدِ. وَلَيْسَ أَوْسٌ إذَا أَرَدْت الذّئْبَ، كَقَوْلِك: ذِئْبٌ وَأَسَدٌ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجُمِعَ وَعُرّفَ- قَالَ- كَمَا يُفْعَلُ بِأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ،

_ (1) فى القاموس: الأوس: الإعطاء والتعويض من الشئ والذئب والنهزة بضم النون وسكون الهاء، وفى المعجم الوسيط: آسه أوسا وإياسا: أعطاه، وعوّضه مما فقده، وأعانه، وفى معجم ابن فارس: الهمزة والواو والسين كلمة واحدة، وهى العطية. وقالوا: أسست الرجل. أءوسه أوسا: أعطيته، ويقال الأوس: العوض. وأوس: الذئب، ويكون اشتقاقه مما ذكرنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَقِيلَ فِي الْأُنْثَى: أَوْسَةٌ كَمَا يُقَالُ: ذِئْبَةٌ، وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُقَوّي هَذَا، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام: «هذا أويس يسئلكم مِنْ أَمْوَالِكُمْ» فَقَالُوا: «لَا تَطِيبُ لَهُ أَنْفُسُنَا بشئ» وَلَمْ يَقُلْ: هَذَا الْأَوْسُ فَتَأَمّلْهُ، وَلَيْسَ أَوْسٌ عَلَى هَذَا مِنْ الْمُسَمّيْنَ بِالسّبَاعِ، وَلَا مَنْقُولًا مِنْ الْأَجْنَاسِ إلّا مِنْ الْعَطِيّةِ خَاصّةً. وَفِيهِ عَمْرٌو، وَهُوَ مُزَيْقِيَاءُ، لِأَنّهُ- فِيمَا ذَكَرُوا- كَانَ يُمَزّقُ كُلّ يَوْمٍ حُلّةً. ابْنُ عَامِرٍ، وَهُوَ: مَاءُ السّمَاءِ. ابْنُ حَارِثَةَ الْغِطْرِيفُ «1» بْنِ امْرِئِ القيس، وهو: البهلول بن ثعلبة الصّنم ابن مَازِنِ السّرَاجِ ابْنِ الْأَسَدِ، وَيُقَالُ لِثَعْلَبَةَ أَبِيهِ: الصّنم، وكان يقال لثعلبة ابن عمر وجد الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ: ثَعْلَبَةُ الْعَنْقَاءُ، وَكَأَنّهُمْ مُلُوكٌ مُتَوَجّونَ، وَمَاتَ حَارِثَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْعَنْقَاءُ «2» وَالِدُ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ ظُهُورِهِمْ عَلَى الرّومِ بِالشّامِ، وَمُصَالَحَةِ غَسّانَ لِمَلِكِ الرّومِ، وَكَانَ مَوْتُ حَارِثَةَ وَجِذْعِ بْنِ سِنَانٍ مِنْ صَيْحَةٍ كَانَتْ بَيْنَ السماء والأرض سمع فيها صَهِيلَ الْخَيْلِ، وَبَعْدَ مَوْتِ حَارِثَةَ كَانَ مَا كَانَ مِنْ نَكْثِ يَهُودِ الْعُهُودِ، حَتّى ظَهَرَتْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ عَلَيْهِمْ بِمَنْ اسْتَنْصَرُوا بِهِ مِنْ مُلُوكِ جَفْنَةَ «3» وَيُقَالُ فِي الْأَسْدِ: الْأَزْدُ بِالسّينِ والزاى «4» واسمه:

_ (1) فى الاشتقاق لابن دريد ص 435: البطريق. (2) لقب بهذا- كما فى القاموس والاشتقاق لابن دريد- لطول عنقه. (3) واشتقاقها إمّا من الجفنة المعروفة- وهى القصعة والبئر الصغيرة أو من الجفن بفتح الجيم والفاء وهو الكرم بسكون الرء وجفن السيف غمده وجفن الإنسان معروف «عن الاشتقاق» . (4) وهو بالسين أفصح،

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مَعَدّ بْنُ عَدْنَانَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: نِزَارَ بْنَ مَعَدّ، وَقُضَاعَةَ بْنَ مَعَدّ، وَكَانَ قُضَاعَةُ بِكْرَ مَعَدّ الّذِي بِهِ يُكَنّى- فِيمَا يَزْعُمُونَ- وقُنُص بْنَ مَعَدّ، وَإِيَادَ بْنَ مَعَدّ فَأَمّا قُضَاعَةُ فَتَيَامَنَتْ إلَى حِمْيَرِ بْنِ سَبَأٍ- وَكَانَ اسْمُ سَبَأٍ: عَبْدَ شَمْسٍ، وَإِنّمَا سُمّيَ سَبَأً؛ لِأَنّهُ أَوّلُ مَنْ سَبَى فِي الْعَرَبِ- ابْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قحطان. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَقَالَتْ الْيَمَنُ وَقُضَاعَةُ: قُضَاعَةُ بن مالك بن حمير. وقال ـــــــــــــــــــــــــــــ الازدراء «1» ابن الْغَوْثِ. قَالَهُ وَثِيمَةُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفُرَاتِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: سُمّيَ أَسْدًا لِكَثْرَةِ مَا أَسْدَى إلَى النّاسِ مِنْ الْأَيَادِي «2» . وَرُفِعَ فِي النّسَبِ إلَى كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَكَهْلَانُ كَانَ مَلِكًا بَعْدَ حِمْيَرَ، وَعَاشَ- فِيمَا ذَكَرُوا- ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ ثُمّ تَحَوّلَ الْمُلْكُ إلَى أَخِيهِ «3» حِمْيَرَ، ثُمّ فِي بَنِيهِمْ، وَهُمْ: وَائِلٌ «4» وَمَالِكٌ وَعَمْرٌو وَعَامِرٌ وَسَعْدٌ وَعَوْفٌ. وَذَكَرَ لَطْمَةَ وَلَدِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ لِأَبِيهِ، وَأَنّهُ كَانَ أَصْغَرَ وَلَدِهِ. قَالَ

_ (1) فى نهاية الأرب. دراء أو درء ص 311 ج 2 (2) أما ابن دريد، فيقول فى الاشتقاق إنه من قولهم: أسد الرجل يأسد أسدا إذا تشبه بالأسد. (3) هما: ابنا سبأ وفى المسعودى أن الذى تولى الملك بعد كهلان هو أبو مالك عمرو بن سبأ وكان ملكه 300 سنة، وقيل: إن الذى ملك بعد كهلان: الحارث بن شداد الملقب بالرائش المعروف بذى المنار ص 74 ج 2. (4) فى نهاية الأرب وائلة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَسْعُودِيّ: وَاسْمُهُ: مَالِكٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: ثَعْلَبَةُ. وَقَالَ: وَيُقَالُ إنّهُ كَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ. وَقَوْلُ حسان «1» : إمّا سَأَلْتِ فَإِنّا مَعْشَرٌ أُنُفٌ «2» ... الْأَسْدُ نِسْبَتُنَا، وَالْمَاءُ غَسّانُ يَا أُخْتَ آلِ فِرَاسٍ إنّنِي رَجُلٌ ... مِنْ مَعْشَرٍ لَهُمْ فِي الْمَجْدِ بُنْيَانُ وَاشْتِقَاقُ غَسّانَ اسْمُ ذَلِكَ الْمَاءِ مِنْ الْغَسّ، وَهُوَ الضّعِيفُ كَمَا قَالَ: غُسّ الْأَمَانَةِ صُنْبُورٌ فَصُنْبُورُ «3» .

_ (1) هو صاحب الرسول وشاعره الذائد عنه بشعره. واسمه: حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام، ولد بالمدينة، عاش قبل إسلامه على مدح المناذرة والغساسنة، ولكنه بالغ فى مدح آل جفنة من ملوك غسان ثم أسلم، وعاش إبان البعثة وشعره لمحمد- صلى الله عليه وسلم- توفى سنة 54 هـ عاش- كما جاء فى الأغانى- 120 سنة. (2) فى السيرة: نجب بدلا من أنف، وكذلك فى اللسان وفى القاموس الغسن المضغ، وبالضم الضعيف. والغسنة والغسناه: خصلة الشعر وعند ابن دريد هى من الغسنة أو من قولهم غيسان الشباب وهو أوله وطراءته. (3) البيت فى ديوان أوس بن حجر وفى معجم مقاييس اللغة لابن فارس مخلّفون ويقضى الناس أمرهم ... غسّو الأمانة صنبور فصنبور ويقول الأستاذ عبد السلام هرون فى تعليقه على المادة فى معجم مقاييس اللغة إنّ اللسان ذكرها فى (صنبر وغشش، برواية غش الأمانة بالشين وفى غسس: غس بالسين وضم الغين، ونبه فى هذا الموضع الأخير على روايته بجمع المكسر «غشّ» وغشّ، بالنصب على الذم، وبجمع التصحيح غسّو الأمانة بالرفع والإضافة وغسّى بالنصب والإضافة لما بعده» وابن فارس يقول عن غس: «ليس فيه إلا قولهم: رجل غس إذا كان ضعيفا» وأصل الصنبور: النخلة تبقى منفردة وينتشر ويدق أسفلها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيُرْوَى غَسّي، وَيُقَالُ لِلْهِرّ إذَا زُجِرَ: غِسْ بِتَخْفِيفِ السّينِ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ. وَالْغَسِيسَةُ «1» مِنْ الرطب: التى يبدأها الإرطاب من قبل معلاقها، وَلَا تَكُونُ إلّا ضَعِيفَةً سَاقِطَةً. سَبَأٌ وَسَيْلُ الْعَرِمِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَفَرّقَ سَبَأٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: تَفَرّقُوا أَيْدِي سَبَأً وَأَيَادِي سَبَأً نَصْبًا عَلَى الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ مَعْرِفَةً فِي الظّاهِرِ لِأَنّ مَعْنَاهُ: مِثْلَ أَيْدِي سَبَأٍ وَالْيَاءُ سَاكِنَةٌ فِيهِ فِي مَوْضِعِ النّصْبِ، لِأَنّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ اسْمَيْنِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا «2» مِثْلَ: مَعْدِي كَرِبَ، وَلَمْ يُسَكّنُوهَا فِي ثَمَانِي عَشْرَةَ، لِأَنّهَا مُتَحَرّكَةٌ فِي ثمانية عشر.

_ (1) فى القاموس «غس- بفتح الغين- زجر القط فقال: غس «بكسر الغين» والمغسوسة: نحل ترطب ولا حلاوة لها. والغس: الضعيف واللئيم والغسيس الرطب الفاسد. (2) فى اللسان: «وقالوا: تفرقوا أيدى سبا، وأيادى سبا، فبنوه وليس بتخفيف عن سبأ لأن صورة تحقيقه ليست على ذلك، وإنما هو بدل لكثرته فى كلامهم. قال من صادر أو وارد أيدى سبا. وقال كثير: أيادى سبايا عزّ ما كنت بعدكم ... فلم يحل للعينين بعدك منزل وضربت العرب بهم المثل فى الفرقة، لأنه لما أذهب الله عنهم جنتهم، وغرق مكانهم تبدد وافى البلاد. وقولهم: ذهبوا أيدى سبا أى متفرقين شبّهوا بأهل سبأ لما مزقهم الله فى الأرض كل ممزق. فأخذت كل طائفة منهم طريقا على حدة، واليد: الطريق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَصْلٌ: وَذَكَرَ سَيْلَ الْعَرِمِ، وَفِي الْعَرِمِ أَقْوَالٌ: قِيلَ: هُوَ الْمُسَنّاةُ «1» أَيْ: السّدّ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِلْوَادِي، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَقِيلَ: هُوَ الْجُرَذُ الّذِي خَرّبَ السّدّ، وَقِيلَ: هُوَ صِفَةٌ لِلسّيْلِ مِنْ الْعَرَامَةِ، وَهُوَ معنى رواية علىّ ابن أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيّ: الْعَرِمُ «2» : مَاءٌ أَحْمَرُ حُفِرَ فِي الْأَرْضِ حَتّى ارْتَفَعَتْ عَنْهُ الْجَنّتَانِ، فَلَمْ يَسْقِهِمَا، حَتّى يَبِسَتْ، وَلَيْسَ الْمَاءُ الْأَحْمَرُ مِنْ السّدّ، وَلَكِنّهُ كَانَ عَذَابًا أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ. انْتَهَى كَلَامُ الْبُخَارِيّ. وَالْعَرَبُ تُضِيفُ الِاسْمَ إلَى وَصْفِهِ، لِأَنّهُمَا اسْمَانِ، فَتُعَرّفُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ. وَحَقِيقَةُ إضَافَةِ الْمُسَمّى إلَى الِاسْمِ الثّانِي، أَيْ: صَاحِبُ هَذَا الِاسْمِ كَمَا تَقُولُ: ذُو زَيْدٍ أَيْ، الْمُسَمّى بِزَيْدِ، وَمِنْهُ سَعْدُ ناشرة وعمرو بطّة «3» .

_ (1) فى المطبوعة: المنسأة ولكنها: المسنّاة التى تحبس الماء. (2) واحد العرم: العرمة بفتح العين والراء أو كسرها، وفى الطبرى أنها هكذا بلسان حمير أو بلحن اليمن، وهى صفة للمسناة وليست اسمالها، وفى القاموس: عرم بفتح فكسر: جمع بلا واحد، أو هو الأحباس تبنى فى الأودية، والجرذ. ضرب من الفيران والعرم أيضا المطر الشديد، وواد، والعرامة: الشده. وفى نهاية الأرب أيضا أن بانى السد هو لقمان الأكبر بن عاد أحد ملوك حمير «ص 337 ج 5 نهاية الأرب» . (3) فى اللسان: «وزيد بطة لقب. قال سيبويه: إذا لقبت مفردا بمفرد أضفته إلى اللقب وذلك قولك: هذا قيس بطة. جعلت بطة معرفة لأنك أردت المعرفة التى أردتها إذا قلت: هذا سعيد، فلو نونت بطة صار سعيد نكرة، ومعرفة بالمضاف إليه، فيصير بطة ههنا كأنه كان معرفة قبل ذلك، ثم أضيف إليه، وقالوا: هذا عبد الله بطة «بضم الآخر» فجعلوا بطة تابعا للمضاف الأول قال سيبويه. فإذا لقبت مضافا بمفرد جرى أحدهما على الآخر كالوصف، وذلك-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُ الْأَعْشَى «1» : وَمَأْرِبٌ عَفّى عَلَيْهَا الْعَرِمْ. يَقْوَى أَنّهُ السّيْلُ. وَمَأْرِبٌ بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ: اسْمٌ لِقَصْرِ كَانَ لَهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِكُلّ مَلِكٍ كَانَ يَلِي سَبَأَ، كَمَا أَنّ تُبّعًا اسْمٌ لِكُلّ مَنْ وَلِيَ الْيَمَنَ، وَحَضْرَمَوْتَ والشحر. قَالَهُ الْمَسْعُودِيّ. وَكَانَ هَذَا السّدّ مِنْ بِنَاءِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ «2» ، وَكَانَ سَاقَ إلَيْهِ سَبْعِينَ وَادِيًا، وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمّهُ، فَأَتَمّتْهُ مُلُوكُ حِمْيَرَ بَعْدَهُ. وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: بَنَاهُ لُقْمَانُ بْنُ عَادٍ، وَجَعَلَهُ فَرْسَخًا، وَجَعَلَ لَهُ ثَلَاثِينَ مثقبا.

_ - قولك: هذا عبد الله بطة يا فتى «اللسان مادة بط» أما سعد ناشرة فكوكبان بينهما فى المنظر نحو ذراع، هذا وفى العرب سعود كثيرة: سعد تميم وسعد قيس وسعد هذيل وسعد بكر. (1) هو أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل، نشأ فى اليمامة. وسمع بأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- فصنع قصيدة فى مدحه، ولكن قريشا أعطته مائة من الإبل، فرجع ولكنه سقط عن ناقته، فدقت عنقه قرب اليمامة، وهو راجع. لقب بصناجة العرب. والشطرة التى ذكرها السهيلى من بيت أوله: ففى ذاك للمؤتسى أسوة ... ومأرب عفّى عليه العرم رجام بنته لهم حمير ... إذا جاء ماؤهم لم يرم والقصيدة فى ديوانه ص 43 من طبع القاهرة من قصيدة فى مدح قيس بن معد يكرب. وفيه «قفّى. رخام ومواره» مكان عفى ورجام، وماؤهم. والرجام: الصخور. (2) ويقال: إنها بلقيس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُ الْأَعْشَى: إذَا جَاءَ مَوّارُهُ لَمْ يَرِمْ. مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) . فَهُوَ مَفْتُوحُ الْمِيمِ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ مَضْمُومَ الْمِيمِ، وَالْفَتْحُ: أَصَحّ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: دَمٌ مَائِرٌ أَيْ: سَائِلٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَمِرّ الدّمَ بِمَا شِئْت» «1» أَيْ أَرْسِلْهُ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَمْرِ بِسُكُونِ الْمِيمِ، جَعَلَهُ مِنْ مَرَيْت الضّرْعَ. وَالنّفْسُ إلَى الرّوَايَةِ الْأُولَى أَمْيَلُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النّقّاشُ، وَفَسّرَهُ. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَرِمْ أَيْ: لَمْ يُمْسِكْهُ السّدّ حَتّى يَأْخُذُوا مِنْهُ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: فَأَرْوِي الزّرُوعَ وَأَعْنَابَهَا أَيْ: أَعْنَابَ تِلْكَ الْبِلَادِ، لِأَنّ الزّرُوعَ لَا عِنَبَ لَهَا. وَأَنْشَدَ لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ: مِنْ سَبَأِ الْحَاضِرِينَ مَأْرِب إذْ ... يَبْنُونَ مِنْ سَيْلِهِ الْعَرِمَا «2» وَهَذَا أَبْيَنُ شَاهِدٍ عَلَى أَنّ الْعَرِمَ هو السد، واسم أبى الصلت: ربيعة ابن وَهْبِ بْنِ عِلَاجٍ الثّقَفِيّ وَأُمّهُ: رُقَيّةُ بِنْتُ عبد شمس بن عبد مناف.

_ (1) الحديث رواه أحمد فى مسنده، وأبو داود. وابن ماجة والحاكم عن عدى بن حاتم. (2) البيت فى اللسان هكذا: شرد من دون سيله العرما. ويقال إن مأرب اسم لقصر الملك وفيه يقول أبو الطّمحان. ألم تروا مأربا ما كان أحصنه ... وما حواليه من سور وبنيان

"قنص بن معد ونسب النعمان":

عَمْرُو بْنُ مُرّةَ الْجُهَنِيّ، وَجُهَيْنَةُ بْنُ زَيْدِ، بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ، بْنِ أسلم، بن الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ: نَحْنُ بَنُو الشّيْخِ الْهِجَانِ الْأَزْهَرِ ... قُضَاعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرِ النّسَبِ الْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ ... فِي الْحَجَرِ الْمَنْقُوشِ تَحْتَ المنبر [ «قنص بن معد ونسب النعمان» :] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا قُنُصُ بْنُ مَعَدّ فَهَلَكَتْ بَقِيّتُهُمْ- فِيمَا يَزْعُمُ نُسّابُ مَعَدّ- وَكَانَ مِنْهُمْ النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ مَلِكُ الْحِيرَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ: أَنّ النّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ كَانَ مِنْ وَلَدِ قُنُصِ بْنِ معدّ. قال ابن هشام: ويقال: قنص. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ذَكَرَ مَعَدّ وَوَلَدِهِ) قَوْلُهُ: وَوَلَدَ مَعَدّ أَرْبَعَةَ نفر، أما نزار فَمُتّفَقٌ عَلَى أَنّهُ ابْنُ مَعَدّ، وَسَائِرُ وَلَدِ مَعَدّ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَمِنْهُمْ جُشَمُ بْنُ مَعَدّ وَسِلْهِمُ بْنُ مَعَدّ وَجُنَادَةُ بْنُ مَعَدّ، وَقُنَاصَةُ بْنُ مَعَدّ، وَقُنُصُ «1» بْنُ مَعَدّ وَسَنَامُ بْنُ مَعَدّ، وَعَوْفٌ- وَقَدْ انْقَرَضَ عَقِبُهُ- وَحَيْدَانُ، وَهُمْ الْآنَ فِي قُضَاعَةَ، وَأَوْدٌ، وَهُمْ فِي مُذْحِجٍ يَنْسُبُونَ بَنِي أَوْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِنْهُمْ عُبَيْدٌ الرّمّاحُ وَحَيْدَةُ وَحَيَادَةُ وَجُنَيْدٌ وَقَحْمٌ، فَأَمّا قُضَاعَةَ فَأَكْثَرُ النّسّابِينَ يَذْهَبُونَ إلَى أَنّ قُضَاعَةَ هُوَ: ابْنُ مَعَدّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الزّبَيْرِيّينَ، وَابْنِ هِشَامٍ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عن

_ (1) وقنص أيضا بضم القاف والنون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عائشة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أَنّهُ سُئِلَ عَنْ قُضَاعَةَ، فَقَالَ: هُوَ ابْنُ مَعَدّ، وَكَانَ بِكْرَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَيْسَ دُونَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ مَنْ يُحْتَجّ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «1» ، وَقَدْ عَارَضَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ. وَجُهَيْنَةُ: هُوَ ابْنُ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أسلم- بضم اللام- ابن الحاف ابن قُضَاعَةَ أَنّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: لِمَنْ نَحْنُ؟ فَقَالَ: أَنْتُمْ بَنُو مَالِكِ بْنِ حِمْيَرَ «2» . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرّةَ- وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُكَنّى أَبَا مَرْيَمَ: يَأَيّهَا الدّاعِي اُدْعُنَا وَأَبْشِرْ ... وَكُنْ قُضَاعِيّا وَلَا تَنَزّرْ نَحْنُ بَنُو الشّيْخِ الْهِجَانِ الْأَزْهَرَ ... قُضَاعَةَ بْنَ مالك بن حمير «3»

_ (1) فى الإنباه ص 59 لابن عبد البر. (2) ذكره ابن عبد البر فى الإنباه وقال: رواه جرير بن حازم عن ابن لهيعة عن معروف بن سويد عشانة المعافرى عن عقبة بن عامر الجهنى. (3) يقول ابن عبد البر فى الإنباه ص 61 «وكان أول من انتسب من قضاعة إلى مالك بن حمير الأفلح بن يعقوب حيث يقول: يَأَيّهَا الدّاعِي اُدْعُنَا وَأَبْشِرْ ... وَكُنْ قُضَاعِيّا وَلَا تَنَزّرْ نَحْنُ بَنُو الشّيْخِ الْهِجَانِ الْأَزْهَرِ ... قُضَاعَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرِ النّسَبِ الْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ وفى الأغانى ج 8 ص 90 طبع لبنان: «وقال راجز من قضاعة ينسبهم إلى حمير. قضاعة الأثرون خير معشر ... قضاعة بن مالك بن حمير ثم: يَأَيّهَا الدّاعِي اُدْعُنَا وَأَبْشِرْ ... وَكُنْ قُضَاعِيّا وَلَا تنزر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ ذُو الْحَسَبَيْنِ: قَالَ الزّبَيْرُ: الشّعْرُ لِأَفْلَحَ بْنِ الْيَعْبُوبِ. وَعَمْرُو بْنُ مُرّةَ هَذَا لَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا: فِي أَعْلَامِ النّبُوّةِ، وَالْآخَرُ: «مَنْ وَلِيَ أَمْرَ النّاسِ، فَسَدّ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ، وَالْخَلّةِ وَالْمَسْكَنَةِ سَدّ اللهُ بَابَهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلّتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ «1» » وَمِمّا احْتَجّ بِهِ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوّلِ أَيْضًا قَوْلُ زُهَيْرٍ «2» :

_ - قضاعة الأثرون الخ ثم يقول: قال مؤرج بن عمرو: «وهذا شئ قيل فى آخر أيام بنى أمية» . وفى نسب قريش ص 5 وردت هذه الأبيات أيضا مع تقديم وتأخير. ومعنى تنزر انتمى إلى قبيلة نزار، أو تشبه بهم، والهجان الكريم الحسب النقية. والأزهر كل لون أبيض صاف مشرق مضئ. (1) رواه الترمذى. ورواه أبو داود ولفظه بسنده عن عمرو بن مرة الجهنى أنه قال لمعاوية: «سَمِعْت رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة» فجعل معاوية رجلا على حوائج المسلمين، ورواه الحاكم بنحو لفظ أبى داود وقال: صحيح الإسناد. وعقبة بن عامر أشهر كنية له. أبو حماد ولى البصره سنة 44 فى عهد معاوية. وظل فيها ثلاث سنوات وتوفى سنة 58 وله خمسة وخمسون حديثا. والخلة. الحاجة والفقر. (2) زهير بن أبى سلمى ربيعة بن رباح المزنى، وقد نشأ فى بيت عريق فى الشاعرية فأبوه وخاله وأختاه سلمى والخنساء، وولداه كعب وبجير من الشعراء النايهين. ويدور التفاضل بينه وبين النابغة وامرئ القيس؛ أما لبيد، فهو أبو عقيل لبيد بن ربيعة العامرى يقال. إنه عاش حتى أدرك الإسلام، فأقبل على الرسول- صلى الله عليه وسلم- فى وفد من قومه، فأسلم وحفظ القرآن وينسب إليه أنه لم يقل بعد إسلامه سوى: الحمد لله إذ لم يأتنى أجلى ... حتى لبست من الإسلام سربالا-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قُضَاعِيّةٌ أَوْ أُخْتُهَا مُضَرِيّةٌ ... يُحَرّقُ فِي حَافّاتِهَا الْحَطَبُ الْجَزْلُ فَجَعَلَ قُضَاعَةَ وَمُضَرَ أَخَوَيْنِ: وَأَشْعَارٌ كَثِيرَةٌ لِلَبِيدٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ قَالَ الْكُمَيْتُ يُعَاتِبُ قضاعة فى انتسابهم إلى اليمن: علا م نَزَلْتُمْ مِنْ غَيْرِ فَقْرٍ ... وَلَا ضَرّاءَ مَنْزِلَةَ الْحَمِيلِ وَالْحَمِيلُ: الْمَسْبِيّ لِأَنّهُ يَحْمِلُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ. قَالَ الْأَعْمَشُ: كَانَ أَبِي حَمِيلًا فَوَرّثَهُ مَسْرُوقٌ. أَرَادَ أَنّ مَسْرُوقًا كَانَ يَرَى التّوَارُثَ بِوِلَادَةِ الْأَعَاجِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: كَانَ أَبِي وَمَالِكٌ وَابْنُ دِينَارٍ وَالْمُغِيرَةُ يَقُولُونَ فِي الحميل- وهو المسبىّ- بقول ابْنُ هُرْمُزَ «1» ثُمّ رَجَعَ مَالِكٌ قَبْلَ مَوْتِهِ بيسير إلى قول ابن شهاب،

_ - وكانت وفاته بالكوفة سنة 41 هـ. والكميت هو أبو المستهل الكميت بن زيد الأسدى الكوفى هو أشعر شعراء المتشيعين لبنى هاشم، وأهل بيت على رضى الله عنه ولد سنة 60 هـ ومات سنة 126 هـ. الحميل. الدّعىّ- أى المطعون فى نسبه، والمنسوب إلى غير أبيه. والحميل أيضا: الطفل المنبوذ يحمله قومه فيربونه، والبيت فى الإنباه أيضا. (1) الأعمش هو: أبو محمد سليمان بن مهران الكوفى، كان حافظا متثبتا، ولكن كان فيه تشيع ولد سنة 61، وتوفى سنة 148 هـ وابن الماجشون من أهل المدينة وأصحاب مالك. اسمه: عبد الملك بن عبد العزير بن عبد الله بن أبى سلمة الماجشون- وهى المورد بالفارسية- سمى بهذا الحمرة فى وجهه، وكان فى زمانه مفتى المدينة توفى سنة 212، أو 214. ومسروق هو: مسروق بن الأجدع بن مالك أبو عائشة الكوفى كان فقيها من أصحاب ابن مسعود. روى عن الخلفاء الراشدين الأربعة قال عنه ابن المدينى. ما أقدم على مسروق من أصحاب عبد الله أحدا توفى سنة 62 هـ. ومالك هو: مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر صاحب-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَنّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ، وَلَمّا تَعَارَضَ الْقَوْلَانِ فِي قُضَاعَةَ، وَتَكَافَأَتْ الْحِجَاجُ نَظَرْنَا فَإِذَا بَعْضُ النّسّابِينَ- وَهُوَ الزّبَيْرُ- قَدْ ذَكَرَ مَا يَدُلّ عَلَى صِدْقِ الْفَرِيقَيْنِ وَذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ أَوْ غَيْرِهِ أَنّ امْرَأَةَ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرَ، واسْمُهَا: عُكْبُرَةُ آمَتْ مِنْهُ «1» وَهِيَ تُرْضِعُ قُضَاعَةَ، فَتَزَوّجَهَا مَعَدّ، فَهُوَ رَابّهُ، فَتَبَنّاهُ، وَتُكَنّى بِهِ، وَيُقَالُ: بَلْ وَلَدَتْهُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَنُسِبَ إلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الزّبَيْرِ، كَمَا نُسِبَ بَنُو عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ إلَى عَلِيّ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَازِنِ بْنِ الذّئْبِ الْأَسَدِيّ، لِأَنّهُ كَانَ حَاضِنَ أَبِيهِمْ، وَزَوْجَ أُمّهِمْ، فَيُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَلِيّ إلَى الْآنِ، وَكَذَلِكَ عُكْلٌ «2» ، وَهُوَ حَاضِنُ بَنِي عَوْفِ بْنِ وُدّ بْنِ طَابِخَةَ، وَلَكِنْ لا يعرفون إلا

_ - الموطأ. قال عنه الذهبى: اتفق لمالك مناقب ما علمتها اجتمعت لغيره. طول العمر وعلو الرواية، والذهن الثابت، والفهم، وسعة الاطلاع، واتفاق الأئمة على أنه حجة صحيح الرواية تجمعهم على دينه وعدالته، واتباع السنن، تقدمه فى الفقه والتقوى ولد سنة 93 وتوفى سنة 179 والمغيرة هو: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث ابن عبد الله. قال عنه الزبير بن بكار. كان المغيرة فقيه أهل المدينة بعد مالك. توفى المغيرة سنة 186 هـ وابن دينار: هو محمد بن إبراهيم بن دينار الجهنى أبو عبد الله كان مفتى أهل المدينة مع مالك وعبد العزير بن أبى سلمة وبعدهما. ودرس مع مالك على ابن هرمز توفى سنة 182 هـ (1) أصل العكبرة. المرأة الجافية فى خلقها، وآمت المرأة، أيما، وأيوما وأيمة. أقامت بلا زوج بكرا أو ثيبا، وفقدت زوجها. (2) عكل بضم العين أو كسرها. اللئيم- وفى القاموس: وعكل أبو قبيلة فيهم غباوة اسمه: عوف بن عبد مناة حضنته أمة تدعى: عكل فلقب به، وعند ابن دريد أن اشتقاق عكل من عكلت الشئ عكلا إذا جمعته وفى الإنباه: عكل: امرأة حضنت ابن عوف بن قيس بن وائل بن عوف بن عبد مناة بن أد، فنسبوا إليها، وسودان وثعلبة بنو عمرو بن الغوث من طئ نسبوا إلى حواضنهم أيضا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِعُكْلِ، وَكَذَلِكَ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ «1» إنّمَا هُمْ بنو سعد بن زيد من قُضَاعَةَ، وَهُذَيْمٌ كَانَ حَاضِنَ سَعْدٍ، فَنُسِبَ إلَيْهِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَسَيَأْتِي مِنْهُ فِي الْكِتَابِ زِيَادَةٌ- إنْ شَاءَ اللهُ- وَتَفْسِيرُ قُضَاعَةَ فِيمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: كَلْبُ الْمَاءِ، فَهُوَ اسْمٌ مَنْقُولٌ مِنْهُ، وَهُوَ لَقَبٌ لَهُ، وَاسْمُهُ: عَمْرٌو، وَيُكَنّى أَبَا حَسَنٍ وَكُنْيَتُهُ: أَبَا حكم فيما ذكروا «2» . وقول ابن إسحق: كَانَ بِكْرَ مَعَدّ، فَالْبِكْرُ أَوّلُ وَلَدِ الرّجُلِ، وَأَبُوهُ بِكْرٌ وَالثّنْيُ وَلَدُهُ الثّانِي، وَأَبُوهُ ثَنْيٌ، وَالثّلْثُ وَلَدُهُ الثّالِثُ، وَلَا يُقَالُ لِلْأَبِ ثِلْثٌ، ولا يقال فيما بعد الثالث شئ من هذا، قاله الخطابى. وَمِمّا عُوتِبَتْ بِهِ قُضَاعَةُ فِي انْتِسَابِهِمْ إلَى الْيَمَنِ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي تَغْلِبَ، وَقِيلَ هِيَ لِرَجُلِ مِنْ كَلْبٍ، وَكَلْبٌ مِنْ قُضَاعَةَ. أَزَنّيْتُمْ عَجُوزَكُمْ، وَكَانَتْ ... قَدِيمًا لَا يُشَمّ لَهَا خِمَارُ عجوز لودنا منها يمان ... للاقى مثل مالاقى يسار «3»

_ (1) فى القاموس «سعد بن هذيم كزبير أبو قبيلة، وهو ابن زيد لكن حضنه عبد أسود اسمه هذيم: فغلب عليه. (2) وعند ابن دريد أن قضاعة مشتقة من شيئين. إما من قولهم. انقضع الرجل عن أهله إذا بعد عنهم! أو من قولهم. تقضع بطنه إذا أوجعه، ووجد فى جوفه وجعا، وفى القاموس: قضاعة إنها كلبة الماء، وغبار الدقيق، وما يتحتت من أصل الحائط، وبقضاعة لقب عمرو بن مالك بن حمير، ثم ذكر أنها قد تكون فوق هذا من قضعه بفتح أى قهره وانظر أيضا ص 283 ج 2 نهاية الأرب وانظر ص 61 من الإنباه لابن حزم، وص 90 ج 8. (3) فى الإنباه: وقيل: إنها لبعض بنى تَيْمِ اللّاتِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كلب يخاطب قضاعة ص 62 12 زناه نسبه إلى الزنا، واتهمه به، وفى الإنباه عن-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يُرِيدُ: يَسَارَ الْكَوَاعِبِ الّذِي هَمّ بِهِنّ فَخَصَيْنَهُ، وَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ حِمْيَرَ فِي قُضَاعَةَ: مَرَرْنَا عَلَى حَيّيْ قُضَاعَةَ غَدْوَةً ... وَقَدْ أَخَذُوا فِي الزّفْنِ وَالزّفَنَانِ فَقُلْت لَهُمْ: مَا بَالُ زَفْنِكُمْ كَذَا ... لِعُرْسِ نَرَى ذَا الزّفْنَ أَوْ لِخِتَانِ فَقَالُوا: أَلَا إنّا وَجَدْنَا لَنَا أَبًا ... فَقُلْت: لِيَهْنِئْكُمْ! بِأَيّ مَكَانِ؟! فَقَالُوا: وَجَدْنَاهُ بِجَرْعَاءِ مَالِكٍ ... فقلت: إذا ما أمّكم بحصان فمامسّ خُصْيَا مَالِكٍ فَرْجَ أُمّكُمْ ... وَلَا بَاتَ مِنْهُ الْفَرْجُ بِالْمُتَدَانِي فَقَالُوا: بَلَى وَاَللهِ حَتّى كَأَنّمَا ... خُصْيَاهُ فِي بَابِ اسْتِهَا جُعَلَانِ «1» ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ- رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِ الْإِنْبَاهِ لَهُ، وَقَالَ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ، وَهُوَ مِنْ بَنِي حُنّ بْنِ رَبِيعَةَ مِنْ قُضَاعَةَ يَصِفُ بُثَيْنَةَ، وهى من حنّ أيضا:

_ - يسار «وكان زنى فى غير قومه فأخذ فخصى، وذكر من القصيدة. كما روى لأعشى تغلب ثمانية أبيات فى هجو قضاعة. (1) ص 63 الإنباه وفيه «من تحت» بدلا من «فى باب» وجرعاء الأرض ذات الحزونة تشاكل الرمل، أو موضع فيه سهولة، ورمل لا تنبت، وجرعاء مالك بالدهناء قرب حزوى «بضم الحاء وإسكان الزاى وفتح الواو» موضع بنجد. والدهناء هى من ديار بنى تميم فى نجد، وقيل غير هذا، والحصان: العفيفة أو المتزوجة، الخصيان بضم الخاء وكسرها معروفان، وهما عضوان من أعضاء التناسل، والجعلان مثنى: جعل، وهو حيوان كالخنفساء يكثر فى المواضع الندية وليت الكميت تبرأ من مثل هذه الأبيات القذرة، ولولا الحفاظ على النص لحذفتها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَبَتْ فِي الرّوَابِي مِنْ مَعَدّ، وَفُضّلَتْ ... عَلَى الْمُحْصَنَاتِ الْبِيضِ وَهْيَ وَلِيدُ «1» وَقَالَ جَمِيلٌ أَيْضًا وَهُوَ يَحْدُو بِالْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَنَا جَمِيلٌ فِي السّنَامِ مِنْ مَعَدّ ... الضّارِبِينَ النّاسَ فى الرّكن الأشد «2»

_ (1) جميل بن عبد الله بن معمر المعروف بجميل بثينة. يقول عنه الأصفهانى فى الأغانى: «وجميل وبثينة كلاهما من بنى عذرة. والجمال والعشق فى بنى عذرة كثير» ، وقد اشتهر عشقهم بالعفة، فقيل: حب عذرى مات سنة 82 هجرية فى عهد عبد العزيز بن مروان. وبيت «ربت الروابى» فى الأصل بدون «فى» والتصويب من البيان والتبيين ص 223 ح 1 وقد ورد البيت هكذا. نمت فى الروابى من معد وأفلجت ... على الخفرات الغرّ وهى وليد أناة على نيرين أضحى لداتها ... بلين بلاء الرّيط، وهى جديد نمت: شبّت. الروابى من معد. البيوت الشريفة. أفلجت. أظهرت والخفرات. الحييات. الأناة. المرأة التى فيها فتور عند القيام. وقوله. على نيرين. وصفها بالقوة كالثوب ينسج على نيرين، وهو الثوب الذى له سديان كالديباج وما أشبهه. اللدة. القرينة فى المولد والمنشأ، فيقول. إن أقرانها قد بلين وهى جديد لحسن غذاثها. والرّيط. جمع ريطة، وهى الملاءة كلها نسيج واحد أو قطعة واحدة. والمحصنات العفيفات. (2) فى الأغانى ح 8 ص 90 وردت الشطرة الثانية هكذا «فى الأسرة الحصداء والعيص الأشد» وفى ص 134 منه وفى نسب قريش ص 6 «فى الذروة العلياء والركن الأشد» وفى نسب قريش «كان الوليد فى سفر، فرجز ابن العذرى والوليد على نجيب، فقال: يا بكر هل تعلم من علاكا ... خليفة الله على ذراكا فقال الوليد لجميل. انزل فارجز، فنزل، فقال: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (ذِكْرُ قُنُصِ بْنِ مَعَدّ) وَكَانَ قُنُصُ بْنُ مَعَدّ قَدْ انْتَشَرَ وَلَدُهُ بِالْحِجَازِ، فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِيهِمْ حَرْبٌ، وَتَضَايَقُوا فِي الْبِلَادِ، وَأَجْدَبَتْ لَهُمْ الْأَرْضُ، فَسَارُوا نَحْوَ سَوَادِ الْعِرَاقِ، وَذَلِكَ أَيّامَ مُلُوكِ الطّوَائِفِ فَقَاتَلَهُمْ الْأَرْدَانِيّونَ «1» وَبَعْضُ مُلُوكِ الطّوَائِفِ، وَأَجْلَوْهُمْ عَنْ السّوَادِ، وَقَتَلُوهُمْ إلّا أَشْلَاءَ لَحِقَتْ بِقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَدَخَلُوا فِيهِمْ، وَانْتَسَبُوا إلَيْهِمْ. فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ جُبَيْرِ بْنِ مطعم حين أتى عمر بسيف

_ - أنا جميل فى السنام من معد ... فى الذروة العلياء والركن الأشد فقال له: اركب لا حملك الله ولم يمدح جميل أحدا قط، ص 6 نسب قريش وانظر القصة أيضا ص 134 ح 8 أغانى. (1) الطوائف هم الذين ملكوا بابل بعد الاسكندر ولقبهم الأشغانون، وكان ملكهم- كما يقول الطبرى- 266 سنة والأردانيون- أو الأردنيّون هم أنباط السواد، والأنباط قوم من الساميين يرجعون إلى أصلين أحدهما: آرامى والآخر عربى، ودولتهم كانت فى القرن السابع قبل الميلاد، وسقطت فى أوائل القرن الثانى بعد الميلاد، وامتدت أملاكهم من الجزء الجنوبى الشرقى من فلسطين إلى رأس خليج العقبة. والسواد موضعان، أحدهما: قرب البلقاء «من أعمال دمشق بين الشام، ووادى القرى قصبتها عمان، والموضع الثانى: رستاق من رساتيق العراق وضياعها التى افتتحها المسلمون على عهد عمر. وهو ما بين البصرة والكوفة. وأنظر مع الطبرى تاريخ ابن خلدون ح 7 ص 341، وفى ح 8 ص 458 نقل ابن خلدون نص السهيلى وفيه «الأردوانيون» وفى البكرى كذلك.

"لخم بن عدى":

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ الأنصار من بنى زريق أنه حدّثه: أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ أُتِيَ بِسَيْفِ النّعْمَانِ، بْنِ الْمُنْذِرِ، دَعَا جبير بن مطعم بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بْنِ قُصَيّ- وَكَانَ جُبَيْرُ مِنْ أَنْسَبِ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشِ، وَلِلْعَرَبِ قَاطِبَةً، وَكَانَ يَقُولُ: إنّمَا أَخَذْتُ النّسَبَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ أَنْسَبَ الْعَرَبِ- فَسَلّحَهُ إيّاهُ، ثُمّ قَالَ: مِمّنْ كَانَ يَا جُبَيْرُ: النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ؟ فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَشْلَاءِ قُنُصِ بْنِ مَعَدّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمّا سَائِرُ الْعَرَبِ فَيَزْعُمُونَ أَنّهُ كَانَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ، مِنْ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كان: [ «لَخْمِ بْنِ عَدِيّ» :] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَخْمُ: ابْنُ عَدِيّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُرّةَ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ هميسع بن عمرو بْنِ عَرِيبِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ؛ وَيُقَالُ: لَخْمُ: ابْنُ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَال: رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَكَانَ تَخَلّفَ بِالْيَمَنِ بَعْدَ خُرُوجِ عَمْرِو بن عامر من اليمن. ـــــــــــــــــــــــــــــ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ «1» ، وَكَانَ جُبَيْرٌ أَنْسَبَ النّاسِ- الحديث. وذكر الطبرى

_ (1) جبير أحد أصحاب الرسول- صلى الله عليه وسلم- وروى عنه، وكان يؤخذ عنه النسب، وهو أحد الذين دفنوا عثمان بن عفان، وصلى عليه، وأمه: أم جميل بنت شعبة. «فى الإصابة والاستيعاب» سعيد. انظر ص 201 نسب قريش لأبى عبد الله المصعب بن عبد الله بن المصعب الزبيرى دار المعارف أما عمر فهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وهو غنى عن التعريف-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنّ سَيْفَ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ إنّمَا أُتِيَ بِهِ عُمَرَ حِينَ اُفْتُتِحَتْ الْمَدَائِنُ-، وَكَانَتْ بِهَا خَرَائِبُ كِسْرَى وَذَخَائِرُهُ، فَلَمّا غُلِبَ عَلَيْهَا فَرّ إلَى إصْطَخْرَ «1» ، فَأَخَذَتْ أَمْوَالَهُ وَنَفَائِسَ عُدَدِهِ، وَأَخَذَ لَهُ خَمْسَةَ أَسْيَافٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا. أَحَدُهَا: سَيْفُ كِسْرَى أبرويز، وَسَيْفُ كِسْرَى أَنُوشِرْوَانَ وَسَيْفُ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ الّذِي كَانَ اسْتَلَبَهُ مِنْهُ، حِينَ قَتَلَهُ غَضَبًا عَلَيْهِ، وَأَلْقَاهُ إلَى الْفِيَلَةِ فَخَبَطَتْهُ بِأَيْدِيهَا، حَتّى مَاتَ. وَقَالَ الطّبَرِيّ: إنّمَا مَاتَ فِي سِجْنِهِ فِي الطّاعُونِ الّذِي كَانَ فِي الْفُرْسِ، وَسَيْفُ خَاقَانَ مَلِكِ التّرْكِ، وَسَيْفِ هِرَقْلَ، وَكَانَ تَصَيّرَ إلَى كِسْرَى أَيّامَ غَلَبَتِهِ عَلَى الرّومِ فِي الْمُدّةِ الّتِي ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) الْآيَةَ. فَهَذَا كَانَ سَبَبُ تَصَيّرِ سَيْفِ النّعْمَانِ إلَى كِسْرَى أبرويز، ثُمّ إلَى كِسْرَى يَزْدَجْرِدْ، ثُمّ إلَى عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ الّذِي قَتَلَ النّعْمَانَ مِنْهُمْ أبرويز بْنُ هُرْمُزَ بْنِ أَنُوشِرْوَانَ «2» وَكَانَ لأبرويز فِيمَا ذُكِرَ أَلْفُ

_ - أما النعمان بن المنذر، فهو أحد ملوك الحيرة الواقعة على نحو عشرة أميال جنوبى بابل، وقد استولى المنذر على الحيرة سنة 575 م، ودمرها، وكان هؤلاء وثنيين على حين كان أتباعهم يعتنقون المذهب النسطورى المسيحى،. ثم اعتنق النعمان الثالث النصرانية، وقد ضاق به الفرس ذرعا فاستدرجه كسرى الثانى إلى عاصمته المدائن وخلعه عن العرش. ص 24 ح 1 تاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان. (1) اصطخر بلد بفارس. (2) خاقان: علم واسم لكل ملك خقّنه الترك بفتح وقاف مفتوحة مشددة الترك على أنفسهم. أى: ملّكوه. ورأسوه، وهرقل بكسر ففتح فسكون اسم لملك الروم. وكسرى، بفتح الكاف وكسرها: ملك-

أمر عمرو بن عامر فى خروجه من اليمن وقصة سد مأرب

[أَمْرُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ فِي خُرُوجِهِ مِنْ اليمن وقصة سد مأرب] وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ- فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَنّهُ رأى جرذا يحفر فى سَدّ مَأْرِب الّذِي كَانَ يَحْبِسُ عَلَيْهِمْ الْمَاءَ فَيُصَرّفُونَهُ حَيْثُ شَاءُوا مِنْ أَرْضِهِمْ، فَعَلِمَ أَنّهُ لَا بَقَاءَ لِلسّدّ عَلَى ذَلِكَ، فَاعْتَزَمَ عَلَى الثّقلة مِنْ الْيَمَنِ، فَكَادَ قَوْمَهُ، فَأَمَرَ أَصْغَرَ وَلَدِهِ إذَا أَغْلَظَ لَهُ، وَلَطَمَهُ أَنْ يَقُومَ إلَيْهِ فَيَلْطِمَهُ، فَفَعَلَ ابْنُهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَا أُقِيمُ بِبَلَدِ لَطَمَ وَجْهِي فِيهِ أَصْغَرُ وَلَدِي، وَعَرَضَ أَمْوَالَهُ، فَقَالَ أَشْرَافٌ مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ: اغْتَنِمُوا غَضْبَةَ عَمْرٍو فَاشْتَرَوْا مِنْهُ أَمْوَالَهُ. وَانْتَقَلَ فِي وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ. وَقَالَتْ الْأَزْدُ: لَا نَتَخَلّفُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، فَبَاعُوا أَمْوَالَهُمْ، وَخَرَجُوا مَعَهُ، فَسَارُوا حَتّى نَزَلُوا بِلَادَ عَكّ مُجْتَازِينَ يَرْتَادُونَ الْبُلْدَانَ. فَحَارَبَتْهُمْ عَكّ، فَكَانَتْ حَرْبُهُمْ سِجَالًا. فَفِي ذَلِكَ قَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ الْبَيْتَ الّذِي كَتَبْنَا، ثُمّ ارْتَحَلُوا عنهم، فتفرّقوا فى البلدان، فنزل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ - الفرس. معرب خسروا أى: واسع الملك، وأبرويز بن هرمز بن أنوشروان- ملك من ملوك فارس فى عهده حدثت حروب ذى قار لتمام أربعين سنة من مولد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة بعد أن بعث، وقيل بعد أن هاجر. وقيل: إنها كانت بعد بدر بأربعة أشهر، أما يزدجرد فهو ابن شهريار ابن كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان بن قباذ بن فيروز بن بهرام، كان ملكه إلى أن قتل بمرو من بلاد خراسان عشرين سنة، وذلك لسبع سنين ونصف خلت من خلافة عثمان وهى سنة 31 من الهجرة وانظر ح 1 من تاريخ المسعودى فى باب «ذكر ملوك الساسانية من ص 269.

آلُ جَفْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الشّامَ، وَنَزَلَتْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ يَثْرِبَ، وَنَزَلَتْ خُزَاعَةُ مَرّا، ونزلت أزد السّراة السّرَاةَ. وَنَزَلَتْ أَزْدُ عَمّانَ عُمَانَ. ثُمّ أَرْسَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى السّدّ السّيْلَ فَهَدَمَهُ، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ مُحَمّدٍ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ، كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ، وَاشْكُرُوا لَهُ. بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ [وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ] ) . [سبأ: 15، 16] وَالْعَرِمُ: السّدّ، وَاحِدَتُهُ: عَرِمَةٌ، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ. قَالَ الْأَعْشَى: أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ علي بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَفْصَى بْنِ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ، وَاسْمُ الْأَعْشَى: مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلِ بْنِ شَرَاحيل بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بن قيس بن ثعلبة ـــــــــــــــــــــــــــــ فِيلٍ، وَخَمْسُونَ أَلْفَ فَرَسٍ، وَثَلَاثَةُ آلَافِ امْرَأَةٍ- فيما ذكر الطبرى «1» - وتفسير أنو شروان بِالْعَرَبِيّةِ: مُجَدّدُ الْمُلْكِ- فِيمَا ذَكَرُوا وَاَللهُ أَعْلَمُ- وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُ أبرويز: الْمُظَفّرُ. قَالَهُ الْمَسْعُودِيّ وَالطّبَرِيّ أَيْضًا، وَزَادَ الطّبَرِيّ فِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ «2» حِينَ سَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ نَسَبِ النّعْمَانِ قَالَ: كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ إنّهُ مِنْ أَشْلَاءِ قُنُصِ بْنِ مَعَدّ، وَهُوَ وَلَدُ عَجْمِ بْنِ قُنُصٍ إلّا أنّ الناس لم يدروا

_ (1) وانظر ص 279 ح 1 المسعودى. (2) هو فى الإنباه لابن عبد البر ص 105.

وَفِي ذَاكَ لِلْمُؤْتَسِي أُسْوَةٌ ... ومارِبُ عَفّى عَلَيْهَا العَرِمْ رُخَامٌ بَنَتْهُ لَهُمْ حِمْيرٌ ... إذَا جَاءَ مَوّارُهُ لَمْ يَرِمْ فَأَرْوَى الزّرُوعَ وَأَعْنَابَهَا ... عَلَى سَعَةٍ مَاؤُهُمْ إذْ قُسِمْ فَصَارُوا أَيَادَى مَا يَقْدِرُو ... نَ مِنْهُ عَلَى شُرْبِ طِفْلٍ فُطِمْ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ الثّقَفِيّ- وَاسْمُ ثَقِيفٍ: قَسِيّ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسٍ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ. مِنْ سَبَأِ الْحَاضِرِينَ مَأْرِب إذْ ... يَبْنُونَ مِنْ دُونِ سَيْلِهِ الْعَرِمَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَتُرْوَى لِلنّابِغَةِ الْجَعْدِيّ، وَاسْمُهُ: قَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَحَدُ بَنِي جَعْدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بن صعصعة بن معاوية ابن بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ. وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ، مَنَعَنِي من استقصائه ما ذكرت من الاختصار. ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا عَجْمٌ فَجَعَلُوا مَكَانَهُ لَخْمًا: فَقَالُوا: هُوَ مِنْ لَخْمٍ، وَنَسَبُوا إلَيْهِ. وأبرويز هُوَ الّذِي كَتَبَ إلَيْهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمزّق كتابه، فدعا عليهم النبى- صلى الله عليه وسلم- أن يمزّقو كُلّ مُمَزّقٍ. (حَدِيثُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ وَرُؤْيَاهُ) وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ: نَصْرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهُوَ فى قول نسّاب اليمن: ربيعة ابن نَصْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نُمَارَةَ بْنِ لَخْمٍ. وَقَالَ الزّبَيْرُ فِي هَذَا النّسَبِ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَصْرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ شَعْوَذِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَجْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُمَارَةَ بْنِ لَخْمٍ «1» وَلَخْمٌ أَخُو جُذَامٍ، وَسُمّيَ لَخْمًا لِأَنّهُ لَخَمَ أَخَاهُ، أَيْ: لَطَمَهُ، فَعَضّهُ الْآخَرُ فِي يَدِهِ فَجَذَمَهَا، فَسُمّيَ جُذَامًا، وَقَالَ قُطْرُبٌ: اللّخْمُ سَمَكَةٌ فِي الْبَحْرِ بِهَا سُمّيَ الرّجُلُ لَخْمًا «2» وَأَكْثَرُ الْمُؤَرّخِينَ يَقُولُونَ فِيهِ: نَصْرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَقَدْ تَقَدّمَ مَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ «3» فِي نَسَبِ النّعْمَانِ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ رَبِيعَةَ، وَأَنّ لَخْمًا فِي نَسَبِهِ تَصْحِيفٌ مِنْ عَجْمِ بْنِ قُنُصٍ. وَذَكَرَ رُؤْيَاهُ وَسَطِيحًا الْكَاهِنَ «4» وَنَسَبَهُ، وقد خالفه محمد بن حبيب

_ (1) ونسبه فى الاشتقاق هكذا «نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن سعود بن مالك بن عمم «بفتح وفتح» بن نمارة بن لخم» ومن نسله النعمان ابن المنذر بن المنذر. وقال عن زمن ملوك الحيرة إنه كان خمسمائة سنة (2) فى الاشتقاق: واشتقاق لخم من الغلظ والجفاء، وانظر ص 104 الإنباه ففيها ذكر ابن عبد البر ما ذكر السهيلى، وفى القاموس: اللخم القطع واللطم، وبالضم. سمك بحرى، ولخمة ولخمة. الثقيل الجبس، ولخم بفتح وضم كثر لحم وجهه وغلظ: وقطرب: لقب محمد بن المستنير النحوى، وكان يبكر إلى سيبويه فيفتح سيبويه بابه، فيجده هناك، فيقول: ما أنت إلا قطرب ليل، فلقب قطربا. والقطرب دويبة كانت فى الجاهلية يزغمون أنها ليس لها قرار البتة. (3) سعيد بن جبير كان كاتبا لعبد الله بن عتبة بن مسعود خرج مع ابن الأشعث على بنى أمية، فلما هزم هرب سعيد إلى مكة، فظفر به الحجاج فقتله سنة 95، وسنة 49. (4) وقد قال ابن الأثير فى مفرداته. «الكاهن الذى يتعاطى الخبر عن الكائنات فى مستقبل الزمان ويدعى معرفة الأسرار، وقد كان فى العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهم، فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن ورئيّا: أى جنيا يعرض =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ للانسان ويطلعه على ما يزعم من الغيب، ويلقى إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله، أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه باسم العراف، كالذى يدعى معرفة الشئ المسروق ومكان الضالة ونحوهما..، وجمع كاهن. كهنة وكهّان، ومنه حديث الجنين: إنما هذا من إخوان الكهان. إنما قال له ذلك من أجل سجعه الذى سجع، ولم يعبه بمجرد السجع دون ما تضمن سجعه من الباطل.. وإنما ضرب المثل بالكهان لأنهم كانوا يروجون أقاويلهم الباطلة بأسجاع تروق السامعين، فيستميلون بها القلوب، ويستصغون إليها الأسماع» أما الراغب فجعل الكاهن هو الذى يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضرب من الظن، والعراف الذى يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك. وفى القاموس من تعريفات الكاهن: من يقوم بأمر الرجل، ويسعى فى حاجته، وقد فصّل المسعودى القول فى الكهانة وأنواعها وتنازع الناس فيها، وينسب إلى حكماء اليونان أن صنفا منهم ادعى أن نفوسهم قد صفت، فهى مطلعة على أسرار الطبيعة، وعلى ما تريد أن يكون منها؛ لأن صور الأشياء عندهم فى النفس الكلية، وصنف منهم ادّعى أن الأرواح المنفردة- وهى الجن- تخبرهم بالأشياء قبل كونها، أما النصارى فنسبوا إلى المسيح أنه كان يعلم الغائبات من الأمور، ويخبر عن الأشياء قبل كونها. لأنه كانت فيه نفس عالمة بالغيب، ولو كانت تلك النفس فى غيره من أشخاص الناطقين لكان يعلم الغيب. ثم يقول المسعودى: «ولا أمة خلت إلا وقد كان فيها كهانة، ولم يكن الأوائل من الفلاسفة اليونانية يدفعون الكهانات» .. ثم يقول: «وطائفة ذهبت إلى أن التكهن سبب نفسانى لطيف. يتولد من صفاء مزاج الطباع، وقوة النفس، ولطافة الحس. وذكر كثير من الناس أن الكهانة تكون من قبل شيطان يكون مع الكاهن يخبره بماغاب عنه، وأن الشياطين كانت تسترق السمع، وتلقيه على ألسنة الكهان، فيؤدون إلى الناس الأخبار بحسب ما يرد إليهم» ص 172 ج 2 مروج الذهب. فما موقف الإسلام من هذا؟ يقول ربنا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النسّابة فى شئ مِنْ هَذَا النّسَبِ فِي كِتَابِ الْمُحَبّرِ، وَكَانَ سَطِيحٌ جَسَدًا مُلْقًى لَا جَوَارِحَ لَهُ «1» - فِيمَا يَذْكُرُونَ- وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْجُلُوسِ إلّا إذَا غضب انتفخ

_ - سبحانه: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ، تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ، وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) الشعراء 221- 223. ويقول سبحانه قاصّا قول الملائكة نافية به عنها علم الغيب: «قالُوا: سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا. إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» البقرة: 32 وعن الجن وسليمان: «فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ» سبأ: 14 ويقول سبحانه: «عالِمُ الْغَيْبِ، فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ» الجن 26، 27، 28. فلا الملائكة يعلمون الغيب، ولا الجن ولا الرسل، فما بالك بغيرهم؟ ثم إن القرآن يؤكد أن الشياطين لا تنزل إلا على كل أفاك أثيم. وقد وردت أحاديث مثل: «من أتى عرافا، فسأله عن شئ، لم تقبل له صلاة أربعين يوما» رواه مسلم وأحمد فى مسنده، وقال عنه السيوطى: صحيح: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد» أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجة وأحمد فى مسنده والحاكم: «من أتى عرافا أو ساحرا، أو كاهنا يؤمن بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد» رواه الطبرانى فى الكبير ورواته ثقات. ولا تسود هذه الأساطير إلا حيث يسود الجهل وضعف الإيمان بالله. (1) بل يقول المسعودى عن سطيح أنه كان يدرج سائر جسده كما يدرج الثوب، لا عظم فيه إلا جمجمة الرأس، وكانت إذا لمست باليد يلين عظمها» ص 179 ثم يذكر فى ص 192 أن أول كهانة له. «والضياء والشفق، والظلام والغسق، ليطرقنكم ما طرق» ص 179، 192 ج 2 المروج وكل هذه أساطير يهودية ملعونة، وتدبر دائما قول الله: «قُلْ: لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ» .

حديث ربيعة بن نصر ورؤياه

[حديث ربيعة بن نصر ورؤياه] [رؤيا ربيعة:] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ مَلِكُ الْيَمَنِ بَيْنَ أَضْعَافِ مُلُوكِ التّبَابِعَةِ، فَرَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ، وَفَظِعَ بِهَا، فَلَمْ يَدَعْ كَاهِنًا، وَلَا سَاحِرًا، وَلَا عَائِفًا، وَلَا مُنَجّمًا مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ إلّا جَمَعَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إنّي قَدْ رَأَيْت رُؤْيَا هَالَتْنِي، وَفَظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرُونِي بِهَا وَبِتَأْوِيلِهَا، قَالُوا لَهُ: اُقْصُصْهَا عَلَيْنَا نُخْبِرْك بِتَأْوِيلِهَا، قَالَ: إنّي إنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِهَا لَمْ أَطْمَئِنّ إلَى خَبَرِكُمْ عَنْ تَأْوِيلِهَا، فَإِنّهُ لَا يَعْرِفُ تَأْوِيلَهَا إلّا مَنْ عَرَفَهَا قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَهُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: فَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ يُرِيدُ هَذَا فَلْيَبْعَثْ إلَى سَطِيحٍ وَشِقّ، فَإِنّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُمَا، فهما يخبر انه بما سأل عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ فَجَلَسَ، وَكَانَ شِقّ شِقّ إنْسَانٍ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- إنّمَا لَهُ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَرِجْلٌ وَاحِدَةٌ، وَعَيْنٌ وَاحِدَةٌ، وَيُذْكَرُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ «1» أَنّهُ قَالَ: قِيلَ لِسَطِيحِ: أَنّى لَك هَذَا الْعِلْمُ؟ فَقَالَ: لِي صَاحِبٌ مِنْ الْجِنّ اسْتَمَعَ أَخْبَارَ السّمَاءِ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ حِينَ كَلّمَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ مُوسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- فَهُوَ يُؤَدّي إلىّ من ذلك ما يؤدّيه.

_ (1) كان ممن يروجون قصص الماضين. يقول عنه ابن خلكان «كانت له معرفة بأخبار الأوائل، وقيام الدنيا وأحوال الأنبياء» توفى سنة 110 أو 114 أو 116. لكنى أسأل. من أين كان يأتى بهذه الأخبار التى لا توجد فى كتاب الله؟ لقد كان وهب فى أول أمره يهوديا، وبهؤلاء وجدت الخرافة الكافرة لها طريقا إلى القلوب. وكل ما يقال عن شق من قدرة على معرفة الغيب، وهذه الأوصاف الجسدية التى لا تعقل، ولا تستقيم مع سنن الفطرة البشرية. كل هذا هراء من الإفك وخبث من الكيد الدنئ يراد به القضاء على الفكر والدين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَوُلِدَ سَطِيحٌ وَشِقّ فِي الْيَوْمِ الّذِي مَاتَتْ فِيهِ طَرِيفَةُ الْكَاهِنَةُ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَهِيَ بِنْتُ الْخَيْرِ الْحِمْيَرِيّةُ، وَدَعَتْ بِسَطِيحِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ، فَأَتَيْت بِهِ، فَتَفَلَتْ فِي فِيهِ، وَأَخْبَرَتْ أَنّهُ سَيَخْلُفُهَا فِي عِلْمِهَا، وَكَهَانَتِهَا، وَكَانَ وَجْهُهُ فِي صَدْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْسٌ وَلَا عُنُقٌ وَدَعَتْ بِشِقّ، فَفَعَلَتْ بِهِ مِثْلَ ما فعلت بسطيح، ثم ماتت، وقبرها «بالجحفة» «1» ، وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ أَنّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْقَسْرِيّ كَانَ مِنْ وَلَدِ شِقّ هَذَا، فَهُوَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَسَدِ ابن يَزِيدَ بْنِ كُرْزٍ، وَذَكَرَ أَنّ كُرْزًا كَانَ دَعِيّا، وَأَنّهُ كَانَ مِنْ الْيَهُودِ، فَجَنَى جِنَايَةً فَهَرَبَ إلَى بَجِيلَةَ «2» ، فَانْتَسَبَ فِيهِمْ، وَيُقَالُ: كَانَ عَبْدًا لِعَبْدِ الْقَيْسِ، وَهُوَ ابْنُ عَامِرٍ ذِي الرّقْعَةِ، وَسُمّيَ بِذِي الرّقْعَةِ؛ لِأَنّهُ كَانَ أَعْوَرَ يُغَطّي عَيْنَهُ بِرُقْعَةِ. ابْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ جُوَيْنِ بْنِ شِقّ الْكَاهِنِ بْنِ صَعْبٍ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الرّؤْيَا: أَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهْ، وَكُلّ، ذَاتِ نَسَمَهْ. نَصْبُ كُلّ أَصَحّ فِي الرّوَايَةِ، وَفِي الْمَعْنَى؛ لِأَنّ الْحُمَمَةَ نَارٌ، فَهِيَ تَأْكُلُ، وَلَا تُؤْكَلُ، عَلَى أَنّ فِي رِوَايَةِ الشّيْخِ بِرَفْعِ كُلّ، وَلَهَا وَجْهٌ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ كِتَابِهِ أَنّ فِي نُسْخَةِ الْبَرْقِيّ الّتِي قَرَأَهَا عَلَى ابْنِ هِشَامٍ: كُلّ ذَاتِ، بنصب اللام.

_ (1) فى مراصد الاطلاع. «كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق مكة، وهى ميقات أهل مصر والشام- إن لم يمروا على المدينة» وفى تقويم البلدان لأبى الفداء. وهى رسم خال لا ساكن به واسمها مشهور، وهى بالقرب من رابغ. (2) هم إخوة خثعم، وبجيلة: أمهم ص 515 الاشتقاق، 526 ج 8 تاريخ ابن خلدون ط. لبنان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: «خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمَهْ» أَيْ مِنْ ظُلْمَةٍ، وَذَلِكَ أَنّ الْحُمَمَةَ قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ، وَخُرُوجُهَا مِنْ ظُلْمَةٍ يُشْبِهُ خُرُوجَ عَسْكَرِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَرْضِ السّودَانِ، وَالْحُمَمَةُ: الْفَحْمَةُ، وَقَدْ تَكُونُ جَمْرَةً مُحْرِقَةً، كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَيَكُونُ لَفْظُهَا مِنْ الْحَمِيمِ، وَمِنْ الْحُمّى أَيْضًا لِحَرَارَتِهَا، وَقَدْ تَكُونُ مُنْطَفِئَةً، فَيَكُونُ لَفْظُهَا مِنْ الْحُمّةِ، وَهِيَ السّوَادُ، يُقَالُ حَمّمْت وَجْهَهُ إذَا سَوّدْته، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ حَاصِلٌ فِي لَفْظِ الْحُمَمَةِ هَهُنَا. وَقَوْلُهُ: بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَةٍ؛ لِأَنّهَا وَقَعَتْ بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَحْوَازِهَا «1» . وَقَوْلُهُ: فِي أَرْضِ تَهَمَهْ أَيْ: مُنْخَفِضَةً، وَمِنْهُ سُمّيَتْ تِهَامَةٌ. وَقَوْلُهُ أَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهْ، وَلَمْ يَقُلْ كُلّ ذِي جُمْجُمَةٍ، وَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى سُبْحَانَهُ: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ) فَاطِرِ: 18 لِأَنّ الْقَصْدَ إلَى النّفْسِ وَالنّسَمَةِ، فَهُوَ أَعَمّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ، وَلَوْ جَاءَ بِالتّذْكِيرِ، لَكَانَ إمّا خَاصّا بِالْإِنْسَانِ، أَوْ عَامّا فى كل شئ حَيّ أَوْ جَمَادٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[تَنَحّ عَنّي، فَإِنّ] كُلّ بَائِلَةٍ «2» تَفْيُخُ، أَيْ: يَكُونُ مِنْهَا إفَاخَةٌ، وَهِيَ الْحَدَثُ، وقال النحاس. هو تأنيث الصّفة والخلقة.

_ (1) جمع حوزة. الناحية. (2) فى المطبوعة. قائلة، وهو خطأ، ويقول ابن الأثير فى النهاية «فيه أنه خرج يريد حاجة، فأتبعه بعض أصحابه، فقال: تنحّ عنى، فإن كل بائلة تفيخ» الإفاخه: الحدث بخروج الريح خاصة، والسهيلى يخلط فى الشرح بين كلام شق وسطيح.

نسب سطيح وشق

[نسب سطيح وشق] وَاسْمُ سَطِيحٍ: رَبِيعُ بْنُ ربيعة بن مسعود؛ بن مازن، بن ذئب، بن عدىّ، بن مازن غسّان. وشقّ: بن صَعْبِ بْنُ يَشْكُرَ، بْنِ رُهْم، بْنِ أَفْرَكَ بْنِ قَسْرِ بْنِ عَبْقَرَ بْنِ أَنْمَارِ بْنِ نِزَارٍ، وَأَنْمَارُ أَبُو بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ. [نَسَبُ بَجِيلَةَ:] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَتْ الْيَمَنُ: وبجيلة: بنو أنمار، بن إراش ابن لِحْيَانَ، بْنِ عَمْرِو، بْنِ الْغَوْثِ، بْنِ نَبْت، بْنِ مَالِكِ بن زيد بن كهلان بن سَبَأٍ، وَيُقَالُ: إرَاشُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لِحْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ. وَدَارُ بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ يَمَانِيّةٌ. [رَبِيعَةُ بن نصر وسطيح] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَعَثَ إلَيْهِمَا، فَقَدِمَ عَلَيْهِ سَطِيحٌ قَبْلَ شِقّ، فَقَالَ لَهُ: إنّي رَأَيْت رُؤْيَا هَالَتْنِي، وَفَظِعْتُ بِهَا، فَأَخْبِرْنِي بِهَا، فَإِنّك إنْ أَصَبْتَهَا أَصَبْتَ تَأْوِيلَهَا. قَالَ: أَفْعَلُ. رَأَيْت حُمَمَهُ، خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمه، فَوَقَعَتْ بِأَرْضِ تَهَمه، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْتَ منها شيئا ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: لَيَهْبِطَن أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ هُمْ: بَنُو حَبَشِ بن كوش بن حام «1» ابن نُوحٍ، وَبِهِ سُمّيَتْ الْحَبَشَةُ. وَقَوْلُهُ: مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى جُرَشَ ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى مِثْلِ إصْبَعٍ، وَجَوّزَ فِيهِ الْفَتْحَ، وَكَذَلِكَ تقيد فى هذا الكتاب، وقال ابن

_ (1) فى قاموس الدكتور بوست عن حام أنه أحد أولاد نوح، وأنه كان له أربعة بنين كوش ومصرايم وفوط وكنعان، فكان كوش أبا للقبائل التى قطنت بابل وجنوبى بلاد العرب والسودان وفى سفر التكوين 10: 8 وبنو كوش سبأ وحويلة وسبتة ورعمة وسبنكا ونقل الطبرى عن ابن إسحاق أن الهند والسند والحبشة من بنى السودان من ولد كوش.

يَا سَطِيحٌ؛ فَمَا عِنْدَك فِي تَأْوِيلِهَا؟ فَقَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرّتَيْنِ مِنْ حَنَشٍ، لَتَهْبِطَن أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ، فَلَيَمْلِكُنّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى جرش، فقال له الملك: وَأَبِيك يَا سَطِيحُ، إنّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟ أَفِي زَمَانِي هَذَا، أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِحِينِ، أَكْثَرَ مِنْ سِتّينَ أَوْ سَبْعِينَ، يَمْضِينَ مِنْ السّنِينَ قَالَ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِهِمْ أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ لِبِضْعِ وَسَبْعِينَ مِنْ السّنِينَ، ثُمّ يُقْتَلُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا هَارِبِينَ؛ قال: ومن يلى ذَلِكَ مِنْ قَتْلِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ؟. قَالَ: يَلِيهِ إرَمُ ذِي يَزَنَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ. قَالَ: أَفَيَدُوم ذَلِكَ مِنْ سُلْطَانِهِ، أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يَنْقَطِعُ. قَالَ: وَمَنْ يَقْطَعُهُ؟ قَالَ: نَبِيّ زَكِيّ، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيّ، قَالَ: وَمِمّنْ هَذَا النّبِيّ؟. قَالَ: رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ، يَكُونُ الملك فى قومه إلى آخر الدهر. ـــــــــــــــــــــــــــــ مَاكُولَا: هُوَ أَبْيَنُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَيْمَنَ بْنِ الْهَمَيْسَعِ مِنْ حِمْيَرَ، أَوْ مِنْ ابْنِ حِمْيَرَ سُمّيَتْ بِهِ الْبَلْدَةُ، وَقَدْ تَقَدّمَ قَوْلُ الطّبَرِيّ أَنّ أَبْيَنَ وَعَدَنَ ابْنَا عَدَنٍ، سُمّيَتْ بِهِمَا الْبَلْدَتَانِ. وَقَوْلُهُ: بِغُلَامِ لَا دَنِيّ وَلَا مُدَنّ. الدّنِيّ مَعْرُوفٌ، وَالْمُدَنّ الّذِي جَمَعَ الضّعْفَ مع الدناءة. قاله صاحب العين

ربيعة بن نصر وشق

قَالَ: وَهَلْ لِلدّهْرِ مِنْ آخِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَوْمٌ يُجْمَعُ فِيهِ الْأَوّلُونَ وَالْآخِرُونَ يَسْعَدُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ، وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ قَالَ: أَحَقّ مَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. وَالشّفَقُ وَالْغَسَقُ، وَالْفَلَقُ إذَا اتّسَقَ، إنّ مَا أَنْبَأْتُك بِهِ لَحَقّ. [رَبِيعَةُ بن نصر وشق] ثُمّ قَدِمَ عَلَيْهِ شِقّ، فَقَالَ لَهُ كَقَوْلِهِ لِسَطِيحِ، وَكَتَمَهُ مَا قَالَ سَطِيحٌ، لِيَنْظُرَ أَيَتّفِقَانِ أَمْ يَخْتَلِفَانِ، فَقَالَ: نَعَمْ، رَأَيْت حُمَمَهُ، خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمه، فَوَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ نسمة. قال: فلما قال له ذلك، عرف أَنّهُمَا قَدْ اتّفَقَا، وَأَنّ قَوْلَهُمَا وَاحِدٌ إلّا أَنّ سَطِيحًا قَالَ: «وَقَعَتْ بِأَرْضِ تَهَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهُ» . وَقَالَ شِقّ: «وَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ نَسَمَهْ» . فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أَخْطَأْت يَا شِقّ مِنْهَا شَيْئًا، فَمَا عِنْدَك فِي تَأْوِيلِهَا؟. قَالَ: أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرّتَيْنِ مِنْ إنْسَانٍ، لينزلن أرضكم السودان، فليغلبن على كل طفلة البنان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران. فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَأَبِيك يَا شِقّ، إنّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ، فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ؟ أَفِي زَمَانِي، أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَعْدَهُ بِزَمَانِ، ثُمّ يَسْتَنْقِذُكُمْ مِنْهُمْ عَظِيمٌ ذُو شأن، ويذيقهم أشدّ الهوان. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: لَحَقّ مَا فِيهِ أَمْضٌ: أَيْ: مَا فِيهِ شَكّ وَلَا مُسْتَرَابٌ، وَقَدْ عَمّرَ سَطِيحٌ زَمَانًا طَوِيلًا بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ، حَتّى أَدْرَكَ مولد النبى- صلى الله عليه وسلم-

قَالَ: وَمَنْ هَذَا الْعَظِيمُ الشّانِ؟ قَالَ: غُلَامٌ لَيْسَ بِدَنِيّ، وَلَا مُدَنّ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ. قَالَ: أَفَيَدُومُ سُلْطَانُهُ، أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولِ مُرْسَلٍ يَأْتِي بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ، بَيْنَ أَهْلِ الدّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ؛ قَالَ: وَمَا يَوْمُ الْفَصْلِ؟ قَالَ: يَوْمٌ تُجْزَى فِيهِ الْوُلَاةُ، وَيُدْعَى فِيهِ مِنْ السّمَاءِ بِدَعَوَاتِ، يَسْمَعُ مِنْهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، وَيُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ النّاسِ لِلْمِيقَاتِ، يَكُونُ فيه لمن اتقى الفوز والخيرات. ـــــــــــــــــــــــــــــ فرأى كسرى أنو شروان بْنَ قَبَاذِ بْنِ فَيْرُوزَ مَا رَأَى مِنْ ارْتِجَاسِ الْإِيوَانِ «1» وَخُمُودِ النّيرَانِ، وَلَمْ تَكُنْ خَمَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ، وَسَقَطَتْ مِنْ قَصْرِهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةٌ، وَأَخْبَرَهُ الْمُوبَذَانُ، وَمَعْنَاهُ: الْقَاضِي، أو المفتى بلغتهم

_ (1) كسرى هذا هو من ملوك الساسانية أو الفرس الثانية حكم- كما يقول المسعودى- ثمانيا وأربعين سنة أو سبعا وأربعين، وهو الذى قتل مزدك، وأتبعه بثمانين ألفا من أصحابه، ومزدك صاحب الشيوعية المطلقة الداعى إلى المشاركة العامة فى الأموال والأزواج والأهلين ص 263 ح 1 مروج. والارتجاس: ارتجس الإيوان اضطرب وتحرك حركة سمع لها صوت. والارتجاس: الصوت الشديد من الرعد، والإيوان بوزن الديوان: بناء أزج غير مسدود الوجه. والأزج بيت يبنى طولا. ويقال إوان بوزن كتاب. وكان بالمدائن من العراق ويقال إن سمكه كان مائة ذراع فى طولها. وروى حديث الارتجاس البيهقى وأبو نعيم والخرائطى وابن عساكر وابن جبير. وهى رواية لأسطورة لا حقيقة انظر ص 121 المواهب ح 1 والنيران هى التى كان يعبدها المجوس فى فارس.

قَالَ: أَحَقّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إي وَرَبّ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ رَفْعٍ وَخَفْضٍ، إنّ مَا أَنْبَأْتُك بِهِ لَحَقّ مَا فِيهِ أَمْضِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَمْضِ. يَعْنِي: شَكّا، هَذَا بِلُغَةِ حِمْيَرَ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو. أَمْضِ أى: باطل. ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنّهُ رَأَى إبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا «1» ، فَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهِمْ، وَغَارَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ «2» ، فَأَرْسَلَ كِسْرَى عَبْدَ الْمَسِيحِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَيّانَ بْنِ نُفَيْلَةَ الْغَسّانِيّ إلَى سَطِيحٍ، وَكَانَ سَطِيحٌ مِنْ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمَسِيحِ، وَلِذَلِكَ أَرْسَلَهُ كِسْرَى فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ «3» إلَى سَطِيحٍ يَسْتَخْبِرُهُ عِلْمَ ذَلِكَ، وَيَسْتَعْبِرُهُ رُؤْيَا الْمُوبَذَانِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَشْفَى عَلَى الْمَوْتِ، فَسَلّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحُرْ إلَيْهِ سَطِيحٌ جَوَابًا فَأَنْشَأَ عَبْدُ الْمَسِيحِ يَقُولُ: أَصَمّ أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ الْيَمَنْ ... أَمْ فَادَ فَازْلَمّ بِهِ شَأْوُ الْعَنَنْ يَا فَاصِلَ الْخُطّةِ أَعْيَتْ مَنْ وَمَنْ ... أَتَاك شَيْخُ الْحَيّ مِنْ آلِ سَنَنْ وَأُمّهُ مِنْ آلِ ذِئْبِ بْنِ حجن ... أبيض فضفاض الرّداء والبدن

_ (1) الإبل الصعاب الشداد: والخيل العراب، أى عربية منسوبة إلى العرب قالوا فى الناس عرب وأعراب، وقالوا فى الخيل عراب بكسر العين. (2) وساوة من قرى بلاد فارس كانت بحيرتها بحيرة كبيرة بين همذان وقم، ويقال إنها كانت أكثر من ستة فراسخ فى الطول والعرض. وفى رواية الكثيرين أنها بحيرة طبرية التى ما زالت باقية. (3) ص 167 ح 2 ط المعارف، وفيه: بقيله بدلا من نفيلة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَسُولُ قَيْلِ الْعُجْمِ يَسْرِي لِلْوَسَنْ ... لَا يَرْهَبْ الرّعْدَ، وَلَا رَيْبَ الزّمَنْ تَجُوبُ بِي الْأَرْضُ عَلَنْدَاةٌ شَزَنْ ... تَرْفَعُنِي وَجْنًا وَتَهْوِي بِي وَجَنْ حَتّى أَتَى عَارِيَ الجآجي وَالْقَطَنْ ... تَلُفّهُ فِي الرّيحِ بَوْغَاءُ الدّمَنْ كَأَنّمَا حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثكن! «1»

_ (1) القصيدة فى الطبرى ح 2 ص 167 مع اختلاف عما هنا فترتيب الشطرات مختلف مع وجود نقص وزيادة، وهى فى اللسان فى مادة سطح، وفيها اختلاف أيضا عما هنا، وقد ضبطتها كما وردت فى اللسان. والغطريف: السيد الكريم. ومثلها غطارف بضم الغين جمعها: غطاريف، وازلم: ذهب مسرعا، وشأو العنن: اعتراض الموت على الخلق. وقيل: ازلم: قبض بضم القاف، والعنن: أى عرض له الموت، فقبضه. وقد فسر ابن كثير عننا بقوله: يريد اعتراض الموت وسبقه. والخطة: الحال والأمر والخطب، وفاصل الخطة: إذا نزل به أمر مشكل فصله برأيه. وأعيا عليه الأمر: أعجزه فلم يهتد لوجهه. والقيل هو الملك النافذ القول والأمر، وجمعه الأقوال أو الأقيال، والقيل أيضا: لقب لمن يكون من ملوك حمير دون الملك الأعظم. والعجم خلاف العرب. والعلنداة: القوية من النوق. شزن- وفى الطبرى طبع المعارف- شذن، وفسرها المحقق فى هامشه على أنها شزن، وفى مفردات ابن كثير: شجن وفى الأصل: شرن وهو خطأ. والشجن: الناقة المتداخلة الخلق كأنها شجرة متشجنة أى متصلة الأغصان بعضها ببعض. وشزن: تمشى من نشاطها على جانب. والوجن بسكون الجيم، وفتحها، والواجن والوجين: أرض صلبة ذات حجارة، وتروى بضم الواو جمع: وجين بنفس المعنى: والجآجى جمع: جؤجؤ وهو الصدر. القطن: أصل ذنب الطائر، وأسفل الظهر من الإنسان. وقيل صوابها: بكسر الطاء جمع قطنة بكسر القاف وإسكان الطاء: وهى ما بين الفخذين. البوغاء: التراب الناعم، والدّمن: ما تدمّن منه أى: تجمع وتلبد. وهذا اللفظ كأنه من المقلوب تقديره: تلفه الريح فى بوغاء الدمن. وحثحث: يقال حثه على الشئ، وحثحثه يعنى: أسرع. وثكن اسم جبل حجازى. والحضن الجنب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثَكَنٌ: اسْمُ جَبَلٍ، فَلَمّا سَمِعَ سَطِيحٌ شِعْرَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: عَبْدُ الْمَسِيحِ عَلَى جَمَلٍ مُشِيحٍ «1» جَاءَ إلَى سَطِيحٍ، حِينَ أَوْفَى عَلَى الضّرِيحِ، بَعَثَك مَلِكُ بَنِي سَاسَانَ لِارْتِجَاسِ الْإِيوَانِ، وَخُمُودِ النّيرَانِ، وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانِ. رَأَى إبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ، وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا. يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ: إذَا كَثُرَتْ التّلَاوَةُ، وَظَهَرَ صَاحِبُ الْهِرَاوَةِ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، وَغَارَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ، وَفَاضَ وَادِي السّمَاوَةِ «2» فَلَيْسَتْ الشّامُ لِسَطِيحِ شَامًا، يَمْلِكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتٌ، عَلَى عَدَدِ الشّرُفَاتِ، وَكُلّ مَا هُوَ آتٍ آت، ثم قضى سطيح مكانه. وقوله: فاز لمّ بِهِ مَعْنَاهُ: قُبِضَ، قَالَهُ ثَعْلَبٌ، وَقَوْلُهُ: شَأْوُ الْعَنَنْ. يُرِيدُ: الْمَوْتَ، وَمَا عَنّ مِنْهُ قَالَهُ الْخَطّابِيّ. وَفَادَ: مَاتَ. يُقَالُ مِنْهُ: فَادَ يَفُودُ، وَأَمّا يَفِيدُ فَمَعْنَاهُ: يَتَبَخْتَرُ. وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي خَبَرِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، فَجَهّزَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ إلَى الْحِيرَةِ، وَكَتَبَ لَهُمْ إلَى مَلِكٍ يُقَالُ لَهُ: سَابُورُ بْنُ خُرّزاذ. مِنْ تَارِيخِ مُلُوكِ الْفُرْسِ قَالَ الْمُؤَلّفُ الشّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو القاسم- عفا الله عنه- ولا يعرف

_ (1) جادّ مسرع، وفى الطبرى: يسيح. (2) بادية بين الكوفة والشام، وأرض مستوية لا حجر فيها، وماءة بالبادية وقيل ماءة لكلب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خُرّزاذ فِي مُلُوكِ بَنِي سَاسَانَ مِنْ الْفُرْسِ، وهم من عهد أزد شير بْنِ بَابِك إلَى يَزْدَجْرِدْ الّذِي قُتِلَ فِي أَوّلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَعْرُوفُونَ مُسَمّوْنَ بِأَسْمَائِهِمْ «1» ، وَبِمَقَادِيرِ مُدَدِهِمْ. مَشْهُورٌ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِخْبَارِيّينَ وَالْمُؤَرّخِينَ وَلَكِنّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ خُرّزاذ هَذَا مَلِكًا دُونَ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ مِنْهُمْ، أَوْ يَكُونُ أَحَدَ مُلُوكِ الطّوَائِفِ، وَهُوَ الظّاهِرُ فِي مُدّةِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ لِأَنّهُ جَدّ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ وَابْنُ أُخْتِ جَذِيمَةَ الْأَبْرَشِ «2» ، وَكَانَ مُلْكُ جَذِيمَةَ أَوّلَهُ فِيمَا أَحْسَبُ فِي مُدّةِ مُلُوكِ الطّوَائِفِ «3» ، وَآخِرُهُ فِي مُدّةِ السّاسَانِيّينَ، وأول من

_ (1) فى نقله عن ابن إسحاق اختصار، وهناك ملك فارسى اسمه: خرزاذ خسروا من ولد أبرويز أو فرخزذاد «انظر ح 2 ص 233 الطبرى طبع المعارف» وفى ابن خلدون خرداد بن سابور عميد ملوك الطوائف ص 101 م 2 أما سابور فليس إلا سابور ذو الأكتاف بن هرمز، وسابور بن سابور بن هرمز. (2) ويلقب أيضا بالوضاح، وقد ملك جذيمه من مشارق الشام إلى الفرات من قبل الروم، وأقام ملكا فى زمن ملوك الطوائف خمسا وتسعين سنة، ثم فى ملك أردشير ثلاثا وعشرين سنة. قتلته الزباء بنت عمرو بن ظرب بن حسان وملك بعده ابن أخته عمرو بن عدى بن نصر بن ربيعة. (3) حين خرب الإسكندر ملك دارا بن دارا الفارسى صمم على ألا يلتئم لهم شمل، فجعل يقر كل ملك على طائفة من الناس فى إقليم من أقاليم الأرض ما بين عربها وأعاجمها. وظل الأمر كذلك حتى كان أزدشير بن بابك من بنى ساسان، فأعاد ملكهم إلى ما كان عليه، وأزال ملوك الطوائف. وبقى صاحب الحضر واسمه: الساطرون أو الضيزن إذ كان أعظمهم وأشدهم. فقضى عليه سابور بن أزدشير «البداية ج 2 ص 84» والحضر: اسم مدينة فى البرية بإزاء تكريت بينها وبين الموصل والفرات. يقال: لم يبق منها إلا رسم السور وآثار تدل على عظمتها. وقيل: إن ملوك الطوائف هم الذين فرق الإسكندر بلاد فارس بينهم وهؤلاء هم الأشغانون الذين حكموا 266 سنة أولهم: أشك بن أشغان، وكل ملك منهم كان ينتهى نسبه بكلمة الأشغانى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَلَكَ الْحِيرَةَ مِنْ السّاسَانِيّةِ: سَابُورُ بْنُ أَزْدَشِيرِ، وَهُوَ الّذِي خَرّبَ الْحَضَرَ، وَكَانَتْ مُلُوكُ الطّوَائِفِ مُتَعَادّينَ يُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَدْ تَحَصّنَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حِصْنٍ، وَتَحَوّزَ إلَى حَيّزٍ مِنْهُمْ عَرَبٌ. وَمِنْهُمْ أشغانيون عَلَى دِينِ الْفُرْسِ، وَأَكْثَرُهُمْ يَنْتَسِبُونَ إلَى الْفُرْسِ مِنْ ذُرّيّةِ دَارَا بْنِ دَارَا، وَكَانَ الّذِي فَرّقَهُمْ وَشَتّتْ شَمْلَهُمْ، وَأَدْخَلَ بَعْضَهُمْ بَيْنَ بَعْضٍ؛ لِئَلّا يَسْتَوْثِقَ لَهُمْ مُلْكٌ، وَلَا يَقُومُ لَهُمْ سُلْطَانٌ: الْإِسْكَنْدَرُ بْنُ فيلبش «1» الْيُونَانِيّ، حِينَ ظَهَرَ عَلَى دَارَا، وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِ مَمْلَكَتِهِ، وَتَزَوّجَ بِنْتَه رَوْشَنك. بِوَصِيّةِ أَبِيهَا دَارَا لَهُ بِذَلِكَ حِينَ وَجَدَهُ مُثْخَنًا فِي الْمَعْرَكَةِ، وَلَمْ يَكُنْ الْإِسْكَنْدَرُ أَرَادَ قَتْلَهُ؛ لِأَنّهُ كَانَ أَخَاهُ لِأُمّهِ فِيمَا زَعَمُوا، فَوَضَعَ الْإِسْكَنْدَرُ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِهِ- فِيمَا ذَكَرُوا- وَقَالَ: يَا سَيّدَ النّاسِ لَمْ أُرِدْ قَتْلَك، وَلَا رَضِيته، فَهَلْ لَك مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. تَزَوّجْ ابْنَتِي رَوْشَنك، وَتَقْتُلُ مَنْ قَتَلَنِي، ثُمّ قَضَى دَارَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ الْإِسْكَنْدَرُ، وَفَرّقَ الْفُرْسَ، وَأَدْخَلَ بَيْنَهُمْ الْعَرَبَ. فَتَحَاجَزُوا، وَسُمّوا: مُلُوكَ الطّوَائِفِ؛ لِأَنّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْأَرْضِ، ثُمّ دَامَ أَمْرُهُمْ كَذَلِكَ أَرْبَعمِائَةِ وَثَمَانِينَ سَنَةً فِي قَوْلِ الطّبَرِيّ، وَقَدْ قِيلَ أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: خَمْسمِائَةِ وعشرين سنة، وفى أيامهم بعث عيسى بن مَرْيَمَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْإِسْكَنْدَرِ بِثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ. فَابْنُ خُرّزاذ «2» هَذَا- وَاَللهُ أَعْلَمُ- مِنْ أُولَئِكَ. وَبَنُو سَاسَانَ الْقَائِمُونَ بَعْدَ مُلُوكِ الطّوَائِفِ، وَبَعْدَ مُلُوكِ الأشغانيين: هُمْ بَنُو سَاسَانَ بن بهمن.

_ (1) الذى رسم له مبدأ «فرق تسد» هو وزيره أرسطو الفيلسوف اليونانى وقصة هؤلاء الملوك فى الطبرى ص 580 ج 1 ط المعارف (2) فى صفحة 146

هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق

[هجرة ربيعة بن نصر إلى العراق] فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ مَا قَالَا، فَجَهّزَ بَنِيهِ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ إلَى الْعِرَاقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ إلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ يُقَالُ لَهُ: سَابُورُ بْنُ خُرّزاذ فَأَسْكَنَهُمْ الحيرة. [نَسَبُ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ:] فَمِنْ بَقِيّةِ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، فَهُوَ فِي نَسَبِ الْيَمَنِ وَعِلْمِهِمْ: النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، ذَلِكَ الْمَلِكُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ المنذر، فيما أخبرنى خلف الأحمر. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُوَ مِنْ الْكِينِيّةِ، وَإِنّمَا قِيلَ لَهُمْ الْكِينِيّةُ؛ لِأَنّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُضَافُ إلَى كَيْ، وَهُوَ الْبَهَاءُ. وَيُقَالُ مَعْنَاهُ: إدْرَاكُ الثّأْرِ. وَأَوّلُ من تسمّى بكى: أفريذون ابن أَثَفَيَانِ قَاتِلُ الضّحّاكِ بِثَأْرِ جَدّهِ جَمّ، ثُمّ صَارَ الْمُلْكُ فِي عَقِبِهِ إلَى منوشهر الّذِي بُعِثَ مُوسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- فِي زَمَانِهِ إلَى كَيْ قاووس. وَكَانَ فِي زَمَنِ سُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَسَيَأْتِي طَرَفٌ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْكِتَابِ إلَى كَيْ يستاسب الّذِي وَلِيَ بُخْتَنَصّرَ وَمَلّكَهُ. وبخت نصّر هُوَ الّذِي حَيّرَ الْحِيرَةَ «1» حِينَ جَعَلَ فِيهَا سَبَايَا الْعَرَبِ، فَتَحَيّرُوا هُنَاكَ، فَسُمّيَتْ الْحِيرَةُ، وَأَخَذَ اسْمَهُ مِنْ بوخت وَهِيَ النّخْلَةُ؛ لِأَنّهُ وُلِدَ فِي أَصْلِ نَخْلَةٍ. ثُمّ كَانَ بَعْدَ كَيْ يستاسب بهمن بن اسبندياذ ابن يستاسب. وَكَانَ لَهُ ابْنَانِ: دَارَا وَسَاسَانَ، وَكَانَ سَاسَانُ هُوَ الْأَكْبَرُ، فَكَانَ قَدْ طَمِعَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَ أَبِيهِ، فَصَرَفَ بهمن الْأَمْرَ عَنْهُ إلى دارا لخبر يطول ذكره

_ (1) فى المراصد أنها سميت بهذا لأن تبعا لما قصد خراسان خلف ضعفة جنده بهذا الموضع، وقال لهم: حيروا به أى أقيموا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَمَلَتْهُ عَلَى ذَلِكَ «خُمّانَا أُمّ دَارَا» ، فَخَرَجَ «سَاسَانُ» سَائِحًا فِي الْجِبَالِ، وَرَفَضَ الدّنْيَا، وَهَانَتْ عَلَيْهِ، وَعَهِدَ إلَى بَنِيهِ مَتَى كَانَ لَهُمْ الْأَمْرُ: أَنْ يَقْتُلُوا كُلّ أَشْغَانِي وَهُمْ نَسْلُ «دارا» ، فَلَمّا قَامَ «أَزْدَشِيرُ بْنُ بَابِك» وَقَيّدَهُ الدّارَقُطْنِيّ «أردشير» بِالرّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَدَعَا مُلُوكَ الطّوَائِفِ إلَى الْقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، حَتّى يَنْتَظِمَ لَهُ مُلْكُ فَارِسَ، وَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ، وَكَانُوا يَدًا عَلَى الْأَقَلّ، حَتّى أَزَالُوهُ، وَجَعَلَ «أَزْدَشِيرُ» يَقْتُلُ كُلّ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ أُولَئِكَ الأشغانيين، فَقَتَلَ مَلِكًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: الأردوان «1» ، واستولى على قصره، فألفى فِيهِ امْرَأَةً جَمِيلَةً رَائِعَةَ الْحَسَنِ، فَقَالَ لَهَا: مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَمَةٌ مِنْ إمَاءِ الْمَلِكِ «2» ، وَكَانَتْ بِنْتُ الْمَلِكِ الْأَرْدَوَانِ لَاذَتْ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ مِنْ الْقَتْلِ، لِأَنّهُ كَانَ لَا يُبْقِي مِنْهُمْ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى «3» ، فَصَدّقَ قَوْلَهَا، وَاسْتَسَرّهَا «4» فَحَمَلَتْ مِنْهُ، فَلَمّا أَثْقَلَتْ اسْتَبْشَرَتْ بِالْأَمَانِ مِنْهُ، فَأَقَرّتْ أَنّهَا بِنْتُ الأشغاني الّذِي قُتِلَ، وَاسْمُهُ أردوان- فِيمَا ذَكَرُوا- فَدَعَا وَزِيرًا لَهُ نَاصِحًا- وَقَدْ سَمّاهُ الطّبَرِيّ فِي التّارِيخِ «5» - فَقَالَ: اسْتَوْدِعْ هَذِهِ بَطْنَ الْأَرْضِ، فَكَرِهَ الْوَزِيرُ أَنْ يَقْتُلَهَا، وَفِي بَطْنِهَا ابْنٌ لِلْمَلِكِ، وَكَرِهَ أَنْ يَعْصِيَ أَمْرَهُ، فاتخذ لها قصرا تحت الأرض، ثم

_ (1) يلقب بالأصغر ومدة ملكه على ما فى الطبرى 13 سنة. (2) فى الطبرى أنها قالت له: إنها كانت خادما لبعض نساء الملك ص 44 ج 2 الطبرى ط المعارف. (3) فى الطبرى أنه قتلهم جميعا نساءهم ورجالهم، فلم يستبق منهم أحدا. (4) أى اتخذها سرية له أى أمة. (5) سماه الطبرى «هر جبذا أبرسام» ، وقال عنه إنه كان شيخا مسنا ص 44 المصدر السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَصَى نَفْسَهُ، وَصَبّرَ مَذَاكِيرَهُ، وَجَعَلَهَا فِي حَرِيرَةٍ، وَوَضَعَ الْحَرِيرَةَ فِي حُقّ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ، ثُمّ جَاءَ بِهِ الْمَلِكُ فَاسْتَوْدَعَهُ إيّاهُ، وَجَعَلَ لَا يَدْخُلُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ الْقَصْرِ سِوَاهُ، وَلَا تَرَاهَا إلّا عَيْنُهُ، حَتّى وَضَعَتْ الْمَوْلُودَ ذَكَرًا، فَكَرِهَ أَنْ يُسَمّيَهُ قَبْلَ أَبِيهِ، فَسَمّاهُ: شاهَبُور، وَمَعْنَاهُ: ابْنُ الْمَلِكِ، فَكَانَ الصّبِيّ يُدْعَى بِهَذَا، وَلَا يَعْرِفُ لِنَفْسِهِ اسْمًا غَيْرَهُ، فَلَمّا قَبِلَ التّعْلِيمَ نَظَرَ فِي تَعْلِيمِهِ، وَتَقْوِيمِ أَوَدِهِ. وَاجْتَهَدَ فِي كُلّ مَا يُصْلِحُهُ إلَى أَنْ ترعرع الغلام. فدخل الوزير يوما على أردشير، وَهُوَ وَاجِمٌ، فَقَالَ: لَا يَسُوءُك اللهُ أَيّهَا الْمَلِكُ! فَقَدْ سَاءَنِي إطْرَاقُك وَوُجُومُك، فَقَالَ: كَبِرَتْ سِنّي، وَلَيْسَ لِي وَلَدٌ أُقَلّدُهُ الْأَمْرَ بَعْدِي، وَأَخَافُ انْتِثَارَ الْأَمْرِ بَعْدَ انْتِظَامِهِ، وَافْتِرَاقَ الْكَلِمَةِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهَا، فَقَالَ لَهُ: إنّ لِي عِنْدَك وَدِيعَةً أَيّهَا الْمَلِكُ، وَقَدْ احْتَجْت إلَيْهَا، فَأَخْرَجَ إلَيْهِ الْحُقّةَ «1» بِخَاتَمِهَا، فَفَضّ الْخَاتَمَ، وَأَخْرَجَ الْمَذَاكِيرَ مِنْهَا، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: كَرِهْت أَنْ أَعْصِيَ الْمَلِكَ حِينَ أَمَرَنِي فِي الْجَارِيَةِ بِمَا أَمَرَ، فَاسْتَوْدَعْتهَا بَطْنَ الْأَرْضِ حَيّةً، حَتّى أَخْرَجَ اللهُ مِنْهَا سَلِيلَ الْمَلِكِ حَيّا، وَأَرْضَعَتْهُ وَحَضَنَتْهُ، وَهَا هُوَ ذَا عِنْدِي، فَإِنْ أَمَرَ الْمَلِكُ جِئْته بِهِ، فَأَمَرَهُ أَزْدَشِيرُ بِإِحْضَارِهِ فِي مِائَةِ غُلَامٍ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ، بِأَيْدِيهِمْ الصوالج «2»

_ (1) هى الحق، وجمعها حقق وحقوق وحقاق، وحق، وأحقاق، وفى الطبرى أنه طلب من الملك أن يختم الحق بخاتمه. (2) مفردها: الصولج، والصولجة، وهى عصا معقوف طرفها يضرب بها الفارس الكرة، وأيضا صولجانه وجمعها: صوالج وصوالجة وهى معربة، وفى الطبرى أنه طلب مائة غلام من أترابه وأشباهه فى الهيئة والقامة، ثم أمر الشيخ أن يدخلهم عليه جميعا، لا يفرق بينهم فى زى ولا قامة ولا أدب، ففعل الشيخ ذلك، فلما نظر إليهم أردشير قبلت نفسه ابنه من بينهم واستحلاه من غير أن يكون أشير له إليه، أو لحن به. ثم حدثت قصة الصوالج.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَلْعَبُونَ الْكُرَةَ، فَلَعِبُوا فِي الْقَصْرِ، فَكَانَتْ الْكُرَةُ تَقَعُ فِي إيوَانِ الْمَلِكِ، فَيَتَهَيّبُونَ أَخْذَهَا حَتّى طَارَتْ لِلْغُلَامِ، فَوَقَعَتْ فِي سَرِيرِ الْمَلِكِ، فَتَقَدّمَ حَتّى أَخَذَهَا، وَلَمْ يَهَبْ ذَلِكَ، فَقَالَ الْمَلِكُ: ابْنِي وَالشّمْسِ!! مُتَعَجّبًا مِنْ عِزّةِ نَفْسِهِ وَصَرَامَتِهِ، ثُمّ قَالَ لَهُ: مَا اسْمُك يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ لَهُ: شاهَبُور، فَقَالَ لَهُ: صَدَقْت! أَنْتَ ابْنِي، وَقَدْ سَمّيْتُك بِهَذَا الِاسْمِ، وَبُورُ: هُوَ الِابْنُ، وَشَاهَ: هُوَ الْمَلِكُ بِلِسَانِهِمْ، وَإِضَافَتُهُمْ مَقْلُوبَةٌ، يُقَدّمُونَ الْمُضَافَ إلَيْهِ عَلَى الْمُضَافِ، كَمَا تَقَدّمَ فِي «الْكَيّ» الْكَلِمَةُ الّتِي كَانَتْ فِي أَوَائِلِ أَسْمَاءِ الْمُلُوكِ الْكِينِيّةِ، فَكَانُوا يُضَافُونَ إلَى الْكَيّ، ثُمّ إنّ أَزْدَشِيرَ عَهِدَ إلَى ابْنِهِ شاهَبُور، وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ فِي قَوْلِ الْأَعْشَى: أَقَامَ بِهِ شاهَبُور الْجُنُودَ ... حَوْلَيْنِ يَضْرِبُ فِيهِ الْقُدُم ثُمّ غَيّرَتْ الْعَرَبُ هَذَا الِاسْمَ، فَقَالُوا: سَابُورُ، وَتَسَمّى بِهِ مُلُوكُ بَنِي سَاسَانَ مِنْهُمْ: سَابُورُ ذُو الْأَكْتَافِ الّذِي وَطِئَ أَرْضَ الْعَرَبِ، وَكَانَ يَخْلَعُ أَكْتَافَهُمْ، حَتّى مَرّ بِأَرْضِ بَنِي تَمِيمٍ، فَفَرّوا مِنْهُ «1» ، وَتَرَكُوا عَمْرَو بْنَ تَمِيمٍ. وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثمِائَةِ سَنَةٍ، لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْفِرَارِ، وَكَانَ فِي قُفّةٍ «2» مُعَلّقًا مِنْ عَمُودِ الْخَيْمَةِ من الكبر، فأخذ، وجيئ به الملك، فاستنطقه سابور، فوجد عنده

_ (1) يقول الطبرى: إن سابور ضرى بقتل العرب، ونزع أكتاف رؤسائهم إلى أن هلك، وكان سبب تسميتهم إياه ذا الأكتاف ص 60 ج 2 الطبرى ويذكر أن ملكه كان 72 سنة. (2) كلمة مولدة وهى معروفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَأْيًا وَدَهَاءً، فَقَالَ لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ: لِمَ تَفْعَلُ هَذَا بِالْعَرَبِ؟ فَقَالَ: يَزْعُمُونَ أَنّ مُلْكَنَا يَصِلُ إلَيْهِمْ عَلَى يَدِ نَبِيّ يُبْعَثُ فِي آخِرِ الزّمَانِ، فَقَالَ عَمْرٌو: فَأَيْنَ حِلْمُ الْمُلُوكِ وَعَقْلُهُمْ؟! إنْ يَكُنْ هَذَا الْأَمْرُ بَاطِلًا فَلَا يَضُرّك، وَإِنْ يَكُنْ حَقّا أَلْفَاك، وَقَدْ اتّخَذْت عِنْدَهُمْ يَدًا، يُكَافِئُونَك عَلَيْهَا، وَيَحْفَظُونَك بِهَا فِي ذَوِيك، فَيُقَالُ: إنّ سَابُورَ انْصَرَفَ عَنْهُمْ، وَاسْتَبْقَى بَقِيّتَهُمْ، وَأَحْسَنَ إلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللهُ أَعْلَمُ: وَأَمّا أبرويز بْنُ هُرْمُزَ- وَتَفْسِيرُهُ بِالْعَرَبِيّةِ: مُظَفّرٌ- فَهُوَ الّذِي كَتَبَ إلَيْهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَيَأْتِي طَرَفٌ مِنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ الّذِي عُرِضَ عَلَى اللهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ «1» ، فَقِيلَ لَهُ: سَلّمْ مَا فِي يَدَيْك إلَى صَاحِبِ الْهِرَاوَةِ، فَلَمْ يَزَلْ مَذْعُورًا مِنْ ذَلِكَ، حَتّى كَتَبَ إلَيْهِ النّعْمَانُ بِظُهُورِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتِهَامَةَ، فَعَلِمَ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَيْهِ، حَتّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، وَهُوَ الّذِي سُئِلَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا حُجّةُ اللهِ عَلَى كِسْرَى؟ فَقَالَ: إنّ اللهَ تَعَالَى أَرْسَلَ إلَيْهِ مَلَكًا، فَسَلَكَ يَدَهُ فِي جِدَارِ مَجْلِسِهِ، حَتّى أُخْرِجهَا إلَيْهِ، وَهِيَ تَتَلَأْلَأُ نُورًا «2» ، فَارْتَاعَ كِسْرَى، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: لِمَ تَرْعَ يَا كِسْرَى. إنّ اللهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولَهُ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ [دُنْيَاك وَآخِرَتَك] «3» ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ. ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ، فى أعلام كثيرة من النبوة،

_ (1) يردد مالا يصح!! (2) انظر ص 190 ج 2 طبرى ط المعارف، وما هنا بينه وبين ما فى الطبرى اختلاف يسير وهى أسطورة!! (3) الزيادة من الطبرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عُرِضَتْ عَلَى أبرويز أَضْرَبْنَا عَنْ الْإِطَالَةِ بِهَا، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَتَسَمّى أَيْضًا سَابُورُ بَعْدَ هَذَا سَابُورُ بْنِ أبرويز أَخُو شِيرَوَيْه، وَقَدْ مَلَكَ نَحْوًا مِنْ شَهْرَيْنِ فِي مُدّةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَلَكَ أَخُوهُ شِيرَوَيْه نَحْوًا مِنْ سِتّةِ أَشْهُرٍ، ثُمّ مَلَكَتْ بُورَانُ أُخْتُهُمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ مَلَكَتْهُمْ امْرَأَةٌ» «1» فَمَلَكَتْ سَنَةً، وَهَلَكَتْ وَتَشَتّتَ أَمْرُهُمْ كُلّ الشّتَاتِ. ثُمّ اجْتَمَعُوا عَلَى يَزْدَجْرِدْ بْنِ شَهْرَيَارَ، وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ غَلَبُوا عَلَى أَطْرَافِ أَرْضِهِمْ، ثُمّ كَانَتْ حُرُوبُ الْقَادِسِيّةِ مَعَهُمْ إلَى أَنْ قَهَرَهُمْ الْإِسْلَامُ، وَفُتِحَتْ بِلَادُهُمْ عَلَى يَدَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَاسْتُؤْصِلَ أَمْرُهُمْ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ «2» . وَسَابُورُ تُنْسَبُ إلَيْهِ الثّيَابُ السّابِرِيّةُ «3» قَالَهُ الْخَطّابِيّ، وَزَعَمَ أَنّهُ مِنْ النّسَبِ الّذِي غُيّرَ، فَإِذَا نَسَبُوا إلَى نَيْسَابُورَ الْمَدِينَةِ، قَالُوا: نَيْسَابُورِيّ عَلَى الْقِيَاسِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنّ: نِيّ هِيَ: الْقَصَبُ، وَكَانَتْ مَقْصَبَةً، فَبَنَاهَا سَابُورُ مَدِينَة، فَنُسِبَتْ إلَيْهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. رُجُوعُهُ إلَى حَدِيثِ سَطِيحٍ وَذِي يَزَنَ فَصْلٌ: وَقَوْلُ سَطِيحٍ فِي حَدِيثِ رَبِيعَةَ: إرَمَ ذِي يَزَنَ، الْمَعْرُوفُ: سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ، وَلَكِنْ جَعَلَهُ إرَمًا، إمّا لِأَنّ الْإِرَمَ هو العلم فمدحه بذلك،

_ (1) أحمد فى مسنده والبخارى والترمذى والنسائى عن أبى بكرة، وقال عنه السيوطى: صحيح، وفى روايته: لن بدلا من: لا. (2) فى المراصد عن القادسية أنها فتحت فى عهد عثمان، وقيل: فى عهد عمر، ثم انتقضت، ففتحت ثانيا فى عهد عثمان على يد ابن عامر. (3) والثياب السابرية نوع من أجود الثياب وأرقها يرغب فيه بأدنى عرض. ومنه عرض «بفتح العين وسكون الراء» سابرى يقوله: من يعرض عليه الشئ عرضا لا يبالغ فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَإِمّا شَبّهَهُ بِعَادِ إرَمَ فِي عِظَمِ الْخَلْقِ وَالْقُوّةِ، قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ] بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ. وَرَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ هَذَا هُوَ: أَحَدُ مُلُوكِ الْحِيرَةِ، وَهُمْ آلُ الْمُنْذِرِ، وَالْمُنْذِرُ هُوَ: ابْنُ مَاءِ السّمَاءِ، وَهِيَ: أُمّهُ عُرِفَ بِهَا، وَهِيَ من النّمر بن قاسطوابنه عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عُرِفَ بِأُمّهِ أَيْضًا، وَهِيَ بِنْتُ الْحَارِثِ «1» آكِلِ الْمِرَارِ جَدّ امْرِئِ الْقَيْسِ الشّاعِرِ، وَيُعْرَفُ عَمْرٌو بِمُحَرّقِ لِأَنّهُ حَرّقَ مَدِينَة، يُقَالُ لَهَا: مَلْهَمٌ، وَهِيَ عِنْدَ الْيَمَامَةِ، وَقَالَ الْمُبَرّدُ وَالْقُتَبِيّ سُمّيَ: مُحَرّقًا، لِأَنّهُ حَرّقَ مِائَةً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَذَكَرَ خَبَرَهُمْ «2» . وَوَلَدُ نَصْرِ بْنِ رَبِيعَةَ هُوَ: عَدِيّ، وَكَانَ كَاتِبًا لِجَذِيمَةَ الْأَبْرَشِ، وَابْنُهُ: عَمْرٌو، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ جَذِيمَةَ، وَيُكَنّى جَذِيمَةُ: أَبَا مَالِكٍ فِي قَوْلِ الْمَسْعُودِيّ، وَهُوَ مُنَادِمُ الْفَرْقَدَيْنِ، وَاسْمُ أُخْتِ جَذِيمَةَ: رَقَاشُ بنت مالك بن فهم بن غنم ابن دَوْسٍ، وَهُوَ الّذِي اخْتَطَفَتْهُ الْجِنّ، وَفِيهِ جَرَى المثل: شبّ عمرو

_ (1) هى كما قيل أيضا بنت عمرو بن حجر الكندى آكل المرار أو مارية بنت ثعلبة. (2) وفى جمهرة ابن حزم كذلك ص 22 أما فى الاشتقاق ص 435 فالمحرق هو: الحارث بن عمرو بن عامر، وقد عرف عمرو بأنه المحرق الثانى، لأنه ألقى بقتلى تميم فى النار أخذا بثأر أخيه، وقد لقب امرؤ القيس الأول ابن عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ بالمحرق الأول، ومحرق العرب، ومحرق الحرب، وفى التاريخ الخاص بالحيرة تصادفنا كلمة المحرق، ومحرق وآل محرق، وقد أطلقت-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْ الطّوْقِ. وَهُوَ قَاتِلُ الزّبّاءِ بِنْتِ عَمْرٍو «1» واسمها: نائلة فى قول

_ - على الغساسنة أيضا، ويرى بعض مؤرخى الغرب أنها علم لأشخاص، وكان بين أصنام الجاهلية صنم يدعى: محرق. ومن الجاهليين من كان اسمه: عبد محرق، فلعله سمى بهذا تيمنا- فى ظنه- باسم الصنم، ويظهر أن محرقا كان من الشخصيات الجاهلية القديمة الواردة فى الأساطير «انظر ص 32 ج 4 تاريخ العرب قبل الإسلام» وفى اللسان عن آكل المرار: المرار شجر مر، ومنه: بنو آكل المرار قوم من العرب.. وآكل المرار معروف. قال أبو عبيد: أخبرنى ابن الكلبى: إن حجرا «بضم الحاء وإسكان الجيم» إنما سمى آكل المرار أن ابنة كانت له سباها ملك من ملوك سليح يقال له: ابن هبولة، فقالت له ابنة حجر: كأنك بأبى قد جاء كأنه جمل آكل المرار، يعنى: كاشرا عن أنيابه، فسمى بذلك، وقيل: إنه كان فى نفر من أصحابه فى سفر، فأصابهم الجوع، فأما هو فأكل من المرار حتى شبع ونجا، وأما أصحابه، فلم يطيقوا ذلك، حتى هلك أكثرهم، ففضل عليهم بصبره على أكله المرار. (1) بمثل أسطورة خطف الجن للناس سيطر الدجاجلة على الذين لا دين لهم ولا عقل. والطوق: حلى للعنق وكل ما استدار بشئ والوسع والطوق. والمثل يضرب لمن يلابس ما هو دون قدره. والمثل مفصل فى مادة طوق من القاموس وفى باب الكاف من مجمع الأمثال للميدانى، وفى ص 614 ج 1 الطبرى. وغير هذه، وخلاصته أن عديا كان يخدم جذيمة مع غلمان من أبناء الملوك فأحبته رقاش أخت جذيمة، وطلبت منه أن يخطبها من أخيها، وهو فى سكره، ففعل، فلما أفاق جذيمة. وعلم بما حدث أنكره، وأقبل على رقاش قائلا: حدثينى وأنت غير كذوب ... أبحرّ زنيت أم بهجين؟! أم لعبد، وأنت أهل العبد ... أم بدون وأنت أهل لدون قالت بل زوجتنى كفئا كريما من أبناء الملوك. - أو كما ورد فى الطبرى- بل أنت زوجتنى امرءا عربيا معروفا حسيبا، ولم تستأمرنى فى نفسى، ولم أكن مالكة لأمرى. وفى مروج الذهب أنها أجابته بقولها: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الطّبَرِيّ وَيَعْقُوبَ بْنِ السّكّيتِ، وَمَيْسُونُ فِي قَوْلِ دُرَيْدٍ، وَاسْتَشْهَدَ الطّبَرِيّ بِقَوْلِ الشّاعِرِ «1» : أَتَعْرِفُ مَنْزِلًا بَيْنَ الْمُنَقّى ... وَبَيْنَ مَجَرّ نَائِلَةَ الْقَدِيم وَقَدْ أملينا فى غير هذا الموضع ذكر نسبها وطرفا من أخبارها.

_ - أنت زوجتنى وما كنت أدرى ... وأتانى النساء للتزيين ذاك من شربك المدامة صرفا ... وتماديك فى الصبا والمجون وهرب عدى ومات فى مهربه، وجاءت منه رقاش بغلام سماه جذيمة: عمرا وتبناه، وخرج الصبى ذات يوم، فضل عن العودة، ولبث زمانا مفقودا، ولهذا يزعمون أن الجن اختطفته، وهو حديث خرافة، ثم وجده رجلان فأتيا به إلى خاله، فاستطار به فرحا، وأرسل به إلى أمه، فأدخلته الحمام، وألبسته وطوقته طوقا كان له من ذهب، فلما رآه جذيمة قال: كبر عمرو عن الطوق والشطرة الأولى فى الطبرى: حدثينى وأنت لا تكذبينى. وكان بجذيمة برص، فتهيب العرب أن تسميه به، أو تنسبه إليه، فكنت عنه بالأبرش أو الوضاح. وقد قتل عمرو الزباء. لأنها قتلت خاله جذيمة غدرا. فاحتال بواسطة قصير حتى وصل إليها فى مكمنها ببلادها، فلما رأته شربت السم، وقالت «بيدى لا بيدك يا عمرو» فذهبت مثلا، ثم تلقاها عمرو، فجللها بالسيف فقتلها، والزباء هى نائلة بنت عمرو بن ظرب التى تولت الملك بعد مقتل أبيها بيد جذيمة الأبرش. وكان ملكها أرض الجزيرة، ومشارف بلاد الشام «انظر ص 617 وما بعدها ج 1 الطبرى» طبع المعارف، وقد اختلف المؤرخون المحدثون حولها فمنهم من ذهب إلى أنها عربية، وقيل هى عربية الأب مصرية الأم. والأكثرون على أنها عربية. (1) هو القعقاع بن الدرماء الكلبى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَخُو عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ: النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ ابْنُ مَامَةَ، وَكَانَ مُلْكُهُ بَعْدَ عَمْرٍو، وَفِي مُلْكُ عَمْرٍو وُلِدَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- «1» وفى زمن كسرى أنو شروان بْنِ قَبَاذٍ. وَأَسْقَطَ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ هَذَا النّسَبِ رَجُلَيْنِ، وَهُمَا: النّعْمَانُ بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ وَأَبُوهُ: امْرُؤُ الْقَيْسِ «2» بْنُ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ. وَقَدْ قِيلَ، إنّ النّعْمَانَ هَذَا هُوَ أَخُو امْرِئِ الْقَيْسِ، وَمَلَكَ بَعْدَهُ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ النّعْمَانِ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ ذِكْرِ صَاحِبِ الْحَضْرِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَأَنّهُ الّذِي بَنَى الْخَوَرْنَقَ وَالسّدِيرَ. قَوْمُ تُبّعٍ فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ «3» فِي نَسَبِ حَسّانِ: بْنِ تُبّانَ أَسْعَدَ: هُوَ تُبّانُ أَسْعَدَ. اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا، وَإِنْ شِئْت أَضَفْت كما تضيف معدى كرب، وإن شئت

_ (1) المشهور أن النبى صلى الله عليه وسلم ولد سنة 571 ميلادية، وكان قابوس أخو عمرو فى الغارة على الشام سنة 567، م وقد قتل عمرو بن هند- كما هو مشهور- بيد الشاعر عمرو بن كلثوم، ومن الألقاب التى اشتهر بها عمرو بن هند: مضرط الحجارة، وشقيقاه لأمه: قابوس والمنذر واسم أم النعمان فى المطبوعة: «ابن مامة» ويقال: أمامه. والذى تولى الملك بعد عمرو- كما فى بعض الروايات- هو أخوه الشقيق قابوس «ص 82 ح 4 تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد على مطبعة المجمع العلمى العراقى 1374- 1955 (2) ينسب ملك الحيرة إلى عمرو بن عدى، ثم إلى ابنه امرئ القيس الأول الذى نكل سابور بالعرب فى أيامه، ثم إلى ابنه عمرو، ثم إلى النعمان الأول بن امرئ القيس الذى ينسب إليه أكثر المؤرخين قصر الخورنق (3) فى صفحة 156

استيلاء أبى كرب تبان أسعد على ملك اليمن وغزوه إلى يثرب

[اسْتِيلَاءُ أَبِي كَرِبٍ تُبّانَ أَسْعَدَ عَلَى مَلِكِ الْيَمَنِ وَغَزْوِهِ إلَى يَثْرِبَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا هَلَكَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ رَجَعَ مُلْكُ الْيَمَنِ كُلّهُ إلَى حَسّانِ بْنِ تُبّانَ أَسْعَدَ أَبِي كَرِبٍ- وَتُبّانُ أَسْعَدُ هُوَ: تُبّعٌ الْآخِرُ- ابن كلكى كَرِبِ بْنِ زَيْدٍ، وَزَيْدٌ هُوَ تُبّعٌ الْأَوّلُ بْنُ عَمْرِو ذِي الأذْعار بْنِ أَبْرَهَةَ ذِي الْمَنَارِ بْنِ الرّيشِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الرّائِشُ- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ابْنَ عَدِيّ بْنِ صيفى ابن سَبَأٍ الْأَصْغَرِ، بْنِ كَعْبِ، كَهْفِ الظّلْمِ بْنِ زيد ابن سَهْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ عَبْدِ شمس بن وائل ابن الْغَوْثِ، بْنِ قُطْنِ، بْنِ عَرِيبِ بْنِ زُهَيْرِ، بْنِ أَيْمَنَ بْنِ، الهَمَيْسع بْنِ العَرَنجَج، والعَرَنْجَج: حمير بن سبأ الأكبر ابن يعرب، بن يشجب ابن قحطان. ـــــــــــــــــــــــــــــ جَعَلْت الْإِعْرَابَ فِي الِاسْمِ الْآخِرِ، وَتُبّانُ مِنْ التّبَانَةِ، وَهِيَ: الذّكَاءُ وَالْفِطْنَةُ. يُقَالُ: رَجُلٌ تَبِنٌ وَطَبِنٌ. وَكُلْكِي كَرِبَ اسْمٌ مُرَكّبٌ أَيْضًا وَسَيَأْتِي مَعْنَى الْكَرِبِ فِي لُغَةِ حِمْيَرَ عِنْدَ ذِكْرِ مَعْدِي كَرِبَ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- وَكَانَ مُلْكُ كُلْكِي كَرِبَ «1» خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ مُضْعِفًا سَاقِطَ الْهِمّةِ لَمْ يَغْزُ قَطّ. وَقَوْلُهُ: فِي نَسَبِ حَسّانِ: ابْنِ تُبّانَ أَسْعَدَ وَتُبّانُ الْأَسْعَدُ [هُوَ] تُبّعٌ. [الْآخِرُ] نَقّصَ مِنْ النّسَبِ أَسْمَاءَ كَثِيرَةً وَمُلُوكًا؛ فَإِنّ عَمْرًا ذَا الْأَذْعَارِ «2» كان بعده ناشر

_ (1) فى الاشتقاق: ملكى كرب وفى غيره كلى بضم الكاف وفتحها. (2) يزعم ابن الكلبى أنه سمى بهذا لأنه جلب النسناس إلى اليمن فذعر الناس «الاشتقاق» ص 542 وسيأتى. كهف الظلم: لقب بهذا لأنه ينصر الظلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ لَهُ: نَاشِرُ النّعَمِ، [بْنُ عَمْرِو بْنِ يَعْفُرَ] «1» وَإِنّمَا قِيلَ لَهُ نَاشِرٌ؛ لِأَنّهُ نَشَرَ الْمُلْكَ، وَاسْمُهُ مَالِكٌ. مَلَكَ بَعْدَ قَتْلِ رجعيم «2» بْنِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ بِالشّامِ، وَهُوَ الّذِي انْتَهَى إلَى وَادِي الرّمْلِ، وَمَاتَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ مِنْ جُنْدِهِ جَرَتْ عَلَيْهِمْ الرّمَالُ، وَبَعْدَهُ: تُبّعٌ الْأَقْرَنُ وأفريقيس بْنُ قَيْسٍ الّذِي بَنَى إفْرِيقِيّةَ: وَبِهِ سُمّيَتْ، وَسَاقَ إلَيْهَا الْبَرْبَرَ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ، وَتُبّعُ بْنُ الْأَقْرَنِ وَهُوَ التّبّعُ الْأَوْسَطُ، وَشِمْرُ بْنُ مَالِكٍ الّذِي سُمّيَتْ بِهِ مَدِينَة سَمَرْقَنْدَ «3» ، وَمَالِكٌ هُوَ: الْأُمْلُوكُ، وَفِي بنى الأملوك يقول الشاعر:

_ (1) فى الطبرى اسمه: ياسر بن عمرو بن يعفر الذى كان يقال له: ياسر أنعم وإنما سموه: ياسر أنعم لإنعامه عليهم بما قوى من ملكهم، وجمع من أمرهم والزيادة من المروج والطبرى (2) اسمه عند الكتابيين «رحبعام» (3) فى المروج ترتيب ملوكهم هكذا: أبرهة بن الرائش وبعده أفريقس بن أبرهة ثم العبد بن أبرهة، ثم الهدهاد بن شرحبيل، ثم تبع الأول، ثم بلقيس، ثم ناشر النعم، ثم شمر بن أفريقس، ثم كليكرب، ثم حسان بن تبع؛ ثم عمرو بن تبع- وهو الذى قتل أخاه حسان- ثم تبع بن حسان إلخ ص 75 ج 2 وترتيبهم فى الطبرى ص 566 ج 1 مختلف عما هنا اختلافا يسيرا. وفى تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد على: «وأول ملك نعرفه حمل اللقب الجديد لقب «ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات» هو الملك شمر يهرعش المعروف: بشمر يرعش عند الإسلاميين، أما والده فهو ياسر يهنعم، وكان ملكا من ملوك سبأ وذى ريدان، ويدعى ناشر النعم فى كتب الأخباريين» ص 139 ج 3. وفى القاموس عن شمر «وشمر بن أفريقش ككتف غزا مدينة السغد فقلعها، فقيل: سمر كندا، أو بناها، فقيل. سمر كنت. وهى بالتركية: القرية، فعربت سمرقند» بفتح ففتح فسكون ففتح. وكنداى: خرب، وخطأ ابن خلدون السهيلى فى رأيه عن الأملوك انظر ص 98 م 2 ط. لبنان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَنَقّبْ عَنْ الْأُمْلُوكِ وَاهْتِفْ بِيَعْفُرٍ ... وَعِشْ جَارَ عِزّ لَا يُغَالِبُهُ الدّهْرُ وَقَدْ قِيلَ: إنّ الأملوك كان على عهد منو شهر، وَذَلِكَ فِي زَمَنِ مُوسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- كُلّ هَؤُلَاءِ مَذْكُورُونَ بِأَخْبَارِهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ. وَعَمْرُو ذُو الْأَذْعَارِ كَانَ عَلَى عَهْدِ سُلَيْمَانَ، أو قبله بقليل، وكان أو غل فى ديار المغرب، وسبا أُمّةً وُجُوهُهَا فِي صُدُورِهَا، فَذُعِرَ النّاسُ «1» ، مِنْهُمْ فَسُمّيَ: ذَا الْأَذْعَارِ، وَبَعْدَهُ مَلَكَتْ بِنْتُ بِلْقِيسَ هَدَاهِدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ صَاحِبَةُ سُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَاسْمُ أُمّهَا يَلْمُقهُ «2» بِنْتُ جِنّي، وَقِيلَ: رَوَاحَةُ بِنْتُ سُكَين. قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ. وَزَعَمَ أَيْضًا أَنّهَا قَتَلَتْ عَمْرًا ذَا الْأَذْعَارِ بِحِيلَةِ ذَكَرَهَا، وَأَنّهُ سُمّيَ ذَا الْأَذْعَارِ لِكَثْرَةِ مَا ذُعِرَ النّاسُ مِنْهُ لِجَوْرِهِ، وَأَنّهُ ابْنُ أَبْرَهَةَ ذِي الْمَنَارِ بْنِ الصّعْبِ، وَهُوَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بْنُ ذِي مَرَاثِلَ الْحِمْيَرِيّ، وَأَبُوهُ: أَبْرَهَةُ ذُو الْمَنَارِ سُمّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنّهُ رَفَعَ نِيرَانًا فِي جِبَالٍ؛ لِيَهْتَدِيَ بِهَا «3» . وَأَمّا حَسّانُ الّذِي ذُكِرَ فَهُوَ الّذِي اسْتَبَاحَ طَسْمًا، وَصَلَبَ الْيَمَامَةَ الزّرْقَاءَ، وَذَلِكَ حِينَ اسْتَصْرَخَهُ عَلَيْهِمْ رَبَاحُ بْنُ مُرّةَ أَخُو الزّرْقَاءِ، وَهُوَ مِنْ فَلّ جَدِيسٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ الإيماء إلى خبرهم.

_ (1) فى القاموس جاء بتعبير دقيق «وذو الأذعار تبع لأنه سبى قوما وحشة الأشكال. فذعر منهم الناس، أو لأنه حمل النسناس إلى اليمن» (2) فى المروج وفى نسخة أخرى: الهدهاد، وفى المحكم أن هدد بن هماد زوج يلمقه وهى بلقيس بنت يليشرح وأصلها: يلب شرخ. وفى المحبر والطبرى: أليشرح، وفى التيجان أنها بلقيس بنت الهدهاد، وفى الطبرى أيضا ابنة إيلى شرح ويقول بعضهم ابنة ذى شرح بن ذى جدن بن إيلى شرح «الاشتقاق ص 532 والحاشية بقلم الأستاذ عبد السلام هارون. وفى جمهرة ابن حزم أن شدد- بفتح ابن زرعة «بضم فسكون» هو زوج بلقيس، وأن إيلى هو والدها. (3) فى القاموس لأنه أول من ضرب المنار على طريقه فى مغازيه، ليهتدى بها إذا رجع، وفى الاشتقاق؛ لأنه أول من بنى الأميال على الطرق. وليس بين قوم تبع من اسمه مراثل، إنما هو مرث أو مراثد وسيأتى بعد.

شىء من سيرة تبان

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَشْجُبُ: ابْنُ يَعْرُبَ بْنِ قحطان. [شىء من سيرة تبان] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتُبّانُ أَسْعَدُ أَبُو كَرِبٍ الّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَسَاقَ الْحِبْرَيْنِ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ إلَى الْيَمَنِ، وَعَمّرَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَكَسَاهُ، وَكَانَ مُلْكُهُ قَبْلَ ملك ربيعة بن نصر. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمَعْنَى تُبّعٍ فِي لُغَةِ الْيَمَنِ: الْمَلِكُ الْمَتْبُوعُ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: لَا يُقَالُ لِلْمَلَكِ: تُبّعٌ حَتّى يَغْلِبَ الْيَمَنَ وَالشّحْرَ وَحَضْرَمَوْتَ. وَأَوّلُ التّبَابِعَةِ: الْحَارِثُ الرّائِشُ، وَهُوَ ابْنُ هَمّالِ بْنِ ذِي شَدَدٍ «1» وسمّى: الرائش، لأنّه راش الناس

_ (1) النسب فى جمهرة ابن حزم هكذا «شمر بن الأفريقس بن أبرهة ذى المنار بن الحارث الرائش بن شدد بن الملطاط بن عمرو» ص 410. وأحسن بما يقول ابن حزم عن أنساب قوم تبع «وفى أنسابهم اختلاف وتخليط وتقديم وتأخير ونقصان وزيادة، ولا يصح من كتب أخبار التبابعة وأنسابهم إلا طرف يسير لاضطراب أحوالهم وبعد العهد» ص 411 وإليك ما ذكر فى خزانة الأدب للبغدادى عن أذواء اليمن باختصار وتصرف: ذو جدن: اسم مرتجل، وهو من أذواء اليمن، والأذواء بعضهم ملوك، وبعضهم أقيال، والقيل دون الملك. قال فى الصحاح: والقيل: ملك من ملوك حمير دون الملك الأعظم. والمرأة قيلة، وأصله قيّل بالتشديد، كأنه الذى له قول. أى: ينفذ قوله. والجمع: أقوال وأقيال أيضا ومن جمعه على أقيال لم يجعل الواحد منه مشددا والمقول- بالكسر- القيل أيضا بلغة أهل اليمن والجمع المقاول. ومن الأذواء الأوائل: أبرهة ذو المنار، وابنه: عمرو ذو الأذعار، أو الأدعار كما ذهب إليه ابن الشجرى فى أماليه جمع دعر- بفتح فكسر- العود الكثير الدخان، وذو معاهر- واسمه حسان- من العهر وهو الفجور، وذو رعين الأكبر، واسمه: يريم- وزن يميل- ورعين اسم حصن كان له وذو رعين الأصغر، واسمه: عبد كلال، وذو شناتر، واسمه: ينوف، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِمَا أَوْسَعَهُمْ مِنْ الْعَطَاءِ، وَقَسَمَ فِيهِمْ مِنْ الْغَنَائِمِ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ غَنِمَ، فِيمَا ذَكَرُوا. وَأَمّا الْعَرَنْجَجُ الّذِي ذَكَرَ أَنّهُ حِمْيَرُ بْنُ سَبَأٍ، فَمَعْنَاهُ بِالْحِمْيَرِيّةِ: الْعَتِيقُ. قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ، وَفِي عَهْدِ زَمَنِ تُبّعِ الْأَوْسَطِ- وَهُوَ حَسّانُ بْنُ تُبّان أَسَعْدُ- كَانَ خُرُوجُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ مِنْ أَجْلِ سَيْلِ الْعَرِمِ، فِيمَا ذَكَرَ الْقُتَبِيّ. وَأَمّا عَمْرٌو أَخُو حَسّانَ الّذِي ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قِصّتَهُ، وَقَتَلَهُ لِأَخِيهِ. فهو المعروف: بمو ثبان. سمّى بذلك للزومه الوثاب وهو [السريرو] الفراش وقلة غزوه. قاله القتبىّ.

_ - والشناتر: الأصابع فى لغة اليمن. وذو القرنين، واسمه: الصعب، وذو غيمان من الغيم الذى هو العطش وحرارة الجوف. وذو أصبح، وذو سحر وذو شعبان، وذو فائش، واسمه: سلامة- من الفياش وهو المفاخرة. وذو حمام- بضم الحاء- والحمام حمى الإبل- وذو ترخم، وذو يحصب، وذو عسيم- من العسم، وهو يبس فى المرفق، أو من العسم، وهو الطمع، وذو قثاث، وذو حوال، واسمه: عامر، وذو مهدم، واسمه: شمر، وذو أنس، وذو سحيم، وذو الكباس، وذو حفار، وذو نواس، واسمه: ذرعة، ومنهم ذو الكلاع الأكبر، وذو الكلاع الأصغر، وهذا أدركه الإسلام وأسلم وأعتق أربعة آلاف عبد، وهاجر بقومه فى أيام أبى بكر- كما فى خزانة البغدادى- وذو عثكلان، وذو ثعلبان وذو زهران، وذو مكارب، وذو مناخ، وذو ظليم، واسمه: حو شب، وهو العظيم البطن، ومنهم ذو يزن ملك اليمن، ويزن اسم مرتجل، وهو غير منصرف لأن أصله يزأن على وزن يسأل، فخففوا همزته فصار وزنه يفل، ومنهم من رد عينه فى النسب، فقال: رمح يزأنى، وقيل: أصله من وزن يزن. فحذفت الواو ثم أبدلت الكسرة فتحة، واسم ذى يزن: عامر بن أسلم بن زيد بن غوث. انتهى باختصار. ص 100 ح 2 ط دار العصور

"سبب غضب تبان على أهل المدينة":

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ: لَيْتَ حَظّي مِنْ أَبِي كَرِب ... أَنْ يَسُدّ خيره خبله [ «سبب غضب تبان على أهل المدينة» :] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ قَدْ جَعَلَ طَرِيقَهُ- حِينَ أَقْبَلَ مِنْ الْمَشْرِقِ- عَلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ قَدْ مَرّ بِهَا فِي بَدْأَتِهِ، فَلَمْ يَهِجْ أَهْلَهَا، وَخَلّفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ابْنًا لَهُ، فَقُتِلَ غِيلَةً، فَقَدِمَهَا وَهُوَ مُجْمِعٌ لِإِخْرَابِهَا، وَاسْتِئْصَالِ أَهْلِهَا، وَقَطْعِ نَخْلِهَا، فَجُمِعَ لَهُ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَرَئِيسُهُمْ عَمْرُو بْنُ طَلّةَ أَخُو بَنِي النّجّارِ، ثُمّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ، وَاسْمُ مَبْذُولٍ: عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَاسْمُ النّجّارِ: تَيْمِ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، بْنِ عَمْرِو، بْنِ الْخَزْرَجِ، بْنِ حَارِثَةَ، بْنِ ثَعْلَبَةَ، بْنِ عَمْرِو، بْنِ عامر. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ غَزْوِ تُبّعٍ الْمَدِينَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقُتَبِيّ أَنّهُ لَمْ يَقْصِدْ غَزَوْهَا، وَإِنّمَا قَصَدَ قَتْلَ الْيَهُودِ الّذِينَ كَانُوا فِيهَا، وَذَلِكَ أَنّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَانُوا نَزَلُوهَا مَعَهُمْ، حِينَ خَرَجُوا مِنْ الْيَمَنِ عَلَى شُرُوطٍ وَعُهُودٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يَفِ لَهُمْ بِذَلِكَ يَهُودُ، وَاسْتَضَامُوهُمْ، فَاسْتَغَاثُوا بِتُبّعِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَدِمَهَا وَقَدْ قِيلَ: بَلْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ لِأَبِي جُبَيْلَة الْغَسّانِيّ، وَهُوَ الّذِي اسْتَصْرَخَتْهُ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ عَلَى يَهُودَ، فَاَللهُ أَعْلَمُ. وَالرّجُلُ الّذِي عَدَا عَلَى عَذْقِ الْمَلِكِ، وَجَدّهُ مِنْ بَنِي النّجّارِ هُوَ: مالك ابن الْعَجْلَانِ فِيمَا قَالَ الْقُتَبِيّ، وَلَا يَصِحّ هَذَا عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ لِبُعْدِ عَهْدِ تُبّعٍ مِنْ مدة ملك ابن العجلان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وخبر ملك ابن الْعَجْلَانِ إنّمَا هُوَ مَعَ أَبِي جُبَيْلَة الْغَسّانِيّ حِينَ اسْتَصْرَخَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ عَلَى الْيَهُودِ، فَجَاءَ حَتّى قَتَلَ وُجُوهًا مِنْ يَهُودَ. وَأَمّا تُبّعٌ فَحَدِيثُهُ أَقْدَمُ مِنْ ذَلِكَ. يُقَالُ: كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِسَبْعِمِائَةِ عَامٍ، وَالصّحِيحُ فِي اسْمِ أَبِي جُبَيْلَة: جُبَيْلَة غَيْرُ مُكَنّى، ابْنُ عَمْرِو بْنِ جبلة بن جفنة، وجفنة هو: غلبة ابن عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مَاءِ السّمَاءِ «1» . وَجُبَيْلَةُ هُوَ: جَدّ جَبَلة بْنِ الْأَيْهَمِ «2» آخِرُ مُلُوكِ بَنِي جَفْنَةَ، وَمَاتَ جُبَيْلَة الْغَسّانِيّ مِنْ عَلَقَةٍ شَرِبَهَا فِي مَاءٍ، وَهُوَ مُنْصَرَفٍ عَنْ الْمَدِينَةِ. وَذَكَرَ أَنّ تُبّعًا أَرَادَ تَخْرِيبَ الْمَدِينَةِ، وَاسْتِئْصَالَ الْيَهُودِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، لَهُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ سَنَةً: الْمَلِكُ أَجَلّ مِنْ أَنْ يَطِيرَ بِهِ نَزَقٌ. أَوْ يَسْتَخْفِهِ غَضَبٌ، وَأَمْرُهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَضِيقَ عَنّا حِلْمُهُ، أَوْ نُحْرَمُ صَفْحَهُ، مَعَ أَنّ هَذِهِ الْبَلْدَةَ مُهَاجَرُ نَبِيّ يُبْعَثُ بِدِينِ إبْرَاهِيمَ. وَهَذَا الْيَهُودِيّ هُوَ أَحَدُ الْحَبْرَيْنِ

_ (1) انظر ص 435 الاشتقاق. وعند بعض المورخين أن جفنة بْنِ عَمْرِو مُزَيْقِيَاءَ بْنِ عَامِرٍ مَاءِ السّمَاءِ بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأسد ابن الغوث هو أول ملك ملك من غسان فى أيام القيصر أنسطاس (491- 518 م) . وعند غير هؤلاء أن أول ملك هو الحارث بن عمرو ابن عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثعلبة بن مازن بن غسان بن الأزد بن الغوث، وبعده الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو بن عامر بن حارثة، وهو ابن مارية ذات القرطين. أما الأول فيذكرون أن عمرو بن جفنة هو الذى تولى بعد أبيه. ثم ثعلبة بن عمرو بن جفنة، ثم الحارث بن ثعلبة، ثم جبلة بن الحارث. ص 125 ج 4 تاريخ العرب قبل الإسلام. جواد عل. (2) وهو الذى ارتد ولحق بالروم، ونسبه فى الإنباه «جبلة بن الايهم بن جبلة الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة» ص 111

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللّذَيْنِ ذَكَرَ ابْن إسْحَاقَ، قَالَ: وَاسْمُ الْحَبْرَيْنِ: سُحَيْتٌ، وَالْآخَرُ: مُنَبّهٌ «1» . ذَكَرَ ذَلِكَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، قَالَ: وَاسْمُ الْحَبْرِ الّذِي كَلّمَ الْمَلِكَ: بليامين، وَذَكَرَ أَنّ امْرَأَةً اسْمُهَا: فُكَيْهَةُ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ كَانَتْ تَحْمِلُ لَهُ الْمَاءَ من بئر رومة «2» بعد ما قَالَ لَهُ الْحَبْرَانِ مَا قَالَا، وَكَفّ عَنْ قِتَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَدَخَلُوا عَسْكَرَهُ، فَأَعْطَى فُكَيْهَةَ، حَتّى أَغْنَاهَا، فَلَمْ تَزَلْ هِيَ وَعَشِيرَتُهَا مِنْ أَغْنَى الْأَنْصَارِ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَلَمّا آمَنَ الْمَلِكُ بِمُحَمّدِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُعْلِمَ بِخَبَرِهِ، قَالَ: شَهِدْت عَلَى أَحْمَدَ أَنّهُ ... نَبِيّ مِنْ اللهِ بَارِي النّسَمْ فَلَوْ مُدّ عُمْرِي إلَى عُمْرِهِ ... لَكُنْت وَزِيرًا لَهُ، وَابْنُ عَمْ وَجَاهَدْت بِالسّيْفِ أَعْدَاءَهُ ... وَفَرّجْت عَنْ صَدْرِهِ كُلّ هَمْ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدّنْيَا فِي كِتَابِ الْقُبُورِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا أَبُو إسْحَاقَ الزّجّاجُ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي لَهُ، أَنّ قَبْرًا حُفِرَ بِصَنْعَاءَ، فَوُجِدَ فِيهِ امْرَأَتَانِ، مَعَهُمَا لَوْحٌ مِنْ فِضّةٍ مَكْتُوبٌ بِالذّهَبِ، وَفِيهِ: هَذَا قَبْرُ لَمِيسَ وَحُبّى ابْنَتَيْ تُبّعٍ مَاتَا، وَهُمَا تَشْهَدَانِ: لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيك لَهُ، وَعَلَى ذلك مات الصالحون

_ (1) فى التوراة والإنجيل بشارات ببعث نبى اسمه: أحمد، واسم الحبرين فى الطبرى: كعب وأسد من بنى قريظة ص 105 ج 2. والحديث عن الحبرين ص 165 (2) بئر بالمدينة، ويقال إنها التى اشتراها عثمان وسبلها.

عمرو بن طلة ونسبه:

[عمرو بن طلّة ونسبه:] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ طَلّةَ: عَمْرُو بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَطَلّةُ: أُمّهُ، وَهِيَ: بِنْتُ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ، بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ ابن عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جشم بن الخزرج. [قصة مقاتلة تُبّانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ:] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ، يُقَالُ لَهُ: أَحْمَرُ عَدَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ تُبّعٍ حِينَ نَزَلَ بِهِمْ فَقَتَلَهُ، وَذَلِكَ أنه وجده فى عذق ـــــــــــــــــــــــــــــ قَبْلَهُمَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا أَدْرِي أَتُبّعٌ لَعِينٌ أَمْ لَا» وَرُوِيَ عَنْهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: «لَا تَسُبّوا تُبّعًا؛ فَإِنّهُ كَانَ مُؤْمِنًا «1» » ، فَإِنْ صَحّ هَذَا الْحَدِيثُ الْأَخِيرُ، فَإِنّمَا هُوَ بعد ما أُعْلِمَ بِحَالِهِ، وَلَا نَدْرِي: أَيّ التّبَايِعَةِ أَرَادَ، غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا تَسُبّوا أَسْعَدَ الْحِمْيَرِيّ، فَإِنّهُ أَوّلُ مَنْ كَسَا الْكَعْبَةَ» «2» فَهَذَا أَصَحّ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوّلِ، وَأَبْيَنُ،

_ (1) رواه أحمد فى مسنده عن سهل بن سعد، وله ثمانية وثمانون ومائة حديث اتفق البخارى ومسلم على ثمانية وعشرين منها، وانفرد البخارى بأحد عشر والحديث فيه معارضة لما قبله، وفيه سمة الضعف. وما يحب مسلم أن يكذّب أحد رسول الله صلى الله وسلم فى قوله. (2) لم يرو إلا فى كتب السيرة كسيرة أبى ذر والأزرقى وأبى الفرج فى مثير الغرام، وليس عليه نفحة النبوة.

لَهُ يَجُدّهُ، فَضَرَبَهُ بِمِنْجَلِهِ فَقَتَلَهُ، وَقَالَ: إنّمَا التّمْرُ لِمَنْ أَبّرَهُ، فَزَادَ ذَلِكَ تُبّعًا حَنَقًا عَلَيْهِمْ، فَاقْتَتَلُوا، فَتَزْعُمُ الْأَنْصَارُ أَنّهُمْ كَانُوا يُقَاتِلُونَهُ بِالنّهَارِ، وَيَقْرُونَهُ بِاللّيْلِ، فَيُعْجِبُهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَيَقُولُ: والله إن قومنا لكرام. فَبَيْنَا تُبّعٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِتَالِهِمْ، إذْ جَاءَهُ حَبْرَانِ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، مِنْ بَنِي قريظة- وقريظة والنّضير وَالنّجّامُ وَعَمْرٌو- وَهُوَ هَدَلُ- بَنُو الْخَزْرَجِ بْنِ الصريح ـــــــــــــــــــــــــــــ حَيْثُ ذَكَرَ فِيهِ أَسَعْدَ. وَتُبّانُ أَسْعَدُ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ، وَقَدْ كَانَ تُبّعٌ الْأَوّلُ مُؤْمِنًا أَيْضًا بِالنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الرّائِشُ، وَقَدْ قَالَ شِعْرًا يُنْبِئُ فِيهِ بِمَبْعَثِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِيهِ: ويأتى بعدهم رجل عظيم ... نبئ لَا يُرَخّصُ فِي الْحَرَامِ وَقَدْ قِيلَ أَنّهُ الْقَائِلُ: مَنَعَ الْبَقَاءَ تَصَرّفُ الشّمْسِ ... وَطُلُوعُهَا مِنْ حيث لا تمسى اليوم أعلم ما يجئ بِهِ ... وَمَضَى بِفَصْلِ قَضَائِهِ أَمْسِ وَطُلُوعُهَا بَيْضَاءُ مُشْرِقَةٌ ... وَغُرُوبُهَا صَفْرَاءُ كَالْوَرْسِ تَجْرِي عَلَى كَبِدِ السّمَاءِ، كَمَا ... يَجْرِي حِمَامُ الْمَوْتِ فِي النّفْسِ وَقَدْ قِيلَ: إنّ هَذَا الشّعْرَ لِتُبّعِ الْآخَرُ [وَقِيلَ لِأُسْقُفِ نَجْرَانَ] ، فَاَللهُ أَعْلَمُ، وَمِنْ هَذَا أَخَذَ أَبُو تَمَامٍ قَوْلَهُ: أَلْقَى إلَى كَعْبَةِ الرّحْمَنِ أَرْحُلَهُ ... وَالشّمْسُ قَدْ نَفَضَتْ وَرْسًا عَلَى الأصل

ابن التّومان، بْنِ السّبْطِ بْنِ الْيَسَعَ، بْنِ سَعْدِ، بْنِ لَاوِيّ، بْنِ خَيْرِ، بْنِ النّجّامِ، بْنِ تَنْحوم، بْنِ عازَر، بْنِ عزْرَى، بْنِ هَارُونَ، بْنِ عمران، بن يصهر، ابن قاهث، بن لَاوَى، بْنِ يَعْقُوبَ- وَهُوَ إسْرَائِيلُ- بْنُ إسْحَاقَ بن إبراهيم خليل الرحمن- صلى الله عليهم- عالمان راسخان فى العلم، حين سمعا بما يريد من إهلاك الْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا، فَقَالَا لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، لَا تَفْعَلْ، فَإِنّك إنْ أَبَيْتَ إلّا مَا تُرِيدُ حِيلَ بَيْنَك وَبَيْنَهَا، وَلَمْ نَأْمَنْ عَلَيْك عَاجِلَ الْعُقُوبَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: وَلِمَ ذَلِكَ؟ فَقَالَا: هِيَ مُهَاجَرُ نَبِيّ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحَرَمِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي آخِرِ الزّمَانِ، تَكُونُ دَارَهُ وَقَرَارَهُ، فَتَنَاهَى عَنْ ذَلِكَ، وَرَأَى أَنّ لَهُمَا عِلْمًا، وَأَعْجَبَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُمَا، فَانْصَرَفَ عَنْ الْمَدِينَةِ، وَاتّبَعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ العزّى بن غزيّة ابن عمرو بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ يَفْخَرُ بِعَمْرِو بْنِ طَلّةَ: أَصَحّا أَمْ قَدْ نَهَى ذُكَرَهْ ... أَمْ قَضَى مِنْ لَذّةٍ وَطَرَهْ أَمْ تَذَكّرْتَ الشّبَابَ، وَمَا ... ذكرت الشّبَابَ أَوْ عُصُرَهْ إنّهَا حَرْبٌ رَبَاعِيَةٌ ... مِثْلُهَا أَتَى الْفَتَى عِبَرَهْ فَاسْأَلَا عِمْرَانَ، أَوْ أَسَدًا ... إذْ أَتَتْ عَدْوًا مَعَ الزّهَرَهْ فَيْلَقٌ فِيهَا أَبُو كَرِبٍ ... سُبّغ أَبْدَانُهَا ذَفِرَهْ ثُمّ قَالُوا: مَنْ نَؤُمّ بِهَا ... أَبَنِي عَوْفٍ، أَمْ النّجَرَهْ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ (غَرِيبُ حَدِيثِ تُبّعٍ) ذَكَرَ فِيهِ: فَجَدّ عَذْق الْمَلِكِ. الْعَذْقُ: النّخْلَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَالْعِذْق بِالْكَسْرَةِ: الْكِبَاسَةُ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ التّمْرِ، وَذَكَرَ فِي نَسَبِ قُرَيْظَةَ وَالنّضِيرِ عَمْرًا، وَهُوَ هَدَلٌ بِفَتْحِ الدّالّ، وَالْهَاءُ، كَأَنّهُ مَصْدَرُ هَدَلَ هَدْلًا إذَا استرخت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شَفَتُهُ، وَذَكَرَهُ الْأَمِيرُ ابْنُ مَاكُولَا عَنْ أَبِي عَبْدَةَ النّسّابَةِ فَقَالَ فِيهِ: هَدْلٌ بِسُكُونِ الدّالِ. وذكر فيه بن التّوْمَانِ عَلَى وَزْنِ فَعَلَانِ، كَأَنّهُ مِنْ لَفْظِ التّوَمِ «1» ، وَهُوَ الدّرّ أَوْ نَحْوُهُ. وَفِيهِ ابْنُ السّبْطِ بِكَسْرِ السّينِ، وَفِيهِ ابْنُ تَنْحوم بِفَتْحِ التّاءِ وَسُكُونِ النّونِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ عِبْرَانِيّ، وَكَذَلِكَ عازَر وَعِزْرَى بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ عِزْري. وقاهث، وَبِالتّاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِاثْنَتَيْنِ. وَهَكَذَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ. وَفِي غَيْرِهَا بِالثّاءِ الْمُثَلّثَةِ، وَكُلّهَا عِبْرَانِيّةٌ. وَكَذَلِكَ إسْرَائِيلُ، وَتَفْصِيلُهُ بِالْعَرَبِيّةِ: سَرِيّ اللهِ. وَقَوْلُهُ فِي شِعْرِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: أَصَحَا أَمْ قَدْ نَهَى ذُكَرَه «2» . الذّكر:

_ (1) مفردة: تومة بضم التاء وفتح الميم، والجمع توم، بضم التاء وسكون الواو أو فتحها. (2) الذكر بكسر الذال، والذكرى والذكر بضم الذال ضد النسيان، وفى الشافية عن جمع ما آخره ألف التأنيث: «وتكسيره على ضربين. الأول: أن يجمع الجمع الأقصى وذلك إذا اعتد بالألف، فيقال فى المقصورة فعال: وفعالى- بفتح الفاء- فى الاسم كدعاو ودعاوى، وفى الصفة: فعالى- بفتح الفاء واللام- بالألف لا غير كحبالى وخناثى: والثانى أن يجمع على فعال- بكسر الفاء- كإناث وعطاش وبطاح وعشار فى أنثى وعطشى وبطحاء وعشراء- بضم العين وفتح الشين-، وإنما يجئ هذا الجمع فيما لا يجئ فيه الجمع الأقصى، فلما قالوا: إناث لم يقولوا: أناثى. ولما قالوا: خناثى لم يقولوا: خناث «ورد فى اللسان والقاموس: أناثى وخناث» وكان الأصل فى هذا الباب الجمع الأقصى اعتدادا بألف التأنيث للزومها، فتجعل كلام الكلمة، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جَمْعُ ذِكْرَةٍ. كَمَا تَقُولُ: بُكْرَةٌ وَبُكَر، وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى ذِكْرَى بِالْأَلْفِ، وَقَلّمَا يُجْمَعُ فِعْلى عَلَى فُعَل، وَإِنّمَا يُجْمَعُ عَلَى فِعَالٍ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ فِي هَذَا الْبَيْتِ جَمْعَ: ذِكْرَى، وَشَبّهَ أَلِفَ التّأْنِيثِ بِهَاءِ التّأْنِيثِ، فَلَهُ وجه: قد يحملون الشئ على الشئ إذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ. وَقَوْلُهُ: ذِكْرُك الشّبَابَ أَوْ عُصُرَهْ، أَرَادَ: أَوْ عُصُرَهْ. وَالْعَصْرُ وَالْعُصُر لُغَتَانِ. وَحُرّكَ الصّادَ بِالضّمّ «1» قَالَ ابْنُ جِنّي: ليس شئ عَلَى وَزْنِ فِعْلٍ بِسُكُونِ الْعَيْنِ، يَمْتَنِعُ فِيهِ فُعُل. وَقَوْلُهُ: إنّهَا حَرْبٌ رَبَاعِيَةٌ. مَثَلٌ. أَيْ: ليست بصغيرة ولا جذعة «2» .

_ - وأما حذفها فى الجمع على فعال، فنظرا إلى كون الألف علامة للتأنيث، فيكون كالتاء، فيجمع الكلمة بعد إسقاطه، كما فى التاء، فيجعل نحو: عطشى وبطحاء وأنثى كقصعة وبرمة، فيكون عطاش وبطاح وإناث كقصاع وبرام» ص 158 وما بعدها ج 2 شرح الشافية. (1) العصر مثلثة العين وبضمتين: الدهر، وجمعها: أعصار وعصور وأعصر وعصر بضمتين. ويقول ابن مالك فى كتابه «الإعلام بمثلث الكلام» والقزّ ذو تقزّزّ والدهر ... يقال فيه عصر أو عصر والعصر مروىّ كذاك العصر ... ثم الصّوان محفظ الثياب (2) الجذعة قبل الثنىّ، والثنى التى ألقت ثنيّتها فى السنة الثالثة إذا كانت من ذات الظلف والحافر، وفى السنة السادسة إذا كانت من ذات الخف. والعوان: النصف فى سنها من كل شئ، والعوان من الحرب: التى قوتل فيها مرة بعد مرة كأنهم جعلوا الأولى بكرا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَلْ: هِيَ فَوْقَ ذَلِكَ، وَضُرِبَ سِنّ الرّبَاعِيَةِ مَثَلًا، كَمَا يُقَالُ: حَرْبٌ عَوَانٌ لِأَنّ الْعَوَانَ أَقْوَى مِنْ الْفِتْيَةِ وَأَدْرَبُ. وَقَوْلُهُ: عَدْوًا مَعَ الزّهَرَهْ. يُرِيدُ: صَبّحَهُمْ بِغَلَسِ قَبْلَ مَغِيبِ الزّهَرَةِ «1» وَقَوْلُهُ: أَبْدَانُهَا ذَفِرَهْ، يَعْنِي: الدّرُوعَ. وَذَفِرَةٌ مِنْ الذّفَرِ. وَهِيَ. سُطُوعُ الرّائِحَةِ طَيّبَةً كَانَتْ، أَوْ كَرِيهَةً «2» وَأَمّا الدّفْرُ، بِالدّالِ الْمُهْمَلَةِ، فَإِنّمَا هُوَ فيما كره من الروائخ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلدّنْيَا: أُمّ دَفْرٍ، وَذَكَرَهُ الْقَالِيّ فِي الْأَمَالِي بِتَحْرِيكِ الْفَاءِ، وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ، وَالدّفْرُ بِالسّكُونِ أَيْضًا: الدّفْعُ «3» . وَقَوْلُهُ: أَمّ النّجِرَةِ. جَمْعُ نَاجِرٍ، وَالنّاجِرُ وَالنّجّارُ: بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَهَذَا كَمَا قِيلَ: الْمَنَاذِرَة فِي بَنِي الْمُنْذِرِ وَالنّجّارُ، وَهُمْ: تَيْمُ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ، وَسُمّيَ النّجّارَ؛ لِأَنّهُ نَجَرَ وَجْهَ رَجُلٌ بِقَدّومِ فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ النّسَبِ «4» .

_ (1) الغلس بفتحتين: ظلمة آخر الليل، والزهرة بضم الزاى وفتح الهاء كوكب شديد اللمعان. (2) ومن معانى الذفر أيضا بالذال مع فتح الفاء: الصّنان، رجل ذفر بكسر الفاء أى: له صنان- بضم الصاد وفتح النون- وخبث ريح. (3) وبالتحريك: وقوع الدود فى الطعام والدّلّ والنّتن. ويقال للدنيا: أم دفار أيضا. (4) فى الاشتقاق لابن دريد «من قبائل الخزرج: تيم الله بن ثعلبة وهو النجار سمى النجار؛ لأنه ضرب رجلا فنجره أى: قطعه. فمن بنى النجار المنذر بن حرام ابن عمرو الذى تحاكمت إليه الأوس والخزرج فى حربهم، وهو جد حسان بن ثابت بن المنذر» ص 448 وما بعدها، وفى الإنباه لابن عبد البر: «وأما الخزرج فمن بطونهم: النجار، واسمه: تَيْمُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الخزرج، وفى النجار بطون كثيرة» ص 110 وما بعدها.

بَلْ بَنِي النّجّارِ إنّ لَنَا ... فِيهِمْ قَتْلَى، وَإِنّ تِرَه فَتَلَقّتْهُمْ مُسَايِفَةٌ ... مُدّهَا كالغَبْية النّثِره فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ طَلّةَ ... مَلّى الْإِلَهُ قَوْمَهُ عُمُرَهْ سَيْدٌ سَامِي الْمُلُوكِ وَمَنْ ... رَامَ عَمْرًا لا يكن قدره ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: فِيهِمْ قَتْلَى وَإِنّ تِرَه. أَظَهَرَ إنّ بَعْدَ الْوَاوِ. أَرَادَ: إنّ لَنَا قَتْلَى وَتِرَةٌ، وَالتّرَةُ: الْوِتْرُ، فَأَظْهَرَ الْمُضْمَرَ، وَهَذَا الْبَيْتُ شَاهِدٌ عَلَى أَنّ حُرُوفَ الْعَطْفَ يُضْمَرُ بَعْدَهَا الْعَامِلُ الْمُتَقَدّمُ نَحْوُ قَوْلِك: إنّ زَيْدًا وَعَمْرًا فِي الدّارِ، فَالتّقْدِيرُ: إنّ زَيْدًا، وَإِنّ عَمْرًا فِي الدّارِ، وَدَلّتْ الْوَاوُ عَلَى مَا أَرَدْت، وَإِنْ احْتَجْت إلَى الْإِظْهَارِ أُظْهِرَتْ؛ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ إلّا أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ الْجَامِعَةُ فِي نَحْوِ اخْتَصَمَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، فَلَيْسَ ثَمّ إضْمَارٌ لِقِيَامِ الْوَاوِ مَقَامَ صِيغَةِ التّثْنِيَةِ، كَأَنّك قُلْت: اخْتَصَمَ هَذَانِ، وَعَلَى هَذَا تَقُولُ: طَلَعَ الشّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَتُغَلّبُ الْمُذَكّرَ، كَأَنّك قُلْت: طَلَعَ هَذَانِ النّيرَانِ، فَإِنْ جَعَلْت الْوَاوَ، هِيَ الّتِي تُضْمَرُ بَعْدَهَا الْفِعْلُ، قُلْت: طَلَعَتْ الشّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَتَقُولُ فى نفى المسئلة الأولى: ما طلع الشمس والقمر، ونفى المسئلة الثّانِيَةِ: مَا طَلَعَتْ الشّمْسُ، وَلَا الْقَمَرُ تُعِيدُ حَرْفَ النّفْيِ. لِيَنْتَفِيَ بِهِ الْفِعْلُ الْمُضْمَرُ. وَيَتَفَرّعُ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ فِي النّحْوِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ، لَا نُطَوّلُ بِذِكْرِهَا. وَقَوْلُهُ: فَتَلَقّتْهُمْ مُسَايِفَةٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ أَيْ كَتِيبَةٌ مُسَايِفَةٌ. وَلَوْ فَتَحْت الْيَاءَ، فَقُلْت: مُسَايَفَةٌ لَكَانَ حَالًا مِنْ الْمَصْدَرِ الّتِي تَكُونُ أَحْوَالًا مِثْلَ: كَلّمْته مُشَافَهَةً، وَلَعَلّ هَذِهِ الْحَالُ أَنْ يَكُونَ لَهَا ذِكْرٌ فِي الْكِتَابِ، فَنَكْشِفُ عَنْ سِرّهَا، وَنُبَيّنُ مَا خَفِيَ عَلَى النّاسِ مِنْ أَمْرِهَا، وَفِي غَيْرِ نُسْخَةٍ الشّيْخُ: فتلقّتهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُسَابَقَةً بِالْبَاءِ وَالْقَافِ. وَالْغَبْيَةُ: الدّفْعَةُ مِنْ الْمَطَرِ «1» . وَقَوْلُهُ: النّثِرَةِ أَيْ: الْمُنْتَثِرَةِ، وَهِيَ الّتِي لَا تُمْسِكُ مَاءً. وَقَوْلُهُ: [مَلّى] الْإِلَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَمَلّيْت حَيْنًا أَيْ: عِشْت مَعَهُ حَيْنًا، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَلَاوَةِ وَالْمَلَوَيْنِ «2» قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ: أَلَا يَا دِيَارَ الْحَيّ بِالسّبُعَانِ ... أَمَلّ عَلَيْهَا بِالْبِلَى الْمَلَوَانِ أَلَا يَا دِيَارَ الْحَيّ لَا هَجْرَ بَيْنَنَا ... وَلَا كُنّ رَوْعَاتٍ مِنْ الْحَدَثَانِ نَهَارٌ وَلَيْلٌ دَائِبٌ مَلَوَاهُمَا ... عَلَى كُلّ حَالِ الناس يختلفان «3»

_ (1) وأيضا: الصب، الكثير من الماء والسياط، ومن التراب ما سطح من غباره كالغباء ومسايفة بكسر الياء قوم يتقاتلون بالسيوف، ومسايفة بفتحها فمعناه: مقاتلة يعنى المصدر «الخشنى» . (2) ملاه الله العيش وأملاه، وملّاك الله حبيبك: أمتعك به وأعاشك معه طويلا، وتملى عمره: استمتع فيه، وتملى إخوانه: متع بهم، وتملى العيش أمهل له وطول. والملاوة مثلثة الميم: مدة العيش. والملوان: الليل والنهار أو طرفاهما الواحد: ملا. وتنسب الأبيات إلى ابن مقبل. (3) السبعان لم يأت على فعلان سواها، وهى موضع فى ديار بكر أو ديار قيس، وأمل: دأب ولازم. الحدثان: الليل والنهار ونوائب الدهر وحوادثه. هذا والقصيدة التى شرحها السهيلى توجد فى ص 106 ج 2 من الطبرى طبع المعارف، وبينها وبين ما فى سيرة ابن هشام اختلاف. ففى البيت الأول مثلا: انتهى فى الطبرى بدلا من قد نهى. والبيت الرابع هكذا فى الطبرى. فسلا عمران أو فسلا ... أسدا إذ يغدو مع الزهرة والبيت التاسع فى السيرة غير موجود فى الطبرى. إلخ

وَهَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ يَزْعُمُونَ أَنّهُ إنّمَا كَانَ حَنَقُ تُبّعٍ عَلَى هَذَا الْحَيّ مِنْ يَهُودَ الّذِينَ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَإِنّمَا أَرَادَ هَلَاكَهُمْ، فَمَنَعُوهُمْ مِنْهُ، حَتّى انْصَرَفَ عَنْهُمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي شِعْرِهِ: حَنَقًا عَلَى سِبْطَيْنِ حَلّا يَثْرِبَا ... أَوْلَى لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِد قَالَ ابن هشام: الشعر الذى فيه هَذَا الْبَيْتِ مَصْنُوعٌ، فَذَلِكَ الّذِي مَنَعَنَا مِنْ إثباته. ـــــــــــــــــــــــــــــ مَعْنَى قَوْلِ الشّاعِرِ: دَائِبٌ مَلَوَاهُمَا. وَالْمَلَوَانِ: اللّيْلُ والنهار. وهو مشكل؛ لأن الشئ لَا يُضَافُ إلَى نَفْسِهِ. لَكِنّهُ جَازَ هَهُنَا لِأَنّ الْمَلَا هُوَ: الْمُتّسَعُ مِنْ الزّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَسُمّيَ اللّيْلُ وَالنّهَارُ: مَلَوَيْنِ، لِانْفِسَاحِهِمَا، فَكَأَنّهُ وَصْفٌ لَهُمَا، لَا عِبَارَةَ عَنْ ذَاتَيْهِمَا؛ وَلِذَلِكَ جَازَتْ إضَافَتُهُ إلَيْهَا، فَقَالَ: دَائِبٌ مَلَوَاهُمَا أَيْ: مُدّاهُمَا وَانْفِسَاحُهُمَا. وَقَدْ رَأَيْت مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَيْتِ بِعَيْنِهِ لِأَبِي عَلِيّ الفسوري فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ الشّيرَازِيّةِ. وَقَوْلُهُ: لَا يَكُنْ قَدَرُهُ. دُعَاءُ عَلَيْهِ: وَالْهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى عَمْرٍو. أَرَادَ لَا يَكُنْ قَدَرٌ عَلَيْهِ. وَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرّ، فَتَعَدّى الْفِعْلُ، فَنَصَبَ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرّ فِي كُلّ فِعْلٍ، وَإِنّمَا جَازَ فِي هَذَا، لِأَنّهُ فِي مَعْنَى: اسْتَطَاعَهُ، أَوْ أَطَاعَهُ، فَحَمَلَ عَلَى مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ، وَالْبَيْتُ الّذِي أَنْشَدَهُ: لَيْتَ حَظّي مِنْ أَبِي كَرِبٍ «1» ... أَنْ يَسُدّ خيره خبله

_ (1) هو ابن ملك كرب يهأ من الذى كان على اليمن سنة 378 للميلاد، وقد تولى أبو كرب الملك من سنة 400 بعد الميلاد حتى حوالى سنة 415 أو 420-

تبان يعتنق النصرانية ويدعوا قومه إليها:

[تبان يعتنق النصرانية ويدعوا قومه إليها:] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ تُبّعٌ وَقَوْمُهُ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، فَتَوَجّهَ إلَى مَكّةَ، وَهِيَ طَرِيقُهُ إلَى الْيَمَنِ، حَتّى إذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفان، وأمج، أتاه نفر من هُذَيْلٍ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ، فَقَالُوا لَهُ: أَيّهَا الملك، ألاندلك على بيت مال دائر، أَغَفَلَتْهُ الْمُلُوكُ قَبْلَك، فِيهِ اللّؤْلُؤُ وَالزّبَرْجَدُ وَالْيَاقُوتُ وَالذّهَبُ وَالْفِضّةُ؟ قَالَ: بَلَى، قَالُوا: بَيْتٌ بِمَكّةَ يَعْبُدُهُ أَهْلُهُ، وَيُصَلّونَ عِنْدَهُ. وَإِنّمَا أَرَادَ الْهُذَلِيّونَ هَلَاكَهُ بِذَلِكَ، لِمَا عَرَفُوا مِنْ هَلَاكِ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ الْمُلُوكِ وَبَغَى عِنْدَهُ. فَلَمّا أَجْمَعَ لِمَا قَالُوا، أَرْسَلَ إلَى الْحَبْرَيْنِ، فَسَأَلَهُمَا عَنْ ذلك، فقالا له: ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ الْبَرْقِيّ: نُسِبَ هَذَا الْبَيْتُ إلَى الْأَعْشَى، وَلَمْ يَصِحّ قَالَ: وَإِنّمَا هُوَ لِعَجُوزِ مِنْ بَنِي سَالِمٍ. أَحَبّهُ قَالَ فِي اسْمِهَا: جَمِيلَةُ، قَالَتْهُ حِينَ جَاءَ مَالِكُ بْنُ الْعَجْلَانِ بِخَبَرِ تبّع، فدخل سرا، فقال لقومه: قذ جَاءَ تُبّعٌ، فَقَالَتْ الْعَجُوزُ الْبَيْتَ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ تُبّعٍ: وَقَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنّ حَنَقَهُ إنّمَا كَانَ عَلَى هَذَيْنِ السّبْطَيْنِ مِنْ يَهُودَ يُقَوّي مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا عَنْهُ. وَالشّعْرُ الّذِي زَعَمَ ابْنُ هِشَامٍ أَنّهُ مَصْنُوعٌ قَدْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ التّيجَانِ، وَهُوَ قَصِيدٌ مُطَوّلٌ أَوّلُهُ: مَا بَالُ عَيْنِك لَا تَنَامُ، كَأَنّمَا ... كُحِلَتْ مآقيها بسّم الأسود

_ - ويظهر أن عقيدة التوحيد كانت معروفة فى عهده، وفى عهد من جاءوا بعده، فقد ورد فى بعض النصوص أن أباه ملك كرب وابنيه «أبو كرب أسعد و «ورا أمر أيمن» قد أقاموا معبدا للاله «ذو سموى» أى إله السماء فى سنة 378 م انظر ج 3 ص 152 تاريخ العرب قبل الإسلام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَنَقًا عَلَى سِبْطَيْنِ حَلّا يَثْرِبَا ... أَوْلَى لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدِ وَذَكَرَ فِي الْقَصِيدَةِ ذَا الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ الصّعْبُ بْنُ ذِي مَرَاثِدَ، فَقَالَ فِيهِ: وَلَقَدْ أَذَلّ الصّعْبُ صَعْبَ زَمَانِهِ ... وَأَنَاطَ عُرْوَةَ عِزّهُ بِالْفَرْقَدِ لَمْ يَدْفَعْ الْمَقْدُورَ عَنْهُ قُوّةً ... عِنْدَ الْمَنُونِ، وَلَا سُمُوّ الْمَحْتِدِ وَالصّنْعَةُ بَادِيَةٌ فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَفِي أَكْثَرِ شِعْرِهِ، وَفِيهِ يَقُولُ: فَأَتَى مَغَارَ الشّمْسِ عِنْدَ غُرُوبِهَا ... فِي عَيْنِ ذِي خُلُبٍ وَثَأْطَ حَرْمَدِ «1» وَالْخُلُبُ: الطّينُ، وَالثّأَطُ الْحَرْمَدُ: وَهُوَ الْحَمَأُ الْأَسْوَدُ، وَرَوَى نَقَلَةُ الْأَخْبَارِ أَنّ تُبّعًا لَمّا عَمِدَ إلَى الْبَيْتِ يُرِيدُ إخْرَابَهُ رُمِيَ بِدَاءِ تَمَخّضَ مِنْهُ رَأْسُهُ قَيْحًا وَصَدِيدًا يَثُجّ ثَجّا، وَأَنْتَنَ، حَتّى لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ قَيْدَ الرّمْحِ، وَقِيلَ: بَلْ أُرْسِلَتْ عَلَيْهِ رِيحٌ كَتّعَتْ مِنْهُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَأَصَابَتْهُمْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ حَتّى دَفّتْ خَيْلُهُمْ «2» ، فَسُمّيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ: الدّفّ، فَدَعَا بِالْحُزَاةِ «3» وَالْأَطِبّاءِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ دَائِهِ، فَهَالَهُمْ مَا رَأَوْا مِنْهُ، وَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ فَرَجًا. فَعِنْدَ ذلك قال له الحبران: لعلك هممت بشئ فِي أَمْرِ هَذَا الْبَيْتِ، فَقَالَ: نَعَمْ أَرَدْت هدمه.

_ (1) القصيدة بطولها فى الطبرى ص 109 ج 2 المعارف وليس فيها «ولقد أذل الصعب» وما بعده. وهى ثلاثة وعشرون بيتا (2) دف الشئ نسفه واستأصله. (3) جمع حازى وهو الكاهن أو الذى ينظر فى النجوم ويقضى بها.

مَا أَرَادَ الْقَوْمُ إلّا هَلَاكَك وَهَلَاكَ جُنْدِك. مَا نَعْلَمُ بَيْتًا لِلّهِ اتّخَذَهُ فِي الْأَرْضِ لِنَفْسِهِ غَيْرَهُ، وَلَئِنْ فَعَلْت مَا دَعَوْك إلَيْهِ، لَتَهْلَكَن، وَلَيَهْلَكَن مَنْ مَعَك جَمِيعًا، قَالَ: فَمَاذَا تَأْمُرَانِنِي أَنْ أَصْنَعَ إذَا أَنَا قَدِمْت عَلَيْهِ؟ قَالَا: تَصْنَعُ عِنْدَهُ مَا يَصْنَعُ أَهْلُهُ: تَطُوفُ بِهِ وَتُعَظّمُهُ وَتُكْرِمُهُ، وَتَحْلِقُ رَأْسَك عِنْدَهُ وَتَذِلّ لَهُ، حَتّى تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ: فَمَا يمنعكما أنتما من ذلك؟ قالا: أَمَا وَاَللهِ إنّهُ لَبَيْتُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ، وَإِنّهُ لَكَمَا أَخْبَرْنَاك، وَلَكِنّ أَهْلَهُ حَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بالأوثان التى نصبوها حوله، وبالدماء التى يهريقون عِنْدَهُ، وَهُمْ نَجَسٌ أَهْلُ شِرْكٍ- أَوْ كَمَا قَالَا لَهُ- فَعَرَفَ نُصْحَهُمَا وَصِدْقَ حَدِيثِهِمَا فَقَرّبَ النّفَرَ مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمّ مَضَى حَتّى قَدِمَ مَكّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَنَحَرَ عِنْدَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَأَقَامَ بِمَكّةَ سِتّةَ أَيّامٍ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- يَنْحَرُ بِهَا لِلنّاسِ، وَيُطْعِمُ أَهْلَهَا، وَيَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ، وَأُرَى فِي الْمَنَامِ أَنْ يَكْسُوَ البيت، فكساه الخصف ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَالَا لَهُ: تُبْ إلَى اللهِ مِمّا نَوَيْت فَإِنّهُ بَيْتُ اللهِ وَحَرَمُهُ، وَأَمَرَاهُ بِتَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ فَفَعَلَ فَبَرِئَ مِنْ دَائِهِ، وَصَحّ مِنْ وَجَعِهِ. وَأَخْلِقْ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَإِنّ اللهَ- سُبْحَانَهُ- يَقُولُ: «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ» الْحَجّ: 25. أَيْ: وَمَنْ يُسْهِمُ فِيهِ بِظُلْمِ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِظُلْمِ تَدُلّ عَلَى صِحّةِ الْمَعْنَى، وَأَنّ مَنْ هَمّ فِيهِ بِالظّلْمِ- وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ- عُذّبَ تَشْدِيدًا فِي حَقّهِ وَتَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ، وَكَمَا فَعَلَ اللهُ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَهْلَكَهُمْ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: فَكَسَا الْبَيْتَ الْخَصَفَ. جَمَعَ: خَصَفَةً، وَهِيَ شئ يُنْسَجُ مِنْ الْخَوْصِ وَاللّيفِ، وَالْخَصَفُ أَيْضًا: ثِيَابٌ غُلَاظٌ. وَالْخَصَفُ لُغَةٌ فِي الْخَزَفِ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ. وَالْخُصْفُ بِضَمّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الصّاد هُوَ: الْجَوْزُ. وَيُرْوَى أَنّ تُبّعًا لَمّا كَسَا الْبَيْتَ الْمُسُوحَ وَالْأَنْطَاعَ. انْتَفَضَ الْبَيْتَ فَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَفَعَلَ ذَلِكَ حِينَ كَسَاهُ الْخَصَفَ، فَلَمّا كَسَاهُ الملاء والوصائل قبلها.

ثُمّ أُرَى أَنْ يَكْسُوَهُ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَسَاهُ الْمَعَافِرَ، ثُمّ أُرَى أَنْ يَكْسُوَهُ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، فَكَسَاهُ الْمُلَاءَ وَالْوَصَائِلَ، فَكَانَ تُبّعٌ- فيما يزعمون- أَوّلَ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ، وَأَوْصَى بِهِ وُلَاتَهُ مِنْ جُرْهُمٍ، وَأَمَرَهُمْ بِتَطْهِيرِهِ وَأَلّا يُقَرّبُوهُ دَمًا، ولا ميتة، ولا مئلات، وَهِيَ الْمَحَايِضُ، وَجَعَلَ لَهُ بَابًا وَمِفْتَاحًا، وَقَالَتْ سُبَيعة بِنْتُ الْأَحَبّ، بْنِ زَبِينة، بْنِ جَذِيمَةَ، بن عوف، بْنِ مُعَاوِيَةَ، بْنِ بَكْرِ، بْنِ هَوَازِنَ، بْنِ مَنْصُورِ، بْنِ عِكْرِمَةَ، بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسٍ بْنِ عَيْلَانَ وَكَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ مَنَافِ، بْنِ كَعْبِ، بْنِ سَعْدِ، بْنِ تَيْمِ، بْنِ مُرّةَ، بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، بْنِ غَالِبِ، بْنِ فِهْرِ، بْنِ مَالِكِ، بْنِ النّضْرِ، بْنِ كِنَانَةَ، لِابْنِ لَهَا مِنْهُ يُقَالُ لَهُ: خَالِدٌ: تُعَظّمُ عَلَيْهِ حُرْمَةَ مَكّةَ، وَتَنْهَاهُ عَنْ الْبَغْيِ فِيهَا، وَتَذْكُرُ تُبّعًا وَتَذَلّلَهُ لَهَا، وَمَا صَنَعَ بِهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمِمّنْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ: قَاسِمٌ فِي الدّلَائِلِ. وَأَمّا الْوَصَائِلُ فَثِيَابٌ مُوَصّلَةٌ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ. واحدتها: وصيلة «1» .

_ (1) لا ريب فى أن ما تقدم حديث خرافة. وقد تحدث عن هذا الخزف الأزرقى وصاحب مثير الغرام، وقد روى أحاديث كسوة الكعبة غير من تقدم الواقدى وسعيد بن منصور، وهى أحاديث واهية، ولكن أخرج مالك عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يجلل بدنه القباطىّ والأنماط والحلل، ثم يبعث بها إلى الكعبة، القباطى جمع قبطيةّ «وهو ثوب رقيق أبيض من ثياب مصر كأنه منسوب إلى قبط بكسر القاف، والضم من تغيير التسب» والأنماط مفردها: نمط: ضرب من البسط، والوصائل: ثياب حمر مخططة يمانية يوصل بعضها إلى بعض والمسوح: جمع مسح بكسر الميم: الكساء من شعر والأنطاع: جمع نطع بكسر النون وفتحها وبتسكين الطاء وفتحها: بساط من الجلد. والمعافر بفتح الميم اسم بلد، «واسم أبى حى من همدان وإلى أحدهما تنسب الثياب المعافرية، والملاء: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: وَلَا تَقْرَبُوهُ بِمِئْلَاتٍ، وَهِيَ: الْمَحَائِضُ. لَمْ يُرِدْ النّسَاءَ الْحُيّضَ؛ لِأَنّ حَائِضًا لَا يُجْمَعُ عَلَى مَحَائِضٍ «1» ، وَإِنّمَا هِيَ جَمْعُ مَحِيضَة، وَهِيَ خِرْقَةُ الْمَحِيضِ، وَيُقَالُ لِلْخِرْقَةِ أَيْضًا: مِئْلَاةٌ، وَجَمْعُهَا: الْمَآلِي قَالَ الشّاعِرُ: كَأَنّ مُصَفّحَاتٍ فِي ذُرَاهُ ... وَأَنْوَاحًا عَلَيْهِنّ الْمَآلِي «2» وَهِيَ هُنَا خِرَقٌ تُمْسِكُهُنّ النّوّاحَاتُ بِأَيْدِيهِنّ، فَكَانَ الْمِئْلَاتُ كُلّ خِرْقَةٍ دَنِسَةٍ لِحَيْضِ كَانَتْ، أَوْ لِغَيْرِهِ وَزْنُهَا مِفْعَلَة مِنْ أَلَوْت: إذَا قَصّرْت وَضَيّعْت، وَجَعَلَهَا صَاحِبُ الْعَيْنِ فِي بَابِ الْإِلْيَةِ وَالْأَلِيّةِ، فَلَامُ الْفِعْلِ عِنْدَهُ يَاءٌ عَلَى هَذَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَيُرْوَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: مِئْلَاثًا بِثَاءِ مُثَلّثَةٍ، وَمِنْ قَوْلِهِ حين كسا البيت:

_ - الرّيطة ذات لفقين، أو الملحفة على أنه ورد أن الكعبة كانت تكسى فى الجاهلية كسى شتى من البرود المخططة، ومن عصب اليمن، وهى برود يمنية، وقيل إن نتيلة بِنْتُ جَنَابٍ أُمّ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ كستها الحرير والديباج، وكان المأمون يكسوها ثلاث مراث، فيكسوها الديباج يوم التروية، والقباطى يوم إهلال رجب، والديباج الأبيض فى اليوم السابع والعشرين من رمضان وذلك سنة 206، وليت من يقيمون كسوتها يقيمون مناسك الله سبحانه. (1) فى القاموس المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا فهى حائض وحائضة وجمها: حوائض، وحيض بضم الحاء وتشديد الياء مع فتح والحيضة الخرقة، وكذلك المحيضة. (2) البيت للبيد يصف سحابا. والمصفحات: السيوف، ومن رواها بكسر الفاء، فهى النساء. شبه لمع البرق بتصفيح النساء إذا صفقن بأيديهن.

أَبُنَيّ: لَا تَظْلِمْ بِمَكّةَ لَا الصّغِيرَ وَلَا الكبير ... واحفظ محارمها بنىّ وَلَا يَغُرّنك الغَرورْ أَبُنَيّ: مَنْ يَظْلِمْ بِمَكّةَ يَلْقَ أَطْرَاف الشّرورْ ... أَبُنَيّ: يُضْرَبْ وَجْهُهُ وَيَلُحْ بِخَدّيْهِ السّعيرْ أَبُنَيّ: قَدْ جَرّبْتهَا فَوَجَدْتُ ظَالِمهَا يَبُورْ ... اللهُ أَمّنَهَا، وَمَا بُنِيَتْ بِعَرْصَتِهَا قُصورْ وَلَقَدْ غَزَاهَا تُبّعٌ فَكَسَا بَنِيّتَهَا الْحَبِير ... وَأَذَلّ رَبّي مُلْكَهُ فِيهَا فَأَوْفَى بالنّذُورْ يَمْشِي إلَيْهَا- حافيا بفنائها- ألفا بعير ... يَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ الْمُصَفّى وَالرّحِيضَ مِنْ الشعيرْ وَالْفِيل أُهْلِكَ جَيْشُهُ يُرْمَوْنَ فِيهَا بِالصّخُورْ ... وَالْمُلْك فِي أقصى البلاد وفى الأعاجم والخزير فَاسْمَعْ إذَا حُدّثْتَ، وَافْهَمْ كَيْفَ عَاقِبَةُ الأمورْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَسَوْنَا الْبَيْتَ الّذِي حَرّمَ اللهُ ... مُلَاءً مُعَضّدًا وَبُرُودَا فَأَقَمْنَا بِهِ مِنْ الشّهْرِ عَشْرًا ... وَجَعَلْنَا لُبَابَهُ إقْلِيدًا وَنَحَرْنَا بِالشّعْبِ سِتّةَ أَلْفٍ ... فَتَرَى النّاسَ نَحْوَهُنّ وُرُودَا ثُمّ سِرْنَا عَنْهُ نَؤُمّ سهيلا ... فرفعنا لواءنا معقودا «1»

_ (1) هو من الشعر المنحول، ولهذا أضرب عن ذكره ابن هشام. والملاء المعضّد: الذى له علامة فى موضع العضد. وقد تقرأ منضد، أى: بعضه. فوق بعض منسقا. والبرود: نوع من الثياب المخططة. والإقليد: المفتاح. والشعب بكسر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ الْقُتَبِيّ، كَانَتْ قِصّةُ تُبّعٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِسَبْعِمِائَةِ عَامٍ «1» . وَقَوْلُهُ بِنْت الْأَحَبّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ابْنُ زَبِينَةَ: بِالزّايِ وَالْبَاءِ وَالنّونِ: فَعِيلَة مِنْ الزّبْنِ «2» ، وَالنّسَبُ إلَيْهِ زَبَانِيّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَلَوْ سُمّيَ بِهِ رَجُلٌ لَقِيلَ فِي النّسَبِ إلَيْهِ. زَبْنِيّ عَلَى الْقِيَاسِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: الْأَحَبّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ. يَقُولُهُ أَهْلُ النّسَبِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُهُ بِالْجِيمِ، وَإِنّمَا قَالَتْ بِنْتُ الْأَحَبّ هَذَا الشّعْرَ فِي حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ بَنِي السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، وَبَيْنَ بَنِي عَلِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَمِيمٍ حَتّى تَفَانَوْا. وَلَحِقَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي السّبّاقِ بِعَكّ. فَهُمْ فِيهِمْ. قَالَ: وَهُوَ أَوّلُ بَغْيٍ كَانَ فِي قُرَيْشٍ. وَقَدْ قِيلَ: أَوّلُ بَغْيٍ كَانَ فِي قُرَيْشٍ «3» بَغْيُ الْأَقَايِشِ، وَهُمْ بَنُو أُقَيْشٍ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلَمّا كَثُرَ بَغْيُهُمْ على الناس أرسل الله

_ - الشين: الطريق فى الجبل، أو ما انفرج بين جبلين، وهو اسم لماء بين العقبة والقاع فى طريق مكة على ثلاثة أميال. (1) كان قبله بأقل من ذلك بكثير كما سبق بيانه ملحوظة: نذكر هنا معانى بعض كلمات قصيدة سبيعة: يبور: يهلك. عرصة: ساحة الدار، والبقعة الواسعة بين الدور لا بناء فيها. العصم جمع أعصم، وهو فى الأصل كل حيوان فى ذراعيه، أو أحدهما بياض وسائره أسود أو أحمر. ويعنى الظباء والوعول. ثبير: جبل بمكة. بنية: تعنى الكعبة. المهارى: نوع جيد من الإبل نسبة إلى مهرة بن حيدان. والجزور ما يصلح لأن يذبح من الإبل. الرحيض: المنقى المصفى: الخزير هى أمة من العجم يقال لهم: الخزر. وكلمة ذمرهم التى فى حديث تبع: حضهم وشجعهم (2) الدفع. (3) فى الاشتقاق: وكان بنو السباق أول من بغى بمكة فأهلكوا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُوقَفُ عَلَى قَوَافِيهَا لَا تعرب «أصل اليهودية باليمن» : ثُمّ خَرَجَ مِنْهَا مُتَوَجّهًا إلَى الْيَمَنِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُنُودِهِ وَبِالْحَبْرَيْنِ حَتّى إذَا دَخَلَ الْيَمَنَ دَعَا قَوْمَهُ إلَى الدّخُولِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، حَتّى يُحَاكِمُوهُ إلَى النّارِ الّتِي كَانَتْ بِالْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي أَبُو مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكِ القُرَظيّ، قَالَ: سَمِعْت إبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمّدِ بْنِ طلحه بن عبيد الله يُحَدّثُ: أَنّ تُبّعًا لَمّا دَنَا مِنْ الْيَمَنِ لِيَدْخُلَهَا حَالَتْ حِمْيَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَقَالُوا: لا تدخلها علينا، وقد فارقت ديننا ـــــــــــــــــــــــــــــ عليهم فأرة تحمل فتيلة، فأحرقت الدّارَ الّتِي كَانَتْ فِيهَا مَسَاكِنُهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ عَقِبٌ. كِسْوَةُ الْكَعْبَةِ: وَقَوْلُهَا: وَكَسَا بَنِيّتَهَا الْحَبِيرُ. تُرِيدُ: الْحَبِرَاتِ «1» وَالرّحِيضُ مِنْ الشّعِيرِ أَيْ الْمُنَقّى وَالْمُصَفّى مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: أَوّلُ مَنْ كَسَا الْكَعْبَةَ الديباح: الْحَجّاجُ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً سِوَاهُ مِنْهُمْ الدّارَقُطْنِيّ. فُتَيْلَةُ بِنْتُ جَنَابٍ أُمّ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. كَانَتْ قَدْ أَضَلّتْ الْعَبّاسَ صَغِيرًا، فَنَزَرَتْ: إنْ وَجَدَتْهُ أَنْ تَكْسُو الْكَعْبَةَ الدّيبَاجَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ حِينَ وَجَدَتْهُ. وَكَانَتْ مِنْ بَيْتِ مَمْلَكَةٍ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ نَسَبِهَا فِيمَا بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ.

_ (1) جمع حبرة بكسر ففتح ما كان من البرود مخططا.

دِينَنَا، فَدَعَاهُمْ إلَى دِينِهِ وَقَالَ: إنّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ، فَقَالُوا: فَحَاكِمْنَا إلَى النّارِ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَكَانَتْ بِالْيَمَنِ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ- نَارٌ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، تَأْكُلُ الظّالِمَ وَلَا تَضُرّ الْمَظْلُومَ، فَخَرَجَ قَوْمُهُ بِأَوْثَانِهِمْ وَمَا يَتَقَرّبُونَ بِهِ فِي دِينِهِمْ، وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا مُتَقَلّدَيْهَا، حَتّى قَعَدُوا لِلنّارِ عِنْدَ مَخْرَجِهَا الّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ، فَخَرَجَتْ النّارُ إلَيْهِمْ، فَلَمّا أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ حَادُوا عَنْهَا وَهَابُوهَا، فَذَمَرَهُمْ مَنْ حَضَرَهُمْ مِنْ النّاسِ، وَأَمَرُوهُمْ بِالصّبْرِ لَهَا، فَصَبَرُوا حَتّى غَشِيَتْهُمْ، فَأَكَلَتْ الْأَوْثَانَ وَمَا قَرّبُوا مَعَهَا، وَمَنْ حَمَلَ ذَلِكَ مِنْ رِجَالِ حِمْيَرَ، وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا تعرق جباههما لم تضرّهما، فأصفقت عند ذاك حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِ، فَمِنْ هُنَالِكَ، وَعَنْ ذَلِكَ كَانَ أَصْلُ الْيَهُودِيّةِ بِالْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي مُحَدّثٌ أَنّ الْحَبْرَيْنِ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ حِمْيَرَ، إنّمَا اتّبَعُوا النّارَ، لِيَرُدّوهَا، وَقَالُوا: مَنْ رَدّهَا فَهُوَ أَوْلَى بِالْحَقّ، فَدَنَا مِنْهَا رِجَالٌ مِنْ حِمْيَرَ بِأَوْثَانِهِمْ، لِيَرُدّوهَا فَدَنَتْ مِنْهُمْ لِتَأْكُلَهُمْ، فَحَادُوا عَنْهَا وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا رَدّهَا، وَدَنَا مِنْهَا الْحَبْرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَجَعَلَا يَتْلُوَانِ التّوْرَاةَ وَتَنْكُصُ عَنْهُمَا، حَتّى رَدّاهَا إلَى مَخْرَجِهَا الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ، فَأُصْفِقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ حِمْيَرُ عَلَى دينهما. والله أعلم أىّ ذلك كان. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ الزّبَيْرُ النّسّابَةُ: بَلْ أَوّلُ مَنْ كَسَاهَا الدّيباج عبد الله بن الزّبير «1» .

_ (1) وذكر الواقدى أن أول من كساها الديباج هو يزيد بن معاوية، واتبع ابن الزبير أثره، وكان يبعث إلى مصعب بن الزبير بالكسوة كل سنة، فكان يكسو يوم عاشوراء.

"مصير رئام":

[ «مصير رئام» :] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِئَامٌ بَيْتًا لَهُمْ يعظّمونه، وينحرون عنده، ويكلّمون منه، إذ كَانُوا عَلَى شِرْكِهِمْ، فَقَالَ الْحَبْرَانِ لِتُبّعِ: إنّمَا هُوَ شَيْطَانٌ يَفْتِنُهُمْ بِذَلِكَ فَخَلّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَشَأْنُكُمَا بِهِ، فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ- كَلْبًا أَسْوَدَ فَذَبَحَاهُ، ثُمّ هَدَمَا ذَلِكَ الْبَيْتَ، فَبَقَايَاهُ الْيَوْمَ- كَمَا ذُكِرَ لِي- بِهَا آثَارُ الدّمَاءِ الّتِي كَانَتْ تُهْرَاق عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رِئَامٌ: وَذَكَرَ الْبَيْتَ الّذِي كَانَ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: رِئَامٌ، وَهُوَ فِعَالٌ مِنْ رَئِمَتْ الْأُنْثَى وَلَدَهَا تَرْأَمهُ رِئْمًا وَرِئَامًا: إذَا عَطَفَتْ عَلَيْهِ وَرَحِمَتْهُ. فَاشْتَقّوا لِهَذَا الْبَيْتِ اسْمًا لِمَوْضِعِ الرّحْمَةِ الّتِي كَانُوا يَلْتَمِسُونَ فِي عِبَادَتِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ رِئَامًا كَانَ فِيهِ شَيْطَانٌ، وَكَانُوا يَمْلَئُونَ لَهُ حِيَاضًا مِنْ دِمَاءِ الْقُرْبَانِ، فَيَخْرَجُ فَيُصِيبُ مِنْهَا، وَيُكَلّمُهُمْ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَهُ، فَلَمّا جَاءَ الْحَبْرَانِ مَعَ تُبّعٍ نَشَرَا التّوْرَاةَ عِنْدَهُ، وَجَعَلَا يَقْرَآنِهَا؛ فَطَارَ ذلك الشيطان حتى وقع فى البحر «1» .

_ (1) فى اللسان والقاموس: مصدر رئم هو رأم بوزن ضرب ورأمان، ورئمان بكسر فسكون، ومرة أخرى: يردد حديث خرافة ولا أدرى كيف كانت تجوز على السهيلى وأمثاله. على أن هذا البيت كان مخصصا لإله قبيلة همدان المعروف بتالب حتى عرف «تألب ريام» ويقول البكرى فى معجمه أنه سمى برئام بن نهقان بن تبع بن زيد بن عمرو بن همدان وأحب أن أشير هنا إلى الخطأ الفاحش الذى يتردى فيه الكاتبون عن الأديان؛ فاليهودية ليست دينا إلهيا، إنما هى دين-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لُغَةً وَنَحْوُ: وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو أَخِي حَسّانَ وَهُوَ الّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ: مَوْثَبَانُ «1» وَقَدْ تَقَدّمَ: لِمَ لُقّبَ بِذَلِكَ. وَقَوْلُ ذِي رُعَيْن لَهُ فِي الْبَيْتَيْنِ: أَلَا مَنْ يَشْتَرِي سَهَرًا بِنَوْمِ ... سَعِيدٌ مِنْ يَبِيتُ قَرِيرَ عَيْنٍ «2» مَعْنَاهُ: أَمَنْ يَشْتَرِي، وَحَسُنَ حَذْفُ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ ههنا لِتَقَدّمِ هَمْزَةِ أَلَا. كَمَا حَسُنَ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ: أَحَارِ تَرَى بَرْقًا أُرِيك وَمِيضَهُ. أَرَادَ: أَتَرَى وَفِي الْبَيْتِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: بَلْ مَنْ يَبِيتُ قَرِيرَ عَيْنٍ هُوَ السّعِيدُ. فَحَذَفَ الْخَبَرَ لِدَلَالَةِ أَوّلِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ دُرَيْدٍ: سَعِيدٌ أَمْ يَبِيتُ بِحَذْفِ مَنْ، وَهَذَا مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمَوْصُوفِ، وَإِقَامَةِ الصّفّةِ مقامه؛ لأن من ههنا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الرّاجِزِ: لَوْ قُلْت مَا فِي قَوْمِهَا لَمْ تَأْثَمْ ... يَفْضُلُهَا فِي حَسَبٍ وَمِيسَمِ أَيْ: مَنْ يَفْضُلُهَا، وَهَذَا، إنّمَا يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مُضَارِعًا لا ماضيا، قاله ابن السراج وغيره.

_ - وضعى افترى أكثره أحبار اليهود، ومزجوه ببعض شرع الله المنزل فى التوراة، أما دين موسى فهو الإسلام، ومن تاريخ اليهود فى اليمن يبدو أنهم كانوا ذوى مال وفير سيطروا به على الحياة الاقتصادية فى اليمن على المواضع الحساسة فى جسم الدولة، وعلى الملوك ص 143 ج 3 تاريخ العرب قبل الإسلام. (1) فى الطبرى: لأنه وثب على أخيه حسان بفرضة نعم. فقتله- قال: وفرضة نعم: رحبة طوق بن مالك، وكانت نعم سرية تبع حسان بن أسعد. ص 117 ج 2 الطبرى. (2) البيتان فى الاشتقاق ص 525 وفى الطبرى أيضا ح 2 ص 116.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذُو رُعَيْن تَصْغِيرُ رَعْنٍ، وَالرّعْنُ: أَنْفُ الْجَبَلِ، وَرُعَيْن جَبَلٌ بِالْيَمَنِ «1» قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ ذُو رُعَيْن. وَقَوْلُهُ فِي الْأَبْيَاتِ بَعْدَ هَذَا: لَاهِ مَنْ رَأَى مِثْلَ حَسّانَ «2» أَرَادَ لِلّهِ وَحَذَفَ لَامَ الْجَرّ وَاللّامّ الْأُخْرَى مَعَ أَلِفِ الْوَصْلِ، وَهَذَا حَذْفٌ كَثِيرٌ. وَلَكِنّهُ جَازَ فِي هَذَا الِاسْمِ خَاصّةً لِكَثْرَةِ دَوْرِهِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ. مِثْلُ قَوْلِ الْفَرّاءِ: لِهَنّكَ مِنْ بَرَقٍ عَلَيّ كَرِيمٌ «3» . أَرَادَ: وَاَللهِ إنّك. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أراد لأنّك وأبدل الهمزة

_ (1) فى الاشتقاق: والرّعن: أنف الجيل النادر حتى يستطيل فى الأرض، وفى المراصد، أنها تصغير لرعن بضم الراء، وهى مخلاف من مخاليف اليمن، واسم قصر عظيم باليمن، وجبل بها فيه حصن سمى ذور عين. (2) فى الطبرى: إن لله من رأى مثل حسان الخ. وقتلته الأقيال من خشية الجيش وقالوا له: لباب لباب، وبقية الخبر فى الطبرى أن عمرو بن تبان سعد قتل أكثر الذين أمروه بقتل أخيه حسان ونسب إليه قصيدة مطولة ص 116 ج 2. وفى جمهرة أنساب العرب ص 406 أن اسم ذى رعين: يريم بن زيد بن سهل بن عمل بن فتس. (3) ومنه قول ذى الإصبع العدوانى وهو حرثان بن الحارث بن محرث: لاه ابن عمّك لا أفضلت فى حسب ... عنى، ولا أنت ديانى فتخزونى معناه: لله ابن عمك. فإنه مثلك فى الحسب ورفعة الأصل ومالك من فضل تفخر به عليه ولست وليا لأمره مدبرا لشئونه، حتى تقوم بإذلاله. وأصل لاه: لله جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وابن مبتدأ مؤخر. وفى الخصائص لابن جنى أنه روى بيت عن محمد بن سلمة عن أبى العباس المبرد: ألا يا سنا برق على قلل الحمى ... لهنّك من برق علىّ كريم-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَاءً. وَهَذَا بَعِيدٌ، لِأَنّ اللّامّ لَا تُجْمَعُ مَعَ إنّ، إلّا أَنْ تُؤَخّرَ اللّامّ إلَى الْخَبَرِ، لِأَنّهُمَا حَرْفَانِ مُؤَكّدَانِ، وَلَيْسَ انْقِلَابُ الْهَمْزَةِ هَاءً بِمُزِيلِ الْعِلّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا. الْمَقَاوِلُ: وَقَوْلُهُ: قَتَلَتْهُ الْمَقَاوِلُ: يُرِيدُ الْأَقْيَالَ، وَهُمْ الّذِينَ دُونَ التّبَابِعَةِ «1» وَاحِدُهُمْ: قَيّلٌ مِثْلُ سَيّدٍ، ثُمّ خُفّفَ وَاسْتُعْمِلَ بِالْيَاءِ فِي إفْرَادِهِ وَجَمْعِهِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَاوَ، لِأَنّ مَعْنَاهُ: الّذِي يَقُولُ وَيَسْمَعُ قَوْلَهُ، وَلَكِنّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يَقُولُوا: أَقْوَالُ، فَيَلْتَبِسُ بِجَمْعِ قَوْلٍ، كَمَا قَالُوا: عِيدٌ وَأَعْيَادٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَادَ يَعُودُ لَكِنْ أَمَاتُوا الْوَاوَ فِيهِ إمَاتَةً، كَيْ لَا يُشْبِهُ جَمْعَ الْعَوْدِ، وَإِذَا أَرَادُوا إحْيَاءَ الْوَاوِ فِي جَمْعِ قَيّلٌ، قَالُوا: مَقَاوِلُ كَأَنّهُ جَمْعُ مِقْوَلٍ، أَوْ جَمْعُ: مَقَالٍ وَمَقَالَةٍ، فَلَمْ يَبْعُدُوا مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ، وَأَمِنُوا اللّبْسَ، وَقَدْ قَالُوا: مُحَاسِنُ وَمُذَاكِرُ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، وَكَأَنّهُمْ ذَهَبُوا أَيْضًا فِي مُقَاوِلٍ مَذْهَبَ الْمَرَازِبِ، وَهُمْ مُلُوكُ العجم، والله أعلم.

_ - ومثله قول عروة الرحال: ثمانين حولا لا أرى منك راحة ... لهنّك فى الدنيا لباقية العمر وقد تكلمت عن لهنك فى موضع آخر «انظر ص 315 ج 1 الخصائص لابن جنى ط 2. وضبط لهنك بكسر اللام وفتح الهاء (1) يروى الطبرى عن ابن عباس أن أهل اليمن يسمون القائد قيلا ص 491 ج 1 طبع المعارف، وفى القاموس: المقول كمنبر اللسان والملك أو من ملوك حمير يقول ما يشاء، فينفذ، كالقيل أو هو دون الملك الأعلى، وأصله قيل كفيعل سمى؛ لأنه يقول ما يشاء فينفذ، جمعه: أقوال وأقيال ومقاول ومقاولة، وفى ابن دريد ص 480 القيل: ما كان دون الملك نفسه كأنه بعد الملك وقد سبق.

ملك حسان بن تبان وقتل عمرو أخيه له

[ملك حَسّانَ بْنِ تُبّانَ وَقَتْلُ عَمْرٍو أَخِيهِ لَهُ] فَلَمّا مَلَكَ ابْنُهُ حَسّانُ بْنُ تُبّانَ أَسْعَدَ أَبِي كَرِبٍ، سَارَ بِأَهْلِ الْيَمَنِ، يُرِيدُ أَنْ يطأ به أَرْضَ الْعَرَبِ، وَأَرْضَ الْأَعَاجِمِ، حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ أَرْضِ الْعِرَاقِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بالَبحريْنِ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ- كَرِهَتْ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ الْمَسِيرَ مَعَهُ، وَأَرَادُوا الرّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ وَأَهْلِهِمْ، فَكَلّمُوا أَخًا لَهُ يُقَالُ لَهُ عَمْرٌو، وَكَانَ مَعَهُ فِي جَيْشِهِ، فَقَالُوا لَهُ: اُقْتُلْ أَخَاك حَسّانَ، وَنُمَلّكُك عَلَيْنَا، وَتَرْجِعُ بِنَا إلَى بِلَادِنَا، فَأَجَابَهُمْ، فَاجْتَمَعَتْ عَلَى ذَلِكَ إلّا ذَا رُعَيْنٍ الْحِمْيَرِيّ، فَإِنّهُ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ. فَقَالَ ذُو رُعَيْنٍ: أَلَا مَنْ يَشْتَرِي سَهَرًا بِنَوْمِ ... سَعِيدٌ مِنْ يَبِيتُ قَرِيرَ عَيْنِ فَأَمّا حِمْيَرُ غَدَرَتْ، وَخَانَتْ ... فَمَعْذِرَةُ الْإِلَهِ لَذِي رُعَيْنِ ثُمّ كَتَبَهُمَا فِي رُقْعَةٍ، وَخَتَمَ عَلَيْهَا، ثُمّ أَتَى بِهَا عَمْرًا، فَقَالَ لَهُ: ضَعْ لِي هَذَا الْكِتَابَ عِنْدَك، ففعل، ثم قَتَلَ عَمْرٌو أَخَاهُ حَسّانَ، وَرَجَعَ بِمَنْ مَعَهُ إلى اليمن. فقال رجل من حمير: ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَى أَنّهُمْ قَالُوا: أَقْيَالٌ وَأَقْوَالٌ، وَلَمْ يَقُولُوا فِي جَمْعِ عِيدٍ إلّا أَعْيَاد، وَمِثْلُ عِيدٍ وَأَعْيَادٍ: رِيحٌ وَأَرْيَاحٌ فِي لُغَةِ بَنِي أَسَدٍ، وَقَدْ صَرّفُوا مِنْ الْقَيّلِ فِعْلًا، وَقَالُوا: قَالَ عَلَيْنَا فُلَانٌ، أَيْ: مَلَكَ وَالْقِيَالَةُ: الْإِمَارَةُ، وَمِنْهُ قول النبي- صلى الله عليه وسلم- في تَسْبِيحِهِ الّذِي رَوَاهُ التّرْمِذِيّ: «سُبْحَانَ الّذِي لَبِسَ الْعَزّ، وَقَالَ بِهِ» . أَيْ مَلَكَ بِهِ وَقَهَرَ. كذا فسره الهروىّ فى الغريبين.

هلاك عمرو:

لاه عينا الذى رأى مثل حسّان ... قَتِيلًا فِي سَالِفِ الْأَحْقَابِ قَتَلَتْهُ مَقاوِلٌ خَشْيَةَ الْحَبْسِ ... غَدَاةً قَالُوا: لَبَابِ لَبَابِ مَيْتُكُمْ خَيْرُنَا وَحَيّكُمْ رَبّ ... عَلَيْنَا، وَكُلّكُمْ أَرْبَابِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَوْلُهُ: لَبَابِ لَبَابِ: لا بَأْسَ لَا بَأْسَ، بِلُغَةِ حِمْيَرَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: لباب لباب. [هلاك عمرو:] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا نَزَلَ عَمْرُو بْنُ تُبّانَ الْيَمَنَ مُنِعَ مِنْهُ النّوْمُ، وَسُلّطَ عَلَيْهِ السّهَرُ، فَلَمّا جَهَدَهُ ذَلِكَ سَأَلَ الْأَطِبّاءَ والحُزاة مِنْ الْكُهّانِ وَالْعَرّافِينَ عَمّا بِهِ، فَقَالَ لَهُ قائل منهم: إنه مَا قَتَلَ رَجُلٌ قَطّ أَخَاهُ، أَوْ ذَا رَحِمِهِ بَغْيًا عَلَى مِثْلِ مَا قَتَلْتَ أَخَاك عَلَيْهِ، إلّا ذَهَبَ نَوْمُهُ، وَسُلّطَ عَلَيْهِ السّهَرُ، فَلَمّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ جَعَلَ يَقْتُلُ كُلّ مَنْ أَمَرَهُ بِقَتْلِ أَخِيهِ حَسّانَ مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ، حَتّى خَلَصَ إلَى ذِي رُعَيْنٍ، فَقَالَ لَهُ ذُو رُعَيْنٍ: إنّ لِي عِنْدَك بَرَاءَةً، فَقَالَ، وَمَا هِيَ؟ قَالَ: الْكِتَابُ الّذِي دَفَعْتُ إليك، فأخرجه فإذا الْبَيْتَانِ، فَتَرَكَهُ، وَرَأَى أَنّهُ قَدْ نَصَحَهُ. وَهَلَكَ عَمْرٌو، فَمَرَجَ أَمْرُ حِمْيَرَ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَفَرّقُوا. ـــــــــــــــــــــــــــــ (خَبَرُ لخنيعة وَذِي نُوَاسٍ) وَقَالَ فِيهِ ابْنُ دُرَيْدٍ: لخنيعة وَقَالَ: هُوَ مِنْ اللّخَعِ، وَهُوَ اسْتِرْخَاءٌ فِي الْجِسْمِ، وَذُو شَنَاتِرَ. الشّنَاتِرُ: الْأَصَابِعُ بلغة حمير، واحدها: شنترة، وذو نواس «1»

_ (1) هو من أذواء اليمن، وقيل إنه- كما يذكر الطبرى وابن خلدون- تسمى بيوسف بعد توليه ملك آبائه، وقد حكم- كما يقول بعض المؤرخين- من سنة 515 م حتى سنة 525 م، وبه ختمت سلسلة ملوك حمير. أما لخنيعة ويسمى-

(خبر لخنيعة وذى نواس)

[ (خبر لخنيعة وذى نواس) ] فوئب عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ لَمْ يَكُنْ مِنْ بيوت المملكة، يقال له: لخنيعة ينوف ذو شَناتر، فَقَتَلَ خِيَارَهُمْ، وَعَبِثَ بِبُيُوتِ أَهْلِ الْمَمْلَكَةِ منهم، فقال قائل من حمير للخنيعة. تقتّل أبناءها وَتَنْفِي سَرَاتَهَا ... وَتَبْنِي بِأَيْدِيهَا لَهَا الذّلّ حِمْيَرُ تُدَمّرُ دُنْيَاهَا بِطَيْشِ حُلُومِهَا ... وَمَا ضَيّعْت مِنْ دينها فهو أكثر كذلك القرون قبل ذاك بظلمها ... وإسرافها تأتى الشرور فتخسر ـــــــــــــــــــــــــــــ اسْمُهُ: زُرْعَةُ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلْغُلَامِ: زَرَعَكَ اللهُ، أَيْ أَنْبَتَكَ، وَسَمّوْا بِزَارِعِ كَمَا سَمّوْا بِنَابِتِ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الْوَاقِعَةُ: 64] أَيْ: تُنْبِتُونَهُ، وَفِي مُسْنَدِ وَكِيعِ بْنِ الْجَرّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ الْجَبَلِيّ أَنّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرّجُلُ: زَرَعْت فِي أَرْضِي كَذَا وَكَذَا، لِأَنّ اللهَ هُوَ الزّارِعُ: وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ- مَرْفُوعًا- إلَى النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النّهْيُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا، وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَلَى وَجْهِ هَذَا الْحَدِيثِ، فِي غَيْرِ هَذَا الْإِمْلَاءِ فَقَدْ جَاءَ فِي الصّحِيحِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا» الْحَدِيثَ «1» وَفِي كِتَابِ اللهِ أَيْضًا قَالَ: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً [يُوسُفُ: 47] ، وسمّى

_ - أيضا «لحيعثت ينف» فحكم من 480 حتى 500 م ويقال إنه كان بين لخنيعة وذى نواس معد يكرب ينعم وهو أخو لخنيعة وبعده ملك آخر هو مرثد ألن الذى وقع فى عهده هرج شديد ص 164 وما بعدها ج 3 تاريخ العرب قبل الإسلام. (1) بقية الحديث: «فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة» رواه البخارى ومسلم وأحمد فى مسنده والترمذى عن أنس.

فسوق لخنيعة:

[فسوق لخنيعة:] وكان لخنيعة امرأ فَاسِقًا يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَكَانَ يُرْسِلُ إلَى الْغُلَامِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، فَيَقَعُ عَلَيْهِ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ قَدْ صَنَعَهَا لِذَلِك، لِئَلّا يَمْلِكُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمّ يَطْلُعُ مِنْ مَشْرَبَتِهِ تِلْكَ إلَى حَرَسِهِ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ جُنْدِهِ، قَدْ أَخَذَ مِسْوَاكًا، فَجَعَلَهُ فِي فِيهِ، أَيْ: لِيُعْلَمَهُمْ أَنّهُ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ، حَتّى بَعَثَ إلى زرعة ذى نواس ابن تُبّانَ أَسْعَدَ أَخِي حَسّانَ، وَكَانَ صَبِيّا صَغِيرًا حِينَ قُتِلَ حَسّانُ، ثُمّ شَبّ غُلَامًا جَمِيلًا وَسِيمًا، ذَا هَيْئَةٍ وَعَقْلٍ، فَلَمّا أَتَاهُ رَسُولُهُ، عَرَفَ مَا يُرِيدُ مِنْهُ، فَأَخَذَ سِكّينًا حَدِيدًا لطيفا، فحبّأه بَيْنَ قَدَمِهِ وَنَعْلِهِ، ثُمّ أَتَاهُ، فَلَمّا خَلَا مَعَهُ وَثَبَ إلَيْهِ فَوَاثَبَهُ ذُو نُوَاسٍ، فَوَجَأَهُ حَتّى قَتَلَهُ. ثُمّ حَزّ رَأْسَهُ، فَوَضَعَهُ فِي الْكُوّةِ الّتِي كَانَ يُشْرِفُ مِنْهَا، وَوَضَعَ مِسْوَاكَهُ فِي فِيهِ، ثُمّ خَرَجَ عَلَى النّاسِ، فَقَالُوا له: ذانواس أَرَطْبٌ أَمْ يَبَاسٌ فَقَالَ: سَلْ نَخْماس اسْترطُبان ذو نواس. استرطبان لا باس ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَا نُوَاسٍ بِغَدِيرَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ تَنُوسَانِ، أَيْ ضَفِيرَتَانِ مِنْ شَعْرٍ، وَالنّوْسُ: الْحَرَكَةُ وَالِاضْطِرَابُ فِيمَا كَانَ مُتَعَلّقًا، قَالَ الرّاجِزُ: لَوْ رَأَتْنِي وَالنّعَاسُ غَالِبِي ... عَلَى الْبَعِيرِ نَائِسًا ذَبَاذِبِي يُرِيدُ: ذَبَاذِبَ الْقَمِيصِ «1» ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَرَادَ بِالذّبَاذِبِ مَذَاكِيرَهُ، والأوّل أشبه بالمعنى.

_ (1) فى اللسان: ذباذب: أشياء تعلق بالهودج، أو رأس البعير للزينة، والواحد ذبذب «بضم فسكون فضم» ... والذباذب: المذاكير، والذباذب: ذكر الرجل، وقيل: الذباذب: الخصى واحدتها: ذبذبة» بفتح فسكون، ففتح.

ملك ذى نواس

قال ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا كَلَامُ حِمْيَرَ. ونخماس: الرّأْسُ. فَنَظَرُوا إلَى الْكُوّةِ فَإِذَا رَأْسُ لَخْنيعة مَقْطُوعٌ، فَخَرَجُوا فِي إثْرِ ذِي نُوَاسٍ حَتّى أَدْرَكُوهُ: فَقَالُوا: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَنَا غَيْرُك، إذْ أَرَحْتنَا مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ. [مُلْكُ ذِي نُوَاسٍ] مُلْكُ ذِي نُوَاسٍ فَمَلّكُوهُ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ، فَكَانَ آخِرَ مُلُوكِ حِمْيَرَ. وَهُوَ صَاحِبُ الْأُخْدُودِ، وَتَسَمّى: يُوسُفَ، فَأَقَامَ فِي مُلْكِهِ زمانا. «بقايا من أهل دين عيسى بِنَجْرَانَ» : وَبِنَجْرَانَ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ دِينِ عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَى الْإِنْجِيلِ. أَهْلِ فَضْلٍ وَاسْتِقَامَةٍ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ، لَهُمْ رَأْسٌ يُقَالُ له: عبد الله بن الثامر. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ قَوْلَ ذِي نُوَاسٍ لِلْحَرَسِ حِينَ قَالُوا لَهُ: أَرَطْبٌ أَمْ يَبَاسٌ، وَالْيَبَاسُ وَالْيَبِيسُ «1» : مِثْلُ الكبار والكبير فقال لهم: سل نحماس، والنّحماس فِي لُغَتِهِمْ هُوَ الرّأْسُ كَمَا ذَكَرَ، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ أَبِي بَحْرٍ الّتِي قَيّدَهَا عَلِيّ أَبُو الْوَلِيدِ الْوَقْشِي: نَخْمَاس بِنُونِ وَخَاءٍ مَنْقُوطَةٍ، وَلَعَلّ هَذَا هُوَ الصّحِيحُ إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النّخْمَاس فِي لُغَتِهِمْ هُوَ: الرّأْسُ ثُمّ صُحّفَ وَقَيّدَهُ كُرَاعٌ بِالتّاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ- فِيمَا ذَكَرَ لِي- وَقَوْلُهُ: اسْتُرْطُبَان إلَى آخِرِ الْكَلَامِ مُشْكِلٌ يُفَسّرُهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرْجِ فِي الْأَغَانِي قَالَ: كَانَ الغلام إذا خرج من

_ (1) هى اليابس عكس الرطب، وهى السوءة والعورة، وعسفان بضم العين فى المراصد: منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة، وقيل بين المسجدين، وهى من مكة على مرحلتين، وقيل قرية جامعة على ستة وثلاثين ميلا من مكة، وهى حد تهامة. وأمج بلد من أعراض المدينة. ومشربة: غرفة مرتفعة.

ابتداء وقوع النصرانية بنجران

وَكَانَ مَوْقِعُ أَصْلِ ذَلِكَ الدّينِ بِنَجْرَانَ، وَهِيَ بِأَوْسَطِ أَرْضِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ، وَأَهْلُهَا وَسَائِرُ الْعَرَبِ كُلّهَا أَهْلُ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، وَذَلِكَ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ ذَلِكَ الدّينِ يُقَالُ لَهُ: فَيْمِيُون، وَقَعَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ. فَدَانُوا بِهِ. [ابْتِدَاءُ وُقُوعِ النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ] [ «حديث فيميون» :] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي لبيد مولى الأخنس عن وهب ابن منبّه اليمانى أنه حدثهم أن موقع ذلك الدين بِنَجْرَانَ كَانَ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ دين عيسى بن مَرْيَمَ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيُون، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مُجْتَهِدًا زَاهِدًا فِي الدّنْيَا، مُجَابَ الدّعْوَةِ، وَكَانَ سَائِحًا يَنْزِلُ بَيْنَ الْقُرَى، لَا يُعْرَفُ بِقَرْيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عِنْدَ لخنيعة، وَقَدْ لَاطَ بِهِ قَطَعُوا مَشَافِرَ ناقته وذنبها: وصاحو بِهِ: أَرَطْبٌ أَمْ يَبَاسٌ، فَلَمّا خَرَجَ ذُو نُوَاسٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَرَكِبَ نَاقَةً لَهُ يُقَالُ لها: السّراب؛ قالوا: ذانواس أَرَطْبٌ أَمْ يَبَاسٌ، فَقَالَ: «سَتَعْلَمُ الْأَحْرَاسُ اسْت ذِي نُوَاسٍ اسْتَ رَطْبَانِ أَمْ يَبَاسٍ» فَهَذَا اللّفْظُ مَفْهُومٌ. وَاَلّذِي وَقَعَ فِي الْأَصْلِ هَذَا مَعْنَاهُ، وَلَفْظُهُ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا، وَلَعَلّهُ تَغْيِيرٌ فِي اللّفْظِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- وَكَانَ مُلْك لخنيعة سَبْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَمُلْكُ ذُو نُوَاسٍ بَعْدَهُ ثمانيا وستين سنة. قاله ابن قتيبة «1» .

_ (1) حكم لخنيعة كما قدر المحققون قرابة عشرين أو خمس وعشرين سنة، وحكم ذو نواس عشر سنوات تقريبا.

إلّا خَرَجَ مِنْهَا إلَى قَرْيَةٍ لَا يُعْرَفُ بِهَا، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلّا مِنْ كَسْبِ يَدَيْهِ. وَكَانَ بَنّاءً يَعْمَلُ الطّينَ، وَكَانَ يُعَظّمُ الْأَحَدَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ شَيْئًا، وَخَرَجَ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ يُصَلّي بِهَا حَتّى يُمْسِيَ. قَالَ: وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشّامِ يَعْمَلُ عَمَلَهُ ذَلِكَ مُسْتَخْفِيًا، فَفَطِنَ لِشَأْنِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا يُقَالُ لَهُ: صَالِحٌ، فَأَحَبّهُ صَالِحٌ حُبّا لَمْ يُحِبّهُ شَيْئًا كَانَ قَبْلَهُ. فَكَانَ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ. وَلَا يَفْطِنُ لَهُ فَيْمِيُون، حَتّى خَرَجَ مَرّةً فِي يَوْمِ الْأَحَدِ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ. كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، وَقَدْ اتّبَعَهُ صَالِحٌ وفَيْمِيون لَا يَدْرِي- فَجَلَسَ صَالِحٌ مِنْهُ مَنْظَرَ الْعَيْنِ مُسْتَخْفِيًا مِنْهُ. لَا يُحِبّ أَنْ يَعْلَمَ بِمَكَانِهِ، وَقَامَ فَيْمِيُون يُصَلّي، فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلّي إذْ أَقْبَلَ نَحْوَهُ التّنّينُ- الْحَيّةُ ذَاتُ الرّءُوسِ السّبْعَةِ- فَلَمّا رَآهَا فَيْمِيُون دَعَا عَلَيْهَا فَمَاتَتْ، وَرَآهَا صَالِحٌ وَلَمْ يَدْرِ مَا أَصَابَهَا، فَخَافَهَا عَلَيْهِ. فعيل عوله. ـــــــــــــــــــــــــــــ (حَدِيثُ فَيُمْؤُنّ) وَيُذْكَرُ عَنْ الطّبَرِيّ أَنّهُ قَالَ فِيهِ: قيمؤن بِالْقَافِ، وَشَكّ فِيهِ، وَقَالَ الْقُتَبِيّ فِيهِ: رَجُلٌ مِنْ آلِ جَفْنَةَ مِنْ غَسّانَ جَاءَهُمْ مِنْ الشّامِ، فَحَمَلَهُمْ عَلَى دِينِ عِيسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَلَمْ يُسَمّهِ، وَقَالَ فِيهِ النّقّاشُ: اسْمُهُ: يَحْيَى، وَكَانَ أَبُوهُ مَلِكًا فَتُوُفّيَ، وَأَرَادَ قَوْمَهُ أَنْ يُمَلّكُوهُ بَعْدَ أَبِيهِ، فَفَرّ مِنْ الْمُلْكِ، وَلَزِمَ السّيَاحَةَ «1» ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ قِصّةَ الرّجُلِ الّذِي دَعَا لِابْنِهِ، فَشُفِيَ بِأَتَمّ مِمّا ذَكَرَهَا ابن إسحق، قَالَ: فَيُمْؤُنّ حِينَ دَخَلَ مَعَ الرّجُلِ، وَكَشَفَ لَهُ عَنْ ابْنِهِ: «اللهُمّ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِك دَخَلَ عَلَيْهِ عَدُوّك فِي نِعْمَتِك، لِيُفْسِدَهَا عَلَيْهِ، فاشفه وعافه وامنعه منه» ، فقام

_ (1) فيمؤن فى الطبرى أيضا: فيميون، وقد وصف بالزهد، والأولى أن يوصف بالتقوى، فالزهد ليس من شعائر الإسلام، وإنما هو مانوية الفرس.

فَصَرَخَ: يَا فَيْمِيُون! التّنّينُ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَك، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ حَتّى فَرَغَ مِنْهَا وَأَمْسَى، فَانْصَرَفَ، وَعَرَفَ أَنّهُ قَدْ عُرِفَ، وَعَرَفَ صَالِحٌ أَنّهُ قَدْ رَأَى مَكَانَهُ. فَقَالَ لَهُ: يَا فَيْمِيُون! تَعْلَمُ وَاَللهِ أَنّي مَا أَحْبَبْت شَيْئًا قَطّ حُبّكَ، وَقَدْ أَرَدْت صُحْبَتَك، وَالْكَيْنُونَةَ مَعَك حَيْثُ كُنْت، فَقَالَ: مَا شِئْتَ. أَمْرِي كَمَا تَرَى، فَإِنْ عَلِمْتَ أَنّك تَقْوَى عَلَيْهِ فَنَعَمْ، فَلَزِمَهُ صَالِحٌ، وَقَدْ كَادَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ يَفْطِنُونَ لِشَأْنِهِ، وَكَانَ إذَا فَاجَأَهُ الْعَبْدُ بِهِ الضّرّ دَعَا لَهُ فَشُفِيَ، وَإِذَا دُعِي إلَى أَحَدٍ بِهِ ضُرّ لَمْ يَأْتِهِ، وَكَانَ لِرَجُلِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ ابْنٌ ضَرِيرٌ، فَسَأَلَ عَنْ شَأْنِ فَيْمِيُون، فَقِيلَ لَهُ: إنّهُ لَا يَأْتِي أَحَدًا دَعَاهُ، وَلَكِنّهُ رَجُلٌ يَعْمَلُ لِلنّاسِ الْبُنْيَانَ بِالْأَجْرِ فَعَمَدَ الرّجُلُ إلَى ابْنِهِ ذَلِكَ، فَوَضَعَهُ فِي حُجْرَتِهِ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ ثَوْبًا، ثم جاءه فقال له: ـــــــــــــــــــــــــــــ الصّبِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ «1» ، فَتَبَيّنَ مِنْ هَذَا أَنّ الصّبِيّ كَانَ مَجْنُونًا لِقَوْلِهِ: دَخَلَ عَلَيْهِ عَدُوّك، يَعْنِي: الشّيْطَانَ، وَلَيْسَ هَذَا فِي حَدِيثِ ابن إسحق. وذكر ابن إسحق فِي الرّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرظِيّ، وَعَنْ بَعْضِ أَهْلِ نَجْرَانَ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ خَبَرِ فَيُمْؤُنّ، قَالَ: وَلَمْ يُسَمّوهُ لِي بِالِاسْمِ الّذِي سَمّاهُ ابْنُ مُنَبّهٍ. قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللهُ: يَحْتَمِلُ أَنّهُمْ سَمّوْهُ: يَحْيَى، وَهُوَ الِاسْمُ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ، وَمَا قَالَهُ النّقّاشُ وَالْقُتَبِيّ. وَفِيهِ ذِكْرُ قَرْيَةِ نَجْرَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَنَجْرَانُ اسْمُ رَجُلٍ كَانَ أَوّلَ مَنْ نَزَلَهَا، فَسُمّيَتْ بِهِ، وَهُوَ نَجْرَانُ بْنُ زَيْدِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ. قَالَهُ البكرى «2» .

_ (1) فى ص 120 ج 2 الطبرى كما ذكر السهيلى تماما. (2) فى القاموس مثله وفيه زيدان بدلا من زيد، وكذلك فى جمهرة ابن حزم: زيدان

يا فَيْمِيُون، إنّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَعْمَلَ فِي بَيْتِي عَمَلًا، فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ حَتّى تَنْظُرَ إلَيْهِ، فأُشارِطك عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ حَتّى دَخَلَ حُجْرَتَهُ، ثُمّ قَالَ لَهُ: مَا تُرِيدُ أَنْ تَعْمَلَ فِي بَيْتِك هَذَا؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، ثُمّ انْتَشَطَ الرّجُلُ الثّوْبَ عَنْ الصّبِيّ ثُمّ قَالَ لَهُ: يَا فَيْمِيُون، عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ أَصَابَهُ مَا تَرَى، فَادْعُ اللهَ لَهُ، فَدَعَا لَهُ فَيْمِيُون، فَقَامَ الصّبِيّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَعَرَفَ فَيْمِيُون أَنّهُ قَدْ عُرِفَ، فَخَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ، وَاتّبَعَهُ صَالِحٌ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِي بَعْضِ الشّامِ، إذْ مَرّ بِشَجَرَةِ عَظِيمَةٍ، فَنَادَاهُ مِنْهَا رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا فَيْمِيُون. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا زِلْتُ أَنْظُرُك، وَأَقُولُ: مَتَى هُوَ جَاءٍ؟ حَتّى سَمِعْتُ صَوْتَك، فَعَرَفْت أَنّك هُوَ. لَا تَبْرَحْ حَتّى تَقُومَ عَلَيّ، فَإِنّي مَيّتٌ الْآنَ. قَالَ: فَمَاتَ، وَقَامَ عَلَيْهِ حَتّى وَارَاهُ ثُمّ انْصَرَفَ، وَتَبِعَهُ صَالِحٌ، حَتّى وَطِئَا بَعْضَ أَرْضِ الْعَرَبِ، فَعَدَوْا عَلَيْهِمَا، فَاخْتَطَفَتْهُمَا سَيّارَةٌ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ، فَخَرَجُوا بِهِمَا، حَتّى بَاعُوهُمَا بِنَجْرَانَ، وَأَهْلُ نَجْرَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ الْعَرَبِ، يَعْبُدُونَ نَخْلَةً طَوِيلَةً بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَهَا عِيدٌ فِي كُلّ سَنَةٍ، إذَا كَانَ ذَلِكَ الْعِيدُ عَلّقُوا عَلَيْهَا كُلّ ثَوْبٍ حَسَنٍ وَجَدُوهُ، وَحُلِيّ النّسَاءِ ثُمّ خَرَجُوا إلَيْهَا، فَعَكَفُوا عَلَيْهَا يَوْمًا. فَابْتَاعَ فَيْمِيُون رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَابْتَاعَ صَالِحًا آخَرُ، فَكَانَ فَيْمِيُون إذَا قَامَ مِنْ اللّيْلِ- يَتَهَجّدُ فِي بَيْتٍ لَهُ أَسْكَنَهُ إيّاهُ سَيّدُهُ- يُصَلّي، اُسْتُسْرِجَ لَهُ الْبَيْتُ نُورًا، حَتّى يُصْبِحَ مِنْ غَيْرِ مِصْبَاحٍ، فَرَأَى ذَلِكَ سَيّدُهُ، فَأَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَخْبَرَهُ بِهِ، وَقَالَ لَهُ فَيْمِيُون: إنّمَا أَنْتُمْ فِي باطل. إن هذه ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، وَمَا أَنَزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَنْجَرٍ عَنْ جُبَيْرِ نن نُفَيْرٍ، قَالَ: الّذِينَ خَدّدُوا الْأُخْدُودَ ثَلَاثَةٌ: تُبّعٌ صاحب اليمن، وقسطنطين بن هِلَانِي- وَهِيَ أُمّهُ حِينَ صَرَفَ النّصَارَى عَنْ التوحيد، ودين

النّخْلَةَ لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْ دَعَوْت عَلَيْهَا إلَهِي الّذِي أَعْبُدُهُ، لَأَهْلَكَهَا، وَهُوَ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ سَيّدُهُ: فَافْعَلْ، فَإِنّك إنْ فَعَلْت دَخَلْنَا فِي دِينِك، وَتَرَكْنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَامَ فَيْمِيُون، فَتَطَهّرَ وَصَلّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ دَعَا اللهَ عَلَيْهَا، فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهَا رِيحًا فَجَعَفَتْهَا مِنْ أَصْلِهَا فَأَلْقَتْهَا فَاتّبَعَهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِهِ، فَحَمَلَهُمْ عَلَى الشّرِيعَةِ مِنْ دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، ثُمّ دَخَلَتْ عليهم الأحداث التى دخلت على أهل دينهم بكل أرض، فمن هنالك كَانَتْ النّصْرَانِيّةُ بِنَجْرَانَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا حَدِيثُ وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ عن أهل نجران. ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَسِيحِ إلَى عِبَادَةِ الصّلِيبِ «1» ، وَبُخْتُنَصّرَ مِنْ أَهْلِ بَابِلَ حِينَ أَمَرَ النّاسَ أَنْ يَسْجُدُوا إلَيْهِ، فَامْتَنَعَ دَانْيَالُ وَأَصْحَابُهُ، فَأَلْقَاهُمْ فِي النّارِ، فَكَانَتْ بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَيْهِمْ، وَحَرَقَ الّذِينَ بَغَوْا عَلَيْهِمْ.

_ (1) دانت له كل أنحاء الدولة الرومانية سنة 323 م. يقول عنه ول ديورانت فى ص 387 ج 3 من المجلد الثالث: «كانت المسيحية عنده وسيلة لا غاية» وقد سأل «هل كان قسطنطين حين اعتنق المسيحية مخلصا فى عمله هذا؟ وهل أقدم عليه عن عقيدة دينية؟ أو هل كان ذلك العمل حركة بارعة أملتها عليه حكمته السياسية؟» وأجاب نفس المؤرخ: «أكبر الظن أن الرأى الأخير هو الصواب» وأمه هلينا هى التى اعتنقت المسيحية قبله، وفى عهده كان مجمع نيقية الذى عقد فى سنة 325 م، وتدخل قسطنطين فيه، حتى حمل المجمع على القول بألوهية عيسى، ثم أمر بتحريق كل كتاب يخالف هذا، وأمه هيلانة هى التى أظهرت صليبا زعمت أنه هو الذى صلب عليه عيسى فى زعمهم بعد الحادثة بمائتى سنة، وفى حديث فيميون ما يخرج به عن حدود العقل والدين ولا سيما قوله: فإنى ميت الآن، فالله يقول: «وما تدرى نفس بأى أرض تموت» .

أمر عبد الله بن الثامر، وقصة أصحاب الأخدود

[أَمْرُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الثّامِرِ، وَقِصّةُ أَصْحَابِ الأخدود] [ «فيميون والساحر» :] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، وَحَدّثَنِي أَيْضًا بَعْضُ أَهْلِ نَجْرَانَ عَنْ أَهْلِهَا: أَنّ أَهْلَ نَجْرَانَ كَانُوا أَهْلَ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهَا قَرِيبًا مِنْ نَجْرَانَ- وَنَجْرَانُ: الْقَرْيَةُ الْعُظْمَى الّتِي إلَيْهَا جِمَاعُ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ- سَاحِرٌ يُعَلّمُ غِلْمَانَ أَهْلِ نَجْرَانَ السّحْرَ، فَلَمّا نَزَلَهَا فَيْمِيُون- وَلَمْ يُسَمّوهُ لِي بِاسْمِهِ الّذِي سَمّاهُ بِهِ وَهْبُ بْنُ مُنَبّهٍ، قَالُوا: رَجُلٌ نَزَلَهَا- ابْتَنَى خَيْمَةً بَيْنَ نَجْرَانَ، وَبَيْنَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الّتِي بِهَا السّاحِرُ، فَجَعَلَ أَهْلُ نَجْرَانَ يُرْسِلُونَ غِلْمَانَهُمْ إلَى ذَلِكَ السّاحِرِ، يُعَلّمُهُمْ السّحْرَ، فَبَعَثَ إلَيْهِ الثّامِرُ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الثّامِرِ مَعَ غِلْمَانِ أَهْلِ نَجْرَانَ، فَكَانَ إذَا مَرّ بِصَاحِبِ الْخَيْمَةِ أَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ مِنْ صَلَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ، فَجَعَلَ يَجْلِسُ إليه، ـــــــــــــــــــــــــــــ (خَبَرُ ابْنِ الثّامِرِ) التّفَاضُلُ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ الْإِلَهِيّةِ: وَذَكَرَ فِيهِ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، وَقَوْلُ الرّاهِبِ لَهُ: إنّك لَنْ تُطِيقَهُ. أَيْ: لَنْ تُطِيقَ شُرُوطَهُ، وَالِانْتِهَاضَ بِمَا يَجِبُ مِنْ حَقّهِ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) [النّمْلُ 40] إنّهُ أُوتِيَ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ الّذِي إذَا دُعِيَ اللهُ بِهِ أَجَابَ، وَهُوَ آصَفُ بْنُ برخيا فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، وقيل غير ذلك «1» .

_ (1) ورأى آخر أحق بالتقديم يقرر أنه نفس سليمان، فهو الذى كان عنده علم من الكتاب.

وَيَسْمَعُ مِنْهُ حَتّى أَسْلَمَ، فَوَحّدَ اللهَ وَعَبَدَهُ، وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ حَتّى إذَا فَقِهَ فِيهِ جَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ- وكان يعلمه- فكتمه إياه وقال له: يابن أَخِي إنّك لَنْ تَحْمِلَهُ، أَخْشَى عَلَيْك ضَعْفَك عَنْهُ- وَالثّامِرُ أَبُو عَبْدِ اللهِ لَا يَظُنّ إلّا أَنّ ابْنَهُ يَخْتَلِفُ إلَى السّاحِرِ كَمَا يَخْتَلِفُ الْغِلْمَانُ، فَلَمّا رَأَى عَبْدُ اللهِ أَنّ صَاحِبَهُ قَدْ ضَنّ بِهِ عَنْهُ، وَتَخَوّفَ ضَعْفَهُ فيه، عمد إلى قداح فَجَمَعَهَا، ثُمّ لَمْ يُبْقِ لِلّهِ اسْمًا يَعْلَمُهُ إلّا كتبه فى قدح، لكلّ اسم قدح، حتى إذا أحصاها أو قد لَهَا نَارًا، ثُمّ جَعَلَ يَقْذِفُهَا فِيهَا قِدْحًا قِدْحًا، حَتّى إذَا مَرّ بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ قَذَفَ فِيهَا بِقِدْحِهِ، فَوَثَبَ الْقِدْحُ حَتّى خَرَجَ مِنْهَا لَمْ تَضُرّهُ شَيْئًا. فَأَخَذَهُ ثُمّ أَتَى صَاحِبَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِأَنّهُ قَدْ عَلِمَ الِاسْمَ الّذِي كَتَمَهُ، فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: هُوَ كَذَا وَكَذَا، قال: وكيف علمته؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ، قَالَ: أَيْ ابْنَ أَخِي، قَدْ أَصَبْتَهُ فَأَمْسِكْ عَلَى نَفْسِك، وَمَا أَظُنّ أن تفعل. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَعْجَبُ مَا قِيلَ فِيهِ: إنّهُ ضَبّةُ بْنُ أدّ بن طابخة قاله النقاش، ولا يصح، وهى مسئلة اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ، فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى تَرْكِ التّفْضِيلِ بَيْنَ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ أَعْظَمَ مِنْ الِاسْمِ الْآخَرِ، وَقَالُوا: إذَا أَمَرَ فِي خَبَرٍ، أَوْ أَثَرَ ذِكْرَ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ، فَمَعْنَاهُ: الْعَظِيمُ؛ كَمَا قَالُوا: إنّي لَأُوجِلَ أَيْ: وَجِلًا، وَكَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي أَكْبَرِ مِنْ قَوْلِك: اللهُ أَكْبَرُ: إنّ أَكْبَرَ بِمَعْنَى كَبِيرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، وَذَكَرُوا أَنّ أَهْوَنَ بِمَعْنَى: هَيّنٍ مِنْ قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الرّومُ: 27] وَأَكْثَرُوا الِاسْتِشْهَادَ عَلَى هَذَا وَنَسَبَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطّالٍ هَذَا الْقَوْلَ إلَى جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ: ابْنُ أَبِي زَيْدٍ، وَالْقَابِسِيّ وَغَيْرُهُمَا، وَمِمّا احْتَجّوا بِهِ أَيْضًا: أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ لِيُحَرّمَ الْعِلْمَ بِهَذَا الِاسْمِ، وَقَدْ عَلِمَهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ مَنْ لَيْسَ بِنَبِيّ؛

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَمْ يَكُنْ لِيَدْعُوَ حِينَ اجْتَهَدَ فِي الدّعَاءِ لِأُمّتِهِ أَلّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ رَءُوفٌ بِهِمْ، عَزِيزٌ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ إلّا بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ، لِيُسْتَجَابَ لَهُ فِيهِ، فَلَمّا مُنِعَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنّهُ لَيْسَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ إلّا وَهُوَ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ فِي الْحُكْمِ وَالْفَضِيلَةِ، يَسْتَجِيبُ اللهُ إذَا دُعِيَ بِبَعْضِهَا إنْ شَاءَ، وَيَمْنَعُ إذَا شَاءَ، وَقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا، فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الْإِسْرَاءُ: 110] ، وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ: التّسْوِيَةُ بَيْنَ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَكَذَلِكَ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ وغيرهم من العلماء إلى أنه ليس شئ من كلام الله تعالى أفضل من شئ، لِأَنّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ مِنْ رَبّ وَاحِدٍ، فَيَسْتَحِيلُ التّفَاضُلُ فِيهِ. قَالَ الشّيْخُ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ أَبُو القاسم- عفا الله عنه: وجه استفتلح الْكَلَامِ مَعَهُمْ أَنْ يُقَالَ: هَلْ يَسْتَحِيلُ هَذَا عَقْلًا، أَمْ يَسْتَحِيلُ شَرْعًا؟ وَلَا يَسْتَحِيلُ عَقْلًا أَنْ يُفَضّلَ اللهُ سُبْحَانَهُ عَمَلًا مِنْ الْبِرّ عَلَى عَمَلٍ، وَكَلِمَةً مِنْ الذّكْرِ عَلَى كَلِمَةٍ، فَإِنّ التّفْضِيلَ رَاجِعٌ إلَى زِيَادَةِ الثّوَابِ وَنُقْصَانِهِ، وَقَدْ فُضّلَتْ الْفَرَائِضُ عَلَى النّوَافِلِ، بِإِجْمَاعِ، وَفُضّلَتْ الصّلَاةُ وَالْجِهَادُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالدّعَاءِ، وَالذّكْرُ عَمَلٌ مِنْ الْأَعْمَالِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَجْزَلَ ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَالْأَسْمَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُسَمّى، وَهِيَ مِنْ كَلَامِ اللهِ سُبْحَانَهُ الْقَدِيمِ «1» ، وَلَا نَقُولُ فِي كَلَامِ اللهِ: هو هو، ولا هو

_ (1) لا يجوز الإخبار عن الله بأنه قديم؛ إذ لم يرد هذا فى قرآن أو حديث، وإنما يقال عنه: إنه الأول بدلا من القديم، فقد وصف الضلال بأنه قديم، والعرجون كذلك والبيت القديم. ثم القدم لا يمنع من أن يكون له أول أو بداية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غَيْرُهُ، كَذَلِكَ لَا نَقُولُ فِي أَسْمَائِهِ الّتِي تَضَمّنَهَا كَلَامُهُ: إنّهَا هُوَ، وَلَا هِيَ غَيْرُهُ «1» فَإِنْ تَكَلّمْنَا نَحْنُ بِهَا بِأَلْسِنَتِنَا الْمَخْلُوقَةِ وَأَلْفَاظِنَا الْمُحْدَثَةِ، فَكَلَامُنَا عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِنَا، وَاَللهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يَقُولُ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ «2» [الصّافّاتُ: 3] ، وَقُبْحًا لِلْمُعْتَزِلَةِ «3» ؛ فَإِنّهُمْ زَعَمُوا أَنّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ

_ (1) الرجل أشعرى العقيدة، ورأيهم فى الصفات منبوذ من سلف الأمة، وقد رجع الأشعرى عن هذا المذهب فى كتابيه الإبانة ومقالات الإسلاميين. (2) كنا نود أن يبرأ الكتاب من سفسطة علم الكلام، والسهيلى ينزع عن عقيدته الأشعرية التى تقرر امورا تستلزم القول ببطلان الثواب والعقاب، والقول بالجبرية. والآية لا تؤيد الأشعرية فيما ذهبوا إليه، فالله يقص عن إبراهيم قوله لقومه: «أتعبدون ما تنحتون، والله خلقكم وما تعملون» فما موصولة. والمعنى: خلقكم وخلق الأحجار التى تنحتون منها أصنامكم، ولكن الأشعرية يجعلون «ما» مصدرية، فيصير المعنى: والله خلقكم وخلق أعمالكم، والقرآن يقرر فى عديد من آياته أن العمل هو سبيل الإنسان إلى مصيره (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل: 93 «ومن جاء بالسيئة، فكبّت وجوههم فى النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون» النمل: 90. (3) يقول الشهرستانى: «الذى يعم طائفة المعتزلة من الاعتقاد: القول بأن الله تعالى قديم، والقدم أخص وصف ذاته، ونفوا الصفات القديمة أصلا، فقالوا: هو عالم لذاته، قادر لذاته، حى لذاته، لا بعلم وقدرة وحياة هى صفات قديمة ومعانى قائمة، لأنه لو شاركته الصفات فى القدم الذى هو أخص الوصف لشاركته فى الإلهية، واتفقوا على أن كلامه محدث مخلوق فى محل، وهو حرف وصوت، كتب أمثاله فى المصاحف.. واتفقوا على أن الإرادة والسمع والبصر ليست معانى قائمة بذاته، لكن اختلفوا فى وجوه وجودها ومحامل معانيها كما سيأتى.. وأوجبوا تأويل الآيات المتشابهة، واتفقوا على أن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها» وسبب تسميتهم بالمعتزلة أن واصل بن عطاء خالف الحسن البصرى فى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ مسألة مرتكب الكبيرة، فقد قرر واصل أن مرتكبها ليس بمؤمن ولا كافر، وإنما هو فى منزلة بين المنزلتين، فطرده الحسن من مجلسه، فسمى وأتباعه بالمعتزلة. وهم فرق عديدة أطلقت على نفسها: أصحاب العدل والتوحيد، وفى أيامنا هذه طبع كثير من كتبهم فى مصر. هكذا كلما بعد المرء عن هدى القرآن ضل. ولعلك تلحظ أنهم بنوا معتقداتهم على إيمانهم بأن الله قديم!! وتبعا لهذا دانو بما دانوا فى مسألة الصفات وما تفرع عنها، فبنوا دينهم على وهم، أو على صفة لا يوصف الله بها، ولا يسمى: فلو أنهم والأشعرية دانوا بما وصف الله به نفسه ما تردوا فى هذه المهلكات أو المتناقضات. لقد نفى المعتزلة الصفات، لأنهم لو أثبتوها فى ظنهم لأثبتوا مع الله عدة قدماء، وجاء الأشعرية هنا بمضحكات فقالوا عن الصفات: لا هى هو، ولا هى غيره!! قضيتان كلتاهما تبطل الأخرى. لو قالوا: هى هو لتفوا الصفات، وللزمهم القول بأن الصفة عين الموصوف ولو قالوا هى غيره للزمهم القول بتعدد القدماء!! هكذا يضرب الله من يضل عن سبيله، فلا يرى نورا ولا صباحا لليله المظلم الطويل. والفيلسوف ابن رشد- على ما فيه- يقول: «ومن البدع التى حدثث فى هذا الباب: السؤال عن هذه الصفات: هل هى الذات أم زائدة على الذات؟» ثم يقول فى مكان آخر من كتابه مناهج الأدلة: «الذى ينبغى أن يعلم الجمهور من أمر هذه الصفات هو ما صرح به الشرع فقط وهو الاعتراف بوجودها دون تفصيل الأمر فيها هذا التفصيل» ثم يقول عن دواء القرآن فى الصفات: «وأول من غير هذا الدواء الأعظم، هم الخوارج، ثم المعتزلة بعدهم، ثم الأشعرية، ثم الصوفية، ثم جاء أبو حامد- يعنى الغزالى- فطم الوادى على القرى» . لقد أثبت المعتزلة ذاتا مجردة عن الصفات فعطلوا، وجاء الأشاعرة، فوقفوا بين مثبتة الصفات ونفاتها، وما كان لهؤلاء السير وراء السؤال القلق: هل الصفات زائده على الذات أو لا، لأن كل ذات لها وجود تستلزم فى نفس الأمر وجود الصفات، إذ لا يمكن تصور ذات مجردة عن الصفات، بل إن نفس اللفظ «ذات» - وهو مولدّ- يستلزم ذلك إذ-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ أصله أن يقال: ذات علم، ذات قدرة، ذات سمع، فهى مؤنث لفظ يستلزم الإضافة وهو ذو، والذات المجردة عن الصفة لا توجد إلا فى الذهن فقط. أما الموجودات فى أنفسها فلا يمكن فيها وجود ذات مجردة عن الصفات. يقول الإمام ابن تيمية «وأصل النفاة المعطلة من الجهمية والمعتزلة أنهم يصفون الله بما لم يقم به، بل بما قام بغيره، أو بما لم يوجد. ويقولون: هذه إضافات لا صفات، فيقولون: هو رحيم ويرحم، والرحمة لا تقوم به، بل هى مخلوقة، وهى نعمته، ويقولون: هو يرضى ويغضب، والرضا والغضب لا يقوم به، بل هو مخلوق، وهو ثوابه وعقابه ويقولون: هو متكلم ويتكلم، والكلام لا يقوم به، بل هو مخلوق قائم بغيره» جواب أهل العلم والإيمان ص 88. وأقول: ترى لو وقف هؤلاء عند قولهم: هو يرضى ويغضب، هو متكلم ويتكلم، هو رحيم ويرحم أكان الله سائلهم يوم القيامة: أهذه صفات أم إضافات؟ إنها لعنة علم الكلام الذى استمد من ضلالات السابقين. ثم يقول الإمام ابن تيمية: «مذهب السلف والأئمة إثبات الصفات ونفى مماثلتها بصفات المخلوقات، فالله تعالى موصوف بصفات الكمال الذى لا نقص فيه، منزه عن صفات النقص مطلقا، ومنزه عن أن يماثله غيره فى صفات كماله، فهذان المعنيان جمعا: التنزيه، وقد دل عليهما قوله تعالى: «قُلْ: هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ» فالاسم الصمد يتضمن صفات الكمال. والاسم الأحد يتضمن نقى المثل ... فالقول فى صفاته كالقول فى ذاته، والله تعالى ليس كمثله شئ، لا فى ذاته، ولا فى صفاته، ولا فى أفعاله، لكن يفهم من ذلك أن نسبة هذه الصفة إلى موصوفها، كنسبة هذه الصفة إلى موصوفها، فعلم الله وكلامه ونزوله واستواؤه هو كما يناسب ذاته، ويليق بها كما أن صفة العبد هى كما يناسب ذاته، ويليق بها، ونسبة صفاته إلى ذاته كنسبة صفات العبد إلى ذاته ولهذا قال بعضهم: إذا قال لك السائل: كيف ينزل، أو كيف يستوى أو كيف يعلم، أو كيف يتكلم، ويقدر ويخلق؟ فقل له: كيف هو فى نفسه؟ فإذا قال: أنا لا أعلم كيفية ذاته. فقل له: وأنا لا أعلم كيفية صفاته؛ فإن العلم بكيفية الصفة يتبع العلم بكيفية الموصوف» شرح حديث النزول ص 10 طبع 1366 هـ-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَأَسْمَاؤُهُ عَلَى أَصْلِهِمْ الْفَاسِدِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ الْمُسَمّى بِهَا، وَسَوّوْا بَيْنَ كَلَامِ الْخَالِقِ، وَكَلَامِ الْمَخْلُوقِ فِي الْغَيْرِيّةِ وَالْحُدُوثِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، وَصَحّ جَوَازُ التّفْضِيلِ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ إذَا دَعَوْنَا بِهَا، فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَفْضِيلِ السّوَرِ، وَالْآيِ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِنّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى التّلَاوَةِ، الّتِي هِيَ عَمَلُنَا، لَا إلَى الْمَتْلُوّ الّذِي هو كلام رينا، وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ الْقَدِيمَةِ، وَقَدْ قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأُبَيّ: «أَيّ آيَةٍ مَعَك فِي كِتَابِ اللهِ أَعْظَمُ؟ فَقَالَ: «اللهُ لَا إلَهَ إِلّا هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ» فَقَالَ: «لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ «1» » ، وَمُحَالٌ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: أَعْظَمُ مَعْنًى عَظِيمٌ؛ لِأَنّ الْقُرْآنَ كُلّهُ عَظِيمٌ، فَكَيْفَ يَقُولُ لَهُ: أَيّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ عَظِيمَةٌ، وَكُلّ آيَةٍ فِيهِ عَظِيمَةٌ كَذَلِكَ؟ وَكُلّ مَا اسْتَشْهَدُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَكْبَرُ بِمَعْنَى كَبِيرٍ، وَأَهْوَنُ بِمَعْنَى هَيّنٍ بَاطِلٍ عِنْدَ حُذّاقِ النّحَاةِ، وَلَوْلَا أَنْ نَخْرُجَ عَمّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، لَأَوْضَحْنَا بُطْلَانَهُ، بِمَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا فِي الْعَرَبِيّةِ، مَا جَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَيّ آيَةٍ مَعَك فِي كِتَابِ اللهِ أَعْظَمُ، لِأَنّ الْقُرْآنَ كُلّهُ عَظِيمٌ، وَإِنّمَا سَأَلَهُ عَنْ الْأَعْظَمِ مِنْهُ، وَالْأَفْضَلِ فِي ثَوَابِ التّلَاوَةِ، وَقُرْبِ الْإِجَابَةِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى ثُبُوتِ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ، وَأَنّ لِلّهِ اسْمًا هُوَ أَعْظَمُ أَسْمَائِهِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَخْلُو الْقُرْآنُ عَنْ ذَلِكَ الِاسْمِ، وَاَللهُ تعالى

_ - والحق فيما ذهب إليه الإمام الجليل. فليسكن قلب كل مسلم إلى صفات الله وأسمائه وليدن بها وهو ثابت اليقين، دون أن يسأل نفسه: كيف يتكلم، كيف استوى، ما حقيقة اليدين؟ ودون أن ينفى شيئا أثبته الله، وإلا بهت الله بأنه لم يحسن وصف نفسه، أو أصابه العى فلم يستطع البيان عن صفات وأسماء نفسه. (1) المسئول هو أبى بن كعب، والحديث فى مسلم ومسند أحمد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَقُولُ: مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ «1» [الْأَنْعَامُ: 38] ، فَهُوَ فِي الْقُرْآنِ لَا مُحَالَةَ. وَمَا كَانَ اللهُ لِيُحَرّمَهُ مُحَمّدًا، وَأُمّتَهُ، وَقَدْ فَضّلَهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَفَضّلَهُمْ عَلَى الْأُمَمِ، فَإِنْ قُلْت: فَأَيْنَ هُوَ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَدْ قِيلَ: إنّهُ أُخْفِيَ فِيهِ، كَمَا أُخْفِيَتْ السّاعَةُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ؛ لِيَجْتَهِدَ النّاسُ وَلَا يَتّكِلُوا قَالَ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي قَوْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأُبَيّ: أَيّ آيَةٍ مَعَك فِي كِتَابِ اللهِ أَعْظَمُ، وَلَمْ يَقُلْ: أَفَضْلُ إشَارَةً إلَى الِاسْمِ الْأَعْظَمِ أَنّهُ فِيهَا، إذْ لَا يُتَصَوّرُ أَنْ تَكُونَ هِيَ أَعْظَمُ آيَةً، وَيَكُونُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ فِي أُخْرَى دُونَهَا. بَلْ: إنّمَا صَارَتْ أَعْظَمَ الْآيَاتِ؛ لِأَنّ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ فِيهَا. أَلَا تَرَى كَيْفَ هَنّأَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُبَيّا، بِمَا أَعْطَاهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ الْعِلْمِ، وَمَا هَنّأَهُ إلّا بِعَظِيمِ بِأَنْ عَرَفَ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، وَالْآيَةُ الْعُظْمَى الّتِي كَانَتْ الْأُمَمُ قَبْلَنَا لَا يَعْلَمُهُ مِنْهُمْ إلّا الْأَفْرَادُ، عَبْدُ اللهِ بْنُ الثّامِرِ، وآصف صَاحِبُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَبُلْعُوم قَبْلَ أَنْ يتبعه الشيطان «2»

_ (1) هو الكتاب الذى كتب الله فيه كل شئ قبل الخلق، لا القرآن. (2) لست أدرى من أين جاء بهذا؟! ولقد دار حول الاسم الأعظم مادار، من أقاويل وأساطير مفتراة تزعم أن فلانا كان يسخر به الجن والإنس، وأن غيره كان، وكان،!! وغير هذا مما يأفكه المبطلون المشعبذون الذين يفترون أنهم يعرفون اسم الله الأعظم، والله لا يحرم أمة من معرفة اسمه الأعظم الذى هو «الله» . وفى مسألة تفضيل بعض كلام الله على بعض يقول الإمام ابن تيمية «الناس متنازعون فيها- أى فى مسألة التفضيل- نزاعا منتشرا فطوائف يقولون: بعض كلام الله أفضل من بعض، كما نطقت به النصوص النبوية، حيث أخبر عن-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ، وَقَدْ جَاءَ مَنْصُوصًا فِي حَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- الّذِي خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُدَ، وَيُرْوَى أَيْضًا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ- وَكُنْيَتُهَا: أُمّ سَلَمَةَ- فَلَعَلّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ أَنّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو فى هَاتِينَ الْآيَتَيْنِ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ والم اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: هُوَ الْحَيُّ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ، فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْآيَةَ أَيْ: فَادْعُوهُ بِهَذَا الِاسْمِ، ثُمّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ تنبيها لنا على حمده

_ - الفاتحة أنه لم ينزل فى الكتب الثلاثة مثلها، وأخبر عن سورة الإخلاص أنها تعدل ثلث القرآن. وجعل آية الكرسى أعظم آية فى القرآن.. وروى أنها سيدة القرآن» ثم يقول: «والقول بأن كلام الله بعضه أفضل من بعض هو القول المأثور عن السلف، وهو الذى عليه أئمة الفقهاء من الطوائف الأربعة وغيرهم، وكلام القائلين بذلك كثير منتشر فى كتب كثيرة» ثم يقول: «والنصوص والآثار فى تفضيل كلام الله- بل وتفضيل بعض صفاته- على بعض متعددة. وقول القائل: صفات الله كلها فاضلة فى غاية التمام والكمال ليس فيها نقص، كلام صحيح، لكن توهمه أنه إذا كان بعضها أفضل من بعض كان المفضول معيبا منقوصا خطأ منه، فإن النصوص تدل على أن بعض أسمائه أفضل من بعض، ولهذا يقال: دعا الله باسمه الأعظم، وتدل على أن بعض صفاته أفضل من بعض، وبعض أفعاله أفضل من بعض» ثم ساق الكثير من النصوص التى تثبت ما ذهب إليه وهو حق (جواب أهل العلم والإيمان ج 1 ط السلفية 1375 ص 7، 9، 54. وانظر ص 438 ج 1 البرهان للزركشى) . دين ابن الثامر: فى قصته عن الذين كانوا يلبون دعوته «فيوحد الله ويسلم» أى: يصير مسلما. ولهذا لا يجوز بعد ذلك أن نقول: دين نصرانى، فالنصرانية ليست دينا من الله سبحانه، فدين الرسل جميعا هو الإسلام.

"ابن الثامر يدعو إلى الإسلام":

[ «ابن الثامر يدعو إلى الإسلام» :] فَجَعَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الثّامِرِ إذَا دَخَلَ نَجْرَانَ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا بِهِ ضُرّ إلّا قال: يَا عَبْدَ اللهِ، أَتُوَحّدُ اللهَ، وَتَدْخُلُ فِي دِينِي، وَأَدْعُو اللهَ، فَيُعَافِيك مِمّا أَنْتَ فِيهِ مِنْ الْبَلَاءِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُوَحّدُ اللهَ وَيُسْلِمُ، وَيَدْعُو لَهُ فَيُشْفَى، حَتّى لَمْ يَبْقَ بِنَجْرَانَ أَحَدٌ بِهِ ضُرّ إلّا أَتَاهُ فَاتّبَعَهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَدَعَا لَهُ فَعُوفِيَ، حَتّى رُفِعَ شَأْنُهُ إلَى مَلِكِ نَجْرَانَ، فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: أَفْسَدْت عَلَيّ أَهْلَ قَرْيَتِي، وَخَالَفْت دِينِي وَدِينَ آبَائِي، لَأُمَثّلَنّ بِك، قَالَ: لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: فَجَعَلَ يُرْسِلُ بِهِ إلَى الْجَبَلِ الطّوِيلِ، فَيُطْرَحُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيَقَعُ إلَى الْأَرْضِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَجَعَلَ يَبْعَثُ بِهِ إلَى مِيَاهٍ بنجران، بحور لا يقع فيها شئ إلّا هَلَكَ، فَيُلْقَى فِيهَا، فَيَخْرُجُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، فَلَمّا غَلَبَهُ، قَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الثّامِرِ: إنّك وَاَللهِ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى قتلى ـــــــــــــــــــــــــــــ وَشُكْرِهِ، إذْ عَلِمْنَا مِنْ هَذَا الِاسْمِ الْعَظِيمِ مَا لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُ، فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتّرْمِذِيّ أَيْضًا أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَ رَجُلًا- وَهُوَ زَيْدٌ أَبُو عَيّاشٍ الزّرَقِيّ- ذَكَرَ اسْمَهُ الحرث بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ- يَقُولُ: «اللهُمّ إنّي أَسْأَلُك، بِأَنّ لَك الْحَمْدُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ الْمَنّانُ بَدِيعُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، فَقَالَ: لَقَدْ دَعَا اللهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ «1» » وَيُرْوَى أَنّهُ قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: غَفَرَ اللهُ لَهُ غَفَرَ اللهُ لَهُ. وَرَوَى التّرْمِذِيّ نَحْوَ هَذَا فِيمَنْ قَالَ: «اللهُمّ إنّي أَسْأَلُك؛ فَإِنّك اللهُ الّذِي لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصّمَدُ الّذِي لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ «2» » وَهَذَا مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ أُمّ سَلَمَةَ، قلنا: لا معارضة بين هذا،

_ (1) الترمذى وأبو داود والنسائى وابن ماجة. (2) الترمذى وأبو داود.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَبَيْنَ مَا تَقَدّمَ، فَإِنّا لَمْ نَقُلْ: إنّ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ، بَلْ: الْحَيّ الْقَيّومُ: صِفَتَانِ تَابِعَتَانِ لِلِاسْمِ الْأَعْظَمِ. وَتَتْمِيمٌ لِذِكْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَنّانُ. وَذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ، وَقَدْ خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ أَيْضًا فِي الدّعَوَاتِ، وَكَذَلِكَ الْأَحَدُ الصّمَدُ فِي حَدِيثِ التّرْمِذِيّ. وَقَوْلُك: اللهُ لَا إلَهَ إلّا هُوَ: هُوَ الِاسْمُ، لِأَنّهُ لَا سَمِيّ لَهُ، وَلَمْ يَتّسِمْ بِهِ غَيْرُهُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي التّسْعَةِ وَالتّسْعِينَ اسْمًا: إنّهَا كُلّهَا تَابِعَةٌ لِلِاسْمِ الّذِي هُوَ اللهُ، وَهُوَ تَمَامُ الْمِائَةِ، فَهِيَ مِائَةٌ عَلَى عَدَدِ دَرَجِ الْجَنّةِ، إذْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ أَنّهَا مِائَةُ دَرَجَةٍ «1» بَيْنَ كُلّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ، وَقَالَ فِي الْأَسْمَاءِ: «مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنّةَ «2» » فَهِيَ عَلَى عَدَد دَرَجِ الْجَنّةِ، وَأَسْمَاؤُهُ تَعَالَى لَا تُحْصَى، وإنما هذه

_ (1) ورد عدد درجات الجنة فى حديث رواه البخارى والترمذى، ورواية البخارى: «ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض» ورواية الترمذى: «ما بين كل درجتين مائة عام» وفى الطبرانى: ما بين كل درجتين خمسائة عام. (2) يشير إلى الحديث: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر» متفق عليه. وفى رواية أخرى: «من أحصاها دخل الجنة» متفق عليها، ورواها الترمذى وابن ماجة ومعنى الإحصاء والحفظ: التدبر والعمل بما يوجبه رب هذه الأسماء، لا مجرد الإحصاء والحفظ كما يفعل نعقة المقابر. والحديث الذى أحصيت فيه الأسماء قال عنه الترمذى. حديث غريب أى: ضعيف، ويقول عنه ابن كثير فى تفسير الأعراف: «وقد روى من غير وجه عن أبى هريرة، ولا نعلم فى كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا فى هذا الحديث، ورواه ابن حبان فى صحيحه من طريق صفوان به، وقد رواه ابن ماجة فى سننه من طريق آخر عن موسى بن عقبة، عن الأعرج عن أبى هريرة مرفوعا، فسرد الأسماء بزيادة ونقصان، والذى عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء فى هذا الحديث مدرج فيه»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَسْمَاءُ هِيَ الْمُفَضّلَةُ عَلَى غَيْرِهَا، وَالْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ. يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الصّحِيحِ: «أَسْأَلُك بِأَسْمَائِك الْحُسْنَى مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ» وَوَقَعَ فِي جَامِعِ ابْنِ وَهْبٍ: «سُبْحَانَك لَا أُحْصِي أَسَمَاءَك» وَمِمّا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ أَنّك تُضِيفُ جَمِيعَ الْأَسْمَاءِ إلَيْهِ، وَلَا تُضِيفُهُ إلَيْهَا. تَقُولُ: الْعَزِيزُ اسْمٌ من أسماء الله، ولا تقول: اللهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَزِيزِ، وَفُخّمَتْ اللّامّ مِنْ اسْمِهِ- وَإِنْ كَانَتْ لَا تُفَخّمُ لَامٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إلّا مَعَ حُرُوفِ الْإِطْبَاقِ نحو الطلاق، ولا تفخّم لام فى شئ من أسمائه، ولا شئ مِنْ الْحُرُوفِ الْوَاقِعَةِ فِي أَسْمَائِهِ الّتِي لَيْسَتْ بِمُسْتَعْلِيَةِ إلّا فِي هَذَا الِاسْمِ الْعَظِيمِ «1» الْمُنْتَظَمِ من ألف ولامين وهاء.

_ (1) يقول ابن كثير: «ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى غير منحصرة فى تسعة وتسعين» ثم روى الحديث الذى رواه أحمد، وأبو حاتم بن حبان البستى، وفيه «أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته فى كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به فى علم الغيب» وحروف الإطباق هى: الصاد والضاد والطاء والظاء، والمستعلى من الحروف: الخاء والغين والقاف والضاد والصاد والطاء والظاء، وأربعة منها مع استعلائها إطباق، وهى ما عدا الخاء والغين والقاف ومعنى استعلائها أن تتصعد فى الحنك الأعلى. والإطباق: أن ترفع ظهر لسانك إلى الحنك الأعلى مطبقا له. هذا، وقد تكلم ابن القيم فى بدائع الفوائد كلاما قيما فى هذا الشأن اخترت منه: «الثانى عشر: فى بيان مراتب إحصاء أسمائه التى من أحصاها دخل الجنة، وهذا هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح. المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها. المرتبة الثانية: فهم معانيها ومدلولها. المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، فَادْعُوهُ بِها) وهو مرتبتان: إحداهما: دعاء ثناء وعبادة، والثانية: دعاء طلب ومسئلة، فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، وكذلك لا يسئل إلا بها، فلا يقال: يا موجود، أو يا شئ، أو يا ذات: اغفرلى وارحمنى، بل يسئل فى كل مطلوب باسم-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَالْأَلِفُ مِنْ مَبْدَأِ الصّوْتِ، وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إلَى مَخْرَجِ الْأَلِفِ، فَشَاكَلَ اللّفْظ الْمَعْنَى، وَطَابَقَهُ، لِأَنّ الْمُسَمّى بِهَذَا الِاسْمِ مِنْهُ الْمَبْدَأُ، وَإِلَيْهِ الْمَعَادُ. وَالْإِعَادَةُ. أَهْوَنُ مِنْ الِابْتِدَاءِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، فَكَذَلِكَ الْهَاءُ أَخَفّ وَأَلْيَنُ فِي اللّفْظِ مِنْ الْهَمْزَةِ الّتِي هِيَ مَبْدَأُ الِاسْمِ. أُخْبِرْت بِهَذَا الْكَلَامِ أَوْ نَحْوِهِ فِي الِاسْمِ وَحُرُوفِهِ عَنْ ابْنِ فَوْرَكٍ رَحِمَهُ اللهُ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ شَيْخُنَا فِي كِتَابِ شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ مَا ذَكَرُوهُ عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ، وَأَنّهُ لَا يُدْعَى اللهُ بِهِ إلّا أَجَابَ، ولا يسئل بِهِ شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ. قُلْنَا: عَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنّ هَذَا الِاسْمَ كَانَ عِنْدَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا- إذَا عَلِمَهُ- مَصُونًا غَيْر مُبْتَذَلٍ، مُعَظّمًا لَا يَمَسّهُ إلّا طَاهِرٌ، وَلَا يَلْفِظُ بِهِ إلّا طَاهِرٌ، وَيَكُونُ الّذِي يَعْرِفُهُ عَامِلًا بِمُقْتَضَاهُ مُتَأَلّهًا مُخْبِتًا، قَدْ امْتَلَأَ قَلْبُهُ بِعَظَمَةِ الْمُسَمّى بِهِ لَا يَلْتَفِتُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَخَافُ سِوَاهُ، فَلَمّا اُبْتُذِلَ وَتُكُلّمَ بِهِ فِي مَعْرِضِ الْبَطَالَاتِ وَالْهَزْلِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ ذَهَبَتْ مِنْ الْقُلُوبِ هَيْبَتُهُ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ سُرْعَةِ الْإِجَابَةِ، وَتَعْجِيلِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِلدّاعِي ما كان قبل. ألا ترى قول

_ - يكون مقتضيا لذلك المطلوب، فيكون السائل متوسلا إليه بذلك الاسم، ومن تأمل أدعية الرسل، ولا سيما خاتمهم وإمامهم وجدها مطابقة لهذا» ص 164 ويقول: «إحصاء الأسماء الحسنى، والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغى للمخلوق أحصى جميع العلوم؛ إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم» ص 163 ويقول فى شأن «من أحصاها دخل الجنة» إنها صفة لا خبر مستقل. والمعنى: له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة وهنا لا ينبغى أن يكون له أسماء غيرها ص 167. وقد أبدع ابن القيم فى هذا فانظر كتابه بدائع الفوائد ج 1

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيّوبَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي بَلَائِهِ: «قَدْ كُنْت أَمُرّ بِالرّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ، فَيَذْكُرَانِ اللهَ- يَعْنِي فِي تَنَازُعِهِمَا، أَيْ تَخَاصُمِهِمَا- فَأَرْجِعُ إلَى بَيْتِي، فَأُكَفّرُ عَنْهُمَا كَرَاهَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللهُ إلّا فِي حَقّ» وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللهَ إلّا عَلَى طُهْرٍ» فَقَدْ لَاحَ لَك تَعْظِيمُ الْأَنْبِيَاءِ لَهُ. وَالْجَوَابُ الثّانِي: أَنّ الدّعَاءَ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ الْقَلْبِ، وَلَمْ يَكُنْ بِمُجَرّدِ اللّسَانِ اُسْتُجِيبَ لِلْعَبْدِ، غَيْرَ أَنّ الِاسْتِجَابَةَ تَنْقَسِمُ كَمَا قَالَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- إمّا أَنْ يُعَجّلَ لَهُ مَا سَأَلَ وَإِمّا أَنْ يَدّخِرَ لَهُ، وَذَلِكَ خَيْرٌ مِمّا طَلَبَ، وَإِمّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ الْبَلَاءِ بِقَدْرِ مَا سَأَلَ مِنْ الْخَيْرِ «1» ، وَأَمّا دُعَاءُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأُمّتِهِ أَلّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ «2» ، فَمَنَعَهَا، فَقَدْ أُعْطِيَ عِوَضًا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ: الشّفَاعَةِ لَهُمْ فى الآخرة،

_ (1) يشير إلى الحديث: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له فى الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر. قال: الله أكثر» أحمد والبزار وأبو يعلى بأسانيد جيدة، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. (2) يشير إلى حديث «سألت ربى ثلاثا. سألته ألا يهلك أمتى بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتى بالسنة «أى الجدب» فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها» مسلم وأحمد. والأحاديث فى هذا تكاد تجمع على أن التى منعها هى ألا يجعل بأسهم بينهم. أما اللتان استجيبتا ففيهما خلاف. ففى بعض الأحاديث ألا يظهر عليهم عدوا، ولا يهلكهم بالسنين، وفى بعضها ألا يهلكهم بغرق، وألا يسلط عليهم عدوا، وفى بعضها ألا يهلك أمته بما أهلك به الأمم قبلنا. وهكذا.

حَتّى تُوَحّدَ اللهَ، فَتُؤْمِنَ بِمَا آمَنْتُ بِهِ، فَإِنّك إنْ فَعَلْت ذَلِكَ، سُلّطْت عَلَيّ فَقَتَلْتنِي. قَالَ: فَوَحّدَ اللهَ تَعَالَى ذَلِكَ الْمَلِكُ، وَشَهِدَ شَهَادَةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الثّامِرِ، ثُمّ ضَرَبَهُ بِعَصَا فِي يَدِهِ، فَشَجّهُ شَجّةً غَيْرَ كَبِيرَةٍ، فَقَتَلَهُ، ثُمّ هَلَكَ الْمَلِكُ مَكَانَهُ، وَاسْتَجْمَعَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الثّامِرِ- وكان على ماء جاء به عيسى بن مَرْيَمَ مِنْ الْإِنْجِيلِ وَحُكْمِهِ- ثُمّ أَصَابَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ أَهْلَ دِينِهِمْ مِنْ الْأَحْدَاثِ، فَمِنْ هُنَالِكَ كَانَ أَصْلُ النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ بذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ قَالَ: «أُمّتِي هَذِهِ أُمّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ، عَذَابُهَا فِي الدّنْيَا: الزّلَازِلُ وَالْفِتَنُ» . خَرّجَهُ أَبُو دَاوُدَ «1» ، فَإِذَا كَانَتْ الْفِتَنُ سَبَبًا لِصَرْفِ عَذَابِ الْآخِرَةِ عَنْ الْأُمّةِ، فَمَا خَابَ دُعَاؤُهُ لَهُمْ. عَلَى أَنّنِي تَأَمّلْت هَذَا الْحَدِيثَ، وَتَأَمّلْت حَدِيثَهُ الْآخَرَ حِينَ نَزَلَتْ: قُلْ: هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ [الْأَنْعَامُ: 65] . فَقَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِك. فلما سمع: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِك، فَلَمّا سَمِعَ: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً، وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ. قال: هذه أهون «2» .

_ (1) ورواه أيضا الطبرانى فى الكبير، والحاكم فى مستدركه، والبيهقى فى الشعب. ولكن لن تكون شفاعة إلا بعد إذن الله، فالرسول- صلى الله عليه وسلم لا بملكها- وآيات القرآن كلها تظاهر هذا المعنى، وحديث أبى داود الذى ينفى عذاب الآخرة عن هذه الأمة حديث يخالف الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة المتفق عليها، ولا سيما حديث الحوض الذى يقول فيه عن الذين منعوا الدنو من الحوض: فأقول: ألا سحقا، ألا سحقا أو ما فى معنى هذا (2) البخارى والنسائى والحميدى وابن حبان وابن جرير وابن مردويه وسعيد بن منصور.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا حَدِيثُ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ وَبَعْضِ أَهْلِ نَجْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الثّامِرِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كان. ـــــــــــــــــــــــــــــ فمن ها هنا- وَاَللهُ أَعْلَمُ- أُعِيذَتْ أُمّتُهُ مِنْ الْأُولَى وَالثّانِيَةِ، وَمُنِعَ الثّالِثَةُ، حِينَ سَأَلَهَا بَعْدُ. وَقَدْ عَرَضْت هَذَا الْكَلَامَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ فُقَهَاءِ زَمَانِنَا، فَقَالَ: هَذَا حَسَنٌ جِدّا، غَيْرَ أَنّا لَا نَدْرِي: أَكَانَتْ مَسْأَلَتُهُ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَأَخْلِقْ بِهَذَا النّظَرِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا. قُلْت لَهُ: أَلَيْسَ فِي الْمُوَطّأِ أَنّهُ دَعَا بِهَا فِي مَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ، وَلَا خِلَافَ أَنّ سُورَةَ الْأَنْعَامِ مَكّيّةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَسَلّمَ وَأَذْعَنَ لِلْحَقّ، وَأَقَرّ بِهِ. رَحِمَهُ اللهُ. هَلْ الشّهَدَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ؟ فَصْلٌ: وَذَكَرَ مِنْ وَجْدَانِ عَبْدِ اللهِ فِي خَرِبَةٍ مِنْ خِرَبِ نَجْرَانَ. يُصَدّقُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ «1» [آلُ عِمْرَانَ: 169] الْآيَةَ وَمَا وُجِدَ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، وَغَيْرِهِمْ عَلَى هَذِهِ الصّورَةِ لَمْ يَتَغَيّرُوا بَعْدَ الدّهُورِ الطّوِيلَةِ كَحَمْزَةِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَإِنّهُ وُجِدَ حِينَ حَفَرَ مُعَاوِيَةُ الْعَيْنَ صَحِيحًا لَمْ يَتَغَيّرْ، وَأَصَابَتْ الْفَأْسُ أُصْبُعَهُ، فَدَمِيَتْ، وَكَذَلِكَ أَبُو جَابِرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ حَرَامٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ، وَطَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- اسْتَخْرَجَتْهُ بِنْتُهُ عَائِشَةُ مِنْ قبره حين

_ (1) لم يرو قصة ابن التامر غير ابن إسحاق، ولم يخرجها أحد من أصحاب الصحيح. وفى الآية رد على ما يفترى من مثل هذه الأساطير فالآية تقول: «عند ربهم» لا «فى قبورهم» كما يريد السهيلى أن يفهم هو ومن يذهب معهم مذاهبهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَأَتْهُ فِي الْمَنَامِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، فَاسْتَخْرَجَتْهُ مِنْ مَوْضِعِهِ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَمْ يَتَغَيّرْ. ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ. وَالْأَخْبَارُ بِذَلِكَ صَحِيحَةٌ «1» . وقد قال- عليه السلام- «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» . خرجه سليمان بن الأشعث. وذكر أبو جعفر الداوودي في كتاب الناس هذا الحديث بزيادة: ذكر الشهداء والعلماء والمؤذنين، وهي زيادة غريبة لم تقع لي في مسند، غير أن الداوودي من أهل الثقة والعلم. وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ يُصَلّونَ فِي قُبُورِهِمْ» . انْفَرَدَ بِهِ ثَابِتٌ الْبُنَانِيّ عَنْ أَنَسٍ، وَقَدْ روى أن ثابتا التمس فى قبره بعد ما دُفِنَ، فَلَمْ يُوجَدْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَبِنْتِهِ. فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلّي فَلَمْ تَرَوْهُ، لِأَنّي كُنْت أَسْمَعُهُ إذَا تَهَجّدَ بِاللّيْلِ يَقُولُ. «اللهُمّ اجْعَلْنِي مِمّنْ يصلّى

_ (1) إنما هى أساطير تسكر العاطفة، فتذهلها عن هدى الكتاب والسنة.. فما ورد شئ من هذا، لا فى الكتاب، ولا فى السنة، وحياة الشهداء عند ربهم حياة غيبية نؤمن بها، ولا نكلف أنفسنا البحث عن حقيقتها، ولا نرجم فيها بالغيب أو نهوم مع الظنون والتخيلات المجنحة بالتهويلات الخرافية، ولا نكفر بها. وليست كرامة الشهداء فى بقاء أجسادهم، وإلا فقد بقيت أجساد كفرة عشرات السنين، بل مئاتها. والصوفية هى التى تحمل وزر ما قاله السهيلى، أما أبو جابر فقد ثبت فى الصحيح قول جابر عنه: «لما قتل أبى جعلت أبكى، وأكشف الثوب عن وجهه، فجعل أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينهونى، والنبى- صلى الله عليه وسلم- لم ينه، فَقَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا تبكه، أو ما تبكيه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع» وقد أسنده هو ومسلم والنسائى من طرق. وجميع الأحاديث الصحيحة التى تحدثت عن حياة الشهداء لم تذكر شيئا مما ذهب إليه السهيلى.

"أصحاب الأخدود ومعناه":

[ «أصحاب الأخدود ومعناه» :] فَسَارَ إلَيْهِمْ ذُو نُوَاسٍ بِجُنُودِهِ، فَدَعَاهُمْ إلَى الْيَهُودِيّةِ، وَخَيّرَهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْقَتْلِ فَاخْتَارُوا الْقَتْلَ، فَخَدّ لَهُمْ الْأُخْدُودَ، فَحَرَقَ مَنْ حَرَقَ بِالنّارِ، وقتل من قتل بالسيف، ومثّل بهم، حَتّى قَتَلَ مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا، ففى ذى نواس وَجُنْدِهِ تِلْكَ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ سَيّدِنَا مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ. وَهُمْ عَلى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ. وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) . البروج ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ» «1» وَفِي الصّحِيحِ: أَنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (مَرَرْت بِمُوسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَهُوَ يُصَلّي فِي قَبْرِهِ «2» ) . أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ: وَحَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الثّامِرِ إنّمَا رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ مَوْقُوفًا عَلَى مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرظِيّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ نَجْرَانَ، لِيَصِلَ بِهِ حَدِيثَ فَيُمْؤُنّ، وَهُوَ حَدِيثُ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيب عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ: وَهُوَ يُخَالِفُ حَدِيثَ ابْنِ إسْحَاقَ فِي أَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ. قال: كان رسول الله- صلى الله

_ (1) هذا وما قبله لا يتفق لا مع النقل الصحيح، ولا مع العقل الصريح. إنما هو خرافات يراد بها ربط الناس بالموتى، لا بالحى القيوم، وحمم تجتاح الصحيح من الدين. (2) كان هذا ليلة الإسراء، وهى من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلا ففى نفس الحديث أنه لقيه فى السماء!!

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأُخْدُودُ: الْحَفْرُ الْمُسْتَطِيلُ فِي الْأَرْضِ، كَالْخَنْدَقِ وَالْجَدْوَلِ وَنَحْوِهِ، وَجَمْعُهُ: أَخَادِيدُ. قَالَ ذُو الرّمّةِ- وَاسْمُهُ: غَيْلَانُ بْنُ عُقْبَةَ، أَحَدُ بَنِي عَدِيّ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ أُدّ بن طابخة بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ. مِنْ الْعِرَاقِيّةِ اللّاتِي يحيل لها ... بين الغلاة وَبَيْنَ النّخْلِ أُخْدُودُ يَعْنِي: جَدْوَلًا. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ: وَيُقَالُ لِأَثَرِ السّيْفِ وَالسّكّينِ فِي الْجِلْدِ وَأَثَرِ السّوْطِ وَنَحْوِهِ: أُخْدُودٌ: وجمعه أخاديد. ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا حَدّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثًا تَقَدّمَ قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ يُحَدّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ. قَالَ: كَانَ مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ، وَكَانَ لِذَلِكَ الْمَلِكِ كَاهِنٌ «1» يَكْهُنُ لَهُ، فَقَالَ الْكَاهِنُ: اُنْظُرُوا لِي غُلَامًا فَهمَا أَوْ قَالَ: فَطِنًا لَقِنًا؛ فَأَعْلَمَهُ عِلْمِي هَذَا، فَإِنّي أَخَافُ أَنْ أَمَوْتَ؛ فَيَنْقَطِعُ مِنْكُمْ هَذَا الْعِلْمُ، وَلَا يَكُونُ فِيكُمْ مَنْ يَعْلَمُهُ قَالَ: فَنَظَرُوا لَهُ غُلَامًا عَلَى مَا وَصَفَ، فَأَمَرُوهُ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْكَاهِنُ وَأَنْ يَخْتَلِفَ إلَيْهِ، فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ، وَكَانَ عَلَى طَرِيقِ الْغُلَامِ رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَةٍ قَالَ مَعْمَرٌ: أَحْسَبُ أَنّ أَصْحَابَ الصّوَامِعِ يَوْمئِذٍ كَانُوا مُسْلِمِينَ «2» قَالَ: فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَسْأَلُ الرّاهِبَ كُلّمَا مَرّ بِهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتّى أَخْبَرَهُ، فَقَالَ: إنّمَا أَعْبُدُ اللهَ، قَالَ: فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَمْكُثُ عِنْدَ الرّاهِبِ، وَيُبْطِئُ عَلَى الْكَاهِنِ، فَأَرْسَلَ الْكَاهِنُ إلَى أَهْلِ الْغُلَامِ أَنّهُ لَا يَكَادُ يَحْضُرُنِي، فَأَخْبَرَ الْغُلَامُ الرّاهِبَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الرّاهِبُ: إذَا قَالَ لَك الْكَاهِنُ: أَيْنَ كُنْت، فَقُلْ: كُنْت عِنْدَ أَهْلِي، فَإِذَا قال

_ (1) فى رواية ساحر. (2) هذا تعبير دقيق؛ فكل من آمن بالله وبالرسول فهو مسلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَك: أَهْلُك: أَيْنَ كُنْت؟ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّك كُنْت عِنْدَ الْكَاهِنِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا الْغُلَامُ عَلَى ذَلِكَ إذْ مَرّ بِجَمَاعَةِ مِنْ النّاسِ كَثِيرٍ قَدْ حَبَسَتْهُمْ دَابّةٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنّ تِلْكَ الدّابّةَ كَانَتْ أَسَدًا، فَأَخَذَ الْغُلَامُ حَجَرًا، فَقَالَ: اللهُمّ إن كان ما يقول الراهب حقا فأسئلك أَنْ تَقْتُلَهُ، قَالَ: ثُمّ رَمَى، فَقَتَلَ الدّابّةَ، فَقَالَ النّاسُ: مَنْ قَتَلَهَا؟ فَقَالُوا: الْغُلَامُ، فَفَزِعَ النّاسُ، وَقَالُوا: لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ. قَالَ: فَسَمِعَ بِهِ أَعْمَى، فَقَالَ لَهُ: إنْ أَنْتَ رَدَدْت بَصَرِي فَلَك كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ لَهُ: لَا أُرِيدُ مِنْك هَذَا، وَلَكِنْ أَرَأَيْت إنْ رَجَعَ إلَيْك بَصَرُك أَتُؤْمِنُ بِاَلّذِي رَدّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا اللهَ، فَرَدّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ فَآمَنَ الْأَعْمَى، فَبَلَغَ الْمَلِكَ أَمْرُهُمْ، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ، فَأَتَى بِهِمْ، فَقَالَ: لَأَقْتُلَنّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قِتْلَةً لَا أَقْتُلُ بِهَا صَاحِبَهُ، فَأَمَرَ بِالرّاهِبِ وَبِالرّجُلِ الّذِي كَانَ أَعْمَى، فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ عَلَى مَفْرِقِ أَحَدِهِمَا فَقَتَلَهُ، ثُمّ قَتَلَ الْآخَرَ بِقِتْلَةِ أُخْرَى، ثُمّ أَمَرَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا بِهِ إلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَأَلْقُوهُ مِنْ رَأْسِهِ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إلَى ذَلِكَ الْجَبَلِ، فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الّذِي أَرَادُوا أَنْ يَلْقَوْهُ مِنْهُ، جَعَلُوا يَتَهَافَتُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَلِ، وَيَتَرَدّوْنَ مِنْهُ، حَتّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلّا الْغُلَامُ، قَالَ: ثُمّ رَجَعَ فَأَمَرَ بِهِ الْمَلِكَ أَنْ يَنْطَلِقُوا بِهِ إلَى الْبَحْرِ، فَيَلْقَوْنَهُ فِيهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى الْبَحْرِ، فَغَرّقَ اللهُ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، وَأَنْجَاهُ، فَقَالَ الْغُلَامُ لِلْمَلِكِ: إنّك لَا تَقْتُلُنِي حَتّى تَصْلُبَنِي وَتَرْمِيَنِي، وَتَقُولَ إذَا رَمَيْتنِي: «بِاسْمِ اللهِ رَبّ هَذَا الْغُلَامِ» قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ، فَصُلِبَ ثُمّ رَمَاهُ، فَقَالَ: بِاسْمِ اللهِ رَبّ هَذَا الْغُلَامِ، قال: فَوَضَعَ الْغُلَامُ يَدَهُ عَلَى صُدْغِهِ حِينَ رُمِيَ ثُمّ مَاتَ، فَقَالَ النّاسُ: لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ، فَإِنّا نُؤْمِنُ بِرَبّ هَذَا الْغُلَامِ، قَالَ: فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: أَجَزِعْت أَنّ خَالَفَك ثَلَاثَةً،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَهَذَا الْعَالَمُ كُلّهمْ قَدْ خَالَفُوك، قَالَ: فَخَدّ أَخُدُودًا «1» ، ثُمّ أَلْقَى فِيهِ الْحَطَبَ وَالنّارَ، ثُمّ جَمَعَ النّاسَ، فَقَالَ: مَنْ رَجَعَ عَنْ ذَنْبِهِ تَرَكْنَاهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ أَلْقَيْنَاهُ فِي هَذِهِ النّارِ، فَجَعَلَ يُلْقِيهِمْ فِي ذَلِكَ الْأُخْدُودِ. قَالَ: يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ- (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) حَتّى بَلَغَ: (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) : الْبُرُوجُ قَالَ: فَأَمّا الْغُلَامُ فَإِنّهُ دُفِنَ. قَالَ: فَيُذْكَرُ أَنّهُ أُخْرِجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَأُصْبُعُهُ عَلَى صُدْغِهِ، كَمَا وَضَعَهَا حِينَ قُتِلَ. رَوَاهُ التّرْمِذِيّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ هَدّابِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، ثُمّ اتّفَقَا عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيب غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنّ الْأَعْمَى الّذِي شُفِيَ، كَانَ جَلِيسًا لِلْمَلِكِ، وَأَنّهُ جَاءَهُ بَعْدَ مَا شُفِيَ، فَجَلَسَ مِنْ الْمَلِكِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فَقَالَ: مَنْ رَدّ عَلَيْك بَصَرَك، قَالَ: رَبّي، قَالَ: وَهَلْ لَك رَبّ غَيْرِي؟! فَقَالَ: اللهُ رَبّي وَرَبّك، فَأَمَرَ بِالْمِنْشَارِ، فَجُعِلَ عَلَى رَأْسِهِ حَتّى وَقَعَ شِقّاهُ، وَأَمَرَ بِالرّاهِبِ فَفُعِلَ بِهِ، مِثْلُ ذَلِكَ، وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ. قَالَ: فَأُتِيَ بِامْرَأَةِ لِتُلْقَى فِي النّارِ، وَمَعَهَا صَبِيّ يَرْضَعُ فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمّهْ لَا تَجْزَعِي، فَإِنّك عَلَى الْحَقّ، وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنّ الْغُلَامَ الرّضِيعَ كَانَ مِنْ سبعة أشهر «2» .

_ (1) خد: شق، والأخدود: شق فى الأرض مستطيل غائص. جمعه: أخاديد وقد شرحه ابن هشام. (2) ورواه أحمد أيضا. وقد قال الحافظ المزى عن سياق القصة: يحتمل أن يكون من كلام صهيب الرومى، فإنه كان عنده علم من أخبار النصارى، وقد ذكر السدى: كانت الأخدود ثلاثة، خد بالعراق، وخد بالشام، وخد باليمن، -

"مصير عبد الله بن الثامر":

[ «مصير عبد الله بن الثامر» :] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُقَالُ: كَانَ فِيمَنْ قَتَلَ ذُو نُوَاسٍ، عَبْدُ اللهِ بْنُ الثّامِرِ رأسهم وإمامهم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنّهُ حُدّثَ: أَنّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حَفَرَ خَرِبَةً مِنْ خَرِبِ نَجْرَانَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَوَجَدُوا عَبْدَ اللهِ بْنَ الثّامِرِ تَحْتَ دَفْنٍ مِنْهَا قَاعِدًا، وَاضِعًا يَدَهُ على ضربة فى رأسه، ممسكا عليها بيده، فَإِذَا أُخّرَتْ يَدُهُ عَنْهَا تَنْبَعِثُ دَمًا، وَإِذَا أُرْسِلَتْ يَدُهُ رَدّهَا عَلَيْهَا، فَأَمْسَكَتْ دَمُهَا، وَفِي يده خاتم مكتوب فيه: «رَبّي اللهُ» فَكُتِبَ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ يُخْبَرُ بِأَمْرِهِ، فَكَتَبَ إلَيْهِمْ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنْ أَقِرّوهُ عَلَى حَالِهِ وَرُدّوا عليه الدفن الذى كان عليه، ففعلوا. ـــــــــــــــــــــــــــــ (حَدِيثُ الْحَبَشَةِ «1» ) وَذَكَرَ فِيهِ دَوْسًا ذَا ثَعْلَبَانِ الّذِي أَتَى قَيْصَرَ. وَدَوْسٌ: هُوَ ابْنُ تُبّعٍ الّذِي قَتَلَهُ أَخُوهُ، قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غير رواية ابن هشام.

_ - رواه ابن أبى حاتم، وعن مقاتل: إنها واحدة بنجران باليمن، والأخرى بالشام، والأخرى بفارس حرقوا بالنار، أما التى بالشام فهو أنطنايوس الرومى، وأما التى بفارس فهو بختنصر، وأما التى بأرض العرب، فهو يوسف ذو نواس، فأما التى بفارس والشام فلم ينزل الله تعالى فيهم قرآنا، وأنزل فى التى كانت بنجران (1) الحبش عند بعض المؤرخين الأوربيين هم سكان حبشت فى العربية الجنوبية، وهم فرع من شعب قديم كان يسكن جزيرة العرب اسمه: بوين، وهو-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ فِيهِ قَيْصَرَ وَكِتَابَهُ لَلنّجَاشِيّ. وَقَيْصَرُ اسْمُ عَلَمٍ لِكُلّ مَنْ وَلِيَ الرّومَ وَتَفْسِيرُهُ بِلِسَانِهِمْ: الْبُقَيْرُ الّذِي بُقِرَ بَطْنُ أُمّهِ عَنْهُ «1» ، وَكَانَ أَوّلُ مَنْ تَسَمّى بِهِ بُقَيْرًا، فَلَمّا مُلّكَ وَعُرِفَ بِهِ، تَسَمّى بِهِ كُلّ مَنْ مُلّكَ بَعْدَهُ. قَالَهُ الْمَسْعُودِيّ. وَإِنّمَا كَتَبَ بِذَلِكَ إلَى النّجَاشِيّ؛ لِأَنّهُ عَلَى دِينِهِ، وَكَانَ أَقْرَبَ إلَى الْيَمَنِ مِنْهُ، وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ ذَا نُوَاسٍ أُدْخِلَ الْحَبَشَةَ صَنْعَاءَ الْيَمَنِ، حِينَ رَأَى أَنْ لَا قِبَلَ لَهُ بِهِمْ، بَعْدَ أَنْ اسْتَنْفَرَ جَمِيعَ الْمَقَاوِلِ، لِيَكُونُوا مَعَهُ يَدًا وَاحِدَةً عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إلّا أَنْ يُحْمَى كُلّ واحد منهم حورته عَلَى حِدَتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ وَمَعَهُ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِهِ وَأَمْوَالُهُ، عَلَى أَنْ يُسَالِمُوهُ وَمَنْ مَعَهُ، وَلَا يَقْتُلُوا أَحَدًا فَكَتَبُوا إلَى النّجَاشِيّ بِذَلِكَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَدَخَلُوا صَنْعَاءَ وَدَفَعَ إلَيْهِمْ الْمَفَاتِيحَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْبِضُوا مَا فِي بِلَادِهِ مِنْ خَزَائِنِ أَمْوَالِهِ، ثُمّ كَتَبَ هُوَ إلَى كُلّ مَوْضِعٍ مِنْ أَرْضِهِ: أَنْ اُقْتُلُوا كُلّ ثَوْرٍ أَسْوَدَ، فَقُتِلَ أَكْثَرُ الْحَبَشَةِ، فَلَمّا بلغ

_ - شعب لا يعرف من أمره شئ يذكر. ويرى هؤلاء أن الحبشة فى الأصل هى أرضون فى جنوب الجزيرة على الساحل فى شرق حضرموت، منها هاجر أهل حبشة على رأيهم إلى إفريقية. حتى أطلقت كلمة حبشة على الأرض التى أطلق عليها اسم أثيوبية: «أثيوبية عند اليونان: الوجه المحترق» أى أطلقت على البلاد الواقعة جنوب مصر، وعلى سواحل إفريقية الواقعة على البحر الأحمر والمحيط الهندى، وأطلقت على العربية الجنوبية وهى تقابل كلمة كوش فى التوراة. ص 150 ج 3 تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على. (1) فى المروج «بقر» بدلا من بقير. ثم يفسرها بقوله: «أى شق عنه وذلك أن أمه ماتت، وهى حامل، فشق بطنها، فكان هذا الملك يفتخر فى وقته بأن النساء لم تلده، وكذلك من حدث بعده» ج 1 309 ويطلق على هذا النوع من الولادة حتى الآن القيصرية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَلِكَ النّجَاشِيّ وَجّهَ جَيْشًا إلَى أَبْرَهَةَ، وَعَلَيْهِمْ أرياط وأمره أن يقتل ذانواس، وَيُخَرّبَ ثُلُثَ بِلَادِهِ، وَيَقْتُلُ ثُلُثَ الرّجَالِ، وَيَسْبِي ثُلُثَ النّسَاءِ وَالذّرّيّةِ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ. وَأَبْرَهَةُ بِالْحَبَشَةِ: هُوَ الْأَبْيَضُ الْوَجْهِ، وَفِي هَذَا قُوّةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنّ أَبْرَهَةَ هَذَا هُوَ أَبْرَهَةُ بْنُ الصّبَاحِ الْحِمْيَرِيّ! وَلَيْسَ بِأَبِي يكْسوم الْحَبَشِيّ، وَإِنّ الْحَبَشَةَ كَانُوا قَدْ أَمّرُوا أَبْرَهَةَ بْنَ الصّبَاحِ «1» عَلَى الْيَمَنِ، وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ ابن سلام فى تفسيره، واقتحم ذونواس الْبَحْرَ، فَهَلَكَ وَقَامَ بِأَمْرِهِ مِنْ بَعْدَهُ ذُو جَدَن، وَاسْمُهُ: عَلَسُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو سُبَيْع «2» بْنِ الْحَارِثِ، وَالْجَدَنُ: حُسْنُ الصّوْتِ، يُقَالُ: إنّهُ أَوّلُ مَنْ أَظَهَرَ الْغِنَاءَ بِالْيَمَنِ فَسُمّيَ بِهِ، وَجَدَنُ أَيْضًا: مَفَازَةٌ بِالْيَمَنِ، زَعَمَ الْبَكْرِيّ أَنّ ذَا جَدَن إلَيْهَا يُنْسَبُ، فَحَارَبَ الْحَبَشَةَ بَعْدَ ذِي نُوَاسٍ فَكَسَرُوا جُنْدَهُ، وَغَلَبُوهُ عَلَى أَمْرِهِ، فَفَرّ إلَى الْبَحْرِ كَمَا فَعَلَ ذُو نُوَاسٍ، فَهَلَكَ فِيهِ، وَذَكَرُوا سَبَبَ مُنَازَعَةِ أَبْرَهَةَ لِأَرْيَاطٍ، وَأَنّ ذَلِكَ إنّمَا كَانَ، لِأَنّ أَبْرَهَةَ بَلّغَ النّجَاشِيّ أَنّهُ اسْتَبَدّ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُرْسِلْ إلَيْهِ مِنْ جِبَايَةِ الْيَمَنِ شَيْئًا، فَوَجّهَ أَرْيَاطًا إلَى خَلْعِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ دَعَاهُ أَبْرَهَةُ إلَى الْمُبَارَزَةِ- كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ- وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ عتودة الغلام «3» الذى قتل

_ (1) أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة بن مدثر. وكان يلقب بذى المنار ابن الصعب، والأكثرون على أنه أبو يكسوم الحبشى. واسم النجاشى الذى غزا الحبشة «الإعميدا» وكان وثنيا، ولهذا يرجح أن غزوه للحبشة كان لأسباب اقتصادية لا دينية، ويقال إن الغزو كان سنة 345 بعد الميلاد ص 149 تاريخ العرب لجواد على. (2) فى القاموس «علس بن يشرح- بفتح الياء والراء- ابن الحارث» وفى القاموس أيضا ما ذكر عنه. (3) ص 129 ح 2 الطبرى

أمر دوس ذى ثعلبان، وابتداء ملك الحبشة وذكر أرياط المستولى على اليمن

[أَمْرُ دَوْسِ ذِي ثَعْلَبَانَ، وَابْتِدَاءُ مُلْكِ الْحَبَشَةِ وذكر أرياط المستولى على اليمن] «دوس يستنصر بِقَيْصَرَ» : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ سَبَأٍ، يُقَالُ لَهُ دَوْسُ ذُو ثَعْلَبَانَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَسَلَكَ الرّمْلَ فَأَعْجَزَهُمْ، فَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ، حَتّى أَتَى قَيْصَرَ مَلِكَ الرّومِ، فَاسْتَنْصَرَهُ عَلَى ذِي نُوَاسٍ وَجُنُودِهِ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا بَلَغَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ. بَعُدَتْ بِلَادُك منّا، ولكن سَأَكْتُبُ لَك إلَى مَلِكِ الْحَبَشَةِ فَإِنّهُ عَلَى هَذَا الدّينِ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى بِلَادِك، وَكَتَبَ إليه يأمره بنصره والطلب بثأره. ـــــــــــــــــــــــــــــ أَرْيَاطًا. وَالْعَتْوَدَةُ: الشّدّةُ، وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِهِ أَرْيَجْدَةُ «1» . قَالَ لَهُ أَبْرَهَةُ: احْتَكِمْ عَلَيّ، قَالَ: أَحْتَكِمُ: أَنْ لَا تَزِفّ امْرَأَةً إلَى بَعْلِهَا، حَتّى أَكُونَ أَنَا الّذِي أَبَدَأَ بِهَا قَبْلَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ، وَغَبَرَ الْعَبْدُ زَمَانًا يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَلَمّا اشْتَدّ الْغَيْظُ بِأَهْلِ الْيَمَنِ، قَتَلُوا عَتْوَدة غِيلَةً، فَقَالَ لَهُمْ الْمَلِكُ: قَدْ أَنّى لَكُمْ يَأْهَلَ الْيَمَنِ أَنْ تَفْعَلُوا فِعْلَ الْأَحْرَارِ، وَأَنْ تَغْضَبُوا لَحَرَمَكُمْ، وَلَوْ عَلِمْت أَنّ هَذَا الْعَبْدَ يَسْأَلُنِي هَذَا الّذِي سَأَلَ مَا حَكّمْته، وَلَكِنْ وَاَللهِ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِيهِ دِيَةٌ، ولا تطلبون بذحل «2» ، وَحَيْثُمَا وَقَعَ اسْمُ أرْياط فِي رِوَايَةِ يُونُسَ، لَمْ يُسَمّهِ بِهَذَا الِاسْمِ، إنّمَا سَمّاهُ رَوْزَنَةً أو نحو هذا.

_ (1) فى الطبرى أرنجدة، وهو فى رواية هشام بن محمد. (2) الحقد والثأر وبسكون الحاء فيجمع على ذحول، وبفتحها فيجمع على أذحال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ سَيْفَ بْنَ ذِي يَزَنَ لَمّا فَعَلَ ذُو نُوَاسٍ بِالْحَبَشَةِ مَا فَعَلَ، ثُمّ ظَفَرُوا بِهِ بَعَثَ عَظِيمُهُمْ «1» إلَى أَبِي مُرّةَ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ، فَانْتَزَعَ مِنْهُ رَيْحَانَةَ بِنْتَ عَلْقَمَةَ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ مَعْدِي كَرِب. فَمَلَكَهَا أَبْرَهَةُ. وَأَوْلَدَهَا مَسْرُوقَ بْنَ أَبْرَهَةَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَجّهَ سَيْفٌ إلَى كِسْرَى أَنُوشِرْوَانَ يَطْلُبُ مِنْهُ الْغَوْثَ عَلَى الْحَبَشَةِ، فَوَعَدَهُ بِذَلِكَ وَأَقَامَ عِنْدَهُ سِنِينَ، ثُمّ مَاتَ وَخَلّفَهُ ابْنه مَعْدِي كَرِب فِي طَلَبِ الثّأْرِ، فَأَدْخَلَ عَلَى كِسْرَى، فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ يَطْلُبُ إرْثَ أَبِيهِ، وَهُوَ وَعْدُ الْمَلِكِ الّذِي وَعَدَ بِهِ، فَسَأَلَ عَنْهُ كِسْرَى: أَهُوَ مِنْ بَيْتِ مَمْلَكَةٍ أَمْ لَا؟ فَأُخْبِرَ أَنّهُ مِنْ بَيْتِ مُلْكٍ فَوَجّهَ مَعَهُ وَهْرَزَ الْفَارِسَ فِي سَبْعَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةِ مِنْ الْفُرْسِ، وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فِي ثَمَانِمِائَةِ غَرِقَ مِنْهُمْ مِائَتَانِ، وَسَلِمَ سِتّمِائَةٍ، وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ قَوْلُ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصّوَابِ، إذْ يَبْعُدُ مُقَاوَمَةُ الْحَبَشَةِ بِسِتّمِائَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَمَعَ إلَيْهِمْ مِنْ الْعَرَبِ- كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ- ما جمع. ثم إن معد يكرب ابن سَيْفٍ لَمّا قَتَلَ الْحَبَشَةَ وَمَلَكَ هُوَ وَوَهْرَزَ الْيَمَنَ أَقَامَ فِي ذَلِكَ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِينَ. ثُمّ قَتَلَتْهُ عَبِيدٌ لَهُ، كَانَ قَدْ اتّخَذَهُمْ مِنْ أُولَئِكَ الْحَبَشَةِ، خَرَجَ بِهِمْ إلَى الصّيْدِ فَزَرَقُوهُ «2» بِحِرَابِهِمْ، ثُمّ هَرَبُوا فَأُتْبِعُوا فَقُتِلُوا. وَتَفَرّقَ أَمْرُ الْيَمَنِ بَعْدَهُ إلَى مَخَالِف عَلَيْهَا مُقَاوِلٌ كَمُلُوكِ الطّوَائِفِ لَا يَدِينُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ إلّا مَا كَانَ مِنْ صَنْعَاءَ، وَكَوْنُ الْأَبْنَاءِ «3» فِيهَا، حتى جاء الإسلام.

_ (1) ص 136 ح 2 الطبرى. واسم العظيم: أبرهة فهو الذى انتزع امرأة سيف بن ذى يزن الذى كان يكنى بأبى مرة. (2) طعنوه. (3) المخالف: جمع مخلاف وهو الكورة- بضم الكاف- المدينة أو الصقع وهو-

"هزيمة ذى نواس وانتحاره":

[ «هزيمة ذى نواس وانتحاره» :] فَقَدِمَ دَوْسٌ عَلَى النّجَاشِيّ بِكِتَابِ قَيْصَرَ، فَبَعَثَ مَعَهُ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ الْحَبَشَةِ، وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: أَرْيَاط- وَمَعَهُ فِي جُنْدِهِ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ- فَرَكِبَ أَرْيَاط الْبَحْرَ حَتّى نَزَلَ بِسَاحِلِ الْيَمَنِ، وَمَعَهُ دَوْسٌ ذُو ثَعْلَبَانَ وَسَارَ إلَيْهِ ذُو نُوَاسٍ فِي حِمْيَرَ، وَمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، فَلَمّا الْتَقَوْا انْهَزَمَ ذُو نُوَاسٍ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمّا رَأَى ذُو نُوَاسٍ مَا نَزَلَ بِهِ وَبِقَوْمِهِ، وَجّهَ فَرَسَهُ فِي الْبَحْرِ، ثُمّ ضَرَبَهُ، فَدَخَلَ بِهِ فَخَاضَ بِهِ ضَحْضَاحَ الْبَحْرِ، حَتّى أَفْضَى بِهِ إلَى غَمْرِهِ، فَأَدْخَلَهُ فِيهِ، وَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ. وَدَخَلَ أرياط اليمن، فملكها. ـــــــــــــــــــــــــــــ فَصْلٌ: وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ هِشَامٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى الْأُخْدُودِ بِبَيْتِ ذِي الرّمّةِ، وَهُوَ: غَيْلَانُ بْنُ عُقْبَةُ بْنِ بُهَيْش بِضَمّ الْبَاءِ وَالشّينِ، وَسُمّيَ ذَا الرّمّةِ بِبَيْتِ قَالَهُ فِي الْوَتَدِ: أَشْعَثَ بَاقِي رُمّةِ التّقْلِيدِ «1» . وَقِيلَ إنّ مَيّةَ سمته بذلك، وكان

_ - ما يشبه المحافظة فى مصر، وهى مضافة إلى أسماء القبائل التى يسكنونها، وغير ذلك، وقد ورد فى المراصد أسماء أكثر من ثلاثين منها. هذا ويقول محمد بن حبيب فى كتاب أسماء من قتل من الشعراء: «وكل بنى صعصعة إلا عامر بن صعصعة من الأبناء، وهم: واثلة ومازن وسلوى» ص 336 ج 4 خزانة الأدب للبغدادى والأبناء قوم من العجم سكنوا اليمن. (1) الرمة بضم الراء وتشديد الميم وفتحها وقد تكسر الراء: قطعة من الحبل بالية. وقد ورد قوله فى اللسان، وفى القاموس: «بهيش كزبير جد ذى الرمة، وفى سمط اللآلى «نهيس، وفى الأغانى نهيس انظر ص 82 سمط اللآلى وفى السمط تبدأ الأبيات بقوله: لم يبق غير مثل ركود ... وغير مرضوح القفا موتود وقوله فى اللسان هكذا: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَدْ قَالَ لَهَا: اُصْلُحِي لِي هَذَا الدّلْوَ، فَقَالَتْ لَهُ: إنّي خَرْقَاءُ، فَوَلّى وَهِيَ عَلَى عُنُقِهِ بِرُمّتِهَا، فَنَادَتْهُ: يَا ذَا الرّمّةِ إنْ كُنْت خَرْقَاءَ فَإِنّ لِي أُمّةٌ صُنّاعًا؛ فَلِذَلِكَ سَمّاهَا بِخَرْقَاءَ «1» ، كَمَا سَمّتْهُ بِذِي الرّمّةِ. فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: فَخَاضَ ضَحْضَاحَ الْبَحْرِ إلَى غِمْرِهِ. الضّحْضَاحُ من الماء: الذى يظهر منه الْقَعْرُ، وَكَانَ أَصْلُهُ مِنْ الضّحّ وَهُوَ حَرّ الشّمْسِ، كَأَنّ الشّمْسَ تُدَاخِلُهُ لِقِلّتِهِ، فَقُلِبَتْ فِيهِ إحْدَى الْحَاءَيْنِ ضَادًا، كَمَا قَالُوا فِي ثَرّةٍ ثر ثارة، وفى تملّل تململ «2»

_ - لم يبق منها أبد الأبيد ... غير ثلاث ما ثلاث سود وغير مشجوج القفا مولود ... فيه بقايا رمة التقليد يعنى ما بقى فى رأس الوتد من رمة الطنب المعقود فيه. والشطرة الأولى تروى هكذا «وغير موضوح القفا موتود» ومية حبيبته هى بنت مقاتل بن طلبة ابن قيس، أو بنت عاصم بن طلبة بن قيس «الوفيات السمط» . (1) فى القاموس: «خرقاء: امرأة سوداء كانت تقم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضى عنها، وامرأة من بنى البكاء شبب بها ذو الرمة» والخرقاء. الحمقاء، ومن لا تحسن الصنعة والعمل والتصرف فى الأمور. والصناع: الحاذقة الماهرة، ويقول ابن قتيبة عن الخرقاء إنها التى لا تعمل شيئا بيدها لكرامتها على أهلها، وقيل فى سبب تلقيبه بذى الرمة أنه كان يتفزع، وهو غلام، فجاءته أمه بمن كتب له كتابا، وعلقته عليه برمة من حبل، ويزعم المرتضى فى أماليه أنه كان من أهل العدل، أى: المعتزلة انظر ص 74 ج 1 خزانة الأدب للبغدادى ص 14 ج 1 أمالى المرتضى طبع السعادة. (2) ثر السائل ثرا وثرورا: غزر وكثر، وثر الرجل: كثر كلامه وتشدق، فهو ثار وثر. والثرثار: الذى يكثر الكلام فى تكلف وخروج عن الجد. مللت منه مللا من باب تعب وملالة: سئمت وضجرت وتململ: تقلب من الضجر.

"ما قيل من شعر فى دوس":

[ «ما قيل من شعر فى دوس» :] فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ- وَهُوَ يَذْكُرُ مَا سَاقَ إلَيْهِمْ دَوْسٌ مِنْ أَمْرِ الْحَبَشَةِ «لَا كَدَوْسٍ وَلَا كَأَعْلَاقِ رَحْلِهِ» فَهِيَ مَثَلٌ بِالْيَمَنِ إلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَقَالَ ذُو جَدَن الْحِمْيَرِيّ: هَوْنكِ لَيْسَ يَرُدّ الدّمْعُ مَا فَاتَا ... لَا تَهْلِكِي أَسَفًا فِي إثْرِ مَنْ مَاتَا أَبَعْدَ بَيْنَونَ لَا عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ ... وَبَعْدَ سلحين يبنى النّاس أبياتا ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيّينَ مِنْ النّحْوِيّينَ، وَلَسْت أَعْرِفُ أَصْلًا يَدْفَعُهُ، وَلَا دَلِيلًا يَرُدّهُ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: الرّقْرَاقُ وَالضّهْلُ «1» ، وَقَدْ يُسْتَعَارُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ، كَقَوْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ سُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: «هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ النّارِ، وَلَوْلَا مَكَانِي لَكَانَ فِي الطّمْطَامِ» وَفِي الْبُخَارِيّ: وَجَدْته فِي غَمْرَةٍ مِنْ النّارِ، فَأَخْرَجْته إلَى الضّحْضَاحِ، وَالْغَمْرُ هُوَ الطّمْطَامُ، وَأَمّا قَوْلُ ذِي جَدَنٍ: هونك لن يَرُدّ الدّمْعَ مَا فَاتَا وَهَكَذَا رُوِيَ هَذَا الْقَسِيمُ نَاقِصًا قَالَهُ الْبَرْقِيّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ: هو نكما لن يَرُدّ. قَالَ. وَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِ الْعَرَبِ لِلْوَاحِدِ: افْعَلَا، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْكَلَامِ.

_ (1) الضهل أو الضحل: الماء القليل واللبن المجتمع، والضحضاح: الماء اليسير، والطمطام: وسط البحر. أقول: ولن يستطيع الإنس والجن والملائكة إخراج واحد من النار إلا بأمر الله فيجب علينا أن يكون إيماننا بهذه الحقيقة منارا لنا ونحن نقرأ حديث البخارى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهِ: أَبَعْدَ بَيْنَونَ لَا عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ ... وَبَعْدَ سَلْحِينَ يَبْنِي النّاسُ أَبْيَاتًا «1» فَبَيْنُونُ وَسَلْحِينُ مَدِينَتَانِ خَرّبَهُمَا أَرْيَاطٌ كَمَا ذَكَرَ. قَالَ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ «مُعْجَمِ مَا اسْتَعْجَمَ» : سُمّيَتْ بَيْنُونَ لِأَنّهَا كَانَتْ بَيْنَ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ، فَهِيَ إذًا عَلَى قَوْلِهِ: فَعْلُونَ مِنْ الْبَيْنِ، وَالْيَاءُ أَصْلِيّةٌ، وَقِيَاسُ النّحْوِيّينَ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا؛ لِأَنّ الْإِعْرَابَ إذَا كَانَ فِي النّونِ لَزِمَتْ الِاسْمَ الْيَاءُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، كَقِنّسْرِينَ «2» وَفِلَسْطِينَ أَلَا تَرَى كَيْفَ قَالَ فِي آخِرِ الْبَيْتِ: وَبَعْدَ سَلْحِينَ، فَكَذَلِكَ كَانَ الْقِيَاسُ، أَنْ يَقُولَ عَلَى هَذَا: أَبَعْدَ بَيْنِينَ، وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ الْعَرَبِ بِالْوَاوِ فِي الرّفْعِ، وَبِالْيَاءِ فِي الْخَفْضِ، وَالنّصْبِ. يَقُولُ أَيْضًا: أَبَعْدَ بَيْنِينَ، وَلَيْسَ لِلْعَرَبِ فيه مذهب ثالث «3» فثبت أنه ليس

_ (1) ينسب هذا البيت والذى قبله إلى علقمة بن شراحيل مع اختلاف يسير فى أول شطرة. ففى اللسان «هو نكما، لا تهلكا» وفى غيره «يا خلتى ما يرد الخ» وفى البلدان للهمدانى «وبعد سلحين يبنى الناس بنيانا» وفى معجم البكرى تحت مادتها أن بينون سميت باسم بينون بن ميناف بن شرحبيل ابن نيكف بن عبد شمس، وذكر أنها على وزن فعلول. (2) قنسرين: مدينة بينها وبين حلب مرحلة، وحين غلب الروم سنة 351 خاف أهل قنسرين، وجلوا عنها، فلم يبق منها سوى خان تنزله القوافل «مراصد» . (3) فى اللسان عن سيلحون: منهم من يجعل الإعراب فى النون ومنهم من يجريها مجرى مسلمين، والعامة تقول: سالحون. الليث: سيلحين: موضع: يقال: هذه سيلحون، وهذه سيلحين «بضم النون» .. وأكثر ما يقال هذه سيلحون مفتوحة النون» كجمع المذكر السالم فى الإعراب» ورأيت-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ الْبَيْنِ، إنّمَا هُوَ فَيْعُولٌ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ مِنْ أَبَنّ بِالْمَكَانِ، وَبَنّ إذَا أَقَامَ فِيهِ، لَكِنّهُ لَا يَنْصَرِفُ لِلتّعْرِيفِ وَالتّأْنِيثِ، غَيْرَ أَنّ أَبَا سَعِيدٍ السّيْرَافِيّ ذَكَرَ وَجْهًا ثَالِثًا لِلْعَرَبِ فِي تَسْمِيَةِ الِاسْمِ بِالْجَمْعِ الْمُسْلِمِ، فَأَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْإِعْرَابُ فِي النّونِ، وَتَثْبُتُ الْوَاوُ، وَقَالَ فِي زَيْتُونٍ: إنّهُ فَعْلُونٌ مِنْ الزّيْتِ، وَأَجَازَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنّيّ أَنْ يَكُونَ الزّيْتُونُ فَيْعُولًا مِنْ الزّيْتِ، وَلَكِنْ مِنْ قَوْلِهِمْ زَتَنَ الْمَكَانُ إذَا أَنْبَتَ الزّيْتُونُ، فَإِنْ صَحّتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْ الْعَرَبِ، وَإِلّا فَالظّاهِرُ أَنّهُ مِنْ الزّيْتِ، وَأَنّهُ فَعْلُونٌ، وَقَدْ كَثُرَ هَذَا فِي كَلَامِ النّاسِ غَيْرَ أَنّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقُدَمَاءِ، فَفِي الْمَعْرُوفِينَ مِنْ أَسْمَاءِ النّاسِ: سُحْنُونٌ وَعَبْدُونٌ قَالَ الشّاعِرُ- وَهُوَ ابْنُ الْمُعْتَزّ: سَقَى الْجَزِيرَةَ ذَاتَ الظّلّ وَالشّجَرِ ... وَدَيْرَ عَبْدُونَ هَطّالٌ مِنْ الْمَطَرِ وَدَيْرُ عَبْدُونَ مَعْرُوفٌ بِالشّامِ، وَكَذَلِك دَيْرُ فَيْنُونَ غَيْرَ أَنّ فَيْنُونَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَيْعُولًا، فَلَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، كَمَا قُلْنَا فِي بَيْنُونَ «1» ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ.

_ - سيلحين، وكذلك: هذه قنسرون، ورأيت قنسرين» ويزعم الهمدانى أن الذى بنى سلحين هم جن سليمان، وورد فى النصوص القديمة أنه حصن ومقام لملوك مأرب، ويقال إن موضعه هو حرم بلقيس انظر ص 148 ج 3 تاريخ العرب قبل الإسلام. (1) فى اللسان فى مادة زتن عن الزيتون «وهو مثل: قيعون من القاع، كذلك الزيتون: شجر الزيت وهو الدهن، وأرض كثيرة الزيتون على هذا فيعول مادة على حيالها، والأكثر فعلون من الزيت. ودير عبدون كما فى معجم البكرى- بالعراق بظاهر المطيرة فى ثمر وبساتين، وفى المراصد أنه ينسب إلى عبدون أخى صاعد بن مخلد؛ لأنه كان كثير الإلمام به، ودير عبدون أيضا قرب جزيرة ابن عمر-

بَيْنُون وَسِلْحِين وَغُمْدَان: مِنْ حُصُونِ الْيَمَنِ الّتِي هَدَمَهَا أَرْيَاط، وَلَمْ يَكُنْ فِي النّاسِ مِثْلُهَا. وقال ذو جدن أيضا: دعينى- لا أبالك- لن تطيقى ... لِحَاكِ اللهُ! قَدْ أَنْزَفْتِ رِيقِي لَدَيّ عَزْفُ الْقِيَانِ إذْ انْتَشَيْنَا ... وَإِذْ نُسْقَى مِنْ الْخَمْرِ الرّحِيق وَشُرْبُ الْخَمْرِ لَيْسَ عَلَيّ عَارًا ... إذَا لَمْ يَشْكُنِي فِيهَا رَفِيقِي فَإِنّ الْمَوْتَ لَا يَنْهَاهُ نَاهٍ ... وَلَوْ شَرِبَ الشّفَاءَ مَعَ النّشُوقِ وَلَا مُتَرَهّبٍ فِي أُسطوان ... يُنَاطِحُ جُدْرَهُ بَيْضُ الْأَنُوقِ وغُمْدان الّذِي حُدّثْتِ عَنْهُ ... بَنَوْهُ مُسَمّكا فِي رَأْسِ نِيق بِمَنْهَمَةِ، وَأَسْفَلُهُ جُرُونٌ ... وَحُرّ الْمَوْحَلِ اللّثَق الزّلِيق مَصَابِيحُ السّلِيطِ تَلُوحُ فِيهِ ... إذَا يُمْسِي كَتَوْماض الْبُرُوقِ وَنَخْلَتُهُ الّتِي غُرِسَتْ إليه ... يكاد البسر يَهْصِرُ بِالْعُذُوقِ فَأَصْبَحَ بَعْدَ جِدّتِهِ رَمَادًا ... وَغَيّرَ حُسْنَهُ لَهَبُ الْحَرِيقِ وَأَسْلَمَ ذُو نُوَاسٍ مُسْتَكِينًا ... وحذّر قومه ضنك المضيق ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا حَلَزُونٌ- وَهُوَ دُودٌ يَكُونُ بِالْعُشْبِ، وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الرّمَثِ- فَلَيْسَ مِنْ بَابِ فلسطين وقنّسر بن، وَلَكِنّ النّونَ فِيهِ أَصْلِيّةٌ، كَزَرَجُونَ «1» ، وَلِذَلِكَ أَدْخَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي بَابِ فَعْلُونٍ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ صاحب كتاب

_ - وبينهما دجلة، ودير فنيون هو: فشيون فى معجم البكرى والمراصد ومعجم ياقوت. وفى المسالك للعمرى: فاثيون، وهو بسر من رأى. وكم كان لهذه الأديار من خطر على خلق المسلمين ودينهم. (1) الرمث: مرعى للابل من الحمض «فتح فسكون» والزّرجون: الخمر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْعَيْنِ أَدْخَلَهُ فِي بَابِ الرّبَاعِيّ، فَدَلّ عَلَى أَنّ النّونَ عِنْدَهُ فِيهِ أَصْلِيّةٌ وَأَنّهُ فَعَلُولٌ بِلَامَيْنِ. وَقَوْلُ ذِي جَدَنٍ: وَبَعْدَ سَلْحِينَ يُقْطَعُ عَلَى أَنّ بَيْنُونَ: فَيْعُولٌ عَلَى كُلّ حَالٍ؛ لِأَنّ الّذِي ذَكَرَهُ السّيْرَافِيّ مِنْ الْمَذْهَبِ الثّالِثِ إنْ صَحّ، فَإِنّمَا هِيَ لُغَةٌ أُخْرَى غَيْرُ لُغَةِ ذِي جَدَنٍ «1» الْحِمْيَرِيّ، إذْ لَوْ كَانَ مِنْ لُغَتِهِ، لَقَالَ: سَلْحُونٌ، وَأَعْرَبَ النّونَ مَعَ بَقَاءِ الْوَاوِ، فَلَمّا لَمْ يَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنّ الْمُعْتَقَدَ عِنْدَهُمْ فِي بَيْنُونَ: زِيَادَةُ الْيَاءِ، وَأَنّ النّونَيْنِ أَصْلِيّتَانِ كَمَا تَقَدّمَ. وَقَوْلُهُ: دَعِينِي- لَا أبالك- لَنْ تُطِيقِي أَيْ: لَنْ تُطِيقِي صَرْفِي بِالْعَذْلِ عَنْ شَأْنِي، وَحَذَفَ النّونَ مِنْ تُطِيقِينَ لِلنّصْبِ أَوْ لِلْجَزْمِ عَلَى لُغَةِ مَنْ جَزَمَ بِلَنْ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ لُغَتِهِ، وَالْيَاءُ الّتِي بَعْدَ الْقَافِ: اسْمٌ مُضْمَرٌ فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، وَحَرْفُ عَلَامَةِ تَأْنِيثٍ فِي قَوْلِ الْأَخْفَشِ، وَلِلْحُجّةِ لَهُمَا، وَعَلَيْهِمَا مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا. وَقَوْلُهُ: قَدْ أَنْزَفْتِ رِيقِي أَيْ: أَكْثَرْت عَلَيّ مِنْ الْعَذْلِ حَتّى أَيْبَسْتِ رِيقِي فِي فَمِي، وَقِلّةُ الرّيقِ مِنْ الْحَصَرِ، وَكَثْرَتُهُ مِنْ قُوّةِ النّفْسِ، وَثَبَاتِ الْجَأْشِ قَالَ الرّاجِزُ: إنّي إذَا زَبّبَتْ الْأَشْدَاقُ ... وكثر اللّجاج واللّقلاق

_ (1) لقب بهذا لحسن صوته، والجدن: الصوت بلغتهم، ويقال: إنه أول من تغنى باليمن، واسم سيفه: ذو الكف.

وَقَالَ ابْنُ الذّئْبَةِ الثّقَفِيّ فِي ذَلِكَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الذّئْبَةُ أُمّهُ، وَاسْمُهُ: رَبِيعَةُ بْنُ عبد يا ليل بْنِ سَالِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُطَيْطِ بْنِ جشم بن قسىّ. لَعَمْرك مَا لِلْفَتَى مِنْ مَفَرّ ... مَعَ الْمَوْتِ يَلْحَقُهُ والكِبَرْ لَعُمْرك مَا لِلْفَتَى صُحْرَة ... لَعُمْرك مَا إنْ لَهُ مِنْ وَزَرْ أَبَعْدَ قَبَائِلَ مِنْ حِمْيَرَ ... أُبِيدُوا صَبَاحًا بِذَاتِ الْعَبَرْ بِأَلْفِ أُلُوفٍ وحُرّابة ... كَمِثْلِ السّمَاءِ قُبَيْلَ الْمَطَرْ يُصِمّ صِيَاحُهُمْ الْمُقْرَبَاتِ ... وَيَنْفُونَ مَنْ قَاتَلُوا بِالذّفَرْ سَعَالِيَ مِثْلُ عَدِيدِ التّرَا ... بِ تَيْبَسُ مِنْهُمْ رِطَابُ الشجر ـــــــــــــــــــــــــــــ ثَبْتُ الْجَنَانِ مِرْجَمٌ وَدّاقُ» زَبّبَتْ الْأَشْدَاقُ: مِنْ الزّبِيبَتَيْنِ «2» ، وَهُوَ مَا يَنْعَقِدُ مِنْ الرّيقِ فِي جَانِبَيْ الْفَمِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْكَلَامِ، وَقَوْلُهُ: وَدّاقُ: أى يسيل كالودق «3» . يريد: سيلان

_ (1) فى اللسان: إنى إذا ما زبب الأشداق، وكثر الضّجاج واللقلاق الخ ثم يشرحه اللسان «أى دان من العدو. ودق «بفتح الدال» أى دنا والتزبب: التزيد فى الكلام» ومرجم: كمنبر: شديد كأنه يرجم عدوه. واللقلاق: شدة الصوت واضطرابه، واللجاجة: الخصومة. (2) فى اللسان: «الزبيب: اجتماع الريق فى الصماغين، والزبيبتان: زبدتان فى شدقى الإنسان إذا أكثر الكلام، وقد زبب شدقاه: اجتمع الريق فى صامغيهما، واسم ذلك الريق: الزبيبتان، وزبب فم الرجل: إذا رأيت له زبيبتين فى جنبى فيه عند ملتقى شفتيه مما يلى اللسان يعنى ريقا يابسا» (3) المطر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرّيقِ، وَكَثْرَةَ الْقَوْلِ، كَمَا قَالَ أَبُو الْمُخَشّ فِي ابْنِهِ: كَانَ أَشْدَقَ خُرْطُمَانِيّا «1» إذَا تَكَلّمَ سَالَ لُعَابُهُ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ شَرِبَ الشّفَاءَ مَعَ النّشُوقِ. أَيْ: لَوْ شَرِبَ كُلّ دَوَاءٍ يُسْتَشْفَى بِهِ، وَتَنَشّقَ كُلّ نَشُوقٍ يُجْعَلُ فِي الْأَنْفِ لِلتّدَاوِي بِهِ، مَا نَهَى ذَلِكَ الْمَوْتُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: وَلَا مُتَرَهّبٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفَعَهُ عَطْفًا عَلَى نَاهٍ، أَيْ: لَا يَرُدّ الْمَوْتَ نَاهٍ، وَلَا مُتَرَهّبٌ. أَيْ: دُعَاءُ مُتَرَهّبٍ يَدْعُو لَك، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَرَهّبٌ رَفْعًا عَلَى مَعْنَى: وَلَا يَنْجُو مِنْهُ مُتَرَهّبٌ. كَمَا قَالَ: تَاللهِ يَبْقَى عَلَى الْأَيّامِ ذُو حِيَدٍ «2» . الْبَيْتُ. وَالْأُسْطُوَانُ: أُفْعُوَالٌ. النّونُ أَصْلِيّةٌ، لِأَنّ جَمْعَهُ أَسَاطِينُ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ أَفَاعِينُ. وَقَوْلُهُ: يُنَاطِحُ جُدْرَهُ بَيْضُ الْأَنُوقِ جُدْرُهُ: جَمْعُ جِدَارٍ، وَهُوَ مُخَفّفٌ مِنْ جُدُورٍ، وَفِي التّنْزِيلِ (أَوْ مِنْ وَرَاءِ جدر) تُقَيّدُ بِضَمّ الْجِيمِ، وَالْجَدْرُ أَيْضًا بِفَتْحِ الْجِيمِ: الْحَائِطُ، وَلَكِنّ الرّوَايَةَ فِي الْكِتَابِ هَكَذَا كَمَا ذَكَرْنَا. وَالْأَنُوقُ: الْأُنْثَى مِنْ الرّخَمِ «3» ! يُقَالُ فِي المثل: أعزّ من بيض

_ (1) أشدق: بليغ، والخرطمانى: الكبير الأنف. ملحوظة: لا كدوس ولا كأعلاق رحله. الأعلاق: جمع علق «بكسر العين» : النفيس من الشئ والجراب، ويفتح أيضا. يعنى: أنه لا يوجد كدوس ولا مثل ما حمله من الخير الوفير إلى الحبشة. (2) بقيته: بمشمخرّ به الظّيّان والآس. وهو لمالك بن خالد الخناعى (3) الرخم: طائر غزير الريش، أبيض اللون مبقع بسواد، له منقار طويل قليل التقوس، رمادى اللون إلى الحمرة، وأكثر من نصفه مغطى بجلد رقيق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَنُوقِ، إذَا أَرَادَ مَا لَا يُوجَدُ؛ لِأَنّهَا تَبْيَضّ حَيْثُ لَا يُدْرَكُ بِيضُهَا مِنْ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ. هَذَا قَوْلُ الْمُبَرّدِ فِي الْكَامِلِ، وَلَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ؛ فَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ: الْأَنُوقُ: الذّكَرُ مِنْ الرّخَمِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنّ الذّكَرَ لَا يَبْيَضّ، فَمَنْ أَرَادَ بَيْضَ الْأَنُوقِ، فَقَدْ أَرَادَ الْمُحَالَ، كَمَنْ أَرَادَ: الْأَبْلَقَ الْعَقُوقَ «1» وَقَدْ قَالَ الْقَالِي فِي الْأَمَالِي: الْأَنُوقُ يَقَعُ عَلَى الذّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الرّخَمِ. وَقَوْلُهُ: وَغُمْدَانُ الّذِي حُدّثْت عَنْهُ: هُوَ الْحِصْنُ الّذِي كَانَ لِهَوْذَةَ بْنِ عَلِيّ مَلِكِ الْيَمَامَةَ، وَسَيَأْتِي طَرَفٌ مِنْ ذِكْرِهِ. وَمُسَمّكًا: مُرَفّعًا مِنْ قَوْلِهِ: سَمَكَ السّمَاءَ، وَالنّيقُ: أَعْلَى الْجَبَلِ. وَقَوْلُهُ: بِمَنْهَمَةِ هُوَ مَوْضِعُ الرّهْبَانِ. وَالرّاهِبُ يُقَالُ لَهُ: النّهَامِيّ وَيُقَالُ لِلنّجّارِ أَيْضًا: نِهَامِيّ، فَتَكُونُ الْمَنْهَمَةُ أَيْضًا عَلَى هَذَا مَوْضِعَ نَجْرٍ «2» . وَقَوْلُهُ: وَأَسْفَلَهُ جُرُونٌ. جَمْعُ جُرْنٍ، وهو النّقير «3» من جرن الثوب: إذا

_ (1) هو مثل لما لا يمكن أن يكون، لأن الأبلق من ذكور الخيل، أو الفحل الذى جاءت أولاده بلقا. العقوق من البهائم: الحامل. والأبلق طبعا لا يحمل: لأن أبلق من صفات الذكور، ولهذا تقول كلفتنى بيض الأنوق، والأبلق العقوق. انظر اللسان. مادة: أنق وبلق وعق، والأمالى للقالى ج 1 ص 128 ط 2 والسمط ص 370 (2) فى القاموس: «النهام والنهامى منسوبا مثلثين: الحداد والنجار، والمنهمة: موضع النجر، والنهامى بالكسر: صاحب الدير وتضم، وفى اللسان: النهامى بكسر النون وفتحها: الحداد والنجار والراهب (3) فى القاموس «الجرن بالضم: حجر منقور يتوضأ منه»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَانَ [وَانْسَحَقَ] . وَرِوَايَةُ أَبِي الْوَلِيدِ الْوَقْشِيّ: جُرُوبٌ بِالْبَاءِ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ بِالْبَاءِ أَيْضًا. وَفِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الْوَقْشِيّ: الْجُرُوبُ: حِجَارَةٌ سُودٌ. كَذَا نَقَلَ أَبُو بَحْرٍ عَنْهُ فِي نُسْخَةِ كِتَابِهِ، فَإِنْ صَحّ هَذَا فِي اللّغَةِ وَإِلّا فَالْجُرُوبُ: جَمْعُ جَرِيبٍ عَلَى حَذْفِ الْيَاءِ مِنْ جَرِيبٍ، فَقَدْ يُجْمَعُ الِاسْمُ عَلَى حَذْفِ الزّوَائِدِ، كَمَا جَمَعُوا صَاحِبًا عَلَى أَصْحَابٍ. وَقَالُوا: طَوِيّ وَأَطْوَاءٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَالْجَرِيبُ وَالْجِرْبَةُ: الْمَزْرَعَةُ «1» . وَقَوْلُهُ: وَحُرّ الْمَوْحَلِ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنّهُ مِنْ وَحِلَ يَوْحَلُ. وَلَوْ كَانَ الْفِعْلُ مِنْهُ وَحَلَ عَلَى مِثْلِ وَعَدَ «2» ، لَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْمَوْحِلِ الْكَسْرُ لَا غَيْرُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقُتَبِيّ فِيهِ اللّغَتَيْنِ: الْكَسْرَ وَالْفَتْحَ، وَالْأَصْلُ مَا قَدّمْنَاهُ. وَقَوْلُهُ: وحر بضم الحاء، وهو خالص كل شئ، وَفِي كِتَابِ أَبِي بَحْرٍ عَنْ الْوَقْشِيّ: وَحَرّ الموجل بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْجِيمُ مِنْ الْمَوْجَلِ مَفْتُوحَةٌ، وَفَسّرَ الْمَوْجَلَ، فَقَالَ: حِجَارَةٌ مُلْسٌ لَيّنَةٌ، وَاَلّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنّ الْمَوْجَلَ هَهُنَا وَاحِدُ الْمَوَاجِلِ، وَهِيَ مَنَاهِلُ الْمَاءِ، وَفُتِحَتْ الْجِيمُ، لِأَنّ الْأَصْلَ: مَأْجَلٌ «3» كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ الْمَآجِلُ، وَوَاحِدُهَا: مأجل. وفى آثار المدوّنة سئل مالك

_ (1) الجريب: مكيال قدر أربعة أقفزة، جمعه: أجربة وجربان ومعناه أيضا: والوادى، والطوى: البئر. (2) يعنى مكسور العين محذوف الفاء فى المضارع وفى وجل لغات: يوجل وياجل وييجل وكلها بفتح الجيم، وفى الأخيرة بكسر الياء معها (3) فى القاموس: موجل على مثال موعد: حفرة يستنقع فيها الماء وفى مادة أجل: «وكمقعد ومعظّم مستنقع الماء» وفى اللسان «والموحل بالفتح المصدر-

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبٍ الزّبَيْدِيّ فِي شئ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَيْسِ بْنِ مَكْشوُح الْمُرَادِيّ، فَبَلَغَهُ أَنّهُ يَتَوَعّدُهُ، فَقَالَ يَذْكُرُ حِمْيَرَ وَعِزّهَا، وَمَا زَالَ مِنْ مُلْكِهَا عَنْهَا: أَتُوعِدُنِي كَأَنّكَ ذو رعين ... بِأَفْضَلِ عِيشَةٍ، أَوْ ذُو نُوَاسِ وكائنْ كَانَ قَبْلَك مِنْ نَعِيمٍ ... وَمُلْكٍ ثَابِتٍ فِي النّاسِ رَاسِي قَدِيمٍ عَهْدُهُ مِنْ عَهْدِ عَادٍ ... عَظِيمٍ قَاهِرِ الْجَبَرُوتِ قَاسِي فَأَمْسَى أَهْلُهُ بَادُوا، وَأَمْسَى ... يحوّل من أناس فى أناس ـــــــــــــــــــــــــــــ - رَحِمَهُ اللهُ- عَنْ مَوَاجِلِ بُرْقَةَ، يَعْنِي: الْمَنَاهِلَ، فَلَوْ كَانَتْ الْوَاوُ فِي الْكَلِمَةِ أَصْلًا لَقِيلَ فِي الْوَاحِدِ: مَوْجِلٌ مِثْلُ مَوْضِعٍ، إلّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَى الْوَجَلِ، فَيَكُونُ الْمَاضِي مِنْ الْفِعْلِ مَكْسُورَ الْجِيمِ وَالْمُسْتَقْبَلُ مَفْتُوحًا، فَيُفْتَحُ الْمَوْجَلُ حِينَئِذٍ، وَلَا مَعْنَى لَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ «1»

_ - وبالكسر: المكان، وفى باب أجل «والمأجل- بفتح الجيم- مستنقع الماء والجمع: المآجل» والمأجل- بفتح الجيم أيضا- شبه حوض واسع يؤجل، أى يجمع فيه الماء إذا كان قليلا، ثم يفجر إلى المشارات. والمزرعة والآبار وهو بالفارسية طرحه» (1) يعنى وجل بمعنى: خاف، فهو مكسور الجيم فى الماضى مفتوحها فى المضارع. وفى باب وجل يقول اللسان: «والموجل- بكسر الجيم: حفرة يستنقع فيها الماء» وقال إنها يمانية وفى شرح الشافعية يذكر رواية سيبويه عن يونس «إن ناسا من العرب يقولون من يوجل- بفتح الجيم- ونحوه: موجل وموحل بالفتح مصدرا كان أو غيره. قال سيبويه: إنما قال الأكثرون موجل بالكسر؛ لأنهم ربما غيروه فى يوجل ويوحل بفتح الجيم والحاء، فقالوا: ييجل وياجل، فلما أعلوه بالقلب شبهوه بواو يوعد بكسر العين المعل بالحذف، فكما قالوا هناك: موعد قالوا ههنا: موجل- بكسر الجيم- ومن قال: الموجل بالفتح، فكأنهم الذين يقولون يوجل فيسلونه. والأسماء المتصلة بالأفعال تابعة لها فى الإعلال، وإنما قالوا: مودة بالفتح اتفاقا لسلامة الواو فى الفعل اتفاقا» ص 170 ح 1

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: اللّثِقُ الزّلِيقُ. اللّثِقُ: مِنْ اللّثَقِ، وَهُوَ أَنْ يُخْلَطَ الْمَاءُ بِالتّرَابِ فَيَكْثُرُ مِنْهُ الزّلَقُ، قَالَ بَعْضُ الْفُصَحَاءِ: غَابَ الشّفَقُ، وَطَالَ الْأَرَقُ، وَكَثُرَ اللّثَقُ، فَلِيَنْطِقْ مَنْ نَطَقَ. وَفِي حَاشِيَةِ كِتَابِ أَبِي بَحْرٍ: اللّبِقُ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِوَاحِدَةِ، وَذَكَرَ أَنّهُ هَكَذَا وُجِدَ فِي أَصْلِ ابْنِ هِشَامٍ، وَلَا مَعْنَى لِلّبِقِ هَهُنَا، وَأَظُنّهُ تَصْحِيفًا من الرواى- وَاَللهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ فِي الشّعْرِ: يَكَادُ الْبُسْرُ يَهْصِرُ بِالْعُذُوقِ. أَيْ: تَمِيلُ بِهَا، وَهُوَ جَمْعُ عِذْقٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَهِيَ الْكِبَاسَةُ أَوْ جَمْعُ عَذْقٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَهِيَ النّخْلَةُ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي وَصْفِهَا بِالْإِيقَارِ «1» أَنْ يَكُونَ جَمْعُ عَذْقٍ بِالْفَتْحِ. وَقَوْلُهُ: وَأَسْلَمَ ذُو نُوَاسٍ مُسْتَكِينًا. أَيْ: خَاضِعًا ذَلِيلًا، وَفِي التّنْزِيلِ: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ [الْمُؤْمِنُونَ: 76] ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ فِيهِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ السّكُونِ، وَيَكُونُ الْأَصْلُ: اسْتَكَنّ عَلَى وَزْنِ افْتَعَلَ، وَمَكّنُوا الْفَتْحَةَ، فَصَارَتْ أَلِفًا كَمَا قَالَ الشّاعِرُ: وَإِنّنِي حَيْثُمَا يَثْنِي الْهَوَى بَصَرِي ... مِنْ حَيْثُ مَا سَلَكُوا أَدْنَوْ فَأَنْظُورُ «2»

_ (1) لأن العذق بفتح العين هى النخلة بحملها (2) هو من بيتين أنشدهما الفراء، وهما: الله يعلم أنا فى تلفتنا ... يوم الفراق إلى أحبابنا صور وأننى حوثما يثنى الهوى بصرى ... من حوثما سلكوا أدنو، فأنظور الصور: جمع أصور: المائل من الشوق. والشاهد هنا: تولد الواو من إشباع ضمة الظاء وحوثما: حيثما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ آخَرُ: يَا لَيْتَهَا جَرَتْ عَلَى الْكَلْكَالِ. أَرَادَ الْكَلْكَلَ «1» . وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ اسْتَفْعَلَ مِنْ كَانَ يَكُونُ مِثْلُ: اسْتَقَامَ مِنْ قَامَ يَقُومُ. قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللهُ: هَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ جَيّدٌ فِي التّصْرِيفِ، مُسْتَقِيمٌ فِي الْقِيَاسِ، لَكِنّهُ بَعِيدٌ فِي الْمَعْنَى عَنْ بَابِ الْخُضُوعِ وَالذّلّةِ، وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى، لَكِنّهُ بَعِيدٌ عَنْ قِيَاسِ التّصْرِيفِ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فِعْلٌ عَلَى وَزْنِ افْتِعَالٍ بِأَلِفِ، وَلَكِنْ وَجَدْت لِغَيْرِ ابْنِ الْأَنْبَارِيّ قَوْلًا ثَالِثًا: إنّهُ اسْتَفْعَلَ مِنْ الْكَيْنِ وَكَيْنُ الْإِنْسَانِ: عَجُزُهُ وَمُؤَخّرُهُ، وَكَأَنّ الْمُسْتَكِينَ قَدْ حَنَا ذَلِكَ مِنْهُ، كَمَا يقال: صلّى، أى. حناصلاه، وَالصّلَا: أَسْفَلُ الظّهْرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ جَيّدٌ فِي التّصْرِيفِ، قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنْ الْخُضُوعِ «2» . وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الذّئْبَةِ، وَاسْمُهُ، وَهُوَ: رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل، وَقَالَ فِيهِ: لَعَمْرُك مَا لِلْفَتَى صُحُرَةٌ، وَهُوَ الْمُتّسَعُ، أُخِذَ مِنْ لَفْظِ الصّحْرَاءِ، وَالْوِزْرُ: الْمَلْجَأُ، وَمِنْهُ اُشْتُقّ: الْوَزِيرُ؛ لِأَنّ الْمَلِكَ يَلْجَأُ إلَى رَأْيِهِ، وَقَدْ قِيلَ مِنْ الْوِزْرِ لِأَنّهُ يَحْمِلُ عَنْ الْمَلِكِ أَثْقَالًا، وَالْوِزْرُ: الثّقْلُ، وَلَا يَصِحّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ مِنْ أَزَرَهُ إذَا أَعَانَهُ، لِأَنّ فَاءَ الْفِعْلِ فِي الْوَزِيرِ وَاوٌ، وَفِي الْأُزُرِ الّذِي هُوَ الْعَوْنُ هَمْزَةٌ.

_ (1) الكلكل والكلكال هما: الصدر، أو ما بين الترقوتين أو باطن الزور، ومن الفرس ما بين محزمه إلى مامس الأرض منه إذا ربض (2) فى القاموس: كان يكين: خضع، واكتان: حزن. والكينة- بكسر الكاف- الشدة المذلة. والكين: بفتح الكاف وسكون الياء: لحم باطن الفرج أو غدد فيه كأطراف النوى. وأكانه الله إكانة: خضعه وأدخل عليه الذل، فلم لا نحملها على هذا؟ والصلا أيضا: ما عن يمين الذنب وشماله، والفرجة بين الجاعرة (الدبر) والذنب، وهما صلوان، والجمع أصلاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَاتُ الْعَبَرِ أَيْ: ذَاتُ الْحُزْنِ، يُقَالُ: عَبَرَ الرّجُلُ إذَا حَزِنَ، وَيُقَالُ. لِأُمّهِ الْعُبْرُ «1» ، كَمَا يُقَالُ: لِأُمّهِ الثّكْلُ. وَالْمُقَرّبَاتُ: الْخَيْلُ الْعِتَاقُ الّتِي لَا تَسْرَحُ فِي الْمَرْعَى، وَلَكِنْ تُحْبَسُ قُرْبَ الْبُيُوتِ مُعَدّةً لِلْعَدُوّ. وَقَوْلُهُ: وَيَنْفُونَ مَنْ قَاتَلُوا بالذّفر. أى: بريحهم وأنفاسهم ينفون من فاتلوا، وَهَذَا إفْرَاطٌ فِي وَصْفِهِمْ بِالْكَثْرَةِ، قَالَ الْبَرْقِيّ: أَرَادَ يَنْفُونَ مَنْ قَاتَلُوا بِذَفَرِ آبَاطِهِمْ، أَيْ بِنَتْنِهَا وَالذّفَرُ بِالذّالِ الْمُعْجَمَةِ تُسْتَعْمَلُ فِي قُوّةِ الرّيحِ الطّيّبَةِ وَالْخَبِيثَةِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ- رَحِمَهُ اللهُ- فَإِنْ كَانَ أَرَادَ هَذَا فَإِنّمَا قَصَدَهُ، لِأَنّ السّودَانَ أَنْتَنُ النّاسِ آبَاطًا وَأَعْرَاقًا. وَقَوْلُهُ: سَعَالِيَ: شبهم بِالسّعَالِيِ مِنْ الْجِنّ جَمْعُ سِعْلَاةٍ [أَوْ سِعْلَاءٍ] . وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ السّاحِرَةُ مِنْ الْجِنّ، وَقَوْلُهُ: كمثل السماء أى: كمثل السحاب لا سوداد السّحَابِ، وَظُلْمَتِهِ قُبَيْلَ الْمَطَرِ. فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ، وَمَعْدِي كَرِبَ بِالْحِمْيَرِيّةِ: وَجْهُ الْفَلّاحِ. الْمَعْدِي هُوَ: الْوَجْهُ بِلُغَتِهِمْ، وَالْكَرِبُ هُوَ: الْفَلّاحُ، وَقَدْ تَقَدّمَ أَبُو كَرِبَ، فَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا: أَبُو الْفَلّاحِ. قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ. وَكَذَلِكَ تَقَدّمَ كَلْكِي كَرِبَ، وَلَا أَدْرِي مَا كَلْكِي. وَقَوْلُهُ: قَيْسُ بْنُ مَكْشُوحٍ الْمُرَادِيّ، إنّمَا هُوَ حَلِيفٌ لِمُرَادِ، وَاسْمُ مُرَادٍ: يُحَابِرُ بْنُ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ «2» بْنِ مَذْحِجَ، وَنَسَبُهُ فِي بَجِيلَةَ، ثُمّ فِي بَنِي أَحْمَسَ

_ (1) بضم العين وسكون الباء أو بفتحهما. (2) فى الاشتقاق لابن دريد: يحابر جمع: يحبورة- بفتح أوله وهو ضرب من الطير، وسمى مرادا لأنه أول من تمرد باليمن، وضبطت يحابر بالضم من القاموس وجمهرة ابن حزم.

"نسب زبيد":

[ «نسب زبيد» :] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زُبَيْدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ مُنَبّهِ بْنِ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِج، وَيُقَالُ: زُبَيْدُ بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة، وَيُقَالُ زُبَيْدُ بْنِ صَعْبٍ. وَمُرَادُ: يُحَابِر بْنُ مذحج ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَبُوهُ مَكْشُوحٌ اسْمُهُ: هُبَيْرَةُ بْنُ هِلَالٍ، وَيُقَالُ: عَبْدُ يَغُوثَ بْنُ هُبَيْرَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ أَحْمَسَ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ أَنْمَارٍ، وَأَنْمَارٌ: هُوَ وَالِدُ بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ، وَسُمّيَ أَبُوهُ مَكْشُوحًا، لِأَنّهُ ضُرِبَ بِسَيْفِ عَلَى كَشْحِهِ «1» ، وَيُكَنّى قَيْسَ: أَبَا شَدّادٍ، وَهُوَ قَاتِلُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيّ الْكَذّابِ «2»

_ (1) الكشح: بفتح الكاف وسكون الشين ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف وفى فتوح البلدان للبلاذرى ص 112 أنه سمى المكشوح، لأنه كوى على كشحه من داء كان به. (2) رجل ادعى النبوة على عهد رسول الله، وغلب على ما بين صيهد مفازة حضرموت إلى عمل الطائف إلى البحرين قبل عدن، وطابقت عليه اليمن، وجعل أمره يستطير استطارة الحريق، وعامله أهل الردة بالكفر والرجوع عن الإسلام وكان خليفته فى مذحج عمرو بن معدى يكرب، وكان من عمال الرسول على اليمن: شهر بن باذام، وعامر بن شهر الهمدانى. فقتله الأسود، وتزوج امر أنه، وهى بنت عم فيروز، وبقى عامر يناضله، وكان أمر قوات الأسود إلى رجلين يسميان: فيروز وداذويه، فلما اشتد أمره وأثخن فى الأرض استخف بآمر جنده: قيس بن عبد يغوث وفيروز وداذويه. ويقال إن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أذن لعماله الباقين فى اليمن بالخلاص من الأسود بكتاب بعث به مع وبر بن يحنّس. واستطاع هؤلاء استمالة آمر جند الأسود: قيس بن عبد يغوث، ثم فيروز وداذويه واستطاع جشيش أو جشنس الديلمى استمالة زوج الأسود إليه. قال لها: يا بنة عم، قد عرفت بلاء هذا الرجل عند قومك، قتل زوجك، وطأطأ فى قومك القتل «أى أسرع فيهم بالقتل» وسفل بمن بقى منهم، وفضح النساء، فهل عندك من ممالأة-

"عود إلى شعر عمرو بن معدى كرب"

[ «عود إلى شعر عمرو بن معدى كرب» ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إلى سلمان بن ربيعة الباهلى، وباهلة ابن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان. وهو إرمينية يَأْمُرُهُ أَنْ يُفَضّلَ أَصْحَابَ الْخَيْلِ الْعِرَابِ عَلَى أَصْحَابِ الْخَيْلِ الْمَقَارِفِ فِي الْعَطَاءِ، فَعَرَضَ الْخَيْلَ، فَمَرّ بِهِ فَرَسُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبٍ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ، فَرَسك هَذَا مُقْرِفٌ، فَغَضِبَ عَمْرٌو، وَقَالَ: هَجِينٌ عَرَفَ هَجِينًا مِثْلَهُ، فَوَثَبَ إلَيْهِ قَيْسٌ فَتَوَعّدَهُ، فَقَالَ عَمْرُو هَذِهِ الْأَبْيَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ هُوَ وَذَادَوَيْهِ وَفَيْرُوزُ، وَكَانَ قَيْسٌ بَطَلًا بَئِيسًا قُتِلَ مَعَ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَوْمَ صَفّينَ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَوَاقِفُ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا عَنْ بُهْمَةٍ «1» مِنْ الْبُهْمِ، وَكَذَلِكَ لَهُ فِي حُرُوبِ الشّامِ مَعَ الرّومِ وَقَائِعُ وَمَوَاقِفُ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَ خالد بن الوليد.

_ - عليه، فقالت: على أى أمره؟ فقال: إخراجه. قالت: أو قتله، فقال: أو قتله قالت: نعم، والله ما خلق الله شخصا أبغض إلى منه. ما يقوم لله على حق، ولا ينتهى له عن حرمة. وقد استطاعت أن تدلهم على مكان فى القصر أحدثوا فيه نقبا فى المساء، وانضم إلى هؤلاء قيس بن مكشوح المرادى- فى بعض الروايات، واستطاع هؤلاء قتله تعينهم زوجته. ويقال إن أول أمره إلى آخره كان ثلاثة أشهر، وقيل: أربعة أشهر. وقيل إن أبا بكر أمضى جيش أسامة فى أول عهده بالخلافة فى آخر ربيع الأول، وكان مقتل العنسى فى آخر ربيع الأول بعد مخرج أسامة، وفى هذا خلاف؛ فقد قيل مثلا إنه قتل قبل وفاة النبى بخمسة أيام. (1) البهمة: الشجاع الذى لا يهتدى من أين يؤتى والبئيس: الشجاع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَعَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُكَنّى: أَبَا ثَوْرٍ تُضْرَبُ الْأَمْثَالُ بِفُرُوسِيّتِهِ وَبَسَالَتِهِ، وَفِيهِ يَقُولُ الشّاعِرُ حِينَ مَاتَ: فَقُلْ لِزُبَيْدِ بَلْ لِمَذْحِجَ كُلّهَا ... رُزِيتُمْ أَبَا ثَوْرٍ قَرِيعَكُمْ عَمْرًا وَصَمْصَامَتُهُ «1» الْمَشْهُورَةُ كَانَتْ مِنْ حَدِيدَةٍ، وُجِدَتْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ مَدْفُونَةً فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَصُنِعَ مِنْهَا ذُو الْفَقَارِ «2» وَالصّمْصَامَةُ، ثُمّ تَصَيّرَتْ إلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي. يُقَالُ إنّ عَمْرًا وَهَبَهَا لَهُ لِيَدِ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنّ رَيْحَانَةَ أُخْت عَمْرٍو الّتِي يَقُولُ فِيهَا عَمْرٌو: أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدّاعِي السّمِيعُ ... يُؤَرّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعٌ كَانَ أَصَابَهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فِي سَبْيٍ سَبَاهُ، فَمَنّ عَلَيْهَا، وَخَلّى سَبِيلَهَا، فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَمْرٌو أَخُوهَا، وَفِي آخِرِ الْكِتَابِ من خبر قيس بن مكشوح وعمرو ابن مَعْدِي كَرِبَ أَكْثَرُ مِمّا وَقَعَ هَهُنَا، وَالشّعْرُ السّينِيّ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَأَوّلُهُ: أَتُوعِدُنِي كَأَنّك ذُو رُعَيْنٍ. ذَكَرَ الْمَسْعُودِيّ أَنّ عَمْرًا قَالَهُ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ أَرَادَ ضَرْبَهُ بِالدّرّةِ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ «3» ، وَفِي الشّعْرِ زِيَادَةٌ لَمْ تَقَعْ فِي السّيرَةِ وهو قوله:

_ (1) أصل الصمصام: السيف لا ينثنى، ثم اشتهر سيف عمرو باسم الصمصامة (2) فى القاموس: سيف العاص بن منبّه قتل يوم بدر كافرا، فصار إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- ثم صار إلى على. وريحانة التى سيتكلم عنها، والتى هى أخت عمرو هى: أم دريد بن الصمة بن الحارث القشيرى الشاعر الفارس المشهور الذى أتاه الشعر من قبل خاله عمرو انظر ص 39، 40، 63 سمط اللآلى. (3) شئ يضرب به، ودرة عمر مشهورة طالما شفت من الشك. وقد ذكر المسعودى قصة عمرو مع عمر فى ص 333 ج 2 طبعة سنة 1367 هـ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلَا يَغْرُرْك مُلْكُك، كُلّ مُلْكٍ ... يَصِيرُ لِذِلّةِ بَعْدَ الشّمَاسِ «1» وَذَكَرَ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ حِينَ هَجَنَ فَرَسَ عَمْرٍو، وَنَسَبَهُ إلَى بَاهِلَةَ بْنِ أَعْصُرَ، وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ: بَاهِلِيّ، ثُمّ أَحَدُ بَنِي قُتَيْبَةَ بْنِ مَعْنٍ، وَبَاهِلَةُ: أُمّهُمْ «2» وَهِيَ بِنْتُ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجَ، وَأَبُوهُمْ يَعْصُرُ، وَهُوَ مُنَبّهُ بْنُ سعد بن قيس بن عيلان، وسمى: يعصرا لِقَوْلِهِ: أَعُمَيْرٌ إنّ أَبَاك غَيّرَ لَوْنَهُ ... مَرّ اللّيَالِي وَاخْتِلَافُ الْأَعْصُرِ «3» فَيُقَالُ لَهُ: أَعْصُرُ وَيَعْصُرُ، وَكَانَ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ قَاضِيًا لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى الْكُوفَةِ، وَيُقَالُ: سَلْمَانُ الْخَيْلِ، لِأَنّهُ كَانَ يَتَوَلّى النّظَرَ فِيهَا، قَالَ أَبُو وَائِلٍ: اخْتَلَفْت إلَى سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَهُوَ قَاضٍ، فَمَا وَجَدْت عِنْدَهُ أَحَدًا يَخْتَصِمُ إلَيْهِ. وَاسْتُشْهِدَ سَلْمَانُ بِأَرْمِينِيّةَ سنة تسع وعشرين.

_ (1) شمس الفرس شموسا وشماسا: منع ظهره، وبين الأبيات التى فى المسعودى وبين التى فى السيرة اختلاف كبير. والهجين: اللئيم، وعربى ولد من أمة، أو هو الذى أبوه خير من أمه، وفرس هجين: أى غبر كريم، والخيول المقارف بفتح الميم: جمع مقرف كمحسن مايدانى الهجنة، أى أمه عربية لا أبوه؛ لأن الإقراف يكون من قبل الفحل، والهجنة تكون من قبل الأم. (2) فى الاشتقاق لابن دريد أن باهلة هى حاضنتهم، وهى امرأة من مذحج أو من همدان ص 71. (3) هى فى اللسان: «أبنى، وكر الليالى» بدلا من: أعمير، ومرّ.

"عود إلى شق وسطيح".

[ «عود إلى شق وسطيح» .] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَهَذَا الّذِي عَنَى سَطِيحٌ الْكَاهِنُ بِقَوْلِهِ «لَيَهْبِطَن أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ، فَلَيَمْلِكُنّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى جُرَشَ» وَاَلّذِي عَنَى شِقّ الْكَاهِنُ بِقَوْلِهِ «لَيَنْزِلَن أَرْضَكُمْ السّودَانُ، فَلَيَغْلِبُنّ عَلَى كل طفلة البنان، وليملكن ما بين أبين إلَى نَجْرَانَ» [غَلَبَ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ عَلَى أَمْرِ اليمن، وقتل أرياط] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ أَرْيَاط بِأَرْضِ الْيَمَنِ سنين فى سلطانه ذلك، ثم نازعه فى أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشىّ، حَتّى تَفَرّقَتْ الْحَبَشَةُ عَلَيْهِمَا، فَانْحَازَ إلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، ثُمّ سَارَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ، فَلَمّا تَقَارَبَ النّاسُ أَرْسَلَ أَبْرَهَةُ إلَى أَرْيَاط: إنّك لَا تَصْنَعُ بِأَنْ تَلْقَى الْحَبَشَةُ بَعْضُهَا بِبَعْضِ، حَتّى تَفِنِيهَا شَيْئًا، فَابْرُزْ إلَيّ، وَأَبْرُزُ إلَيْك، فَأَيّنَا أَصَابَ صَاحِبَهُ انْصَرَفَ إلَيْهِ جُنْدُهُ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ أَرْيَاط: أَنْصَفْتَ فَخَرَجَ إليه أبرهة- وكان رجلا قصيرا لحيما، وَكَانَ ذَا دِينٍ فِي النّصْرَانِيّةِ- وَخَرَجَ إلَيْهِ أَرْيَاط وَكَانَ رَجُلًا جَمِيلًا عَظِيمًا طَوِيلًا، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ لَهُ، وَخَلَفَ أَبْرَهَةَ غُلَامٌ لَهُ، يُقَالُ لَهُ: عَتَوْدَة، يَمْنَعُ ظَهْرَهُ، فَرَفَعَ أَرْيَاط الْحَرْبَةَ، فَضَرَبَ أَبْرَهَةَ يُرِيدُ يَافُوخَهُ، فَوَقَعَتْ الْحَرْبَةُ على جبهة أبرهة، فشرمت حاجبه وأنفه وَعَيْنَهُ وَشَفَتَهُ، فَبِذَلِكَ سُمّيَ: أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمَ، وَحَمَلَ عَتَوْدَة عَلَى أَرْيَاط مِنْ خَلْفِ أَبْرَهَةَ فَقَتَلَهُ، وَانْصَرَفَ جُنْدُ أَرْيَاط إلَى أَبْرَهَةَ، فَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الحبشة باليمن، وودى أبرهة أرياط. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ خَبَرَ عَتْوَدَةَ غُلَامَ أَبْرَهَةَ، وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ حَدِيثِهِ فِيمَا مَضَى، وَمَا زَادَ فِيهِ الطّبَرِيّ وَغَيْرُهُ، وَأَنّ الْعَتْوَدَةَ: الشّدّةُ فِي الْحَرْبِ.

"موقف النجاشى من أبرهة":

[ «موقف النجاشى من أبرهة» :] فلما بلغ النّجَاشِيّ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ: عَدَا عَلَى أميرى، فقتله بغير أمرى، ثم حَلَفَ: لَا يَدَعُ أَبْرَهَةَ حَتّى يَطَأَ بِلَادَهُ، وَيَجُزّ نَاصِيَتَهُ، فَحَلَقَ أَبْرَهَةُ رَأْسَهُ، وَمَلَأَ جِرَابًا من تراب اليمن، ثم بعث إلَى النّجَاشِيّ، ثُمّ كَتَبَ إلَيْهِ: «أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّمَا كَانَ أَرْيَاط عَبْدَك، وَأَنَا عَبْدُك، فَاخْتَلَفْنَا فِي أَمْرِك، وَكُلّ طَاعَتُهُ لَك، إلّا أَنّي كُنْت أَقْوَى عَلَى أَمْرِ الْحَبَشَةِ، وَأَضْبَطَ لَهَا، وَأَسْوَسَ مِنْهُ، وَقَدْ حَلَقْتُ رَأْسِي كُلّهُ حِينَ بَلَغَنِي قَسَمُ الْمَلِكِ، وَبَعَثْتُ إلَيْهِ بِجِرَابِ تُرَابٍ مِنْ أَرْضِي؛ لِيَضَعَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَيَبَرّ قَسَمُهُ فِيّ» . فَلَمّا انْتَهَى ذَلِكَ إلَى النّجَاشِيّ رَضِيَ عَنْهُ، وَكَتَبَ إلَيْهِ: أَنْ اُثْبُتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ حتى يأتيك أمرى، فأقام أبرهة باليمن. [أمر الفيل، وقصة النسأة] [ «كنيسة أبرهة» :] ثُمّ إنّ أَبْرَهَةَ بَنَى الْقُلّيْس بِصَنْعَاءَ، فَبَنَى كنيسة لم ير مثلها فى زمانها بشئ مِنْ الْأَرْضِ، ثُمّ كَتَبَ إلَى النّجَاشِيّ: إنّي قَدْ بَنَيْتُ لَك أَيّهَا الْمَلِكُ كَنِيسَةً لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ أَنّ أَرْيَاطًا عَلَا بِالْحَرْبَةِ أَبْرَهَةَ، فأخطأ يَافُوخَهُ. وَالْيَافُوخُ: وَسَطُ الرّأْسِ «1» . وَيُقَالُ لَهُ مِنْ الطّفْلِ: غَاذِيَةٌ بِالذّالِ، فَإِذَا اشْتَدّ وَصَلُبَ سُمّيَ: يَأْفُوخًا بِالْهَمْزِ عَلَى وَزْنِ يَفْعُولٍ، وَجَمْعُهُ: يَآفِيخٌ قال العجّاج:

_ (1) وتقال دون إظهار الهمزة.

"النسيئ":

يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكِ كَانَ قَبْلَك، وَلَسْت بِمُنْتَهٍ حَتّى أَصْرِفَ إلَيْهَا حَجّ الْعَرَبِ، فَلَمّا تَحَدّثَتْ الْعَرَبُ بِكِتَابِ أَبْرَهَةَ ذَلِكَ إلَى النّجَاشِيّ، غَضِبَ رَجُلٌ مِنْ النّسَأَةِ، أَحَدُ بَنِي فُقَيْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بن مالك بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن الياس بن مضر. [ «النّسيئ» :] وَالنّسَأَةُ: الّذِينَ كَانُوا يَنْسَئُونَ الشّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَيُحِلّونَ الشّهْرَ مِنْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَيُحَرّمُونَ مَكَانَهُ الشّهْرَ مِنْ أَشْهُرِ الْحِلّ، وَيُؤَخّرُونَ ذَلِكَ الشّهْرَ، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا، يُحِلُّونَهُ عاماً، وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً؛ لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ [التوبة: 37] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لِيُوَاطِئُوا: لِيُوَافِقُوا، وَالْمُوَاطَأَةُ: الْمُوَافَقَةُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: وَاطَأْتُك عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، أَيْ وَافَقْتُك عَلَيْهِ، وَالْإِيطَاءُ فِي الشّعْرِ: الْمُوَافَقَةُ، وَهُوَ اتّفَاقُ الْقَافِيَتَيْنِ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَجِنْسٍ وَاحِدٍ، نَحْوَ قَوْلِ الْعَجّاجِ- وَاسْمُ الْعَجّاجِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ رُؤْبَةَ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمِ بْنِ مُرّ بْنِ أُدّ ابن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار. فى أثعبان المنجنون المرسل ـــــــــــــــــــــــــــــ «ضَرِبٌ إذَا صَابَ الْيَآفِيخَ حَفَرَ» وَقَوْلُهُ: شَرَمَ أنفه وشفته أى: شقهما.

ثُمّ قَالَ: مُدّ الْخَلِيجِ فِي الْخَلِيجِ الْمُرْسَلِ «وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ» : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوّلُ مَنْ نَسَأَ الشّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ، فَأَحَلّتْ مِنْهَا مَا أُحِلّ، وَحَرّمَتْ مِنْهَا مَا حُرّمَ: القَلَمّس، وَهُوَ حُذَيْفَةُ بْنُ عَبْدِ بْنِ فُقَيْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، ثُمّ قَامَ بَعْدَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبّادُ بْنُ حُذَيْفَةَ، ثُمّ قَامَ بَعْدَ عَبّادٍ: قَلَعُ بْنُ عَبّادٍ، ثُمّ قَامَ بَعْدَ قَلَعٍ أُمَيّةُ بْنُ قَلَعٍ، ثُمّ قَامَ بَعْدَ أُمَيّةَ: عَوْفُ بْنُ أُمَيّةَ، ثُمّ قَامَ بَعْدَ عَوْفٍ أَبُو ثُمَامَةَ: جُنادة بْنُ عَوْفٍ. وَكَانَ آخِرَهُمْ، وَعَلَيْهِ قَامَ الْإِسْلَامُ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ إذَا فَرَغَتْ مِنْ حَجّهَا اجْتَمَعَتْ إلَيْهِ، فَحَرّمَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ الْأَرْبَعَةَ: رَجَبًا، وَذَا الْقَعْدَةِ، وَذَا الْحِجّةِ، والمحرّم. فإذا أراد أن يحلّ شَيْئًا أَحَلّ الْمُحَرّمَ فَأَحَلّوهُ وَحَرّمَ مَكَانَهُ صَفَرَ فَحَرّمُوهُ؛ لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. فَإِذَا أَرَادُوا الصّدَرَ، قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: «اللهُمّ إنّي قَدْ أَحْلَلْت لَك أَحَدَ الصّفَرَيْنِ، الصّفَرَ الْأَوّلَ، ونسأت الآخر للعام المقبل» . فَقَالَ فِي ذَلِكَ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسٍ «جِذْلُ الظّعان» أَحَدُ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غُنْمِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، يَفْخَرُ بِالنّسَأَةِ عَلَى العرب: ـــــــــــــــــــــــــــــ (خَبَرُ الْقُلّيْسِ مَعَ الْفِيلِ، وَذِكْرُ بُنْيَانِ أَبْرَهَةَ لِلْقُلّيْسِ) وَهِيَ الْكَنِيسَةُ الّتِي أَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ إلَيْهَا حَجّ الْعَرَبِ، وَسُمّيَتْ هَذِهِ الْكَنِيسَةُ: الْقُلّيْسَ لِارْتِفَاعِ بِنَائِهَا وَعُلْوِهَا «1» ، وَمِنْهُ الْقَلَانِسُ لِأَنّهَا فِي أعلى

_ (1) وكذلك القليسية إذا فتحت القاف ضممت السين، وإذا ضممت كسرتها

"سبب حملة أبرهة على الكعبة":

لقد علمت معدّ أنّ قومى ... كِرَامُ النّاسِ أَنّ لَهُمْ كِرَامَا فَأَيّ النّاسِ فَاتُونَا بِوِتْرٍ ... وَأَيّ النّاسِ لَمْ نُعْلِك لِجَامَا أَلَسْنَا النّاسِئِينَ عَلَى مَعَدّ ... شُهُورَ الْحِلّ نَجْعَلُهَا حَرَامَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: المحرّم. «سبب حملة أَبْرَهَةَ عَلَى الْكَعْبَةِ» : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ الْكِنَانِيّ حَتّى أَتَى الْقُلّيْس فَقَعَدَ فِيهَا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي أَحْدَثَ فِيهَا- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ فَلَحِقَ بِأَرْضِهِ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبْرَهَةُ فَقَالَ: مَنْ صَنَعَ هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ: صَنَعَ هَذَا رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ الّذِي تَحُجّ الْعَرَبُ إلَيْهِ بِمَكّةَ لَمّا سَمِعَ قَوْلَك: «أَصْرِفُ إلَيْهَا حَجّ الْعَرَبِ» غَضِبَ فَجَاءَ، فَقَعَدَ فِيهَا، أَيْ أَنّهَا لَيْسَتْ لِذَلِكَ بِأَهْلِ. فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ وَحَلَفَ: لَيَسِيرَن إلَى الْبَيْتِ حَتّى يَهْدِمَهُ، ثُمّ أَمَرَ الْحَبَشَةَ فَتَهَيّأَتْ وَتَجَهّزَتْ، ثُمّ سَارَ وَخَرَجَ مَعَهُ بِالْفِيلِ، وَسَمِعَتْ بِذَلِكَ الْعَرَبُ، فَأَعْظَمُوهُ وَفَظِعُوا بِهِ، وَرَأَوْا جِهَادَهُ حَقّا عَلَيْهِمْ، حِينَ سَمِعُوا بِأَنّهُ يريد هدم الكعبة، بيت الله الحرام. ـــــــــــــــــــــــــــــ الرّءُوسِ، وَيُقَالُ: تَقَلْنَسَ الرّجُلُ وَتَقَلّسَ إذَا لَبِسَ الْقَلَنْسُوَةَ، وَقَلَسَ طَعَامًا أَيْ: ارْتَفَعَ مِنْ مَعِدَتِهِ إلَى فِيهِ، وَكَانَ أَبْرَهَةُ قَدْ اسْتَذَلّ أَهْلَ الْيَمَنِ فِي بُنْيَانِ هَذِهِ الْكَنِيسَةِ، وَجَشّمَهُمْ فِيهَا أَنْوَاعًا مِنْ السّخْرِ، وَكَانَ يَنْقُلُ إلَيْهَا الْعَدَدَ مِنْ الرّخَامِ الْمُجَزّعِ، وَالْحِجَارَةُ الْمَنْقُوشَةُ بِالذّهَبِ مِنْ قَصْرِ بِلْقِيسَ صَاحِبَةِ سُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَكَانَ من مَوْضِعِ هَذِهِ الْكَنِيسَةِ عَلَى فَرَاسِخَ، وَكَانَ فِيهِ بَقَايَا مِنْ آثَارِ مُلْكِهَا،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَاسْتَعَانَ بِذَلِكَ عَلَى مَا أَرَادَهُ فِي هَذِهِ الْكَنِيسَةِ مِنْ بَهْجَتِهَا وَبِهَائِهَا، وَنَصَبَ فِيهَا صُلْبَانًا مِنْ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ، وَمَنَابِرَ مِنْ الْعَاجِ وَالْآبُنُسِ «1» ، وَكَانَ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ فِي بِنَائِهَا حَتّى يُشْرِفَ مِنْهَا عَلَى عَدَنَ، وَكَانَ حُكْمُهُ فِي الْعَامِلِ إذَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي عَمَلِهِ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ، حَتّى طَلَعَتْ الشّمْسُ، فَجَاءَتْ مَعَهُ أُمّهُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ عَجُوزٌ، فَتَضَرّعَتْ إلَيْهِ تَسْتَشْفِعُ لِابْنِهَا، فَأَبَى إلّا أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ، فَقَالَتْ: اضْرِبْ بِمِعْوَلِك الْيَوْمَ، فَالْيَوْمُ لَك، وَغَدًا لِغَيْرِك، فَقَالَ: وَيْحَك مَا قُلْت!؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ كَمَا صَارَ هَذَا الْمُلْكُ مِنْ غَيْرِك إلَيْك، فَكَذَلِكَ يَصِيرُ مِنْك إلَى غَيْرِك، فَأَخَذَتْهُ مَوْعِظَتُهَا، وَأَعْفَى النّاسَ مِنْ الْعَمَلِ فِيهَا بَعْدُ. فَلَمّا هَلَكَ وَمُزّقَتْ الْحَبَشَةُ كُلّ مُمَزّقٍ، وَأُقْفِرَ مَا حَوْلَ هَذِهِ الْكَنِيسَةِ، فَلَمْ يَعْمُرْهَا أَحَدٌ، وَكَثُرَتْ حَوْلَهَا السّبَاعُ وَالْحَيّاتُ، وَكَانَ كُلّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْهَا أَصَابَتْهُ الْجِنّ «2» ، فَبَقِيَتْ مِنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْعُدَدِ وَالْخَشَبِ الْمُرَصّعِ بِالذّهَبِ وَالْآلَاتِ الْمُفَضّضَةِ الّتِي تُسَاوِي قَنَاطِيرَ مِنْ الْمَالِ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا إلَى زَمَنِ أَبِي الْعَبّاسِ، فَذُكِرَ لَهُ أَمْرُهَا، وَمَا يُتَهَيّبُ مِنْ جِنّهَا وَحَيّاتِهَا، فَلَمْ يَرُعْهُ ذَلِكَ. وَبَعَثَ إلَيْهَا بِابْنِ الرّبِيعِ عَامِلِهِ عَلَى الْيَمَنِ مَعَهُ أَهْلُ الْحَزْمِ وَالْجَلَادَةِ «3» ، فَخَرّبَهَا، وَحَصَلُوا مِنْهَا مَالًا كَثِيرًا بِبَيْعِ مَا أَمْكَنَ بَيْعُهُ مِنْ رُخَامِهَا وَآلَاتِهَا، فعفا بعد ذلك رسمها، وانقطع خبرها،

_ (1) يريد خشب الآبنوس الذى ينبت فى الحبشة والهند، وخشبه أسود صلب واقرأ وصف بنائها فى الطبرى ص 137 ج 2 طبعة دار المعارف. (2) خرافة ولا شك. (3) القوة مع الصبر على المكروه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَدُرِسَتْ آثَارُهَا، وَكَانَ الّذِي يُصِيبُهُمْ مِنْ الْجِنّ يَنْسُبُونَهُ إلَى كُعَيْبٍ وَامْرَأَتِهِ صَنَمَيْنِ كَانَتْ الْكَنِيسَةُ عَلَيْهِمَا، فَلَمّا كُسِرَ كُعَيْبٌ وَامْرَأَتُهُ أُصِيبَ الّذِي كَسَرَهُ بِجُذَامِ «1» فَافْتُتِنَ بِذَلِكَ رَعَاعُ الْيَمَنِ وَطَغَامُهُمْ «2» ، وَقَالُوا: أَصَابَهُ كُعَيْبٌ، وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيّ أَنّ كُعَيْبًا كَانَ مِنْ خَشَبٍ طُولُهُ: سِتّونَ ذراعا «3» . النسئ والنسأة: وذكر النّسأة والنّسئ مِنْ الْأَشْهُرِ. فَأَمّا النّسَأَةُ فَأَوّلُهُمْ: الْقَلَمّسُ، وَاسْمُهُ: حُذَيْفَةُ بْنُ عَبْدِ بْنِ فُقَيْمٍ، وَقِيلَ لَهُ: القلمّس لجوده، إذ القلمّس «4» من أسماء البحر، وَأَنْشَدَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ: إلَى نَضَدٍ مِنْ عبد شمس، كأنهم ... هضاب أحا أركانه لم تقصّف «5»

_ (1) عجيب من السهيلى ترديد مالا يصدقه شرع ولا عقل. (2) الطغام: الأوغاد من الناس الواحد: طغامة مثل سحابة، والرعاع بضم الراء وفتحها مفردها: رعاعة وهو من لا قلب له ولا عقل. (3) كيف إذن يصيب هذا لخشب الناس بسوء؟ (4) الكثير الماء من الركايا والبحر والرجل الخير المعطاء، والسيد العظيم والرجل الداهية المنكر البعيد الغور، وفى تفسير ابن كثير أن اسمه كان حفادة بن عوف. (5) أجأ: أحد جبلى طيئ، وفيه قرى كثيرة، والنضّد: الشرف والشريف ومن القوم: جماعتهم وعددهم، ومن الجبال: جنادل بعضها فوق بعض، وفى القاموس أن القلس كان يقف عند جمرة العقبة- أحد مشاعر الحج فى منى- ويقول: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَلَامِسَةٌ سَاسُوا الْأُمُورَ فَأُحْكِمَتْ ... سِيَاسَتُهَا حَتّى أَقَرّتْ لِمُرْدِفِ وَذَكَرَ أَبُو عَلِيّ الْقَالِي فِي الْأَمَالِي أَنّ الّذِي نَسَأَ الشّهُورَ مِنْهُمْ: نُعَيْمُ بْنُ تعلبة، وَلَيْسَ هَذَا بِمَعْرُوفِ «1» ، وَأَمّا نَسَؤُهُمْ لِلشّهْرِ، فَكَانَ على ضربين. أحدهما:

_ - «اللهم إنى ناسئ الشهور، وواضعها مواضعها، ولا أعاب، ولا أجاب. اللهم إنى قد أحللت أحد الصّفرين- يعنى المحرم وصفرا- وحرمت صفر المؤخّر وكذلك فى الرجبين- يعنى رجبا وشعبان- انفروا على اسم الله تعالى» وقريب من هذا ما رواه ابن كثير فى تفسيره. (1) هو فى الأمالى ص 4 ج 1 طبع دار الكتب الطبعة الثانية، وإليك ما ذكره أبو على القالى فى الأمالى: حدثنى أبو بكر الأنبارى أنهم كانوا إذا صدروا عن منى قام رجل من بنى كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة، فقال. أنا الذى لا أعاب، ولا يرد لى قضاء، فيقولون له: أنسئنا شهرا. أى: أخر عنا حرمة المحرم، فاجعلها فى صفر؛ وذلك أنهم كانوا يكرهون أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا تمكنهم الإغارة فيها، لأن معاشهم كان من الإغارة، فيحل لهم المحرم، ويحرم عليهم صفرا، فإذا كان فى السنة المقبلة حرم عليهم المحرم، وأحل لهم صفرا. ص 4 ح 1 الأمالى ط 2. ورأى القالى- كما يقول الميمنى فى تعليقه على السمط هو قول الكلبى كما فى البحر المحيط 5/ 40. فقول السهيلى فى الروض: إن ما نقله القالى ليس بمعروف منكر. ص 10 ج 1 السمط، وللكميت بن زيد بن الأخنس الأسدى يكنى أبا المستهل وهو شاعر إسلامى شعر يفخر فيه بقوله: لنا حوض الحجيج وساقياه ... وموضع أرجل الركب النّزول ومطّرد الدماء، وحيث يلقى ... من الشّعر المضفّر والفليل وكنا الناسئين على معد ... شهورهم الحرام إلى الحليل نحرم تارة: ونحل أخرى ... وكان لنا الممرّ من السحيل-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ تَأْخِيرِ شَهْرِ الْمُحَرّمِ إلَى صَفَرٍ لِحَاجَتِهِمْ إلَى شَنّ الْغَارَاتِ، وَطَلَبِ الثّارّاتِ، وَالثّانِي: تَأْخِيرُهُمْ الْحَجّ عَنْ وَقْتِهِ تَحَرّيًا مِنْهُمْ لِلسّنَةِ الشّمْسِيّةِ، فَكَانُوا يُؤَخّرُونَهُ فِي كُلّ عَامٍ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، أَوْ أَكْثَرَ قَلِيلًا، حَتّى يَدُورَ الدّوْرُ إلَى ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَيَعُودُ إلَى وَقْتِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ: «إنّ الزّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ» «1» وَكَانَتْ حَجّةُ الْوَدَاعِ فِي السّنَةِ الّتِي عَادَ فِيهَا الْحَجّ إلَى وَقْتِهِ، وَلَمْ يَحُجّ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ غَيْرَ تِلْكَ الْحَجّةِ، وَذَلِكَ لِإِخْرَاجِ الْكُفّارِ الْحَجّ عَنْ وَقْتِهِ، وَلِطَوَافِهِمْ بِالْبَيْتِ عُرَاةً- والله أعلم- إذ كانت مكة

_ - وأسد هنا: أسد كنانة فلذلك فخر الكميت بالنسئ. وأسد عم النضر بن كنانة الذى هو أبو قريش، فلذلك فحر بالسقى والإطعام ومشاعر الحج. والفليلة: الشعر المجتمع، والسحيل: الخيط الذى يفتل فتلا رخوا، والممرّ. المبرم الشديد الفتل سمط اللآلى. ص 11 ج 1. وفى نسب قريش ص 13: أن أول من نسأ الشهور هو سرير بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وقد انقرض سرير، ونسأ الشهور من بعده ابن أخيه القلمّس- واسمه عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بن كنانة- ثم صار النسئ فى ولده، وكان آخرهم جنادة كما فى السيرة. (1) البخارى ومسلم وأحمد وغيرهم وبعدها: «السنة اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ. ثَلَاثَةٌ متواليات ذو القعدة، وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان» الخ ومعنى: «ألا إن الزمان قد استدار» تقرير منه- صلى الله عليه وسلم- وتثبيتا للأمر على ما جعله الله فى أول الأمر من غير تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا نقص ولا نسى ولا تبديل. وهناك للنسئ تفسيرات أخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِحُكْمِهِمْ، حَتّى فَتَحَهَا اللهُ عَلَى نَبِيّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ: نرى أن قول الله سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ: هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [الْبَقَرَةُ: 389] ؟! وَخَصّ الْحَجّ بِالذّكْرِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقّتَةِ بِالْأَوْقَاتِ، تَأْكِيدًا لِاعْتِبَارِهِ بِالْأَهِلّةِ دُونَ حِسَابِ الْأَعَاجِمِ مِنْ أَجْلِ مَا كَانُوا أَحْدَثُوا فِي الْحَجّ مِنْ الِاعْتِبَارِ بِالشّهُورِ الْعَجَمِيّةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ قَوْلَ الْعَجّاجِ: فِي أُثْعُبَانِ الْمَنْجَنُونِ الْمُرْسَلِ «1» . الْأُثْعُبَانُ: مَا يَنْدَفِعُ مِنْ الْمَاءِ مِنْ شُعَبِهِ. وَالْمَنْجَنُونُ: أَدَاةُ السّانِيَةِ، وَالْمِيمُ فِي الْمَنْجَنُونِ أَصْلِيّةٌ فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، وَكَذَلِكَ النون، لأنه يقال فيه: منجنين مثل عر طليل «2» وَقَدْ ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ أَنّ النّونَ زَائِدَةٌ إلّا أَنّ بَعْضَ رُوَاةِ الْكِتَابِ قَالَ فِيهِ: مُنْحَنُونَ بِالْحَاءِ، فَعَلَى هَذَا لَمْ يَتَنَاقَضْ كَلَامُهُ- رَحِمَهُ اللهُ- وَفِي أَدَاةِ السّانِيَةِ: الدّولَابُ بِضَمّ الدّالِ وَفَتْحِهَا، وَالشّهْرَقُ، وَهُوَ الّذِي يُلْقَى عَلَيْهِ حَبْلُ الْأَقْدَاسِ، وَاحِدُهَا: قُدْسٌ، وَالْعَامّةُ تَقُولُ: قَادُوسٌ، وَالْعَصَامِيرُ: عِيدَانُ السّانِيَةِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: الْعُصْمُورُ: عُودُ السّانِيَةِ. وَقَوْلُهُ: مَدّ الْخَلِيجُ. الْخَلِيجُ: الْجَبَلُ، وَالْخَلِيجُ أَيْضًا: خَلِيجُ الْمَاءِ. وَذَكَرَ اسْمَ العجّاج ولم يكنه،

_ (1) المنجنون: الدولاب يستقى عليه، أو البكرة العظيمة. والسانية: الدلو العظيمة وأداتها. (2) العرطليل: الضخم والفاحش، والعر طويل: الحسن الشباب والقد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكُنْيَتُهُ: أَبُو الشّعْثَاءِ، وَسُمّيَ الْعَجّاجُ بِقَوْلِهِ: حَتّى يَعِجّ عِنْدَهَا مَنْ عَجّجَا «1» . وَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسٍ: كِرَامُ النّاسِ أَنّ لَهُمْ كِرَامًا. أَيْ آبَاءً كِرَامًا، وَأَخْلَاقًا كِرَامًا. وَقَوْلُهُ: وَأَيّ النّاسِ لَمْ نُعْلِك لِجَامًا. أَيْ: لَمْ نَقْدَعْهُمْ، وَنَكْفِهِمْ كَمَا يُقْدَعُ الْفَرَسُ بِاللّجَامِ. تَقُولُ: أَعْلَكْت الْفَرَسَ لِجَامَهُ: إذَا رَدَدْته عَنْ تَنَزّعِهِ، فَمَضَغَ اللّجَامَ كَالْعِلْكِ مِنْ نَشَاطِهِ، فَهُوَ مَقْدُوعٌ قَالَ الشّاعِرُ. وَإِذَا احْتَبَى قَرَبُوسَهُ بِعِنَانِهِ ... عَلَكَ اللّجَامُ إلَى انْصِرَافِ الزّائِرِ «2» وَكَانَ عُمَيْرٌ هَذَا مِنْ أَطْوَلِ النّاسِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مُقْبِلِي الظّعُنِ، وَسُمّيَ جِذْلَ الطّعّانِ «3» لِثَبَاتِهِ فِي الْحَرْبِ، كَأَنّهُ جِذْلُ شَجَرَةٍ وَاقِفٍ، وَقِيلَ: لِأَنّهُ كَانَ يُسْتَشْفَى بِرَأْيِهِ، وَيُسْتَرَاحُ إلَيْهِ، كَمَا تَسْتَرِيحُ الْبَهِيمَةُ الْجَرْبَاءُ إلَى الْجَذِلِ تَحْتَكّ «4» بِهِ وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُ الْحُبَابِ [ابن المنذر] : أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها

_ (1) فى اللسان: حتى يعجّ ثخنا من عجعجا ... ويودى المودى، وينجو من نجا (2) احتبى بالثوب: اشتمل، أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة، والقربوس: حنو السرج، ويمكن ضمه مع تسكين الراء، والعلك بكسر العين وسكون اللام: ما يمضغ (3) وفى القاموس أنه لقب علقمة بن فراس من مشاهير العرب وكذا فى معجم المرزبانى، وفى الخشنى عن أبى عبيدة: جذل الطعان هو: ابن علقمة بن فراس بن غنم بن ثعلبة، والجذل: أصل الشجرة وغيرها. (4) الجذل هنا: عود ينصب للجربى لتحتك به

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُرْجِبُ «1» وَقَوْلُ الْأَعْرَابِيّ يَصِفُ ابْنَهُ: إنّهُ لِجَذْلُ حِكَاكٍ وَمِدْرَهُ «2» لِكَاكٍ. وَاللّكَاكُ: الزّحَامُ. فَصْلٌ: وَذَكَرَ جُنَادَةُ بْنُ عَوْفٍ مِنْ النّسَأَةِ، وَعَلَيْهِ قَامَ الْإِسْلَامُ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَلْ أَسْلَمَ أَمْ لَا، وَقَدْ وَجَدْت لَهُ خَبَرًا يَدُلّ عَلَى إسْلَامِهِ حَضَرَ الْحَجّ فِي زَمَنِ عُمَرَ، فَرَأَى النّاسَ يَزْدَحِمُونَ عَلَى الْحَجّ، فَنَادَى: أَيّهَا النّاسُ إنّي قَدْ أَجَرْته مِنْكُمْ، فَخَفَقَهُ عُمَرُ بِالدّرّةِ، وَقَالَ: وَيْحَك: إنّ اللهَ قَدْ أَبْطَلَ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ. وَذَكَرَ الْبَرْقِيّ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ، قَالَ: فَنَسَأَ قَلَعُ بْنُ عَبّادٍ سَبْعَ سِنِينَ، وَنَسَأَ بَعْدَهُ أُمَيّةُ بْنُ قَلَعٍ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً، ثُمّ نَسَأَ مِنْ بَعْدِهِ جُنَادَةُ، وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ وَهُوَ الْقَلَمّسُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ: وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ: أَوّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: الْمُحَرّمُ قَوْلٌ، وَقَدْ قِيلَ: أَوّلُهَا ذُو الْقَعْدَةِ، لِأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بدأبه حِينَ ذَكَرَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ «3» ، وَمَنْ قَالَ: الْمُحَرّمُ أَوّلُهَا، احْتَجّ بِأَنّهُ أَوّلُ السّنَةِ، وَفِقْهُ هَذَا الخلاف

_ (1) الجذيل: تصغير جذل بكسر الجيم للتعظيم والعذيق: تصغير عذق للتعظيم، وهى النخلة بحملها، وترجيبها: ضم أعذاقها- كباساتها- ما يسمى بالسباطة- إلى سعفاتها، وشدها بالخوص، لئلا تنفضها الريح، أو وضع الشوك حولها لئلا يصل إليها آكل (2) المدره بكسر الميم وفتح الراء: السيد الشريف وزعيم القوم وخطيبهم المتكلم عنهم. (3) راجع حديث «إن الزمان استدار» وقد سبق ذكره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنّ مَنْ نَذَرَ صِيَامَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَيُقَالُ لَهُ عَلَى الْأَوّلِ: ابْدَأْ بِالْمُحَرّمِ، ثُمّ بِرَجَبِ ثُمّ بِذِي الْقَعْدَةِ، وَذِي الْحَجّةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُقَالُ لَهُ: ابْدَأْ بِذِي الْقَعْدَةِ حَتّى يَكُونَ آخِرُ صِيَامِك فِي رَجَبٍ مِنْ الْعَامِ الثّانِي. الْقُعُودُ عَلَى الْمَقَابِرِ: وَقَوْلُهُ: خَرَجَ الْكِنَانِيّ حَتّى قَعَدَ فِي الْقُلّيْسِ أَيْ: أَحْدَثَ فِيهَا، وَفِيهِ شَاهِدٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي تَفْسِيرِ الْقُعُودِ عَلَى الْمَقَابِرِ الْمَنْهِيّ عَنْهُ، وَأَنّ ذَلِكَ لِلْمَذَاهِبِ «1» ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. أَنْسَابٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ نُفَيْلٍ الْخَثْعَمِيّ: وَهَاتَانِ يداى لك على شهران وناهس، وهما

_ (1) جمع مذهب يفتح الميم: المتوضأ. هذا وفى الطبرى أن الرجل فعل هذا فى الهيكل، وفيه أيضا أن أبرهة أخبر النجاشى بأمر الكنيسة، وأنه غير منته حتى يصرف إليها العرب، وأن العرب تحدثوا بكتاب أبرهه إلى النجاشى، فغضب رجل من النسأة، فصنع بالكنيسة ما صنع، ثم عاد إلى أرضه، وأن أبرهة كان عنده من العرب من يلتمس فضله منهم: محمد بن خزاعى، الذى رفض أكل طعام أبرهه قائلا: والله لئن أكلنا هذا لا تزال تعيبنا به العرب ما بقينا، ثم إن أبرهه أمر محمد بن خزاعى على مضر، وأمره أن يسير فى الناس يدعوهم إلى حح القليس، فنزل بعض أرض بنى كنانة، وقد بلغ أهل تهامة أمره، فبعثوا إليه بعروة بن حياض الملاصى الهذلى فرماه بسهم فقتله. فغضب أبرهة فحلف ليغزون بنى كنانة وليهد من البيت ص 130 وما بعدها ح 2 وهو قريب مما فى السيرة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَبِيلَا خَثْعَمَ، أَمَا خَثْعَمُ: فَاسْمُ جَبَلٍ سُمّيَ بِهِ بَنُو عِفْرِسِ «1» بْنِ خُلْفِ بْنِ أَفْتَلَ بْنِ أَنْمَارٍ؛ لِأَنّهُمْ نَزَلُوا عِنْدَهُ، وَقِيلَ: إنّهُمْ تَخَثْعَمُوا بِالدّمِ عِنْدَ حِلْفٍ عَقَدُوهُ بَيْنَهُمْ، أَيْ: تَلَطّخُوا، وَقِيلَ: بَلْ خَثْعَمُ ثَلَاثٌ: شَهْرَانُ وَنَاهِسُ وَأَكْلُبُ «2» غَيْرَ أَنّ أَكْلُبَ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ هُوَ: ابْنُ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ، وَلَكِنّهُمْ دَخَلُوا فِي خَثْعَمَ، وَانْتَسَبُوا إلَيْهِمْ فَاَللهُ أَعْلَمُ. قَالَ رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمَ: مَا أَكْلُبُ مِنّا، وَلَا نَحْنُ مِنْهُمْ ... وَمَا خَثْعَمُ يَوْمَ الْفَخَارِ وَأَكْلُبُ قَبِيلَةُ سُوءٍ مِنْ رَبِيعَةَ أَصْلُهَا ... فَلَيْسَ لَهَا عَمّ لَدَيْنَا، وَلَا أَبٌ فَأَجَابَهُ الْأَكْلَبِيّ فَقَالَ: إنّي مِنْ الْقَوْمِ الّذِينَ نَسَبْتنِي ... إلَيْهِمْ كَرِيمُ الْجَدّ وَالْعَمّ وَالْأَبِ فَلَوْ كُنْت ذَا عِلْمٍ بِهِمْ مَا نَفَيْتنِي ... إلَيْهِمْ تَرَى أَنّي بِذَلِكَ أُثْلَبُ فَإِنْ لَا يَكُنْ عَمّايَ خُلْفًا وَنَاهِسًا «3» ... فإنى امرؤ عَمّايَ: بَكْرٌ وَتَغْلِبُ أَبُونَا الّذِي لَمْ تُرْكَبُ الْخَيْلُ قَبْلَهُ ... وَلَمْ يَدْرِ مَرْءٌ قَبْلَهُ كَيْفَ يركب

_ (1) فى الاشتقاق لابن دريد «عفرس بكسر أوله وثالثه وإسكان ثانيه وهو من العفرسة، وهو الأخذ بالقهر والغلبة.. أما أفتل فمن قولهم بعير أفتل: وهو الذى يتباعد منكباه عن زوره. وشهران إما من الشهرة وإما من الأشهر وهو البياض الذى حول صفرة النرجس وناهس من النهس وهو النهش. (2) فى الاشتقاق: وأكلب بطن من خثعم، وفى الجمهرة لابن حزم ولد خثعم حلفا، وولد هذا عفرسا، وولد هذا ناهسا وشهران وأكلب بن ربيعه بن نزار دخلوا فى بنى خثعم فقالوا: أكلب بن ربيعة بن عفرس. (3) فى جمهرة ابن حزم: حلف بضم الحاء وإسكان ثانيه، وفى رواية. حلف بالحاء المفتوحة وكسر اللام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يُرِيدُ أَنّهُ مِنْ رَبِيعَةَ، وَرَبِيعَةُ كَانَ يُقَالُ لَهُ: رَبِيعَةُ الْفَرَسِ. وَأَمّا ثَقِيفٌ وَمَا ذُكِرَ مِنْ اخْتِلَافِ النّسّابِينَ فِيهِمْ، فَبَعْضُهُمْ يَنْسُبُهُمْ إلَى إيَادٍ، وَبَعْضُهُمْ يَنْسُبُهُمْ إلَى قَيْسٍ، وَقَدْ نُسِبُوا إلَى ثَمُودَ أَيْضًا. وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ عَنْهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- رَوَاهُ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ فِي جَامِعِهِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا رُوِيَ فِي الْجَامِعِ أَنّ أَبَا رِغَالٍ مِنْ ثَمُودَ، وَأَنّهُ كَانَ بِالْحَرَمِ حِينَ أَصَابَ قَوْمَهُ الصّيْحَةُ، فَلَمّا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مِنْ الْهَلَاكِ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ، فَدُفِنَ هُنَاكَ، وَدُفِنَ مَعَهُ غُصْنَانِ مِنْ ذَهَبٍ، وَذُكِرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرّ بِالْقَبْرِ، وَأَمَرَ بِاسْتِخْرَاجِ الْغُصْنَيْنِ مِنْهُ، فَاسْتَخْرَجَا «1» . وَقَالَ جَرِيرٌ أَوْ غَيْرُهُ. إذَا مَاتَ الْفَرَزْدَقُ فَارْجُمُوهُ ... كَرَجْمِكُمْ لِقَبْرِ أَبِي رِغَالِ وَوَقَعَ فِي هَذِهِ النّسْخَةِ فِي نَسَبِ ثقيف الأول: ابن إباد بْنِ مَعَدّ. وَفِي الْحَاشِيَةِ أَنّ الْقَاضِيَ أَبَا الْوَلِيدِ غَيّرَهُ، فَجَعَلَ مَكَانَ ابْنِ مَعَدّ: مِنْ مَعَدّ، وَذَلِكَ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- لِأَنّ إيَادَ هَذَا هُوَ: ابْنُ نِزَارٍ، وَلَيْسَ بِابْنِ مَعَدّ لِصُلْبِهِ، وَلِمَعَدّ ابْنٌ اسْمُهُ: إيَادٌ، وَهُوَ: ابْنُهُ لِصُلْبِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَقَدْ قَدّمْنَا ذِكْرَهُ مَعَ بَنِي مَعَدّ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ، وَهُوَ عَمّ إيَادٍ، وَالْإِيَادُ فِي اللّغَةِ: التّرَابُ الّذِي يُضَمّ إلَى الْخِبَاءِ لِيَقِيَهُ مِنْ السّيْلِ وَنَحْوِهِ، وهو مأخود مِنْ الْأَيْدِ، وَهِيَ الْقُوّةُ، لِأَنّ فِيهِ قُوّةً لِلْخِبَاءِ، وَهُوَ بَيْنَ النّؤْيِ وَالْخِبَاءِ، وَالنّؤْيُ يُشْتَقّ مِنْ النّائِي، لِأَنّهُ حَفِيرٌ يَنْأَى بِهِ الْمَطَرُ، أى: يبعد عن الخباء.

_ (1) خرف لا كلام نبى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَنْشَدَ لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ، وَاسْمُ أَبِي الصّلْتِ: رَبِيعَةُ بْنُ وَهْبٍ فِي قَوْلِ الزّبَيْرِ. قَوْمِي إيَادٌ لَوْ أَنّهُمْ أُمَمٌ ... أَوَلَوْ أَقَامُوا، فَتُهْزَلَ النّعَمُ يُرِيدُ: أَيْ: لَوْ أَقَامُوا بِالْحِجَازِ، وَإِنْ هَزَلَتْ نَعَمُهُمْ؛ لِأَنّهُمْ انْتَقَلُوا عَنْهَا، لِأَنّهَا ضَاقَتْ عَنْ مَسَارِحِهِمْ، فَصَارُوا إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: وَالْقِطّ وَالْقَلَمُ، وَالْقِطّ: مَا قُطّ مِنْ الْكَاغَدِ وَالرّقّ «1» وَنَحْوِهِ، وَذَلِكَ أَنّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ الّتِي سَارُوا إلَيْهَا، وَقَدْ قِيلَ لِقُرَيْشِ: مِمّنْ تَعَلّمْتُمْ الْقِطّ؟ فَقَالُوا: تَعَلّمْنَاهُ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ، وَتَعَلّمَهُ أَهْلُ الْحِيرَةِ مِنْ أَهْلِ الْأَنْبَارِ، وَنَصَبَ قَوْلَهُ: فَتُهْزَلَ النّعَمُ بِالْفَاءِ عَلَى جَوَابِ التّمَنّي الْمُضَمّنِ فِي لَوْ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشّعَرَاءُ: 102] وَأَمّا تَسْمِيَةُ قَسِيّ بِثَقِيفِ، فَسَيَأْتِي سَبَبُ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ الطّائِفِ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى الْمُغَمّسُ: وَقَوْلُهُ: فَلَمّا نَزَلَ أَبْرَهَةُ الْمُغَمّسَ هَكَذَا أَلْفَيْته فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ الْمُقَيّدَةِ عَلَى أَبِي الْوَلِيدِ الْقَاضِي بِفَتْحِ الْمِيمِ الْآخِرَةِ مِنْ الْمُغَمّسِ. وَذَكَرَ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَئِمّةِ اللّغَةِ أَنّهُ الْمُغَمّسُ. بِكَسْرِ الْمِيم الْآخِرَةِ، وَأَنّهُ أَصَحّ مَا قِيلَ فِيهِ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنّهُ يُرْوَى بِالْفَتْحِ، فَعَلَى رِوَايَةِ الْكَسْرِ هُوَ: مُغَمّسٌ مُفَعّلٌ مِنْ غَمّسْت، كأنه اشتق من الغميس وهو الغمير،

_ (1) الكاغد: القرطاس، معرب، والرق بكسر الراء وفتحها: جلد رقيق يكتب فيه. ما قط: أى ما قطع.

"ذو نفر ونفيل يحاولان حماية البيت":

[ «ذو نفر ونفيل يحاولان حماية البيت» :] فَخَرَجَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمُلُوكِهِمْ يُقَالُ لَهُ: ذُو نَفْرٍ، فَدَعَا قَوْمَهُ، وَمَنْ أَجَابَهُ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ إلَى حَرْبِ أبرهة، وجهاده عن بيت الله الحرام، وَمَا يُرِيدُ مِنْ هَدْمِهِ وَإِخْرَابِهِ، فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ مَنْ أَجَابَهُ، ثُمّ عَرَضَ لَهُ فَقَاتَلَهُ، فَهُزِمَ ذُو نَفْرٍ وَأَصْحَابُهُ، وَأُخِذَ لَهُ ذُو نَفْرٍ، فَأُتِيَ بِهِ أَسِيرًا، فَلَمّا أَرَادَ قَتْلَهُ، قَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ: أَيّهَا الْمَلِكُ، لَا تَقْتُلْنِي فَإِنّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَائِي مَعَك خَيْرًا لَك مِنْ قَتْلِي، فَتَرَكَهُ مِنْ الْقَتْلِ، وَحَبَسَهُ عِنْدَهُ فِي وَثَاقٍ، وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا حليما. ثُمّ مَضَى أَبْرَهَةُ عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ يُرِيدُ مَا خَرَجَ لَهُ، حَتّى إذَا كَانَ بِأَرْضِ خَثْعَمَ عَرَضَ لَهُ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيّ فِي قَبيلَيْ خَثْعَمَ: شَهْرَانِ وَنَاهِسُ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ أَبْرَهَةُ، وَأُخِذَ لَهُ نُفَيْلٌ أَسِيرًا، فَأُتِيَ بِهِ فَلَمّا هَمّ بِقَتْلِهِ قَالَ لَهُ نُفَيْلٌ: أَيّهَا الْمَلِكُ، لَا تَقْتُلْنِي فَإِنّي دَلِيلُك بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وَهَاتَانِ يَدَايَ لَك عَلَى قبيلَيْ خَثْعَمَ: شَهْرَانِ وَنَاهِسُ بِالسّمْعِ والطاعة، فخلّى سبيله. [ «بين ثقيف وأبرهة» :] وَخَرَجَ بِهِ مَعَهُ يَدُلّهُ، حَتّى إذَا مَرّ بِالطّائِفِ خَرَجَ إلَيْهِ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتّبِ ابن مالك بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عوف بن ثقيف فى رجال ثقيف. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُوَ النّبَاتُ الْأَخْضَرُ الّذِي يَنْبُتُ فِي الْخَرِيفِ تَحْتَ الْيَابِسِ، يُقَالُ: غَمّسَ الْمَكَانُ وَغَمّرَ إذَا نَبَتَ فِيهِ ذَلِكَ، كَمَا يُقَالُ: صَوّحَ، وَشَجّرَ «1» ، وأما على رواية الفتح،

_ (1) صوح النبت: يبس حتى تشقق، وشجر النبات: صار شجرا.

وَاسْمُ ثَقِيفٍ: قَسِيّ بْنُ النّبِيت بْنِ مُنَبّهِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ يَقْدُمَ بْنِ أَفْصَى بْنِ دُعْمّى بْنِ إيَادِ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بن عدنان. قَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ الثّقَفِيّ: قَوْمِي إياد لو أنهم أمم ... أَوْ: لَوْ أَقَامُوا فَتُهْزَلَ النّعَمُ قَوْمٌ لَهُمْ سَاحَةُ الْعِرَاقِ إذَا ... سَارُوا جَمِيعًا وَالْقِطّ وَالْقَلَمُ وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ أَيْضًا: فَإِمّا تسألى عنّى- لبينى ... وَعَنْ نَسَبِي- أُخَبّرْك اليَقينَا فَإِنّا للنّبيت أَبِي قَسِيّ ... لَمَنْصُورُ بْنُ يَقْدُمَ الْأَقْدَمِينَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثَقِيفٌ: قَسِىّ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ بَكْرِ بن هوازن بن منصور ابن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ، وَالْبَيْتَانِ الْأَوّلَانِ وَالْآخِرَانِ فِي قَصِيدَتَيْنِ لِأُمَيّةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالُوا لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّمَا نَحْنُ عَبِيدُك سَامِعُونَ لَك مُطِيعُونَ، لَيْسَ عِنْدَنَا لَك خِلَافٌ، وَلَيْسَ بَيْتُنَا هَذَا الْبَيْتَ الذى تريد- يعنون اللات- إنّمَا تُرِيدُ الْبَيْتَ الّذِي بِمَكّةَ، وَنَحْنُ نَبْعَثُ معك من يدلّك عليه، فتجاوز عنهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ فكأنه من غمست الشئ، إذَا غَطّيْته، وَذَلِكَ أَنّهُ مَكَانٌ مَسْتُورٌ إمّا بِهِضَابِ وَإِمّا بِعَضَاهٍ «1» ، وَإِنّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-

_ (1) العضاه كل شجر له شوك صغر أو كبر.

"قصة أبى رغال وقبره المرجوم".

واللات: بَيْتٌ لَهُمْ بِالطّائِفِ كَانُوا يُعَظّمُونَهُ نَحْوَ تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ لِضِرَارِ بْنِ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ: وَفَرّتْ ثَقِيفٌ إلَى لَاتِهَا ... بِمُنْقَلَبِ الْخَائِبِ الْخَاسِرِ وَهَذَا الْبَيْتُ فى أبيات له. [ «قصة أبى رغال وقبره المرجوم» .] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَعَثُوا مَعَهُ أَبَا رِغَالٍ يَدُلّهُ عَلَى الطّرِيقِ إلَى مَكّةَ، فَخَرَجَ أَبْرَهَةُ ومعه أَبُو رِغَالٍ حَتّى أَنْزَلَهُ الْمُغَمّسَ، فَلَمّا أَنْزَلَهُ به مات أبو رغال هنا لك، فَرَجَمَتْ قَبْرَهُ الْعَرَبُ، فَهُوَ الْقَبْرُ الّذِي يَرْجُمُ الناس بالمغمّس. [ «عدوان الأسود على مكة» .] فَلَمّا نَزَلَ أَبْرَهَةُ الْمُغَمّسَ، بَعَثَ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهُ: الْأَسْوَدُ بْنُ مَقْصُودٍ عَلَى خَيْلٍ لَهُ، حَتّى انْتَهَى إلَى مكة، فساق إليه أموال تِهَامَةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، وَأَصَابَ فِيهَا مِئَتَيْ بَعِيرٍ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيّدُهَا، فَهَمّتْ قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ وَهُذَيْلٌ، ومن كان بذلك الحرم بِقِتَالِهِ، ثُمّ عَرَفُوا أَنّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ به، فتركوا ذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ إذْ كَانَ بِمَكّةَ، كَانَ إذَا أَرَادَ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ خَرَجَ إلَى الْمُغَمّسِ، وَهُوَ عَلَى ثُلُثِ فَرْسَخٍ مِنْهَا، كَذَلِكَ رَوَاهُ عَلِيّ بْنُ السّكَنِ فِي كِتَابِ السّنَنِ لَهُ، وَفِي السّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ أَبْعَد، وَلَمْ يُبَيّنْ مِقْدَارَ الْبُعْدِ، وَهُوَ مُبَيّنٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ السّكَنِ- كَمَا قَدّمْنَا- وَلَمْ يَكُنْ

"رسول أبرهة إلى عبد المطلب":

[ «رسول أبرهة إلى عبد الْمُطّلِبِ» :] وَبَعَثَ أَبْرَهَةُ حُنَاطَة الْحِمْيَرِيّ إلَى مَكّةَ، وَقَالَ لَهُ: سَلْ عَنْ سَيّدِ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ وَشَرِيفِهَا، ثُمّ قُلْ لَهُ: إنّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَك: إنّي لَمْ آتِ لِحَرْبِكُمْ، إنّمَا جِئْت لِهَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِضُوا دُونَهُ بِحَرْبِ، فَلَا حَاجَةَ لِي بِدِمَائِكُمْ، فَإِنْ هُوَ لَمْ يُرِدْ حَرْبِي، فَأْتِنِي بِهِ، فَلَمّا دَخَلَ حُنَاطَة مَكّةَ، سَأَلَ عَنْ سَيّدِ قُرَيْشٍ وَشَرِيفِهَا، فَقِيلَ لَهُ: عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمِ فَجَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبْرَهَةُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ: وَاَللهِ مَا نُرِيدُ حَرْبَهُ، وَمَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْ طَاقَةٍ، هَذَا بَيْتُ اللهِ الْحَرَامُ، وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ- أَوْ كَمَا قَالَ- فَإِنْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ، فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ، وَإِنْ يُخَلّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فوالله ما عندنا دفع عنه؛ فَقَالَ لَهُ حُنَاطَة: فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ، فَإِنّهُ قد أمرنى أن آتيه بك. [ «الشافعون عند أبرهة لعبد المطلب» .] فَانْطَلَقَ مَعَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، وَمَعَهُ بَعْضُ بَنِيهِ، حَتّى أَتَى الْعَسْكَرَ، فَسَأَلَ عَنْ ذِي نَفْرٍ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا، حَتّى دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَحْبِسِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا ذَا نَفْرٍ هَلْ عِنْدَك مِنْ غَنَاءٍ فِيمَا نَزَلَ بِنَا؟ فَقَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ: وَمَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ بِيَدَيْ مَلِكٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يَقْتُلَهُ غُدُوّا أو عشيا؟! ما عندنا غناء فى شئ مِمّا نَزَلَ بِك إلّا أَنّ أُنَيْسًا سَائِسَ الْفِيلِ صَدِيقٌ لِي، وَسَأُرْسِلُ إلَيْهِ فَأُوصِيهِ بِك، وَأُعْظِمُ عَلَيْهِ حَقّك، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ لَك عَلَى الْمَلِكِ، فَتُكَلّمُهُ بِمَا بَدَا لَك. وَيَشْفَعُ لَك عِنْدَهُ بِخَيْرِ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: حَسْبِي. فَبَعَثَ ذُو نَفْرٍ إلَى أُنَيْسٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَأْتِيَ مَكَانًا لِلْمَذْهَبِ إلّا وَهُوَ مَسْتُورٌ مُنْخَفِضٌ، فَاسْتَقَامَ المعنى فيه على الروايتين جميعا.

"عبد المطلب وأبرهة"

فَقَالَ لَهُ: إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ سَيّدُ قُرَيْشٍ، وَصَاحِبُ عِيرِ مَكّةَ، يُطْعِمُ النّاسَ بِالسّهْلِ، وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَقَدْ أَصَابَ لَهُ الْمَلِكُ مِئَتَيْ بَعِيرٍ، فَاسْتَأْذِنْ لَهُ عَلَيْهِ، وَانْفَعْهُ عِنْدَهُ بِمَا اسْتَطَعْت، فَقَالَ: أَفْعَلُ. فَكَلّمَ أُنَيْسٌ أَبْرَهَةَ، فَقَالَ لَهُ. أَيّهَا الْمَلِكُ، هَذَا سَيّدُ قُرَيْشٍ بِبَابِك يَسْتَأْذِنُ عَلَيْك، وَهُوَ صَاحِبُ عِيرِ مَكّةَ، وَهُوَ يُطْعِمُ النّاسَ فِي السّهْلِ، وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَأْذَنْ لَهُ عَلَيْك، فَيُكَلّمْك فِي حاجته، قال: فأذن له أبرهة. [ «عبد المطلب وأبرهة» ] قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ أَوْسَمَ النّاسِ وَأَجْمَلَهُمْ وَأَعْظَمَهُمْ، فَلَمّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَجَلّهُ وَأَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ عَنْ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ، وَكَرِهَ أَنْ تَرَاهُ الْحَبَشَةُ يَجْلِسُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ، فَنَزَلَ أَبْرَهَةُ عَنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطِهِ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ إلَى جَنْبِهِ، ثُمّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: حَاجَتُك؟ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ التّرْجُمَانُ، فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ يَرُدّ عَلَيّ الْمَلِكُ مِئَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي، فَلَمّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ، قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُك، ثُمّ قَدْ زَهِدْت فِيك حِين كَلّمْتنِي، أَتُكَلّمُنِي فِي مِئَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا لَك، وَتَتْرُكُ بَيْتًا هُوَ دِينُك وَدِينُ آبائك قد جئت لهدمه، لَا تُكَلّمْنِي فِيهِ؟! قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ: إنّي أَنَا رَبّ الْإِبِلِ، وَإِنّ لِلْبَيْتِ رَبّا سَيَمْنَعُهُ، قَالَ: مَا كَانَ لِيَمْتَنِعَ مِنّي، قَالَ: أنت وذاك. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَسَامَةُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: وَقَوْلُهُ فِي صِفّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: أَوْسَمُ النّاسِ وَأَجْمَلُهُ «1» . ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ هَذَا

_ (1) فى السيرة: وأجملهم.

"عبد المطلب يستغيث بالله"

وَكَانَ- فِيمَا يَزْعُمُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ- قَدْ ذَهَبَ مَعَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلَى أَبْرَهَةَ، حِينَ بَعَثَ إلَيْهِ حُنَاطَة، يَعْمُرُ بْنُ نُفَاثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ الدّئل بْنِ بَكْرِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ بَنِي بَكْرٍ- وَخُوَيْلِد بْنُ وَاثِلَةَ الْهُذَلِيّ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ هُذَيْلٍ- فَعَرَضُوا عَلَى أَبْرَهَةَ ثُلُثَ أَمْوَالِ تِهَامَةَ، عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ، وَلَا يَهْدِمَ الْبَيْتَ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ. وَاَللهُ أَعْلَمُ، أَكَانَ ذَلِكَ، أَمْ لَا، فَرَدّ أَبْرَهَةُ عَلَى عَبْدِ الْمُطّلِبِ الْإِبِلَ التى أصاب له. [ «عبد المطلب يستغيث بالله» ] فَلَمّا انْصَرَفُوا عَنْهُ، انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ إلَى قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكّةَ، وَالتّحَرّزِ فِي شَعَفِ الْجِبَالِ وَالشّعَابِ: تَخَوّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرّةِ الْجَيْشِ، ثُمّ قَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَقَامَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَدْعُونَ اللهَ، ويستنصرونه عَلَى أَبْرَهَةَ وَجُنْدِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ باب الكعبة: لاهمّ إنّ العبد يمنع ... رحله فامنع خلالك لا يغلبنّ صليبهم ... ومحالهم غدوا محالك قال ابن هشام: هذا ما صح له منها. [ «شاعر يدعو على الأسود» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بن عبد الدّار بن قصىّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ الْكَلَامَ مَحْكِيّا عَنْ الْعَرَبِ، وَوَجْهُهُ عِنْدَهُمْ أَنّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، فَكَأَنّك قُلْت: أَحْسَنُ رَجُلٍ وَأَجْمَلُهُ، فَأَفْرَدَ الِاسْمَ الْمُضْمَرَ الْتِفَاتًا إلَى هَذَا المعنى، وهو

"أبرهة والفيل والكعبة"

لاهمّ أخز الأسود بن مقصود ... الْآخِذَ الْهَجْمَةَ فِيهَا التّقليدْ بَيْنَ حِرَاءَ وثَبِيرٍ فَالْبِيدْ ... يَحْبِسُهَا وَهِيَ أُولَاتُ التّطْرِيدْ فَضَمّهَا إلَى طَمَاطِمٍ سُودْ ... أَخْفِرْهُ يَا رَبّ وَأَنْتَ مَحْمُودْ قال ابن هشام: هذا ما صح له مِنْهَا، وَالطّمَاطِمُ: الْأَعْلَاجُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَرْسَلَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حَلْقَةَ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى شَعَفِ الْجِبَالِ، فَتَحَرّزُوا فِيهَا يَنْتَظِرُونَ مَا أَبْرَهَةُ فَاعِلٌ بمكة إذا دخلها. [ «أبرهة والفيل والكعبة» ] فَلَمّا أَصْبَحَ أَبْرَهَةُ تَهَيّأَ لِدُخُولِ مَكّةَ، وَهَيّأَ فِيلَهُ، وَعَبّى جَيْشَهُ- وَكَانَ اسْمُ الْفِيلِ مَحْمُودًا- وَأَبْرَهَةُ مُجْمِعٌ لِهَدْمِ الْبَيْتِ، ثُمّ الِانْصِرَافِ إلَى الْيَمَنِ. فَلَمّا وَجّهُوا الْفِيلَ إلَى مَكّةَ، أَقْبَلَ نفيل بن حبيب حَتّى قَامَ إلَى جَنْبِ الْفِيلِ، ثُمّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ، فَقَالَ: اُبْرُكْ مَحْمُودُ، أَوْ ارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْت، فَإِنّك فِي بَلَدِ اللهِ الْحَرَامِ، ثُمّ أَرْسَلَ أُذُنَهُ. فَبَرَكَ الْفِيلُ، وَخَرَجَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ يَشْتَدّ حَتّى أَصْعَدَ فِي الْجَبَلِ، وَضَرَبُوا الْفِيلَ لِيَقُومَ فَأَبَى، فَضَرَبُوا فِي رَأْسِهِ بالطّبَرْزين؛ لِيَقُومَ فَأَبَى، فَأَدْخَلُوا مَحَاجِنَ لَهُمْ فِي مَرَاقّهِ فَبَزَغُوهُ بِهَا لِيَقُومَ فَأَبَى، فَوَجّهُوهُ رَاجِعًا إلَى الْيَمَنِ فَقَامَ يُهَرْوِلُ، وَوَجّهُوهُ إلَى الشّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَوَجّهُوهُ إلَى الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَوَجّهُوهُ إلَى مَكّةَ فَبَرَكَ، فأرسل ـــــــــــــــــــــــــــــ عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ، كَأَنّهُ حِينَ ذَكَرَ النّاسَ قَالَ: هُوَ أَجْمَلُ هَذَا الْجَنْسِ مِنْ الْخَلْقِ، وَإِنّمَا عَدَلْنَا عَنْ ذَلِكَ التّقْدِيرِ الْأَوّلِ، لِأَنّ فِي الْحَدِيثِ الصّحِيحِ: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَوَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ: أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدِهِ فى صغره،

الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كلّ طَائِرٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ يَحْمِلُهَا: حَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ، وَحَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ، أَمْثَالُ الْحِمّصِ وَالْعَدَسِ، لَا تُصِيبُ مِنْهُمْ أَحَدًا إلّا هَلَكَ، وَلَيْسَ كُلّهُمْ أَصَابَتْ، وَخَرَجُوا هَارِبِينَ يَبْتَدِرُونَ الطّرِيقَ الّذِي مِنْهُ جَاءُوا، وَيَسْأَلُونَ عَنْ نُفَيْلِ بْنِ حَبِيبٍ، لِيَدُلّهُمْ عَلَى الطّرِيقِ إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ نُفَيْلٌ حِينَ رَأَى مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهِمْ مِنْ نِقْمَتِهِ: أَيْنَ الْمَفَرّ وَالْإِلَهُ الطّالِبُ ... وَالْأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ لَيْسَ الْغَالِبُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: «لَيْسَ الْغَالِبُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ نُفَيْلٌ أَيْضًا: أَلَا حُيّيت عَنّا يا ردينا ... نعمناكم مع الإصباح عينا ردينة لو رأيت- ولا تريه ... لذى جَنْبِ الْمُحَصّبِ مَا رَأَيْنَا إذًا لَعَذَرْتِنِي وَحَمِدْتِ أمرى ... ولم تأسى علئ مَا فَاتَ بَيْنَا حَمِدْتُ اللهَ إذْ أَبْصَرْتُ طَيْرًا ... وَخِفْتُ حِجَارَةً تُلْقَى عَلَيْنَا وَكُلّ الْقَوْمِ يَسْأَلُ عَنْ نُفَيْلٍ ... كَأَنّ عَلَيّ لِلْحُبْشَانِ دَيْنَا فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون بكل مهلك على كل منهل، وَأُصِيبَ أَبْرَهَةُ فِي جَسَدِهِ، وَخَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ يسقط أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً: كُلّمَا سَقَطَتْ أُنْمُلَةٌ، أَتْبَعَتْهَا مِنْهُ مِدّةٌ تَمُثّ قَيْحًا وَدَمًا، حَتّى قَدِمُوا بِهِ صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطّائِرِ، فَمَا مَاتَ حَتّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ، فِيمَا يَزْعُمُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ «1» » ، وَلَا يستقيم ههنا حمله على الإفراد، لأن

_ (1) متفق عليه، وأحمد فى مسنده عن أبى هريرة.

"قصة الفيل فى القرآن"

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ أنه حدّث: أن أول ما رؤيت الْحَصْبَةُ وَالْجُدَرِيّ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ذَلِكَ الْعَامَ، وَأَنّهُ أول ما رؤى بِهَا مَرَائِرُ الشّجَرِ: الْحَرْمَلِ وَالْحَنْظَلِ وَالْعُشَرِ ذَلِكَ العام. [ «قصة الفيل فى القرآن» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا بَعَثَ اللهُ تَعَالَى مُحَمّدًا- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كَانَ مِمّا يَعُدّ اللهُ عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِ، مَا رَدّ عَنْهُمْ مِنْ أَمْرِ الْحَبَشَةِ لِبَقَاءِ أَمْرِهِمْ وَمُدّتِهِمْ، فَقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ. أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ. وقال: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ. أَيْ لِئَلّا يُغَيّرَ شَيْئًا مِنْ حَالِهِمْ الّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، لِمَا أَرَادَ اللهُ بِهِمْ مِنْ الْخَيْرِ لَوْ قَبِلُوهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَبَابِيلُ: الْجَمَاعَاتُ، وَلَمْ تَتَكَلّمْ لَهَا الْعَرَبُ بِوَاحِدِ عَلِمْنَاهُ، وَأَمّا السّجّيلُ، فَأَخْبَرَنِي يُونُسُ النّحْوِيّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَنّهُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الشّدِيدُ الصّلْبُ، قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ: وَمَسّهُمْ مَا مسّ أصحاب الفيل ... تَرْمِيهِمْ حِجَارَةٌ مِنْ سِجّيلْ وَلَعِبَتْ طَيْرٌ بِهِمْ أبابيل ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُفْرَدَ هَهُنَا امْرَأَةٌ، فَلَوْ نَظَرَ إلَى وَاحِدِ النّسَاءِ لَقَالَ: أَحْنَاهَا عَلَى وَلَدِهِ، فَإِذًا التّقْدِيرُ: أَحْنَى هَذَا الْجَنْسِ الّذِي هُوَ النّسَاءُ، وَهَذَا الصنف، ونحو هذا.

وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسّرِينَ أَنّهُمَا كَلِمَتَانِ بِالْفَارِسِيّةِ، جَعَلَتْهُمَا الْعَرَبُ كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَإِنّمَا هُوَ سَنْج وَجَلّ يَعْنِي بِالسّنْجِ: الحجر، وبالجلّ: الطّينَ، يَعْنِي: الْحِجَارَةُ مِنْ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ: الْحَجَرِ والطين. والعصف: ورق الزرع الذى لم يعصف، وَوَاحِدَتُهُ عَصْفَةٌ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ أَنّهُ يُقَالُ لَهُ: الْعُصَافَةُ وَالْعَصِيفَةُ. وَأَنْشَدَنِي لِعَلْقَمَةَ بن عبدة أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ: تَسْقَى مَذَانِبَ قَدْ مَالَتْ عصيفتها ... حَدُورُهَا مِنْ أَتِيّ الْمَاءِ مَطْمُومِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ الرّاجِزُ: فَصُيّرُوا مِثْلَ كَعَصْفِ مَأْكُول قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلِهَذَا الْبَيْتِ تفسير فى النحو. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر قول عبد المطلب: لاهمّ إنّ الْمَرْءَ يَمْ ... نَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَك الْعَرَبُ تَحْذِفُ الْأَلِفَ وَاللّامَ مِنْ اللهُمّ، وَتَكْتَفِي بِمَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ: لَاهٍ أَبُوك تُرِيدُ: لِلّهِ أَبُوك، وَقَدْ تَقَدّمَ. قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي لِهَنّكَ [أَوْ: لَهِنّك] ، وَأَنّ الْمَعْنَى: وَاَللهِ إنّك، وَهَذَا لِكَثْرَةِ دَوْرِ هَذَا الِاسْمِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَقَدْ قَالُوا فِيمَا هُوَ دُونَهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ: أَجِنّك تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا. أي مِنْ أجل أَنّك تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا وَالْحَلَالُ فِي هَذَا الْبَيْتِ: الْقَوْمُ الْحُلُولُ فِي الْمَكَانِ، وَالْحَلَالُ مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ النّسَاءِ. قَالَ الشّاعِرُ: بِغَيْرِ حلال غادرته مجحفل «1»

_ (1) جحفله: صرعه ورماه وبكته. والبيت لطفيل وهو: وراكضة ما تستجنّ بجنّة ... بعير حِلَالٍ غَادَرَتْهُ مُجَحْفَلِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْحِلَالُ أَيْضًا: مَتَاعُ الْبَيْتِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ هَهُنَا، وَفِي الرّجَزِ بَيْتٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَانَصْر عَلَى آلِ الصّلِيبِ ... وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَك «1» وَفِيهِ حُجّةٌ عَلَى النّحّاسِ وَالزّبَيْدِيّ حَيْثُ زَعَمَا، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا أَنّهُ لَا يُقَالُ اللهُمّ صَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى آلَهُ، لِأَنّ الْمُضْمَرَ يَرُدّ الْمُعْتَلّ إلَى أَصْلِهِ، وَأَصْلُهُ: أَهْلٌ فَلَا يُقَالُ إلّا: وَعَلَى أهله، وبهذه المسئلة خَتَمَ النّحّاسُ كِتَابَهُ الْكَافِي. وَقَوْلُهُمَا خَطَأٌ مِنْ وُجُوهٍ، وَغَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي قِيَاسٍ وَلَا سَمَاعٍ، وَمَا وَجَدْنَا قَطّ مُضْمَرًا يَرُدّ مُعْتَلّا إلَى أَصْلِهِ إلّا قَوْلُهُمْ: أَعْطَيْتُكُمُوهُ بِرَدّ الْوَاوِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدَرٍ، وَلَا نَقُولُ أَيْضًا: إنّ آلًا أَصْلُهُ: أَهْلٌ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَلَا نَقُولُ: إنّ أُهَيْلًا تَصْغِيرُ آلٍ، كَمَا ظَنّ بَعْضُهُمْ، وَلِتَوْجِيهِ الْحِجَاجِ عَلَيْهِمْ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا، وَفِي الْكَامِلِ مِنْ قَوْلِ الْكِتَابِيّ لِمُعَاوِيَةَ حِينَ ذَكَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ آلِك، وَلَيْسَ مِنْك «2» . وَقَوْلُ عِكْرِمَةَ بْنِ عَامِرٍ: الْآخِذُ الْهَجْمَةَ فِيهَا التّقْلِيدُ «3» : الْهَجْمَةُ: هِيَ مَا بَيْنَ التّسْعِينَ إلَى الْمِائَةِ، وَالْمِائَةُ مِنْهَا: هُنَيْدَةٌ، وَالْمِائَتَانِ: هِنْدٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: والثلاثمائة أمامة، وأنشدوا:

_ (1) لما قاله عبد المطلب روايات مختلفة وهى فى الطبرى ستة أبيات ص 135 ج 2 (2) فى اللسان كلام طويل عن آل وأهل فى مادة أهل فانظره. (3) التقليد: أى فى أعناقها القلائد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَبَيّنْ رُوَيْدًا مَا أُمَامَةُ مِنْ هِنْد» . وَكَأَنّ اشتقاق الهحمة مِنْ الْهَجِيمَةِ، وَهُوَ: الثّخِينُ مِنْ اللّبَنِ، لِأَنّهُ لَمّا كَثُرَ لَبَنُهَا لِكَثْرَتِهَا، لَمْ يُمْزَجْ بِمَاءِ، وَشُرِبَ صِرْفًا ثَخِينًا، وَيُقَالُ لِلْقَدَحِ الّذِي يُحْلَبُ فِيهِ إذَا كَانَ كَبِيرًا: هَجْمٌ «2» . فِي حَدِيثِ الْفِيلِ: وَقَوْلِهِ: أَخْفِرْهُ يَا رَبّ. أَيْ اُنْقُضْ عَزْمَهُ وَعَهْدَهُ فَلَا تُؤَمّنْهُ، يُقَالُ: أَخَفَرْت الرّجُلَ، إذَا نَقَضْت عَهْدَهُ، وَخَفَرْته أَخْفِرُهُ: إذَا أَجَرْته، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُضْبَطَ هَذَا إلّا بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا، لِئَلّا يَصِيرَ الدّعَاءُ عَلَيْهِ دُعَاءً لَهُ. وَقَوْلُهُ: إلَى طَمَاطِمِ سُودٍ. يَعْنِي: الْعُلُوجَ. وَيُقَالُ لِكُلّ أَعْجَمِيّ: طُمْطُمَانِيّ وَطُمْطُمٌ وَيُذْكَرُ عَنْ الْأَخْفَشِ: طَمْطَمُ بِفَتْحِ الطّاءِ «3» . وَقَوْلُهُ: عَبّى جَيْشَهُ. يُقَالُ: عَبّيْت الْجَيْشَ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ، وَعَبّأَتْ الْمَتَاعَ

_ (1) فى اللسان ورد هكذا فى مادة أمم. أأبثره مالى ويحتر رفده ... تبيّن رويدا ما أمامة من هند وفى الحماسة وردت شطرته الأولى: أيو عدنى والرمل بينى وبينه. (2) ويحرك أيضا. (3) وطمطمى أيضا بكسر الطاءين، والطماطم: بفتح الطاء الأولى وكسر الثانية. وفى صفة قريش: ليس فيها طمطمانية حمير. شبه كلام حمير لما فيه من الألفاظ المنكرة بكلام العجم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِالْهَمْزِ، وَقَدْ حُكِيَ عَبَأْت الْجَيْشَ بِالْهَمْزِ وَهُوَ قَلِيلٌ «1» . وَقَوْلُهُ: فَبَرَكَ الْفِيلُ. فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنّ الْفِيلَ لَا يَبْرُكُ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بُرُوكُهُ: سُقُوطَهُ إلَى الْأَرْضِ، لِمَا جَاءَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ فِعْلَ الْبَارِكِ الّذِي يَلْزَمُ مَوْضِعَهُ، وَلَا يَبْرَحُ، فَعَبَرَ بِالْبُرُوكِ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ سَمِعْت مَنْ يَقُولُ: إنّ فِي الْفِيَلَةِ صِنْفًا مِنْهَا يَبْرُكُ كَمَا يَبْرُكُ الْجَمَلُ، فَإِنْ صَحّ وَإِلّا فَتَأْوِيلُهُ مَا قَدّمْنَاهُ. وَالْأَسْوَدُ بْنُ مَقْصُودٍ صَاحِبُ الْفِيلِ: هُوَ الْأَسْوَدُ بْنُ مَقْصُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُنَبّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِلّةَ وَيُقَالُ فِيهِ: عُلَهْ عَلَى وَزْنِ عُمَرَ، ابْنُ خَالِدِ «2» بْنِ مَذْجِجَ، وَكَانَ الْأَسْوَدُ قَدْ بَعَثَهُ النّجَاشِيّ مَعَ الْفِيَلَةِ وَالْجَيْشِ، وَكَانَتْ الْفِيَلَةُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فِيلًا، فَهَلَكَتْ كُلّهَا إلّا مَحْمُودًا، وَهُوَ فِيلُ النّجَاشِيّ؛ مِنْ أَجْلِ أَنّهُ أَبَى مِنْ التّوَجّهِ إلَى الْحَرَمِ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَنُفَيْلٌ الّذِي ذَكَرَهُ هُوَ: نُفَيْلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُزْءِ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ وَاهِبِ بْنِ جَلِيحَةَ بْنِ أَكْلُبَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عِفْرِسِ بْنِ جلف «3» بن أفتل،

_ (1) فى اللسان: عبأ المتاع- بفتح الباء بدون تضعيف عبأ وعبّاه هيأمو عبّأ الجيش أصلحه وهيأه تعبية. وتعبئة وتعبيا، وقال أبو زيد: عبأته بالهمز. (2) فى الاشتقاق وجمهرة ابن حزم: جلد بفتح الجيم وسكون اللام. (3) فى جمهرة ابن حزم حلف بالحاء المضمومة واللام الساكنة أو حلف بفتح الحاء وكسر اللام. وبنو عفرس فى جمهرة ابن حزم هما: ناهس وشهران فحسب، فولد ناهس حام وأجرم وأوس مناة، وولد شهران وهب ومر ومحمية والقريح ص 368 وفى الاشتقاق ليس لعفرس سوى شهران وناهس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُوَ: خَثْعَمُ. كَذَلِكَ نَسَبَهُ الْبَرْقِيّ. وَفِي الْكِتَابِ: نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ، وَنُفَيْلٌ مِنْ الْمُسَمّينَ بِالنّبَاتِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ: هُوَ تَصْغِيرُ نَفَلٍ، وهو نيت مُسْلَنْطِحٌ «1» عَلَى الْأَرْضِ. وَذَكَرَ النّقّاشُ أَنّ الطّيْرَ كَانَتْ أَنْيَابُهَا كَأَنْيَابِ السّبُعِ، وَأَكُفّهَا كَأَكُفّ الْكِلَابِ، وذكر البرفى أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ قَالَ: أَصْغَرُ الْحِجَارَةِ كَرَأْسِ الْإِنْسَانِ، وَكِبَارُهَا كَالْإِبِلِ. وَهَذَا الّذِي ذَكَرَهُ الْبَرْقِيّ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْهُ. وَفِي تَفْسِيرِ النّقّاشِ أَنّ السّيْلَ احْتَمَلَ جُثَثَهُمْ، فَأَلْقَاهَا فِي الْبَحْرِ، وَكَانَتْ قِصّةُ الْفِيلِ أَوّلَ الْمُحَرّمِ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ مِنْ تَارِيخِ ذِي الْقَرْنَيْنِ. وَقَوْلُهُ: فَضَرَبُوا رَأْسَهُ بِالطّبْرَزِينِ هَكَذَا تُقَيّدُ فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ فِي الْمُعْجَمِ، وَأَنّ الْأَصْلَ فِيهِ طَبَرْزِينُ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَقَالَ: طَبَرٌ هُوَ الْفَأْسُ وَذَكَرَ طَبَرَسْتَانَ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ: شَجَرٌ قُطِعَ بِفَأْسِ؛ لِأَنّهَا قَبْلَ أَنْ تُبْنَى كَانَتْ شَجْرَاءَ فَقُطِعَتْ، وَلَمْ يَقُلْ فِي طَبَرِيّةَ مِثْلُ هَذَا. قَالَ: وَلَكِنّهَا نُسِبَتْ إلَى طَبَارَاءَ، وَهُوَ اسْمُ الْمَلِكِ الّذِي بَنَاهَا، وَقَدْ أَلْفَيْته فِي شِعْرٍ قَدِيمٍ: طَبَرْزِينُ- بِفَتْحِ الْبَاءِ- كَمَا قَالَ الْبَكْرِيّ، وَجَائِزٌ فِي طَبَرْزِينَ- وَإِنْ كَانَ مَا ذُكِرَ أَنْ تُسَكّنَ الْبَاءُ- لِأَنّ الْعَرَبَ تَتَلَاعَبُ بِالْأَسْمَاءِ الْأَعْجَمِيّةِ تَلَاعُبًا لَا يُقِرّهَا عَلَى حَالٍ. قَالَهُ ابْنُ جِنّيّ. وَقَوْلُهُ: فَبَزَغُوهُ، أَيْ: أَدْمَوْهُ، وَمِنْهُ سُمّيَ الْمِبْزَغُ، وَفِي رِوَايَةِ يونس

_ (1) يعنى أنه منبسط على الأرض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ الْفِيلَ رَبَضَ، فَجَعَلُوا يَقْسِمُونَ بِاَللهِ أَنّهُمْ رَادّوهُ إلَى الْيَمَنِ، فَحَرّكَ لَهُمْ أُذُنَيْهِ، كَأَنّهُ يَأْخُذُ عَلَيْهِمْ عَهْدًا بِذَلِكَ، فَإِذَا أَقْسَمُوا لَهُ، قَامَ يُهَرْوِلُ، فَيَرُدّونَهُ إلَى مَكّةَ، فَيَرْبِضُ، فَيَحْلِفُونَ لَهُ، فَيُحَرّكُ لَهُمْ أُذُنَيْهِ كَالْمُؤَكّدِ عَلَيْهِمْ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ مِرَارًا. وَقَوْلُهُ: أَمْثَالُ الْحِمّصِ وَالْعَدَسِ يُقَالُ: حِمّصٌ، وَحِمّصٌ، كَمَا يُقَالُ: جِلّقٌ وَجِلّقٍ قَالَهُ الزّبَيْدِيّ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْحِمّصِ إلّا الْفَتْحَ وَلَيْسَ لَهُمَا نَظِيرٌ فِي الْأَبْنِيَةِ إلّا الْحِلّزَةُ وَهُوَ الْقَصِيرُ «1» ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: الْحِلّزُ: الْبَخِيلُ بِتَشْدِيدِ الزّاي، وَصَوّبَ الْقَالِي هَذِهِ الرّوَايَةَ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفِ، لأن فعّلا بالتشديد ليس فى الصّفَاتِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ. وَيَعْنِي بِمُمَاثَلَةِ الْحِجَارَةِ لِلْحِمّصِ أَنّهَا عَلَى شَكْلِهَا «2» - وَاَللهُ أَعْلَمُ- لِأَنّهُ قَدْ رُوِيَ أَنّهَا كَانَتْ ضِخَامًا تَكْسِرُ الرّءُوسَ، وَرُوِيَ أَنّ مَخَالِبَ الطّيْرِ كَانَتْ كَأَكُفّ الْكِلَابِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَ: جَاءَتْهُمْ طَيْرٌ مِنْ الْبَحْرِ كَرِجَالِ الْهِنْدِ، وفى رواية

_ (1) والسئ الخلق، والبخيل، ونبات، والبوم ودويّبة. (2) فى اللسان: «ولم يعرف ابن الأعرابى كسر الميم فى الحمّص، ولا حكى سيبويه فيه إلا الكسر، فهما مختلفان، وقال أبو حنيفة. الحمّص: عربى، وما أقل ما فى الكلام على بنائه من الأسماء. الفراء: لم يأت على فعّل بفتح العين وكسر الفا، إلا قنّف وقلّف، وهو الطين المتشقق إذا نضب عنه الماء، وحمّص وقنّب، ورجل خنّب وخنّاب: طويل، وقال المبرد: جاء على فقّل: جلّق وحمّص، وحلّز وهو القصير، قال: وأهل البصرة اختاروا حمّصا، وأهل الكوفة اختاروا حمّصا، وقال الجوهرى: الاختيار فتح الميم، وقال المبرد بكسرها» مادة حمص.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أُخْرَى عَنْهُ أَنّهُمْ اسْتَشْعَرُوا الْعَذَابَ فِي لَيْلَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِأَنّهُمْ نَظَرُوا إلَى النّجُومِ كَالِحَةً إلَيْهِمْ، تَكَادُ تُكَلّمُهُمْ مِنْ اقْتِرَابِهَا مِنْهُمْ، فَفَزِعُوا لِذَلِكَ «1» . وَقَوْلُ نُفَيْلٍ: وَلَمْ تَأْسَى عَلَى مَا فَاتَ بَيْنَا نَصَبَ بَيْنًا نَصْبَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكّدِ لِمَا قَبْلَهُ، إذْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَلَمْ يكن على لفطه، لِأَنّ فَاتَ: مَعْنَى: فَارَقَ وَبَانَ، كَأَنّهُ قَالَ: عَلَى مَا فَاتَ فَوْتًا، أَوْ بَانَ بَيْنًا، وَلَا يَصِحّ لِأَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ يَعْمَلُ فِيهِ تَأَسّى، لِأَنّ الْأَسَى بَاطِنٌ فِي الْقَلْبِ، وَالْبَيْنُ ظَاهِرٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ مِنْ أَجْلِهِ إلّا بِعَكْسِ هَذَا. تَقُولُ: بَكَى أَسَفًا، وَخَرَجَ خَوْفًا، وَانْطَلَقَ حِرْصًا عَلَى كَذَا، وَلَوْ عَكَسْت الْكَلَامَ كَانَ خَلَفًا مِنْ الْقَوْلِ وَهَذَا أَحَدُ شُرُوطِ الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَعَلّ لَهُ مَوْضِعًا مِنْ الْكِتَابِ فَنَذْكُرُهُ فِيهِ.

_ (1) كل هذه روايات تحتاج إلى سند، وحسبنا هدى الله عنهم. وأصعد: أى يصعد فى الجبل، والمحاجن: عصا معوجة فى طرفها حديدة، ومراقه: أسفل بطنه، والخطاطيف: جمع خطاف على وزن رمان هو السنونو، وهو ضرب من الطيور القواطع عريض المنقار، دقيق الجناح طويله منتفش الذيل. والبلسان: شجر له زهر أبيض صغير بهيئة العناقيد!! وفى النهاية لابن الأثير، وهو يفسر حديث ابن عباس المنسوب إليه «بعث الله الطير على أصحاب الفيل كالبلسان» بفتح الباء واللام والسين نقلا عن عباد بن موسى: «أظنها الزرازير» وهى جمع زرزور: طائر أكبر قليلا من العصفور، وله منقار طويل ذو قاعدة عريضة وجناحاه طويلان مدببان والمحصّب: مكان بين مكة ومنى، وهو إلى منى أقرب وحدّه من الحجون ذاهبا إلى منى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: نعمنا كم مَعَ الْإِصْبَاحِ عَيْنًا: دُعَاءٌ، أَيْ: نَعِمْنَا بِكُمْ، فَعَدّى الْفِعْلَ لَمّا حَذَفَ حَرْفَ الْجَرّ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: أَنْعَمَ اللهُ بِك عَيْنًا. وَقَوْلُهُ فِي أَوّلِ الْبَيْتِ: أَلَا حُيّيت عَنّا يَا رُدَيْنَا. هُوَ اسْمُ امْرَأَةٍ، كَأَنّهَا سُمّيَتْ بِتَصْغِيرِ رُدْنَةَ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الرّدَنِ وَهُوَ الْحَرِيرُ. وَيُقَالُ لِمُقَدّمِ الْكُمّ: رُدْنٌ، وَلَكِنّهُ مُذَكّرٌ، وَأَمّا دُرَيْنَةُ بِتَقْدِيمِ الدّالِ عَلَى الرّاءِ، فَهُوَ اسْمٌ لِلْأَحْمَقِ «1» قَالَهُ الْخَلِيلُ. وَقَوْلُهُ: فِي خَبَرِ أَبْرَهَةَ: تَبِعَتْهَا مِدّةٌ تَمُثّ قَيْحًا وَدَمًا. أَلْفَيْته فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ: تَمُثّ، وَتَمِثّ بِالضّمّ وَالْكَسْرِ. فَعَلَى رِوَايَةِ الضّمّ يَكُونُ الْفِعْلُ مُتَعَدّيًا، وَنَصَبَ قَيْحًا عَلَى الْمَفْعُولِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْكَسْرِ يَكُونُ غَيْرَ مُتَعَدّ، وَنَصَبَ قَيْحًا عَلَى التّمْيِيزِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ، وَهُوَ عِنْدَنَا عَلَى الْحَالِ، وَهُوَ مِنْ باب: تصبّب عرفا، وَتَفَقّأَ شَحْمًا «2» ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ شَيْخُنَا أَبُو الْحُسَيْنِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَقَدْ أَفْصَحَ سِيبَوَيْهِ فى لفظ الحال فى: ذهبن كلا كلا وَصُدُورًا «3» . وَأَشْرَقَ كَاهِلًا، وَهَذَا مِثْلُهُ، وَلِكَشْفِ الْقِنَاعِ عَنْ حَقِيقَةِ هَذَا مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا وَإِنّمَا قُلْنَا: إنّ مَنْ رَوَاهُ تَمُثّ بِضَمّ الْمِيمِ، فَهُوَ مُتَعَدّ، كَأَنّهُ مُضَاعَفٌ، وَالْمُضَاعَفُ إذَا كَانَ مُتَعَدّيًا، كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَضْمُومًا نَحْوَ: رَدّهُ يردّه إلّا ماشذ مِنْهُ، نَحْوَ عَلّ يَعُلّ وَيَعِلّ «4» ، وَهَرّ الْكَأْسُ يَهُرّ وَيَهِرّ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَدّ كَانَ

_ (1) فى القاموس كذلك. (2) مطاوع فقّأ. شق الشئ وأخرج ما فيه. (3) شطرته الأولى: «مشق الهواجر لحمهنّ مع السّرى» . (4) علّه: سقاه السقية الثانية، وعل هو بنفسه. فهو متعد ولازم تقول فيهما علّ يعل بضم العين وكسرها، وهرّ يهرّ كذلك، وجاء فى أدب الكاتب لابن-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَكْسُورًا فِي الْمُسْتَقْبِلِ نَحْوَ: خَفّ يَخِفّ، وَفَرّ يَفِرّ إلّا سِتّةَ أَفْعَالٍ جَاءَتْ فِيهَا اللّغَتَانِ جَمِيعًا، وَهِيَ فِي أَدَبِ الْكَاتِبِ وَغَيْرِهِ «1» ، فَغُنِينَا بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهَا. عَلَى أَنّهُمْ قَدْ أَغْفَلُوا: هَبّ يَهُبّ وَخَبّ يَخُبّ وَأَجّ يَؤُجّ إذَا أَسْرَعَ، وَشَكّ فِي الْأَمْرِ يَشُكّ، وَمَعْنَى تَمُثّ قَيْحًا: أَيْ: تَسِيلُ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَمُثّ كَمَا يَمُثّ الزّقّ «2» . وَقَوْلُهُ: يَسْقُطُ أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً «3» أَيْ: يَنْتَثِرُ جِسْمُهُ، وَالْأُنْمُلَةُ: طَرَفُ الْأُصْبُعِ، وَلَكِنْ قَدْ يُعَبّرُ بِهَا عَنْ طَرَفٍ غَيْرِ الْأُصْبُعِ، وَالْجُزْءُ الصّغِيرُ. فَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنّ فِي الشّجَرَةِ شَجَرَةً هِيَ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ، لَا تَسْقُطُ لَهَا أُنْمُلَةٌ. ثُمّ قَالَ: هِيَ النّخْلَةُ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ لَا تَسْقُطُ لَهُ دَعْوَة. وَقَوْلُهُ: مَرَائِرُ الشّجَرِ يُقَالُ: شَجَرَةٌ مُرّةٌ، ثُمّ تُجْمَعُ عَلَى مَرَائِرَ، كَمَا تُجْمَعُ: حُرّةٌ عَلَى حَرَائِرَ، وَلَا تُعْرَفُ فِعْلَةٌ تُجْمَعُ عَلَى فَعَائِلَ إلا فى هذين الحرفين «4» ،

_ - قتيبة عن الفراء غير هذين: شذّ ونمّ الحديث، وزاد غيره: بت الشئ. كلها متعدية وبكسر العين فى المضارع وضمها. (1) الأفعال هى جدّ وشب، وجم، وصد، وشح، وفح كما جاء فى أدب الكاتب لابن قتيبة ص 471 ج 1 مصطفى محمد. (2) الزق: وعاء من جلد- يجز شعره، ولا ينتف- للشراب وغيره جمعها أزقاق وزقاق. ومث الرجل مثا: عرق، ورئى على جلده مثل الدهن. ومث السقاء رشح. (3) أنملة بتثليث الميم والهمزة تسع لغات. وهى التى فيها الظفر. (4) يرى أبو ذر الخشنى أن مرائر جمع: أمرار، وأمرار جمع: مر. ص 18 شرح السيرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقِيَاسُ جَمْعِهِمَا فُعَلٌ نَحْوَ: دُرّةٌ وَدُرَرٌ، وَلَكِنّ الْحُرّةَ مِنْ النّسَاءِ فِي مَعْنَى: الْكَرِيمَةِ وَالْعَقِيلَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَأَجْرَوْهَا مَجْرَى مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْفَعِيلَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُرّ قِيَاسُهُ: أَنْ يقال فيه: مرير؛ لأن المرارة فى الشئ طَبِيعَةٌ، فَقِيَاسُ فِعْلِهِ: أَنْ يَكُونَ فَعَلَ كَمَا تقول: عذب الشئ وَقَبُحَ. وَعَسِرُ إذَا صَارَ عَسِيرًا، وَإِذَا كَانَ قِيَاسُهُ فَعُلَ فَقِيَاسُ الصّفَةِ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ على فعيل، والأنثى: فعيلة، والشئ الْمُرّ عَسِيرٌ أَكْلُهُ شَدِيدٌ، فَأَجْرَوْا الْجَمْعَ مَجْرَى هَذِهِ الصّفَاتِ الّتِي هِيَ عَلَى فَعِيلٍ؛ لِأَنّهَا طِبَاعٌ وَخِصَالٌ، وَأَفْعَالُ الطّبَاعِ وَالْخِصَالِ كُلّهَا تَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى. وَذَكَرَ الْعُشَرَ. وَهُوَ شَجَرٌ مُرّ يَحْمِلُ ثَمَرًا كَالْأُتْرُجّ، وَلَيْسَ فِيهِ مُنْتَفَعٌ، وَلَبَنُ الْعُشَرِ تُعَالَجُ بِهِ الْجُلُودُ قَبْلَ أَنْ تُجْعَلَ فِي الْمَنِيئَةِ، وَهِيَ: الْمَدْبَغَةُ كَمَا تُعَالَجُ بِالْغَلْقَةِ، وَهِيَ شَجَرَةٌ، وَفِي الْعُشَرِ: الْخُرْفُعُ وَالْخِرْفِعُ، وَهُوَ شَبَهُ الْقُطْنِ وَيُجْنَى مِنْ الْعُشَرِ: الْمَغَافِيرُ، وَاحِدُهَا: مُغْفُورٌ، وَمَغَافِرُ، وَوَاحِدُهَا: مِغْفَرٌ، وَيُقَالُ لَهَا: سُكّرُ الْعُشَرِ، وَلَا تَكُونُ الْمَغَافِيرُ إلّا فِيهِ، وَفِي الرّمْثِ، وَفِي الثّمَامِ، وَالثّمَامُ: أَكْثَرُهَا لَثًى، وَفِي الْمِثْلِ: هَذَا الْجَنَى لَا أَنْ يُكَدّ الْمِغْفَرُ «1» من كتاب أبى حنيفة.

_ (1) نفسر هنا بعض ما ورد فى السيرة والروض من أسماء الشجر والنبات فالحرمل: نبت له حب أسود كالخردل، والحنظل: نبت يمتد كالبطيخ على الأرض يضرب المئل بشدة مرارته، والمغافر، أو المغافير. صمغ حلو يسيل من شجر العرفج أو العرفط، يؤكل أو يوضع فى ثوب، ثم ينقع بالماء، فيشرب. وفى القاموس «والمغافر والمغافير: المغاثير الواحد مغفر كمنبر، ومغفور ومغفر بضمهما، ومغفار ومغفير بكسرهما» والرمث: مرعى للابل من الحمض وشجر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَبَابِيلَ، وَقَالَ: لَمْ يُسْمَعْ لَهَا بِوَاحِدِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَاحِدُهَا: إبّالُهُ، وَإِبّوْلٌ، وَزَادَ ابْنُ عَزِيزٍ: وَإِبّيلٌ، وَأَنْشَدَ ابْنُ هِشَامٍ لِرُؤْبَةَ: وَصُيّرُوا مِثْلَ كَعَصْفِ مَأْكُولٍ وَقَالَ: وَلِهَذَا الْبَيْتِ تَفْسِيرٌ فِي النّحْوِ، وَتَفْسِيرُهُ: أَنّ الْكَافَ تَكُونُ حَرْفَ جَرّ، وَتَكُونُ اسْمًا بِمَعْنَى: مِثْلُ، وَيَدُلّك أَنّهَا حَرْفٌ: وُقُوعُهَا صِلَةً لِلّذِي؛ لِأَنّك تَقُولُ: رَأَيْت الّذِي كَزَيْدِ، وَلَوْ قُلْت: الّذِي مِثْلُ زَيْدٍ لَمْ يُحْسِنْ، وَيَدُلّك أَنّهَا تَكُونُ اسْمًا دُخُولُ حَرْفِ الْجَرّ عَلَيْهَا، كَقَوْلِهِ: وَرُحْنَا بِكَابْنِ الْمَاءِ يَنْفُضُ رَأْسَهُ. وَدُخُولُ الْكَافِ عَلَيْهَا، وَأَنْشَدُوا: وَصَالِيَاتٍ كَكَمَا يُؤَثْفَيْنِ «1» [أَوْ يُؤْثَفَيْنِ] . وَإِذَا دخلت

_ - يشبه الغضا، والغلقة: شجيرة مرة بالحجاز وتهامة غاية للدباغ، والحبشة تسم بها السلاح فيقتل من أصابه، والخرفع: القطن الفاسد فى براعيمه، والثمام: عشب من الفصيلة النجيلية يسمو إلى خمسين ومائة سنتيمتر. والأترج والأترجة: نوع من الثمر حمضى، واللثى: ما يسيل من بعض الشجر كالصمغ. وفى المطبوعة بدلا من يكد: يكن، وهو خطأ، ويروى، تكد قيل: لأنه لا يجتمع منه فى سنة سوى القليل ويضرب فى تفضيل الشئ على جنسه، ولمن يصيب الخير الكثير. انظر مجمع الأمثال وفى اللسان أن المغافير نوع من الصمع يوضع فى ثوب، ثم ينضح بالماء، فيشرب. واحدها: مغفر، ومغفر، ومغفر، ومغفور، ومغفار، ومغفير.. وقد يكون المغفور أيضا للعشر والسّلم والثمّام والطّلح وغير ذلك.. ويقال لصمغ الرمث والعرفط: مغافير ومغاثير الواحد: مغثور، ومغفور ومغفر، ومغثر ... والمغافير الذى ورد فى حديث نساء النبى يراد به صمغ العرفط وله ريح كريهة منكرة، وعن الليث: المغافير: الصمغ يكون فى الرمث، وهو حلو يؤكل واحدها. مغفور. (1) من قصيدة لخطام بن نصر بن عياض بن يربوع هو: المجاشعى. وأولها. حىّ دار الحىّ بين الشهبين ... وطلحة الدوم، وقد تعفّين- . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لم يبق من أى بها يحلّين ... غير حطام ورماد كنفين وغير ود جاذل أو ودين ... وصاليات ككما يؤتفين وفى خزانة الأدب: الشهبين وفى شرح شواهد الشافية للبغدادى أيضا: السهبين والشهبان وطلحه الدوم: موضعان، والنون فى تعفين ضمير ديار الحى، وصاليات بالجر: عطفا على ما قبلها، وهى الأثافى أى: الأحجار التى يوضع القدر عليها، وصفها بذلك، لأنها صليت بالنار أى أحرقت حتى اسودت. وما فى قوله «ككما» قد تكون مصدرية، فيكون التقدير: مثل الإثفاء وقد تكون موصولة بمعنى الذى، والكاف الأولى جارة، والثانية مؤكدة لها، وإذا كان من باب التوكيد جاز أن يكون الكافان اسمين أو حرفين، فلا يكون دليل على اسمية الثانية فقط. وفى شرح أدب الكاتب: أجرى الكاف الجارة مجرى: مثل، فأدخل عليها كافا ثانية فكأنه قال: كمثل ما يؤثفين، وما مع الفعل بتقدير المصدر. كأنه قال: كمثل إثفائها، أى أنها على حالها حين أثفيت، والكافان لا يتعلقان بشئ، فإن الأولى زائدة، والثانية قد أجريت مجرى الأسماء لدخول الجار عليها. ولو سقطت الأولى وجب أن تكون الثانية متعلقة بمحذوف صفة لمصدر مقدر محمول على معنى الصاليات؛ لأنها نابت مناب مثفيات. فكأنه قال: ومثفيات إثفاء مثل إثفائها حين نسبت للقدر. وأما يؤثفين فيحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون مثل: يؤكرم، ويكون على لغة من قال: ثفيت القدر «ثفيت بفتح الثاء وتشديد الفاء وإسكان الياء» ومن قال هذا كانت أثفية «بضم الهمزة وإسكان الثاء وكسر الفاء وتشديد الياء» عنده أفعولة، واللام واو، ويحتمل أن تكون ياء، والهمزة زائدة فأصلها؛ أثفوية، فقلبت الواو ياء، وأدغمت وكسرت لتبقى الياء على حالها، والوجه الآخر: أن يكون يؤثفين: يفعلين- بضم الياء وفتح الفاء وإسكان العين وفتح اللام وإسكان الياء وفتح النون- فتكون الهمزة أصلية، فتكون أثفية على هذا فعلية بضم الفاء إسكان العين وكسر اللام وتشديد الياء مع فتح، وتكون على لغه من قال: آثفت-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَى مِثْلٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشّورَى: 11] فَهِيَ إذًا حَرْفٌ؛ إذْ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقَالَ: مِثْلُ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ هِيَ حَرْفُ فِي بَيْتُ رُؤْبَةَ: «مِثْلَ كَعَصْفِ» لَكِنّهَا مُقْحَمَةٌ لِتَأْكِيدِ التّشْبِيهِ، كَمَا أَقْحَمُوا اللّامَ مِنْ قَوْلِهِ: يَا بُؤْسَ لِلْحَرْبِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْحَمَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْجَرّ سِوَى اللّامِ، وَالْكَافِ، أَمّا اللّامُ؛ فَلِأَنّهَا تُعْطِي بِنَفْسِهَا مَعْنَى الْإِضَافَةِ، فَلَمْ تُغَيّرْ مَعْنَاهَا، وَكَذَلِكَ الْكَافُ تُعْطِي مَعْنَى التّشْبِيهِ، فَأُقْحِمَتْ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ، غَيْرَ أَنّ دُخُولَ مِثْلٍ عَلَيْهَا كَمَا فِي بَيْتِ رُؤْبَةَ قَبِيحٌ، وَدُخُولُهَا عَلَى مِثْلٍ كَمَا فِي الْقُرْآنِ أحسن شئ؛ لِأَنّهَا حَرْفُ جَرّ تَعْمَلُ فِي الِاسْمِ، وَالِاسْمُ لَا يَعْمَلُ فِيهَا، فَلَا يَتَقَدّمُ عَلَيْهَا إلّا أَنْ يُقْحِمَهَا كَمَا أُقْحِمَتْ اللّامُ. وَأَنْشَدَ شَاهِدًا عَلَى الْعَصِيفَةِ قَوْلَ عَلْقَمَةَ، وَآخِرَهُ: حَدُورُهَا مِنْ أَتِيّ الْمَاءِ مَطْمُومِ. وَهَذَا الْبَيْتُ أَنْشَدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي النّبَاتِ جُدُورُهَا: هُوَ جَمْعُ جَدْرٍ بِالْجِيمِ، وَهِيَ الْحَوَاجِزُ الّتِي تَحْبِسُ الْمَاءَ، وَيُقَالُ للجدر

_ - القدر انظر ص 115- ح 2 خزانة الأدب للبغدادى، ص 192 ح 1 المنصف شرح التصريف لابن جنى. والرأى الثانى أولى على ما ذهب إليه البغدادى، ويرى ابن جنى أن يفعلين أولى من يؤفعلن، لأنه لا ضرورة فيه، وفى اللسان: تقول: آثف القدر، وأثفها وأثفاها، وتقول: أثفيت القدر إذا جعلت لها الأثافى. ويقول ابن جنى: أثفيت القدر، وأثّفتها، وثفّيتها: إذا أصلحت تحتها الأثافى، وقال صاحب الصحاح: ثفّيت القدر تثفية: وضعتها على الأثافى، وأثفيتها: جعلت لها أثافى. وينسب الشعر للفارسى أيضا، أما الجوهرى فى الصحاح، فنسبه إلى هميان بن قحافة انظر ص 460 الشافية، 194 ح 1 منها، ص 94 ح 2 منها والكتاب لسيبوته فى مواضع منها 203، 241 ح 1

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حُبّاسٌ «1» أَيْضًا: وَفِي الْحَدِيثِ: «أَمْسِكْ الْمَاءَ حَتّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ، ثُمّ أَرْسِلْهُ «2» » وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُهُ رِوَايَةَ الْجِيمِ، وَقَالَ: إنّمَا قَالَ: جُدُورُهَا مِنْ أَتِيّ الْمَاءِ مَطْمُومُ. وَأَفْرَدَ الْخَبَرَ، لِأَنّهُ رَدّهُ عَلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَدْرِ كَمَا قَالَ الْآخَرُ: تَرَى جَوَانِبَهَا بِالشّحْمِ مَفْتُوقَا. أَيْ: تَرَى كُلّ جَانِبٍ فِيهَا. فَصْلٌ: وَيُقَالُ لِلْعَصِيفَةِ أَيْضًا: أَذَنَةٌ «3» ، وَلَمّا تُحِيطُ بِهِ الْجُدُورُ الّتِي تُمْسِكُ الماء

_ (1) فى القاموس: حبس بكسر الحاء: خشبة أو حجارة تبنى فى مجرى الماء لتحبسه. وحدورها: ما انحدر منها. (2) هو جزء من حديث رواه البخارى ومسلم وأصحاب السنن الأربعة عن عبد الله بن الزبير قال: خاصم الزبير رجلا من الأنصار فى شراج الحرة، فقال النبى «ص» : اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك، فقال الأنصارى: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجهه، ثم قال: اسق يا زبير، ثم احبس الماء، حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك، واستوعب للزبير حقه، وكان، أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة. وشراج جمع شرجة: مسيل الماء من الحرة إلى السهل. والحرة أرض بظاهر المدينة ذات حجارة سود، ومعنى: أن كان ابن عمتك: أى أقضيت له بسبب أن كان ابن عمتك. وقد أفرد كلمة «مطموم» فى رواية: جدور، لأنه أراد ما حول الجدور، ولولا هذا لقال: مطمومة. وفى النهاية لابن الأثير عن الجدر قيل: هو لغة فى الجدار، وقيل هو أصل الجدار، وروى: الجدر بالضم جمع جدار، ويروى بالذال فيكون المعنى «احبس الماء حتى يبلغ تمام الشرب. من جذر الحساب، وهو بالفتح، وبالكسر. أصل كل شئ. وقيل: أراد أصل الحائط. (3) الأذنة أيضا: هى ورقة الحنة أول ما تنبت وخوصة الثمام والتبنة.

وَإِيلَافُ قُرَيْشٍ: إيلَافُهُمْ الْخُرُوجَ إلَى الشّامِ فِي تِجَارَتِهِمْ، وَكَانَتْ لَهُمْ خَرْجَتَانِ: خَرْجَةٌ فِي الشّتَاءِ، وَخَرْجَةٌ فِي الصّيْفِ. أَخْبَرَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ: أن العرب تقول: ألفت الشئ إلْفًا، وَآلَفْتُهُ إيلَافًا، فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنْشَدَنِي لِذِي الرّمّةِ: مِنْ الْمُؤْلِفَاتِ الرّمْلَ أَدْمَاءُ حُرّةٌ ... شعاع الضحى فِي لَوْنِهَا يَتَوَضّحُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزَاعِيّ: الْمُنْعِمِينَ إذَا النّجُومُ تَغَيّرَتْ ... وَالظّاعِنِينَ لِرِحْلَةِ الْإِيلَافِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ أَلْفٌ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ الْبَقَرِ، أَوْ الْغَنَمِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. يُقَالُ: آلَفَ فُلَانٌ إيلَافًا. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ، أَحَدُ بنى أسد ابن خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بن نزار معدّ: بعام يقول له المؤلفو ... ن هذا المعيم لنا المرجل ـــــــــــــــــــــــــــــ دَبْرَةَ «1» وَحِبْسَ وَمَشَارَةَ، وَلِمَفْتَحِ الْمَاءِ مِنْهَا: آغِيَةٌ بالتخفيف والتثقيل [أو أتىّ] «2»

_ (1) فى المعجم الوسيط: الدبرة: قطعة أرض تستصلح للزراعة، والساقية بين المزارع، وجمع مشارة: مشاور، ومشائر. (2) فى اللسان «الأتى «بفتح الهمزة وكسر التاء وتشديد آخره» النهر يسوقه الرجل إلى أرضه وقيل: هو المفتح «بفتح الميم أو كسرها وسكون الفاء وفتح التاء» وكل مسيل سهلته لماء: أتى، وهو الأتى «بضم الهمزة وتضعيف الياء وكسر التاء» حكاه سيبويه. وقيل: الأتى «بالضبط السابق» : جمع» وفى القاموس أن الأتى جدول تؤتيه إلى الأرض، وأن الهمزه والتاء يثلثان. والأتى ما يقع فى النهر من خشب وغيره.

"مصير الفيل وسائسه".

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ يَصِيرَ الْقَوْمُ أَلْفًا، يُقَالُ آلَفَ الْقَوْمُ إيلَافًا. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ: وَآلُ مُزَيقياء غداة لا قوا ... بَنِي سَعْدِ بْنِ ضَبّةَ مُؤْلِفِينَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ تُؤَلّفَ الشئ إلى الشئ فَيَأْلَفُهُ وَيَلْزَمُهُ، يُقَالُ: آلَفْتُهُ إيّاهُ إيلَافًا. وَالْإِيلَافُ أَيْضًا: أَنْ تَصِيرَ مَا دُونَ الْأَلْفِ أَلْفًا، يقال: آلفته إيلافا. [ «مصير الفيل وسائسه» .] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الله بن أبى بكر، عن عمرة بنة عبد الرحمن ابن سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «لَقَدْ رَأَيْتُ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ بِمَكّةَ أَعْمَيَيْنِ مُقْعَدَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ النّاسَ» . [مَا قِيلَ فى صفة الفيل من الشعر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا رَدّ اللهُ الْحَبَشَةَ عَنْ مَكّةَ، وَأَصَابَهُمْ بِمَا أَصَابَهُمْ بِهِ مِنْ النّقْمَةِ، أَعْظَمَتْ الْعَرَبُ قُرَيْشًا، وَقَالُوا: هُمْ أَهْلُ اللهِ، قَاتَلَ اللهُ عَنْهُمْ وَكَفَاهُمْ مَئُونَةَ عَدُوّهِمْ، فَقَالُوا فِي ذَلِكَ أَشْعَارًا يَذْكُرُونَ فِيهَا مَا صَنَعَ اللهُ بِالْحَبَشَةِ، وَمَا رَدّ عَنْ قُرَيْشٍ من كيدهم. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَعْرَى بْنِ عَدِيّ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سهم ابن عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بن غالب بن فهر. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ إيلَافَ قُرَيْشٍ لِلرّحْلَتَيْنِ، وَقَالَ: هُوَ مَصْدَرُ ألفت الشئ وآلفته فجعله من الالف للشّئ، وَفِيهِ تَفْسِيرٌ آخَرُ أَلْيَقُ، لِأَنّ السّفَرَ قِطْعَةٌ من العذاب،

تَنّكّلُوا عَنْ بَطْنِ مَكّةَ، إنّهَا ... كَانَتْ قَدِيمًا لَا يُرَامُ حَرِيمُهَا لَمْ تَخْلُقْ الشّعْرَى لَيَالِيَ حُرّمَتْ ... إذْ لَا عَزِيزَ مِنْ الْأَنَامِ يَرُومُهَا سَائِلْ أَمِيرَ الْجَيْشِ عَنْهَا مَا رَأَى ... وَلَسَوْفَ يُنْبِي الْجَاهِلِينَ عَلِيمُهَا سِتّونَ أَلْفًا لَمْ يَئُوبُوا أَرْضَهُمْ ... وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا كَانَتْ بِهَا عَادٌ، وَجُرْهُمُ قَبْلَهُمْ ... وَاَللهُ مِنْ فَوْقِ الْعِبَادِ يُقِيمُهَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: يَعْنِي ابْنُ الزّبَعْرَى بِقَوْلِهِ: بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا أَبْرَهَةَ، إذْ حَمَلُوهُ مَعَهُمْ حِينَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ، حَتّى مات بصنعاء. وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْأَنْصَارِيّ ثُمّ الْخَطْمِيّ، وَاسْمُهُ: صَيْفِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو قَيْسٍ: صَيْفِيّ بْنُ الْأَسْلَتِ بْنِ جُشَمَ بْنِ وائل بن زيد بن قيس بن عامرة بن مُرّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: وَمِنْ صُنْعِهِ يوم فيل الحبو ... ش إذ كلّما بعثوه رزم محاجنهم تحت أقرا به ... وَقَدْ شَرّمُوا أَنْفَهُ فَانْخَرَمْ وَقَدْ جَعَلُوا سَوْطَهُ مِغْوَلًا ... إذَا يَمّمُوهُ قَفَاهُ كُلِمْ فَوَلّى وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ ... وَقَدْ بَاءَ بِالظّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمّ فَأَرْسَلَ مِنْ فَوْقِهِمْ حَاصِبًا ... فَلَفّهُمْ مِثْلَ لَفّ القزم تجض عَلَى الصّبْرِ أَحْبَارُهُمْ ... وَقَدْ ثَأَجُوا كَثُؤَاجِ الغَنَمْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ له. ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تألفه النفس، إنما تَأْلَفُ الدّعَةَ وَالْكَيْنُونَةَ مَعَ الْأَهْلِ. قَالَ الْهَرَوِيّ: هِيَ حِبَالٌ، أَيْ: عُهُودٌ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ملوك العجم، فكان هاشم يؤالف إلى

وَالْقَصِيدَةُ أَيْضًا تُرْوَى لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ: فَقُومُوا فَصَلّوا رَبّكُمْ، وَتَمَسّحُوا ... بِأَرْكَانِ هَذَا الْبَيْتِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ فَعِنْدَكُمْ مِنْهُ بَلَاءٌ مُصَدّقٌ ... غداة أبي يكسوم هادي الكتائب كتيبته بالسهل تُمْسِي، وَرَجْلُهُ ... عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ فَلَمّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ رَدّهُمْ ... جُنُودُ الْمَلِيكِ بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِ فَوَلّوْا سِرَاعًا هَارِبِينَ ولم يؤب ... إلى أهله ملحبش غير عصائب قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَوْلَهُ: عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي قَيْسٍ، سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللهُ. وَقَوْلُهُ: «غَدَاةَ أَبِي يكْسوم» : يَعْنِي: أَبْرَهَةَ، كَانَ يُكَنّى أَبَا يَكْسوم. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... وجيش أبي يكسوم إذْ مَلَئُوا الشّعْبَا فَلَوْلَا دِفَاعُ اللهِ لَا شئ غيره ... لأصبحتم لا تمنعون لكم سربا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَدْر، سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو الصّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ فى شأن الفيل، ـــــــــــــــــــــــــــــ مَلِكِ الشّامِ، وَكَانَ الْمُطّلِبُ يُؤَالِفُ إلَى كِسْرَى، والآخران يؤالفان أحدهما

وَيَذْكُرُ الْحَنِيفِيّةَ دِينَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تُرْوَى لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ: إنّ آيَاتِ رَبّنَا ثَاقِبَاتُ ... لَا يُمَارِي فِيهِنّ إلّا الْكَفُورُ خُلِقَ اللّيل والنّهار فكلّ ... مسستبين حِسَابُهُ مَقْدُورُ ثُمّ يَجْلُو النّهَارَ رَبّ رَحِيمٌ ... بمهاة شعاعها منشور حُبِسَ الْفِيلُ بِالْمُغَمّسِ، حَتّى ... ظَلّ يَحْبُو كَأَنّهُ مَعْقُورُ لَازِمًا حَلْقَةَ الْجِرَانِ كَمَا قُطّرَ ... مِنْ صخر كبكب محدور ـــــــــــــــــــــــــــــ إلَى مَلِكِ مِصْرَ، وَالْآخَرُ إلَى مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وهما: عبد شمس ونوفل «1» . قال

_ (1) نقل اللسان عن ابن الأعرابى «أصحاب الإيلاف أربعة إخوة: هاشم وعبد شمس، والمطلب، ونوفل بنو عبد مناف، وكانوا يؤلفون الجوار يتبعون بعضه بعضا يجيرون قريشا بميرهم «بكسر الميم وفتح الياء وكسر الراء جمع: ميرة: الطعام يمتاره الإنسان» ، وكانوا يسمون: المجيرين» ثم يقول إن المطلب أخذ حبلا من ملوك حمير. ونوفل: هو الذى أخذ من كسرى. وعبد شمس أخذ من النجاشى، وهاشم من ملك الروم، فكان تجار قريش يختلفون إلى هذه الأمصار بحبال- أى عهود- هؤلاء الإخوة. فلا يتعرض لهم. وقال ابن الأنبارى: من قرأ لإلافهم وإلفهم فهما من: ألف- كعلم- يألف، ومن قرأ: لإيلافهم فهو من آلف يؤلف. وفى اللسان أيضا حديث ابن عباس: «وقد علمت قريش أن أول من أخذ لها الإيلاف لهاشم الإيلاف: العهد والذمام» . وقد تكون الهاء فى إيلافهم مفعولا، ورحلة مفعولا ثانيا. ويجوز أن يكون المفعول هنا واحدا على قولك آلفت الشئ كألفته، وتكون الهاء والميم فى موضع الفاعل مثل عجبت من ضرب زيد عمرا. وفى اللسان «أهلكت أصحاب الفيل لأولف قريشا مكة، ولتؤلف قريش رحله الشتاء والصيف أى تجمع بينها إذا فرغوا من ذه أخذوا فى ذه، وهو كما تقول: ضربته لكذا لكذا بحذف الواو»

حوله من ملوك كندة أبطا ... ل مَلَاوِيثُ فِي الْحُرُوبِ صُقُورُ خَلّفُوهُ ثُمّ ابذعَرّوا جَمِيعًا ... كُلّهُمْ عَظْمُ سَاقُهُ مَكسْورُ كُلّ دِينٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ ... اللهِ إلّا دِينَ الْحَنِيفَةِ بور قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ- وَاسْمُهُ هَمّامُ بْنُ غَالِبٍ أَحَدُ بَنِي مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زيد مناة بن تميم- يمدح سليمان ابن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَيَهْجُو الْحَجّاجَ بْنَ يوسف، ويذكر الفيل وجيشه. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمَعْنَى يُؤَالِفُ: يُعَاهِدُ وَيُصَالِحُ، وَنَحْوُ هَذَا، فَيَكُونُ الْفِعْلُ مِنْهُ أَيْضًا آلَفَ عَلَى وَزْنِ فَاعَلَ، وَالْمَصْدَرُ إلَافًا بِغَيْرِ يَاءٍ مِثْلُ: قِتَالًا، وَيَكُونُ الْفِعْلُ مِنْهُ أَيْضًا آلَفَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ مِثْلُ: آمَنَ، وَيَكُونُ الْمَصْدَرُ: إيلَافًا بِالْيَاءِ مِثْلُ: إيمَانًا، وَقَدْ قُرِئَ لِإِلَافِ قُرَيْشٍ بِغَيْرِ يَاءٍ، ولو كان من آلفت الشئ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلْت إذَا أَلِفْته لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ صَحِيحَةً، وَقَدْ قَرَأَهَا ابْنُ عَامِرٍ، فَدَلّ هَذَا عَلَى صِحّةِ مَا قَالَهُ الْهَرَوِيّ، وَقَدْ حَكَاهُ عَمّنْ تَقَدّمَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ اللّامَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ مُتَعَلّقَةٌ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ، وَمَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ: أَنّهَا متعلقة بقوله: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ أَيْ: فَلْيَعْبُدُوهُ مِنْ أَجْلِ مَا فَعَلَ بِهِمْ «1» . وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ لَامُ التّعَجّبِ، وَهِيَ مُتَعَلّقَةٌ بِمُضْمَرِ، كَأَنّهُ قَالَ: اعْجَبْ لإيلاف قريش، كما قال

_ (1) ابن جرير الطبرى. وهذا بناء على أنها سورة منفصلة عما قبلها. أما محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فقد صرحا بأنها متعلقة بما قبلها، فالمعنى عندهما: حبسنا عن مكة الفيل، وأهلكنا أهله لإيلاف قريش أى لائتلافهم واجتماعهم فى بلدهم آمنين. أقول: وعلى هذا يصح المعنى الذى نفاه السهيلى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ «1» - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ!! - حِينَ دُفِنَ: «سُبْحَانَ الله لهذا العبد الصالح ضم في قبره، حَتّى فَرّجَ اللهُ عَنْهُ!!» وَقَالَ فِي عَبْدٍ حَبَشِيّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ: «لَهَذَا الْعَبْدُ الْحَبَشِيّ جَاءَ مِنْ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ إلَى الْأَرْضِ الّتِي خُلِقَ مِنْهَا» أَيْ: اعْجَبُوا لِهَذَا الْعَبْدِ الصّالِحِ. وَأُنْشِدَ لِلْكُمَيْتِ: بِعَامِ يَقُولُ لَهُ الْمُؤْلِفُو ... نَ: أَهَذَا الْمُعِيمُ لَنَا الْمُرْجِلُ الْمُؤْلِفُ: صَاحِبُ الْأَلْفِ مِنْ الْإِبِلِ، كَمَا ذُكِرَ، وَالْمُعِيمُ بِالْمِيمِ: مِنْ الْعَيْمَةِ «2» أَيْ: تَجْعَلُ تِلْكَ السّنَةُ صَاحِبَ الْأَلْفِ مِنْ الْإِبِلِ يَعَامُ إلَى اللّبَنِ، وَتُرْجِلُهُ، فَيَمْشِي رَاجِلًا، لِعَجِفِ الدّوَابّ وَهُزَالِهَا. وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ الزّبَعْرَى: تَنَكّلُوا عَنْ بَطْنِ مَكّةَ. الْبَيْتُ، وَنَسَبَهُ إلَى عَدِيّ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ، وَكَرّرَ هَذَا النّسَبَ فِي كِتَابِهِ مِرَارًا وَهُوَ خَطَأٌ، وَالصّوَابُ: سَعْدُ بْنُ سَهْمٍ، وَإِنّمَا سَعِيدٌ: أَخُو سَعْدٍ، وَهُوَ فِي نَسَبِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ «3» .. وَقَدْ أَنْشَدَ فِي الْكِتَابِ مَا يَدُلّ على خلاف قوله: وهو

_ (1) شهد بدرا باتفاق، ورمى بسهم يوم الخندق، وعاش بعد ذلك شهرا حتى حكم فى بنى قريظة، وأجيبت دعوته فى ذلك، ثم انتقض جرحه، فمات سنة خمس من الهجرة. (2) العيمة: شهوة اللبن والعطش تقول: عام، يعيم، ويعام، وعام معيم: طويل. (3) فى السيرة هو ابن عدى بن قيس بن عدى، وفى الاشتقاق لابن دريد: هو ابن قيس بن عدى، وفى جمهرة أنساب العرب أن سهم بن عمرو كان له سعد-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَوْلُ الْمُبْرِقِ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدٍ «1» : فَإِنْ تَكُ كَانَتْ فِي عَدِيّ أَمَانَةٌ ... عَدِيّ بْنِ سَعْدٍ فِي الْخُطُوبِ الْأَوَائِلِ فَقَالَ: عَدِيّ بْنُ سَعْدٍ، وَلَمْ يَقُلْ: سُعَيْدٌ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ وَالزّبَيْرِيّون وَغَيْرُهُمْ. حول الشعر الذى قبل فِي الْفِيلِ: وَقَوْلُهُ: تَنَكّلُوا عَنْ بَطْنِ مَكّةَ إنّهَا. وَهَذَا خَرْمٌ فِي الْكَامِلِ، وَقَدْ وُجِدَ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَيْتِ فِي أَشْعَارِ هَذَا الْكِتَابِ الْخَرْمُ فِي الْكَامِلِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَدْخُلَ الْخَرْمُ فِي مُتَفَاعَلٍ، فَيُحْذَفُ مِنْ السّبَبِ حَرْفٌ، كَمَا حُذِفَ مِنْ الْوَتِدِ فِي الطّوِيلِ حَرْفٌ، وَإِذَا وُجِدَ حَذْفُ السّبَبِ الثّقِيلِ كُلّهِ، فَأَحْرَى أَنْ يَجُوزَ حَذْفُ حَرْفٍ مِنْهُ، وَذَلِكَ فى قول ابن مفرّغ:

_ - وسعيد بضم السين وفتح العين، فأنجب سعد: سعيدا- بالضبط السابق- وعديا وغيرهما ثم أنجب عدى بن سعد بن سهم قيسا سيد قريش فى زمانه وغيره، ثم جاء قيس بالزبعرى، وجاء الزبعرى بعبد الله، وقد ضبط ابن حجر فى الإصابه الزبعرى بكسر الزاى والباء وقد جاء فى نسب قريش ص 401 كما قال السهيلى وأسقط كابن حزم من نسب عبد الله عديا، فقال: عبد الله بن الزبعرى بن قيس الخ.. والزبعرى معناها: السئ الخلق والغليظ، وكان ابن الزبعرى يؤذى رسول الله «ص» بشعره ثم أسلم فى الفتح وحسن إسلامه ص 156 جمهرة ابن حزم. (1) استشهد عبد الله يوم الطائف وستأتى قصيدته فى الحديث عن المهاجرين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَامَةٌ تَدْعُو صَدَى ... بَيْنَ الْمُشَقّرِ وَالْيَمَامَةِ «1» وَهُوَ مِنْ الْمُرَفّلِ، وَالْمُرَفّلُ مِنْ الْكَامِلِ. أَلَا تَرَى أَنّ قَبْلَهُ: وَشَرَيْت بُرْدًا لَيْتَنِي ... مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْت هَامَة فَالْمَحْذُوفُ مِنْ الطّوِيلِ إذَا خَرُمَ حَرْفٌ مِنْ وَتَدٍ مَجْمُوعٍ، وَالْمَحْذُوفُ مِنْ الْكَامِلِ إذَا خَرُمَ: حَرْفٌ مِنْ سَبَبٍ ثَقِيلٍ، بَعْدَهُ سَبَبٌ خَفِيفٌ، وَلَمّا كَانَ الْإِضْمَارُ فِيهِ كَثِيرًا، وَهُوَ إسْكَانُ التّاءِ مِنْ مُتَفَاعِلُنْ، فَمِنْ ثَمّ قَالَ أَبُو عَلِيّ: لَا يَجُوزُ فِيهِ الخرم، لأن ذلك يؤول إلَى الِابْتِدَاءِ بِسَاكِنِ، وَهَذَا الْكَلَامُ لِمَنْ تَدَبّرَهُ بَارِدٌ غَثّ؛ لِأَنّ الْكَلِمَةَ الّتِي يَدْخُلُهَا الْخَرْمُ لَمْ يَكُنْ قَطّ فِيهَا إضْمَارٌ نَحْوَ: تَنَكّلُوا عَنْ بَطْنِ مَكّةَ، وَاَلّتِي يَدْخُلُهَا الْإِضْمَارُ، لَا يتصوّر فيها الخرم

_ (1) الهامة: من طير الليل وهو الصدى، وكانت العرب تزعم أن روح القتيل الذى لا يدرك بثأره تصير هامة، فترقو عند قبره قائلة: اسقونى، فإذا أدرك بثأره طارت. وهى أيضا: طائر صغير من طير الليل يألف المقابر. ولعله يريد أنها تنادى ذكرها. والمشقر حصن بين البحرين ونجران. واليمامة بلد كبير فى نجد وابن مفرّغ هو: يزيد بن ربيعة رجل من يحصب، وكان هجّاء، فهجا عبادا والى سجستان من قبل عبد الله بن زياد، وكان على ابن مفرغ دين فاستعدى عليه عباد، فباع رحله ومتاعه، وقضى الغرماء، وكان فيما بيع له عبد يقال له برد، وجارية يقال لها أراكة فقال: أصرمت حبلك من أمامه ... من بعد أيام برامه ومنها: العبد يقرع بالعصا ... والحر تكفيه الملامة ص 29 أمالى الزجاج ط 1324

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَحْوَ: لَا يَبْعَدْنَ قَوْمِي «1» وَنَحْوَ قَوْلِهِ: «لَمْ تخلق الشّعرى ليالى حرّمت» فتعليله

_ (1) لا يبعدن قومى من قول خرنق بنت هفان من بنى قيس بن ثعلبة، وقولها: لا يبعدن قومى الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر النازلون بكل معترك ... والطيبون معاقد الأزر والخالطين نحيتهم بنضارهم ... وذوى الغنى منهم بذى الفقر وكل ما فات مصطلحات من العروض، وهو علم وزن الشعر. والسبب والوتد من المقاطع العروضية، فالسبب الخفيف: حركة فسكون مثل: قد، والثقيل: حركتان مثل بك ولك. والوتد المجموع: حركتان فساكن، مثل: على والمفروق: حركة فساكن فحركة: مثل: جاء. وفى العروض ما يسمى بالزحافات، وهو تغيير فى حشو البيت خاص بثوانى الأسباب، وما يسمى بالعلل، وهى: تغيير فى تفعيلة العروض أو الضرب، ومتى وردت عليه فى أول بيت لزمت كبعض أنواع الزحاف. والخرم هو: إسقاط أول الوتد المجموع فى صدر المصراع الأول، وهو نوع غريب، ومثاله فى البحر الطويل. «قد كنت أعلو الحب حينا فلم يزل» فحذف اللام من قد، فوقع فى الخرم. ولو أنه قال: لقد، ما كان الخرم، وقد اصطلح على أنه لا يدخل إلا فعولن ومفاعلتن ومفاعيلن، وقد أوغل العروضيون فى مصطلحات الخرم، حتى جاء وامنه بأقسام كثيرة، والخرم لا يدخل البحر الكامل بخلاف ما ذهب إليه السهيلى، ويسمى علماء العروض هذا الذى حدث فى الشطرة الأولى من قصيدة الزبعرى: وقصا، وهو حذف الثانى المتحرك، وهذا يكون فى متفاعلن، فتصير مفاعلن فى البحر الكامل، والترفيل: زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع، ويدخل المتدارك والكامل فتصير متفاعلن: متفاعلاتن. والكامل التام له ست تفعيلات: بتكرار متفاعلن ثلاث مرات فى كل شطرة. وقد يحذف ثلثه فيسمى مجزوءا، أما الطويل فيكون بالإتيان بفعولن مفاعيلن مرتين فى كل شطرة. هذا وقد سمى المؤلف حذف حرف من سبب ثقيل بعده سبب خفيف فى البحر الكامل: خرما وهو مخالف- كما قلنا- لمصطلحات العروضيين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي هَذَا الشّعْرِ إذًا لَا يَفِيدُ شَيْئًا، وَمَا أَبْعَدَ الْعَرَبَ مِنْ الِالْتِفَاتِ إلَى هَذِهِ الأغراض التى يستعملها بعض النحاة، وهى أو هى مِنْ نَسْجِ الْخَزَرْنَقِ «1» . وَقَوْلُهُ: لَمْ تُخْلَقْ الشّعْرَى لَيَالِيَ حُرّمَتْ إنْ كَانَ ابْنُ الزّبَعْرَى قَالَ هَذَا فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُنْتَزِعٌ مِنْ قَوْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إنّ اللهَ حَرّمَ مَكّةَ، وَلَمْ يُحَرّمْهَا النّاسُ» وَمِنْ قَوْلِهِ: فِي حَدِيثٍ آخَرَ: إنّ اللهَ حَرّمَهَا يَوْمَ خَلَقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ «2» ، وَالتّرْبَةُ خُلِقَتْ قَبْلَ خَلْقِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ الزّبَعْرَى قَالَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَإِنّمَا أَخَذَهُ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- مِنْ الْكِتَابِ الّذِي وَجَدُوهُ فِي الْحَجَرِ بِالْخَطّ الْمُسْنَدِ «3» حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ، وَفِيهِ: أَنَا اللهُ رَبّ مَكّةَ خَلَقْتهَا يَوْمَ خَلَقْت السّمَوَاتِ وَالْأَرْض. الْحَدِيثُ. وَقَوْلُهُ: «وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا» هَكَذَا فِي النّسْخَةِ الْمُقَيّدَةِ عَلَى أَبِي الْوَلِيدِ الْمُقَابَلَةِ بِالْأَصْلَيْنِ اللّذَيْنِ كَانَا عِنْدَهُ، وَقَابَلَهَا أَبُو بَحْرٍ- رَحِمَهُ اللهُ- بِهِمَا مَرّتَيْنِ، وَحَسِبَ بَعْضُهُمْ أَنّهُ كَسْرٌ فِي الْبَيْتِ، فَزَادَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، فَقَالَ: بَلْ لَمْ يَعِشْ. فَأَفْسَدَ الْمَعْنَى، وَإِنّمَا هُوَ خَرْمٌ «4» فِي أَوّلِ الْقَسَمِ مِنْ عَجُزِ الْبَيْتِ كَمَا كَانَ فِي الصّدْرِ مِنْ أَوّلِ بيت منها.

_ (1) الخزرنق كسفرجل: العنكبوت. (2) أخرجهما البخارى ومسلم. والشعرى فى شعر ابن الزبعرى: اسم نجم وهما اثنتان إحداهما: الغميصاء، والأخرى تتبع الجوزاء. (3) خط حمير. (4) هو وقص فى اصطلاح العروضيين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُ قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ: مِثْلُ لَفّ الْقُزُمْ. الْقُزُمُ: صِغَارُ الْغَنَمِ. وَيُقَالُ: رُذَالُ الْمَالِ، وَرَزَمٌ: ثَبَتَ وَلَزِمَ مَوْضِعُهُ، وَأَرْزَمَ مِنْ الرّزِيمِ، وَهُوَ صَوْتٌ لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَكَذَلِكَ صَوْتُ الْفِيلِ ضَئِيلٌ عَلَى عِظَمِ خِلْقَتِهِ، وَيَفْرَقُ مِنْ الْهِرّ وَيَنْفِرُ مِنْهُ، وَقَدْ اُحْتِيلَ عَلَى الْفِيَلَةِ فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ مَعَ الْهِنْدِ. أُحْضِرَتْ لَهَا الْهِرّةُ، فَذَعَرَتْ وَوَلّتْ، وَكَانَ سَبَبًا لِهَزِيمَةِ الْقَوْمِ. ذَكَرَهُ الْمَسْعُودِيّ، ونسب هذه الحيلة إلى هرون بْنِ مُوسَى حِينَ غَزَا بِلَادَ الْهِنْدِ، وَأَوّلُ مَنْ ذَلّلَ الْفِيَلَةَ- فِيمَا قَالَ الطّبَرِيّ- أَفْرِيدُونُ بن أثفيان، ومعنى أثفيان: صاحب البقر، وهول أَوّلُ مَنْ نَتَجَ الْبِغَالَ، وَاِتّخَذَ لِلْخَيْلِ السّرُوجَ وَالْوُكُفَ «1» - فِيمَا ذَكَرُوا- وَأَمّا أَوّلُ مَنْ سَخّرَ الْخَيْلَ وَرَكِبَهَا «فطمهورث» وَهُوَ الثّالِثُ مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ- فِيمَا زَعَمُوا- وَثُؤَاجُ الْغَنَمِ: صَوْتُهَا، وَوَقَعَ فِي النّسْخَةِ: ثَجّوا، وَعَلَيْهِ مَكْتُوبٌ: الصّوَابُ: ثَأَجُوا كَثُؤَاجِ الْغَنَمِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْأَسْلَتِ: فَقُومُوا، فَصَلّوْا رَبّكُمْ وَتَمَسّخُوا. سَيَأْتِي شَرْحُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ فِي الْقَصِيدَةِ حَيْثُ يَذْكُرُهَا ابْنُ إسْحَاقَ بِكَمَالِهَا- إنْ شَاءَ اللهُ. وَذَكَرَ قَوْلَ طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «فَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سَرْبًا» وَيُرْوَى سِرْبًا بِالْكَسْرِ، وَالسّرْبُ بِالْفَتْحِ: الْمَالُ الرّاعِي «2» ، وَالسّرْبُ بِالْكَسْرِ: الْقَطِيعُ مِنْ الْبَقَرِ وَالظّبَاءِ، وَمِنْ النّسَاءِ أيضا. قال الشاعر: فلم ترعينى مِثْلَ سِرْبٍ رَأَيْته ... خَرَجْنَ عَلَيْنَا مِنْ زُقَاقِ ابْنِ وَاقِفٍ وَطَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَانَ أَسَنّ مِنْ عَقِيلٍ بِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ، وَكَانَ عَقِيلٌ

_ (1) جمع وكاف: بردعة الحمار. (2) يعنى الماشية كلها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَسَنّ من جَعْفَرٍ بِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ، وَجَعْفَرٌ أَسَنّ مِنْ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَذَكَرُوا أَنّ طَالِبًا اخْتَطَفَتْهُ الْجِنّ، فَذَهَبَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنّهُ أَسْلَمَ «1» . وَذَكَرَ شِعْرَ أَبِي الصّلْتِ، وَاسْمُهُ: رَبِيعَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عِلَاجٍ. وَفِيهِ: حَبْسُ الْفِيلِ بِالْمُغَمّسِ، وَأَنّ كَسْرَ الْمِيمِ الْآخِرَةِ أَشْهَرُ فِيهِ. وَفِيهِ: بِمَهَاةِ شُعَاعُهَا مَنْشُورُ. وَالْمَهَاةُ: الشّمْسُ، سُمّيَتْ بِذَلِكَ لِصَفَائِهَا، وَالْمَهَامِنُ الْأَجْسَامُ: الصّافِي الّذِي يَرَى بَاطِنَهُ مِنْ ظَاهِرِهِ. وَالْمَهَاةُ: الْبِلّوْرَةُ، وَالْمَهَاةُ: الظّبْيَةُ. وَمِنْ أَسْمَاءِ الشّمْسِ: الْغَزَالَةُ إذَا ارْتَفَعَتْ، فَهَذَا فِي مَعْنَى الْمَهَاةِ. وَمِنْ أَسْمَائِهَا: الْبُتَيْرَاءُ. سُئِلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الضّحَى، فَقَالَ: حَتّى تَرْتَفِعَ الْبُتَيْرَاءُ. ذَكَرَهُ الْهَرَوِيّ وَالْخَطّابِيّ، وَمِنْ أَسْمَائِهَا: حَنَاذٍ، وَبَرَاحٍ، وَالضّحّ، وَذُكَاءٍ وَالْجَارِيَةُ وَالْبَيْضَاءُ، وَبُوحٌ، وَيُقَالُ: يُوحٌ بِالْيَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ الْفَارِسِيّ، وَبِالْبَاءِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ، وَالشّرْقُ وَالسّرَاجُ وَقَوْلُهُ: «حَلْقَهُ الْجِرَانُ» الْجِرَانُ: الْعُنُقُ «2» يُرِيدُ: أَلْقَى بِجِرَانِهِ إلَى الْأَرْضِ، وَهَذَا يُقَوّي أَنّهُ بَرَكَ كَمَا تَقَدّمَ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: كَمَا قُطّرَ «3» مِنْ صَخْرِ كَبْكَبٍ، وَهُوَ: جَبَلٌ. مَحْدُورٌ أَيْ: حَجَرٌ حُدِرَ حَتّى بَلَغَ الْأَرْضَ. وَقَوْلُهُ: ابْذَعَرّوا: تَفَرّقُوا مِنْ ذُعْرٍ «4» ، وَهِيَ كَلِمَةٌ مَنْحُوتَةٌ مِنْ أَصْلَيْنِ مِنْ الْبَذْرِ وَالذّعْرِ. وَقَوْلُهُ: إلّا دِينَ الْحَنِيفَةِ. يريد بالحنيفة: الأمة الحنيفة، أى:

_ (1) خرافة لا أدرى كيف يؤمن بها الناس؟! (2) باطن العنق من البعير وغيره ومقدم عنقه. (3) رمى به على جانبه. (4) وابذعرّت الخيل: ركضت تبادر شيئا تطلبه.

فَلَمّا طَغَى الْحَجّاجُ حِينَ طَغَى بِهِ ... غِنَى قَالَ: إنّي مُرْتَقٍ فِي السّلَالِمِ فَكَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ نُوحٍ: سَأَرْتَقِي ... إلَى جَبَلٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَاءِ عَاصِمِ رَمَى اللهُ فِي جُثْمَانِهِ مِثْلَ مَا رَمَى ... عَنْ الْقِبْلَةِ الْبَيْضَاءِ ذَاتِ الْمَحَارِمِ جُنُودًا تَسُوقُ الْفِيلَ حَتّى أَعَادَهُمْ ... هَبَاءً، وكانوا مطر خمّى الطّرَاخِمِ نُصِرْتَ كَنَصْرِ الْبَيْتِ إذْ سَاقَ فِيلَهُ ... إلَيْهِ عَظِيمُ الْمُشْرِكِينَ الْأَعَاجِمِ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قصيدة له. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ الرّقَيّاتُ. أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ يَذْكُرُ أَبْرَهَةَ- وَهُوَ الْأَشْرَمُ- وَالْفِيلَ: كَادَهُ الْأَشْرَمُ الّذِي جَاءَ بِالْفِيلِ ... فَوَلّى وَجَيْشُهُ مَهْزُومُ وَاسْتَهَلّتْ عَلَيْهِمْ الطّيْرُ بِالْجَنْدَلِ ... حَتّى كَأَنّهُ مرجوم ذَاكَ مَنْ يَغْزُهُ مِنْ النّاسِ يَرْجِعْ ... وَهُوَ فَلّ مِنْ الْجُيُوشِ ذَمِيمُ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قصيدة له. «ولدا أبرهة» قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا هَلَكَ أَبْرَهَةُ، مَلّكَ الحبشة ابنه يكسوم بن أبرهة، وبه كَانَ يُكَنّى، فَلَمّا هَلَكَ يَكْسوم بْنُ أَبْرَهَةَ، ملك اليمن فى الحبشة أخوه مسروق ابن أبرهة. ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُسْلِمَةَ الّتِي عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَلِكَ: أَنّهُ حَنَفَ عَنْ الْيَهُودِيّةِ والنصرانية، أَيْ عَدَلَ عَنْهَا، فَسُمّيَ حَنِيفًا، أَوْ حَنَفَ عَمّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُ وَقَوْمُهُ.

خروج سيف بن ذى يزن وملك وهرز على اليمن

[خُرُوجُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ وَمُلْكُ وهرز على اليمن] [ «سيف وشكواه لقيصر» ] فَلَمّا طَالَ الْبَلَاءُ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، خَرَجَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيّ وَكَانَ يُكَنّى بِأَبِي مُرّةَ، حَتّى قَدِمَ عَلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرّومِ، فَشَكَا إلَيْهِ مَا هُمْ فِيهِ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ عَنْهُ، وَيَلِيَهُمْ هُوَ، وَيَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ شَاءَ مِنْ الرّومِ، فَيَكُونُ لَهُ مُلْكُ اليمن، فلم يشكه. [ «شفاعة النعمان لَدَى كِسْرَى» .] فَخَرَجَ حَتّى أَتَى النّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ- وَهُوَ عَامِلُ كِسْرَى عَلَى الْحِيرَةِ، وَمَا يَلِيهَا مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ- فَشَكَا إلَيْهِ أَمْرَ الْحَبَشَةِ، فَقَالَ لَهُ النّعْمَانُ: إنّ لِي عَلَى كِسْرَى وِفَادَةً فِي كُلّ عَامٍ، فَأَقِمْ حَتّى يَكُونَ ذَلِكَ، فَفَعَلَ، ثُمّ خَرَجَ مَعَهُ فَأَدْخَلَهُ عَلَى كِسْرَى، وَكَانَ كِسْرَى يَجْلِسُ فِي إيوَانِ مَجْلِسِهِ الّذِي فِيهِ تَاجُهُ، وَكَانَ تَاجُهُ مِثْلَ القَنْقل الْعَظِيمِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- يُضْرَبُ فِيهِ الْيَاقُوتُ وَاللّؤْلُؤُ وَالزّبَرْجَدُ بِالذّهَبِ وَالْفِضّةِ، مُعَلّقًا بِسَلْسَلَةِ مِنْ ذَهَبٍ فِي رَأْسِ طَاقَةٍ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ، وَكَانَتْ عُنُقُهُ لَا تَحْمِلُ تَاجَهُ، إنّمَا يُسْتَرُ بِالثّيَابِ حَتّى يَجْلِسَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ، ثُمّ يُدْخِلُ رَأْسَهُ فِي تَاجِهِ، فَإِذَا اسْتَوَى فِي مَجْلِسِهِ كُشِفَتْ عَنْهُ الثّيَابُ، فَلَا يَرَاهُ رَجُلٌ لم يره قبل ذلك، إلا برك هيبة له، فلما دَخَلَ عَلَيْهِ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ بَرَكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ فِي شِعْرِ الْفَرَزْدَقِ: كَمَا قَالَ ابْنُ نُوحٍ. اسْمُهُ: يَام، وَقِيلَ: كَنْعَانُ. وَقَوْله: «مُطْرَخِمّي الطّراخم» المطرخمّ: الممتلئ كبرا أو غضبا.

"كسرى يعاون ابن ذى يزن"

[ «كسرى يعاون ابن ذى يزن» ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ سَيْفًا لَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَقَالَ الْمَلِكُ: إنّ هَذَا الْأَحْمَقَ يَدْخُلُ عَلَيّ مِنْ هَذَا الْبَابِ الطّوِيلِ، ثُمّ يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ؟! فَقِيلَ ذَلِكَ لِسَيْفِ، فَقَالَ: إنّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِهَمّي، لأنه يضيق عنه كلّ شئ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، غَلَبَتْنَا عَلَى بِلَادِنَا الْأَغْرِبَةُ، فَقَالَ لَهُ كِسْرَى: أَيّ الْأَغْرِبَةِ: الْحَبَشَةُ أَمْ السّنْدُ؟ فَقَالَ: بَلْ الْحَبَشَةُ، فَجِئْتُك لِتَنْصُرَنِي، وَيَكُونُ مُلْكُ بِلَادِي لَك، قَالَ: بَعُدَتْ بِلَادُك مَعَ قِلّةِ خَيْرِهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُوَرّطَ جَيْشًا مِنْ فَارِسَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ، ثُمّ أَجَازَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَافٍ، وَكَسَاهُ كُسْوَةً حَسَنَةً، فَلَمّا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ سَيْفٌ خَرَجَ، فَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ الْوَرِقَ لِلنّاسِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَلِكَ، فَقَالَ: إنّ لِهَذَا لَشَأْنًا، ثُمّ بَعَثَ إلَيْهِ، فَقَالَ: عَمَدْت إلَى حِبَاءِ الْمَلِكِ تَنْثُرُهُ لِلنّاسِ، فَقَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بِهَذَا؟ مَا جِبَالُ أَرْضِي التى جثت مِنْهَا إلّا ذَهَبٌ وَفِضّةٌ- يُرَغّبُهُ فِيهَا- فَجَمَعَ كِسْرَى مَرَازِبَتَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: مَاذَا تَرَوْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ، وَمَا جَاءَ لَهُ؟ فَقَالَ قَائِلٌ: أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّ فِي سُجُونِك رِجَالًا قَدْ حَبَسْتَهُمْ لِلْقَتْلِ، فَلَوْ أَنّك بَعَثْتَهُمْ مَعَهُ، فَإِنْ يَهْلِكُوا كَانَ ذَلِكَ الّذِي أَرَدْتَ بِهِمْ، وَإِنْ ظَفِرُوا كَانَ مُلْكًا ازْدَدْتَهُ، فَبَعَثَ مَعَهُ كسرى من كان فى سجونه، وكانوا ثمانمائة رجل ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالطّرَاخِمُ جَمْعُ: مُطَرَخِمّ عَلَى قِيَاسِ الْجَمْعِ، فَإِنّ الْمُطَرَخِمّ اسْمٌ مِنْ سِتّةِ أَحْرُفٍ، فَيُحْذَفُ مِنْهُ فِي الْجَمْعِ وَالتّصْغِيرِ مَا فِيهِ مِنْ الزّوَائِدِ، وَفِيهِ زَائِدَتَانِ: الْمِيمُ الْأُولَى، وَالْمِيمُ الْمُدْغَمَةُ فِي الْمِيمِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنّ الْحَرْفَ الْمُضَاعَفَ حَرْفَانِ، يُقَالُ فى تصغير

"انتصار سيف وقول الشعراء فيه".

[ «انتصار سيف وقول الشعراء فيه» .] وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ وَهْرِز، وَكَانَ ذَا سِنّ فِيهِمْ، وَأَفْضَلَهُمْ حَسَبًا وَبَيْتًا، فَخَرَجُوا فِي ثَمَانِ سَفَائِنَ، فَغَرِقَتْ سَفِينَتَانِ، وَوَصَلَ إلَى ساحل عدن ستّ سفائن، فجعع سيف إلى وَهْرِز مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْ قَوْمِهِ، وَقَالَ لَهُ: رِجْلِي مَعَ رِجْلِك حَتّى نَمُوتَ جَمِيعًا، أَوْ نَظْفَرَ جَمِيعًا. قَالَ لَهُ وَهْرِز: أَنْصَفْتَ، وَخَرَجَ إلَيْهِ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ مَلِكُ الْيَمَنِ، وَجَمَعَ إلَيْهِ جُنْدَهُ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ وَهْرِز ابْنًا لَهُ؛ لِيُقَاتِلَهُمْ، فَيَخْتَبِرَ قِتَالَهُمْ، فَقُتِلَ ابْنُ وَهْرِز، فَزَادَهُ ذَلِكَ حَنَقًا عَلَيْهِمْ، فَلَمّا تَوَاقَفَ النّاسُ عَلَى مَصَافّهِمْ، قَالَ وَهْرِز: أَرُونِي مَلِكَهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: أَتَرَى رَجُلًا عَلَى الْفِيلِ عَاقِدًا تَاجَهُ عَلَى رَأْسِهِ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قالوا: ذاك ملكهم، فقال: اتركوه، قال: فَوَقَفُوا طَوِيلًا، ثُمّ قَالَ: عَلَامَ هُوَ؟ قَالُوا: قَدْ تَحَوّلَ عَلَى الْفَرَسِ، قَالَ: اُتْرُكُوهُ. فَوَقَفُوا طَوِيلًا، ثُمّ قَالَ: عَلَامَ هُوَ؟ قَالُوا: قَدْ تَحَوّلَ عَلَى الْبَغْلَةِ. قَالَ وَهْرِز: بِنْتُ الْحِمَارِ ذَلّ وَذَلّ مُلْكُهُ، إنّي سَأَرْمِيهِ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَصْحَابَهُ لَمْ يَتَحَرّكُوا، فَاثْبُتُوا حَتّى أُوذِنَكُمْ، فَإِنّي قَدْ أَخْطَأْتُ الرّجُلَ، وَإِنْ رَأَيْتُمْ الْقَوْمَ قَدْ اسْتَدَارُوا وَلَاثُوا بِهِ، فَقَدْ أَصَبْتُ الرّجُلَ، فَاحْمِلُوا عَلَيْهِمْ. ثُمّ وَتَرَ قَوْسَهُ، وَكَانَتْ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَا يُوتِرُهَا غَيْرُهُ مِنْ شِدّتِهَا، وَأَمَرَ بِحَاجِبَيْهِ، فَعُصّبَا لَهُ، ثُمّ رَمَاهُ، فَصَكّ الْيَاقُوتَةَ الّتِي بين عينيه، ـــــــــــــــــــــــــــــ مُطَرَخِمّ: طُرَيْخِمٌ، وَفِي جَمْعِهِ: طَرَاخِمٌ، وَفِي مُسْبَطِرّ: سَبَاطِرٌ «1» ، وَذَكَرَهُ يَعْقُوبُ فِي الْأَلْفَاظِ بِالْغَيْنِ، فَقَالَ: اطرغمّ الرجل، ولم يذكر الخاء.

_ (1) اسبطرّ: اضطجع وامتد، واسبطر فى السير: أسرع فيه، واسبطرت البلاد: استقامت.

فتغلغت النّشّابَةُ فِي رَأْسِهِ حَتّى خَرَجَتْ مِنْ قَفَاهُ، وَنُكِسْ عَنْ دَابّتِهِ، وَاسْتَدَارَتْ الْحَبَشَةُ وَلَاثَتْ بِهِ، وَحَمَلَتْ عَلَيْهِمْ الْفُرْسُ، وَانْهَزَمُوا، فَقُتِلُوا وَهَرَبُوا فِي كُلّ وَجْهٍ، وَأَقْبَلَ وَهْرِز، لِيَدْخُلَ صَنْعَاءَ، حَتّى إذَا أَتَى بَابَهَا، قَالَ: لَا تَدْخُلُ رَايَتِي مُنَكّسَةً أَبَدًا، اهْدِمُوا الْبَابَ، فَهُدِمَ، ثُمّ دَخَلَهَا نَاصِبًا رَايَتَهُ فَقَالَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ الحميرىّ: يَظُنّ النّاسُ بِالْمَلْكَيْنِ ... أَنّهُمَا قَدْ الْتَأَمَا وَمَنْ يَسْمَعْ بِلَأْمِهِمَا ... فَإِنّ الْخَطْبَ قَدْ فَقُمَا قَتَلْنَا الْقَيْلَ مَسْرُوقًا ... وَرَوّيْنَا الْكَثِيبَ دَمَا وَإِنّ الْقَيْلَ قيل النّا ... س وهرز مقسم قسما يذوق مشعشعا حتى ... يفئ السّبْيَ وَالنّعما قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَأَنْشَدَنِي خَلّادُ بْنُ قُرّةَ السّدُوسِيّ آخِرَهَا بَيْتًا لِأَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو الصّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلت. لِيَطْلُبَ الْوِتْرَ أَمْثَالُ ابْنِ ذِي يَزَنَ ... رَيّمَ فِي الْبَحْرِ لِلْأَعْدَاءِ أَحْوَالَا يَمّمَ قَيْصَرَ لَمّا حَانَ رِحْلَتُهُ ... فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ بَعْضَ الّذِي سَالَا ثُمّ انْثَنَى نَحْوَ كِسْرَى بَعْدَ عَاشِرَةٍ ... من السنين يهين النّفس والمالا ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسِ الرّقَيّاتِ. وَاخْتُلِفَ فى تلقيبه: قيس الرّقيّات،

حَتّى أَتَى بِبَنِي الْأَحْرَارِ يَحْمِلُهُمْ ... إنّكَ عَمْرِي لَقَدْ أَسْرَعَتْ قِلْقَالَا لِلّهِ دَرّهُمْ مِنْ عُصْبَةٍ خرجوا ... ما إن أرى لهم فى الناس أمثالا بيضا مرازبة، غُلْبًا أَسَاوِرَةً ... أُسْدًا تُرَبّبُ فِي الْغَيْضَاتِ أَشْبَالَا يَرْمُونَ عَنْ شُدُفٍ كَأَنّهَا غُبُطٌ ... بزَمْخرٍ يُعَجّلُ الْمَرْمِيّ إعْجَالَا أَرْسَلْتَ أُسْدًا عَلَى سُودِ الْكِلَابِ فَقَدْ ... أَضْحَى شَرِيدُهُمْ فِي الْأَرْضِ فُلّالَا فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْك التّاجُ مُرْتَفِقًا ... فِي رَأْسِ غُمْدان دَارًا مِنْك مِحْلَالَا وَاشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ ... وَأَسْبِلْ الْيَوْمَ فِي بُرْدَيْك إسْبَالَا تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا قال ابن هشام: هذا ما صح له مِمّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ مِنْهَا، إلّا آخِرَهَا بيتا قوله: تلك المكارم لا قعبان من لبن ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقِيلَ: كَانَ لَهُ ثَلَاثُ جَدّاتٍ كُلّهُنّ: رُقَيّةُ، فَمَنْ قَالَ فِيهِ: ابْنَ الرّقَيّاتِ، فَإِنّهُ نَسَبَهُ إلَى جَدّاتِهِ، وَمَنْ قَالَ: قَيْسَ الرّقَيّاتِ دُونَ ذِكْرِ ابْنٍ، فَإِنّهُ نِسْبَةٌ، وَقِيلَ: بَلْ شَبّبَ بِثَلَاثِ نِسْوَةٍ كُلّهُنّ تُسَمّى: رُقَيّةَ، وَقِيلَ: بَلْ بِبَيْتِ قَالَهُ وَهُوَ: «رُقَيّةُ مَا رُقَيّةُ مَا رُقَيّةُ أَيّهَا الرّجُلُ «1» » وَقَالَ الزّبَيْرُ: كَانَ يُشَبّبُ برقيّة بنت عبد الواحد

_ (1) فى الأغانى للأصفهانى أنه شبب بثلاث نسوة، منهن هاتان الرقيتان اللتان سيذكرهما عن الزبير والأخرى: أموية، وكان يعتبر شاعر قريش، خرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، فلما قتل مصعب، وقتل عبد الله ابن الزبير هرب فلجأ إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فسأل عبد الملك فى أمره فأمنه، وفى القاموس: أنه لقب بهذا لعدة زوجات أوجدات، أو حبات بكسر الحاء له، أسماؤهن: رقية وفى اللسان مثله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بْنِ أَبِي السّرْحِ مِنْ بَنِي ضِبَابِ بْنِ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصٍ، وَبِابْنَةِ عَمّ لَهَا اسْمُهَا رُقَيّةُ، وَهُوَ ابْنُ قَيْسِ بْنِ شُرَيْحٍ مِنْ بَنِي حُجَيْرٍ أَيْضًا، وَحُجَيْرٌ أَخُو حَجَرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرٍ رَهْطِ عَمْرِو بْنِ أُمّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى «1» . وَقَوْلُهُ: «حَتّى كَأَنّهُ مَرْجُومٌ» وَهُوَ قَدْ رُجِمَ، فَكَيْفَ شَبَهُهُ بِالْمَرْجُومِ وَهُوَ مَرْجُومٌ بِالْحِجَارَةِ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي مَقْتُولٍ: كَأَنّهُ مَقْتُولٌ؟ فَنَقُولُ: لَمّا ذَكَرَ اسْتِهْلَالَ الطّيْرِ، وَجَعَلَهَا كَالسّحَابِ يَسْتَهِلّ بِالْمَطَرِ، وَالْمَطَرُ لَيْسَ بِرَجْمِ، وَإِنّمَا الرّجْمُ بِالْأَكُفّ وَنَحْوِهَا، شَبَهُهُ بِالْمَرْجُومِ الّذِي يَرْجُمُهُ الْآدَمِيّونَ، أَوْ مَنْ يَعْقِلُ وَيَتَعَمّدُ الرّجْمَ مِنْ عَدُوّ وَنَحْوِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ الْمَقْتُولُ بِالْحِجَارَةِ مَرْجُومًا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَمّا لَمْ يَكُنْ جَيْشُ الْحَبَشَةِ كَذَلِكَ، وَإِنّمَا أُمْطِرُوا حِجَارَةً فَمِنْ ثَمّ قَالَ: كَأَنّهُ مَرْجُومٌ. سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ وَكِسْرَى: وَذِكْرُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ وَخَبَرِهِ مَعَ النّعْمَانِ وَكِسْرَى، وَقَدْ ذَكَرْنَا قِصّتَهُ فِي أَوّلِ حَدِيثِ الْحَبَشَةِ، وَأَنّهُ مَاتَ عِنْدَ كِسْرَى، وَقَامَ ابْنُهُ مقامه فى الطلب،

_ (1) هكذا ورد نسب هؤلاء فى كتاب «نسب قريش» أما ابن أم مكتوم فنسبه إلى أمه، وهى: مكتوم بنت عبد الله بن عنكثة «بفتح فسكون ثم فتح بعد ذلك» بن عامر بن مخزوم، وابن أم مكتوم هو: عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن هدم بن رواحة بن حجر، وهو ابن خال أم المؤمنين خديجة، وضباب بفتح الضاد كما ضبطه الذهبى وفى الأغانى سعد بدلا من السرح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُوَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ بْنِ ذِي أَصْبَحَ «1» بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ سَهْلِ بن عمرو ابن قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ وَائِلِ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ قُطْنِ بْنِ عَرِيبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَيْمَنَ بْنِ الْهَمَيْسَعِ بْنِ الْعَرَنْجَحِ وَهُوَ: حِمْيَرُ بْنُ سَبَأٍ، وكسرى هذا هو: أنو شروان بْنُ قُبَاذٍ، وَمَعْنَاهُ مُجَدّدُ الْمُلْكِ، لِأَنّهُ جَمَعَ مُلْكَ فَارِسَ بَعْدَ شَتَاتٍ. وَالنّعْمَانُ: اسْمٌ مَنْقُولٌ مِنْ النّعْمَانِ الّذِي هُوَ الدّمُ. قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَالْقَنْقَلُ الّذِي شَبّهَ بِهِ التّاجَ هُوَ مكيال عظيم. قال الراجز يصف الكمأة. مالك لَا تَجْرُفُهَا بِاْلَقَنْقَلِ ... لَا خَيْرَ فِي الْكَمْأَةِ إنْ لَمْ تَفْعَلْ وَفِي الْغَرْبِيّينَ لِلْهَرَوِيّ: الْقَنْقَلُ: مِكْيَالٌ يَسَعُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ مَنًا «2» ، وَلَمْ يَذْكُرْ: كَمْ الْمَنَا، وَأَحْسَبُهُ وَزْنَ رِطْلَيْنِ، وَهَذَا التّاجُ قد أتى به عمر بن الخطاب

_ (1) فى الاشتقاق: يزن موضع. يقال: ذو أزن، وذو يزن، وهو أول من اتخذ أسنة الحديد، فنسبت إليه، يقال للأسنة: يزنىّ، وأزنى، ويزأنىّ، وإنما كانت أسنة العرب قرون البقر، وإلى ذى أصبح نسب السوط فقيل: الأصبحى (2) المنا: الكيل أو الميزان الذى يوزن به بفتح الميم مقصور يكتب بالألف والمكيال الذى يكيلون به السمن وغيره، وقد يكون من الحديد أوزانا وتثنية منا: منوان ومنيان، والأول أعلى، قال ابن سيدة: وأرى الياء معاقبة لطلب الخفة، وهو أفصح من المنّ، والجمع: أمناء. وبيت الراجز «مالك لا تجرفها» نسبه اللسان إلى رؤبة، وهو فى ديوان رؤبة، والكمأة: واحدها: كمء على غير قياس وهو من النوادر، أما سيبويه، فقال: إن فعلة ليست جمع تكسير لفعل، إنما هو اسم للجمع، وقال غيره: كمأة للواحد. وكمء للجميع، وهناك أقوال أخرى. والكمأة نبات ينقّض الأرض، فيخرج كما يخرج الفطر «بضم الفاء وسكون الطاء» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ اسْتَلَبَ مَنْ يَزْدَجِرْدَ بْنِ شَهْرَيَارَ، تَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ جَدّهِ أنو شروان الْمَذْكُورِ، فَلَمّا أَتَى بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، دَعَا سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيّ، فَحَلّاهُ بِأَسْوِرَةِ كِسْرَى، وَجَعَلَ التّاجَ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ لَهُ: «قُلْ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي نَزَعَ تَاجَ كِسْرَى، مَلِكَ الْأَمْلَاكِ مِنْ رَأْسِهِ، وَوَضَعَهُ فِي رَأْسِ أَعْرَابِيّ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَذَلِكَ بِعِزّ الْإِسْلَامِ وَبَرَكَتِهِ لَا بِقُوّتِنَا» وَإِنّمَا خَصّ عُمَرُ سُرَاقَةَ بِهَذَا؛ لِأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ قَالَ لَهُ. «يَا سُرَاقُ كَيْفَ بِك إذَا وُضِعَ تَاجُ كِسْرَى عَلَى رَأْسِك وَإِسْوَارُهُ «1» فِي يَدَيْك» أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ قُدُومَ سَيْفٍ مَعَ وَهْرِزَ عَلَى صَنْعَاءَ فِي سِتّمِائَةِ، وَقَدْ قَدّمْنَا قَوْلَ ابْنِ قُتَيْبَةَ أَنّهُمْ كَانُوا سَبْعَةَ آلَافٍ وَخَمْسَمِائَةٍ، وَانْضَافَتْ إلَيْهِمْ قَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ. صَنْعَاءُ: وَذَكَرَ دُخُولَ وَهْرِزَ صَنْعَاءَ وَهَدْمَهُ بَابَهَا، وإنما كانت تسمى قبل ذلك أوال «2» .

_ (1) مات سراقة فى خلافة عثمان سنة أربع وعشرين. وهو سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن تيم بن مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة المدلجى. كنيته: أبو سفيان، وقد روى البخارى قصته فى باب الهجرة، وهو الذى حاول ملاحقة الرسول «ص» وأبى بكر وهما فى طريقهما إلى المدينة، ثم انتهى به الأمر إلى الاستسلام، فطلب منه الرسول «ص» أن يخفى أمره عن الناس، ففعل ولكن لم يرد فى البخارى ما ذكره السهيلى لكنه فى الإصابة لابن حجر، وفيها أن عمر أتى بسوارى كسرى، ومنطقته وتاجه. (2) بفتح الهمزه وكسرها، وفى المراصد: أزال، وفيها: أوال بضم الهمزة، وفى اللسان بفتحها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيّ: وَسُمّيَتْ: صَنْعَاءَ لِقَوْلِ وَهْرِزَ حِينَ دَخَلَهَا. صَنْعَةً صَنْعَةً، يُرِيدُ أَنّ الْحَبَشَةَ أَحْكَمَتْ صَنْعَهَا، قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ يَذْكُرُ أَوَالٍ: عَمَدَ الْحُدَاةُ بِهَا لِعَارِضِ قَرْيَةٍ ... وَكَأَنّهَا سُفُنٌ بِسَيْفِ أَوَاَلْ «1» وَقَالَ جَرِيرٌ: وَشَبّهَتْ الْحُدُوجَ غَدَاةَ قَوّ ... سَفِينَ الْهِنْدِ رَوّحَ مَنْ أَوَالَا «2» وَقَالَ الْأَخْطَلُ «3» : خَوْصٍ كَأَنّ شَكِيمَهُنّ مُعَلّقٌ ... بِقَنَا رُدَيْنَةَ، أو جذوع أوال «4»

_ (1) العارض ما اعترض فى الأفق من سحاب أو جراد أو نخل. (2) الحدوج، جمع حدج بكسر الحاء مركب للنساء كالمحفة وقو، يقال إنها، منزل للقاصد إلى المدينة من البصرة بعد النباح، ويقال إنها واديين اليمامة وهجر، وقيل: بين فيد والنباح. وجرير بن عطية الخطفى، شاعر فحل، والخطفى (بفتح الخاء والطاء والفاء) لقب جد جرير واسمه: حذيفة بن بدر بن سلمة، وقد اتفق نقاد الشعر على أنه أحد ثلاثة هم الفرزدق والأخطل وجرير لا يوجد من هو أبلغ منهم من الشعراء الذين نشئوا فى ملك الإسلام. مات باليمامة سنه 110 هـ. (3) الأخطل: هو أبو مالك غياث الأخطل بن غوث التغلبى النصرانى شاعر الأمويين، مات فى أول خلافة الوليد وقد نيف على السبعين. (4) البيت فى وصف خيل. الخوص: الخيول الغائرة العيون من طول السفر، والشكيم: جمع شكيمة: حديدة اللجام المعترضة فى فم الفرس. قنا: رماح وردينة: جزيرة ترفأ إليها السفن، أو قرية تكون بها الرماح، أو كورة تعمل بها الرماح. يشبه الخيل فى ضمورها بالرماح، أو بجذوع النخل وفى المطبوعة «تنكيمهين» وهو خطأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ قِيلَ إنّ صَنْعَاءَ اسْمُ الّذِي بَنَاهَا، وَهُوَ: صَنْعَاءُ بْنُ أَوَاَلْ بْنِ عَبِيرِ بْنِ عَابِرِ بْنِ شَالِخَ، فَكَانَتْ تُعْرَفُ تَارَةً بِأَوَالِ، وَتَارَةً بِصَنْعَاءَ. شَرْحٌ لَامِيّةِ ابْنِ أَبِي الصّلْتِ: وقوله فى شعر أمية ابن أَبِي الصّلْتِ: رَيّمَ فِي الْبَحْرِ. أَيْ: أَقَامَ فِيهِ، وَمِنْهُ الرّوَايِمُ، وَهِيَ الْأَثَافِي، كَذَلِكَ وَجَدْته فِي حَاشِيَة الشّيْخِ الّتِي عَارَضَهَا بِكِتَابَيْ «أَبِي الْوَلِيدِ الْوَقْشِيّ» ، وَهُوَ عِنْدِي غَلَطٍ، لِأَنّ الرّوَايِمَ مِنْ رَأَمَتْ «1» إذَا عَطَفَتْ، وَرَيّمَ لَيْسَ مِنْ رَأَمَ، وَإِنّمَا هُوَ مِنْ الرّيْمِ، وَهُوَ الدّرَجُ، أَوْ مِنْ الرّيْمِ الّذِي هُوَ الزّيَادَةُ وَالْفَضْلُ، أَوْ مِنْ رَامَ يَرِيمُ إذَا بَرِحَ، كَأَنّهُ يُرِيدُ: غَابَ زَمَانًا، وَأَحْوَالًا، ثُمّ رَجَعَ لِلْأَعْدَاءِ، وَارْتَقَى فِي دَرَجَاتِ الْمَجْدِ أَحْوَالًا إنْ كَانَ مِنْ الرّيْمِ الّذِي هُوَ الدّرْجُ، وَوَجَدْته فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ: خَيّمَ مَكَانَ رَيّمَ، فَهَذَا مَعْنَاهُ: أَقَامَ. وَقَوْلُهُ: عَمْرِي. أَرَادَ: لَعَمْرِي وَقَدْ قَالَ الطّائِيّ: عَمْرِي لَقَدْ نَصَحَ الزّمَانُ، وَإِنّهُ ... لَمِنْ الْعَجَائِبِ نَاصِحٌ لَا يُشْفَقُ وَقَوْلُهُ: أَسْرَعَتْ قِلْقَالًا بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا، وَكَقَوْلِ الْآخَرِ. «وَقَلْقَلَ يَبْغِي الْعِزّ كُلّ مُقَلْقَلٍ» وَهِيَ شِدّةُ الْحَرَكَةِ. وَقَوْلُهُ: «يَرْمُونَ عَنْ شُدُفٍ كَأَنّهَا غُبُطٌ «2» » الشّدَفُ: الشخص، ويجمع

_ (1) رئم الشئ كسمع، ألفه وأحبه، ورأم القدح، كمنع: أصلحه. القاموس. (2) جمع غبيط وهى عيدان الهودج وأدواته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَى شُدُفٍ، وَلَمْ يُرِدْ هَهُنَا إلّا الْقِسِيّ، وَلَيْسَ شُدُفٌ جَمْعًا لِشَدَفٍ، وَإِنّمَا هُوَ جَمْعُ شَدُوفٌ، وَهُوَ النّشِيطُ الْمَرِحُ يُقَالُ: شَدِفَ، فَهُوَ شَدِفٌ، ثُمّ تَقُولُ: شَدُوفٌ، كَمَا تَقُولُ مَرُوحٌ، وَقَدْ يُسْتَعَارُ الْمَرَحُ وَالنّشَاطُ لِلْقِسِيّ لِحُسْنِ تَأَتّيهَا وَجَوْدَةِ رَمْيِهَا وَإِصَابَتِهَا، وَإِنّمَا احْتَجْنَا إلَى هَذَا التّأْوِيلِ، لِأَنّ فَعَلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى فُعُلٍ إلّا وَثَنٌ وَوُثُنٌ، فَإِنْ قُلْت: فَيُجْمَعُ عَلَى فُعُولٍ مِثْلُ: أُسُودٍ، فَتَقُولُ: شَدُوفٌ، ثُمّ تَجْمَعُ الْجَمْعَ، فَتَقُولُ: شُدُفٌ، قُلْنَا: الْجَمْعُ الْكَثِيرُ لَا يُجْمَعُ، وَإِنّمَا يُجْمَعُ مِنْهُ أَبْنِيَةُ الْقَلِيلِ. نَحْوَ: أَفْعَالٍ وَأَفْعُلٍ وَأَفْعِلَةٍ، وَأَشْبَهُ مَا يُقَالُ فِي هَذَا الْبَيْتِ: إنّهُ جَمْعٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، هَذَا إنْ كَانَ الشّدُفُ: الْقِسِيّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ شَدَفًا عَلَى شُدْفٍ مِثْلُ: أَسَدٍ وَأُسْدٍ، ثُمّ حَرّكَ الدّالَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: الْمَرِحَ مِنْ الْخَيْلِ كَمَا تَقَدّمَ «1» . وَجَعَلَهَا كَالْغُبُطِ لِإِشْرَافِ ظُهُورِهَا وَعُلُوّهَا. وَقَوْلُهُ: يَرْمُونَ عَنْ شُدُفٍ أَيْ: يَدْفَعُونَ عَنْهَا بِالرّمْيِ، وَيَكُونُ الزّمْخَرُ: الْقَسِيّ «2» ، أَوْ النّبْلُ. وَالْغُبُطُ: الْهَوَادِجُ، وَالزّمْخَرُ: الْقَصَبُ الفارسى

_ (1) فى اللسان: الشدف بالتحريك، شخص كل شئ والجمع شدوف «بضم الشين والدال» ويقال للقسى الفارسية: شدف «بضم الشين والدال» واحدها: شدفاء، وفى حديث ابن ذى يزن: يرمون عن شدف هى جمع شدفاء وهى. العوجاء يعنى: القوس الفارسية. (2) الزّمخر أيضا: المزمار والنشاب والكثير الملتف من الشجر والأجوف الناعم الرّيّان ومن معانى مفردات قصيدة أبى الصلت، المرازبة: جمع مرزبان من المرزبة كمرحلة: رياسة الفرس. الغلب: الشداد، والأغلب الأسد، الأساورة جمع أسوار قائد الفرس، والجيد الرمى بالسهام. تربب: مأخوذه من التربية. غيضات: جمع عنيضة وهى الشجر الملتف الكثير. الفلال: المنهزمون، مرتفعا-

فإنه لِلنّابِغَةِ الْجَعْدِيّ. وَاسْمُهُ: [حِبّانُ بْنُ] عَبْدِ اللهِ بن قيس، أحد بنى جعدة ابن كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ الحِيريّ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ أَحَدُ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَيُقَالُ: عدىّ من العباد من أهل الحيرة: مَا بَعْدَ صَنْعَاءَ كَانَ يَعْمُرُهَا ... وُلَاةُ مُلْكٍ جَزْلٍ مَوَاهِبُهَا رَفّعَهَا مَنْ بَنَى لَدَى قَزَع الْمُزْنِ ... وَتَنْدَى مِسْكًا مَحَارِبُهَا مَحْفُوفَةٌ بِالْجِبَالِ دُونَ عُرَى ... الْكَائِدِ مَا تُرْتَقَى غُوَارِبُهَا يَأْنَسُ فِيهَا صَوْتُ النّهَامِ إذَا ... جَاوَبَهَا بِالْعَشِيّ قَاصِبُهَا سَاقَتْ إليه الْأَسْبَابُ جُنْدُ بَنِي الْأَحْرَارِ ... فُرْسَانُهَا مَوَاكِبُهَا وفُوّزت بِالْبِغَالِ تُوسَقُ ... بِالْحَتْفِ وَتَسْعَى بِهَا تَوَالِبُهَا حَتّى رَآهَا الْأَقْوَالُ مِنْ طَرَفِ الْمَنْقَلِ ... مُخْضَرّةٌ كَتَائِبُهَا يوم ينادون آل بربر والبيكسوم ... لَا يُفْلِحُنّ هَارِبُهَا وَكَانَ يَوْمُ بَاقِي الْحَدِيثِ وزا ... لت إمّة ثابت مراتبها وبدّل الفيج بالزرافة والأيّا ... م جُونٌ جَمّ عَجَائِبُهَا بَعْدَ بَنِي تُبّعٍ نَخَاوِرَةٌ ... قد اطمأنّت بها مرازبها ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ - متكئا متمكنا، أسبل: أرخ ثوبك كناية عن الإعجاب والخيلاء. وقعبان مفردها قعب: قدح يحلب فيه، شيبا: خلطا.

ذكر ما انتهى إليه أمر الفرس باليمن

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ وَرَوَاهُ لِي عن المفضّل الضّبّىّ، قوله: يوم ينادن آل بربر واليكسوم وَهَذَا الّذِي عَنَى سَطِيحٌ بِقَوْلِهِ: «يَلِيهِ إرَمُ ذِي يَزَنَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ» . وَاَلّذِي عَنَى شِقّ بِقَوْلِهِ: «غُلَامٌ لَيْسَ بِدَنِيّ، وَلَا مُدَنّ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنَ» . [ذِكْرُ مَا انْتَهَى إلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ] [ «مدة ملك الحبشة باليمن» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ وَهْرِز وَالْفُرْسُ بِالْيَمَنِ، فَمِنْ بَقِيّةِ ذَلِكَ الْجَيْشِ مِنْ الْفُرْسِ: الْأَبْنَاءُ الّذِينَ بِالْيَمَنِ الْيَوْمَ. وَكَانَ مُلْكُ الْحَبَشَةِ بِالْيَمَنِ، فِيمَا بَيْنَ أَنْ دَخَلَهَا أَرْيَاط إلَى أَنْ قَتَلَتْ الْفُرْسُ مَسْرُوقَ بْنَ أَبْرَهَةَ وَأُخْرِجَتْ الْحَبَشَةُ، اثنتين وسبعين سنة، توارث ذلك منهم أربعة: أَرْيَاط، ثُمّ أَبْرَهَةُ، ثُمّ يَكْسوم بْنُ أَبْرَهَةَ، ثم مسروق بن أبرهة. [ «أمراء الفرس على اليمن» ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ مَاتَ وَهْرِز، فَأَمّرَ كِسْرَى ابْنَهُ الْمَرْزُبَانَ بْنِ وهرز على ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: فِي رَأْسِ غُمْدَانَ. ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنّ غُمْدَانَ أَسّسَهُ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ وَأَكْمَلَهُ بعده، واحتله: واثل بْنُ حِمْيَرَ بْنِ سَبَأٍ، وَكَانَ مَلِكًا مُتَوّجًا كأبيه وجده «1» .

_ (1) فى المراصد: غمدان: قصر بصنعاء باليمن كان نزل الملوك، ولم يزل قائما حتى هدمه عثمان، وفى معجم البكرى أنه كان قصبة صنعاء، وفى التقويم لأبى الفداء أن غمدان: تل عظيم كان قصر ملوك اليمن.

"حديث يتنبأ بقتل كسرى"

الْيَمَنِ، ثُمّ مَاتَ الْمَرْزُبَان، فَأَمّرَ كِسْرَى ابْنَهُ التّيْنُجان بْنَ الْمَرْزُبَانِ عَلَى الْيَمَنِ، ثُمّ مَاتَ التّيْنُجان، فَأَمّرَ كِسْرَى ابْنَ التّيْنُجان عَلَى الْيَمَنِ، ثُمّ عَزَلَهُ وَأَمّرَ بَاذَانَ، فَلَمْ يَزَلْ بَاذَانُ عَلَيْهَا حَتّى بَعَثَ اللهُ مُحَمّدًا النّبِيّ- صَلّى الله عليه وسلم. [ «حديث يتنبأ بقتل كسرى» ] فَبَلَغَنِي عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: كَتَبَ كِسْرَى إلَى بَاذَانَ: أَنّهُ بَلَغَنِي أَنّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْش خَرَجَ بِمَكّةَ، يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِيّ، فَسِرْ إلَيْهِ فَاسْتَتِبْهُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلّا فَابْعَثْ إلَيّ بِرَأْسِهِ، فَبَعَثَ بَاذَانُ بِكِتَابِ كِسْرَى إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن اللهَ قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يُقْتَلَ كِسْرَى فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا» فَلَمّا أَتَى بَاذَانَ الْكِتَابُ تَوَقّفَ لِيَنْظُرَ، وَقَالَ: إنْ كَانَ نَبِيّا، فَسَيَكُونُ مَا قَالَ، فَقَتَلَ اللهُ كِسْرَى فِي الْيَوْمِ الّذِي قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قُتِلَ عَلَى يَدَيْ ابْنِهِ شِيرَوَيْه، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ حِقّ الشّيْبَانِيّ. وَكِسْرَى إذْ تَقَسّمْهُ بَنُوهُ ... بِأَسْيَافٍ كَمَا اُقْتُسِمَ اللّحّامُ تَمَخّضَتْ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمِ ... أَنَى، وَلِكُلّ حَامِلَةٍ تمام [ «باذان يسلم» ] قَالَ الزّهْرِيّ: فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ بَاذَانَ بَعَثَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِسْلَامِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْفُرْسِ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت الرسل من الفرس لرسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ، أَيْ: هَلَكُوا، وَالنّعَامَةُ: بَاطِنُ القدم، وشالت

"عود إلى شق وسطيح"

- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: إلَى مَنْ نَحْنُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ مِنّا وَإِلَيْنَا أهل البيت» . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: فَمِنْ ثَمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَلْمَانُ مِنّا أَهْلَ الْبَيْتِ» . [ «عود إلى شق وسطيح» ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَهُوَ الّذِي عَنَى سَطِيحٌ بِقَوْلِهِ: «نَبِيّ زَكِيّ، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيّ» . وَاَلّذِي عَنَى شِقّ بِقَوْلِهِ: «بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولِ مُرْسَلٍ، يَأْتِي بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ، مِنْ أَهْلِ الدّينِ وَالْفَضْلِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى يوم الفصل» [ «كتاب الحجر» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِي حَجَرٍ بِالْيَمَنِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- كِتَابٌ بِالزّبُورِ كُتِبَ فِي الزّمَانِ الْأَوّلِ: «لِمِنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِحِمْيَرَ الْأَخْيَارِ، لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِلْحَبَشَةِ الْأَشْرَارِ، لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِفَارِسَ الْأَحْرَارِ لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ؟ لِقُرَيْشِ التّجّارِ» . وَذِمَارٌ: الْيَمَنُ أَوْ صَنْعَاءُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذمار: بالفتح، فيما أخبرنى يونس [ «الأعشى ونبوءة شق وسطيح» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْأَعْشَى- أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي وُقُوعِ مَا قَالَ سَطِيحٌ وَصَاحِبُهُ: مَا نَظَرَتْ ذَاتُ أَشْفَارٍ كَنَظْرَتِهَا ... حقّا كما صدق الذّئبىّ إذ سجعا ـــــــــــــــــــــــــــــ ارْتَفَعَتْ، وَمَنْ هَلَكَ ارْتَفَعَتْ رِجْلَاهُ، وَانْتَكَسَ رَأْسُهُ، فظهرت نعامة قدمه،

وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ لِسَطِيحِ: الذّئْبِيّ؛ لِأَنّهُ سَطِيحُ بن ربيعة بن مسعود ابن مَازِنِ بْنِ ذِئْبٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا البيت فى قصيدة له. ـــــــــــــــــــــــــــــ تَقُولُ الْعَرَبُ: تَنَعّمْت إذَا مَشَيْت حَافِيًا، قَالَ الشّاعِرُ: تَنَعّمْت لَمّا جَاءَنِي سُوءُ فِعْلِهِمْ ... أَلَا إنّمَا الْبَأْسَاءُ لِلْمُتَنَعّمِ وَالنّعَامَةُ أَيْضًا: الظّلْمَةُ، وَالنّعَامَةُ: الدّعَامَةُ الّتِي تَكُونُ عَلَيْهَا الْبَكَرَةُ، وَالنّعَامَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنْ النّاسِ، وَابْنُ النّعَامَةِ: عِرْقٌ فِي بَاطِنِ الْقَدَمِ «1» . النّابِغَةُ وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ: وَذَكَرَ النّابِغَةَ الْجَعْدِيّ وَاسْمُهُ: قَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَقِيلَ إنّ اسْمَهُ: حِبّانُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَحْوَحَ، وَالْوَحْوَحُ فِي اللّغَةِ: وَسَطُ الْوَادِي، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَحَدُ النّوَابِغُ، وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ ذَكَرَهُمْ الْبَكْرِيّ، وَذَكَرَ الْأَعَاشِي وَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَالنّابِغَةُ «2» شَاعِرٌ مُعَمّرٌ عاش مائتين

_ (1) ولها أيضا معان أخر. وقصيدة أبى الصلت اللامية فى ص 147 ج 2 الطبرى وفيها عما هنا اختلاف. (2) النابغة: الرجل العظيم الشأن، والنوابغ من الشعراء كما فى القاموس والمزهر هم: زياد بن معاوية الذبيانى، وقيس بن عبد الله الجعدى، وعبد الله بن المخارق الشيبانى، أو جمل بن سعدانة، ويزيد بن أبان الحارثى، وهو نابغة بنى الديان، والنابغة ابن لاى الغنوى، والحارث بن بكر اليربوعى، والحارث ابن عدوان التغلبى، والنابغة العدوانى ولم يسمّ. والأعشى من العشا: سوء البصر بالليل، ومن الأعاشى الشعراء: أعشى باهلة عامر، وأعشى بنى نهشل: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَرْبَعِينَ «1» سَنَةً أَكْثَرُهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَقُدُومُهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنْشَادُهُ إيّاهُ، وَدُعَاءُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلّا يَفُضّ اللهُ فَاهُ مَشْهُورٌ، وَفِي كُتُبِ الْأَدَبِ وَالْخَبَرِ مَسْطُورٌ، فَلَا مَعْنَى لِلْإِطَالَةِ بِهِ «2» .

_ - أسود بن يعفر، وو همدان: عبد الرحمن بن مالك، وبنى أبى ربيعة: صالح بن خارجة وطرود وبنى الحرماز، وبنى أسد وعكل: كهمس، وابن معروف: خيثمة، وبنى عقيل، وبنى مالك، وبنى عوف: ضابئ وبنى ضوزة: عبد الله، وبنى جلان: سلمة، وبنى قيس: أبو بصير، والأعشى التغلبى: النعمان، هم فى المزهر ثمانيه عشر ص 457 (1) واسمه ونسبه فى الأغانى كما ذكر السهيلى، وفى الإصابة اختلف فى اسمه فقيل: هو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة، وقيل بدل عدس وربيعة وحوح، وفى سنه خلاف كبير فهو بين 130 سنة وبين 240 سنة. (2) من القصيدة التى زعموا أنه أنشدها بين يدى الرسول- صلى الله عليه وسلم- أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابا كالمجرة نيرا وجاهدت حتى ما أحس ومن معى ... سهيلا إذا مالاح ثم تحورا ولا خير فى حلم إذا لم يكن له ... بوادر تخمى صفوه أن يكدرا ولا خير فى جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا والقصة المزعومة عن الإنشاد، وأنه قيل له «لا يفضض الله فاك مرتين» - بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الضاد- مروية عن طريق يعلى بن الأشدق، وهو ساقط الحديث. والقصيدة- كما ذكر ابن عبد البر- مطولة تبلغ نحو مائتى بيت أولها خليلى غضا ساعة وتهجرا ... ولو ما على ما أحدث الدهر أوذرا وفى سبب تلقيبه بالنابغة خلاف، ولعل أحسنها قول الفخذمى: كان النابغة قديما شاعرا مفلقا طويل العمر فى الجاهلية وفى الإسلام. وعن حياته فى الجاهلية يقول أبو عبيدة معمر بن المثنى «كان النابغة ممن فكر فى الجاهلية وأنكر الخمر، والسكر، وهجر الأزلام، واجتنب الأوثان، وذكر دبن إبراهيم» انظر الإصابة ص 218 ج 6 ط الشرقية، سنة 1325 هـ، وانظر ص 6 المجلد الخامس-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ شِعْرَ عَدِيّ بْنِ زَيْدٍ الْعِبَادِيّ، نُسِبَ إلى العباد، وهم من عبد القيس ابن أَفْصَى بْنِ دُعْمِيّ بْن جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ، قِيلَ: إنّهُمْ انْتَسَلُوا مِنْ أَرْبَعَةٍ: عَبْدِ الْمَسِيحِ، وَعَبْدِ كُلَالٍ، وَعَبْدِ اللهِ، وَعَبْدِ يالَيْل، وَكَذَلِكَ سَائِرُهُمْ فِي اسْمِ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: عَبْدٌ، وَكَانُوا قَدِمُوا عَلَى مَلِكٍ فَتَسَمّوْا لَهُ، فَقَالَ: أَنْتُمْ الْعِبَادُ فَسُمّوا بِذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ هَذَا «1» . وَفِي الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ: أَبْعَدُ النّاسِ عَنْ الْإِسْلَامِ الرّومُ وَالْعِبَادُ «2» ، وَأَحْسَبُهُمْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنّهُمْ تَنَصّرُوا، وَهُمْ مِنْ رَبِيعَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْقَيْسِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَاَلّذِي ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ فِي نَسَبِ عَدِيّ بْنِ زَيْدٍ أَنّهُ ابْنُ زَيْدِ بْنِ حَمّادِ بْنِ أَيّوبَ بْنِ مَجْرُوفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُصَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ. وَقَدْ دَخَلَ بَنُو امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ فِي الْعِبَادِ. فَلِذَلِكَ يُنْسَبُ عَدِيّ إلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ: صَوْتُ النّهَامِ، يُرِيدُ ذِكْرَ الْيَوْمِ، وَقَاصِبُهَا: الّذِي يزمر فى القصب.

_ - من الأغانى طبع لبنان. ويزعمون- كما جاء فى الإصابة- أنه بقى أحسن الناس ثغرا كلما سقطت سن عادت أخرى؛ بسبب الدعاء له بأن لا يفض الله فاه. (1) فى الاشتقاق لابن دريد: والعباد: قبائل شتىّ من بطون العرب اجتمعوا بالحيرة على النصرانية، فأنفوا أن يقال لهم عبيد، فينسب الرجل: عبادى «بكسر العين وفتح الباء بدون تضعيف» ص 11، وفى اللسان مادة «عبد» كذلك، وزاد: ومنه: عدى بن زيد العبادى بكسر العين، وكذا وجد بخط الأزهرى وخطأ ابن برى الجوهرى فى قوله عن العباد أنها بفتح العين. (2) لا ادرى من أين يأتى بما لا يتفق مع هدى النبوة وحكمتها، وفى الاشتقاق أن عدى بن زيد شاعر قديم مات فى سجن النعمان وله حديث، والعبادى منسوب إلى دينه، لأنه تنصر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ فِيهَا: دُونَ عُرَى الْكَائِدِ يُرِيدُ: عُرَى السّمَاءِ وَأَسْبَابُهَا، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ: عَرَى بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَهِيَ النّاحِيَةُ، وَأَضَافَهَا إلَى الْكَائِدِ، وَهُوَ الّذِي كَادَهُمْ، وَالْبَارِي- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كَيْدُهُ مَتِينٌ «1» . وَقَوْلُهُ: فَوّزَتْ بِالْبِغَالِ أَيْ: رَكِبَتْ الْمَفَاوِزَ «2» . وَقَوْلُهُ: تُوسَقُ بِالْحَتْفِ، أَيْ: أَوْسَقَ الْبِغَالَ الْحُتُوف، وتوالبها: جمع ثولب، وَهُوَ وَلَدُ الْحِمَارِ، وَالتّاءُ فِي تَوْلَبٍ بَدَلٌ من واو، كما هى فى توءم وَتَوْلَجٌ «3» وَفِي تَوْرَاةٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنّ اشْتِقَاقَ التّوْلَبِ مِنْ الْوَالِبَةِ، وَهِيَ مَا يُوَلّدُهُ الزّرْعُ، وَجَمْعُهَا: أَوَالِبُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ طَرَفِ الْمَنْقَلِ أَيْ: مِنْ أَعَالِي حُصُونِهَا، وَالْمِنْقَالُ: الْخَرْجُ يُنْقَلُ إلَى الْمُلُوكِ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ، فَكَأَنّ المنقل من هذا، والله أعلم.

_ (1) الغوارب فى السيرة: الأعالى، والعرى: ما يستر الشئ عنك. (2) المهالك أو الصحارى. (3) التوءم: المولود مع غيره فى بطن، والتولج: كناس الوحش أى: مولجه فى الغابة، ويقول أبو عثمان المازنى فى التصريف: «وزعم الخليل أن قوله: «متخذا من عضوات تولجا» إنما هو فوعل من ولجت وليس بتفعل، لأن تفعلا فى الأسماء قليل، وفوعل كثير، ولكنه علم أنه لو جاء بالواو على أصلها لزمه أن يبد لها همزة، لئلا تجتمع واوان فى أول كلمة، فأبدل التاء لكثرة دخولها على الواو فى باب ولج حين قالوا: أتلج ومتلج، وهذا أتلج من هذا، ولم يؤخذ هذا إلا عن الثقات» ومن شرح ابن جنى لهذا قوله: «لأنه لو لم يبدلها تاء للزمه أن يقول: أولج لاجتماع واوين ص 226 ج 1 المنصف. وانظر ص 3 من نوادر أبى زيد. هذا وقدوهم الجوهرى فوضع التوءم فى فصل التاء. ومن معنى والبة: أولاد القوم ونسلهم، ونسل الإبل والغنم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: مُخْضَرّةٌ كَتَائِبُهَا. يَعْنِي مِنْ الْحَدِيدِ، وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ الْخَضْرَاءُ «1» . وَقَوْلُهُ: يُنَادَوْنَ آلَ بَرْبَرَ؛ لِأَنّ الْبَرْبَرَ وَالْحَبَشَةَ مِنْ وَلَدِ حَامٍ «2» . وَقَدْ قِيلَ إنّهُمْ مِنْ وَلَدِ جَالُوتَ مِنْ الْعَمَالِيقِ. وَقَدْ قِيلَ فِي جَالُوتَ إنّهُ مِنْ الْخَزَرِ، وَإِنّ أفريقس لَمّا خَرَجَ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ سَمِعَ لَهُمْ بَرْبَرَةً، وَهِيَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ، فَقَالَ. مَا أكنر بَرْبَرَتَهُمْ!. فَسُمّوا بِذَلِكَ، وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا. وَقَوْلُهُ: وَالْغُرُبُ أَرَادَ: الْغُرُبَ بِضَمّ الرّاءِ جَمْعُ «3» : غُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ: أَغْرِبَةً وَغِرْبَانٌ، وَلَكِنّ الْقِيَاسَ لَا يَدْفَعُهُ، وَعَنَى بِهِمْ السّودَانَ. وَقَوْلُهُ: وَبُدّلَ الْفَيْجُ بِالزّرَافَةِ، وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ فِي مِشْيَتِهِ، وَالزّرَافَةُ: الْجَمَاعَةُ «4» وَقِيلَ فِي الزّرَافَةِ الّتِي هِيَ حَيَوَانٌ طَوِيلُ الْعُنُقِ: إنّهُ اخْتَلَطَ فِيهَا النّسْلُ بَيْنَ الْإِبِلِ الْوَحْشِيّةِ، وَالْبَقَرِ الْوَحْشِيّةِ وَالنّعَامِ، وَإِنّهَا مُتَوَلّدَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الثّلَاثَةِ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الزّبَيْدِيّ وَغَيْرُهُ، وَأَنْكَرَ الْجَاحِظُ هَذَا فِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ له،

_ (1) أقوال فى البيت «ص 305» جمع قيل: لقب من كان دون الملك الأعظم قديما فى اليمن، وفى حديث الفتح: مر رسول الله «ص» فى كتيبته الخضراء، وهى التى غلب عليها لبس الحديد. وفى اللسان: المنقل: طريق مختصر، والنواقل من الخراج ما ينقل من قرية إلى أخرى. (2) يرد ابن حزم على من نسب البربر إلى حمير أو إلى ابن قيس عيلان بقوله: «ما علم النسابون لقيس عيلان ابنا اسمه: بر- بفتح فتضعيف- أصلا، ولا كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا فى تكاذيب مؤرخى اليمن» ص 461 الجمهرة. (3) لا يوجد فى القصيدة، ويوجد فى كلام سيف: الأغربة: والإمّة: النعة. (4) فى القاموس: ومعرب بيك. والفيج: الذى يسير للسلطان بالكتب على رجليه «الخشنى» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ: إنّمَا دَخَلَ هَذَا الْغَلَطُ عَلَيْهِمْ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفُرْسِ لَهَا «اشْتَرِ- كَاوِ- مَاهَ «1» » وَالْفُرْسُ إنّمَا سَمّتْهُ بِذَلِكَ، لِأَنّ فِي خِلْقَتِهَا شَبَهًا مِنْ جَمَلٍ وَنَعَامَةٍ وَبَقَرَةٍ، فَاشْتَرِ هُوَ: الْجَمَلُ، وَكَاوِ: النّعَامَةُ، وَمَاهُ: الْبَقَرَةُ، وَالْفُرْسُ تُرَكّبُ الْأَسْمَاءَ وَتُمْزَجُ الْأَلْفَاظُ إذَا كَانَ فِي الْمُسَمّى شَبَهٌ مِنْ شَيْئَيْنِ، أَوْ أَشْيَاءَ، وَيُقَالُ: زَرَافّةٌ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْقَنَانِيّ «2» . وَقَوْلُهُ: بَعْدَ بَنِي تُبّعٍ بَجَاوِرَةٌ. هَكَذَا فِي نُسْخَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الْأَسَدِيّ مُصَحّحًا عَلَيْهِ، وَقَدْ كَتَبَ فِي الْحَاشِيَةِ: نَخَاوَرَةٌ فِي الْأَمِينِ، وَفِي الْحَاشِيَةِ النّخَاوِرَةُ: الْكِرَامُ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْمُوعَةِ عَلَى ابْنِ هِشَامٍ يَعْنِي نُسْخَتَيْ أَبِي الْوَلِيدِ الْوَقْشِيّ اللّتَيْنِ قَابَلَ بِهِمَا مَرّتَيْنِ، وَيَعْنِي بِالْحَاشِيَةِ حَاشِيَة «تِينك الْأَمِين» ! وَأَنّ فِيهِمَا: نَخَاوَرَةً بِالنّونِ والخاء المنقوطة «3» ، وهم الكرام كما ذكر.

_ (1) انظر ص 76 ج 7 طبع 1324 هـ من كتاب الحيوان للجاحظ. (2) فى الحيوان للدميرى مادة «الزاى» عن الزرافة: «كنيتها أم عيسى، وهى بفتح الزاى المخففة وضمها» .. ثم ذكر أنها متولدة من الناقة الوحشية والبقرة الوحشية، والضبعان: ذكر الضباع، ولذلك قيل لها: الزرافة وهى فى الأصل: الجماعة، وذكر أن العجم تسميها «اشتركاو يلنك» كما ورد فى الجيوان للجاحظ واشتر: الجمل، وكاو البقرة، ويلنك الضبع، والأيام جون: سود. وأشرح هنا بعض ما تركه دون شرح: جزل: كثير. القزع: السحاب المتفرق. والمحارب: الغرف المرتفعة أو أبهاؤها. (3) جمع النخاورة: نخوار «بكسر النون» ونخورى بفتحها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَاذَانُ وَكِسْرَى: وَذَكَرَ قِصّةَ بَاذَانَ، وَمَا كَتَبَ بِهِ إلَى كِسْرَى، وَكِسْرَى هَذَا هُوَ أَبَرْوَيْزُ بن هرمز بن أنو شروان، وَمَعْنَى أَبْرَوَيْزَ بِالْعَرَبِيّةِ: الْمُظَفّرُ، وَهُوَ الّذِي غَلَبَ الرّومَ حِينَ أَنَزَلَ اللهُ. الم «1» غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ [أول الروم] وَهُوَ الّذِي عُرِضَ عَلَى اللهِ فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ لَهُ: سَلّمْ مَا فِي يَدَيْك إلَى صَاحِبِ الْهِرَاوَةِ، فَلَمْ يَزَلْ مَذْعُورًا مِنْ ذَلِكَ، حَتّى كَتَبَ إلَيْهِ النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بِظُهُورِ- النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتِهَامَةَ «2» ؛ فَعَلِمَ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَيْهِ، حَتّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، وَهُوَ الّذِي كَتَبَ إلَيْهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَفِيدُهُ: يَزْدَجِرْدُ بْنُ شَهْرَيَارَ بْنِ أَبْرَوَيْزَ، وَهُوَ آخِرُ مُلُوكِ الْفُرْسِ، وَكَانَ سُلِبَ مُلْكُهُ، وَهُدِمَ سُلْطَانُهُ عَلَى يَدَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، ثُمّ قُتِلَ هُوَ فِي أَوّلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وُجِدَ مُسْتَخْفِيًا فِي رَحًى «3» فَقُتِلَ وَطُرِحَ فِي قَنَاةِ الرّحَى، وَذَلِكَ بِمَرْوَ مِنْ أَرْضِ فَارِسَ. وَذَكَرَ حَدِيثَ بَاذَانَ وَمَقْتَلَ كِسْرَى، وَكَانَ مَقْتَلُ كِسْرَى حِينَ قَتَلَهُ بَنُوهُ لَيْلَةَ الثّلَاثَاءِ لِعَشْرِ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَأَسْلَمَ بَاذَانُ بِالْيَمَنِ فِي سَنَةِ عَشْرٍ، وَفِيهَا بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْأَبْنَاءِ «4» يدعوهم

_ (1) تقرأ: ألف لام ميم. (2) قد يكون المقصود بها مكة نفسها. (3) الرحا من الأرض: مكان مستدير غليظ يكون بين رمال. أو القارة الضخمة الغليظة. (4) الأبناء: هم أبناء الفرس الذين استوطنوا اليمن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلَى الْإِسْلَامِ، فَمِنْ الْأَبْنَاءِ: وَهْبُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ سَيْجِ «1» بْنِ ذُكْبَارٍ، وَطَاوُوسٌ «2» وَذَادَوَيْهِ وَفَيْرُوزُ اللّذَانِ قَتَلَا الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيّ الْكَذّابَ، وَقَدْ قِيلَ فِي طَاوُوسٍ: إنّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَبْنَاءِ، وَإِنّهُ مِنْ حِمْيَرَ، وَقَدْ قِيلَ: مِنْ فَارِسَ، وَاسْمُهُ: ذَكْوَانُ بْنُ كَيْسَانَ وَهُوَ مَوْلَى بُجَيْرِ بْنِ رَيْسَانَ؛ وَقَدْ قِيلَ: مَوْلَى الْجَعْدِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: طَاوُوسٌ الْقَرّاءُ لِجَمَالِهِ. وَقَوْلُ خَالِدِ بْنِ حِقّ. تَمَخّضَتْ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمِ ... أَنَى؛ وَلِكُلّ حَامِلَةٍ تِمَامُ «3» الْمَنُونُ: الْمَنِيّةُ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَسْمَاءِ الدّهْرِ، وَهُوَ مِنْ مَنَنْت الْحَبْلَ إذَا قَطَعْته، وَفَعُولٌ إذَا كَانَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، لَمْ تدخل التاء فى مؤنثه لسرّ بديع

_ (1) سيج بالفتح وبالكسر وبالتحريك. (2) روى عنه الزهرى وخلق سواه. قال عنه عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا قط مثل طاووس. مات بمكة سنة 106 هـ. أو 104 هـ. ويقول أبو الفرج الجوزى فى كتاب الألقاب: إن اسمه: ذكوان، وطاووس لقب له، وإنما لقب به؛ لأنه كان طاووس القراء، والمشهور أنه اسمه، وكلمة طاوس تطلق على الجميل من الرجال، وقال عنه ابن خلكان: الخولانى- بفتح فسكون- نسبة إلى خولان، والهمدانى بفتح فسكون ففتح- نسبة إلى همدان- اليمانى من أبناء الفرس، (3) معنى البيت كما فى اللسان: أن المنية تهيأت لأن تلد له الموت. والشعر منسوب فى مادة- مخض- إلى عمرو بن حسان أحد بنى الحارث بن همام ابن مرة، يخاطب امرأته: ألا يا أم عمرو لا تلومى ... وأبقى إنما ذا الناس هام ويقول ابن برى: المشهور: يا أم قيس، وهى زوجته، وكان قد نزل به ضيف فذبح ناقته، فلامته، فقال هذا الشعر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، فَيُقَالُ: امْرَأَةٌ صَبُورٌ وَشَكُورٌ، فَمَعْنَى الْمَنُونِ: الْمَقْطُوعُ، وَتَمَخّضَتْ أَيْ: حَمَلَتْ، وَالْمَخَاضُ: الْحَمْلُ، وَوَزْنُهُ: فَعَالٌ، وَمَخَاضَةُ الْمَاءِ، وَمَخَاضَةُ [النّهْرِ] وَزْنُهُ: مَفْعَلٌ مِنْ الْخَوْضِ. وَقَوْلُهُ: أَنَى أَيْ: حَانَ، وَقَدْ قَلَبُوهُ، فقالوا: آنَ يَئِينُ، وَالدّلِيلُ عَلَى أَنّ آنَ يَئِينُ مَقْلُوبٌ مِنْ: أَنّى يَأْنَى، قَوْلُهُ: آنَاءَ اللّيْلِ، وَوَاحِدُهَا: إنًى وَأَنًى وَإِنْيٌ «1» ، فَالنّونُ مُقَدّمَةٌ عَلَى الْيَاءِ فِي كُلّ هَذَا، وَفِي كُلّ مَا صُرِفَ مِنْهُ نَحْوَ: الْإِنَاءِ، وَالْآنِي: الّذِي بَلَغَ أَنَاهٍ أَيْ: مُنْتَهَى وَقْتِهِ فِي التّسْخِينِ، وَهَذَا الْمَعْنَى كَقَوْلِهِمْ فِي الْمَثَلِ: الدّهْرُ حُبْلَى لَا يَدْرِي مَا تَضَعُ، إنْ كَانَ أَرَادَ بِالْمَنُونِ فِي الْبَيْتِ: الدّهْرَ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالْمَنُونِ: الْمَنِيّةَ، فَبَعِيدٌ أَنْ يُقَالَ: تَمَخّضَتْ الْمَنُونُ لَهُ بِهَذَا الْيَوْمِ الّذِي مَاتَ فِيهِ، فَإِنّ مَوْتَهُ: مُنْيَتُهُ، فَكَيْفَ تَتَمَخّضُ الْمُنْيَةُ بِالْمُنْيَةِ إلّا أَنْ يُرِيدَ أَسِبَابَهَا، وَمَا مُنِيَ لَهُ، أَيْ: قُدّرَ مِنْ وَقْتِهَا، فَتَصِحّ الِاسْتِعَارَةُ حِينَئِذٍ، وَيَسْتَقِيمُ التّشْبِيهُ. وَقَوْلُ ابْنِ حِقّ: وَكِسْرَى إذْ تَقْسِمُهُ بَنُوهُ. وَإِنّمَا كَانَ قَتْلُهُ عَلَى يَدَيْ ابْنِهِ شِيرَوَيْهِ، لَكِنْ ذَكَرَ بَنِيهِ لِأَنّ بَدْءَ الشّرّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَنّ فَرْخَانَ رَأَى فِي النّوْمِ: أَنّهُ قَاعِدٌ عَلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ فِي مَوْضِعِ أَبِيهِ، فَبَلَغَ أَبَاهُ ذَلِكَ، فَكَتَبَ إلَى ابْنِهِ شَهْرَيَارَ- وَكَانَ وَالِيًا لَهُ عَلَى بَعْضِ الْبِلَادِ: أَنْ اُقْتُلْ أخاك فرخان، فأخفى

_ (1) فى اللسان: أنى الشئ «بفتح الهمزة والنون» يأنى أنيا «بفتح وسكون، وإنى وأنى بفتح النون فى الكلمتين.. حان وأدرك. وفى القاموس: أنى الشئ أنيا «بفتح وسكون» وأناء بفتح النون، وإنى بفتح النون، وأنى الحمم: انتهى حره فهو آن، وبلغ هذا أناه- ويكسر- غايته، أو نضجه، وفى اللسان: أنى الحميم: انتهى حره، وأنى الماء: سخن وبلغ فى الحرارة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شَهْرَيَارُ الْكِتَابَ مِنْ أَخِيهِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ مَرّةً أُخْرَى، فَأَبَى مِنْ ذَلِكَ، فَعَزَلَهُ وَوَلّى فَرْخَانَ، وَأَمَرَهُ بِقَتْلِ شَهْرَيَارَ، فَعَزَمَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَرَاهُ شَهْرَيَارُ الْكِتَابَ الّذِي كَتَبَ لَهُ أَبُوهُ فِيهِ، فتواطئا عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى الْقِيَامِ عَلَى أَبِيهِمَا، وَأَرْسَلَا إلَى مَلِكِ الرّومِ يَسْتَعِينَانِ بِهِ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ، فَكَانَ هَذَا بَدْءَ الشّرّ، ثُمّ إنّ الْفُرْسَ خَلَعَتْ كِسْرَى لِأَحْدَاثِ أَحْدَثَهَا، وَوَلّتْ ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ «1» ، فَكَانَ كِسْرَى أَبْرَوَيْزَ رُبّمَا أَشَارَ بِرَأْيِ مِنْ مَحْبِسِهِ، فَقَالَتْ الْمَرَازِبَةُ لِشِيرَوَيْهِ: لَا يَسْتَقِيمُ لَك الْمُلْكُ إلّا أَنْ تَقْتُلَ أَبَاك «2» ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ، فَيُقَالُ: إنّهُ كَانَ يَضْرِبُ بِالسّيْفِ، فَمَا يَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا، فَفَتّشَ فَوَجَدَ عَلَى عَضُدِهِ حَجَرٌ مُعَلّقٌ كَالْخَرَزَةِ، فَنُزِعَ فَعَمِلَتْ فِيهِ السّلَاحُ «3» ، وَكَانَ قَبْلُ يَقُولُ لَابْنِهِ: يَا قصير

_ (1) قال ابن درستويه فى شرح الفصيح عن كسرى: ليس فى كلام العرب اسم آخره واو أوله مضموم، فلذلك لما عربوا خسروا بنوه على فعلى «بالفتح فى لغة، وفعلى بالكسر فى لغة أخرى» ، وأبدلوا الكاف فيه من الخاء علامة لتعريبه، فقالوا: كسرى ص 101 ج 2 المزهر للسيوطى، وفى الطبرى ص 219 ح 2 ط المعارف أن أولاد كسرى أرسلوا إليه رئيس كتيبة بما كان من إساءته فى تدبيره، منها سحله لعين أبيه، وقتله إياه شر قتلة، ومنها جمعه الأموال من الناس فى عنف شديد، وغير ذلك من فظائعه واسم شرويه: قباذ بن أبريز بن هرمز بن كسرى أنو شروان (2) فى الطبرى أنهم قالوا له: «إنه لا يستقيم أن يكون لنا ملكان، فإما أن تأمر بقتل كسرى، ونحن خولك «خدمك» المانحوك الطاعة، وإما أن نخلعك ونعطيه الطاعة» . (3) هذه خرافة ولا شك، ولا أدرى كيف يرويها مصدقا لها رجل كبير كالسهيلى، ومن قبله الطبرى وغيرهما، واسم قاتل كسرى هو: «مهر هرمز ابن مردانشاه» عاش يضطهده كسرى، ويحاول قتله، فكان أن قتله مهر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْعُمْرِ «1» ، فَلَمْ يَدُمْ أَمْرُهُ بَعْدَهُ إلّا أَقَلّ مِنْ سِتّةِ أَشْهُرٍ- فِيمَا ذَكَرُوا- وَاَللهُ أَعْلَمُ «ذِمَارُ وَحِمْيَرُ وَفَارِسُ وَالْحَبَشَةُ» : وَقَوْلُهُ: وُجِدَ بِحَجَرِ بِالْيَمَنِ: لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارَ. وَحَكَى ابْنُ هِشَامٍ عَنْ يُونُسَ ذَمَارَ بِفَتْحِ الذّالِ، فَدَلّ عَلَى أَنّ رِوَايَةَ ابْنِ إسْحَاقَ بِالْكَسْرِ، فَإِذَا كَانَ بِكَسْرِ الذّالِ فَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ؛ لِأَنّهُ اسْمٌ لِمَدِينَةِ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ التّأْنِيثُ، وَيَجُوزُ صَرْفُهُ أَيْضًا؛ لِأَنّهُ اسْمُ بَلَدٍ، وَإِذَا فُتِحَتْ الذّالُ، فَهُوَ مَبْنِيّ «2» مِثْلُ: رَقَاشِ وَحَذَامِ، وَبَنُو تَمِيمٍ يُعْرِبُونَ مِثْلَ هَذَا الْبِنَاءِ فَيَقُولُونَ: رَقَاشُ [وَحَذَامُ] فِي الرّفْعِ، وَرَقَاشَ وَحَذَامَ فِي النّصْبِ وَالْخَفْضِ يُعْرِبُونَهُ، ولا يصرفونه، فإذا

_ (1) انظر ص 222 ح 2 الطبرى وحديث: «سلمان منا أهل البيت» الذى السيرة رواه الطبرانى والحاكم عن عمرو بن عوف وسنده ضعيف. (2) فى المراصد: ذمار بكسر أوله، ويفتح مبنى على الكسر: قرية باليمن على مرحلتين من صنعاء، وقيل: ذمار اسم لصنعاء. وقد ألف الصغانى تأليفا مستقلا أورد فيه مائة وثلاثين لفظا على فعال المبنى على الكسر. وخلاصة رأى النحويين فى هذا أنه إذا كان علم المؤنث على وزن فعال «بفتح الفاء وكسر اللام» مثل حذام ورقاش، فإن مذهب بنى تميم إعرابه إعراب الاسم الذى لا ينصرف، لأنه فى رأى سيبويه- علم عدل به عن فاعله، فأصل حذام ورقاش: حاذمة وراقشة، فعدل بهما إلى حذام ورقاش، ويرجح رأيه أن الغالب على الأعلام أن تكون منقولة، أما المبرد فقال: إن العلة فى منع هذه الأسماء من الصرف- أى التنوين: هى أنها علم مؤنث تأنيثا معنويا مثل زينب، ويرجحه أنهم لا يدعون العدل فى نحو، طوى، فإن كان فعال مختوما بالراء علما للمؤنث كسفار، اسما لماء أو بئر، ووبار اسما لقبيلة فبنو تميم إلا قليلا منهم يبنونه على الكسر، أما أهل الحجاز فيبنون فعال على الكسر فى الحالين، إذ يشبهونه بنزال فى التعريف والعدل والوزن والتأنيث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَانَ لَامُ الْفِعْلِ رَاءً اتّفَقُوا مَعَ أَهْلِ الْحِجَازِ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْكَسْرِ. وَذَمَارِ: مِنْ ذَمَرْتُ الرّجُلَ إذَا حَرّضْته عَلَى الْحَرْبِ. وَقَوْلُهُ: لِحِمْيَرَ الْأَخْيَارُ؛ لِأَنّهُمْ كَانُوا أَهْلَ دِينٍ، كَمَا تَقَدّمَ فِي حَدِيثِ فَيْمُونَ وَابْنِ الثّامِرِ. وَقَوْلُهُ: لِفَارِسَ الْأَحْرَارُ؛ فَلِأَنّ الْمُلْكَ فِيهِمْ مُتَوَارِثٌ مِنْ أَوّلِ الدّنْيَا مِنْ عَهْدِ جيومرت «1» فِي زَعْمِهِمْ إلَى أَنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ، لَمْ «2» يَدِينُوا لِمَلِكِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا أَدّوْا الْأَتَاوَةَ «3» لِذِي سُلْطَانٍ مِنْ سِوَاهُمْ فَكَانُوا أَحْرَارًا لِذَلِكَ. وَأَمّا قَوْلُهُ: لِلْحَبَشَةِ الْأَشْرَارُ فَلَمّا أَحْدَثُوا فِي الْيَمَنِ مِنْ الْعَيْثِ وَالْفَسَادِ وَإِخْرَابِ الْبِلَادِ، حَتّى هَمّوا بِهَدْمِ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، وَسَيَهْدِمُونَهُ فِي آخِرِ الزّمَانِ «4» إذَا رَفَعَ الْقُرْآنَ، وَذَهَبَ مِنْ الصّدُورِ الْإِيمَانُ، وَهَذَا الكلام المسجّع ذكره المسعودى منظوما.

_ (1) أو كيومرث والفرس يجمعون على أنه أول ملوكهم، ولكنهم اختلفوا فى شأنه، فمنهم من زعم أنه ابن آدم، ومنهم من زعم أنه أصل النسل، ومنهم من قال: إنه أميم بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح، ولهم حوله خرافات، فهو مبدأ النسل، وهو نبت من نبات الأرض، وهو الريباس هو وزوجته، وجعلوا له أخبارا مع إبليس وقتله انظر ص 220 ح 1 مروج الذهب. (2) فى الأصل: لن. (3) الخراج أو الجزية. (4) لعله يشير إلى حديث «اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة» وقد رواه أبو داود بسند ضعيف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حِينَ شِيدَتْ ذِمَارِ قِيلَ: لِمَنْ أَنْ ... تَ فَقَالَتْ: لِحِمْيَرَ الْأَخْيَارِ «1» ثُمّ سِيلَتْ: مِنْ بَعْدِ ذَاكَ؟ فَقَالَتْ: ... أَنَا لِلْحَبْشِ أَخْبَثِ الْأَشْرَارِ «2» ثُمّ قَالُوا مِنْ بَعْدِ ذَاكَ: لِمَنْ أَنْ ... تَ؟ فَقَالَتْ: لِفَارِسَ الْأَحْرَارِ» ثُمّ قَالُوا مِنْ بَعْدِ ذَاكَ: لِمَنْ أَنْ ... تَ، فَقَالَتْ: إلَى قُرَيْشٍ التّجَارِ وَهَذَا الْكَلَامُ الّذِي ذَكَرَ أَنّهُ وُجِدَ مَكْتُوبًا بِالْحَجَرِ هُوَ- فِيمَا زَعَمُوا- مِنْ كَلَامِ هُودٍ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وُجِدَ مَكْتُوبًا فِي مِنْبَرِهِ، وَعِنْدَ قَبْرِهِ حِينَ كَشَفَتْ الرّيحُ الْعَاصِفَةَ عَنْ منبره الرمل، حتى ظهر، وَذَلِكَ قَبْلَ مُلْكِ بِلْقِيسَ بِيَسِيرِ، وَكَانَ خَطّهُ بِالْمُسْنَدِ، وَيُقَالُ: إنّ الّذِي بَنَى ذِمَارِ هُوَ شمر بن الأملوك، والأملوك هو: مالك ابن ذِي الْمَنَارِ، وَيُقَالُ: ذِمَارِ وَظَفَارِ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ: مَنْ دَخَلَ ظَفَارِ حَمّرَ «4» أَيْ تَكَلّمَ بِالْحِمْيَرِيّةِ.

_ (1) فى مروج المسعودى: يوم شيدت ظفار. (2) عند المسعودى: إن ملكى للأحبش الأشرار (3) عند المسعودى «ثم سيلت من بعد ذاك فقالت، إن ملكى» وفى المسعودى ثلاثة أبيات لم يذكرها السهيلى ص 88 ح 2 المروج الطبعة الثانية (4) قالوا إن أصل المثل أن أعرابيا دخل على أحد ملوك حمير فقال له: ثب- وهى بالحميرية: اجلس، ولكن الأعرابى وثب، فتكسر، فلما عرف الملك أنه أعرابى قال: ليس عندنا عربّيت بفتح العين والراء والباء مع تضعيف الأخيرة. من دخل ظفار حمّر، وقيل إن ظفار اسم لمدينتين باليمن ينسب إلى إحداهما الجزع الظفارى، وهو نوع من العقيق يعرف بخطوط متوازية مستديرة مختلفة الألوان. وقيل: هى صنعاء نفسها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «زَرْقَاءُ الْيَمَامَةِ» وَذَكَرَ قَوْلَ الْأَعْشَى: مَا نَظَرْت ذَاتَ أَشْفَارٍ «1» كَنَظْرَتِهَا. الْبَيْتَ. يُرِيدُ: زَرْقَاءَ الْيَمَامَةِ، وَكَانَتْ تُبْصَرُ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ طَرَفٌ مِنْ ذِكْرِهَا فِي خَبَرِ جَدِيسٍ وَطَسْمٍ، وَقَبْلَ الْبَيْتِ: قَالَتْ: أَرَى رَجُلًا فِي كَفّهِ كَتِفٌ ... أَوْ يَخْصِفُ النّعْلَ لَهْفِي أَيّةً صَنَعَا فَكَذّبُوهَا بِمَا قَالَتْ، فَصَبّحَهُمْ ... ذُو آلِ حَسّانَ يُزْجِي الْمَوْتَ وَالسّلَعَا «2» وَكَانَ جَيْشُ حَسّانَ هَذَا قَدْ أُمِرُوا أَنْ يُخَيّلُوا عَلَيْهَا بِأَنْ يُمْسِكَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَعْلًا كَأَنّهُ يَخْصِفُهَا، وَكَتِفًا كَأَنّهُ يَأْكُلُهَا، وَأَنْ يَجْعَلُوا عَلَى أَكْتَافِهِمْ أَغْصَانَ الشّجَرِ، فَلَمّا أَبْصَرَتْهُمْ، قَالَتْ لِقَوْمِهَا: قَدْ جَاءَتْكُمْ الشّجَرُ، أَوْ قَدْ غَزَتْكُمْ حِمْيَرُ، فَقَالُوا: قَدْ كَبِرْت وَخَرِفْت، فَكَذّبُوهَا، فَاسْتُبِيحَتْ بَيْضَتُهُمْ «3» ، وَهُوَ الذى ذكر الأعشى.

_ (1) جمع شفر بفتح الشين: حرف كل شئ. وشفر الجفن: حرفه الذى ينبت عليه الهدب. (2) السّلع: شجر مر ينبت فى اليمن، وهو من الفصيلة الكرمية وفى الطبرى: والشرعا ويخصف النعل: يخرزها ويصلحها. وقصيدتها: ست أبيات «طبرى ج 1 ص 631» . (3) حوزتهم وحماهم.

قصة ملك الحضر

[قصة ملك الحضر] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي خَلّادُ بْنُ قُرّةَ بْنِ خَالِدِ السّدُوسِيّ عَنْ جَنّاد، أَوْ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِالنّسَبِ: أَنّهُ يُقَالُ: إنّ النّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ مِنْ وَلَدِ سَاطِرُونَ مَلِكِ الْحَضْرِ. وَالْحَضْرُ: حِصْنٌ عَظِيمٌ كَالْمَدِينَةِ، كَانَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، وَهُوَ الّذِي ذَكَرَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَخُو الْحَضْرِ إذْ بَنَاهُ وَإِذْ ... دِجْلَةُ يُجْبَى إلَيْهِ وَالْخَابُورُ شَادَهُ مَرْمَرَا وَجَلّلَهُ ... كِلْسًا فَلِلطّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ لَمْ يَهَبْهُ رَيْبُ الْمَنُونِ فَبَانَ الْمُلْكُ ... عَنْهُ فَبَابُهُ مَهْجُورُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَاَلّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دُوَادٍ الْإِيَادِيّ فِي قَوْلِهِ: وَأَرَى الْمَوْتَ قَدْ تَدَلّى مِنْ الْحَضْ ... رِ عَلَى رَبّ أَهْلِهِ السّاطِرُونَ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَيُقَالُ: إنّهَا لِخَلَفِ الْأَحْمَرِ، وَيُقَالُ: لحماد الراوية. [ «كيف استولى سابور على الحضر» ] وَكَانَ كِسْرَى سَابُورُ ذُو الْأَكْتَافِ غَزَا سَاطِرُونَ مَلِكِ الْحَضْرِ، فَحَصَرَهُ سَنَتَيْنِ، فَأَشْرَفَتْ بِنْتُ سَاطِرُونَ يوما، فنظرت إلى سابور، وعليه ئياب ديباج، وعلى رأسه تاج من ذهب مكلّل بالزّبرجد والياقوت واللؤلؤ، وكان جميلا، ـــــــــــــــــــــــــــــ (خَبَرُ الْحَضْرِ وَالسّاطِروُنِ) ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنّ النّعْمَانَ مِنْ وَلَدِ السّاطِرُونِ، وَهُوَ صَاحِبُ الْحَضْرِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: فَنَذْكُرُ شَرْحَ قِصّةِ الحضر وصاحبه، وما قيل فى ذلك

فَدَسّتْ إلَيْهِ: أَتَتَزَوّجُنِي إنْ فَتَحْتُ لَك بَابَ الْحَضْرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَلَمّا أَمْسَى سَاطِرُونَ شَرِبَ حَتّى سَكِرَ، وَكَانَ لَا يَبِيتُ إلّا سَكْرَانَ، فَأَخَذَتْ مَفَاتِيحَ بَابِ الْحَضْرِ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، فَبَعَثَتْ بِهَا مَعَ مَوْلًى لَهَا فَفَتَحَ الْبَابَ، فَدَخَلَ سَابُورُ، فَقَتَلَ سَاطِرُونَ، وَاسْتَبَاحَ الْحَضْرَ وَخَرّبَهُ، وَسَارَ بِهَا مَعَهُ فَتَزَوّجَهَا، فَبَيْنَا هِيَ نَائِمَةٌ عَلَى فِرَاشِهَا لَيْلًا إذْ جَعَلَتْ تَتَمَلْمَلُ لَا تَنَامُ، فَدَعَا لَهَا بِشَمْعِ، فَفُتّشَ فِرَاشُهَا، فَوُجِدَ عَلَيْهِ وَرَقَةُ آسٍ، فَقَالَ لَهَا سَابُورُ: أَهَذَا الّذِي أَسْهَرَك؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا كَانَ أَبُوك يَصْنَعُ بِكِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَفْرِشُ لِي الدّيبَاجَ، وَيُلْبِسُنِي الْحَرِيرَ، وَيُطْعِمُنِي الْمُخّ، وَيَسْقِينِي الْخَمْرَ، قَالَ: أَفَكَانَ جَزَاءُ أَبِيك مَا صَنَعْتِ بِهِ؟ أَنْتَ إلَيّ بِذَلِكَ أَسْرَعُ، ثُمّ أَمَرَ بِهَا، فَرُبِطَتْ قُرُونُ رَأْسِهَا بِذَنَبِ فَرَسٍ، ثُمّ رَكَضَ الْفَرَسُ، حَتّى قَتَلَهَا، فَفِيهِ يَقُولُ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: أَلَمْ تَرَ لِلْحَضْرِ إذْ أَهْلُهُ ... بِنُعْمَى، وَهَلْ خَالِدٌ مِنْ نِعَمْ أَقَامَ بِهِ شَاهَبُورُ الجنو ... د حَوْلَيْنِ تُضْرَبُ فِيهِ الْقُدُمْ فَلَمّا دَعَا رَبّهُ دَعْوَةً ... أَنَابَ إلَيْهِ فَلَمْ يَنْتَقِمْ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فى قصيدة له. وَقَالَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ: وَالْحَضْرُ صَابَتْ عَلَيْهِ دَاهِيَةٌ ... مِنْ فَوْقِهِ أَيّدٌ مَنَاكِبُهَا رَبِيّةَ لَمْ تُوَقّ وَالِدَهَا ... لِحَيْنِهَا إذْ أَضَاعَ رَاقِبُهَا إذْ غَبَقَتْهُ صَهْبَاءَ صَافِيَةً ... وَالْخَمْرُ وَهَلْ يهيم شاربها ـــــــــــــــــــــــــــــ مُلَخّصًا بِعَوْنِ اللهِ. السّاطِرُونُ بالسريانية: هُوَ الْمَلِكُ، واسم الساطرون:

فَأَسْلَمَتْ أَهْلَهَا بِلَيْلَتِهَا ... تَظُنّ أَنّ الرّئِيسَ خَاطِبُهَا فَكَانَ حَظّ الْعَرُوسِ إذْ جَشَرَ الصّبْحُ ... دِمَاءً تجرى سبائبها وخرّب الخضر، وَاسْتُبِيحَ، وَقَدْ ... أُحْرِقَ فِي خِدْرِهَا مَشَاجِبُهَا وَهَذِهِ الأبيات فى قصيدة له. ـــــــــــــــــــــــــــــ الضّيزن بن معاوية. قال الطبرى: هو جرمفانىّ «1» ، وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيّ: هُوَ قُضَاعِيّ مِنْ الْعَرَبِ الّذِينَ تَنَخُوا بِالسّوَادِ، فَسُمّوا: تَنُوخَ، أَيْ: أَقَامُوا بِهَا، وَهُمْ قَبَائِلُ شَتّى، وَنَسَبَهُ ابْنُ الْكَلْبِيّ، فَقَالَ: هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَوَجَدْته بِخَطّ أَبِي بَحْرٍ: عُبَيْدٌ بِضَمّ الْعَيْنِ بْنُ أَجْرَمَ مِنْ بَنِي سَلِيحِ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ «2» ، وَأُمّهُ: جَيْهَلَةُ، وَبِهَا كَانَ يُعْرَفُ، وَهِيَ أَيْضًا قُضَاعِيّةٌ مِنْ بَنِي تَزِيدَ الّذِينَ تُنْسَبُ إلَيْهِمْ الثّيَابُ التّزِيدِيّةُ. وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي دُوَاد: وَأَرَى الْمَوْتَ قَدْ تَدَلّى مِنْ الحض ... ر على ربّ أهله السّاطرون «3»

_ (1) الجرامقة: قوم من العجم صاروا بالموصل فى أوائل الإسلام. وجرمق بلدة بفارس على جادة المفازه التى بين خراسان وكرمان وأصبهان والرى، وقيل هو من أهل باجرمى بفتح الجيم وسكون الراء. وفتح الميم وهى- كما ذكر الطبرى- قرية من أعمال البليخ قرب الرقة من أرض الجزيرة. (2) فى الطبرى ص 47 ح 2 ابن العبيد بن الأجرام بن عمرو بن النخع «بفتح النون والخاء» بن سليح «بفتح فكسر» بن حلوان الخ وفى المروج: الضيزن بن معاوية بن العبيد بن حرام بن سعد بن سليح الخ، وفى الأغانى: ابن الأجرام ابن عمر بن النخع بن سليح من بنى تزيد بن حلوان الخ. وأمه فى الأغانى: جبهلة بالباء (3) الحضر كما فى المراصد: مدينة مبنية بالحجارة المهندمة بيوتها وسقوفها وأبوابها. ويقولون: كان فيها ستون برجا كبارا بين كل برجين تسعة أبراج صغار-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَاسْمُ أَبِي دُوَاد: جَارِيَةُ بْنُ حَجّاجٍ، وَقِيلَ: حَنْظَلَةُ بْنُ شَرْقِيّ وَبَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ: صَرَعَتْهُ الْأَيّامُ مِنْ بَعْدِ مُلْكٍ ... وَنَعِيمٍ وَجَوْهَرٍ مَكْنُونٍ «1» وَكَانَ الضّيْزَنُ مِنْ مُلُوكِ الطّوَائِفِ، وَكَانَ يُقَدّمُهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا لِحَرْبِ عَدُوّ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَتْ الْحَضْرُ بَيْنَ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ، وَكَانَ مُلْكُهُ يَبْلُغُ أَطْرَارَ الشّامِ، وَكَانَ سَابُورُ قَدْ تَغَيّبَ عَنْ الْعِرَاقِ إلَى خُرَاسَانَ، فَأَغَارَ الضّيْزَنُ عَلَى بِلَادِهِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْعَرَبِ، فَلَمّا قَفَلَ سَابُورُ، وَأُخْبِرَ بِصُنْعِ الضّيْزَنِ نَهَدَ إلَيْهِ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ سِنِينَ. وَذَكَرَ الْأَعْشَى فِي شِعْرِهِ حَوْلَيْنِ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَتْحِ الْحِصْنِ، وَكَانَ لِلضّيْزَنِ بِنْتٌ اسْمُهَا: النّضِيرَةُ، وَفِيهَا قِيلَ: أَقْفَرَ الْحَضْرُ مِنْ نَضِيرَةَ فَالْمِ ... رْبَاعُ مِنْهَا فَجَانِبُ الثّرْثَارِ «2» وَكَانَتْ سُنّتُهُمْ فِي الْجَارِيَةِ إذَا عَرَكَتْ أَيْ: حاضت، أخرجوها إلى

_ - بإزاء كل قصر. وقال: إنها بإزاء تكريت فى البرية بينها وبين الموصل. وفى الطبرى أنها مدينة حيال تكريت بين دجلة والفرات. (1) البيت فى المروج ح 2 ص 256 كما يأتى: ولقد كان آمنا للدواهى ... ذا ثراء وجوهر مكنون (2) المرباع: المكان ينبت نباته فى أول الربيع. والثرثار واد عظيم بالجزيرة يمد إذا كثرت الأمطار، وهو فى البرية بنجد من قرب سنجار إلى أسفل من تكريت ويمر بالحضر، ونهر بعينه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَبَضِ الْمَدِينَةِ، فَعَرَكَتْ النّضِيرَةُ، فَأُخْرِجَتْ إلَى رَبَضِ الْحَضْرِ «1» ؛ فَأَشْرَفَتْ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَبْصَرَتْ سَابُورَ- وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ النّاسِ- فَهَوِيَتْهُ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ أَنْ يَتَزَوّجَهَا، وَتَفْتَحَ لَهُ الْحَضْرَ، وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ، وَالْتَزَمَ لَهَا مَا أَرَادَتْ، ثُمّ اُخْتُلِفَ فِي السّبَبِ الّذِي دَلّتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا فِي الْكِتَابِ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: دَلّتْهُ عَلَى نَهَرٍ وَاسِعٍ [اسْمُهُ الثّرْثَارُ] كَانَ يَدْخُلُ مِنْهُ الْمَاءُ إلَى الْحَضْرِ، فَقَطَعَ لَهُمْ الْمَاءَ، وَدَخَلُوا مِنْهُ «2» . وَقَالَ الطّبَرِيّ: دَلّتْهُ عَلَى طِلَسْمٍ [أَوْ طِلّسْمٍ] كَانَ فِي الْحَضْرِ، وَكَانَ فِي عِلْمِهِمْ أَنّهُ لَا يُفْتَحُ حَتّى تُؤْخَذَ حَمَامَةٌ وَرْقَاءُ، وَتُخْضَبُ رِجْلَاهَا بِحَيْضِ جَارِيَةٍ بِكْرٍ زَرْقَاءَ، ثُمّ تُرْسَلُ الْحَمَامَةُ، فَتَنْزِلُ عَلَى سُورِ الْحَضْرِ، فَيَقَعُ الطّلّسْمُ، فَيُفْتَحُ الْحَضْرُ، فَفَعَلَ سَابُورُ ذَلِكَ، فَاسْتَبَاحَ الْحَضْرَ، وَأَبَادَ قَبَائِلَ مِنْ قُضَاعَةَ كَانُوا فِيهِ، مِنْهُمْ: بَنُو عُبَيْدٍ رَهْطُ الضّيْزَنِ، لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عَقِبٌ، وَحَرَقَ خَزَائِنَ الضّيْزَنِ، وَاكْتَسَحَ مَا فِيهَا، ثُمّ قَفَلَ بِنَضِيرَةَ مَعَهُ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ فِي قَتْلِهِ إيّاهَا حِين تَمَلْمَلَتْ عَلَى الْفِرَاشِ الْوَثِيرِ، وَلِينِ الْحَرِيرِ: أَنّهُ قَالَ لَهَا: مَا كَانَ يَصْنَعُ بِك أَبُوك؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُطْعِمُنِي الْمُخّ وَالزّبْدَ وَشَهْدُ أَبْكَارَ النّحْلِ وَصَفْوَ الْخَمْرِ. وَذَكَرَ أَنّهُ كَانَ يَرَى مُخّهَا مِنْ صَفَاءِ بَشَرَتِهَا، وَأَنّ وَرَقَةَ الْآسَ أَدْمَتْهَا فِي عُكْنَةٍ مِنْ عُكَنِهَا، وَأَنّ الْفِرَاشَ الّذِي نَامَتْ عَلَيْهِ كَانَ مِنْ حَرِيرٍ حَشْوُهُ الْقَزّ «3» . وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: كَانَ حشوه

_ (1) ربض المدينة: ما حولها. (2) انظر ص 256 ح 2 المروج (3) ص 48 ح 2 طبرى. والطلسم بكسر الطاء وفتح اللام بتضعيف ودون تضعيف» خطوط وأعداد يزعم صاحبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زَغَبِ «1» الطّيْرِ، ثُمّ اتّفَقُوا فِي صُورَةِ قَتْلِهَا «2» كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ غَيْرَ أَنّ ابْنَ إسحاق قال: كان المستبيح للحضر سابورذ والأكاف، وجعله غبر سَابُورَ بْنِ أَزْدَشِيرَ بْنِ بَابِك، وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ أَزْدَشِيرَ هُوَ أَوّلُ مَنْ جَمَعَ مُلْكَ فَارِسَ، وَأَذَلّ مُلُوكَ الطّوَائِفِ، حَتّى دَانَ الْمُلْكُ لَهُ، وَالضّيْزَنُ: كَانَ مِنْ مُلُوكِ الطّوَائِفِ، فَيَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقِصّةُ لِسَابُورَ ذِي الْأَكْتَافِ، وَهُوَ سَابُورُ بْنُ هُرْمُزَ، وَهُوَ ذُو الْأَكْتَافِ؛ لِأَنّهُ كَانَ بَعْدَ سَابُورَ الْأَكْبَرِ بِدَهْرِ طَوِيلٍ، وَبَيْنَهُمْ مُلُوكٌ مُسَمّوْنَ فِي كُتُبِ التّارِيخِ، وَهُمْ: هُرْمُزُ بْنُ سَابُورَ، وَبَهْرَامُ بْنُ هُرْمُزَ، وَبَهْرَامُ بْنُ بَهْرَامَ، وَبَهْرَامُ الثّالِثُ، وَنُرْسِي بْنُ بَهْرَامَ، وَبَعْدَهُ «3» كَانَ ابْنُهُ سَابُورُ ذُو الْأَكْتَافِ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ الْأَعْشَى: شَاهَبُورُ «4» الْجُنُودِ بِخَفْضِ الدّالِ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ لَيْسَ بِشَاهَبُورَ ذِي الْأَكْتَافِ، وأما إنشاده لأبيات عدى بن زيد: وأخوا لحضر إذْ بَنَاهُ وَإِذْ ... دِجْلَةُ يُجْبَى إلَيْهِ وَالْخَابُورُ

_ - العلوية بالطبائع السفلية لجلب محبوب أو دفع أذى، وهو لفظ يونانى. والمرأة الزرقاء: البينة الزرقة، وهى الشديده البياض، والعكنة: طى فى البطن من السمن، وذكروا أن ورقة الآس هى التى أرقتها. (1) الشعيرات الصفر على ريش الفرخ. والذى فى المسعودى زغب النعام. (2) ربط غدائرها إلى فرسين جموحين؛ ثم استركضهما، فقطعاها (3) فى الطبرى أن الذى بعده: هرمز بن نرسى، ثم سابور ذو الاكتاف ص 54 ح 2 الطبرى. (4) سيأتى معنى: شاهبور، وقد ضبطت الجنود فى الطبرى دار المعارف، وفى السيرة. دار الحلبى بالفتح على أنها مفعول وتضبط بالكسر على أنها مضاف إليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلِلشّعْرِ خَبَرٌ عَجِيبٌ. حَدّثَنَا إجَازَةً الْقَاضِي الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ، عَنْ ابْنِ أَيّوبَ عَنْ الْبُرْقَانِيّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيّ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَزْرَقُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ، قَالَ: حَدّثَنِي جَدّي، قَالَ: حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ زِيَادٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ لُؤَيّ، عَنْ شُبَيْبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ الْأَهْتَمِ، قَالَ: أَوْفَدَنِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ إلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي وَفْدِ [أَهْلِ] الْعِرَاق قَالَ: فَقَدِمْت عَلَيْهِ، وَقَدْ خَرَجَ مُتَبَدّيًا بِقَرَابَتِهِ وَأَهْلِهِ وَحَشَمِهِ وَغَاشِيَتِهِ مِنْ جُلَسَائِهِ، فَنَزَلَ فِي أَرْضِ قَاعٍ صَحْصَحٍ مُتَنَايِفٍ «1» أَفْيَحَ فِي عَامٍ [قَدْ] بَكّرَ وَسْمِيّهُ، وَتَتَابَعَ وَلِيّهُ «2» ، وَأَخَذَتْ الْأَرْضُ [فِيهِ] زِينَتِهَا مِنْ اخْتِلَافِ أَنْوَارِ نَبْتِهَا مِنْ نُورِ رَبِيعٍ مُونِقٍ، فَهُوَ أَحْسَنُ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُ مُسْتَنْظَرًا، وَأَحْسَنُ مُخْتَبَرًا بِصَعِيدِ كَأَنّ تُرَابَهُ قِطَعُ الْكَافُورِ، حَتّى لَوْ أَنّ قِطْعَةً أُلْقِيَتْ فِيهِ لَمْ تَتْرَبْ «3» قَالَ: وَقَدْ ضُرِبَ لَهُ سُرَادِقٌ مِنْ حِبَرَةٍ «4» كَانَ صَنَعَهُ لَهُ يُوسُفُ ابن عُمَرَ بِالْيَمَنِ، فِيهِ فُسْطَاطٌ، فِيهِ أَرْبَعَةُ أَفْرِشَةٍ من خزّ أحمر، مثلها مرافقها «5»

_ (1) حشمه: خاصته الذين يغضبون له. والغاشية الزوار والأصدقاء ينتابونك. القاع: المستوى من الأرض: صحصح: الأرض الواسعة المستوية الحرداء ذات الحصى الصغار. متنايف: مرتفع مشرف على غيره. وفى الأغانى: منيف. (2) أفيح: واسع. بكر: بادر. الوسمى: مطر الربيع الأول، والولى: المطر الذى يليه. (3) لم يصيبها التراب. (4) بوزن عنبه: برد يمانى. (5) الفسطاط: بيت من الشعر، والمرافق: جمع مرفق: ما يتكأ عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعليه درّاعة «1» من خز أحمر، مئلها عِمَامَتُهَا، قَالَ: وَقَدْ أَخَذَ النّاسُ مَجَالِسَهُمْ، فَأَخْرَجْت رَأْسِي مِنْ نَاحِيَةِ الطّاقِ «2» ، فَنَظَرَ إلَيّ شِبْهَ الْمُسْتَنْطَقِ [لِي] ؛ فَقُلْت: أَتَمّ اللهُ عَلَيْك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نِعْمَةً سَوّغَكَهَا بِشُكْرِ، وَجَعَلَ مَا قَلّدَك مِنْ هَذَا الْأَمْرِ رُشْدًا، وَعَاقِبَةً مَا تَئُول إلَيْهِ حَمْدًا، وَأَخْلَصَهُ لَك بِالتّقَى، وَكَثّرَهُ لَك بِالنّمَاءِ، وَلَا كَدَرَ عَلَيْك مِنْهُ مَا صَفَا، وَلَا خَالَطَ سُرُورَهُ الرّدَى؛ فَقَدْ أَصْبَحَتْ لِلْمُسْلِمِينَ ثِقَةٌ وَمُسْتَرَاحًا. إلَيْك يَقْصِدُونَ فِي أُمُورِهِمْ، وَإِلَيْك يَفْزَعُونَ فِي مَظَالِمِهِمْ، وَمَا أَجِدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا- جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَك- هُوَ أَبْلَغُ فِي قَضَاءِ حَقّك وَتَوْقِيرِ مَجْلِسِك مِمّا مَنّ اللهِ [جَلّ وَعَزّ] بِهِ عَلَيّ مِنْ مُجَالَسَتِك، وَالنّظَرِ إلَى وَجْهِك مِنْ أَنْ أُذَكّرَك نِعَمَ اللهِ عَلَيْك، وَأُنَبّهَك لِشُكْرِهَا، وَمَا أَجِدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ سَلَفَ قَبْلَك مِنْ الْمُلُوكِ، فَإِنْ أَذِنَ لِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرْته عَنْهُ. قَالَ: فَاسْتَوَى جَالِسًا- وَكَانَ مُتّكِئًا- ثُمّ قَالَ: هَاتِ يابن الْأَهْتَمِ، [قَالَ] : فَقُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنّ مَلِكًا مِنْ الْمُلُوكِ قَبْلَك خَرَجَ فِي عَامٍ مِثْلِ عَامِنَا هَذَا إلَى الْخَوَرْنَقِ وَالسّدِيرِ «3» فِي عام قد بكّر وسميّه، وتتابع وليه،

_ (1) الضمير فى عليه لهشام بن عبد الملك. والدراعة: جبة مشقوقة المقدم، وثوب من صوف. (2) فى الأغانى: السماط، وهو الصفوف من الناس. (3) الخورنق: قصر كبير بناه النعان بن امرئ القيس البدئ بن عمرو بن امرى القيس لملك الفرس يزدجرد الأثيم، وقيل: النعمان بن المنذر: وخورنق: معرب خورنكاه أى موضع الأكل. والسدير: موضع معروف بالحيرة، وقيل: نهر، وقيل: قصر قريب من الخورنق اتخذه النعمان أيضا لبعض ملوك العجم وسيأتى شئ آخر عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَخَذَتْ الْأَرْضُ فِيهِ زِينَتَهَا مِنْ نُورِ رَبِيعٍ مُونِقٍ، فَهُوَ فِي أَحْسَنِ مَنْظَرٍ وَأَحْسَنِ مُسْتَنْظَرٍ، وَأَحْسَنِ مُخْتَبَرٍ بِصَعِيدِ كَأَنّ تُرَابَهُ قِطَعُ الْكَافُورِ «1» حَتّى لَوْ أَنّ قِطْعَةً أُلْقِيَتْ فِيهِ لَمْ تَتْرَبْ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ أُعْطِيَ فَتَاءَ السّنّ مَعَ الْكَثْرَةِ وَالْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ، قَالَ: فَنَظَرَ فَأَبْعَدَ النّظَرَ، فَقَالَ لِجُلَسَائِهِ: لِمَنْ [مِثْلُ] هَذَا؟ هَلْ رَأَيْتُمْ مِثْلَ مَا أَنَا فِيهِ؟ [و] هَلْ أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيت؟ قَالَ: وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَقَايَا حَمَلَةِ الْحَجّةِ، وَالْمُضِيّ عَلَى أدب الحقّ ومنها جه. قال: ولن تخلو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلّهِ بِحُجّتِهِ فِي عِبَادِهِ، فَقَالَ: أَيّهَا الْمَلِكُ إنّك قَدْ سَأَلْت عَنْ أَمْرٍ: أَفَتَأْذَنُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قال: أرأيت ما أنت فيه: أشئ لم تزل فيه، أم شئ صَارَ إلَيْك مِيرَاثًا مِنْ غَيْرِك، وَهُوَ زَائِلٌ عَنْك، وَصَائِرٌ إلَى غَيْرِك، كَمَا صَارَ إلَيْك مِيرَاثًا مِنْ لَدُنْ غَيْرِك؟ قَالَ: فَكَذَلِكَ هُوَ. قال: فلا أراك [إلا] أعجبت بشئ يَسِيرٍ تَكُونُ فِيهِ قَلِيلًا، وَتَغِيبُ عَنْهُ طَوِيلًا، وَتَكُونُ غَدًا بِحِسَابِهِ مُرْتَهِنًا. قَالَ: وَيْحَك فَأَيْنَ الْمَهْرَبُ؟ وَأَيْنَ الْمَطْلَبُ؟ قَالَ: إمّا أَنْ تُقِيمَ فِي مُلْكِك، تَعْمَلُ فِيهِ بِطَاعَةِ [اللهِ] رَبّك عَلَى مَا سَاءَك وَسَرّك، وَمَضّكَ وَأَرْمَضَكَ، وَإِمّا أَنْ تَضَعَ تَاجَك، وَتَضَعَ أَطْمَارَك، وَتَلْبَسَ أَمسَاحَك «2» ، وَتَعْبُدَ رَبّك فِي هَذَا الْجَبَلِ حَتّى يَأْتِيَك أَجَلُك. قَالَ: فَإِذَا كَانَ فِي السّحَرِ فَاقْرَعْ عَلَيّ بَابِي، فَإِنّي مُخْتَارٌ أَحَدَ الرّأْيَيْنِ، فَإِنْ اخْتَرْت مَا أَنَا فِيهِ كُنْت وَزِيرًا، لَا تعصى، وإن

_ (1) شجر يتخذ منه مادة شفافة بلورية الشكل يميل لونها إلى البياض. (2) مضه: أى آلمه، وأرمضه: أوجعه. والأطمار: جمع طمر بكسر الطاء: الثوب الخلق، أو الكساء البالى من غير الصوف. والأمساح جمع مسح: الكساء من الشعر. وفى الأغانى: وتخلع أطمارك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اخْتَرْت خَلَوَاتِ الْأَرْضِ وَقَفْرَ الْبِلَادِ كُنْت رَفِيقًا، لَا تُخَالِفُ. قَالَ: فَقَرَعَ عَلَيْهِ بَابَهُ عِنْدَ السّحَرِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ وَضَعَ تَاجَهُ، [وَخَلَعَ أَطْمَارَهُ] وَلَبِسَ أَمْسَاحَهُ، وَتَهَيّأَ لِلسّيَاحَةِ، قَالَ. فَلَزِمَا- وَاَللهِ- الْجَبَلَ حَتّى أَتَتْهُمَا آجَالُهُمَا، وَهُوَ حَيْثُ يَقُولُ أَحَدُ بَنِي تَمِيمٍ: عَدِيّ بْنُ [زَيْدُ] بْنُ سَالِمٍ الْمُرّيّ الْعَدَوِيّ: أَيّهَا الشّامِتُ الْمُعِيرُ بالد ... هر أأنت المبرّء الْمَوْفُورُ؟! أَمْ لَدَيْك الْعَهْدُ الْوَثِيقُ مِنْ الْأَيّا ... مِ؟! بَلْ أَنْتَ جَاهِلٌ مَغْرُورُ مَنْ رَأَيْت الْمَنُونَ خَلّدْنَ، أَمْ مَنْ ... ذَا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُضَامَ خَفِيرُ! أَيْنَ كِسْرَى كِسْرَى الْمُلُوكِ أَنُو ... شِرْوَانَ أَمْ أَيْنَ قَبْلَهُ سَابُورُ؟! وَبَنُو الْأَصْفَرِ الْكِرَامِ مُلُوكُ الرّ ... ومِ؟! لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ مَذْكُورٌ وَأَخُو الْحَضْرِ إذْ بَنَاهُ وَإِذْ ... دجلةتجبى إلَيْهِ وَالْخَابُورُ شَادَهُ مَرْمَرَا، وَجَلّلَهُ ... كِلْسًا فَلِلطّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ لَمْ يَهَبْهُ رَيْبُ الْمَنُونِ فَبَا ... نَ الْمُلْكُ عَنْهُ، فَبَابُهُ مَهْجُورُ وَتَذَكّرْ رَبّ الْخَوَرْنَقِ إذْ ... أَشْرَفَ يَوْمًا، وَلِلْهُدَى تَفْكِيرُ سَرّهُ مَالُهُ وَكَثْرَةُ مَا يَمْلِكُ ... وَالْبَحْرُ مُعْرِضًا وَالسّدِيرُ فَارْعَوَى قَلْبُهُ، وَقَالَ: وَمَا ... غِبْطَةُ حَيّ إلَى الْمَمَاتِ يَصِيرُ؟! ثُمّ أَضْحَوْا كَأَنّهُمْ وَرَقٌ جَفّ ... فَأَلَوْت بِهِ الصّبَا وَالدّبُورُ ثُمّ بَعْدَ الْفَلَاحِ وَالْمُلْكِ ... وَالْإِمّةِ وَارَتْهُمْ هُنَاكَ الْقُبُورُ «1»

_ (1) دجلة: نهر معروف بالعراق، وهو بكسر الدال وفتحها، والخابور: نهر كبير مخرجه من رأس عين يصب إلى الفرات من أرض الجزيرة عليه ولاية-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ فَبَكَى [وَاَللهِ] هِشَامٌ حَتّى أَخْضَلَ «1» لِحْيَتَهُ، وَبَلّ عِمَامَتَهُ، وَأَمَرَ بِنَزْعِ أَبْنِيَتِهِ، وَبِنُقْلَانِ قَرَابَتِهِ وَأَهْلِهِ وَحَشَمِهِ وَغَاشِيَتِهِ مِنْ جُلَسَائِهِ، وَلَزِمَ قَصْرَهُ. قَالَ: فَأَقْبَلَتْ الْمَوَالِي وَالْحَشَمُ عَلَى خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ الْأَهْتَمِ، وَقَالُوا: مَا أَرَدْت إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟! أَفْسَدْت عَلَيْهِ لَذّتَهُ، وَنَغّصْت عَلَيْهِ مَأْدُبَتَهُ. قَالَ: إلَيْكُمْ عَنّي فَإِنّي عَاهَدْت اللهَ [عَزّ وَجَلّ] عَهْدًا أَلّا أَخْلُوَ بِمَلِكِ إلّا ذَكّرْته اللهَ عَزّ وَجَلّ «2» . وَاَلّذِي ذَكَرَهُ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ فِي هَذَا الشّعْرِ هُوَ: النّعْمَانُ بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ جَدّ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَوّلُ هَذَا الشّعْرِ: أَرْوَاحٌ مُوَدّعٌ أَمْ بُكُورُ ... [لَك] فَانْظُرْ لِأَيّ ذَاكَ تَصِيرُ «3» قَالَهُ عَدِيّ، وَهُوَ فِي سِجْنِ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَفِيهِ قتل وهو: عدىّ

_ - واسعة وبلدان جمة. والخابور أيضا: خابور الحسنية من أعمال الموصل فى شرقى دجلة، وهو نهر من جبال بأرض الزوزان «المراصد» والمرمر: الرخام، والكلس: الجير أو مادة كانت تطلى بها القصور، ومعرض: أعرض الشئ ظهر وبرز، ارعوى: كف وارتدع يعنى: اتعظ. وألوى به: ذهب به، والصّبا ريح مهبها من مشرق الشمس إذا استوى الليل والنهار. والدبور: ريح تهب من المغرب عكس ريح الصبا والإمة: النعمة. (1) ندّاها وبللها. (2) فى الطبرى جزء من قصيدة عدى بن سالم. ويقول ابن كثير بعد أن روى القصة بإيجاز «وقد ذكر قصته مبسوطة: موفق بن قدامة المقدسى فى كتاب التوابين وكذلك أوردها بإسناد متين: الحافظ أبو القاسم السهيلى» ص 183 ج 1 البداية والقصة والقصيدة أيضا فى الأغانى ص 112 ج 2 ط لبنان والزيادات والتصويب منه. (3) فى المطبوعة: حذفت: لك. وفى شعراء النصرانية «لك فاعمد لأى حال تصير»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بْنُ زَيْدِ بْنِ حَمّادِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَيّوبَ بْنِ مَحْرُوبِ «1» بْنِ عَامِرِ بْنِ عُصَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ «2» . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ آلَةَ بْنِ الْخَنْسَاءِ: أَلَمْ يُنَبّئْك وَالْأَنْبَاءُ تَنْمَى «3» ... بِمَا لَاقَتْ سَرَاةَ بَنِي الْعَبِيدِ وَمَصْرَعُ ضَيْزَنٍ وَبَنِيّ أَبِيهِ ... وَأَحْلَاسُ الْكَتَائِبِ مِنْ تَزِيدَ «4» أَتَاهُمْ بِالْفُيُولِ مُجَلّلَاتٍ ... وبالأبطال سابور الجنود

_ (1) وهذه سلسلة نسبه فى جمهرة ابن حزم: عدى بن زيد بن أيوب بن مجروف ابن عُصَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ، وابنه: زيد بن عدى صاحب النعمان بن المنذر بالحيرة ص 203 أما فى الأغانى فكما فى الروض بزيادة ابن قبل مناة فى الروض، وقد كان عدى من تراجمة أبرويز وكان- كما فى الطبرى- جميلا شاعرا خطيبا قرأ كتب العرب والفرس، قال عنه الاصمعى وأبو عبيد: عدى بن زيد فى الشعراء بمنزله سهيل فى النجوم. هذا ويروى ابن قتيبة فى المعارف وهو يتحدث عن الخورنق «ويقال: أنو شروان بن قباذ هو الذى ملكه وأشرف يوما على الخورنق، فنظر إلى ما حوله فقال: أكل ما أرى إلى فناء وزوال؟! قالوا: نعم، قال: فأى خير فيما يفنى؟ لأطلبنّ عيشا لا يزول، فانخلع من ملكه، ولبس المسوح وساح فى الأرض» ص 218 وفى الأغانى. والطبرى: ابن محروف، وفى جمهرة ابن حزم: مجروف. (2) فى الاشتقاق والطبرى وجمهرة ابن حزم والأغانى: زيد مناة بإسقاط ابن بينهما. (3) فى الطبرى والمسعودى والأغانى. «ألم يحزنك» وتنمى: تنتشر. (4) فى المسعودى: وأحلاف. وأحلاس الكتائب: الشجعان الملازمون لها. وتزيد هو: ابن حلوان كما فى القاموس والأغانى ص 116 ج 2 ط لبنان وابن عمران بن الحاف. أما حلوان فأخ له كما فى الاشتقاق، وهم من قضاعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَهَدّمَ مِنْ أَوَاسِي الْحَضْرِ صَخْرًا ... كَأَنّ ثِقَالَهُ زُبَرُ الْحَدِيدِ «1» وَقَالَ الْأَعْشَى: أَقَامَ بِهِ شَاهَبُورُ الجنو ... د حَوْلَيْنِ تُضْرَبُ فِيهِ الْقُدُمُ وَقَدْ قَدّمْنَا أَنّ شَاهَبُورَ مَعْنَاهُ: ابْنُ الْمَلِكِ، وَأَنّ بُورَ هُوَ: الِابْنُ بِلِسَانِهِمْ، وَفِي هَذَا الْبَيْتِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنّ سَابُورَ مُغَيّرٌ عَنْ شَاهَبُورَ. وَالْقُدُمُ: جَمْعُ قَدُومٍ، وَهُوَ الْفَأْسُ وَنَحْوُهُ، وَالْقَدُومُ: اسْمُ مَوْضِعٍ أَيْضًا اُخْتُتِنَ فِيهِ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السّلَام الّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنّ إبْرَاهِيمَ اخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ مُخَفّفٌ «2» أَيْضًا، وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ التّشْدِيدُ. وَبَعْدَهُ: فَهَلْ زَادَهُ رَبّهُ قُوّةً ... وَمِثْلُ مُجَاوِرِهِ لَمْ يَقُمْ وَكَانَ دَعَا قَوْمَهُ دَعْوَةً ... هَلُمّوا إلَى أَمْرِكُمْ قَدْ صُرِمَ فَمُوتُوا كِرَامًا بِأَسْيَافِكُمْ ... أَرَى الْمَوْتَ يَجْشَمُهُ من جشم «3»

_ (1) الأواسى: جمع آسية، وهو ما أسس من بنيان فأحكم أصله من سارية أو غيرها، وزبر: جمع زبرة: القطعة الضخمة. (2) هما روايتان فى البخارى، أما الرواة فى مسلم فلم يختلفوا فى التخفيف وأنكر يعقوب بن شيبة التشديد أصلا. والراجح- كما يقول الحافظ فى الفتح- أن المراد فى الحديث: الآلة. وعند البخارى: أنه اختتن وسنه ثمانين سنة. وفى الموطأ موقوفا عن أبى هريرة، وعند ابن حبان مرفوعا أنه كان وسنه مائة وعشرون، وتقال قدوم على عدة مواضع كما فى المراصد. (3) بعض القصيدة فى الطبرى، وقد أصلحنا خللها من الديوان مثل البيت الثانى فهو فى المطبوعة «وكان قد دعا قومه» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي الشّعْرِ: وَهَلْ خَالِدٌ مَنْ نَعِمْ. يُقَالُ نَعِمَ يَنْعِمُ وَيَنْعَمُ مِثْلُ حَسِبَ يَحْسِبُ وَيَحْسَبُ. وَفِي أَدَبِ الْكَاتِبِ أَنّهُ يُقَالُ: نَعِمَ يَنْعُمُ مثل فضل يفضل. حكى ذلك عن سيبوبه، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ الْقُتَبِيّ، وَمَنْ تَأَمّلَهُ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ تَبَيّنَ لَهُ غَلَطُ الْقُتَبِيّ، وَأَنّ سِيبَوَيْهِ لَمْ يَذْكُرْ الضّمّ إلّا فِي فَضَلَ يَفْضُلُ «1» . وَقَوْلُ عَدِيّ بْنِ زَيْدٍ: رَبِيّةٌ لَمْ توقّ والدها. يحمتل أَنْ تَكُونَ فَعِيلَةً مِنْ رَبِيت إلّا أَنّ الْقِيَاسَ فِي فَعَيْلَةٍ بِمَعْنَى: مَفْعُولَةٍ أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنّهُ أَرَادَ مَعْنَى الرّبْوِ وَالنّمَاءِ، لِأَنّهَا رَبَتْ فِي نِعْمَةٍ فَتَكُونُ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، وَيَكُونُ الْبِنَاءُ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ، وَأَصَحّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: رَبِيئَةً بِالْهَمْزِ، وَسَهّلَ الْهَمْزَةَ فَصَارَتْ يَاءً، وَجَعَلَهَا رَبِيئَةً؛ لِأَنّهَا كَانَتْ طَلِيعَةً حَيْثُ اطّلَعَتْ، حَتّى رَأَتْ سَابُورَ وَجُنُودَهُ، وَيُقَالُ لِلطّلِيعَةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى: رَبِيئَةٌ «2» ، وَيُقَالُ لَهُ: رَبَاءُ عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ وَأَنْشَدُوا: رَبَاءُ شَمّاءُ لَا يَأْوِي نَقْلَتُهَا، الْبَيْت. وَقَوْلُهُ أَضَاعَ رَاقِبُهَا، أَيْ أَضَاعَ الْمَرْبَأَةُ الّذِي يرقبها ويحرسها، ويحتمل أن

_ (1) فى المختار: نعم وبابه سهل، وكذا. نعم من باب علم، وفيه لغة ثالثة مركبة: نعم ينعم مثل فضل يفضل ولغة رابعة: نعم ينعم بالكسر فيهما، وهو شاذ. وقول ابن قتيبة المنقول من أدب الكاتب هو فى ص 477 ط الرحمانية. (2) الطليعة الذى يرقب العدو من مكان عال لئلايدهم قومه؛ وفى اللسان: والربيئة: الطليعة، وإنما أنثوه؛ لأن الطليعة يقال له: العين؛ إذ بعينه ينظر، والعين مؤنثة، وإنما قيل له: عين، لأنه يرعى أمورهم ويحرسهم، وحكى سيبويه فى العين الذى هو الطليعة. أنه ينكر ويؤنث، فيقال: ربئ، وربيئة، فمن أنث فعلى الأصل، ومن ذكر فعلى أنه قد نقل من الجزء إلى الكل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَكُونَ الْهَاءُ عَائِدَةً عَلَى الْجَارِيَةِ أَيْ: أَضَاعَهَا حَافِظُهَا. وَقَوْلُهُ: وَالْخَمْرُ وَهْلٌ. يُقَالُ: وَهِلَ الرّجُلُ وَهْلًا وَوَهَلًا إذَا أَرَادَ شَيْئًا، فَذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى غَيْرِهِ. وَيُقَالُ فِيهِ: وَهَمَ أَيْضًا بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَأَمّا وَهِمَ بِالْكَسْرِ، فَمَعْنَاهُ: غَلَطٌ، وَأَوْهَمَ بِالْأَلِفِ مَعْنَاهُ: أَسْقَطَ. وَقَوْلُهُ: سَبَائِبُهَا. السّبَائِبُ جَمْعُ: سَبِيبَةٍ، وَهِيَ كَالْعِمَامَةِ أَوْ نَحْوِهَا، وَمِنْهُ السّبّ وَهُوَ: الْخِمَارُ. وَقَوْلُهُ: فِي خِدْرِهَا مَشَاجِبُهَا. الْمَشَاجِبُ: جَمْعُ مِشْجَبٍ، وَهُوَ مَا تَعَلّقَ مِنْهُ الثّيَابُ، وَمِنْهُ قَوْلُ جَابِرٍ: وَإِنّ ثِيَابِي لَعَلَى الْمِشْجَبِ «1» وَكَانُوا يُسَمّونَ الْقِرْبَةَ: شَجْبًا؛ لِأَنّهَا جِلْدُ مَاءٍ قَدْ شَجِبَ أَيْ: عَطِبَ، وَكَانُوا لَا يُمْسِكُونَ الْقِرْبَةَ وَهِيَ الشّجْبُ إلّا مُعَلّقَةً، فَالْعَوْدُ الّذِي تَعَلّقَ بِهِ هُوَ الْمِشْجَبُ حَقِيقَةً، ثُمّ اتْسَعُوا، فَسَمّوا مَا تَعَلّقَ بِهِ الثّيَابُ مِشْجَبًا تَشْبِيهًا بِهِ. وَفِي شِعْرِ عَدِيّ الْمُتَقَدّمِ ذُكِرَ الْخَابُورُ، وَهُوَ وَادٍ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ فَاعُولٌ مِنْ خَبَرْت الْأَرْضَ إذَا حَرَثْتهَا، وَهُوَ وَادٍ عَظِيمٌ عَلَيْهِ مَزَارِعُ. قَالَتْ لَيْلَى أُخْتُ الْوَلِيدِ بْنِ طَرِيفٍ الْخَارِجِيّ الشّيْبَانِيّ، حِينَ قُتِلَ أَخُوهَا الْوَلِيدُ. قَتَلَهُ يَزِيدُ بْنُ مَزِيدٍ الشّيْبَانِيّ أَيّامَ الرّشِيدِ، فَلَمّا قتل قالت أخته: أيا شجر الخابور مالك مُورِقًا ... كَأَنّك لَمْ تَحْزَنْ عَلَى ابْنِ طَرِيفِ «2» فَقَدْنَاهُ فُقْدَانَ الرّبِيعِ وَلَيْتَنَا ... فَدَيْنَاهُ مِنْ سَادَاتِنَا بألوف

_ (1) هو فى البخارى فى باب الصلاة. (2) الخابور: يستعمل فى الطب، وفى الزينة، وله زهر زاهى المنظر أصغر جيد الرائحة. والخافور- كما فى اللسان- نبات تجمعه النمل فى بيوتها، والحبق-

ذكر ولد نزار بن معد

[ذكر ولد نزار بن معد] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ نِزَارُ بْنُ مَعَدّ ثلاثة نفر: مضر بن نزار، وربيعة ابن نِزَارٍ، وأَنْمَارَ بْنَ نِزَارٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وإياد بن نزار. قال الحارث بْنُ دَوْسٍ الْإِيَادِيّ، وَيُرْوَى لِأَبِي دُوَادَ الْإِيَادِيّ، واسمه: جَارِيَةُ بْنُ الْحَجّاجِ: وَفُتُوّ حَسَنٌ أَوْجُهُهُمْ ... مِنْ إيَادِ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ: فَأُمّ مُضَرَ وَإِيَادٍ: سَوْدَةُ بنت عكّ بن عدنان. وأمّ ربيعة وأنمار: شقيقة بِنْتُ عَكّ بْنِ عَدْنَانَ، وَيُقَالُ: جُمُعَةُ بِنْتُ عكّ بن عدنان. [ «أَوْلَادُ أَنْمَارٍ» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَنْمَارُ: أَبُو خَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ. قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيّ وَكَانَ سَيّدَ بَجِيلَةَ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ لَهُ الْقَائِلُ: لَوْلَا جَرِيرٌ هَلَكَتْ بَجِيلَةُ ... نِعْمَ الْفَتَى، وَبَئِسَتْ الْقِبِيلَه وَهُوَ يُنَافِرُ الْفُرَافِصَةَ الْكَلْبِيّ إلى الأقرع بن حابس التّميمى. يَا أَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ ... إنّك إن تصرع أخاك تصرع ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا الْخَافُورُ بِالْفَاءِ فَنَبَاتٌ تَخْفِرُ رِيحُهُ أَيْ: تقطع شهوة النساء، كما يفعل

_ - حبق الماء أو البحر: نبات طيب الرائحة يسمى: نعنع الماء، وفى المعجم الوسيط عن المرو: نبات عطر طبى من الفصيلة الشعرية من أسمائه: الحر نباش وحبق الشيوخ، والزعتر فى القاموس: المرو الدقيق الورق.

"أولاد مضر"

قال: ابْنَيْ نِزَارٍ اُنْصُرَا أَخَاكُمَا ... إنّ أَبِي وَجَدْتَهُ أباكما لن يغلب اليوم أخ والا كما وَقَدْ تَيَامَنَتْ، فَلَحِقَتْ بِالْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَتْ الْيَمَنُ: وَبَجِيلَةُ: أَنْمَار بْنُ إرَاشِ بْنِ لحيان بن عمرو ابن الْغَوْثِ بْنِ نَبْت بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: إرَاشُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لِحْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ. وَدَارُ بَجِيلَةَ وخثعم: يمانية. [ «أَوْلَادُ مُضَرَ» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مُضَرُ بْنُ نِزَارٍ رَجُلَيْنِ: إلْيَاسَ بْنَ مُضَرَ، وَعَيْلَانَ ابن مضر. قال ابن هشام: وأمهما: جر هميّة. [ «أَوْلَادُ إلْيَاسَ» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ إلْيَاسُ بْنُ مُضَرَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ: مُدْرِكَةَ بْنَ إلْيَاسَ، وَطَابِخَةَ بْنَ إلْيَاسَ، وَقَمْعَةَ بْنَ إلْيَاسَ وَأُمّهُمْ: خندف: امرأة من اليمن. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خِنْدِفُ بِنْتُ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ اسْمُ مُدْرِكَةَ عَامِرًا، وَاسْمُ طَابِخَةَ عَمْرًا، وَزَعَمُوا أَنّهُمَا كَانَا فِي إبِلٍ لَهُمَا يَرْعَيَانِهَا، فَاقْتَنَصَا صَيْدًا، فَقَعَدَا عَلَيْهِ يَطْبُخَانِهِ، وَعَدَتْ عَادِيَةٌ عَلَى إبِلِهِمَا، فَقَالَ عَامِرٌ لِعَمْرٍو: أَتُدْرِكُ الْإِبِلَ، أَمْ تطبخ هذا الصيد؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحَبَقُ، وَيُقَالُ لَهُ الْمَرْوُ، وَبِهَذَا الِاسْمِ يَعْرِفُهُ الناس وهو الزّغبر أيضا.

فَقَالَ عَمْرٌو: بَلْ أَطْبُخُ، فَلَحِقَ عَامِرٌ بِالْإِبِلِ فَجَاءَ بِهَا، فَلَمّا رَاحَا عَلَى أَبِيهِمَا حَدّثَاهُ بشأنهما، فَقَالَ لِعَامِرِ: أَنْتَ مُدْرِكَةٌ، وَقَالَ لِعَمْرِو: وَأَنْتَ طابخة. وَأَمّا قَمَعَةُ فَيَزْعُمُ نُسّابُ مُضَرَ: أَنّ خُزَاعَةَ مِنْ وَلَدِ عَمْرِو بْنِ لُحَيّ بْنِ قَمْعَةَ بْنِ إلْيَاس. ـــــــــــــــــــــــــــــ (ذَكَرَ نِزَارُ بْنُ مَعَدّ وَمَنْ تَنَاسَلَ مِنْهُمْ) قَدْ ذَكَرْنَا أَوْلَادَ مَعَدّ الْعَشَرَةَ فِيمَا تَقَدّمَ، فَأَمّا مُضَرُ فَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهُ فِي عَمُودٍ نَسَبِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرْنَا أَنّهُ أَوّلُ مَنْ سَنّ حُدَاءَ الْإِبِلِ، وَسَبَبُهُ- فِيمَا ذَكَرُوا- أَنّهُ سَقَطَ عَنْ بَعِيرٍ، فَوَثَبَتْ يَدُهُ، وَكَانَ أَحْسَنَ النّاسِ صَوْتًا، فَكَانَ يَمْشِي خَلْفَ الْإِبِلِ، وَيَقُولُ: وَايَدَيّاهُ وَايَدَيّاهُ، يَتَرَنّمُ بِذَلِكَ فَأَعْنَقَتْ الْإِبِلُ، وَذَهَبَ كَلَالُهَا؛ فَكَانَ ذَلِكَ أَصْلُ الْحُدَاءِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنّهَا تَنْشَطُ بِحُدَائِهَا الْإِبِلُ، فَتُسْرِعُ. وَأَمّا أَنْمَارُ بْنُ نِزَارٍ، وَهُوَ أَبُو بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ فَسُمّيَ: بِالْأَنْمَارِ جَمْعُ نَمِرٍ «1» ، كَمَا سُمّوا بِسِبَاعِ وَكِلَابٍ، وَأُمّ بَنِيهِ: بَجِيلَةُ بِنْتُ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ وُلِدَ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا أَفْتَلُ «2» وَهُوَ: خَثْعَمُ «3» ، وَوَلَدَتْ لَهُ عَبْقَرَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، سَمّاهُمْ أَبُو الْفَرَجِ، عَنْهُمْ تَنَاسَلَتْ قَبَائِلُ بَجِيلَةَ وَهُمْ: وَدَاعَةُ وَخُزَيْمَةُ وصهيبة [فى الأصل: صحيم]

_ (1) روى ابن هشام عن ابن إسحاق من ولد نزار: أنمار. وفى جمهرة ابن حزم «ذكروا أن خثعم وبجيلة من ولد أنمار إلا أن الصحيح المحض. الذى لا شك فيه أن قبائل مضر وقبائل ربيعة ابنى نزار» ص 9، وفى ص 6 من نسب قريش وكان يقال ربيعة ومضر الصريحان من ولد إسماعيل» . (2) وقيل: أقيل وأقيل. (3) أمه هند بنت مالك بن الغافق بن الشاهد بن عك «الجمهرة ص 365» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْحَارِثُ وَمَالِكُ وَشَيْبَةُ وَطُرَيْفَةُ وَفَهْمٌ وَالْغَوْثُ وَسَهْلٌ وَعَبْقَرٌ وَأَشْهَلُ «1» كُلّهُمْ بَنُو أَنْمَارٍ، وَيُقَالُ: إنّ بَجِيلَةَ حَبَشِيّةٌ حَضَنَتْ أَوْلَادَ أَنْمَارٍ الّذِينَ سَمّيْنَا، وَلَمْ تَحْضُنْ أَفْتَلَ، وَهُوَ: خَثْعَمُ، فَلَمْ يُنْسَبْ إلَيْهَا. رَوَى التّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيقِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ أَنّهُ لَمَا أَنَزَلَ اللهُ فِي سَبَأٍ مَا أَنَزَلَ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا سَبَأٌ: امْرَأَةٌ أَمْ أَرْضٌ؟ قَالَ: لَيْسَ بِامْرَأَةِ وَلَا أَرْضٍ، وَلَكِنّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً من العرب، فتيا من مِنْهُمْ سِتّةً، وَتَشَاءَمَ «2» أَرْبَعَةٌ، فَأَمّا الّذِينَ تَشَاءَمُوا: فَلَخْمٌ وَجُذَامٌ وَعَامِلَةُ وَغَسّانُ، وَأَمّا الّذِينَ تَيَامَنُوا: فَالْأَزْدُ وَالْأَشْعَرُونَ وَحِمْيَرُ وَمُذْحِجُ وَكِنْدَةُ وَأَنْمَارٌ، قَالَ الرّجُلُ: وَمَنْ أَنْمَارٌ؟ قَالَ: الّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمُ «3» وَبَجِيلَةُ. وَقَوْلُهُ: لَوْلَا جَرِيرٌ هَلَكَتْ بَجِيلَةُ ... نِعْمَ الْفَتَى، وَبِئْسَتْ القبيله

_ (1) هم فى جمهرة أنساب العرب: خزيمة، وادعة، عبقر، الغوث، صهيبة، أشهل، شهل، طريف، سنية، الحارث وخذعة، أما فى نهاية الأرب: العقب من أنمار بن إراش بن عمرو بن لحيان بن عمرو بن مالك بن زيد: خمس قبائل، الغوث وعبقر وصهيبة، ووداعة وأفتل، وهو خثعم بنو أنمار بن إراش ويقول عن أنمار بن نزار: «فإنها انقلبت فى اليمن.. ومن قال إنها انقلبت فى اليمن يقول فيه: إن خثعم وبجيلة ابنا أنمار بن نزار لحقا باليمن، وانتسبا عن جهل منهما إلى أَنْمَارٍ بْنِ إرَاشَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْغَوْثِ بن النبيت بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سبأ بن يشجب به يعرب بن قحطان» انظر ص 310، 328 ج 2 نهاية الأرب. (2) تيامن: أى ذهب إلى اليمن وعاش فيها وتشاءم: قصد الشام وعاش فيها (3) قال الترمذى: حسن غريب ورواه أحمد من طريق ابن عباس وراوه عبد عن الحسن موسى عن ابن لهيعة به وهذا إسناد حسن، ولم يخرجوه وفى إسناده من وجه آخر فروة أبو حباب، وقد تكلموا فيه وفى روايات الحديث اضطراب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ لَمّا سَمِعَ هَذَا: مَا مُدِحَ رَجُلٌ هُجِيَ قَوْمُهُ، وَجَرِيرٌ هَذَا هُوَ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَابِرٍ، وَهُوَ: الشّلَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ عُوَيْفِ بْنِ جَذِيمَةَ «1» بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَعْدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ قَسْرٍ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ عَبْقَرِ بْنِ أَنْمَارٍ بْنِ إرَاشَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْغَوْثِ، يُكَنّى: أَبَا عَمْرٍو، وقيل: أبا عَبْدُ اللهِ، وَفِيهِ قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ خَيْرُ ذِي يَمَنٍ، عَلَيْهِ مَسْحَةُ مُلْكٍ «2» » وَكَانَ عُمَرُ يُسَمّيهِ: يُوسُفَ هَذِهِ الْأُمّةِ، وَكَانَ مِنْ مُقْبِلِي الظّعُنِ، وَكَانَتْ نَعْلُهُ: طُولُهَا: ذِرَاعٌ فِيمَا ذَكَرُوا. وَمِنْ النّذِيرِ بْنِ قَسْرٍ: الْعُرَنِيّونَ الّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاجْتَوَوْا «3» الْمَدِينَةَ، وَحَدِيثُهُمْ مَشْهُورٌ، وَهُمْ بَنُو عُرَيْنَةَ بْنِ النّذِيرِ، أَوْ بَنُو عُرَيْنَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَذِيرٍ، لِأَنّهُمَا عُرَيْنَتَانِ، وَأَحَدُهُمَا: عَمّ الْآخَرِ. وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي السّيرَةِ: مِنْ بَنِي قَيْسٍ: كُبّةٌ مِنْ بَجِيلَةَ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ يُنَافِرُ الْفُرَافِصَةَ [بْنَ الأحوص] الكلبى إلى الأقرع بن حابس

_ (1) فى الاشتقاق: ابن حزيمة وفى نسب قريش: خزيمة، وفى الإصابة: عوف بن خزيمة. (2) رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه محمد بن السائب الكلبى، وهو كذاب. وفى القاموس: أنه كان يلقب بذى المسحة. (3) أى أصابهم الجوى، وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول وذلك إذا لم يوافقهم هواها. واجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه، وإن كنت فى نعمه وفى اللسان أنهم ارتدوا، فقتلهم الرسول «ص» هذا وفى السيرة أن أم مضر وإياد هى سودة بنت عك، ولكنها فى نسب قريش: خبية بوزن عليه بنت عك. وفى السيرة أن أم ربيعة وأنمار هى: شقيقة بنت عك، ولكنها فى نسب قريش: حدالة (بضم الحاء) بنت وعلان بن جوشم ص 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التّمِيمِيّ. يُنَافِرُ: أَيْ يُحَاكِمُ. قَالَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ: لَفْظُ الْمُنَافَرَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ النّفَرِ، وَكَانُوا إذَا تَنَازَعَ الرّجُلَانِ، وَادّعَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنّهُ أَعَزّ نَفَرًا مِنْ صَاحِبِهِ، تَحَاكَمُوا إلَى الْعَلّامَةِ، فَمَنْ فَضَلَ مِنْهُمَا قِيلَ: نَفّرَهُ عَلَيْهِ أَيْ: فَضّلَ نَفَرَهُ عَلَى نَفَرِ الْآخَرِ: فَمِنْ هَذَا أُخِذَتْ الْمُنَافَرَةُ، وَقَالَ زُهَيْرٌ: فَإِنّ الْحَقّ مَقْطَعُهُ ثَلَاثٌ ... يَمِينٌ، أَوْ نِفَارٌ أَوْ جَلَاءٌ «1» وَالْفُرَافِصَةُ بِالضّمّ: اسْمُ الْأَسَدِ، وَبِالْفَتْحِ اسْمُ الرّجُلِ، وَقَدْ قِيلَ: كُلّ فُرَافِصَةٌ فِي الْعَرَبِ بِالضّمّ إلّا الْفُرَافِصَةَ أَبَا نَائِلَةَ صِهْرَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ فَإِنّهُ بِالْفَتْحِ. وَقَوْلُهُ: إنّك إنْ تَصْرَعْ أَخَاك تُصْرَعْ. وُجِدَتْ فِي حَاشِيَة أَبِي بَحْرٍ، قَالَ: الْأَشْهُرُ فِي الرّوَايَةِ: إنْ يُصْرَعْ أَخُوك «2» ، وَإِنّمَا لَمْ يَنْجَزِمْ الْفِعْلُ الْآخَرُ عَلَى جَوَابِ الشرط؛ لأنه فى نية التقديم عند سيبوبه، وَهُوَ عَلَى إضْمَارِ الْفَاءِ عِنْدَ الْمُبَرّدِ «3» ، وَمَا ذُكِرَ فِي أَنْمَارٍ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْيَمَنِ يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ التّرْمِذِيّ الْمُتَقَدّمُ. وَذَكَرَ أُمّ إلْيَاسَ، وَقَالَ فِيهَا: امْرَأَةٌ مِنْ جُرْهُمٍ، وَلَمْ يسمها، وليست من

_ (1) جلاء بفتح الجيم: البينة فى المحاكمة والأمر البين الواضح، وقيل: أراد: البينة والشهود، وقيل: أراد الإقرار والجلاء بكسر الجيم: ما يعظم به الإنسان من الكنى والألقاب والبيت فى اللسان فى مادة: جلو. (2) يستشهد النحاة بهذا البيت على جواز رفع جزاء الشرط المضارع حين يكون الشرط مضارعا أيضا. وهو ضعيف، وهو فى نسب قريش «إن يصرع أخوك» وفى المزهر ص 493 ج 2: كل شئ فى العرب فرافصة بضم الفاء إلا فرافصة بن الأحوص. (3) قالا بهذا، لأن القاعدة وجوب جزم جواب الشرط إن كانا مضارعين واقرأ قصة هذه المنافرة فى ص 301 ج 1 بلوغ الأرب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جُرْهُمٍ، وَإِنّمَا هِيَ الرّبَابُ بِنْتُ حَيْدَةَ «1» بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ، وَقَدْ قَدّمْنَا ذَلِكَ فِي نَسَبِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمّا عَيْلَانُ أَخُو إلْيَاسَ، فَقَدْ قِيلَ: إنّهُ قَيْسٌ نَفْسُهُ لَا أَبُوهُ، وَسُمّيَ بِفَرَسِ لَهُ اسْمُهُ: عَيْلَانُ «2» ، وَكَانَ يُجَاوِرُهُ قَيْسُ كُبّةَ مِنْ بَجِيلَةَ عُرِفَ بِكُبّةَ اسْمِ فَرَسِهِ فُرّقَ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ، وَقِيلَ: عَيْلَانُ اسْمُ كَلْبٍ لَهُ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: النّاسُ، وَلِأَخِيهِ: إلْيَاسُ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ الْقَوْلُ فِي عَمُودِ نَسَبِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- وما فيه غنية من شرخ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ. وَذَكَرَ مُدْرِكَةَ وَطَابِخَةَ وَقَمْعَةَ وَسَبَبَ تَسْمِيَتِهِمْ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَفِي الْخَبَرِ زِيَادَةٌ، وَهُوَ أَنّ إلْيَاسَ قَالَ لِأُمّهِمْ- وَاسْمُهَا لَيْلَى «3» ، وَأُمّهَا: ضَرِيّةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ الّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا: حِمَى ضَرِيّةَ، وَقَدْ أَقْبَلَتْ تُخَنْدِفُ فِي مشيتها: مالك تُخَنْدِفِينَ؟ فَسُمّيَتْ: خِنْدِفَ، وَالْخَنْدِفَةُ: سُرْعَةٌ فِي مَشْيٍ وقال لمدركة.

_ (1) فى نهاية الأرب وغيره: حيد. وفى نسب قريش ص 7 أن أم الياس هى الحنفاء ابنة إياد بن معد، وفى جمهرة ابن حزم ص 9 أن اسمها: أسمى بنت سود بن أسلم بن الحارث بن قضاعة. (2) فى الطبرى: أنه سمى عيلان لأنه كان يعاتب على جوده. فيقال له لتغلبن عليك العيلة يا عيلان وليس فى الأسماء عيلان بالعين غيره. (3) وفى نسب قريش ص 6. فولد مضر بن نزار: الياس، وهو عيلان انظر ص 322 شرح أدب الكاتب للجواليقى وفى الجمهرة: «وقيس عيلان بن مضر» وخطأ من جعل قيسا بن عيلان وليلى بنت حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ. ويقال لهم: خندف وفى اللسان الشرف كبد نجد وكانت منازل لهلوك من بنى آكل المرار وفيها اليوم حمى ضرية وفى حديث عثمان. كان الحمى حمى ضرية على عهده ستة أميال. وضرية امرأة سمى الموضع بها وهو بأرض نجد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَنْتَ قَدْ أَدْرَكْت مَا طَلَبْتَا وَقَالَ لِطَابِخَةَ: وَأَنْتَ قَدْ أَنْضَجْت مَا طَبَخْتَا. وَقَالَ لِقَمْعَةَ وَهُوَ عُمَيْرٌ: وَأَنْتَ قَدْ قَعَدْت «1» فَانْقَمَعْتَا. وَخِنْدِفُ الّتِي عُرِفَ بِهَا بَنُو إلْيَاسَ، وَهِيَ الّتِي ضَرَبَتْ الْأَمْثَالَ بِحُزْنِهَا عَلَى إلْيَاسَ، وَذَلِكَ أَنّهَا تَرَكَتْ بَنِيهَا، وَسَاحَتْ فِي الْأَرْضِ تَبْكِيهِ، حَتّى مَاتَتْ كَمَدًا، وَكَانَ مَاتَ يَوْمَ خَمِيسٍ، وَكَانَتْ إذَا جَاءَ الْخَمِيسُ بَكَتْ مِنْ أَوّلِ النّهَارِ إلَى آخِرِهِ فَمِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي ذَلِكَ: إذَا مُؤْنِسٌ لَاحَتْ خَرَاطِيمُ شَمْسِهِ ... بَكَتْهُ بِهِ حَتّى تَرَى الشّمْسَ تَغْرُبُ فَمَا رَدّ بَأْسًا حُزْنُهَا وَعَوِيلُهَا ... وَلَمْ يُغْنِهَا حُزْنٌ وَنَفْسٌ تُعَذّبُ وَكَانُوا يُسَمّونَ الْخَمِيسَ: مُؤْنِسًا «2» قَالَ الزّبَيْرُ: وإنما نسب بنو الياس

_ (1) فى الطبرى «أسأت» . (2) جمع النابغة أسماء الأيام فى الجاهلية فى هذين البيتين: أؤمل أن أعيش وأن يومى ... بأوّل أو بأهون أو جبار أو التالى دبار فإن يفتنى ... فمؤنس او عروبة أو شيار وفى صبح الأعشى أنها تسمية العرب العاربه من بنى قحطان وجرهم الأولى. وأول: هو الأحد. وسموا الخميس مؤنسا لأنه يؤنس به لبركته فى زعمهم. ج 364 ج 2 صبح الأعشى، أو لأنهم كانوا يميلون فيه إلى الملاذ. وفى المطبوعة فى البيتين: بكتابه وهو خطأ صوبته من مراجعى.

قصة عمرو بن لحى وذكر أصنام العرب

[قِصّةُ عَمْرِو بْنِ لُحَيّ وَذِكْرُ أَصْنَامِ الْعَرَبِ] [ «حديث جرّ عمرو قصبه فى النار» ] قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حُدّثْت أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ: «رَأَيْت عمرو بن لحىّ يجرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ، فَسَأَلْته عَمّنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنْ النّاسِ، فَقَالَ: هَلَكُوا» قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ. وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ أَنّ أَبَا صَالِحٍ السّمّانَ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ. عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ، وَيُقَالُ اسْمُهُ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ- يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ الْخُزَاعِيّ: «يَا أَكْثَمُ، رَأَيْت عَمْرَو لُحَيّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ، فَمَا رَأَيْت رَجُلًا أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْك بِهِ، وَلَا بِك مِنْهُ. فَقَالَ أَكْثَمُ: عَسَى أَنْ يَضُرّنِي شَبَهُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَا، إنّك مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ، إنّهُ كَانَ أَوّلَ مَنْ غَيّرَ دِينَ إسْمَاعِيلَ، فَنَصَبَ الْأَوْثَانَ، وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَسَيّبَ السّائِبَةَ، وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ، وحمى الحامى» . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِأُمّهِمْ؛ لِأَنّهَا حِينَ تَرَكَتْهُمْ شُغْلًا لِحُزْنِهَا عَلَى أَبِيهِمْ، رَحِمَهُمْ النّاسُ فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ أَوْلَادُ خِنْدِفَ الّذِينَ تَرَكَتْهُمْ، وَهُمْ صِغَارُ أَيْتَامٍ، حَتّى عُرِفُوا بِبَنِي خِنْدِفَ. وَأَمّا عَوَانَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ فَسُمّيَتْ: الْعَوَانَةُ وَهِيَ النّاقَةُ الطّوِيلَةُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ لُحَيّ «1» بْنِ قَمْعَةَ بْنِ إلْيَاس، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي نَسَبِ خُزَاعَةَ وَأَسْلَمَ أَنّهُمَا ابْنَا حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَأَنّ رَبِيعَةَ بْنِ حَارِثَةَ هُوَ أَبُو خُزَاعَةَ مِنْ بنى أبى حارثة بن عامر، لامن حَارِثَةَ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ. وَقَوْلُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَسْلَمَ: «ارْمُوا يَا بَنِي إسْمَاعِيلَ، فَإِنّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا «2» » وَهُوَ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ أَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ فِي الظّاهِرِ، إلّا أَنّ بَعْضَ أَهْلِ النّسَبِ ذَكَرَ أَنّ عَمْرَو بْنَ لُحَيّ كَانَ حَارِثَةُ قَدْ خَلّفَ عَلَى أُمّهِ بَعْدَ أَنْ آمَتْ مِنْ قَمْعَةَ، وَلُحَيّ صَغِيرٌ. وَلُحَيّ هُوَ: رَبِيعَةُ، فَتَبَنّاهُ حَارِثَةُ، وَانْتَسَبَ إلَيْهِ فَيَكُونُ النّسَبُ صَحِيحًا بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا: إلَى حَارِثَةَ بِالتّبَنّي، وَإِلَى قَمْعَةَ بِالْوِلَادَةِ، وَكَذَلِكَ أَسْلَمُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ، فَإِنّهُ أَخُو خُزَاعَةَ، وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي خُزَاعَةَ، وَقِيلَ فِي أَسْلَمَ بْنِ أَفْصَى: إنّهُمْ مِنْ بَنِي أَبِي حَارِثَةَ بن عامر، لامن بَنِي حَارِثَةَ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ فِي الْحَدِيثِ حُجّةٌ لِمَنْ نَسَبَ قَحْطَانَ إلَى إسْمَاعِيلَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ حُجّةِ مَنْ نَسَبَ خُزَاعَةَ إلَى قَمْعَةَ مَعَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُعَطّلِ [الْهُذَلِيّ] يُخَاطِبُ قَوْمًا مِنْ خُزَاعَةَ. لَعَلّكُمْ مِنْ أُسْرَةٍ قَمْعِيّةٍ ... إذَا حَضَرُوا لَا يشهدون المعرّفا «3»

_ (1) نسبه فى البخارى: عمرو بن عامر بن لحى، وفى نسب قريش: عَمْرَو بْنَ لُحَيّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ. وخزاعة تقول: عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو ابن عامر بن غسان. وحديث عمرو أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وأحمد والحاكم وابن جرير والطبرانى بطرق مختلفة وألفاظ مختلفة. وما فى السيرة رواية ابن جرير بطريقه. (2) البخارى وغيره. (3) الموقف بعرفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَكْثَمَ الّذِي يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ. اسْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، وَقِيلَ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ، وَقِيلَ: هُوَ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ. وَقَالَ الْبُخَارِيّ: اسمه: عبد شمس بن عبدنهم، وَقِيلَ: اسْمُهُ عَبْدُ غَنْمٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَبَدّلَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا بَدّلَ كَثِيرًا مِنْ الْأَسْمَاءِ، وَقَدْ قِيلَ: اسْمُهُ: يَزِيدُ بْنُ عِشْرِقَةَ، وَقِيلَ: كُرْدُوسٌ، وَقِيلَ: سُكَيْنٌ. قَالَهُ النّفْسُوِيّ، [لَعَلّهُ الْبَغَوِيّ أَوْ النّفُوسِيّ] وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا. وَكَنّاهُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِهِرّةِ رَآهَا مَعَه، وَقَدْ ذَكَرَ أَنّ الْهِرّة كَانَتْ وَحْشِيّةً «1» . وَأَمّا أَكْثَمُ الّذِي ذَكَرَهُ، فَقَدْ صَرّحَ فِي حَدِيثِهِ بِنَسَبِ عَمْرٍو وَالِدِ خُزَاعَةَ، وَذَكَرَهُ لَقُوّةِ الشّبَهِ بَيْنَ أَكْثَمَ وَبَيْنَهُ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ نَسَبُ وِلَادَةٍ- كَمَا تَقَدّمَ وَلَا سِيّمَا عَلَى رِوَايَةِ الزّبَيْرِ؛ فَإِنّ فِيهَا أَنّهُ قَالَ: رَأَيْت عَمْرَو بْنَ لُحَيّ وَالِدَ خُزَاعَةَ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ، وَقَوْلُهُ لِأَكْثَمَ: «إنّك مُؤْمِنٌ، وَهُوَ كَافِرٌ» » قَدْ رَوَى الْحَدِيثَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ أن رسول الله- صلى الله

_ (1) وروى الترمذى أن أهله هم الذين كنوه بهذا وقد استرفى ما قيل فى نسبه ابن حجر فى الإصابة وفى اسمه أربعة وأربعون قولا، وفى القاموس: واختلف فى اسم على نيف وثلاثين قولا. (2) وقيل عن أكثم إنه ابن أبى الجون، واسمه: عبد العزى بن منقذ بن ربيعة بن أحرم. وقد أخرج الحاكم حديث أكثم، وهو مخرج عند مسلم دون قصة أكثم ورواه أحمد من وجه آخر عن جابر، فقال أشبه من رأيت به معبد بن أكثم، فذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِي حَدِيثِ الدّجال لعبد العزّى بن قطن، وَأَنّ عَبْدَ الْعُزّى قَالَ: أَيَضُرّنِي شَبَهِي بِهِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ يَعْنِي: الدّجّالَ، فَقَالَ كَمَا قَالَ لِأَكْثَمَ: إنّك مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ، وَأَحْسَبُ هَذَا وَهْمًا فِي الْحَدِيثِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ عَنْ الزّهْرِيّ. قَالَ: ابْنُ قَطَن رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَلِأَكْثَمَ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَانِ. أَحَدُهُمَا: «خَيْرُ الرّفَقَاءِ أَرْبَعَةٌ» وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَلَى مَعْنَاهُ فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ. وَالْآخَرُ: «اُغْزُ مَعَ غَيْرِ قَوْمِك، تَحْسُنْ خُلُقُك» ، قَالَ الْإِسْكَافُ فِي كِتَابِ فَوَائِدِ الْأَخْبَارِ مَعْنَى هَذَا لِأَنّ الرّجُلَ إذَا غَزَا مَعَ غَيْرِ قَوْمِهِ تَحَفّظَ، وَلَمْ يَسْتَرْسِلْ وَتَكَلّفَ مِنْ رِيَاضَةِ نَفْسِهِ مالا يَتَكَلّفُهُ فِي صُحْبَةِ مَنْ يَثِقُ بِاحْتِمَالِهِ لِنَظَرِهِمْ إلَيْهِ بِعَيْنِ الرّضَى، وَلِصِحّةِ إدْلَالِهِ، فَلِذَلِكَ تَحْسُنُ خُلُقُهُ لِرِيَاضَةِ نَفْسِهِ عَلَى الصّبْرِ وَالِاحْتِمَالِ، فَهَذَا حَسَنٌ مِنْ التّأْوِيلِ غَيْرَ أَنّ الْحَدِيثَ مُخْتَلَفٌ فِي لَفْظِهِ، فَقَدْ رُوِيَ فِيهِ: سَافِرْ مَعَ قَوْمِك، وَذَكَرَ الرّوَايَتَيْنِ أَبُو عُمَرَ «1» رَحِمَهُ الله. وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ عَمْرَو بْنَ لُحَيّ، وَأَنّهُ أَوّلُ مَنْ بَحَرَ الْبَحِيرَةَ، وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا أَنّ أَوّلَ مَنْ بَحَرَ الْبَحِيرَةَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ كَانَتْ لَهُ نَاقَتَانِ، فَجَدَعَ آذَانَهُمَا، وَحَرّمَ أَلْبَانَهُمَا. قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَيْته فِي النّارِ يَخْبِطَانِهِ بِأَخْفَافِهِمَا، وَيَعَضّانِهِ «2» بِأَفْوَاهِهِمَا وَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ. قَدْ عَرَفْت أول من

_ (1) وفى حديثه أبو سلمة المعاملى قال ابن أبى حاتم: سمعت أبى يقول عنه: متروك الحديث باطل وفى الإصابة فى حديث أكثم: أعز. (2) رواه عبد الرازق، وهو مخالف لما ورد فى البخارى وغيره. وقد ضبط «أحمد زكى باشا» بحر بتضعيف الحاء فى تحقيقه لكتاب الأصنام للكلبى. وقال-

"أول ما كانت عبادة الحجارة":

[ «أول ما كانت عبادة الحجارة» :] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ عَمْرَو بْنَ لُحَيّ خَرَجَ مِنْ مَكّةَ إلَى الشّامِ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ، فَلَمّا قَدِمَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ- وهم ولد عملاق. ويقال: عمليق ابن لَاوِذْ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ- رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الّتِي أَرَاكُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا لَهُ: هَذِهِ أَصْنَامٌ نَعْبُدُهَا، فنستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فَتَنْصُرُنَا، فَقَالَ لَهُمْ: أَفَلَا تُعْطُونَنِي مِنْهَا صَنَمًا، فَأَسِيرَ بِهِ إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ، فَيَعْبُدُوهُ؟ فَأَعْطَوْهُ صَنَمًا يُقَالُ لَهُ: هُبَلُ، فَقَدِمَ بِهِ مَكّةَ، فنصبه، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه. قَالَ ابْنُ إسْحَاق: وَيَزْعُمُونَ أَنّ أَوّلَ مَا كَانَتْ عِبَادَةُ الْحِجَارَةِ فِي بَنِي إسْمَاعِيلَ، أَنّهُ كَانَ لَا يَظْعَنُ مِنْ مَكّةَ ظَاعِنٌ مِنْهُمْ، حَيْن ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ، وَالْتَمَسُوا الفَسَحَ فِي الْبِلَادِ، إلّا حَمَلَ مَعَهُ حَجَرًا مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ، فَحَيْثُمَا نَزَلُوا وَضَعُوهُ، فَطَافُوا بِهِ كَطَوَافِهِمْ بِالْكَعْبَةِ، حَتّى سَلَخَ ذَلِكَ بِهِمْ إلَى أن كانوا ـــــــــــــــــــــــــــــ سَيّبَ السّائِبَةَ، وَنَصَبَ النّصُبَ. عَمْرُو بْنُ لُحَيّ رَأَيْته يُؤْذِي أَهْلَ النّارِ بِرِيحِ قُصْبِهِ. رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مُرْسَلًا، وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ عنه.

_ - فى تعليقة له: وهذا الضبط وارد فى النسخة الزكية هنا وفى موضع آخر ص 58 من هذه الطبعة، وهو كذلك فى كتاب الروض الأنف. أما بحر مخففا فمعناه: شق الأذن، ولكن المقام هنا يدل على ابتداع هذه السنة، فلذلك كان استعمال بحر مشددا وجيها.

"أصنام قوم نوح".

يَعْبُدُونَ مَا اسْتَحْسَنُوا مِنْ الْحِجَارَةِ، وَأَعْجَبَهُمْ، حَتّى خَلَفَ الْخُلُوفُ، وَنَسُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَاسْتَبْدَلُوا بِدِينِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ غَيْرَهُ، فَعَبَدُوا الْأَوْثَانَ، وَصَارُوا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ مِنْ الضّلَالَاتِ، وَفِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَقَايَا مِنْ عَهْدِ إبْرَاهِيمَ يَتَمَسّكُونَ بِهَا: مِنْ تَعْظِيمِ الْبَيْتِ، وَالطّوَافِ به، والحجّ والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة، وهدى البدن، والإهلال بالحجّ والعمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس منه. فَكَانَتْ كِنَانَةُ وَقُرَيْشٌ إذَا أَهَلّوا قَالُوا: «لَبّيْكَ اللهُمّ لَبّيْكَ، لَبّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك، إلّا شَرِيكٌ هُوَ لَك، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» . فَيُوَحّدُونَهُ بِالتّلْبِيَةِ، ثُمّ يُدْخِلُونَ مَعَهُ أَصْنَامَهُمْ، وَيَجْعَلُونَ مِلْكَهَا بِيَدِهِ. يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمُحَمّدِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف: 106] أَيْ مَا يُوَحّدُونَنِي لِمَعْرِفَةِ حَقّي إلّا جَعَلُوا معى شريكا من خلقى. [ «أصنام قَوْمِ نُوحٍ» .] وَقَدْ كَانَتْ لِقَوْمِ نُوحٍ أَصْنَامٌ قَدْ عَكَفُوا عَلَيْهَا، قَصّ اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَبَرَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: وَقالُوا: لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ، وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً، وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً، وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً [نوح: 22، 23] [ «أصنام القبائل العربية» .] فَكَانَ الّذِينَ اتّخَذُوا تَلِك الْأَصْنَامَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِمْ، وَسَمّوْا بِأَسْمَائِهِمْ حَيْن فَارَقُوا دِينَ إسْمَاعِيلَ: هُذَيْلٍ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، اتخذوا ـــــــــــــــــــــــــــــ

سُوَاعًا، فَكَانَ لَهُمْ بُرْهَاطُ. وَكَلْبُ بْنُ وَبْرَةَ مِنْ قُضَاعَةَ، اتّخَذُوا وَدّا بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ: وَنَنْسَى اللّاتَ وَالْعُزّى وَوَدّا ... وَنَسْلُبُهَا الْقَلَائِدَ وَالشّنُوفَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له سأذكرها في موضعها إن شاء الله. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَلْبُ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بن قضاعة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنْعُمُ مِنْ طَيّئٍ، وَأَهْلُ جرش من مذحج اتخذوا يغوث بجرش. قال ابن هشام. ويقال: أنعم. وطيّئ بن أُدَدَ بْنِ مَالِكٍ، وَمَالِكٌ: مَذْحِجُ بْنُ أُدَدَ، وَيُقَال: طَيّئُ بْنُ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كهلان بن سبأ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَيْوَانُ بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ، اتّخَذُوا يَعُوقَ بِأَرْضِ هَمْدَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ الهمدانى يَرِيشُ اللهُ فِي الدّنْيَا وَيَبْرِي ... وَلَا يَبْرِي يَعُوقُ وَلَا يَرِيشُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ له. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْمُ هَمْدَانَ: أَوْسَلَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَوْسَلَةَ بْنِ الْخِيَارِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: أَوْسَلَةُ بْنُ زَيْدِ بن ـــــــــــــــــــــــــــــ

أَوْسَلَةَ بْنِ الْخِيَارِ. وَيُقَالُ: هَمْدَانُ بْنُ أَوْسَلَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْخِيَارِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سبأ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذُو الْكُلَاعِ مِنْ حِمْيَرَ، اتخذوا نسرا بأرض حمير. وَكَانَ لِخَوْلَانَ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ: عُمْيَانِسُ بِأَرْضِ خَوْلَانَ، يَقْسِمُونَ لَهُ مِنْ أَنْعَامِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ قَسْمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ بِزَعَمِهِمْ، فَمَا دَخَلَ فِي حَقّ عُمْيَانِسَ مِنْ حَقّ اللهِ تَعَالَى الّذِي سَمّوْهُ لَهُ تَرَكُوهُ لَهُ، وَمَا دَخَلَ فِي حَقّ اللهِ تَعَالَى مِنْ حَقّ عُمْيَانِسَ رَدّوهُ عَلَيْهِ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ خَوْلَانَ، يُقَالُ لَهُمْ: الْأَدِيمُ، وَفِيهِمْ أَنَزَلَ اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيمَا يَذْكُرُونَ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً، فَقالُوا: هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ، وَهذا لِشُرَكائِنا، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ، وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ [الأنعام: 136] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَوْلَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الحاف بن قضاعة، ويقال: خولان ابن عَمْرِو بْنِ مُرّةَ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مهسع بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَال: خَوْلَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ لِبَنِي مِلْكَانَ بْنِ كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بْنِ مُضَرَ صَنَمٌ، يُقَالُ لَهُ: سَعْدٌ: صَخْرَةٌ بِفَلَاةِ مِنْ أَرْضِهِمْ طَوِيلَةٌ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مِلْكَانَ بِإِبِلِ لَهُ مُؤَبّلَةٌ؛ لِيَقِفَهَا عَلَيْهِ، الْتِمَاسَ بَرَكَتِهِ- فِيمَا يَزْعُمُ- فَلَمّا رَأَتْهُ الْإِبِلُ وَكَانَتْ مَرْعِيّةً لَا تُرْكَبُ، وَكَانَ يُهْرَاقُ عَلَيْهِ الدّمَاءُ نَفَرَتْ مِنْهُ، فَذَهَبَتْ فِي كُلّ وَجْهٍ، وَغَضِبَ رَبّهَا الْمِلْكَانِيّ، فَأَخَذَ حَجَرًا فَرَمَاهُ بِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ

"هبل وإساف ونائلة"

ثُمّ قَالَ. لَا بَارَكَ اللهُ فِيك، نَفّرْت عَلَيّ إبِلِي، ثُمّ خَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتّى جَمَعَهَا، فَلَمّا اجْتَمَعَتْ لَهُ قَالَ: أَتَيْنَا إلَى سَعْدٍ، لِيَجْمَعَ شَمْلَنَا ... فَشَتّتَنَا سَعْدٌ، فَلَا نَحْنُ مِنْ سَعْدِ وَهَلْ سَعْدُ إلّا صَخْرَةٌ بِتَنُوفَةٍ ... مِنْ الْأَرْضِ لَا تَدْعُو لِغَيّ وَلَا رُشْدٍ وَكَانَ فِي دَوْسٍ صَنَمٌ لِعَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ الدّوسىّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَأَذْكُرُ حَدِيثَهُ فِي مَوْضِعِهِ إن شاء الله. وَدَوْسُ بْنُ عُدْثَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَسَدِ بْنِ الْغَوْثِ. وَيُقَالُ: دَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الغوث. [ «هبل وإساف ونائلة» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اتّخَذَتْ صَنَمًا عَلَى بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يُقَالُ لَهُ: هُبَلُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَأَذْكُرُ حَدِيثَهُ إن شاء الله فى موضعه. قال ابن إسحاق: واتخذوا. إسَافًا وَنَائِلَةً، عَلَى مَوْضِعِ زَمْزَمَ يَنْحَرُونَ عِنْدَهُمَا، وَكَانَ إسَافٌ وَنَائِلَةٌ رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ- هُوَ: إسَافُ بْنُ بَغْيٍ وَنَائِلَةُ بِنْتُ دِيكٍ- فَوَقَعَ إسَافٌ عَلَى نَائِلَةٍ فِي الْكَعْبَةِ، فَمَسَخَهُمَا اللهُ حَجَرَيْنِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ أَنّهَا قَالَتْ: سمعت عائشة ـــــــــــــــــــــــــــــ

"العزى واللاة ومناة"

- رضى الله عنها- تقول: مازلنا نَسْمَعُ أَنّ إسَافًا وَنَائِلَةً كَانَا رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ، أَحْدَثَا فِي الْكَعْبَةِ، فَمَسَخَهُمَا اللهُ تَعَالَى حَجَرَيْنِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَحَيْثُ يُنِيخُ الْأَشْعَرُونَ رِكَابَهُمْ ... بِمُفْضَى السّيُولِ مِنْ إسَافٍ وَنَائِلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، سَأَذْكُرُهَا فى موضعها إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاِتّخَذَ أَهْلُ كُلّ دَارٍ فِي دَارِهِمْ صَنَمًا يَعْبُدُونَهُ، فَإِذَا أَرَادَ الرّجُلُ مِنْهُمْ سَفَرًا تَمَسّحَ بِهِ حِينَ يَرْكَبُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ مَا يَصْنَعُ حِينَ يَتَوَجّهُ إلَى سَفَرِهِ، وَإِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ تَمَسّحَ بِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى أَهْلِهِ، فَلَمّا بَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ مُحَمّدًا- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بِالتّوْحِيدِ، قَالَتْ قُرَيْشٌ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً، إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ [ص: 5] وَكَانَتْ الْعَرَبُ قَدْ اتّخَذَتْ مَعَ الْكَعْبَةِ طَوَاغِيتَ، وَهِيَ بُيُوتٌ تُعَظّمُهَا كَتَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ، لَهَا سَدَنَةٌ وَحُجّابٌ، وَتُهْدِي لَهَا كَمَا تُهْدِي لِلْكَعْبَةِ، وَتَطُوفُ بها كَطَوَافِهَا بِهَا وَتَنْحَرُ عِنْدَهَا، وَهَى تَعْرِفُ فَضْلَ الْكَعْبَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنّهَا كَانَتْ قَدْ عَرَفَتْ أَنّهَا بيت إبراهيم الخليل ومسجده. [ «العزى واللاة ومناة» ] فكانت لقريش وبنى كنانة: العزّى بنخلة، وَكَانَ سَدَنَتَهَا وَحُجّابَهَا بَنُو شَيْبَانَ مِنْ سُلَيْمٍ، حُلَفَاءِ بَنِي هَاشِمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حُلَفَاءُ بَنِي أَبِي طَالِبٍ خَاصّةً، وَسُلَيْمٌ: سُلَيْمُ بْنُ منصور ابن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان. ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ: لَقَدْ أُنْكِحَتْ أَسْمَاءُ رَأْسَ بُقَيْرَةٍ ... مِنْ الْأُدْمِ أَهْدَاهَا امْرُؤٌ مِنْ بَنِي غَنْمِ رَأَى قَدَعَا فِي عَيْنِهَا إذْ يَسُوقُهَا ... إلَى غَبْغَبِ الْعُزّى فَوَسّعَ فِي الْقَسْمِ وَكَذَلِك كَانُوا يَصْنَعُونَ إذَا نَحَرُوا هَدْيًا قَسّمُوهُ فِي مَنْ حَضَرَهُمْ. وَالْغَبْغَبُ: المنحر، ومهراق الدماء. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِأَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ وَاسْمُهُ: خُوَيْلِدُ بْنُ مُرّةَ فِي أَبْيَاتٍ له. وَالسّدَنَةُ: الّذِينَ يَقُومُونَ بِأَمْرِ الْكَعْبَةِ. قَالَ رُؤْبَةُ بن العجاج. فلا وربّ الآمنات القطّن ... [يعمرن أمنا بالحرام المأمن] بِمَحْبَسِ الْهَدْى وَبَيْتِ الْمَسْدَنِ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ، وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهَا إنْ شَاءَ اللهُ تعالى فى موضعه قال ابن إسحاق: وكانت اللات لِثَقِيفِ بِالطّائِفِ، وَكَانَ سَدَنَتَهَا وَحُجّابَهَا بَنُو مُعَتّبٍ مِنْ ثَقِيفٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهَا إن شاء الله تعالى فى موضعه. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ مَنَاةُ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ، عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشَلّلِ بِقُدَيْدٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ أَحَدُ بنى أسد بْنِ مُدْرِكَةَ. وَقَدْ آلَتْ قَبَائِلُ لَا تُوَلّى ... مَنَاةَ ظُهُورَهَا مُتَحَرّفِينَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له. ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَيْهَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ فَهَدَمَهَا، وَيُقَالُ: عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ (أَصْلُ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ) يُقَالُ لِكُلّ صَنَمٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ: صَنَمٌ، وَلَا يُقَالُ: وَثَنٌ إلّا لِمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ صَخْرَةٍ كَالنّحَاسِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَيّ حِينَ غَلَبَتْ خُزَاعَةُ عَلَى الْبَيْتِ، وَنَفَتْ جُرْهُمُ عَنْ مَكّةَ، قَدْ جَعَلَتْهُ الْعَرَبُ رَبّا لَا يَبْتَدِعُ لَهُمْ بِدْعَةً إلّا اتّخَذُوهَا شِرْعَةً؛ لِأَنّهُ كَانَ يُطْعِمُ النّاسَ، وَيَكْسُو فِي الْمَوْسِمِ، فَرُبّمَا نَحَرَ فِي الْمَوْسِمِ عَشَرَةَ آلَافِ بَدَنَةٍ، وَكَسَا عَشَرَةَ آلَافِ حلّة حتى [قيل] إنه اللّاتّ الذى، يلتّ السّوبق «1» للحجيج على صخرة معروفة تسمى: صخرة اللات، وَيُقَالُ إنّ الّذِي يَلُتّ كَانَ مِنْ ثَقِيفٍ، فَلَمّا مَاتَ قَالَ لَهُمْ عَمْرٌو: إنّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنْ دَخَلَ فِي الصّخْرَةِ، ثُمّ أَمَرَهُمْ بعبادتها، وأن يبنوا عليها بيتا يسمى: اللّات، وَيُقَالُ: دَامَ أَمْرُهُ وَأَمَرَ وَلَدَهُ عَلَى هَذَا بمكة ثلثمائة سنة فلما هلك سميت تلك الصخرة: اللات مُخَفّفَةَ التّاءِ، وَاُتّخِذَ صَنَمًا يُعْبَدُ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ، أَنّهُ أَوّلُ مَنْ أَدْخَلَ الْأَصْنَامَ الْحَرَمَ، وَحَمَلَ النّاسَ عَلَى عِبَادَتِهَا، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ إسَافٍ وَنَائِلَةَ، وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي أَمْرِهِمَا. وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيّ فِي أَخْبَارِ مَكّةَ أن عمر بْنَ لُحَيّ فَقَأَ أَعْيُنِ عِشْرِينَ بَعِيرًا، وَكَانُوا يَفْقَئُونَ عَيْنَ الْفَحْلِ إذَا بَلَغَتْ الْإِبِلُ أَلْفًا، فَإِذَا بَلَغَتْ أَلْفَيْنِ فَقَئُوا الْعَيْنَ الْأُخْرَى قَالَ الرّاجِزُ: وَكَانَ شُكْرُ الْقَوْمِ عِنْدَ الْمِنَنِ ... كَيّ الصّحِيحَاتِ، وَفَقْأُ الْأَعْيُنِ وَكَانَتْ التّلْبِيَةُ مِنْ عَهْدِ إبْرَاهِيمَ: لَبّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَك لَبّيْكَ، حَتّى كان

_ (1) طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَمْرُو بْنُ لُحَيّ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُلَبّي تَمَثّلَ لَهُ الشّيْطَانُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ يُلَبّي مَعَهُ «1» ، فَقَالَ عَمْرٌو: لَبّيْكَ لَا شَرِيك لَك، فَقَالَ الشّيْخُ: إلّا شَرِيكًا هُوَ لَك، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عمرو، وقال: وما هَذَا؟ فَقَالَ الشّيْخُ قُلْ: تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ، فَإِنّهُ لَا بَأْسَ بِهَذَا، فَقَالَهَا عَمْرٌو، فَدَانَتْ بِهَا الْعَرَبُ «2» . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا كَانَ فِي قَوْمِ نُوحٍ وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ: وَتِلْكَ هِيَ الْجَاهِلِيّةُ الْأُولَى الّتِي ذَكَرَ اللهُ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى «3» [الْأَحْزَاب: 33] وَكَانَ بَدْءُ ذَلِكَ فِي عَهْدِ مهلايل بْنِ قَيْنَانَ فِيمَا ذَكَرُوا، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: «صارت الأوثان

_ (1) هو شيطان من الإنس مثل عمرو بن لحى. (2) فى الصحيحين: أن هذه كانت تلبية المشركين، وفى صحيح مسلم أنهم كانوا إذا قالوا: لبيك لا شريك لك، قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قد أى حسب حسب. (3) بل روى ابن جرير فى تفسير هذه الآية أن الجاهلية الأولى كانت بين نوح وإدريس، وأنها كانت ألف سنة، وأن بطنا من ولد آدم كان يسكن الجبل، وكان الآخر يسكن السهل، وكان فى نساء الجبل دمامة، وفى رجاله صباحة «جمال» على عكس أهل السهل، وجاء إبليس فى صورة غلام، وعمل فتى فى بيت أحد رجال السهل، فاتخذ شيئا مثل الذى يزمر فيه الرعاء، واستطاع بنفخه فيه أن يسحر أهل السهل، وأن يجمعهم حوله، وأن يحملهم على اتخاذ عيد فى العام يجتمعون فيه، وقد تزين فيه الرجال للنساء، أو تزين النساء للرجال، ورآهم أهل الجبل، فاختلطوا بهم، وظهرت الفاحشة بين الرجال والنساء. وهذه قصة تليق بمعنى الآية، فالآية فى نهى النساء عن التبرج. على أنه بين عبادة الأوثان وبين فاحشة التبرج صلة وثقى، لعلها صلة العلة بالمعلول!!.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ، وَهِيَ أَسْمَاءُ قَوْمٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمّا هَلَكُوا أَوْحَى الشّيْطَانُ إلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا فِي مَجَالِسِهِمْ الّتِي كَانُوا يُجْلِسُونَهَا أَنْصَابًا، وَسَمّوْهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتّى إذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتُنُوسِخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ» . وَذَكَرَ الطّبَرِيّ هَذَا الْمَعْنَى وَزَادَ أَنّ سُوَاعًا كَانَ: ابْنَ شِيثَ، وَأَنّ يَغُوثَ كَانَ: ابْنَ سُوَاعٍ، وَكَذَلِكَ يَعُوقُ وَنَسْرُ كُلّمَا هَلَكَ الْأَوّلُ صُوّرَتْ «1» صُورَتُهُ، وَعُظّمَتْ لِمَوْضِعِهِ مِنْ الدّينِ، وَلَمّا عَهِدُوا فى دعائه من الإجابة، فلم يزالو هَكَذَا حَتّى خَلَفَتْ الْخُلُوفُ، وَقَالُوا: مَا عَظّمَ هَؤُلَاءِ آبَاؤُنَا إلّا لِأَنّهَا تَرْزُقُ وَتَنْفَعُ وَتَضُرّ، وَاِتّخَذُوهَا آلِهَةً، وَهَذِهِ أَسْمَاءُ سُرْيَانِيّةٌ وَقَعَتْ إلَى الْهِنْدِ، فَسَمّوْا بِهَا أَصْنَامَهُمْ الّتِي زَعَمُوا أَنّهَا صُوَرُ الدّرَارِيّ السّبْعَةِ، وَرُبّمَا كَلّمَتْهُمْ الْجِنّ مِنْ جَوْفِهَا فَفَتَنَتْهُمْ، ثُمّ أَدْخَلَهَا إلَى الْعَرَبِ عَمْرُو بْنُ لُحَيّ كَمَا ذُكِرَ أَوْ غَيْرُهُ «2» ، وَعَلّمَهُمْ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ، وَأَلْقَاهَا الشّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مُوَافَقَةً لما كانوا فى عهد نوح.

_ (1) إذ قالوا- كما روى الطبرى- «لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم» . (2) فى البخارى عن ابن عباس: «صَارَتْ الْأَوْثَانُ الّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فى العرب بعد. أماود: فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع: فكانت لهذيل، وأما يغوث: فكانت لمراد، ثم لبنى غطيف بالجرف عند سبأ. أما يعوق، فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذى الكلاع، وهى أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام» هذا ولم يعتقد مشركو العرب فى هؤلاء أنهم يخلقون أو يرزقون، إذ كانوا يعتقدون أن الله هو الخالق الذى بيده ملكوت السموات والأرض وتدبر الآيات التى فى آخر «المؤمنون» نجد إيمانا من المشركين يروعك، ورغم هذا دمغهم الله بالشرك؛ لأنهم كانوا يظنون أن أولياءهم أو أصنامهم- والتعبير فى واقعهم ومشاعرهم واحد- تقربهم إلى الله زلفى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ كَلْبَ بْنَ وَبْرَةَ مِنْ قُضَاعَةَ. وَبْرَةُ بِسُكُونِ الْبَاءِ تُقَيّدُ فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ، وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْوَبَرِ «1» اتّخَذُوا وَدّا فِي دُومَةِ الْجَنْدَلِ، وَدُومَةُ هَذِهِ- بِضَمّ الدال- ذكروا أنها سمّيت بدومى بن إسْمَاعِيلَ كَانَ نَزَلَهَا، وَدُومَةُ أُخْرَى بِضَمّ الدّالِ عِنْدَ الْكُوفَةِ، وَدَوْمَةُ- بِفَتْحِ الدّالِ- أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي أَخْبَارِ الرّدّةِ، كَذَا وَجَدْته لِلْبَكْرِيّ [فِي مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ] مُقَيّدًا فِي أَسْمَاءِ هَذِهِ المواضع. وذكر طئ بْنَ أُدَدٍ، أَوْ ابْنَ مَالِكِ بْنِ أُدَدٍ عَلَى الْخِلَافِ، وَمَالِكٌ هُوَ: مَذْحِجُ، وَسُمّوا مَذْحِجًا بِأَكَمَةِ نَزَلُوا إلَيْهَا. [وَطَيّ] مِنْ الطّاءَةِ «2» ، وَهِيَ بَعْدَ الذّهَابِ فِي الْأَرْضِ. قَالَهُ ابْنُ جِنّيّ، وَلَمْ يَرْضَ قَوْلَ الْقُتَبِيّ إنّهُ أَوّلُ مَنْ طَوَى الْمَنَاهِلَ، لِأَنّ طَيّئًا مَهْمُوزٌ «3» ، وَطَوَيْت غَيْرُ مَهْمُوزٍ. وَذَكَرَ جُرَشَ فِي مَذْحِجَ. وَالْمَعْرُوفُ أَنّهُمْ فِي حِمْيَرَ «4» ، وَأَنّ مَذْحِجَ مِنْ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: إنّ الْمُلْكَ كَانَ لِكَهْلَانَ بَعْدَ حمير، وأن ملكه

_ (1) دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء حسنة العينين، قيل إنها تدجن البيوت، وقد ضبطت بفتح الباء فى الاشتقاق والأغانى وجمهرة ابن حزم وفرق بعضهم. فقال: وبرة بسكون الباء اسم القبيلة وبفتحها فى مزينة، وستأتى. (2) فى الاشتقاق أنهم سموا بهذا باسم أكمة ولدت عليها أمم، ومذحج من الذحج وهو: الدلك، والطاءة- كالطاعة- الإبعاد فى المرعى. (3) كذلك قال ابن دريد فى الاشتقاق فى روايته عن الكلبى ص 380 (4) هو كذلك فى الاشتقاق فقد جعلهم من حمير، وكذلك فى ص 409 من جمهرة ابن حزم فمذحج هو: مالك بن أد بن زيد بن يشحب بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كُهْلَانَ بْنِ سبأ فليس هو من نسل حمير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دام ثلثمائة سَنَةٍ، ثُمّ عَادَ فِي بَنِي حِمْيَرَ، قَالَهُ الْمَسْعُودِيّ «1» . وَذَكَرَ الدّارَقُطْنِيّ أَنّ جُرَشَ وَحُرَشَ بِالْحَاءِ أَخَوَانِ، وَأَنّهُمَا ابْنَا عُلَيْمِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيّ، فَهُمَا قَبِيلَانَ مِنْ كَلْبٍ- وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ الْهَمْدَانِيّ [الْخَارِفِيّ] ، وَهُوَ. أَبُو ثَوْرٍ يُلَقّبُ ذَا الْمِشْعَارِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي خَارِفٍ، وَقَدْ قِيلَ. إنّهُ مِنْ يَام بْنِ أَصِي، وَكِلَاهُمَا مِنْ هَمْدَانَ «2» وَقَوْلُهُ: يَرِيشُ اللهُ فِي الدّنْيَا وَيَبْرِي. هُوَ مِنْ رِشْت السّهْمَ وَبَرَيْته، اُسْتُعِيرَ فِي النّفْعِ وَالضّرّ. قَالَ سُوَيْدٌ. فَرِشْنِي بخير طَالَمَا قَدْ بَرَيْتنِي ... وَخَيْرُ الْمَوَالِي من يريش ولا يبرى «3»

_ (1) انظر ص 74 ج 2 مروج الذهب. (2) فى المطبوعة: ذا المعشار وهو خطأ نقله أيضا ناشر وسيرة ابن هشام كما هو عن الروض. وقد صوبته من القاموس، ومن الإصابة والاشتقاق. ذكر عنه القاموس أنه هاجر زمن عمر إلى الشام، ومعه: أربعة آلاف عبد، فأعتقهم، فانتسبوا فى همدان. وفى الإصابة: قال أبو عمر: يقال فيه اليامى، ويقال الخارفى وهو: الوافد ذو المشعار. والوافد: أى الذى وفد على النبى «ص» مع وفد همدان مرجع الرسول «ص» من تبوك، وذكر ابن دريد فى الاشتقاق عن همدان: «ومن رجالهم: حمرة ذو المشعار بن أيفع، كان شريفا فى الجاهلية ص 421، وفى المطبوعة: يام بن أصى، وفى جمهرة ابن حزم ص 370 «يام بن أصفى بن ذافع بن مالك بن جشم» وفى الاشتقاق لابن دريد «ومنهم- أى من همدان- بنو أصبى» ص 423 وفى نسب همدان اختلاف، ففى الاشتقاق غير ما فى الجمهرة لابن حزم، وما فى الجمهرة غير ما هنا. انظر ص 469 الاشتقاق، 369 الجمهرة، وانظر نهاية الأرب ج 2: 320 (3) نسبه اللسان إلى حمير بن حباب «بتضعيف الباء» ورشت فلانا إذا قويته وأعنته على معاشه وأصلحت حاله. والبرى خلافه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمِلْكَانِيّ وَقَوْلَهُ: فَشَتّتَنَا سَعْدٌ، فَلَا نَحْنُ مِنْ سَعْدِ وَيَمْتَنِعُ فِي الْعَرَبِيّةِ دُخُولُ لَا عَلَى الِابْتِدَاءِ الْمُعْرِفَةِ وَالْخَبَرِ إلّا مَعَ تَكْرَارٍ: لَا، مِثْلَ: أَنْ تَقُولَ: لَا زَيْدٌ فِي الدّارِ وَلَا عَمْرٌو، وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ قَوْلَهُمْ: لَا نَوْلُك أَنْ تَفْعَلَ «1» ، وَقَالَ: إنّمَا جَازَ هَذَا؛ لِأَنّ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْفِعْلِ، أَيْ: لَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تَفْعَلَ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي بَيْتِ الْمِلْكَانِيّ: أَيْ: لَمْ يَقُلْهَا عَلَى جِهَةِ الْخَبَرِ، وَلَكِنْ عَلَى قَصْدِ التّبَرّي مِنْهُ، فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَلَا نَتَوَلّى سَعْدًا، وَلَا نَدِينُ بِهِ، فَهَذَا الْمَعْنَى حَسّنَ دُخُولَ لَا عَلَى الِابْتِدَاءِ كَمَا حَسُنَ: لَا نَوْلُك. وَقَوْلُهُ: إلّا صَخْرَةً بِتَنُوفَةِ. التّنُوفَةُ: الْقَفْرُ «2» ، وَجَمْعُهَا: تَنَائِفُ بِالْهَمْزِ، وَوَزْنُهَا: فَعُولَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ تَفْعِلَةً مِنْ النّوْفِ، وَهُوَ الِارْتِفَاعُ لَجُمِعَتْ تَنَاوُفَ، وَلَكِنّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَفْعِلَةً إلّا أَنْ تُحَرّكَ الْوَاوُ بِالضّمّ؛ لِئَلّا يُشْبِهَ بِنَاءُ الْفِعْلِ،

_ (1) ومثلها: نوالك ومنوالك، وقد قال سيبويه: أما نول: فتقول: نولك أن تفعل كذا، أى ينبغى لك فعل كذا. وفى الصحاح: أى حقك أن تفعل كذا. وإذا قال: لا نولك، فكأنه يقول: أقصر، ولكنه صار فيه معنى: ينبغى لك، وقال فى موضع: لا نولك أن تفعل، جعلوه بدلا من: ينبغى معا قباله. قال أبو الحسن: ولذلك وقعت المعرفة هنا غير مكررة. وقالوا: ما نولك أن تفعل كذا أى: ما ينبغى لك أن تناله. روى الأزهرى عن أبى العباس أنه قال فى قولهم: للرجل: ما كان نولك أن تفعل كذا قال: النول من النوال يقول: ما كان فعلك هذا حظا لك «اللسان» . (2) ولها معان أخر. وقد جعلها اللسان فى مادة تنف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَوْ قِيلَ فِيهَا: تُنُوفَةٌ بِضَمّ التّاءِ لَاحْتَمَلَ حِينَئِذٍ أَنْ تَكُونَ فَعُولَةً أَوْ تَفْعِلَةً عَلَى مِثَالِ تَنْفِلَةٍ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْأَفْعَالِ تُفْعَلُ بِالضّمّ، وَهَذَا مِنْ دَقِيقِ عِلْمِ التّصْرِيفِ. وَأَمّا مِلْكَانُ بْنُ كِنَانَةَ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ. قَالَ أَبُو جعفر بن حبيب النّسّابة: كل شئ فِي الْعَرَبِ فَهُوَ مِلْكَانُ بِكَسْرِ الْمِيمِ سَاكِنِ اللّامِ، غَيْرُ مَلَكَانَ فِي قُضَاعَةَ، وَمَلَكَانُ فِي السّكُونِ، فَإِنّهُمَا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللّامِ فَمَلَكَانُ قُضَاعَةَ هُوَ: ابْنُ جَرْمِ بْنِ رَبّانَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ، وَمَلَكَانُ السّكُونِ هُوَ: ابْنُ عَبّادِ بْنِ عِيَاضِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ السّكُونِ بْنِ أَشْرَسَ مِنْ كِنْدَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْهَمْدَانِيّ فِي مَلَكَانَ بْنِ جَرْمٍ، وَقَالَ: مِثْلُ غَطَفَانَ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَشَايِخُ خُزَاعَةَ يَقُولُونَ: مَلَكَانُ بِفَتْحِ اللّامِ: قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ: مَلَكَانُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَذَكَرَ أَبُو عَلِيّ الْقَالِي فِي أَمَالِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَنْبَارِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَشْيَاخِهِ: أَنّ كُلّ مَلَكَانَ فِي الْعَرَبِ فَهُوَ مِلْكَانُ بِكَسْرِ الْمِيمِ إلّا مَلَكَانَ فِي جَرْمِ بْنِ زَبّانَ «1» . قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَابْنُ حَبِيبٍ النسّابة مصروف اسم أبيه، ورأيت لابن

_ (1) فى اللسان عن ابن الأنبارى عن شيوخه: «كل ما فى العرب ملكان «بكسر الميم وسكون اللام» إلا ملكان «بفتح فسكون» بن حزم بن زبّان، فإنه بفتحها» ، وكذلك فى أمالى القالى ص 90 ج 4 «حزم بن زبان، وفى ص 209 ج 3 جرم بن ربّان، وفى القاموس: «وملكان بالكسر أو بالتحريك جبل بالطائف، وملكان محركة ابن جرم، وابن عباد فى قضاعة، ومن سواهما فى العرب فبالكسر» وجرم بن ربان بفتح الجيم وسكون الراء وربان بفتح الراء وتضعيف الباء فى جمهرة بن حزم ص 441 وكذلك هو فى الاشتقاق فى كل موضع ورد فيه، وكذلك فى الأغانى فى ترجمة ابن الجهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَغْرِبِيّ قَالَ: إنّمَا هُوَ ابْنُ حَبِيبَ بِفَتْحِ الْبَاءِ غَيْرُ مُجْرًى، لِأَنّهَا أُمّهُ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَقَالُوا: هُوَ حَبِيبُ بْنُ الْمُحَبّرِ معروف غير منكر، وإنما ذكرناه ها هنا لَمّا حَكَيْنَا قَوْلَهُ فِي مِلْكَانَ. فَصْلٌ: وَذَكَرَ إسَافًا وَنَائِلَةَ، وَأَنّهُمَا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنْ جُرْهُمَ، وَأَنّ إسَافًا وَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْكَعْبَةِ فَمُسِخَا «1» ، وَأَخْرَجَهُ رَزِينٌ فِي فَضَائِلِ مَكّةَ عَنْ بَعْضِ السّلَفِ: مَا أَمْهَلُهُمَا اللهُ إلَى أَنْ يَفْجُرَا فِيهَا، وَلَكِنّهُ قَبّلَهَا، فَمُسِخَا حَجَرَيْنِ، فَأُخْرِجَا إلَى الصّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَنُصِبَا عَلَيْهِمَا، لِيَكُونَا عِبْرَةً وَمَوْعِظَةً، فلما كان عمر بْنَ لُحَيّ نَقَلَهُمَا إلَى الْكَعْبَةِ، وَنَصَبَهُمَا عَلَى زَمْزَمَ، فَطَافَ النّاسُ بِالْكَعْبَةِ وَبِهِمَا، حَتّى عُبِدَا مِنْ دُونِ اللهِ. وَأَمّا هُبَلُ فَإِنّ عَمْرَو بْنَ لُحَيّ جَاءَ بِهِ مِنْ هِيتَ «2» ، وَهِيَ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ حَتّى وَضَعَهُ فِي الْكَعْبَةِ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ أَنّ نَائِلَةَ حِينَ كَسَرَهَا النّبِيّ- صلى الله

_ (1) ذكر المسعودى رأيا يطمئن إليه القلب الذى لم يجد نصا صريحا منقولا عن معصوم. والرأى هو أن إسافا ونائلة حجران نحتا ومثلا بالفاجرين إساف ونائلة ص 50 ج 2 مروج الذهب. هذا وقد ورد فى حديث رواه الخمسة أن الأنصار كانوا يهلون لأساف ونائلة، وأنهما كانا على شاطئ البحر، فلما جاء الإسلام كره الأنصار الطواف بين الصفا والمروة، فنزل قوله تعالى: «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ» لكن ورد فى حديث بلفظ البخارى أنهم كانوا يهلون لمناة الطاغية التى كانوا يعبدونها عند المشلل (2) سميت باسم بانيها هيت بن البندى، وهى بلدة على الفرات فوق الأنبار على جهة البرية غربى الفرات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ خَرَجَتْ مِنْهَا سَوْدَاءَ شَمْطَاءَ تَخْمُشُ «1» وَجْهَهَا، وَتُنَادِي بِالْوَيْلِ وَالثّبُورِ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ: أَحْدَثَا فِي الْكَعْبَةِ، أَرَادَتْ الْحَدَثَ الّذِي هُوَ الْفُجُورُ كَمَا قَالَ- عَلَيْهِ السّلَامُ-: مَنْ أَحْدَثَ [فِيهَا] حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ «2» [وَالْمَلَائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ] . وَقَالَ عُمَرُ حِينَ كَانَتْ الزّلْزَلَةُ بِالْمَدِينَةِ: أَحْدَثْتُمْ. وَاَللهِ لَئِنْ عَادَتْ لَأَخْرُجَن مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ. وَقَوْلُ أَبِي طَالِبٍ: مِنْ إسَافٍ وَنَائِلِ، هو تَرْخِيمٌ فِي غَيْرِ النّدَاءِ لِلضّرُورَةِ، كَمَا قَالَ: أَمَالُ بْنُ حَنْظَلٍ «3» . وَذَكَرَ قَوْلَ الشّاعِرِ: رَأَى قَدَعًا فِي عَيْنِهَا. وَالْقَدَعُ: ... ضَعْفُ الْبَصَرِ مِنْ إدمان النظر

_ (1) هى من باب ضرب ونصر. (2) متفق عليه، والحديث عن المدينة، والزيادة من كتب الحديث. (3) هو جزء من شواهد بيت من سيبويه فى كتابه تحت باب «هذا باب يكون فيه الاسم بعد ما يحذف منه الهاء بمنزلة اسم يتصرف فى الكلام لم تكن فيه هاء قط» . ثم قال: وقال الأسود بن يعفر تصديقا لهذه اللغة. ألا هل لهذا الدهر من متعلل ... عن الناس مهما شاء بالناس يفعل ثم قال: وهذا ردائى عنده يستعيره ... ليسلبنى نفسى أمال بن حنظل ذلك، لآن الترخم يجوز فى الشعر فى غير النداء، فلما رخم جعل الاسم بمنزلة اسم ليست فيه هاء «ص 332 ط 1 الكتاب لسيبويه»

"ذو الخلصة وفلس ورضاء وذو الكعبات".

[ «ذو الخلصة وفلس ورضاء وذو الكعبات» .] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ لِدَوْسٍ وَخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ، وَمَنْ كَانَ بِبِلَادِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ بِتَبَالَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ذُو الْخُلُصَةِ. قَالَ: رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ: لَوْ كُنْتَ يَا ذا الخلص الموتوررا ... مِثْلِي وَكَانَ شَيْخُك الْمَقْبُورَا لَمْ تَنْهَ عَنْ قَتْلِ الْعُدَاةِ زُورَا قَالَ: وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ، فَأَرَادَ الطّلَبَ بِثَأْرِهِ، فَأَتَى ذَا الْخَلَصَةِ، فَاسْتَقْسَمَ عِنْدَهُ بِالْأَزْلَامِ، فَخَرَجَ السّهْمُ بِنَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ. وَمِنْ النّاسِ مَنْ يُنْحِلُهَا امْرَأَ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيّ، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَرِيرَ بن عبد الله البجلىّ، فهدمه. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ فِي الْغَبْغَبِ: وَهُوَ الْمَنْحَرُ «1» وَمَرَاقّ الدّمِ، كأنه سمّى بحكاية

_ (1) قيل: كان لمعتب بن قيس بيت كانوا يحجون إليه، يقال له: الغبغب، أو هو الموضع الذى كان ينحر فيه اللّات والعزى بالطائف، وخزانة ما يهدى إليهما به، وهو بيت كان لمناف، وهو صنم كان مستقبل الركن الأسود. وكان له غبغبان، والغبغب: حجر ينصب بين يدى الصنم يذبح بينهما الذبائح «مراصد» وبيتا أبى خراش فى الأصنام لابن الكلبى ص 20 ط 1 وفيه: لحى وقذع، و: فوضّع بدلا من: رأس، وقدع: فوسع. والذى من بنى غنم هو: غنم بن فراس من كنانة، وفى الفائق للزمخشرى أن القدع هوا نسلاق العين من كثرة البكاء. وفى الفائق: فنصّف بدلا من: فوسع. انظر ص 20 ط 1 الأصنام لابن الكلبى.

"رضاء والمستوغر"

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ فِلْسُ لِطَيّئٍ وَمَنْ يَلِيهَا بِجَبَلَيْ طَيّئٍ، يَعْنِي سَلْمَى وَأَجَأَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى الله عليه وسلم- بعث إلَيْهَا عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَهَدَمَهَا، فَوَجَدَ فِيهَا سَيْفَيْنِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: الرّسُوبُ، وَلِلْآخِرِ: الْمِخْذَمُ. فَأَتَى بِهِمَا رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَوَهَبَهُمَا لَهُ، فَهُمَا سَيْفَا عَلِيّ رَضِيَ الله عنه. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَان لِحِمْيَر وَأَهْلِ الْيَمَنِ بَيْتٌ بِصَنْعَاءَ يُقَالُ لَهُ: رِئَامٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَدْ ذَكَرْت حَدِيثَهُ فِيمَا مَضَى. [ «رُضَاءٌ والمستوغر» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ رُضَاءٌ بَيْتًا لِبَنِي رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَلَهَا يَقُولُ المُسْتَوْغِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ حِينَ هَدَمَهَا فى الإسلام. وَلَقَدْ شَدَدْت عَلَى رُضَاءٍ شِدّةً ... فَتَرَكْتهَا قَفْرًا بِقَاعِ أَسْحَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: فَتَرَكْتهَا قَفْرًا بِقَاعِ أَسْحَمَا عن رَجُلٍ مِنْ بَنِي سعد. ويقال: إن المستوغر عمّر ثلثمائة سَنَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ أَطْوَلَ مُضَرَ كُلّهَا عُمْرًا، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ: وَلَقَدْ سَئِمْت مِنْ الْحَيَاةِ وَطُولِهَا ... وَعَمَرْت مِنْ عَدَدِ السّنِينَ مِئِينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ صَوْتِ الدّمِ عِنْدَ انْبِعَاثُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مقلوبا من قولهم: بئر بغبغ وبغيبغ

أمر البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى

مائة حَدَتْهَا بَعْدَهَا مِئَتَانِ لِي ... وَازْدَدْتُ مِنْ عَدَدِ الشّهُورِ سِنِينَا هَلْ مَا بَقِيَ إلّا كَمَا قَدْ فَاتَنَا ... يَوْمٌ يَمُرّ، وَلَيْلَةٌ تَحْدُونَا وَبَعْضُ النّاسِ يَرْوِي هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ الكلبى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ ذُو الْكَعَبَاتِ لِبَكْرِ وَتَغْلِبَ ابْنَيْ وَائِلٍ وَإِيَادٍ بِسَنْدَادٍ، وَلَهُ يَقُولُ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْن ثَعْلَبَةَ: بَيْنَ الْخَوَرْنَقِ وَالسّدِيرِ وَبَارِقٍ ... وَالْبَيْتِ ذِي الْكَعَبَاتِ مِنْ سَنْدَادِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ لِلْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ النّهْشَلِيّ: نَهْشَلُ بْنُ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بْنِ تَمِيمٍ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَأَنْشَدَنِيهِ أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ. أَهْلُ الْخَوَرْنَقِ وَالسّدِيرِ وَبَارِقٍ ... وَالْبَيْتِ ذِي الشّرُفَات مِنْ سِنْدَادِ [أَمْرُ الْبَحِيرَةِ وَالسّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمّا الْبَحِيرَةُ فَهِيَ بِنْتُ السّائِبَةِ، وَالسّائِبَةُ: النّاقَةُ إذَا تَابَعَتْ بَيْنَ عَشْرِ إنَاثٍ لَيْسَ بَيْنَهُنّ ذَكَرٌ، سُيّبَتْ فَلَمْ يُرْكَبْ ظَهْرُهَا، وَلَمْ يُجَزّ وَبَرُهَا، وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إلّا ضَيْفٌ، فَمَا نُتِجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أُنْثَى شُقّتْ أُذُنُهَا، ثُمّ خُلّيَ سَبِيلُهَا مَعَ أُمّهَا، فَلَمْ يُرْكَبْ ظَهْرُهَا، وَلَمْ يُجَزّ وَبَرُهَا، وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إلّا ضَيْفٌ، كَمَا فُعِلَ بِأُمّهَا، فَهِيَ البحيرة بنت السائبة. والوصيلة: ـــــــــــــــــــــــــــــ إذَا كَانَتْ كَثِيرَةَ الْمَاءِ. قَالَ الرّاجِزُ: بُغَيْبِغٌ قَصِيرَةُ الرّشَاءِ. وَمِنْهُ قِيلَ لِعَيْنِ أَبِي نَيْزَرٍ: الْبُغَيْبِغَةُ. وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ: الذّمّ وَتَشْبِيهُ هَذَا الْمَهْجُوّ بِرَأْسِ بَقَرَةٍ قَدْ قَرُبَتْ أَنْ يَذْهَبَ بصرها، فلا تصلح إلا للذبح والقسم.

الشّاةُ إذَا أَتْأَمَتْ عَشْرَ إنَاثٍ مُتَتَابِعَاتٍ فِي خَمْسَةِ أَبْطُنٍ، لَيْسَ بَيْنَهُنّ ذَكَرٌ، جُعِلَتْ وَصِيلَةً. قَالُوا: قَدْ وَصَلَتْ، فَكَانَ مَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِلذّكُورِ مِنْهُمْ دُونَ إنَاثِهِمْ، إلّا أَنْ يموت منها شئ، فَيَشْتَرِكُوا فِي أَكْلِهِ، ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَرْوِي: فَكَانَ مَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِذُكُورِ بَنِيهِمْ دُونَ بَنَاتِهِمْ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَامِي: الْفَحْلُ إذَا نُتِجَ لَهُ عَشْرُ إنَاثٍ مُتَتَابِعَاتٍ لَيْسَ بَيْنَهُنّ ذَكَرٌ، حُمِيَ ظَهْرُهُ فَلَمْ يُرْكَبْ، وَلَمْ يُجَزّ وَبَرُهُ، وَخُلّيَ فِي إبِلِهِ يَضْرِبُ فِيهَا، لَا يُنْتَفَعُ مِنْهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ. قال ابن هشام: وهذا عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِ هَذَا إلّا الْحَامِي، فَإِنّهُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ. فَالْبَحِيرَةُ عِنْدَهُمْ: النّاقَةُ تُشَقّ أُذُنُهَا فَلَا يُرْكَبُ ظَهْرُهَا، وَلَا يُجَزّ وَبَرُهَا، وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَهَا إلا ضيف، أو يتصدّق به، وتهمل لِآلِهَتِهِمْ، وَالسّائِبَةُ: الّتِي يَنْذِرُ الرّجُلُ أَنْ يُسَيّبَهَا إنْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ إنْ أَصَابَ أَمْرًا يَطْلُبُهُ. فَإِذَا كَانَ أَسَابَ نَاقَةً مِنْ إبِلِهِ، أَوْ جَمَلًا لِبَعْضِ آلِهَتهمْ، فَسَابَتْ فَرَعَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا. وَالْوَصِيلَةُ: الّتِي تَلِدُ أُمّهَا اثْنَيْنِ فِي كُلّ بَطْنٍ، فَيَجْعَلُ صَاحِبُهَا لِآلِهَتِهِ الْإِنَاثَ مِنْهَا، وَلِنَفْسِهِ الذّكُورُ مِنْهَا: فَتَلِدُهَا أُمّهَا وَمَعَهَا ذَكَرٌ فِي بَطْنٍ، فَيَقُولُونَ: وَصَلَتْ أَخَاهَا؛ فَيُسَيّبُ أَخُوهَا مَعَهَا، فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بِهِ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ النّحْوِيّ وَغَيْرُهُ. رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بعض. ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا بَعَثَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَسُولَهُ مُحَمّدًا- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَنَزَلَ عَلَيْهِ: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ، وَلا سائِبَةٍ، وَلا وَصِيلَةٍ، وَلا حامٍ، وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [المائدة: 103] . وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: (وَقالُوا: مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا، وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ، سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ، إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) [الأنعام: 139] . وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: قُلْ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا، قُلْ: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ. [يونس. 59] وأنزل عليه: [وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] ، ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ. قُلْ: آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ، أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ، أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ، نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ: آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ، أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ، أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأنعام. 142- 144] . قال ابن هشام: قال الشاعر: حَوْلُ الْوَصَائِلِ فِي شُرَيْفٍ حِقّةٌ ... وَالْحَامِيَاتُ ظُهُورَهَا والسّيّب ـــــــــــــــــــــــــــــ

وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ أُبَيّ بْنِ مُقْبِلٍ أَحَدِ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ: فِيهِ مِنْ الْأَخْرَجِ الْمِرْبَاعِ قَرْقَرَةٌ ... هَدْرَ الدّيَافِيّ وسط الهجمة البخر وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَجَمْعُ بَحِيرَةٍ: بَحَائِرُ وَبُحُرٌ. وَجَمْعُ وَصِيلَةٍ: وَصَائِلُ وَوُصَلٌ. وَجَمْعُ سَائِبَةٍ الْأَكْثَرُ: سَوَائِبُ وَسُيّبُ، وَجَمْعُ حَامٍ الْأَكْثَرُ: حوام. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر قلسا «1» فِي بِلَادِ طَيّئٍ بَيْنَ أَجَأٍ وَسَلْمَى. وَيُذْكَرُ عن ابن الكلبى

_ (1) هى فى الأصول: فلس بالفاء مع كسرها. وفى المراصد بضم الفاء واللام وبعضهم ضبطها بفتح الفاء وسكون اللام، وبعضهم ضبطها بضم الفاء وسكون اللام، وقصة أجأ وسلمى فى معجم البكرى نقلا عن القالى، وفيه أن أجأ هرب بصديقته سلمى ومعهما امرأه أخرى كانت هى الوسيلة بينهما اسمها: العوجاء. فلحق بهم زوج سلمى، وصلب كلا منهم على جبل، فسمى به ص 110، وفى الأصل: العرجاء، وهو خطأ صوبته من معجم البكرى والمراصد، أما العرجاء، فهى «ذو العرجاء أكمة كأنها مائلة بأرض مزينة» وعن اشتقاق طئ الذى تكلم عنه السهيلى نذكر ما ورد فى شرح أدب الكاتب لأبى منصور موهوب بن أحمد الجواليقى «وهو يشرح قول ابن قتيبة: «وروى نقلة الأخبار أن طيئا أول من طوى المناهل، فسمى بذلك، واسمه: جلهمة» وقد ورد قول ابن قتيبة فى ص 82 من كتابه أدب الكاتب ط مصطفى محمد. قال الجواليقى: «هذا قول ابن الكلبى؛ ونسبوا إلى طئ بيتا قد روى لغيره، وهو: فإن الماء ماء أبى وجدى ... وبئرى ذو حفرت وذو طويت وطويت لا همز فيه، وقد يجوز أن يقال: لما اجتمعت الياءات فروا إلى الهمز، وذلك أنهم إذا بنوا فيعلا من طوى اجتمعت ثلاث ياءات، إحداها: الواو المنقلبة عن الياء، فليس همزهم فى هذا الموضع أبعد من سيد إذا قالوا: سيايد» ثم نقل أن بعض أهل اللغة قال: إنها مأخوذه من طاء فى الأرض إذا ذهب أو من طاءه وهو الماء-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَوْ غَيْرِهِ أَنّ أَجَأً اسْمُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ: أَجَأُ بْنُ عَبْدِ الْحَيّ، وَكَانَ فَجَرَ بِسَلْمَى بِنْتِ حَامٍ، أَوْ اُتّهِمَ بِذَلِكَ، فَصُلِبَا فِي ذَيْنِك الْجَبَلَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ: الْعَوْجَاءُ، وَكَانَتْ الْعَوْجَاءُ حَاضِنَةَ سَلْمَى- فِيمَا ذُكِرَ- وكانت السفير بينها وبين أجأ، فصلببت فِي الْجَبَلِ الثّالِثِ، فَسُمّيَ بِهَا. وَذَكَرَ ذَا الْخَلَصَةِ، وَهُوَ بَيْتُ دَوْسٍ. وَالْخَلَصُ فِي اللّغَةِ: نَبَاتٌ طَيّبُ الرّيحِ يَتَعَلّقُ بِالشّجَرِ، لَهُ حَبّ كَعِنَبِ الثّعْلَبِ. وَجَمْعُ الْخَلَصَةِ «1» : خَلَصٌ. وَأَنّ الّذِي اسْتَقْسَمَ بِالْأَزْلَامِ هُوَ: امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حُجْرٍ. ووقع فى كتاب أبى الفرج أن امرئ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ حِينَ وَتَرَتْهُ بَنُو أَسَدٍ بِقَتْلِ أَبِيهِ اسْتَقْسَمَ عِنْدَ ذِي الْخَلَصَةِ بِثَلَاثَةِ أَزْلَامٍ «2» ، وَهِيَ: الزّاجِرُ وَالْآمِرُ وَالْمُتَرَبّصُ، فَخَرَجَ لَهُ الزّاجِرُ، فَسَبّ الصّنَمَ، وَرَمَاهُ بِالْحِجَارَةِ، وَقَالَ لَهُ: اعضض ببظر أمّك،

_ - والطين المختلط، لأن أرض طئ أرض مياه وطيئة، ويرى المبرد أنها من طاء يطاء إذا ذهب فى الأرض، فهو فيعل من هذا، لأنهم استقلوا عن منازلهم التى كانوا بها وأرضهم إلى أرضين أخر» ص 173. (1) هى بفتح الخاء واللام وبضمهما. (2) الاستقسام: طلب ما هو مقسوم للانسان. والأزلام: جمع زلم بضم وفتح، أو زلم بفتحهما معا، وهو القدح بكسر القاف، أو السهم من سهام الاستقسام وسميت أزلاما لأنها سويت، فهى عيدان تسوى، وفى عددها خلاف كبير، وكذلك فيما كانوا يكتبونة عليها. والذى يهمنا أن نعرفه هو أنهم كانوا يحاولون بها التوصل إلى معرفه الغيوب فى زعمهم. وفى الأصل: المريض بدلا من المتربص وهو خطأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ الرّجَزَ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ: لَوْ كُنْت يَا ذَا الْخَلَصِ الْمَوْتُورَا. إلَى آخِرِهِ، وَلَمْ يَسْتَقْسِمْ أَحَدٌ عِنْدَ ذِي الْخَلَصَةِ بَعْدُ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَمَوْضِعُهُ الْيَوْمَ مَسْجِدٌ جَامِعٌ لِبَلْدَةِ يُقَالُ لَهَا: الْعَبَلَاتِ «1» مِنْ أَرْضِ خَثْعَمَ. ذَكَرَهُ الْمُبَرّدُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَاسْمُ امْرِئِ الْقَيْسِ: حُنْدُجٌ، وَالْحُنْدُجُ: بَقْلَةٌ تَنْبُتُ فِي الرّمْلِ. وَالْقَيْسُ: الشّدّةُ وَالنّجْدَةُ. قَالَ الشّاعِرُ: وَأَنْتَ عَلَى الْأَعْدَاءِ قَيْسٌ وَنَجْدَةٌ ... وَأَنْتَ عَلَى الْأَدْنَى هِشَامٌ وَنَوْفَلُ «2» وَالنّسَبُ إلَيْهِ: مَرْقَسِيّ، وَإِلَى كُلّ امْرِئِ القيس سواه: امرئىّ «3»

_ (1) فى الأصنام لابن الكلبى «وذو الخلصة اليوم عتبة باب مسجد تبالة بفتح التاء والباء. وكان ذو الخلصة مروة بيضاء منقوش عليها كهيئة التاج وتبالة بين مكة واليمن على مسيرة سبع ليال من مكة. هذا ويستحيى من ذكر معنى: اعضض الخ! (2) حندج أيضا: الكثيب من الرمل الصغير، فإن كانت النون زائده فهو من الحدج «بفتح الحاء وسكون الدال» من حدجته بعينى إذا لحظته، وحدجت البعير أحدجه بكسر الدال- إذا طرحت عليه الحدج- بكسر الحاء وسكون الدال وهو مركب من مراكب النساء «انظر الاشتقاق» وهشام: الجود، والنوفل: البحر والعطية. وفى سمط اللآلى وردت الشطرة الثانية بروايتين. الأولى: وللطارق العافى ربيع وجدول. أو: وللطارق العافى هشام ونوفل، وقال البكرى بعدهما: قيس ونجدة على هذه الرواية: رجلان مذمومان، وهشام ونوفل: رجلان محمودان. ص 38 ج 1. (3) النسب إلى المركب- كما قال أبو حيان فى الارتشاف- يكون إلى صدره، ولكن أجاز الجرمى النسب إلى الجزء الثانى مقتصرا عليه، فنقول: بكى «بفتح الباء وتضعيف الكاف مع كسرها» فى بعلبك، أما على رأى أبى حيان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ قِيلَ: إنّ حُنْدُجًا اسْمُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَابِسٍ، وَلَهُ صُحْبَةٌ، وَهُوَ كِنْدِيّ مِثْلُ الْأَوّلِ، فَوَقَعَ الْغَلَطُ مِنْ هَهُنَا. وَقَوْلُهُ: لَمْ تَنْهَ عَنْ قَتْلِ الْعُدَاةِ زُورَا. نصب: زورا عَلَى الْحَالِ مِنْ الْمَصْدَرِ الّذِي هُوَ النّهْيُ. أَرَادَ: نَهْيًا زُورَا. وَانْتِصَابُ الْمَصْدَرِ عَلَى هَذِهِ الصّورَةِ إنّمَا هُوَ حَالٌ، أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، فَإِذَا حَذَفْت الْمَصْدَرَ، وَأَقَمْت الصّفَةَ مَقَامَهُ، لَمْ تَكُنْ إلّا حَالًا، وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّك تَقُولُ: سَارُوا شَدِيدًا، وَسَارُوا رُوَيْدًا، فَإِنْ رَدَدْته إلَى مَا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ لَمْ يَجُزْ رَفْعُهُ؛ لِأَنّهُ حَالٌ، وَلَوْ لَفَظْت بِالْمَصْدَرِ، فَقُلْت: سَارُوا سَيْرًا رُوَيْدًا لَجَازَ أَنْ تَقُولَ فِيمَا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ: سِيرَ عَلَيْهِ سَيْرٌ رُوَيْدٌ هَذَا كُلّهُ مَعْنَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، فَدَلّ عَلَى أَنّ حُكْمَهُ إذَا لُفِظَ بِهِ غَيْرُ حُكْمِهِ إذَا حُذِفَ، وَالسّرّ فِي ذَلِكَ أَنّ الصّفَةَ لَا تَقُومُ مَقَامَ الْمَفْعُولِ إذَا حُذِفَ. لَا تَقُولُ: كَلّمْت شَدِيدًا، وَلَا ضَرَبْت طَوِيلًا، يَقْبُحُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الصّفَةُ عَامّةً، وَالْحَالُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنّهَا تَجْرِي مَجْرَى الظّرْفِ، وَإِنْ كَانَتْ صِفّةً فَمَوْصُوفُهَا مَعَهَا، وَهُوَ الِاسْمُ الّذِي هِيَ حَالٌ لَهُ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً [الْمُؤْمِنُونَ: 115] . وَذَكَرَ بَعْثَ جَرِيرٍ الْبَجَلِيّ إلَى هَدْمِ ذِي الْخَلَصَةِ، وَذَلِكَ قَبْلَ وَفَاةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَهْرَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا، قَالَ جَرِيرٌ: بَعَثَنِي رَسُولُ الله

_ - فتقول: بعلى. أما غير الجرمى، فلا يجيز هذا إلا منسوبا إليهما قياسا على رامية هرمزية» نسبة إلى رامهرمز مدينة مشهورة بنواحى خوزستان. أو يقتصر على الأول، وقد جعل العرب النسب هكذا إلى امرئ القيس تمييزا له عن غيره ممن سموا بامرئ القيس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ راكبا من أحمس إلى ذى الْخَلَصَةِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ إنّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَدَعَا لِي، وَقَالَ: «اللهُمّ ثَبّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيّا» وَفِي كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيّةُ وَالشّآمِيّةُ «1» » ، وَهَذَا مُشْكِلٌ، وَمَعْنَاهُ: كَانَ يُقَالُ: الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيّةُ وَالشّآمِيّةُ يَعْنُونَ بِالشّآمِيّةِ: الْبَيْتَ الْحَرَامَ، فَزِيَادَةٌ لَهُ سَهْوٌ، وَبِإِسْقَاطِهِ يَصِحّ الْمَعْنَى. قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَدّثِينَ «2» وَالْحَدِيثُ فِي جَامِعِ الْبُخَارِيّ بِزِيَادَةِ: لَهُ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِسَهْوِ، وَإِنّمَا مَعْنَاهُ كَانَ يُقَالُ لَهُ: أَيْ يُقَالُ مِنْ أَجْلِهِ الْكَعْبَةُ الشّآمِيّةُ لِلْكَعْبَةِ، وَهُوَ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيّةُ، وَلَهُ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِهِ لَا تُنْكَرُ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: وقمير من آخر الليل قدلا ... حَ، لَهُ قَالَتْ الْفَتَاتَانِ قُومَا وَذُو الْخُلُصَةِ بِضَمّ الْخَاءِ وَاللّامِ فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، وبفتحهما فى قول ابن هشام، وهو صَنَمٌ سَيُعْبَدُ فِي آخِرِ الزّمَانِ، ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنّهُ: «لَا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى تَصْطَفِقُ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ وَخَثْعَمَ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ» «3» .

_ (1) هى فى البخارى: أو الشآمية. وفى مسلم رواية أخرى: «كان يدعى كعبة اليمانية» فقط، والحديث رواه الشيخان والترمذى. (2) وقال الكرمانى: الضمير فى له: راجع إلى البيت، والمراد: بيت الصنم يعنى: كان يقال لبيت الصنم الكعبة اليمانية والكعبة الشامية، فلا غلط، ولا حاجة إلى التأويل بالعدول عن الظاهر. (3) يشير إلى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذى الخلصة» وذو الخلصة طاغية دوس التى كانوا يعبدون فى الجاهلية: أى حتى يرتدوا عن دينهم، ويطوفوا حول الصنم وتضطرب أعجاز نسائهم فى الطواف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَصْلٌ. وَذَكَرَ المُسْتَوْغِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَاسْمُهُ: كَعْبٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: سُمّيَ مُسْتَوْغِرًا بِقَوْلِهِ: يَنِشّ الْمَاءُ فِي الرّبَلَاتِ مِنْهُ ... نَشِيشَ الرّضْفِ فِي اللّبَنِ الْوَغِيرِ «1» وَالْوَغِيرُ: فَعِيلٌ مِنْ وَغْرَةِ الْحَرّ وَهِيَ شِدّتُهُ، وَذَكَرَ الْقُتَبِيّ أَنّ الْمُسْتَوْغِرَ حَضَرَ سُوقَ عُكَاظٍ، وَمَعَهُ ابْنُ ابْنِهِ، وَقَدْ هَرِمَ، وَالْجَدّ يَقُودُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: اُرْفُقْ بِهَذَا الشيخ، فقد طال مارفق بِك، فَقَالَ: وَمَنْ تَرَاهُ؟ فَقَالَ: هُوَ أَبُوك أَوْ جَدّك، فَقَالَ: مَا هُوَ إلّا ابْنَ ابْنَيْ، فَقَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ! وَلَا المُسْتَوْغِرُ ابن رَبِيعَةَ! فَقَالَ: أَنَا المُسْتَوْغِرُ. وَالْأَبْيَاتُ الّتِي أَنْشَدَهَا لَهُ: وَلَقَدْ سَئِمْت مِنْ الْحَيَاةِ وَطُولِهَا ... وَعَمَرْت مِنْ عَدَدِ السّنِينَ مِئِينَا إلَى آخِرِهِ. ذَكَرَ أَنّهَا تُرْوَى لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيّ، وَهُوَ زُهَيْرُ بْنُ جَنَابِ بْنِ هُبَلَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ اللّاتِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ. وَزُهَيْرٌ هذا من المعمّرين «2» ، وهو الذى يقول:

_ (1) البيت فى الأصنام لابن الكلبى ص 30 وفى القاموس واللسان وأمالى المرتضى وفيها جميعا: منها بدل: منه، والربلات واحدها: ربلة بفتح الراء وسكون الباء، أو فتحهما: كل لحمة غليظة، والنشيش: صوت الماء وغيره إذا غلى، والرضف: الحجارة المحماة، والوغير: لبن يلقى فيه حجارة محماة، ثم يشرب، أخذ من وغرة الظهيرة، ومنه الوغرة أشد ما يكون من الحر. ومنه: وغر صدر فلان إذا التهب من غيظ أو حقد. (2) قيل إنه عاش عشرين ومائتى سنة. وفى هذا يقول: لقد عمرت حتى ما أبالى ... أحتفى فى صباح أم مساء-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبُنَيّ إنْ أَهْلِكْ فَإِنّي ... قَدْ بَنَيْت لَكُمْ بَنِيّهْ وَتَرَكْتُكُمْ أَوْلَادَ سَادَا ... تِ زِنَادُهُمْ وَرِيّهْ مِنْ كُلّ مَا نَالَ الْفَتَى ... قَدْ نِلْته إلّا التّحِيّهْ «1» يُرِيدُ بِالتّحِيّةِ: الْبَقَاءَ، وَقِيلَ: الْمُلْكُ، وأعقب هو وإخوته قبائل فى كلب

_ - وحق لمن أتت مائتان عاما ... عليه أن يمل من الثّواء ومن قوله: ليت شعرى والدهر ذو حدثان ... أى حين منيتى تلقانى أسبات على الفراش خفات ... أم يكفّى مفجّجع حرّان وكان زهير على عهد كليب، ولم يكن فى العرب أنطق منه ولا أوجه منه عند الملوك. وفى اللسان أنه سيد كلب فى زمانه. (1) رواها المرتضى فى أماليه هكذا: وتركتكم أرباب سادات ... زنادكم وريّه ثم: فلقد رحلت البازل ... الكوماء ليس لها وليّه وخطبت خطبة حازم ... غير الضعيف ولا العييّة فالموت خير للفتى ... فليهلكن وبه بقية من أن يرى الشيخ البجا ... ل إذا يهادى فى العشيه ومنها فى اللسان ثلاثة أبيات أخرى فى مادة: بجل: الزناد: جمع زند وزندة وهما عودان يقدح بهما النار، ففى أحدهما فروض «جمع فرضة: حز فى الزند» وهى الأنثى، والذى يقدح بطرفه هو الذكر، ويسمى: الزند الأب، والأخرى: الأم. وكنى بزنادكم ورية عن بلوغهم مأربهم، والبازل: الناقة بلغت تسع سنين، ولفظ البازل فى الناقة والجمل سواء، والكوماء. العظيمة السنام. والولية: البرذعة تطرح على ظهر البعير تلى جلده. والبجال: الذى يبجله قومه. ويهادى بالعشية: أى بماشيه الرجال، فيسندونه لضعفه. انظر أمالى المرتضى ج 1 ص 170 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُمْ: زُهَيْرٌ وَعَدِيّ وَحَارِثَةُ وَمَالِكٌ، وَيُعْرَفُ مَالِكٌ هَذَا بِالْأَصَمّ لِقَوْلِهِ: أَصَمّ عَنْ الْخَنَا إنْ قِيلَ يَوْمًا ... وَفِي غَيْرِ الْخَنَا أُلْفَى سَمِيعَا «1» وَأَخُوهُ: حَارِثَةُ بْنُ جَنَابٍ، وَعُلَيْمُ بْنُ جَنَابٍ، وَمِنْ بَنِي عُلَيْمٍ: بَنُو زَيْدَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ. عُرِفُوا بِأُمّهِمْ: زَيْدُ بِنْتُ مَالِكٍ، وَهُمْ: بَنُو كَعْبِ بْنِ عُلَيْمٍ مِنْهُمْ: الرّبَابُ بِنْتُ امْرِئِ الْقَيْسِ «2» امْرَأَةُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ، وَفِيهَا يَقُولُ: أُحِبّ لِحُبّهَا زَيْدًا جَمِيعًا ... وَنَثْلَةٌ كُلّهَا، وَبَنِيّ الرّبَابِ وَأُخْرَى لِأَنّهَا مِنْ آلِ لَأْمٍ ... أُحِبّهُمْ وَطُرّ بَنِي جَنَابِ فَمِنْ الْمُعَمّرِينَ مِنْ الْعَرَبِ سِوَى الْمُسْتَوْغِرِ مِمّا زَادُوا عَلَى الْمِائَتَيْنِ والثلاثمائة: زُهَيْرٌ هَذَا، وَعُبَيْدُ بْنُ شَرْيَةَ، وَدَغْفَلُ بْنُ حَنْظَلَةَ النّسّابَةُ، وَالرّبِيعُ بْنُ ضَبُعٍ الْفَزَارِيّ، وَذُو الْإِصْبَعِ [حُرْثَانُ بْنُ مُحَرّثٍ] الْعَدْوَانِيّ، وَنَصْرُ بْنُ دُهْمَانَ بْنُ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، وكان قد اسودّ رأسه بعدا بيضاضه، وَتَقَوّمَ ظَهْرُهُ بَعْدَ انْحِنَائِهِ، وَفِيهِ يَقُولُ الْقَائِلُ:

_ (1) الخنا: الفاحشة (2) هى أم ولديه: عبد الله الذى قتل صغيرا مع أبيه، وسكينة. والرباب: أمهما: هى بنت امرئ القيس بن عدى بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب ص 59 نسب قريش. وفيه البيت الآنى منسوبا إلى الحسين: لعمرك إننى لأحب دارا ... تضيفها سكينة والرّباب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِنَصْرِ بْنِ دُهْمَانَ الْهُنَيْدَةُ عَاشَهَا ... وَتِسْعِينَ حَوْلًا ثُمّ قُوّمَ فَانْصَاتَا «1» وَعَادَ سَوَادُ الرّأْسِ بَعْدَ ابيضاضه ... ولكنه من بعد ذلك قدماتا وَأَمَرَهُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ، وَمِنْ أَطْوَلِ الْمُعَمّرِينَ عُمْرًا: ذُوَيْدٌ، وَاسْمُهُ: زَيْدُ بْنُ نَهْدٍ مِنْ قُضَاعَةَ، وَأَبُوهُ: نَهْدٌ إلَيْهِ يُنْسَبُ الْحَيّ الْمَعْرُوفُونَ مِنْ قُضَاعَةَ: بَنُو نَهْدِ بْنِ زيد «2» عاش دويد أَرْبَعَمِائَةِ عَامٍ- فِيمَا ذَكَرُوا- وَكَانَ لَهُ آثَارٌ فِي الْعَرَبِ، وَوَقَائِعُ وَغَارَاتٌ، فَلَمّا جَاءَ الْمَوْتُ قال: اليوم يبنى لدويد بيته ... ومغسم، يَوْمَ الْوَغَى حَوَيْته وَمِعْصَمٌ مُوَشّمٌ لَوَيْته ... لَوْ كَانَ لِلدّهْرِ بِلًى أَبْلَيْته أَوْ كَانَ قِرْنِي وَاحِدًا كَفَيْته وَقَوْلُ الْمُسْتَوْغِرِ: وَلَقَدْ شَدَدْت عَلَى رُضَاءٍ شِدّةً ... فَتَرَكْتهَا قَفْرًا بِقَاعِ أَسْحَمَا يُرِيدُ: تَرَكْتهَا سَحْمَاءَ مِنْ آثَارِ النّارِ، وَبَعْدَهُ: وَأَعَانَ عَبْدُ اللهِ فِي مَكْرُوهِهَا ... وَبِمِثْلِ عَبْدِ اللهِ أغشى المحرما «3»

_ (1) البيت فى اللسان لسلمة بن الخرشب الأنمارى. وشطرته الأولى: ونصر بن دهمان الهنيدة عاشها: والهنيدة: اسم لكل مائه من الإبل. وقيل: هى المائتان. وانصات المنحنى: استوت قامته. (2) نهد بْنُ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أسلم بن الحاف بن قضاعة. (3) يسمّيها ابن الكلبى: رضى بضم الراء، ويذكر عنه ما رواه ابن هشام وقد جاءت الشطرة الثانية من بيته الأول فى الأصنام «فتركتها تلّا تنازع أسحما» ولا حاجة بهذا إلى تأويل السهيلى ووردت الشطرة الأولى من البيت الثانى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَكَرَ ذَا الْكَعَبَاتِ بَيْتَ وَائِلٍ، وَأَنْشَدَ لِلْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ: أَرْضُ الْخَوَرْنَقِ وَالسّدِيرِ وَدَارِمَ ... وَالْبَيْتُ ذِي الشّرُفَات مِنْ سِنْدَادِ «1» وَالْخَوَرْنَقُ: قَصْرٌ بَنَاهُ النّعْمَانُ الْأَكْبَرُ مَلِكُ الْحِيرَةِ لِسَابُورَ، لِيَكُونَ وَلَدُهُ فِيهِ عِنْدَهُ، وَبَنَاهُ بُنْيَانًا عَجَمِيّا لَمْ تَرَ الْعَرَبُ مِثْلَهُ، وَاسْمُ الّذِي بَنَاهُ لَهُ: سِنِمّارُ، وَهُوَ الّذِي رُدّيَ مِنْ أَعْلَاهُ، حَتّى قَالَتْ الْعَرَبُ: جَزَانِي جَزَاءَ سِنِمّارِ، وَذَلِكَ أَنّهُ لَمَا تَمّ الْخَوَرْنَقُ: وَعَجِبَ النّاسُ مِنْ حُسْنِهِ، قَالَ سِنِمّارُ: أَمَا وَاَللهِ لَوْ شِئْت حِينَ بَنَيْته جَعَلْته يَدُورُ مَعَ الشّمْسِ، حَيْثُ دَارَتْ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَإِنّك لَتُحْسِنُ أَنْ تَبْنِيَ أَجْمَلَ مِنْ هَذَا؟ وَغَارَتْ نَفْسُهُ أَنْ يُبْتَنَى لِغَيْرِهِ مِثْلُهُ، وَأَمَرَ بِهِ فَطُرِحَ مِنْ أَعْلَاهُ، وَكَانَ بَنَاهُ فِي عِشْرِينَ سَنَةً، قَالَ الشّاعِرُ [عَبْدُ الْعُزّى بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ الْكَلْبِيّ] . جَزَانِي جَزَاهُ اللهُ شَرّ جَزَائِهِ ... جَزَاءَ سِنِمّارِ، وَمَا كَانَ ذاذنب سِوَى رَصّهِ الْبُنْيَانَ عِشْرِينَ حِجّةً ... يُعَلّى عَلَيْهِ بِالْقَرَامِدِ وَالسّكْبِ فَلَمّا انْتَهَى الْبُنْيَانُ يَوْمًا تَمَامَهُ ... وَآضَ كَمِثْلِ الطّوْدِ وَالْبَاذِخِ الصّعْبِ [وَظَنّ سِنِمّارُ بِهِ كُلّ حَبْوَةٍ ... وَفَازَ لَدَيْهِ بِالْمَوَدّةِ وَالْقُرْبِ] رَمَى بِسِنِمّارِ عَلَى حَاقِ رَأْسِهِ ... وَذَاكَ لَعَمْرُ والله من أقبح الخطب «2»

_ - ودعوت عبد الله الخ» والشطرة الأخرى «ولمثل عبد الله يغشى المحرما» وهناك صنم أسود يسمّى: أسحم. ويعفر بفتح الياء أو ضمها مع ضم الفاء «24 نوادر أبه زيد» . (1) البيت مخالف بعض المخالفة لما فى السيرة. (2) القصيدة لعبد العزى بن امرئ القيس الكلبى، ومنها فى الطبرى عشرة أبيات، ليس منها البيت الأخير. القراميد: مفرده: قرمد، وهو الآجر. والسكب: النحاس أو الرصاص، وآض الشئ: تحول. واقرأ قصته فى ص 65 ج 2 الطبرى طبع المعارف وص 12 ح 1 الحيوان للجاحظ والزيادة منه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَكَرَ هَذَا الشّعْرَ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ، وَالسّنِمّارُ مِنْ أَسْمَاءِ الْقَمَرِ، وَأَوّلُ شِعْرِ الْأَسْوَدِ: ذَهَبَ الرّقَادُ فَمَا أُحِسّ رُقَادِي. وَفِيهَا يَقُولُ: وَلَقَدْ عَمِرْتُ، وَإِنْ تَطَاوَلَ فِي الْمَدَى ... إنّ السّبِيلَ سَبِيلُ ذِي الْأَعْوَادِ قِيلَ: يُرِيدُ بِالْأَعْوَادِ النّعْشَ، وَقِيلَ: أَرَادَ عَامِرَ بْنَ الظّرِبِ الّذِي قُرِعَتْ لَهُ الْعَصَا بِالْعُودِ مِنْ الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ، وَفِيهَا يَقُولُ: مَاذَا أُؤَمّلُ بَعْدَ آلِ مُحَرّقٍ ... تَرَكُوا مَنَازِلَهُمْ وَبَعْدَ إيَادِ نَزَلُوا بِأَنْقِرَةِ يَسِيلُ عليهم ... ماء الفرات يجئ مِنْ أَطْوَادِ أَرْضُ الْخَوَرْنَقِ وَالسّدِيرِ وَبَارِقٍ ... وَالْبَيْتِ ذِي الْكَعَبَاتِ مِنْ سِنْدَادِ جَرَتْ الرّيَاحُ عَلَى مَحَلّ دِيَارِهِمْ ... فَكَأَنّمَا كَانُوا عَلَى مِيعَادٍ وَأَرَى النّعِيمَ، وَكُلّ مَا يُلْهَى بِهِ ... يَوْمًا يَصِيرُ إلَى بِلًى وَنَفَادِ وَمَعْنَى السّدِيرِ بِالْفَارِسِيّةِ: بَيْتُ الْمُلْكِ. يَقُولُونَ لَهُ: «سِهْدِلِيّ» أَيْ: لَهُ ثَلَاثُ شُعَبٍ، وَقَالَ الْبَكْرِيّ: سُمّيَ السّدِيرَ؛ لِأَنّ الْأَعْرَابَ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَيْهِ، فَتَسْدَرُ مِنْ عُلْوِهِ، يُقَالُ: سَدِرَ بَصَرُهُ إذَا تَحَيّرَ. الْبَحِيرَةُ وَالسّائِبَةُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْبَحِيرَةَ وَالسّائِبَةَ، وَفَسّرَ ذَلِكَ، وَفَسّرَهُ ابْنُ هِشَامٍ بِتَفْسِيرِ آخَرَ. وَلِلْمُفَسّرِينَ فِي تَفْسِيرِهِمَا أَقْوَالٌ مِنْهَا: مَا يَقْرُبُ، وَمِنْهَا مَا يَبْعُدُ مِنْ قَوْلِهِمَا، وَحَسْبُك مِنْهَا مَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنّهَا أُمُورٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيّةِ قَدْ أَبْطَلَهَا الْإِسْلَامُ، فَلَا تَمَسّ الْحَاجَةُ إلَى عِلْمِهَا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ مَا أَنَزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ، مِنْهَا قوله تعالى: خالِصَةٌ لِذُكُورِنا، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا [الأنعام: 139] وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ: الزّجْرُ عَنْ التّشَبّهِ بِهِمْ فِي تَخْصِيصِهِمْ الذّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ بِالْهِبَاتِ. رَوَتْ عَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَالِ، فَيَجْعَلُهُ عِنْدَ ذُكُورِ وَلَدِهِ. إنْ هَذَا إلّا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَقالُوا: مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي التّارِيخِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَجّاجٍ. وَأَنْشَدَ فِي الْبَحِيرَةِ: فِيهِ مِنْ الْأَخْرَجِ الْمِرْبَاعِ قَرْقَرَةٌ ... هَدْرَ الدّيَافِيّ وَسَطَ الْهَجْمَةِ الْبُحُرِ «1» هَكَذَا الرّوَايَةُ: الْمِرْبَاعُ بِالْبَاءِ مِنْ الرّبِيعِ، وَالْمِرْبَاعُ هُوَ: الْفَحْلُ الّذِي يُبَكّرُ بِالْإِلْقَاحِ، وَيُقَالُ لِلنّاقَةِ أَيْضًا: مِرْبَاعٌ إذَا بَكّرَتْ بِالنّتَاجِ، وَلِلرّوْضَةِ إذَا بَكّرَتْ بِالنّبَاتِ. يَصِفُ فِي هَذَا الْبَيْتِ حِمَارَ وَحْشٍ يَقُولُ: فِيهِ مِنْ الْأَخْرَجِ، وَهُوَ: الظّلِيمُ الّذِي فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ، أَيْ: فِيهِ مِنْهُ قَرْقَرَةٌ أَيْ صَوْتٌ وَهَدْرٌ مِثْلَ هَدْرِ الدّبافى أَيْ: الْفَحْلُ الْمَنْسُوبُ إلَى دِيَافَ بَلَدٌ بِالشّامِ، وَالْهَجْمَةُ مِنْ الْإِبِلِ: دُونَ الْمِائَةِ، وَجَعَلَهَا بَحْرًا لِأَنّهَا تَأْمَنُ مِنْ الْغَارَاتِ، يَصِفُهَا بِالْمَنَعَةِ وَالْحِمَايَةِ، كما تأمن الْبَحِيرَةِ مِنْ أَنْ تُذْبَحَ أَوْ تُنْحَرَ، وَرَأَيْت فِي شِعْرِ ابْنِ مُقْبِلٍ: مِنْ الْأَخْرَجِ الْمِرْيَاعِ بالياء أخت

_ (1) البيت- كما ورد فى السيرة- لتميم بن مقبل، وصحة نسبه- كما جاء فى جمهرة بن حزم- تميم بن أبىّ- وزن قصى- بن مقبل بن عوف بن حنيف ابن العجلان بن عبد الله بن كعب ص 271.

عدنا إلى سياقة النسب

[عدنا إلى سياقة النسب] [ «نَسَبُ خُزَاعَةَ» :] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخُزَاعَةُ تَقُولُ: نَحْنُ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتَقُولُ خُزَاعَةُ: نَحْنُ بَنُو عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَخِنْدِفُ أُمّهَا، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَيُقَالُ: خُزَاعَةُ: بَنُو حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. وَإِنّمَا سُمّيَتْ خزاعة، لأنهم تخزّعوا من ولد عمرو بن عامر، حِينَ أَقْبَلُوا مِنْ الْيَمَنِ يُرِيدُونَ الشّامَ، فَنَزَلُوا بِمَرّ الظّهْرَانِ، فَأَقَامُوا بِهَا. قَالَ عَوْنُ بْنُ أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ فِي الْإِسْلَامِ: فَلَمّا هَبَطْنَا بَطْنَ مُرّ تَخَزّعَتْ ... خُزَاعَةُ مِنّا فِي خُيُولٍ كَرَاكِرِ حَمَتْ كلّ واد من تهامة واحتمت ... بصمّ الفنا وَالْمُرْهِفَاتِ الْبَوَاتِرِ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ الْوَاوِ، وَفَسّرَهُ فِي الشّرْحِ مِنْ رَاعَ يَرِيعُ إذَا أَسْرَعَ الْإِجَابَةَ، كَمَا قَالَ طَرَفَةُ: «تَرِيعُ إلى صوت المهيب وتتّقى «1» .

_ (1) بقيته: «بذى خصل روعات أكلف ملبد» وخصل بضم الخاء وفتح الصاد. وروعات بفتح الراء وسكون الواو، وملبد بوزن: مقبل. والمهيب: داعى الإبل. أراد: تتقى بذنب ذى خصل. وروعات: فزعات. والأكلف: الفحل الذى يشوب حمرته سواد، والملبد الذى يخطر بذنبه، فيتلبد البول على وركيه، وأصل مهيب من أهاب، وهاب: زجر للابل عند السوق.

"أولاد مدركة وخزيمة وكنانة والنضر"

وَقَالَ أَبُو الْمُطَهّرِ إسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيّ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: فَلَمّا هَبَطْنَا بَطْنَ مَكّةَ أَحْمَدَتْ ... خُزَاعَةُ دَارَ الْآكِلِ الْمُتَحَامِلِ فَحَلّتْ أَكَارِيسَا، وَشَتّتْ قَنَابِلًا ... عَلَى كُلّ حىّ بين نجد وساحل نفواجر هما عَنْ بَطْنِ مَكّةَ، وَاحْتَبَوْا ... بِعِزّ خُزَاعِيّ شَدِيدِ الْكَوَاهِلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَأَنَا إنْ شَاءَ اللهُ أَذْكُرُ نَفْيَهَا جُرْهُمًا فِي مَوْضِعِهِ [ «أَوْلَادُ مُدْرِكَةَ وَخُزَيْمَةَ وكنانة والنضر» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مُدْرِكَةُ بْنُ إلْيَاسَ رَجُلَيْنِ: خُزَيْمَةَ بْنَ مُدْرِكَةَ، وَهُذَيْلَ بْنَ مُدْرِكَةَ، وأمهما: امرأة من قضاعه [قيل: سلمى بنت أسد ابن ربيعة بن نزار- كما فى نسب قريش] . فولد خزيمة بنى مُدْرِكَةَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: كِنَانَةَ بْنَ خُزَيْمَةَ، وَأَسَدَ بن خزيمة، وأسدة بن خزيمة، وَالْهُونَ بْنَ خُزَيْمَةَ، فَأُمّ كِنَانَةَ: عُوَانَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الْهَوْنُ بْنُ خُزَيْمَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ كِنَانَةُ بْنُ خُزَيْمَةَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: النّضَرَ بْنَ كِنَانَةَ، وَمَالِكَ بْنَ كِنَانَةَ، وَعَبْدَ مَنَاةَ بْنَ كِنَانَةَ، وَمِلْكَانَ بْنَ كِنَانَةَ فَأُمّ النّضْرِ: بَرّةُ بِنْتُ مُرّ بْنِ أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وَسَائِرُ بَنِيهِ لِامْرَأَةِ أُخْرَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمّ النّضْرِ وَمَالِكٍ وَمِلْكَانَ. بَرّةُ بِنْتُ مُرّ، وأم عبد ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالنّفْسُ إلَى الرّوَايَةِ الْأُولَى أَسْكَنُ، وَحُكِيَ عَنْ ابن قتيبة أنه قال: فى

مَنَاةَ: هَالَةُ بِنْتُ سُوَيْدِ بْنِ الْغِطْرِيفِ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ. وَشَنُوءَةُ: عَبْدُ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَإِنّمَا سُمّوا شَنُوءَةَ؛ لشنآن كان بينهم. والشنآن: الْبُغْضُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النّضْرُ: قُرَيْشٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيّ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيّ. قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيّةَ أَحَدُ بَنِي كُلَيْبِ بْنِ يَرْبُوعِ ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: فَمَا الْأُمّ الّتِي وَلَدَتْ قُرَيْشًا ... بِمُقْرِفَةِ النّجّارِ وَلَا عَقِيمِ وَمَا قَرْمٌ بِأَنْجَبَ مِنْ أَبِيكُمْ ... وَمَا خَالٌ بِأَكْرَمَ مِنْ تَمِيمِ يَعْنِي: بَرّةَ بِنْتَ مُرّ أُخْتَ تَمِيمِ بْنِ مُرّ، أُمّ النّضْرِ. وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَيُقَالُ: فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ: قُرَيْشٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيّ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيّ، وَإِنّمَا سُمّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا مِنْ التّقَرّشِ، وَالتّقَرّشُ: التّجَارَةُ وَالِاكْتِسَابُ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ: قَدْ كَانَ يُغْنِيهِمْ عَنْ الشّغُوشِ ... وَالْخَشْلِ مِنْ تَسَاقُطِ الْقُرُوشِ شَحْمٌ وَمَحْضٌ لَيْسَ بالمغشوش قال ابن هشام: وَالشّغُوشُ: قَمْحٌ يُسَمّى: الشّغُوشَ. وَالْخَشْلُ: رُءُوسُ الْخَلَاخِيلِ وَالْأَسْوِرَةِ وَنَحْوِهِ. وَالْقُرُوشُ: التّجَارَةُ وَالِاكْتِسَابُ، يَقُولُ: قَدْ كَانَ يُغْنِيهِمْ عَنْ هَذَا شَحْمٌ وَمَحْضٌ، وَالْمَحْضُ: اللّبَنُ الْحَلِيبُ الْخَالِصُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ

وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَقَالَ أَبُو جِلْدَةَ الْيَشْكُرِيّ، وَيَشْكُرُ: بْنُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ: إخْوَةٌ قَرَشُوا الذّنُوبَ عَلَيْنَا ... فِي حَدِيثٍ مِنْ عُمْرِنَا وَقَدِيمِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُقَالُ: إنّمَا سُمّيَتْ قُرَيْشٌ: قُرَيْشًا لِتَجَمّعِهَا مِنْ بَعْدِ تَفَرّقِهَا وَيُقَالُ لِلتّجَمّعِ: التّقرّش. فَوَلَدَ النّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ رَجُلَيْنِ: مَالِكَ بْنَ النّضْرِ، وَيَخْلُدَ بْنَ النّضْرِ، فَأُمّ مَالِكٍ: عَاتِكَةُ بِنْتُ عَدْوَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، وَلَا أَدْرِي أَهِيَ أُمّ يَخْلُدَ أَمْ لَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالصّلْتُ بْنُ النّضْرِ- فِيمَا قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ- وَأُمّهُمْ جَمِيعًا: بِنْتُ سَعْدِ بْنِ ظَرِبٍ الْعَدْوَانِيّ. وَعَدْوَانُ: بْنُ عمر بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ. قَالَ كُثَيّرُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ- وَهُوَ كُثَيّرُ عَزّةَ أَحَدُ بَنِي مليح بن عمرو، من خزاعة أَلَيْسَ أَبِي بِالصّلْتِ أَمْ لَيْسَ إخْوَتِي ... لِكُلّ هِجَانٍ مِنْ بَنِي النّضْرِ أَزْهَرَا رَأَيْت ثِيَابَ الْعَصْبِ مُخْتَلِطَ السّدَى ... بِنَا وَبِهِمْ وَالْحَضْرَمِيّ الْمُخَصّرَا [إذا ما قطعنا من قريش قرابة ... بأى نجاد يحمل السيف ميسرا] فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا مِنْ بَنِي النّضْرِ، فَاتْرُكُوا ... أَرَاكًا بِأَذْنَابِ الْفَوَائِجِ أَخْضَرَا وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَاَلّذِينَ يُعْزَوْنَ إلَى الصّلْتِ بْنِ النّضْرِ مِنْ خُزَاعَةَ: بَنُو مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، رهط كثيّر عزّة. ـــــــــــــــــــــــــــــ

"أولاد مالك وابنه فهر"

[ «أولاد مالك وابنه فهر» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ مَالِكُ بْنُ النّضْرِ: فهر بن مالك، وأمّه: جندلة بنت الحارت بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَيْسَ بابن مضاض الأكبر. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ أربعة نفر: غالب بن فهر، وَمُحَارِبَ بْنَ فِهْرٍ، وَالْحَارِثَ بْنَ فِهْرٍ، وَأَسَدَ بن فهر، وأمّهم: ليلى بنت سعد ابن هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَجَنْدَلَةُ بِنْتُ فِهْرٍ، وَهِيَ أُمّ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وَأُمّهَا: لَيْلَى بِنْتُ سَعْدٍ. قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيّةَ بْنِ الْخَطَفِيّ وَاسْمُ الْخَطَفِيّ: حُذَيْفَةُ بْنُ بَدْرِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كُلَيْبِ بن يربوع ابن حَنْظَلَةَ. وَإِذَا غَضِبْتُ رَمَى وَرَائِي بِالْحَصَى ... أَبْنَاءُ جَنْدَلَةٍ كَخَيْرِ الْجَنْدَلِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له. [ «غالب وزوجاته وأولاده» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ غَالِبُ بْنُ فِهْرٍ رجلين: لؤىّ بن غالب، وتيم ابن غَالِبٍ، وَأُمّهُمَا: سَلْمَى بِنْتُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّ- وَتَيْمُ بْنُ غَالِبٍ الّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو الْأَدْرَمِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَيْسُ بْنُ غَالِبٍ، وَأُمّهُ: سَلْمَى بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّ، وَهِيَ أمّ لؤىّ وتيم ابنى غالب. ـــــــــــــــــــــــــــــ

"نسل لؤى"

[ «نسل لؤى» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ لُؤَيّ بْنُ غَالِبٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: كَعْبَ بْنَ لُؤَيّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيّ، وَسَامَةَ بْنَ لُؤَيّ، وَعَوْفَ بْنَ لُؤَيّ، فَأُمّ كَعْبٍ وَعَامِرٍ وَسَامَةَ: مَاوِيّةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ، مِنْ قُضَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: وَالْحَارِثُ بْنُ لُؤَيّ، وَهُمْ: جُشَمُ بْنُ الْحَارِثِ، فِي هِزّانَ مِنْ رَبِيعَةَ. قَالَ جَرِيرٌ: بَنِي جُشَمٍ لَسْتُمْ لِهَزّانَ، فَانْتَمُوا ... لِأَعْلَى الرّوَابِي مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ وَلَا تُنْكِحُوا فِي آلِ ضَوْرٍ نِسَاءَكُمْ ... وَلَا فِي شُكَيْس بِئْسَ مَثْوَى الْغَرَائِبِ وَسَعْدُ بْنُ لُؤَيّ، وَهُمْ بُنَانَةُ: فِي شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْن عكابة بن صعب ابن عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، مِنْ رَبِيعَةَ. وَبُنَانَةُ: حَاضِنَةٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي الْقَيْنِ بْنِ جَسْرِ بْنِ شَيْعِ اللهِ، وَيُقَالُ: سَيْعُ اللهِ، بن الْأَسْدِ بْنِ وَبْرَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ. وَيُقَالُ: بِنْتُ النّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، مِنْ رَبِيعَةَ. وَيُقَالُ: بِنْتُ جَرْمِ بْنِ رَبّانَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ. وَخُزَيْمَةُ بْنُ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ، وَهُمْ عَائِذَةُ فِي شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ. وَعَائِذَةُ امْرَأَةٌ مِنْ الْيَمَنِ، وَهِيَ أم بنى عبيدة بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ لُؤَيّ. وَأُمّ بَنِي لُؤَيّ كُلّهُمْ- إلّا عَامِرَ بْنَ لُؤَيّ: مَاوِيّةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ. وَأُمّ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: مَخْشِيّةُ بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، وَيُقَالُ: لَيْلَى بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ محارب بن فهر. ـــــــــــــــــــــــــــــ

أمر سامة

[أمر سامة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمّا سَامَةُ بْنُ لُؤَيّ فَخَرَجَ إلَى عُمَانَ، وَكَانَ بِهَا. وَيَزْعُمُونَ أَنّ عَامِرَ بْنَ لُؤَيّ أَخْرَجَهُ وَذَلِك أَنّهُ كَانَ بينهما شئ، فَفَقَأَ سَامَةُ عَيْنَ عَامِرٍ، فَأَخَافَهُ عَامِرٌ، فَخَرَجَ إلَى عُمَانَ. فَيَزْعُمُونَ أَنّ سَامَةَ بْنَ لُؤَيّ بَيْنَا هُوَ يَسِيرُ عَلَى نَاقَتِهِ، إذْ وَضَعَتْ رَأْسَهَا تَرْتَعُ، فَأَخَذَتْ حَيّةٌ بِمِشْفَرِهَا، فَهَصَرَتْهَا حَتّى وَقَعَتْ النّاقَةُ لِشِقّهَا، ثُمّ نَهَشَتْ سَامَةَ فَقَتَلَتْهُ. فَقَالَ سَامَةُ حِينَ أَحَسّ بِالْمَوْتِ فِيمَا يَزْعُمُونَ: عين فابكى لسامة بن لؤىّ ... علقت ما بسامة الْعَلّاقَه لَا أَرَى مِثْلَ سَامَةَ بْنِ لُؤَيّ ... يَوْمَ حَلّوا بِهِ قَتِيلًا لِنَاقَه بَلّغَا عَامِرًا وَكَعْبًا رَسُولًا ... أَنّ نَفْسِي إلَيْهِمَا مُشْتَاقَهُ إنْ تَكُنْ فِي عُمَانَ دَارِي، فَإِنّي ... غَالِبِيّ، خَرَجْتُ من غير ناقه ربّ كأس هرقت يابن لُؤَيّ ... حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ مُهْرَاقَه رُمْتَ دفع الحتوف يابن لُؤَيّ ... مَا لِمَنْ رَامَ ذَاكَ بِالْحَتْفِ طَاقَهُ وخروس السّرى تركت رذيا ... بَعْدَ جَدّ وَجَدّةٍ وَرَشَاقَه قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنّ بَعْضَ وَلَدِهِ أُتِيَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَانْتَسَبَ إلَى سَامَةَ بْنِ لُؤَيّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آلشّاعِرُ؟ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: كَأَنّك يَا رَسُولَ اللهِ أَرَدْت قَوْلَهُ: رُبّ كأس هرقت يابن لُؤَيّ ... حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ مُهْرَاقَه قَالَ: أجل. ـــــــــــــــــــــــــــــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْبَحْرِ: هِيَ الْغَزِيرَاتُ اللّبَنِ لَا جَمْعُ بَحِيرَةٍ، كَأَنّهَا: جَمْعُ بُحُورٍ عِنْدَهُ، فَظَنّ هَذَا يُذْهِبُ الْمَعْنَى الّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَمْنِهَا وَمَنَعَتِهَا؛ إذْ لَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْغَزِيرَاتِ اللّبَنِ، لَكِنّهُ أَظْهَرُ فِي الْعَرَبِيّةِ؛ لِأَنّ بَحِيرَةً: فَعَيْلَةٌ، وَفَعِيلَةٌ لَا تُجْمَعُ عَلَى فُعُلٍ إلّا أَنْ تُشَبّهَ بسفينة وسفن، وخريدة وخرد، وهو قليل. وقبل الْبَيْتُ فِي وَصْفِ رَوْضٍ: بِعَازِبِ النّبْتِ يَرْتَاحُ الْفُؤَادُ لَهُ ... رَأْدَ النّهَارِ لِأَصْوَاتِ مِنْ النّغَرِ وَبَعْدَ الْبَيْتِ الْوَاقِعِ فِي السّيرَةِ: وَالْأَزْرَقُ الْأَخْضَرُ السّرْبَالُ مُنْتَصِبٌ ... قَيْدُ الْعَصَا فَوْقَ ذَيّالٍ مِنْ الزّهَرِ يَعْنِي بِالْأَزْرَقِ: ذُبَابُ الرّوْضِ، وَكَذَلِكَ النّغَرُ «1» . وَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ الْآخَرِ: حَوْلُ الْوَصَائِلِ: جَمْعُ حَائِلٍ، وَيُقَالُ فِي جَمْعِهَا أَيْضًا: حُولَلٌ، وَمِثْلُهُ: عائط وعوطط على غير قياس. والثّريف «2» اسْمُ مَوْضِعٍ. نَسَبُ خُزَاعَةَ: وَقَوْلُهُ فِي نَسَبِ خُزَاعَةَ: تَقُولُ خُزَاعَةُ: نَحْنُ بَنُو عَمْرِو بْنِ عامر إلى

_ (1) نبت عازب: لم يرع قط، ولا وطئ، والرأد: رونق الضحى. أو بعد انبساط الشمس، وارتفاع النهار، والنغر: فراخ العصافير، وجمعها: نغران وهو البلبل عند أهل المدينة، وقال الجوهرى: هى طير كالعصافير حمر المناقير ونغرة مفرد للنّغر، والسهيلى يقصد النّعرة لا النّغر، والذباب: النحل (2) العائط: الناقة أو المرأة لم تحمل من غير عقر، والشريف: ماء لبنى نمير، وقيل: واد بنجد وحصن من حصون زبيد باليمن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آخِرِ النّسَبِ، وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ عَمْرًا يُقَالُ لَهُ: مُزَيْقِيَاءُ. وَأَمّا عَامِرٌ فَهُوَ: مَاءُ السّمَاءِ، سُمّيَ بِذَلِكَ لِجُودِهِ وَقِيَامِهِ عِنْدَهُمْ مَقَامَ الْغَيْثِ. وحارثة: بن امرئ القيس ابن ثَعْلَبَةَ وَهُوَ الْغِطْرِيفُ «1» . بَطْنُ مَرّ: وَقَوْلُ عَوْنٍ: فَلَمّا هَبَطْنَا بَطْنَ مَرّ. يُرِيدُ: مَرّ الظّهْرَانِ، وَسُمّيَ: مَرّا لِأَنّ فِي عِرْقٍ مِنْ الْوَادِي مِنْ غَيْرِ لَوْنِ الْأَرْضِ شِبْهُ الْمِيمِ الْمَمْدُودَةِ، وَبَعْدَهَا را خُلِقَتْ كَذَلِكَ، وَيُذْكَرُ عَنْ كَثِيرٍ أَنّهُ قَالَ: سُمّيَتْ: مَرّا لِمَرَارَتِهَا، وَلَا أَدْرِي مَا صِحّةُ هَذَا. فَلَمّا هَبَطْنَا بَطْنَ مَرّ الْبَيْتَيْنِ وَبَعْدَهُمَا: خُزَاعَتُنَا أَهْلُ اجْتِهَادٍ وَهِجْرَةٍ ... وَأَنْصَارُنَا جُنْدُ النّبِيّ الْمُهَاجِرِ وَسِرْنَا إلَى أَنْ قَدْ نَزَلْنَا بِيَثْرِبَ ... بِلَا وَهَنٍ مِنّا وَغَيْرَ تَشَاجُرٍ وَسَارَتْ لَنَا سَيّارَةٌ ذَاتُ مَنْظَرٍ ... بِكَوْمِ الْمَطَايَا وَالْخُيُولِ الْجُمَاهِرِ «2» يَؤُمّونَ أَهْلَ الشّامِ حِينَ تَمَكّنُوا ... مُلُوكًا بِأَرْضِ الشّامِ فَوْقَ الْبَرَابِرِ أَوْلَاك بَنُو مَاءِ السّمَاءِ تَوَارَثُوا ... دِمَشْقًا بِمُلْكِ كَابِرًا بَعْدَ كابر

_ (1) نسبه فى نسب قريش ص 10، أما الغطريف الأكبر: فعامر من بنى مبشر. والغطريف: السيد، ونسب حارثة هو: ابن امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الأزد بن الغوث بن النبت. (2) كوم: جمع كوماء: الناقة العظيمة السنام، والجماهر: الضخم، وقيل جمع جمهور: الفرس الكريمة، والسهيلى يروى: الحلول والكراديس بدلا من الخيول والأكاريس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحُلُولُ، جَمْعُ: حَالّ، وَالْكَرَادِيسُ جَمْعُ: كُرْدُوسٍ: الْخَيْلُ. دِمَشْقُ: وَقَوْلُهُ: دِمَشْقًا، سُمّيَتْ مَدِينَةَ الشّامِ بِاسْمِ الرّجُلِ الّذِي هَاجَرَ إلَيْهَا مَعَ إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ: دَامِشْقُ بْنُ النّمْرُوذِ بْنِ كَنْعَانَ «1» ، أَبُوهُ: الْمَلِكُ الْكَافِرُ عَدُوّ إبْرَاهِيمَ، وَكَانَ ابْنُهُ دَامِشْقُ قَدْ آمَنَ بِإِبْرَاهِيمَ، وَهَاجَرَ مَعَهُ إلَى الشّامِ. كَذَلِكَ ذَكَرَ بَعْضُ النّسّابِ، وَذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ. وَالدّمَشْقُ فِي اللّغَةِ: النّاقَةُ الْمُسِنّةُ- فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ- وَكَانَ يُقَالُ لِدِمَشْقَ أَيْضًا: جَيْرُونُ سُمّيَتْ بِاسْمِ الّذِي بَنَاهَا، وَهُوَ: جَيْرُونُ بْنُ سَعْدِ [بْنِ عَادٍ] ، وَفِيهَا يَقُولُ أَبُو دَهْبَلَ [الْجُمَحِيّ] . صَاحِ: حَيّا الْإِلَهُ حَيّا وَدَارَا ... عِنْدَ شرق القناة من جيرون «2»

_ (1) فى المراصد: دمشق بن كنعان. وفى القاموس: دمشاق بن كنعان أو دامشقيوش. وفى معجم البكرى: دماشق، وفى المراصد أنها سميت بهذا لأنهم دمشقوا فى بنائها، أى: أسرعوا، وهى بكسر الدال وفتح الميم أو كسرها. (2) جيرون فى المراصد هى سقيفة مستطيلة على عمد وسقائف، حولها مدينة تطيف بها، وهى بدمشق. وقيل: هى قرية الجبابرة فى أرض كنعان، وقيل: هى إرم ذات العماد. وقيل إن إرم هى دمشق، وقيل: هى الإسكندرية، وقيل: إرم هى أمة من الأمم، وجيرون: فعلون من جير، أو فيعول، فتكون من جرن، وهذا أصوب، إذ لو كانت فعلون لتغير ما قبل النون فى الإعراب. والبيت من قصيدة طويلة فى اللسان لأبى دهبل، ومعها قصة أبى دهبل، وكان قد تزوج بالشام دون علم أولاده، فلما عاد إليهم وجدهم قد تقاسموا ميراثه، فأراد العودة إلى زوجته الشامية فى جيرون، فبلغه موتها، فأقام، وقال هذه القصيدة، ومنها فى وصفها: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَنُو كِنَانَةَ: وَذَكَرَ بَنِي كِنَانَةَ الْأَرْبَعَةَ: مَالِكًا وَمِلْكَانَ وَالنّضْرَ وَعَبْدَ مَنَاةَ. وَزَادَ الطّبَرِيّ فِي وَلَدِ كِنَانَةَ: عَامِرًا وَالْحَارِثَ وَالنّضِيرَ وَغَنْمًا وَسَعْدًا وَعَوْفًا وَجَرْوَلَ وَالْحُدَالَ وَغَزْوَانَ. كُلّهُمْ بَنُو كِنَانَةَ «1» .

_ - وهى زهراء مثل لؤلؤة الغوا ... ص ميزت من جوهر مكنون وإذا ما نسبتها لم تجدها ... فى سناء من المكارم دون والبيت فى اللسان: صاح حيا الإله حيا ودورا ... عند أصل القناه من جيرون وأول القصيدة: طال ليلى، وبت كالمحزون ... ومللت الثّواء فى جيرون ويروى صاحب الأغانى أن أبا دهبل أحب عاتكة بنت معاوية، وكانت هى تتعهده بالبر واللطف، ثم انقطعت عن لقائه، فمرض، وقال هذه القصيدة ص 120 مجلد 7 طبع لبنان، وانظر معجم البكرى مادة جيرون. وزدت الجمحى من اللسان. (1) أولاد كنانة فى كتاب نسب قريش هم: النضر وملك «بفتح الميم وسكون اللام» وملكان «بالضبط أيضا» ومليك «بضم الميم وفتح اللام» وغزوان «بفتح الغين وسكون الزاى» وعمرو وعامر وأمهم: برة بنت مر. وإخوتهم لأمهم: أسد وأسدة والهون بنو خزيمة. وقد خلف عليها كنانة بعد أبيه، وذلك نكاح كانت تنكحه الجاهلية، إذا مات الرجل نكح أكبر بنيه زوجته، إذا لم تكن أمه، وورث خيار ماله، ومن أبناء كنانة: حدال وسعد وعوف ومجرّبة وأمهم: هالة بنت سويد بن الغطريف، وفى الجمهره: هم النضر وملك وملكان وعبد مناة، وليس فى العرب ملك «بإسكان اللام» غير ملك بن كنانة وسائرهم: مالك» وفى نسب قريش أن أم خزيمة هى: سلمى بنت أسد بن ربيعة بن نزار، وفيه أيضا أن أم كنانة: هى عوانة بنت قيس بن عيلان، أما أم الهون وإخوته فبرة بنت مر بن أد بن طابخة. فأرجو مقايسة هذا بما ورد فى السيرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قريسه: فَصْلٌ: وَذَكَرَ النّضْرَ بْنَ كِنَانَةَ، وَقَوْلَ مَنْ قَالَ إنّهُ: قُرَيْشٌ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ فِي أَنّ فِهْرًا هُوَ: قُرَيْشٌ، وَقَدْ قِيلَ: إنّ فِهْرًا لقب، واسمه الذى سمى به: قريش «1» .

_ (1) وإليك معظم ما قيل حول قريش واشتقاقها من فتح البارى. قريش: هم ولد النضر، وبهذا جزم أبو عبيدة كما روى ابن سعد فى الطبقات. وقيل: إن قريشا هم ولد فهر بن مالك بن النضر. وهو قول الأكثر وبه جزم مصعب، وقيل: أول من نسب إلى قريش: قصى بن كلاب؛ فقد روى ابن سعد أن عبد الملك بن مروان سأل محمد بن جبيرة، متى سميت قريش قريشا؟ قال: حين اجتمعت إلى الحرم بعد تفرقها، فقال: ما سمعت بهذا، ولكن سمعت أن قصيا كان يقال له: القرشى، ولم يسم أحد قريشا قبله. وقيل: سميت قريش لتجمعها إلى قصى بعد نفى خزاعة من الحرم، والتقرش: التجمع، وقيل: لتلبسهم بالتجارة، وقيل: لأن الجد الأعلى جاء فى ثوب واحد متجمعا فيه، وقيل من التقرش، وهو أخذ الشئ أولا فأولا. وقيل إن أول من تسمى قريشا: قريش بن بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة، وقال المطرزى: سميت قريش بدابة فى البحر هى سيدة الدواب البحرية، وكذلك قريش، سادة الناس. وقد أخرج البيهقى من طريق ابن عباس أنه قال: قريش تصغير قرش، وهى دابة فى البحر لا تمر بشئ من غث ولا سمين إلا أكلته. وقيل: سمى قريشا؛ لأنه كان يقرش عن خلة الناس، وحاجتهم، ويسدها والتقريش: التفتيش، وقيل: لمعرفتهم بالطعان، والتقريش: وقع الأسنة. وقيل التقرش: التنزه عن رذائل الأمور. وقيل: هو من أقرشت الشجة إذا صدعت العظم، ولم تهشمه: وقيل: أقرش بكذا إذا سعى فيه، فوقع له: وقيل غير ذلك فتح البارى 415 ح 6. وقد ورد بعض هذا الكلام السابق فى كتاب «نسب قريش» لأبى عبد الله المصعب بن عبد الله الزبيرى عم الزبير بن بكار فى ص 13 وفيه اختلاف يسير، ففى نسب قريش «فأما بنو يخلد، فهم فى بنى عمرو بن الحارث بن مالك-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا يَخْلُدُ بْنُ النّضْرِ، فَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الزّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ فِي أَنْسَابِ قُرَيْشٍ لَهُ، قَالَ: قَالَ عَمّي: وَأَمّا بَنُو يَخْلُدَ بْنِ النّضْرِ، فَذُكِرُ [وَا] فِي بَنِي عَمْرِو ابن الْحَارِثِ بْنِ مَلِكِ بْنِ كِنَانَةَ، وَمِنْهُمْ: قُرَيْشُ بْنُ بَدْرِ بْنِ يَخْلُدَ بْنِ النّضْرِ، وَكَانَ دَلِيلُ بَنِي كِنَانَةَ فِي تِجَارَاتِهِمْ، فَكَانَ يُقَالُ: قَدِمَتْ عِيرُ قُرَيْشٍ، فَسُمّيَتْ قُرَيْشٌ بِهِ، وَأَبُوهُ: بَدْرُ بْنُ يَخْلُدَ صَاحِبُ بَدْرٍ الْمَوْضِعِ الّذِي لَقِيَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُرَيْشًا «1» . وَقَالَ عَنْ غَيْرِ عَمّهِ: قُرَيْشُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ يَخْلُدَ، وَابْنُهُ: بَدْرٌ الّذِي سُمّيَتْ بِهِ بَدْرٌ، وَهُوَ احْتَفَرَهَا. قَالَ: وَقَدْ قَالُوا: اسْمُ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ: قُرَيْشٌ، وَمَنْ لَمْ يَلِدْهُ فِهْرٌ، فَلَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَذُكِرَ عَنْ عَمّهِ أَنّ فِهْرًا هُوَ: قُرَيْشٌ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُؤَمّلِيّ عَنْ جَدّي عَبْدِ اللهِ بْنِ مُصْعَبٍ- رَحِمَهُ اللهُ- أَنّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: اسْمُ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ: قُرَيْشٌ، وَإِنّمَا فِهْرٌ لَقَبٌ «2» ، وَكَذَلِكَ حَدّثَهُ الْمُؤَمّلِيّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سليمان فى اسم فهر ابن مَالِكٍ: أَنّهُ قُرَيْشٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ ذُكِرَ عَنْ المؤّملىّ عن أبى عبيدة بن

_ - بن كنانة» والنسب لم يذكر مالكا من بين أبناء كنانة، ولكن وذكره وهو يتكلم عن بنى يخلد، وغيره ذكره. ثم الفعل «فذكر» فى الروض لا يناسب السياق بعكس ما فى النسب. وفى النسب فسميت قريش بذلك، بدلا من «فسميت قريش به» . (1) فى ص 12 من كتاب نسب قريش، ومؤلفه هو عم الزبير بن بكار (2) نص ما فى كتاب مصعب: «اسم فهر بن مالك: قريش» وفى مكان آخر: «فولد مالك بن النضر فهرا، وهو قريش، وأمه: جندلة بنت الحارث» ص 12 نسب قريش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَبْدِ اللهِ فِي اسْمِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ: أَنّهُ قُرَيْشٌ. قَالَ: وَحَدّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ: حَدّثَنَا أَبُو الْبَخْتَرِيّ: وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْن شِهَابٌ عَنْ عَمّهِ أَنّ اسْمَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ الّذِي أَسْمَتْهُ أُمّهُ: قُرَيْشٌ، وَإِنّمَا نَبَزْته فِهْرًا، كَمَا يسمى الصبى: غرارة وَشَمْلَةَ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، قَالَ: قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ النّسّابُ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ أَنّ قُرَيْشًا إنّمَا تَفَرّقَتْ عَنْ فِهْرٍ، وَاَلّذِي عَلَيْهِ مَنْ أَدْرَكْته مِنْ نُسّابِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ أَنّ وَلَدَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ: قُرَيْشٌ، وَأَنّ مَنْ جَاوَزَ فِهْرَ ابن مَالِكٍ بِنَسَبِهِ، فَلَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ «1» . وَذُكِرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ السّائِبِ الْكَلْبِيّ فِيمَا حَدّثَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَثْرَمُ عَنْهُ أَنّ النّضْرَ بْنَ كِنَانَةَ هُوَ: قُرَيْشٌ، وَذُكِرَ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَدَ مَالِكُ بْنُ النّضْرِ فِهْرًا، وَهُوَ جِمَاعُ قُرَيْشٍ، وَقَالَ: قَالَ مُحَمّدُ بْنُ حَسَنٍ عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ الشّعْبِيّ، قَالَ: النّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ «2» هُوَ قُرَيْشٌ، وَإِنّمَا سُمّيَ قُرَيْشًا؛ لِأَنّهُ كَانَ يُقَرّشُ عَنْ خَلّةِ النّاسِ وحاجتهم، فيسدها بماله، والتّفريش: هُوَ التّفْتِيشُ، وَكَانَ بَنُوهُ يُقْرِشُونَ أَهْلَ الْمَوْسِمِ عَنْ الْحَاجَةِ، فَيَرْفِدُونَهُمْ بِمَا يَبْلُغُهُمْ، فَسُمّوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَقَرْشِهِمْ: قُرَيْشًا. وَقَدْ قَالَ الْحَارِثُ بن جلّزة فِي بَيَانِ الْقَرْشِ: أَيّهَا النّاطِقُ الْمُقَرّشُ عَنّا ... عند عمرو، فهل له انفاء «3»

_ (1) ويؤكد ابن حزم هذا فى الجمهرة بقوله عن فهر: «لا قريش غيرهم، ولا يكون قرشى إلا منهم، ولا من ولد فهر أحد إلا قرشى» أما ابن دريد فى الاشتقاق، فيؤكد أنه النضر. (2) فى الأصل: النضر وكنانة. (3) روايته فى اللسان «عند عمرو، وهل لذاك بقاء» وكذلك فى المعلقات بشرح الزوزنى، وأيضا فى روايتها: المرقش بدلا من المقرش، وبشرح التبريزى: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَحَدّثَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنّى [التّيْمِيّ] ، قَالَ: مُنْتَهَى مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ قُرَيْشٍ: النّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ، فَوَلَدُهُ: قُرَيْشٌ دُونَ سَائِرِ بَنِي كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، فَأَمّا مَنْ وَلَدُ كِنَانَةَ سِوَى النّضْرِ فَلَا يُقَالُ لَهُمْ: قُرَيْشٌ، وَإِنّمَا سُمّيَ بَنُو النّضْرِ قُرَيْشًا لِتَجَمّعِهِمْ، لِأَنّ التّقَرّشَ هُوَ التّجَمّعُ. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التّجّارُ يَتَقَارَشُونَ: يَتّجِرُونَ، وَالدّلِيلُ عَلَى اضْطِرَابِ هَذَا الْقَوْلِ أَنّ قُرَيْشًا لَمْ يَجْتَمِعُوا حَتّى جَمَعَهُمْ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ، فَلَمْ يَجْمَعْ إلّا وَلَدَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ لامرية عِنْدَ أَحَدٍ فِي ذَلِكَ، وَبَعْدَ هَذَا فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِأُمُورِنَا، وَأَرْعَى لِمَآثِرِنَا، وَأَحْفَظُ لِأَسْمَائِنَا، لَمْ نَعْلَمْ وَلَمْ نَدَعْ قُرَيْشًا، وَلَمْ نُهْمِمْ إلّا وَلَدَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: فِي جَمِيعِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِ الزّبَيْرِ، وَمَا حَكَاهُ عَنْ النّسّابِينَ نَقَلْته مِنْ كِتَابِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ- رَحِمَهُ اللهُ- ثُمّ أَلْفَيْته فِي كِتَابِ الزّبَيْرِ كَمَا ذَكَرَهُ، وَرَأَيْت لِغَيْرِهِ أَنّ قُرَيْشًا تَصْغِيرُ الْقِرْشِ، وَهُوَ حُوتٌ فِي الْبَحْرِ يَأْكُلُ حِيتَانَ الْبَحْرِ، سُمّيَتْ بِهِ الْقَبِيلَةُ، أَوْ سُمّيَ بِهِ أَبُو الْقَبِيلَةِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- وَرَدّ الزّبَيْرُ عَلَى ابْنِ إسْحَاقَ فِي أَنّهَا سُمّيَتْ قُرَيْشًا لِتَجَمّعِهَا، وَأَنّهُ لَا يُعْرَفُ قُرَيْشٌ إلّا فِي بَنِي فِهْرٍ رَدّا لَا يُلْزِمُ؛ لِأَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَقُلْ: إنّهُمْ بَنُو قُصَيّ خَاصّةً، وَإِنّمَا أَرَادَ أَنّهُمْ سُمّوا بِهَذَا الِاسْمِ مذجمعهم قصى، وكذا قال المبرد فى المقتصب: إنّ هَذِهِ التّسْمِيَةَ إنّمَا وَقَعَتْ لِقُصَيّ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- غَيْرَ أَنّا قَدّمْنَا فِي قَوْلِ كَعْبِ

_ - «أيها الشامت المبلغ عنا» وفى الطبرى ص 264 ح 2: وردت الشطرة الثانية هكذا: «عند عمرو فهل لهن انتهاء» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بْنِ لُؤَيّ مَا يَدُلّ عَلَى أَنّهَا كَانَتْ تُسَمّى قُرَيْشًا قَبْلَ مَوْلِدِ قُصَيّ وَهُوَ قَوْلُهُ: إذَا قُرَيْشٌ تَبْغِي الْحَقّ خِذْلَانًا. وَذَكَرَ قَوْلَ رُؤْبَةَ: قَدْ كَانَ يُغْنِيهِمْ عَنْ الشّغُوشِ. وَفَسّرَهُ: ضَرْبٌ مِنْ الْقَمْحِ، وَفَسّرَ الْخَشْلَ: رُءُوسَ الْخَلَاخِيلِ. وَفِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ قَالَ: إنّمَا الْخَشْلُ: الْمُقْلُ «1» ، وَالْقُرُوشُ: مَا تَسَاقَطَ مِنْ حُتَاتِهِ، وَتَقَشّرَ مِنْهُ، وَأَنْشَدَ لُكَثَيّرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ: أَلَيْسَ أَبِي بِالصّلْتِ أَمْ لَيْسَ إخْوَتِي. الْبَيْتُ وَبَعْده: رَأَيْت ثِيَابَ الْعَصْبِ مُخْتَلِطَ السّدَى ... بناوبهم وَالْحَضْرَمِيّ الْمُخَصّرَا وَالْعَصْبُ: بُرُودُ الْيَمَنِ، لِأَنّهَا تُصْبَغُ بِالْعَصْبِ، وَلَا يَنْبُت الْعَصْبُ، وَلَا الْوَرْسُ إلّا بِالْيَمَنِ، وَكَذَلِكَ اللّبَانُ. قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. يُرِيدُ: إنّ قُدُودَنَا مِنْ قُدُودِهِمْ، فَسَدْيُ أَثْوَابِنَا، مُخْتَلِطٌ بِسَدْيِ أَثْوَابِهِمْ. وَالْحَضْرَمِيّ: النّعَالُ الْمُخَصّرَةُ الّتِي تَضِيقُ مِنْ جَانِبَيْهَا كَأَنّهَا نَاقِصَةٌ الْخَصْرَيْنِ كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ مُبَطّنٌ، أَيْ: ضَامِرُ الْبَطْنِ، وَجَاءَ فِي صِفَةِ نَعْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهَا كَانَتْ مُعَقّبَةً مُخَصّرَةً مُلَسّنَةً مُخَثْرَمَةً. وَالْمُخَثْرَمَةُ الّتِي لَهَا خَثْرَمَةٌ، وَهُوَ كَالتّحْدِيرِ فِي مُقَدّمِهَا وَكَانَتْ نَعْلُهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- مِنْ سِبْتٍ، وَلَا يَكُونُ السّبْتُ إلّا مِنْ جِلْدِ بَقَرٍ مَدْبُوغٍ. قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْأَصْمَعِيّ وَأَبِي زَيْدٍ «2» .

_ (1) حمل الدوم، وهو يشبه النخل، وصمغ شجرة يسمى الكور، وهو من الأدوية. (2) معقبة لها عقب، وملسّنة: دقيقة على شكل اللسان، ومخصّرة: قطع خصراها، حتى صارا مستدقين «خصر النعل ما استدق من قدام الأذنين» ، أما-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ قَوْلَ جَرِيرِ بْنِ الْخَطَفَى: يَرْفَعْنَ بِاللّيْلِ إذَا مَا أَسْدَفَا. ... أَعْنَاقَ جِنّانٍ وَهَامًا رُجّفَا. وَعَنَقًا بَاقِي الرّسِيمِ خَيْطَفَا. وَالْخَيْطَفَةُ: سُرْعَةٌ فِي الْعَدْوِ، فَإِذَا وَصَفْت بِهِ الْعُنُقَ وَالْجَرْيَ قُلْت: عُنُقٌ خَيْطَفٌ، وَإِذَا سَمّيْت بِهِ الرّجُلَ قُلْت: خطفى، وكذلك إن جعلته

_ - مخثرمة ففى اللسان: خرثمة النعل بفتح الخاء وكسرها وإسكان الراء وفتح الثاء: رأسها. ولم أر غير ذلك. أما الخثرمة فليس فيها إلا خثارم: الرجل المتطير. وفيه أيضا: مخثّمه معرّضة بلا رأس. وقيل: عريضة. وهذه الأوصاف وردت فى حديث رواه أبو الشيخ عن يزيد بن أبى زياد، وفى البخارى وأبى داود والترمذى وابن ماجة فى اللباس، والنسائى فى الزينة أن نعل النبى كان لها قبالان «بكسر القاف» . والقبال: هو زمام النعل، أى السير الذى يعقد فيه الشّسع الذى يكون بين الإصبعين الوسطى، والتى تليها، والمراد أنه كان لكل فردة: قبالان، وروى البخارى والترمذى فى الشمائل عن عيسى بن طهمان «بفتح الطاء وسكون الهاء» قال: «أخرج إلينا أنس بن مالك نعلين جرداوين لهما قبالان» وذكر ثابت البنانى أنهما كانتا نعلى رسول الله. وفى البخارى ومسلم أن ابن عمر سئل عن لبسه النعال السّبتيّة بكسر السين وسكون التاء وكسر التاء وتشديد الياء مع فتح، أى: المدبوغة، فقال: إنى رأيت رسول الله يلبس النعال التى ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها. والسبت كما قال السهيلى: وسميت بذلك لأن شعرها قد سبت عنها أى: حلق وأزيل، أو لأنها سبتت بالدباغ، وقد زدت فى قصيدة كثير بيتا وضعته بين قوسين، وهو عن نسب قريش ص 11، والقدود: جمع قد: وهو القدر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اسْمًا لِلْمِشْيَةِ: فَهُوَ مِثْلُ: الْجَمَزَى وَالْبَشَكَى «1» . بَنُو الْأَدْرَمِ: وَقَوْلُهُ: وَتَيْمُ بْنُ غَالِبٍ وَهُمْ: بَنُو الْأَدْرَمِ «2» . وَالْأَدْرَمُ: الْمَدْفُونُ الْكَعْبَيْنِ مِنْ اللّحْمِ، يُقَالُ: امرأة درماء وكعب أدرم. قال الراجز:

_ (1) ناقة جمزى أو بشكى: سريعة خفيفة، والجنّان: جمع جان: نوع من الحيات إذا مشت رفعت رءوسها. وفى اللسان أيضا: «وعنقا بعد الكلال خيطفا» وأن اسم جد جرير عوف ويروى أبو عبيدة فى كتابه النقائض بين جرير والفرزدق ما يأتى: «وَاسْمُ الْخَطَفِيّ: حُذَيْفَةُ بْنُ بَدْرِ بْنِ سَلَمَةَ، وحذيفة: جد جرير» وإنما سمى الخطفى لقوله: كلفنى قلبى، وماذا كلفا ... هواز نيّات حللن غريفا أقمن شهرا بعد ما تصيّفا ... حتى إذا ما طرد الهيف السّفا قرب شولا ودليلا مخشفا ... يرفعن بالليل إذا ما أسدفا أعناق جنّان، وهاما رجّفا ... وأعينا بعد الكلال ذرّفا وعنقا باقى الرسيم خيطفا ج 1 ص 3 النقائض لأبى عبيدة معمر بن المثنى ط 1935 م وحكى اللسان عن ابن برى عن أبى عبيدة قوله: الخطفى جد جرير، واسمه: حذيقة بن بدر. (2) يقول صاحب نسب قريش عن أم مالك بن النضر أنها عكرشة، وأنها أم مالك ويخلد والصلت، وعن الصلت بن النضر يقول أيضا: «من بنى مليح بن خزاعة من يزعم أنه من ولده» وأستشهد بأبيات كثير السابقة. والفوائج: فسرها صاحب نسب قريش بأنها عيون بأستار، وقيل هى رءوس الأودية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَامَتْ تُرِيهِ خَشْيَةَ أَنْ تُصْرَمَا ... سَاقًا بَخَنْدَاةَ وَكَعْبًا أَدْرَمًا وَكَفَلًا مِثْلُ النّقَا أَوْ أَعْظَمَا «1» وَالْأَدْرَمُ أَيْضًا: الْمَنْقُوضُ الذّقَنِ، وَكَانَ تَيْمُ بْنُ غَالِبٍ كَذَلِكَ، فَسُمّيَ: الْأَدْرَمَ، قَالَهُ الزّبَيْرُ. وَبَنُو الْأَدْرَمِ هَؤُلَاءِ هُمْ: أَعْرَابُ مَكّةَ، وَهُمْ مِنْ قريش الظواهر، لامن قُرَيْشٍ الْبِطَاحِ «2» ، وَكَذَلِكَ بَنُو مُحَارِبٍ مِنْ فِهْرٍ، وبنو معيص «3» بن عامر.

_ (1) فى اللسان. قامت تريك، وبنى تصرم للمعلوم، وساق بخنداة: عظيمة تامة، والكفل: معروف، والنقا: كثيب من الرمل. والشعر أنشده العجاج لأبى هريرة كما ورد فى بعض الأحاديث. اللسان وديوان العجاج. (2) قريش البطاح هم: قبائل عبد مناف. بنو عبد الدار، وبنو عبد العزى وبنو عبد بن قصى، وبنو زهرة، وبنو مخزوم، وبنو تيم بن مرة، وبنو جمح وسهم، وبنو عدى، وهم لعقة الدم، وبنو عتيك بن عامر بن لؤى، وقريش الظواهر: النازلون بظهر مكة، وهم بنو محارب والحارث بن فهر، وبنو الأدرم بن غالب بن فهر، وبنو هصيص بن عامر بن لؤى. والبطاح: «هم الذين ينزلون بين أخشبى مكة وهما جبلا مكة أبو قبيس والأحمر، وجبلا منى» أكرمهما، والأحلاف من قريش بنو عبد الدار من قصى وسهم وجمح وعدى ومخزوم، والمطيبون بنو عبد مناف. وبنو أسير بن عبد العزى، وبنو زهرة، وبنو تيم وبنو الحارث بن فهر. انظر ص 13 نسب قريش والمحبر ص 17 عن الأدرم والظواهر والبطاح. (3) من المعص بفتح الميم والعين، وهو داء يصيب الرجل فى عصبه من كثرة المشى. وانظر ص 106 الاشتقاق عن الأدرم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَاوِيّةُ امْرَأَةُ لُؤَيّ: وَذَكَرَ بَنِي لُؤَيّ «1» ، فَقَالَ: أُمّ عَامِرٍ: مَاوِيّةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ. سُمّيَتْ بِالْمَاوِيّةِ، وَهِيَ: الْمِرْآةُ، كَأَنّهَا نُسِبَتْ إلَى الْمَاءِ لِصَفَائِهَا، وَقُلِبَتْ هَمْزَةُ الْمَاءِ وَاوًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تُقْلَبَ هَاءً «2» فَيُقَال: مَاهِيّةٌ، وَلَكِنْ شَبّهُوهُ بِمَا الْهَمْزَةُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ أَوْ وَاوٍ، لَمّا كَانَ حُكْمُ الْهَاءِ أَنْ لَا تُهْمَزَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَلَمّا شُبّهَتْ بِحُرُوفِ الْمَدّ وَاللّينِ، فَهَمَزُوهَا لِذَلِكَ، اُطّرِدَ فِيهَا ذَلِكَ الشّبَهُ، وَيَحْتَمِلُ اسْمُ الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوَيْته، إذَا ضَمَمْته إلَيْك، يُقَالُ: أَوَيْت مِثْلُ: ضَمَمْت، وَآوَيْته مِثْلُ: آذَيْته، ثُمّ يُقَالُ فِي الْمَفْعُولِ مِنْ أَوَيْته عَلَى وَزْنِ فَعَلْت: مَأْوِيّ وَالْمَرْأَةُ مَأْوِيّةٌ، ثُمّ تُسَهّلُ الْهَمْزَةُ، فَتَكُونُ أَلِفًا سَاكِنَةً. وَخَالَفَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي أُمّ عَامِرٍ فَقَالَ: مَخْشِيّةُ بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، وَمَاوِيّةُ: أُمّ سَائِرِ بَنِيهِ غَيْرَ عَامِرٍ. بُنَانَةُ وَعَائِذَةُ وَبَنُو نَاجِيَةَ وَذُبْيَانُ وَسَامَةُ: وَذَكَرَ سَعْدَ بْنَ لُؤَيّ وَأَنّهُمْ: بُنَانَةُ فِي شَيْبَانَ، عُرِفُوا بِحَاضِنَةِ لَهُمْ اسْمُهَا: بُنَانَةُ، وَكَانَ بَنُو ضُبَيْعَةَ قَدْ ادّعَوْهُمْ، وَهُوَ ضُبَيْعَةُ أَضْجَمُ «3» بن ربيعة، لا ضبيعة «4»

_ (1) فى الجمهرة عن كعب وعامر: وهذان الصريحان من ولد لؤى. وفى كعب: البيت والعدد. وماوية وجسر فى نسب قريش: مارية وجسر بن شيع الله. (2) لأن الهاء هى أصل الهمزة فى ماء. (3) فى الأصل: أضجح (4) فى الاشتقاق: ضبيعة بن أسد بن ربيعة، وفى إحدى نسخه ضبيعة هو ابن ربيعة، وأسد: أخو ضبيعة، وضبيعة هو: أضجم ص 313. وفى المحبرّ ص 235-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن أُقَيْشِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَلَمّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ، قَدِمُوا عَلَيْهِ، وَفِيهِمْ سَيّدٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الدّهْمَاءِ، فَكَلّمَ أَبُو الدّهْمَاءِ عُمَرَ أَنْ يَلْحَقَهُمْ بِقُرَيْشِ، فَأَنْكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ عُثْمَانُ عَنْ أَبِيهِ عَفّانَ: أَنّهُ حَدّثَهُ بِصِحّةِ نَسَبِهِمْ إلَى قُرَيْشٍ، وَسَبَبِ خُرُوجِهِمْ عَنْهُمْ، فَوَاعَدَهُمْ أَنْ يَأْتُوهُ الْعَامَ الْقَابِلَ، فَيَلْحَقَهُمْ، فَقُتِلَ أَبُو الدّهْمَاءِ عِنْدَ انْصِرَافِهِ، وَشُغِلُوا بِأَمْرِهِ، حَتّى مَاتَ عُمَرُ، فَأَلْحَقَهُمْ عُثْمَانُ بِقُرَيْشِ، فَلَمّا كَانَ عَلِيّ نَفَاهُمْ عن قريش، وردّهم إلى شيبان فقال شاعر: ضَرَبَ التّجِيبِيّ الْمُضَلّلَ ضَرْبَةً ... رَدّتْ بُنَانَةُ فِي بنى شيبانا «1»

_ - لابن حبيب عن الضبيعات: كلهما من ربيعة ضبيعة بن قيس بن ثعلبة أشرفهن ضبيعة أضجم بن ربيعة بن نزار ضبيعة بن عجل بن لجيم. (1) التجيبى نسبة إلى تجيب- بضم تائه وكسر جيمه- وقد تفتح التاء: بطن من كندة: منهم: كنانة بن بشير التجيبى قاتل عثمان، وهو المقصود بكلمة التجيبى فى بيتى الروض. والقصيدة المنسوبة فى السيرة إلى سامة بن لؤى نسبها صاحب الأغانى إلى أخى سامة يرثيه بها، وهى فى ترجمة على بن الجهم، وفيه عن ولد سامة: أن سامة حين مات تزوجت امرأته رجلا من أهل البحرين، فولدت الحارث وسعت لتلحقه بقريش، فصدق كعب أخو سامة أمر الحارث، ثم عرف بعد ذلك أمره، فنفاه عنه فرجع الحارث إلى البحرين، وهناك تزوج الحارث، وأعقب هذا العقب، أما ابن الكلبى فيزعم أن سامة ولد غالبا، وأن أمه ناجية، فلما هلك سامة خلف ابنه الحارث عليها، ثم هلك ابنا سامة، ولم يعقبا، وأن قوما من بنى ناجية بنت جرم بن ربان علاف ادعوا أنهم بنو سامة، وهم الذين باعهم على بن أبى طالب إلى مصقلة، أما الزبير بن بكار فإنه أدخل بنى ناجية فى قريش، وسماهم: قريشا العازبة؛ لأنهم عزبوا عن قومهم، فنسبوا إلى أمهم ناجية بنت جرم بن ربّان، وهو علاف. ويزعم الأصفهانى أن الزبير إنما أدخلهم فى نسب قريش حبا فى مخالفة على بن أبى طالب هذا، وبنو ناجية كانوا قدار تدوا عن الإسلام، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْعَائِذِيّ لِمِثْلِهَا مُتَوَقّعٌ ... لِمَا يَكُنْ، وَكَأَنّهُ قَدْ كَانَا لَخّصْت هَذَا الْخَبَرَ مِنْ حَدِيثٍ ذَكَرَهُ الْبَرْقِيّ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ، وَالْبُنَانَةُ فِي اللّغَةِ: الرّائِحَةُ الطّيّبَةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْبُنَانَةُ: الرّوْضَةُ المعشبة الحالية، أى:

_ - فلما تولى على دعاهم إلى الإسلام فأسلم بعضهم، وبقى الآخرون على الردة، فسباهم واسترقهم، فاشتراهم مصقلة بن هبيرة، ويروى ابن أبى الحديد أن مصقلة بعد أن ابتاع سبى بنى ناجية أعتقه، فلما طالبه بالمال خاس به- أى غدر- وهرب إلى الشام، كذلك يقول ابن أبى الحديد أنه وجد فى جمهرة النسب لابن الكلبى كلاما قد صرح فيه بأن سامة بن لؤى أعقب، فقال ولد سامة بن لؤى: الحارث، وأمه هند بنت تيم وغالب بن سامة، وأمه ناجية بنت جرم بن زبان من قضاعة، فهلك غالب بعد أبيه، وهو ابن ثنتى عشرة سنة، فولد الحارث ابن سامة لؤيا وعبيدة وربيعة وسعدا، وأمهم: سلمى بنت تيم بن شيبان وأمه: ناجية بنت جرم خلف عليها الحارث بعد أبيه بنكاح مقت، فهم الذين قتلهم على ص 327 ح 1 شرح نهج البلاغة ط 3 لبنان لعز الدين أبى حامد الشهير بابن أبى الحديد، واسمه: عبد الحميد بن هبة الله بن محمد. ويروى أبو القاسم الزجاجى عن قصيدة «علقت ساق الخ» شيئا آخر هو أن سامة نزل على رجل من الأزد، فهويته امرأته، وعرف زوجها، فوضع السم لسامة فى حلاب ناقة، فغمزته المرأة، فهراق اللبن، وخرج يسير، فبينما هو يسير، هوت ناقته إلى عرفجة، فانتشلتها، وفيها أفعى، فنفحتها، فرمت بها على ساق سامة، فنهشتها، فمات، فقالت المرأة الأزدية هذه القصيدة تبكيه بها ص 34 أمالى الزجاج لأبى القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجى ط 1324، وفى أمالى الزجاج تختلف القصيدة عما فى السيرة اختلافا يسيرا. مثل: «ما جد ما خرجت من غير ناقة» بدلا من «غالبى خرجت من غير ناقة» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فد حُلّيَتْ بِالزّهْرِ «1» . وَذَكَرَ خُزَيْمَةَ بْنَ لُؤَيّ، وَأَنّهُمْ انْتَسَبُوا فِي شَيْبَانَ، وَيُعْرَفُونَ بِأُمّهِمْ عَائِذَةَ، قَالَ: وَعَائِذَةُ مِنْ الْيَمَنِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ بِنْتُ الْخِمْسِ «2» بْنِ قُحَافَةَ مِنْ خَثْعَمَ وُلِدَتْ لِعُبَيْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ مَالِكًا وَحَارِثًا، فَهُمْ بَنُو خُزَيْمَةَ عَائِذَةَ [قُرَيْشٌ] ، وَمِنْ بَنِي خُزَيْمَةَ أَيْضًا: بَنُو حَرْبِ بْنِ خُزَيْمَةَ، قَتَلَتْهُمْ الْمُسَوّدَةُ فِي قَرْيَتِهِمْ بِالشّامِ، وَهُمْ يَحْسَبُونَهُمْ بَنِي حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ «3» . وَذَكَرَ بِنْتَ جَرْمِ بْنِ رَبّانَ «4» . وَبِنْتُ جَرْمَ هى: ناجية، واسمها: ليلى، وجرم أبو

_ (1) فى الاشتقاق عن بنانة ص 107 أنها مشتقة من البنة بفتح الباء وتضعيف النون المفتوحة، وهى الرائحة الطيبة، أو موضع مرابض الغنم، وأن سعدا هو الذى كان يطلق عليه بنانة، وهو لقب لأمة سوداء حضنت أولاد سعد، وفى نسب قريش ص 13 عن أم بنى لؤى أنها مارية بنت كعب بن القين بن جسر، وكلامه عن سعد عين ما هنا. (2) الخمس فى اللغة بكسر الخاء: ظمء من أظماء الإبل، وهو أن ترد يوما ثم ترعى ثلاثا، ثم تطلب الماء يوما، وترد فى اليوم الخامس، وكذلك السّدس إلى العشر، وهو آخر الأظماء، والواحد: ظمء بكسر الظاء. (3) المسودة هم الذين قاموا مع أبى مسلم الخراسانى ضد بنى أمية لإقامة دولة بنى العباس- أو دولة فارسية- كما كان يريد أبو مسلم، وكان شعارهم اللون الأسود، فكانت راياتهم سودا، وكذلك ثيابهم، ويعبر بروكلمان عما فعل هؤلاء بأهل الشام، فيقول: «فى بلاد الشام كان رجالهم يتصيدون أفراد هذا البيت، ويبيدونهم كالوحوش الضارية، ولم تسلم من انتقامهم قبور الخلفاء نفسها، فانتهكوا حرمتها جميعا» ص 206 ج 1 تاريخ الشعوب الإسلامية ط لبنان. (4) فى القاموس عن ربان أنها على وزن كتّان ثم قال: «وليس فى العرب ربان غيره، ومن سواه بالزاى، وفى جمهره ابن حزم: أنه حزم «بالحاء المفتوحة-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جُدّةَ الّذِي نَزَلَ جُدّةَ مِنْ سَاحِلِ الْحِجَازِ، فَعُرِفَتْ بِهِ، كَمَا عُرِفَتْ كَثِيرٌ مِنْ الْبِلَادِ بِمَنْ نَزَلَهَا مِنْ الرّجَالِ، وَقَدْ تَقَدّمَ طَرَفٌ مِنْ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ كَثِيرٌ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَرَبّانُ هُوَ: عِلَافٌ الّذِي تُنْسَبُ إلَيْهِ الرّحَالُ الْعِلَافِيّةُ. وَذَكَرَ سَعْدَ بْنَ ذُبْيَانَ، وَقِصّتُهُ مَعَ عَوْفِ بْنِ لُؤَيّ وَذُبْيَانَ بْنِ بِغِيضِ: بِكَسْرِ الذّالِ وَضَمّهَا، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ، وَهُمْ أَرْبَعَةُ أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ: ذُبْيَانُ بْنُ بِغِيضِ فِي قَيْسٍ، وَذُبْيَانُ بْنُ ثَعْلَبَةَ فِي بَجِيلَةَ، وَذُبْيَانُ فِي قُضَاعَةَ، وَذُبْيَانُ فِي الْأَزْدِ. وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي كِتَابِ اشْتِقَاقِ الْأَسْمَاءِ لَهُ: أَنّ ذُبْيَانَ فُعْلَانُ [أَوْ فِعْلَانُ] مِنْ ذَبَى الْعُودُ يَذْبِي [ذَبْيًا إذَا لَانَ وَاسْتَرْخَى «1» ] . يُقَالُ: ذَبَى الْعُودُ، وَذَوَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ. وَذَكَرَ حَدِيثَ سَامَةَ بْنِ لُؤَيّ حِينَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدُ بَنِيهِ، فَانْتَسَبَ لَهُ إلَى سَامَةَ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: آلشّاعِرِ بِخَفْضِ الرّاءِ مِنْ الشّاعِرِ، كَذَا قَيّدَهُ أَبُو بَحْرٍ عَلَى أَبِي الْوَلِيدِ بِالْخَفْضِ، وَهُوَ الصّحِيحُ؛ لِأَنّهُ مَرْدُودٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، كَأَنّهُ مُقْتَضَبٌ مِنْ كَلَامِ الْمُخَاطَبِ، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِفْهَامُ لَا يَعْمَلُ مَا قَبْلَهُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَلَكِنّ الْعَامِلَ مُقَدّرٌ بَعْدَ الْأَلِفِ، فَإِذَا قَالَ لَك الْقَائِلُ: قَرَأْت عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا، فَقُلْت: آلْعَالِمِ بِالِاسْتِفْهَامِ، كَأَنّك قُلْت لَهُ: أَعَلَى العالم،

_ - والزاى الساكنة» بن زبان بالزاى المفتوحة والباء المضعفة، وسأكتبها بالأمرين. (1) فى الاشتقاق أنه على فعلان بضم أو كسر الفاء وسكون الباء، وذبى يذبى: إذا لان واسترخى وذبى العود مثل ذوى والزيادة من الاشتقاق ص 275.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَنَظِيرُ هَذَا أَلِفُ الْإِنْكَارِ إذَا قَالَ الْقَائِلُ: مَرَرْت بِزَيْدِ، فَأَنْكَرْت عَلَيْهِ، فَقُلْت أَزَيْدَنِيهِ بِخَفْضِ الدّالِ، وَبِالنّصْبِ إذَا قَالَ: رَأَيْت زَيْدًا، قُلْت: أَزَيْدَنِيهِ، وَكَذَلِكَ الرّفْعُ. وَمِنْ بَنِي سَامَةَ هَذَا: مُحَمّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ بْنِ الْيَزِيدِ شَيْخِ الْبُخَارِيّ، وبنو سامة ابن لؤى: زعم بعض النساب أنهم أَدْعِيَاءٌ، وَأَنّ سَامَةَ لَمْ يُعَقّبْ، وَقَالَ الزّبَيْرُ: وَلَدَ سَامَةُ: غَالِبًا وَالنّبِيتَ وَالْحَارِثَ. وَأُمّ غَالِبٍ: نَاجِيَةُ بِنْتُ جَرْمِ بْنِ زَبّانَ، وَاسْمُهَا: لَيْلَى «1» سُمّيَتْ: نَاجِيَةً؛ لِأَنّهَا عَطِشَتْ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَجَعَلَ زَوْجُهَا يَقُولُ لَهَا: اُنْظُرِي إلَى الْمَاءِ، وَهُوَ يُرِيهَا السّرَابَ حَتّى نَجَتْ، فَسُمّيَتْ: نَاجِيَةً، وَإِلَيْهَا يُنْسَبُ [بَكْرُ بْنُ قَيْسٍ] أَبُو الصّدّيقِ النّاجِي الّذِي يَرْوِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، وَأَبُو الْمُتَوَكّلِ النّاجِي، وَكَثِيرًا مَا يُخَرّجُ عَنْهُ التّرْمِذِيّ، وَكَانَ بَنُو سَامَةَ بِالْعِرَاقِ أَعْدَاءً لِعَلِيّ- رَحِمَهُ اللهُ- وَاَلّذِينَ خَالَفُوا عَلِيّا مِنْهُمْ: بَنُو عَبْدُ الْبَيْتِ، وَمِنْهُمْ: عَلِيّ بْنُ الْجَهْمِ الشّاعِرُ قِيلَ: إنّهُ كَانَ يَلْعَنُ أَبَاهُ لَمّا سَمّاهُ عَلِيّا بُغْضًا مِنْهُ فِي عَلِيّ- رَحِمَهُ اللهُ- ذَكَرَهُ المسعودى «2» .

_ (1) فى الجمهرة لابن حزم أن سامة قد ولد الحارث، وأمه: هند بنت تيم الأدرم، وغالبا أيضا، وأمه ناجية بنت حزم بن زبان إليها نسب ولد زوجها، فهم بنو ناجية، ولا عقب لغالب، وإنما العقب لأخيه الحارث خلف على ناجية فنسب ولده إليها، وفى ترجمة على بن الجهم فى الأغانى قصة ناجية. (2) فى جمهرة ابن حزم: «وبنو ناجية الذين قتلهم على- رضى الله عنه على الردة، وسباهم- من بنى أسامة، ومنهم على بن الجهم» ص 12.. وانظر ص 418 ج 2 مروج، ففيها ما قاله السهيلى عن ابن الجهم.. وفى نفس الصفحة يقول: «ولست تكاد ترى ساميا إلا منحرفا عن على. ويذكر أن الحارث بن راشد الناجى ارتد إلى دين النصرانية ومعه ثلثمائة، كما يذكر أن كثيرا من الناس يقررون أن سامة بن لؤى أعقب، وانظر ص 440 نسب قريش عن ولد سامة. أما عبد البيت: فهو ولد الحارث بن سامة بن لؤى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرّسُولُ وَالْمُرْسَلُ وَقَوْلُهُ: بَلّغَا عَامِرًا وَكَعْبًا رَسُولًا. يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا مَفْعُولٌ: بِبَلّغَا إذَا جَعَلَتْ الرّسُولَ بِمَعْنَى: الرّسَالَةِ، كَمَا قَالَ الشّاعِرُ: لَقَدْ كَذّبَ الْوَاشُونَ مَا بُحْت عِنْدهمْ ... بِلَيْلَى، وَلَا أَرْسَلْتهمْ بِرَسُولِ أَيْ: بِرِسَالَةِ، وَإِنّمَا سَمّوْا الرّسَالَةَ: رَسُولًا إذَا كَانَتْ كِتَابًا، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْكِتَابِ مِنْ شِعْرٍ مَنْظُومٍ، كَأَنّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ الشّعْرَ مَقَامَ الْكِتَابِ، فَتَبْلُغُهُ الرّكْبَانُ: كَمَا تَبْلُغُ الْكِتَابَ يُعْرِبُ عَنْ ضَمِيرِ الْكَاتِبِ كَمَا يُعْرِبُ الرّسُولُ، وَكَذَلِكَ الشّعْرُ الْمُبَلّغُ، فَسُمّيَ: رَسُولًا. وَبَيْنَ الرّسُولِ وَالْمُرْسَلِ مَعْنًى دَقِيقٌ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي فَهْمِ قَوْلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ: وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا [النّسَاءُ: 79] فَإِنّهُ لَا يَحْسُنُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُقَالَ: أَرْسَلْنَاك مُرْسَلًا، وَلَا نَبّأْنَاك تَنْبِيئًا، كَمَا لَا يَحْسُنُ: ضَرَبْنَاك مَضْرُوبًا، وَلِكَشْفِ هَذَا الْمَعْنَى وَإِيضَاحِهِ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا، وَاخْتِصَارُ الْقَوْلِ فِيهِ: أَنْ لَيْسَ كُلّ مُرْسَلٍ رَسُولًا، فَالرّيَاحُ مُرْسَلَاتٌ، وَالْحَاصِبُ مُرْسَلٌ، وَكَذَلِكَ كُلّ عَذَابٍ أَرْسَلَهُ اللهُ، وَإِنّمَا الرّسُولُ اسْمٌ لِلْمُبَلّغِ عَنْ الْمُرْسِلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ: بَلّغَا عَامِرًا وَكَعْبًا رَسُولًا؛ إذْ قَدْ يُعَبّرُ بِالْوَاحِدِ عَنْ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ فِي مِثْلِ هَذَا اللّفْظِ، تَقُولُ: أَنْتُمْ رَسُولِي، وَهِيَ رَسُولِي، تُسَوّي بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدِ وَالْمُذّكّرِ والمؤنث. وفى التنزيل: أْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا «1» ِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ [الشعراء: 16] فيكون المفعول

_ (1) الأمر لموسى وهرون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَى هَذَا: أَنّ نَفْسِي إلَيْهِمَا مُشْتَاقَةٌ، وَيَكُونُ أَنْ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوّلِ بَدَلًا مِنْ رَسُولٍ أَيْ: رِسَالَةً. وَقَوْلُهُ: وَخَرُوسِ السّرَى تَرَكْت رَذِيّا. إنْ خَفَضْت فَمَعْنَاهُ: رُبّ خَرُوسِ السّرَى تَرَكْت، فَتَرَكْت فِي مَوْضِعِ الصّفَةِ لِخَرُوسِ، وَإِنْ نَصَبْت جَعَلْتهَا مَفْعُولًا بِتَرَكْت، وَلَمْ يَكُنْ تَرَكْت فِي مَوْضِعِ صِفَةٍ؛ لِأَنّ الصّفَةَ لَا تَعْمَلُ فِي الْمَوْصُوفِ، وَالسّرَى: فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ لِخَرُوسِ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا تَقُولُ: نَامَ لَيْلُك. يُرِيدُ: نَاقَةً صَمُوتًا صَبُورًا عَلَى السّرَى، لَا تَضْجَرُ مِنْهُ، فَسُرَاهَا كَالْأَخْرَسِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ: كَتُومٌ إذَا ضَجّ الْمَطِيّ، كَأَنّمَا ... تَكَرّمَ عَنْ أَخْلَاقِهِنّ وَتَرْغَبُ وَقَوْلُ الْأَعْشَى: كَتُومُ الرّغَاءِ إذَا هَجّرَتْ ... وَكَانَتْ بَقِيّةُ ذَوْدٍ كُتُمْ «1» وَإِنّمَا قَالَ: خَرُوسٌ فِي معنى الأخرس؛ لأنه أراد كتوم، فجاء به على وزنه. قال البرقىّ: وكانت مَاوِيّةُ بِنْتُ كَعْبٍ تُحِبّ سَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ إخْوَتِهِ، وَكَانَتْ تَقُولُ، وَهِيَ تُرْقِصُهُ صَغِيرًا: وَإِنّ ظَنّي بِابْنِي إنْ كَبَنْ ... أَنْ يَشْتَرِيَ الْحَمْدَ، ويغلى بالثّمن

_ (1) ذود: تقال عن ثلاثة أبعرة إلى العشرة أو خمس عشرة أو عشرين وثلاثين، أو ما بين الثنتين والتسع مؤنث، ولا يكون إلا من الإناث، وهو واحد، أو جمع لا واحد له، أو واحد، والجمع: أذواد. وكتم جمع كتوم: الناقة لا تشول بذنبها. وقد دخل بيتا الشعر فى قصة حدثت فى مجلس ليزيد بن المهلب، اقرأها ص 417 سمط اللآلئ

أمر عوف بن لؤى ونقلته

[أمر عوف بن لؤى ونقلته] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا عَوْفُ بْنُ لُؤَيّ فَإِنّهُ خَرَجَ- فِيمَا يُزْعِمُونَ- فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، حَتّى إذَا كَانَ بِأَرْضِ غَطَفَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، أُبْطِئَ بِهِ، فَانْطَلَقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَتَاهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدٍ، وَهُوَ أَخُوهُ فِي نَسَبِ بَنِي ذُبْيَانَ- ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بن بغيض بن ريث بن غطفان. وعوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ- فَحَبَسَهُ وَزَوْجَهُ وَالْتَاطَهُ وَآخَاهُ، فَشَاعَ نَسَبُهُ فِي بَنِي ذُبْيَانَ. وَثَعْلَبَةُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- الّذِي يَقُولُ لِعَوْفٍ حِينَ أُبْطِئَ بِهِ، فَتَرَكَهُ قَوْمُهُ: احْبِسْ عَلَيّ ابْن لُؤَيّ جَمَلَكْ ... تركك القوم ولا مترك لك ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيَهْزِمُ الْجَيْشَ إذَا الْجَيْشُ أَرْجَحَن ... وَيُرَوّي الْعَيْمَانَ مِنْ مَحْضِ اللّبَنْ «1» يُقَالُ: كَبَنَ وَأَكْبَنَ: إذَا اشْتَدّ. وَذَكَرَ قَوْلَ جَرِيرٍ لِبَنِي جُشَمِ «2» بْنِ لُؤَيّ: بَنِي جُشَمٍ لَسْتُمْ لِهَزّانَ، فَانْتَمُوا ... لِأَعْلَى الرّوَابِي مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ يُقَالُ إنّهُمْ أَعْطَوْا جَرِيرًا عَلَى هَذَا الشّعْرِ أَلْفَ عِيرٍ رُبَيّ، وَكَانُوا يَنْتَسِبُونَ إلَى رَبِيعَةَ، فَمَا انْتَسَبُوا بعد إلا لقريش.

_ (1) ارجحن: مال واهتز، والعيمة بفتح العين: شهوة اللبن والعطش وهو عيمان، وهى عيمى، وفى نسب مرة بن عوف، يقول ابن حزم فى الجمهرة.. مُرّةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بن غطفان بن قيس عيلان، وفى الاشتقاق: ذبيان بغيض بن غطفان (2) كان جشم- وهو الحارث بن لؤى- قد دخلوا فى نزار من عنزة، ثم من ربيعة.

"مكانة مرة ونسبه وسادات مرة":

[ «مكانة مرة ونسبه وسادات مرة» :] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، أَوْ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُصَيْنٍ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ: لَوْ كُنْت مُدّعِيًا حَيّا مِنْ الْعَرَبِ، أَوْ مُلْحِقَهُمْ بِنَا لَادّعَيْت بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ، إنّا لَنَعْرِفُ فِيهِمْ الْأَشْبَاهَ مَعَ مَا نَعْرِفُ مِنْ مَوْقِعِ ذَلِكَ الرّجُلِ حيث وقع، يعنى: عوف بن لؤىّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهُوَ فِي نَسَبِ غَطَفَانَ: مُرّةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ ابن بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ. وَهُمْ يَقُولُونَ إذَا ذُكِرَ لَهُمْ هَذَا النّسَبُ: مَا نُنْكِرُهُ، وَمَا نَجْحَدُهُ، وَإِنّهُ لَأَحَبّ النّسَبِ إلَيْنَا. وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمِ بْنِ جُذَيْمَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَحَدُ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفِ حِينَ هَرَبَ مِنْ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، فلحق بقريش: فَمَا قَوْمِي بِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدِ ... وَلَا بِفَزَارَةِ الشّعُرِ الرّقَابَا وَقَوْمِي- إنْ سَأَلْت- بَنُو لُؤَيّ ... بِمَكّةَ عَلّمُوا مُضَرَ الضّرَابَا سَفِهْنَا بِاتّبَاعِ بَنِي بَغِيضِ ... وَتَرْكِ الْأَقْرَبِينَ لَنَا انْتِسَابَا سَفَاهَةَ مُخْلِفٍ لِمَا تُرَوّى ... هَرَاقَ الْمَاءَ، وَاتّبَعَ السّرَابَا فَلَوْ- طُووِعْت- عَمْرَك- كُنْت فِيهِمْ ... وَمَا أُلْفِيت أَنْتَجِعُ السّحَابَا وَخَشّ رَوَاحَةُ الْقُرَشِيّ رِحَلِي ... بِنَاجِيَةٍ وَلَمْ يَطْلُبْ ثَوَابَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فقال [أبو زيد] الحصين بن الحمام [بن ربيعة] الْمُرّيّ ثُمّ أَحَدُ بَنِي سَهْمِ بْنِ مُرّةَ يردّ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمٍ، وَيَنْتَمِي إلَى غَطَفَانَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ

أَلَا لَسْتُمْ مِنّا، وَلَسْنَا إلَيْكُمْ ... بَرِئْنَا إلَيْكُمْ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ أَقَمْنَا عَلَى عِزّ الْحِجَازِ، وَأَنْتُمْ ... بِمُعْتَلَجِ الْبَطْحَاءِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ يَعْنِي: قُرَيْشًا. ثُمّ نَدِمَ الْحُصَيْنُ عَلَى مَا قَالَ، وَعَرَفَ مَا قَالَ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ، فَانْتَمَى إلَى قُرَيْشٍ، وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ، فَقَالَ: نَدِمْت عَلَى قَوْلٍ مَضَى كُنْتُ قُلْتُهُ ... تَبَيّنْتُ فِيهِ أَنّهُ قَوْلُ كَاذِبٍ فَلَيْتَ لِسَانِي كَانَ نِصْفَيْنِ مِنْهُمَا ... بَكِيمٌ، وَنِصْفٌ عِنْدَ مَجْرَى الْكَوَاكِبِ أَبُونَا كِنَانِيّ بِمَكّةَ قَبْرُهُ ... بِمُعْتَلَجِ الْبَطْحَاءِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ لَنَا الرّبُعُ مِنْ بَيْتِ الْحَرَامِ وِرَاثَةً ... وَرُبُعُ الْبِطَاحِ عِنْدَ دَارِ ابْنِ حَاطِبِ أَيْ أَنّ بَنِي لُؤَيّ كَانُوا أَرْبَعَةً: كَعْبًا، وَعَامِرًا، وَسَامَةَ، وَعَوْفًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لِرِجَالِ مِنْ بَنِي مُرّةَ: إنْ شِئْتُمْ أن ترجعوا إلى نسبكم، فارجعوا إليه. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْقَوْمُ أَشْرَافًا فِي غَطَفَانَ، هُمْ سَادَتُهُمْ وَقَادَتْهُمْ. مِنْهُمْ: هَرِمُ بْنِ سنان بن أبى حارثة، وَخَارِجَةُ بْنُ سِنَانِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ، وَالْحَارِثُ ابن عَوْفٍ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحُمَامِ، وَهَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَةَ الّذِي يَقُولُ لَهُ الْقَائِلُ: أَحْيَا أَبَاهُ هَاشِمَ بن حرمله ... يوم الهباءات ويوم اليعمله ترى الملوك عنده مغربله ... يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ، وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ ـــــــــــــــــــــــــــــ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ هَذِهِ الأبيات لعامر الخصفىّ: خصفة ابن قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ: أَحْيَا أَبَاهُ هَاشِمُ بْنُ حرمله ... يوم الهبا آت ويوم اليعمله ترى الملوك عنده مغربله ... يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ، وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ وَرُمْحُهُ للوالدات مثكله وَحَدّثَنِي أَنّ هَاشِمًا قَالَ لِعَامِرِ: قُلْ فِيّ بَيْتًا جَيّدًا أُثِبْكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَامِرٌ الْبَيْتَ الْأَوّلَ، فَلَمْ يُعْجِبْ هَاشِمًا، ثُمّ قَالَ الثّانِيَ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ، ثُمّ قَالَ الثّالِثَ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ، فلما قال الرابع: يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ، وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ أَعْجَبَهُ، فَأَثَابَهُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَلِك الذى أراد الكميت بن زيد [بن الأخنس الأسدى فِي قَوْلِهِ: وَهَاشِمَ مُرّةَ الْمُفْنِي مُلُوكًا ... بِلَا ذَنْبٍ إلَيْهِ وَمُذْنِبِينَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له. وقول عامر: يوم الهباءات. عن غير أبى عبيد قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَوْمٌ لَهُمْ صِيتٌ وَذِكْرٌ فِي غَطَفَانَ وَقَيْسٍ كُلّهَا، فَأَقَامُوا عَلَى نَسَبِهِمْ، وَفِيهِمْ كَانَ الْبَسْلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ

أمر البسل

[أمر البسل] والبسل- فيما يزعمون- نسيئهم ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ حُرُمٍ، لَهُمْ مِنْ كُلّ سَنَةٍ مِنْ بَيْنِ الْعَرَبِ قَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ لَهُمْ الْعَرَبُ لَا يُنْكِرُونَهُ، وَلَا يَدْفَعُونَهُ، يَسِيرُونَ بِهِ إلى أىّ بلاد العرب شاءوا، ولا يَخَافُونَ مِنْهُمْ شَيْئًا. قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى، يَعْنِي بَنِي مُرّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زُهَيْرُ أَحَدُ بَنِي مُزَيْنَةَ بْنِ أُدّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، وَيُقَالُ: زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى مِنْ غَطَفَانَ، وَيُقَالُ: حَلِيفٌ فى غطفان. تَأَمّلْ، فَإِنْ تُقْوِ الْمَرُورَاةَ مِنْهُمْ ... وَدَارَاتِهَا لَا تُقْوِ مِنْهُمْ إذًا نَخْل بِلَادٌ بِهَا نَادِمَتُهُمْ وألفتهم ... فإن تقويا منهم فإنهم بسل أى: حرام. يَقُولُ: سَارُوا فِي حَرَمِهِمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: أَجَارَتُكُمْ بَسْلٌ عَلَيْنَا مُحَرّمٌ ... وَجَارَتُنَا حِلّ لَكُمْ وَحَلِيلُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قصيدة له. [ «أولاد كعب ومرة وأمهاتهم» :] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيّ ثلاثة نفر: مرّة بن كعب، وعدىّ ابن كَعْبٍ، وَهُصَيْصَ بْنَ كَعْبٍ. وَأُمّهُمْ: وَحْشِيّةُ بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بن النضر. ـــــــــــــــــــــــــــــ

"نسب بارق"

فَوَلَدَ مُرّةُ بْنُ كَعْبٍ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ: كِلَابَ بن مرّة، وتيم بن مرّة، ويقظة ابن مُرّةَ. فَأُمّ كِلَابٍ: هِنْدُ بِنْتُ سُرَيْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ [فِهْرِ بْنِ] مَالِكِ ابن كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ. وَأُمّ يَقَظَةَ: الْبَارِقِيّةُ، امْرَأَةٌ مِنْ بَارِقٍ، مِنْ الْأَسْدِ مِنْ الْيَمَنِ. وَيُقَالُ: هى أم تيم. ويقال: تيم هند بنت سرير أم كلاب. [ «نَسَبُ بَارِقٍ» ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَارِقٌ: بَنُو عَدِيّ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بن حارثة ابن امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَهُمْ فِي شَنُوءَةَ. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ: وَأَزْدُ شَنُوءَةَ انْدَرَءُوا عَلَيْنَا ... بِجُمّ يَحْسِبُونَ لَهَا قُرُونَا فَمَا قُلْنَا لِبَارِقَ: قَدْ أَسَأْتُمْ ... وَمَا قُلْنَا لِبَارِقَ: أَعْتِبُونَا قَالَ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَإِنّمَا سُمّوا بِبَارِقَ؛ لِأَنّهُمْ تَبِعُوا الْبَرْقَ. [ «وَلَدَا كِلَابٍ وَأُمّهُمَا» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ كِلَابُ بْنُ مُرّةَ رَجُلَيْنِ: قُصَيّ بْنَ كِلَابٍ، وزهرة ابن كِلَابٍ. وَأُمّهُمَا: فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ أحد الْجَدَرَةِ، مِنْ جُعْثُمَةَ. الْأَزْدِ، مِنْ الْيَمَنِ، حُلَفَاءُ فِي بَنِي الدّيْلِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ. [ «نَسَبُ جُعْثُمَةَ» ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: جُعْثُمَةُ الأسد، وجعثمة الأزد، وهو جعثمة ـــــــــــــــــــــــــــــ

"عود إلى أولاد كلاب"

ابن يَشْكُرَ بْنِ مُبَشّرِ بْنِ صَعْبِ بْنِ دُهْمَانَ بن نصر بن زهران بن الحارث ابن كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَيُقَالُ: جُعْثُمَةُ ابن يَشْكُرَ بْنِ مُبَشّرِ بْنِ صَعْبِ بْنِ نَصْرِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ. وَإِنّمَا سُمّوا الْجَدَرَةَ؛ لِأَنّ عَامِرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جعثمة تزوّج بنت الحارث ابن مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيّ، وَكَانَتْ جُرْهُمُ أَصْحَابَ الْكَعْبَةِ. فَبَنَى للكعبة جدارا، فسمّى عامر بِذَلِك: الْجَادِرِ، فَقِيلَ لِوَلَدِهِ: الْجَدَرَةُ لِذَلِك. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلِسَعْدِ بْنِ سَيَلٍ يَقُولُ الشّاعِرُ: مَا نَرَى فِي النّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا ... مَنْ عَلِمْنَاهُ كَسَعْدِ بْنِ سَيَلْ فَارِسًا أَضْبَطَ، فِيهِ عُسْرَةٌ ... وَإِذَا مَا وَاقَفَ الْقِرْنَ نَزَلَ فَارِسًا يَسْتَدْرِجُ الْخَيْلَ كَمَا اسْتَدْرَجَ ... الْحُرّ الْقَطَامِيّ الْحَجَل قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: كَمَا اسْتَدْرَجَ الْحُرّ. عن بعض أهل العلم بالشعر. [ «عود إلى أَوْلَادِ كِلَابٍ» ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنُعْمُ بِنْتُ كلاب، وهى أم سعد وَسُعَيْدٍ ابْنَيْ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، وَأُمّهَا: فَاطِمَةُ بِنْتُ سعد بن سيل. [ «أولاد قصى وعبد مناف وأمهاتهم» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ أربعة نفر وامرأتين: عبد مناف ابن قصىّ، وَعَبْدَ الدّارِ بْنَ قُصَيّ، وَعَبْدَ الْعُزّى بْنَ قصىّ، وعبد بْنَ قُصَيّ، وَتَخْمُرَ بِنْتَ قُصَيّ، وَبَرّةَ بِنْتَ قُصَيّ. وَأُمّهُمْ: حُبَيّ بِنْتُ حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عمرو الخزاعي. ـــــــــــــــــــــــــــــ

قال ابن هشام: ويقال: حبشية بن سلول. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَ عَبْدُ مَنَافٍ- وَاسْمُهُ: الْمُغِيرَةُ بْنُ قُصَيّ- أَرْبَعَةَ نَفَرٍ: هَاشِمَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَعَبْدَ شَمْسِ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَالْمُطَلّبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمّهُمْ: عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرّةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ فَالِجِ بْنِ ذَكْوَانَ بن ثعلبة ابن بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ، وَنَوْفَلَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمّهُ: وَاقِدَةُ بِنْتُ عَمْرٍو الْمَازِنِيّةُ. مَازِنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ شِعْرَ الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمٍ. وَقَوْلُهُ «1» : سَفَاهَةَ مُخْلِفٍ، وَهُوَ الْمُسْتَقِي [لِلْمَاءِ] ، وَفِيهِ لَمْ يَذْكُرْ: لَعَمْرُك إنّنِي لَأُحِبّ كَعْبًا ... وَسَامَةَ إخْوَتِي حُبّي الشّرَابَا وَقَوْلُهُ: وَخَشّ رَوَاحَةُ الْقُرَشِيّ رَحْلِي بِنَاجِيَةِ. أَيْ: بِنَاقَةِ سَرِيعَةٍ يُقَالُ: خَشّ السّهْمَ بِالرّيْشِ، إذَا رَاشَهُ بِهِ، فَأَرَادَ: رَاشَنِي وَأَصْلَحَ رَحْلِي بِنَاجِيَةِ، وَلَمْ يَطْلُبْ ثَوَابًا بِمَدْحِهِ بِذَلِكَ. وَرَوَاحَةُ هذا: هو رواحة بن منقذ ابن مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ كَانَ قَدْ رَبَعَ فِي الْجَاهِلِيّةِ أَيْ: رَأَسَ، وَأَخَذَ الْمِرْبَاعَ «2» . وَقَوْلُهُ: لَوْ طُووِعْت عَمْرَك كُنْت فِيهِمْ، وَنَصَبَ عَمْرَك عَلَى الظرف.

_ (1) بدأ يشرح قصيدة الحارث بن ظالم. (2) نسب رواحة فى كتاب نسب قريش: رواحة بن منقذ- فى الروض كانت دالا- بن عمرو بن معيص الخ ص 437. والمرباع: كانوا فى الجاهلية إذا غزا بعضهم بعضا، وغنموا، أخذ الرئيس ربع الغنيمة يقول شاعرهم: لَك الْمِرْبَاعُ مِنْهَا وَالصّفَايَا ... وَحُكْمُك وَالنّشِيطَةُ وَالْفُضُولُ الصفايا: ما يصطفيه الرئيس، والنشيطة: ما أصاب من الغنيمة قبل أن يصير إلى مجتمع الحى، والفضول: ما عجز أن يقسم لقلته، وخص به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: وَمَا أَلْفَيْت أَنْتَجِعُ السّحَابَا. أَيْ: كَانُوا يُغْنُونَنِي بِسَيْبِهِمْ وَمَعْرُوفِهِمْ عَنْ انْتِجَاعِ السّحَابِ، وَارْتِيَادِ الْمَرَاعِي فِي الْبِلَادِ. وَقَوْلُ الْحَصِينِ: بِمُعْتَلَجِ الْبَطْحَاءِ: أَيْ حَيْثُ تَعْتَلِجُ السّيُولِ، وَالِاعْتِلَاجُ عَمَلٌ بِقُوّةِ، قَالَ الشّاعِرُ: لَوْ قُلْت لِلسّيْلِ دَعْ طَرِيقَك وَالٍ ... سّيْلُ كَمِثْلِ الْهِضَابِ يَعْتَلِجُ وَفِي الْحَدِيثِ: إنكما علجلن، فَعَالِجَا عَنْ دِينِكُمَا «1» ، وَفِي الْحَدِيثِ: إنّ الدّعَاءَ لَيَلْقَى الْبَلَاءَ نَازِلًا مِنْ السّمَاءِ، فَيَعْتَلِجَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَيْ: يَتَدَافَعَانِ بِقُوّةِ. وَقَوْلُهُ: لَنَا الرّبُعُ بِضَمّ الرّاءِ، يُرِيدُ: أَنّ بَنِي لُؤَيّ كَانُوا أَرْبَعَةً: أَحَدُهُمْ: أَبُوهُمْ، وَهُوَ عَوْفٌ، وَبَنُو لُؤَيّ هُمْ: أَهْلُ الْحَرَمِ، وَلَهُمْ وِرَاثَةُ الْبَيْتِ. وَالْأَخَاشِبُ: جِبَالُ مَكّةَ، وَقَدْ يُقَالُ لِكُلّ جَبَلٍ: أَخْشَبُ، أَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَأَنّ فَوْقَ مَنْكِبَيْهِ أَخْشَبَا وَذَكَرَ خَارِجَةَ بْنَ سِنَانٍ الّذِي تَزْعُمُ قيس أن الجنّ اختطفته لتستفحله «2» نساؤها لِبَرَاعَتِهِ وَنَجْدَتِهِ، وَنَجَابَةِ نَسْلِهِ، وَقَدْ قَدِمَتْ بِنْتُهُ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهَا: مَا كَانَ أَبُوك أَعْطَى زُهَيْرًا حِينَ مَدَحَهُ، فَقَالَتْ: أَعْطَاهُ مَالًا وَرَقِيقًا وَأَثَاثًا أَفْنَاهُ الدّهْرُ، فَقَالَ: لَكِنْ مَا أَعْطَاكُمْ زُهَيْرٌ لَمْ يُفْنِهِ الدّهْرُ، وَكَانَ خَارِجَةُ بقيرا

_ (1) العلج: الرجل القوى الضخم، فعالجا: أى مارسا العمل الذى ندبتكما إليه، واعملا به. (2) أى لتجعله كل منهن فى مكان الزوج منها، والقول خرافة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَمَرَتْ أُمّهُ عِنْدَ مَوْتِهَا أَنْ يُبْقَرَ بَطْنُهَا عَنْهُ، فَفَعَلُوا فَخَرَجَ حَيّا، فَسُمّيَ خَارِجَةَ، وَيُقَالُ لِلْبَقِيرِ: خِشْعَةُ، قَالَ الْحَطِيئَةُ يَعْنِي خَارِجَةَ بْنِ سِنَانٍ: لَقَدْ عَلِمَتْ خَيْلُ ابْنِ خِشْعَةَ أَنّهَا ... مَتَى مَا يَكُنْ يَوْمًا جِلَادٌ تُجَالِدُ وَقَوْلُ عَامِرٍ: تَرَى الْمُلُوكَ حَوْلَهُ مُغَرْبَلَهْ. قِيلَ مَعْنَاهُ: مُنْتَفِخَةٌ، وَذَكَرُوا أَنّهُ يُقَالُ: غَرْبَلَ الْقَتِيلُ إذَا انْتَفَخَ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ «1» وَإِنْ كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ قَدْ ذَكَرَهُ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفِ، وَأَيْضًا: فَإِنّ الرّوَايَةَ بِفَتْحِ الْبَاءِ مُغَرْبَلَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: يَتَخَيّرُ الْمُلُوكَ فَيَقْتُلُهُمْ، وَاَلّذِي أَرَاهُ فِي ذَلِكَ أَنّهُ يُرِيدُ بِالْغَرْبَلَةِ اسْتِقْصَاءَهُمْ، وَتَتْبَعُهُمْ، كَمَا قَالَ مَكْحُولٌ الدّمَشْقِيّ: وَدَخَلَتْ الشّامَ، فَغَرْبَلْتهَا غَرْبَلَةً، حَتّى لَمْ أَدَعْ عِلْمًا إلّا حَوَيْته، فِي كل ذلك أسئل عَنْ الْبَقْلِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَمَعْنَى هَذَا: التّتَبّعُ وَالِاسْتِقْصَاءُ، وَكَأَنّهُ مِنْ غَرْبَلْت الطّعَامَ. إذَا تَتَبّعْته بِالِاسْتِخْرَاجِ، حَتّى لَا تَبْقَى إلّا الْحُثَالَةُ. وَقَوْلُهُ: يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ «2» إنما أعجب هاشما هذا البيت؛ لأنه

_ (1) المغربل اسم مفعول- المقتول المنتفخ. وعند الخشنى ص 35 «مغربلة: مقتولة. يقال: غربل إذا قتل أشراف الناس وخيارهم» (2) ورد البيتان فى الاشتقاق «لابن دريد هكذا: أحيا أباه هاشم بن حرمله ... إذ الملوك حوله مرعبله ورمحه للوالدات مثكلة ... يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ وفى نسخة من نسخ الاشتقاق «وقالوا: مغربلة؛ فمرعبلة مقطعة، ومغربلة مستأصلة» ص 290 بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَصَفَهُ فِيهِ بِالْعِزّ وَالِامْتِنَاعِ، وَأَنّهُ لَا يَخَافُ حَاكِمًا يُعْدِي عَلَيْهِ، وَلَا تِرَةً مِنْ طَالِبِ ثَأْرٍ. وَهَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَةَ هَذَا هُوَ: جَدّ مَنْظُورُ بْنُ زَبّانَ بْنِ يَسَارٍ «1» الّذِي كَانَتْ بِنْتُهُ زُجْلَةَ عِنْدَ ابْنِ الزّبَيْرِ، فَهُوَ جَدّ مَنْظُورٍ لِأُمّهِ، وَاسْمُهَا: قِهْطِمُ بِنْتُ هَاشِمٍ. كَانَتْ قِهْطِمُ قَدْ حَمَلَتْ بِمَنْظُورِ أَرْبَعَ سِنِينَ «2» ، وَوَلَدَتْهُ بِأَضْرَاسِهِ، فَسُمّيَ مَنْظُورًا لِطُولِ انْتِظَارِهِمْ إيّاهُ، وَفِي زَبّانَ بْنِ سَيّارٍ وَالِدِ مَنْظُورٍ يَقُولُ الْحُطَيْئَةُ: وَفِي آلِ زَبّانَ بْنِ سَيّارَ فِتْيَةٌ ... يَرَوْنَ ثَنَايَا الْمَجْدَ سَهْلًا صِعَابُهَا وَلَمْ يَصْرِفْ سَيّارًا لِمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ. مُزَيْنَةُ: وَذَكَرَ زُهَيْرًا وَنَسَبَهُ إلَى مُزَيْنَةَ، وَهُمْ بَنُو عثمان بن عمرو بن الأطم ابن أَدّ بْنِ طَابِخَةَ «3» . قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ: فَإِنّك خَيْرُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرٍو ... وَأَسْنَاهَا إذَا ذُكِرَ السّنَاءُ يَمْدَحُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ، وَمُزَيْنَةُ: أمّهم، وهى بنت كلب بن وبرة،

_ (1) فى الاشتقاق: زبان بن سيار لا يسار وسيأتى فى الروض. وقد تزوج بنات منظور: الحسن بن على، ومحمد بن طلحة، وعبد الله بن الزبير، والمنذر بن الزبير. (2) إن ربنا سبحانه يرشدنا فى القرآن إلى أن حمل الإنسان وفصاله ثلاثون شهرا فكيف نصدق هذا؟ (3) فى ترجمة زهير فى الأغانى: عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة. وفى الاشتقاق: عمرو بن أد بن طابخة ص 180 وكذلك فى الجمهرة لابن حزم: عمرو ابن أد بن طابخة، ومزينة هى أم ولد عمر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأُخْتُهَا: الْحَوْأَبُ بِنْتُ كَلْبٍ الّتِي يُعْرَفُ بِهَا مَاءُ الْحَوْأَبِ «1» الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: أَيّتُكُنّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الْأَدْبَبِ «2» تَنْبَحُهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ. الْبَسْلُ: وَذَكَرَ الْبَسْلَ وَهُوَ الْحَرَامُ، وَالْبَسْلُ أَيْضًا: الْحَلَالُ، فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ وَمِنْهُ: بُسْلَةُ الرّاقِي، أَيْ مَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى الرّقْيَةِ، وَبَسْلٌ فِي الدّعَاءِ بِمَعْنَى: آمِينَ، قَالَ الرّاجِزُ [المتلمّس] . لا خاب من نقعك مَنْ رَجَاك ... بَسْلًا، وَعَادَى اللهُ مَنْ عَادَاك» وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ فِي أَثَرِ الدعاء: آمين وبسلا، أى: استجابة.

_ (1) حوأب: يقال: واد احوأب: واسع. وعرفه الأزهرى بقوله: الحوأب: واد فى وهدة من الأرض واسع. وحوأب: ماء أو موضع قريب من البصرة وفى اللسان: أنه منزل بين البصرة ومكة، وهو الذى نزلته عائشة رضى الله عنها لما جاءت إلى البصرة فى وقعة الجمل. وفى التهذيب: الحوأب موضع بئر نبحت كلا به أم المؤمنين مقبلها من البصرة، والحوأب: بنت كلب بن وبره «بسكون الباء ويضبطها الاشتقاق بالفتح دائما» . (2) إنما أريد: الأدبّ بإدغام الباء- ليوازن به كلمة الحوأب، وهو الجمل الكثير الوبر، أو الكثير وبر الوجه، وقد روى أحمد والبزار هذا الحديث، ورواياته مضطربة، وتبدو فيه رائحة شيعية. فلم يروه غير أحمد والبزار. (3) فى اللسان «البسل من الأضداد وهو الحرام والحلال، والواحد والجميع والمذكر والمؤنث فى ذلك سواء.. والإبسال: التحريم. وعن ابن سيدة: قالوا فى الدعاء على الإنسان: بسلا وأسلا. وفى التهذيب يقال: بسلا له والبيت الذى فى الروض للمتلمس، وأنشده ابن جنى برفع كلمة بسل، وقال: هو بمعنى: آمين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُ زُهَيْرٍ: فَإِنْ تُقْوِ الْمَرَوْرَاةُ مِنْهُمْ. الْبَيْتُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النّسَخِ الْمَرَوْرَاتُ بِتَاءِ مَمْدُودَةٍ، كَأَنّهُ جَمْعُ مَرَوْرٍ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مِثْلُ هَذَا الْبِنَاءِ، وَإِنّمَا هُوَ الْمَرَوْرَاةُ بِهَاءِ مِمّا ضُوعِفَتْ فِيهِ الْعَيْنُ وَاللّامُ، فَهُوَ فَعَلْعَلَةٌ مِثْلُ صَمَحْمَحَةٍ، وَالْأَلِفُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ أَصْلِيّةٍ، وَهَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ جَعَلَهُ مِثْلَ: شَجَوْجَاةٍ، وَأَبْطَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ عَثَوْثَلٍ، وَقَالَ ابْنُ السّرّاجِ فِي قَطَوْطَاةٍ: وَهُوَ مِثْلُ: مَرَوْرَاةٍ، هُوَ فَعَوْعَلٌ مِثْلُ: عَثَوْثَلٍ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِيهِ: إنّهُ مِنْ بَابِ صَمَحْمَحَةٍ، فَالْوَاوُ زَائِدَةٌ عَلَى قَوْلِ ابن السراج، ووزنه عنده: فعوعلة «1» .

_ (1) فى اللسان فى مادة مرو: المروراة: الأرض أو المفازة التى لا شئ فيها، وهى فعوعلة «بفتح الفاء والعين وسكون الواو وفتح العين واللام» والجمع: المرورى «بفتح الميم والراء وإسكان الواو وفتح الراء والمروريات «بفتح الميم والراء وإسكان الواو وفتح الراء، والمرارى بكسر الراء الأخيرة» وقال سيبويه هو بمنزلة صمحمح، وليس بمنزلة عثوثل؛ لأن باب الأولى أكثر من باب عثوثل. وقال ابن برى: مروراة عند سيبويه فعلعلة، قال فى ما تقلب فيه الواو ياء: وأما المروراة فبمنزلة الشّجوجاة، وهما بمنزلة صمحمح، ولا تجعلهما على عثوثل؛ لأن فعلعلا أكثر، والصمحمح: الشديد القوى، وجمعه: صمامح، وهى من الثلاثى الملحق بالخماسى أى: بسفرجل، أما عثوثل فالكثير اللحم الرخو، وهى من الثلاثى الملحق بالخماسى، ويرى الفراء- كما ورد فى شرح الشافية ص 63 ح (أن صمحمح على وزن فعلّل «بفتح الفاء والعين وتضعيف اللام» . وقال: لو كان فعلعلا لكان صرصر وزلزل فعفع- ويرد عليه الشارح بقوله: وليس ما قال بشئ، لأنا لا نحكم بزيادة التضعيف إلا بعد إكمال ثلاثة أصول. أما قطوطى- وهو البطئ المشى، فهى عند سيبويه فعوعل كغدودن، أما المبرد فجعلها على «فعلعل، وقال: أصله قطوط «بفتح القاف والطاء وإسكان الواو» . وحجة سيبويه أنه جاء منه: اقطوطى أى: أبطأ فى مشيه-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَعْلَامٌ وَأَنْسَابٌ: وَذَكَرَ هُصَيْصَ بْنَ كَعْبٍ، وَهُوَ: فُعَيْلٌ مِنْ الْهَصّ، وَهُوَ: الْقَبْضُ بِالْأَصَابِعِ. مِنْ كِتَابِ الْعَيْنِ «1» . وَذَكَرَ يَقَظَةَ بْنَ مُرّةَ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَقَدْ وَجَدْته بِسُكُونِ الْقَافِ فِي أَشْعَارٍ مُدِحَ بِهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَمِنْهَا قَوْلُ الشاعر: وأنت لمحزوم بْنِ يَقْظَةَ جَنّةٌ ... كِلَا اسْمَيْك فِيهَا مَاجِدٌ وَابْنُ مَاجِدِ وَأُمّ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ جَدّ بَنِي مَخْزُومٍ: كَلْبَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ. قَالَهُ الزّبَيْرُ «2» . وَذِكْرُ بَارِقَ، وَهُمْ: بَنُو عَدِيّ من الْأَزْدِ، وَقَالَ: سُمّوا: بَارِقَ؛ لِأَنّهُمْ اتّبَعُوا الْبَرْقَ، وَقَدْ قِيلَ: إنّهُمْ نَزَلُوا عِنْدَ جَبَلٍ يُقَالُ له: بارق، فسمّوا به «3» .

_ - مثل اغدودن: افعوعل، وافعلعل لم يأت فى كلام العرب، ولو كان فعلعلا كما زعم المبرد، لكان القياس حذف الواو الأولى. والشجوجى: الطويل الظهر القصير الرجل، وقيل: المفرط الطول الضخم العظام، والشجوجى: العقعق والأنثى شجوجاة. (1) والهص «بفتح الهاء» أيضا: الصلب من كل شئ، وشدة الغمز والوطء للشئ حتى تشدخه. (2) فى ص 299 من نسب قريش ما ذكره السهيلى عن نسب أم مخزوم (3) فى الاشتقاق عن بارق ص 480 أنه سمى بارقا بجبل نزله بالسراة، هذا ذهب صاحب نسب قريش ص 14

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُ الْكُمَيْتِ: بِجُمّ يَحْسَبُونَ لَهَا قُرُونًا. أَيْ: يُنَاطِحُونَ بِلَا عُدّةٍ وَلَا مِنّةٍ «1» كَالْكِبَاشِ الْجُمّ الّتِي لَا قُرُونَ لَهَا، وَيَحْسَبُونَ أَنّ لَهُمْ قُوّةً. وَالْكُمَيْتُ هَذَا هُوَ: ابْنُ زَيْدِ أَبُو الْمُسْتَهِلّ مِنْ بَنِي أَسْدٍ. وَفِي أَسْدٍ: الْكُمَيْتُ بْنُ مَعْرُوفٍ، كَانَ قَبْلَ هَذَا، وَفِيهِمْ أَيْضًا الكميت ابن ثَعْلَبَةَ، وَهُوَ أَقْدَمُ الثّلَاثَةِ، وَابْنُ مَعْرُوفٍ هُوَ الّذِي يَقُولُ: [خُذُوا الْعَقْلَ إنْ أَعْطَاكُمْ الْقَوْمُ عَقْلَكُمْ ... وَكُونُوا كَمَنْ سِيمَ الْهَوَانَ فَأَرْبَعَا] وَلَا تُكْثِرُوا فِيهِ الضّجَاجَ، فَإِنّهُ ... مَحَا السّيْفُ مَا قال ابن دارة أجمعا «2»

_ (1) القوة (2) ابن دارة هو: سالم بن مسافع بن يربوع أحد بنى عبد الله بن غطفان، ودارة: أمه، كان هجا بعض بنى فزارة هجوا شنيعا، فاغتاله زميل الفزارى وقال: أنا زميل قاتل ابن داره ... وراحض المخزاة عن فزارة ثم جعلت عقله البكاره والعقل: الدية: والبكارة: جمع بكر من الإبل والشعر: «خذوا العقل» منسوب الكميت بن معروف فى البيان والتبيين، وفى حماسة البحترى، وشرح الحماسة للتبريزى ومنسوب إلى الكميت بن ثعلبة فى خزانة البغدادى والمؤتلف، وقد أخطأ البكرى فى السمط، فنسبه إلى زميل بن أبرد «انظر مجمع الأمثال للميدانى ص 279 ج 2 ط السنة المحمدية، ص 389 ج 1 البيان والتبيين بتحقيق الأستاذ؟؟ هارون، ص 689 السمط للبكرى، والزيادة فى الشعر من البيان ومجمع؟؟ وقبل البيتين بيت استحييت من ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْجَدَرَةُ: وَذَكَرَ الْجَدَرَةَ، وَقَالَ: هُمْ بَنُو عَامِرِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ جُعْثُمَةَ، وَفِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ زِيَادَةُ خُزَيْمَةَ خَطَأٌ، إنّمَا هُوَ: عَمْرُو بْنُ جُعْثُمَةَ، وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ السّيْلَ ذَاتَ مَرّةٍ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، وَصَدّعَ بُنْيَانَهَا، فَفَزِعَتْ لِذَلِكَ قُرَيْشٌ، وَخَافُوا انْهِدَادَهَا إنْ جَاءَ سَيْلٌ آخَرُ، وَأَنْ يَذْهَبَ شَرَفُهُمْ وَدِينُهُمْ، فَبَنَى عَامِرٌ لَهَا جِدَارًا، فَسُمّيَ: الْجَادِرَ. وَقَوْلُهُ فِي الْجَدَرَةِ: حُلَفَاءِ بَنِي الدّيلِ. الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ: أَنّ الدّيلَ فِي عَبْدِ الْقَيْسِ، وهو الدّيل بن عمرو بن وديعة «1» [ابن أَفْصَى بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ] ، وَالدّيلُ أَيْضًا فِي الْأَزْدِ، وَهُوَ ابْنُ هَدْهَادَ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ، وَالدّيلُ أَيْضًا فِي تَغْلِبَ وَهُوَ: ابْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ تَغْلِبَ، وَالدّيلُ أَيْضًا فِي إيَادٍ، وَهُوَ ابْنُ أُمَيّةَ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ إيَادٍ، وَأَمّا الّذِي فِي كِنَانَةَ، وَهُمْ الّذِينَ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ أَبُو الْأَسْوَدِ الدّؤَلِيّ، وَهُوَ: ظَالِمُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُمْ حُلَفَاءُ الْجَدَرَةِ، فَابْنُ الْكَلْبِيّ وَمُحَمّدُ بْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ النّسَبِ يَقُولُونَ فِيهِ: الدّئِلُ بِضَمّ الدّالِ وَهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ، وَيَنْسُبُونَ إلَيْهِ دُؤَلِيّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ اللّغَةِ، مِنْهُمْ: الْكِسَائِيّ وَيُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ وَالْأَخْفَشُ يَقُولُونَ فِيهِ: الدّيلُ بِكَسْرِ

_ (1) ابن وديعة بن لكيز «بضم اللام وفتح الكاف وإسكان الياء» ولكيز وأخوه شن: هما قبيلا عَبْدِ الْقَيْسِ بْنِ أَفْصَى بْنِ دُعْمِيّ بْن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن نزار، وفى الإنباه لابن عبد البر مثل ما فى السيرة. أما فى نسب قريش ففيه عن الجدرة: وهم حلفاء لبنى نفاثة بن عدى بن الدئل بضم الدال وكسر الهمزة ابن بكر بن عبد مناة. وفى جمهرة ابن حزم «الدّئل بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ» وضبط دئل مثل ضبط النسب لها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لدال، وَيَنْسُبُونَ إلَيْهِ الدّيلِيّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. قَالَ محمد بن حبيب: ابن لكلبى وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ النّسَبِ أَقْعَدُ بِهَذَا، وَإِلَيْهِمْ يُرْجَعُ فِيمَا أَشْكَلَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَأَمّا الدّوَلُ، فَالدّوَلُ بْنُ حَنِيفَةَ، وَاسْمُ حنيفة: أثال بن لجيم ابْنُ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَهُمْ رَهْطُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ، وَفِي رَبِيعَةَ أَيْضًا، ثُمّ فِي عَمْرَةَ: الدّوَلُ بْنُ صَبَاحٍ، وَفِي الرّبَابِ: الدّوَلُ بْنُ جَلّ بْنِ عَدِيّ ابن عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ أُدّ، بْنِ طَابِخَةَ، وَفِي الْأَسْدِ: الدّوَلُ بْنُ سَعْدِ مَنَاةَ بْنِ غَامِدٍ. وَاَلّذِي تَقَيّدَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ فِي الدّيلِ بْنِ بَكْرٍ بِكَسْرِ الدّالِ وَالْيَاءِ السّاكِنَةِ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ النّسّابِ: الْعَدَوِيّ وَابْنُ سَالِمٍ الجُمَحِيّ، وَمَنْ تَقَدّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللّغَةِ «1» ، وَالدّأْلُ عَلَى وَزْنِ فَعْلٍ مِنْ: دَأَلَ يدأل إذا مشى بعجلة، وأما

_ (1) إليك ما ورد فى اللسان وغيره عن الدئل والديل «والدّئل بالضم بطن أمهما: أم خارجة البجلية التى يضرب بها المثل فى سرعة النكاح» «جمهرة ص 170، ومجمع الأمثال، وفى الاشتقاق: وفى العرب: الديل بكسر الدال. والدول بضم الدال وإسكان الواو، والدئل بضم الدال ثم همزة مكسورة. وفى اللسان: الدئل بضم الدال وهمزة مكسورة: دويبة شبيهة بابن عرس. وفيه البيت: جاءوا بجيش لو قيس معرسه منسوبا إلى كعب بن مالك ولا يوجد اسم على وزن فعل بضم فكسر سوى الدئل ورئم قال الجوهرى نقلا عن الأخفش وهو قول ثعلب أيضا: وإلى المسمى بهذا نسب أبو الأسود الدّولى بضم الدال وفتح الهمزة إلا أنهم فتحوا الهمزة على مذهبهم فى النسبة استثقالا لتوالى الكسرتين مع ياءى النسب، كما ينسب إلى نمر: نمرى بفتح النون والميم وربما قالوا: الدولى بقلب الهمزة واوا، لأن الهمزة إذا فتحت، وكانت قبلها ضمة-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدّيلُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَكَأَنّهُ سُمّيَ بِالْفِعْلِ مِنْ ديل عليهم من الدّولة على وزن

_ - فإنها تخفف لقلبها واوا محضة، كما قالوا فى جؤن: جون، وفى مؤن مون. وقال ابن الكلبى: هو أبو الأسود الدّيلى، فقلبت الهمزة ياء حين انكسرت فإذا انقلبت ياء كسرت الدال لتسلم الياء، كما تقول: قيل وبيع. واسمه: ظالم بن عمرو بن سليمان بن عمرو بن حلس بكسر الحاء بن نفاثة بضم النون بن عدى بن الدّئل ابن بكر بن كنانة، قال الأصمعى: وأخبرنى عيسى بن عمر قال: الدّيل بن بكر الكنانى إنما هو: الدّئل، فترك أهل الحجاز همزه. وعند السيرافى أن أهل البصرة يقولون الدّؤلى، وهو من الدّئل بن بكر بن كنانة. ويقول ابن حبيب: الدّئل بن كنانة، ويقول أيضا: الدّئل بن محلم بن غالب بن مليح بن الهون ابن خزيمة بن مدركة. وعن يونس أنهم ثلاثة: الدّول من بنى حنيفة: بسكون الواو، والديل من قيس ساكنة الياء، والدّئل فى كنانة رهط أبى الأسود. وجماعة من النحويين منهم الكسائى يقولون: الديلى بكسر الدال وما بعدها، وعن محمد بن حبيب: الدّئل فى كنانة بضم الدال وكسر الهمزة، وكذلك فى الهون بن خزيمة والديل فى الأزد بكسر الدال وإسكان الياء. والديل بن هداد بن زيد مناة وفى عبد القيس كذلك: الديل بن عمرو بن وديعة، وفى تغلب كذلك الديل بن زيد بن غنم بن تغلب، وفى ربيعة بن نزار: الدّول بن حنيفة، وفى عنزة: الدّول بن سعد ابن مناة بن عامر مثله، وفى ثعلبة: الدول بن ثعلبة بن سعد ضبّة. وفى الرّباب: الدول بن جل بن عدى بن عبد مناة. وعن ابن سيدة: والدّئل حى من كنانة وقيل فى بنى عبد القيس، والنسب إليه دؤلىّ ودئلى وهذه نادرة فما فى الكلام فعلى بضم الفاء وكسر العين. وابن السكيت يقول: الدّؤلى مفتوج الواو مهموز منسوب إلى الدّئل من كنانة، والدّول فى حنيفة ينسب إليهم الدّولى، والديل فى عبد القيس ينسب إليهم الديلى. وما نسبه اللسان إلى ابن الكلبى عين ما نسبه السهيلى. وفى القاموس عن نسب أبى الأسود نقلا عن شرح اللمع للأصبهانى إنما هود ئلى بكسر الدال وفتح الهمزة: نسبة إلى دئل كعنب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ. وَقَدْ قِيلَ: إنّ الدّئِلَ بْنَ بَكْرٍ سُمّيَ بِالدّئِلِ، وَهِيَ دُوَيْبّةٌ صَغِيرَةٌ، وَأَنْشَدُوا لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ [الْأَنْصَارِيّ] : جَاءُوا بِجَيْشِ لَوْ قِيسَ مُعْرَسُهُ ... مَا كَانَ إلّا كَمُعْرَسِ الدّئِلِ «1» وَأَنْشَدَ فِي سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ، وَاسْمُ سَيَلٍ: خَيْرُ بْنُ حَمَالَةَ، قَالَهُ الطّبَرِيّ، وَالسّيَلُ «2» هُوَ: السّنْبُلُ، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ حَلّى السيوف بالذهب والفضة.

_ (1) فى الاشتقاق ورد فى البيت: معظمه، كمفحص، بدلا من: معرسه كمعرس. والمعرس هو مكان القوم ينزلون فيه بالليل وبعده: عار من النسل والثّراء ومن ... أبطال أهل البطحاء والأسل والشعر فى جيش أبى سفيان الذين وردوا المدينة فى غزوة السويق، وأحرقوا النخيل ثم انصرفوا، والأشهر فى معرس: معرس بتضعيف الراء المفتوحة، وهو فى البيت يصف الجيش بالقلة والحقارة. يعنى لو قدر مكانهم عند تعريسهم كان كمكان هذه الدابة عند تعريسها، وذكر صاحب الأغانى أن أبا سفيان، وهو يتجهز من مكة المكرمة خارجا إلى المدينة المنورة قال أبياتا من الشعر يحرض فيها قريشا: كرّوا على يثرب وجمعهم ... فإن ما جمعوا لكم نفل إن يك يوم القليب كان لهم ... فإن ما بعده لكم دول آليت لا أقرب النساء، ولا ... يمسّ رأسى وجلدى الغسل حتى تبيروا قبائل الأوس وال ... خزرج إن الفؤاد مشتعل فأجابه كعب: يا لهف أم المستمحين على ... جيش بن حرب بالحرة الفشل ثم ذكر البيتين السابقين انظر ص 13 وما بعدها ج 4 شرح الشافية للرضى. (2) هى فى جميع ما اطلعت عليه من كتب الأنساب: سيل. وليس من معانى السيل: السنبل، وإنما الذى بمعنى السنبل هو السبل بالباء لا بالياء

أولاد هاشم وأمهاتهم:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبِهَذَا النّسَبِ خَالَفَهُمْ عُتْبَةَ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ نُسَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بن منصور بن عكرمة. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَبُو عَمْرٍو، وَتُمَاضِرُ، وَقِلَابَةُ، وحيّة، وريطة، وأم الأخثم [واسمها: هالة] ، وَأُمّ سُفْيَانَ: بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ. فَأُمّ أَبِي عَمْرٍو: رَيْطَةُ، امْرَأَةٌ مِنْ ثَقِيفٍ، وَأُمّ سَائِرِ النساء: عاتكة بنت مرّة ابن هِلَالِ [بْنِ فَالِجِ بْنِ ذَكْوَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بن بهثة بن سليم بن منصور] ، أُمّ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ، وَأُمّهَا صَفِيّةُ بنت حوزة بن عمرو بن سلول [واسمه: مرّة] بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هوازن، وأم صفيّة: بنت عائذ الله ابن سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجٍ. [أَوْلَادُ هَاشِمٍ وَأُمّهَاتُهُمْ:] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَوَلَدَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ، وَخَمْسَ نِسْوَةٍ: عَبْدَ الْمُطّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ، وَأَسَدَ بْنَ هَاشِمٍ، وَأَبَا صَيْفِيّ بْنَ هَاشِمٍ، وَنَضْلَةَ بْنَ هَاشِمٍ، وَالشّفَاءَ، وَخَالِدَةَ، وَضَعِيفَةَ، وَرُقَيّةَ، وَحَيّةَ. فَأُمّ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَرُقَيّةَ: سَلْمَى بِنْتِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ لَبِيَدِ بْنِ خِدَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عدىّ بن النجار. وَاسْمُ النّجّارِ: تَيْمِ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عامر. ـــــــــــــــــــــــــــــ فَارِسًا أَضْبَطَ، فِيهِ عُسْرَةٌ. الْأَضْبَطُ: الّذِي يَعْمَلُ بِكِلْتَا يَدَيْهِ، وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الْأَسَدِ أَيْضًا، قَالَ الْجُمَيْحُ: [مُنْقِذُ بْنُ الطّمّاحِ الْأَسَدِيّ] : ضَبْطَاءَ تسكن غيلا غير مقروب

أولاد عبد المطلب بن هاشم

وأمها: عميرة بنت صَخْرِ [بْنِ حَبِيبِ] بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بن مازن ابن النّجّارِ. وَأُمّ عَمِيرَةَ: سَلْمَى بِنْتُ عَبْدِ الْأَشْهَلِ النّجّارِيّةُ. وَأُمّ أَسَدٍ: قَيْلَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ الْخُزَاعِيّ. وَأُمّ أَبِي صَيْفِيّ وَحَيّةَ: هِنْدُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيّةُ. وَأُمّ نَضْلَةَ وَالشّفَاءِ: امْرَأَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ. وَأُمّ خَالِدَةَ وَضَعِيفَةَ: وافدة بِنْتُ أَبِي عَدِيّ الْمَازِنِيّةُ. [أَوْلَادُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَوَلَدَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ عَشَرَةَ نَفَرٍ، وَسِتّ نِسْوَةٍ: الْعَبّاسَ وَحَمْزَةَ، وَعَبْدَ اللهِ، وَأَبَا طَالِبٍ- وَاسْمُهُ: عبد مناف- والزّبير، والحارث، وجحلا، وَالْمُقَوّمَ، وَضِرَارًا، وَأَبَا لَهَبٍ- وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزّى- وَصَفِيّةَ، وَأُمّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءَ، وَعَاتِكَةَ، وَأُمَيْمَةَ، وَأَرَوَى، وبرّة. فأمّ العبّاس وضرار: نتيلة بِنْتُ جَنَابِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عمرو ابن عَامِرِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَامِرٍ- وَهُوَ الضّحْيَانُ- بْنُ سَعْدِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ تَيْمِ اللّاتِ بْنِ النّمِرِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ. وَيُقَالُ: أَفْصَى بْنُ دُعْمِيّ بن جديلة. وأمّ حمزة والمقوّم وجحل- وَكَانَ يُلَقّبُ بِالْغَيْدَاقِ لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ، وَسَعَةِ مَالِهِ- وصفية: هَالَةُ بِنْتُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كلاب بن مرّة ابن كعب بن لؤىّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: فِيهِ عُسْرَةٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا، والاسم منه: أعسر.

وَأُمّ عَبْدِ اللهِ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَالزّبَيْرِ، وَجَمِيعِ النّسَاءِ غَيْرَ صَفِيّةَ: فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كعب بن لؤى ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر. وَأُمّهَا: صَخْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كعب ابن لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ. وَأُمّ صَخْرَةَ: تَخْمُرُ بِنْتُ عَبْدِ بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ. وَأُمّ الْحَارِثِ بْنِ عبد المطلب: سمراء [أو صفية] بنت جندب بن جحير ابن رِئَابِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ سُوَاءَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هوازن بن منصور بن عكرمة. وأم أَبِي لَهَبٍ: لُبْنَى بِنْتُ هَاجَرَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ ضَاطِرَ بْنِ حُبْشِيّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عمرو الخزاعىّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ حُلَيْلَ بْنَ حُبْشِيّةَ، وَالْحُبْشِيّةُ: نَمْلَةٌ كَبِيرَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَنّ قُصَيّا تَزَوّجَ ابْنَتَهُ حُبّى، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ مَنَافٍ وَإِخْوَتَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ أُمّ عَبْدِ مَنَافٍ: عَاتِكَةُ بِنْتُ هِلَالِ بْنِ بَالِجِ [أَوْ فَالِجِ] «1» بْنِ ذَكْوَانَ، وَأُمّ هَاشِمٍ: عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرّةَ، فَالْأُولَى: عَمّةُ الثّانِيَةِ، وَأُمّ وَهْبٍ جَدّ النّبِيّ- عَلَيْهِ السّلَامُ- لِأُمّهِ: عَاتِكَةُ بِنْتُ الْأَوْقَصِ بْنِ مُرّةَ بْنِ هِلَالٍ، فَهُنّ عواتك. ولدن النبىّ

_ (1) وفى نسب قريش ص 14 حمالة 5 فى بعض الكتب بالج وفى بعضها فالج.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ مِنْ سُلَيْم «1» ، وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ: إنّ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ مِنْ سُلَيْمٍ أَرْضَعْنَهُ، كُلّهُنّ تُسْمَى: عَاتِكَةَ، وَالْأَوّلُ أَصَحّ. وَأُمّ عَاتِكَةَ بِنْتِ مُرّةَ: مَاوِيّةُ «2» بِنْتُ حَوْزَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ أَخِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَهُمْ بَنُو سَلُولَ، وَأُمّ مَاوِيّةَ: أُمّ أَنَاس الْمَذْحِجِيّةُ. وَقَالَ فِي أُمّهَاتِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ: وَأَمّا صَفِيّةُ فَأُمّهَا: بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجٍ، وَهُوَ وَهْمٌ، لِأَنّ سَعْدَ الْعَشِيرَةِ بْنَ مَذْحِجٍ هُوَ أَبُو الْقَبَائِلِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى مَذْحِجٍ إلّا أَقَلّهَا، فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ فِي عَصْرِ هَاشِمٍ مَنْ هُوَ ابْنٌ لَهُ لِصُلْبِهِ، وَلَكِنْ هَكَذَا رَوَاهُ الْبَرْقِيّ عَنْ ابْنِ هِشَامٍ- كَمَا قُلْنَا- وَرَوَاهُ غَيْرُهُ: بِنْتُ عَبْدِ اللهِ مِنْ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْغَسّانِيّ، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ: عَائِذُ اللهِ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الصّوَابِ. وَلِسَعْدِ الْعَشِيرَةِ ابْنٌ لِصُلْبِهِ، وَاسْمُهُ: عيذ الله،

_ (1) سعيد بن منصور فى سننه. والطبرانى فى الكبير عن سبابة بن عاصم. ملحوظة: فى النسب وجمهرة ابن حزم عن عبد شمس وهاشم ولدى عبد مناف أنهما توأم، وأن هاشما اسمه: عمرو، وفى حذف نسب قريش للسدوسى. وفى الجمهرة عن أم نوفل أنها وافدة من بنى مازن بن صعصعة السّلمية خلف عليها هاشم ابن عبد مناف بعد أبيه، وكانت العرب تسمى هذا النكاح نكاح المقت ص 12 جمهرة، فى ص 3 حذف نسب قريش. وأم الأخثم بنت عبد مناف المذكورة فى السيرة اسمها: هالة. (2) فى نسب قريش «مارية بنت حوزة بن عمرو بن سلول واسمه: مرة ابن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهِيَ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ جَنْبٍ مِنْ مَذْحِجٍ «1» ، وَقَدْ ذَكَرْت بُطُونَ جَنْبٍ، وَأَسْمَاءَ وَلَدِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ، أَوْ أَكْثَرِهِمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَلِمَ سُمّيَتْ تِلْكَ الْقَبَائِلُ بِجَنْبِ، وَأَحْسَبُ الْوَهْمَ فِي رِوَايَةِ الْبَرْقِيّ إنّمَا جَاءَ مِنْ اشْتِرَاكِ الِاسْمِ؛ لِأَنّ أُمّ صَفِيّةَ الْمَذْكُورَةَ بِنْتُ عِيذَ اللهِ «2» ، وَلَكِنْ لَيْسَ بعيذ اللهِ الّذِي هُوَ ابْنُ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ لِصُلْبِهِ، وَلَكِنّهُ مِنْ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ. وَذَكَرَ عَبْدَ شَمْسِ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ تِلْوًا لِهَاشِمِ، وَيُقَالُ: كَانَا تَوْأَمَيْنِ، فَوُلِدَ هَاشِمٌ، وَرِجْلُهُ فِي جَبْهَةِ شَمْسٍ مُلْتَصِقَةً، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى نَزْعِهَا إلّا بِدَمِ، فَكَانُوا يَقُولُونَ: سَيَكُونُ بَيْنَ وَلَدِهِمَا دِمَاءٌ، فَكَأَنّ تِلْكَ الدّمَاءُ مَا وَقَعَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَيْنَ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. وَأَمّا سَلْمَى أُمّ عَبْدِ المطلب، فقد ذكر

_ (1) مذحج هو مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كُهْلَانَ بْنِ سبأ. «من جمهرة ابن حزم» ، ومذحج: أكمة ولدت عليها أمهم، فسموا مذحجا، وليس لسعد العشيرة ولد اسمه: عيذ الله. الجمهرة ص 383. (2) اسمه: عائذ الله. أما جنب فى الجمهرة ص 388 لابن حزم، فاسم يطلق على ستة إخوة هم: أولاد يزيد بن حرب بن علة بن جلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب الخ، وقد تحالف هؤلأ الستة على ولد أخيهم صداء «بضم الصاد» ومنهم كان معاوية بن عمر بن معاوية بن الحارث بن منبّه بن يزيد بن حرب بن علة الذى تزوج بنت مهلهل بن ربيعة التغلبى بنجران، ومهرها أدما فقال فى ذلك شعرا: أَنْكَحَهَا فَقْدُهَا الْأَرَاقِمَ فِي ... جَنْبٍ وَكَانَ الْحِبَاءُ من أدم لو بأبانين جاء يخطبها ... ضرّج ما أنف خاطب بدم والبيتان فى الأغانى ج 5 ص 50 طبع دار الكتب والشعر والشعراء لابن قتيبة ج 1 ص 258 وغيرهما. ويقول ابن حزم فى الجمهرة أن سائر جنب ويام من همدان وبنى الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك، وهو مذحج، هم أنصار الكافر الصلحى لعنه الله القائم بنواحى زبيد بدعوة بنى عبيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَسَبَهَا، وَأُمّهَا: عُمَيْرَةُ بِنْتُ ضَحْرٍ «1» الْمَازِنِيّةُ، وَابْنُهَا: عَمْرُو بْنُ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ، وَأَخُوهُ: مَعْبَدٌ ولدتهما لأحيحة «2» بعد هاشم، وكان عمرو بن أَجْمَلِ النّاسِ وَأَنْطَقِهِمْ بِحِكْمَةِ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لِلْمَنْصُورِ: أَرَأَيْت إنْ اتْسَعْنَا فِي الْبَنِينَ، وَضِقْنَا فِي الْبَنَاتِ فَإِلَى مَنْ تَدْفَعُنَا، يَعْنِي: فِي الْمُصَاهَرَةِ، فَأَنْشَدَ: عَبْدُ شَمْسٍ كَانَ يَتْلُو هَاشِمًا ... وَهُمَا بَعْدُ لِأُمّ وَلِأَبْ وَذَكَرَ الدّارَقُطْنِيّ: أَنّ الْحَارِثَ بْنَ حَبْشٍ السّلَمِيّ، كَانَ أَخَا هَاشِمٍ وَعَبْدِ شَمْسٍ وَالْمُطّلِبِ لِأُمّهِمْ، وَأَنّهُ رَثَى هَاشِمًا لِهَذِهِ الْأُخُوّةِ، وَهَذَا يُقَوّي أَنّ أُمّهُمْ عَاتِكَةُ السّلَمِيّةُ. فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ أُمّ حَيّةِ بِنْتِ هَاشِمٍ، وَأُمّ أَبِي صيفىّ: هند بنت [عمرو ابن] «3» ثَعْلَبَةَ [بْنِ الْخَزْرَجِ] ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ أَنّ أُمّ حَيّةَ: [أُمّ عَدِيّ] : جَحْلُ بِنْتُ حَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُطَيْطٍ «4» الثقفية، وحيّة بنت هاشم

_ (1) فى نسب قريش هو ضحر بن حبيب بن الحارث بن ثعلبة بن مازن ابن النجار. (2) كذلك ولدت معها انيسة. (3) فى كتاب نسب قريش هكذا، وأنها أم أبى صيفى. (4) ابن جشم بن قسى وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن «الجمهرة، لابن حزم ونسب قريش» هذا، وأم أسد كان يقال لها الجزور لعظمها، وأم نضلة هى- كما فى نسب قريش- أميمة بنت أد بن على من بنى سلامان بن سعد، وكانت أم خالدة تسمى: قبة الديباج، وكانت أم حكيم البيضاء تلقب بالحصان بفتح الحاء، وهى توأمة أَبِي رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ «نسب قريش ص 17»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَحْتَ الْأَجْحَمِ بْنِ دِنْدِنَةَ [بْنِ عَمْرِو بْنِ الْقَيْنِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو] الْخُزَاعِيّ وَلَدَتْ لَهُ: أُسَيْدًا، وَفَاطِمَةَ بِنْتَ الْأَجْحَمِ الّتِي تَقُولُ: يَا عَيْنُ بَكّي عِنْدَ كُلّ صَبَاحٍ ... جُودِي بِأَرْبَعَةِ عَلَى الْجَرّاحِ قَدْ كُنْت لِي جَبَلًا أَلُوذُ نظله ... فَتَرَكْتنِي أَضْحَى بِأَجْرَدَ ضَاحِ قَدْ كُنْت ذَاتَ حَمِيّةٍ مَا عِشْت لِي ... أَمْشِي الْبَرَازَ، وَكُنْت أَنْتَ جَنَاحِي فَالْيَوْمَ أَخْضَعُ لِلذّلِيلِ، وَأَتّقِي ... مِنْهُ، وَأَدْفَعُ ظَالِمِي بِالرّاحِ وَأَغُضّ مِنْ بَصَرِي، وَأَعْلَمُ أَنّهُ ... قَدْ بَانَ حَدّ فَوَارِسِي وَرِمَاحِي وَإِذَا دَعَتْ قُمْرِيّةٌ شَجَنًا لَهَا ... يَوْمًا عَلَى فَنَنٍ دَعَوْت صَبَاحِي «1» وَقَعَ هَذَا الشّعْرُ لَهَا فِي الْحَمَاسَةِ وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَ أُمّ الْعَبّاسِ، وَهِيَ، نُتَيْلَةُ «2» بِنْتُ جَنَابِ بْنِ كُلَيْبٍ، وَهِيَ مِنْ بَنِي

_ (1) البيت الثانى فقط هو الذى فى الروض، وبقية الأبيات زدتها لروعتها من ديوان الحماسة لأبى تمام. وفى نسب قريش أن حية بنت هاشم كانت عند هاشم ابن الأجحم بن دندنة. وفى الاشتقاق لابن دريد عن الأجحم: «وأحسب أن أمه خالدة بنت هاشم بن عبد مناف» ص 475 (2) فى الأصل بتقديم التاء على النون فى كل ما سيقول عن نتيلة، وهى فى جمهرة ابن حزم ونسب قريش: نتيلة. وفى نسبها خلاف؛ ففى نسب قريش وجمهرة ابن حزم: أن عامرا هو ابن النمر ابن قاسط من بنى القرية بكسر فكسر مع تضعيف فتضعيف مع فتح. وزاد فى الجمهرة: ابن قاسط بن ربيعة بن نزار. وفى المعارف لابن قتيبة: نتيلة بنت كلب بن مالك بن جناب، وفى نسخ أخرى: نكيلة، وفى القرى للمحب الطبرى: نتيلة وفى السدوسى: نتلة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَامِرٍ الّذِي يُعْرَفُ بِالضّحْيَانِ، وَكَانَ مِنْ مُلُوكِ رَبِيعَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي خَبَرِ تُبّعٍ، أَنّهَا أَوّلُ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ الدّيبَاجَ، وَذَكَرْنَا سَبَبَ ذلك، ونزيد ها هنا مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ، قَالَ: أَوّلُ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ الدّيبَاجَ: خَالِدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ أَخَذَ لَطِيمَةً مِنْ الْبَزّ، وَأَخَذَ فِيهَا أَنْمَاطًا «1» ، فَعَلّقَهَا عَلَى الْكَعْبَةِ، وَأُمّ نُتَيْلَةَ: أُمّ حُجْرٍ، أَوْ أُمّ كُرْزِ بِنْتُ الْأَزَبّ مِنْ بَنِي بَكِيلٍ مِنْ هَمْدَانَ، وَهِيَ نُتَيْلَةُ بِتَاءِ مَنْقُوطَةٍ بِاثْنَتَيْنِ وَهِيَ تَصْغِيرُ: نَتْلَةٍ وَاحِدَةِ: النّتْلِ، وَهُمْ بَيْضُ النّعَامِ، وَبَعْضُهُمْ يُصَحّفُهَا بِثَاءِ مُثَلّثَةٍ «2» . وَذَكَرَ فِي بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِب جَحْلًا بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْحَاءِ، هَكَذَا رِوَايَةُ الْكِتَابِ. وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ: هُوَ حَجْلٌ بِتَقْدِيمِ الْحَاءِ «3» . وَقَالَ: جَحْلٌ بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ هُوَ: الْحَكَمُ بْنُ جَحْلٍ يُرْوَى عَنْ عَلِيّ، وَمِنْ حَدِيثِهِ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: مَنْ فَضّلَنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ جَلَدْته حَدّ الْفِرْيَةِ. والجحل: السّقاء «4»

_ (1) ضرب من البسط وثوب صوف يطرح عليه الهودج. واللطيمة: عير تحمل المسك والبز وغيرهما للتجارة، والبز: الثياب أو متاع البيت من الثياب. (2) فى اللسان: النتل بنون مفتوحة وتاء ساكنة: البيضة، وهى الدومصة. والنتل بفتح النون وإسكان التاء: بيض النعام يدفن فى المفازة بالماء. والنتل بالتحريك مثله. وهذا يثبت خطأ ما كان فى الروض، إذ جعلها تنل بتاء فنون. وليس فى اللسان مادة تنل. وفى كتاب حذف من نسب قريش للسدوسى هى نتلة «بفتح فسكون ففتح» بنت جناب، وهى فى السير التى بين أيدينا نتيلة. (3) فى السيرة التى بين أيدينا: حجل، وهو كذلك أيضا فى نسب قريش. ولكن عند ابن دريد والسدوسى: جحل (4) وله أيضا هذه المعانى: السيد من الرجال، وولد الضب والزق والعظيم الجبين والجعل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الضّخْمُ. وَالْجَحْلُ: الْحِرْبَاءُ. وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَنّ اسْمَ جَحْلٍ: مُصْعَبٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ اسْمُهُ: مُغِيرَةَ «1» ، وَجَحْلٌ: لَقَبٌ لَهُ. وَالْجَحْلُ: ضَرْبٌ مِنْ الْيَعَاسِيبِ، قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: كلّ شئ ضَخْمٍ فَهُوَ: جَحْلٌ، وَجَحْلٌ: هُوَ الْغَيْدَاقُ، وَالْغَيْدَاقُ: وَلَدُ الضّبّ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْحِسْلِ «2» . وَلَمْ يُعْقِبْ، وَكَذَا الْمُقَوّمُ لَمْ يُعْقِبْ إلّا بِنْتًا اسْمُهَا: هِنْدُ. وَأُمّ الْغَيْدَاقِ- فِيمَا ذَكَرَ الْقُتَبِيّ: مُمَنّعَةُ بِنْتُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّةُ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ. وَذَكَرَ فِي أَعْمَامِهِ أَيْضًا: الزّبَيْرَ، وَهُوَ أَكْبَرُ أَعْمَامِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الّذِي كَانَ يُرَقّصُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ طِفْلٌ، وَيَقُولُ: مُحَمّدُ بْنُ عَبْدَمِ ... عِشْت بِعَيْشِ أَنْعَمِ فِي دَوْلَةٍ ومغنم ... دام سجيس الأزلم «3»

_ (1) هو رأى صاحب نسب قريش. ومن النساب من جعل جحلا هو الغيداق، ومنهم من جعله غيره، كالسدوسى وصاحب نسب قريش (2) فى اللسان: الجحل: الحرباء.. قال الجوهرى: هو ذكر أم حبين.. وقيل: هو الضب المسن الكبير، وقيل: الضخم من الضباب.. ويعسوب النحل والجعل أو العظيم منها. وفى النوادر لأبى زيد الأنصارى: «يقال لفرخ الضب حين يخرج من بيضته: حسلا، ثم يكون غيداقا، ثم يكون مطبّخا، ثم يكون ضبّا مدركا. والغيداق أيضا: الصبى الذى لم يبلغ» ص 92 ط لبنان (3) فى أمالى القالى أنه دخل على الزبير، وهو صبى، فأقعده فى حجره وقال ما ذكره السهيلى، وفى الأمالى ورد أيضا: فى فرع عز أسنم ... مكرم معظم -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَبِنْتُهُ: ضُبَاعَةُ «1» كَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ. وَعَبْدُ اللهِ ابْنُهُ: مَذْكُورٌ فِي الصّحَابَةِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَكَانَ الزّبَيْرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُكَنّى أَبَا الطّاهِرِ بِابْنِهِ: الطّاهِرِ، وَكَانَ مِنْ أَظْرَفِ فِتْيَانِ قُرَيْشٍ، وَبِهِ سَمّى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَهُ الطّاهِرَ. وَأُخْبِرَ الزّبَيْرُ عَنْ ظَالِمٍ كَانَ بِمَكّةَ أَنّهُ مَاتَ، فَقَالَ: بِأَيّ عُقُوبَةٍ كَانَ مَوْتُهُ؟ فَقِيلَ: مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، فَقَالَ: وَإِنْ! فَلَا بُدّ مِنْ يَوْمٍ يُنْصِفُ اللهُ فِيهِ الْمَظْلُومِينَ، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْبَعْثِ. وَذَكَرَ أَبَا طَالِبٍ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ مَنَافٍ، وَلَهُ يَقُولُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ: أُوصِيك يَا عَبْدَ مَنَافٍ بَعْدِي ... بِمُوتَمِ بَعْدَ أَبِيهِ فَرْدِ «2» مات أبوه وهو حلف المهد

_ - بعد قوله. فى دولة ومغنم انظر ص 11 ح 2 الأمالى الطبعة الثانية، وفيه أيضا ما قاله الزبير للعباس وضرار وأم الحكم، ومغيث بن جاريته. وابن عبدم قيل: أراد: ابن عبد المطلب، كما قال الآخر: قلت لها: قفى، فقالت: قاف. والصحيح أنه أراد: ابن عبد، وزاد الميم، كما تزاد فى ابن، قال الشاعر- وهو النمر بن تولب: لقيم بن لقمان من أخته ... فكان ابن أخت له وابنما وسجيس الأزلم: أبد الدهر. (1) صحابية كريمة روت عن النبى صلى الله عليه وسلم، وعن زوجها المقداد، وروى عنها ابن عباس وعائشة وبنتها كريمة، وابن المسيب وعروة والأعرج وغيرهم. قتل ابنها يوم الجمل مع عائشة رضى الله عنها (2) الموتم: المرأة صار ولدها يتيما فلعلها: ميتم بفتح الميم وسكون الياء وفتح التاء: المفرد من كل شئ. وهو لائق بالمراد هنا، ولعلها بفتح التاء هذا ولم يسلم من أولاد عبد المطلب-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ أَبَا لَهَبٍ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الْعُزّى، وَكُنّيَ: أَبَا لَهَبٍ لِإِشْرَاقِ وَجْهِهِ وَكَانَ تَقْدِمَةً مِنْ اللهِ- تَعَالَى- لِمَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ اللهَبِ، وَأُمّهُ: لُبْنَى بِنْتُ هَاجِرٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ مِنْ بَنِي ضَاطِرَةَ بِضَادِ مَنْقُوطَةٍ. وَاللّبْنَى فِي اللّغَةِ: شئ يَتَمَيّعُ مِنْ بَعْضِ الشّجَرِ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَيُقَالُ لِبَعْضِهِ: الْمَيْعَةُ، وَالدّوَدِمُ: مِثْلُ اللّبْنَى يَسِيلُ مِنْ السّمُرِ، غَيْرَ أَنّهُ أَحْمَرُ، فَيُقَالُ: حَاضَتْ السّمُرَةُ» إذَا رَشَحَ ذَلِكَ مِنْهَا. (أُمّهَاتُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ذَكَرَ فِي آخِرِهِنّ: بَرّةَ بِنْتَ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ «2» بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ وَهُنّ كُلّهُنّ قُرَشِيّاتٌ؛ وَلِذَلِكَ وَقَفَ فِي بَرّةَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ أَهْلُ

_ - إلا حمزة والعباس. وأما عماته: فصفية أم الزبير، واختلف فى إسلامه هو وعاتكة وأروى، وصحح بعضهم إسلام الأخيرة. وأسن أعمام النبى: الحارث، وأصغرهم سنا: العباس. وأم حكيم البيضاء كان يقال لها الحصان وهى توأمة أبى رسول الله، وقد سبق الحديث عنها. (1) السمر «بفتح السين وضم الميم» ضرب من شجر الطلح. وعسل اللبنى: طيب ينضح من شجره ويتبخر به. والعامة تقول: حصى لبان، والميعة: عطر طيب الرائحة، أو صمغ يسيل من شجر بالروم، أو دسم المر الطرى. يدق المر بماء يسير، ويعتصر بلولب، فتستخرج الميعة، أو هى صمغ شجرة السفرجل، أو شجرة كالتفاح الخ. هذا وقد زاد صاحب نسب قريش ابنين لعبد المطلب أحدهما: قثم، وقد مات صغيرا. والغيداق واسمه: مصعب، ولكن ابن هشام يجعل الغيداق لقبا لحجل. ويقول صاحب النسب: إن أم مصعب الملقب بالغيداق من خزاعة، كما يقول: إن اسم أم العباس: صفية بنت جنب الخ، بينما يسميها ابن هشام سمراء. فاعل هذا لقب لها. (2) فى نسب قريش ص 21: بنت عدى الخ وعند السدوسى: بنت عوف ص 6

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النّسَبِ بَعْدَ هَذَا: أُمّ بَرّةَ، وَأُمّ أُمّهَا، وَأُمّ أُمّ الْأُمّ، وَلَكِنّهُنّ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ حَبِيبٍ: وَأُمّ بَرّةَ: قِلَابَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكُ بْنُ طَابِخَةَ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ غَادِيَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ هُذَيْلٍ، وَأُمّ قِلَابَةَ: أُمَيْمَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ غَادِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، وَأُمّ أُمَيْمَةَ: دَبّةُ بِنْتُ الحارث ابن لِحْيَانَ بْنِ غَادِيَةَ «1» ، وَأُمّهَا: بِنْتُ [يَرْبُوعِ بْنِ نَاضِرَةَ بْنِ غَاضِرَةَ] كَهْفِ الظّلْمِ مِنْ ثَقِيفٍ، وَذَكَرَ الزّبَيْرُ قَلَابَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَزَعَمَ أَنّ أَبَاهَا الْحَارِثَ كَانَ يُكَنّى: أَبَا قَلَابَةَ، وَأَنّهُ أَقْدَمُ شُعَرَاءِ هُذَيْلٍ، وَذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تَأْمَنَنّ وَإِنْ أَمْسَيْت فِي حَرَمٍ ... إنّ الْمَنَايَا بِجَنْبَيْ كُلّ إنْسَانِ وَاسْلُكْ طَرِيقَك تَمْشِي غَيْرَ مُخْتَشِعٍ ... حَتّى تُلَاقِيَ مَا مَنّى لَك الْمَانِي «2»

_ (1) الذى فى نسب قريش عن أمهات النبى أن أم برة هى: أميمة بنت مالك ابن غنم بن حنش بن عادية بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان- بكسر اللام- ابن هذيل، وأمها: قلابة بنت الحارث، فقلابة إذن هى: أم أم برة، فلعله سقط كلمة أم من الروض، وأم قلابة هى: دبة بنت الحارث بن تميم، وأمها: لبنى بنت الحارث بن النمر بن جرأة بكسر الجيم بن أسيّد بن عمرو بن تميم بن مر بن أد ابن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار. صفحة 20 وما بعدها، وأم حبيب التى ذكر ابن هشام أنها من أمهات النبى يقول عنها السدوسى ص 6 أنها: حبيبة، ويقول السدوسى أيضا ص 6 من كتابه حذف نسب قريش بعد أن ذكر أمهاته: «وكل العرب قد ولده- صلى الله عليه وسلم- ولكن هؤلاء أمهاته القرشيات» . وما نقله السهيلى عن الزبير يوجد فى كتاب عمه مصعب صاحب نسب قريش ص 21 (2) فى اللسان: ولا تقولن لشئ سوف أفعله ... حتى تلاقى ما يمنى لك المانى وفى التهذيب: حتى تبين ما يمنى لك المانى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالخير والشر مقرونان في قرن ... بكل ذلك يأتيك الجديدان

_ - وفيه أيضا: لا تأمن الموت فى حلّ ولا حرم ... إن المنايا توافى كلّ إنسان واسلك طريقك فيها غير محتشم ... حتى تلاقى ما يمنى لك المانى ويمنى المانى: يقدر الله القادر وفى نسب قريش ص 21: إن الرشاد وإن الغى فى قرن ... بكل ذلك يأتيك الجديدان ثم: لا تأمنن الخ وفى أمالى المرتضى: روى أن مسلما الخزاعى، ثم المصطلقى، قال: شهدت رسول الله «ص» - وقد أنشده منشد قول سويد بن عامر المصطلقى: لا تأمنن وإن أمسيت فى حرم ... إن المنايا توافى كل إنسان واسلك طريقك فيها غير مختشع ... حتى تبين ما يمنى لك المانى فكل ذى صاحب يوما يفارقه ... وكل زاد- وإن أبقيتة- فانى والخير والشر مقرونان فى قرن ... بكل ذلك يأتيك الجديدان فقال رسول الله «ص» : لو أدركته لأسلم، فبكى مسلم، فقال: ابنه: يا أبت ما يبكيك من مشرك مات فى الجاهلية؟ فقال: يا بنى لا تفعل، فما رأيت مشركة تلقفت من مشرك خيرا من سويد. ص 27 ح 2 أمالى المرتضى ط 1325 هـ وأخرج الحديث البغوى والطبرانى وابن السكن وابن شاهين وابن الأعرابى وابن منده من طريق يعقوب بن محمد الزهرى، وقد تفرد به. الإصابة.

تمّ بحمد الله الجزء الأوّل ويليه الجزء الثّانى إن شاء الله وأوله: بَابُ مَوْلِدِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

تصويبات رغم تكرار التجارب والحرص البالغ، غلبتنا على أمرنا هذه الأخطاء التى ندّت عن العين، ولقد كنت بين أمرين أولهما: الحرص على جمال الكتاب وأناقته، فلا أصوّب، وآخرهما: البر بالحقيقة والحرص عليها، واخترت هذه، واثقا أن البر بالحقيقة فى تصويب ما غفلت عنه يعطى الكتاب أناقته وجماله.

ص سطر خطأ صواب 34 9 بسلك بسلك 36 14 المقّرى المقّرى 37 15 شبه شيبة 38 1 عينيه عيينة 39 1 المقبرى المقبرى 39 3 الأودى الأودىّ 45 1 سمّوا سمّوا 54 3 العجلة العجلة 57 7 الألس الألس 57 7 رجل رجل 58 4 أهيس أهيس 65 10 مصروف مصروف 67 7 كلّكم كلّكم 69 1، 2 معدّا معدّا 70 5 عبرانّية عبرانيّة 71 16 الحربه الحرية 72 5 مريم مريم 73 5 عدن عدن 73 6 سطوة سطوة 79 3 شعبان بين سفيان بن 79 4 بالحيرة بالحيرة وتعلمه 81 12 عطيه عطية ص سطر خطأ صواب 82 2 سريانى سريانى 82 12 يمتنع يمتنع 85 14 شوخ شوح 87 17 استند سيستند 88 17 فارا فارّا 90 1 سبحانه سبحانه 91 1 شمس شمس 96 20 المراء الراء 96 23 قوارير أوعية من 101 5 أدد أدد 105 9 ابن ابن 104 5 زيذ زيد 105 13 بخلاف مخلاف 106 9 السّلح السّلح 106 18 تنحيته تنجيته 107 5 عنز عنز 108 23 مدنية مدينة 110 9 بن ثعلبة العنقاء بن ثعلبة العنقاء 113 13 لكثرته وذلك لكثرته 116 12 من سيله من (دون «1» ) سيله 119 9 النقية النقيه 120 10 شعراء الشعراء

_ (1) زيادة (دون) من اللسان فى مادة سبأ ومن السيرة، وهى ليست فى الروض.

ص سطر خطأ صواب 121 11 تقدمه وتقدمه 122 20 ص 61 ص 59 إلى 61 122 20 حزم عبد البر 122 20 ص 90 ح 8 ص 90 ح 8 الأغانى 122 22 62 12 62 و123 20 الكميت شاعر حمير أو مضر 126 1 المغيرة المغيرة 127 11 النعمان النعمان 142 2 الأرض الأرض 151 8 بلادهم بلادهم 151 10 تنسب تنسب 158 6 بنت بلقيس بلقيس بنت 164 11 التبايعة التبايعة 170 6 والتّرة والتّرة 170 15 المضمر المضمر 173 10 أحبه أحسبه 176 13 الخزف الخرف 180 8 ديننا تحذف الكلمة 180 14 فتيلة نتيلة «1» ص سطر خطأ صواب 185 16 بكسر.. وفتح بفتح.. وكسر 187 3 ربّ ربّ 188 5 أبناءها أبناها 188 11 الجبلى الحبلىّ 189 5 ليعلمهم ليعلمهم 195 8 وهب وهب 197 14 أمر مرّ 197 21 ليحرّم ليحرم 198 9 استفتلح استفتاح 203 10 العلم العلم 206 12 خمسائة خمسمائة 210 4 ماء ما 211 11 خرب خرب 212 4 الناس الناسى 219 3 وأبرهة وأبرهة 219 4 هو أبرهة هو أبرهة 227 17 فنيون فينون 228 10 من،.. بلن من..، بلن 229 4 صحرة صحرة. 230 11 جدور «2» جدر

_ (1) فى الروض تنيلة وهو خطأ. (2) هى هكذا فى الروض ولكنه خطأ سهوت عن تصويبه.

ص سطر خطأ صواب 230 12 تقيد هكذا تقيد 230 13 هكذا كما كما 233 17 الشافعية الشافية 234 5 الرواى الراوى 236 8 بالسعالى بالسّعالى 238 4 إرمينية بإرمينية 248 3 تعلبة ثعلبة 249 10 فحر فخر 250 3 نقدعهم نقدعهم 266 14 لهنّك [أو لهنّك] لهنّك «1» 269 13 أكلب أكلب 270 2 نيت نبت 270 11 طبرستان «2» طبرستان 270 17 سمّى سمّى ص سطر خطأ صواب 271 19 فقّل فعّل 274 يعبّرّ يعبّر 276 7 ينفض رأسه يجنب وسطنا «3» 277 2 يؤتفين يؤثفين 277 2 إسكان وإسكان 278 21 لسيبوته لسيبويه 288 9 لا يتصورّ لا يتصوّر 293 20 خشية خشية 293 9 جيشه جيشه 297 9 القيل القيل 300 3 أيمن أيمن 302 10 واديين واد بين 304 23 مرتفعا مرتفقا 310 4 ووهمدان وهمدان

_ (1) وانظر لها نوادر أبى زيد ص 28 ط لبنان (2) هى فى القاموس كما هى مكتوبة فى الخطأ، وفى البكرى كما هى فى التصويب. وفى المراصد بكسر الراء وسكون السين. (3) الذى فى جدول الخطأ ليس خطأ، وإنما رواية للبيت فى الروض. والذى فى جدول التصويب رواية ابن قتيبة فى أدب الكاتب. وبقية البيت: «تصوب فيه العين طورا وترتقى» وقد رواه عند ذكره أن الكاف تدخل على الباء. وينسب البيت أيضا لعمرو بن عمار، وهو فى وصف فرس. وابن الماء: طائر سريع. يجنب: يقاد. تصوب: تنظر إلى أسفل انظر ص 501 أدب الكاتب، ص 250 شرح أدب الكاتب للجواليقى.

ص سطر خطأ صواب 311 11 اليوم البوم 318 16 شرويه شيرويه 320 19 يستخرج يستخرج 324 6 أسهرك أسهرك 336 2 ينعم ينعم 336 19 ينكر يذكر 337 10 فالعود فالعود 338 23 الزعتر الزّغبر 340 22 أقبل وأقيل أقبل وأقيل 341 3 ينسب ينسب 344 7 شرخ شرح 344 20 لهلوك لملوك 347 5 أهل أهل ص سطر خطأ صواب 348 7 النفوسى النّفوسى 348 14 استرفى استوفى 348 16 اسم اسمه 352 2 بدومة بدومة 360 20 أد أدد 366 13 اللّات اللّات 369 7 وخلّى وخلّى 372 4 فصلببت فصلبت 376 11 غذرة غدرة أو عذرة 380 17 أبه أبى 382 13 قرقرة قرقرة 383 12 الفنا القنا

محتويات الكتاب

محتويات الكتاب رقم موضوع 5 مقدمة المؤلف 21 ترجمة ابن إسحاق 24 ترجمة ابن هشام 25 ترجمة السهيلى 31 مقدمة الروض الأنف «1» 31 دولة الموحدين. ش 32 الغاية من تأليف الكتاب 34 لماذا أتقن التأليف 35 عمله فى الكتاب 36 سند المؤلف 37 ترجمة ابن إسحاق 39 طعن مالك فى ابن إسحاق 40 رواة السيرة عن ابن إسحاق 43 مقدمة السيرة 43 سرد النسب الزكى «س» 43 ترجمة ابن هشام 44 تفسير نسب رسول الله 44 عبد المطلب «ش» 45 هاشم 46 عبد مناف رقم موضوع 47 قصى ن. ل 47 أصل قصى ن. ل 48 ابن فى إضافتها إلى ياء المتكلم ش 49 كلاب 50 مرة 51 كعب ويوم العروبة 51 أيام الأسبوع فى الجاهلية «ش» 51 اسم يوم الجمعة 52 كعب ومبعث النبى 53 لؤى واشتقاقه 55 فهر واشتقاقه 56 خزيمة والنضر 57 مدركة والياس 59 أم وجمعها ن. ل 61 مضر واشتقاقه 61 البدن 62 مضر الحمراء وربيعة الفرس 62 أول من سن الحداء 62 نزار ومعد

_ (1) س: رمز عن السيرة و: ن. ل رمز عن النحو واللغة. وش: رمز عن الشرح أما الروض فبدون رمز أو: ر. (م 29- الروض الأنف)

أسطورة النور الذى تنقل فى 63 الأصلاب «ش» 65 النسب قبل عدنان 65 صرف أدد ن. ل 66 زند بن اليرى 68 بختنصر والعرب واليهود 68 إرمياء «ش» 69 ابن عبد البر 70 العتيرة والرجبية 71 الرماح اليزنية 71 دوس العتق 72 عود إلى بختنصر 72 أهل حضور 73 شعيب 73 مقوم 74 تيرح وناحور ويشجب 74 إبراهيم. وآزر 75 الذين قبل تارح 76 الضحاك 77 نوح ومن قبله 78 خنوع أو إدريس 78 أول من خط بالقلم وتكلم بالعربية 78 ابن محمد الناشئ «ش» 79 حديث آخر عن إدريس 80 ابن العربى «ش» 81 آباء إدريس 82 آدم واشتقاقه ووزنه 82 منعه من الصرف ن. ل 83 عمل ابن هشام فى السيرة «س» 83 حكم التكلم فى الأنساب 84 سياقة النسب من ولد إسماعيل «س» 84 ذكر إسماعيل وبنيه 87 هاجر وسارة «س» 88 وفاة إسماعيل وموطن أمه 88 متى نطق إبراهيم بالعبرانية 89 مفهوم كلمة عبرى. ش 90 نسب هاجر 90 اللغة السريانية «ر. ش» 91 من علاقة سارة بها جر 91 إلى من أرسل إسماعيل؟ 91 زوجتا إسماعيل 92 موطن هاجر 92 أصل العرب 93 المقوقس وهداياه 96 مصر وحفن 97 ترجمة ابن لهيعة والاسكندر «ش» 97 فتح مصر «ش» 98 حفن وأنصنا 98 القبط 99 عك بن عدنان 99 رعف ووزنها ن. ل 100 ذكر قحطان والعرب العاربة

103 سبأ وأميم ووبار 104 يعرب بن قحطان «ش» 104 أبو العلاء «ش» 105 وبار وبناؤها ن. ل 106 العمالقة والفراعنة 106 فرعون موسى 107 طسم وجديس واليمامة 107 جمع تبع ن. ل 109 ذكر نسب الأنصار 109 اشتقاق الأوس والخزرج 110 مزيقياء ونسبه 110 الأسد وجفينة 112 حسان الصحابى الشاعر 112 اشتقاق غسان ن. ل 113 سبأ وسيل العرم 114 إضافة الاسم إلى وصفه وتلقيب المضاف بالمفرد ن. ل 115 مأرب والسد 115 الأعشى «ش» 117 قنص بن معد ونسب النعمان «س» 117 ذكر معد وولده 118 نسب قضاعة ولبيد 119 زهير بن أبى سلمى «ش» 120 الكميت الأعمش، وابن الماجشون ومسروق، ومالك 120 المغيرة، وابن دينار «ش» 121 عكل «ش» 121 بعض من نسبوا إلى حواضنهم 122 البكر والثنى والثلث ن. ل 122 اشتقاق قضاعة ن. ل 124 جميل بن عبد الله 125 ذكر قنص بن معد 126 لخم بن عدى 126 جبير بن مطعم «ش» مكانة أبى بكر وجبير بن مطعم 126 فى الأنساب 127 من تاريخ النعمان بن المنذر «ش» 127 خاقان وهرقل وكسرى 128 أبرويز بن هرمز ويزدجرد «ش» أَمْرُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ فِي خُرُوجِهِ مِنْ 128 اليمن وقصة سد مأرب «س» 129 السد وسيل العرم «س» 129 نسب الأعشى عند ابن هشام 130 نسب أمية والنابغة 131 لخم وجذام واشتقاقهما «ش» ن. ل 131 قطرب وسعيد بن جبير 131 حديث ربيعة بن نصر ورؤياه 131 سطيح 131 مفهوم كلمة الكاهن «ش» موقف الإسلام من ادعاء 132 معرفة الغيب «ش»

134 شق 134 وهب بن منبه «ش» 135 طريفة الكاهنة وشق ومطيح 135 خالد القسرى من ولد شق 135 تفسير الرؤيا 136 وضع ذات بدلا من ذى ن. ل 137 نسب سطيح وشق «س» 137 نسب بجيلة «س» 137 حام وأولاده «ش» 137 سطيح يخبر ربيعة عن رؤياه 139 شق يخبر ربيعة عن رؤياه 140 كسرى الذى ارتجس ديوانه «ش» 140 مزدك. إيوان كسرى «ش» 141 أعراب وعراب «ش» ن. ل إرسال كسرى عبد المسيح 141 إلى سطيح تغير قصيدة أصم أم يسمع 142 غطريف اليمن «ش» 143 بين سطيح وعبد المسيح 143 فاد يفيد ويفيد ن. ل 143 من تاريخ ملوك الفرس 144 خرّزاذ 144 جذيمة الأبرش 144 ملوك الطوائف 144 الضيزن والحضر «ش» 146 نسب النعمان بن المنذر «ش» 146 الكينية، وبخنصر والحيرة 146 دارا وساسان 147 أزدشير وبنت ملك الأردوان 149 الإضافة عند الفرس ن. ل 149 لقب سابور 149 ذو الأكتاف وعمرو بن تميم 150 أبرويز بن هرمز حديث نبوى عن بوران ملكة 151 الفرس 151 النسب إلى نيسابور رجوع إلى حديث سطيح 151 وذى يزن 152 المحرّق 152 قصة عمرو بن عدى 153 شب عمرو عن الطوق ن. ل 153 الزّبّاء 155 الاسمان يجعلان اسما واحدا ن. ل 156 استيلاء أبى كرب على اليمن 156 من ملوك التبابعة 158 بلقيس وذو القرنين 159 معنى تبع ن. ل رأى ابن حزم فى أنساب 159 تبع «ش» 159 أذواء اليمن 159 القيل والمقول وجمعهما «ش» 160 بزن وأصله والنسبة إليه «ش»

رقم موضوع غضب تبان على أهل المدينة 161 وسبب غزوه لها 162 أول ملك ملك من غسان «ش» 162 تبع الذى أسلم 164 عمرو بن طلة ونسبه «س» 164 مقاتلة تبان لأهل المدينة «س» بنو قريظة والنضير والنجام 165 وهدل س 166 شرح الروض لغريب حديث تبع 167 جمع ما آخره ألف التأنيث «ش» ن. ل 168 جمع فعلى ن. ل 168 فعل وفعل ن. ل 168 من الكلمات المثلثة الفاء «ش» ن. ل 169 النجار «ش» حروف العطف وإضمار 170 العامل المتقدم ن. ل 172 الإضافة فى «دائب ملواهما» ن. ل 173 تبان والنصرانية «س» 174 تبع الذى أراد إخراب البيت 175 أول من كسا البيت «س» جزاء إرادة الإلحاد فى البيت 175 الحرام «س» . 175 خرافة تنعلق بكسوة الكعبة 176 أحاديث كسا الكعبة «ش» 177 جمع حائض ومئلاة ن. ل رقم موضوع 178 قصيدة سبيعة بنت الأحب «س» 179 زبينة والنسب إليها ن. ل 179 أول بغى كان فى قريش 180 أصل اليهودية باليمن «س» 180 كسوة الكعبة 182 بيت رئام ومصيره 183 نحو ولغة ن. ل 184 لهنك، ولاه ابن عمك ن. ل 185 المقاول ن. ل 185 الأقوال والمقاول ن. ل استعمال الياء فى إفراد وجمع 185 ما أصله الواو ن. ل 185 جمع لا واحد له من لفظه ن. ل 186 تصريف فعل من قيل ن. ل 186 ملك حسان بن تبان وقتل عمر 187 أخيه له 187 لباب لباب «س» 189 خبر لخنيعة وذى نواس «س» 189 فوق لخنيعة «س» 190 ذو نواس يقتل لخنيعة «س» 190 ملك ذى نواس «س» بقايا من أهل دين عيسى 190 بنجران «س» 190 عسفان «ش» 191 أمج «ش»

رقم موضوع ابتداء وقوع النصرانية 191 بنجران «س» 192 حديث فيمؤن «س» 193 نجران 194 فيميون يباع وصاحبه «س» 194 أصحاب الأخدود 195 قسطنطين بن هيلانة 196 أمر عبد الله بن الثامر «س» 196 التفاضل بين الأسماء الإلهية 198 لا يصح الإخبار عن الله بأنه قديم «ش» 199 الكلام فى خلق الأفعال ش 199 المعتزلة والأشعرية والصفات 200 الغزالى والصفات «ش» 200 لفظ ذات مولد «ش» ن. ل 201 عقيدة الجهمية والمعطلة فى الصفات «ش» 201 مذهب السلف فى الصفات «ش» 202 القول فى تفضيل بعض السور 202 الاسم الأعظم. رأى ابن تيمية فى التفاضل بين 203 الكلام الإلهى «ش» 205 ابن الثامر يدعو إلى الإسلام «س» 205 ابن الثامر وملك نجران «س» السهيلى يتابع الكلام عن الاسم 205 الأعظم رقم موضوع ضعف حديث إحصاء الأسماء 206 الحسنى «ش» الدليل على أن الاسم «الله» هو 207 الأعظم 207 تفخيم اللام من الله ن. ل 207 حروف الإطباق والاستعلاء ن. ل ابن القيم وإحصاء الأسماء 207 الحسنى «ش» 208 الاستجابة بالاسم الأعظم 209 ما دعا به الرسول (ص) لأمته 210 مقتل ابن التامر ودخول نجران فى دينه «س» 211 حياة الشهداء الغيبية 212 أساطير عن الحياة فى القبور 213 أصحاب الأخدود فى رواية أخرى 216 حديث الأعمى الذى شفى 217 الأخاديد «ش» 217 ابن الثامر بعد مقتله «س» 217 حديت الحبشة 220 أمر دوس ذى ثعلبان واستنصاره بقيصر وابتداء ملك الحبشة «س» 220 فجور عتودة قاتل أرياط 220 ذحل وجمعها «ش» ن. ل 221 سيف بن ذى يزن وأبرهة وكسرى 222 هزيمة ذى نواس وانتحاره «س»

رقم موضوع 222 ذو الرمة وسبب تلقيبه بهذا الأبناء «ش» 223 الضحضاح ن. ل 224 ما قيل من شعر فى دوس 225 بينون وسلحين وإعراب الاسم المسمى بالجمع المسلم ن. ل 226 مذهب ثالث فى تسمية الاسم بالجمع المسلم ن. ل 226 زيتون واشتقاقها ن. ل 226 ديرا عبدون وفينون 227 نون حلزون وفلسطين ن. ل 227 قصيدة ذى جدن «س» 228 لن ناصبة وجازمة ن. ل 228 الياء فى لن تطيقى ن. ل 229 قصيدة ابن الذئبة «س» 230 فى شرح قصيدة ذى جدن 231 الهامى والمنهمة 232 الجروب ن. ل 232 جمع الاسم على حذف الزوائد ن. ل 232 موحل وفتح العين منها ن. ل قصيدة عمرو بن معدى كرب 233 فيما كان بينه وبين قيس «س» 234 استكان واشتقاقها ن. ل 234 تولد الحروف من إشباع الحركات ن. ل 235 من شرح قصيدة ابن الذئبة 235 فاء الفعل فى الوزير وفى الأزر ن. ل 236 معدى كرب وكلكى كرب 237 قيس بن مكشوح 237 نسب زبيد «س» 237 الأسود العنسى «ش» ضرب المثل بفرسية عمرو 239 ابن معدى كرب 239 الصمصامة وذو الفقار 239 ريحانة أخت عمرو بن معدى 239 باهلة وسلمان بن ربيعة 241 عود إلى شق وسطيح «س» غَلَبَ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ عَلَى أَمْرِ 241 الْيَمَنِ وَقَتَلَ أرياط «س» 242 موقف النجاشى من أبرهة «س» 242 أمر الفيل وقصة النسأة 242 كنيسة أبرهة 242 اليافوخ أو اليأفوخ ن. ل 243 النسىء «س» 243 نسب العجاج 244 أول من نسأ الشهور «ش» 244 خير القليس مع الفيل والنسأة «س» 244 اشتقاق القليس ن. ل 245 سبب حملة أبرهة على الكعبة «س» 245 استذلال أهل اليمن فى بناء القليس 246 مصير القليس 247 كعيب الصنم وامرأته 247 النسىء والنسأة 247 أول النسأة

248 نوعا النسىء 248 سبب اقترافهم للنسىء «ش» 248 شعر الكميت فى الفخر بالنسأة 249 معنى: إن الزمان قد استدار كهيئته 250 الميم والنون فى منجنون ن. ل 250 تفسير: أثعبان المنجنون المرسل 250 العجاج وكنيته 251 تفسير جذل الطعان 252 إسلام أحد النسأة 252 الأشهر الحرم 253 القعود على المقابر 253 أنساب 254 خثعم 255 ثقيف 255 اشتقاق إياد ن. ل 256 المغمس واشتقاقها ن. ل 257 اللذان حاولا حماية الكعبة «س» 257 بين ثقيف وأبرهة «س» 258 نسب ثقيف فى السيرة قصة أبى رغال والأسود بن 259 مقصود «س» 260 رسول أبرهة إلى عبد المطلب «س» 260 الشافعون لعبد المطلب «س» 261 وسامة عبد المطلب 262 عبد المطلب يستغيث بالله «س» 262 إفراد الضمير العائد على جمع ن. ل رقم موضوع 263 أبرهة والفيل والكعبة «س» 264 مصير أصحاب الفيل «س» 265 قصة الفيل فى القرآن «س» 266 حذف لام اللهم ن. ل 266 أصل لهنك وأجنك ن. ل 266 مفهوم كلمة حلال ن. ل الرد على النحاس والزبيدى فى رأيهما حول اللهم صل على 277 محمد وعلى آله ن ل 277 آل وأهل وأهيل ن. ل 267 شرح الآخذ الهجمة ن. ل 268 فى شرح حديث الفيل 268 خفر وأخفر وطماطم ن. ل 268 عبى وعبأ ن. ل 269 هل يبرك الفيل؟ 269 نسب الأسود بن مقصود 269 عدد الفيلة التى جىء بها لهدم الكعبة 269 نسب نفيل الذى كلم الفيل 270 تاريخ حادث الفيل 270 الطير الأبابيل 270 تلاعب العرب بالأسماء الأعجمية ن. ل 270 الطبر زين وضبطه ن. ل 271 ضبط حمص وجلق ن. ل 271 الحجارة التى رمى بها الطير

رقم موضوع 272 نصب ما فى معنى المصدر المؤكدن. ل 272 من شروط المفعول لأجله ن. ل 273 تعدية فعل نعمناكم ن. ل 273 ردينة ودرينة ن. ل 273 تمث بضم الميم وكسرها ن. ل 273 إعراب تصبب عرقا وشبهها. ن. ل ضبط الثلاثى المضاعف المتعدى 273 وغير المتعدى ن. ل 274 جمع فعل على فعائل ن. ل 275 أفعال الطباع والخصال ن. ل 275 ضبط أسماء نباتات ن. ل 276 الأبابيل أهى جمع أم مفرد؟ ن. ل 276 الكاف فى صيروا مثل كعصف ن. ل «وصاليات ككما يؤثفين» رأى 276 النحاة فيها ن. ل 277 تصريف أثفية ن. ل 278 حروف الجر التى تقحم ن. ل إفراد الخبر والمبتدأ جمع 279 والصفة والموصوف جمع ن. ل إيلاف قريش «س» 280 ومعنى الإيلاف «س» مصير الفيل وما قيل فيه من 281 الشعر «س» 282 أصحاب إيلاف قريش 284 شعر أمية فى دين الحنيفيه 284 إعراب إيلاف وما بعدها ن. ل «ش» رقم موضوع 285 نسب الفرزدق 285 رأى السهيلى فى إيلاف ن. ل 286 من شرح شعر الفيل خطأ ابن إسحاق فى نسب عدى 286 ابن سعيد 287 نسب عبد الله بن الزبعرى «ش» 287 دخول الخرم فى الكامل 288 الهامة، وابن مفرغ «ش» 289 مصطلحات عروضية «ش» 290 من أين جاء ابن الزبعرى بتحريم مكة؟ 291 تفسير قصيدة ابن الأسلت 291 أول من ذلل الفيلة وسخر الخيل 291 شرح قصيدة طالب بن أبى طالب 292 شرح شعر أبى الصلت 292 المهاة وأسماء الشمس ن. ل 293 قصيدة الفرزدق فى هجو الحجاج حادث الفيل فى شعر ابن قيس 293 الرقيات «س» 293 ولدا أبرهة «س» 294 سيف بن ذى يزن وقيصر «س» شفاعة النعمان لسيف عند 294 كسرى «س» 295 كسرى يعاون بن ذى يزن 295 تصغير وجمع الاسم السداسى ن. ل 296 انتصار سيف وقول الشعراء فيه 297 وهرز واليمن

رقم موضوع 297 تلقيب ابن قيس بالرقيات ن. ل 299 سيف بن ذى يزن وكسرى 299 ابن أم مكتوم «ش» 300 نسب سيف 300 وصف تاج كسرى 300 النسبة إلى يزن ن. ل 300 المنا والكمأة ن. ل 301 عمر وسراقة والتاج 302 اسم صنعاء قديما ن. ل 303 شرح لامية ابن أبى الصلت 303 اشتقاق رواثم ن. ل 304 شدف مفردها ومعناها ن. ل 304 جمع فعل ن. ل 304 متى يجوز جمع الجمع ن. ل من معانى قصيدة ابن أبى 304 الصلت «ش» 305 قصيدة لعدى بن زيد «ش» 306 ما انتهى إليه أمر الفرس باليمن س 306 مدة ملك الحبشة باليمن «س» 306 أمراء الفرس على اليمن «س» 307 التنبؤ بقتل كسرى «س» 307 إسلام باذان «س» 308 أسطورة الحجر المكتوب بالزبور 308 الأعشى ونبوءة شق وسطيح «س» 309 عن النابغة وعدى بن زيد 309 النوابغ والأعاشى رقم موضوع 310 النابغة بين يدى الرسول (ص) 311 نسب عدى بن زيد فى الطبرى 311 العباد 312 أصل التاء فى تولب وشبهها ن. ل 313 فى شرح قصيدة عدى بن زيد ن. ل 313 البربر ليسوا من حمير ولا عيلان 313 الزرافة 315 باذان وكسرى 316 قوم من الأبناء 316 طاووس. وهل هو من الأبناء 316 اشتقاق المنون ن. ل 317 وزن مخاص ومخاضة ن. ل 317 آن يئين مقلوب من أنى يأنى ن. ل 317 سبب قتل كسرى 318 تعريب خسروا ن. ل 319 ذمار وحمير وفارس والحبشة متى تمنع ذمار من الصرف، 319 ومتى تبنى ن. ل 319 الرأى فى فعال ن. ل 320 الحبشه والكعبة 321 مثل: من دخل ظفار حمر 322 زرقاء اليمامة وطسم وجديس 323 قصة ملك الحضر «س» 323 خبر الساطرون 324 اسم الساطرون ونسبه 325 الجرامقة

رقم موضوع 325 وصف الحضر «ش» 326 قصة الضيزن عند السهيلى 326 النضيرة بنت الضيزن وسابور 328 من الذى استباح الحضر؟ هشام بن عبد الملك وعظة 329 ابن الأهتم 330 قصيدة لعدى بن زيد فى الاعتبار 331 عدى بن زيد الذى قتله النعمان 334 قصيدة عمرو بن آلة فى الضيزن 335 من قصيدة الأعشى عن الحضر 336 نعم ينعم ن. ل 336 من شرح قصيدة عدى بن زيد 336 تصريف ربية ن. ل 336 تأنيث ربية «ش» ن. ل 337 وهل ووهم ن. ل 337 الخابور 338 ذكر ولد نزار بن معد «س» 340 أنمار بن نزار أبو بجيلة وخثعم 342 جرير البجلى ونسبه 343 المنافرة 343 الفرافصة رفع جواب الشرط والشرط 343 مضارع ن. ل 344 عيلان 344 خندف وأولادها 345 أيام الأسبوع فى الجاهلية ن. ل رقم موضوع عَمْرَو بْنَ لُحَيّ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي 346 النّارِ «س» 346 لم سمى أولاد خندف بهذا؟ 347 نسب عمرو بن لحى 348 أبو هريرة وأسماؤه 349 أول من بحر البحيرة أول ما كانت عبادة الحجارة 350 وأول من أتى بها مكة «س» 351 بقايا من دين إبراهيم فى مكة «س» أصنام قوم نوح والقبائل 351 العربية «س» اسم همدان ونسبه عند ابن 352 إسحاق «س» 354 هبل وإساف ونائله «س» 355 الأصنام فى البيوت «س» 355 العزى واللات ومناة «س» 357 أصل عبادة الأوثان 357 عمرو بن لحى وعبادة الأصنام 358 التلبية فى الجاهلية 358 رواية البخارى عن عبادة الأصنام 359 رأى الطبرى فى أصنام قوم نوح 360 ضبط وبرة ودومة الجندل ن. ل 360 اشتقاق طىء ن. ل 360 جر. ن. ل ش وغيرها 362 لا نولك أن تفعل ن. ل 362 تنوفة ووزنها وجمعها

رقم موضوع 363 ضبط ملكان وملكان ن. ل منع حبيب من الصرف فى اسم 364 محمد بن حبيب ن. ل 364 السهيلى يروى قصة أساف ونائلة 365 الترخيم فى غير النداء ن. ل ابن إسحاق يعود إلى ذكر 366 الأصنام «س» 366 الغبغب 367 رضاء وهادمها المستوغر «س» 368 الأسود بن يعفر «س» ابن إسحاق يتكلم عن البحيرة 368 والسائبة وغيرهما «س» الحامى والبحيرة والسائبة 369 والوصيلة عند العرب «س» 370 آيات قرآنية تندد بهذه البدع س 371 جمع بحيرة ووصيلة وسائبة وحام ن. ل السهيلى يتحدث عن قصة أجأ 371 وسلمى 371 اشتقاق طىء «ش» ن. ل 372 الصنم ذو الخلص معنى قيس وهشام ونوفل 373 والنسب إلى امرىء القيس ن. ل 373 مأخذ كلمة حندج ن. ل 373 النسب إلى المركب «ش» ن. ل 374 حال من المصدر ن. ل حكم المصدر إذا حذف غير رقم موضوع 374 حكمه إذا لفظ ن. ل 374 جرير البجلى وهدم ذى الخلصة تأويل: كان يقال له الكعبة اليمانية ن. ل 375 والشآمية 375 له بمعنى من أجله ن. ل 375 ذو الخلصة وآخر الزمان 376 المستوغر وزهير بن جناب من المعمرين 376 بنو جناب 378 الرباب امرأة الحسين 378 من معمرى العرب 379 شعر المستوغر فى رضاء 380 الخورنق وقصة سنمار 381 قصيدة الأسود بن بعفر عن آل محرق 381 معنى السدير ن. ل رأى السهيلى فيما قيل عن البحيرة 381 والسائبة تحريم تخصيص الذكور دون 382 الإناث بالهبات 383 نسب خزاعة «س» 385 قريش «س» 386 ولد النضر «س» 387 أولاد مالك وابنه فهر «س» 387 غالب وزوجاته وأولاده «س» 388 نسل لؤى «س» 388 بنانة «س»

رقم موضوع 389 أمر سامة بن لؤى «س» 390 حول وجمع بحيرة وحائل ن. ل 390 السهيلى يتكلم عن نسب خزاعة 391 بطن مر 392 دمشق ن. ل 392 أصل جيرون «ش» ن. ل 393 قصة أبى دهبل وقصيدته النونية 393 بنو كنانة 394 تفصيل القول فى قريش 396 لم لقب قريش بهذا؟ 398 تفسير بيت رؤبة عن القروش 398 تفسير شعر كثير «أليس أبى بالصلت» 399 تفسير قول جربر بن الخطفى 400 بنو الأدرم 403 ماوية امرأة لؤى واشتقاق اسمها ن. ل بنانة وعائذة وبنو ناجية وذبيان 403 وسامة 403 قصة سامة مرة أخرى 404 تفسير بنانة 405 المسودة «ش» 405 ضبط ربان «ش» ن. ل 506 ضبط ذبيان واشتقاقها ن. ل 406 رد الكلمة على ما قبلها فى الإعراب ن. ل 407 لم سميت ناجية بهذا رأى ابن حزم فى بنى ناجية «ش» 408 الفرق بين كلمتى الرسول والمرسل ن. ل رقم موضوع إعراب بعض كلمات البيت 408 الأول من شعر سامة ن. ل 409 إعراب «وخروس السرى» ن. ل 410 أمر عوف بن لؤى «س» 411 مكانة مرة وسادات مرة «س» 411 قصيدة الحارث بن ظالم «س» 411 انتساب مرة إلى غطفان «س» شعر الحصين بن الحمام وعامر 412 الخصفى 414 بنو كعب «س» 414 نسب بارق «س» 415 ولدا كلاب وأمهما «س» 415 نسب جعثمة «س» 415 عود إلى أولاد كلاب 416 أولاد قصى وعبد مناف «س» 416 شرح شعر الحارث بن ظالم 417 المرباع 417 شرح شعر الحصين بن الحمام 418 خارجة بن سنان وزهير 418 شرح شعر عامر الخصفى 419 مزينة 420 الحوأب 421 حديث السهيلى عن البسل 421 آمين وبسلا ن. ل 421 المروراة وعثوثل وصمحمح وغيرهما 422 أعلام وأنساب

رقم الموضوع 424 الكميت 424 محا السيف ما قال ابن دارة 425 الجدرة 425 الديل والدئل والدّول ن. ل 427 النسبة إلى دئل ن. ل 428 شعر كعب بن مالك الأنصارى فى غزوة السويق 429 أولاد هاشم وأمهانهم «س» 340 أولاد عبد المطب بن هاشم «س» 431 العواتك اللاتى ولدن النبى صلى الله عليه وسلم رقم الموضوع 432 وهم ابن إسحاق فى نسب أم صفية 433 بطون جنب 433 عبد شمس وهاشم 435 فاطمة بنت الأجحم وأم العباس 436 جحل بن عبد المطلب 437 الزبير عم الرسول «ص» 438 زيادة الميم فى ابن وعبد «ش» ن. ل 439 أبو لهب 439 أمهات النبى «ص» 443 تصويب الخطأ

الجزء الثاني

الجزء الثاني [مقدمة المحقق] بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وسيد ولد آدم أجمعين، محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الذين اهتدوا بهديه إلى يوم الدين. «أما بعد» فباسم الله نقدم الجزء الثانى من «الروض الأنف» للسهيلى والسيرة النبوية لابن هشام، سائلين الله أن يعين على التمام، وأن يجعل عملنا هذا صالحة عنده. إنه سميع مجيب. القاهرة- حلوان- مدينة الزهراء 19 من رمضان سنة 1387 20 من ديسمبر سنة 1967 عبد الرحمن الوكيل

"أمهات رسول الله صلى الله عليه وسلم":

[ «أمهات رسول الله صلى الله عليه وسلم» :] قال ابْنُ هِشَامٍ: فَوَلَدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- سَيّدَ وَلَدِ آدَمَ، مُحَمّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ. وَأُمّهِ: آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضر. وَأُمّهَا: بَرّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ. وَأُمّ بَرّةَ: أُمّ حَبِيبٍ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ. وَأُمّ أُمّ حَبِيبٍ: بَرّةَ بِنْتَ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بن عدىّ بن كعب ابن لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَرَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَشْرَفُ وَلَدِ آدَمَ حَسَبًا، وَأَفْضَلُهُمْ نَسَبًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، وَأُمّهِ صلى الله عليه وسلم. [ «حديث مولد رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ» .] إشَارَةٌ إلَى ذِكْرِ احتفار زمزم: قال: حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام، قال: وكان من حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مَا حَدّثَنَا بِهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البكّائى، عن مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ: بَيْنَمَا عَبْدُ الْمُطَلّبِ بن هشام نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ، إذْ أُتِيَ، فَأُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ، وَهِيَ دَفْنٌ بَيْنَ صَنَمَيْ قُرَيْشٍ: إسَافٍ ونائلة، عند ـــــــــــــــــــــــــــــ

أمر جرهم، ودفن زمزم

مَنْحَرِ قُرَيْشٍ. وَكَانَتْ جُرْهُمُ دَفَنَتْهَا حِينَ ظَعَنُوا من مكة، وهى: بئر إسماعيل ابن إبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِمَا السّلَامُ- الّتِي سَقَاهُ اللهُ حِينَ ظَمِئَ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَالْتَمَسَتْ لَهُ أُمّهُ مَاءً فَلَمْ تَجِدْهُ، فَقَامَتْ إلَى الصّفَا تَدْعُو اللهَ، وَتَسْتَغِيثُهُ لِإِسْمَاعِيلَ، ثُمّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ مِثْلَ ذَلِكَ. وَبَعَثَ اللهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي الْأَرْضِ، فَظَهَرَ الْمَاءُ، وَسَمِعَتْ أُمّهُ أَصْوَاتَ السّبَاعِ فَخَافَتْهَا عَلَيْهِ، فَجَاءَتْ تَشْتَدّ نَحْوَهُ، فَوَجَدَتْهُ يَفْحَصُ بِيَدِهِ عَنْ الْمَاءِ من تحت خدّه ويشرب، فجعلته حسيّا [الحسى: الحفيرة الصغيرة] . [أمر جرهم، ودفن زمزم] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ جُرْهُمٍ، وَدَفْنُهَا زَمْزَمَ، وَخُرُوجُهَا مِنْ مَكّةَ، وَمَنْ وَلِيَ أَمْرَ مَكّةَ بَعْدَهَا إلَى أَنْ حَفَرَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ زَمْزَمَ، مَا حَدّثَنَا بِهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ، قَالَ: لَمّا توفى إسماعيل ابن إبْرَاهِيمَ وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ ابْنُهُ نَابِتُ بْنُ إسْمَاعِيلَ- مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَلِيَهُ- ثُمّ وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ: مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ (بَابُ مَوْلِدِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ذَكَرَ نَسَبَ أُمّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَأَنّ زُهْرَةَ هُوَ: ابْنُ كِلَابٍ، وَفِي الْمَعَارِفِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ: أَنّ زُهْرَةَ اسْمُ امْرَأَةٍ عُرِفَ بِهَا بَنُو زُهْرَةَ، وَهَذَا مُنْكَرٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَإِنّمَا هُوَ اسْمُ جَدّهِمْ- كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَالزّهْرَةُ فِي اللّغَةِ: إشْرَاقٌ فِي اللّوْنِ، أَيّ لَوْنٍ كَانَ مِنْ بَيَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنّ الْأَزْهَرَ هُوَ الْأَبْيَضُ خَاصّةً، وَأَنّ الزّهْرَ اسْمٌ للأبيض من النّوّار،

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَنُو إسْمَاعِيلَ، وَبَنُو نابت مع جدّهم: مضاض بن عمرو وأخوالهم من جُرْهُمٍ، وَجُرْهُمٌ وَقَطُورَاءُ يَوْمَئِذٍ أَهْلُ مَكّةَ، وَهُمَا ابْنَا عَمّ، وَكَانَا ظَعَنَا مِنْ الْيَمَنِ، فَأَقْبَلَا سَيّارَةً، وَعَلَى جُرْهُمٍ: مُضَاضُ بْنُ عَمْرِو، وَعَلَى قَطُورَاءَ: السّمَيْدَعُ رَجُلٌ مِنْهُمْ. وَكَانُوا إذَا خَرَجُوا مِنْ الْيَمَنِ لَمْ يَخْرُجُوا إلّا وَلَهُمْ مَلِكٌ يُقِيمُ أَمْرَهُمْ. فَلَمّا نَزَلَا مَكّةَ رَأَيَا بَلَدًا ذَا مَاءٍ وَشَجَرٍ، فَأَعْجَبَهُمَا فَنَزَلَا بِهِ. فَنَزَلَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ بِأَعْلَى مَكّةَ بِقُعَيْقِعَانَ، فَمَا حَازَ. وَنَزَلَ السّمَيْدَعُ بِقَطُورَاءَ، أَسْفَلَ مَكّةَ بِأَجْيَادِ، فَمَا حَازَ. فَكَانَ مُضَاضٌ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكّةَ مِنْ أَعْلَاهَا، وَكَانَ السّمَيْدَعُ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكّةَ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَكُلّ فِي قَوْمِهِ لَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. ثُمّ إنّ جُرْهُمَ وَقَطُورَاءَ بغى بعضهم ـــــــــــــــــــــــــــــ وَخَطّأَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ: إنّمَا الزّهْرَةُ إشْرَاقٌ فِي الْأَلْوَانِ كُلّهَا، وَأَنْشَدَ فِي نُورِ الْحَوْذَانِ، وَهُوَ أَصْفَرُ: تَرَى زَهْرَ الْحَوْذَانِ حَوْلَ رِيَاضِهِ ... يُضِيءُ كَلَوْنِ الْأَتْحَمِيّ الْمُوَرّسِ «1» وَفِي حَدِيثِ يَوْمِ أُحُدٍ: نَظَرْت إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَيْنَاهُ تزهران تحت المغفر.

_ (1) الحوذان: نبات عشبى من ذوات الفلقتين. منه أنواع زرع لزهرها، وأخرى تنبت برية، ويقال: تحم الثوب: وشاه، والأتحمى والأتحمية، والمتحمة- بضم الميم وسكون التاء وفتح الحاء، أو بفتح التاء وتضعيف الحاء مع فتح- برد. وورّس الثوب: صبغه بالورس، وهو نبت من الفصيلة البقلية، وهى شجرة ثمرتها قرن مغطى عند نضجه بغدد حمراء، كما يوجد عليه زغب قليل يستعمل لتلوين الملابس الحريرية لاحتوائه على مادة حمراء.

عَلَى بَعْضٍ، وَتَنَافَسُوا الْمُلْكَ بِهَا، وَمَعَ مُضَاضٍ يَوْمَئِذٍ: بَنُو إسْمَاعِيلَ وَبَنُو نَابِتٍ، وَإِلَيْهِ وِلَايَةُ الْبَيْتِ دُونَ السّمَيْدَعِ. فَسَارَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، فخرج مضاض ابن عَمْرٍو مِنْ قُعَيْقِعَانَ فِي كَتِيبَتِهِ سَائِرًا إلَى السّمَيْدَعِ، وَمَعَ كَتِيبَتِهِ عُدّتُهَا مِنْ الرّمَاحِ وَالدّرَقِ وَالسّيُوفِ وَالْجِعَابِ، يُقَعْقِعُ بِذَلِك مَعَهُ، فَيُقَالُ: مَا سُمّيَ قُعَيْقِعَانُ بِقُعَيْقِعَانَ إلّا لِذَلِك. وَخَرَجَ السّمَيْدَعُ مِنْ أَجْيَادٍ، وَمَعَهُ الْخَيْلُ وَالرّجَالُ، فَيُقَال: مَا سُمّيَ أَجْيَادٌ: أَجِيَادًا إلّا لِخُرُوجِ الْجِيَادِ مِنْ الْخَيْلِ مَعَ السّمَيْدَعِ مِنْهُ. فَالْتَقَوْا بِفَاضِحٍ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ السّمَيْدَعُ، وَفُضِحَتْ قَطُورَاءُ. فَيُقَالُ: ما سمّى فاضح فاضحا إلا لذاك. ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح، فَسَارُوا حَتّى نَزَلُوا الْمَطَابِخَ: شِعْبًا بِأَعْلَى مَكّةَ، وَاصْطَلَحُوا بِهِ، وَأَسْلَمُوا الْأَمْرَ إلَى مُضَاضٍ. فَلَمّا جمع إليه أمر مَكّةَ، فَصَارَ مُلْكُهَا لَهُ نَحَرَ لِلنّاسِ فَأَطْعَمَهُمْ، فَاطّبَخَ النّاسُ وَأَكَلُوا، فَيُقَالُ: مَا سُمّيَتْ الْمَطَابِخُ: الْمَطَابِخَ إلّا لِذَلِك. وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَزْعُمُ أَنّهَا إنّمَا سُمّيَتْ الْمَطَابِخَ، لَمّا كَانَ تُبّعٌ نَحَرَ بِهَا، وَأَطْعَمَ، وَكَانَتْ مَنْزِلَهُ، فَكَانَ الّذِي كَانَ بَيْنَ مُضَاضٍ وَالسّمَيْدَعِ أَوّلَ بَغْيٍ كَانَ بمكة فيما يزعمون. ثُمّ نَشَرَ اللهُ وَلَدَ إسْمَاعِيلَ بِمَكّةَ، وَأَخْوَالُهُمْ من جُرْهُمٍ وُلَاةُ الْبَيْتِ وَالْحُكّامُ بِمَكّةَ، لَا يُنَازِعُهُمْ وَلَدُ إسْمَاعِيلَ فِي ذَلِكَ لِخُئُولَتِهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ، وَإِعْظَامًا لِلْحُرْمَةِ أَنْ يَكُونَ بِهَا بَغْيٌ أَوْ قِتَالٌ. فَلَمّا ضَاقَتْ مَكّةُ عَلَى وَلَدِ إسْمَاعِيلَ انْتَشَرُوا فِي الْبِلَادِ، فَلَا يُنَاوِئُونَ قَوْمًا إلّا أَظْهَرَهُمْ الله عليهم بدينهم فوطئوهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ زَمْزَمُ: وَذَكَرَ فِيهِ خَبَرَ إسْمَاعِيلَ، وَأُمّهِ، وَقَدْ تَقَدّمَ طَرَفٌ مِنْهُ. وَذَكَرَ أَنّ جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- هَمَزَ بِعَقِبِهِ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَنَبَعَ الماء، وكذلك زمزم

استيلاء كنانة وخزاعة على البيت ونفى جرهم

[استيلاء كنانة وخزاعة على البيت ونفى جرهم] [ «بنو بكر يطردون جرهما» ] ثُمّ إنّ جُرْهُمًا بَغَوْا بِمَكّةَ، وَاسْتَحَلّوا خِلَالًا مِنْ الْحُرْمَةِ، فَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَأَكَلُوا مَالَ الْكَعْبَةِ الّذِي يُهْدَى لَهَا، فَرَقّ أَمْرَهُمْ. فَلَمّا رَأَتْ بَنُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَغُبْشَانُ مِنْ خُزَاعَةَ ذلك، أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مَكّةَ. فَآذَنُوهُمْ بِالْحَرْبِ فَاقْتَتَلُوا، فَغَلَبَتْهُمْ بَنُو بَكْرٍ وَغُبْشَانُ، فَنَفَوْهُمْ مِنْ مَكّةَ. وَكَانَتْ مَكّةُ فِي الْجَاهِلِيّةِ لَا تُقِرّ فِيهَا ظُلْمًا وَلَا بَغْيًا، وَلَا يَبْغِي فِيهَا أَحَدٌ إلّا أَخَرَجَتْهُ، فَكَانَتْ تُسَمّى: النّاسّةَ، وَلَا يُرِيدُهَا مَلِكٌ يَسْتَحِلّ حُرْمَتَهَا إلّا هَلَكَ مَكَانَهُ، فَيُقَالُ: إنّهَا مَا سُمّيَتْ بِبَكّةِ إلّا أَنّهَا كَانَتْ تَبُكّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إذا أحدثوا فيها شيئا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ بَكّةَ اسْمٌ لِبَطْنِ مَكّةَ؛ لِأَنّهُمْ يَتَبَاكَوْنَ فِيهَا، أَيْ: يَزْدَحِمُونَ، وَأَنْشَدَنِي: إذَا الشّرِيبُ أَخَذَتْهُ أَكّهْ ... فَخَلّهِ حَتّى يَبُكّ بَكّهُ أَيْ: فَدَعْهُ حَتّى يَبُكّ إبِلَهُ، أَيْ يُخَلّيهَا إلَى الْمَاءِ، فَتَزْدَحِمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ. وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِعَامَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تَسَمّى: هَمْزَةَ جِبْرِيلَ بِتَقْدِيمِ الْمِيمِ عَلَى الزّايِ، وَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا: هَزْمَةُ جِبْرِيلَ، لِأَنّهَا هَزْمَةٌ «1» فِي الْأَرْضِ، وَحُكِيَ فِي اسْمِهَا: زُمَازِمُ وَزَمْزَمُ. حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْمُطْرِزِ، وَتُسَمّى أَيْضًا: طَعَامُ طعم، وشفاء سقم. وقال الجربىّ: سميت:

_ (1) فى النهاية لابن الأثير: الهزمة: النقرة فى الصدر، وفى التفاحة إذا غمزتها بيدك: وهزمت البئر إذا حفرتها.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيّ بِغَزَالِيّ الْكَعْبَةِ وَبِحَجَرِ الرّكْنِ، فدفنهما فِي زَمْزَمَ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ إلَى الْيَمَنِ، فَحَزِنُوا عَلَى مَا فَارَقُوا مِنْ أَمْرِ مَكّةَ وَمُلْكِهَا حُزْنًا شَدِيدًا، فَقَالَ عمرو ابن الحارث بْنِ مُضَاضٍ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِمُضَاضٍ الْأَكْبَرِ: وَقَائِلَةٍ وَالدّمْعُ سَكْبٌ مُبَادِرُ ... وَقَدْ شَرِقَتْ بِالدّمْعِ مِنْهَا الْمَحَاجِرُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إلَى الصّفَا ... أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكّةَ سَامِرُ فَقُلْتُ لَهَا وَالْقَلْبُ مِنّي كَأَنّمَا ... يُلَجْلِجُهُ بَيْنَ الْجَنَاحَيْنِ طَائِرُ بَلَى نَحْنُ كُنّا أَهْلَهَا، فَأَزَالَنَا ... صُرُوفُ اللّيَالِي، وَالْجُدُودِ الْعَوَاثِرِ وَكُنّا وُلَاةَ الْبَيْتِ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... نَطُوفُ بِذَاكَ الْبَيْتِ، وَالْخَيْرُ ظَاهِرُ وَنَحْنُ وَلِينَا الْبَيْتَ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... بِعَزّ، فَمَا يَحْظَى لَدَيْنَا الْمُكَاثِرُ مَلَكْنَا فَعَزّزْنَا فَأَعْظِمْ بِمُلْكِنَا ... فَلَيْسَ لِحَيّ غَيْرِنَا ثَمّ فَاخِرُ أَلَمْ تُنْكِحُوا مِنْ خَيْرِ شَخْصٍ عَلِمْته ... فَأَبْنَاؤُهُ مِنّا، وَنَحْنُ الْأَصَاهِرُ فَإِنْ تَنْثَنِ الدّنْيَا عَلَيْنَا بِحَالِهَا ... فَإِنّ لَهَا حَالًا، وَفِيهَا التّشَاجُرُ فَأَخْرَجَنَا مِنْهَا الْمَلِيكُ بِقُدْرَةٍ ... كَذَلِكَ- يَا لِلنّاسِ- تَجْرِي الْمَقَادِرُ أَقُولُ إذَا نَامَ الْخَلِيّ، وَلَمْ أَنَمْ ... : أَذَا الْعَرْشِ: لَا يَبْعُدُ سُهَيْلٌ وَعَامِرٌ وَبُدّلْت مِنْهَا أَوْجُهًا لَا أُحِبّهَا ... قَبَائِلُ مِنْهَا حِمْيَرُ ويحابر ـــــــــــــــــــــــــــــ زَمْزَمَ، بِزَمْزَمَةِ الْمَاءِ، وَهِيَ صَوْتُهُ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: سُمّيَتْ زَمْزَمَ؛ لِأَنّ الْفَرَسَ كَانَتْ تَحُجّ إلَيْهَا فِي الزّمَنِ الْأَوّلِ، فَزَمْزَمَتْ عَلَيْهَا. وَالزّمْزَمَةُ: صَوْتٌ يُخْرِجُهُ الْفَرَسُ مِنْ خَيَاشِيمِهَا عِنْدَ شُرْبِ الْمَاءِ. وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إلَى عماله: أن انهو الفرس عن الزّمزمة، وأنشد المسعودى:

وَصِرْنَا أَحَادِيثَا وَكُنّا بِغِبْطَةٍ ... بِذَلِكَ عَضّتْنَا السّنُونَ الْغَوَابِرُ فَسَحّتَ دُمُوعُ الْعَيْنِ تَبْكِي لِبَلْدَةٍ ... بِهَا حَرَمٌ أَمْنٌ، وَفِيهَا الْمَشَاعِرُ وَتَبْكِي لِبَيْتٍ لَيْسَ يؤذى حَمَامُهُ ... يَظَلّ بِهِ أَمْنًا، وَفِيهِ الْعَصَافِرُ وَفِيهِ وُحُوشٌ- لَا تُرَامُ- أَنِيسَةٌ ... إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ، فليست تغادر قال ابن هشام: «فَأَبْنَاؤُهُ منا» ، عن غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا يَذْكُرُ بَكْرًا وَغُبْشَانُ، وَسَاكِنِي مَكّةَ الّذِينَ خَلَفُوا فِيهَا بَعْدَهُمْ: يَا أَيّهَا النّاسُ سِيرُوا إنّ قَصْرَكُمْ ... أَنْ تُصْبِحُوا ذَاتَ يَوْمٍ لَا تَسِيرُونَا حُثّوا الْمَطِيّ، وَأَرْخُوا مِنْ أَزِمّتِهَا ... قَبْلَ الْمَمَاتِ، وَقَضّوا مَا تُقَضّونَا كُنّا أُنَاسًا كَمَا كُنْتُمْ، فَغَيّرَنَا ... دَهْرٌ، فَأَنْتُمْ كَمَا كُنّا تَكُونُونَا قَالَ ابن هشام: هذا ما صح له منها. وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْم بِالشّعْرِ: أَنّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ أَوّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْعَرَبِ، وَأَنّهَا وُجِدَتْ مَكْتُوبَةً فِي حَجَرٍ بِالْيَمَنِ، وَلَمْ يُسَمّ لى قائلها. ـــــــــــــــــــــــــــــ زَمْزَمَتْ الْفَرَسُ عَلَى زَمْزَمَ ... وَذَاكَ فِي سَالِفِهَا الأقدم «1»

_ (1) الزمزمة أيضا: تراطن الفرس على أكلهم، وهم صموت لا يستعملون اللسان ولا الشفة، لكنه صوت تديره فى خياشيمهم وحلوقهم، فيفهم بعضهم عن بعض. والبيت فى ص 242 ج 1 المسعودى. ونص قول المسعودى: «كانت أسلاف الفرس تقصد البيت الحرام، وتطوف به تعظيما له، ولجدها إبراهيم عليه السلام وتمسكا بهديه، وحفظا لأنسابها، وكان آخر من حج منهم: ساسان بن بابك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ الْبَرْقِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنّهَا سُمّيَتْ: زَمْزَمَ لِأَنّهَا زُمّتْ بِالتّرَابِ؛ لِئَلّا يَأْخُذَ الْمَاءُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَوْ تُرِكَتْ لَسَاحَتْ عَلَى الْأَرْضِ حَتّى تَمْلَأَ كُلّ شَيْءٍ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالزّمْزَمَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْكَثْرَةُ وَالِاجْتِمَاعُ قَالَ الشّاعِرُ: وَبَاشَرَتْ مَعْطَنَهَا الْمُدَهْثَمَا ... وَيَمّمَتْ زُمْزُومَهَا الْمُزَمْزِمَا «1» سَبَبُ نُزُولِ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ مَكّةَ: الْمُدَهْثَمُ: اللّيّنُ، وَكَانَ سَبَبُ إنْزَالِ هَاجَرَ وَابْنِهَا إسْمَاعِيلَ بِمَكّةَ وَنَقْلِهَا إلَيْهَا مِنْ الشّامِ أَنّ سَارّةَ بِنْتَ عَمّ إبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- شَجَرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَاجَرَ أَمْرٌ، وَسَاءَ مَا بَيْنَهُمَا، فَأُمِرَ إبْرَاهِيمُ أَنْ يَسِيرَ بِهَا إلَى مَكّةَ، فَاحْتَمَلَهَا عَلَى الْبُرَاقِ «2» وَاحْتَمَلَ مَعَهُ قِرْبَةً بِمَاءِ ومزود تمر، وسار بها

_ (1) فى الأصل: المدهشم، وهو خطأ. والمعطن هو للابل كالوطن للناس ولكنه غلب على مبركها. والزمزوم: الجماعة من الإبل عددها مائة. وقد ذكر اللسان عن ابن برى أن زمزم لها اثنا عشر اسما: زمزم، مكتومة، مضنونة، شباعة «بضم الشين وفتح الباء» سقيا «بضم السين وسكون القاف» الرّواء: «بفتح الراء والواو» ركضة جبريل، هزمة جبريل، شفاء سقم، طعام طعام، حفيرة عبد المطلب. أقول: وذكر لها اسم آخر هو برّة. وفى اللسان أيضا: الزمزمة بكسر الزاى: الجماعة من الناس، وفرس يزمزم فى صوته إذا كان يطرب. (2) لم يرد له ذكر فى المرويات الصحيحة، ولم يرد فى حديث يعتد به أن إبراهيم حمل هاجر إلى هنالك ليرضى سارة، بل الذى ورد أنه حملها بأمر الله ليقضى الله أمره سبحانه. وليس إبراهيم بالرجل الذى يضع أمر امرأته فوق أمر ربه، أو يرتكب مثل هذا ترضية لامرأته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَتّى أَنْزَلَهَا بِمَكّةَ فِي مَوْضِعِ الْبَيْتِ «1» ، ثُمّ وَلّى رَاجِعًا عَوْدَهُ عَلَى بَدْئِهِ «2» ، وَتَبِعَتْهُ هَاجَرُ «3» وَهِيَ تَقُولُ: آللهُ أَمَرَك أَنْ تَدَعَنِي، وَهَذَا الصّبِيّ فِي هَذَا الْبَلَدِ الْمُوحِشِ، وَلَيْسَ مَعَنَا أَنِيسٌ؟! فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: إذًا لَا يُضَيّعُنَا «4» ، فجعلعت تَأْكُلُ مِنْ التّمْرِ، وَتَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْقِرْبَةِ، حَتّى نَفِدَ الْمَاءُ، وَعَطِشَ الصّبِيّ، وَجَعَلَ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ «5» ، وَجَعَلَتْ هِيَ تَسْعَى مِنْ الصّفَا إلَى الْمَرْوَةِ، وَمِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصّفَا؛ لِتَرَى أَحَدًا، حَتّى سَمِعَتْ صَوْتًا عِنْدَ الصّبِيّ، فَقَالَتْ: قَدْ أسمعت، إنْ كَانَ عِنْدَك غَوْثٌ، ثُمّ جَاءَتْ الصّبِيّ، فَإِذَا الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ خَدّهِ، فَجَعَلَتْ تَغْرِفُ بِيَدَيْهَا، وَتَجْعَلُ فِي الْقِرْبَةِ. قَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ تَرَكَتْهُ لَكَانَتْ عَيْنًا، أَوْ قَالَ: نَهَرًا مَعِينًا، وَكَلّمَهَا الْمَلَكُ، وَهُوَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَأَخْبَرَهَا أَنّهَا مَقَرّ ابْنِهَا وَوَلَدِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ «6» ، وَأَنّهَا مَوْضِعُ بيت الله الحرام، ثم ماتت.

_ (1) فى رواية للبخارى: «وضعها عند البيت عند دوحة فوق الزمزم فى أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء» . (2) كان راجعا إلى الشام. (3) فى رواية ابن جريج: «فأدركته بكداء بفتح الكاف، أوكدى بضم الكاف والقصر. (4) فى رواية: أنها نادته ثلاثا، وأنه أجابها فى الثالثة، وأنها قالت له: حسبى، أو: رضيت بالله، (5) يشهق ويعلو صوته وينخفض كالذى ينازع. وفى روايات: وجعلت تنظر إليه يتلوى. أو يتلبّط، أو يتلبّظ. (6) فى رواية للبخارى: «فقال لها الملك: لا تخافوا الضّيعة، فإن هذا بيت الله يا بنى هذا الغلام، وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَاجَرُ، وَإِسْمَاعِيلُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وقبرها فى الحجر، وثمّ قبر إسماعيل- عليه السلام- وَكَانَ الْحِجْرُ قَبْلَ بِنَاءِ الْبَيْتِ زَرْبًا لِغَنَمِ إسْمَاعِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» وَيُقَالُ: إنّ أَوّلَ بَلَدٍ مِيرَتْ مِنْهُ أُمّ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَابْنُهَا التّمْرَ: الْقَرْيَةُ الّتِي كَانَتْ تُعْرَفُ بِالْفُرْعِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ قَطُورَا وَجُرْهُمٌ وَالسّمَيْدَعُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ نُزُولَ جُرْهُمً، وَقَطُورَا عَلَى أُمّ إسْمَاعِيلَ هَاجَرَ، وَجُرْهُمٌ: هُوَ قَحْطَانُ بْنُ عَامِرِ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ، وَيُقَالُ: جُرْهُمُ بْنُ عَابِرٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي السّفِينَةِ، وَذَلِكَ أَنّهُ مِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ، وَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ، وَمِنْهُمْ تَعَلّمَ إسْمَاعِيلُ الْعَرَبِيّةَ. وَقِيلَ: إنّ اللهَ تَعَالَى أَنْطَقَهُ بِهَا إنْطَاقًا، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً «2» .

_ (1) من زيادة أبى جهم. (2) لقحطان ولد اسمه: جرهم. أما جدهم الأكبر، أو الأولى، فمن العرب البائدة. ولما ملك يعرب اليمن ولى أخاه جرهم بن قحطان الحجاز، وتداول ملكه بنوه بعده إلى أن أنزل إبراهيم عليه السلام ابنه إسماعيل. ويقول ابن قنيبة فى المعارف ص 10: ومن ولد أرفخشد: يقطن، وهو أبو جرهم بن يقطن، وجرهم هو ابن عم يعرب، وكانت جرهم ممن سكن اليمن وتكلم بالعربية، ثم نزلوا مكة. فكانوا بها، وقطورا: بنو عم لهم، ويقول ابن عبد البر: «وسار جرهم بن قحطان بولده، فنزلوا مكة، فهؤلاء ونسلهم يدعون العرب العاربة، وبنو إسماعيل يسمون العرب المستعربة لأنهم تعلموا منهم وتكلموا بلغتهم» ص 14 القصد والأمم. وفى نهاية الأرب عن بنى قحطان: «الذى عليه جمهور النسب أنهم بنو قحطان بن عامر بن شالخ» ، وذكر عن عامر أنه أصل عرب اليمن، وإليه تنسب القحطانية، ثم يقول: قال فى العبر: «واسمه فى التوراة: يقطن، فعرب بقحطان. وشذ بعضهم، فقال: إنه ابن قحطان بن الهميسع بن أبين بن قيدار بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم عليه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا قَطُورَا، فَهُوَ قَطُورَا بْنُ كَرْكَرَ. وَأَمّا السّمَيْدَعُ الّذِي ذَكَرَهُ، فَهُوَ السّمَيْدَعُ بْنُ هَوْثَرَ- بِثَاءِ مُثَلّثَةٍ- قَيّدَهَا الْبَكْرِيّ- بْنُ لَاي بْنِ قَطُورَا بْنِ كَرْكَرَ بْنِ عِمْلَاقٍ، وَيُقَالُ: إنّ الزّبّاءَ الْمَلِكَةَ كَانَتْ مِنْ ذُرّيّتِهِ، وَهِيَ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ أُذَيْنَةَ بْنِ ظَرِبِ بْنِ حَسّانَ، وَبَيْنَ حَسّانَ، وَبَيْنَ السّمَيْدَعِ آبَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلَا يَصِحّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنّ حَسّانَ ابْنُهُ لِصُلْبِهِ، لِبُعْدِ زَمَنِ الزّبّاءِ مِنْ السّمَيْدَعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَكَرَ الْحَارِثُ بْنُ مُضَاضٍ الْأَكْبَرِ بْنِ عمرو بن سعد بن الرقيب بن هي بن بنت «1» جرهم. جياد وقعيقعار: فَصْلٌ: وَذَكَرَ وِلَايَةَ جُرْهُمٍ الْبَيْتَ الْحَرَامَ دُونَ بَنِي إسْمَاعِيلَ إلَى أَنْ بَغَوْا فِي الْحَرَمِ، وَكَانَ أَوّلَ بَغْيٍ فِي الْحَرَمِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَرْبِ جُرْهُمٍ لِقَطُورَا. وَأَمّا أَجْيَادٌ فَلَمْ يُسَمّ بِأَجْيَادِ مِنْ أَجْلِ جِيَادِ الْخَيْلِ، كَمَا ذَكَرَ لِأَنّ جِيَادَ الْخَيْلِ لَا يُقَالُ فِيهَا: أجياد، وإنما أجياد: جمع جيد «2» .

_ - السلام. قال أبو عبيد: وليس كذلك. قال فى العبر: وعلى هذا يكون جميع العرب من ولد إسماعيل عليه السلام، لأن عدنان وقحطان يستدعيان بطون العرب القحطانية والعدنانية» ص 396 ط 1959. (1) هكذا فى الأصل. وفى اللسان عن ابن برى: «ويقال فى النسب: عمرو ابن الحارث بن مضاص بن هىّ بن بىّ «بفتح الهاء والباء وتضعيف الياء فى الكلمتين ابن جرهم» . وهى بن بى: كناية عمن لا يعرف، ولا يعرف أبوه، وقيل: كان من ولد آدم، ثم انقرض نسله. (2) العنق، وجمعه أيضا: جيود. وفى اللسان: أجياد: أرض بمكة، وجبل-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ أَصْحَابُ الْأَخْبَارِ أَنّ مُضَاضًا ضَرَبَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَجْيَادَ مِائَةِ رَجُلٍ مِنْ الْعَمَالِقَةِ، فَسُمّيَ الْمَوْضِعُ: بِأَجْيَادِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَمِنْ شِعْبِ أَجْيَادٍ تَخْرُجُ دَابّةُ الْأَرْضِ الّتِي تُكَلّمُ النّاسَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التّوْأَمَةِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «1» ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ فِي أَخْبَارِ مَكّةَ أَنّ قُعَيْقِعَانَ سُمّيَ بِهَذَا الِاسْمِ حِينَ نَزَلَ تُبّعٌ مَكّةَ، وَنَحَرَ عِنْدَهَا وَأَطْعَمَ، وَوَضَعَ سِلَاحَهُ وَأَسْلِحَةَ جُنْدِهِ بِهَذَا الْمَكَانِ، فَسُمّيَ: قُعَيْقِعَانَ بِقَعْقَعَةِ السّلَاحِ فِيهِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ. جُرْهُمٌ تَسْرِقُ مَالَ الْكَعْبَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ اسْتِحْلَالَ جُرْهُمٍ لِحُرْمَةِ الْكَعْبَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، كَانَ احْتَفَرَ بِئْرًا قَرِيبَةَ الْقَعْرِ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ، كَانَ يُلْقَى فِيهَا مَا يُهْدَى إلَيْهَا، فَلَمّا فَسَدَ أَمْرُ جُرْهُمٍ سَرَقُوا مَالَ الْكَعْبَةِ مَرّةً بَعْدَ مَرّةً، فَيَذْكُرُ أَنّ رَجُلًا مِنْهُمْ دَخَلَ الْبِئْرَ لِيَسْرِقَ مَالَ الْكَعْبَةِ، فَسَقَطَ عَلَيْهِ حَجَرٌ مِنْ شَفِيرِ الْبِئْرِ فَحَبَسَهُ فِيهَا، ثُمّ أُرْسِلَتْ عَلَى الْبِئْرِ حَيّةٌ لَهَا رَأْسٌ كَرَأْسِ الْجَدْيِ، سَوْدَاءُ الْمَتْنِ، بَيْضَاءُ الْبَطْنِ، فَكَانَتْ تُهَيّبُ مَنْ دَنَا مِنْ بِئْرِ الْكَعْبَةِ، وَقَامَتْ فِي الْبِئْرِ- فِيمَا ذَكَرُوا- نَحْوًا مِنْ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَسَنَذْكُرُ قِصّةَ رَفْعِهَا عِنْدَ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ إنْ شَاءَ اللهُ.

_ قال ابن الأثير: وأكثر الناس يقولونه: جياد بكسر الجيم، وحذف الهمزة. قال: جياد- بكسر الجيم- موضع بأسفل مكة معروف من شعابها. وبهذا يصح قول ابن هشام، أما فرس جواد، فجمعه جياد. (1) لم يرد هذا فى حديث صحيح. والحديث الذى فى مسلم لا يشير إلى مكان خروج هذه الدابة، ولا يذكر عنها سوى أنها دابة. والإنسان: دابة. أما ما ورد عنها من صفات أخرى، فأكثره إسرائيليات رددها وهب بن منبه. (م 2- الروض الأنف ج 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَيْنَ جُرْهُمٍ وَخُزَاعَةَ: فَصْلٌ: فَلَمّا كَانَ مِنْ بَغْيِ جُرْهُمٍ مَا كَانَ، وَافَقَ تَفَرّقَ سَبَأٍ مِنْ أَجْلِ سَيْلِ الْعَرِمِ، وَنُزُولَ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ أَرْضَ مَكّةَ، وَذَلِكَ بِأَمْرِ طَرِيفَةَ الْكَاهِنَةِ، وَهِيَ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ مُزَيْقِيَاءَ «1» وَهِيَ مِنْ حِمْيَرَ، وَبِأَمْرِ عِمْرَانَ ابن عَامِرٍ أَخِي عَمْرٍو، وَكَانَ كَاهِنًا أَيْضًا، فَنَزَلَهَا هُوَ وَقَوْمُهُ، فَاسْتَأْذَنُوا جُرْهُمًا أَنْ يُقِيمُوا بِهَا أَيّامًا، حَتّى يُرْسِلُوا الرّوّادَ، وَيَرْتَادُوا مَنْزِلًا حَيْثُ رَأَوْا مِنْ الْبِلَادِ، فَأَبَتْ عَلَيْهِمْ جُرْهُمٌ، وَأَغْضَبُوهُمْ، حَتّى أَقْسَمَ حَارِثَةُ أَلّا يَبْرَحَ مَكّةَ إلّا عَنْ قِتَالٍ وَغَلَبَةٍ، فَحَارَبَتْهُمْ جُرْهُمٌ، فَكَانَتْ الدّوْلَةُ لِبَنِي حَارِثَةَ عَلَيْهِمْ، وَاعْتَزَلَتْ بَنُو إسْمَاعِيلَ، فَلَمْ تَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَتْ خُزَاعَةُ- وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ- مَكّةَ، وَصَارَتْ وِلَايَةُ الْبَيْتِ لَهُمْ، وَكَانَ رَئِيسُهُمْ عَمْرَو بْنَ لُحَيّ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ قَبْلُ، فَشَرّدَ بَقِيّةَ جُرْهُمٍ، فَسَارَ فَلّهُمْ فِي الْبِلَادِ، وَسُلّطَ عَلَيْهِمْ الذّرّ وَالرّعَافُ «2» ، وَأَهْلَكَ بَقِيّتَهُمْ السّيْلُ بِإِضَمَ، حَتّى كَانَ آخِرَهُمْ مَوْتًا امْرَأَةٌ رِيئَتْ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِزَمَانِ، فَعَجِبُوا مِنْ طُولِهَا وَعِظَمِ خِلْقَتِهَا، حَتّى قَالَ لَهَا قَائِلٌ: أَجِنّيّةٌ أَنْتِ أَمْ إنْسِيّةٌ؟!، فَقَالَتْ: بَلْ إنْسِيّةٌ مِنْ جُرْهُمٍ، وَأَنْشَدَتْ رَجَزًا فِي مَعْنَى حَدِيثِهِمْ، وَاسْتَكْرَتْ بَعِيرًا مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَاحْتَمَلَاهَا عَلَى

_ (1) فى جمهرة «ابن حزم» : عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء ص 453. وفى الاشتقاق «لابن دريد» : ولد حارثة عامرا وهو ماء السماء، وولد عامر عمشرا «بفتح العين وسكون الميم» وهو مزيقياء» فعمرو- إذن- هو مزيقياء لا ابن مزيقياء 435. (2) الذر: صغار النمل، والرعاف: الدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْبَعِيرِ إلَى أَرْضِ خَيْبَر، فَلَمّا أَنْزَلَاهَا بِالْمَنْزِلِ الّذِي رَسَمَتْ لَهُمَا، سَأَلَاهَا عَنْ الْمَاءِ، فَأَشَارَتْ لَهُمَا إلَى مَوْضِعِ الْمَاءِ، فَوَلّيَا عَنْهَا، وَإِذَا الذّرّ قَدْ تَعَلّقَ بِهَا، حَتّى بَلَغَ خَيَاشِيمَهَا وَعَيْنَيْهَا، وَهِيَ تُنَادِي بِالْوَيْلِ وَالثّبُورِ حَتّى دَخَلَ حَلْقَهَا، وَسَقَطَتْ لِوَجْهِهَا، وَذَهَبَ الْجُهَنِيّانِ إلَى الْمَاءِ، فَاسْتَوْطَنَاهُ، فَمِنْ هُنَالِكَ صَارَ مَوْضِعَ جُهَيْنَةَ بِالْحِجَازِ وَقُرْبَ الْمَدِينَةِ، وَإِنّمَا هُمْ مِنْ قُضَاعَةَ، وَقُضَاعَةُ: من ريف العراق. غربة الحارث بن مضاصه: فَصْلٌ: رَجْعُ الْحَدِيثِ. وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ مُضَاضِ ابن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هي بْنِ نَبْتِ بْنِ جُرْهُمٍ الْجُرْهُمِيّ قَدْ نَزَلَ بِقَنَوْنَا «1» مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، فَضَلّتْ لَهُ إبِلٌ، فَبَغَاهَا حَتّى أَتَى الْحَرَمَ، فَأَرَادَ دُخُولَهُ، لِيَأْخُذَ إبِلَهُ، فَنَادَى عَمْرُو بْنُ لُحَيّ: مَنْ وَجَدَ جُرْهُمِيّا، فَلَمْ يَقْتُلْهُ، قُطِعَتْ يَدُهُ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْحَارِثُ، وَأَشْرَفَ عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ مَكّةَ، فَرَأَى إبِلَهُ تُنْحَرُ، وَيُتَوَزّعُ لَحْمُهَا، فَانْصَرَفَ بَائِسًا خَائِفًا ذَلِيلًا، وَأَبْعَدَ فِي الْأَرْضِ، وَهِيَ غُرْبَةُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الّتِي تُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ، حَتّى قَالَ الطّائِيّ: غُرْبَةٌ «2» تَقْتَدِي بِغُرْبَةِ قَيْسِ بْ ... نِ زُهَيْرٍ وَالْحَارِثِ بْنِ مُضَاضِ وَحِينَئِذٍ قال الحارث الشعر الذى رسمه ابن إسحق وهو قوله:

_ (1) سبق هذا، وبيان الصواب فيه عن هى فى ص 15 من هذا الجزء. وقنونى «بوزن فعسو عل، بفتح القاف والنون وسكون الواو» من أودية السّراة، تصب إلى البحر فى أوائل أرض اليمن، من جهة مكة قرب حلشى «بفتح فسكون» وتكتب بالياء حسب القاعدة، ولكن تركتها كما هى. (2) غربة بفتح الغين: النوى والبعد، وبضمها: النزوح عن الوطن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إلَى الصّفَا. الشّعْرَ، وَفِيهِ: وَنَبْكِي لِبَيْتِ لَيْسَ يُؤْذَى حِمَامُهُ ... تَظَلّ بِهِ أَمْنًا، وَفِيهِ الْعَصَافِرُ «1» أَرَادَ: الْعَصَافِيرُ، وَحَذَفَ الْيَاءَ ضَرُورَةً، وَرَفَعَ الْعَصَافِيرَ عَلَى الْمَعْنَى، أَيْ: وَتَأْمَنُ فِيهِ الْعَصَافِيرُ، وَتَظَلّ بِهِ أَمْنًا، أَيْ: ذَاتَ أَمْنٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُون أَمْنًا جَمْعَ آمِنٍ مِثْلُ: رَكْبٍ جَمْعُ: رَاكِبٍ، وَفِيهِ: وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكّةَ سَامِرُ: السّامِرُ: اسْمُ الْجَمَاعَةِ يَتَحَدّثُونَ بِاللّيْلِ، وَفِي التّنْزِيلِ: (سَامِرًا تَهْجُرُونَ) الْمُؤْمِنُونَ: 67 وَالْحَجُونُ «2» بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى فَرْسَخٍ وَثُلُثٍ مِنْ مَكّةَ، قَالَ الْحُمَيْدِيّ: كَانَ سُفْيَانُ رُبّمَا أَنْشَدَ هَذَا الشّعْرَ، فَزَادَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَلَيْسَتْ تُغَادِرُ: وَلَمْ يَتَرَبّعْ وَاسِطًا وَجُنُوبَهُ ... إلَى السّرّ مِنْ وَادِي الْأَرَاكَةِ حَاضِرُ وَأَبْدَلَنِي رَبّي بِهَا دَارَ غُرْبَةٍ ... بِهَا الْجُوعُ بَادٍ، وَالْعَدُوّ الْمُحَاصِرُ «3»

_ (1) فى السيرة: يظل بدلا من: تظل. (2) والحجون كما فى المراصد: بأعلى مكة عند مقبرة أهلها، وفى ياقوت عن الأصمعى: أنه الجبل المشرف الذى بحذاء مسجد البيعة على شعب الجزارين. (3) أماواسط: فقيل: إن للعرب سبعة مواضع، يقال لكل منها: واسط، منها: واسط نجد فى شعر خداش بن زهير، وواسط الحجاز فى شعر كثير، وواسط الجزيرة فى شعر الأخطل. وواسط اليمامة فى شعر الأعشى، وواسط العراق: وهناك غير ذلك. وواسط أيضا بمكة. قيل: قرن كان أسفل من جمرة العقبة بين المأزمين. فضرب حتى ذهب، وقيل: تلك الناحية بركة السرى إلى العقبة، وتسمى: واسط المقيم. وقيل إنه الْجَبَلُ الّذِي يَجْلِسُ عِنْدَهُ الْمَسَاكِينُ إذَا ذَهَبَتْ إلى منى. والسر: بطن الوادى. وواذى الأراك: قرب مكة. وفى معجم البلدان ونهاية الأرب ج 16 ص 34 وضع هذا بعد البيت: وصرنا أحاديثا، وروايته هكذا: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَاسِطٌ وَعَامِرٌ وَجُرْهُمٌ: قَالَ الْحُمَيْدِيّ: وَاسِطٌ: الْجَبَلُ الّذِي يَجْلِسُ عِنْدَهُ الْمَسَاكِينُ، إذَا ذَهَبَتْ إلَى مِنَى. وَقَوْلُهُ فِيهِ: لَا يَبْعَدْ سُهَيْلٌ وَعَامِرُ عَامِرٌ: جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ مَكّةَ، يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ بِلَالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي عَامِرٌ وَطَفِيلُ «1» . عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ هَكَذَا، وَجُرْهُمٌ هَذَا هُوَ الّذِي تَتَحَدّثُ بِهَا الْعَرَبُ فِي أَكَاذِيبِهَا، وَكَانَ مِنْ خُرَافَاتِهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ أَنّ جُرْهُمًا ابْنٌ لِمَلَكِ أُهْبِطَ مِنْ السّمَاءِ لِذَنْبِ أَصَابَهُ، فَغُضِبَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ، كَمَا أُهْبِطَ هَارُوتُ وَمَارُوتُ، ثُمّ أُلْقِيَتْ فِيهِ الشّهْوَةُ، فَتَزَوّجَ امْرَأَةً، فَوَلَدَتْ لَهُ جُرْهُمًا، قال قائلهم: لاهمّ إنّ جُرْهُمًا عِبَادُكَا ... النّاسُ طُرْفٌ، وَهُمْ تِلَادُكَا [بِهِمْ قَدِيمًا عَمِرَتْ بِلَادُكَا] «2» مِنْ كِتَابِ الْأَمْثَالِ للأصبهانى:

_ - وبدلنا كعب بها دار غربة ... بها الذئب يعوى، والعدو المكاشر وفى مروج الذهب ج 2 ص 50: «المحاصر» . وفيه بعد: «وكنا ولاة البيت» هذا البيت: وكنا لإسماعيل صهرا ووصلة ... ولما تدر فيها علينا الدوائر (1) طفيل: جبل بمكة. (2) ما بين قوسين عن الطبرى ص 285 ج 2 وهذا الرجز ينسب إلى عامر ابن الحارث، والقصيدة منسوبة فى الطبرى لعامر بن الحارث بن مضاض يقول الطبرى: إن الله بعث على جرهم الرعاف والنمل، فأفناهم، فاجتمعت خزاعة-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَكّةُ وَأَسْمَاؤُهَا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَكّةَ وَبَكّةَ، وَقَدْ قِيلَ فِي بَكّةَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنّهَا تَبُكّ الْجَبَابِرَةَ، أَيْ تَكْسِرُهُمْ وَتَقْدَعُهُمْ، وَقِيلَ: مِنْ التّبَاكّ، وَهُوَ: الِازْدِحَامُ، وَمَكّةُ مَنْ تَمَكّكْت الْعَظْمَ، إذَا اجْتَذَبْت مَا فِيهِ مِنْ الْمُخّ، وَتَمَكّكَ الْفَصِيلُ مَا فِي ضَرْعِ النّاقَةِ، فَكَأَنّهَا تَجْتَذِبُ إلَى نَفْسِهَا مَا فِي الْبِلَادِ مِنْ النّاسِ وَالْأَقْوَاتِ الّتِي تَأْتِيهَا فِي الْمَوَاسِمِ، وَقِيلَ: لَمّا كَانَتْ فِي بَطْنِ وَادٍ، فَهِيَ تُمَكّكُ الْمَاءَ مِنْ جِبَالِهَا وَأَخَاشِبِهَا عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ، وَتَنْجَذِبُ إلَيْهَا السّيُولُ، وَأَمّا قَوْلُ الرّاجِزِ الّذِي أَنْشَدَهُ ابْنُ هِشَامٍ: إذَا الشّرِيبُ أَخَذَتْهُ أَكّهْ ... فَخَلّهِ حَتّى يَبُكّ بَكّهْ «1» فَالْأَكّةُ: الشّدّةُ، وَإِكَاكُ الدّهْرِ: شدائده.

_ - ليجلوا من بقى، فاقتتلوا، فلما أحس عامر بن الحارث بالهزيمة، خرج بغزالتى الكعبة وحجر الركن يلتمس التوبة، وهو يقول: «لاهم إن جرهما» الخ. فلم تقبل- كما فى الطبرى- توبته، فألقى غزالى الكعبة، وحجر الركن فى زمزم، كما جاء فى السيرة، ثم دفنها، وخرج من بقى من جرهم إلى أرض من أرض جهينة، فجاءهم سيل أتىّ، فذهب بهم. (1) فى اللسان: مكّ- وزن رد- الفصيل ما فى ضرع أمه يمكّه- وزن يرد- مكّا وامتك- بفتح التاء وتضعيف الكاف- وتمككه، ومكمكه: امتص جميع ما فيه. وشربه كله.. ومك العظم وامتكه وتمككه، وتمكمكه امتص ما فيه من المخ. والرجز المذكور لعامان بن كعب التميمى- كما ذكر ابن هشام، وفى الروض: الشريت بدلا من الشريب، وهو خطأ، وفيه يبك بدلا من تبك. ومعنى الشريب- كما فى اللسان- الذى يسقى إبله مع إبلك. يقول: فخله يورد إبله الحوض. فتباك عليه أى: تزدحم، فيسقى إبله سقية. وللأكة معان أخر. منها: سكون الريح وضيق الحلق وفورة شديدة فى القيظ. انظر اللسان. وتعليق الأستاذ هارون على المادة فى معجم ابن فارس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ أَنّهُ كَانَ يُقَالُ لَهَا: النّاسّةُ، وَهُوَ مِنْ نُسْت «1» الشّيْءَ إذَا أَذَهَبْته، وَالرّوَايَةُ فِي الْكِتَابِ بِالنّونِ، وَذَكَرَ الْخَطّابِيّ [فِي غَرِيبِهِ] أَنّهُ يُقَالُ لَهَا: الْبَاسّةُ أَيْضًا بِالْبَاءِ، وَهُوَ مِنْ بسّت الجبال بسّا، أَيْ: فُتّتْ وَثُرّيَتْ، كَمَا يُثَرّى السّوِيقُ، قَالَ الراجز: لا تخبزا خبزا وبسّابسّا «2» يَقُولُ: لَا تَشْتَغِلَا بِالْخَبْزِ، وَثَرّيَا الدّقِيقَ وَالْتَقِمَاهُ «3» . يُقَالُ: إنّ هَذَا الْبَيْتَ لِلِصّ أَعْجَلَهُ الْهَرَبُ. وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ الْخَبْزَ: شِدّةُ السّوْقِ، والبسّ: ألين منه، وبعده:

_ (1) النسّسّ- بفتح النون- المضاء فى كل شىء، وخص بعضهم به السرعة فى الورد، وهو السوق والزجر الشديد. وفى اللسان: وأنسست الدابة: أعطشتها والناسّة من أسماء مكة لقلة مائها، وكأنها تسوق وتدفع من يبغى بها. (2) وبعده فى اللسان: «ولا تطيلا بمناخ حبسا» . والبس: اتخاذ البسيسة وهو أن يلت السويق أو الدقيق أو الأقط المطحون بالسمن أو بالزيت، ثم يؤكل ولا يطبخ. وقال يعقوب: هو أشد من اللت بللا. وذكر أبو عبيدة أن لصا من غطفان، أراد أن يخبز فخاف أن يعجل عن ذلك، فأكله عجينا، ولم يجعل أبو عبيدة البس من السوق اللين. وفى تعليق للأستاذ هرون على معجم ابن فارس ذكر أن الرجز للهفوان العقيلى أحد لصوص العرب. وقد فسر السهيلى البيت بما فسره به ابن فارس. (3) ثرى الدقيق- بفتح الثاء وتضعيف الراء- صب عليه الماء. هذا وقد قيل عن بكة إنها اسم للبقعة التى فيها الكعبة، وذهب إليه مالك وابن عباس. وقيل اسم لها ولما حول البيت، ومكة: اسم لما وراء ذلك، وقيل: إنها المسجد والبيت ومكة اسم للحرم كله ص 601 القرى للمحب الطبرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا تَرَكَ السّيْرُ لَهُنّ نَسّا وَمِنْ أَسْمَاءِ مَكّةَ أَيْضًا: الرّأْسُ، وَصَلَاحُ، وَأُمّ رُحْمٍ، وَكُوثَى، وَأَمّا الّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الدّجّالُ، فَهِيَ: كُوثَى رَبّا «1» وَمِنْهَا كَانَتْ أُمّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَقَدْ تَقَدّمَ اسْمُهَا، وَأَبُوهَا هُوَ الّذِي احْتَفَرَ نَهْرَ كُوثَى، قَالَهُ الطّبَرِيّ. أسطورة: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ: يَا أَيّهَا النّاسُ سِيرُوا إنّ قَصْرَكُمْ ... أَنْ تُصْبِحُوا ذَاتَ يَوْمٍ لَا تَسِيرُونَا «2» وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنّهَا وُجِدَتْ بِحَجَرِ بِالْيَمَنِ، وَلَا يُعْرَفُ قَائِلُهَا، وَأَلْفَيْت فِي كِتَابِ أَبِي بَحْرٍ سُفْيَانَ بْنِ الْعَاصِي خَبَرًا لهذه الأبيات، وأسنده أبو الحرث مُحَمّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْجُعْفِيّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ السّلَامِ الْبَصْرِيّ، قَالَ: حَدّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سُلَيْمَانَ التّمّارُ، قَالَ أَخْبَرَنِي ثِقَةٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، قَالَ: وُجِدَ فِي بِئْرٍ بِالْيَمَامَةِ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ، وَهِيَ بئر طسم وجد يس فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: مُعْنِقُ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحِجْرِ مِيلٌ، وَهُمْ مِنْ بَقَايَا عَادٍ، غَزَاهُمْ تُبّعٌ، فَقَتَلَهُمْ، فَوَجَدُوا فِي حَجَرٍ مِنْ الثّلَاثَةِ الأحجار مكتوبا:

_ (1) صلاح: كقطام وقد تصرف. وكوثى تكتب بالياء لا بالألف كما كان فى الروض، وفى المراصد عن كوثى: أنها ثلاثة مواضع بسواد العراق بأرض بابل وبمكة منزل بنى عبد الدار خاصة، وكوثى بالعراق فى موضعين: كوثى الطريق، وكوثى ربّا وبها مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام، وهما قريتان، وبينهما تلول من رماد، يقال: إنها رماد النار التى أو قدها نمروذ لإحراقه. (2) هى فى الطبرى ح 8 ص 285 مع تقديم وتأخير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَا أَيّهَا الْمَلِكُ الّذِي ... بِالْمُلْكِ سَاعَدَهُ زَمَانُهْ مَا أَنْتَ أَوّلَ مَنْ عَلَا ... وَعَلَا شئون النّاسِ شَانُهْ أَقْصِرْ عَلَيْك مُرَاقِبًا ... فَالدّهْرُ مَخْذُولٌ أَمَانُهْ كَمْ مِنْ أَشَمّ مُعَصّبٍ ... بِالتّاجِ مَرْهُوبٍ مَكَانُهْ قَدْ كَانَ سَاعَدَهُ الزّمَا ... نُ، وَكَانَ ذَا خَفْضٍ جَنَانُهْ تَجْرِي الْجَدَاوِلُ حَوْلَهُ ... لِلْجُنْدِ مُتْرَعَةً جِفَانُهْ قَدْ فَاجَأَتْهُ مَنِيّةٌ ... لَمْ يُنْجِهِ مِنْهَا اكْتِنَانُهْ وَتَفَرّقَتْ أَجْنَادُهُ ... عَنْهُ، وَنَاحَ بِهِ قِيَانُهْ وَالدّهْرُ مَنْ يَعْلِقْ بِهِ ... يَطْحَنْهُ، مُفْتَرِشًا جِرَانُهْ وَالنّاسُ شَتّى فِي الْهَوَى ... كَالْمَرْءِ مُخْتَلِفٌ بَنَانُهْ وَالصّدْقُ أَفْضَلُ شِيمَةٍ ... وَالْمَرْءُ يَقْتُلُهُ لِسَانُهْ وَالصّمْتُ أَسْعَدُ لِلْفَتَى ... وَلَقَدْ يُشَرّفُهُ بَيَانُهْ وَوُجِدَ فِي الْحَجَرِ الثّانِي مَكْتُوبًا أَبْيَاتٌ: كُلّ عَيْشٍ تَعِلّهْ ... لَيْسَ لِلدّهْرِ خَلّهْ يَوْمُ بُؤْسَى وَنُعْمَى ... وَاجْتِمَاعٍ وَقِلّهْ حُبّنَا الْعَيْشَ وَالتّكَا ... ثُرَ جَهْلٌ وَضِلّهْ بَيْنَمَا الْمَرْءُ نَاعِمٌ ... فِي قُصُورٍ مُظِلّهْ فِي ظِلَالٍ وَنِعْمَةٍ ... سَاحِبًا ذَيْلَ حُلّهْ لَا يَرَى الشّمْسَ مِلْغَضَا ... رَةِ إذْ زَلّ زَلّهْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَمْ يُقَلْهَا، وَبَدّلَتْ ... عِزّةَ الْمَرْءِ ذِلّهْ آفَةُ الْعَيْشِ وَالنّعِ ... يمِ كُرُورُ الْأَهِلّهْ وَصْلُ يَوْمٍ بِلَيْلَةِ ... وَاعْتِرَاضٌ بِعِلّهْ وَالْمَنَايَا جَوَاثِمُ ... كَالصّقُورِ الْمُدِلّهْ بِاَلّذِي تَكْرَهُ النّفُ ... وسُ عَلَيْهَا مُطِلّهْ وَفِي الْحَجَرِ الثّالِثِ مَكْتُوبًا: يَا أَيّهَا النّاسُ سِيرُوا إنّ قَصْرَكُمْ ... أَنْ تُصْبِحُوا ذَاتَ يَوْمٍ لَا تَسِيرُونَا حُثّوا الْمَطِيّ، وَأَرْخُوا مِنْ أَزِمّتِهَا ... قَبْلَ الْمَمَاتِ وَقَضّوا مَا تُقَضّونَا كُنّا أُنَاسًا كَمَا كُنْتُمْ فَغَيّرَنَا ... دَهْرٌ فَأَنْتُمْ كَمَا كُنّا تَكُونُونَا وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيّ فِي كِتَابِهِ فِي فَضَائِلِ مَكّةَ زِيَادَةً فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَهِيَ: قَدْ مَالَ دَهْرٌ عَلَيْنَا ثُمّ أَهْلَكَنَا ... بِالْبَغْيِ فِينَا وَبَزّ النّاسِ نَاسُونَا إنّ التّفَكّرَ لَا يُجْدِي بِصَاحِبِهِ ... عِنْدَ الْبَدِيهَةِ فِي عِلْمٍ لَهُ دُوّنَا قَضّوا أُمُورَكُمْ بِالْحَزْمِ إنّ لَهَا ... أُمُورَ رُشْدٍ رَشَدْتُمْ ثَمّ مَسْنُونَا وَاسْتَخْبِرُوا فِي صَنِيعِ النّاسِ قَبْلَكُمْ ... كَمَا اسْتَبَانَ طَرِيقٌ عِنْدَهُ اُلْهُونَا كُنّا زَمَانًا مُلُوكَ النّاسِ قَبْلَكُمْ ... بِمَسْكَنِ فِي حَرَامِ اللهِ مَسْكُونَا وَوُجِدَ عَلَى حَائِطٍ قَصِيرٍ بِدِمَشْقَ لِبَنِي أُمَيّةَ مَكْتُوبًا: يَا أَيّهَا الْقَصْرُ الذى كانت ... تحفّ به المواكب

استبداد قوم من خزاعة بولاية البيت

[اسْتِبْدَادُ قَوْمٍ مِنْ خُزَاعَةَ بِوِلَايَةِ الْبَيْتِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ غُبْشَانَ مِنْ خُزَاعَةَ وَلِيَتْ الْبَيْتَ دُونَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ، وَكَانَ الّذِي يَلِيهِ مِنْهُمْ: عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْغُبْشَانِيّ، وَقُرَيْشٌ إذْ ذَاكَ حُلُولٌ وَصِرَمٌ، وَبُيُوتَاتٌ مُتَفَرّقُونَ فِي قَوْمِهِمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَوَلِيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، حَتّى كَانَ آخِرُهُمْ حُلَيْلُ بْنِ حُبْشِيّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عمرو الخزاعي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ حُبْشِيّةُ بْنُ سَلُولَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْنَ الْمَوَاكِبُ وَالْمَضَ ... ارِبُ وَالنّجَائِبُ وَالْجَنَائِبْ أَيْنَ العساكر والدّس ... اكر والمقانب والكتائب ما با لهم لَمْ يَدْفَعُوا ... لَمّا أَتَتْ عَنْك النّوَائِبْ مَا بَالُ قَصْرِك وَاهِيًا ... قَدْ عَادَ مُنْهَدّ الْجَوَانِبْ وَوُجِدَ فِي الْحَائِطِ الْآخَرِ مِنْ حِيطَانِهَا جَوَابُهَا: يَا سَائِلِي عَمّا مَضَى ... مِنْ دَهْرِنَا وَمِنْ الْعَجَائِبْ وَالْقَصْرِ إذْ أَوْدَى، فَأَضْحَى ... بَعْدُ مُنْهَدّ الْجَوَانِبْ وَعَنْ الْجُنُودِ أُولِي الْعُقُو ... دِ، وَمَنْ بِهِمْ كُنّا نُحَارِبْ وَبِهِمْ قَهَرْنَا عَنْوَةً ... مَنْ بِالْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبْ وَتَقُولُ: لِمْ لَمْ يَدْفَعُوا ... لَمّا أَتَتْ عَنْك النّوَائِبْ هَيْهَاتَ لَا يُنْجِي مِنْ المو ... ت الكتائب والمقانب

تزوج قصى بن كلاب حبى بنت حليل

[تَزَوّجُ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ حُبّى بِنْتَ حُلَيْلٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ قُصَيّ بْنَ كلاب خطب إلى حليل بن حبشية بنته حُبّى، فَرَغِبَ فِيهِ حُلَيْلٌ فَزَوّجَهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الدّارِ. وَعَبْدَ مَنَافٍ، وَعَبْدَ الْعُزّى، وَعَبْدًا. فَلَمّا انْتَشَرَ وَلَدُ قُصَيّ، وَكَثُرَ مَالُهُ، وَعَظُمَ شرفه، هلك حليل. [ «قصى يتولى أمر البيت» :] فَرَأَى قُصَيّ أَنّهُ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ، وَبِأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ، وَأَنّ قُرَيْشًا قُرْعَةُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَصَرِيحُ وَلَدِهِ. فَكَلّمَ رِجَالًا من قريش، وبنى كنانة، وَدَعَاهُمْ إلَى إخْرَاجِ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ مِنْ مكة، فأجابوه. وكان ربيعة ابن حَرَامٍ مِنْ عُذْرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ قد قدم مكة بعد ما هُلْكِ كِلَابٍ، فَتَزَوّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ سيل، وزهرة يومئذ رجل، وقصىّ فطيم، فاحتملهما إلى بلاده، فحملت قضيّا مَعَهَا، وَأَقَامَ زُهْرَةَ، فَوَلَدَتْ لِرَبِيعَةَ رِزَاحًا. فَلَمّا بَلَغَ قُصَيّ، وَصَارَ رَجُلًا أَتَى مَكّةَ، فَأَقَامَ بِهَا، فَلَمّا أَجَابَهُ قَوْمُهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ، كَتَبَ إلَى أَخِيهِ مِنْ أُمّهِ، رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ، يَدْعُوهُ إلَى نُصْرَتِهِ، وَالْقِيَامِ مَعَهُ، فَخَرَجَ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَمَعَهُ إخْوَتُهُ: حُنّ بْنُ رَبِيعَةَ، وَمَحْمُودُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَجُلْهُمَةُ بْنُ ربيعه، وهم لغير أمه فَاطِمَةَ، فِيمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ فِي حَاجّ الْعَرَبِ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ لِنُصْرَةِ قُصَيّ. وَخُزَاعَةُ تَزْعُمُ أَنّ حُلَيْلَ بْنَ حُبْشِيّةَ أَوْصَى بِذَلِكَ قُصَيّا وَأَمَرَهُ بِهِ حِينَ انْتَشَرَ لَهُ مِنْ ابْنَتِهِ مِنْ الْوَلَدِ مَا انْتَشَرَ. وَقَالَ: أَنْتِ أَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ

ما كان يليه الغوث بن مر من الإجازة للناس بالحج

بِالْكَعْبَةِ، وَبِالْقِيَامِ عَلَيْهَا، وَبِأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ طَلَبَ قُصَيّ مَا طَلَبَ، وَلَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذلك كان. [مَا كَانَ يَلِيهِ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ مِنْ الْإِجَازَةِ لِلنّاسِ بِالْحَجّ] وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ بن أد بن طابخة بن إلياس بن مُضَرَ يَلِي الْإِجَازَةَ لِلنّاسِ بِالْحَجّ مِنْ عَرَفَةَ، وولده من بعده، وكان يقال له ولولده: صُوفَةُ. وَإِنّمَا وَلِيَ ذَلِكَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ، لِأَنّ أُمّهُ كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ، وَكَانَتْ لَا تَلِدُ، فَنَذَرَتْ لِلّهِ إنْ هِيَ وَلَدَتْ رَجُلًا: أَنْ تَصّدّقَ بِهِ عَلَى الْكَعْبَةِ عَبْدًا لَهَا يَخْدُمُهَا، وَيَقُومُ عَلَيْهَا، فَوَلَدَتْ الْغَوْثَ، فَكَانَ يَقُومُ عَلَى الْكَعْبَةِ فِي الدّهْرِ الْأَوّلِ مَعَ أَخْوَالِهِ مِنْ جُرْهُمٍ، فَوَلِيَ الْإِجَازَةَ بِالنّاسِ مِنْ عَرَفَةَ، لِمَكَانِهِ الّذِي كَانَ بِهِ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ حَتّى انْقَرَضُوا. فَقَالَ مُرّ بْنُ أَدّ لِوَفَاءِ نَذْرِ أُمّهِ: إنّي جَعَلْتُ ربّ من بنيّه ... رَبِيطَةً بِمَكّةَ الْعَلِيّه فَبَارِكْنَ لِي بِهَا أليّهْ ... وَاجْعَلْهُ لِي مِنْ صَالِحِ الْبَرِيّه وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ- فِيمَا زَعَمُوا- إذَا دَفَعَ بِالنّاسِ قَالَ: لاهُمّ إنّي تَابِعٌ تَبَاعَهُ ... إنْ كَانَ إثم فعلى قضاعه قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ صُوفَةُ تَدْفَعُ بِالنّاسِ مِنْ عَرَفَةَ، وَتُجِيزُ بِهِمْ إذَا نَفَرُوا مِنْ مِنًى، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النّفْرِ أَتَوْا لِرَمْيِ الْجِمَارِ، وَرَجُلٌ مِنْ صُوفَةَ يَرْمِي لِلنّاسِ، لَا يَرْمُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حَتّى يَرْمِي. فَكَانَ ذَوُو الْحَاجَاتِ الْمُتَعَجّلُونَ يَأْتُونَهُ، فَيَقُولُونَ لَهُ: قُمْ فَارْمِ حَتّى نَرْمِيَ مَعَك، فَيَقُولُ: لَا وَاَللهِ، حَتّى تَمِيلَ الشّمْسُ، فَيَظَلّ ذَوُو الْحَاجَاتِ الّذِينَ يُحِبّونَ التّعَجّلَ يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ، ويستعجلونه بِذَلِكَ، وَيَقُولُونَ لَهُ: وَيْلَكَ! قُمْ فَارْمِ، فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ، حَتّى إذَا مَالَتْ الشّمْسُ، قَامَ فرمى، ورمى الناس معه. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ، وَأَرَادُوا النّفْرَ مِنْ مِنًى، أَخَذَتْ صُوفَةُ بِجَانِبَيْ الْعَقَبَةِ، فَحَبَسُوا النّاسَ وَقَالُوا: أَجِيزِى صُوفَةَ، فَلَمْ يَجُزْ أَحَدٌ مِنْ النّاسِ حَتّى يَمُرّوا، فَإِذَا نَفَرَتْ صُوفَةُ وَمَضَتْ، خُلّيَ سَبِيلُ النّاسِ، فَانْطَلَقُوا بَعْدَهُمْ، فَكَانُوا كَذَلِكَ، حَتّى انْقَرَضُوا، فَوَرِثَهُمْ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِمْ بِالْقُعْدُدِ بَنُو سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَكَانَتْ مِنْ بَنِي سَعْدٍ فِي آلِ صَفْوَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شجنة. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: صَفْوَانُ بْنُ جُنَابِ بْنِ شجنة عُطَارِدَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ صَفْوَانُ هُوَ الّذِي يُجِيزُ لِلنّاسِ بِالْحَجّ مِنْ عَرَفَةَ، ثُمّ بَنَوْهُ مِنْ بَعْدِهِ، حَتّى كَانَ آخِرَهُمْ الّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، كَرِبُ بْنُ صَفْوَانَ، وَقَالَ أَوْسُ بْنُ تَمِيمِ بْنِ مَغْرَاءَ السّعْدِيّ: لَا يَبْرَحُ النّاسُ مَا حَجّوا مُعَرّفَهُمْ ... حَتّى يُقَالَ: أَجِيزُوا آلَ صَفْوَانَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لِأَوْسِ بْنِ مَغْرَاءَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما كانت عليه عدوان من إفاضة المزدلفة

[مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عَدْوَانُ مِنْ إفَاضَةِ الْمُزْدَلِفَةِ] وَأَمّا قَوْلُ ذِي الْإِصْبَعِ الْعَدْوَانِيّ، وَاسْمُهُ: حُرْثَانُ بْنِ عَمْرٍو، وَإِنّمَا سُمّيَ ذَا الْإِصْبَعِ؛ لِأَنّهُ كَانَ لَهُ إصْبَعٌ فَقَطَعَهَا. عَذِيرَ الْحَيّ مِنْ عدوا ... ن كَانُوا حَيّةَ الْأَرْضِ بَغَى بَعْضُهُمْ ظُلْمًا ... فَلَمْ يُرْعِ عَلَى بَعْضِ وَمِنْهُمْ كَانَتْ السّادَا ... تُ وَالْمُوفُونَ بِالْقَرْضِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيزُ النّا ... سَ بِالسّنّةِ وَالْفَرْضِ وَمِنْهُمْ حَكَمٌ يَقْضِي ... فَلَا يُنْقَضُ ما يقضى وهذه الأبيات فى قصيدة له- فلأن الإضافة مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ كَانَتْ فِي عَدْوَانَ- فِيمَا حَدّثَنِي زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بْنِ إسْحَاقَ- يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. حَتّى كَانَ آخِرَهُمْ الّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ أَبُو سَيّارَةَ، عُمَيْلَةُ بْنُ الْأَعْزَلِ، فَفِيهِ يَقُولُ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ: نَحْنُ دَفَعْنَا عَنْ أَبِي سَيّارَهْ ... وَعَنْ مَوَالِيهِ بَنِي فَزَارَهْ حَتّى أَجَازَ سَالِمًا حِمَارَهْ ... مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو جَارَهُ قَالَ: وَكَانَ أَبُو سَيّارَةَ يَدْفَعُ بِالنّاسِ عَلَى أَتَانٍ له؛ فلذلك يقول: سالما حماره. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قُصَيّ وَخُزَاعَةُ وَوِلَايَةُ الْبَيْتِ: فَصْلٌ: فِي حَدِيثِ قُصَيّ ذَكَرَ فِيهِ أَنّ قُرَيْشًا قُرْعَةُ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، هَكَذَا بِالْقَافِ، وَهِيَ الرّوَايَةُ الصّحِيحَةُ، وَفِي بَعْضِ النّسَخِ: فَرْعَةُ بِالْفَاءِ، وَالْقُرْعَةُ بِالْقَافِ هِيَ: نخبة الشى، وَخِيَارُهُ، وَقَرِيعُ الْإِبِلِ: فَحْلُهَا، وَقَرِيعُ الْقَبِيلَةِ: سَيّدُهَا، وَمِنْهُ اُشْتُقّ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَغَيْرُهُ مِمّنْ سُمّيَ مِنْ الْعَرَبِ بِالْأَقْرَعِ. وَذَكَرَ انْتِقَالَ وِلَايَةِ الْبَيْتِ مِنْ خُزَاعَةَ إلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ سَبَبِ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ أَنّ قُصَيّا رَأَى نَفْسَهُ أَحَقّ بِالْأَمْرِ مِنْهُمْ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنّ حُلَيْلًا كَانَ يُعْطِي مَفَاتِيحَ الْبَيْتِ ابْنَتَهُ حُبّى، حِينَ كَبِرَ وَضَعُفَ، فَكَانَتْ بِيَدِهَا، وَكَانَ قُصَيّ رُبّمَا أَخَذَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، فَفَتَحَ الْبَيْتَ لِلنّاسِ وَأَغْلَقَهُ، وَلَمّا هَلَكَ حُلَيْلٌ أَوْصَى بِوِلَايَةِ الْبَيْتِ إلَى قُصَيّ، فَأَبَتْ خُزَاعَةُ أَنْ تُمْضِيَ ذَلِكَ لِقُصَيّ، فَعِنْدَ ذَلِكَ هَاجَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُزَاعَةَ، وَأَرْسَلَ إلَى رِزَاحٍ أَخِيهِ يَسْتَنْجِدُهُ عَلَيْهِمْ. وَيُذْكَرُ أَيْضًا أَنّ أَبَا غُبْشَانَ مِنْ خُزَاعَةَ، وَاسْمُهُ: سُلَيْمٌ- وَكَانَتْ لَهُ وِلَايَةُ الْكَعْبَةِ- بَاعَ مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ مِنْ قُصَيّ بِزِقّ خَمْرٍ، فَقِيلَ: أَخْسَرُ مِنْ صَفْقَةِ أَبِي غُبْشَانَ «1» ذَكَرَهُ الْمَسْعُودِيّ وَالْأَصْبَهَانِيّ فِي الْأَمْثَالِ. وَكَانَ الْأَصْلُ فِي انْتِقَالِ وِلَايَةِ الْبَيْتِ مِنْ وَلَدِ مُضَرَ إلَى خُزَاعَةَ أَنّ الْحَرَمَ حِينَ ضَاقَ عَنْ وَلَدِ نِزَارٍ، وَبَغَتْ فِيهِ إيَادٌ أَخْرَجَتْهُمْ بَنُو مُضَرَ بن نزار، وأجلوهم

_ (1) بضم الغين أو فتحها. وفى القاموس أيضا قصة أبى غبشان، وفيه يقول: «ضربت به الأمثال فى الحمق والندم وخسارة الصفقة» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْ مَكّةَ، فَعَمَدُوا فِي اللّيْلِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَاقْتَلَعُوهُ، وَاحْتَمَلُوهُ عَلَى بَعِيرٍ فَرَزَحَ الْبَعِيرُ بِهِ، وَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ، وَجَعَلُوهُ عَلَى آخَرَ، فَرَزَحَ أَيْضًا، وَعَلَى الثّالِثِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمّا رَأَوْا ذَلِكَ دَفَنُوهُ وَذَهَبُوا، فَلَمّا أَصْبَحَ أَهْلُ مَكّةَ، وَلَمْ يَرَوْهُ، وَقَعُوا فِي كَرْبٍ عَظِيمٍ، وَكَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خُزَاعَةَ قَدْ بَصُرَتْ بِهِ حِينَ دُفِنَ، فَأَعْلَمَتْ قَوْمَهَا بِذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ أَخَذَتْ خُزَاعَةُ عَلَى وُلَاةِ الْبَيْتِ أَنْ يَتَخَلّوْا لَهُمْ عَنْ وِلَايَةِ الْبَيْتِ، وَيَدُلّوهُمْ عَلَى الْحَجَرِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَمِنْ هُنَالِكَ صَارَتْ وِلَايَةُ الْبَيْتِ لِخُزَاعَةَ إلَى أَنْ صَيّرَهَا أَبُو غُبْشَانَ إلَى عَبْدِ مَنَافٍ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الزّبَيْرِ. نَشْأَةُ قُصَيّ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّ قُصَيّا نَشَأَ فِي حَجْرِ رَبِيعَةَ بْنِ حَرَامٍ، ثُمّ ذَكَرَ رُجُوعَهُ إلَى مَكّةَ، وَزَادَ غَيْرُهُ فِي شَرْحِ الْخَبَرِ، فَقَالَ: وَكَانَ قُصَيّ رَضِيعًا حِين احْتَمَلَتْهُ أُمّهُ مَعَ بَعْلِهَا رَبِيعَةَ، فَنَشَأَ وَلَا يَعْلَمُ لِنَفْسِهِ أَبًا إلّا رَبِيعَةَ، وَلَا يُدْعَى إلّا لَهُ، فَلَمّا كَانَ غُلَامًا يَفَعَةً أَوْ حَزَوّرًا «1» سَابّهُ رَجُلٌ مِنْ قُضَاعَةَ، فَعَيّرَهُ بِالدّعْوَةِ، وَقَالَ: لَسْت مِنّا، وَإِنّمَا أَنْتَ فِينَا مُلْصَقٌ، فَدَخَلَ عَلَى أُمّهِ، وَقَدْ وَجَمَ لِذَلِكَ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا بُنَيّ صَدَقَ، إنّك لَسْت مِنْهُمْ، وَلَكِنّ رَهْطَك خَيْرٌ مِنْ رَهْطِهِ، وَآبَاؤُك أَشْرَفُ مِنْ آبَائِهِ، وَإِنّمَا أَنْتَ قُرَشِيّ، وَأَخُوك وَبَنُو عَمّك بِمَكّةَ، وَهُمْ جِيرَانُ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، فَدَخَلَ فِي سَيّارَةٍ حَتّى أَتَى مَكّةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنّ اسمه: زيد، وإنما

_ (1) الغلام القوى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَانَ قُصَيّا أَيْ بَعِيدًا عَنْ بَلَدِهِ فَسُمّيَ: قُصَيّا «1» . الْغَوْثُ بْنُ مُرّ وَصُوفَةُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قِصّةَ الْغَوْثِ بْنِ مُرّ، وَدَفْعِهِ بِالنّاسِ مِنْ عَرَفَةَ «2» ، وَقَالَ بَعْضُ نَقَلَةِ الْأَخْبَارِ إنّ وِلَايَةَ الْغَوْثِ بْنِ مُرّ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ مُلُوكِ كِنْدَةَ «3» . وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ إثْمًا فَعَلَى قُضَاعَةَ. إنّمَا خَصّ قُضَاعَةَ بِهَذَا؛ لِأَنّ مِنْهُمْ مُحِلّينَ يستحلّون الأشهر الحرم، كما كانت خثعم وطىّء تَفْعَلُ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ النّسَأَةُ تَقُولُ إذَا حَرّمَتْ صَفَرًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَشْهُرِ بَدَلًا مِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ- يَقُولُ قَائِلُهُمْ: قَدْ حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ الدماء إلا دماء المحلّين.

_ (1) قال الخطابى: «سمى قصيا لأنه قصىّ قومه. أى: تقصاهم بالشام، فنقلهم إلى مكة» . وقال الرّشاطى: «ثم إن زيدا وقع بينه وبين ربيعة شر، فقيل له: ألا تلحق بقومك، وعيّر بالغربة، وكان لا يعرف لنفسه أبا غير ربيعة، فرجع قصى إلى أمه، وشكالها ما قيل له، فقالت له: يا بنى أنت أكرم منه نفسا وأبا، أنت ابن كلاب بن مرة، وقومك بمكة عند البيت الحرام، فأجمع قصى على الخروج، فقالت له أمه: أقم حتى يدخل الشهر الحرام، فتخرج فى حاج العرب، فلما دخل الشهر الحرام خرج مع حاج قضاعة حتى قدم مكة، فحج وأقام بمكة» ص 20 وما بعدها ج 16 نهاية الأرب. (2) فى السيرة: «من بعد عرفة» وفى نسخ أخرى: «من عرفة» . (3) فى القاموس: وكندة- بالكسر- ويقال: كندىّ: لقب ثور بن عفير أبو حى من اليمن، لأنه كند أباه النعمة، ولحق بأخواله، والكند: القطع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَصْلٌ: وَأَمّا تَسْمِيَةُ الْغَوْثِ وَوَلَدِهِ صُوفَةَ، فَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ. فَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدِ اللهِ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَاضِي فِي أَنْسَابِ قُرَيْشٍ لَهُ عِنْدَ ذِكْرِ صُوفَةَ: الْبَيْتَ الْوَاقِعَ فِي السّيرَةِ لِأَوْسِ بْنِ مَغْرَاءَ السّعْدِيّ، وَهُوَ: لَا يَبْرَحُ النّاسُ مَا حَجّوا مُعَرّفَهُمْ الْبَيْتَ. وَبَعْدَهُ: مَجْدٌ بَنَاهُ لَنَا قِدْمًا أَوَائِلُنَا ... وَأَوْرَثُوهُ طِوَالَ الدّهْرِ أَحْزَانَا «1» وَمَغْرَاءُ: تَأْنِيثُ أَمْغَرَ، وَهُوَ الْأَحْمَرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْرَابِيّ لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهُوَ هَذَا الرّجُلُ الْأَمْغَرُ؟ ثُمّ قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَصُوفَةُ وَصُوفَانُ يُقَالُ لِكُلّ مَنْ وَلِيَ مِنْ الْبَيْتِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، أَوْ قَامَ بِشَيْءِ مِنْ خِدْمَةِ الْبَيْتِ، أَوْ بِشَيْءِ مِنْ أَمْرِ الْمَنَاسِكِ يُقَالُ لهم: صوفة وصوفان. قال أبو عبيدة:

_ (1) أوس بن مغراء أحد بنى جعفر بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد ابن زيد مناة بن تميم. وقيل: أوس بن تميم بن مغراء، وله ترجمة فى الإصابة قال: ويكنى أبا المغراء، وبقى إلى أيام معاوية، وله شعر فى مدح النبى «ص» وبعد البيت الذى فى السيرة: ترى ثنانا إذا ما جاء بدأهم ... وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا والثّنى والثّنيان، وكهدى وإلى: دون السيد ص 176 الأمالى ج 2 ط 2 وفى السمط عن أوس ص 795 للبكرى: «وهو القائل فى بنى صفوان بْنِ شِجْنَةَ بْنِ عُطَارِدَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كعب الذين كان فيهم الإفاضة من عرفة، فلم يذكر الحارث كما روى ابن إسحاق، ولا جناب كما روى ابن هشام، ثم روى البيت كما فى السيرة، وفى المزهر ص 487 ج 2 أن أوسا هذا غلب على نابغة بنى جعدة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِأَنّهُ بِمَنْزِلَةِ الصّوفِ، فِيهِمْ الْقَصِيرُ وَالطّوِيلُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ، لَيْسُوا مِنْ قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَنّهُ حَدّثَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَثْرَمِ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ السّائِبِ الْكَلْبِيّ قَالَ: إنّمَا سُمّيَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ: صُوفَةَ، لِأَنّهُ كَانَ لَا يَعِيشُ لِأُمّهِ وَلَدٌ، فَنَذَرَتْ: لَئِنْ عَاشَ لَتُعَلّقَنّ بِرَأْسِهِ صُوفَةَ، وَلَتَجْعَلَنّهُ رَبِيطًا لِلْكَعْبَةِ، فَفَعَلَتْ، فَقِيلَ لَهُ: صُوفَةُ، وَلِوَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَهُوَ: الرّبِيطُ وَحَدّثَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عِقَالُ بْنُ شَبّةَ قَالَ: قَالَتْ أُمّ تَمِيمِ بْنِ مُرّ- وَوَلَدَتْ نِسْوَةً- فَقَالَتْ: لِلّهِ عَلَيّ. لَئِنْ وَلَدْت غُلَامًا لَأُعَبّدَنّهُ لِلْبَيْتِ، فَوَلَدَتْ الْغَوْثَ، وَهُوَ أَكْبَرُ وَلَدِ مُرّ، فَلَمّا رَبَطَتْهُ عِنْدَ الْبَيْتِ أَصَابَهُ الْحَرّ، فَمَرّتْ بِهِ- وَقَدْ سَقَطَ وَذَوَى وَاسْتَرْخَى فَقَالَتْ: مَا صَارَ ابنى إلا صوفة، فسمّى صوفة «1» .

_ (1) فى القاموس عن صوفة أيضا: أو هم قوم من أفناء القبائل تجمعوا، فتشبكوا كتشبّك الصوفة. هذا وقد رواه الجوهرى: آل صوفانا. ويقول القاموس: والصواب. آل صفوانا، وهم قوم من بنى سعد بن زيد مناة. قال أبو عبيدة: حتى يجوز القائم بذلك من آل صفوان. وفيه أيضا وردت الشطرة الأولى: ولا يريمون فى التعريف موقفهم. وما ذكره السهيلى عن سبب تسمية الغوث-- نقلا عن الكلبى- يوجد فى القاموس الذى ذكر للربيط عدة معان، ثم قال: لقب الغوث ابن مر بن طابخة. ويذكر أن الولد عاش، فجعلته أمه خادما للبيت الحرام حتى بلغ، فنزعته، فلقب: الربيط. وقد سقط من هذه المادة فى القاموس كلمة «أد» من نسب الغوث على حين ذكرها فى مادة صوف. وفى القاموس أيضا: «وكان أحدهم يقوم فيقول: أجيزى صوفة، فإذا أجازت قال: أجيزى خندف. فإذا أجازت أذن للناس كلهم فى الإجازة» وعرّف القوم: وقفوا بعرفة: والبيت الأول فى السيرة موجود أيضا فى اللسان بنفس رواية القاموس «ولا يريمون إلخ» وقول أبى عبيدة عن صوفة موجود فى اللسان، وانظر ص 183 من المحبر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَنُو سَعْدٍ وَزَيْدِ مَنَاةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ وِرَاثَةَ بَنِي سَعْدٍ إجَازَةَ الْحَاجّ بِالْقُعْدُدِ مِنْ بَنِي الغوث ابن مُرّ، وَذَلِكَ أَنّ سَعْدًا هُوَ: ابْنُ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمِ بْنِ مُرّ، وَكَانَ سَعْدٌ أَقْعَدَ بِالْغَوْثِ بْنِ مُرّ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعَرَبِ «1» ، وَزَيْدُ مَنَاةَ بْنُ تَمِيمٍ يُقَالُ فِيهِ: مَنَاةُ وَمَنَاءَةُ بِالْهَمْزِ «2» ، وَتَرْكِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ- إذَا هُمِزَ- مَفْعَلَةً مِنْ نَاءَ يَنُوءُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ: فَعَالَةً مِنْ الْمَنِيئَةِ، وَهِيَ: الْمَدْبَغَةُ، كَمَا قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ لِأُخْرَى: [تَقُولُ لَك أُمّي] : أَعْطِينِي نَفْسًا أَوْ نَفْسَيْنِ أَمْعَسُ بِهِ مَنِيئَتِي، فَإِنّي أَفِدَةٌ. النّفْسُ: قِطْعَةٌ مِنْ الدّبَاغِ، وَالْمَنِيئَةُ: الْجِلْدُ فِي الدّبَاغِ، وَأَفِدَةٌ: مُقَارِبَةٌ لِاسْتِتْمَامِ مَا تُرِيدُ صَلَاحَهُ وَتَمَامَهُ مِنْ ذَلِكَ الدباغ «3» وأنشد أبو حنيفة:

_ (1) القعدد بضم القاف وسكون العين وضم الدال أو فتحها: القريب من الجد الأكبر، أو أملك القرابة فى النسب، والقربى. وأقعدهم: أقربهم إلى جده الأكبر. وانظر ص 257 من المحبر لابن حبيب، ص 40 من شرح الخشى. (2) وفى اللسان عن مناة: ومناة: صخرة، وفى الصحاح: صنم كان لهذيل وخزاعة بين مكة والمدينة يعبدونها من دون الله من قولك: منوت الشىء- أى: اختبرته ... وعبد مناة بن أد بن طابخة. وزيد مناة بن تميم بن مر يمد ويقصر. قال هو بر الحارثى ألا هل أتى التّيم بن عبد مناءة ... على الشّنء فيما بيننا ابن تميم وفيه تخطئة من قال: مناة بالهاء، وغلطوا الطائى فى قوله: إحدى بنى بكر ابن عبد مناه. (3) فى إصلاح المنطق أن الذى قص هذا هو الأصمعى، وفيه، وفى اللسان: أمعس به، بدلا من: أمعس بها، كما فى الروض. وفسر نفسا أو نفسين بقوله:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذَا أَنْتَ بَاكَرْت الْمَنِيئَةَ بَاكَرَتْ ... قَضِيبَ أَرَاكٍ بَاتَ فِي الْمِسْكِ مُنْقَعًا وَأَنْشَدَ يَعْقُوبُ: إذَا أَنْتَ بَاكَرْت الْمَنِيئَةَ بَاكَرَتْ ... مَدَاكًا لَهَا مِنْ زَعْفَرَانٍ وَإِثْمِدَا «1» اشْتِقَاقُ الْمُزْدَلِفَةِ: فَصْلٌ: وَأَمّا قَوْلُهُ: فَلِأَنّ الْإِفَاضَةَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ كَانَتْ فِي عَدْوَانَ فَالْمُزْدَلِفَةُ: مُفْتَعِلَةٌ مِنْ الِازْدِلَافِ، وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ. وَفِي التنزيل: (وَأَزْلَفْنا ثَمَ

_ - قدر دبغة أو دبغتين، وفى اللسان: أفد الشىء يأفد أفدا فهو أفد: دنا وحضر وأسرع، والأفد: المستعجل؛ والمنيئة عند الفارسى: مفعلة بكسر العين من اللحم النيىء، ومنأ تأبى ذلك، وهى عند غيره كما ذكر السهيلى. والمنيئة: الجلد أول ما يدبغ، ثم هو: أفيق، ثم: أديم. وأمعس: أدلك وأحرك، وفى اللسان: منأ الجلد يمنؤه منأ: إذا أنقعه فى الدباغ، وهى فى اللسان فعيلة، وفى تهذيب إصلاح المنطق للتبريزى: «وآفدة أى: سريعة. يقع فى بعض النسخ: الافدة: التى تشتكى فؤادها، وقيل: السريعة، وقيل. المعيبة. قال أبو العلاء: ينبغى أن يقال: فائدة للتى تشتكى فؤادها، والصواب أن يفسر: آفدة بالسريعة» انظر اللسان ومعجم ابن فارس وإصلاح المنطق لابن السكيت، ص 94 وتهذيبه للتبريزى ص 145. (1) الشعر لحميد بن ثور وقبله: فأقسم لولا أن حدبا تتابعت ... علىّ، ولم أبرح بدين مطردا لزاحمت مكسالا كأن ثيابها ... تجن غزالا بالخميلة أغيدا يخاطب زوجته فيقسم: لولا أن حدبا، وهى السنون المجدبة- واحدتها: حدباء- تتابعت عليه، واستدان وطالبه الغرماء، وطردوه لزاحمت مكسالا، وهى المرأة الثقيلة الأرداف، الناعمة الجسم، أى: تزوجت امرأة أحسن منك، كأن ثيابها تستر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْآخَرِينَ) وَقِيلَ: بَلْ الِازْدِلَافُ: هُوَ الِاقْتِرَابُ، وَالزّلْفَةُ: الْقُرْبَةُ، فَسُمّيَتْ مُزْدَلِفَةَ؛ لِأَنّ النّاسَ يَزْدَلِفُونَ فِيهَا إلَى الْحَرَمِ، وَفِي الْخَبَرِ: أَنّ آدَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمّا هَبَطَ إلَى الْأَرْضِ «1» لَمْ يَزَلْ يَزْدَلِفُ إلَى حَوّاءَ، وَتَزْدَلِفُ إلَيْهِ، حَتّى تَعَارَفَا بِعَرَفَةَ، وَاجْتَمَعَا بِالْمُزْدَلِفَةِ فَسُمّيَتْ: جُمَعًا، وَسُمّيَتْ: الْمُزْدَلِفَةَ «2» . ذُو الْإِصْبَعِ وَآلُ ظَرِبٍ: وَأَمّا ذُو الْإِصْبَعِ «3» الّذِي ذَكَرَهُ فَهُوَ: حُرْثَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ فِيهِ: حرثان ابن الْحَارِثِ بْنِ مُحَرّثِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ بن ثعلبة بن ظرب، وظرب هو: والدعامر بْنِ الظّرِبِ الّذِي كَانَ حَكَمَ الْعَرَبَ، وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قِصّتَهُ فِي الْخُنْثَى، وَفِيهِ يَقُولُ الشاعر [المتلمّس] :

_ غزالا. والأغيد: المنثنى. ثم قال: إذا أنت باكرت دباغ الجلود باكرت هى الطيب والمداك، وهو الحجر الذى يسحق عليه الطيب. والأثمد: الكحل. أى باكرت هى الطيب والاكتحال. انظر ص 145 تهذيب إصلاح المنطق. (1) الرأى الراجح أن جنة آدم كانت فى الأرض. (2) لم يرد هذا فى حديث صحيح. (3) سبب تسميته فى الاشتقاق ص 268 واسمه: حرثان، ونسبه فى الأغانى: حرثان بن الحارث بن محرث بن ثعلبة بن سيار بن ربيعة بن هيرة بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان بن عمرو بن سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ ابن نزار، وفى الجمهرة لابن حزم هو: حرثان بن محرث، ونسبه فى أمالى المرتضى مختلف أيضا فهو: حرثان بن محرث بن الحارث بن ربيعة بن وهب بن ثعلبة وقيل: محرث بن حرثان. وقيل: حرثان بن حويرث، وقيل: حرثان بن حارثة ابن ظرب إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِذِي الْحِلْمِ قَبْلَ الْيَوْمِ مَا تُقْرَعُ الْعَصَا ... وَمَا عُلّمَ الْإِنْسَانُ إلّا لِيَعْلَمَا «1» وَكَانَ قَدْ خَرِفَ، حَتّى تَفَلّتَ ذِهْنُهُ، فَكَانَتْ الْعَصَا تُقْرَعُ لَهُ إذَا تَكَلّمَ فِي نَادِي قَوْمِهِ تَنْبِيهًا لَهُ؛ لِئَلّا تَكُونَ لَهُ السّقْطَةُ فِي قَوْلٍ أَوْ حُكْمٍ. وَكَذَلِكَ كَانَ ذُو الْإِصْبَعِ، كَانَ حَكَمًا فِي زَمَانِهِ، وَعَمّرَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ، وَسُمّيَ ذَا الْإِصْبَعِ؛ لِأَنّ حَيّةً نَهَشَتْهُ فِي أُصْبُعِهِ. وَجَدّهُمْ ظَرِبٌ: هُوَ عَمْرُو بْنُ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَدْوَانَ، وَاسْمُ عَدْوَانَ: تَيْمٌ، وَأُمّهُ: جَدِيلَةُ بِنْتُ أُدّ بْنِ طَابِخَةَ، وَكَانُوا أَهْلَ الطّائِفِ، وَكَثُرَ عَدَدُهُمْ فِيهَا حَتّى بلغوازهاء سَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمّ هَلَكُوا بِبَغْيِ بَعْضِهِمْ عَلَى بعض، وكان ثقيف

_ (1) بيت الشعر «لذى الحلم الخ» هو للمتلمس، وكان ابن الظرب قد كبر، فقال له ابنه الثانى: إنك ربما أخطات فى الحكم، فيحمل عنك، قال: فاجعلوا لى أمارة أعرفها، فإذا زغت، فسمعتها رجعت إلى الحكم والصواب، فكان يجلس قدام بيته، ويقعد ابنه فى البيت ومعه العصا، فإذا زاغ، أو هفا قرع له الجفنة، فرجع إلى الصواب. هذا وربيعة تدعيه لعبد الله بن عمرو بن الحارث بن همام، واليمن تدعيه لربيعة بن مخاشن، وهو ذو الأعواد، وفى اللسان: أن هذا الحكم هو عمرو بن حممة الدوسى الذى قضى بين العرب ثلثمائة سنة، والأصبغ: مثلثة الهمزة، ومع كل حركة تثلث الياء، ففيه تسع لغات، والعاشر: أصبوع، وحكام العرب فى الجاهلية هم: أكثم بن صيفى، وحاجب بن زرارة، والأقرع بن حابس، وربيعة بن مخاشن وضمرة بن أبى ضمرة لتميم، وعامر بن الظرب، وغيلان بن سلمة لقيس، وعبد المطلب وأبو طالب والعاصى بن وائل والعلاء بن حارثة لقريش. وربيعة ابن حذار لأسد، ويعمر بن الشدّاخ وصفوان بن أمية، وسلمى بن نوفل لكنانة وحكيمات العرب: صحر بنت لقمان وهند بنت الحسن، وجمعة بنت حابس وابنة عامر بن الظرب، وانظر ص 181 من المحبر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُوَ قَسِيّ بْنُ مُنَبّهٍ صِهْرًا لِعَامِرِ بْنِ الظّرِبِ، كَانَتْ تَحْتَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَامِرٍ، وَهِيَ أُمّ أَكْثَرِ ثَقِيفٍ، وَقِيلَ: هِيَ أُخْتُ عَامِرٍ، وَأُخْتُهَا لَيْلَى بِنْتُ الظّرِبِ هِيَ: أُمّ دَوْسِ بْنِ عَدْنَانَ، وَسَيَأْتِي طَرَفٌ مِنْ خَبَرِهِ فِيمَا بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ- فَلَمّا هَلَكَتْ عَدْوَانُ، وَأَخْرَجَتْ بَقِيّتَهُمْ ثَقِيفٌ مِنْ الطّائِفِ، صَارَتْ الطّائِفُ بِأَسْرِهَا لِثَقِيفِ إلَى الْيَوْمِ. وَقَوْلُهُ: حَيّةَ الْأَرْضِ: يُقَالُ فُلَانٌ حَيّةُ الْأَرْضِ، وَحَيّةُ الْوَادِي إذَا كَانَ مَهِيبًا يُذْعَرُ مِنْهُ، كَمَا قَالَ حَسّانُ: يا محكم بن طفيل قد أتيح لكم ... لِلّهِ دُرّ أَبِيكُمْ حَيّةِ الْوَادِي يَعْنِي بِحَيّةِ الْوَادِي: خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: عَذِيرَ الْحَيّ مِنْ عَدْوَانَ «1» . نَصَبَ عَذِيرًا عَلَى الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إظْهَارُهُ، كَأَنّهُ يَقُولُ: هَاتُوا عَذِيرَهُ، أَيْ: مَنْ يَعْذِرُهُ، فَيَكُونُ الْعَذِيرُ بِمَعْنَى: الْعَاذِرِ، وَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى: الْعُذْرِ مَصْدَرًا كَالْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ. أَبُو سَيّارَةَ: وَذَكَرَ أَبَا سَيّارَةَ، وَهُوَ عُمَيْلَةُ بْنُ الْأَعْزَلِ فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: اسْمُهُ: الْعَاصِي. قَالَهُ الْخَطّابِيّ. واسم الأعزل: خالد، ذكره الأصبهانى، وكانت

_ (1) عدة القصيدة التى فى السيرة هى فى الأغانى: اثنا عشر بيتا فى ترجمة ذى الإصبع، والقصيدة عن تفرق عدوان وتشتتهم فى البلاد مع كثرتهم. وفى اللسان عن حية الوادى: إذا كان شديد الشكيمة حاميا لحوزته، وقال عن بيت ذى الإصبع الأول: «أراد أنهم كانوا ذوى إرب وشدة لا يضيعون ثأرا» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَهُ أَتَانٌ عَوْرَاءُ، خِطَامُهَا لِيفٌ، يُقَالُ: إنّهُ دَفَعَ عَلَيْهَا فِي الْمَوْقِفِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَإِيّاهَا يَعْنِي الرّاجِزُ فِي قَوْلِهِ: حَتّى يُجِيزَ سَالِمًا حِمَارَهْ. وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَتَانُ سَوْدَاءَ؛ وَلِذَلِكَ يَقُولُ: لاهمّ مالى فِي الْحِمَارِ الْأَسْوَدِ ... أَصْبَحْت بَيْنَ الْعَالَمِينَ أُحْسَدُ فَقِ أَبَا سَيّارَةَ الْمُحَسّدَ ... مِنْ شَرّ كُلّ حَاسِدٍ إذْ يَحْسُدُ وَأَبُو سَيّارَةَ هَذَا هُوَ الّذِي يَقُولُ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرَ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ: لَا هُمّ إنّي تَابِعٌ تَبَاعَهْ «1»

_ (1) إن العرب لما سمعوا اللهم جرت فى كلام الخلق توهموا أنه إذا ألغيت الألف واللام من الله كان الباقى: لاه، فقالوا: لاهم، ويقولون: لاه أبوك. يريدون: لله أبوك. وقالوا: لهنك أصلها: لله إنك، فحذف الألف واللام، فقال: لاه إنك، تم ترك همزة إنك، فقال: لهنك، وقالوا: لهنا. أصلها: لاه إنا فحذف مدة لاه، وترك همزة نا. ويرى الفراء أن لهنك أصلها: لأنك، فأبدل الهمزة هاء مثل: هراق الماء، وأراق، وأدخل اللام فى إن لليمين. ويقول ابن جنى فى الخصائص عن اللام فى قولهم: إن زيدا لقائم: إن موضعها أول الجملة وصدرها، لا آخرها وعجزها: ثم قال: ويدل على أن موضع اللام فى خبر إن أول الجملة قبل إن: أن العرب لما جفا عليها اجتماع هذين الحرفين قلبوا الهمزة هاء ليزول لفظ إن، فيزول أيضا ما كان مستكرها من ذلك فقالوا: لهنّك قائم بفتح فكسر فتضعيف، أى: لئنك قائم. ثم استشهد ببعض أبيات على هذا.. ورأيه فى هذا رأى سيبويه فى الكتاب، وضعف رأى من قالوا: إن أصلها: لله إنك الخصائص. ص 314 ج 1 ط 1952 وقد تقدم فى الجزء الأول ذكر هذا. وثبير: جبال بظاهر مكة، والأثبرة أربعة: ثبير عينى، وثبير الأعرج، وهما: حراء وثبير. ثبير الأثبرة، وثبير منى: وماء بديار مزينة. ومعنى المثل:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللهُمّ بَغّضْ بَيْنَ رِعَائِنَا، وَحَبّبْ بَيْنَ نِسَائِنَا، وَاجْعَلْ الْمَالَ فِي سَمْحَائِنَا: وَهُوَ أَوّلُ مَنْ جَعَلَ الدّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، فِيمَا ذَكَرَ أَبُو الْيَقْظَانِ، حَكَاهُ عَنْهُ حَمْزَةُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَصْبَهَانِيّ. وَقَوْلُهُ: وَعَنْ مَوَالِيهِ بَنِي فَزَارَهْ. يَعْنِي بِمَوَالِيهِ: بَنِي عَمّهِ، لِأَنّهُ مِنْ عَدْوَانَ وَعَدْوَانُ وَفَزَارَةُ: مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ، وَقَوْلُهُ: مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو جَارَهْ. أَيْ: يَدْعُو اللهَ عَزّ وَجَلّ، يَقُولُ: اللهُمّ كُنْ لنا جارا مما نخافه، أى: مجيرا.

_ ادخل يا ثبير فى الشروق، كى نسرع إلى النّحر. قال عمر: إن المشركين كانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير، وكانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس «الإفاضة هنا من المزدلفة إلى منى» والمثل يضرب فى الإسراع والعجلة، وفى شرح الكافية ج 2 ص 332 «واعلم أن من العرب من يقول: لهنّك «بفتح اللام وكسر الهاء وتضعيف النون مع فتح» لرجل صدق. قال: لهنّا لمقضىّ علينا التهاجر. وقال: لهنى لأشقى الناس إن كنت غارما. وقد يحذف اللام، وهو قليل، قال: ألا يا سنا برق على قلل الحمى ... لهنك من برق علىّ كريم وفيه ثلاثة مذاهب. أحدها لسيبويه: وهو أن الهاء بدل من همزة إن كإياك وهياك، فلما غيرت صورة إن بقلب همزتها هاء، جاز مجامعة اللام إياها بعد الامتناع، والثانى: قول الفراء، وهو أن أصله: والله إنك، كما روى عن أبى أدهم الكلابى: «له ربى لا أقول ذلك» بقصر اللام، ثم حذف حرف الجر، كما يقال: الله لأفعلن، وحذفت لام التعريف أيضا، كما يقال: لاه أبوك. أى: لله أبوك، ثم حذفت ألف فعال، كما يحذف من الممدود إذا قصر. كما يقال: الحصاد والحصد قال: ألا لا بارك الله فى سهيل ... إذ ما الله بارك فى الرجال «وحذف مد لام الله. ووقف عليها بالسكون وحذف ألف إذا» ثم حذفت همزة إنك

أمر عامر بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان

[أَمْرُ عَامِرِ بْنِ ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوَانَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَوْلُهُ: حَكَمٌ يَقْضِي يَعْنِي: عَامِرَ بْنَ ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوَانَ الْعَدْوَانِيّ. وَكَانَتْ الْعَرَبُ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا نَائِرَةٌ، وَلَا عُضْلَةٌ فِي قَضَاءٍ إلّا أَسْنَدُوا ذَلِكَ إلَيْهِ، ثُمّ رَضُوا بِمَا قَضَى فيه، فاختصم إليه فى بعض ما كانو يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فِي رَجُلٍ خُنْثَى، لَهُ مَا للرجل، وله ما للمرأة، فقالوا: أنجعله رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً؟ وَلَمْ يَأْتُوهُ بِأَمْرِ كَانَ أَعْضَلَ مِنْهُ. فَقَالَ: حَتّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمْ، فو الله مَا نَزَلَ بِي مِثْلُ هَذِهِ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ! فَاسْتَأْخَرُوا عَنْهُ. فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا يُقَلّبُ أَمْرَهُ، وَيَنْظُرُ فِي شَأْنِهِ، لَا يَتَوَجّهُ لَهُ مِنْهُ وَجْهٌ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: سُخَيْلَةُ تَرْعَى عَلَيْهِ غَنَمَهُ، وَكَانَ يُعَاتِبُهَا إذا سرحت فيقول: صَبّحْتِ وَاَللهِ يَا سُخَيْلُ! وَإِذَا أَرَاحَتْ عَلَيْهِ، قَالَ: مَسّيْتِ وَاَللهِ يَا سُخَيْلُ! وَذَلِك أَنّهَا كَانَتْ تُؤَخّرُ السّرْحَ حَتّى يَسْبِقَهَا بَعْضُ النّاسِ، وتؤخّر الإراحة حتى يسبقها بعض الناس. فلما رأت سهره وقلقه، وقلّه قراره على فراشه قالت: مالك لا أبالك! مَا عَرَاك فِي لَيْلَتِك هَذِهِ؟ قَالَ: وَيْلَك! دَعِينِي، أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِك، ثُمّ عَادَتْ لَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهَا، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: عَسَى أَنْ تَأْتِيَ مِمّا أَنَا فِيهِ بِفَرَجٍ، فَقَالَ: وَيْحَك! اُخْتُصِمَ إلَيّ فِي مِيرَاثِ خُنْثَى، أَأَجْعَلُهُ رجلا أو امرأة؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ وفيما قال تكلفات كثيرة. والثالث: ما حكى المفضل بن سلمة عن بعضهم أن أصله: لله إنك. واللام للقسم، فعمل به ما عمل فى مذهب الفراء، وقول الفراء أقرب من هذا، لأنه يقال: لهنك لقائم بلا تعجب» .

غلب قصى بن كلاب على أمر مكة وجمعه أمر قريش ومعونة قضاعة له

فو الله مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ، وَمَا يَتَوَجّهُ لِي فِيهِ وَجْهٌ؟: قَالَ: فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللهِ! لَا أبالك! أَتْبِعْ الْقَضَاءَ الْمَبَالَ، أَقْعِدْهُ، فَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرّجُلُ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَهِيَ امْرَأَةٌ. قَالَ: مَسّي سُخَيْلُ بَعْدَهَا، أَوْ صَبّحِي، فَرّجْتِهَا وَاَللهِ!. ثُمّ خَرَجَ عَلَى النّاسِ حِينَ أَصْبَحَ، فَقَضَى بِاَلّذِي أَشَارَتْ عَلَيْهِ بِهِ. [غَلَبُ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ عَلَى أَمْرِ مَكّةَ وَجَمْعُهُ أَمْرَ قُرَيْشٍ ومعونة قضاعة له] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ، فَعَلَتْ صُوفَةُ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ، وَقَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ لَهَا الْعَرَبُ، وَهُوَ دِينٌ فِي أَنْفُسِهِمْ فِي عَهْدِ جُرْهُمٍ وَخُزَاعَةَ وَوِلَايَتِهِمْ. فَأَتَاهُمْ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، فَقَالَ: لَنَحْنُ أَوْلَى بِهَذَا مِنْكُمْ، فَقَاتِلُوهُ، فَاقْتَتَلَ النّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمّ انْهَزَمَتْ صُوفَةُ، وَغَلَبَهُمْ قُصَيّ عَلَى ما كان بأيديهم من ذلك. وَانْحَازَتْ عِنْدَ ذَلِكَ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ عَنْ قُصَيّ، وَعَرَفُوا أَنّهُ سَيَمْنَعُهُمْ كَمَا مَنَعَ صُوفَةَ، وأنه سيحول بيهم وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكّةَ. فَلَمّا انْحَازُوا عَنْهُ بادأهم، وأجمع لحربهم، وَخَرَجَتْ لَهُ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ فَالْتَقَوْا، فَاقْتَتَلُوا قتالا شديدا، حَتّى كَثُرَتْ الْقَتْلَى فِي الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، ثُمّ إنّهُمْ تَدَاعَوْا إلَى الصّلْحِ، وَإِلَى أَنْ يُحَكّمُوا بَيْنَهُمْ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ، فَحَكّمُوا يَعْمُرَ بْنَ عوف بن كعب بن عامر بن ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِأَنّ قُصَيّا أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ، وَأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ، وَأَنّ كُلّ دَمٍ أَصَابَهُ قُصَيّ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ: مَوْضُوعٌ يَشْدَخُهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَأَنّ مَا أَصَابَتْ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ، فَفِيهِ الدّيَةُ مُؤَدّاةٌ، وَأَنْ يُخَلّى بَيْنَ قُصَيّ وَبَيْنَ الكعبة ومكة. فَسُمّيَ يَعْمُرُ بْنُ عَوْفٍ يَوْمَئِذٍ: الشّدّاخَ، لِمَا شدخ من الدماه وَوَضَعَ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَال: الشّدَاخُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلِيَ قُصَيّ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكّةَ، وَجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إلَى مَكّةَ، وَتَمَلّكَ عَلَى قَوْمِهِ وَأَهْلِ مَكّةَ فَمَلّكُوهُ، إلّا أَنّهُ قَدْ أَقَرّ لِلْعَرَبِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَذَلِك أَنّهُ كَانَ يَرَاهُ دِينًا فِي نَفْسِهِ لَا يَنْبَغِي تَغْيِيرُهُ، فَأَقَرّ آلَ صَفْوَانَ وَعَدْوَانَ وَالنّسْأَةَ وَمُرّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، فَهَدَمَ اللهُ بِهِ ذَلِكَ كُلّهُ. فَكَانَ قُصَيّ أَوّلَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَ لَهُ بِهِ قومه، فكانت إليه الحجابة، والسّقاية، وَالرّفَادَةُ، وَالنّدْوَةُ، وَاللّوَاءُ، فَحَازَ شَرَفَ مَكّةَ كُلّهُ. وَقَطَعَ مَكّةَ رِبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ، فَأَنْزَلَ كُلّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمْ مِنْ مَكّةَ الّتِي أَصْبَحُوا عَلَيْهَا، وَيَزْعُمُ النّاسُ أَنّ قُرَيْشًا هَابُوا قَطْعَ شَجَرِ الْحَرَمِ فِي مَنَازِلِهِمْ، فَقَطَعَهَا قُصَيّ بِيَدِهِ وَأَعْوَانِهِ، فَسَمّتْهُ قُرَيْشٌ: مُجَمّعًا لِمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِهَا، وَتَيَمّنَتْ بِأَمْرِهِ، فَمَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ، وَلَا يَتَزَوّجُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمَا يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرٍ نَزَلَ بِهِمْ، وَلَا يَعْقِدُونَ لِوَاءً لِحَرْبِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِهِمْ إلّا فِي دَارِهِ، يَعْقِدُهُ لَهُمْ بَعْضُ وَلَدِهِ، وَمَا تَدّرِعُ جَارِيَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ

إذَا بَلَغَتْ أَنْ تَدّرِعَ مِنْ قُرَيْشٍ إلّا فِي دَارِهِ، يَشُقّ عَلَيْهَا فِيهَا دِرْعَهَا ثُمّ تَدّرِعُهُ، ثُمّ يَنْطَلِق بِهَا إلَى أَهْلِهَا. فَكَانَ أَمْرُهُ فِي قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي حَيَاتِهِ، وَمِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، كَالدّينِ الْمُتّبِعِ لَا يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ. وَاِتّخَذَ لِنَفْسِهِ دَارَ النّدْوَةِ، وَجَعَلَ بَابَهَا إلَى مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، فَفِيهَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقْضِي أمورها: قال ابن هشام: وقال الشاعر: قُصَيّ لَعَمْرِي كَانَ يُدَعّى مُجَمّعًا ... بِهِ جَمَعَ اللهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ أَبِيهِ، قال: سمعت السائب ابن خَبّابٍ صَاحِبَ الْمَقْصُورَةِ يُحَدّثُ، أَنّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُحَدّثُ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ، حَدِيثَ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ، وَمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِ قَوْمِهِ، وَإِخْرَاجِهِ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ مِنْ مَكّةَ، وَوِلَايَتِهِ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكّةَ، فَلَمْ يَرُدّ ذَلِكَ عليه ولم ينكره. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَرَغَ قُصَيّ مِنْ حَرْبِهِ، انْصَرَفَ أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ إلَى بِلَادِهِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، وَقَالَ رِزَاحٌ فى إجابته قصيّا: لمّا أتى من قصىّ رسول ... فَقَالَ الرّسُولُ: أَجِيبُوا الْخَلِيلَا نَهَضْنَا إلَيْهِ نَقُودُ الْجِيَادَ ... وَنَطْرَحُ عَنّا الْمَلُولَ الثّقِيلَا نَسِيرُ بِهَا اللّيْلَ حَتّى الصّبَاحِ ... وَنَكْمِي النّهَارَ؛ لِئَلّا نَزُولَا فَهُنّ سِرَاعٌ كَوِرْدِ الْقَطَا ... يُجِبْنَ بِنَا مِنْ قُصَيّ رَسُولَا جَمَعْنَا مِنْ السّرّ مِنْ أَشْمَذَيْنِ ... ومن كلّ حىّ جمعنا قبيلا فيالك حُلْبَةَ مَا لَيْلَة ... تَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ سَيْبًا رسيلا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فلمّا مررن على عسجر ... وأسهلن من مستتاخ سَبِيلَا وَجَاوَزْنَ بِالرّكْنِ مِنْ وَرِقَانٍ ... وَجَاوَزْنَ بِالْعَرْجِ حيا حلولا مررن على الحيل مَا ذُقْنَهُ ... وَعَالَجْنَ مِنْ مَرّ لَيْلًا طَوِيلَا نُدْنِي مِنْ الْعُوذِ أَفْلَاءَهَا ... إرَادَةَ أَنْ يَسْتَرِقْنَ الصّهِيلَا فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَى مَكّةَ ... أَبَحْنَا الرّجَالَ قَبِيلًا قَبِيلًا نُعَاوِرُهُمْ ثُمّ حَدّ السّيُوفِ ... وَفِي كُلّ أَوْبٍ خَلَسْنَا الْعَقُولَا نُخَبّزُهُمْ بِصَلَابِ النّسُو ... رِ خَبْزَ الْقَوِيّ الْعَزِيزَ الذّلِيلَا قَتَلْنَا خُزَاعَةَ فِي دَارِهَا ... وَبَكْرًا قَتَلْنَا وَجِيلًا فَجِيلَا نَفَيْنَاهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمَلِيكِ ... كَمَا لَا يَحِلّونَ أَرْضًا سُهُولَا فَأَصْبَحَ سَبْيُهُمْ فِي الْحَدِيدِ ... وَمِنْ كُلّ حىّ شفينا الغليلا وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ ذُبْيَانَ بن الجارث بن سعد بن هُذَيْمٍ الْقُضَاعِيّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ قُصَيّ حِينَ دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ: جَلَبْنَا الْخَيْلَ مُضْمَرَةً تَغَالِي ... مِنْ الْأَعْرَافِ أَعْرَافَ الْجِنَابِ إلَى غَوْرَى تِهَامَةَ، فَالْتَقَيْنَا ... مِنْ الْفَيْفَاءِ فِي قَاعٍ يَبَابِ فَأَمّا صُوفَةُ الْخُنْثَى، فَخَلّوْا ... مَنَازِلَهُمْ مُحَاذَرَةَ الضّرَابِ وَقَامَ بنر عَلِيّ إذْ رَأَوْنَا ... إلَى الْأَسْيَافِ كَالْإِبِلِ الطّرَابِ وَقَالَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ: أَنَا ابْنُ الْعَاصِمِينَ بَنِي لُؤَيّ ... بِمَكّةَ مَنْزِلِي، وَبِهَا رَبِيتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إلَى الْبَطْحَاءِ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدّ ... وَمَرْوَتُهَا رَضِيت بِهَا رَضِيت فَلَسْت لِغَالِبِ إنْ لَمْ تَأَثّلْ ... بها أولاد قيذر، والنّبيت رزاح ناصرى، وَبِهِ أُسَامِي ... فَلَسْتُ أَخَافُ ضَيْمًا مَا حَيِيتُ فَلَمّا اسْتَقَرّ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي بِلَادِهِ، نَشَرَهُ اللهُ وَنَشَرَ حُنّا، فَهُمَا قَبِيلَا عُذْرَةَ الْيَوْمِ. وَقَدْ كَانَ بَيْنَ رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ، حِينَ قَدِمَ بِلَادَهُ، وَبَيْنَ نَهْدِ بْنِ زَيْدِ وَحَوْتَكَةَ بْنِ أَسْلُمَ، وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ قُضَاعَةَ شَيْءٌ، فَأَخَافَهُمْ حَتّى لَحِقُوا بِالْيَمَنِ، وَأَجْلَوْا مِنْ بِلَادِ قُضَاعَةَ، فَهُمْ الْيَوْمَ بِالْيَمَنِ، فَقَالَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ، وَكَانَ يُحِبّ قُضَاعَةَ وَنَمَاءَهَا وَاجْتِمَاعَهَا بِبِلَادِهَا، لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِزَاحٍ مِنْ الرّحِمِ، ولبلائهم عنده إذا أَجَابُوهُ إذْ دَعَاهُمْ إلَى نُصْرَتِهِ، وَكَرِهَ مَا صَنَعَ بِهِمْ رِزَاحٌ: أَلَا مِنْ مُبْلِغٍ عَنّي رِزَاحَا ... فَإِنّي قَدْ لَحَيْتُك فِي اثْنَتَيْنِ لَحَيْتُك فِي بَنِي نَهْدِ بْنِ زَيْدِ ... كَمَا فَرّقْتَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنِي وَحَوْتَكَةُ بْنُ أَسْلُمَ إنّ قَوْمًا ... عَنَوْهُمْ بِالْمَسَاءَةِ قَدْ عَنَوْنِي قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا كَبِرَ قُصَيّ وَرَقّ عَظْمُهُ، وَكَانَ عَبْدُ الدّارِ بِكْرَهُ، وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ قَدْ شَرُفَ فِي زَمَانِ أَبِيهِ، وَذَهَبَ كُلّ مَذْهَبٍ، وَعَبْدُ الْعُزّى وَعَبْدٌ. قَالَ قُصَيّ لِعَبْدِ الدّارِ: أَمَا وَاَللهِ يَا بُنَيّ لِأُلْحِقَنّك بِالْقَوْمِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَرُفُوا عَلَيْك: لَا يَدْخُلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ الْكَعْبَةَ، حَتّى تَكُونَ أَنْت تَفْتَحُهَا لَهُ، وَلَا يَعْقِدُ لِقُرَيْشٍ لِوَاءً لِحَرْبِهَا إلّا أَنْت بِيَدِك، وَلَا يَشْرَبُ أَحَدٌ بِمَكّةَ إلّا مِنْ سِقَايَتِك، وَلَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَوْسِمِ طَعَامًا إلّا مِنْ طَعَامِك، وَلَا تقطع قريش ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من فرض الرفادة:

أمرا من أمورها إلا فى دَارِك، فَأَعْطَاهُ دَارَهُ دَارَ النّدْوَةِ، الّتِي لَا تَقْضِي قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلّا فِيهَا، وأعطاه الحجابة واللواء والسّقاية والرّفادة. [من فرض الرفادة:] وَكَانَتْ الرّفَادَةُ خَرْجًا تُخْرِجُهُ قُرَيْشٌ فِي كلّ موسم من أموالها إلى قصىّ ابن كِلَابٍ، فَيَصْنَعُ بِهِ طَعَامًا لِلْحَاجّ، فَيَأْكُلُهُ مَنْ لم يكن له سعة ولازاد، وَذَلِك أَنّ قُصَيّا فَرَضَهُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أَمَرَهُمْ بِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّكُمْ جِيرَانُ اللهِ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَأَهْلُ الْحَرَمِ، وَإِنّ الْحَاجّ ضَيْفُ اللهِ وَزُوّارُ بَيْتِهِ، وَهُمْ أَحَقّ الضّيْفِ بِالْكَرَامَةِ، فَاجْعَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا أَيّامَ الْحَجّ، حَتّى يَصْدُرُوا عَنْكُمْ، فَفَعَلُوا، فَكَانُوا يُخْرِجُونَ لِذَلِك كُلّ عَامٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ خَرْجًا، فَيَدْفَعُونَهُ إلَيْهِ، فَيَصْنَعُهُ طَعَامًا لِلنّاسِ أَيّامَ مِنًى، فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ فِي الْجَاهِلِيّةِ عَلَى قَوْمِهِ حَتّى قَامَ الْإِسْلَامُ، ثُمّ جَرَى فِي الْإِسْلَامِ إلَى يَوْمِك هَذَا، فَهُوَ الطّعَامُ الّذِي يَصْنَعُهُ السّلْطَانُ كُلّ عَامٍ بِمَنَى لِلنّاسِ حَتّى يَنْقَضِيَ الْحَجّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي بِهَذَا مِنْ أَمْرِ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ، وَمَا قَالَ لِعَبْدِ الدّارِ فِيمَا دُفِعَ إلَيْهِ مِمّا كَانَ بِيَدِهِ: أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ الْحَسَنِ بن محمد ابن عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، قَالَ: سَمِعْته يَقُولُ ذَلِكَ لِرَجُلِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ، يُقَالُ لَهُ: نُبَيْهُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنُ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ. قَالَ الْحَسَنُ: فَجَعَلَ إلَيْهِ قُصَيّ كُلّ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ أَمْرِ قَوْمِهِ، وَكَانَ قُصَيّ لَا يُخَالَفُ، وَلَا يُرَدّ عَلَيْهِ شىء صنعه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحُكْمُ بِالْأَمَارَاتِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ عَامِرُ بْنُ الظّرِبِ وَحُكْمُهُ فِي الْخُنْثَى، وَمَا أَفْتَتْهُ بِهِ جَارِيَتُهُ سُخَيْلَةُ، وَهُوَ حُكْمٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الشّرْعِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ، وَلَهُ أصل فى الشريعة، قال الله سبحانه: (وجاؤا على قميصه بدم كذب) وَجْهُ الدّلَالَةِ عَلَى الْكَذِبِ فِي الدّمِ أَنّ الْقَمِيصَ الْمُدْمَى لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَرْقٌ وَلَا أَثَرٌ لِأَنْيَابِ الذّئْبِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدّ مِنْ قُبُلٍ [فَصَدَقَتْ، وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ] . يُوسُفَ: 26) الْآيَةَ. وَقَوْلُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْلُودِ: «إنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَالِيّا فَهُوَ لِلّذِي رُمِيَتْ بِهِ «1» » فَالِاسْتِدْلَالُ بِالْأَمَارَاتِ أَصْلٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْحُدُودِ وَالْمِيرَاثِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْحُكْمُ فِي الْخُنْثَى أَنْ يُعْتَبَرَ الْمَبَالُ، وَيُعْتَبَرَ بِالْحَيْضِ، فَإِنْ أَشْكَلَ مِنْ كُلّ وَجْهٍ، حُكِمَ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ سَهْمُ امْرَأَةٍ وَنِصْفٌ، وَفِي الدّيَةِ كَذَلِكَ، وَأَكْثَرُ أَحْكَامِهِ مَبْنِيّةٌ عَلَى الاجتهاد.

_ (1) هذا جزء من حديث- رواه أبو داود مطولا، وفى إسناده عباد بن منصور، وقد تكلم فيه غير واحد، وهو فى قذف هلال بن أمية أحد الثلاثة الذين خلفوا امرأته بشريك بن سحماء، فشكا ذلك إلى النبى صلى الله عليه وسلم فطلب منه الرسول «ص» البينة، وإلا أقام عليه الحد، فنزلت آيات اللعان من سورة النور، وقد روى قصة هلال: الجماعة وأحمد، والجعد: القصير الشعر، والأورق: الأسمر مع بياض. والجمالى: العظيم الخلق كأنه الجمل، وقد طلب النبى صلى الله عليه وسلم أن تترك المرأة حتى تلد، فجاءت بالولد فى صفات الرجل الذى رميت به، فقال صلى الله عليه وسلم: «لولا ما مضى من كتاب الله لكان لى ولها شأن» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشّدّاخُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ يَعْمَرَ الشّدّاخَ بْنَ عَوْفٍ حِينَ حَكّمُوهُ، وَأَنّهُ سُمّيَ بِالشّدّاخِ لَمّا شَدَخَ مِنْ دِمَاءِ خُزَاعَةَ «1» وَيَعْمَرُ الشّدّاخُ هُوَ جَدّ بَنِي دَأْبٍ الّذِينَ أُخِذَ عَنْهُمْ كَثِيرٌ مِنْ عِلْمِ الْأَخْبَارِ وَالْأَنْسَابِ وَهُمْ: عِيسَى بْنُ يَزِيدَ بن [بكر] ابن دَأْبٍ، وَأَبُوهُ: يَزِيدُ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ دَأْبٍ، وَدَأْبٌ هُوَ: ابْنُ كُرْزِ بْنِ أَحْمَرَ مِنْ بَنِي يَعْمَرَ بْنِ عَوْفٍ الّذِي شَدَخَ دِمَاءَ خُزَاعَةَ، أَيْ: أَبْطَلَهَا، وَأَصْلُ الشّدْخِ: الْكَسْرُ وَالْفَضْخُ، وَمِنْهُ الْغُرّةُ الشّادِخَةُ، شُبّهَتْ بِالضّرْبَةِ الْوَاسِعَةِ. وَالشّدّاخُ بِفَتْحِ الشّينِ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَالشّدّاخُ بِضَمّهَا إنّمَا هُوَ جَمْعٌ، وَجَائِزٌ أَنْ يُسَمّى هُوَ وَبَنُوهُ: الشّدّاخَ، كَمَا يُقَالُ: الْمَنَاذِرَةُ فِي الْمُنْذِرِ وَبَنِيهِ، وَالْأَشْعَرُونَ فِي بَنِي الْأَشْعَرِ مِنْ سَبَأٍ «2» وَهُوَ بَابٌ يَكْثُرُ وَيَطُولُ. وَأُمّ يَعْمَرَ الشّدّاخِ اسْمُهَا: السّؤْمُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ جُرّةَ بِضَمّ الْجِيمِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ جِرّةَ بِالْكَسْرِ «3» ذَكَرَهُ ابْنُ ما كولا. وَمِنْ بَنِي الشّدّاخِ: بَلْعَاءُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عبد الله بن يعمر

_ (1) فى الاشتقاق: «إنما سمى الشداخ لأنه أصلح بين قريش وخزاعة فى الحرب التى كانت بينهم، فقال: شدخت الدماء تحت قدمىّ، والشّدخ: وطؤك الشىء حتى تفضخه، والفرس الشادخ: الذى انتشرت غرته فى وجهه، ولم تبلغ العينين، والجمع: شوادخ، والفضخ: الكسر، ويذكر السهيلى عيسى بن يزيد بن دأب، وهو فى الاشتقاق: عِيسَى بْنُ يَزِيدَ بْنِ بَكْرِ بْنِ دَأْبٍ. (2) الأشعر هو: نبت بن زيد بن كهلان بن سبأ. (3) فى القاموس: السوم بفتح السين وواو ساكنة بنت جرة بكسر الجيم: أعرابية، وفيه: يزيد بن الأخنس بن جرة بضم الجيم: صحابى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشّدّاخُ الشّاعِرُ الْمَذْكُورُ فِي شِعْرِ الْحَمَاسَةِ، اسْمُهُ: حُمَيْضَةُ، وَلُقّبَ: بَلْعَاءَ «1» لِقَوْلِهِ: أَنَا ابْنُ قَيْسٍ سَبُعًا وَابْنَ سَبُعْ ... أَبَارَ مِنْ قَيْسٍ قَبِيلًا فَالْتَمَعْ كَأَنّمَا كَانُوا طَعَامًا فَابْتُلِعْ (وِلَايَةُ قُصَيّ الْبَيْتَ) ذَكَرَ فِيهِ أَمْرَ قُصَيّ وَمَا جَمَعَ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ، وَأَنْشَدَ: قُصَيّ لَعَمْرِي كَانَ يُدْعَى مُجَمّعًا «2» . الْبَيْتَ وَبَعْدَهُ: هُمُوا مَلَئُوا الْبَطْحَاءَ مَجْدًا وَسُوْدُدًا ... وَهُمْ طَرَدُوا عَنّا غُوَاةَ بَنِي بَكْرِ وَيَذْكُرُ أَنّ هَذَا الشّعْرَ لِحُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ. وَذَكَرَ أَنّ قُصَيّا قَطّعَ مَكّةَ رِبَاعًا «3» ، وَأَنّ أَهْلَهَا هَابُوا قَطْعَ شَجَرِ الْحَرَمِ للبنيان. وقال الْوَاقِدِيّ: الْأَصَحّ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنّ قُرَيْشًا حِينَ أَرَادُوا الْبُنْيَانَ قَالُوا لِقُصَيّ: كَيْفَ نَصْنَعُ فى شجر الحرم، فحذّرهم قطعها وخوّفهم

_ (1) فى الاشتقاق: بلعاء من قولهم: بئر بلعاء: واسعة، ورجل بلع إذا كان نهما، وقد أخرج له أبو تمام فى ديوان الحماسة ثلاثة أبيات، أولها: وفارس فى غمار الموت منغمس ... إذا تألىّ على مكروهة صدقا غمار الموت: شدائده، تألى: حلف، وفى اللسان: حمضة اسم حى بلعاء وقد كان بلعاء رئيسا فى الجاهلية، وشهد حرب الفجار الثانى، ومات فى تلك الأيام (2) فى الطبرى 256 ج 2، أبوكم قصى كان يدعى مجمعا. (3) دورا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْعُقُوبَةَ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَحُوفُ بِالْبُنْيَانِ حَوْلَ الشّجَرَةِ، حَتّى تَكُونَ فِي مَنْزِلِهِ. قَالَ: فَأَوّلُ مَنْ تَرَخّصَ فِي قَطْعِ شَجَرِ الْحَرَمِ للبنيان عبد الله ابن الزّبَيْرِ حِينَ ابْتَنَى دُورًا بِقُعَيْقِعَانَ، لَكِنّهُ جَعَلَ دِيَةَ كُلّ شَجَرَةٍ: بَقَرَةً، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عمر- رضى الله- أَنّهُ قَطَعَ دَوْحَةً كَانَتْ فِي دَارِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، كَانَتْ تَنَالُ أَطْرَافُهَا ثِيَابَ الطّائِفِينَ بِالْكَعْبَةِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوَسّعَ الْمَسْجِدُ، فَقَطَعَهَا عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَوَدَاهَا بَقَرَةً، ومذهب مالك- رحمه الله- فى ذلك: ألّادية فِي شَجَرِ الْحَرَمِ. قَالَ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. وَقَدْ أَسَاءَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَأَمّا الشّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللهُ- فَجَعَلَ فِي الدّوْحَةِ بَقَرَةً، وَفِيمَا دُونَهَا شَاةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللهُ- إنْ كَانَتْ الشّجَرَةُ الّتِي فِي الْحَرَمِ مِمّا يَغْرِسُهَا النّاسُ، ويَسْتَنْبِتُونها، فَلَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ قَطَعَ شَيْئًا مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا، فَفِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ. وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَنّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَفْتَى فِيهَا بِعِتْقِ «1» رقبة.

_ (1) وفى الثقرى للمحب الطبرى: «عن عطاء أنه كان يقول فى المحرم: إذا قطع شجرة عظيمة من شجر الحرم فعليه بدنة، وفى الدوحة: بقرة. وعنه أنه سئل عمن قطع من شجر الحرم، فقال: يستغفر الله عز وجل ولا يعود، وعنه أنه كان يرخص فى القصب والشوك. والسّنى: نوع من النبات. وعنه لا بأس أن يجنى الكمأة من الحرم ولا بأس بالسعشرق (نبات يتفرش على وجه الأرض عريض الورق وليس له شوك) والكمأة جمع مفرده: كمء، والكمء: نبات ينفض الأرض، فيخرج كما يخرج الفطر، يأكله الناس والحيوان، على أنه ورد فى حديث أخرجه البخارى ومسلم أن الحرم لا يعضد شوكه، أى: لا يقطع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دَارُ النّدْوَةِ: وَذَكَرَ أَنّ قُصَيّا اتّخَذَ دَارَ النّدْوَةِ، وَهِيَ الدّارُ الّتِي كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِيهَا لِلتّشَاوُرِ، وَلَفْظُهَا مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِ النّدِيّ وَالنّادِي وَالْمُنْتَدَى، وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَوْمِ الّذِي يَنْدُونَ حَوْلَهُ، أَيْ: يَذْهَبُونَ قَرِيبًا مِنْهُ، ثُمّ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ، وَالتّنْدِيَةُ فِي الْخَيْلِ. أَنْ تُصْرَفَ عَنْ الْوِرْدِ إلَى الْمَرْعَى قَرِيبًا، ثُمّ تُعَادُ إلَى الشّرْبِ، وَهُوَ الْمُنَدّى «1» ، وَهَذِهِ الدّارُ تَصَيّرَتْ بَعْدَ بَنِي عبد الدار إلى حكيم بن حزام ابن خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ، فَبَاعَهَا فِي الْإِسْلَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، فَلَامَهُ مُعَاوِيَةُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: أَبِعْت مَكْرُمَةَ آبَائِك وَشَرَفِهِمْ، فَقَالَ حَكِيمٌ: ذَهَبَتْ الْمَكَارِمُ إلّا التّقْوَى. وَاَللهِ: لَقَدْ اشْتَرَيْتهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ بِزِقّ خَمْرٍ، وَقَدْ بِعْتهَا بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأُشْهِدُكُمْ أَنّ ثَمَنَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَيّنَا الْمَغْبُونُ؟! ذَكَرَ خَبَرَ حَكِيمٍ هذا الدار قطنى فِي أَسْمَاءِ رِجَالِ الْمُوَطّأِ لَهُ. مِنْ تَفْسِيرِ شِعْرِ رِزَاحٍ. فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ رِزَاحٍ، وَفِيهِ: وَنَكْمِي النّهَارَ أَيْ: نَكْمُنُ وَنَسْتَتِرُ، وَالْكَمِيّ مِنْ الْفُرْسَانِ، الّذِي تَكَمّى بِالْحَدِيدِ. وَقِيلَ: الّذِي يَكْمِي شَجَاعَتَهُ، أَيْ: يَسْتُرُهَا، حَتّى يُظْهِرَهَا عِنْدَ الْوَغَى. وَفِيهِ: مَرَرْنَا بِعَسْجَرَ، وَهُوَ: اسْمُ مَوْضِعٍ، وَكَذَلِكَ: وَرِقَانُ اسْمُ جَبَلٍ، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ سُفْيَانَ: وَرَقَانُ بِفَتْحِ الرّاءِ، وَقَيّدَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيّ: ورقان بكسر الراء، وأنشد للأحوص:

_ (1) والمنتدى أيضا من أسماء النادى الذى هو مجتمع مجلس القوم ومتحدثهم والمندى: مكان ورد الإبل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَيْفَ نُرَجّي الْوَصْلَ مِنْهَا وَأَصْبَحَتْ ... ذُرَى وَرِقَانٍ «1» دُونَهَا وَحَفِيرُ وَيُخَفّفُ، فَيُقَالُ: وَرْقَانُ. قَالَ جَمِيلٌ: يَا خَلِيلَيّ إنّ بَثْنَةَ بَانَتْ ... يَوْمَ وَرْقَانَ بِالْفُؤَادِ سَبِيّا وَذَكَرَ أَنّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْجِبَالِ، وذكر أن فيه أو شالا «2» وَعُيُونًا عِذَابًا، وَسَكّانُهُ: بَنُو أَوْسِ بْنِ مُزَيْنَةَ. وَذَكَرَ أَيْضًا الْحَدِيثَ، وَهُوَ قَوْلُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ضِرْسُ الْكَافِرِ فِي النّارِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرِقَانٍ» «3» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ ذَكَرَ آخِرَ مَنْ يَمُوتُ مِنْ هَذِهِ الْأُمّةِ، فَقَالَ: رَجُلَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يَنْزِلَانِ جَبَلًا مِنْ جِبَالِ الْعَرَبِ، يُقَالُ لَهُ: وَرِقَانُ «4» كُلّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ. فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَشْمَذِينَ بِكَسْرِ الذّالِ، وَفِي حَاشِيَةِ كِتَابِ سُفْيَانَ بْنِ الْعَاصِ: الْأَشْمَذَانِ: جَبَلَانِ [بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ] ، ويقال: اسم قبيلتين، ثم قال فى

_ (1) ورقان- بالفتح ثم الكسر- ويروى بسكون الراء: جبل أسود بين العرج والرويثة على يمين المصعد من المدينة إلى مكة، وهو من جبال تهامة. (2) مياه تسيل من أعراض الجبال، فتجتمع ثم تساق إلى المزارع. (3) رواه أحمد فى مسنده والحاكم فى مستدركه عن أبى هريرة. (4) الذى فى الحاكم: «آخر من حشر: راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بضمهما فيجدانها وحوشا، حتى إذا بلغا ثنيّة الوداع خرا على وجوههما» ومثل هذه الأحاديث لا يعتد بها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحَاشِيَةِ: فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الرّوَايَةُ بِفَتْحِ الذّالِ وَكَسْرِ النّونِ مِنْ أَشْمَذَيْنِ- قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللهُ- فَإِنْ صَحّ أَنّهُمَا اسْمُ قَبِيلَتَيْنِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الرّوَايَةُ كَمَا فِي الْأَصْلِ: أَشْمَذِينَ «1» بِكَسْرِ الذّالِ، لِأَنّهُ جَمْعٌ فِي الْمَعْنَى. واشتقاق الأشمذ من شمذت النّاقَةِ بِذَنَبِهَا أَيْ: رَفَعَتْهُ، وَيُقَالُ لِلنّحْلِ: شُمّذٌ، لِأَنّهَا تَرْفَعُ أَعْجَازَهَا. وَفِيهِ: مَرَرْنَ عَلَى الْحَيْلِ «2» وَفَسّرَهُ الشّيْخُ فِي حَاشِيَةِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: هُوَ الْمَاءُ الْمُسْتَنْقَعُ فِي بَطْنِ وَادٍ، وَوَجَدْت فِي غَيْرِ أَصْلِ الشّيْخِ رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: مَرَرْنَ عَلَى الْحِلّ وَالْأُخْرَى: مَرَرْنَ عَلَى الْحِلْيِ، فَأَمّا الْحِلّ: فَجَمْعُ حِلّةٍ، وَهِيَ بَقْلَةٌ شَاكّةٌ «3» . ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي الْجَمْهَرَةِ. وَأَمّا الْحِلْيُ، فَيُقَالُ: إنّهُ ثمر القلقلان «4» وهو نبت.

_ (1) فى المراصد: أشمذين- بفتح أوله والميم والذال مفتوحتان، والياء ساكنة والنون مكسورة بلفظ التثنية: جبلان بين المدينة وخيبر تنزلهما جهينة وأشجع. (2) الحيل فى اللسان كما ذكر الشيخ، وأيضا: القطيع من الغنم، وحجارة تحدر من جوانب الجبل إلى أسفله وفى الأصل «الجبل» وهو خطأ. (3) وفى اللسان والقاموس: شجرة شاكّة. (4) عرق هذا الشجر المغاث، وقد خطأ أبوذر فى شرحه للسيرة هذا الرأى لأن اسم النبات: الحلى بتشديد الياء وكسر اللام. وذكر أنه اسم موضع. ورزاح بن ربيعة بكسر الراء، وغيره بالكسر وبالفتح. ومن معانى مفردات قصيدة رزاح: الورد: الواردة. الحلبة: جماعة الخيل. السيب: المشى السريع فى رفق كانسياب الحية. الرسيل: المشى الذى فيه تمهل. وعسجر: موضع قرب مكة. أسهل: حل الموضع السهل، العرج: واد من نواحى الطائف. العوذ: جمع عائذ: الناقة أو الفرس التى لها أولاد. والأفلاء: جمع فلو، المهر العظيم. نعاور:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ فِيهَا: نُخَبّزُهُمْ. أَيْ: نَسُوقُهُمْ سَوْقًا شَدِيدًا، وَقَدْ تَقَدّمَ قَوْلُ الرّاجِزِ. لَا تَخْبِزَا خَبْزًا وَبُسّا بَسّا. وَذَكَرَ شِعْرَ رِزَاحٍ الْآخَرَ، وَفِيهِ: مِنْ الْأَعْرَافِ أَعْرَافِ الْجِنَابِ. بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ قُضَاعَةَ. وَفِيهِ: وَقَامَ بَنُو عَلِيّ، وَهُمْ بَنُو كِنَانَةَ، وَإِنّمَا سُمّوا بِبَنِي على؛ لأنّ عبد مناة ابن كِنَانَةَ كَانَ رَبِيبًا لِعَلِيّ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مازن من الأزدجدّ سَطِيحٍ الْكَاهِنِ، فَقِيلَ لِبَنِي كِنَانَةَ: بَنُو عَلِيّ، وَأَحْسَبُهُ أَرَادَ فِي هَذَا الْبَيْتِ بَنِي بَكْرِ ابن عَبْدِ مَنَاةَ؛ لِأَنّهُمْ قَامُوا مَعَ خُزَاعَةَ. شِعْرُ قُصَيّ والعذرتان: وَذَكَرَ شِعْرَ قُصَيّ: أَنَا ابْنُ الْعَاصِمِينَ بَنِي لُؤَيّ. الْأَبْيَاتَ. وَلَيْسَ فِيهَا مَا يشكل.

_ نداول مرة بعد أخرى. الأوب: الرجوع. وصلاب النسور: النسور: جمع نسر، وهو اللحم اليابس الذى فى باطن الحافر. وصلاب النسور كناية عن الخيل القوية، ومن مفردات قصيدة ثعلبة: التغالى من المغالاة، وهى ارتفاع الدابة فى سيرها ومجاوزتها حسن السير. والغور: أصله ما تدخل من الأرض، وانهبط، ومنه: غور تهامة، وكل ما وصف به تهامة، فهو من صفة الغور؛ لأنهما اسمان لمسمى واحد. والفيفاء: الصحراء. القاع: أرض مستوية مطمئنة عما يحيط بها من الجبال والاكام، تنصب إليها الأمطار، فتمسكها، ثم تنبت العشب، الضراب: يقال: ضرب الفحل ضرابا: أتى الناقة. والطراب: الإبل التى اشتاقت إلى موطنها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ أَنّ رِزَاحًا حِينَ اسْتَقَرّ فِي بِلَادِهِ نشر الله ولده وولد حنّ، ابن رَبِيعَةَ، فَهُمَا حَيّا عُذْرَةَ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: فِي قُضَاعَةَ: عُذْرَتَانِ: عُذْرَةُ بْنُ رُفَيْدَةَ، وَهُمْ مِنْ بنى كلب ابن وَبْرَةَ. وَعُذْرَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سُودِ بْنِ أَسْلُمِ بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ، وَأَسْلُمُ هَذَا هُوَ بِضَمّ اللّامِ مِنْ وَلَدِ حُنّ بْنِ رَبِيعَةَ أَخِي رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ جَدّ جَمِيلِ بن عبد الله ابن مَعْمَرٍ صَاحِبِ بُثَيْنَةَ، وَمَعْمَرٌ هُوَ ابْنُ وَلَدِ الحارث بن خبير بْنِ ظَبْيَانَ، وَهُوَ الضّبِيسُ بْنُ حُنّ. وَبُثَيْنَةُ أَيْضًا مِنْ وَلَدِ حُنّ، وَهِيَ بِنْتُ حِبّانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْهَوْذِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحَبّ بْنِ حُنّ [وَفِي قُضَاعَةَ أَيْضًا عُذْرَةُ بْنُ عَدِيّ، وَفِي الْأَزْدِ: عُذْرَةُ بْنُ عَدّاد] . حَوْتَكَةُ وَأَسْلُمٌ: وَذَكَرَ حَوْتَكَةَ بْنَ أَسْلُمٍ وَبَنِيّ نهد بن زيد وإجلاء رزاح لهم «1»

_ (1) نسب جميل فى جمهرة أنساب العرب: جميل بن عبد الله بن معمر ابن الحارث بن الخبير [فى الروض ابن خيبر فى] ابن طبيان، وهو خبيس بن جر بن ربيعة، ويتفق الأغانى مع الجمهزة حتى الحارث، وبعدها يقول الأغانى «ابن ظبيان بن قيس بن جزء بن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كثير، بن عذرة بن سعد- وهو هذيم، سمى بذلك إضافة لاسمه إلى عبد لأبيه، يقال له: هذيم، وكان يحضنه، فغلب عليه، وفى الاشتقاق كذلك عن سعد وهذيم- بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. ونسب بثينة فى الجمهرة: بثينة بنت حبّا ابن ثعلبة بن الهوذ بن عمرو بن الأحبّ بن جرير بن ربيعة. لأبيها صحبة ص 420 جمهرة. وفى الأغانى: بنت حبأ بن ثعلبة بن الهوذ بن عمرو بن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَحَوْتَكَةُ هُوَ: عَمّ نَهْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلُمٍ، وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ أَسْلُمٌ بِضَمّ اللّامِ إلّا ثَلَاثَةٌ. اثْنَانِ مِنْهَا فِي قُضَاعَةَ، وَهُمَا: أَسْلُمُ بْنُ الْحَافّ هَذَا، وَأَسْلُمُ بْنُ تَدُولَ ابن تيم الّلات «1» بن رفيدة بن ثورين كَلْبِ، وَالثّالِثُ فِي عَكّ أَسْلُمُ بْنُ الْقَيَاتَةِ بْنِ غَابِنِ «2» بْنِ الشّاهِدِ بْنِ عَكّ، وَمَا عَدَا هَؤُلَاءِ فَأَسْلَمُ بِفَتْحِ اللّامِ. ذَكَرَهُ ابْنُ حبيب فى المؤتلف والمختلف.

_ الأحب بن حن بن ربيعة. وفى الاشتقاق عن عذرة بن رفيدة، وكذلك فى جمهرة ابن حزم: أنه عذرة بْنِ زَيْدِ اللّاتِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَلْبِ بْنِ وبرة. وفى كتاب متفق القبائل لابن حبيب، وفى قضاعة: عذرة بن سعد، وفى كلب: عذرة ابن زيد اللات، وعذرة بْنُ عَدِيّ، وَفِي الْأَزْدِ: عُذْرَةُ بْنُ عَدّاد، وفى الجمهرة لابن حزم ضبط أسلم بفتح اللام مرة، وبضمها فى مكان آخر، وفيها ما يأتى: ولد أسلم بن الحافى: سود بن أسلم. فولد سود بن أسلم ليث وحوتكة «بفتح الحاء وإسكان الواو» بطن بمصر مع بنى خميس بن جهينة، وإياس بن سود، وهم فى بنى لؤى بن عذرة. وفى أمالى ابن الشجرى عن الحاف أنه مما حذفت العرب ياءه اجتزاء بالكسر مثل: العاص فى اسم العاص بن أمية، والعاص بن وائل السهمى، ومثل اليمان فى أبى حذيقة اليمان، ومثل الداع فى قوله سبحانه: «أجيب دعوة الداع إذا دعان» انظر الاشتقاق فى قبائل قضاعة، وص 415 جمهرة. ونقلت ما ذكرت عن ابن الشجرى من تعليق للأستاذ هرون فى الاشتقاق. وفى الاشتقاق عن هوذى أنه هوذة. (1) فى الجمهرة والاشتقاق وغيرهما: زيد اللات. ولكن ورد فى الجمهرة ص 429 وهو يتحدث عن بنى كلب بن وبرة: «وبنو أسلم بضم اللام بن تدول بن تيم اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة» . (2) فى الجمهرة: أسلم بن القيانة بن غافق، ومنهم كان أمير الأندلس. وفى اللسان عن أسلم بضم اللام نقل عن كراع أنه جمع: سلم، وذكر أنه لم يفسر أى: سلم- بفتح فسكون- يعنى، ثم نقل أنه قد يكون جمع سلم- بفتح فسكون- وهى الدلو العظيمة.

ذكر ماجرى من اختلاف قريش بعد قصى وحلف المطيبين

[ذكر ماجرى مِنْ اخْتِلَافِ قُرَيْشٍ بَعْدَ قُصَيّ وَحِلْفِ الْمُطَيّبِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ قُصَيّ بْنَ كِلَابٍ هَلَكَ، فَأَقَامَ أَمْرَهُ فِي قَوْمِهِ، وَفِي غَيْرِهِمْ بَنُوهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَاخْتَطّوا مَكّةَ رِبَاعًا- بعد الذى كان قطع لقومه بها- فَكَانُوا يَقْطَعُونَهَا فِي قَوْمِهِمْ، وَفِي غَيْرِهِمْ مِنْ حُلَفَائِهِمْ وَيَبِيعُونَهَا فَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ قُرَيْشٌ مَعَهُمْ لَيْسَ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ وَلَا تَنَازُعٌ، ثُمّ إنّ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ عَبْدَ شَمْسٍ وَهَاشِمًا وَالْمُطّلِبَ وَنَوْفَلًا أَجَمَعُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا مَا بِأَيْدِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ مِمّا كَانَ قُصَيّ جَعَلَ إلَى عَبْدِ الدّارِ، مِنْ الْحِجَابَةِ وَاللّوَاءِ وَالسّقَايَةِ وَالرّفَادَةِ، وَرَأَوْا أَنّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ لِشَرَفِهِمْ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ، فَتَفَرّقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قُرَيْشٌ، فَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى رَأْيِهِمْ يَرَوْنَ أَنّهُمْ أَحَقّ بِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ لِمَكَانِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ الدّارِ. يَرَوْنَ أَنْ لَا يُنْزَعَ مِنْهُمْ ما كان قصىّ جعل إليهم. فَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ: عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَذَلِك أَنّهُ كَانَ أَسَنّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ الدّارِ: عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ. فَكَانَ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ، وَبَنُو زهرة ابن كِلَابٍ، وَبَنُو تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبٍ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ، مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَكَانَ بَنُو مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ، وَبَنُو سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ، وَبَنُو جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ، وَبَنُو عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ مَعَ بَنِي عَبْدِ الدّارِ، وَخَرَجَتْ عَامِرُ بْنُ لُؤَيّ وَمُحَارِبُ بْنُ فِهْرٍ، فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ. فَعَقَدَ كُلّ قَوْمٍ عَلَى أَمْرِهِمْ حِلْفًا مُؤَكّدًا عَلَى أَنْ لَا يَتَخَاذَلُوا، وَلَا يُسَلّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا بَلّ بَحْرَ صُوفَةَ. فَأَخْرَجَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً طِيبًا، فَيَزْعُمُونَ أَنّ بَعْضَ نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَخْرَجَتْهَا لَهُمْ، فَوَضَعُوهَا لِأَحْلَافِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، ثُمّ غَمَسَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فِيهَا، فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا هُمْ وَحَلْفَاؤُهُمْ، ثُمّ مَسَحُوا الْكَعْبَةَ بِأَيْدِيهِمْ توكيدا على أنفسهم، فسمّوا المطيّبين. وَتَعَاقَدَ بَنُو عَبْدِ الدّارِ، وَتَعَاهَدُوا هُمْ وَحُلَفَاؤُهُمْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ حِلْفًا مُؤَكّدًا، عَلَى أَنْ لَا يَتَخَاذَلُوا، وَلَا يُسَلّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَسُمّوا الْأَحْلَافَ. ثُمّ سُونِدَ بَيْنَ الْقَبَائِلِ، وَلُزّ بَعْضُهَا بِبَعْضِ، فَعُبّيَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ لِبَنِي سَهْمٍ، وَعُبّيَتْ بنو أسد لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ وَعُبّيَتْ زُهْرَةُ لِبَنِي جُمَحَ، وَعُبّيَتْ بَنُو تَيْمٍ لِبَنِي مَخْزُومٍ، وَعُبّيَتْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ لِبَنِي عَدّي بْنِ كَعْبٍ. ثُمّ قَالُوا: لِتُفْنَ كُلّ قَبِيلَةٍ مَنْ أُسْنِدَ إليها. فَبَيْنَا النّاسُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ أَجَمَعُوا لِلْحَرْبِ إذْ تَدَاعَوْا إلَى الصّلْحِ، عَلَى أَنْ يُعْطُوا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ، وَأَنْ تَكُونَ الْحِجَابَةُ وَاللّوَاءُ وَالنّدْوَةُ لِبَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حلف الفضول

عَبْدِ الدّارِ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا وَرَضِيَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِذَلِكَ، وَتَحَاجَزَ النّاسُ عَنْ الْحَرْبِ، وَثَبَتَ كُلّ قَوْمٍ مَعَ مَنْ حَالَفُوا، فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ، حَتّى جَاءَ اللهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَإِنّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْهُ إلّا شِدّةً» . [حلف الفضول] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمّا حِلْفُ الْفُضُولِ فَحَدّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ: تَدَاعَتْ قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى حِلْفٍ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، لِشَرَفِهِ وَسِنّهِ، فَكَانَ حِلْفُهُمْ عِنْدَهُ: بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطّلِبِ، وَأَسَدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى، وَزُهْرَةُ بْنُ كِلَابٍ، وَتَيْمُ بْنُ مُرّةَ، فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَنْ لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دَخَلَهَا مِنْ سَائِرِ النّاسِ إلّا قَامُوا مَعَهُ، وَكَانُوا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ حَتّى تُرَدّ عَلَيْهِ مَظْلِمَتُهُ، فَسَمّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ: حِلْفَ الْفُضُولِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ التّيْمِيّ أَنّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفِ الزّهْرِيّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا، مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الإسلام لأجبت» . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللّيْثِيّ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ حَدّثَهُ: أَنّهُ كَانَ بَيْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أبى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَبَيْنَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. وَالْوَلِيدُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ، أَمّرَهُ عَلَيْهَا عَمّهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أبى سفيان- مُنَازَعَةً فِي مَالٍ كَانَ بَيْنَهُمَا بِذِي الْمَرْوَةِ، فكان الوليد تحامل على الحسين- فِي حَقّهِ لِسُلْطَانِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: أَحْلِفُ بِاَللهِ لَتُنْصِفَنّي مِنْ حَقّي، أَوْ لَآخُذَن سَيْفِي، ثُمّ لَأَقُومَن فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ثُمّ لَأَدْعُوَن بِحِلْفِ الْفُضُولِ قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَيْرِ، وَهُوَ عِنْدَ الْوَلِيدِ حِينَ قَالَ الْحُسَيْنُ- رَضِيَ الله عَنْهُ- مَا قَالَ: وَأَنَا أَحْلِفُ بِاَللهِ لَئِنْ دَعَا بِهِ لَآخُذَن سَيْفِي، ثُمّ لَأَقُومَن مَعَهُ، حَتّى يُنْصَفَ مِنْ حَقّهِ أَوْ نَمُوتَ جَمِيعًا. قَالَ: فَبَلّغْت الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ الزّهْرِيّ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَبَلّغْت عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ التّيْمِيّ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ أَنْصَفَ الْحُسَيْنَ مِنْ حَقّهِ حَتّى رَضِيَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللّيْثِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ قَالَ: قَدِمَ مُحَمّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ- وَكَانَ محمد ابن جبير أعلم قريش- فدخل عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ حِينَ قَتَلَ ابْنَ الزّبَيْرِ، وَاجْتَمَعَ النّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَلَمْ نَكُنْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ، يَعْنِي بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِيّ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي حِلْفِ الْفُضُولِ؟ قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لِتُخْبِرَنّي يَا أَبَا سَعِيدٍ بِالْحَقّ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا وَاَللهِ، لَقَدْ خَرَجْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ منه، قال: صدقت. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلِيَ الرّفَادَةَ وَالسّقَايَةَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَذَلِك أَنّ عَبْدَ شَمْسٍ كَانَ رَجُلًا سِفَارًا قَلّمَا يُقِيمُ بِمَكّةَ، وَكَانَ مُقِلّا ذَا وَلَدٍ، وَكَانَ هَاشِمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

موسرا فكان- فيما يزعمون- إذا حضر الحجّ، قام فى قريش فقال: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّكُمْ جِيرَانُ اللهِ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَإِنّهُ يَأْتِيكُمْ فِي هَذَا الْمَوْسِمِ زُوّارُ اللهِ وَحُجّاجُ بَيْتِهِ، وَهُمْ ضَيْفُ اللهِ، وَأَحَقّ الضّيْفِ بِالْكَرَامَةِ: ضَيْفُهُ، فَاجْمَعُوا لَهُمْ مَا تَصْنَعُونَ لهم به طعاما أيامهم هذه التى لابدّ لَهُمْ مِنْ الْإِقَامَةِ بِهَا؛ فَإِنّهُ- وَاَللهِ- لَوْ كَانَ مَالِي يَسَعُ لِذَلِك مَا كَلّفْتُكُمُوهُ» . فَيُخْرِجُونَ لذلك خرجا من أموالهم، كلّ امرىء بقدر ما عنده، فيصنع به للحجّاج طعام، حتى يصدروا منها. وَكَانَ هَاشِمٌ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- أَوّلَ مَنْ سَنّ الرّحْلَتَيْنِ لِقُرَيْشِ: رِحْلَتَيْ الشّتَاءِ وَالصّيْفِ، وَأَوّلَ مَنْ أطعم الثريد للحجاج بِمَكّةَ، وَإِنّمَا كَانَ اسْمُهُ: عَمْرًا، فَمَا سُمّيَ هَاشِمًا إلّا بِهَشْمِهِ الْخُبْزَ بِمَكّةَ لِقَوْمِهِ، فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ: عَمْرُو الّذِي هَشَمَ الثّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... قَوْمٍ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ سُنّتْ إلَيْهِ الرّحْلَتَانِ كِلَاهُمَا ... سَفَرُ الشتاء، ورحلة الإيلاف قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ قَوْمٌ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عجاف قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ هَلَكَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بِغَزّةَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ تَاجِرًا، فَوَلِيَ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ مِنْ بَعْدِهِ الْمُطّلِبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ، وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ وَفَضْلٍ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ إنّمَا تُسَمّيهِ: الْفَيْضَ لِسَمَاحَتِهِ وَفَضْلِهِ. وَكَانَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَتَزَوّجَ سَلْمَى بِنْتَ عَمْرٍو أَحَدِ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الحريش بن جحجبي بن كلفة بن عوف بن عمرو ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، فَوَلَدَتْ لَهُ عمرو بن أحيحة، وكانت لاتنكح الرّجَالَ لِشَرَفِهَا فِي قَوْمِهَا حَتّى يَشْتَرِطُوا لَهَا أَنّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، إذَا كَرِهَتْ رَجُلًا فَارَقَتْهُ. فَوَلَدَتْ لِهَاشِمِ عَبْدَ الْمُطّلِبِ، فَسَمّتْهُ: شَيْبَةَ، فَتَرَكَهُ هَاشِمٌ عِنْدَهَا حَتّى كَانَ وَصِيفًا، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، ثُمّ خَرَجَ إلَيْهِ عَمّهُ الْمُطّلِبُ؛ لِيَقْبِضَهُ، فَيُلْحِقَهُ بِبَلَدِهِ وَقَوْمِهِ فَقَالَتْ لَهُ سَلْمَى: لَسْتُ بِمُرْسَلَتِهِ مَعَك، فَقَالَ لَهَا الْمُطّلِبُ: إنّي غَيْرُ منصرف حتى أخرج به معى، إنّ ابن أَخِي قَدْ بَلَغَ، وَهُوَ غَرِيبٌ فِي غَيْرِ قَوْمِهِ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ شَرَفٍ فِي قَوْمِنَا، نلى كثيرا من أمرهم، وَقَوْمُهُ وَبَلَدُهُ وَعَشِيرَتُهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِهِمْ، أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَالَ شَيْبَةُ لِعَمّهِ الْمُطّلِبِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- لَسْتُ بِمُفَارِقِهَا إلّا أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأَذِنَتْ لَهُ، وَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ، فَاحْتَمَلَهُ، فَدَخَلَ بِهِ مَكّةَ مُرْدِفَهُ مَعَهُ عَلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: عَبْدُ الْمُطّلِبِ ابْتَاعَهُ، فَبِهَا سُمّيَ: شَيْبَةُ عَبْدَ الْمُطّلِبِ. فَقَالَ الْمُطّلِبُ: وَيْحَكُمْ! إنّمَا هُوَ ابْنُ أَخِي هَاشِمٍ، قَدِمْتُ بِهِ من المدينة. ثُمّ هَلَكَ الْمُطّلِبُ بِرَدْمَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، فقال رجل من العرب يبكيه: قد ظمىء الْحَجِيجُ بَعْدَ الْمُطّلِبِ ... بَعْدَ الْجِفَانِ وَالشّرَابِ المُنْثَعِبْ لَيْتَ قُرَيْشًا بَعْدَهُ عَلَى نَصَبْ وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزَاعِيّ، يَبْكِي الْمُطّلِبَ وَبَنِيّ عَبْدِ مَنَافٍ جَمِيعًا حِينَ أَتَاهُ نَعْيُ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ نَوْفَلٌ آخِرَهُمْ هُلْكًا: يَا لَيْلَةً هَيّجْت لَيْلَاتِي ... إحْدَى لَيَالِيّ الْقَسِيّاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَمَا أُقَاسِي مِنْ هُمُومٍ، وَمَا ... عَالَجْتُ مِنْ رُزْءِ الْمَنِيّاتِ إذَا تَذَكّرْتُ أَخِي نَوْفَلًا ... ذَكّرَنِي بِالْأَوّلِيّاتِ ذَكّرَنِي بِالْأُزُرِ الْحُمْرِ وَالْأَرْدِيَةِ ... الصّفْرِ الْقَشِيبَاتِ أَرْبَعَةٌ كُلّهُمْ سَيّدُ ... أَبْنَاءِ سَادَاتٍ لِسَادَاتِ مَيْتٌ بردمان وميت بسلمان ... وميت بين غَزّاتِ وَمَيّتٌ أُسْكِنَ لَحْدًا لَدَى الْمَحْجُوبِ ... شَرْقِيّ الْبُنَيّاتِ أَخْلَصُهُمْ: عَبْدُ مَنَافٍ فَهُمْ ... مِنْ لَوْمِ مَنْ لَامَ بِمَنْجَاةِ إنّ الْمُغِيرَاتِ وَأَبْنَاءَهَا ... مِنْ خَيْرِ أَحْيَاءٍ وَأَمْوَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْ حِلْفِ الْمُطَيّبِينَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَنَازُعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنِيّ عَبْدِ الدّارِ فِيمَا كَانَ قُصَيّ جَعَلَ إلَيْهِمْ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ حِلْفَ الْمُطَيّبِينَ، وَسَمّاهُمْ، وَذَكَرَ أَنّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ عَبْدِ مَنَافٍ هِيَ الّتِي أَخْرَجَتْ لَهُمْ جَفْنَةً مِنْ طِيبٍ، فَغَمَسُوا أَيْدِيَهُمْ فِيهَا، وَلَمْ يُسَمّ الْمَرْأَةَ، وَقَدْ سَمّاهَا الزّبَيْرُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ، فَقَالَ: هِيَ أُمّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ عَمّةُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَوْأَمَةُ أَبِيهِ. قَالَ: وَكَانَ الْمُطَيّبُونَ يُسَمّوْنَ: الدّافَةَ جَمْعَ دَائِفٍ بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ، لِأَنّهُمْ دافو الطّيب «1» .

_ (1) ذكر اسم أم حكيم أيضا أبو عبد الله المصعب بن عبد الله بن المصعب الزبيرى فى كتابه نسب قريش ص 383، وذكر أنها قالت بعد وضعها الجنة فى الحجر: «من كان منا فليدخل يده فى هذا الطيب» ويذكر أن بنى سهم بن عمرو نحرت جزورا، وقالوا: «من كان منا فليدخل يده فى هذه الجزور» فأدخل من أدخل فسميت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السّنَادُ وَالْإِقْوَاءُ: وَذَكَرَ أَنّ الْقَبَائِلَ سُونِدَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، لِتَكْفِيَ كُلّ قَبِيلَةٍ مَا سُونِدَ إلَيْهَا، فَسُونِدَ: مِنْ السّنَادِ، وَهِيَ مُقَابَلَةٌ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ كُلّ فَرِيقٍ، وَمَا يَلِيهِ مِنْ عَدُوّهِ، وَمِنْهُ أُخِذَ سِنَادُ الشّعْرِ، وَهُوَ أَنْ يَتَقَابَلَ الْمِصْرَاعَانِ مِنْ الْبَيْتِ، فَيَكُونُ قَبْلَ حَرْفِ الرّوىّ حرف مدّولين، وَيَكُونُ فِي آخِرِ الْبَيْتِ الثّانِي قَبْلَ حَرْفِ الرّوِيّ حَرْفُ لِينٍ، وَهِيَ يَاءٌ أَوْ وَاوٌ مَفْتُوحٌ مَا قَبْلَهَا كَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ. أَلَا هُبّي بِصَحْنِك فَاصْبِحِينَا ثُمّ قَابَلَهُ فِي بَيْتٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ: - تُصَفّقُهَا الرّيَاحُ إذَا جَرَيْنَا «1» - فَكَأَنّ الْيَاءَ الْمَفْتُوحَ مَا قَبْلَهَا قَدْ سُونِدَتْ بِهَا إلَى الْيَاءِ الْمَكْسُورِ مَا قَبْلَهَا، فَتَقَابَلَتَا، وَهُمَا غَيْرُ مُتّفِقَتَيْنِ فِي الْمَدّ، كَمَا يَتَقَابَلُ القبيلتان، وهما مختلفتان متعاديتان، وأما الإقواء

_ - الأحلاف، وذكر أن الأسود بن حارثة أدخل يده فى الدم، ثم لعقها، فلعقت بنو عدى كلها بأيديها، فسموا: لعقة الدم، وانظر أيضا ص 166 المحبر لابن حبيب. وص 45 شرح السيرة للخشنى. وداف الشىء دوفا، وأدافه: خلطه وأكثر ذلك فى الدواء والطيب. وداف يديف: لغة فيه. ومجيئه بالواو أكثر، ومسك مدوف ومدووف، وداف الطيب وغيره فى الماء يدوفه فهو دائف. (1) أول البيت: «كأن غضونهن متون غدر» وفى رواية: متونهن بدلا من غضون، ويروى: إذا عرينا بدلا من جرينا، والغدر: جمع غدير. تصفقها الرياح: تضربها. يشبه غضون الدرع بمتون الغدران إذا ضربتها الرياح فى جريها، والطرائق التى ترى فى الدروع بالتى تراها فى الماء إذا ضربته الريح «عن الزوزنى» فى شرح المعلقات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَهُوَ أَنْ يَنْقُصَ قُوّةٌ مِنْ الْمِصْرَاعِ الْأَوّلِ، كَمَا تَنْقُصُ قُوّةٌ مِنْ قُوَى الْحَبْلِ «1» ، وَذَلِكَ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ آخِرِ الْمِصْرَاعِ الْأَوّلِ حَرْفٌ مِنْ الْوَتَدِ كَقَوْلِهِ: أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مَالِكِ بْنِ زُهَيْرٍ ... تَرْجُو النّسَاءَ عَوَاقِبَ الْأَطْهَارِ وَكَقَوْلِ الْآخَرِ: لَمّا رَأَتْ مَاءَ السّلَى مَشْرُوبًا ... وَالْفَرْثُ يُعْصَرُ فى الإناء أرنّت «2»

_ (1) فى الأصل: الجبل، والتصويب من اللسان. والقوة: الخصلة الواحدة من قوى الحبل. وحبل مقوى: هو أن ترخى قوة، وتغير قوة، فلا يلبث الحبل أن ينقطع. وقد عرف أبو عمر بن العلاء الإقواء بأنه اختلاف حركات الروى، فبعضه مرفوع، وبعضه منصوب أو مجرور. أما ما قاله السهيلى، فهو قول أبى عبيدة. واستشهد بقول الربيع بن زياد: «أفبعد مقتل مالك الخ» . وعرفه أبو عمرو الشيبانى بأنه اختلاف إعراب القوافى، وابن سيدة: المخالفة بين القوافى. والأخفش: رفع بيت وجر آخر. قال: وقد سمعت هذا من العرب كثيرا، لا أحصى، وقلّت قصيدة ينشدونها إلا وفيها إقواء، ثم لا يستنكرونه، لأنه لا يكسر الشعر. وفى اللسان أمثلة كثيرة فى مادة قوا، ثم ذكر ابن جنى أن الإقواء وإن كان عيبا لاختلاف الصوت به فإنه قد كثر. (2) البيت لحجل بن نضلة. وهو فى اللسان. ولما رأت ماء السّلى مشروبها والسلى: الجلد الرقيق الذى يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفا فيه، وقيل: هو فى الماشية: السلى، وفى الناس: المشيمة. وفى المثل: وقع القوم فى سلى جمل. أى فى أمر لا مخرج منه؛ لأن الجمل لاسلى له. وإنما يكون للناقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَانَ الْأَصْمَعِيّ يُسَمّي هَذَا الْإِقْوَاءَ: الْمُقْعَدَ، ذَكَرَهُ عَنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَقَالَ عَدِيّ بْنُ الرّقَاعِ [الْعَامِلِيّ] فِي السّنَادِ: وَقَصِيدَةٍ قَدْ بِتّ أَجْمَعُ بَيْتَهَا ... حَتّى أُثَقّفَ مَيْلَهَا وَسِنَادَهَا «1» حِلْفُ الْفُضُولِ وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ الْحِلْفَ الّذِي عَقَدَتْهُ قُرَيْشٌ بَيْنَهَا عَلَى نُصْرَةِ كُلّ مَظْلُومٍ بِمَكّةَ قَالَ: وَيُسَمّى حِلْفَ الْفُضُولِ، وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ هَذِهِ التّسْمِيَةِ، وَذَكَرَهَا ابْنُ قُتَيْبَةَ، فَقَالَ: كَانَ قَدْ سَبَقَ قُرَيْشًا إلَى مِثْلِ هَذَا الْحِلْفِ جُرْهُمٌ فِي الزّمَنِ الْأَوّلِ، فَتَحَالَفَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ هُمْ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ، أَحَدُهُمْ: الْفَضْلُ بْنُ فَضَالَةَ، وَالثّانِي: الفضل بن وداعة، والثالث: فضيل بن الحرث. هَذَا قَوْلُ الْقُتَبِيّ. وَقَالَ الزّبَيْرُ: الْفُضَيْلُ بْنُ شُرَاعَةَ، وَالْفَضْلُ بْنُ وَدَاعَةَ، وَالْفَضْلُ بْنُ قُضَاعَةَ، فلما أشبه حلف

_ (1) وكذلك سماه الخليل. ونقل عنه أيضا: إذا كان بيت من الشعر فيه زحاف قيل له: مقعد «بضم الميم وسكون القاف وفتح العين» . روى ابن جنى فى الخصائص تحت باب: «هل يجوز لنا فى الشعر من الضرورة ما جاز للعرب أولا؟، وأنه سأل أبا على عن هذا، فقال: كما جازلنا أن نقيس منثورنا على منثورهم، فكذلك يجوز لنا أن نقيس شعرنا على شعرهم، ثم ذكر أن جميع الشعر القديم لم يكن مرتجلا، بل قد كان يعرض لهم فيه من الصبر عليه والملاطفة فيه والتلوم على رياضته، وإحكام صنعه نحو مما يعرض لكثير من المولدين.. ثم روى شواهد له على هذا، وفيها هذا البيت. وفى الخصائص: أقوم بدلا من أثقف، وبعده: نظر المثقف فى كعوب قناته ... حتى يقيم ثقافه منادها انظر ص 323 وما بعدها ح 1 الخصائص ط، 2 زدت العاملى من الخصائص.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قُرَيْشٍ الْآخَرُ فِعْلَ هَؤُلَاءِ الْجُرْهُمِيّينَ سُمّيَ: حِلْفَ الْفُضُولِ، وَالْفُضُولُ: جَمْعُ فَضْلٍ، وَهِيَ أَسْمَاءُ أُولَئِكَ الّذِينَ تَقَدّمَ ذِكْرُهُمْ. وَهَذَا الّذِي قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ حَسَنٌ «1» ، وَلَكِنْ فِي الْحَدِيثِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَأَوْلَى. رَوَى الْحُمَيْدِيّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنْ مُحَمّدٍ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ ابْنَيْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا لَوْ دُعِيت بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت. تَحَالَفُوا أَنْ تُرَدّ الْفُضُولُ «2» عَلَى أَهْلِهَا، وَأَلّا يَعُزّ ظَالِمٌ مظلوما. ورواه فى مسند الحرث بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ التّمِيمِيّ، فَقَدْ بَيّنَ هَذَا الْحَدِيثَ: لِمَ سُمّيَ حِلْفَ الْفُضُولِ، وَكَانَ حِلْفُ الْفُضُولِ بَعْدَ الْفُجّارِ، وَذَلِكَ أَنّ حَرْبَ الْفُجّارِ «3» كَانَتْ فِي شَعْبَانَ، وَكَانَ حلف الفضول

_ (1) أخذ بهذا الرأى ابن الأثير فى النهاية، لكنه ذكر هو وابن كثير فى البداية: الفضل بن الحارث لا فضيل، والفضل بن شراعة لا فضيل. (2) أى تحالفوا ألا يتركوا عند أحد فضلا يظلمه أحدا إلا أخذوه له منه. وفى حديث رواه مسلم وأحمد: «لا حلف فى الإسلام وأيما حلف كان فى الجاهلية، فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة» والمعنى- كما قال ابن كثير- أن الإسلام لا يحتاج معه إلى الحلف الذى كان أهل الجاهلية يفعلونه، فإن فى التمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه» . (3) أيام الفجار كانت بين قيس وقريش وقيل: أيام الفجار: أيام وقائع كانت بين العرب تفاجروا فيها بعكاظ، فاستحلوا الحرمات. وقيل: الفجار يوم من أيام العرب، وهى أربعة أفجرة كانت بين قريش، ومن معها من كنانة، وبين قيس عيلان فى الجاهلية، وكانت الدّبرة على قيس، وإنما سمت قريش هذه الحرب فجارا؛ لأنها كانت فى الأشهر الحرم، فلما قاتلوا فيها قالوا: قد فجرنا، فسميت فجارا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ حِلْفُ الْفُضُولِ أَكْرَمَ حِلْفٍ سُمِعَ بِهِ، وَأَشْرَفَهُ فِي الْعَرَبِ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ تَكَلّمَ بِهِ وَدَعَا إلَيْهِ: الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَكَانَ سَبَبُهُ أَنّ رَجُلًا مِنْ زُبَيْدٍ قَدِمَ مَكّةَ بِبِضَاعَةِ، فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ الْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ، وَكَانَ ذَا قَدْرٍ بِمَكّةَ وَشَرَفٍ، فَحَبَسَ عَنْهُ حَقّهُ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ الزّبَيْدِيّ الْأَحْلَافَ: عَبْدَ الدّارِ وَمَخْزُومًا وَجُمَحَ وَسَهْمًا وَعَدِيّ بْنَ كَعْبٍ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُوهُ عَلَى الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ، وَزَبَرُوهُ، أَيْ: انْتَهَرُوهُ، فَلَمّا رَأَى الزّبَيْدِيّ الشّرّ، أَوْفَى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ «1» عِنْدَ طُلُوعِ الشّمْسِ، وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا آلَ فِهْرٍ لِمَظْلُومِ بِضَاعَتُهُ ... بِبَطْنِ مَكّةَ نَائِي الدّارِ وَالنّفَرِ وَمُحْرِمٍ أَشْعَثٍ لَمْ يَقْضِ عُمْرَتَهُ «2» ... يَا لَلرّجَالِ وَبَيْنَ الْحِجْرِ وَالْحَجَرِ «3» إنّ الْحَرَامَ لِمَنْ تَمّتْ كَرَامَتُهُ ... وَلَا حَرَامَ لِثَوْبِ الْفَاجِرِ الْغُدَرِ «4» فَقَامَ فِي ذَلِكَ الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَقَالَ: مَا لِهَذَا مُتَرّكٌ، فَاجْتَمَعَتْ هَاشِمٌ وَزُهْرَةُ وَتَيْمُ بْنُ مُرّةَ فِي دَارِ ابْنِ جُدْعَانَ، فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، وَتَحَالَفُوا فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ قِيَامًا، فَتَعَاقَدُوا، وتعاهدوا بالله: ليكوننّ يدا واحدة

_ (1) جبل بمكة سمى برجل من مذحج. (2) فى تجريد الأغانى: «حرمته» . (3) فى التجريد: «بين الركن والحجر» . (4) فى التجريد بعد البيت السابق ورد هذا البيت: أقائم من بني سهم بذمتهم ... أم ذاهب فى ضلال مال معتمر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَعَ الْمَظْلُومِ عَلَى الظّالِمِ، حَتّى يُؤَدّى إلَيْهِ حقّه ما بلّ بحر صوفة، ومارسا حِرَاءٌ وَثَبِيرٌ مَكَانَهُمَا، وَعَلَى التّأَسّي فِي الْمَعَاشِ، فَسَمّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ: حِلْفَ الْفُضُولِ، وَقَالُوا: لَقَدْ دَخَلَ هَؤُلَاءِ فِي فَضْلٍ مِنْ الْأَمْرِ، ثم مشوا إلى العاصى ابن وَائِلٍ، فَانْتَزَعُوا مِنْهُ سِلْعَةَ الزّبَيْدِيّ، فَدَفَعُوهَا إلَيْهِ، وقال الزبير رضى الله عنه: حلفت لنعقدن حِلْفًا عَلَيْهِمْ ... وَإِنْ كُنّا جَمِيعًا أَهْلَ دَارِ نسمّيه: الفضول إذا عقدنا ... يعزّبه الْغَرِيبُ لَدَى الْجِوَارِ وَيَعْلَمُ مَنْ حَوَالِي الْبَيْتِ أَنّا ... أُبَاةُ الضّيْمِ نَمْنَعُ كُلّ عَارِ وَقَالَ الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: إنّ الْفُضُولَ تَحَالَفُوا، وَتَعَاقَدُوا ... أَلّا يُقِيمَ بِبَطْنِ مَكّةَ ظَالِمُ أَمْرٌ عَلَيْهِ تَعَاهَدُوا، وَتَوَاثَقُوا ... فَالْجَارُ وَالْمُعَتّرُ فِيهِمْ سَالِمُ وَذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنّ رَجُلًا مِنْ خَثْعَمَ قَدِمَ مَكّةَ مُعْتَمِرًا، أَوْ حَاجّا، وَمَعَهُ بِنْتٌ لَهُ يُقَالُ لَهَا: الْقَتُولُ مِنْ أَوْضَأِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، فَاغْتَصَبَهَا مِنْهُ نُبَيْهُ بْنُ الْحَجّاجِ «1» وَغَيّبَهَا عَنْهُ، فَقَالَ الْخَثْعَمِيّ: من يعدينى على

_ (1) هو نبيه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن عمرو ابن هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ. كان هو وأخوه منبه من وجوه قريش وذوى النباهة فيهم، وكانا ممن نصب لرسول الله «ص» العداوة، وقتلا معا يوم بدر مشركين «انظر التجريد ص 1810 ونسب قريش ص 404. وقصته مع القتول فى الأغانى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَذَا الرّجُلِ، فَقِيلَ لَهُ: عَلَيْك بِحِلْفِ الْفُضُولِ، فَوَقَفَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَنَادَى: يَا لَحِلْفِ الْفُضُولِ، فإذاهم يُعْنِقُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلّ جَانِبٍ، وَقَدْ انْتَضَوْا أسيافهم يقولون: جاءك الغوث، فمالك؟ فَقَالَ: إنّ نُبَيْهًا ظَلَمَنِي فِي ابْنَتِي، وَانْتَزَعَهَا مِنّي قَسْرًا، فَسَارُوا مَعَهُ، حَتّى وَقَفُوا عَلَى بَابِ الدّارِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: أَخْرِجْ الْجَارِيَةَ وَيْحَك، فَقَدْ عَلِمْت مَنْ نَحْنُ، وَمَا تَعَاقَدْنَا عَلَيْهِ!! فَقَالَ: أَفْعَلُ، وَلَكِنْ مَتّعُونِي بِهَا اللّيْلَةَ، فَقَالُوا لَهُ: لَا: وَاَللهِ، وَلَا شَخْبَ لِقْحَةٍ «1» ، فَأَخْرَجَهَا إلَيْهِمْ، وَهُوَ يَقُولُ: رَاحَ صَحْبِي وَلَمْ أُحَيّ الْقَتُولَا ... لَمْ أُوَدّعْهُمْ وَدَاعًا جَمِيلَا إذْ أَجَدّ الْفُضُولُ أَنْ يَمْنَعُوهَا ... قَدْ أَرَانِي، وَلَا أَخَافُ الْفُضُولَا لَا تَخَالِي أَنّي عَشِيّةَ راح الرّكب ... هُنْتُمْ عَلَيّ أَلّا أَقُوّلَا فِي أَبْيَاتٍ غَيْرِ هَذِهِ ذَكَرَهَا الزّبَيْرُ، وَذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ فِيهَا أَيْضًا: حَلّتْ تِهَامَةُ حِلّةً ... مِنْ بَيْتِهَا وَوِطَائِهَا وَلَهَا بِمَكّةَ مَنْزِلٌ ... مِنْ سَهْلِهَا وَحِرَائِهَا أَخَذَتْ بشاشة قلبه ... ونأت فكيف بنأيها»

_ (1) فى الأصل: ولا شجت. وهو خطأ، وأصل الشخب: ما خرج من الضرع من اللبن ويضم وبالفتح: الدم. واللقحة بكسر اللام وفتحها: الناقة القريبة العهد بالنتاج، أو الغزيرة اللبن. (2) من القصيدة فى التجريد ص 1810. حى الدويرة إذ نأت ... منا على عدوانها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحِلْفُ وَابْنُ جُدْعَانَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ، وَلَوْ دُعِيت إلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت «1» » وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جُدْعَانَ هَذَا تَيْمِيّ هُوَ: ابْنُ جدعان ابن عُمَرَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، يُكَنّى: أَبَا زُهَيْرِ ابْنَ عَمّ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَلِذَلِكَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ يُطْعِمُ الطّعَامَ، وَيَقْرِي الضّيْفَ، فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «لَا إنّهُ لَمْ يَقُلْ

_ - لا بالفراق تنيلنا ... شيئا ولا بلقائها ومنها: أخذت حشاشة قلبه ... ونأت فكيف بنائها لولا الفضول وأنه ... لا أمن من عدوائها لدنوت من أبياتها ... ولطفت حول خبائها ولجئتها أمشى بلا ... هاد إلى ظلمائها فشربت فضلة ريقها ... وليت فى أحشائها وفى نسب قريش: روعائها بدلا من: عدوائها، ولبثت فى البيت الأخير بدلا من: بت، وفى الروض: بشاشة، وهنا حشاشة. وفيه: «ونأت وكيف بنأيها» وهنا: فكيف بنائها. وقد تكرر فى الروض جذعان بالذال بدلا من الدال. ونسبه كما فى كتاب نسب قريش. وتيم هو ابن مرة «انظر نسب قريش ص 291» (1) حديث حضور النبى مع عمومته حرب الفجار، وأنه رمى فيه حديث يروى فى كتب السير والطبقات، كطبقات ابن سعد وهو فيها فى ج 1 ص 128، وشهوده حلف الفضول أيضا من هذا النوع، وقد ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية ج 2 ص 393، ولا يعتد بمثل هذه الروايات التى ليست من الصحيح، لإقامة حكم دينى عليها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يوما: ربّ اغفرلى خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَمِنْ غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كُنْت أَسَتَظِلّ بِظِلّ جَفْنَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ صَكّةَ عُمَيّ، يَعْنِي: فِي الْهَاجِرَةِ، وَسُمّيَتْ الْهَاجِرَةُ: صَكّةَ عُمَيّ لِخَبَرِ ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَنْوَاءِ: أَنّ عُمَيّا رَجُلٌ مِن عَدْوَانَ، وَقِيلَ: مِنْ إيَادٍ، وَكَانَ فَقِيهَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَقَدِمَ فِي قَوْمٍ مُعْتَمِرًا أَوْ حَاجّا: فَلَمّا كَانَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكّةَ قَالَ لِقَوْمِهِ، وَهُمْ فِي نَحْرِ الظّهِيرَةِ: مَنْ أَتَى مَكّةَ غَدًا فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ، كَانَ لَهُ أَجْرُ عُمْرَتَيْنِ، فَصَكّوا الْإِبِلَ صَكّةً شَدِيدَةً حَتّى أَتَوْا مَكّةَ مِنْ الْغَدِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَنْشَدَ: وَصَكّ بِهَا نَحْرَ الظّهِيرَةِ صَكّةَ ... عُمَيّ وَمَا يَبْغِينَ إلّا ظِلَالَهَا «1» فِي أَبْيَاتٍ، وَعُمَيّ: تَصْغِيرُ أَعْمَى عَلَى التّرْخِيمِ، فَسُمّيَتْ الظّهِيرَةُ صَكّةَ عُمَيّ بِهِ. وَقَالَ الْبَكْرِيّ فِي شَرْحِ الْأَمْثَالِ: عُمَيّ: رَجُلٌ مِنْ الْعَمَالِيقِ أَوْقَعَ بِالْعَدُوّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَسُمّيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ: صَكّةَ عُمَيّ، والذى قاله أبو حنيفة

_ (1) كل ما ذكره السهيلى هو فى اللسان: والبيت فيه هكذا. وصك بها عين الظهيرة غائرا ... عمىّ ولم ينعلن إلا ظلالها وقد ضبطت ياء ينعلن بالفتح فى مادة صك، وبالضم فى مادة عمى، وعمى تقال بضم العين وإسكان الميم وتخفيف الياء فى الشعر، والجفنة: القصعة، فى اللسان أن الظبى إذا اشتد عليه الحر طلب الكناس، وقد برقت عينه من بياض الشمس ولمعانها، فيسدر بصره، حتى يصك بنفسه الكناس لا يبصره، ويقال: صكة أعمى أيضا. ولقيته صكة عمى، أو أعمى، أى فى أشد الهاجرة حرا. وابن منظور ينقل عن السهيلى كثيرا فى اللسان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَوْلَى، وَقَائِلُهُ أَعْلَى. وَقَالَ يَعْقُوبُ: عَمِيَ الظّبْيُ: يَتَحَيّرُ بَصَرُهُ فِي الظّهِيرَةِ مِنْ شِدّةِ الْحَرّ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَكَانَتْ جَفْنَتُهُ يَأْكُلُ مِنْهَا الرّاكِبُ عَلَى الْبَعِيرِ، وَسَقَطَ فِيهَا صَبِيّ، فَغَرِقَ أَيْ: مَاتَ. وَكَانَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ قَبْلَ أَنْ يَمْدَحَهُ قَدْ أَتَى بَنِي الدّيّانِ من بنى الحرث بْنِ كَعْبٍ، فَرَأَى طَعَامَ بَنِي عَبْدِ الْمَدَانِ مِنْهُمْ لُبَابُ الْبُرّ وَالشّهْدُ وَالسّمْنُ، وَكَانَ ابْنُ جُدْعَانَ يُطْعِمُ التّمْرَ وَالسّوِيقَ وَيَسْقِي اللّبَنَ، فَقَالَ أُمَيّةُ: وَلَقَدْ رَأَيْت الْفَاعِلِينَ وَفِعْلَهُمْ ... فَرَأَيْت أَكْرَمَهُمْ بَنِي الدّيّانِ الْبُرّ يُلْبَكُ بِالشّهَادِ طَعَامُهُمْ ... لَا ما يعلّلنا بنو جدعان «1»

_ (1) السويق: طعام يتخذ من مدقوق البر والشعير سمى بهذا لانسياقه فى الحلق ولباب البر: الخالص من الدقيق، ومعنى يلبك: يخلط، والشهاد جمع شهد، وهو العسل، وطعام الفرس هو: الفالوذج. وهو كما عرف فى اللسان: لباب القمح بلعاب النحل. يعنى: أنه مصنوع من الدقيق الخالص وعسل النحل، وفى ذيل الأمالى للقالى، ورد بعد البيت الأول قوله: ورأيت من عبد المدان خلائقا ... فضل الأنام بهن عبد مدان وكذلك فى سمط اللالى للبكرى، وشطرة البيت الأول فى ذيل الأمالى: «ولقد رأيت القائلين وفعلهم» وفى السمط: «الباذلين» . ويقص أمية أنه دخل على عبد المدان بن الديان فى نجران فأتى بالفالوذج، ثم يقول: فأكلت طعاما عجيبا، ثم انصرفت، وأنا أقول، وذكر الأبيات «انظر ص 362 سمط اللالى للبكرى وص 38 من الأمالى والنوادر لأبى على القالى. وأمية ابن أبى الصلت اسمه: عبد الله بن أبى ربيعة، ويكنى: أبا عثمان، وهو شاعر جاهلى أدرك الإسلام ومات كافرا. هذا ويذكر أبو الفرج فى مثير الغرام، أن ابن جدعان وفد على كسرى، فأكل عنده الفالوذج، فسأل عنه، فقالوا: لباب البر مع العسل، فقال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَبَلَغَ شِعْرُهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُدْعَانَ، فَأَرْسَلَ أَلْفَيْ بَعِيرٍ إلَى الشّامِ، تَحْمِلُ إلَيْهِ الْبُرّ وَالشّهْدَ وَالسّمْنَ، وَجَعَلَ مُنَادِيًا يُنَادِي عَلَى الْكَعْبَةِ: أَلَا هَلُمّوا إلَى جَفْنَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ، فَقَالَ أُمَيّةُ عِنْدَ ذَلِكَ: لَهُ دَاعٍ بِمَكّةَ مُشْمِعَلّ ... وَآخَرُ فَوْقَ كَعْبَتِهَا يُنَادِي إلَى رُدُحٍ مِنْ الشّيزَى عَلَيْهَا ... لُبَابُ الْبُرّ يُلْبَكُ بِالشّهَادِ «1» وَكَانَ ابْنُ جُدْعَانَ فِي بَدْءِ أَمْرِهِ صُعْلُوكًا تَرِبَ الْيَدَيْنِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ شِرّيرًا فاتكا، لا يَزَالُ يَجْنِي الْجِنَايَاتِ، فَيَعْقِلُ عَنْهُ أَبُوهُ وَقَوْمُهُ، حَتّى أَبْغَضَتْهُ عَشِيرَتُهُ، وَنَفَاهُ أَبُوهُ وَحَلَفَ: أَلّا يُؤْوِيَهُ أَبَدًا لِمَا أَثْقَلَهُ بِهِ مِنْ الْغُرْمِ، وحمله من

_ - ابغونى غلاما يصنعه، فأتوه بغلام فابتاعه، فقدم به مكة، وأمره فصنعه للحجاج ووضع الموائد من الأبطح إلى المسجد ص 450 القرى للمحب الطبرى. وفى ذيل الأمالى للقالى أنه أرسل إلى اليمن من جاءه بمن يعمل الفالوذج ص 38. (1) اشمعل القوم فى الطلب: بادروا فيه، وتفراقوا، والمشمعل: الناقة النشيطة، والرجل الخفيف الظريف، أو الطويل. والبيتان من قصيدة طويلة فى ديوانه ص 19 وقبله: وأبيض من بنى تيم بن كعب ... وهم كالمشرفيات الفراد ومنها جزء فى نسب قريش ص 292، وفى ص 142 من الاشتقاق لابن دريد: وكان ابن جدعان يشرب الخمر ويقول: شربت الخمر حتى قال قومى ... ألست عن السقاة بمستفيق وحتى ما أوسد فى مبيت ... أبيت به سوى الترب السحيق ثم حرمها على نفسه. والردح: جمع رداح بفتح: الجفنة العظيمة: والشيزى أو الشيز: خشب أسود تصنع منه الجفان، أو هو الأبنوس، أو خشب الجوز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدّيَاتِ، فَخَرَجَ فِي شِعَابِ مَكّةَ حَائِرًا بَائِرًا، يَتَمَنّى الْمَوْتَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ، فَرَأَى شَقّا فِي جَبَلٍ، فَظَنّ فِيهِ حَيّةً، فَتَعَرّضَ لِلشّقّ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَا يَقْتُلُهُ فَيَسْتَرِيحَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَدَخَلَ فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ ثُعْبَانٌ عَظِيمٌ لَهُ عَيْنَانِ تَقِدَانِ كَالسّرَاجِينِ. فَحَمَلَ عَلَيْهِ الثّعْبَانُ، فَأَفْرَجَ لَهُ، فَانْسَابَ عَنْهُ مُسْتَدِيرًا بِدَارَةِ عِنْدَهَا بَيْتٌ، فَخَطَا خُطْوَةٌ أُخْرَى، فَصَفَرَ بِهِ الثّعْبَانُ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ كَالسّهْمِ، فَأَفْرَجَ عَنْهُ، فَانْسَابَ عَنْهُ قُدُمًا لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنّهُ مَصْنُوعٌ، فَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ، فَإِذَا هو مصنوع من ذهب، وعيناه يا قوتتان، فَكَسَرَهُ، وَأَخَذَ عَيْنَيْهِ، وَدَخَلَ الْبَيْتَ، فَإِذَا جُثَثٌ عَلَى سُرُرٍ طِوَالٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُمْ طُولًا وعظما، وعند رؤسهم لوح من فضّة فيه تاريخهم، وإذا هُمْ رِجَالٌ مِنْ مُلُوكِ جُرْهُمٍ، وَآخِرُهُمْ مَوْتًا: الحرث بْنُ مُضَاضٍ صَاحِبُ الْغُرْبَةِ الطّوِيلَةِ، وَإِذَا عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ لَا يُمَسّ مِنْهَا شَيْءٌ إلّا انْتَثَرَ كَالْهَبَاءِ مِنْ طُولِ الزّمَنِ، وَشِعْرٌ مَكْتُوبٌ فِي اللّوْحِ فِيهِ عِظَاتٌ، آخِرُ بَيْتٍ مِنْهُ: صَاحِ هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْت بِرَاعٍ ... رَدّ فِي الضّرْعِ مَا قَرَى فِي الْحِلَابِ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَانَ اللّوْحُ مِنْ رُخَامٍ، وَكَانَ فِيهِ: أنا نفيلة بن عبد المدان ابن خَشْرَمِ بْنِ عَبْدِ يَالَيْل بْنِ جُرْهُمِ بْنِ قَحْطَانَ بْنِ هُودٍ نَبِيّ اللهِ، عِشْت خَمْسَمِائَةِ عَامٍ، وَقَطَعْت غَوْرَ الْأَرْضِ بَاطِنَهَا وَظَاهِرَهَا فِي طَلَبِ الثّرْوَةِ وَالْمَجْدِ وَالْمُلْكِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يُنْجِينِي مِنْ الْمَوْتِ، وَتَحْتَهُ مَكْتُوب: قَدْ قَطَعْت الْبِلَادَ فِي طَلَبِ الثّرْ ... وَةِ وَالْمَجْدُ قَالِصُ الْأَثْوَابِ وَسَرَيْت الْبِلَادَ قَفْرًا لِقَفْرِ ... بِقَنَاتِي وَقُوّتِي واكتسابى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَأَصَابَ الرّدَى بَنَاتِ فُؤَادِي ... بِسِهَامِ مِنْ الْمَنَايَا صِيَابِ فَانْقَضَتْ شِرّتِي، وَأَقْصَرَ جَهْلِي ... وَاسْتَرَاحَتْ عَوَاذِلِي مِنْ عِتَابِي وَدَفَعْت السّفَاهَ بِالْحِلْمِ لَمّا ... نَزَلَ الشّيْبُ فِي مَحَلّ الشّبَابِ صَاحِ هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْت بِرَاعٍ ... رَدّ فِي الضّرْعِ مَا قَرَى فِي الْحِلَابِ «1» وَإِذَا فِي وَسَطِ الْبَيْتِ كَوْمٌ عَظِيمٌ مِنْ الْيَاقُوتِ وَاللّؤْلُؤِ وَالذّهَبِ وَالْفِضّةِ وَالزّبَرْجَدِ، فَأَخَذَ مِنْهُ مَا أَخَذَ، ثُمّ عَلّمَ عَلَى الشّقّ بِعَلَامَةِ، وَأَغْلَقَ بَابَهُ بِالْحِجَارَةِ وَأَرْسَلَ إلَى أَبِيهِ بِالْمَالِ الّذِي خَرَجَ بِهِ يَسْتَرْضِيهِ وَيَسْتَعْطِفُهُ، وَوَصَلَ عَشِيرَتَهُ كُلّهُمْ، فَسَادَهُمْ وَجَعَلَ يُنْفِقُ مِنْ ذَلِكَ الْكَنْزِ وَيُطْعِمُ النّاسَ، وَيَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ. ذَكَرَ حَدِيثَ كَنْزِ ابْنِ جُدْعَانَ مَوْصُولًا بِحَدِيثِ الحرث بْنِ مُضَاضٍ: ابْنُ هِشَامٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَوَقَعَ أَيْضًا فِي كِتَابِ رِيّ الْعَاطِشِ، وَأُنْسِ الْوَاحِشِ لِأَحْمَدَ بْنِ عَمّارٍ «2» . وَابْنُ جُدْعَانَ مِمّنْ حَرّمَ الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيّةِ. بَعْدَ أَنْ كان مغرى بها، وذلك

_ (1) القالص من الثياب: المشمّر القصير. وبنات الفؤاد: طوائفه، وهى فى الأصل: نبات، والمنايا: جمع منية: الموت. وصياب: جمع صائب، كصاحب وصحاب. شرّة الشباب: حرصه ونشاطه. والسفاه بفتح السين: خفة الحلم ونقيضه، أو الجهل، وبكسر السين: جمع سفيه، والحلاب: الإناء يحلب فيه. وقرا: جمع، وفى اللسان: ويروى العلاب مكان الحلاب. وريت: يعنى: رأيت، وهى فى الروض: رأيت، والتصويب من اللسان، ثم إنها تخل بنظام الوزن. (2) لا ريب فى أنها أسطورة لا يحنو عليها قلب ولا عقل. يجوز أن يقال إنه عثر على كنز دفين. ولكن فى غير ما صورت الأسطورة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنّهُ سَكِرَ، فَتَنَاوَلَ الْقَمَرَ لِيَأْخُذَهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ حِينَ صَحَا، فَحَلَفَ: لَا يَشْرَبُهَا أَبَدًا، وَلَمّا كَبِرَ وَهَرِمَ أَرَادَ بَنُو تَمِيمٍ أَنْ يَمْنَعُوهُ من تبديد ماله، ولا موه فِي الْعَطَاءِ، فَكَانَ يَدْعُو الرّجُلَ، فَإِذَا دَنَا مِنْهُ، لَطَمَهُ لَطْمَةً خَفِيفَةً، ثُمّ يَقُولُ لَهُ: قُمْ فَانْشُدْ لَطْمَتَك، وَاطْلُبْ دِيَتَهَا، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ أَعْطَتْهُ بَنُو تَمِيمٍ مِنْ مَالِ ابْنِ جُدْعَانَ حَتّى يَرْضَى، وَهُوَ جَدّ عُبَيْدِ اللهِ بْن أَبِي مُلَيْكَةَ الْفَقِيهِ. وَاَلّذِي وَقَعَ فِي هذا الحديث من ذكر نقيلة، أَحْسَبُهُ: نُفَيْلَةَ بِالنّونِ وَالْفَاءِ، لِأَنّ بَنِي نُفَيْلَةَ كَانُوا مُلُوكَ الْحِيرَةِ، وَهُمْ مِنْ غَسّانَ، لَا مِنْ جُرْهُمٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. مَوْقِفُ الْإِسْلَامِ مِنْ الْحِلْفِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ خَبَرَ الْحُسَيْنِ مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَقَوْلَهُ: لَآخُذَنّ سَيْفِي، ثُمّ لَأَدْعُوَنّ بِحِلْفِ الْفُضُولِ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ: تَخْصِيصُ أَهْلِ هَذَا الْحِلْفِ بِالدّعْوَةِ وَإِظْهَارِ التّعَصّبِ، إذَا خَافُوا ضَيْمًا، وَإِنْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ رَفَعَ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: يَا لَفُلَانٍ عِنْدَ التّحَزّبِ وَالتّعَصّبِ، وَقَدْ سَمِعَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْمُرَيْسِيعِ «1» رَجُلًا يَقُولُ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! وَقَالَ آخَرُ: يَا لَلْأَنْصَارِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهَا فَإِنّهَا مُنْتِنَةٌ وَقَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ ادّعَى بِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ، فَأَعْضُوهُ بِهَنِ أَبِيهِ وَلَا تُكَنّوا «2» ، وَنَادَى رجل بالبصرة: يا لعامر! فجاءه النابغة الجعدىّ بعصبة له،

_ (1) مصغر مرسوع: بئر وماء لخزاعة من ناحية قديد إلى الساحل، وإليه تضاف غزوة بنى المصطلق، وتروى بالغين، وقد وقعت سنة ست من الهجرة. (2) أى قولوا له: اعضض ... أبيك، ولا تكنوا عنه بالهن، وقد وضعت نقطا بعدا عضض، وسيلمح القارىء الاسم المقصود. والحديث: رواه أحمد والنسائى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَضَرَبَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَمْسِينَ جَلْدَةً، وَذَلِكَ أَنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ جَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ إخْوَةً، وَلَا يُقَالُ إلّا كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا لَلّهِ وَيَا لَلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنّهُمْ كُلّهُمْ حِزْبٌ وَاحِدٌ، وَإِخْوَةٌ فِي الدّينِ إلّا مَا خَصّ الشّرْعُ بِهِ أَهْلَ حِلْفِ الْفُضُولِ، وَالْأَصْلُ فِي تَخْصِيصِهِ قَوْلُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ دُعِيت بِهِ الْيَوْمَ لَأَجَبْت «1» يُرِيدُ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمَظْلُومِينَ: يَا لَحِلْفِ الْفُضُولِ لَأَجَبْت، وَذَلِكَ أَنّ الْإِسْلَامَ إنّمَا جَاءَ بِإِقَامَةِ الْحَقّ وَنُصْرَةِ الْمَظْلُومِينَ، فَلَمْ يَزْدَدْ بِهِ هَذَا الْحِلْفُ إلّا قُوّةً، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: «وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَلَنْ يَزِيدَهُ الْإِسْلَامُ إلّا شِدّةً» لَيْسَ مَعْنَاهُ: أَنْ يَقُولَ الْحَلِيفُ: يَا لَفُلَانٍ لِحُلَفَائِهِ، فَيُجِيبُوهُ، بَلْ الشّدّةُ الّتِي عَنَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنّمَا هِيَ رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنَى التّوَاصُلِ وَالتّعَاطُفِ وَالتّآلُفِ، وَأَمّا دَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ، فَقَدْ رَفَعَهَا الْإِسْلَامُ إلّا مَا كَانَ مِنْ حِلْفِ الْفُضُولِ كَمَا قَدّمْنَا، فَحُكْمُهُ بَاقٍ، وَالدّعْوَةُ بِهِ جَائِزَةٌ، وَقَدْ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنّ الْحَلِيفَ يَعْقِلُ مَعَ العاقلة إذا وجبت

_ - وابن حبان عن أبى بن كعب. ورغم هذا أوقن أنه لا يجوز أن ينسب إلى أدب الرسول ذى الخلق العظيم مثل هذا الكلام الذى فيه نتن الأوشاب. (1) سبق الرأى فى هذا الحديث، وهو أوهن من بيت العنكبوت، فكيف يقيم السهيلى على مثله حكما دينيا يستهدف تقويم استغاثة شركية، وحمية جاهلية؟ وإن افترضنا أنه حديث صحيح، فإننا نستطيع أن نفهم فيه معنى آخر يستقيم وهدى القرآن، وهو أنه، لو دعى إلى تنفيذ ما دعا إليه من نصرة المظلوم لأجاب، ولكن لا باسم حلف، وإنما باسم الله، لأن هذا من دينه، والمسلمون أمة واحدة، وحزب واحد هو: حزب الله المفلح الغالب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدّيَةُ لِقَوْلِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلّا شِدّةً، وَلِقَوْلِهِ أَيْضًا لِلّذِي حَبَسَهُ فِي الْمَسْجِدِ: إنّمَا حَبَسْتُك بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِك. عَنْ أَوْلَادِ عَبْدِ مَنَافٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ الْأَرْبَعَةَ، وَقَدْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ خَامِسٌ، وَهُوَ أَبُو عَمْرٍو، وَاسْمُهُ: عُبَيْدٌ، دَرَجَ «1» ، وَلَا عَقِبَ لَهُ، ذَكَرَهُ الْبَرْقِيّ وَالزّبَيْرُ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْبَرْقِيّ أَنّ قُصَيّا كَانَ سَمّى ابْنَهُ عَبْدَ قُصَيّ، وَقَالَ: سَمّيْته بِنَفْسِي وَسَمّيْت الْآخَرَ بِدَارِ الْكَعْبَةِ، يَعْنِي: عَبْدَ الدّارِ، ثُمّ إنّ النّاسَ حَوّلُوا اسْمَ عَبْدِ قُصَيّ، فَقَالُوا: عَبْدَ بْنَ قُصَيّ، وَقَالَ الزّبَيْرُ أَيْضًا: كَانَ اسْمُ عَبْدِ الدار عبد الرحمن «2» .

_ (1) مضى ولم يخلف نسلا. وفى طبقات ابن سعد: أن أولاد عبد مناف كانوا ستة نفر وست نسوة. وفى نسب قريش ص 15. يقول عن أبى عمرو إنه انقرض إلا من بنت يقال لهما: تماضر، ولدت لأبى همهمة بن عبد العزى. (2) فى القرآن الكريم قوله سبحانه: «وإذا قيل لهم: اسجدوا للرحمن. قالوا: وما الرحمن؟! أنسجد لما تأمرنا، وزادهم نفورا» الفرقان: 60، وفى كتاب الصلح فى غزوة الحديبية دعا- صلى الله عليه وسلم- بالكاتب، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: وما الرحمن، فو الله ما أدرى ما هى؟ ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب، وهذا جزء من حديث رواه البخارى وأبو داود عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مخرمة ومروان، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، وهذا كله يوحى بأن اسم الرحمن كان غير معروف عندهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ هَاشِمًا وَمَا صَنَعَ فِي أَمْرِ الرّفَادَةِ «1» وَإِطْعَامِ الْحَجِيجِ، وَأَنّهُ سُمّيَ هَاشِمًا لِهَشْمِهِ الثّرِيدَ لِقَوْمِهِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي اللّغَةِ أَنْ يُقَالَ: ثَرَدْت الْخُبْزَ، فَهُوَ ثَرِيدٌ وَمَثْرُودٌ، فَلَمْ يُسَمّ: ثَارِدًا، وَسُمّيَ هَاشِمًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ- كَمَا لَا يُسَمّى الثّرِيدُ هَشِيمًا، بَلْ يُقَالُ فِيهِ: - ثَرِيدٌ وَمَثْرُودٌ- أَنْ يُقَالَ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَلَكِنْ سَبَبُ هَذِهِ التّسْمِيَةِ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ بَيَانٍ. ذَكَرَ أَصْحَابَ الْأَخْبَارِ أَنّ هَاشِمًا كَانَ يستعين على إطعام الحاجّ بقريش، فيردفدونه بِأَمْوَالِهِمْ، وَيُعِينُونَهُ، ثُمّ جَاءَتْ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَكَرِهَ أَنْ يُكَلّفَ قُرَيْشًا أَمْرَ الرّفَادَةِ، فَاحْتَمَلَ إلَى الشّامِ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَاشْتَرَى بِهِ أَجْمَعَ كَعْكًا وَدَقِيقًا، ثُمّ أَتَى الْمَوْسِمَ فَهَشّمَ ذَلِكَ الْكَعْكَ كُلّهُ هَشْمًا، وَدَقّهُ دَقّا، ثُمّ صَنَعَ لِلْحُجّاجِ طَعَامًا شِبْهَ الثّرِيدِ، فَبِذَلِكَ سُمّيَ هَاشِمًا، لِأَنّ الْكَعْكَ الْيَابِسَ لَا يُثْرَدُ، وَإِنّمَا يُهْشَمُ هَشْمًا، فَبِذَلِكَ مُدِحَ، حَتّى قَالَ شَاعِرُهُمْ فِيهِ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَعْرَى: كَانَتْ قُرَيْشٌ بَيْضَةً فَتَفَقّأَتْ ... فَالْمُحّ خَالِصُهُ لِعَبْدِ مَنَافِ الْخَالِطِينَ فَقِيرَهُمْ بغنيّهم ... والظاعنين لِرِحْلَةِ الْأَضْيَافِ وَالرّائِشِينَ وَلَيْسَ يُوجَدُ رَائِشٌ ... وَالْقَائِلِينَ: هَلُمّ لِلْأَضْيَافِ عَمْرُو الْعُلَا هَشَمَ الثّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... قَوْمٌ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ «2»

_ (1) الرفادة: شىء كانت تترافد به قريش فى الجاهلية، تخرج فيما بينها مالا تشترى به للحجاج طعاما وزبيبا. (2) نسبها اللسان والمرتضى فى أماليه 4/ 178 لمطرود بن كعب الخزاعى فى رثاء عبد المطلب، ونسبها العينى 4/ 140، وابن أبى الحديد 3/ 453 كما نسبها السهيلى إلى عبد الله بن الزبعرى، ولها فى أمالى القالى قصة تزعم أن رسول الله هو- . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . - وأبابكر كانا عند بنى شيبة، فمر بهما رجل، وهو يقول: يا أيها الرجل المحول رحله ... ألا نزلت بال عبد الدار هبلتك أمك لو نزلت برحلهم ... منعوك من عدم ومن إقتار وتزعم القصة أن الرسول «ص» نظر إلى أبى بكر، ثم قال: أهكذا قال الشاعر: قال: لا والذى بعثك بالحق، لكنه قال: يا أيها الرجل المحول رحله ... ألّا نزلت بال عبد مناف وهى قصة مصنوعة. والأبيات التى وردت فى أمالى المرتضى بعد البيت السابق: هبلتك أمّك لو نزلت عليهم ... ضمنوك من جوع ومن إقراف الاخذون العهد من آفاقها ... والراحلون لرحلة الإيلاف والمطعمون إذا الرياح تناوحت ... ورجال مكة مسنتون عجاف وفى هذا البيت إقواء، لأن القافية مكسورة، ولكنها فيه مرفوعة. وقد وردت له رواية أخرى كما فى الروض، وبعد هذا فى أمالى المرتضى: والمفضلون إذا المحول ترادفت ... والقائلون: هلمّ للأضياف والخالطون غنيهم بفقيرهم ... حتى يكون فقيرهم كالكافى وفى أمالى القالى: «منعوك من عدم ومن إقراف، وهو فى اللسان كما فى أمالى المرتضى. وفى اللسان أيضا: والمنعمين إذا النجوم تغيّرت ... والظاعنين لرحلة الإيلاف والمطعمون إذَا الرّيَاحُ تَنَاوَحَتْ ... حَتّى تَغِيبَ الشّمْسُ فِي الرّجاف وفى الصحاح رويت الشطرة الأولى من هذا البيت: «المطعمون اللحم كل عشية» وفى غيره: «ويكللون جفانهم بسديفهم» . ثم نسب المرتضى إلى ابن الزبعرى: عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف وهو الذى سن الرحيل لقومه ... رحل الشتاء ورحلة الأصياف وفى الروض: «فالمخ خالصه» بالخاء، والرواية الصحيحة «فالمح» بالحاء أما-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَانَ سَبَبَ مَدْحِ ابْنِ الزّبَعْرَى بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ، وَهُوَ سَهْمِيّ «1» لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ- فِيمَا ذَكَرَهُ ابن إسحق فِي رِوَايَةِ يُونُسَ- أَنّهُ كَانَ قَدْ هَجَا قُصَيّا بِشِعْرِ كَتَبَهُ فِي أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، أَوّلُهُ:

_ - خالصة فرويت: خالصها، وخالصة بالتاء. والمح أو المحة: صفرة البيض. وقال ابن سيدة: إنما يريدون فص البيضة. وقال ابن برى: من قال: خالصة بالتاء، فهو فى الأصل مصدر كالعافية. ومسنتون: أصابتهم سنة مجدبة. وفى سمط اللالى للبكرى: «والعرب تقول هو بيضة البلد» يمدحونه بذلك، وتقول للاخر: هو بيضة البلد يذمونه به، فالممدوح يراد به: البيضة التى يحتضنها الظليم، «ذكر النعام» ويصونها ويوقيها؛ لأن فيها فرخه. والمذموم يراد به البيضة المنبوذة بالعراء، المذرة التى لا حائط لها، ولا يدرى لها أب، وهى تريكة الظليم. قال الرمانى: إذا كانت النسبة إلى مثل المدينة والبصرة، فبيضة البلد مدح، وإن نسبت إلى البلاد التى أهلها أهل ضعة فبيضة البلد ذم» ص 549، والرجاف: البحر، أو يوم القيامة، وفى أمالى القالى زيادة: منهم على والنبى محمد ... القائلان: هلم للأضياف وأعتقد أنها زيادة شيعية. وقد قال البكرى: «وهذا بيت محدث ذكر أبو نصر أن جده صالحا أبا غالب ألحقه به» وأبو نصر هو: هارون بن موسى بن صالح تلميذ القالى، وأحد الذين استملوا النوادر عليه، وستأتى القصيدة فى السيرة. انظر مادة رجف فى اللسان، وص 541 ج 1 وما بعدها سمط اللالى للبكرى، بتعليق المحقق الميمنى، وص 241 ح 1 الأمالى للقالى، والتنبيه للبكرى، ص 178 ج 4 أمالى المرتضى. وفى الروض: لرحلة الأضياف، ولعلها الأصياف. وفيه أيضا: عمرو الغلا» بالغين، وهو خطأ صوابه: العلا ص 75، وهناك رواية: «عمرو الذى» كما فى الطبرى. (1) لأنه ابن الزبعرى بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ألهى قصيّا عن المحد الْأَسَاطِيرُ ... وَمِشْيَةٌ مِثْلُ مَا تَمْشِي الشّقَارِيرُ «1» فَاسْتَعْدَوْا عَلَيْهِ بَنِي سَهْمٍ، فَأَسْلَمُوهُ إلَيْهِمْ، فَضَرَبُوهُ وَحَلَقُوا شَعْرَهُ، وَرَبَطُوهُ إلَى صَخْرَةٍ بِالْحَجُونِ «2» ، فَاسْتَغَاثَ قَوْمَهُ فَلَمْ يُغِيثُوهُ، فَجَعَلَ يَمْدَحُ قُصَيّا وَيَسْتَرْضِيهِمْ، فَأَطْلَقَهُ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مِنْهُمْ، وَأَكْرَمُوهُ فَمَدَحَهُمْ بِهَذَا الشعر، وبأشعار كثيرة، ذكرها ابن إسحق فِي رِوَايَةِ يُونُسَ. عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَابْنُ ذِي يَزَنَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ نِكَاحَ هَاشِمٍ سَلْمَى بِنْتَ عَمْرٍو النّجّارِيّةَ وَوِلَادَتَهَا لَهُ عَبْدَ الْمُطّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ، وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْوِلَادَةِ قَالَ سَيْفُ بن ذى يزن

_ (1) وجدت فى اللسان: «شقر بضم الشىء وفتحها، مع فتح القاف: الديك ويقال: إن الناس أصبحوا يوما بمكة، وعلى باب الندوة مكتوب: ألهى قصيا عن المجد الأساطير ... ورشوة مثل ما ترشى السفاسير وأكلها اللحم بحتا لا خليط له ... وقولها: رحلت عير، أتت عير فأنكر الناس ذلك. وقالوا: ما قالها إلا ابن الزبعرى، وأجمع على ذلك رأيهم، فمشوا إلى بنى سهم- وكان مما تنكر قريش وتعاتب عليه أن يهجو بعضها بعضا- فقالوا لبنى سهم.. ثم تمضى القصة كما رواها السهيلى، إلى قوله: فربطوه إلى صخرة بالحجون. انظر ص 179 وما بعدها ج 4 أمالى المرتضى تعليق الشنقيطى ط 1325 هـ. وللسفافير معان عدة فهى: جمع سفسير بكسر السين الأولى والاخرة وسكون الفاء. وهو التابع أو الذى يقوم على الناقة، أو الإبل ليصلح من شأنها، والعبقرى والحاذق بصناعته والقهرمان، والسمسار، وهذه هى المقصودة هنا. (2) فى الأصل: الحجول وهو خطأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَوْ ابْنُهُ مَعْدِي كَرِبَ بْنُ سَيْفٍ مَلِكُ الْيَمَنِ «1» لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ حِينَ وَفَدَ عَلَيْهِ رَكْبٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَرْحَبًا بِابْنِ أُخْتِنَا، لِأَنّ سَلْمَى مِنْ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ مِنْ سَبَأٍ، وَسَيْفٌ مِنْ حِمْيَرَ بْنِ سَبَأٍ، ثُمّ قَالَ لَهُ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، وَنَاقَةً وَرَحْلًا، وَمُلْكًا سِبَحْلًا، يُعْطِي عَطَاءً جَزْلًا «2» . ثُمّ بَشّرَهُ بِالنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنّهُ مِنْ وَلَدِهِ «3» ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ: مِثْلُك أَيّهَا الْمَلِكُ سِرّ وَبِرّ، ثُمّ أَجْزَلَ الْمَلِكُ حِبَاءَهُ، وَفَضّلَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَانْصَرَفَ مَغْبُوطًا عَلَى مَا أَعْطَاهُ الْمَلِكُ، فَقَالَ: وَاَللهِ لَمَا بَشّرَنِي بِهِ أَحَبّ إلَيّ مِنْ كُلّ مَا أَعْطَانِي. فِي خَبَرٍ فِيهِ طُولٌ. نَسَبُ أُحَيْحَةَ: وَذَكَرَ نَسَبَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجِلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ بْنِ جَحْجَبِيّ «4» ،

_ (1) فى الطبرى عن سيفان بن معد يكرب: من الناس من يقول: إنه سيف بن ذى يزن. ص 153 ج 2. (2) نسب القالى فى أماليه هذا إلى عبد المطلب، وهو خطأ صوبه البكرى فى التنبيه ص 114. فهو- كما ذكر السهيلى- قول سيف لعبد المطلب وسبحل: بكسر ففتح فسكون، أو سبحلل مثل: سفرجل، وسحبل بفتح السين وإسكان الحاء المتقدمة على الباء: الضخم. وروى ملكا ربحلاء بكسر الراء وفتح الباء وسكون الحاء، وهى مثل: سبحل فى المعنى. والربحلة: العظيمة الجيدة الخلق- بفتح الخاء- فى طول. ويريد هنا: ملكا عظيما. وبعد «جزلا» قول سيف: «قد سمعنا مقالتكم، وعرفنا قرابتكم، فلكم الكرامة ما أقمتم، والحباء إذا رجعتم» انظر ج 2 ص 218 الأمالى ط 2 والتنبيه للبكرى ص 114. (3) هذا من الغلو الذى لا يحتاج إليه مقام النبى «ص» الذى لم يكن يعرف هو «ص» ولا أحد من أهله أنه هو النبى المبشر به فى كتب أهل الكتاب. (4) فى الروض: جمحي، والتصويب من كتب النسب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ الْحَرِيسُ يَعْنِي. بِالسّينِ المهملة- وقال الدّار قطنى عَنْ الزّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: إنّ كُلّ مَا فِي الْأَنْصَارِ فَهُوَ: حَرِيسٌ بِالسّينِ غَيْرَ مُعْجَمَةٍ إلّا هَذَا، وَوَجَدْت فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ أَبِي بَحْرٍ- رَحِمَهُ اللهُ- صَوَابَ هَذَا الِاسْمِ يَعْنِي فِي نَسَبِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بْنِ الحريش بالشين المعجمة على لفظ الحريش ابن كَعْبٍ الْبَطْنِ الّذِي فِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ «1» فَصْلٌ: وَأَنْشَدَ لِمَطْرُودِ بْنِ كَعْبٍ: يَا لَيْلَةً هَيّجْت لَيْلَاتِي ... إحْدَى لَيَالِيّ الْقَسِيّاتِ أَيْ: أَنْتِ إحْدَى لَيَالِيّ الْقَسِيّاتِ. فَعِيلَاتٌ مِنْ الْقَسْوَةِ، أَيْ: لالين عِنْدَهُنّ، وَلَا رَأْفَةَ فِيهِنّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ مِنْ الدّرْهَمِ الْقَسِيّ، وَهُوَ الزّائِفُ، وَقَدْ قِيلَ فِي الدّرْهَمِ الْقَسِيّ: إنّهُ أَعْجَمِيّ مُعَرّبٌ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ الْقَسَاوَةِ لِأَنّ الدّرْهَمَ الطّيّبَ أَلْيَنُ مِنْ الزّائِفِ «2» ، وَالزّائِفُ أَصْلَبُ مِنْهُ. وَنَصَبَ لَيْلَةً عَلَى التّمْيِيزِ كَذَلِكَ، قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قول الصّلتان «3» العبدىّ.

_ (1) فى الاشتقاق: الحريش بالشين بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صعصعة. (2) فى اللسان: عام قسى- بفتح فكسر مع تضعيف الياء- شديد ذو قحط لا مطر فيه، وعشية قسية: باردة. والقسية: الشديدة، ويوم قسىّ مثال شقى: شديد من حرب أو شر. ودرهم قسىّ: جمع قسيان مثل صبى: وقيل درهم قسى: ضرب من الزيف، أى فضة صلبة رديئة ليست بلينة، وكل هذا يؤكد أنه استعمال عربى. (3) الصلتان: لقب، وأصل الصلتان: النشيط الحديد الفؤاد من الخيل، أو المضاء فى الأمور، وهو: قثم بن خبيئة- كما نقل ابن قتيبة- أو خبية، وقال الامدى عن أبى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله

_ - عبيدة: قثم بن خثيم، وهو أحد بنى محارب بن عمرو بن وديعة بن لكيز ابن أفصى بن عبد القيس. والبيت من قصيدة أوردها المبرد فى كتابه الاعتنان، والقالى فى أماليه، وابن قتيبة فى كتاب الشعراء، وتتمة البيت: جرير، ولكن فى كليب تواضع وقد نظم الصلتان هذه القصيدة- وعدتها ثلاثة وعشرون- حينما جعلوا إليه الحكم بين الفرزدق وجرير، أيهما أشعر، وأولها: أنا الصّلتانىّ الذى قد علمتم ... متى ما يحكم فهو بالحق صادع وفى الأمالى: «فيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله» ص 142 ج 2 الأمالى ومن القصيدة: أرى الخطفى بذ الفرزدق شعره ... ولكن خيرا من كليب مجاشع فيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله ... جرير، ولكن فى كليب تواضع فرضى الفرزدق حين شرفه عليه، وقومه على قومه، وقال: إنما الشعر مروءة، من لا مروءة له، وهو أخس حظ الشريف، وأما جرير، فغضب من المنزلة التى أنزله إياها فهجاه. والبيت المذكور فى اللسان ص 208 ج 2، وانظر ص 29 ج 2 خزانة الأدب ط دار العصور، وإليك بعض ما قيل فيه: قال الأعلم الشاهد فيه على مذهب الخليل وسيبويه: نصب شاعرا بإضمار فعل على معنى الاختصاص والتعجب، والمنادى محذوف، والمعنى: يا هؤلاء أو يا قوم، عليكم شاعرا، أو حسبكم به شاعرا، وقال النحاس: كأنه قال: يا قائل الشعر عليك شاعرا، وإنما امتنع عنده أن يكون منادى، لأنه نكرة يدخل فيه كل شاعر بالحضرة، وهو إنما قصد شاعرا بعينه، وهو جرير، وكان ينبغى أن يبنيه على الضم على ما يجرى عليه المخصوص بالنداء. أما أحمد بن يحيى، فذكر أن شاعرا منصوب بالنداء وفيه معنى التعجب، وقال: إن العرب تنادى بالمدح والذم، وتنصب بالنداء، فيقولون: يا رجلا لم أر مثله، وكذا يا طيبتك من ليلة، وكذا شاعرا، وفى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَلِكَ أَنّ فِي الْكَلَامِ مَعْنَى التّعَجّبِ. وَقَوْلُهُ: وَمَيْتٌ بِغَزّاتِ. هِيَ: غَزّةُ، وَلَكِنّهُمْ يَجْعَلُونَ لِكُلّ نَاحِيَةٍ أَوْ لِكُلّ رَبَضٍ «1» مِنْ الْبَلْدَةِ اسْمَ الْبَلْدَةِ، فَيَقُولُونَ: غَزّاتٍ فِي غَزّةَ، وَيَقُولُونَ فِي بَغْدَانَ: بَغَادِينَ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَدّثِينَ: شَرِبْنَا فِي بَغَادِينَ ... عَلَى تِلْكَ الْمَيَادِينِ وَلِهَذَا نَظَائِرُ سَتَمُرّ فِي الْكِتَابِ- إنْ شَاءَ اللهُ- وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: حُكْمُهُمْ لِلْبَعْضِ بِحُكْمِ الْكُلّ، كَمَا سمّوه باسمه، نحو قولهم: شرقت صدر

_ - الخزانة أيضا: أن المنادى محذوف، وأن شاعرا ليس بمنادى، لأنه مقصود إلى واحد بعينه، والمحذوف يجوز أن يكون هو الشاعر، ويجوز أن يكون غيره، فكأنه قال لمن بحضرته: يا هذا حسبك به شاعرا على المدح والتعجب منه، ثم بين أنه جرير، ويشبه هذا الإضمار بقولهم: نعم رجلا زيد، ويجوز أن يكون حسبك به على شريطة التفسير، وبه فى موضع اسم مرفوع لابد منه، ويجوز أن يكون الهاء للشاعر الذى جرى ذكره، ثم وكده بقوله: جرير، أى: هو جرير. وتقدير الخليل ويونس: يا قائل الشعر، على أن قائل الشعر غير الشاعر المذكور، كأنه قال: يا شعراء عليكم شاعرا لا شاعر اليوم مثله، أى حسبكم به شاعرا، فهذا ظاهر كلام سيبويه. ويجوز أن يكون يا قائل الشعر المحذوف هو الشاعر المذكور، وينتصب شاعرا على الحال، ولا شاعر اليوم فى موضع النعت، واحتاج إلى إضمار قائل الشعر ونحوه، حتى يكون المنادى معرفة، كأنه قال: يا قائل الشعر فى حال ما هو شاعر لا شاعر مثله. (1) ربض المدينة: ما حولها. وفى الروض «ميت بغزات» ولكن فى السيرة «ميت بين غزات» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْقَنَاةِ مِنْ الدّمِ، وَذَهَبَتْ بَعْضُ أَصَابِعِهِ «1» ، وَتَوَاضَعَتْ سُوَرُ الْمَدِينَةِ. وَقَدْ تَرَكّبَتْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مسئلة مِنْ الْفِقْهِ: قَالَ الْفُقَهَاءُ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ: مَنْ حَلَفَ أَلّا يَأْكُلَ هَذَا الرّغِيفَ، فَأَكَلَ بَعْضَهُ، فَقَدْ حَنِثَ، فَحَكَمُوا لِلْبَعْضِ بِحُكْمِ الْكُلّ، وَأَطْلَقُوا عَلَيْهِ اسْمَهُ. وَفِيهِ: إنّ الْمُغِيرَاتِ وَأَبْنَاءَهَا ... مِنْ خَيْرِ أَحْيَاءٍ وَأَمْوَاتِ «2» فَالْمُغِيرَاتُ: بَنُو الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ عَبْدُ مَنَافٍ، كَمَا قَالُوا: الْمَنَاذِرَةُ فِي بَنِي الْمُنْذِرِ، وَالْأَشْعَرُونَ فِي بَنِي أَشْعَرَ بْنِ أُدَدَ، كَمَا قَالَ عَلِيّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ فِي ابْنِ الزّبَيْرِ: آثَرَ عَلَيّ الْحُمَيْدَاتِ وَالتّوَيْتَاتِ وَالْأُسَامَاتِ، يَعْنِي: بَنِي حُمَيْدٍ، وَبَنِيّ تُوَيْتٍ، وَبَنِيّ أُسَامَةَ، وَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عبد العزّى «3» .

_ (1) يقول الأعشى: ونشرق بالقول الذى قد أذعته ... كما شرقت صدر القناة من الدم وأصل الصدر مذكر، وأنث هنا، إما لأنه أراد القناة، أو لأن صدر القناة قناة، أو لأن صدر القناة منها كقولهم: ذهبت بعض أصابعه، لأنهم يونئون الاسم المضاف إلى المؤنث «اللسان» ونص تعبير سيبويه فى الكتاب: «وربما قالوا فى بعض الكلام: «ذهبت بعض أصابعه، وإنما أنث البعض، لأنه أضافه إلى مؤنث هو منه، ولو لم يكن منه لم يؤنثه: لأنه لو قال: ذهبت عبد أمك لم يحسن» ثم استشهد ببيت الأعشى، ثم قال: «لأن صدر القناة من مؤنث، ومثله قول جرير «فى ص 25 ج 1 من كتاب سيبويه» إذا بعض السنين تعرقتنا ... كفى الأيتام فقد أبى اليتيم (2) فى الروض: «وأبناؤها» والصواب ما أثبته من السيرة. (3) هم حميد بن أسامة بن زهير بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بن قصى وتويت بن حبيب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وأسامة بن زهير بن الحارث-

وَكَانَ اسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ: الْمُغِيرَةَ، وَكَانَ أَوّلَ بنى عبد مناف هلكا: هاشم، بغزّة مِنْ أَرْضِ الشّامِ، ثُمّ عَبْدَ شَمْسٍ بِمَكّةَ، ثُمّ الْمُطّلِبَ بِرَدْمَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، ثُمّ نَوْفَلًا بِسَلْمَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ. فَقِيلَ لِمَطْرُودِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ-: لَقَدْ قُلْتَ فَأَحْسَنْت، وَلَوْ كَانَ أَفْحَلَ مِمّا قُلْتَ كَانَ أَحْسَنَ، فَقَالَ: أَنْظِرْنِي ليالى: فمكث أياما، ثم قال: يا عين جودى، وَأَذْرِي الدّمْعَ وَانْهَمِرِي ... وَابْكِي عَلَى السّرّ مِنْ كَعْبِ الْمُغِيرَاتِ يَا عَيْنُ، وَاسْحَنْفِرِي بِالدّمْعِ وَاحْتَفِلِي ... وَابْكِي خَبِيئَةَ نَفْسِي فِي الْمُلِمّاتِ وَابْكِي عَلَى كلّ فيّاض أخى ثقة ... ضخم الدّسية وَهّابِ الْجَزِيلَاتِ مَحْضِ الضّرِيبَةِ، عَالِي الْهَمّ، مُخْتَلِقٌ ... جَلْدِ النّحِيزَةِ، نَاءٍ بِالْعَظِيمَاتِ صَعْبِ الْبَدِيهَةِ لَا نِكْسٍ وَلَا وَكِلٍ ... مَاضِي الْعَزِيمَةِ، مِتْلَافِ الْكَرِيمَاتِ صَقْرٍ تَوَسّطَ مِنْ كَعْبٍ إذَا نُسِبُوا ... بُحْبُوحَةَ الْمَجْدِ وَالشّمّ الرّفِيعَاتِ ثُمّ اُنْدُبِي الْفَيْضَ وَالْفَيّاضَ مطّلبا ... واستخرطى بعد فيضات بجمّات ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهِ «شَرْقِيّ الْبَنِيّاتِ» يَعْنِي: الْبَنِيّةَ، وَهِيَ: الْكَعْبَةُ، وهو نحو مما تقدم فى غزّات.

_ - بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ. والأشعرون فى اللسان: نسبة إلى أشعر بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وتقول العرب: جاء بك الأشعرون بحذف ياء النسب.

أَمْسَى بِرَدْمَانَ عَنّا الْيَوْمَ مُغْتَرِبًا ... يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَيْهِ بَيْنَ أَمْوَاتِ وَابْكِي- لَك الْوَيْلُ- إمّا كُنْت بَاكِيَةً ... لِعَبْدِ شَمْسٍ بِشَرْقِيّ الْبُنَيّاتِ وَهَاشِمٍ فِي ضَرِيحٍ وَسْطَ بَلْقَعَةٍ ... تَسْفَى الرّيَاحُ عَلَيْهِ بَيْنَ غَزّاتِ وَنَوْفَلٌ كَانَ دُونَ الْقَوْمِ خَالِصَتِي ... أَمْسَى بِسَلْمَانَ فِي رَمْسٍ بِمَوْمَاةِ لَمْ أَلْقَ مِثْلَهُمْ عُجْمًا وَلَا عَرَبًا ... إذَا اسْتَقَلّتْ بِهِمْ أُدْمُ الْمَطِيّاتِ أَمْسَتْ دِيَارُهُمْ مِنْهُمْ مُعَطّلَةً ... وَقَدْ يَكُونُونَ زَيْنًا فِي السّرِيّاتِ أَفْنَاهُمْ الدّهْرُ، أَمْ كَلّتْ سُيُوفُهُمْ ... أَمْ كُلّ مَنْ عَاشٍ أَزْوَادُ الْمَنِيّاتِ أَصْبَحْتُ أَرْضَى مِنْ الْأَقْوَامِ بَعْدَهُمْ ... بَسْطَ الْوُجُوهِ وَإِلْقَاءَ التّحِيّاتِ يَا عَيْنُ فَابْكِي أَبَا الشّعْثِ الشّجِيّاتِ ... يَبْكِينَهُ حُسّرًا مِثْلَ الْبَلِيّاتِ يَبْكِينَ أَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمٍ ... يُعْوِلْنَهُ بِدُمُوعٍ بَعْدَ عَبَرَاتِ يَبْكِينَ شَخْصًا طَوِيلَ الْبَاعِ ذَا فَجَرٍ ... آبِي الْهَضِيمَةِ، فَرّاجِ الْجَلِيلَاتِ يَبْكِينَ عَمْرَو الْعُلَا إذْ حَانَ مَصْرَعُهُ ... سَمْحَ السّجِيّةِ، بَسّامَ الْعَشِيّاتِ يَبْكِينَهُ مُسْتَكِينَاتٍ عَلَى حَزَنٍ ... يَا طُولَ ذَلِكَ مِنْ حُزْنٍ وَعَوْلَاتٍ يَبْكِينَ لَمّا جَلّاهُنّ الزّمَانُ لَهُ ... خُضْرُ الْخُدُودِ كَأَمْثَالِ الْحَمِيّاتِ مُحْتَزِمَاتٍ عَلَى أَوْسَاطِهِنّ لِمَا ... جَرّ الزّمَانُ مِنْ أَحْدَاثِ الْمُصِيبَاتِ أَبِيتُ لَيْلِي أُرَاعِي النّجْمَ مِنْ أَلَمٍ ... أَبْكِي، وَتَبْكِي مَعِي شَجْوِي بُنَيّاتِي مَا فِي الْقُرُومِ لَهُمْ عِدْلٌ وَلَا خَطَرٌ ... وَلَا لِمَنْ تَرَكُوا شَرْوَى بَقِيّاتِ أَبْنَاؤُهُمْ خَيْرُ أَبْنَاءٍ، وَأَنْفُسُهُمْ ... خَيْرُ النّفُوسِ لَدَى جَهْدِ الْأَلِيّاتِ كَمْ وَهَبُوا مِنْ طِمِرّ سَابِحٍ أَرِنٍ ... وَمِنْ طِمِرّةٍ نَهْبٍ فِي طِمِرّاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر حفر زمزم وما جرى من الخلف فيها

وَمِنْ سُيُوفٍ مِنْ الْهِنْدِيّ مُخْلَصَةٍ ... وَمِنْ رِمَاحٍ كَأَشْطَانِ الرّكِيّاتِ وَمِنْ تَوَابِعِ مِمّا يُفْضِلُونَ بِهَا ... عِنْدَ الْمَسَائِلِ مِنْ بَذْلِ الْعَطِيّاتِ فَلَوْ حَسَبْت وَأَحْصَى الْحَاسِبُونَ مَعِي ... لَمْ أَقْضِ أَفَعَالَهُمْ تَلِك الْهَنِيّاتِ هُمْ الْمُدِلّونَ إمّا مَعْشَرٌ فَخَرّوا ... عِنْدَ الْفَخّارِ بِأَنْسَابٍ نَقِيّاتٍ زَيْنُ الْبُيُوتِ الّتِي خَلّوْا مَسَاكِنَهَا ... فَأَصْبَحَتْ مِنْهُمْ وَحْشًا خَلِيّاتٍ أَقُولُ وَالْعَيْنُ لَا تَرْقَا مَدَامِعُهَا ... : لَا يُبْعِدُ اللهُ أَصْحَابَ الرّزِيّاتِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفَجْرُ: الْعَطَاءُ. قَالَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ: عَجّفَ أَضْيَافِي جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ ... بِذِي فَجَرٍ تَأْوِي إلَيْهِ الْأَرَامِلُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَبُو الشّعْثِ الشّجِيّاتِ: هَاشِمُ بْنُ عبد مناف. قَالَ: ثُمّ وَلِيَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمِ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ بَعْدَ عَمّهِ الْمُطّلِبِ، فَأَقَامَهَا لِلنّاسِ، وَأَقَامَ لِقَوْمِهِ مَا كَانَ آبَاؤُهُ يُقِيمُونَ قَبْلَهُ لِقَوْمِهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَشَرُفَ فِي قَوْمِهِ شَرَفًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ، وَأَحَبّهُ قَوْمُهُ وَعَظُمَ خَطَرُهُ فِيهِمْ. [ذِكْرُ حَفْرِ زَمْزَمَ وَمَا جرى من الخلف فيها] ثُمّ إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ بَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إذْ أُتِيَ، فَأُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ. قال ابن إسحاق: وكان أوّل ما ابتدىء بِهِ عَبْدُ الْمُطّلِبِ مِنْ حَفْرِهَا، كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيّ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيّ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عبد الله بن زرير الْغَافِقِيّ: أَنّهُ سَمِعَ عَلَيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ يُحَدّثُ حَدِيثَ زَمْزَمَ حِينَ أُمِرَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بِحَفْرِهَا، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ: إنّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إذْ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ: احْفِرْ طَيْبَةَ. قَالَ: قُلْت: وَمَا طَيْبَةُ؟ قَالَ: ثُمّ ذَهَبَ عَنّي. فَلَمّا كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءنى فقال: احفر برّة. قال: فقلت: وَمَا بَرّةُ؟ قَالَ: ثُمّ ذَهَبَ عَنّي، فَلَمّا كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه، فجاءنى فقال: احفر المضنونة قال: ققلت: وَمَا الْمَضْنُونَةُ؟ قَالَ: ثُمّ ذَهَبَ عَنّي. فَلَمّا كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه، فَجَاءَنِي فَقَالَ: احْفِرْ زَمْزَمَ. قَالَ: قُلْت: وَمَا زَمْزَمُ؟ قَالَ لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمّ، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدّمِ، عِنْدَ نُقْرَةِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ، عِنْدَ قَرْيَةِ النّمْلِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا بُيّنَ لَهُ شَأْنُهَا، ودلّ على موضعها، وعرف أنه قد صُدّقَ، غَدَا بِمِعْوَلِهِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ بْنُ عبد المطلب، ليس له يومئذ ولد غيره فحفر فيها. فلما بَدَا لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ الطّيّ، كَبّرَ، فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنّهُ قَدْ أَدْرَكَ حَاجَتَهُ، فَقَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ، إنّهَا بِئْرُ أَبِينَا إسْمَاعِيلَ، وَإِنّ لَنَا فِيهَا حَقّا فَأَشْرِكْنَا مَعَك فِيهَا. قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ، إنّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ، وَأُعْطِيته مِنْ بَيْنِكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: فَأَنْصِفْنَا، فَإِنّا غَيْرُ تَارِكِيك حَتّى نُخَاصِمَك فِيهَا، قَالَ: فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أُحَاكِمُكُمْ إلَيْهِ، قَالُوا: كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدٍ هُذَيْمٌ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ الشّامِ، فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي أَبِيهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَرَكِبَ مِنْ كُلّ قَبِيلَةٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قُرَيْشٍ نَفَرٌ. قَالَ: وَالْأَرْضُ إذْ ذَاكَ مَفَاوِزُ. قال: فحرجوا حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ تِلْكَ الْمَفَاوِزِ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشّامِ، فَنِيَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَأَصْحَابِهِ، فَظَمِئُوا حَتّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، فَاسْتَسْقَوْا مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: إنّا بِمَفَازَةٍ، وَنَحْنُ نَخْشَى عَلَى أَنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ، فَلَمّا رَأَى عَبْدُ الْمُطّلِبِ مَا صَنَعَ الْقَوْمُ، وَمَا يَتَخَوّفُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: مَا رَأْيُنَا إلّا تَبَعٌ لِرَأْيِك، فَمُرْنَا بِمَا شِئْت، قَالَ: فَإِنّي أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلّ رَجُلٍ مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ لِنَفْسِهِ بِمَا بِكُمْ الْآنَ مِنْ الْقُوّةِ- فَكُلّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمّ وَارَوْهُ- حَتّى يَكُونَ آخِرُكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا، فَضَيْعَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ مِنْ ضَيْعَةِ رَكْبٍ جَمِيعًا، قَالُوا: نِعْمَ مَا أَمَرْتَ بِهِ. فَقَامَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَحَفَرَ حُفْرَتَهُ، ثُمّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ عَطَشًا، ثُمّ إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: وَاَللهِ إنّ إلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ، لَا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا نَبْتَغِي لِأَنْفُسِنَا، لَعَجْزٌ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْزُقَنَا مَاءً بِبَعْضِ الْبِلَادِ، ارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلُوا حَتّى إذَا فَرَغُوا، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ مَا هُمْ اعلون، تَقَدّمَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ إلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا. فَلَمّا انْبَعَثَتْ بِهِ، انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفّهَا عَيْنُ ماء عذب، فكبر عَبْدُ الْمُطّلِبِ، وَكَبّرَ أَصْحَابُهُ، ثُمّ نَزَلَ فَشَرِبَ، وَشَرِبَ أَصْحَابُهُ، وَاسْتَقَوْا حَتّى مَلِئُوا أَسْقِيَتَهُمْ، ثُمّ دَعَا الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: هَلُمّ إلَى الماء، فقد سقانا الله، فاشربوا استقوا، فجاؤا، فَشَرِبُوا وَاسْتَقَوْا. ثُمّ قَالُوا: قَدْ- وَاَللهِ- قُضِيَ لَك عَلَيْنَا يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ، وَاَللهِ لَا نُخَاصِمُك فِي زَمْزَمَ أَبَدًا، إنّ الّذِي سَقَاك هَذَا الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلَاةِ لَهُوَ الّذِي سَقَاك زَمْزَمَ، فَارْجِعْ إلَى سِقَايَتِك رَاشِدًا. فَرَجَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَرَجَعُوا مَعَهُ، وَلَمْ يَصِلُوا إلَى الْكَاهِنَةِ وَخَلّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا الّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي زَمْزَمَ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يُحَدّثُ عَنْ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَنّهُ قِيلَ لَهُ حِينَ أُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ: ثُمّ اُدْعُ بِالْمَاءِ الرّوَى غَيْرِ الْكَدِرْ ... يَسْقِي حَجِيجَ اللهِ فِي كُلّ مَبَرّ لَيْسَ يُخَافُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا عَمَرْ فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: تَعَلّمُوا أَنّي قَدْ أُمِرْت أَنْ أَحْفِرَ لَكُمْ زَمْزَمَ، فَقَالُوا: فَهَلْ بُيّنَ لَك أَيْنَ هِيَ؟ قَالَ: لَا. قَالُوا فَارْجِعْ إلَى مَضْجَعِك الّذِي رَأَيْتَ فِيهِ مَا رَأَيْتَ، فَإِنْ يَكُ حَقّا مِنْ اللهِ يُبَيّنُ لَك، وَإِنْ يَكُ مِنْ الشّيْطَانِ فَلَنْ يَعُودَ إلَيْك. فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ إلَى مَضْجَعِهِ، فَنَامَ فِيهِ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ زَمْزَمَ، إنّك إنْ حَفَرْتهَا لَمْ تَنْدَمْ، وَهِيَ تُرَاثٌ مِنْ أَبِيك الْأَعْظَمِ، لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تذمّ، تسقى الحجيج الأعظم، مثل نعام جافل لَمْ يُقْسَمْ، يَنْذِرُ فِيهَا نَاذِرٌ لِمُنْعِمٍ، تَكُونُ مِيرَاثًا وَعَقْدًا مُحْكَمٍ، لَيْسَتْ كَبَعْضِ مَا قَدْ تَعْلَمُ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدّمِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْكَلَامُ، وَالْكَلَامُ الّذِي قَبْلَهُ، مِنْ حديث علىّ فى حفر زَمْزَمَ مِنْ قَوْلِهِ: «لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمّ» إلَى قَوْلِهِ: «عِنْدَ قَرْيَةِ النّمْلِ» عِنْدَنَا سَجْعٌ وَلَيْسَ شِعْرًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنّهُ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ: وَأَيْنَ هِيَ؟ قِيلَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عِنْدَ قَرْيَةِ النّمْلِ، حَيْثُ يُنْقَرُ الْغُرَابُ غَدًا. والله أعلم أىّ ذلك كان. فغدا عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرَهُ، فَوَجَدَ قَرْيَةَ النّمْلِ، وَوَجَدَ الْغُرَابَ يَنْقُرُ عِنْدَهَا بَيْنَ الْوَثَنَيْنِ: إسَافٍ وَنَائِلَةٍ، اللّذَيْنِ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْحَرُ عِنْدَهُمَا ذَبَائِحَهَا. فَجَاءَ بِالْمِعْوَلِ وَقَامَ لِيَحْفِرَ حَيْثُ أُمِرَ، فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ حِينَ رَأَوْا جِدّهُ، فَقَالُوا: وَاَللهِ لَا نَتْرُكُك تَحْفِرُ بَيْنَ وَثَنَيْنَا هَذَيْنِ اللّذَيْنِ نَنْحَرُ عِنْدَهُمَا، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ لِابْنِهِ الْحَارِثِ: ذُدْ عنى حتى أحفر، فو الله لَأَمْضِيَن لِمَا أُمِرْت بِهِ. فَلَمّا عَرَفُوا أَنّهُ غَيْرُ نَازِعٍ خَلّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَفْرِ، وَكَفّوا عَنْهُ، فَلَمْ يَحْفِرْ إلّا يَسِيرًا، حَتّى بَدَا له الطّىّ، فكبّر وعرف أَنّهُ قَدْ صُدِقَ فَلَمّا تَمَادَى بِهِ الْحَفْرُ وَجَدَ فِيهَا غَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُمَا الْغَزَالَانِ اللّذَانِ دَفَنَتْ جُرْهُمٌ فِيهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ مَكّةَ، وَوَجَدَ فِيهَا أَسْيَافًا قَلْعِيّةً وَأَدْرَاعًا فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ، لَنَا مَعَك فِي هَذَا شِرْكٌ وَحَقّ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ هلمّ إلى أمر نصف ببنى وَبَيْنَكُمْ، نَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ، قَالُوا: وَكَيْفَ تَصْنَعُ؟ قال: أجعل للكعبة قدحين، ولى قدحين، ولكم قدحين، فمن خَرَجَ لَهُ قِدْحَاهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ لَهُ، وَمَنْ تَخَلّفَ قِدْحَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالُوا: أنصفت، فجعل قدحين أصفرين للكعبة، وقد حين أَسْوَدَيْنِ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَقِدْحَيْنِ أَبْيَضَيْنِ لِقُرَيْشِ، ثُمّ أعطوا صَاحِبَ الْقِدَاحِ الّذِي يَضْرِبُ بِهَا عِنْدَ هُبَلَ- وَهُبَلُ: صَنَمٌ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ أَعْظَمُ أَصْنَامِهِمْ، وَهُوَ الّذِي يَعْنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ قَالَ: أُعْلِ هُبَلُ أَيْ: أَظْهِرْ دِينَك- وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ عَزّ وَجَلّ، فَضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ، فَخَرَجَ الْأَصْفَرَانِ عَلَى الْغَزَالَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر بئار قبائل قريش بمكة

لِلْكَعْبَةِ، وَخَرَجَ الْأَسْوَدَانِ عَلَى الْأَسْيَافِ، وَالْأَدْرَاعُ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَتَخَلّفَ قِدْحَا قُرَيْشٍ. فَضَرَبَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ الْأَسْيَافَ بَابًا لِلْكَعْبَةِ، وَضَرَبَ فِي الْبَابِ الْغَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ أَوّلَ ذَهَبٍ حَلِيَتْهُ الْكَعْبَةُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- ثُمّ إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ أَقَامَ سِقَايَةَ زَمْزَمَ لِلْحُجّاجِ. [ذِكْرُ بِئَارِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بمكة] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَبْلَ حَفْرِ زَمْزَمَ قَدْ احْتَفَرَتْ بِئَارًا بِمَكّةَ، فِيمَا حَدّثَنَا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق، قال: حفر عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ الطّوِيّ، وهي الْبِئْرُ الّتِي بِأَعْلَى مَكّةَ عِنْدَ الْبَيْضَاءِ، دَارُ محمّد بن يوسف. وَحَفَرَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بَذّرَ، وَهِيَ الْبِئْرُ الّتِي عِنْدَ الْمُسْتَنْذَرِ، خَطْمُ الْخَنْدَمَةِ عَلَى فَمِ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَعَمُوا أَنّهُ قَالَ حِينَ حَفَرَهَا: لَأَجْعَلَنّهَا بَلَاغًا لِلنّاسِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الشّاعِرُ. سَقَى اللهُ أَمْوَاهًا عَرَفْتُ مكانها ... جرابا وملكوما وبذّر والغمرا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَفَرَ سَجْلَةَ، وَهِيَ بِئْرُ المطعم بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الّتِي يَسْقُونَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ. وَيَزْعُمُ بَنُو نَوْفَلٍ أَنّ الْمُطْعِمَ ابْتَاعَهَا مِنْ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ، وَيَزْعُمُ بَنُو هَاشِمٍ أَنّهُ وَهَبَهَا لَهُ حِينَ ظَهَرَتْ زَمْزَمُ، فَاسْتَغْنَوْا بِهَا عَنْ تِلْكَ الابار. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَحَفَرَ أُمَيّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ الْحَفْرَ لِنَفْسِهِ، وَحَفَرَتْ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: سُقَيّةَ، وهى بئر بنى أسد. وحفرت بنو عبد الدار: أمّ أحراد. وَحَفَرَتْ بَنُو جُمَحَ: السّنْبُلَةَ، وَهِيَ بِئْرُ خَلَفِ بن وهب. وَحَفَرَتْ بَنُو سَهْمٍ: الْغِمْرَ، وَهِيَ بِئْرُ بَنِي سهم، وَكَانَتْ آبَارُ حَفَائِرَ خَارِجًا مِنْ مَكّةَ قَدِيمَةً مِنْ عَهْدِ مُرّةَ بْنِ كَعْبٍ، وَكِلَابِ بْنِ مرّة، وكبراء قُرَيْشٍ الْأَوَائِلِ مِنْهَا يَشْرَبُونَ، وَهِيَ رُمّ، وَرُمّ: بِئْرُ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. وَخُمّ، وَخُمّ. بِئْرُ بَنِي كِلَابِ بْنِ مُرّةَ، وَالْحَفْرُ. قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ أَبُو أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ: وَقِدْمَا غنينا قبل ذلك حقبة ... ولا نستقي إلا بِخُمّ أَوْ الْحَفْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ الله فى موضعها. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَعَفّتْ زَمْزَمُ عَلَى الْبِئَارِ الّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا يَسْقِي عَلَيْهَا الْحَاجّ وَانْصَرَفَ النّاسُ إلَيْهَا لِمَكَانِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ وَلِفَضْلِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنْ الْمِيَاهِ؛ وَلِأَنّهَا بِئْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ، وَافْتَخَرَتْ بِهَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى قُرَيْشٍ كُلّهَا، وَعَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ، فَقَالَ مُسَافِرُ بْنُ أَبِي عَمْرِو ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وَهُوَ يَفْخَرُ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَا وُلّوا عَلَيْهِمْ من السّقاية والرّفادة، وما أقاموا لِلنّاسِ مِنْ ذَلِكَ، وَبِزَمْزَمَ حِينَ ظَهَرَتْ لَهُمْ، وَإِنّمَا كَانَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ، شَرَفُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ شَرَفٌ، وَفَضْلُ بَعْضِهِمْ لبعض فضل. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَرِثْنَا الْمَجْدَ مِنْ آبَا ... ئِنَا فَنَمَى بِنَا صُعُدَا أَلَمْ نَسْقِ الْحَجِيجَ وَنَنْحَرُ ... الدّلّافَةَ الرّفُدَا ونلغى عِنْدَ تَصْرِيفِ الْمَنَايَا ... شُدّدًا رُفُدَا فَإِنْ نَهْلِكْ، فَلَمْ نُمْلَكْ ... وَمَنْ ذَا خَالِدٌ أَبَدَا وَزَمْزَمُ فى أرومتنا ... ونفقأ عين من جسد قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غانم أخو بنى عدىّ بن كعب ابن لؤىّ. وساقى الحجيج، ثم للخبز هاشم ... وعبد مناف ذلك السيد الفهري طوى زَمزَما عِنْدَ الْمَقَامِ، فَأَصْبَحَتْ ... سِقَايَتُهُ فَخْرًا عَلَى كُلّ ذِي فَخْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي عَبْدَ الْمُطّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ. وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِحُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إن شاء الله تعالى. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَنْشَدَ لَهُ فِي الْقَصِيدَةِ التّاوِيّةِ: مَحْضِ الضّرِيبَةِ، عَالِي الْهَمّ مُخْتَلَقٍ: أَيْ عَظِيمِ الْخَلْقِ: جَلْدِ النّحِيزَةِ نَاءٍ بِالْعَظِيمَاتِ. لَيْسَ قَوْلُهُ: نَاءٍ مِنْ النّأْيِ، فَتَكُونَ الْهَمْزَةُ فِيهِ عَيْنَ الْفِعْلِ، وَإِنّمَا هُوَ مِنْ نَاءَ يَنُوءُ إذَا نَهَضَ «1» فَالْهَمْزَةُ فِيهِ لَامُ الْفِعْلِ، كَمَا هُوَ فِي جَاءَ عِنْدَ الْخَلِيلِ، فَإِنّهُ عِنْدَهُ مَقْلُوبٌ، وَوَزْنُهُ: فَالِعٌ، وَالْيَاءُ الّتِي بَعْدَ الْهَمْزَةِ هِيَ: عَيْنُ الْفِعْلِ فى جاء يجىء.

_ (1) ناء بالحمل نهض به مثقلا، وناء به الحمل إذا أثقله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهِ الشّعْثُ الشّجِيّاتُ. فَشَدّدَ يَاءَ الشّجِيّ، وَإِنْ كَانَ أَهْلَ اللّغَةِ قَدْ قَالُوا: يَاءُ الشّجِي مُخَفّفَةٌ، وَيَاءُ الْخَلِيّ مُشَدّدَةٌ، وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ قُتَيْبَةَ عَلَى أَبِي تَمّامٍ الطّائِيّ فِي قَوْلِهِ: أياويح الشّجِيّ مِنْ الْخَلِيّ ... وَوَيْحَ الدّمْعِ مِنْ إحْدَى بَلِيّ وَاحْتَجّ بِقَوْلِ يَعْقُوبَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ له الطائى: ومن أفصح عندك: ابن الجر مقانيّة يَعْقُوبُ، أَمْ أَبُو الْأَسْوَدِ الدّؤَلِيّ حَيْثُ يَقُولُ؟!: وَيْلُ الشّجِيّ مِنْ الْخَلِيّ فَإِنّهُ ... وَصِبُ الْفُؤَادِ بِشَجْوِهِ مَغْمُومُ قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَبَيْتُ مَطْرُودٍ أَقْوَى فِي الْحُجّةِ مِنْ بَيْتِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدّؤَلِيّ، لِأَنّهُ جَاهِلِيّ مُحَكّكٌ، وَأَبُو الْأَسْوَدِ: أَوّلُ مَنْ صَنَعَ النّحْوَ، فَشِعْرُهُ قَرِيبٌ مِنْ التّوْلِيدِ، وَلَا يَمْتَنِعُ فِي الْقِيَاسِ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: شَجِيّ وَشَجٍ، لِأَنّهُ فِي مَعْنَى: حَزِنٌ وَحَزِينٌ، وَقَدْ قِيلَ: مَنْ شَدّدَ الْيَاءَ، فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مفعول «1» .

_ (1) رجل شج أى: حزين وامرأة شجية- بكسر الجيم وفتح الياء من دون تضعيف- وفى مثل للعرب: ويل للشجى من الخلى، دون تشديد ياء إحداهما، وقد تشدد ياء الشجىّ، والأول أعرف. وحكى الجوهرى عن المبرد أنه شدد ياء الخلى وخفف ياء الشجى. قال: وقد شدد فى الشعر: نام الخليّون عن ليل الشجيينا فإن جعلنا الشجىّ فعيلا من شجاه الحزن، فهو: مشجوّ وشجىّ بالتشديد لا غير، وحكى ابن برى أن الصواب هو التشديد فى ياء الشجى، وأما الشجى بالتخفيف فهو الذى أصابه الشجى، وهو الغصص، وأما الحزين فهو الشجىّ-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهِ بُعْدٌ قَوْلُهُ: أَبَا الشّعْثِ الشّجِيّاتِ. يَبْكِينَهُ حُسّرًا مِثْلَ الْبَلِيّاتِ. الْبَلِيّةُ: النّاقَةُ الّتِي كَانَتْ تُعْقَلُ عِنْدَ قَبْرِ صَاحِبِهَا إذَا مَاتَ، حَتّى تموت

_ - بتشديد الياء. قال: ولو كان المثل: ويل الشجى بتخفيف الياء، لكان ينبغى أن يقال: ويل الشجى من المسيغ؛ لأن الإساغة ضد الشجا، كما أن الفرح ضد الحزن ثم قال ابن برى: فلهذا ننظر إلى توجيهه من ناحية القياس- وقد ثبت من جهة السماع تشديد الياء- ثم قال: ووجهه أن يكون الشجى من شجوته أشجوه، فهو: مشجو وشجىّ، مثل: مجروح وجريح. وأما شج بالتخفيف فهو اسم الفاعل من شجى يشجى- بكسر الجيم فى الماضى وفتحها فى المضارع- فهو شج. وقال أبو زيد: الشجى: المشغول، والخلى: الفارغ، وقال ابن السكيت: الشجى مقصور والخلى ممدود، وفى الهذيب عن الشجى: أنه الذى شجى بعظم غصّ به حلقه، يقال: شجى يشجى شجى، فهو شج، وكذلك الذى شجى بالهم فلم يجد مخرجا منه.. قال الأزهرى: وهذا هو الكلام الفصيح.. ثم قال: فإن تجامل إنسان، ومد الشجى فله مخارج من جهة العربية تسوغ له مذهبه، وهو أن تجعل الشجى بمعنى المشجوّ. فعيلا من شجاه يشجوه، والوجه الثانى: أن العرب تمد فعلا بياء. فتقول: فلان قمن لكذا وقمين، وسمج وسميج، وفلان كر للنائم وكرى. وقيل: إن مذهب العرب توازن اللفظ كما وازنت الغدايا بالعشايا. وجمع الغداة غدوات. ومثل ما ساءه وناءه، والأصل أناء. وكذلك وازنوا: الشجى بتشديد الياء بالخلى. ومعناه: ويل للمهموم من الفارغ، وعن ثعلب فى الفصيح: ويل للشجى من الخلىّ بتشديد الياءين. وأنشد البيت الذى فى الروض. والشطرة الثانية من البيت «ويل الشجى» وردت مرة فى اللسان: «نصب الفؤاد لشجوه مغموم» ، وأخرى: «بحزنه مغموم» وانظر ص 373 أدب الكاتب وقول السهيلى: «وبيت مطرود أقوى» يعنى البيت الذى يشرحه: «يا عين فابكى أبا الشعث الشجيات» والجرمقانى- بضم الجيم وسكون الراء وضم الميم وفتح القاف وتضعيف الياء- واحد الجرامقة، وهم أنباط الشام، أو هم قوم بالموصل أصلهم من العجم «عن اللسان» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جَوْعًا وَعَطَشًا، وَيَقُولُونَ: إنّهُ يُحْشَرُ رَاكِبًا عَلَيْهَا، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَعَهُ هَذَا حُشِرَ رَاجِلًا، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَقُولُ بِالْبَعْثِ، وَهُمْ الْأَقَلّ، وَمِنْهُمْ زُهَيْرٌ، فَإِنّهُ قَالَ: يُؤَخّرْ فَيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدّخَرْ ... لِيَوْمِ الْحِسَابِ، أَوْ يُعَجّلْ فَيُنْقَمْ وَقَالَ الشّاعِرُ فِي الْبَلِيّةِ: والبلايا رؤسها فى الولايا ... ما نحات السّمُومِ حُرّ الْخُدُودِ «1» وَالْوَلَايَا: هِيَ الْبَرَاذِعُ، وَكَانُوا يَثْقُبُونَ الْبَرْذَعَةَ، فَيَجْعَلُونَهَا فِي عُنُقِ الْبَلِيّةِ، وَهِيَ مَعْقُولَةٌ، حَتّى تَمُوتَ، وَأَوْصَى رَجُلٌ ابْنَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِهَذَا: لَا تَتْرُكَنّ أَبَاك يُحْشَرُ مُرّةً ... عَدْوًا يَخِرّ عَلَى الْيَدَيْنِ، وَيَنْكُبُ فِي أَبْيَاتٍ ذكرها الخطابى. وقوله: قياما كالحميّات. أى: محترقات الْأَكْبَادِ كَالْبَقَرِ أَوْ الظّبَاءِ الّتِي حَمِيَتْ الْمَاءَ وَهِيَ عَاطِشَةٌ، فَحَمِيّةٌ بِمَعْنَى: مَحْمِيّةٍ، لَكِنّهَا جَاءَتْ بالتاء، لأنها أجريت

_ (1) البيت فى اللسان وأوله: «كالبلايا» وقد نسبه اللسان إلى أبى زبيد، وهو حرملة بن المنذر بن معد يكرب الطائى شاعر جاهلى إسلامى، وكان نصرانيا وزعم الطبرى أنه مات مسلما، وفى اسمه خلاف، ومن قوله: علّل المرء بالرجاء ويضحى ... غرضا للمنون نصب العود وكانت العرب تنصب عودا تجعله غرضا، فيصيبه بعض السهام، أو يقع قريبا منه، أو تشعب منه شيئا. فضرب ذلك مثلا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَجْرَى الْأَسْمَاءِ كَالرّمِيّةِ وَالضّحِيّةِ وَالطّرِيدَةِ «1» وَفِي مَعْنَى الْحَمِيّ قَوْلُ رُؤْبَةَ: قَوَاطِنُ مَكّةَ مِنْ وُرْقِ الْحَمِيّ «2» يُرِيدُ الْحَمَامَ الْمَحْمِيّ، أَيْ: الْمَمْنُوعَ. وَقَوْلُهُ: فِي رَمْسٍ بِمَوْمَاةِ: الْأَظْهَرُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ الْمِيمُ أَصْلِيّةً، وَيَكُونُ مِمّا ضُوعِفَتْ فَاؤُهُ وَعَيْنُهُ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَوْلَى لِكَثْرَتِهِ فِي الْكَلَامِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْمِيمِ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً، إذَا كَانَتْ أَوّلَ الْكَلِمَةِ الرّبَاعِيّةِ أَوْ الْخُمَاسِيّةِ، إلّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ اشْتِقَاقٌ، وَلَا اشْتِقَاقَ هَهُنَا، أَوْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ دُخُولُهُ فِيمَا قَلّ مِنْ الْكَلَامِ نَحْوُ: قَلِقَ وَسَلِسَ. قَالَ أَبُو عَلِيّ فِي الْمَرْمَرِ: حَمْلُهُ عَلَى بَابِ: قَرْقَرَ وَبَرْبَرَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى بَابِ: قَلِقَ وَسَلِسَ، يُرِيدُ: إنّك إنْ جَعَلْت الْمِيمَ زَائِدَةً كَانَتْ فَاءَ الْفِعْلِ- وَهِيَ الراء- مضاعفة دون عين الفعل، وهى

_ (1) قال سيبويه: لا يجىء هذا الضرب على مفعل- بفتح الميم وكسر العين- إلا وفيه الهاء، لأنه إن جاء على مفعل بغيرها اعتل، فعدلوا إلى الأخف. (2) ومنه قبله: ورب هذا البلد المحرم ... والقاطنات البيت غير الريم قواطنا مكة من ورق الحمى «اللسان مادة قطن» وقد استشهد به سيبويه فى كتابه فى باب: «اعلم أنه يجوز فى الشعر ما لا يجوز فى الكلام من صرف مالا ينصرف، يشبهونه بما ينصرف من الأسماء لأنها أسماء؛ كما أنها أسماء، وحذف مالا يحذف، يشبهونه بما قد حذف، أو استعمل محذوفا، كما قال العجاج. أقول: وقواطن منونة منصوبة فى كتاب سيبويه، وفى اللسان. وروى سيبويه هذه الشطرة مرة أخرى هكذا «أو الفا مكة من ورق الحمى» انظر ص 8، 56 من كتاب سيبويه ط بولاق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمِيمُ، وَإِذَا جَعَلْت الْمِيمَ الْأُولَى فِي مَرْمَرَ أصلية، كان «1» من باب ماضوعفت فِيهِ الْفَاءُ وَالْعَيْنُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ فِي الْمَرْمَرِ: مَرّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الْمُسْتَتِبّ، وَالطّرِيقُ الْمَهِيعُ دُونَ مَا ضُوعِفَتْ فِيهِ الْفَاءُ وَحْدَهَا، فتأمله «2» .

_ (1) فى الأصل وكان. (2) يقول المازنى فى كتابه التصريف: «وأما الميم إذا كانت أولا فهى زائدة بمنزلة الهمزة والياء؛ لأن الميم أولا نظيرة الهمزة» وشرحه ابن جنى بقوله: «لا فصل بين الميم والهمزة إذا وقعتا أولا، فمتى وجب فى الهمزة أن تكون زائدة ووقعت الميم موقعها، فاقض بزيادتها» ص 129 المنصف لابن جنى. والموماة بفتح وسكون: المفازة الواسعة الملساء، وهى جماع أسماء الفلوات. وقال المبرد: يقال لها: البوباة أيضا، وليس للكلمة اشتقاق. ويقول ابن جنى فى الخصائص: «اعلم أنه متى اجتمع معك فى الأسماء والأفعال حرف أصل، ومعه حرفان مثلان لا غير، فهما أصلان، متصلين كانا أو منفصلين. فالمتصلان نحو: الحفف والصدد. وقلق وسلس، وكذلك إن كان هناك زائد، فالحال واحدة نحو حمام وسالس. وكذلك كوكب ودودح» ثم يقول: «فأما إذا كان معك أصلان ومعهما حرفان مثلان، فعلى أضرب منها: أن يكون هناك تكرير على تساوى حال الحرفين، فإذا كانا كذلك كانت الكلمة كلها أصولا نحو: قلقل وقرقر. فالكلمة إذا لذلك رباعية. وكذلك إن اتفق الأول والثالث، واختلف الثانى والرابع، فالمثلان أيضا. أصلان، وذلك نحو. فرفج وقرقل «نبات الرجلة، وقميص للنساء» وكذلك إن اتفق الثانى والرابع، واختلف الأول والثالث نحو: قسطاس وشعلع «الطويل» فالمثلان أيضا أصلان. وكل ذلك أصل رباعى، وكذلك إن اتفق الأول والرابع واختلف الثانى والثالث، فالمثلان أصلان، والكلمة أيضا من بنات الأربعة مثل: قريق «دكان البقال، وبلد وراء طرسوس» وكذلك إن اتفق الأول والثانى، واختلف الثالث والرابع، فالمثلان أصلان، والكلمة رباعية نحو: زيزفون. ومثاله، فيعلول. وكذلك أيضا إن حصل معك ثلاثة أحرف أصول، ومعها-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: طَوِيلَ الْبَاعِ ذَا فَجَرٍ. الْفَجَرُ: الْجُودُ، شُبّهَ بِانْفِجَارِ الْمَاءِ. وَيُرْوَى ذَا فَنَعٍ، وَالْفَنَعُ: كَثْرَةُ الْمَالِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ الثّقَفِيّ: وَقَدْ أَجُودُ وَمَا مَالِي بِذِي فَنَعٍ ... وَأَكْتُمُ السّرّ فِيهِ ضَرْبَةُ الْعُنُقِ «1» وَقَوْلُهُ: بَسّامَ الْعَشِيّاتِ: يَعْنِي: أَنّهُ يَضْحَكُ لِلْأَضْيَافِ، وَيَبْسِمُ عِنْدَ لِقَائِهِمْ كما قال الاخر، وهو حاتم الطائى:

_ - مثلان غير ملتقيين، فهما أيضا أصلان. نحو: شفشليق «العجوز المسترخية» ص 56 وما بعدها، الخصائص ط 2 ج 2، وانظر شرح الشافية ج 1 ص 59، وما بعدها ويقول ابن جنى فى الخصائص أيضا وهو يتكلم عن الأصلين الثلاثى والرباعى المتداخلين، كقولهم سلس وسلسل، وقلق وقلقل: «وذهب أبو إسحاق فى نحو قلقل وصلصل وجرجر وقرقر إلى أنه فعل، وأن الكلمة لذلك ثلاثية، حتى كأن أبا إسحاق لم يسمع فى هذه اللغة الفاشية المنتشرة: بزغد وزغدب وسبط وسبطر» ثم يقول: «إن تكرير الفاء لم يأت به ثبت إلا فى مرمريس. وحكى غير صاحب الكتاب: مرمريت، وليس بالبعيد أن تكون التاء بدلا من السين، كما أبدلت منها فى ست» ص 52، 53 ج 2، الخصائص ويقول فى ص 12 من المنصف أيضا: «الفاء لم تكرر فى كلام العرب إلا فى حرف واحد، وهو: مرمريس، وهى الداهية والشدة، فتكررت الفاء والعين، ولا نظير لهذه الكلمة» . (1) والفنع أيضا: الكرم والجود والفضل الكثير، ونشر الثناء الحسن ونفحة المسك.. وقد روى أن معاوية- رضى الله عنه- قال لابن أبى محجن الثقفى: أبوك الذى يقول: إذا مت فادفنى إلى جنب كرمة ... تروى عظامى بعد موتى عروقها ولا تدفننى فى الفلاة، فإننى ... أخاف إذا مامت ألا أذوقها فقال ابن أبى محجن: أبى الذى يقول: وذكر البيت. وقد روى عجزه هكذا: وقد أكر وراء المجحر الفرق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أُضَاحِكُ ضَيْفِي قَبْلَ إنْزَالِ رَحْلِهِ ... وَيَخْصِبُ «1» عِنْدِي، وَالْمَحَلّ جَدِيبُ وَمَا الْخِصْبُ لِلْأَضْيَافِ أَنْ يَكْثُرَ الْقِرَى ... وَلَكِنّمَا وَجْهُ الْكَرِيمِ خَصِيبُ حَدِيثُ زَمْزَمَ وَكَانَتْ زَمْزَمُ- كَمَا تَقَدّمَ- سُقْيَا إسْمَاعِيلَ، عَلَيْهِ السّلَامُ، فَجّرَهَا لَهُ رُوحُ الْقُدُسِ بِعَقِبِهِ، وَفِي تَفْجِيرِهِ إيّاهَا بِالْعَقِبِ دُونَ أَنْ يُفَجّرَهَا بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهِ: إشَارَةٌ إلَى أَنّهَا لِعَقِبِهِ وِرَاثَةً، وَهُوَ مُحَمّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمّتُهُ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) الزّخْرُفَ: 43. أَيْ: فِي أُمّةِ مُحَمّدٍ- عَلَيْهِ السّلَامُ «2» - ثُمّ إنّ زَمْزَمَ لَمّا أَحْدَثَتْ جُرْهُمٌ فِي الْحَرَمِ، وَاسْتَخَفّوا بِالْمَنَاسِكِ وَالْحُرَمِ، وَبَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَاجْتَرَمَ، تَغَوّرَ مَاءُ زَمْزَمَ وَاكْتُتِمَ، فلما أخرج الله جرهم مِنْ مَكّةَ بِالْأَسْبَابِ الّتِي تَقَدّمَ ذِكْرُهَا عَمَدَ الحرث بْنُ مُضَاضٍ الْأَصْغَرُ إلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الْكَعْبَةِ، وَفِيهِ غَزَالَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَأَسْيَافٌ قَلْعِيّةٌ «3» كَانَ سَاسَانُ مَلِكُ الْفُرْسِ قَدْ أَهْدَاهَا إلَى الْكَعْبَةِ، وَقِيلَ: سَابُورُ، وَقَدْ قَدّمْنَا أن الأوائل من ملوك

_ (1) من باب علم وضرب. (2) قال ابن كثير فى تفسيرها: «هذه الكلمة- وهى عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهى: لا إله إلا الله، أى جعلها دائمة فى ذريته، يقتدى به فيها من هداه الله تعالى من ذرية إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- وقال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة والسدى وغيرهم: يعنى: لا إله إلا الله لا يزال فى ذريته من يقولها، وروى نحوه عن ابن عباس» على أن هناك رواية: أو قال بجناحه. (3) نسبة إلى قلعة بفتح فسكون بلد بالهند.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْفُرْسِ كَانَتْ تَحُجّهَا إلَى عَهْدِ سَاسَانَ، أَوْ سَابُورَ، فَلَمّا عَلِمَ ابْنُ مُضَاضٍ أَنّهُ مُخْرَجٌ مِنْهَا، جَاءَ تَحْتَ جُنْحِ اللّيْلِ حَتّى دَفَنَ ذَلِكَ فِي زَمْزَمَ، وَعَفّى عَلَيْهَا، وَلَمْ تَزَلْ دَارِسَةً عَافِيًا أَثَرُهَا، حَتّى آنَ مَوْلِدُ الْمُبَارَكِ الّذِي كَانَ يُسْتَسْقَى بِوَجْهِهِ غَيْثُ السّمَاءِ وَتَتَفَجّرُ مِنْ بَنَانِهِ يَنَابِيعُ الْمَاءِ، صَاحِبُ الْكَوْثَرِ وَالْحَوْضِ الرّواء، فلما آن ظهوره أذن لله تَعَالَى لِسُقْيَا «1» أَبِيهِ أَنْ تَظْهَرَ، وَلِمَا انْدَفَنَ مِنْ مَائِهَا أَنْ تَجْتَهِرَ «2» ، فَكَانَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ سَقَتْ النّاسَ بَرَكَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ وَسُقُوا بِدَعْوَتِهِ، وَهُوَ طِفْلٌ حِينَ أَجْدَبَتْ الْبَلَدُ، وَذَلِكَ حِينَ خَرَجَ بِهِ جَدّهُ مُسْتَسْقِيًا لِقُرَيْشِ «3» ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ- فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللهُ- وَسُقِيَتْ الْخَلِيقَةُ كُلّهَا غُيُوثَ السّمَاءِ فِي حَيَاتِهِ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، وَالْمَرّةَ بَعْدَ الْمَرّةِ، وَتَارَةً بِدُعَائِهِ، وَتَارَةً مِنْ بَنَانِهِ، وَتَارَةً بِإِلْقَاءِ سَهْمِهِ، ثُمّ بَعْدَ مَوْتِهِ- عَلَيْهِ السّلَامُ- اسْتَشْفَعَ عُمَرُ بِعَمّهِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عام الرّمادة «4» ،

_ (1) ولكن هذا الاستقساء ليس من هدى الإسلام. (2) اجتهر البئر: نقاها، أو نزحها أو بلغ الماء. (3) قصة موضوعة وليس الاستسقاء الدينى الحق من هذا الزعم. (4) ليس من حب الرسول- صلّى الله عليه وسلم- أن نكذب له، أو نكذب عليه، وعظمة الرسول العظيم ليست فى حاجة إلى كذب يساندها، لأنها قامت على الصدق الجليل الجميل. وصورة الاستسقاء النبوى نهتدى إليها من هذا الحديث: «جاء أعرابى يوم الجمعة. فقال: يا رسول الله، هلكت الماشية، وهلكت العيال، وهلك الناس، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم معه يدعون، قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا «مختصر من البخارى» وحديث استقساء عمر بالعباس: «عن أنس- رضى الله عنه- أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَقْسَمَ عَلَيْهِ بِهِ وَبِنَبِيّهِ «1» ، فَلَمْ يَبْرَحْ، حَتّى قلصوا المازر، واعتلقوا الحذاء،

_ - إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك. فاسقنا، فيسقون) البخارى ويقال: إنه كان فى عام الرمادة العام الثامن عشر، ويقول العلامة السلفى السهسوانى الهندى تعليقا على هذا فى كتابه: صيانة الإنسان عن وسوسة ابن دحلان: «المراد بالاستسقاء بالعباس والتوسل به الوارد فى حديث أنس رضى الله عنه: هو الاستسقاء بدعاء العباس على طريقة معهودة فى الشرع، وهى أن يخرج من يستسقى به إلى المصلى، فيستسقى، ويستقبل القبلة داعيا، ويحول رداءه، ويصلى ركعتين، أو نحوه من هيئات الاستقساء التى وردت فى الصحاح، والدليل عليه قول عمر رضى الله عنه اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلّى الله عليه وسلم، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا، ففى هذا القول دلالة واضحة على أن التوسل بالعباس كان مثل توسلهم بالنبى صلّى الله عليه وسلم، والتوسل بالنبى لم يكن إلا بأن يخرج صلّى الله عليه وسلم، ويستقبل القبلة ويحول رداءه، ويصلّى ركعتين أو نحوه من الهيئات الثابتة للاستسقاء، ولم يرد فى حديث ضعيف فضلا عن الحسن والصحيح أن الناس طلبوا السقيا من الله فى حياته متوسلين به صلّى الله عليه وسلم من غير أن يفعل ما يفعل فى الاستسقاء المشروع من طلب السقيا، والدعاء والصلاة وغيرهما مما ثبت بالأحاديث الصحيحة» وأقول: لو كان التوسل بذات الحى أو الميت جائزا- لا بدعائه- لتوسل عمر بذات محمد- وهو ميت- بدلا من توسله بالعباس. ولم يرد فى حديث ما أن أحدا توسل بذات محمد فى استسقاء أو غيره، لأن ذات محمد «ص» ليست من كسب أحد. (1) لم يرد شىء مما قال فى حديث صحيح. وقد وردت أحاديث الاستسقاء فى البخارى ومسلم وأبى داود والترمذى والنسائى وابن ماجة وأحمد وغيرها، وكلها تجمع على أنه كان- صلّى الله عليه وسلم- يدعو، وليس فى شىء منها ما ذكره السهيلى، وقد وردت صيغة الدعاء فى حديث رواه أبو داود وأبو عوانة وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن، وقال أبو داود: هذا حديث غريب إسناده جيد وهذه هى: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَخَاضُوا الْغُدْرَانَ، وَسَمِعَتْ الرّفَاقُ الْمُقْبِلَةُ إلَى الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ صَائِحًا يَصِيحُ فِي السّحَابِ: أَتَاك الْغَوْثُ أَبَا حَفْصٍ، أَتَاك الْغَوْثُ أَبَا حَفْصٍ «1» ، كُلّ هَذَا بِبَرَكَةِ الْمُبْتَعَثِ بِالرّحْمَتَيْنِ، وَالدّاعِي إلَى الْحَيَاتَيْنِ الْمَوْعُودِ بِهِمَا عَلَى يَدَيْهِ فِي الدّارَيْنِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةً تَصْعَدُ وَلَا تَنْفَدُ، وَتَتّصِلُ وَلَا تَنْفَصِلُ، وَتُقِيمُ، وَلَا تَرِيمُ، إنّهُ مُنْعِمٌ كَرِيمٌ. أَسْمَاءُ زَمْزَمَ: فَصْلٌ: فَأُرِيَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ فِي مَنَامِهِ: أَنْ احْفِرْ طِيبَةَ، فَسُمّيَتْ طِيبَةَ، لِأَنّهَا لِلطّيّبِينَ وَالطّيّبَاتِ مِنْ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ- عَلَيْهِمَا السّلَامُ- وَقِيلَ لَهُ: احْتَفِرْ بَرّةَ، وَهُوَ اسْمٌ صَادِقٌ عَلَيْهَا أَيْضًا، لِأَنّهَا فَاضَتْ لِلْأَبْرَارِ، وَغَاضَتْ عَنْ الْفُجّارِ، وَقِيلَ لَهُ: احْفِرْ الْمَضْنُونَةَ. قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبّهٍ: سُمّيَتْ زَمْزَمُ: الْمَضْنُونَةَ لِأَنّهَا ضُنّ بِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يَتَضَلّعُ مِنْهَا مُنَافِقٌ، وَرَوَى الدّارَقُطْنِيّ مَا يُقَوّي ذَلِكَ مُسْنَدًا عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ فَلْيَتَضَلّعْ، فَإِنّهُ فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ المنافقين، لا يستطيعون أن يتضلّعو «2» منها،

_ - الله ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغنى ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين» (1) أساطير مرددة لا تعرفها السيرة العطرة للنبى صلّى الله عليه وسلم وصاحبه عمر رضى الله عنه. (2) تضلّع: امتلأ شبعا وريا، والتضلع أيضا: الامتلاء حتى تمتد أضلاعه على أن مثل هذه الأحاديث لم يروها أصحاب الصحيح. وقد روى هذا الحديث: الدارقطنى وابن ماجة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَوْ كَمَا قَالَ. وَفِي تَسْمِيَتِهَا بِالْمَضْنُونَةِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، رَوَاهَا الزّبَيْرُ: أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ قِيلَ لَهُ: احْفِرْ الْمَضْنُونَةَ ضَنِنْت بِهَا عَلَى النّاسِ إلّا عَلَيْك، أَوْ كَمَا قَالَ. الْعَلَامَاتُ الّتِي رَآهَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَتَأْوِيلُهَا: وَدُلّ عَلَيْهَا بِعَلَامَاتِ ثَلَاثٍ: بِنُقْرَةِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ، وَأَنّهَا بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدّمِ، وَعِنْدَ قَرْيَةِ النّمْلِ، وَيُرْوَى أَنّهُ لَمّا قَامَ لِيَحْفِرَهَا رَأَى مَا رُسِمَ مِنْ قَرْيَةِ النّمْلِ وَنُقْرَةِ الْغُرَابِ، وَلَمْ يَرَ الْفَرْثَ وَالدّمَ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ نَدّتْ بَقَرَةٌ بِجَازِرِهَا، فَلَمْ يُدْرِكْهَا، حَتّى دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَنَحَرَهَا فِي الْمَوْضِعِ الّذِي رُسِمَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَسَالَ هُنَاكَ الْفَرْثُ وَالدّمُ، فَحَفَرَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حَيْثُ رُسِمَ لَهُ. وَلَمْ تُخَصّ هَذِهِ الْعَلَامَاتُ الثّلَاثُ «1» بِأَنْ تَكُونَ دَلِيلًا عَلَيْهَا إلّا لِحِكْمَةِ إلَهِيّةٍ، وَفَائِدَةٍ مُشَاكِلَةٍ فِي عِلْمِ التّعْبِيرِ، وَالتّوَسّمُ الصّادِقُ لِمَعْنَى زَمْزَمَ وَمَائِهَا. أَمَا الْفَرْثُ وَالدّمُ، فَإِنّ مَاءَهَا طَعَامُ طُعْمٍ، وَشِفَاءُ سُقْمٍ «2» ، وَهِيَ لِمَا شُرِبَتْ له «3» ، وقد تقوّت «4»

_ (1) كل هذا من رواية محمد بن إسحاق فحسب. (2) يقول ابن الأثير فى النهاية: «أى يشبع الإنسان إذا شرب ماءها، كما يشبع من الطعام، وقد ورد فى صحيح مسلم فى حديث إسلام أبى ذر أن رسول الله قال فى زمزم: «إنها لطعام طعم وشفاء سقم» ونسب هذا فى بعض الأحاديث إلى وهب بن منبه وكعب الأحبار. (3) روى الإمام احمد: «ماء زمزم لما شرب منه» ورواه ابن ماجة من حديث عبد الله بن المؤمل، وقد تكلموا فيه. ولفظه: «ماء زمزم لما شرب له» ورواه سويد بن سعيد ولكن سويدا ضعيف. ورواه الحاكم مرفوعا عن ابن عباس، وفيه نظر. هذا وقد وردت تسمية زمزم ببرة، والمضنونة فى حديث عن كعب الأحبار، وحسبك به!! (4) حديث تقوّت أبى ذر بماء زمزم فى البخارى ومسلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من مائها أبوذر- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثَلَاثِينَ بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَسَمِنَ حَتّى تَكَسّرَتْ عُكَنُهُ، [وَمَا وُجِدَ عَلَى كَبِدِهِ سَخْفَةُ «1» جُوعٍ] فَهِيَ إذًا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- في اللّبَنِ: إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ اللّبَنَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يَسُدّ مَسَدّ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلّا اللّبَنُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي اللّبَنِ: (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشّارِبِينَ) النّحْلَ: 66. فَظَهَرَتْ هَذِهِ السّقْيَا الْمُبَارَكَةُ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدّمِ، وَكَانَتْ تِلْكَ مِنْ دَلَائِلِهَا الْمُشَاكِلَةِ لِمَعْنَاهَا. وَأَمّا قَوْلُهُ: الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ، قَالَ الْقُتَبِيّ: الْأَعْصَمُ مِنْ الْغِرْبَانِ الّذِي فِي جَنَاحَيْهِ بَيَاضٌ، وَحَمَلَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ لِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ: الْأَعْصَمُ الّذِي فِي يَدَيْهِ بَيَاضٌ، وَقَالَ: كَيْفَ يَكُونُ لِلْغُرَابِ يَدَانِ؟. وَإِنّمَا أَرَادَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّ هَذَا الْوَصْفَ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: إنّ هَذَا الْوَصْفَ فِي الْغِرْبَانِ عَزِيزٌ، وَكَأَنّهُ ذَهَبَ إلَى الّذِي أَرَادَ ابْنُ قُتَيْبَةَ مِنْ بَيَاضِ الْجَنَاحَيْنِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ: إنّهُ فِي الْغِرْبَانِ مُحَالٌ لَا يُتَصَوّرُ. وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا يُغْنِي عَنْ قَوْلَيْهِمَا، وَفِيهِ الشّفَاءُ: أَنّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْأَةُ الصّالِحَةُ فِي النّسَاءِ كَالْغُرَابِ الْأَعْصَمِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْغُرَابُ الْأَعْصَمُ؟ قَالَ: الّذِي إحدى رجليه بيضاء «2» .

_ (1) جمع عكنة: الطى الذى فى البطن من السمن، ويجمع على أعكان أيضا والسخفة: الهزال. (2) وعن الأزهرى فى اللسان: أنه الأحمر الرجلين لقلته فى الغربان، لأن أكثر الغربان: السود البقع. هذا والعرب تجعل البياض حمرة، فيقال للمرأة البيضاء: الحمراء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَالْغُرَابُ فِي التّأْوِيلِ: فَاسِقٌ، وَهُوَ أَسْوَدُ، فَدَلّتْ نُقْرَتُهُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ عَلَى نُقْرَةِ الْأَسْوَدِ الْحَبَشِيّ بِمِعْوَلِهِ فِي أَسَاسِ الْكَعْبَةِ يَهْدِمُهَا فِي آخِرِ الزّمَانِ، فَكَانَ نَقْرُ الْغُرَابِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ يُؤْذِنُ بِمَا يَفْعَلُهُ الْفَاسِقُ الْأَسْوَدُ فِي آخِرِ الزّمَانِ بِقِبْلَةِ الرّحْمَنِ، وَسُقْيَا أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا يُرْفَعُ الْقُرْآنُ، وَتُحْيَا عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ، وَفِي الصحيح عن رسول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيُخَرّبَنّ الْكَعْبَةَ ذُو السّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ «1» » وَفِي الصّحِيحِ أَيْضًا مِنْ صِفَتِهِ: أَنّهُ [أَسْوَدُ] أَفْحَجُ، [يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا] وَهَذَا أَيْضًا يَنْظُرُ إلَى كَوْنِ الْغُرَابِ أَعْصَمَ؛ إذْ الْفَحَجُ: تَبَاعُدٌ فِي الرّجْلَيْنِ، كَمَا أَنّ الْعَصَمَ اخْتِلَافٌ فِيهِمَا، وَالِاخْتِلَافُ: تَبَاعُدٌ وَقَدْ عُرِفَ بِذِي السّوَيْقَتَيْنِ، كَمَا نُعِتَ الْغُرَابُ بِصِفَةِ فِي سَاقَيْهِ، فَتَأَمّلْهُ، وَهَذَا مِنْ خَفِيّ عِلْمِ التّأْوِيلِ، لِأَنّهَا كَانَتْ رُؤْيَا، وَإِنْ شِئْت: كَانَ مِنْ بَابِ الزّجْرِ وَالتّوَسّمِ الصّادِقِ «2» وَالِاعْتِبَارِ وَالتّفْكِيرِ فِي مَعَالِمِ حِكْمَةِ- اللهِ تَعَالَى- فَهَذَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ، وَهُوَ مَنْ هُوَ عِلْمًا وَوَرَعًا حِينَ حُدّثَ بِحَدِيثِ الْبِئْرِ فِي الْبُسْتَانِ، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَعَدَ عَلَى قفّها «3» ، ودلىّ رجليه فيها، ثم جاء أبوبكر رضي الله عنه- ففعل مثل ذلك، ثم جَاءَ عُمَرُ- رَضِيَ الله عَنْهُ- فَفَعَلَ مِثْلَ

_ (1) الحديث متفق عليه، وفى أبى داود بسند ضعيف: «اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة» ، والسويقتان مثنى سويقة: تصغير لساق، وهى مؤنثة. وقد صغر الساق، لأن الغالب على سوق الحبشة الدقة والحموشة، وقد أبعد السهيلى وأغرب فى تأويلاته. (2) الزجر: أصله هو التيمن والتشؤم بالطير، والتفؤل بطيرانها كالسانح والبارح، وهو نوع من الكهانة والعيافة. والتوسّم، أو الفطنة، أو الزكانة: الاعتبار (3) قف البئر: هو الدكة التى تجعل حولها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَلِكَ، ثُمّ جَاءَ عُثْمَانُ، فَانْتَبَذَ مِنْهُمْ نَاحِيَةً؛ وَقَعَدَ حَجْرَةً «1» . قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ: فَأَوّلْت ذَلِكَ قُبُورَهُمْ، اجْتَمَعَتْ قُبُورُ الثّلَاثَةِ، وَانْفَرَدَ قَبْرُ عُثْمَانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَاَللهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) الْحِجْرَ: 75. فَهَذَا مِنْ التّوَسّمِ وَالْفِرَاسَةِ الصّادِقَةِ، وَإِعْمَالِ الْفِكْرِ فِي دَلَائِلِ الْحِكْمَةِ، وَاسْتِنْبَاطِ الْفَوَائِدِ اللّطِيفَةِ مِنْ إشَارَاتِ الشّرِيعَةِ. وَأَمّا قَرْيَةُ النّمْلِ، فَفِيهَا مِنْ الْمُشَاكَلَةِ أَيْضًا، وَالْمُنَاسَبَةِ: أَنّ زَمْزَمَ هِيَ عَيْنُ مَكّةَ الّتِي يَرِدُهَا الْحَجِيجُ وَالْعُمّارُ مِنْ كُلّ جَانِبٍ، فَيَحْمِلُونَ إلَيْهَا الْبُرّ وَالشّعِيرَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ وَهِيَ لَا تَحْرُثُ وَلَا تَزْرَعُ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ خَبَرًا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ: (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) . إلَى قَوْلِهِ: (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ [لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ] إبْرَاهِيمَ: 37) وَقَرْيَةُ النّمْلِ لَا تَحْرُثُ وَلَا تَبْذُرُ، وَتَجْلِبُ الْحُبُوبَ إلَى قَرْيَتِهَا مِنْ كُلّ جَانِبٍ، وَفِي مَكّةَ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ) النّحْلَ: 112. مَعَ أَنّ لَفْظَ قَرْيَةِ النّمْلِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَرَيْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ: إذَا جَمَعْته، وَالرّؤْيَا تُعَبّرُ عَلَى اللّفْظِ تَارَةً، وَعَلَى الْمَعْنَى أُخْرَى، فَقَدْ اجْتَمَعَ اللّفْظُ وَالْمَعْنَى فِي هَذَا التّأْوِيلِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ. مِنْ صِفَاتِ زَمْزَمَ: وَقَدْ قِيلَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي صِفَةِ زَمْزَمَ: لَا تَنْزِفُ أَبَدًا، وَلَا تذمّ «2» ،

_ (1) قعد حجرة: أى ناحية. (2) نزفت- بفتح النون والزاى- ماء البئر نزفا: إذا نزحته كله، ونزفت هى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهَذَا بُرْهَانٌ عَظِيمٌ، لِأَنّهَا لَمْ تَنْزِفْ مِنْ ذَلِكَ الْحِينِ إلَى الْيَوْمِ قَطّ، وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا حَبَشِيّ فَنُزِحَتْ مِنْ أَجْلِهِ، فَوَجَدُوا مَاءَهَا يَثُورُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْيُنٍ، أَقْوَاهَا وَأَكْثَرُهَا مَاءً: مِنْ نَاحِيَةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الدّارَقُطْنِيّ. وَقَوْلُهُ: وَلَا تُذَمّ، فِيهِ نَظَرٌ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى مَا يَبْدُو مِنْ ظَاهِرِ اللّفْظِ مِنْ أَنّهَا لَا يَذُمّهَا أَحَدٌ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الذّمّ لَكَانَ مَاؤُهَا أَعْذَبَ الْمِيَاهِ، وَلَتَضَلّعَ مِنْهُ كُلّ مَنْ يَشْرَبُهُ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي الْحَدِيثِ أَنّهُ لَا يَتَضَلّعُ مِنْهَا مُنَافِقٌ، فَمَاؤُهَا إذًا مَذْمُومٌ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ كَانَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقَسْرِيّ أَمِيرَ الْعِرَاقِ يَذُمّهَا، وَيُسَمّيهَا: أُمّ جِعْلَانَ «1» ، وَاحْتَفَرَ بِئْرًا خَارِجَ مَكّةَ بِاسْمِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَجَعَلَ يُفَضّلُهَا عَلَى زَمْزَمَ، وَيَحْمِلُ النّاسَ عَلَى التّبَرّكِ بِهَا دُونَ زَمْزَمَ جُرْأَةً مِنْهُ عَلَى اللهِ- عَزّ وَجَلّ- وَقِلّةَ حِيَاءٍ مِنْهُ، وَهُوَ الّذِي يُعْلِنُ وَيُفْصِحُ بِلَعْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- عَلَى الْمِنْبَرِ، وَإِنّمَا ذَكَرْنَا هَذَا، أَنّهَا قَدْ ذُمّتْ، فَقَوْلُهُ إذًا: لَا تُذَمّ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: بِئْرٌ ذَمّةٌ أَيْ: قَلِيلَةُ الْمَاءِ، فَهُوَ مِنْ أَذْمَمْتَ الْبِئْرَ إذَا وَجَدْتهَا ذَمّةً: كَمَا تَقُولُ: أَجْبَنْت الرّجُلَ: إذَا وَجَدْته جَبَانًا، وأكذبته إذا

_ - يتعدى ولا يتعدى، ونزفت على ما لم يسم فاعله، وعن ابن سيدة: نزف البئر ينزفها وأنزفها بمعنى واحد، كلاهما نزحها: وأنزفت هى نزحت، وذهب ماؤها. (1) جعل الماء بفتح فكسر جعلا، أى: كثر فيه الجعلان: جمع جعل وهو دابة سوداء من دواب الأرض قيل: هو أبو جعران. ولعلها فرية، فما كان المسلمون فى مثل هذا الهوان، الذى يرغمهم على الرضا بهذا الذى نسب إلى خالد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَجَدْته كَاذِبًا «1» ، وَفِي التّنْزِيلِ: «فَإِنّهُمْ لَا يُكَذّبُونَكَ» «2» [وَلَكِنّ الظّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ] الْأَنْعَامَ. 33 وَقَدْ فَسّرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ قَوْلَهُ حَتّى مَرَرْنَا بِبِئْرِ ذَمّةٍ: وَأَنْشَدَ. مُخَيّسَةً خُزْرًا كَأَنّ عُيُونَهَا ... ذِمَامُ الرّكَايَا أَنْكَزَتْهَا الْمَوَاتِحُ «3» فَهَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مَعْنَى قَوْلِهِ. وَلَا تذمّ؛ لأنه نفى مطلق، وخبر صادق

_ (1) يقول ابن جرير الطبرى: «أكذبت الرجل إذا أخبرت أنه جاء بالكذب وكذبته- بتضعيف الذال- إذا أخبرت أنه كاذب» . (2) الذى فى المصحف هو ما أثبتناه، ولكن السهيلى يعنى القراءة الثانية، وهى مشهورة أيضا، وهى: «لا يكذبونك» بضم الياء وسكون الكاف وتخفيف الذال، وهى قراءة نافع والكسائى من: أكذب، أما قراءة المصحف: فمن كذبه بتضعيف الذال. (3) البيت لذى الرّمّة- بضم الراء أو كسرها وتشديد الميم المفتوحه- يصف إبلا غارت عيونها من الكلال. وروايته فى اللسان: «على حميريات» بدلا من «مخيّسة خزرا» والإبل المخيسة هى التى لم تسرح، ولكنها حبست للنحر أو القسم، والخزر: هو كسر العين بصرها خلقة أو ضيقها وصغرها، أو النظر كأنه فى أحد الشقين، أو أن يفتح عينيه ويغمضهما، وحول فى إحدى العينين. وركايا جمع ركية- بفتح الراء وكسر الكاف، وتضعيف الياء المفتوحة- البئر- كما فى القاموس، ومواتح: المتح- بفتح الميم وسكون التاء- جذبك رشاء «حبل» الدلو تمد بيد، وتأخذ بيد على رأس البئر. ومواتح: جمع ماتح وهو المستقى. والمائح الذى يملأ الدلو من أسفل البئر. أنكزتها: أقلت ماءها، والذمة: البئر القليلة الماء. يقول عن الإبل. إن أعينها غارت من التعب، فكأنها آبار قليلة الماء. وفى الروض: أنكرتها، ورواها اللسان فى مادة ذمم «أنكزتها» وفسرها بما نقلته عنه، ولكنه فى مادة فتح ذكرها: أنكرتها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَاَللهُ أَعْلَمُ- وَحَدِيثُ الْبِئْرِ الذّمّةِ الّتِي ذَكَرَهَا أبو عبيد، حدثنا به أبوبكر بْنُ الْعَرَبِيّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْمُطَهّرِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الرّجَاءِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خلّاد قال: حدثنا الحرث بْنُ أَبِي أُسَامَةَ. قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو النّضْرِ، قَالَ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيرٍ فَأَتَيْنَا عَلَى رَكِيّ ذَمّةٍ «1» يَعْنِي: قَلِيلَةَ الْمَاءِ قَالَ: فَنَزَلَ فِيهَا سِتّةٌ- أَنَا سَادِسُهُمْ- مَاحَةٌ «2» ، فَأُدْلِيَتْ إلَيْنَا دَلْوٌ، قَالَ: وَرَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرّكِيّ، فَجَعَلْنَا فِيهَا نِصْفَهَا، أَوْ قَرِيبَ ثُلُثَيْهَا، فَرُفِعَتْ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَجِئْت بِإِنَائِي. هَلْ أَجِدُ شَيْئًا أَجْعَلُهُ فِي حَلْقِي، فَمَا وَجَدْت، فَرُفِعَتْ الدّلْوُ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ- قَالَ: فَأُعِيدَتْ إلَيْنَا الدّلْوُ بِمَا فِيهَا، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْت أَحَدَنَا أُخْرِجَ بِثَوْبِ خَشْيَةَ الْغَرَقِ. قَالَ: ثُمّ ساحت، يعنى: جرت نهرا «3» .

_ (1) ركىّ- بفتح الراء وكسر الكاف، وتضعيف الياء- جنس للركية وهى البئر. (2) الميح- بفتح الميم وسكون الياء- أن تدخل البئر فتملأ الدلو، وذلك إذا قل ماؤها، ورجل مائح، وقوم ماحة بفتح الحاء. (3) أصل الحديث فى الصحيح باختصار كثير فى إحدى الغزوات. وهذا الذى فى الروض رواه أحمد والطبرانى. ويقول الحافظ فى الفتح: قال القرطبى: قصة نبع الماء من بين أصابعه «ص» أثر عنه فى عدة مواطن فى مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعى المستفاد من التواتر المعنوى. قلت: أخذ كلام عياض أو تصرف فيه. قال: ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا، وحديث نبع الماء جاء من رواية أنس عند الشيخين-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اشتقاق مغازة: وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي مَسِيرِهِ مَعَ قُرَيْشٍ إلَى الْكَاهِنَةِ، وَذَكَرَ الْمَفَاوِزَ الّتِي عَطِشُوا فِيهَا. الْمَفَاوِزُ: جَمْعُ مَفَازَةٍ، وَفِي اشْتِقَاقِ اسْمِهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. رُوِيَ عَنْ الْأَصْمَعِيّ أَنّهَا سُمّيَتْ مَفَازَةً عَلَى جِهَةِ التّفَاؤُلِ لِرَاكِبِهَا بِالْفَوْزِ وَالنّجَاةِ، وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيّ أَنّهُ قَالَ: سَأَلْت أَبَا الْمَكَارِمِ: لِمَ سُمّيَتْ الْفَلَاةُ مَفَازَةً؟ فَقَالَ: لِأَنّ رَاكِبَهَا إذَا قَطَعَهَا وَجَاوَزَهَا فَازَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهَا: مَهْلَكَةٌ لِأَنّهُ يُقَالُ: فَازَ الرّجُلُ، وَفَوّزَ وَفَادَ وَفَطَسَ: إذَا هَلَكَ. وَذُكِرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- ثُمّ اُدْعُ بِالْمَاءِ الرّوِيّ غَيْرِ الْكَدَرِ يُقَالُ: مَاءٌ رِوَى بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ، وَرَوَاءٌ بالفتح والمد «1» وفيه:

_ - وأحمد وغيرهم من خمسة طرق، وعن جابر بن عبد الله من أربعة طرق، وعن ابن مسعود عند البخارى والترمذى، وعن ابن عباس عند أحمد والطبرانى من طريقين.... وأما تكثير الماء بأن يلمه بيده، أو يتفل فيه، أو يأمر بوضع شىء فيه كسهم من كنانته. فجاء فى حديث عمران بن حصين فى الصحيحين، وعن البراء بن عازب عند البخارى وأحمد من طريقين، وعن أبى قتادة عند مسلم، وعن أنس عند البيهقى فى الدلائل.. وأما من رواها من أهل القرن الثانى فهم أكثر عددا، وإن كان شطر طرقه إفرادا» انتهى ما فى الفتح ص 456 ج 6 وانظر مجمع الزوائد للهيتمى. وأقول: كل ما يحدث هو بأمر الله سبحانه، ولا يستطيع مسلم أن ينكر أن الله سبحانه فجر الماء لموسى من الحجر، وقال لعيسى عن المائدة: «إنى منزلها عليكم» والله الذى من بذلك قادر على أن يمن بهذا. وموقفنا الإذعان، والإيمان بأنه من قدرة الله وإذنه، لا من قدرة نبى أو ولى، ولا بإذنه ولا بأمره. (1) روى كغنى، وروى مثل: إلى، ورواء مثل سماء: كثير مرو.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْجَمْعُ وَاسْمُ الْجَمْعِ: يُسْقَى حَجِيجُ اللهِ فِي كُلّ مَبَرْ. الْحَجِيجُ: جَمْعُ حَاجّ. وَفِي الْجُمُوعِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ كَثِيرٌ كَالْعَبِيدِ وَالْبَقِيرِ وَالْمَعِيزِ وَالْأَبِيلِ!! وَأَحْسَبُهُ اسْمًا لِلْجَمْعِ؛ لِأَنّهُ لَوْ كَانَ جمعاله وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهِ، لَجَرَى عَلَى قِيَاسٍ وَاحِدٍ كَسَائِرِ الْجُمُوعِ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ وَاحِدُهُ فَحَجِيجٌ وَاحِدُهُ: حَاجّ، وَعَبِيدٌ وَاحِدُهُ: عَبْدٌ، وَبَقِيرٌ «1» وَاحِدُهُ: بَقَرَةٌ [وَمَعِيزٌ: وَاحِدُهُ: مَاعِزٌ] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَجَائِزٌ أَنْ يُقَالَ: إنّهُ اسْمٌ لِلْجَمْعِ غَيْرَ أَنّهُ مَوْضُوعٌ لِلْكَثْرَةِ؛ وَلِذَلِكَ لَا يُصَغّرُ عَلَى لَفْظِهِ، كَمَا تُصَغّرُ أَسْمَاءُ الْجُمُوعِ، فَلَا يُقَالُ فِي العبيد: عبيّد، ولا فى النخيل:

_ (1) فى اللسان: البقير اسم للجمع، أما الأبيل بفتح الهمزة وكسر الباء- فالحزمة من الحشيش والحطب، والإبيل بكسر الهمزة وتضعيف الباء مع كسرها: القطعة من الطير والخيل. وقيل هى مفرد أبابيل، وربما كانت إبلا، وهى تقع على الجمع، وليست بجمع والاسم جمع «قاموس» ويقول الجوهرى إن أسماء الجموع التى لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الادميين، فالتأنيث لازم لها، فإذا صغرتها دخلتها التاء، فقلت عن إبل: أبيلة، وعن غنم: غنيمة، وقد فرق شارح الكافية لابن الحاجب بين الجمع واسم الجمع بفروق تتلخص فى ثلاثة أوجه، الأول: أن الجمع على صيغة خاصة من صيغ معدودة معروفة، وهذه الصيغة تغاير صيغة المفرد، إما ظاهرا، وإما تقديرا. فالمغايرة الظاهرة إما بالحركات كأسد، وأسد ونمر ونمر، وإما بالحروف كرجال: جمع رجل وكتب جمع كتاب، والمغايرة المقدرة كهجان وفلك، ومن المغايرة الظاهرة: الجمع السالم مذكرا أو مؤنثا. والثانى: أن للجمع واحدا من لفظه، وليس لاسم الجمع واحد من لفظه، بل له واحد من معناه، فواحد الإبل: بعير أو ناقة، وواحد الغنم: شاة. والثالث: أن الجمع يرد إلى واحده فى النسب مطلقا، وفى التصغير إن كان جمع كثرة. وأما اسم الجمع، فلا يرد، لأنه إما ألا يكون له واحد حتى يرد إليه، وإما أن يكون له واحد، لكن لا يصح الرد إليه لأن اسم الجمع لم يكن على صيغة من صيغ الجمع فهو كالمفرد فى اللفظ. انظر ص 193 ج 2 شرح الشافية للرضى والتلخيص المذكور للأساتذة المحققين للشافية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نُخَيّلٌ، بَلْ يُرَدّ إلَى وَاحِدِهِ، كَمَا تُرَدّ الْجُمُوعُ فِي التّصْغِيرِ، فَيُقَالُ: نُخَيْلَاتٌ وَعُبَيْدُونَ، وَإِذَا قُلْت: نَخِيلٌ أَوْ عَبِيدٌ، فَهُوَ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الصّغِيرَ وَالْكَبِيرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، قَالَ اللهُ سبحانه: (وزرع ونخيل) وَقَالَ: (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فُصّلَتْ: 46 وَحِينَ ذَكَرَ الْمُخَاطَبِينَ مِنْهُمْ قَالَ: الْعِبَادُ، وَكَذَلِكَ قَالَ حِينَ ذَكَرَ الثّمَرَ مِنْ النّخِيلِ: (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) ق: 10 وَقَالَ: (أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) الْقَمَرَ: 20 فَتَأَمّلْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَمْعَيْنِ فِي حُكْمِ الْبَلَاغَةِ وَاخْتِيَارِ الْكَلَامِ، وَأَمّا فِي مَذْهَبِ أَهْلِ اللّغَةِ، فَلَمْ يُفَرّقُوا هَذَا التّفْرِيقَ، وَلَا نَبّهُوا عَلَى هَذَا الْغَرَضِ الدّقِيقِ. شُرُوحٌ: وَقَوْلُهُ: فِي كُلّ مَبَرّ: هُوَ مَفْعَلٌ مِنْ الْبِرّ، يُرِيدُ: فِي مَنَاسِكِ الْحَجّ وَمَوَاضِعِ الطّاعَةِ وَقَوْلُهُ: مِثْلُ نَعَامٍ جَافِلٍ لَمْ يُقْسَمْ. الْجَافِلُ: مِنْ جَفَلَتْ الْغَنَمُ: إذَا انْقَلَعَتْ بِجُمْلَتِهَا، وَلَمْ يُقْسَمْ أَيْ: لَمْ يَتَوَزّعْ، وَلَمْ يَتَفَرّقْ. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ يُخَافُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا عَمَرْ. أَيْ: مَا عَمَرَ هَذَا الْمَاءُ، فَإِنّهُ لَا يُؤْذِي، وَلَا يُخَافُ مِنْهُ مَا يخاف من المياء إذَا أُفْرِطَ فِي شُرْبِهَا، بَلْ هُوَ بَرَكَةٌ عَلَى كُلّ حَالٍ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: لَا تَنْزِفُ، وَلَا تُذَمّ عَاقِبَةُ شربها، وهذا تأويل سائغ أيضا إلى مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ التّأْوِيلِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فِي صِفَتِهَا. وَقَوْلُهُ: وَضَرَبَ [فِي الْبَابِ] الْغَزَالَيْنِ «1» حِلْيَةَ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ أَوّلُ ذَهَبٍ حُلّيَتْ بِهِ الْكَعْبَةُ، وَقَدْ قَدّمْنَا ذِكْرَ الْغَزَالَيْنِ، وَمَنْ أَهْدَاهُمَا إلَى الْكَعْبَةِ، وَمَنْ دَفَنَهُمَا مِنْ جُرْهُمٍ، وَتَقَدّمَ أَنّ أَوّلَ مَنْ كَسَا الْكَعْبَةَ: تُبّعٌ، وَأَنّهُ أَوّلُ من اتخذلها غلقا إلى أن

_ (1) ما بين قوسين زيادة من السيرة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضَرَبَ لَهَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ بَابَ حَدِيدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَسْيَافِ، وَاِتّخَذَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حَوْضًا لِزَمْزَمَ يُسْقَى مِنْهُ، فَكَانَ يُخَرّبُ لَهُ بِاللّيْلِ حَسَدًا لَهُ، فَلَمّا غَمّهُ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ فِي النّوْمِ: قُلْ: لَا أُحِلّهَا لِمُغْتَسِلِ، وَهِيَ لِشَارِبِ حلّ وبلّ «1» وقد كفيتهم، فَلَمّا أَصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ، فَكَانَ بَعْدُ مَنْ أَرَادَهَا بِمَكْرُوهِ رُمِيَ بِدَاءِ فِي جَسَدِهِ، حَتّى انْتَهَوْا عَنْهُ. ذَكَرَهُ الزّهْرِيّ فِي سِيَرِهِ. بِئَارُ قُرَيْشٍ بِمَكّةَ: وَقَوْلُهُ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَبْلَ حَفْرِ زَمْزَمَ قَدْ اتّخَذَتْ بِئَارًا بِمَكّةَ. ذَكَرُوا أَنّ قُصَيّا كَانَ يَسْقِي الْحَجِيجَ فِي حِيَاضٍ مِنْ أَدَمٍ، وَكَانَ يَنْقُلُ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ آبَارٍ خَارِجَةٍ مِنْ مَكّةَ مِنْهَا: بِئْرُ مَيْمُونَ الْحَضْرَمِيّ، وَكَانَ يَنْبِذُ لَهُمْ الزّبِيبَ، ثُمّ احْتَفَرَ قُصَيّ العجول فى دار أمّ هانىء بنت أبى طالب، وهى أول سقاية

_ (1) بل: شفاء، وقيل: بل: مباح بلغة حمير، وقد روى يونس بن بكير عن ابن إسحاق شعرا قاله عبد المطلب حينئذ وهو: اللهم أنت الملك المحمود ... ربى أنت المبدى المعيد وممسك الراسية الجلمود ... من عندك الطارف والتليد إن شئت ألهمت كما تريد ... لموضع الحلية والحديد فبين اليوم لما تريد ... إنى نذرت العاهد المعهود اجعله رب لى فلا أعود انظر ص 246 ج 2 البداية. هذا وفى السيرة عند قوله: «ثم أعطوا صاحب القداح» زدت كلمة «القداح» بعد جملة «أعطوا» من البداية ص 246 ج 2، وقد جعل عبد المطلب لزمزم حوضين. أحدهما: للشرب، والاخر: للوضوء، وقال: لا أحلها لمغتسل؛ لينزه المسجد عن أن يغتسل فيه ج 2 ص 247 بداية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اُحْتُفِرَتْ «1» بِمَكّةَ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ إذَا اسْتَقَوْا مِنْهَا ارْتَجَزُوا، فَقَالُوا: نُرْوَى عَلَى الْعَجُولِ، ثُمّ نَنْطَلِقْ ... إنّ قُصَيّا قَدْ وَفّى وَقَدْ صَدَقْ [بِشِبَعِ الْحَجّ وَرِيّ مُغْتَبِقْ] «2» فَلَمْ تَزَلْ الْعَجُولُ قَائِمَةً حَيَاةَ قُصَيّ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ، حَتّى كَبِرَ عَبْدُ مناف ابن قُصَيّ، فَسَقَطَ فِيهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُعَيْلٍ، فَعَطّلُوا الْعَجُولَ، وَانْدَفَنَتْ، وَاحْتَفَرَتْ كُلّ قَبِيلَةٍ بِئْرًا، وَاحْتَفَرَ قُصَيّ سَجْلَةَ، وَقَالَ حِينَ حَفَرَهَا: أَنَا قُصَيّ، وَحَفَرْت سَجْلَهْ ... تُرْوِي الْحَجِيجَ زُغْلَةً فَزُغْلَهْ «3» وَقِيلَ: بَلْ حَفَرَهَا هَاشِمٌ، وَوَهَبَهَا أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ لِعَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ، وَفِي ذَلِكَ تَقُولُ خَالِدَةُ بِنْتُ هَاشِمٍ: نَحْنُ وَهَبْنَا لِعَدِيّ سَجْلَهْ ... تُرْوِي الْحَجِيجَ زُغْلَةً فَزُغْلَهْ وَأَمّا أُمّ أَحْرَادٍ الّتِي ذَكَرَهَا، فَأَحْرَادٌ: جَمْعُ: حِرْدٍ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ السّنَامِ، فَكَأَنّهَا سُمّيَتْ بِهَذَا، لِأَنّهَا تُنْبِتُ الشّحْمَ، أَوْ تُسَمّنُ الْإِبِلَ، أَوْ نَحْوَ هَذَا وَالْحِرْدُ: الْقَطَا «4» الْوَارِدَةُ لِلْمَاءِ، فَكَأَنّهَا تَرِدُهَا الْقَطَا والطير، فيكون

_ (1) وفى المراصد: أن العجول أول بئر حفرت بمكة، وقيل: حفرها عبد شمس قبل خم، وقيل إن أصلها كانت ركية فى دار أم هانىء، ثم وسعها قصى، أو سماها كذلك (2) الزيادة من معجم البكرى. ومغتبق: أصل الغبوق- كصبور- ما يشرب بالعشى. وغبقه: سقاه ذلك، فاغتبق هو، والمغتبق- بضم الميم وكسر الباء- من يفعل ذلك (3) الزغلة: الجرعة. (4) قطا حرد: سراع. وقال الأزهرى عن هذا: إنه خطأ. وذكر أن القطا-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَحْرَادٌ جَمْعَ: حُرْدٍ بِالضّمّ عَلَى هَذَا. وَقَالَتْ أُمَيّةُ بِنْتُ عُمَيْلَةَ بْنِ السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ امْرَأَةُ الْعَوّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ حِينَ حَفَرَتْ بَنُو عَبْدِ الدّارِ أُمّ أَحْرَادٍ: نَحْنُ حَفَرْنَا الْبَحْرَ أُمّ أَحْرَادِ ... لَيْسَتْ كَبَذّرَ الْبُرُورِ «1» الْجَمَادِ فَأَجَابَتْهَا ضَرّتُهَا: صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أُمّ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: نَحْنُ حَفَرْنَا بَذّرْ «2» ... نَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَكْبَرْ مِنْ مُقْبِلٍ وَمُدْبِرْ ... وَأُمّ أَحْرَادَ شَرْ «3» وَأَمّا جُرَابٌ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى: جَرِيبٍ «4» نَحْوُ: كُبَارٍ وَكَبِيرٍ،

_ - الحرد هى القصار الأرجل، وهى موصوفة بذلك. وفى المراصد عن أم أحراد أنها جمع حريد، وهو المنفرد عن محلة القوم. (1) هكذا، وهى غير مناسبة للمعنى، فلعلها: البثور بضم الباء والثاء: جمع بثر بفتح الباء وسكون الثاء، وفى اللسان: أنها الكرار- بكسر الكاف- جمع كر المواضع الذى يجمع فيه الماء الاجن، ليصفو، ويقال للبخيل: جماد كقطام ذماله. (2) فى غير الروض: بثر بفتح فسكون، والبثر أرض حجارتها كحجارة الحرة إلا أنها بيض، والماء البثر فى الغدير إذا ذهب، وبقى على وجه الأرض منه شىء قليل (3) البيت: «سقى الله أمواها» لكثير عزة كما فى اللسان، وكلها آبار بمكة، وقال ابن برى: هذه كلها أسماء مياه؛ بدليل إبدالها من قوله أمواها، ودعا بالسقيا للأمواه، وهو يريد أهلها النازلين بها. (4) الجريب من الطعام والأرض: مقدار معلوم، والجريب: مكيال قدر أربعة أقفزة، والجريب: قدر ما يزرع فيه من الأرض، قال ابن دريد: لا أحسبه عربيا، والجمع: أجربة وجربان. وقيل: الجريب المزرعة، والجريبة: الوادى وجمعه أجربة. ولم أجد فى اللسان جرابا لجريب. ولا فى القاموس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْجَرِيبُ: الْوَادِي، وَالْجَرِيبُ أَيْضًا: مِكْيَالٌ كَبِيرٌ، وَالْجَرِيبُ أَيْضًا: الْمَزْرَعَةُ. وَأَمّا مَلْكُومٌ فَهُوَ عِنْدِي مَقْلُوبٌ، وَالْأَصْلُ: مَمْكُولٌ مِنْ: مَكَلْت الْبِئْرَ: إذَا اسْتَخْرَجْت مَاءَهَا، وَالْمَكْلَةُ: مَاءُ «1» الرّكِيّةِ، وَقَدْ قَالُوا: بِئْرٌ عَمِيقَةٌ، وَمَعِيقَةٌ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اللّفْظُ كَذَلِكَ يُقَالُ فِيهِ: مَمْكُولٌ وَمَلْكُومٌ، وَالْمَلْكُومُ فِي اللّغَةِ: الْمَظْلُومُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْلُوبًا «2» . وَأَمّا بَذّرُ فَمِنْ التّبْذِيرِ، وَهُوَ التّفْرِيقُ، وَلَعَلّ مَاءَهَا كَانَ يَخْرُجُ مُتَفَرّقًا مِنْ غَيْرِ مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا الْبِنَاءُ فِي الْأَسْمَاءِ قَلِيلٌ، نَحْو: شَلّمَ وَخَضّمَ وَبَذّرَ، وَهِيَ أَسْمَاءُ أَعْلَامٍ، وَشَلّمُ: اسْمُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَمّا فِي غَيْرِ الْأَعْلَامِ، فَلَا يُعْرَفُ إلّا الْبَقّمُ، وَلَعَلّ «3» أَصْلَهُ أَنْ يكون أعجميا، فعرب.

_ (1) وضع اللسان ملكوم فى مادة لكم، وفى المراصد: أنها اسم المفعول من لكمه، وفيه أن المكلة بضم الميم وفتحها وسكون الكاف: جمة البئر. الجمة المكان الذى يجتمع فيه ماء البئر. أو أول ما يستقى منها، وفى اللسان: المكلة بضم الميم الشىء القليل من الماء يبقى فى البئر أو الإناء، فهو من الأضداد وبئر ممكولة: نزح ماؤها. (2) لم أجد لملكوم هذا المعنى لا فى القاموس، ولا فى اللسان، ولها معنى الدفع والضرب باليد مجموعة. (3) خضم: اسم عنبر بن تميم، وقال اللسان عن شلم: إنها عبرانية، وزاد من الأعلام: عثر بفتح العين، وتضعيف الثاء مع فتح- اسم باليمن، أو واد من أودية العقيق، أو مأسدة. وفى المراصد أن أهل اليمن ينطقون عثر بتخفيف الثاء «بإسكانها» انظر المراصد، ومعجم ما استعجم وياقوت. وفى اللسان أيضا؛ كثم بوزن عثر: اسم موضع. أما بقم فاسم شجر عظام أو خشبة. وبضم الميم مثل-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا خُمّ وَهِيَ بِئْرُ مُرّةَ، فَهِيَ مِنْ خَمَمْت الْبَيْتَ إذَا كَنَسْته، وَيُقَالُ: فُلَانٌ مَخْمُومُ الْقَلْبِ أَيْ: نَقِيّهُ، فَكَأَنّهَا سُمّيَتْ بِذَلِكَ لِنِقَائِهَا. وأما غدير خمّ الّذِي عِنْدَ الْجُحْفَةِ، فَسُمّيَتْ بِغَيْضَةِ «1» عِنْدَهُ، يُقَالُ لَهَا: خُمّ فِيمَا ذَكَرُوا. وَأَمّا رُمّ بِئْرُ بَنِي كِلَابِ بْنِ مُرّةَ، فَمِنْ رَمَمْت الشّيْءَ إذَا جَمَعْته وَأَصْلَحْته، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: كُنّا أَهْلَ ثُمّةٍ وَرُمّةٍ «2» ، وَمِنْهُ: الرّمّانُ فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، لِأَنّهُ عِنْدَهُ فُعْلَانُ، وَأَمّا الْأَخْفَشُ فَيَقُولُ فِيهِ: فُعّالٌ، فَيَجْعَلُ فِيهِ النّونَ أَصْلِيّةً، وَيَقُولُ: إنْ سَمّيْت بِهِ رَجُلًا صَرَفْته. وَمِنْ قَوْلِ عَبْدِ شمس بن قصىّ:

_ - سكر شجر جوز، وزاد ابن مالك، شمر، اسم فرس، فصارت ستة أسماء، وقد نظم ابن مالك أكثرها فيما يأتى: وبذر وبقم وشمر ... وخضم وعثر لفعل ص 63 ج 2 المزهر للسيوطى. (1) الأجمة، وهى مغيض ماء يجتمع، فينبت فيه الشجر. (2) هو فى حديث أم عبد المطلب حين أخذه عمه منها: كنا ذوى ثمة ورمة. يقال، ما له ثم ولا رم، فالثم: قماش البيت: والرم: مرمة البيت أى: متاعه كأنها أرادت: كنا القائمين بأمره منذ ولد إلى أن شب وقوى. وقيل: هو من قول أخوال أحيحة بن الجلاح. قال أبو عبيد: المحدثون يروونه بالضم، والوجه عندى الفتح، وهو إصلاح الشىء وإحكامه، وهو- أى الثم والرم- بمعنى الإصلاح. وقيل: هما بالضم مصدران. والمعنى على قول أبى عبيدة: كنا أهل تربيته والمتولين لإصلاح شأنه، وقد رواه الهروى فى حرف الراء من قول أم عبد المطلب، ورواه فى حرف التاء من قول أخوال أحيحة، ورواه مالك فى الموطأ عن أحيحة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَفَرْت رُمّا، وَحَفَرْت خُمّا ... حَتّى تَرَى الْمَجْدَ بِهَا قَدْ تَمّا وَأَمّا شُفَيّةُ بِئْرُ بَنِي أَسَدٍ، فَقَالَ فِيهَا الْحُوَيْرِثُ بْنُ أَسَدٍ: مَاءُ شُفَيّةَ «1» كَمَاءِ الْمُزْنِ ... وَلَيْسَ مَاؤُهَا بِطَرْقِ أَجْنِ «2» وأما سنبلة: بئر بنى جمج، وَهِيَ بِئْرُ بَنِي خَلَفِ بْنِ وَهْبٍ- فَقَالَ فِيهَا شَاعِرُهُمْ: نَحْنُ حَفَرْنَا لِلْحَجِيجِ سُنْبُلَهْ ... صَوْبَ سَحَابٍ ذُو الْجَلَالِ أَنْزَلَهْ ثُمّ تَرَكْنَاهَا بِرَأْسِ الْقُنْبُلَهْ ... تَصُبّ مَاءً مِثْلَ مَاءِ الْمَعْبَلَهْ نَحْنُ سقينا الناس قبل المسئله مِنْ شَرْحِ شِعْرِ مُسَافِرٍ وَأَمّا الْغَمْرُ: بِئْرُ بَنِي سَهْمٍ، فَقَالَ فِيهَا بَعْضُهُمْ: نَحْنُ حَفَرْنَا الْغَمْرَ لِلْحَجِيجِ ... تَثُجّ مَاءً أَيّمَا ثَجِيجِ ذَكَرَ أَكْثَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيّ، وَبَعْضُ هَذِهِ الْأَرْجَازِ أَوْ أَكْثَرُهُ فِي كِتَابِ الزّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ. فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ مُسَافِرِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ. وَاسْمُ أَبِي عَمْرٍو: ذَكْوَانُ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِيهِ أبو سفيان:

_ (1) هى سقية أو شفية، وفى النسخة المطبوعة سنة 1332 على هامش الروض: سقية. (2) الطرق: الماء الذى خوضته الإبل، وبولت فيه، والأجن: الماء المتغير الطعم واللون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَيْتَ شِعْرِي مُسَافِرَ بْنَ أَبِي عَمْ ... رٍو، وَلَيْتٌ يَقُولُهَا الْمَحْزُونُ بُورِكَ الْمَيّتُ الْغَرِيبُ كَمَا بُو ... رِكَ نَضْحُ الرّمّانِ وَالزّيْتُونُ «1» فِي شِعْرٍ يَرْثِيهِ بِهِ، وَكَانَ مَاتَ مِنْ حُبّ صَعْبَةَ بِنْتِ الْحَضْرَمِيّ. وَفِي الشّعْرِ: وَنَنْحَرُ الدّلّافَةَ الرّفُدَا «2» الرّفُدُ: جَمْعُ رَفُودٍ مِنْ الرّفْدِ، وَهِيَ الّتِي تَمْلَأُ إنَاءَيْنِ عِنْدَ الْحَلْبِ. وَقَوْلُهُ: وَنُلْفَى عِنْدَ تَصْرِيفِ الْمَنَايَا شُدّدًا رُفُدَا هُوَ جَمْعُ رَفُودٍ أَيْضًا مِنْ الرّفْدِ وَهُوَ: الْعَوْنُ؛ وَالْأَوّلُ مِنْ الرّفْدِ بِفَتْحِ الرّاءِ [وَبِكَسْرِهَا] وَهُوَ إنَاءٌ كَبِيرٌ قَالَ الشّاعِرُ: رُبّ رَفْدٍ هَرَقْته ذَلِكَ الْيَوْ ... م وأسرى من معشر أقتال «3»

_ (1) ينسب هذا فى اللسان إلى أبى طالب بن عبد المطلب فى مادة نضح. والنضح تفطر الشجر بالورق. (2) فسر الخشنى فى شرحه للسيرة الدلافة بقوله: بالإبل التى تمشى متمهلة لكثرة سمنها. وفى اللسان، المذلاقة بدلا من: الدلافة. وفسر المذلاقة بأنها الناقة السريعة. أما الدلاقة ففى اللسان، الدلوق والدلقاء: التى تنكسر أسنانها من الكبر فتمج الماء والرفود من الإبل التى تملأ الرفد- بكسر الراء وفتحها- القدح الضخم فى حلبة واحدة، أو هى الدائمة على محلبها، أو التى تتابع الحلب. (3) جمع قتل بكسر القاف، وهو العدو أو الصديق والنظير وابن العم والشجاع والقرن. والرفد بفتح الراء وكسرها والمرفد- بكسر الميم وفتح-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ أُمّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وهى: فاطمة بنت عمرو بن عائذ ابن عِمْرَانَ «1» هَكَذَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. وَقَالَ ابْنُ إسحاق: عائذ بن عبد بن عمران ابن مَخْزُومٍ، وَالصّحِيحُ مَا قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ؛ لِأَنّ الزّبَيْرِيّينَ ذَكَرُوا أَنّ عَبْدًا هُوَ أَخُو عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ، وَأَنّ بِنْتَ عَبْدٍ هِيَ: صَخْرَةُ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ؛ لِأَنّهَا كَانَتْ لَهُ عَمّةً، لَا بِنْتَ عَمّ، فَتَأَمّلْهُ، فَقَدْ تَكَرّرَ هَذَا النّسَبُ فِي السّيرَةِ مِرَارًا، وَفِي كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ ابْنُ إسحاق: عائذ بن عبد ابن عِمْرَانَ، وَيُخَالِفُهُ ابْنُ هِشَامٍ. وَصَخْرَةُ بِنْتُ عَبْدٍ أُمّ فَاطِمَةَ، أُمّهَا: تَخْمُرُ بِنْتُ عَبْدِ بْنِ قُصَيّ، وَأُمّ تَخْمُرَ: سُلْمَى بِنْتُ عُمَيْرَةَ «2» بْنِ وديعة ابن الحارث بن فهر. قاله الزّبير:

_ - الفاء، أو بفتح الميم وكسر الفاء- القدح العظيم، وفى اللسان: هراقت السماء ماءها تهريق، والماء مهراق. الهاء فى ذلك كله متحركة، لأنها ليست أصلية، إنما هى بدل من همزة: أراق، وهرقت مثل أرقت. وقد نسبه إلى الأزهرى، ونسب إليه أيضا أنه قال: ومن قال: أهرقت فهو خطأ فى القياس. ومثل هرقت- والأصل أرقت قولهم هرحت الدابة وأرحتها، وهنرت النار وأنرتها. وقال أبو زيد: الهاء منها زائدة، كما قالوا: أنهأت اللحم والأصل أنأته. وقال بعض النحويين إنما هو هراق يهريق؛ لأن الأصل من أراق يريق يؤريق لأن أفعل يفعل كان فى الأصل يؤفعل. والجوهرى يقول: هراق الماء يهر يقه بفتح الهاء هراقة- بكسر الهاء- صبه (1) هى كذلك فى جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 13 ونسب قريش ص 17 وفى حذف نسب قريش للسدوسى ص 5. (2) فى نسب قريش: سلمى بنت عامرة بن عميرة الخ ص 17.

ذكر نذر عبد المطلب ذبح ولده

[ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ذَبْحَ وَلَدِهِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ- فِيمَا يَزْعُمُونَ وَاَللهُ أَعْلَمُ- قَدْ نَذَرَ حِينَ لَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ مَا لَقِيَ عِنْدَ حَفْرِ زَمْزَمَ: لَئِنْ وُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ، ثُمّ بَلَغُوا مَعَهُ حَتّى يَمْنَعُوهُ، لَيَنْحَرَن أَحَدَهُمْ لِلّهِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ. فَلَمّا تَوَافَى بَنُوهُ عَشَرَةً، وَعَرَفَ أَنّهُمْ سَيَمْنَعُونَهُ، جَمَعَهُمْ، ثُمّ أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ، وَدَعَاهُمْ إلَى الْوَفَاء لِلّهِ بِذَلِكَ، فَأَطَاعُوهُ وَقَالُوا: كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: لِيَأْخُذْ كُلّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قِدْحًا ثم يكتب فيه اسمه، ثم ائتونى، ففعلوا، ثم أَتَوْهُ، فَدَخَلَ بِهِمْ عَلَى هُبَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ هُبَلُ عَلَى بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ هِيَ الّتِي يُجْمَعُ فيها ما يهدى للكعبة. وكان عند هبل قداح سبعة، كل قدخ مِنْهَا فِيهِ كِتَابٌ. قِدْحٌ فِيهِ الْعَقْلُ، إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْعَقْلِ مَنْ يَحْمِلُهُ مِنْهُمْ، ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ السّبْعَةِ، فَإِنْ خَرَجَ الْعَقْلُ فَعَلَى مَنْ خَرَجَ حَمْلُهُ. وَقِدْحٌ فِيهِ: نَعَمْ. لِلْأَمْرِ إذَا أَرَادُوهُ يُضْرَبُ، بِهِ فِي الْقِدَاحِ، فَإِنْ خَرَجَ قِدْحُ نَعَمْ، عَمِلُوا بِهِ. وَقِدْحٌ فِيهِ: لَا، إذَا أَرَادُوا أَمْرًا ضَرَبُوا بِهِ فِي الْقِدَاحِ، فإن خرج ذلك القداح لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ، وَقِدْحٌ فِيهِ: مِنْكُمْ، وَقِدْحٌ فِيهِ مُلْصَقٌ: وَقِدْحٌ فِيهِ: مِنْ غَيْرِكُمْ: وَقِدْحٌ فِيهِ: الْمِيَاهُ، إذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِلْمَاءِ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ، وَفِيهَا ذَلِكَ الْقِدْحُ، فَحَيْثُمَا خَرَجَ عَمِلُوا بِهِ. وَكَانُوا إذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْتِنُوا غُلَامًا، أَوْ يُنْكِحُوا مُنْكَحًا، أَوْ يَدْفِنُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ميتا، أو شكوا فِي نَسَبِ أَحَدِهِمْ، ذَهَبُوا بِهِ إلَى هُبَلَ وَبِمِئَةِ دِرْهَمٍ وَجَزُورٍ، فَأَعْطَوْهَا صَاحِبَ الْقِدَاحِ الّذِي يَضْرِبُ بِهَا، ثُمّ قَرّبُوا صَاحِبَهُمْ الّذِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ، ثُمّ قَالُوا: يَا إلَهَنَا هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَدْ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَخْرِجْ الْحَقّ فِيهِ. ثُمّ يَقُولُونَ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ: اضْرِبْ: فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ: مِنْكُمْ، كَانَ مِنْهُمْ وَسِيطًا، وَإِنْ خَرَج عَلَيْهِ: مِنْ غَيْرِكُمْ، كَانَ حَلِيفًا، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ: مُلْصَقٌ، كَانَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ، لَا نَسَبَ لَهُ، وَلَا حِلْفَ، وَإِنْ خَرَجَ فِيهِ شَيْءٌ، مِمّا سِوَى هَذَا مِمّا يَعْمَلُونَ بِهِ: نَعَمْ عَمِلُوا به، وإن خرج: لا، أخّروه عامه ذلك، ختى يَأْتُوهُ بِهِ مَرّةً أُخْرَى، يَنْتَهُونَ فِي أُمُورِهِمْ إلى ذلك مما خرجت به الْقِدَاحِ. فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ: اضْرِبْ عَلَى بَنِيّ هَؤُلَاءِ بِقِدَاحِهِمْ هَذِهِ، وَأَخْبَرَهُ بِنَذْرِهِ الّذِي نَذَرَ، فَأَعْطَاهُ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قِدْحَهُ الّذِي فِيهِ اسْمُهُ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَصْغَرَ بَنِي أَبِيهِ، كَانَ هُوَ وَالزّبَيْرُ وَأَبُو طَالِبٍ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ عَمْرِو بْنِ عَائِذُ بْنُ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. قَالَ ابْنُ هشام: عائذ بن عمران بن مخزوم. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- أَحَبّ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلَيْهِ، فَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَرَى أَنّ السّهْمَ إذَا أَخَطَأَهُ فَقَدْ أَشْوَى. وَهُوَ أَبُو رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمّا أَخَذَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ الْقِدَاحَ لِيَضْرِبَ بِهَا، قَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ عِنْدَ هُبَلَ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ، فخرج القدح ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بِيَدِهِ وَأَخَذَ الشّفْرَةَ، ثُمّ أَقْبَلَ بِهِ إلَى إسَافٍ وَنَائِلَةٍ لِيَذْبَحَهُ، فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ أَنْدِيَتِهَا، فَقَالُوا: مَاذَا تُرِيدُ يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ؟ قَالَ: أَذْبَحُهُ، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ: وَاَللهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا، حَتّى تُعْذِرَ فِيهِ. لَئِنْ فَعَلْتَ هَذَا لَا يَزَالُ الرّجُلُ يَأْتِي بِابْنِهِ حَتّى يَذْبَحَهُ، فَمَا بَقَاءُ النّاسِ عَلَى هَذَا؟! وَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ بن يقظة- وكان عبد الله ابن أخت القوم: وَاَللهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا، حَتّى تُعْذِرَ فِيهِ، فإن كان فداؤه بأموالنا فديناه. وقالت له قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ. لَا تَفْعَلْ، وَانْطَلِقْ بِهِ إلَى الْحِجَازِ، فَإِنّ بِهِ عَرّافَةً لَهَا تَابِعٌ، فَسَلْهَا، ثُمّ أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِك، إنْ أَمَرَتْكَ بذبحه ذبحته، وإن أَمَرَتْك بِأَمْرٍ لَك وَلَهُ فِيهِ فَرَجٌ قَبِلْته. فَانْطَلَقُوا حَتّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَوَجَدُوهَا- فِيمَا يَزْعُمُونَ- بخيبر. فركبوا حتى جاؤها، فَسَأَلُوهَا، وَقَصّ عَلَيْهَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ خَبَرَهُ وَخَبَرَ ابْنِهِ، وَمَا أَرَادَ بِهِ وَنَذْرَهُ فِيهِ، فَقَالَتْ لَهُمْ: ارْجِعُوا عَنّي الْيَوْمَ حَتّى يَأْتِيَنِي تَابِعِي فَأَسْأَلُهُ. فَرَجَعُوا مِنْ عِنْدِهَا، فَلَمّا خَرَجُوا عَنْهَا قَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ غَدَوْا عَلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ: قَدْ جَاءَنِي الْخَبَرُ، كَمْ الدّيَةُ فِيكُمْ؟ قَالُوا: عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَكَانَتْ كذلك. قالت: فارجعو إلَى بِلَادِكُمْ، ثُمّ قَرّبُوا صَاحِبَكُمْ، وَقَرّبُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، ثُمّ اضْرِبُوا عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ بِالْقِدَاحِ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَزِيدُوا مِنْ الْإِبِلِ حَتّى يَرْضَى رَبّكُمْ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الْإِبِلِ فَانْحَرُوهَا عَنْهُ، فَقَدْ رَضِيَ رَبّكُمْ، وَنَجَا صَاحِبُكُمْ. فخرجوا حتى قدموا مكة، فلما أجمعو عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ، قَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ قَرّبُوا عَبْدَ اللهِ وَعَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، وَعَبْدُ الْمُطّلِبِ قَائِمٌ عِنْدَ هُبَلَ يَدْعُو اللهَ عَزّ وَجَلّ!! ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ عِشْرِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ عَزّ وَجَلّ، ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ ثَلَاثِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ أَرْبَعِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ خَمْسِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ سِتّينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ سَبْعِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ ثَمَانِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ تِسْعِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ مِئَةً، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللهَ، ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ حَضَرَ: قَدْ انْتَهَى رِضَا رَبّك يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ، فَزَعَمُوا أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ قَالَ: لَا وَاَللهِ حَتّى أَضْرِبَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرّاتٍ، فَضَرَبُوا عَلَى عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى الْإِبِلِ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يدعو الله، فخرج القدج عَلَى الْإِبِلِ، ثُمّ عَادُوا الثّانِيَةَ، وَعَبْدُ الْمُطّلِبِ قَائِمٌ يَدْعُو اللهَ، فَضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر المرأة المتعرضه لنكاح عبد الله بن عبد المطلب

الْإِبِلِ، ثُمّ عَادُوا الثّالِثَةَ، وَعَبْدُ الْمُطّلِبِ قَائِمٌ يَدْعُو اللهَ، فَضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ: فَنُحِرَتْ: ثُمّ تُرِكَتْ لَا يُصَدّ عَنْهَا إنْسَانٌ وَلَا يُمْنَعُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: إنْسَانٌ وَلَا سَبُعٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَيْنَ أَضْعَافِ هَذَا الْحَدِيثِ رَجَزٌ لَمْ يَصِحّ عِنْدَنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ. [ذِكْرُ الْمَرْأَةِ الْمُتَعَرّضَةِ لِنِكَاحِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ آخِذًا بِيَدِ عَبْدِ اللهِ، فَمَرّ بِهِ- فِيمَا يزعمون- على امرأة مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قصىّ بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بْنِ فِهْرِ: وَهِيَ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ ابن أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: وَهِيَ عِنْدَ الْكَعْبَة: فَقَالَتْ لَهُ حِينَ نَظَرَتْ إلَى وَجْهِهِ: أَيْنَ تَذْهَبُ يَا عَبْدَ اللهِ؟ قَالَ: مَعَ أَبِي. قَالَتْ: لَك مِثْلُ الْإِبِلِ الّتِي نُحِرَتْ عَنْك: وَقَعْ عَلَيّ الْآنَ. قَالَ: أَنَا مَعَ أَبِي، ولا أستطيع خلافه. ولا فراقه. فَخَرَجَ بِهِ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حَتّى أَتَى بِهِ وهب بن عبد مناف بن زهرة ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ بَنِي زُهْرَةَ نَسَبًا وَشَرَفًا- فَزَوّجَهُ ابْنَتَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَفَضْلُ امْرَأَةٍ فِي قريش نسبا وموضعا. وَهِيَ لِبَرّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بْنِ فِهْرٍ. وَبَرّةَ: لِأُمّ حَبِيبِ بِنْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ بْنِ كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَأُمّ حَبِيبٍ: لِبَرّةَ بِنْتَ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عدىّ ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. فَزَعَمُوا أَنّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا حِينَ أُمْلِكَهَا مَكَانَهُ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ثُمّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، فَأَتَى المرأة التى عرضت عليه ما عرضت، فقال لها: مالك لَا تَعْرِضِينَ عَلَيّ الْيَوْمَ مَا كُنْتِ عَرَضْتِ عَلَيّ بِالْأَمْسِ؟ قَالَتْ لَهُ: فَارَقَك النّورُ الّذِي كَانَ مَعَك بِالْأَمْسِ، فَلَيْسَ [لِي] بِك الْيَوْمَ حَاجَةٌ. وَقَدْ كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ- وَكَانَ قَدْ تَنَصّرَ وَاتّبَعَ الْكُتُبَ: أنه كائن فِي هَذِهِ الْأُمّةِ نَبِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ: أَنّهُ حُدّثَ، أَنّ عَبْدَ اللهِ إنّمَا دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهُ مَعَ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، وَقَدْ عَمِلَ فِي طِينٍ لَهُ، وَبَهْ آثَارٌ مِنْ الطّينِ، فَدَعَاهَا إلَى نَفْسِهِ، فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ لِمَا رَأَتْ بِهِ مِنْ أَثَرِ الطّينِ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا فَتَوَضّأَ وَغَسَلَ مَا كَانَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الطّينِ، ثُمّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى آمِنَةَ، فَمَرّ بِهَا، فَدَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا، فَأَبَى عَلَيْهَا، وَعَمَدَ إلَى آمِنَةَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَصَابَهَا، فَحَمَلَتْ بِمُحَمّدِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ثُمّ مَرّ بِامْرَأَتِهِ تِلْكَ: فَقَالَ لَهَا: هَلْ لَك؟ قَالَتْ: لَا، مَرَرْتَ بِي وَبَيْنَ عَيْنَيْك غُرّةٌ بَيْضَاءُ، فَدَعَوْتُك فَأَبَيْتَ عَلَيّ، وَدَخَلْتَ عَلَى آمِنَةَ فَذَهَبَتْ بِهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنّ امْرَأَتَهُ تِلْكَ كَانَتْ تُحَدّثُ: أَنّهُ مَرّ بِهَا وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ غُرّةٌ مِثْلُ غُرّةِ الْفَرَسِ، قَالَتْ: فَدَعَوْتُهُ رَجَاءَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر ما قيل لامنة عند حملها برسول الله صلى الله عليه وسلم

بِي، فَأَبَى عَلَيّ، وَدَخَلَ عَلَى آمِنَةَ، فَأَصَابَهَا، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْسَطَ قَوْمِهِ نَسَبًا، وَأَعْظَمَهُمْ شَرَفًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمّهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. [ذِكْرُ مَا قِيلَ لِآمِنَةَ عِنْدَ حَمْلِهَا بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ] وَيَزْعُمُونَ- فِيمَا يَتَحَدّثُ النّاسُ وَاَللهُ أعلم- أنّ آمنة ابنة وَهْبٍ أُمّ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- كانت تحدّث: أنها أُتِيَتْ، حِينَ حَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَقِيلَ لَهَا: إنّك قَدْ حَمَلْتِ بِسَيّدِ هَذِهِ الْأُمّةِ، فَإِذَا وَقَعَ إلَى الْأَرْضِ، فَقُولِي: أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدِ، مِنْ شَرّ كُلّ حَاسِدٍ، ثُمّ سَمّيهِ: مُحَمّدًا. وَرَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ أَنّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ رَأَتْ بِهِ قُصُورَ بصرى، من أرض الشام. ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَبُو رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ هَلَكَ، وَأُمّ رَسُولِ اللهِ- صَلّى الله عليه وسلم حامل به. ـــــــــــــــــــــــــــــ نَذْرُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ نَذْرَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَنْ يَنْحَرَ ابْنَهُ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَفِيهِ أَنّ عَبْدَ اللهِ، يَعْنِي: وَالِدَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَصْغَرَ بَنِي أَبِيهِ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَلَعَلّ الرّوَايَةَ: أَصْغَرَ بَنِي أُمّهِ، وَإِلّا فَحَمْزَةُ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ، وَالْعَبّاسُ: أَصْغَرُ مِنْ حَمْزَةَ، وَرُوِيَ عَنْ الْعَبّاسِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنّهُ قَالَ: أَذْكُرُ مَوْلِدَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابْنُ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَجِيءَ بِي حَتّى نَظَرْت إلَيْهِ، وَجَعَلَ النّسْوَةُ يَقُلْنَ لِي: قَبّلْ أَخَاك، قَبّلْ أَخَاك، فَقَبّلْته، فَكَيْفَ يَصِحّ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللهِ هُوَ الْأَصْغَرَ مَعَ هَذَا؟! وَلَكِنْ رَوَاهُ الْبَكّائِيّ كَمَا تَقَدّمَ، وَلِرِوَايَتِهِ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَصْغَرَ وَلَدِ أَبِيهِ «1» حِينَ أَرَادَ نَحْرَهُ، ثُمّ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَمْزَةُ وَالْعَبّاسُ. وَسَائِرُ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ لَيْسَ فِيهِ مَا يُشْكِلُ. وَفِيهِ أَنّ الدّيَةَ كانت

_ (1) أولاد عبد المطلب هم- كما فى نسب قريش: عبد الله، وأبو طالب- واسمه: عبد مناف- والزبير، وأم حكيم البيضاء الملقبة بالحصان- بفتح الحاء- توأمة عبد الله والد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وعاتكة، ومرة، وأميمة، وأروى أمهم: فاطمة بنت عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم، وحمزة، والمقوم، وحجل أو حجل- واسمه: المغيرة- وصفية وأمهم: هَالَةُ بِنْتُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زهرة، والعباس وضرار، وأمهما نتيلة بنت جناب ابن كليب، والحارث وهو أكبر ولده، وبه كان يكنى- وقثم هلك صغيرا وأمهما: صفية بنت جندب بن حجير بن رئاب، وأبو لهب- واسمه عبد العزى- وأمه: لبنى بنت هاجر بن عبد مناف. والغيداق- واسمه: مصعب، وأمه خزاعية وفى جمهرة أنساب العرب: عبد الله، وأبو طالب، وأبو لهب، ويكنى أبا عتبة والزبير والمقوم والحارث وحمزة والعباس، وأربع بنات. فعبد الله، وأبو طالب والزبير وأم حكيم، وعاتكة، ومرة، وأميمة، وأروى. أشقاء من أم واحدة. وحمزة والمقوم وحجل وصفية أشقاء من أم واحدة. والعباس وضرار شقيقان، والحارث، وقثم شقيقان، وأبو لهب من أم، والغيداق من أم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِعَشْرِ مِنْ الْإِبِلِ قَبْلَ هَذِهِ الْقِصّةِ: وَأَوّلُ مَنْ وُدِيَ بِالْمِائَةِ إذًا: عَبْدُ اللهِ. وَقَدْ قَدّمْنَا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْبَهَانِيّ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ أَنّ أَبَا سَيّارَةَ هُوَ أَوّلُ مَنْ جَعَلَ الدّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَأَمّا أَوّلُ مَنْ ودى بالإبل من العرب: فزيد ابن بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ قَتَلَهُ أَخُوهُ مُعَاوِيَةُ جَدّ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ «1» . وَأَمّا الْكَاهِنَةُ الّتِي تَحَاكَمُوا إلَيْهَا بِالْمَدِينَةِ فَاسْمُهَا: قُطْبَةُ. ذَكَرَهَا عَبْدُ الْغَنِيّ فِي كِتَابِ الْغَوَامِضِ وَالْمُبْهَمَاتِ، وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ أَنّ اسْمَهَا: سَجَاحُ. تَزْوِيجُ عَبْدِ اللهِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَزْوِيجَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، وَذَكَرَ الْبَرْقِيّ فِي سَبَبِ تَزْوِيجِ عَبْدِ اللهِ آمِنَةَ: أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ كَانَ يَأْتِي الْيَمَنَ، وَكَانَ يَنْزِلُ فِيهَا عَلَى عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَائِهِمْ، فَنَزَلَ عِنْدَهُ مَرّةً، فَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ مِمّنْ قَرَأَ الْكُتُبَ، فَقَالَ لَهُ: ائْذَنْ لِي أَقِسْ مَنْخِرَك «2» ، فَقَالَ: دُونَك فَانْظُرْ، فَقَالَ: أَرَى نُبُوّةً وَمُلْكًا، وَأَرَاهُمَا فِي الْمَنَافَيْنِ: عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ، وَعَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، فَلَمّا انْصَرَفَ عبد المطلب انطلق بابنه عبد الله،

_ (1) اسم زيد فى جمهرة أنساب العرب: يزيد. وفيه أيضا أن يزيد هو الذى قتل معاوية، فجعل فيه عامر بن الظرب العد وانى مائة من الإبل، وهى أول دية قضى فيها بذلك، وتقول العرب إن لقمان كان جعلها قبل ذلك مائة جدى. ص 252 جمهرة ابن حزم. (2) فى القاموس- بفتح الميم والخاء وبكسرهما وضمهما، وكمجلس وملمول «بضم الميمين» : الأنف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَتَزَوّجَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ هَالَةَ بِنْتَ وُهَيْبٍ «1» ، وَهِيَ أُمّ حَمْزَةَ- رَضِيَ اللهُ- عَنْهُ، وَزَوّجَ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَوْلَ أُمّهَاتِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَذَكَرَ أُمّهَا وَأُمّ أُمّهَا، وَالثّالِثَةَ وَهِيَ: بَرّةُ بِنْتُ عَوْفٍ «2» ، وَقَدْ قَدّمْنَا فِي أَوّلِ الْمَوْلِدِ ذِكْرَ أُمّ الثّالِثَةِ وَالرّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ «3» وَنَسَبَهُنّ، فَلْيُنْظَرْ هُنَالِكَ. وَأَمّا أُمّ هَالَةَ فَهِيَ: الْعَبْلَةُ بِنْتُ الْمُطّلِبِ، وَأُمّهَا: خَدِيجَةُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ «4» ، وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى بَعْضِ النّاسِ فِي هَذَا الْخَبَرِ أن عبد المطلب نذر

_ (1) فى نسب قريش: أهيب ص 17، وفى جمهرة ابن حزم ص 13: وهيب. (2) فى السيرة: بَرّةَ بِنْتَ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ. وفى كتاب حذف نسب قريش للسدوسى ص 6: ضبطت عويج بفتح العين. وكسر الواو. وأكثر المراجع ذكرته بضم العين وفتح الواو. (3) فى نسب قريش عن أم برة: «وأمها أميمة بنت مالك بن غنم بن حنش ابن عادية بْنِ كَعْبِ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ هذيل، وأمها: قلابة بنت الحارث- وهو أبو قلابة الشاعر، وهو أقدم من قال الشعر فى هذيل. واسم أبى قلابة: الحارث بن صعصعة بْنِ كَعْبِ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ هذيل. وأمها: دبّة بنت الحارث بن تميم وأمها: لبنى بنت الحارث بن النّمر بن جرءة بن أسيّد بن عمرو بْنِ تَمِيمِ بْنِ مُرّ بْنِ أُدّ بْنِ طابخة بن الياس ص 21 وأم حبيب بنت أسد المذكورة فى السيرة سماها السدوسى: حبيبة ص 6. (4) فى نسب قريش ص 92 ذكر أن أمها هى خديجة بنت سعيد بن بحر بن سهم بن عمرو بن هصيص ولكنه ذكر فى ص 17 أن أمها هى خديجة بنت سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص: وليس لسهم بن عمرو ولد اسمه-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَحْرَ أَحَدِ بَنِيهِ إذَا بَلَغُوا عَشَرَةً، ثُمّ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ تَزْوِيجَهُ هَالَةَ أُمّ ابْنَه حَمْزَةَ كَانَ بَعْدَ وَفَائِهِ بِنَذْرِهِ، فَحَمْزَةُ وَالْعَبّاسُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- إنّمَا وُلِدَا بَعْدَ الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ، وَإِنّمَا كَانَ جَمِيعُ أَوْلَادِهِ عَشَرَةً. وَلَا إشْكَالَ فِي هَذَا، فَإِنّ جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا: كَانَ أَعْمَامُهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- اثْنَيْ عَشَرَ، وَقَالَهُ أَبُو عُمَرَ، فَإِنْ صَحّ هَذَا فَلَا إشْكَالَ فِي الْخَبَرِ، وَإِنْ صَحّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانُوا عَشَرَةً بِلَا مَزِيدٍ، فَالْوَلَدُ يَقَعُ عَلَى الْبَنِينَ وَبَنِيهِمْ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، فَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ قَدْ اجْتَمَعَ لَهُ مِنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ عَشَرَةُ رِجَالٍ حِينَ وَفّى بِنَذْرِهِ. الْمَرْأَةُ الّتِي دَعَتْ عَبْدَ اللهِ: وَيُرْوَى أَنّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حِينَ دَعَتْهُ الْمَرْأَةُ الْأَسَدِيّةُ إلَى نَفْسِهَا لِمَا رَأَتْ فِي وَجْهِهِ مِنْ نُورِ النّبُوّةِ، وَرَجَتْ أَنْ تَحْمِلَ بِهَذَا النّبِيّ، فَتَكُونَ أُمّهُ دُونَ غَيْرِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ حِينَئِذٍ فِيمَا ذَكَرُوا: أَمّا الْحَرَامُ فَالْحِمَامُ دُونَهْ ... وَالْحِلّ لَا حِلّ فَأَسْتَبِينَهْ فَكَيْفَ بِالْأَمْرِ الّذِي تَبْغِينَهْ ... يَحْمِي الْكَرِيمُ عِرْضَهُ وَدِينَهْ؟! وَاسْمُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ: رُقَيّةُ «1» بِنْتُ نَوْفَلِ أخت ورقة بن نوفل؛ تكنّى: أمّ

_ - بحر. وإنما كل ولده سعد وسعيد ورئاب. ومن ولد سعد: سعيد الذى أعقب أولادا منهم: خديجة هذه التى يذكر أنها أم عبلة. انظر ص 400، 406 نسب قريش، ولم يذكر من أولاد سعيد بن سهم من اسمها خديجة، وإنما قال: إن أمها بنت سعيد بن سهم ص 408 وانظر ص 154 وما بعدها جمهرة النسب. (1) فى البداية ج 2 ص 262 أن اسمها رقيقة. وقد روى ذلك البيهقى من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق وانظر ص 53 من شرح السيرة للخشنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَتّالٍ، وَبِهَذِهِ الْكُنْيَةِ وَقَعَ ذِكْرُهَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَذَكَرَ الْبَرْقِيّ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيّ، قَالَ: إنّمَا مَرّ عَلَى امْرَأَةٍ اسْمُهَا: فَاطِمَةُ «1» بِنْتُ مُرّ، كَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النّسَاءِ وَأَعَفّهِنّ «2» ، وَكَانَتْ قَرَأَتْ الْكُتُبَ، فَرَأَتْ نُورَ النّبُوّةِ فِي وَجْهِهِ، فَدَعَتْهُ إلَى نِكَاحِهَا، فَأَبَى، فَلَمّا أَبَى قَالَتْ: إنّي رَأَيْت مُخِيلَةً نَشَأَتْ ... فَتَلَأْلَأَتْ بِحَنَاتِمِ الْقَطْرِ «3» فَلَمَأْتهَا نُورًا يُضِيءُ بِهِ ... مَا حَوْلَهُ كَإِضَاءَةِ الْفَجْرِ «4» وَرَأَيْت سُقْيَاهَا حيا بلد ... وقعت به وعمارة القفر «5»

_ (1) كانت- كما روى الخرائطى- كاهنة من أهل تبالة متهودة خثعمية، وأنها عرضت عليه مائة من الإبل ليقع عليها فى لحظتها، فأبى. وأقول: لم ترد مسألة النور هذه فى صحاح الأحاديث، ولا يرفع من قيمة النبى- صلى الله عليه وسلم- أن نردد هذا. وقرابة بنى زهرة بن كلاب من رسول الله «ص» من وجهين. أحدهما: أنهم أقارب أمه، والثانى: إخوة قصى بن كلاب بن مرة، وهو جد والد جد النبى. والمشهور أن زهرة اسم الرجل- وهو المغيرة- أما ابن قتيبة، فيقول: إنه اسم امرأته ص 417 ج 11 فتح البارى. (2) فى الأصل وأعفه. (3) الشعر ينسب أيضا إلى الخثعمية الكاهنة التى عرضت نفسها على عبد الله والمخيلة: السحابة التى تخالها ماطرة وهى بضم الميم وفتحها. وحناتم: جمع حنتمة: السحابة السوداء لامتلائها من الماء، وفى الطبرى: لمعت بدلا من: نشأت. (4) لمأتها: أبصرتها. وفى الطبرى: له، والبدر بدلا من به، والفجر، والبيت فى اللسان. (5) لا يوجد هذا البيت فى الطبرى.

ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم

[وِلَادَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قال حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هِشَامٍ قَالَ: حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البكائى عن محمد ابن إسحاق قال: وُلِدَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شهر ربيع الأوّل، عام الفيل. قال ابن إسحاق: وحدثنى الْمُطّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ. قَالَ: وَلَدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفِيلِ: فنحن لدتان. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ يَحْيَى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيّ. قَالَ: حَدّثَنِي مَنْ شِئْت مِنْ رِجَالِ قَوْمِي عَنْ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: وَاَللهِ إنّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ، ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ، أَعْقِلُ كُلّ مَا سَمِعْت، إذْ سَمِعْتُ يَهُودِيّا يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ عَلَى أَطَمَةٍ بِيَثْرِبَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودِ! حَتّى إذَا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، قَالُوا لَهُ: وَيْلَكَ مَا لَك؟! قَالَ: طَلَعَ اللّيْلَةَ نَجْمُ أَحْمَدِ الّذِي ولد به. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَرَأَيْته شَرَفًا أَبُوءُ بِهِ «1» ... مَا كُلّ قَادِحِ زَنْدِهِ يُورِي لِلّهِ مَا زُهْرِيّةٌ سَلَبَتْ ... مِنْك الّذِي اسْتَلَبَتْ وَمَا تَدْرِي «2» وَفِي غَرِيبِ ابْنِ قُتَيْبَةَ: أَنّ الّتِي عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ هِيَ: ليلى العدويّة.

_ (1) فى الطبرى: فرجوتها فخرا أبوء به. (2) فى الطبرى: ثوبيك ما استلبت وما تدرى. هذا وقد ذكر الطبرى لها قصيدة أخرى عدتهاست أبيات وجاء فى آخرها. ولما حوت منه أمينة ما حوت ... حوت منه فخرا ما لذلك ثان

قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ: فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَقُلْت. ابْنُ كَمْ كَانَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَقْدَمَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة؟ فقال: ابن ستّين، وَقَدِمَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، فَسَمِعَ حَسّانُ ما سمع، وهو ابن سبع سنين. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا وَضَعَتْهُ أُمّهُ- صَلّى الله عليه وسلم- أرسلت إلى جدّه عَبْدِ الْمُطّلِبِ: أَنّهُ قَدْ وُلِدَ لَك غُلَامٌ، فَأْتِهِ فَانْظُرْ إلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَنَظَرَ إلَيْهِ، وَحَدّثَتْهُ بِمَا رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ، وَمَا قِيلَ لَهَا فِيهِ، وَمَا أُمِرَتْ بِهِ أَنْ تُسَمّيَهُ. فَيَزْعُمُونَ أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ أَخَذَهُ، فَدَخَلَ بِهِ الْكَعْبَةَ، فَقَامَ يَدْعُو اللهَ، وَيَشْكُرُ لَهُ مَا أَعْطَاهُ، ثُمّ خَرَجَ بِهِ إلَى أُمّهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهَا، وَالْتَمَسَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرّضَعَاءَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَرَاضِعُ. وَفَى كِتَابِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي قِصّةِ مُوسَى عليه السلام: «وحرّمنا عليه المراضع» . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَاسْتَرْضَعَ لَهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، يُقَالُ لَهَا: حَلِيمَةُ ابْنَةُ أَبِي ذُؤَيْبٍ. وَأَبُو ذُؤَيْبٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ شِجْنَةَ بْنِ جَابِرِ بْنِ رِزَامِ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ فُصَيّةَ بْنِ نَصْرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ منصور بن عكرمة ابن خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ [بْنِ مُضَرَ] . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَاسْمُ أَبِيهِ الّذِي أَرْضَعَهُ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- الحارث بن عبد العزّى ابن رفاعة ابن مَلّانَ بْنِ نَاصِرَةَ بْن فُصَيّةَ بْنِ نَصْرِ بن سعد بن بكر ابن هَوَازِنَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَال: هِلَالُ بْنُ ناصرة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِخْوَتُهُ مِنْ الرّضَاعَةِ: عَبْدُ الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وخدامة بِنْتُ الْحَارِثِ، وَهِيَ الشّيْمَاءُ، غَلَبَ ذَلِكَ عَلَى اسْمِهَا فَلَا تُعْرَفُ فِي قَوْمِهَا إلّا بِهِ. وَهُمْ لِحَلِيمَةِ بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ، عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، أُمّ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَيَذْكُرُونَ أَنّ الشّيْمَاءَ كَانَتْ تَحْضُنُهُ مع أمها إذا كان عندهم. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي جَهْمُ بْنُ أَبِي جَهْمٍ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ الْجُمَحِيّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَوْ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ حَلِيمَةُ بِنْتُ أَبِي ذُؤَيْبٍ السّعْدِيّةُ، أُمّ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الّتِي أَرْضَعَتْهُ، تُحَدّثُ: أَنّهَا خَرَجَتْ مِنْ بَلَدِهَا مَعَ زَوْجِهَا، وَابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ تُرْضِعُهُ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، تَلْتَمِسُ الرّضَعَاءَ، قَالَتْ: وَذَلِك فِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ، لَمْ تُبْقِ لَنَا شَيْئًا. قَالَتْ: فَخَرَجَتْ عَلَى أَتَانٍ لِي قَمْرَاءَ، مَعَنَا شَارِفٌ لَنَا، وَاَللهِ مَا تَبِضّ بِقَطْرَةٍ، وَمَا نَنَامُ لَيْلَنَا أَجْمَعَ مِنْ صَبِيّنَا الّذِي مَعَنَا، مِنْ بُكَائِهِ مِنْ الْجَوْعِ، مَا فِي ثَدْيَيّ مَا يُغْنِيهِ، وَمَا فِي شَارِفِنَا مَا يُغَدّيهِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: يُغَذّيهِ- وَلَكِنّا كُنّا نَرْجُو الْغَيْثَ وَالْفَرَجَ، فَخَرَجْت عَلَى أَتَانِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تِلْكَ، فَلَقَدْ أَدَمْتُ بِالرّكْبِ، حَتّى شَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ضَعْفًا وَعَجَفًا، حَتّى قَدِمْنَا مَكّةَ نَلْتَمِسُ الرّضَعَاءَ، فَمَا مِنّا امْرَأَةٌ إلّا وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فتأباه، إذا قِيلَ لَهَا إنّهُ يَتِيمٌ، وَذَلِك: أَنّا إنّمَا كُنّا نَرْجُو الْمَعْرُوفَ مِنْ أَبِي الصّبِيّ، فَكُنّا نَقُولُ: يَتِيمٌ! وَمَا عَسَى أَنْ تَصْنَعَ أُمّهُ وَجَدّهُ! فَكُنّا نَكْرَهُهُ لِذَلِك، فَمَا بَقِيَتْ امْرَأَةٌ قَدِمَتْ مَعِي إلّا أَخَذَتْ رَضِيعًا غَيْرِي، فَلَمّا أَجْمَعْنَا الِانْطِلَاقَ قُلْت لِصَاحِبِي: وَاَللهِ إنّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرْجِعَ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي وَلَمْ آخُذْ رَضِيعًا، وَاَللهِ لَأَذْهَبَن إلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ، فَلَآخُذَنّهُ، قَالَ: لَا عَلَيْكِ أَنْ تَفْعَلِي، عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا فِيهِ بَرَكَةً. قَالَتْ: فَذَهَبْتُ إلَيْهِ فَأَخَذْته، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى أَخْذِهِ إلّا أَنّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ. قَالَتْ: فَلَمّا أَخَذْتُهُ، رَجَعْت بِهِ إلَى رَحْلِي فَلَمّا وَضَعْته فِي حِجْرِي أَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتّى رَوِيَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَخُوهُ حَتّى رَوِيَ، ثُمّ نَامَا، وَمَا كُنّا نَنَامُ مَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَامَ زَوْجِي إلَى شَارِفِنَا تِلْكَ، فَإِذَا إنّهَا لَحَافِلٌ، فَحَلَبَ مِنْهَا مَا شَرِبَ، وَشَرِبْتُ مَعَهُ حَتّى انْتَهَيْنَا رِيّا وَشِبَعًا، فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ. قَالَتْ: يَقُولُ صَاحِبِي حِينَ أَصْبَحْنَا. تَعَلّمِي وَاَللهِ يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ أَخَذْت نَسَمَةً مُبَارَكَةً، قَالَتْ: فَقُلْت: وَاَللهِ إنّي لَأَرْجُو ذلك. قالت: ثم خرجنا وركبت أتانى، وحملته عليها معى، فو الله لقطعت بالرّكب ما يقدر عليها شىء من حمرهم، حتى إنّ صواحبى ليقلن لى: يا بنة أَبِي ذُؤَيْبٍ، وَيْحَك! ارْبَعِي عَلَيْنَا، أَلَيْسَتْ هَذِهِ أَتَانَك الّتِي كُنْت خَرَجْت عَلَيْهَا؟ فَأَقُولُ لَهُنّ: بَلَى وَاَللهِ، إنّهَا لَهِيَ هِيَ، فَيَقُلْنَ: وَاَللهِ إنّ لَهَا لَشَأْنًا. قَالَتْ: ثُمّ قَدِمْنَا مَنَازِلَنَا مِنْ بِلَادِ بَنِي سَعْدٍ. وَمَا أَعْلَمُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللهِ أَجْدَبَ مِنْهَا. فَكَانَتْ غَنَمِي تَرُوحُ عَلَيّ حِينَ قَدِمْنَا بِهِ مَعَنَا شِبَاعًا لُبّنًا. فَنَحْلُبُ وَنَشْرَبُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَمَا يَحْلُبُ إنْسَانٌ قَطْرَةَ لَبَنٍ، وَلَا يَجِدُهَا فِي ضَرْعٍ. حَتّى كَانَ الْحَاضِرُونَ مِنْ قَوْمِنَا يَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ: وَيْلَكُمْ اسْرَحُوا حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا تَبِضّ بِقَطْرَةِ لَبَنٍ، وَتَرُوحُ غَنَمِي شِبَاعًا لُبّنًا، فَلَمْ نَزَلْ نَتَعَرّفُ مِنْ اللهِ الزّيَادَةَ وَالْخَيْرَ حَتّى مَضَتْ سَنَتَاهُ وَفَصَلْتُهُ؛ وَكَانَ يَشِبّ شَبَابًا لَا يَشِبّهُ الْغِلْمَانُ، فَلَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْهِ حَتّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا. قَالَتْ: فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمّهِ وَنَحْنُ أَحْرَصُ شَيْءٍ عَلَى مُكْثِهِ فِينَا؛ لِمَا كُنّا نَرَى مِنْ بَرَكَتِهِ. فَكَلّمْنَا أُمّهُ، وَقُلْت لَهَا: لَوْ تَرَكْت بُنَيّ عِنْدِي حَتّى يغلظ، فإنى أخشى عليه وبأمكة، قَالَتْ: فَلَمْ نَزَلْ بِهَا حَتّى رَدّتْهُ مَعَنَا قالت: فرجعنا به، فو الله إنه يعد مقدمنا بِأَشْهُرِ مَعَ أَخِيهِ لَفِي بَهْمٍ لَنَا خَلْفَ بُيُوتِنَا، إذْ أَتَانَا أَخُوهُ يَشْتَدّ، فَقَالَ لِي وَلِأَبِيهِ: ذَاكَ أَخِي الْقُرَشِيّ قَدْ أَخَذَهُ رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَاهُ، فَشَقّا بَطْنَهُ، فَهُمَا يسوطانه قَالَتْ: فَخَرَجْت أَنَا وَأَبُوهُ نَحْوَهُ، فَوَجَدْنَاهُ قَائِمًا مُنْتَقَعَا وَجْهُهُ. قَالَتْ: فَالْتَزَمْته وَالْتَزَمَهُ أَبُوهُ، فَقُلْنَا له: مالك يَا بُنَيّ، قَالَ: جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بيض، فأضجعانى وشقّا بطنى، قالتمسا شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ. قَالَتْ: فَرَجَعْنَا إلى خبائنا. قَالَتْ: وَقَالَ لِي أَبُوهُ: يَا حَلِيمَةُ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْغُلَامُ قَدْ أُصِيبَ، فَأَلْحِقِيهِ بِأَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ بِهِ، قالت: فاحتملناه، فقدمنا به على أمّه، فقالت: مَا أَقْدَمَك بِهِ يَا ظِئْرُ، وَقَدْ كُنْتِ حَرِيصَةً عَلَيْهِ، وَعَلَى مُكْثِهِ عِنْدَك؟ قَالَتْ: فَقُلْت: قَدْ بَلَغَ اللهُ بِابْنِي وَقَضَيْتُ الّذِي عَلَيّ، وتخوّفت ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْأَحْدَاثَ عَلَيْهِ، فَأَدّيْته إلَيْك كَمَا تُحِبّينَ. قَالَتْ: مَا هَذَا شَأْنُك، فَاصْدُقِينِي خَبَرَك. قَالَتْ: فَلَمْ تَدَعْنِي حَتّى أَخْبَرْتُهَا. قَالَتْ: أَفَتَخَوّفَتْ عَلَيْهِ الشّيْطَانَ؟ قَالَتْ: قُلْت: نَعَمْ، قَالَتْ: كَلّا. وَاَللهِ مَا لِلشّيْطَانِ عَلَيْهِ مِنْ سَبِيلٍ، وَإِنّ لِبُنَيّ لَشَأْنًا، أفلا أخبرك خبره. قالت: بلى. قالت: رأيت حين حملت به، فو الله مَا رَأَيْت مِنْ حَمْلٍ قَطّ كَانَ أَخَفّ وَلَا أَيْسَرَ مِنْهُ، وَوَقَعَ حِينَ وَلَدْته، وَإِنّهُ لَوَاضِعٌ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ، رَافِعٌ رَأَسَهُ إلَى السّمَاءِ. دعيه عنك، وانطلقى راشدة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا أَحْسَبُهُ إلّا عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ الْكُلَاعِيّ: أَنّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ. أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِك؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى أَخِي عِيسَى، وَرَأَتْ أُمّي حِين حَمَلَتْ بِي أَنّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ الشّامِ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخٍ لِي خَلْفَ بُيُوتِنَا نَرْعَى بَهْمًا لَنَا. إذْ أَتَانِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ ثَلْجًا. ثُمّ أَخَذَانِي فَشَقّا بَطْنِي، وَاسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقّاهُ فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ فَطَرَحَاهَا. ثُمّ غَسَلَا قَلْبِي وَبَطْنِي بِذَلِكَ الثّلْجِ حَتّى أَنْقَيَاهُ، ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: زِنْهُ بِعَشَرَةِ مِنْ أُمّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ، ثُمّ قَالَ: زِنْهُ بِمِئَةِ مِنْ أُمّتِهِ. فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ، ثُمّ قَالَ: زَنّهِ بِأَلْفِ مِنْ أُمّتِهِ، فَوَزَنَنِي بهم فوزنتهم. فقال: دعه عنك، فو الله لو وزنته بأمته لوزنها. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَصْلٌ فِي الْمَوْلِدِ فِي تَفْسِيرِ بَقِيّ بْنِ مَخْلَدٍ أَنّ إبْلِيسَ- لَعَنَهُ اللهُ- رَنّ أَرْبَعَ رَنّاتٍ: رَنّةً حِينَ لُعِنَ، وَرَنّةً حِينَ أُهْبِطَ، وَرَنّةً حِينَ وُلِدَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَنّةً حِينَ أُنْزِلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ. قَالَ: وَالرّنِينُ وَالنّخَارُ «1» مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ. قَالَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: أُمّ الْكِتَابِ، وَلَكِنْ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ عَنْ أُمّهِ أُمّ عُثْمَانَ «2» الثّقَفِيّةِ، وَاسْمُهَا: فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ، قَالَتْ: «حَضَرْت وِلَادَةَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَيْت الْبَيْتَ حِينَ وُضِعَ قَدْ امْتَلَأَ نُورًا، وَرَأَيْت النّجُومَ تَدْنُو حَتّى ظَنَنْت أَنّهَا سَتَقَعُ عَلَيّ» . ذَكَرَهُ أبو عمر فى كتاب النساء. وذكره

_ (1) الرنة: الصيحة الشديدة. والصوت الحزين عند الغناء أو البكاء. والنخار صوت يخرج من الخياشيم. (2) فى الأصل: «أبى العاص أمه عن أم عثمان» والتصويب من كتب السنة وقد أسلم عثمان هذا فى وفد ثقيف، واستعمله النبى على الطائف. وأقره أبوبكر، ثم عمر. وهو الذى منع ثقيفا عن الردة إذ خطبهم، فقال: كنتم آخر الناس إسلاما، فلا تكونوا أولهم ارتدادا، وجاء عنه أنه شهد آمنه لما ولدت النبى صلى الله عليه وسلم؛ وهى قصة أخرجها البيهقى فى الدلائل والطبرانى من طريق محمد بن أبى سويد الثقفى عنه، قال: حدثتنى أمى: فعلى هذا يكون عاش نحوا من 120 سنة «الإصابه رقم 5433» وحديثها لم يروه سوى البيهقى والطبرى وابن عبد البر. ويقول الزركشى: إن ولادة النبى «ص» كانت نهارا. ونقل تضعيف ابن دحية لرواية تدلى النجوم ليلة مولده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الطّبَرِيّ أَيْضًا فِي التّارِيخِ «1» . وَوُلِدَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعْذُورًا مَسْرُورًا، أَيْ: مَخْتُونًا مَقْطُوعَ السّرّةِ «2» يُقَالُ: عُذِرَ الصّبِيّ وَأُعْذِرَ. إذَا خُتِنَ، وَكَانَتْ أُمّهُ تُحَدّثُ أَنّهَا لَمْ تَجِدْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ مَا تَجِدُهُ الْحَوَامِلُ مِنْ ثِقَلٍ وَلَا وَحَمٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمّا وَضَعَتْهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَعَ إلَى الْأَرْضِ مَقْبُوضَةً أَصَابِعُ يَدَيْهِ، مُشِيرًا بِالسّبّابَةِ كَالْمُسَبّحِ بِهَا، وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَنّهُ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ جَفْنَةٌ لِئَلّا يَرَاهُ أَحَدٌ قَبْلَ جَدّهِ، فَجَاءَ جَدّهُ، وَالْجَفْنَةُ قَدْ انْفَلَقَتْ عَنْهُ «3» ، وَلَمّا قِيلَ لَهُ: مَا سَمّيْت ابْنَك؟ فَقَالَ: مُحَمّدًا، فقيل له:

_ (1) ص 156 ج 2 الطبرى. (2) ضعف ابن كثير كل الأحاديث التى رويت عن هذا ثم قال: «وقد ادعى بعضهم صحته لما ورد له من الطرق، حتى زعم بعضهم أنه متواتر، وفى هذا كله نظر» وقال عن الحديث الذى زعم فيه الراوى أن جبريل ختن النبى: «وهذا غريب جدا» . ثم قال: «وقد روى أن جده عبد المطلب ختنه، وعمل له دعوة جمع قريشا عليها» ص 265 ج 2 البداية. وقال ابن القيم فى زاد المعاد: «إنه روى فى كونه ولد مختونا مسرورا حديث لا يصح، ذكره ابن الجوزى فى الموضوعات» ثم قال: وليس فيه حديث ثابت، وليس هذا من خواصه، فإن كثيرا من الناس يولد مختونا، ويقول ابن العديم: إنه صلى الله عليه وسلم ختن على عادة العرب. (3) الذى ذكره ابن دريد: «وكانت سنتهم فى المولود إذا ولد فى استقبال الليل كفسئوا؟؟؟ عليه قدرا حتى يصبح، ففعلوا ذلك بالنبى- صلى الله عليه وسلم- فأصبحوا، وقد انشقت عنه القدر» ص 8 الاشتقاق ط 1 السنة المحمدية، ولم يسندها إلى أحد. وأقول: كل ما سبق ذكره لم يرد فى حديث يعتد به. وليس الرسول عليه الصلاة والسلام فى حاجة إلى أن نكذب له، وليس من الصلاة عليه أن نكذب عليه!!

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَيْفَ سَمّيْت بِاسْمِ لَيْسَ لِأَحَدِ مِنْ آبَائِك وَقَوْمِك؟! فَقَالَ: إنّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْمَدَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ كُلّهُمْ «1» ، وَذَلِكَ لِرُؤْيَا كَانَ رَآهَا عَبْدُ المطلب، وقد ذكر حديثها علىّ القيروانىّ العابر فِي كِتَابِ الْبُسْتَانِ. قَالَ: كَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ قَدْ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنّ سِلْسِلَةً مِنْ فِضّةٍ خَرَجَتْ مِنْ ظَهْرِهِ لَهَا طَرَفٌ فِي السّمَاءِ وَطَرَفٌ فِي الْأَرْضِ، وَطَرَفٌ فِي الْمَشْرِقِ، وَطَرَفٌ فِي الْمَغْرِبِ، ثُمّ عَادَتْ كَأَنّهَا شَجَرَةٌ، عَلَى كُلّ وَرَقَةٍ مِنْهَا نُورٌ، وَإِذَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَأَنّهُمْ يَتَعَلّقُونَ بِهَا، فَقَصّهَا، فَعُبّرَتْ لَهُ بِمَوْلُودِ يَكُونُ مِنْ صُلْبِهِ يَتْبَعُهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَيَحْمَدُهُ أَهْلُ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ «2» ، فَلِذَلِكَ سَمّاهُ: مُحَمّدًا مَعَ مَا حَدّثَتْهُ بِهِ أُمّهُ حِينَ قِيلَ لَهَا: إنّك حَمَلْت بِسَيّدِ هَذِهِ الْأُمّةِ، فَإِذَا وَضَعْته فَسَمّيهِ مُحَمّدًا. الْحَدِيثَ. اسْمُ مُحَمّدٍ وَأَحْمَدَ: قَالَ الْمُؤَلّفُ: لَا يُعْرَفُ فِي الْعَرَبِ مَنْ تَسَمّى بِهَذَا الِاسْمِ قَبْلَهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلّا ثَلَاثَةٌ طَمِعَ آبَاؤُهُمْ- حِينَ سَمِعُوا بِذِكْرِ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِقُرْبِ زَمَانِهِ، وَأَنّهُ يُبْعَثُ فِي الْحِجَازِ- أَنْ يَكُونَ وَلَدًا لَهُمْ. ذَكَرَهُمْ ابْنُ فَوْرَكٍ فِي كِتَابِ الْفُصُولِ، وَهُمْ: مُحَمّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ مُجَاشِعٍ، جَدّ جَدّ الْفَرَزْدَقِ الشّاعِرِ، وَالْآخَرُ: مُحَمّدُ بْنُ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ بْنِ جمحى «3» بن كلفة

_ (1) فى الاشتقاق: أردت أن يحمد فى السموات والأرض. (2) سيأتى الكلام عن هذا كله والروايات واهية. (3) هو جحجبى- بفتح الجيم الأولى والأخرى. وبسكون الحاء وفتح الباء. فقد ورد هكذا فى نسب قريش، وفى اللسان، وفى الاشتقاق لابن دريد-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، وَالْآخَرُ: مُحَمّدُ بْنُ حُمْرَانَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ آبَاءُ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ قَدْ وَفَدُوا عَلَى بَعْضِ الْمُلُوكِ، وَكَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ الْأَوّلِ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَبْعَثِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِاسْمِهِ، وَكَانَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ خَلّفَ امْرَأَتَهُ حَامِلًا، فَنَذَرَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: إنْ وُلِدَ لَهُ ذَكَرٌ أَنْ يُسَمّيَهُ مُحَمّدًا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذَا الِاسْمُ مَنْقُولٌ مِنْ الصّفَةِ، فَالْمُحَمّدُ فِي اللّغَةِ هُوَ الّذِي يُحْمَدُ حَمْدًا بَعْدَ حَمْدٍ، وَلَا يَكُونُ مُفَعّلٌ مِثْلُ: مُضَرّبٍ وَمُمَدّحٍ إلّا لِمَنْ تَكَرّرَ فِيهِ الْفِعْلُ مَرّةً بَعْدَ مَرّةً. وَأَمّا أَحْمَدُ فَهُوَ اسْمُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الّذِي سمّى به على لسان عيسى وموسى- عليها السّلَامُ-، فَإِنّهُ مَنْقُولٌ أَيْضًا مِنْ الصّفَةِ الّتِي معناها

_ - وفى القاموس، وفى جمهرة أنساب العرب. وفى الاشتقاق لابن دريد عن محمد بن أحيحة أنه محمد بن بلال بن أحيحة، وفى جمهرة أنساب العرب: محمد بن عقبة بن أحيحة. وفى اللسان عن ابن برى أن من سمى فى الجاهلية بمحمد هم سبعة، وقد عدهم وذكر منهم الثلاثة الذين ذكرهم السهيلى. وانظر ص 16 نسب قريش، ص 9 الاشتقاق، ص 315 جمهرة ابن حزم، ومادة حمد فى اللسان ومادة جحب فى القاموس. وفى الخزانة للبغدادى ورد أن الذين سموا باسم محمد فى الجاهلية يبلغون عشرين أو خمسة عشر، وذكر مغلطاى أن عددهم خمسة عشر رجلا. انظر ص 8، 9 الاشتقاق بتعليقات الأستاذ عبد السلام هارون، هذا ويذكر ابن دريد أن العرب سمت فى الجاهلية: أحمد، وذكر منهم أربعة ص 9 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التّفْضِيلُ، فَمَعْنَى أَحْمَدَ: أَيْ أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ لِرَبّهِ، وَكَذَلِكَ هُوَ الْمَعْنَى؛ لِأَنّهُ تُفْتَحُ عَلَيْهِ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ مَحَامِدُ لَمْ تُفْتَحْ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَهُ، فَيَحْمَدُ رَبّهُ بِهَا؛ وَلِذَلِكَ يُعْقَدُ لَهُ لِوَاءُ الْحَمْدِ. وَأَمّا مُحَمّدٌ فَمَنْقُولٌ مِنْ صِفَةٍ أَيْضًا، وَهُوَ فِي مَعْنَى: مَحْمُودٍ. وَلَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ وَالتّكْرَارِ، فَالْمُحَمّدُ هُوَ الّذِي حُمِدَ مَرّةً بَعْدَ مَرّةً، كَمَا أَنّ الْمُكَرّمَ مَنْ أُكْرِمَ مَرّةً بَعْدَ مَرّةً، وَكَذَلِكَ: الْمُمَدّحُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَاسْمُ مُحَمّدٍ مُطَابِقٌ لِمَعْنَاهُ، وَاَللهُ- سُبْحَانَهُ- وَتَعَالَى سَمّاهُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَمّيَ بِهِ نَفْسَهُ، فَهَذَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوّتِهِ؛ إذْ كَانَ اسْمُهُ صَادِقًا عَلَيْهِ، فَهُوَ مَحْمُودٌ- عَلَيْهِ السّلَامُ- فِي الدّنْيَا بِمَا هَدَى إلَيْهِ، وَنَفَعَ بِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَهُوَ مَحْمُودٌ فِي الْآخِرَةِ بِالشّفَاعَةِ، فَقَدْ تَكَرّرَ مَعْنَى الْحَمْدِ كَمَا يَقْتَضِي اللّفْظُ، ثُمّ إنّهُ لَمْ يَكُنْ مُحَمّدًا، حَتّى كَانَ أَحْمَدُ حَمِدَ رَبّهُ فَنَبّأَهُ وَشَرّفَهُ؛ فَلِذَلِكَ تَقَدّمَ اسْمُ أَحْمَدَ عَلَى الِاسْمِ الّذِي هُوَ مُحَمّدٌ، فَذَكَرَهُ عِيسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: اسْمُهُ أَحْمَدُ، وَذَكَرَهُ مُوسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ «1» لَهُ رَبّهُ: تِلْكَ أُمّةُ أَحْمَدَ، فَقَالَ: اللهُمّ اجْعَلْنِي مِنْ أُمّةِ أَحْمَدَ، فَبِأَحْمَدَ ذُكِرَ قَبْلَ أَنْ يُذْكَرَ بِمُحَمّدِ؛ لِأَنّ حَمْدَهُ لِرَبّهِ كَانَ قَبْلَ حَمْدِ النّاسِ لَهُ، فَلَمّا وُجِدَ وَبُعِثَ، كَانَ مُحَمّدًا بِالْفِعْلِ. وَكَذَلِكَ فِي الشّفَاعَةِ يَحْمَدُ رَبّهُ بِالْمَحَامِدِ الّتِي يَفْتَحُهَا عَلَيْهِ، فَيَكُونُ أَحْمَدَ الْحَامِدِينَ لِرَبّهِ، ثُمّ يَشْفَعُ فَيُحْمَدُ عَلَى شَفَاعَتِهِ. فَانْظُرْ: كَيْفَ ترتب هذا

_ (1) قبل هذا ورد كما ذكر ابن القيم: «موسى قال لربه: «يا رب إنى أجد أمة من شأنها كذا وكذا، فاجعلهم أمتى؟» ص 126 جلاء الأفهام وهو حديث ساقط

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الِاسْمُ قَبْلَ الِاسْمِ الْآخَرِ «1» فِي الذّكْرِ وَالْوُجُودِ، وفى الدنيا والاخرة تلح

_ (1) أطال ابن القيم فى إبداع فى شرح أسماء النبى صلى الله عليه وسلم، وفرّق بين محمد وأحمد من وجهين، فقال: «أحدهما محمد إن: هو المحمود حمدا بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه، وأحمد: أفعل تفضيل من الحمد يدل على أن الحمد الذى يستحقه أفضل مما يستحقه غيره، فمحمد: زيادة حمد فى الكمية، وأحمد: زيادة فى الكيفية. فيحمد أكثر حمد، وأفضل حمد حمده البشر. والوجه الثانى: أن محمدا هو المحمود حمدا متكررا كما تقدم، وأحمد هو الذى حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره، فدل أحد الاسمين وهو: محمد على كونه محمودا، ودل الاسم الثانى، وهو أحمد على كونه أحمد الحامدين لربه» ثم رد ابن القيم على السهيلى فقال: «وقد ظن طائفة منهم: أبو القاسم السهيلى وغيره أن تسميته- صلى الله عليه وسلم- بأحمد كانت قبل تسميته بمحمد» ثم ذكر ابن القيم ما استدل به السهيلى، ثم قال: «وبنوا على ذلك أن اسم أحمد تفضيل من فعل الفاعل، أى: أحمد الحامدين لربه، ومحمد هو المحمود الذى تحمده الخلائق، وإنما يترتب هذا الاسم بعد وجوده وظهوره، فإنه حينئذ حمده أهل السماء والأرض، ويوم القيامة يحمده أهل الموقف، فلما ظهر إلى الوجود وترتب على ظهوره من الخيرات ما ترتب، فحمده حينئذ الخلائق حمدا مكررا، فتأخرت تسميته بمحمد، وهذا يقربه كل عالم من مؤمنى أهل الكتاب» ومضى ابن القيم يناقش رأى السهيلى هذا، فقال ردا عليه: إن محمدا- صلى الله عليه وسلم- سمى باسم محمد فى التوراة، وهى قبل الإنجيل، ثم استشهد ابن القيم على رأيه هذا بايات ذكر أنها من التوراة، ومضى يثبت بتفسيرها أنها تؤيد ما ذهب إليه، وقد أطال فى هذا، ثم قال: «والمقصود أن اسم النبى فى التوراة محمد «ص» ، كما هو فى القرآن محمد، وأما المسيح، فإنما سماه: أحمد ... فإذن تسميته بأحمد وقعت متأخرة عن تسميته محمدا فى التوراة. ومتقدمة على تسميته محمدا فى القرآن، فوقعت بين التسميتين محفوفة بهما وقد تقدم أن هذين الاسمين صفتان فى الحقيقة. والوصفية فيها لا تنافى العلميّة، وأن معناهما مقصود، فعرف عند كل أمة بأعرف الوصفين عندها، فمحمد-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَك الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيّةُ فِي تَخْصِيصِهِ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ، وانظر: كيف أنزلت عليه

_ - مفعّل من الحمد، وهو الكثير الخصال التى يحمد عليها حمدا متكررا حمدا بعد حمد. وهذا إنما يعرف بعد العلم بخصال الخير، وأنواع العلوم والمعارف والأخلاق والأوصاف والأفعال التى يستحق تكرار الحمد عليها، ولا ريب أن بنى إسرائيل هم أولو العلم الأول ... فعرف النبى (ص) عند هذه الأمة باسم محمد الذى قد جمع خصال الخير التى يستحق أن يحمد عليها حمدا بعد حمد، وعرف عند أمة المسيح بأحمد الذى يستحق أن يحمد أفضل مما يحمد غيره، والذى حمده أفضل من حمد غيره، فإن أمة المسيح أمة لهم من الرياضات والأخلاق والعبادات ما ليس لأمة موسى، ولهذا كان غالب كتابهم مواعظ وأخلاقا وحضا على الإحسان ... فجاء اسمه عند هذه الأمة بأفعل التفضيل الدال على الفضل والكمال، كما جاءت شريعتهم بالفضل المكمل لشريعة التوراة، وجاء فى الكتاب الجامع لمحاسن الكتب قبله- يعنى القرآن- بالاسمين معا، فتدبر هذا الفصل ... وقال: إن الشرائع ثلاثة: شريعة عدل، وهى: شريعة التوراة فيها الحكم والقصاص، وشريعة فضل وهى: شريعة الإنجيل مشتملة على العفو ومكارم الأخلاق والصفح والإحسان، وشريعة جمعت هذا وهذا، وهى: شريعة القرآن، فإنه يذكر العدل ويوجبه، والفضل ويندب إليه وقول أبى القاسم- يعنى السهيلى- إن اسم محمد- صلى الله عليه وسلم- إنما ترتب بعد ظهوره فى الوجود؛ لأنه حينئذ حمد حمدا مكررا، فكذلك يقال فى اسمه أحمد أيضا. سواء. وقوله فى اسمه أحمد: إنه تقدم لكونه أحمد الحامدين لربه، وهذا يقدم على حمد الخلائق له فبناء منه على أنه- أى: أحمد- تفضيل من فعل الفاعل، وأمّا على القول الاخر الصحيح- يعنى التفضيل من فعل المفعول- فلا يجىء هذا» وقد ذهب ابن القيم إلى أن الاسمين محمدا وأحمد إنما يقعان على المفعول، لأنه يحمد أكثر مما يحمد غيره وذلك أبلغ فى مدحه وأتم معنى، لأنه لو أريد به معنى الفاعل لسمى الحماد، وهو كثير الحمد، كما سمى: محمدا، وهو المحمود كثيرا؛ فإنه كان أكثر الخلق حمدا لربه، فلو كان اسمه باعتبار الفاعل- يعنى أنه فاعل الحمد- لكان الأولى أن يسمى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سُورَةُ الْحَمْدِ وَخُصّ بِهَا دُونَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَخُصّ بِلِوَاءِ الْحَمْدِ، وَخُصّ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَانْظُرْ: كَيْفَ شَرّعَ لَنَا سُنّةً وَقُرْآنًا أَنْ نَقُولَ عِنْدَ اخْتِتَامِ الْأَفْعَالِ، وَانْقِضَاءِ الْأُمُورِ: الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ. قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: «وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ» الزّمَرَ: 75. وَقَالَ أَيْضًا: «وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ: أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ» يُونُسَ 10. تَنْبِيهًا لَنَا عَلَى أَنّ الْحَمْدَ مَشْرُوعٌ لَنَا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأُمُورِ. وَسَنّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَمْدَ بَعْدَ الْأَكْلِ وَالشّرْبِ، وَقَالَ عِنْدَ انْقِضَاءِ السّفَرِ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبّنَا حَامِدُونَ «1» . ثُمّ اُنْظُرْ لِكَوْنِهِ- عَلَيْهِ السّلَامُ- خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ، وَمُؤْذِنًا بِانْقِضَاءِ الرّسَالَةِ، وَارْتِفَاعِ الْوَحْيِ، وَنَذِيرًا بِقُرْبِ السّاعَةِ وَتَمَامِ الدّنْيَا مَعَ أَنّ الْحَمْدَ كَمَا قَدّمْنَا مَقْرُونٌ بِانْقِضَاءِ الْأُمُورِ، مَشْرُوعٌ عِنْدَهُ- تَجِدُ مَعَانِيَ اسْمَيْهِ جَمِيعًا، وَمَا خُصّ بِهِ مِنْ الْحَمْدِ وَالْمَحَامِدِ مُشَاكِلًا لِمَعْنَاهُ، مُطَابِقًا لِصِفَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ بُرْهَانٌ عَظِيمٌ، وَعِلْمٌ وَاضِحٌ عَلَى نُبُوّتِهِ، وَتَخْصِيصِ اللهِ لَهُ بكرامته، وأنه

_ - حمادا، كما أن اسم أمته: الحمادون. وأيضا فإن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة التى لأجلها استحق أن يسمى: محمدا، وأحمد، فهو الذى يحمده أهل الدنيا وأهل الاخرة، ويحمده أهل السماء والأرض، فلكثرة خصائله المحمودة التى تفوت عد العادين سمى باسمين من أسماء الحمد يقتضيان التفضيل والزيادة فى القدر والصفة. ص 125 جلاء الأفهام للامام ابن القيم. (1) رواه مسلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَدّمَ لَهُ هَذِهِ الْمُقَدّمَاتِ قَبْلَ وُجُودِهِ تَكْرِمَةً لَهُ، وَتَصْدِيقًا لِأَمْرِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَرَفٌ وَكَرَمٌ. تَعْوِيذُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: وَذُكِرَ أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِب دَخَلَ بِهِ الْكَعْبَةَ وَعَوّذَهُ، وَدَعَا لَهُ. وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ قَالَ وَهُوَ يُعَوّذُهُ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَعْطَانِي ... هَذَا الْغُلَامَ الطّيّبَ الْأَرْدَانِ قَدْ سَادَ فِي الْمَهْدِ عَلَى الْغِلْمَانِ ... أُعِيذُهُ بِالْبَيْتِ ذِي الْأَرْكَانِ حَتّى يَكُونَ بُلْغَةَ الْفِتْيَانِ ... حَتّى أَرَاهُ بَالِغَ الْبُنْيَانِ أُعِيذُهُ مِنْ كُلّ ذِي شَنَآنِ ... مِنْ حَاسِدٍ مُضْطَرِبِ الْعِنَانِ ذِي هِمّةٍ لَيْسَ لَهُ عَيْنَانِ ... حَتّى أَرَاهُ رَافِعَ السّانِ «1» أَنْتَ الّذِي سُمّيت فِي الْقُرْآنِ ... فِي كُتُبٍ ثابتة المثانى أحمد مكتوب على البيان «2»

_ (1) كذا!! ولعلها الشاق وفى رواية: اللسان. (2) فى البداية: اللسان، وليس لهذا سند صحيح. وفى كلماته دليل أنه كذب مفترى. وكذلك ما روى ابن هشام من قول عبد المطلب. «أعيذه بالواحد من شر كل حاسد» فقد قال العراقى: لا أصل لها. وقد رواه أبو نعيم فى الدلائل، وقال عنه الشامى: وسنده واه حدا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَارِيخُ مَوْلِدِهِ: فَصْلٌ: وَذُكِرَ أَنّ مَوْلِدَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ «1»

_ (1) روى مسلم فى صحيحه أن أعرابيا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عن صيام يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه، وأنزل على فيه» انفرد بإخراجه مسلم، وروى أحمد فى حديث تفرد به أنه ولد يوم الاثنين واستنبىء يوم الاثنين. ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين. والجمهور على أنه كان فى ربيع الأول، لكن متى؟ ذكر ابن عبد البر فى الاستيعاب والواقدى أنه كان لليلتين خلتا منه. وممن قالوا بأنه كان لثمان خلون منه: ابن حزم، وقد روى هذا مالك وعقيل ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهرى عن محمد بن جبير بن مطعم، وذكر ابن عبد البر أن أصحاب التواريخ صححوا هذا. وقطع به محمد بن موسى الخوارزمى الحافظ الكبير، ورجحه أبو الخطاب بن دحية، وقيل: كان لعشر خلون منه. وقيل لثنتى عشرة خلت منه، وقيل: لسبعة عشر، وقيل: لثمان بقين منه. وقيل: إنه ولد فى رمضان نقله ابن عبد البر عن الزبير بن بكار مستندا إلى أنه- صلى الله عليه وسلم- أوحى إليه فى رمضان على رأس أربعين سنة من عمره، فيكون مولده فى رمضان، وكان مولده لثنتى عشرة ليلة خلت منه، وكان مولده عام الفيل على قول الجمهور قيل: كان بعده بشهر، أو بأربعين يوما. أو بخمسين وقيل: إن عام الفيل كان قبله بعشر سنين. وقيل: بل بثلاث وعشرين سنين. وقيل: بل بثلاثين، وقيل: بل بأربعين وقال ابن خياط: المجمع عليه أنه ولد عام الفيل. ويقول النووى: ونقل إبراهيم بن المنذر الخزاعى شيخ البخارى وخليفة ابن خياط وآخرون الإجماع عليه- أى: على أنه ولد عام الفيل- واتفقوا على أنه ولد يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، واختلفوا هل هو فى اليوم الثانى أم الثامن أم العاشر أم الثانى عشر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ الزّبَيْرُ: كَانَ مَوْلِدُهُ فِي رَمَضَانَ، وَهَذَا الْقَوْلُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنّ أُمّهُ حَمَلَتْ بِهِ فِي أَيّامِ التّشْرِيقِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرُوا أَنّ الْفِيلَ جَاءَ مَكّةَ فِي الْمُحَرّمِ، وَأَنّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُلِدَ بَعْدَ مَجِيءِ الْفِيلِ بِخَمْسِينَ يَوْمًا، وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَالْأَشْهَرُ؛ وَأَهْلُ الْحِسَابِ يَقُولُونَ: وَافَقَ مَوْلِدُهُ مِنْ الشّهُورِ الشّمْسِيّةِ نَيْسَانَ، فَكَانَتْ لِعِشْرِينَ مَضَتْ مِنْهُ، وَوُلِدَ بِالْغَفْرِ مِنْ الْمَنَازِلِ، وَهُوَ مَوْلِدُ النّبِيّينَ، وَلِذَلِكَ قيل: خير منزلتين فى الأبديين الزّنَابَا وَالْأَسَدِ، لِأَنّ الْغَفْرَ يَلِيهِ مِنْ الْعَقْرَبِ زُنَابَاهَا، وَلَا ضَرَرَ فِي الزّنَابَا إنّمَا تَضُرّ الْعَقْرَبُ بِذَنَبِهَا، وَيَلِيهِ مِنْ الْأَسَدِ أَلْيَتُهُ، وَهُوَ السّمَاكُ، وَالْأَسَدُ لَا يَضُرّ بِأَلْيَتِهِ إنّمَا يَضُرّ بِمِخْلَبِهِ «1» وَنَابِهِ. وَوُلِدَ بِالشّعْبِ، وَقِيلَ بِالدّارِ الّتِي عِنْدَ الصّفَا، وَكَانَتْ بَعْدُ لِمُحَمّدِ بْنِ يُوسُفَ أَخِي الْحَجّاجِ، ثُمّ بَنَتْهَا زُبَيْدَةُ مَسْجِدًا حِينَ حجّت «2» .

_ (1) خرافة ربط مولد الإنسان وحظوظ عيشه، وأقدار حياته بالنجوم ومنازلها سخف عقلى، وعوار فى الدين. ولا أدرى كيف يردد السهيلى مثل هذا الخرف. وغيره يزعم أن مولده «ص» كان والطالع لعشرين درجة من الجدى، وكان المشترى وزحل فى ثلاث درج من العقرب، وهى درجة وسط السماء وكان موافقا من البروج الحمل عند طلوع القمر أول الليل ص 261 ج 2 البداية والعقرب: برج فى السماء ويؤنث، وزنا بالعقرب أو زبانياها: قرناها. وكوكبان نيران فى قرنى العقرب. والسماك الأعزل والرامح نجمان نيران، أو هما رجلا الأسد، والغفر: منزلة للقمر: ثلاثة أنجم صغار وهى من الميزان. (2) كانت بزقاق المدكك. وكانت من قبل بيد عقيل بن أبى طالب. ويقول ابن الأثير: إن المصطفى وهبها له، فلما توفى باعها ولده، وهذا الزقاق كان فى شعب-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَحْقِيقُ وَفَاةِ أَبِيهِ: وَذَكَرَ أَنّهُ مَاتَ أَبُوهُ، وَهُوَ حَمْلٌ «1» ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنّهُ كَانَ فِي الْمَهْدِ. ذَكَرَهُ الدّوْلَابِيّ وَغَيْرُهُ، قِيلَ: ابْنُ شَهْرَيْنِ، ذَكَرَهُ [أَحْمَدُ] ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، [زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ] وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَاتَ أَبُوهُ عِنْدَ أَخْوَالِهِ بَنِي النّجّارِ، ذَهَبَ لِيَمْتَارَ لِأَهْلِهِ تَمْرًا، وَقَدْ قِيلَ: مَاتَ أَبُوهُ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا، وَأَنْشَدُوا رَجَزًا لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ يَقُولُهُ لِابْنِهِ أَبِي طَالِبٍ: أُوصِيك يَا عَبْدَ مَنَافٍ بَعْدِي ... بِمُوتَمِ بَعْدَ أَبِيهِ فَرْدِ فَارَقَهُ وَهُوَ ضَجِيعُ الْمَهْدِ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ- عَلَيْهِ السّلَامُ- فِي السّنّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا. أَبُوهُ مِنْ الرّضَاعَة: وَذَكَرَ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى أَبَا رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الرّضَاعَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ إسْلَامًا، وَلَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِمّنْ أَلّفَ فِي الصحابة،

_ - مشهور بشعب بنى هاشم من الطرف الشرقى لمكة. ويقال بالردم أو بعسفان، ولما بيع الموضع لمحمد بن يوسف أدخله فى داره التى يقال لها: البيضاء، ولم يزل ذلك البيت كذلك حتى حجت الخيزران جارية المهدى فجعلته مسجدا يصلى فيه وأخرجته من الدار إلى الزقاق الذى يقال له: زقاق المولد: ص 614 القرى للمحب الطبرى (1) توفى عن خمس وعشرين، قال الواقدى: وهو الأثبت أو عن ثلاثين، قاله الحاكم أو عن ثمان وعشرين، أو عن ثمانى عشرة سنة، وصححه الحافظ العلائى وابن حجر واختاره السيوطى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ ذَكَرَهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ، فَقَالَ: حَدّثَنَا ابْنُ إسْحَاقَ قَالَ: حَدّثَنِي وَالِدِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سعد بن بكر، قال: قدم الحارث ابن عَبْدِ الْعُزّى، أَبُو رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الرّضَاعَةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكّةَ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: أَلَا تَسْمَعُ يَا حَارِ «1» مَا يَقُولُ ابْنُك هَذَا؟ فَقَالَ: وَمَا يَقُولُ؟ قَالُوا: يَزْعُمُ أَنّ اللهَ يَبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَنّ لِلّهِ دَارَيْنِ يُعَذّبُ فِيهِمَا مَنْ عَصَاهُ، وَيُكْرِمُ فِيهِمَا مَنْ أَطَاعَهُ، فَقَدْ شَتّتْ أَمْرَنَا، وَفَرّقَ جَمَاعَتَنَا. فَأَتَاهُ، فَقَالَ: أَيْ بنىّ مالك وَلِقَوْمِك يَشْكُونَك، وَيَزْعُمُونَ أَنّك تَقُولُ: إنّ النّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ، ثُمّ يَصِيرُونَ إلَى جَنّةٍ وَنَارٍ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ أَنَا أَزْعُمُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَا أَبَتْ، لَقَدْ أَخَذْت بِيَدِك، حَتّى أُعَرّفَك حَدِيثَك الْيَوْمَ، فَأَسْلَمَ الْحَارِثُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَكَانَ يَقُولُ حِينَ أَسْلَمَ: لَوْ قَدْ أَخَذَ ابْنِي بِيَدِي، فَعَرّفَنِي ما قال، لم يُرْسِلُنِي إنْ شَاءَ اللهُ حَتّى يُدْخِلَنِي الْجَنّةَ «2» .

_ (1) ترخيم لحارث (2) لم يروه أحد غيره. وخاتمته مجرد تمن فقط، وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لأعز أهله: العباس وصفية وفاطمة أن يعملوا، لأنه لا يغنى عنهم من الله شيئا. هذا، وفى أخذ عبد المطلب للرسول «ص» وهو طفل، ودخوله الكعبة: قد ورد فى أصل الرواية عن ابن إسحاق أنه أدخله على هبل فى جوف الكعبة. ملحوظة: حديث ابن مخرمة أنه هو ورسول الله لدان. رواه البيهقى وأحمد-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تحقيق اسم ناصرة بن قصية: وذكرنا صرة بْنَ قُصَيّةَ فِي نَسَبِ حَلِيمَةَ. وَهُوَ عِنْدَهُمْ: فُصَيّةُ بِالْفَاءِ تَصْغِيرُ: فَصَاةٍ، وَهِيَ النّوَاةُ. وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ فِي جَمِيعِ النّسَخِ: قُصَيّةُ بِالْقَافِ «1» . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا: الْفَصَا: حَبّ الزّبِيبِ، وَهُوَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى. الشّيْمَاءُ: وَذَكَرَ الشّيْمَاءَ أُخْتَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الرضاعة، وقال

_ - وروى قباث بن أشيم أنه حين ولد رسول الله رأى- أى قباث- خزق الفيل أخضر محيلا. وقد ورد هذا فى حديث رواه الترمذى والحاكم عن ابن إسحاق. وحديث اليهودى الذى صرخ. رواه البيهقى وأبو نعيم. ونعرج على رأى سلفى جليل فنجده يقول: «لا خلاف أنه ولد- صلى الله عليه وسلم- بجوف مكة، وأن مولده كان عام الفيل، وكان أمر الفيل: تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته، وإلا فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كتاب، وكان دينهم خيرا من دين أهل مكة إذ ذاك؛ لأنهم كانوا عباد أوثان، فنصرهم الله على أهل الكتاب نصرا لا صنع للبشر فيه إرهاصا وتقدمة للنبي- صلى الله عليه وسلم- الذى خرج من مكة وتعظيما للبيت الحرام» ص 32 ح 1 زاد المعاد لابن القيم. وذكر رأيين فى وفاة أبيه أصحهما: أنه مات وهو حمل، والاخر: أنه توفى بعد ولادته بسبعة أشهر. هذا: ونيسان هو الشهر السابع من شهور السنة السريانية والعبرية، ويقابل إبريل. وفى حديث حسان بن ثابت: سعد بن زرارة. صوابه: أسعد. ويفعة: قوى قد طال قده، مأخوذ من اليفاع، وهو العالى من الأرض «ص 54 الخشنى» (1) فى النسخة المطبوعة على هامش الروض: فصيبة بالفاء، ويقول الخشنى ص 54 أنه هو الصواب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي اسْمِهَا: خِذَامَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: حُذَافَةُ بِالْحَاءِ الْمَضْمُومَةِ وَبِالْفَاءِ مَكَانَ الْمِيمِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ النّسَاءِ «1» . (شَرْحُ مَا فِي حَدِيثِ الرّضَاعِ) الرّضَعَاءُ وَالْمَرَاضِعُ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَالْتَمَسَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرّضَعَاءَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: إنّمَا هُوَ الْمَرَاضِعُ. قَالَ: وَفِي كِتَابِ اللهِ سُبْحَانَهُ: (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ [مِنْ قَبْلُ] ) الْقَصَصَ: 12 وَاَلّذِي قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ ظَاهِرٌ؛ لِأَنّ الْمَرَاضِعَ جَمْعُ: مُرْضِعٍ، وَالرّضَعَاءُ: جَمْعُ رَضِيعٍ، وَلَكِنْ لِرِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ مَخْرَجٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: حَذْفُ الْمُضَافِ كَأَنّهُ قَالَ: ذَوَاتَ الرّضَعَاءِ، وَالثّانِي: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالرّضَعَاءِ: الْأَطْفَالَ عَلَى حَقِيقَةِ اللّفْظِ؛ لِأَنّهُمْ إذَا وَجَدُوا لَهُ مُرْضِعَةً تُرْضِعُهُ، فَقَدْ وَجَدُوا لَهُ رَضِيعًا، يَرْضَعُ مَعَهُ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: الْتَمَسُوا لَهُ رَضِيعًا، عِلْمًا بِأَنّ الرّضِيعَ لَا بُدّ لَهُ مِنْ مُرْضِعٍ. مُرْضِعَاتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: وَأَرْضَعَتْهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- ثُوَيْبَةُ «2» قبل حليمة. أرضعته

_ (1) فى رواية: جدامة بضم الجيم أو خدامة أو جذامة وانظر ص 54. الخشنى. (2) توفيت سنة سبع. قال ابن منده: اختلف فى إسلامها، وقال أبو نعيم: لا أعلم أحدا ذكره، ص 137 ج 1 المواهب، وحديث حليمة بهذا السند رواه الحاكم وابن حبان وابن راهويه وأبو ليلى والطبرانى والبيهقى وأبو نعيم. وفى شرح-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَعَمّهُ حَمْزَةَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِفُ ذَلِكَ لِثُوَيْبَةَ، وَيَصِلُهَا مِنْ الْمَدِينَةِ، فَلَمّا افْتَتَحَ مَكّةَ سَأَلَ عَنْهَا وَعَنْ ابْنِهَا مَسْرُوحٍ، فَأُخْبِرَ أَنّهُمَا مَاتَا، وَسَأَلَ عَنْ قَرَابَتِهَا، فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَيّا. وَثُوَيْبَةُ كَانَتْ جَارِيَةً لِأَبِي لَهَبٍ، وَسَنَذْكُرُ بَقِيّةَ حَدِيثِهَا- إنْ شَاءَ اللهُ- عِنْدَ وَفَاةِ أَبِي لَهَبٍ. يُغَذّيهِ أَوْ يُغَدّيهِ: وَذَكَرَ قَوْلَ حَلِيمَةَ: وَلَيْسَ فِي شَارِفِنَا مَا يغدّيه. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَا يُغَذّيهِ بِالذّالِ الْمَنْقُوطَةِ، وَهُوَ أَتَمّ فِي الْمَعْنَى مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ الْغَدَاءِ دُونَ الْعَشَاءِ «1» ، وَلَيْسَ فِي أَصْلِ الشّيْخِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، وَعِنْدَ بَعْضِ النّاسِ رِوَايَةٌ

_ - المواهب أن النسوة اللاتى خرجت معهن حليمة كن عشرا. والسنة الشهباء: ذات القحط والجدب، والأرض الشهباء: البيضاء التى لا خضرة فيها لقلة المطر. والأتان: الأنثى من الحمير، ولا يقال أتانة، والقمراء: التى فى لونها بياض، والصبى الذى كان مع حليمة هو: عبد الله بن الحارث. والشارف: الناقة المسنة، ويقال للذكر والأنثى. وما تبض بقطرة معناها: لا ترشح ولا تسيل، ومن رواها بالصاد فمعناها: ما يبرق عليها أثر لبن، من البصيص، وهو البريق واللمعان. ص 55 الخشنى (1) يقول أبو ذر الخشنى: «ومن رواه ما يغذيه فمعناه: ما يقنعه ولا يمنعه من البكاء. يقال: أغذيت الرجل عن الشىء: إذا منعته منه. وقال ابن هشام: يغذيه. هذا من لفظ الغذاء، ومن رواه: يعذيه بالعين المهملة فمعناه: ما يشبعه بعض الشبع مأخوذ من النبات العذى، وهو الذى يشرب فى الصيف والشتاء بغرفة من الأرض دون أن يسقى» أو الذى لا يسقيه إلا المطر. وتكون هذه هى الرواية الرابعة للكلمة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غَيْرُ هَاتَيْنِ وَهِيَ يُعْذِبُهُ بِعَيْنِ مُهْمَلَةٍ وَذَالٍ مَنْقُوطَةٍ وَبَاءٍ مُعْجَمَةٍ بِوَاحِدَةِ، وَمَعْنَاهَا عِنْدَهُمْ: مَا يُقْنِعُهُ حَتّى يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَنْقَطِعَ عَنْ الرّضَاعِ، يُقَالُ مِنْهُ: عَذَبْته وَأَعْذَبْته: إذَا قَطَعْته عَنْ الشّرْبِ وَنَحْوِهِ، وَالْعَذُوبُ: الرّافِعُ رَأْسَهُ عَنْ الْمَاءِ، وَجَمْعُهُ: عُذُوبٌ بِالضّمّ، وَلَا يُعْرَفُ فَعُولٌ جُمِعَ عَلَى فُعُولٍ غَيْرُهُ: قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ «1» وَاَلّذِي فِي الْأَصْلِ أَصَحّ فِي الْمَعْنَى وَالنّقْلِ. مِنْ شرح حديث الرضاعة: وذكر قولها: حتى أذ ممت بِالرّكْبِ. تُرِيدُ: أَنّهَا حَبَسَتْهُمْ، وَكَأَنّهُ مِنْ الْمَاءِ الدّائِمِ، وَهُوَ الْوَاقِفُ، وَيُرْوَى: حَتّى أَذَمّتْ. أَيْ: أَذَمّتْ الْأَتَانُ، أَيْ: جَاءَتْ بِمَا تُذَمّ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونُ مِنْ قَوْلِهِمْ: بِئْرٌ ذَمّةٌ، أَيْ: قَلِيلَةُ الْمَاءِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ عِنْدَ أَبِي الْوَلِيدِ، وَلَا فِي أَصْلِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ، وَقَدْ ذَكَرَهَا قَاسِمٌ فِي الدّلَائِلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ رِوَايَةً أُخْرَى، وَذَكَرَ تَفْسِيرَهَا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: أَذَمّ بِالرّكْبِ: إذَا أَبْطَأَ، حَتّى حَبَسَتْهُمْ: مِنْ الْبِئْرِ الذّمّة، وهى القليلة الماء «2» .

_ (1) فى اللسان جمعه: عذب بضم العين والذال، وقد خطأ الأزهرى أبا عبيدة لأن فعولا- بفتح الفاء وضم العين- لا يكسر على فعول بضم الفاء (2) عند أبى ذر الخشنى: أذمت: تأخرت بالركب، أى تأخر الركب بسببها والضمير الذى فى أذمت يرجع إلى الأتان، وفى رواية: أدمت بالركب أى: أطلت عليهم المسافة لتمهلهم عليها، مأخوذ من الشىء الدائم ص 55. وصاحب حليمة المذكور فى القصة هو زوجها: الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدى، وكنيته أبو ذؤيب، وفى رواية أخرى لحديث الرضاع جاء بعد قول حليمة: فذهبت إليه ما يلى: «فإذا به مدرج فى ثوب صوف أبيض من اللبن يفوح منه المسك، وتحته

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ قَوْلَ حَلِيمَةَ: فَلَمّا وَضَعْته فِي حِجْرِي أَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حَتّى رَوِيَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَخُوهُ حَتّى رَوِيَ. وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لَا يُقْبِلُ إلّا عَلَى ثَدْيِهَا الْوَاحِدِ، وَكَانَتْ تَعْرِضُ عَلَيْهِ الثّدْيَ الْآخَرَ، فَيَأْبَاهُ كَأَنّهُ قَدْ أُشْعِرَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- أَنّ مَعَهُ شَرِيكًا فِي لِبَانِهَا، وَكَانَ مَفْطُورًا عَلَى الْعَدْلِ، مَجْبُولًا عَلَى الْمُشَارَكَةِ وَالْفَضْلِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الْتِمَاسُ الْأَجْرِ عَلَى الرّضَاعِ: قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَالْتِمَاسُ الْأَجْرِ عَلَى الرّضَاعِ لَمْ يَكُنْ مَحْمُودًا عِنْدَ أَكْثَرِ نِسَاءِ الْعَرَبِ، حَتّى جَرَى الْمَثَلُ: تَجُوعُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيَيْهَا «1» ، وَكَانَ عِنْدَ بَعْضِهِنّ لَا بَأْسَ بِهِ، فَقَدْ كَانَتْ حَلِيمَةُ وَسِيطَةً فِي بَنِي سَعْدٍ، كَرِيمَةً مِنْ كَرَائِمِ قَوْمِهَا، بِدَلِيلِ اخْتِيَارِ اللهِ- تَعَالَى- إيّاهَا لِرَضَاعِ نَبِيّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا اخْتَارَ لَهُ أَشْرَفَ الْبُطُونِ والأصلاب. والرّضاع كالنسب؛ لأنه يغيّر

_ - حرير أخضر راقد على قفاه يغط، فأشفقت أن أوقظه من نومه لحسنه وجماله» المواهب اللدنية في باب رضاعه ص 143 ج 1، هذا ورضاعه من ثويبة قد ورد فى سياق حديث عن أم سلمة، وقد رواه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجة والبيهقى «منتخب السنة» ص 60 ح 1 (1) روايته: تجوع الحرة، ولا تأكل بثدييها، أى: لا تكون ظئرا، وإن آذاها الجوع. ويروى: ولا تأكل ثدييها. وأول من قال ذلك: الحارث بن سليل الأسدى. فى قصة طويلة روتها كتب الأمثال، يضرب فى صيانة الرجل نفسه عن خسيس مكاسب الأموال «مجمع الأمثال للميدانى»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الطّبَاعَ. فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تَرْفَعُهُ: «لَا تَسْتَرْضِعُوا الْحَمْقَى؛ فَإِنّ اللّبَنَ يُورِثُ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَلِيمَةُ وَنِسَاءُ قَوْمِهَا طَلَبْنَ الرّضَعَاءَ اضْطِرَارًا لِلْأَزْمَةِ الّتِي أَصَابَتْهُمْ، وَالسّنَةِ الشّهْبَاءِ الّتِي اقْتَحَمَتْهُمْ. لِمَ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَدْفَعُ أَوْلَادَهَا إلَى الْمَرَاضِعِ؟ وَأَمّا دَفْعُ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ أَوْلَادَهُمْ إلَى الْمَرَاضِعِ، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِوُجُوهِ. أَحَدُهَا: تَفْرِيغُ النّسَاءِ إلَى الْأَزْوَاجِ، كَمَا قَالَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِأُمّ سَلَمَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَكَانَ أَخَاهَا مِنْ الرّضَاعَةِ، حِينَ انْتَزَعَ مِنْ حِجْرِهَا زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: «دَعِي هَذِهِ الْمَقْبُوحَةَ الْمَشْقُوحَةَ «1» الّتِي آذَيْت بِهَا رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَيْضًا لِيَنْشَأَ الطّفْلُ فِي الْأَعْرَابِ، فَيَكُونَ أَفْصَحَ لِلِسَانِهِ، وَأَجْلَدَ لِجِسْمِهِ، وَأَجْدَرَ أَنْ لَا يُفَارِقَ الْهَيْئَةَ الْمَعَدّيّةَ «2» كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: تَمَعْدَدُوا وَتَمَعْزَزُوا «3» وَاخْشَوْشِنُوا [رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ] . وَقَدْ قَالَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- لِأَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ قَالَ لَهُ: مَا رَأَيْت أَفْصَحَ مِنْك يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي، وَأَنَا مِنْ قُرَيْشٍ، وَأُرْضِعْت فِي بَنِي سَعْدٍ؟! فَهَذَا وَنَحْوُهُ كَانَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى دَفْعِ

_ (1) المشقوحة: المكسورة أو المبعدة، من الشقح، وهو الكسر أو البعد ومشقوحة اتباع لمقبوحة. (2) نسبة إلى قوم معد، وكانوا أهل غلظ وقشف. أى: تصلبوا، وتشبهوا بمعد. (3) وتمعززوا: تعزز لحمه: اشتد وصلب، وتمعز البعير: اشتد عدوه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرّضَعَاءِ إلَى الْمَرَاضِعِ الْأَعْرَابِيّاتِ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَانَ يَقُولُ: أَضَرّ بِنَا حُبّ الْوَلِيدِ؛ لِأَنّ الْوَلِيدَ كَانَ لَحّانًا، وَكَانَ سُلَيْمَانُ فَصِيحًا؛ لِأَنّ الْوَلِيدَ أَقَامَ مَعَ أُمّهِ، وَسُلَيْمَانُ وَغَيْرُهُ مِنْ إخْوَتِهِ سَكَنُوا الْبَادِيَةَ، فَتَعَرّبُوا، ثُمّ أُدّبُوا فَتَأَدّبُوا، وَكَانَ مِنْ قُرَيْشٍ أَعْرَابٌ، وَمِنْهُمْ حَضَرٌ، فَالْأَعْرَابُ مِنْهُمْ: بَنُو الْأَدْرَمِ وبنو محارب، وأحسب بنى عامر ابن لُؤَيّ كَذَلِكَ؛ لِأَنّهُمْ مِنْ أَهْلِ الظّوَاهِرِ، وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْبِطَاحِ «1» . شَقّ الصّدْرِ: وَذَكَرَ قَوْلَ أَخِيهِ مِنْ الرّضَاعَةِ: نَزَلَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ أَبْيَضَانِ، فَشَقّا عَنْ بَطْنِهِ، وَهُمَا يَسُوطَانِهِ، يُقَالُ: سُطْت اللّبَنَ أَوْ الدّمَ، أَوْ غَيْرَهُمَا، أَسُوطُهُ: إذَا ضَرَبْت بَعْضَهُ بِبَعْضِ. وَالْمِسْوَطُ: عُودٌ يُضْرَبُ بِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّهُ نَزَلَ عَلَيْهِ كُرْكِيّانِ «2» ، فَشَقّ أَحَدُهُمَا بِمِنْقَارِهِ جَوْفَهُ، وَمَجّ الْآخَرُ بِمِنْقَارِهِ فِيهِ ثَلْجًا، أَوْ بَرَدًا، أَوْ نَحْوَ هَذَا، وَهِيَ رِوَايَةٌ غَرِيبَةٌ ذَكَرَهَا يُونُسُ عَنْهُ، وَاخْتَصَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدّنْيَا وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادِ يَرْفَعُهُ إلَى أبى ذرّ- رضى الله

_ (1) سبق الحديث عن قريش البطاح وقريش الظواهر. (2) الكركى: طائر كبير أغبر اللون طويل العنق والرجلين أبتر الذنب. ومج الماء: لفظه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْهُ- قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ عَلِمْت أَنّك نَبِيّ، وَبِمَ عَلِمْت حَتّى اسْتَيْقَنْت؟ قَالَ: يَا أَبَا ذَرّ أَتَانِي مَلَكَانِ، وَأَنَا بِبَطْحَاءِ مَكّةَ، فَوَقَعَ أَحَدُهُمَا بِالْأَرْضِ، وَكَانَ الْآخَرُ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ هُوَ: قَالَ: فَزِنْهُ بِرَجُلِ، فَوَزَنَنِي بِرَجُلِ، فَرَجَحْته، ثُمّ قَالَ: زِنْهُ بِعَشَرَةِ، فَوَزَنَنِي فَرَجَحْتهمْ، ثُمّ قَالَ: زِنْهُ بِمِائَةِ، فَوَزَنَنِي، فَرَجَحْتهمْ، ثُمّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفِ، فَوَزَنَنِي فَرَجَحْتهمْ، حَتّى جَعَلُوا يَتَثَاقَلُونَ عَلَيّ مِنْ كِفّةِ الْمِيزَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: شُقّ بَطْنَهُ، فَشَقّ بَطْنِي، فأخرج قلبى، فأخرج منه مَغْمَزَ الشّيْطَانِ وَعَلَقَ الدّمِ، فَطَرَحَهُمَا، فَقَالَ: أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اغْسِلْ بَطْنَهُ غَسْلَ الْإِنَاءِ، وَاغْسِلْ قَلْبَهُ غَسْلَ الْمُلَاءِ، ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: خُطّ بطنه، فحاط بَطْنِي، وَجَعَلَ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيّ كَمَا هُوَ الْآنَ، وَوَلّيَا عَنّي، فَكَأَنّي أُعَايِنُ الْأَمْرَ مُعَايَنَةً» فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ لِمَا أُبْهِمَ فِي الْأَوّلِ، لِأَنّهُ قَالَ: فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَغْمَزَ الشّيْطَانِ، وَعَلَقَ الدّمِ، فَبَيّنَ أَنّ الّذِي اُلْتُمِسَ فِيهِ هُوَ الّذِي يَغْمِزُهُ الشّيْطَانُ مِنْ كُلّ مَوْلُودٍ إلا عيسى بن مَرْيَمَ وَأُمّهُ «1» - عَلَيْهِمَا السّلَامُ- لِقَوْلِ أُمّهَا حُنّةَ: «وَأَنِّي

_ (1) يشير إلى ما رواه البخارى ومسلم والترمذى: «مامن مولود يولد إلا نخسه الشيطان، فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه، قال أبو هريرة: اقرؤا إن شئتم: (وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ) ، قال عياض: يريد أن الله قبل دعاءها مع أن الأنبياء معصومون، وقال النووى: أشار عياض إلى أن جميع الأنبياء يشاركون عيسى فى هذه الخصوصية. وسيأتى أن صدره شق أيضا ليلة الإسراء فى حديث من طريق شريك فى الصحيحين، ودعوى أنه لا منافاة، لاحتمال وقوع ذلك مرتين دعوى بلا بينة، وفى أحاديث خاتم النبوة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ» آلَ عِمْرَانَ: 36. فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ لِذَلِكَ، وَلِأَنّهُ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ مَنِيّ الرّجَالِ فَأُعِيذُهُ مِنْ مَغْمَزٍ، وَإِنّمَا خُلِقَ مِنْ نَفْخَةِ رُوحِ الْقُدُسِ، وَلَا يَدُلّ هَذَا عَلَى فَضْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَى مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَنّ مُحَمّدًا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ نُزِعَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَغْمَزُ، وَمُلِئَ قَلْبُهُ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، بَعْدَ أَنْ غَسَلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ بِالثّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَإِنّمَا كَانَ ذَلِكَ الْمَغْمَزُ فِيهِ لِمَوْضِعِ الشّهْوَةِ الْمُحَرّكَةِ لِلْمَنِيّ، وَالشّهَوَاتُ يَحْضُرُهَا الشّيَاطِينُ، لَا سِيمَا شَهْوَةُ مَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنِ، فَكَانَ ذَلِكَ الْمَغْمَزُ رَاجِعًا إلَى الْأَبِ، لَا إلَى الِابْنِ الْمُطَهّرِ- صلى الله وسلم عليه. وَفِي الْحَدِيثِ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ مِنْ نَفِيسِ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ أَنّ خَاتَمَ النّبُوّةِ لَمْ يُدْرَ هل خلق به، أم وضع فيه بعد ما وُلِدَ، أَوْ حِينَ نُبّئَ، فَبَيّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَتَى وُضِعَ، وَكَيْفَ وُضِعَ، وَمَنْ وَضَعَهُ، زَادَنَا اللهُ عِلْمًا، وَأَوْزَعَنَا شُكْرَ مَا عَلّمَ، وَفِيهِ الْبَيَانُ لِمَا سَأَلَ عَنْهُ أَبُو ذَرّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ قَالَ: كَيْفَ عَلِمْت أنك «1»

_ - مغايرة لما ورد من وصف الخاتم هنا، كما أن فى ألفاظ بعض أحاديث الشق ما يوحى بأنه أحداث منام، لا أحداث واقع، أما الإسراء فيقظة بنص القرآن وسيأتى (1) كل حديث يزعم فيه أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يعرف أنه نبى هو حديث كذب، لا يعتد به، لأنه- صلى الله عليه وسلم- لم يكن يعرف حتى ليلة الوحى أنه نبى. هذا وعن خاتم النبوة ورد فى حديث- رواه الشيخان والترمذى عن السائب بن يزيد: «فنظرت إلى خاتم بين كتفيه مثل زر الحجلة» الزر: البيضة وعن جابر فى مسلم: «رأيت خاتما فى ظهر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كأنه بيضة حمام» وفى مسلم والترمذى: «كان خاتم رسول الله «ص» الذى بين كتفيه غدة حمراء مثل بيضة الحمامة» وعن عبد الله بن سرجس: «نظرت إلى خاتم النبوة بين-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَبِيّ، فَأَعْلَمَهُ بِكَيْفِيّةِ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهْمًا مِنْ بَعْضِ النّقَلَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: بَيْنَمَا أَنَا بِبَطْحَاءِ مَكّةَ، وَهَذِهِ الْقِصّةُ لَمْ تَعْرِضْ لَهُ إلّا وَهُوَ فِي بَنِي سَعْدٍ مَعَ حَلِيمَةَ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزّارُ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي ذَرّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَلَمْ يذكر فيه بطحاء مكة.

_ - كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى جمعا عليه خيلان، كأمثال الثاليل» مسلم وأحمد. والناغض: أعلى الكتف، أو ما يظهر من عظمه عند التحرك. جمعا: أى كصورة الكف بعد جمع الأصابع وضمها. الخيلان: جمع خال وهى الغدة الصغيرة. الثاليل: جمع: ثؤلول حبيبات تعلو الجسد، وفى مسلم أيضا عن جابر بن سمرة أنه كبيضة الحمامة. وعند الحاكم والترمذى وأبى يعلى والطبرانى من حديث عمرو بن أحطب أن الخاتم شعر مجتمع عند كتفه، وعند البخارى فى تاريخه والبيهقى أنه: لحمة ناتئة، وفى جامع الترمذى ودلائل البيهقى: كالتفاحة، وعند ابن حبان. وفى تاريخ ابن عساكر والحاكم: كالبندقة. وعند الترمذى: كبضعة ناشزة من اللحم. وعند الطبرانى: كان كأنه ركبة عنز على طرف كتفه الأيسر، وعند ابن حبان: كان مثل البندقة من اللحم.. والحجلة تنطق بفتح الحاء والجيم، وضم الحاء أو كسرها وإسكان الجيم، وضم الحاء وفتح الجيم. وجزم الترمذى بأن المراد بالحجلة: الطير المعروف، وهو فى حجم الحمام، أحمر المنقار والرجلين طيب اللحم، وفسره النووى بأنها واحدة الحجال. وهى بيت كالقبة. لها أزرار كبار وعرا، أو كما فسره الأزهرى فى التهذيب: بيت كالقبة يستر بالثياب، ويجعل له باب من جنسه، فيه زر وعروة تشد إذا علقت وقال القرطبى: اتفقت الأحاديث الثابتة على أن خاتم النبوة كان شيئا بارزا أحمر عند كتفيه الأيسر، قدره إذا قلل قدر بيضة الحمامة، وإذا كبر جمع اليد. وفى الفتح: باب خاتم النبوة: أى صفته، وهو الذى كان بين كتفى النبى، وكان من علاماته التى كان أهل الكتاب يعرفونه بها، وسيأتى عنه بيان آخر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَدِيثُ السّكِينَةِ: وَذُكِرَ فِيهِ أَنّهُ قَالَ: وَأُوتِيت بِالسّكِينَةِ كَأَنّهَا رَهْرَهَةٌ، فَوُضِعَتْ فِي صَدْرِي. قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ لِعُرْوَةِ سَمَاعًا مِنْ أَبِي ذَرّ. وَذَكَرَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ أَبِي ذَرّ، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا ذَرّ، وُزِنْت بِأَرْبَعِينَ، أَنْتَ فِيهِمْ فَرَجَحْتهمْ» وَالرّهْرَهَةُ: بَصِيصُ الْبَشَرَةِ، فَهَذَا بَيَانُ وَضْعِ الْخَاتَمِ مَتَى وُضِعَ. مَسْأَلَةُ شَقّ الصّدْرِ مَرّةً أُخْرَى: وَأَمّا مَتَى وَجَبَتْ لَهُ النّبُوّةُ، فَرُوِيَ عَنْ مَيْسَرَةَ أَنّهُ قَالَ لَهُ: مَتَى وَجَبَتْ لَك النّبُوّةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: وَآدَمُ بَيْنَ الرّوحِ وَالْجَسَدِ، وَيُرْوَى: وَآدَمُ مجندل فى طينته «1» .

_ (1) وهكذا كل إنسان فى قدر؛ فإن الله كتب عنده مقادير الكائنات جميعها، وإلا فالنبى- صلى الله عليه وسلم- لم يكن يعرف حتى ليلة الوحى الأولى أنه نبى أو أن النبوة ستأتيه. وإلا ما رجع فى ارتجافه الشديد إلى خديجة رضى الله عنها يحدثها أنه خائف على نفسه. وفى رواية للحديث: وإنى لمكتوب عند الله من النبيين. وحديث العرباض بن سارية قال: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: إنى عبد الله، وخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل فى طينته، وسأخبركم عن ذلك: إنى دعوة أبى إبراهيم وبشارة عيسى، ورؤيا أمى التى رأت، وكذلك أمهات النبيين، وإن أُمّ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام» أحمد وابن حبان والحاكم. وفى حديث أبى أمامة عند أحمد نحوه، ونصه عن لقمة بن عامر سمعت أبا أمامة قال: قلت يا نبى الله-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهَذَا الْخَبَرُ يُرْوَى عَنْهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنّهُ شُقّ عَنْ قَلْبِهِ، وَهُوَ مَعَ رَابّتِهِ وَمُرْضِعَتِهِ فِي بَنِي سَعْدٍ، وَأَنّهُ جِيءَ بِطَسْتِ مِنْ ذَهَبٍ، فِيهِ ثَلْجٌ فَغُسِلَ بِهِ قَلْبُهُ، وَالثّانِي فِيهِ: أَنّهُ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، وَأَنّ ذَلِكَ كَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ حِينَ عرج به إلى السماء بعد ما بُعِثَ بِأَعْوَامِ، وَفِيهِ أَنّهُ أُتِيَ بِطَسْتِ مِنْ ذهب ممتلىء حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأُفْرِغَ فِي قَلْبِهِ. وَذَكَرَ بَعْضُ مَنْ أَلّفَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ أَنّهُ تَعَارَضَ فِي الرّوَايَتَيْنِ، وَجَعَلَ يَأْخُذُ فِي تَرْجِيحِ الرّوَاةِ وَتَغْلِيطِ بَعْضِهِمْ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ كَانَ هَذَا التّقْدِيسُ وَهَذَا التّطْهِيرُ مَرّتَيْنِ. الْأُولَى: فِي حَالِ الطّفُولِيّةِ لِيُنَقّى قَلْبُهُ مِنْ مَغْمَزِ الشّيْطَانِ، وَلِيُطَهّرَ وَيُقَدّسَ مِنْ كُلّ خُلُقٍ ذَمِيمٍ، حَتّى لَا يَتَلَبّسَ بِشَيْءِ مِمّا يُعَابُ عَلَى الرّجَالِ، وَحَتّى لَا يَكُونَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ إلّا التّوْحِيدُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: فَوَلّيَا عَنّي، يَعْنِي: الْمَلَكَيْنِ، وَكَأَنّي أُعَايِنُ الْأَمْرَ مُعَايَنَةً. وَالثّانِيَةُ: فِي حَالِ الاكتهال، وبعد ما نبّىء، وعند ما أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْحَضْرَةِ الْمُقَدّسَةِ الّتِي لَا يَصْعَدُ إلَيْهَا إلّا مُقَدّسٌ، وَعُرِجَ به هنالك

_ ما كان بدء أمرك؟ قال: دعوة أبى إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمى أنه خرج منها نور أضاء منه قصور الشام» تفرد به أحمد، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة. وقد روى قصة شق الصدر فى الطفولة أبو نعيم فى الدلائل عن طريق عمر ابن صبح مطولة جدا، وعمر متروك كذاب متهم بالوضع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِتُفْرَضَ عَلَيْهِ الصّلَاةُ، وَلِيُصَلّيَ بِمَلَائِكَةِ السّمَوَاتِ، وَمِنْ شَأْنِ الصّلَاةِ: الطّهُورُ، فَقُدّسَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ. وَفِي الْمَرّةِ الْأُولَى بِالثّلْجِ لِمَا يُشْعِرُ الثّلْجُ مِنْ ثَلْجِ الْيَقِينِ وَبَرْدِهِ عَلَى الْفُؤَادِ، وَكَذَلِكَ هُنَاكَ حَصَلَ لَهُ الْيَقِينُ بِالْأَمْرِ الّذِي يُرَادُ بِهِ وَبِوَحْدَانِيّةِ رَبّهِ. وَأَمّا فِي الثانية، فقد كان موقنا منبّأ، فَإِنّمَا طُهّرَ لِمَعْنَى آخَرَ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ دُخُولِ حَضْرَةِ الْقُدُسِ وَالصّلَاةِ فِيهَا، وَلِقَاءِ الْمَلِكِ الْقُدّوسِ، فَغَسَلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ بِمَاءِ زَمْزَمَ الّتِي هِيَ هَزْمَةُ رُوحِ الْقُدُسِ، وَهَمْزَةُ عَقِبِهِ «1» لأبيه إسماعيل عليه السلام- وجئ بِطَسْتِ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأُفْرِغَ فِي قَلْبِهِ، وَقَدْ كَانَ مُؤْمِنًا، وَلَكِنّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ الْفَتْحَ: 4 وَقَالَ: وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً الْمُدّثّرَ: 31. فَإِنْ قِيلَ: وَكَيْفَ يَكُونُ الْإِيمَانُ وَالْحِكْمَةُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَالْإِيمَانُ عَرَضٌ، وَالْأَعْرَاضُ لَا يُوصَفُ بِهَا إلّا مَحَلّهَا الّذِي تَقُومُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الِانْتِقَالُ، لِأَنّ الِانْتِقَالَ مِنْ صِفَةِ الْأَجْسَامِ، لَا مِنْ صِفَةِ الْأَعْرَاضِ؟ قُلْنَا: إنّمَا عَبّرَ عَمّا كَانَ فِي الطّسْتِ بِالْحِكْمَةِ وَالْإِيمَانِ، كَمَا عَبّرَ عَنْ اللّبَنِ الّذِي شَرِبَهُ، وَأَعْطَى فَضْلَهُ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالْعِلْمِ، فَكَانَ تَأْوِيلُ مَا أُفْرِغَ فِي قَلْبِهِ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، وَلَعَلّ الّذِي كَانَ فِي الطّسْتِ كَانَ ثَلْجًا وَبَرَدًا- كَمَا ذكر فى

_ (1) هزم البئر: حفرها، والهمزة: النقرة، هذا وسيأتى بيان أن الصلاة كانت مفروضة قبل الإسراء بنص القرآن والأحاديث الصحيحة. هذا وقوله: كأنى أعاين الأمر معاينة يؤكد أنه رؤيا منامية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحَدِيثِ الْأَوّلِ- فَعَبّرَ عَنْهُ فِي الْمَرّةِ الثّانِيَةِ بما يؤول إلَيْهِ، وَعَبّرَ عَنْهُ فِي الْمَرّةِ الْأُولَى بِصُورَتِهِ الّتِي رَآهَا، لِأَنّهُ فِي الْمَرّةِ الْأُولَى كَانَ طِفْلًا، فَلَمّا رَأَى الثّلْجَ فِي طَسْتِ الذّهَبِ اعْتَقَدَهُ ثَلْجًا، حَتّى عَرَفَ تَأْوِيلَهُ بَعْدُ. وَفِي المرة الثانية كان نبيئا، فلما رأى طست الذهب مملوآ ثَلْجًا عَلِمَ التّأْوِيلَ لِحِينِهِ وَاعْتَقَدَهُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَكَانَ لَفْظُهُ فِي الْحَدِيثَيْنِ عَلَى حَسَبِ اعْتِقَادِهِ فِي الْمَقَامَيْنِ. مُنَاسَبَةُ الذّهَبِ لِلْمَعْنَى الْمَقْصُودِ: وَكَانَ الذّهَبُ فِي الْحَالَتَيْنِ جَمِيعًا مُنَاسِبًا لِلْمَعْنَى الّذِي قُصِدَ بِهِ. فَإِنْ نَظَرْت إلَى لَفْظِ الذّهَبِ، فَمُطَابِقٌ لِلْإِذْهَابِ، فَإِنّ اللهَ- عَزّ وَجَلّ- أَرَادَ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُ الرّجْسَ، وَيُطَهّرَهُ تَطْهِيرًا، وَإِنْ نَظَرْت إلَى مَعْنَى الذّهَبِ وَأَوْصَافِهِ وَجَدْته أَنْقَى شَيْءٍ وَأَصْفَاهُ، يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: أَنْقَى مِنْ الذّهَبِ. وَقَالَتْ بَرِيرَةُ فِي عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- مَا أَعْلَمُ عَلَيْهَا إلّا مَا يَعْلَمُ الصّائِغُ عَلَى الذّهَبِ الْأَحْمَرِ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ فِي صِلَةِ بْنِ أَشْيَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: إنّمَا قَلْبُهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ: إنّهُ لَرَجُلٌ مِنْ ذَهَبٍ، يُرِيدُونَ: النّقَاءَ مِنْ الْعُيُوبِ، فَقَدْ طَابَقَ طَسْتَ الذّهَبِ مَا أُرِيدَ بِالنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَقَاءِ قَلْبِهِ. وَمِنْ أَوْصَافِ الذّهَبِ أَيْضًا الْمُطَابِقَةِ لِهَذَا الْمَقَامِ ثِقَلُهُ وَرُسُوبُهُ، فَإِنّهُ يُجْعَلُ فِي الزّيبَقِ الّذِي هُوَ أَثْقَلُ الْأَشْيَاءِ، فَيَرْسُبُ، وَاَللهُ تَعَالَى يَقُولُ: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) الْمُزّمّلَ: 5. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إنّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ الْمُحِقّينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِاتّبَاعِهِمْ الْحَقّ، وَحُقّ لِمِيزَانِ لَا يُوضَعُ فِيهِ إلّا الحقّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنْ يَكُون ثَقِيلًا، وَقَالَ فِي أَهْلِ الْبَاطِلِ بِعَكْسِ هَذَا. وَقَدْ رُوِيَ: أَنّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ، فَثَقُلَ عَلَيْهَا حَتّى سَاخَتْ قَوَائِمُهَا فِي الْأَرْضِ، فَقَدْ تَطَابَقَتْ الصّفَةُ الْمَعْقُولَةُ وَالصّفَة الْمَحْسُوسَةُ. وَمِنْ أَوْصَافِ الذّهَبِ أَيْضًا أَنّهُ لَا تَأْكُلُهُ النّارُ، وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ: لَا تَأْكُلُ النّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَلْبًا وَعَاهُ، وَلَا بَدَنًا عَمِلَ بِهِ، قَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي إهَابٍ، ثم رح فِي النّارِ مَا احْتَرَقَ «1» » وَمِنْ أَوْصَافِ الذّهَبِ الْمُنَاسِبَةِ لِأَوْصَافِ الْقُرْآنِ وَالْوَحْيِ: أَنّ الْأَرْضَ لَا تُبْلِيهِ، وَأَنّ الثّرَى لَا يَذْرِيهِ، وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ لَا يَخْلُقُ عَلَى كَثْرَةِ الرّدّ، وَلَا يُسْتَطَاعُ تَغْيِيرُهُ وَلَا تَبْدِيلُهُ، وَمِنْ أَوْصَافِهِ أَيْضًا: نَفَاسَتُهُ وَعِزّتُهُ عِنْدَ النّاسِ، وَكَذَلِكَ الْحَقّ وَالْقُرْآنُ عَزِيزٌ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَإِنّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) فُصّلَتْ: 41. فَهَذَا إذَا نَظَرْت إلَى أَوْصَافِهِ وَلَفْظِهِ، وَإِذَا نَظَرْت إلَى ذَاتِهِ وَظَاهِرِهِ، فَإِنّهُ زُخْرُفُ الدّنْيَا وَزِينَتُهَا، وَقَدْ فُتِحَ بِالْقُرْآنِ وَالْوَحْيِ عَلَى مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمّتِهِ خَزَائِنُ الْمُلُوكِ، وَتَصِيرُ إلى أيديهم ذهبها وفضنها، وَجَمِيعُ زُخْرُفِهَا وَزِينَتِهَا، ثُمّ وُعِدُوا بِاتّبَاعِ الْقُرْآنِ وَالْوَحْيِ قُصُورَ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ فِي الْجَنّةِ. قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَنّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ ذَهَبٍ «2» » وَفِي التّنْزِيلِ: (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ) الزّخْرُفَ: 71 (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) الحج: 23 وفاطر: 33

_ (1) رواه الطبرانى. وفى الجامع للسيوطى أنه ضعيف. (2) من حديث رواه الجماعة إلا أبا داود: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَكَانَ ذَلِكَ الذّهَبُ يُشْعِرُ بِالذّهَبِ الّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ مَنْ اتّبَعَ الْحَقّ، وَالْقُرْآنَ وَأَوْصَافُهُ تُشْعِرُ بِأَوْصَافِ الْحَقّ، وَالْقُرْآنُ وَلَفْظُهُ يُشْعِرُ بِإِذْهَابِ الرّجْسِ، كَمَا تَقَدّمَ، فَهَذِهِ حِكَمٌ بَالِغَةٌ «1» لِمَنْ تَأَمّلَ، وَاعْتِبَارٌ صَحِيحٌ لِمَنْ تَدَبّرَ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ. وَفِي ذِكْرِ الطّسْتِ وَحُرُوفِ اسْمِهِ حِكْمَةٌ تَنْظُرُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (طس. تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ «2» ) النّمل: 1 ومما يسئل عَنْهُ: هَلْ خُصّ هُوَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِغَسْلِ قَلْبِهِ فِي الطّسْتِ، أَمْ فُعِلَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، فَفِي خَبَرِ التّابُوتِ وَالسّكِينَةِ، أَنّهُ كَانَ فِيهِ الطّسْتُ الّتِي غُسِلَتْ فِيهَا قُلُوبُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السّلَامُ. ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ «3» ، وَقَدْ انْتَزَعَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ حَدِيثِ الطّسْتِ حَيْثُ جُعِلَ مَحَلّا لِلْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ جَوَازَ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالذّهَبِ، وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ «4» ، فَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- هَذَا الذى قدمناه، متى علم أنه نبىّ.

_ (1) تأويلات مغربة، وإن كانت تشهد بذكاء، لكنها لا ترف بسكينة على القلب، وشأن القرآن أعظم. (2) وهذا أغرب، وأشد بعدا، وتقرأ طس هكذا: «طاسين» . (3) يشير إلى قوله تعالى: «وقال لهم نبيهم: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم، وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة) البقرة: 248. وقد روى العوفى عن ابن عباس أن السكينة هى الرحمة. كما فسرها عطاء تفسيرا طيبا، إذ قال لابن جريج لما سأله عنها: أما تعرفون من آيات الله فتسكنون إليه. وروى ابن كثير ما ذكره السهيلى بصيغة تفيد تضعيفه إذ جاء قبله بكلمة: وقيل. وخب فيها وهب بن منبه ووضع، فأتى بالعجب العجاب من الأساطير. فقال: السكينة: رأس هرة ميتة (4) رد ابن القيم هذا الرأى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحِكْمَةُ فِي خَتْمِ النّبُوّةِ: وَالْحِكْمَةُ فِي خَاتَمِ النبوة على جهة الاعتبار أنه لمّا ملىء قَلْبُهُ حِكْمَةً وَيَقِينًا، خُتِمَ عَلَيْهِ كَمَا يُخْتَمُ عَلَى الْوِعَاءِ الْمَمْلُوءِ مِسْكًا أَوْ دُرّا، وَأَمّا وَضْعُهُ عِنْدَ نُغْضِ «1» كَتِفِهِ، فَلِأَنّهُ مَعْصُومٌ مِنْ وَسْوَسَةِ الشّيْطَانِ، وَذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْهُ يُوَسْوِسُ الشّيْطَانُ لِابْنِ آدَمَ. رَوَى مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنّ رَجُلًا سَأَلَ رَبّهُ أَنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ الشّيْطَانِ مِنْهُ «2» ، فَأُرِيَ جَسَدًا مُمَهّى «3» يُرَى دَاخِلُهُ مِنْ خَارِجِهِ، وَالشّيْطَانُ فِي صُورَةِ ضِفْدَعٍ عِنْدَ نُغْضِ كَتِفِهِ «4» حِذَاءَ قَلْبِهِ، لَهُ خُرْطُومٌ، كَخُرْطُومِ الْبَعُوضَةِ، وَقَدْ أَدْخَلَهُ إلَى قَلْبِهِ يُوَسْوِسُ، فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ تَعَالَى العبد خنس «5» .

_ (1) هو أعلى منقطع غضروف الكتف. (2) فى شرح المواهب: «موضع الشيطان من ابن آدم» . وفى النهاية: موقع (3) ضبطها فى اللسان وفى معجم ابن فارس وفى النهاية هكذا، وضبطها الزرقانى بضم الميم الأولى وسكون الثانية، وتخفيف الهاء اسم مفعول من: أمهاه، أى مصفّى، وفى النهاية: أنه وأى ذلك مناما، قال: والمها: البلور، وكل شىء صفىّ، فهو ممهى تشبيها به. زاد فى الفائق: ومقلوب من مموه، وهو مفعّل من أصل الماء. أى مجعول ماء ص 154 ج 1. (4) فى شرح المواهب: «وأرى الشيطان فى صورة ضفدع عند كتفه» . (5) فى شرح المواهب: «وقد أدخله فى منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس إليه» والحديث مقطوع. ص 154 ج 1 شرح المواهب. وفى اللسان نقلا عن النهاية لابن الأثير: «فرأى فيما يرى النائم جسد رجل ممهّى» . وحذاء: مقابل. وخنس: تأخر وغاب. وانظر ص 439 وما بعدها فتح البارى ج 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رد حليمة للنبى «ص» : فَصْلٌ: وَكَانَ رَدّ حَلِيمَةَ إيّاهُ إلَى أُمّهِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ وَشَهْرٍ، فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ «1» ، ثُمّ لَمْ تَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلّا مَرّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا بَعْدَ تَزْوِيجِهِ خَدِيجَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- جَاءَتْهُ تَشْكُو إلَيْهِ السّنَةَ، وَأَنّ قَوْمَهَا قَدْ أَسْنَتُوا «2» فَكَلّمَ لَهَا خَدِيجَةَ، فَأَعْطَتْهَا عِشْرِينَ رَأْسًا مِنْ غَنَمِ وَبَكَرَاتٍ، وَالْمَرّةَ الثّانِيَةَ: يَوْمُ حُنَيْنٍ «3» وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللهُ. تَأْوِيلُ النّورِ الّذِي رَأَتْهُ آمِنَةُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ النّورَ الّذِي رَأَتْهُ آمِنَةُ، حِينَ وَلَدَتْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَأَضَاءَتْ لَهَا قُصُورَ الشّامِ، وَذَلِكَ بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، حَتّى كَانَتْ الْخِلَافَةُ فِيهَا مُدّةَ بَنِي أُمَيّةَ، وَاسْتَضَاءَتْ تِلْكَ الْبِلَادُ وَغَيْرُهَا بِنُورِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَلِكَ رَأَى خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِيَسِيرِ نُورًا يَخْرُجُ مِنْ زَمْزَمَ، حَتّى ظَهَرَتْ لَهُ الْبُسْرُ «4» فِي نَخِيلِ يثرب، فقصّها على أخيه عمرو،

_ (1) يعنى ابن عبد البر. وفى الأصل: عمرو وهو خطأ. وفى المواهب نقلا عن ابن عبد البر أنها ردته بعد خمس ويومين، وتفيد بعض الروايات أنها ردته فى السنة الثالثة، أو الرابعة، أو السادسة، وجزم الحافظ العراقى وابن حجر أنها ردته فى الرابعة ص 150 ج 1 المواهب. (2) أسنتوا: أجدبوا. (3) ذكره الأموى. (4) البسر أوله: طلع ثم: خلال بالفتح، ثم بلح بفتحتين، ثم بسر، ثم: رطب ثم: تمر.

عود إلى حديث ابن إسحاق: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يَقُولُ: «مَا مِنْ نَبِيّ إلّا وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ، قِيلَ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَأَنَا» . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: «أَنَا أَعْرَبُكُمْ، أَنَا قُرَشِيّ، وَاسْتُرْضِعْت فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بكر» . [حديث ضعيف] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ النّاسُ فِيمَا يَتَحَدّثُونَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ: أَنّ أُمّهُ السّعْدِيّةَ لَمّا قَدِمَتْ بِهِ مَكّةَ أَضَلّهَا فِي النّاسِ، وَهِيَ مُقْبِلَةٌ بِهِ نَحْوَ أَهْلِهِ، فَالْتَمَسَتْهُ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَأَتَتْ عَبْدَ الْمُطّلِبِ، فَقَالَتْ لَهُ: إنّي قَدْ قَدِمْت بِمُحَمّدٍ هَذِهِ اللّيْلَةَ، فَلَمّا كُنْتُ بِأَعْلَى مَكّةَ أضلّنى، فو الله مَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ يَدْعُو اللهَ أَنْ يَرُدّهُ، فَيَزْعُمُونَ أَنّهُ وَجَدَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ، وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَتَيَا بِهِ عَبْدَ الْمُطّلِبِ، فَقَالَا لَهُ: هَذَا ابْنُك وَجَدْنَاهُ بِأَعْلَى مَكّةَ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، فَجَعَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ، وهو يطوف بالكعبة يعوّذه ويدعوله، ثُمّ أَرْسَلَ بِهِ إلَى أُمّهِ آمِنَةَ. قَالَ ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم، أن مِمّا هَاجَ أُمّهُ السّعْدِيّةَ عَلَى رَدّهِ إلَى أُمّهِ، مَعَ مَا ذَكَرَتْ لِأُمّهِ مِمّا أَخْبَرَتْهَا عَنْهُ، أَنّ نَفَرًا مِنْ الْحَبَشَةِ نَصَارَى رَأَوْهُ مَعَهَا حِينَ رَجَعَتْ بِهِ بَعْدَ فِطَامِهِ، فَنَظَرُوا إلَيْهِ، وَسَأَلُوهَا عَنْهُ وَقَلّبُوهُ، ثُمّ قَالُوا لَهَا: لَنَأْخُذَنّ هَذَا الْغُلَامَ، فَلَنَذْهَبَنّ بِهِ إلَى مَلِكِنَا وَبَلَدِنَا؛ فَإِنّ هَذَا غُلَامٌ كَائِنٌ لَهُ شَأْنٌ نَحْنُ نَعْرِفُ أَمْرَهُ، فَزَعَمَ الّذِي حَدّثَنِي أَنّهَا لم تكد تنفلت به منهم ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَالَ لَهُ: إنّهَا حَفِيرَةُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَإِنّ هَذَا النّورَ مِنْهُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ مُبَادَرَتِهِ إلى الإسلام.

وفاة آمنة وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بعدها

[وَفَاةُ آمِنَةَ وَحَالُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ جَدّهِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بَعْدَهَا] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مَعَ أُمّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، وَجَدّهِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ فِي كَلَاءَةِ اللهِ وَحِفْظِهِ، يُنْبِتُهُ اللهُ نَبَاتًا حَسَنًا، لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- سِتّ سِنِينَ، تُوُفّيَتْ أُمّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنّ أُمّ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- آمِنَةُ تُوُفّيَتْ وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ابْنُ سِتّ سِنِينَ بِالْأَبْوَاءِ، بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ، كَانَتْ قَدْ قَدِمَتْ بِهِ عَلَى أخواله من بنى عدىّ بن النّجّار، تُزِيرُهُ إيّاهُمْ، فَمَاتَتْ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ إلَى مكّة. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمّ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هاشم: سلمى بنت عمرو النجّارية فهذه الخئولة الّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلّى الله عليه وسلم- فيهم. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مَعَ جَدّهِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَكَانَ يُوضَعُ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ فِرَاشٌ فى ظلّ الكعبة، فكان بنوه يجلسون جول فِرَاشِهِ ذَلِكَ، حَتّى يَخْرَجَ إلَيْهِ، لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِيهِ إجْلَالًا لَهُ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتِي، وَهُوَ غُلَامٌ جَفْرٌ، حَتّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ، فَيَأْخُذَهُ أَعْمَامُهُ، لِيُؤَخّرُوهُ عَنْهُ، فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابنى، فو الله إنّ لَهُ لَشَأْنًا، ثُمّ يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْفِرَاشِ وَيَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، وَيَسُرّهُ مَا يَرَاهُ يصنع. ـــــــــــــــــــــــــــــ رَعْيُهُ الْغَنَمَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ نَبِيّ إلّا وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ.. قِيلَ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَأَنَا» وَإِنّمَا أَرَادَ ابْنُ إسْحَاقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ رِعَايَتَهُ الْغَنَمَ فِي بَنِي سَعْدٍ مَعَ أَخِيهِ مِنْ الرّضَاعَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ أَنّهُ رَعَاهَا بِمَكّةَ أَيْضًا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكّةَ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ عَنْهُ أَيْضًا أَنّهُ قَالَ: مَا هَمَمْت بِشَيْءِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ إلّا مَرّتَيْنِ، وَرَوَى أَنّ إحْدَى الْمَرّتَيْنِ كَانَ فِي غَنَمٍ يَرْعَاهَا هُوَ وَغُلَامٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: اكْفِنِي أَمْرَ الْغَنَمِ حَتّى آتِيَ مَكّةَ، وَكَانَ بِهَا عُرْسٌ فِيهَا لَهْوٌ وَزَمْرٌ، فَلَمّا دَنَا مِنْ الدّارِ لِيَحْضُرَ ذَلِكَ، أُلْقِيَ عَلَيْهِ النّوْمُ، فَنَامَ حَتّى ضَرَبَتْهُ الشّمْسُ عِصْمَةً مِنْ اللهِ لَهُ. وَفِي الْمَرّةِ الْآخِرَةِ قَالَ لِصَاحِبِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأُلْقِيَ عَلَيْهِ النّوْمُ فِيهَا، كَمَا أُلْقِيَ فِي الْمَرّةِ الْأُولَى. ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ رواية البكّائىّ. وفى غريب الحديث للقتبنىّ: «بُعِثَ مُوسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ، وَبُعِثَ دَاوُدُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ رَاعِي غَنَمٍ، وَبُعِثْت، وَأَنَا رَاعِي غَنَمِ أَهْلِي بِأَجْيَادِ» » وَإِنّمَا جَعَلَ اللهُ هَذَا فى الأنبياء

_ (1) جبل بمكة، وهما أجيادان كبير وصغير، وهما محلتان بمكة. وقيل فيه: جياد بغير ألف وقد سبق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَقْدِمَةً لَهُمْ، لِيَكُونُوا رُعَاةَ الْخَلْقِ، وَلِتَكُونَ أُمَمُهُمْ رعايالهم، وَقَدْ رَأَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ يَنْزِعُ عَلَى قَلِيبٍ «1» وَحَوْلَهَا غَنَمٌ سود، وغنم عفر «2» . قال: ثم جاء أبوبكر- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَنَزَعَ نَزْعًا ضَعِيفًا، وَاَللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمّ جَاءَ عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا «3» يَعْنِي: الدّلْوَ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيّا يَفْرِي فَرِيّهُ «4» فَأَوّلَهَا النّاسُ فِي الْخِلَافَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَلَوْلَا ذِكْرُ الْغَنَمِ السّودِ وَالْعُفْرِ لَبَعُدَتْ الرّؤْيَا عَنْ مَعْنَى الْخِلَافَةِ وَالرّعَايَةِ؛ إذْ الْغَنَمُ السّودُ وَالْعُفْرُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَأَكْثَرُ الْمُحَدّثِينَ لَمْ يَذْكُرُوا الْغَنَمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. ذَكَرَهُ الْبَزّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَيْضًا، وَبِهِ يَصِحّ الْمَعْنَى، وَاَللهُ أَعْلَمُ. فِي كَفَالَةِ الْعَمّ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ كَوْنَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَالَةِ عمه يكلؤه

_ (1) القليب: البئر قبل أن تبنى بالحجارة ونحوها يذكر ويؤنث. وقال أبو عبيدة: هى البئر العادية القديمة. ونزع الدلو: استقى بها. (2) العفر: جمع عفراء: ما يعلو بياضها حمرة، أو البيضاء ليست بالشديدة البياض، أو التى فى سراتها حمرة، وخاصرتها بيضاء. والسّراة: أعلى الظهر والوسط (3) الدّلو العظيمة. (4) يعمل عمله العظيم، ويقطع قطعه. وفريه تقال: بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الياء أيضا، والحديث متفق عليه بدون ذكر الغنم. وحديث: أنا أعربكم رواه ابن سعد والطبرانى، وفى رواته مبشر بن عبيد، وهو متروك، وقال السيوطى: ضعيف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيَحْفَظُهُ. فَمِنْ حِفْظِ اللهُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنّهُ كَانَ يَتِيمًا لَيْسَ لَهُ أَبٌ يَرْحَمُهُ، وَلَا أُمّ تَرْأَمُهُ «1» لِأَنّهَا مَاتَتْ، وَهُوَ صَغِيرٌ، وَكَانَ عِيَالُ أَبِي طَالِبٍ ضَفَفًا، وَعَيْشُهُمْ شَظَفًا «2» ، فَكَانَ يُوضَعُ الطّعَامُ لَهُ وَلِلصّبْيَةِ مِنْ أَوْلَادِ أَبِي طَالِبٍ، فَيَتَطَاوَلُونَ إلَيْهِ، وَيَتَقَاصَرُ هُوَ، وَتَمْتَدّ أَيْدِيهِمْ، وَتَنْقَبِضُ يَدُهُ تَكَرّمًا مِنْهُ وَاسْتِحْيَاءً وَنَزَاهَةَ نَفْسٍ وَقَنَاعَةَ قَلْبٍ، فَيُصْبِحُونَ غُمْصًا رُمْصًا، مُصْفَرّةً أَلْوَانُهُمْ «3» وَيُصْبِحُ هُوَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- صَقِيلًا دَهِينًا «4» كَأَنّهُ فِي أَنْعَمِ عَيْشٍ، وَأَعَزّ كِفَايَةٍ، لُطْفًا مِنْ اللهِ- عَزّ وَجَلّ- بِهِ. كَذَلِكَ ذَكَرَهُ القتبىّ. فى غريب الحديث. صوت آمِنَةَ وَزِيَارَتُهُ لَهَا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَوْتَ أُمّهِ آمِنَةَ بِالْأَبْوَاءِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ مَكّةَ

_ (1) تحبه وتحنو عليه وتعطف. والمذكور فى السيرة مع الحفظ والكلاءة. هو: عبد المطلب، لا أبو طالب كما فى الروض. (2) الضفف: كثرة العيال. والشظف والشظاف: الضيق والشدة، ويبس العيش وشدته. (3) الرمص- كما فى الصحاح- وسخ يجتمع فى الموق، فإن سال فهو غمص، وإن جمد فهو رمص، يقال: عين رمصاء، وهو أرمص. وهو أغمص، وهى غمصاء. (4) صقيل: مجلو. ودهين: مدهون بالدهن كناية عن حسنه ونضارته. وفى حديث الرضاع كلمات نفسرها هنا: ظئر: أصلها الناقة التى تعطف على ولد غيرها، فتدر عليه، فسميت المرأة التى ترضع ولد غيرها ظئرا. والجفر: الغليظ الشديد. منتقع: متغير. الحافل: الممتلئة الضرع. اربعى علينا: أقيمى وانظرى. والعجف: الهزال «عن الخشنى ص 56»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْمَدِينَةِ، وَهُوَ إلَى الْمَدِينَةِ أَقْرَبُ كَأَنّهُ سُمّيَ بِجَمْعِ بَوّ، وَهُوَ جِلْدُ الْحُوَارِ «1» الْمَحْشُوّ بِالتّبْنِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: سُمّيَ بِالْأَبْوَاءِ لِتَبَوّءِ السّيُولِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ ذُكِرَ عَنْ كَثِيرٍ. ذَكَرَهُ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَارَ قَبْرَ أُمّهِ بِالْأَبْوَاءِ فِي أَلْفِ مُقَنّعٍ، فَبَكَى وَأَبْكَى، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ «2» ، وَفِي الصّحِيحِ أَيْضًا أَنّهُ قَالَ: اسْتَأْذَنْت رَبّي فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمّي، فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْته أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي «3» . وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأُمّهِ، ضَرَبَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ لَهُ: لَا تَسْتَغْفِرْ لِمَنْ كَانَ مُشْرِكًا، فَرَجَعَ وَهُوَ حَزِينٌ. وَفِي الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ فِي غَيْر الصّحِيحِ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ بُكَائِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْت ضَعْفَهَا وَشِدّةَ عَذَابِ اللهِ، إنْ كان صحّ هذا.

_ (1) ولد الناقة حتى يفصل. وذكر صاحب المراصد: أن الأبواء قرية من أعمال الفرع «والفرع: قرية من نواحى الربذة عن يسار السقيا، بينها وبين المدينة ثمانية برد» من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلى المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. وقيل: جبل عن يمين آره ويمين المصعد إلى مكة من المدينة. (2) رواه أحمد وفيه: «ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر ابن الخطاب، وفداه بالأب والأم، وقال: رسول الله، مالك؟ قال: إنى سألت ربى عز وجل فى الاستغفار لأمى، فلم يأذن لى، فدمعت عيناى رحمة لها من النار» . (3) مسلم وابن ماجة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مَا يُصَحّحُهُ، وَهُوَ أَنّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ: أَيْنَ أَبِي؟ فَقَالَ: فِي النّارِ، فَلَمّا وَلّى الرّجُلُ، قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنّ أَبِي وَأَبَاك فِي النّارِ «1» ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَقُولَ نَحْنُ هَذَا «2» فِي أَبَوَيْهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبّ الْأَمْوَاتِ، وَاَللهُ عَزّ وَجَلّ يَقُولُ: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ]

_ (1) فى رواية مسلم: فلما قفا: دعاه، فقال: إن أبى وأباك فى النار. والحديث رواه أبو داود أيضا. وقيل عن الرجل الذى سأل: أنه أبو رزين العقيلى أو حصين بن عبيد والد عمران. وفى مسند أحمد أن أبا رزين سأل عن أمه: أين هى، فقال: كذلك. هذا، وقد ذكر البيهقى عدة أحاديث فى هذا، ثم قال بعد روايته لها فى دلائل النبوة: «وكيف لا يكون أبواه وجده- عليه الصلاة والسلام- بهذه الصفة فى الاخرة، وقد كانوا يعبدون الوثن، حتى ماتوا، ولم يدينوا دين عيسى بن مريم عليه السلام، وكفرهم لا يقدح فى نسبه- عليه الصلاة والسلام- لأن أنكحة الكفار صجيحة. ألا تراهم يسلون مع زوجاتهم، فلا يلزمهم تجديد العقد، ولا مفارقتهن إذا كان مثله يجوز فى الإسلام» ويقول ابن كثير: «وإخباره عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار لا ينافى الحديث الوارد عنه من طرق متعددة أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون فى العرصات يوم القيامة كما بسطناه سندا ومتنا- فى تفسيرنا- عند تفسير قوله تعالى: (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) الإسراء: 15. فيكون منهم من يجيب، ومنهم من لا يجيب. فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب، فلا منافاة ولله الحمد والمنة» ص 281 ج 2 البداية، ورغم هذا فإنى أذكر بقول الله: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون) البقرة: 141. (2) إذا سئلنا صدعنا بالحق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَحْزَابَ: 75. وَإِنّمَا قَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِذَلِكَ الرّجُلِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، لِأَنّهُ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنّهُ قَالَ: أَيْنَ أَبُوك أَنْتَ؟ فَحِينَئِذٍ قَالَ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ بِغَيْرِ هَذَا اللّفْظِ، فَلَمْ يَذْكُرْ أَنّهُ قَالَ لَهُ: إنّ أَبِي وَأَبَاك فِي النّارِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ أَنّهُ قَالَ لَهُ: إذَا مَرَرْت بِقَبْرِ كَافِرٍ، فَبَشّرْهُ بِالنّارِ «1» ، وَرُوِيَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَعَلّهُ أَنْ يَصِحّ. وَجَدْته بِخَطّ جَدّي أَبِي عِمْرَانَ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْقَاضِي- رَحِمَهُ اللهُ- بِسَنَدِ فِيهِ مَجْهُولُونَ، ذَكَرَ أَنّهُ نَقَلَهُ مِنْ كِتَابٍ، اُنْتُسِخَ مِنْ كِتَابِ مُعَوّذِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ مُعَوّذِ الزّاهِدِ يَرْفَعُهُ إلى [عبد الرحمن ابْنُ] أَبِي الزّنَادِ عَنْ [هِشَامِ بْنِ] عُرْوَةَ، عَنْ [أَبِيهِ عَنْ] عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَخْبَرَتْ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَ رَبّهُ أَنْ يُحْيِيَ أَبَوَيْهِ، فَأَحْيَاهُمَا لَهُ، وَآمَنَا بِهِ، ثُمّ أَمَاتَهُمَا، وَاَللهُ قَادِرٌ عَلَى كُلّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ تَعْجَزُ رَحْمَتُهُ وَقُدْرَتُهُ عَنْ شَيْءٍ، وَنَبِيّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَهْلٌ أَنْ يَخُصّهُ بِمَا شَاءَ مِنْ فَضْلِهِ، وَيُنْعِمَ عَلَيْهِ بِمَا شَاءَ مِنْ كَرَامَتِهِ- صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ- قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي تَذْكِرَتِهِ: جَزَمَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ: السّابِقِ وَاللّاحِقِ، وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي كِتَابِ النّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لَهُ فِي الْحَدِيثِ بِإِسْنَادَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: حَجّ بِنَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حجة الوداع، فمز عَلَى قَبْرِ أُمّهِ، وَهُوَ بَاكٍ حَزِينٌ مُغْتَمّ، فَبَكَيْت لِبُكَائِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ إنّهُ نَزَلَ فَقَالَ: يَا حُمَيْرَاءُ اسْتَمْسِكِي، فَاسْتَنَدْت إلَى جَنْبِ الْبَعِيرِ، فَمَكَثَ عَنّي طَوِيلًا مَلِيّا، ثُمّ إنّهُ عَادَ إلَيّ، وَهُوَ فَرِحٌ مُتَبَسّمٌ، فقلت له: بأبى أنت وأمى

_ (1) ورواه البيهقى والبزار والطبرانى فى الكبير وفيه عن الأب: إنه فى النار وقال عنه ابن كثير: غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه.

وفاة عبد المطلب: ومارثى به من الشعر

[وفاة عبد المطلب: ومارثى به من الشعر] فلما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وَسَلّمَ- ثَمَانِي سِنِينَ هَلَكَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَمَانِي سِنِينَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ: أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ تُوُفّيَ وَرَسُولُ اللهِ- صَلّى الله عليه وسلم- ابن ثمانى سنين ـــــــــــــــــــــــــــــ يَا رَسُولَ اللهِ نَزَلْت مِنْ عِنْدِي، وَأَنْتَ بَاكٍ حَزِينٌ مُغْتَمّ. فَبَكَيْت لِبُكَائِك. ثُمّ عُدْت إلَيّ، وَأَنْتَ فَرِحٌ مُبْتَسِمٌ، فَمِمّ ذَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: ذَهَبْت لِقَبْرِ آمِنَةَ أُمّي، فَسَأَلْت أَنْ يُحْيِيَهَا، فَأَحْيَاهَا فَآمَنَتْ بِي «1» ؛ أَوْ قال: فامنت. وردها الله عز وجل.

_ (1) قال ابن كثير فى البداية عن حديث ابن أبى الزناد: منكر جدا. وقال فى التفسير عن أحد الأحاديث: وأغرب منه وأشد نكارة مارواه الخطيب البغدادى فى كتاب السابق واللاحق بسند مجهول عن عائشة فى حديث فيه قصة أن الله أحيا أمه الخ وقال الدارقطنى: باطل، وكذا مارواه السهيلى فى الروض بسند فيه جماعة مجهولون أن الله أحيا له أباه وأمه» وقال ابن دحية عن حديث إحياء الأم: «هذا الحديث موضوع يرده القرآن والإجماع. قال تعالى: «ولا الذين يموتون، وهم كفار» وقال: «فيمت وهو كافر» فمن مات كافرا لم ينفعه الإيمان بعد الرجعة، بل لو آمن عند المعاينة لم ينفعه، وكيف بعد الإعادة» ص 168 ح 1 المواهب. وقيل إن أمه ماتت وسنه أربع كما حكى العراقى ومغلطاى، وقيل: ست وبه قطع ابن إسحاق، وقيل: سبع كما حكاه ابن عبد البر، وقيل: تسع، وينسب إلى حكاية مغلطاى أيضا، وقيل: اثنتا عشرة سنة وشهر وعشرة أيام، وينسب إلى حكاية مغلطاى. وقيل: ثمان، وهو قول ابن حبيب.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ: أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ لَمّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَعَرَفَ أَنّهُ مَيّتٌ جَمَعَ بَنَاتِهِ، وَكُنّ سِتّ نِسْوَةٍ: صَفِيّةَ، وَبَرّةَ، وَعَاتِكَةَ، وَأُمّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءَ، وَأُمَيْمَةَ، وَأَرْوَى، فَقَالَ لَهُنّ: ابْكِينَ عَلَيّ حَتّى أَسْمَعَ مَا تَقُلْنَ قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُ هَذَا الشّعْرَ، إلّا أَنّهُ لَمّا رَوَاهُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَعِيدِ بن المسيب، كتبناه: فقالت صفيّة بنة عبد المطّلب تبكى أباها: أَرِقْتُ لِصَوْتِ نَائِحَةٍ بِلَيْلٍ ... عَلَى رَجُلٍ بِقَارِعَةِ الصّعِيدِ فَفَاضَتْ عِنْدَ ذَلِكُمْ دُمُوعِي ... عَلَى خَدّي كَمُنْحَدِرِ الْفَرِيدِ عَلَى رَجُلٍ كَرِيمٍ غَيْرِ وَغْلٍ ... لَهُ الْفَضْلُ الْمُبِينُ عَلَى الْعَبِيدِ عَلَى الْفَيّاضِ شَيْبَةَ ذِي الْمَعَالِي ... أَبِيكِ الْخَيْرِ وَارِثِ كُلّ جُودِ صَدُوقٍ فِي الْمَوَاطِنِ غَيْرِ نِكْسٍ ... وَلَا شَخْتِ الْمَقَامِ وَلَا سَنِيدٍ طَوِيلِ الْبَاعِ، أَرْوَعَ شَيْظَمِيّ ... مُطَاعٍ فِي عَشِيرَتِهِ حَمِيدٍ رَفِيعِ الْبَيْتِ أَبْلَجَ ذِي فُضُولٍ ... وَغَيْثِ النّاسِ فِي الزّمَنِ الْحَرُودِ كَرِيمِ الْجَدّ لَيْسَ بِذِي وُصُومِ ... يَرُوقُ عَلَى الْمُسَوّدِ وَالْمَسُودِ عَظِيمِ الْحِلْمِ مِنْ نَفَرٍ كِرَامٍ ... خَضَارِمَةٍ مَلَاوِثَة أُسُودٍ فَلَوْ خَلَدَ امْرُؤٌ لِقَدِيمِ مَجْدٍ ... وَلَكِنْ لَا سَبِيلَ إلَى الْخُلُودِ لَكَانَ مُخَلّدًا أُخْرَى اللّيَالِي ... لِفَضْلِ الْمَجْدِ وَالْحَسَبِ التّليد ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَقَالَتْ بَرّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا: أَعَيْنَيّ جُودَا بِدَمْعٍ دِرَرْ ... عَلَى طَيّبِ الْخِيمِ وَالْمُعْتَصَر عَلَى مَاجِدِ الْجِدّ وَارَى الزّنَادَ ... جَمِيلِ الْمُحَيّا عَظِيمِ الخَطَر عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ ذِي الْمَكْرُمَات ... وَذِي الْمَجْدِ وَالْعِزّ والمُفْتَخَر وَذِي الْحِلْمِ وَالْفَصْلِ فِي النّائِبَاتِ ... كَثِيرِ الْمَكَارِمِ، جَمّ الْفَجَر لَهُ فَضْلُ مَجْدٍ عَلَى قَوْمِهِ ... مُنِيرٍ، يَلُوحُ كَضَوْءِ القَمَر أَتَتْهُ الْمَنَايَا، فَلَمْ تُشْوِهِ ... بِصَرْفِ اللّيالى، وريب القدر وَقَالَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا: أَعَيْنِيّ جُودَا، وَلَا تَبْخَلَا ... بِدَمْعِكُمَا بَعْدَ نَوْمِ النيام أعينىّ واسحنفرا واسكبا ... وشوبا بكاء كما بِالْتِدَامِ أَعَيْنِيّ، وَاسْتَخْرِطَا وَاسْجُمَا ... عَلَى رَجُلٍ غَيْرِ نِكْسٍ كَهام عَلَى الْجَحْفَلِ الْغَمْرِ فِي النّائِبَاتِ ... كَرِيمِ الْمَسَاعِي، وَفِيّ الذّمَام عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ، وَارَى الزّنَاد ... وَذِي مَصْدَق بَعْدُ ثَبْتِ الْمَقَامِ وَسَيْفٍ لَدَى الْحَرْبِ صَمْصَامَةٍ ... وَمُرْدَى الْمُخَاصِمِ عِنْدَ الخصام وسهل الخليقة طلق اليدين ... وف عدملي صَمِيمٍ لُهام تَبَنّكَ فِي بَاذِخٍ بَيْتُهُ ... رفيع الذّؤابة صعب المرام وَقَالَتْ أُمّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءِ بنتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تبكى أباها: أَلَا يَا عَيْنُ جُودِي وَاسْتَهِلّي ... وَبَكّي ذَا النّدى والمكرمات ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَلَا يَا عَيْنُ وَيْحَك أَسْعِفِينِي ... بِدَمْعٍ مِنْ دُمُوعٍ هَاطِلَاتٍ وَبَكّي خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا ... أَبَاكِ الْخَيْر تَيّارَ الْفُرَاتِ طَوِيلَ الْبَاعِ شَيْبَةَ ذَا الْمَعَالِي ... كَرِيمَ الْخِيمِ مَحْمُودَ الْهِبَاتِ وَصُولًا لِلْقَرَابَةِ هِبْرَزِيّا ... وَغَيْثًا فِي السّنِينَ الْمُمْحِلَاتِ وَلَيْثًا حَيْنَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... تَرُوقُ لَهُ عُيُونُ النّاظِرَاتِ عَقِيلَ بَنِي كِنَانَةَ وَالْمُرَجّى ... إذَا مَا الدّهْرُ أَقْبَلَ بِالْهَنَاتِ وَمَفْزَعَهَا إذَا مَا هَاجَ هَيْجٌ ... بِدَاهِيَةٍ، وَخَصْمَ الْمُعْضِلَات فَبَكّيهِ، وَلَا تسمي بِحُزْنٍ ... وبكّى، ما بقيت، الباكيات وَقَالَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا: أَلَا هَلَك الرّاعِي الْعَشِيرَةَ ذُو الْفَقْدِ ... وَسَاقِي الْحَجِيجِ، وَالْمُحَامِي عَنْ الْمَجْدِ وَمَنْ يُؤْلَفُ الضّيْفَ الْغَرِيبَ بُيُوتَهُ ... إذَا مَا سَمَاءُ النّاس تَبْخَلُ بِالرّعْدِ كَسَبْتَ وَلَيَدًا خَيْرَ مَا يَكْسِبُ الْفَتَى ... فَلَمْ تَنْفَكِكْ تَزْدَادُ يَا شَيْبَةَ الْحَمْدِ أَبُو الْحَارِثِ الْفَيّاضُ، خَلّى مَكَانَهُ ... فَلَا تُبْعِدَنْ، فَكُلّ حَيّ إلَى بُعْدٍ فَإِنّي لَبَاكٍ- مَا بَقِيتُ- وَمُوجَعٌ ... وَكَانَ لَهُ أَهْلًا لِمَا كَانَ مِنْ وَجْدِي سَقَاكَ وَلِيّ النّاسِ فِي القَبرُ مُمْطِرًا ... فَسَوْفَ أُبَكّيهِ، وَإِنْ كَانَ فِي اللّحْدِ فَقَدْ كَانَ زَيْنًا لِلْعَشِيرَةِ كُلّهَا ... وَكَانَ حَمِيدًا حَيْثُ ما كان من حمد وَقَالَتْ أَرْوَى بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَبْكِي أَبَاهَا: بَكَتْ عَيْنَيّ، وَحُقّ لَهَا الْبُكَاءُ ... عَلَى سَمْحٍ، سجيّته الحياء ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَلَى سَهْلِ الْخَلِيقَةِ أبْطَحيّ ... كَرِيمِ الْخِيمِ، نِيّتُهُ الْعَلَاءُ عَلَى الْفَيّاضِ شَيْبَةَ ذِي الْمَعَالِي ... أَبِيكِ الْخَيْرِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ طَوِيلِ الْبَاعِ أَمْلَسَ، شَيْظميّ ... أَغَرّ كَأَنّ غُرّتَهُ ضِيَاءُ أَقَبّ الْكَشْحِ، أَرُوعَ ذِي فُضُولٍ ... لَهُ الْمَجْدُ الْمُقَدّمُ وَالسّنَاءُ أَبِيّ الضّيْمِ، أَبْلَجَ هِبْرَزِيّ ... قَدِيمِ الْمَجْدِ لَيْسَ له خفاء وَمَعْقِلِ مَالِكٍ، وَرَبِيعِ فِهْرٍ ... وَفَاصِلِهَا إذَا اُلْتُمِسَ الْقَضَاءُ وَكَانَ هُوَ الْفَتَى كَرَمًا وَجُودًا ... وَبَأْسًا حَيْنَ تَنْسَكِبُ الدّمَاءُ إذَا هَابَ الْكُمَاةُ الْمَوْتَ حَتّى ... كَأَنّ قُلُوبَ أَكْثَرِهِمْ هَوَاءُ مَضَى قُدُمًا بِذِي رُبَدٍ خَشِيبٍ ... عَلَيْهِ حَيْنَ تُبْصِرهُ الْبَهَاءُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمَ لِي مُحَمّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ أَشَارَ بِرَأْسِهِ، وَقَدْ أصمت: أن هكذا فابكيننى. قال ابن هشام: الْمُسَيّبُ بْنُ حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ يَبْكِي عَبْدَ الْمُطّلِبِ بْنَ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف، وَيَذْكُرُ فَضْلَهُ، وَفَضْلَ قُصَيّ عَلَى قُرَيْشٍ، وَفَضْلَ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنّهُ أُخِذَ بِغُرْمِ أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ بِمَكّةَ، فَوَقَفَ بِهَا فَمَرّ بِهِ أَبُو لَهَبٍ عَبْدُ الْعُزّى بن عبد المطّلب، فافتكّه: أَعَيْنِيّ جُودَا بِالدّمُوعِ عَلَى الصّدْرِ ... وَلَا تَسْأَمَا، أُسْقِيتُمَا سَبَلَ الْقَطْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَجُودَا بِدَمْعٍ، وَاسْفَحَا كُلّ شَارِقٍ ... بُكَاءَ امْرِئٍ لَمْ يُشْوِهِ نَائِبُ الدّهْرِ وَسُحّا، وَجُمّا، وَاسْجُمَا مَا بَقِيتُمَا ... عَلَى ذِي حَيَاءٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَذِي سِتْرِ عَلَى رَجُلٍ جَلْدِ الْقُوَى، ذِي حَفِيظَةٍ ... جَمِيلِ الْمُحَيّا غَيْرِ نِكْسٍ وَلَا هَذْرِ على الماجد البهلول ذى الباع والّلهى ... رَبِيعِ لُؤَى فِي الْقُحُوط وَفِي الْعُسْرِ عَلَى خير حَافٍ مِنْ مُعَدّ وَنَاعِلٍ ... كَرِيمَ الْمَسَاعِي، طَيّبَ الْخِيمِ وَالنّجْرِ وَخَيْرُهُمْ أَصْلًا وَفَرْعًا وَمَعْدِنًا ... وَأَحْظَاهُمْ بِالْمُكْرَمَاتِ وَبِالذّكْرِ وَأَوْلَاهُمْ بِالْمَجْدِ وَالْحِلْمِ وَالنّهَى ... وَبِالْفَضْلِ عِنْدَ الْمُجْحِفَاتِ مِنْ الْغُبْرِ عَلَى شَيْبَةِ الْحَمْدِ الّذِي كَانَ وَجْهُهُ ... يُضِيءُ سَوَادَ اللّيْلِ كَالْقَمَرِ البدر وساقى الحجيج ثم للخبز هاشم ... وعبد مناف، ذلك السيد الفهري طوى زَمزَما عِنْدَ الْمَقَامِ، فَأَصْبَحَتْ ... سِقَايَتُهُ فَخْرًا عَلَى كُلّ ذِي فَخْرٍ لِيَبْكِ عَلَيْهِ كُلّ عَانٍ بِكُرْبَةٍ ... وَآلُ قُصَيّ مِنْ مُقِلّ وَذِي وَفْرٍ بَنُوهُ سَرَاةَ، كَهْلُهُمْ وَشَبَابُهُمْ ... تَفَلّقَ عَنْهُمْ بَيْضَةُ الطّائِرِ الصّقْرِ قُصَيّ الّذِي عَادَى كِنَانَةَ كُلّهَا ... وَرَابَطَ بَيْتَ اللهِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ فَإِنْ تَكُ غَالَتْهُ الْمَنَايَا وَصَرْفُهَا ... فَقَدْ عَاشَ مَيْمُونَ النّقِيبَةِ وَالْأَمْرِ وَأَبْقَى رِجَالًا سَادَةً غَيْرَ عُزّلٍ ... مصاليت، أَمْثَالَ الرّدَيْنِيّةِ السّمْرِ أَبُو عُتْبَةَ الْمُلْقَى إلىّ حباءه ... أغرّ، هجان اللّون من نفرغرّ وَحَمْزَةُ مِثْلُ الْبَدْرِ، يَهْتَزّ لِلنّدَى ... نَقِيّ الثّيَابِ وَالذّمَامِ مِنْ الْغَدْرِ وَعَبْدُ مَنَاف مَاجِدٌ ذُو حَفِيظَةٍ ... وَصُولٌ لِذِي الْقُرْبَى رَحِيمٌ بِذِي الصّهْرِ كُهُولُهُمْ خَيْرُ الْكُهُولِ، وَنَسْلُهُمْ ... كَنَسْلِ الْمُلُوكِ، لَا تَبُورُ وَلَا تَحَرّى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مَتَى مَا تُلَاقِي مِنْهُمْ الدّهْرَ نَاشِئًا ... تَجِدْهُ بإجريّا أوائله يجرى هُمْ مَلَئُوا الْبَطْحَاءَ مَجْدًا وَعِزّةً ... إذَا اُسْتُبِقَ الْخَيْرَاتُ فِي سَالِفِ الْعَصْرِ وَفِيهِمْ بُنَاةٌ لِلْعُلَا، وَعِمَارَةٌ ... وَعَبْدُ مَنَاف جَدّهُمْ، جَابِرُ الْكَسْرِ بِإِنْكَاحِ عَوْفٍ بِنْتَه، لِيُجِيرَنَا ... مِنْ أَعْدَائِنَا إذْ أَسْلَمَتْنَا بَنُو فِهْرِ فَسِرْنَا تهامي الْبِلَادِ وَنَجْدَهَا ... بِأَمْنِهِ حَتّى خَاضَتْ الْعِيرُ فِي الْبَحْرِ وَهُمْ حَضَرُوا وَالنّاسُ بَادٍ فَرِيقُهُمْ ... وَلَيْسَ بِهَا إلّا شُيُوخُ بَنِي عَمْرِو بَنَوْهَا دِيَارًا جَمّةً، وَطَوَوْا بِهَا ... بئارا تسحّ الماء من ثبج البحر لَكَيْ يَشْرَبَ الْحُجّاجُ مِنْهَا، وَغَيْرُهُمْ ... إذَا ابْتَدَرُوهَا صُبْحَ تَابِعَةِ النّحْرِ ثَلَاثَةُ أَيّامٍ تَظَلّ رِكَابُهُمْ ... مُخَيّسَةً بَيْنَ الْأَخَاشِب وَالْحِجْرِ وَقِدْمًا غَنِيّنَا قَبْلَ ذَلِكَ حِقْبَةً ... وَلَا نَسْتَقِي إلّا بِخُمّ أَوْ الْحَفْرِ وَهُمْ يَغْفِرُونَ الذّنْبَ يُنْقَمُ دُونَهُ ... وَيَعْفُونَ عَنْ قَوْلِ السّفَاهَةِ وَالْهُجْرِ وَهُمْ جَمَعُوا حِلْفَ الْأَحَابِيشِ كلّها ... وَهُمْ نَكّلُوا عَنّا غُوَاةَ بَنِي بَكْرِ فَخَارِجَ، إمّا أَهْلكُنّ، فَلَا تَزَلْ ... لَهُمْ شَاكِرًا حَتّى تُغَيّبَ فِي الْقَبْرِ وَلَا تَنْسَ مَا أَسُدَى ابْنُ لُبْنَى؛ فَإِنّهُ ... قَدْ أَسْدَى يَدًا مَحْقُوقَةً مِنْك بِالشّكْرِ وَأَنْتَ ابْنُ لُبْنَى مِنْ قُصَيّ إذَا انْتَمَوْا ... بِحَيْثُ انْتَهَى قَصْدُ الْفُؤَادِ مِنْ الصّدْرِ وَأَنْتَ تَنَاوَلْتَ الْعُلَا، فَجَمَعْتَهَا ... إلَى مَحْتِدٍ لِلْمَجْدِ ذِي ثَبَجِ جَسْرِ سَبَقْتَ، وَفُتّ الْقَوْمَ بَذْلًا وَنَائِلًا ... وَسُدْت وَلَيَدًا كُلّ ذى سؤدد غَمْرِ وَأُمّك سِرّ مِنْ خُزَاعَةَ جَوْهَر ... إذَا حَصّلَ الْأَنْسَابَ يَوْمًا ذَوُو الْخُبْرِ إلَى سَبَأِ الْأَبْطَالِ تُنَمّى، وَتَنْتَمِي ... فَأَكْرِمْ بِهَا مَنْسُوبَةً فِي ذرا الزّهر ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَبُو شمر مِنْهُمْ، وَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ ... وَذُو جَدَن مِنْ قَوْمِهَا وَأَبُو الْجَبْرِ وَأَسْعَدُ قَادَ النّاسَ عِشْرِينَ حِجّةً ... يُؤَيّدُ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ بالنّصر قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «أُمّك سِرّ مِنْ خُزَاعَةَ» ، يَعْنِي: أَبَا لَهَبٍ، أُمّهُ: لُبْنَى بِنْتُ هَاجِرٍ الْخُزاَعِيّ. وَقَوْلُهُ: «بِإِجْرِيّا أَوَائِلُهُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسحاق. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزاَعِيّ يَبْكِي عَبْدَ الْمُطّلِبِ وبَني عَبْدِ مَنَافٍ: يَا أَيّهَا الرّجُلُ الْمُحَوّلُ رَحْلَهُ ... هَلّا سَأَلْتَ عَنْ آلِ عَبْدِ مَنَافِ هَبَلَتْكَ أُمّك، لَوْ حَلَلْتَ بِدَارِهِمْ ... ضَمِنُوك مِنْ جُرْمٍ وَمِنْ إقْرَافِ الْخَالِطِينَ غَنِيّهُمْ بِفَقِيرِهِمْ ... حَتّى يَعُودَ فَقِيرُهُمْ كَالْكَافِي الْمُنْعِمِينَ إذَا النّجُومُ تَغَيّرَتْ ... وَالظّاعِنِينَ لِرِحْلَةِ الْإِيلَافِ والمنعمين إذَا الرّيَاحُ تَنَاوَحَتْ ... حَتّى تَغِيبَ الشّمْسُ فِي الرّجّافِ إمّا هَلَكْتَ أَبَا الْفِعَالِ فَمَا جَرَى ... مِنْ فَوْقِ مِثْلِك عَقْدُ ذَاتِ نِطَافِ إلّا أَبِيكَ أَخِي الْمَكَارِمِ وَحْدَهُ ... وَالْفَيْضِ مُطّلِبٍ أَبِي الأضياف قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا هَلَكَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بن هاشم ولى زمزم والسّقاية عليهما بَعْدَهُ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ من أحدث إخوته سنّا، فلم تزل إليه، حتى قام الإسلام وهى بيده. فَأَقَرّهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ وِلَايَتِهِ، فَهِيَ إلَى آلِ الْعَبّاسِ، بِوِلَايَةِ الْعَبّاسِ إيّاهَا، إلَى اليوم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كفالة أبى طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم

[كِفَالَةُ أَبِي طَالِبٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم] وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَعَ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- يُوصِي بِهِ عمّه أبا طالب، وَذَلِكَ لِأَنّ عَبْدَ اللهِ أَبَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا طَالِبٍ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمّ أُمّهُمَا: فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذُ بْنُ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ [بن يقظة بن مرّة] . قال ابن هاشم: عائذ بن عمران بن مخزوم. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ هُوَ الّذِي يَلِي أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ جَدّهِ، فَكَانَ إلَيْهِ وَمَعَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ: أَنّ رَجُلًا مِنْ لَهَبٍ- قَالَ ابْنُ هشام: ولهب: من أزدشنوءة- كان عَائِفًا، فَكَانَ إذَا قَدِمَ مَكّةَ أَتَاهُ رِجَالُ قُرَيْشٍ بِغِلْمَانِهِمْ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَيَعْتَافُ لَهُمْ فِيهِمْ. قَالَ: فَأَتَى بِهِ أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ غُلَامٌ مَعَ مَنْ يَأْتِيهِ، فَنَظَرَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ شَغَلَهُ عَنْهُ شَيْءٌ، فَلَمّا فَرَغَ قَالَ: الْغُلَامُ. عَلَيّ بِهِ، فَلَمّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ حِرْصَهُ عَلَيْهِ غَيّبَهُ عَنْهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: وَيْلَكُمْ! رُدّوا عَلَيّ الْغُلَامَ الذى رأيت آنفا، فو الله لَيَكُونَنّ لَهُ شَأْنٌ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَالِبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفَاةُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ قَوْلُ صَفِيّةَ: فَفَاضَتْ عِنْدَ ذَلِكُمْ دُمُوعِي ... عَلَى خَدّي كَمُنْحَدِرِ الْفَرِيدِ يُرْوَى: كَمُنْحَدِرِ بِكَسْرِ الدّالِ أَيْ: كَالدّرّ الْمُنْحَدِرِ، وَمُنْحَدَرٌ بِفَتْحِ الدّالِ فَيَكُونُ التّشْبِيهُ رَاجِعًا لِلْفَيْضِ، فَعَلَى رِوَايَةِ الْكَسْرِ: شَبّهَتْ الدّمْعَ بِالدّرّ الْفَرِيدِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْفَتْحِ شَبّهَتْ الْفَيْضَ بِالِانْحِدَارِ. وَقَوْلُهَا: أَبِيك الْخَيْرِ. أَرَادَتْ: الْخَيّرَ فَخَفّفَتْ، كَمَا يُقَالُ: هَيْنٌ وهيّن، وفى التنزيل: (خَيْرَاتٌ حِسَانٌ) الرّحْمَنُ: 70. وَكَانَ اسْمُ أُمّ الدّرْدَاءِ: خَيْرَةُ بِنْتُ أَبِي حَدْرَدٍ «1» وَكَذَلِكَ أُمّ الْحَسَنِ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، اسْمُهَا: خَيْرَةُ، فَهَذَا مِنْ الْمُخَفّفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَيْرُ هَهُنَا هُوَ ضِدّ الشّرّ، جَعَلَتْهُ كُلّهُ خَيْرًا عَلَى الْمُبَالَغَةِ كَمَا تَقُولُ: مَا زَيْدٌ إلّا عِلْمٌ أَوْ حُسْنٌ، وَمَا أَنْتَ إلّا سَيْرٌ، وَهُوَ مَجَازٌ حَسَنٌ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُثَنّى ولا يجمع ولا يؤنّث، فيقال: خيرة.

_ (1) هى صحابية، وكانت زوجا لأبى الدرداء. وكانت له زوجتان كل واحدة منهما كنيتها: أم الدرداء، وهما كبرى وصغرى. والكبرى: هى الصحابية، والصغرى: تابعية، وهى التى روت فى الصحيح. أما الكبرى فليس لها فى الصحيحين حديث، وهى خيرة بنت أبى حدرد، واسمه: سلامة بن عمير، وهى أسلمية وفى القاموس: أبو الحدرد الأسلمى: صحابى، ولم يجىء فعلع بتكرير العين غيره. والحدرد: القصير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهَا: وَلَا شَخْتِ الْمَقَامِ وَلَا سَنِيدِ: الشّخْتُ: [الدّقِيقُ الضّامِرُ لَا هُزَالًا] ضِدّ الضّخْمِ، تَقُولُ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنّهُ ضَخْمُ الْمَقَامِ ظَاهِرُهُ. وَالسّنِيدُ: الضّعِيفُ الّذِي لَا يَسْتَقِلّ بِنَفْسِهِ، حَتّى يُسْنَدُ رَأْيُهُ إلَى غَيْرِهِ. وَقَوْلُهَا: خَضَارِمَةٍ مَلَاوِثَةٍ. مَلَاوِثَةٌ: جَمْعُ مِلْوَاثٍ «1» مِنْ اللّوْثَةِ، وَهِيَ الْقُوّةُ، كَمَا قَالَ الْمُكَعْبَرُ: عِنْدَ الْحَفِيظَةِ إنْ ذُو لَوْثَةٍ لَاثَا وَقَدْ قِيلَ: إنّ اسْمَ اللّيْثِ مِنْهُ أُخِذَ، إلّا أَنّ وَاوَه انْقَلَبَتْ يَاءً؛ لِأَنّهُ فَيْعَلٌ، فَخُفّفَ كَمَا تَقَدّمَ: فِي هَيْنٍ وَهَيّنٍ، وَلَيْنٍ وَلَيّنٍ. وَقَوْلُ بَرّةَ: أَتَتْهُ الْمَنَايَا فَلَمْ تُشْوِهِ أَيْ: لَمْ تُصِبْ الشّوَى «2» ، بَلْ أَصَابَتْ الْمَقْتَلَ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَضَرْبِهِ بِالْقِدَاحِ عَلَى عَبْدِ اللهِ، وَكَانَ يَرَى أَنّ السّهْمَ إذَا خَرَجَ عَلَى غَيْرِهِ أَنّهُ قَدْ أُشْوِيَ، أَيْ: قَدْ أَخْطَأَ مَقْتَلَهُ، أَيْ: مقتل عبد المطلب وابنه،

_ (1) فى اللسان: الملاث بفتح الميم والملوث: السيد الشريف والشيظمى: الفتى الجسم. والخضارمة: جمع خضرم بكسر الخاء والراء: الكثير العطاء. النكس: الضعيف الذى لا خير فيه. الحرود: الناقة القليلة الدر. (2) الشواة: جلدة الرأس، والشوى: اليدان والرجلان والأطراف، وما كان غير مقتل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمَنْ رَوَاهُ: أَشْوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ فَالسّهْمُ هُوَ الّذِي أَشْوَى وَأَخْطَأَ، وَبِكِلَا الضّبْطَيْنِ وَجَدْته، وَيُقَالُ أَيْضًا: أَشْوَى الزّرْعُ: إذَا أَفْرَكَ «1» فَالْأَوّلُ مِنْ الشّوَى، وَهَذَا مِنْ الشّيّ بِالنّارِ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَوْلُ عَاتِكَةَ: وَمِرْدَى الْمُخَاصِمِ «2» ، الْمِرْدَى: مِفْعَلٌ مِنْ الرّدَى، وَهُوَ الْحَجَرُ الّذِي يَقْتُلُ مَنْ أُصِيبَ بِهِ، وَفِي الْمَثَلِ: كُلّ ضَبّ عِنْدَهُ مِرْدَاتُهُ «3» [أَيْ: يَقْرُبُ مِنْهُ حَتْفُهُ، لِأَنّهُ يُرْمَى بَهْ فَيُقْتَلُ] وَقَوْلُهَا: وَفٍ. أَيْ: وَفِيّ، وَخُفّفَ للضرورة، وقولها: عُدْمِلِيّ. الْعُدْمِلِيّ: [وَالْعُدَامِلُ وَالْعُدَامِلِيّ] الشّدِيدُ. وَاللهَام: فَعَالٍ مِنْ لَهِمْت الشّيْءَ أَلْهَمُهُ: إذَا، ابْتَلَعْته، قَالَ الرّاجِزُ: [رُؤْبَةُ بْن الْعَجّاجِ] . كَالْحُوتِ لَا يَرْوِيهِ شَيْءٌ يَلْهَمُهْ ... يُصْبِحُ عَطْشَانًا «4» وَفِي الْبَحْرِ فَمُهْ ومنه سمى الجيش: لهاما

_ (1) أفرك: حان له أن يفرك. وفى اللسان: أشوى القمح: أفرك، وصلح أن يشوى. (2) هذا والخيم فى قصيدة برة: السجية والطبيعة. وطيب المعتصر: جواد حين يسأل. (3) فى الأصل: عند. وفى مجمع الأمثال وسمط اللالىء: «عنده» . والمرداة: الحجر الذى يرمى به، والضب قليل الهداية. فلا يتخذ جحره إلا عند حجر يكون علامة له. فمن قصده. فالحجر الذى يرمى الضب به يكون بالقرب منه. فمعنى المثل: لا تأمن الحدثان والغير. فإن الافات معدّة مع كل أحد: يصرب لمن بتعرض للهلكسة. (4) فى ديوان رؤبة: ظمان. وانظر ص 343 ح 4 خزانة البغدادى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهَا: عَلَى الْجَحْفَلِ. جَعَلَتْهُ كَالْجَحْفَلِ، أَيْ: يَقُومُ وَحْدَهُ مَقَامَهُ، وَالْجَحْفَلُ: لَفْظٌ مَنْحُوتٌ مِنْ أَصْلِينَ، مِنْ: جَحَفَ وَجَفَلَ، وَذَلِك أَنّهُ يُجْحِفُ مَا يَمُرّ عَلَيْهِ أَيْ: يُقَشّرُهُ وَيَجْفِلُ: أَيْ يَقْلَعُ «1» وَنَظِيرُهُ نَهْشَلُ: الذّئْبُ، هُوَ عِنْدَهُمْ مَنْحُوتٌ مِنْ أَصْلَيْنِ أَيْضًا، مِنْ: نَهَشْت اللّحْمَ وَنَشَلْته «2» وَعَاتِكَةُ: اسْمٌ مَنْقُولٌ مِنْ الصّفَاتِ، يُقَالُ: امْرَأَةٌ عَاتِكَةٌ، وَهِيَ الْمُصَفّرَةُ لِبَدَنِهَا بِالزّعْفَرَانِ وَالطّيبِ. وَقَالَ الْقُتَبِيّ: عَتَكَتْ الْقَوْسُ: إذَا قَدُمَتْ «3» وَبِهِ سُمّيَتْ الْمَرْأَةُ. وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَوْلُ أَرْوَى: وَمَعْقِلُ مَالِكٍ وَرَبِيعُ فِهْرٍ. تُرِيدُ: بَنِي مَالِكِ بن النضر ابن كِنَانَةَ. وَقَوْلُهَا: بِذِي رُبَدٍ. تُرِيدُ: سَيْفًا ذَا طَرَائِقَ. وَالرّبَدُ: الطّرَائِقُ. وَقَالَ صَخْرٌ الْغَيّ [الْهُذَلِيّ] : وَصَارِمٌ أُخْلِصَتْ خَشِيبَتُهُ ... أَبْيَضُ مَهْوٌ فِي مَتْنِهِ ربد «4»

_ (1) يجفل فى اللسان ويجحف: يقشر: وفى الأصل: حجف بدلا من جحف، وهذه أثبتها لخطأ الأولى. (2) نهشه: كمنعه، نهسه. والنهس: أخذ اللحم بمقدم الأسنان ونتفه. ونشل اللحم: أخرجه من القدر بيده بلا مغرفة، أو أخذ بيده عضوا، فتناول ما عليه من اللحم بفيه. (3) فى القاموس: عتك القوس عتكا. وعتوكا، فهى عاتك: احمرت قدما، وكذلك فى اللسان. (4) خشيبة فى الأصل: خشيشة، وهو خطأ صوبته من اللسان. والخشيبة: الطبيعة أخلصتها المداوس والصقل، يقال: خشب السيف: طبعه أو صقله. المهو: السيف الرقيق الشفرتين، وهى على وزن فلع، لأنها مقلوبة من موه، لأنها من الماء الذى لامه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُ عَاتِكَةَ: تَبَنّكَ فِي بَاذِخٍ بَيْتُهُ. أَيْ: تَبَنّكَ بَيْتُهُ فِي بَاذِخٍ مِنْ الشّرَفِ، وَمَعْنَى تَبَنّكَ: تَأَصّلَ مِنْ الْبُنْكِ وَهُوَ: الْأَصْلُ. وَالْبُنْكُ أَيْضًا: ضَرْبٌ مِنْ الطّيبِ، وَهُوَ أَيْضًا عُودُ السوس «1» [شجر يغمى به البيوت،

_ هاء، بدليل قولهم فى جمعه: أمواه. والربد: شبه غبار أو مدب نمل فى جوهره وقيل: الخشب الذى فى السيف هو أن يضع عليه سنانا عريضا أملس، فيدلكه به. والمعنى: أن هذا السيف أرق حتى صار كالماء فى رقته. والبيت فى اللسان فى مادة خشب: ومرهف- برفعها ورفع أبيض- ومهو. وفى مادة: مها «وصارم» كما فى الروض، وقد ورد البيت فى معجم ابن فارس فى مادة ربد كما فى الروض وقال عن الربد: «فأما ربد السيف فهو فرند ديباجته، وهى هذلية» . وقال فى مهو: «وسيف مهو: رقيق الحد كأنه يمر فى الضريبة مر الماء» واللسان يرويه فى مادتى ربد ومهو كما ذكر الأستاذ عبد السلام هارون فى تعليقه على معجم ابن فارس. ويوجد البيت فى ديوان الهذليين وشرح السكرى للهذليين.. ومن معانى قصيدة عاتكة: اسحنفرا: صبا الدموع بكثرة. الالتدام: ضرب النساء وجوههن فى النياحة. استخرط الرجل فى البكاء: لج فيه. الكهام: الرجل الكليل السن. ومن معانى قصيدة أم حكيم: استهلى، أظهرى البكاء. التيار: معظم الماء. والفرات: الماء العذب. الهبرزىّ: الحاذق فى أموره. تشتجر العوالى: تختلط الرماح فى الحرب. الهنات: جمع هنة، وهى كناية عن القبيح. ولا تسمى، أرادت: ولا تسأمى. ومن غريب شعر أميمة: ذو الفقد: الفياض الكثير العطاء، فإنى لباك: أخبرت عن نفسها إخبار المذكر على معنى الشخص. ومن غريب شعر أروى، السجية: الطبيعة، أبطحى: نسبة إلى بطحاء مكة، وهو الموضع السهل منها. الأقب: الضامر. الكشح: الخصر. (1) فى اللسان وفى القاموس ما وضعته بين قوسين عن عود السوس، ويقول الأزهرى عن البنك: إنها فارسية ومعناها: الأصل. ولهذا يقول ابن فارس فى مادة بنك: كلمة واحدة وهو قولهم: تبنك بالمكان، أقام به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيَدْخُلُ عَصِيرُهُ فِي الْأَدْوِيَةِ، وَفِي عُرُوقِهِ حَلَاوَةٌ شَدِيدَةٌ، وَفِي فُرُوعِهِ مَرَارَةٌ] . وَقَوْلُهُ: فَأَشَارَ إلَيْهِنّ بِرَأْسِهِ، وَقَدْ أَصْمَتَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ، هَكَذَا قَيّدَهُ الشّيْخُ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَيُقَالُ: صَمَتَ وَأَصْمَتَ، وَسَكَتَ وَأَسْكَتَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، [وَسَمَحَ وَأَسْمَحَ، وَعَصَفَتْ الرّيحُ وَأَعْصَفَتْ، وَطَلَعْت عَلَى الْقَوْمِ وَأَطْلَعْت. ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي أَدَبِ الْكَاتِبِ] . أَبُو جَهْمٍ: وَذَكَرَ شِعْرَ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ الْعَدَوِيّ، وَهُوَ وَالِدُ أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ «1» ، وَاسْمُ أَبِي جهم: عبيد، وهو الذى أهدى الخميصة «2»

_ (1) قال البخارى وجماعة: اسمه عامر، وكنيته فى الإصابة: أبو الجهم. وأبو جهم من المعمرين، وفى نسب قريش: أبو جهم بن حذيفة بن غانم، بن عامر، ابن عبد الله بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ، بْنِ عَدِيّ بْنِ كعب القرشى العدوى. وقد ضبط النووى عبيد بفتح العين، وضبطت فى النسب بضمها. انظر ص 369 نسب قريش، وترجمة أبى جهم فى التهذيب للنووى. (2) الخميصة، ثوب حر، أو صوف معلم، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلة، وكانت من لباس الناس قديما. وهو يشير إلى ما روى فى الصحيحين من طريق عروة عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: صلى النبى- صلى الله عليه وآله وسلم- فى خميصة لها أعلام، فقال: اذهبوا بخميصتى هذه إلى أبى جهم، وائتونى بأنبجانية أبى جهم، فإنها ألهتنى آنفا عن صلاتى. والأنبجانية- بفتح الباء وكسرها وفتح الهمزة- نسبة إلى منبج أو أنبجان، وهو كساء يتخذ من الصوف، وله خمل [القطيفة أو أهدابها] ، ولا علم له، وهى من أدون الثياب الغليظة. وإنما طلب الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأنبجانية لئلا يؤثر رد الهدية- وهى الخميصة- فى قلبه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَظَرَ إلَى عَلَمِهَا. الْحَدِيثُ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِخَمِيصَتَيْنِ، فَأَعْطَى إحْدَاهُمَا أَبَا جَهْمٍ، وَأَمْسَكَ الْأُخْرَى، وَفِيهَا عَلَمٌ، فَلَمّا نَظَرَ إلَى عَلَمِهَا فِي الصّلَاةِ أَرْسَلَهَا إلَى أَبِي جَهْمٍ، وَأَخَذَ الْأُخْرَى بَدَلًا مِنْهَا، هَكَذَا رَوَاهُ الزّبَيْرُ «1» . وَأُمّ أَبِي جَهْمٍ: يسيرة بنت عبد الله بن أذاة ابن رِيَاحٍ، وَابْنُ أَذَاةَ: هُوَ خَالُ أَبِي قُحَافَةَ، وَسَيَأْتِي نَسَبُ أُمّهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنّ الشّعْرَ لَحُذَافَةَ بْنِ غَانِمٍ، وَهُوَ أَخُو حُذَيْفَةَ وَالِدُ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، وَلَهُ يَقُولُ فِيهِ: أَخَارِجُ إنْ أَهْلِكْ. وَفِي الشّعْرِ: غَيْرُ نِكْسٍ وَلَا هَذْرٍ. النّكْسُ مِنْ السّهَامِ: الّذِي نُكّسَ فِي الْكِنَانَةِ لِيُمَيّزَهُ الرّامِي، فَلَا يَأْخُذُهُ لِرَدَاءَتِهِ. وَقِيلَ: الّذِي انْكَسَرَ أَعْلَاهُ، فَنُكّسَ وَرُدّ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وهو غير جيد للرمى. وقوله: لاتبور ولاتحرى. أَيْ: لَا تَهْلِكُ وَلَا تُنْقَصُ، وَيُقَالُ لِلْأَفْعَى: حَارِيَةٌ لِرِقّتِهَا «2» وَفِي الْحَدِيثِ: مَا زَالَ جِسْمُ أَبِي بَكْرٍ يَحْرِي حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ: يَنْقُصُ لَحْمُهُ، حَتّى مَاتَ، وَالْإِجْرِيّاءُ: السّيرَةُ وَهِيَ إفْعِيلَاءُ مِنْ الْجَرْيِ «3» ، وَلَيْسَ لَهَا نَظِيرٌ فِي الْأَبْنِيَةِ إلّا الإهجيرا فى معنى

_ (1) رواه مرسلا. (2) هى التى كبرت، ونقص جسمها، ولم يبق إلا رأسها ونفسها وسمها. (3) فى الأصل: إحرياء والحرى بالحاءه وهو خطأ صوابه ما أثبته. والإجرياء فى اللسان: الوجه الذى تأخذ فيه، وتجرى عليه. وتقصر وتمد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْهِجّيرَى «1» وَفِيهَا قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِهَا إلّا شُيُوخُ بَنِي عَمْرِو. يُرِيدُ: بَنِي هَاشِمٍ؛ لِأَنّ اسْمَهُ عَمْرٌو. وَفِيهَا: غَيْرُ عُزّلٍ، وَهُوَ: جَمْعُ أَعْزَلَ، وَلَا يُجْمَعُ أَفْعَلُ عَلَى فُعّلٍ، وَلَكِنْ جَاءَ هَكَذَا؛ لِأَنّ الْأَعْزَلَ فِي مُقَابَلَةِ الرّامِحِ «2» وَقَدْ يَحْمِلُونَ الصّفَةَ عَلَى ضِدّهَا، كَمَا قَالُوا: عَدُوّةُ- بِتَاءِ التّأْنِيثِ- حَمْلًا عَلَى صَدِيقَةٍ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَجْرَاهُ مَجْرَى: حُسّرٍ جَمْعُ: حَاسِرٍ؛ لِأَنّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى «3» تَهَامٌ وَشَآمٌ: وَقَوْلُهُ: فَسِرْنَا تِهَامِيّ الْبِلَادِ مُخَفّفًا مِثْلَ يَمَانِيَا، وَالْأَصْلُ فِي يَمَانٍ: يَمَنِيّ، فَخَفّفُوا الْيَاءَ، وَعَوّضُوا مِنْهَا أَلِفًا، وَالْأَصْلُ فِي تَهَامِ: تِهَامِيّ بِكَسْرِ التّاءِ مِنْ تَهَامِيّ لِأَنّهُ مَنْسُوبٌ إلَى تِهَامَةَ «4» وَلَكِنّهُمْ حَذَفُوا إحْدَى الْيَاءَيْنِ، كَمَا فَعَلُوا فِي يمان

_ (1) الدأب والعادة والقول السىء وكثرة الكلام. ولا تكاد تستعمل إلا فى العادة الذميمة. (2) فى اللسان: العزل «بضم العين والزاى» والأعزل الذى لا سلاح معه، فهو يعتزل الحرب. أو الذى لارمح معه. وجمعهما أعزال وعزل وعزلان، وعزّل. والأعزل والرامح: نجمان نيران. قال الأزهرى: وفى نجوم السماء سما كان، أحدهما: السماك الأعزل، والاخر: السماك الرامح. وفى شرح الشافية للرضى. «المطرد فى تكسير أفعل: فعلاء. وفى مؤنثه: فعل، ولا يضم عينه إلا لضرورة الشعر، ويجىء فعلان أيضا كثيرا. كسودان وبيضان» . (3) الحاسر: من لا مغفر له ولا درع، أولا جنة له. (4) تهامة: تساير البحر. منها: مكة. وقيل: طرف تهامة من قبل الحجاز:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفَتَحُوا التّاءَ مِنْ تَهَامٍ لَمّا حَذَفُوا الْيَاءَ مِنْ آخِرِهِ، لِتَكُونَ الْفَتْحَةُ فِيهِ كَالْعِوَضِ مِنْ الْيَاءِ، كَمَا كَانَتْ الْأَلِفُ فِي يَمَانٍ، وَكَذَلِكَ الْأَلِفُ فِي شَآمٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَأَلِفٍ بَعْدَهَا عِوَضًا مِنْ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ، فَإِنْ شَدّدْت الْيَاءَ مِنْ شَآمٍ قُلْت: شَأْمِيّ بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ، وَتَذْهَبُ الألف التى كانت عوضا من الياء لِرُجُوعِ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ، وَلَا تَقُولُ فِي غَيْرِ النّسَبِ: شَآمٌ بِالْفَتْحِ وَالْهَمْزِ، وَلَا فِي النّسَبِ إذا شددت «1»

_ مدارج العرج، وأول تهامة قبل نجد: ذات عرق، وقيل: يخرج من مكة، فلا يزال فى تهامة حتى يبلغ عسفان. (1) هذا من النسب المسموع، ويتميز هذا النوع بتخفيف ياء النسب المشددة، والإتيان بألف للتعويض عنها قبل لام الكلمة. فيقال فى يمنىّ: يمانى وفى شامىّ: شامى بياء واحدة ساكنة فيها. وبهذا يصير الاسم منقوصا، فتقول: قام اليمانى، ورأيت اليمانى، ومررت باليمانى. ولا تجتمع ألف التعويض مع الياء إلا شذوذا فى ضرورة الشعر. ويستحسن الاقتصار على المسموع. ولم يرد غير يمان وشام وتهام وزاد الجوهرى فى الصحاح: نباطى ونباط، وفى اللسان: ورجل شام وتهام إذا نسبت إلى تهامة والشأم، وكذلك: رجل يمان، زادوا ألفا فخففوا ياء النسبة. وفيه أيضا عن تهامة: والنسبة إليه تهامىّ بكسر التاء وتشديد الياء، وتهام بفتح التاء على غير قياس، كأنهم بنوا الاسم على تهمىّ أو تهمىّ، ثم عوضوا الألف قبل الطرف من إحدى الياءين اللاحقتين بعدها. ويقول الجوهرى: إذا فتحت التاء فى تهام لم تشدد، كما قالوا: يمان وشام إلا أن الألف فى تهام من لفظها والألف فى يمان وشام عوض من ياءى النسبة. وفى شرح الشافية ص 83 ح 2: «وقالوا: يمان وشام وتهام. ولا رابع لها. والأصل: يمنى وشأمى وتهمى فحذف فى الثلاثة إحدى ياءى النسبة، وأبدل منها الألف، وجاء: يمنى وشأمى على الأصل، وجاء تهامى بكسر التاء وتشديد الياء منسوبا إلى تهامة، وجاء يمانى وشأمى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْيَاءَ شَأْمِيّ. وَسَأَلْت الْأُسْتَاذَ أَبَا الْقَاسِمِ بْنِ الرّمّاكِ- وَكَانَ إمَامًا فِي صَنْعَةِ الْعَرَبِيّةِ عَنْ الْبَيْتِ الّذِي أَمْلَاهُ أَبُو عَلِيّ فِي النّوَادِرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: [أَتَظْعَنُ عَنْ حَبِيبِك ثُمّ تَبْكِي ... عَلَيْهِ، فَمَنْ دَعَاك إلَى الْفِرَاقِ] [كَأَنّك لَمْ تَذُقْ لِلْبَيْنِ طَعْمًا ... فَتَعْلَمَ أَنّهُ مُرّ الْمَذَاقِ] [أَقِمْ وَانْعَمْ بِطُولِ الْقُرْبِ مِنْهُ ... وَلَا تُظْعِنْ فَتُكْبَتَ بِاشْتِيَاقِ] فَمَا اعْتَاضَ الْمُفَارِقُ مِنْ حَبِيبٍ ... وَلَوْ يُعْطَى الشّآمَ مَعَ الْعِرَاقِ فَقَالَ: مُحَدّثٌ، وَلَمْ يَرَهُ حُجّةً. وَكَذَلِكَ وَجَدْت فِي شِعْرِ حَبِيبٍ: الشّآمُ بِالْفَتْحِ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ. وَلَيْسَ بِحُجّةِ أَيْضًا. [فِي اللّسَانِ: «وَقَدْ جَاءَ الشّآمُ لُغَةٌ فِي الشّأْمِ قَالَ الْمَجْنُونُ: وَخُبّرْت لَيْلَى بِالشّآمِ مَرِيضَةً ... فَأَقْبَلْت مِنْ مِصْرَ إلَيْهَا أَعُودُهَا وَقَالَ آخَرُ: أَتَتْنَا قُرَيْشٌ قَضّهَا بِقَضِيضِهَا ... وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَالشّآمِ تَقَصّفُ «1» ] وَقَوْلُهُ: حَذْفُ الْيَاءِ مِنْ هَاءِ الْكِنَايَةِ: حَذْفُ الْيَاءِ مِنْ هَاءِ الْكِنَايَةِ بِأَمِنِهِ حَتّى خَاضَتْ الْعِيرُ فِي الْبَحْرِ*

_ وكأنهما منسوبان إلى يمان وشام المنسوبين بحذف ياء النسبة دون ألفها. إذ لا استثقال فيه كما استثقل النسبة إلى ذى الياء المشددة لو لم تحذف. والمراد بيمان وشام فى هذا موضع منسوب إلى الشأم واليمن، فينسب الشىء إلى هذا المكان المنسوب. ويجوز أن يكون يمانى وشامى جمعا بين العوض والمعوض عنه وأن يكون الألف فى يمانى للاشباع» وانظر المزهر للسيوطى ص 101 ح 2 (1) عن اللسان والأمالى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضَرُورَةٌ، كَمَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ: سَأَجْعَلُ عَيْنَيْهِ لِنَفْسِهِ مَقْنَعَا «1» * فِي أَبْيَاتٍ كَثِيرَةٍ أَنْشَدَهَا سِيبَوَيْهِ، وَهَذَا مَعَ حَذْفِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ، وَبَقَاءِ حَرَكَةِ الْهَاءِ، فَإِنْ سُكّنَتْ الْهَاءُ بَعْدَ الْحَذْفِ، فَهُوَ أَقَلّ فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنْ نَحْوِ هَذَا، وَأَنْشَدُوا: وَنِضْوَايَ مُشْتَاقَانِ لَهُ أَرِقَانِ «2» وَهَذَا الّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ فِي الْقِيَاسِ أَقْوَى؛ لِأَنّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْوَصْلِ عَلَى الْوَقْفِ نَحْوَ قَوْلِ الرّاجِزِ: لَمّا رَأَى أَنْ لَا دَعَةَ وَلَا شِبَعْ وَمِنْهُ فِي التّنْزِيلِ كَثِيرٌ نَحْوَ إثْبَاتِ هَاءِ السّكْتِ فِي الْوَصْلِ، وَإِثْبَاتِ الْأَلِفِ مِنْ أَنَا، وَإِثْبَاتِ أَلِفِ الْفَوَاصِلِ نَحْوَ: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا الْأَحْزَابُ: 100 وَهَذَا الّذِي ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ الضّرُورَةِ فِي هَاءِ الْإِضْمَارِ إنّمَا هُوَ إذَا تَحَرّكَ مَا قَبْلَهَا نَحْوَ: بِهِ وَلَهُ، وَلَا يَكُونُ فِي هَاءِ الْمُؤَنّثِ الْبَتّةَ لِخَفّةِ الْأَلِفِ، فَإِنْ سَكَنَ مَا قَبْلَ الْهَاءِ نَحْوَ: فِيهِ وَبَنِيهِ كَانَ الحذف أحسن من الإثبات؛ فإن قلت

_ (1) الشعر لمالك بن خريم الهمدانى وهو: فإن يك غثا أو سمينا فإننى ... سأجعل عينيه لنفسه مقنعا أراد لنفسهى، فحذف الياء ضرورة فى الوصل تشبيها بها فى الوقف إذ قال: لنفسه. يصف ضيفا فيقول: إنه يقدم إليه ما عنده من القرى ويحكمه فيه، ليختار منه أفضل ما تقع عليه عيناه، فيقنع بذلك انظر ص 10 ح 1 الكتاب لسيبويه ط 1. (2) النضو: البعير المهزول والناقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَدْ قَرَأَ عِيسَى بْنُ مِينَا: نُصْلِهِ وَيُؤَدّهِ وأرجه «1» ونحو ذلك فى اثنى عشر

_ (1) يعنى الايات القرآنية: (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى، وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى، وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ، وَساءَتْ مَصِيراً) النساء: 115 و: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) آل عمران: 75 و: (قالُوا: أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) الأعراف: 111. وفى «يؤده ونصله» خمس قراآت. إحداها: بكسر الهاء، وصلتها بياء فى اللفظ، والثانية: بكسر الهاء من غير ياء. اكتفى بالكسرة عن الياء لدلالتها عليها، ولأن الأصل ألا يزاد على الهاء شىء كبقية الضمائر، والثالثة: إسكان الهاء، وذلك أنه أجرى الوصل مجرى الوقف، وهو ضعيف، وحق هاء الضمير الحركة، وإنما تسكن هاء السكت، والرابعة: ضم الهاء وصلتها بواو فى اللفظ على تبيين الهاء المضمومة بالواو، لأنها من جنس الضمة كما بينت المكسورة بالياء. والخامسة: ضم الهاء من غير واو لدلالة الضمة عليها، ولأنه الأصل، ويجوز تحقيق الهمزة وإبدالها واوا للضمة قبلها. وأرجه يقرأ بالهمزة وضم الهاء من غير إشباع «أرجئه» وهو الجيد، وبالإشباع وهو ضعيف، ويقرأ بكسر الهاء مع الهمزة وهو ضعيف، ويقرأ من غير همزة من أرجيت بالياء، ثم منهم من يكسر الهاء ويشبعها ومن لا يشبعها. ومنهم من يسكنها. هذا، ومن معانى مفردات قصيدة حذيفة- كما ذكر الخشنى: السبل: المطر: كل شارق: عند طلوع الشمس. سحّا: صبا. جمّا: أجمعا وأكثرا. واسجما: أسبلا. والحفيظة: الغضب مع عزة. والهذر: الكثير الكلام فى غير فائدة. البهلول: السيد. واللهى: العطايا. وفى رواية: الندى، وأخرى: النهى. والنجر: الأصل. والمجحفات: التى نذهب بالأموال. والغبر: السنين المقحطات. وسراة: خيار. غالته: ذهبت به. النقيبة: النفس وميمون النقيبة: يسعد فيما يتوجه له. مصاليت: شجعان. ردينية: رماح. حباء: عطاء. هجان اللون: بيض. والإجريا: ما يجرى عليه من أبغال آبائه ويتعوده. وفى القاموس: الوجه الذى تأخذ فيه وتجرى عليه. وهى بالمد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موضعا بحذف الياء، وقبل الْهَاءُ مُتَحَرّكٌ، فَكَيْفَ حَسُنَ هَذَا؟ قُلْنَا: إنّ مَا قَبْلَ الْهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ سَاكِنٌ، وَهُوَ الْيَاءُ مِنْ نُصْلِيه وَيُؤَدّيه وَيُؤْتِيه، وَلَكِنّهُ حُذِفَ لِلْجَازِمِ، فَمَنْ نَظَرَ إلَى اللّفْظِ، وَأَنّ مَا قَبْلَ الْهَاءِ مُتَحَرّكٌ أَثْبَتَ الْيَاءَ كَمَا أَثْبَتَهَا فِي: بِهِ وَلَهُ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْكَلِمَةِ قَبْلَ دُخُولِ الْجَازِمِ، رَأَى مَا قَبْلَ الْهَاءِ سَاكِنًا، فَحَذَفَ الْيَاءَ، فَهُمَا وَجْهَانِ حَسَنَانِ بِخِلَافِ مَا تَقَدّمَ مِنْ شَرْحِ قَصِيدَةِ حُذَيْفَةَ: وَذُكِرَ فِي هَذَا الشّعْرِ: وَأَسْعَدُ قَادَ النّاسَ. وَهُوَ أَسْعَدُ أَبُو حَسّانَ بْنِ أَسْعَدَ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي التّبَابِعَةِ، وَكَذَلِكَ أَبُو شِمْرٍ، وَهُوَ شِمْرٌ الّذِي بَنَى سَمَرْقَنْدَ «1» ، وَأَبُوهُ: مَالِكٌ، يُقَالُ لَهُ: الْأُمْلُوكُ «2» ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَبَا شمر الغسّانىّ والد الحرث بْنِ أَبِي شِمْرٍ. وَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ الّذِي ذُكِرَ أَحْسَبُهُ عَمْرًا ذَا الْأَذْعَارِ، وَقَدْ تَقَدّمَ فى التبابعة،

_ القصر. تهامى البلاد ونجدها: ما انخفض منها وما علا. ثبج الشىء: أعلاه ومعظمه. مخيسة: مذللة. الأخاشب: جبال بمكة وهما جبلان، فجمعهما مع ما عليهما، وخم: اسم بئر. والجفر: اسم بئر. والهجر: القبيح من الكلام الفاحش. والأحابيش: من حالف قريشا من القبائل ودخل فى عقدها وذمتها. وتكلوا: صرفوا. فخارج: أراد: يا خارجة فحذف حرف النداء، ورخم. وأسدى: أعطى، والمحتد: الأصل. جسر: ماض فى أموره قوى عليها. غمر: كثير العطاء. أمك سرّ: خالصة النسب. (1) فى القاموس: شمر بن أفريقش غزا مدينة السغد، فقلعها، فقيل: شمركند، أو بناها، فقيل: شمر كنت، وهى بالتركية: القرية فعربت: سمرقند. (2) الأملوك: اسم جمع لملك، وقوم من العرب، أو هم مقاول حمير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُوَ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ، وَإِنّمَا جَعَلَهُمْ مَفْخَرًا لِأَبِي لَهَبٍ؛ لِأَنّ أُمّهُ خُزَاعِيّةٌ مِنْ سَبَأٍ، وَالتّبَابِعَةُ كُلّهُمْ مِنْ حِمْيَرَ بْنِ سَبَإِ، وَقَدْ تَقَدّمَ الْخِلَافُ فِي خُزَاعَةَ. وَأَبُو جَبْرٍ الّذِي ذَكَرَهُ فِي هَذَا الشّعْرِ: مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ ذَكَرَ الْقُتَبِيّ أَنّ سُمَيّةَ أُمّ زِيَادٍ، كَانَتْ لِأَبِي جَبْرٍ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ، دفعها إلى الحرث بْنِ كَلَدَةَ الْمُتَطَبّبُ فِي طِبّ طَبّهُ. زَيْدٌ أَفْضَلُ إخْوَتِهِ: وَذَكَرَ وِلَايَةَ الْعَبّاسِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- السّقَايَةَ، وَقَالَ: كَانَ مِنْ أَحْدَثِ إخْوَتِهِ سِنّا، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي صِفَةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ مِنْ أَفْضَلِ قَوْمِهِ مُرُوءَةً، وَهَذَا مِمّا مَنَعَهُ النّحْوِيّونَ أَنْ يُقَالَ: زَيْدٌ أَفْضَلُ إخْوَتِهِ، وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَغَيْرِهِ، وَحَسَنٌ لِأَنّ الْمَعْنَى: زَيْدٌ يَفْضُلُ إخْوَتَهُ، أَوْ يَفْضُلُ قَوْمَهُ؛ وَلِذَلِكَ سَاغَ فِيهِ التّنْكِيرُ، وَإِنّمَا الّذِي يَمْتَنِعُ بِإِجْمَاعِ: إضَافَةُ أَفْعَلَ إلَى التّثْنِيَةِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ: هُوَ أَكْرَمُ أَخَوَيْهِ، إلّا أن تقول: الأخوين، بغير إضافة «1» .

_ (1) مما اشترط النحاة فى أفعل التفضيل المضاف أن يكون المضاف بعضا من المضاف إليه بشرط إرادة التفضيل، وبقاء معناه ووجوده. ويقول الأشمونى فى شرح الألفية: «وإن لم تنو بأفعل معنى: من، بأن لم تنوبه المفاضلة أصلا، أو تنويها، لاعلى المضاف إليه وحده، بل عليه وعلى كل ما سواه كقولهم: الناقص والأشج (يعنى يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان لنقصه أرزاق الجند، وعمر بن عبد العزيز لشجة أصابته بضرب الدابة» أعدلا بنى مروان. أى: عادلاهم، فكان أفعل بمعنى فاعل، وليس فى هذا تفضيل» ونحو: محمد- صلى الله عليه وسلم- أفضل قريش، أى: أفضل الناس من بين قريش. وإضافة هذين النوعين لمجرد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ شَرْحِ شِعْرٍ مَطْرُودٍ: فَصْلٌ: وَذُكِرَ فِي شِعْرٍ مَطْرُودٍ: مَنَعُوك مِنْ جَوْرٍ وَمِنْ إقْرَافِ «1» ،

_ التخصيص؛ ولذلك جازت إضافة أفعل فيهما إلى ما ليس هو بعضه بخلاف المنوى فيه معنى من «أى: إرادة التفضيل» فإنه لا يكون إلا بعض ما أضيف إليه، فلذلك يجوز: يوسف أحسن إخوته، إن قصد: الأحسن من بينهم، أو قصد: حسنهم- رأى جعله صفة مشبهة- ويمتنع إن قصد أحسن منهم» ص 41 ج 3 ط 1305 هـ ويقول ابن يعيش فى شرح المفصل: «قد علم أن أفعل إنما يضاف إلى ما هو بعضه. فليعلم أنه لا يجوز أن تقول: يوسف أحسن إخوته، وذلك أنك إذا أضفت الإخوة إلى ضميره خرج من جملتهم، وإذا كان خارجا منهم، صار غيرهم وإذا صار غيرهم لم يجز أن نقول: يوسف أحسن إخوته، كما لا يجوز أن تقول: الياقوت أفضل الزجاج؛ لأنه ليس من الزجاج، فحينئذ يلزم من المسألة أحد أمرين، كل واحد منهما ممتنع. أحدهما: ما ذكرناه من إضافة أفعل إلى غيره، إذ إخوة زيد غير زيد. والثانى: إضافة الشىء إلى نفسه، وذلك أنا إذا قلنا: إن زيدا من جملة الإخوة- نظرا إلى مقتضى إضافة أفعل، ثم أضفت الإخوة إلى ضمير زيد، وهو من جملتهم- كنت قد أضفته إلى نفسه، بإضافتك إياه إلى ضميره وذلك فاسد. فأما النوع الثانى- يعنى ابن يعيش: أفعل بمعنى فاعل؛ وهو غير دال على معنى التفضيل- وهو أن يكون أفعل فيه للذات بمعنى فاعل، فإنه يجوز أن تقول: يوسف أحسن إخوته، ولا يمتنع فيه كامتناعه من القسم الأول إذ المراد أنه فاضل فيهم، لأنه لا يلزم فى هذا النوع أن يكون أفعل بعض ما أضيف إليه، وعليه جاء قولهم لنصيب الشاعر: أنت أشعر أهل جلدتك، لأن أهل جلدته غيره. وإذا كانوا غيره لم تسغ إضافة أفعل إذا كان هو إياه إليهم؛ لما ذكرته ويجوز على الوجه الثانى لأنه بمعنى: الشاعر فيهم، أو شاعرهم» ص 8 ج 3 شرح المفصل لابن يعيش. وبهذا يتبين أن النحويين لم يمنعوا هذا منعا مطلقا، بل أجازوا نفس ما ذكره السهيلى. (1) الذى فى السيرة، ضمنوك. والمقرف الذى دانى الهجنة من الفرس وغيره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْ: مَنَعُوك مِنْ أَنْ تَنْكِحَ بَنَاتَك أَوْ أَخَوَاتِك مِنْ لَئِيمٍ، فَيَكُونُ الِابْنُ مُقْرِفًا لِلُؤْمِ أَبِيهِ، وَكَرَمِ أُمّهِ، فَيَلْحَقَك وَصْمٌ مِنْ ذَلِك، وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُ مُهَلْهَلٍ «1» : أَنْكَحَهَا فَقْدُهَا الْأَرَاقِمَ فى ... جنب، وكان الحباء من أدم «2»

_ وهو الذى أمه عربية، وأبوه ليس بعربى، فالإقراف من قبل الأب، والهجنة من قبل الأم. (1) المهلهل: قال الامدى: اسمه: امرؤ القيس بن ربيعة بن الحارث بن زهير ابن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غانم بن تغلب، وهو الشاعر المشهور، ويقال اسمه: عدى، وقال ابن قتيبة: مهلهل بن ربيعة، هو: عدى بن ربيعة، وسمى مهلهلا؛ لأنه هلهل الشعر، أى: أرقّه، ويقال: إنه أول من قصد القصيد، وهو خال امرىء القيس صاحب المعلقة. وهو أخو كليب الذى هاج بمقتله حرب البسوس. وقيل: إنه مات أسيرا، وذلك أنه لما نزل اليمن نزل فى بنى جنب، وجنب من مذحج، فخطبوا إليه ابنته. فقال لهم: إنى طريد بينكم، فمتى أنكحتكم!؟ قالوا: فأجبروه على تزويجها، وساقوا إليه فى صداقها أدما، فقال: أنكحها فقدها الأراقم فى ... جنب وكان الحباء من أدم ثم انحدر، فلقيه عوف بن مالك أبو أسماء صاحبة المرقش الأكبر، فأسره، فمات فى أسره. وقيل فى وفاته غير ذلك ص 23 وما بعدها ج 2 خزانه الأدب للبغدادى ط دار العصور. (2) قيل عن جنب إنه لقب لا اسم أب. وفى نهاية الأرب ج 3 ص 67 جاء هذان البيتان: أعزز على تتغلب بما لقيت ... أخت بنى الأكرمين من جشم ليسوا بأكفائنا الكرام، ولا ... يغنون من ذلة ولا عدم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْ: أُنْكِحَتْ لِغُرْبَتِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ. قَالَ مبرمان «1» : أنشدنا أبوبكر ابن دُرَيْدٍ: وَكَانَ الْخِبَاءُ مِنْ أَدَمِ، بِخَاءِ مُعْجَمَةِ الْأَعْلَى، وَهُوَ خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ، وَإِنّمَا هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي تَصْحِيفَاتِ ابْنِ دُرَيْدٍ، وفيه يقول الْمُفْجِعِ [الْبَصْرِيّ] رَدّا عَلَى ابْنِ دُرَيْدٍ: أَلَسْت قدما جعلت تعترق م ... الطّرْفَ بِجَهْلِ مَكَانٍ تَغْتَرِقُ «2» وَقُلْت: كَانَ الْخِبَاءُ مِنْ أَدَمٍ ... وَهُوَ حِبَاءٌ يُهْدَى، وَيُصْطَدَقُ وَذَلِك أَنّ مُهَلْهِلًا نَزَلَ فِي جَنْبٍ، وَهُوَ حَيّ وَضِيعٌ مِنْ مَذْحِجَ. فَخُطِبَتْ ابْنَتُهُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ مَنْعَهَا، فَزَوّجَهَا، وَكَانَ نَقْدُهَا مِنْ أَدَمٍ، فَأَنْشَدَ: أَنْكَحَهَا فَقْدُهَا الْأَرَاقِمَ فِي ... جَنْبٍ، وَكَانَ الْحِبَاءُ مِنْ أَدَمِ لَوْ بِأَبَانِينَ جَاءَ خَاطِبُهَا ... ضُرّجَ ما أنف خاطب بدم «3»

_ والأول منهما قبل: «أنكحها فقدها الخ» والاخر بعد قوله: «لو بأبانين» الذى سيأتى. والأراقم: حى من تغلب قوم المهلهل. وقد تقدم من قبل الحديث عن جنب. (1) لقب لأبى بكر الأزمى. (2) تغترق الطرف: تشغلهم بالنظر إليها عن النظر إلى غيرها لحسنها، وانظر المزهر ص 366 ج 2 للسيوطى ففيه قول المفجع. وقد رمى بدر الدين الزركشى ابن دريد بهذا التصحيف كما ذكر السهيلى، وأورده التيجانى فى تحفة العروس وروى الشطرة الأولى هكذا: «ألم تصحف، فقلت تعترق الخ» وروى أيضا فى غيره: «ألست مما صحفت تغترق. (3) الأبانان: جبلان بالبادية اسم أحدهما: أبان، والاخر: متالع، أحدهما:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: حَتّى تَغِيبَ الشّمْسُ بِالرّجّافِ «1» يَعْنِي: الْبَحْرَ. لِأَنّهُ يَرْجُفُ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ أَيْضًا: خُضَارَةُ، [سُمّيَ بِذَلِك لِخُضْرَةِ مَائِهِ] . وَالدّأْمَاءُ [سُمّيَ بِذَلِكَ لِتَدَاؤُمِ أَمْوَاجِهِ أَيْ: تَرَاكُمِهَا، وَتَكَسّرِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ] وَأَبُو خَالِدٍ. وَقَوْلُهُ: عِقْدُ ذَاتِ نِطَافِ. النّطَفُ «2» : اللّؤْلُؤُ الصّافِي. وَوَصِيفَةٌ مُنَطّفَةٌ [وَمُتَنَطّفَةٌ] أَيْ: مُقَرّطَةٌ بِتُومَتَيْنِ [وَالتّومَةُ: اللّؤْلُؤَةُ، أَوْ حَبّةٌ تُعْمَلُ مِنْ الْفِضّةِ كَالدّرّةِ] وَالنّطَفُ فِي غَيْرِ هَذَا: التّلَطّخُ بِالْعَيْبِ، وَكِلَاهُمَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَا فِي الظّاهِرِ مُتَضَادّيْنِ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنّ النّطْفَةَ هِيَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ، وَقَدْ يَكُونُ الْكَثِيرَ، وَكَأَنّ اللّؤْلُؤَ الصّافِيَ أُخِذَ مِنْ صَفَاءِ النّطْفَةِ. وَالنّطَفُ الّذِي هُوَ الْعَيْبُ: أُخِذَ مِنْ نُطْفَةٍ الْإِنْسَانِ، وَهِيَ مَاؤُهُ، أَيْ: كَأَنّهُ لُطّخَ بِهَا. وَقَوْلُهُ: وَالْفَيْضِ مُطّلِبٍ أَبِي الْأَضْيَافِ. يُرِيدُ: أَنّهُ كَانَ لأضيافه

_ أبيض، وهو لبنى أسد، والاخر: أسود، وهو لبنى فزارة، هذا، وقد روى اللسان البيتين. وفيهما: «الخباء، ورمّل» بدلا من «الحباء، وضرج» . (1) فى السيرة: فى الرجاف. (2) مفردها. نطفة كهمزة «بضم النون وفتح الطاء» . ملحوظة: فى السيرة أن فاطمة بنت عمرو بن عائذ هى أم عبد الله وأبى طالب. فى نسب قريش وعند السدوسى هى: أمهما أيضا، وكذلك فى جمهرة ابن حزم. وفى السيرة فى نسب فاطمة هذه قال ابن إسحاق: «ابن عائذ بن عبد بن عمران» وفى نسب قريش لا توجد عبد بين عائذ وعمران، وكذلك فى جمهرة ابن حزم، وعند السدوسى، وإلى هذا ذهب ابن هشام، وما بين قوسين فى نسب ردته فاطمة من كتب النسب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَالْأَبِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلّ جَوَادٍ: أَبُو الْأَضْيَافِ. كَمَا قَالَ مُرّةُ بْنُ مَحْكَانَ [السّعْدِيّ التّمِيمِيّ سَيّدُ بَنِي رَبِيعٍ] : أُدْعَى أَبَاهُمْ، وَلَمْ أَقْرِفْ بِأُمّهِمْ ... وَقَدْ عَمِرْت. وَلَمْ أَعْرِفْ لَهُمْ نَسَبًا اللهَبِيّ الْعَائِفُ: فَصْلٌ: وَذُكِرَ خَبَرُ اللهَبِيّ الْعَائِفِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَهَبُ: حَيّ مِنْ الْأَزْدِ: وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهُوَ لَهَبُ بْنُ أَحْجَن بْنِ كعب بن الحارث بن كعب ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَزْدِ. وَهِيَ الْقَبِيلَةُ الّتِي تُعْرَفُ بِالْعِيَافَةِ وَالزّجْرِ «1» . وَمِنْهُمْ اللهَبِيّ الّذِي زَجَرَ حِينَ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ بصلعة عمر

_ (1) العيافة: تتبع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر فى المقابلة للأثر، وهى التى تكون فى تربة حرة تشكل بشكل القدم. وقد اشتهر بها قديما بنو مدلج قبيلة من كنانة وبنو لهب «بلوغ الأرب للألوسى، وانظر ص 491 الاشتقاق، واللسان فى مادة لهب» والزجر: الاستدلال بأصوات الحيوانات وحركاتها وسائر أحوالها واستعلام ما غاب عنهم. ويقول ابن خلدون عنه: هو ما يحدث من بعض الناس من التكلم بالغيب عند سنوح طائر أو حيوان. ويقول ابن القيم فى مفتاح دار السعادة عنه: «وأصل هذا أن العرب كانوا يزجرون الطير، والوحش ويثيرونها، فما تيا من منها وأخذ ذات اليمين سموه سانحا، وما تياسر منها سموه: بارحا، وما استقبلهم منها فهو: الناطح، وما جاءهم من خلفهم فهو القعيد.. ومن العرب من يتيمن بالسانح ويتشاءم بالبارح ومنهم غير ذلك. وقيل عن السالح والبارح غير هذا. ويقول الأزهرى: العيافة: زجر الطير، وهو أن يرى طائرا، أو غرابا، فيتطير، وإن لم ير شيئا، فقال بالحدس كان: عيافة أيضا، وفى القاموس: العائف: المتكهن بالطير، وكل هذا حرمه الإسلام، وقيل فى تعريفهما غير ذلك.

قصة بحيرى

[قصة بحيرى] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ أَبَا طَالِبٍ خَرَجَ فِي رَكْبٍ تَاجِرًا إلَى الشّامِ، فَلَمّا تَهَيّأَ لِلرّحِيلِ، وَأَجْمَعَ الْمَسِيرَ صَبّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيما يزعمون- فرقّ له، وَقَالَ: وَاَللهِ لَأَخْرُجَنّ بِهِ مَعِي، وَلَا يُفَارِقُنِي، وَلَا أُفَارِقُهُ أَبَدًا، أَوْ كَمَا قَالَ. فَخَرَجَ بِهِ مَعَهُ، فَلَمّا نَزَلَ الرّكْبُ بُصْرَى مِنْ أرض الشام، وبها راهب يُقَالُ لَهُ: بَحِيرَى فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ، وَكَانَ إلَيْهِ عِلْمُ أَهْلِ النّصْرَانِيّةِ، وَلَمْ يَزَلْ فِي تِلْكَ الصّوْمَعَةِ مُنْذُ قَطّ رَاهِبٌ، إلَيْهِ يَصِيرُ علمهم عن كتاب فيها- فيما يزعمون ـــــــــــــــــــــــــــــ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَأَدْمَتْهُ، وَذَلِك فِي الْحَجّ، فَقَالَ: أُشْعِرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. وَاَللهِ لَا يَحُجّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ، فَكَانَ كَذَلِكَ «1» وَاللهَبُ: شَقّ فِي الْجَبَلِ «2» [وَالْجَمْعُ: أَلْهَابٌ وَلُهُوبٌ] . وَبَنُو ثُمَالَةَ رَهْطُ الْمُبَرّدِ الثّمَالِيّ: هُمْ بَنُو أَسْلَمَ بْنِ أحجن ابن كَعْب. وَثُمَالَةُ: أُمّهُمْ. وَكَانَتْ الْعِيَافَةُ وَالزّجْرُ فِي لَهَبٍ قَالَ الشّاعِرُ «3» : سَأَلْت أَخَا لَهَبٍ لِيَزْجُرَ زَجْرَةً ... وَقَدْ رُدّ زَجْرُ الْعَالَمِينَ إلَى لَهَبٍ وَقَوْلُهُ: لِيَعْتَافَ لَهُمْ: وَهُوَ يَفْتَعِلُ مِنْ الْعَيْفِ. يُقَالُ: عِفْت الطّيْرَ. وَاعْتَفْتُهَا عِيَافَةً وَاعْتِيَافًا: وَعِفْت الطّعَامَ أَعَافُهُ عَيْفًا. وَعَافَتْ الطّيْرُ الْمَاءَ عِيَافًا.

_ (1) هذا خرف أسطورى. فالله وحده هو عالم الغيب. (2) عند ابن دريد فى الاشتقاق، واللهب: الشعب الضيق فى أعلى الجبل والجمع ألهاب ولهوب. (3) هو كثير عزة، والبيت فى نهاية الأرب هكذا: تيممت لهبا أبتغى العلم عندها ... وقد رد علم الطائفين إلى لهب

يَتَوَارَثُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. فَلَمّا نَزَلُوا ذَلِكَ الْعَامَ بِبَحِيرَى، وَكَانُوا كَثِيرًا مَا يَمُرّونَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَا يُكَلّمُهُمْ، وَلَا يَعْرِضُ لَهُمْ، حَتّى كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ. فَلَمّا نَزَلُوا بِهِ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَتِهِ صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا كَثِيرًا، وَذَلِكَ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- عَنْ شَيْءٍ رَآهُ وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ، يَزْعُمُونَ أَنّهُ رَأَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ، يَزْعُمُونَ أَنّهُ رَأَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ فِي الرّكْبِ حَيْن أَقْبَلُوا، وَغَمَامَةٌ تُظِلّهُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ. قَالَ: ثُمّ أَقْبَلُوا فَنَزَلُوا فِي ظِلّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْهُ، فَنَظَرَ إلَى الْغَمَامَةِ حَيْنَ أَظَلّتْ الشّجَرَةُ، وَتَهَصّرَتْ أَغْصَانُ الشّجَرَةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتّى اسْتَظَلّ تَحْتَهَا، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ بَحِيرَى نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثُمّ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: إنّي قَدْ صَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَأَنَا أُحِبّ أن تحضروا كلّكم، وصغيركم وَكَبِيرُكُمْ، وَعَبْدُكُمْ وَحُرّكُمْ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: وَاَللهِ يَا بَحِيرَى إنّ لَك لَشَأْنًا الْيَوْمَ! ما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنّا نمرّبك كَثِيرًا، فَمَا شَأْنُك الْيَوْمَ؟! قَالَ لَهُ بَحِيرَى: صَدَقْتَ، قَدْ كَانَ مَا تَقُولُ، وَلَكِنّكُمْ ضَيْفٌ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ، وَأَصْنَعَ لَكُمْ طَعَامًا، فَتَأْكُلُوا مِنْهُ كُلّكُمْ. فَاجْتَمِعُوا إلَيْهِ، وَتَخَلّفَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ، لِحَدَاثَةِ سِنّهِ، فِي رِحَالِ الْقَوْمِ تَحْتَ الشّجَرَةِ، فَلَمّا نَظَرَ بَحِيرَى فِي الْقَوْمِ لَمْ يَرَ الصّفَةَ الّتِي يَعْرِفُ وَيَجِدُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: لَا يَتَخَلّفَنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ طَعَامِي، قَالُوا لَهُ: يَا بَحِيرَى، مَا تَخَلّفَ عَنْك أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَكَ إلّا غُلَامٌ، وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنّا، فَتَخَلّفَ فِي رِحَالِهِمْ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا، اُدْعُوهُ، فَلِيَحْضُرْ هَذَا الطّعَامَ مَعَكُمْ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قريش مع القوم: واللّات وَالْعُزّى، إنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَلُؤْمٌ بِنَا أَنْ يَتَخَلّفَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بن عبد المطّلب عن طعام من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه، وأجلسه مع القوم. فلما رَآهُ بَحِيرَى، جَعَلَ يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا، وَيَنْظُرُ إلى أشياء من جسده، وقد كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ، حَتّى إذَا فَرَغَ الْقَوْمُ مِنْ طَعَامِهِمْ وَتَفَرّقُوا، قَامَ إلَيْهِ بحيرى، فقال: يا غلام، أسألك بحقّ اللّات وَالْعُزّى إلّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ، وَإِنّمَا قَالَ لَهُ بَحِيرَى ذَلِكَ؛ لِأَنّهُ سَمِعَ قَوْمَهُ يَحْلِفُونَ بِهِمَا، فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: لا تسألنى باللات والعزّى شيئا، فو الله مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا قَطّ بُغْضَهُمَا، فَقَالَ لَهُ بَحِيرَى: فَبِاَللهِ إلّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمّا أَسْأَلُك عنه، فقال له: سلنى عمّا بد الك. فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نَوْمِهِ وَهَيْئَتِهِ وَأُمُورِهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ، فَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ بَحِيرَى مِنْ صِفَتِهِ، ثُمّ نَظَرَ إلَى ظَهْرِهِ، فَرَأَى خَاتَمَ النّبُوّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَى مَوْضِعِهِ مِنْ صِفَتِهِ الّتِي عِنْدَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ مِثْلَ أَثَرِ الْمِحْجَمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَرَغَ، أَقْبَلَ عَلَى عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْك؟ قَالَ: ابْنِي. قَالَ لَهُ بَحِيرَى: مَا هُوَ بِابْنِك، وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْغُلَامِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيّا، قَالَ: فَإِنّهُ ابْنُ أَخِي، قَالَ: فَمَا فَعَلَ أَبُوهُ؟ قَالَ: مَاتَ وَأُمّهُ حُبْلَى بِهِ، قَالَ: صَدَقْت، فَارْجِعْ بِابْنِ أَخِيك إلَى بلده، واحذر عليه يهود، فو الله لَئِنْ رَأَوْهُ، وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُ لَيَبْغُنّهُ شَرّا، فَإِنّهُ كَائِنٌ لَابْنِ أَخِيك هَذَا شَأْنٌ عظيم، فأسرع به إلى بلاده. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فخرج به عمّه أبو طالب سَرِيعًا، حَتّى أَقْدَمَهُ مَكّةَ حَيْنَ فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ بِالشّامِ فَزَعَمُوا فِيمَا رَوَى النّاسُ: أَنّ زُرَيْرًا وَتَمّامًا وَدَرِيسًا- وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الكتاب- قد كانوا رأوا مِنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَ مَا رَآهُ بَحِيرَى فِي ذَلِكَ السّفَرِ الّذِي كَانَ فِيهِ مَعَ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَرَادُوهُ، فَرَدّهُمْ عَنْهُ بَحِيرَى، وَذَكّرَهُمْ اللهَ وَمَا يَجِدُونَ فِي الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَأَنّهُمْ إنْ أَجْمَعُوا لِمَا أَرَادُوا بِهِ لَمْ يَخْلُصُوا إلَيْهِ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ، حَتّى عَرَفُوا مَا قَالَ لَهُمْ، وَصَدّقُوهُ بِمَا قَالَ، فَتَرَكُوهُ وَانْصَرَفُوا عَنْهُ. فَشَبّ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاَللهِ تَعَالَى يَكْلَؤُهُ، وَيَحْفَظُهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ أَقْذَارِ الْجَاهِلِيّةِ، لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ ورسالته، حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قَوْمِهِ مُرُوءَةً، وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، وَأَكْرَمَهُمْ حَسَبًا، وَأَحْسَنَهُمْ جِوَارًا، وَأَعْظَمَهُمْ حِلْمًا، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً، وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ الْفُحْشِ وَالْأَخْلَاقِ الّتِي تُدَنّسُ الرّجَالَ، تَنَزّهًا وَتَكَرّمًا، حَتّى مَا اسْمُهُ فِي قَوْمِهِ إلّا الْأَمِينُ، لِمَا جَمَعَ اللهُ فِيهِ مِنْ الأمور الصالحة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم- فِيمَا ذُكِرَ لِي- يُحَدّثُ عَمّا كَانَ اللهُ يَحْفَظُهُ بِهِ فِي صِغَرِهِ وَأَمْرِ جَاهِلِيّتِهِ، أَنّهُ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتنِي فِي غِلْمَانِ قُرَيْشٍ نَنْقُلُ حِجَارَةً لِبَعْضِ مَا يَلْعَبُ بِهِ الْغِلْمَانُ، كُلّنَا قَدْ تَعَرّى، وَأَخَذَ إزَارَهُ، فَجَعَلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ، فَإِنّي لَأُقْبِلُ مَعَهُمْ كَذَلِكَ وأدبر، إذ لكمنى لا كم مَا أَرَاهُ، لَكْمَةً وَجِيعَةً، ثُمّ قَالَ: شُدّ عَلَيْك إزَارَك. قَالَ: فَأَخَذْتُهُ وَشَدَدْتُهُ عَلَيّ، ثُمّ جَعَلْت أَحْمِلُ الْحِجَارَةَ عَلَى رَقَبَتِي وَإِزَارِي عَلَيّ من بين أصحابى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قِصّةُ بَحِيرَى: فَصْلٌ: فِي قِصّةِ بَحِيرَى وَسَفَرِ أَبِي طَالِبٍ بِالنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَعَ فِي سِيَرِ الزّهْرِيّ أَنّ بَحِيرَى كَانَ حبرا من يهود تيسماء «1» ، وَفِي الْمَسْعُودِيّ: أَنّهُ كَانَ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَاسْمُهُ: سَرْجِسُ، وَفِي الْمَعَارِفِ لَابْنِ قُتَيْبَةَ، قَالَ: سُمِعَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِقَلِيلِ هَاتِفٌ يَهْتِفُ: أَلَا إنّ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ ثَلَاثَةٌ: بَحِيرَى، وَرِبَابُ بْنُ الْبَرَاءِ الشّنّيّ «2» وَالثّالِثُ: الْمُنْتَظَرُ، فَكَانَ الثّالِثُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال الْقُتَبِيّ: وَكَانَ قَبْرُ رِبَابٍ الشّنّيّ، وَقَبْرُ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ، لَا يَزَالُ يُرَى عَلَيْهَا طَشّ، وَالطّشّ: الْمَطَرُ الضّعِيفُ «3» . وَقَالَ فِيهِ: فَصَبّ «4» رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَمّهِ. الصّبَابَةُ: رقّة الشوق، يقال: صببت- بكسر الماء- أَصَبّ، وَيُذْكَرُ عَنْ بَعْضِ السّلَفِ أَنّهُ قَرَأَ: أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ يوسف: 33

_ (1) بليد فى أطراف الشام، بينها وبين وادى القرى على طريق حاج دمشق. (2) هو فى المعارف: أرباب بن رئاب من عبد القيس. (3) نص قول ابن قتيبة فى المعارف: «كان لا يموت أحد من ولد أرباب فيدفن إلا رأوا طشا على قبره» ونص كلامه عن الرسول- كما زعموا- صلى الله عليه وسلم- «وآخر لم يأت بعد. النبى (ص) » ص 30 تحت باب: من كان على دين قبل مبعث النبى «ص» وهو خبر مصنوع ولا شك (4) وفى رواية- كما جاء فى الطبرى وشرح الخشنى- ضبّ، وفسرها الأخير بقوله: تعلق به وامتسك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي بَحْرٍ: ضَبَثَ بِهِ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أي: لَزِمَهُ قَالَ الشّاعِرُ: كَأَنّ فُؤَادِي فِي يَدٍ ضَبَثَتْ بِهِ ... مُحَاذِرَةً أَنْ يَقْضِبَ الْحَبْلَ قَاضِبُهُ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذْ ذَاكَ ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ أَلّفَ فِي السّيَرِ، وَقَالَ الطّبَرِيّ: ابْنَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً «1» . مِنْ صِفَاتِ خَتْمِ النّبُوّةِ: وَذُكِرَ فِيهِ خَاتَمُ النّبُوّةِ وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ: كَانَ كَأَثَرِ الْمِحْجَمِ يَعْنِي: أَثَرَ الْمِحْجَمَةِ الْقَابِضَةِ عَلَى اللّحْمِ، حَتّى يَكُونَ نَاتِئًا. وَفِي الْخَبَرِ أَنّهُ كَانَ حَوْلَهُ حِيلَانٌ فِيهَا شَعَرَاتٌ سُودٌ. وَفِي صِفَتِهِ أَيْضًا أَنّهُ كَانَ كَالتّفّاحَةِ، وَكَزِرّ الْحَجَلَةِ وَفَسّرَهُ التّرْمِذِيّ تَفْسِيرًا وَهِمَ فِيهِ فَقَالَ: زِرّ الْحَجَلَةِ يُقَالُ: إنّهُ بُيّضَ لَهُ فَتَوَهّمَ الْحَجَلَةَ مِنْ الْقَبَجِ» وَإِنّمَا هِيَ حَجَلَةُ السّرِيرِ، وَاحِدَةُ: الْحِجَالِ، وَزِرّهَا الّذِي يَدْخُلُ فِي عُرْوَتِهَا- قَالَ عَلِيّ- رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- لِأَهْلِ العراق: يا أشباه الرجال:

_ (1) فى الطبرى: وهو ابن تسع سنين، وقيل، ثلاث عشرة. حكاه أبو عمر وقال ابن الجوزى، اثنتا عشرة سنة وشهران وعشرة أيام. وفى سيرة مغلطاى: وشهر (2) هو الحجل، وفى اللسان أنه الكروان، وأنه معرب، وهو بالفارسية. كبج معرب؛ لأن القاف والجيم لا يجتمعان فى كلمة واحدة من كلام العرب، وقد ضبط البخارى الحجل بضم الحاء، وقال: إنه من حجل الفرس «بضم الحاء وسكون الجيم» الذى بين عينيه، وهو بعيد لأن الذى بين العينين اسمه الغرة لا الحجل، والتحجيل فى القوائم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَا رِجَالُ، وَيَا طَغَامَ الْأَحْلَامِ. وَيَا عُقُولَ رَبّاتِ الْحِجَالِ «1» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: كَانَ كَبَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، وَفِي حَدِيثِ عَيّاذِ «2» بْنِ عَبْدِ عَمْرٍو، قَالَ: رَأَيْت خَاتَمَ النّبُوّةِ، وَكَانَ كَرُكْبَةِ الْعَنْزِ. ذَكَرَهُ النّمِرِيّ مُسْنَدًا فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ، فَهَذِهِ خمس

_ (1) من خطبة منسوبة إلى على بن أبى طالب، وقد رواها المبرد فى أول الكامل وهى فى كتاب نهج البلاغة الذى جمع فيه الشريف الرضى خطبا رائعة، ونسبها إلى على. وفى رأى كثير أنها للشريف نفسه، وفى المبرد كما هنا. ومعنى طغام: من لا معرفة عنده- كما ذكر المبرد- أو أوغاد الناس. ورذال الطير، مفردها: طغامة وفى نهج البلاغة «وحلوم الأطفال وعقول ربات الحجال» برفع حلوم وعقول. وربات الحجال: النساء. وبداية الخطبة كما فى النهج: «أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة الخ» انظر ص 74 وما بعدها نهج البلاغة ط الرحمانية، وص 164 ج 1 شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ط 3 دار الفكر لبنان. (2) أما عياذ فترجمته فى الإصابة عياذ بن عمرو، أو ابن عبد عمرو الأزدى أو السلمى أو عباد بدلا من عياذ، وكان- كما جاء فى بعض الروايات- يخدم النبى «ص» فخاطبه يهودى، فسقط رداؤه عن منكبيه- وكان النبى صلى الله عليه وسلم- يكره أن يرى الخاتم. يقول عياد. فسويته عليه، فقال: من فعل هذا؟ فقلت، أنا. قال: تحول إلى، فجلست بين يديه، فوضع يده على رأسى، فأمرها على وجهى وصدرى، وكان الخاتم على طرف كتفه الأيسر، كأنه رقبة عنز وهذه رواية ابن منده والطبرانى، ومن تبعهما وسنده ضعيف، وللخطيب من هذا الوجه، وفيه أن الخاتم مثل ركبة الغنز، وفى سنده من لا يعرف «الإصابة باختصار» هذا وقد سبق الحديث عن الخاتم. ويقول ابن حجر فى الفتح ما ورد من أن الخاتم كان كأثر المحجم، أو الشامة السوداء، أو الخضراء- كما فى تاريخ ابن أبى خيثمة- المكتوب عليها: محمد رسول الله- كما فى تاريخ الحاكم وغيره، أو سر فإنك المنصور، لم يثبت منها شىء، ولا يغتر بشىء مما وقع فى صحيح ابن حبان، فإنه غفل حيث صحح ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رِوَايَاتٍ فِي صِفَةِ الْخَاتَمِ: كَالتّفّاحَةِ وَكَبَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، وَكَزِرّ الْحَجَلَةِ، وَكَأَثَرِ الْمِحْجَمِ وَكَرُكْبَةِ الْعَنْزِ وَرِوَايَةٌ سَادِسَةٌ: وَهِيَ رِوَايَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ: قَالَ: رَأَيْت خَاتَمَ النّبُوّةِ كَالْجُمْعِ يَعْنِي: كَالْمِحْجَمَةِ، [وهى الْآلَةِ الّتِي يَجْتَمِعُ بِهَا دَمُ الْحِجَامَةِ عِنْدَ الْمَصّ] لَا كَجُمْعِ الْكَفّ، وَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى الْأَوّلِ أَيْ كَأَثَرِ الْجُمْعِ. وَقَدْ قِيلَ فِي الْجُمْعِ: إنّهُ جُمْعُ الْكَفّ: قَالَهُ الْقُتَبِيّ «1» : وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَرِوَايَةٌ سَابِعَةٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَقَدْ سُئِلَ عَنْ خَاتَمِ النّبُوّةِ: فَقَالَ: بِضْعَةٌ نَاشِزَةٌ «2» هَكَذَا: وَوَضَعَ طَرَفَ السّبّابَةِ فِي مِفْصَلِ الْإِبْهَامِ، أَوْ دُونَ الْمِفْصَلِ، ذَكَرَهَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَفِي صِفَتِهِ أَيْضًا رِوَايَةٌ ثَامِنَةٌ، وَهِيَ رِوَايَةُ مَنْ شَبّهَهُ بِالسّلْعَةِ «3» ، وَذَلِكَ لِنُتُوّهِ، وَقَدْ تَقَدّمَ حَدِيثٌ، فِيهِ عَنْ أَبِي ذَرّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَرْفُوعًا بَيَانُ وضع الخاتم بين كتفيه

_ (1) يقول الزرقانى فى شرح المواهب عن تفسير السهيلى. «وهو تكلف والمتبادر فى تفسير ابن قتيبة، وقد تبعه عليه عياض، والنووى والمصنف وغيرهم» ص 157 ج 1 وجمع بضم الجيم. وحكى ابن الجوزى وابن دحية كسرها، وجزم به فى المفهم. والجمع صورة الكف بعد أن تجمع الأصابع وتضمها وحديث ابن سرجس فى مسلم ومسند أحمد. (2) حديث الخدرى رواه الترمذى فى الشمائل. (3) حديث السلعة رواه البيهقى، وبضعة ناشزة: قطعة لحم مرتفعة، وتروى بضعة بفتح الباء، وضمها وكسرها «انظر المواهب ص 155 ج 1» ولأحمد عن الخدرى: لحم ناشز بين كتفيه، وللبيهقى، والبخارى فى التاريخ عنه: لحمة ناتئة وأحمد وابن سعد من طرق عن أبى رمثة، والسلعة: زيادة تحدث فى البدن كالغدة تتحرك إذا حركت، وقد تكون من حمصة إلى بطيخة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَتَى كَانَ، وَرَوَى التّرْمِذِيّ «1» فِي مُصَنّفِهِ، قَالَ: حَدّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ أَبُو الْعَبّاسِ الْأَعْرَجُ الْبَغْدَادِيّ، حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ أَبُو نُوحٍ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إلَى الشّامِ، وَخَرَجَ مَعَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمّا أَشْرَفُوا عَلَى الرّاهِبِ هَبَطُوا، فَحَلّوا رِحَالَهُمْ: فَخَرَجَ إلَيْهِمْ الرّاهِبُ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرّونَ بِهِ، فَلَا يَخْرُجُ إلَيْهِمْ، وَلَا يَلْتَفِتُ: فَجَعَلَ يَتَخَلّلُهُمْ الرّاهِبُ: وَهُمْ يَحِلّونَ رِحَالَهُمْ: حَتّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: هَذَا سَيّدُ الْعَالَمِينَ، هَذَا رَسُولُ رَبّ الْعَالَمِينَ، يَبْعَثُهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُك؟. فَقَالَ: إنّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنْ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ حَجَرٌ، وَلَا شَجَرٌ إلّا خَرّ سَاجِدًا: وَلَا يَسْجُدَانِ إلّا لِنَبِيّ، وَإِنّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النّبُوّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ. وَيُقَالُ: غُرْضُوفٌ مِثْلُ التّفّاحَةِ. ثُمّ رَجَعَ: فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَلَمّا أَتَاهُمْ بِهِ- وَكَانَ هُوَ فِي رَعِيّةِ الْإِبِلِ- قَالَ: أَرْسِلُوا إلَيْهِ. فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلّهُ، فَلَمّا دَنَا مِنْ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إلَى فَيْءِ الشّجَرَةِ، فَلَمّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اُنْظُرُوا إلَى فَيْءِ الشّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَلّا يَذْهَبُوا بِهِ إلَى الرّومِ، فَإِنّ الرّومَ إنْ رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصّفَةِ، فَيَقْتُلُونَهُ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا سَبْعَةٌ قَدْ أَقْبَلُوا مِنْ الرّومِ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ فَقَالُوا: جِئْنَا أَنّ هَذَا النّبِيّ خَارِجٌ فى هذا الشهر،

_ (1) ورواه أيضا الحاكم وصححه والبيهقى فى الدلائل وأبو نعيم والخرائطى وابن أبى عساكر، وابن أبى شيبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إلّا بُعِثَ إلَيْهِ بِأُنَاسِ، وَإِنّا قَدْ اخْتَرْنَا خِيرَةَ بَعْثِنَا إلَى طَرِيقِك هَذَا، فَقَالَ: هَلْ خَلْفَكُمْ أَحَدٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ، فَقَالُوا: إنّمَا اخْتَرْنَا خِيرَةً لِطَرِيقِك «1» هَذَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْضِيَهُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ النّاسِ رَدّهُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَبَايَعُوهُ «2» وَأَقَامُوا مَعَهُ. قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاَللهِ أَيّكُمْ وَلِيّهُ؟ قَالُوا: أَبُو طَالِبٍ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتّى رَدّهُ أَبُو طَالِبٍ، وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بَلَالًا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وزوّده الراهب من الكعك والزيت «3» ، قال

_ (1) فى لفظ الحديث اضطراب وخطأ، وفى المواهب وشرحها ما يأتى: ج 1 ص 195: «فلم يبق طريق إلا بعث إليها بأناس، وأنا مذ أخبرنا خبره بَعْثِنَا إلَى طَرِيقِك هَذَا، فَقَالَ: هَلْ خَلْفَكُمْ أحد هو خير منكم؟ قالوا: إنما أخبرنا خبره بطريقك هذا، وانظر الخصائص للسيوطى ح 1 ص 208 و 142 ح 1 السيرة الحلبية. (2) معناه: بايعوا بحيرا على ألا يأخذوا النبى «ص» ولا يؤذوه على حسب ما أرسلوا فيه، وأقاموا مع بحيرا خوفا على أنفسهم إذا رجعوا بدونه، انظر ص 285 ح 2 البداية والمواهب، ومن أسماء بحيرا: جرجس وجرجيس. وأكرر مرة أخرى بحجة من القرآن أن رسول الله «ص» لم يكن هو نفسه يعرف عن أمر نبوته شيئا قبل أن ينزل عليه الوحى، والايات التى جعلت آيات له- كما ورد فى القرآن والإنجيل والتوراة- لا تتعلق بصفات جسمية، وإنما بالحقائق النورانية من دعوته صلى الله عليه وسلم، فهو نبى أمى اسمه: أحمد يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويحل الطيبات، ويحرم الخبائث، ويضع الأغلال والإصر عن البشر. (3) يقول القسطلانى والزرقانى فى المواهب وشرحه: «وضعف الذهبى الحديث- حديث بحيرى- لقوله فى آخره: وبعث معه أبوبكر بلالا، فإن أبا بكر إذ ذاك لم يكن متأهلا. قال ابن سيد الناس: لأنه حينئذ لم يبلغ عشر سنين، فإن المصطفى أزيد منه بعامين، وكان له يومئذ تسعة أعوام على ما قاله الطبرى وغيره، أو اثنا عشر عاما على ما قاله آخرون، ولا اشترى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَمِمّا قَالَهُ أبو طالب فى هذه القصة:

_ بلالا. قال اليعمرى: لأنه لم ينتقل لأبى بكر إلا بعد ذلك بأزيد من ثلاثين عاما، فإنه كان لبنى خلف الجمحيين. وعندما عذب فى الله اشتراه أبوبكر رحمة له، واستنقاذا له من أيديهم. ولفظ الذهبى فى الميزان فى ترجمة عبد الرحمن ابن غزوان: كان يحفظ وله مناكير، وأنكر ماله: حديث عن يونس بن أبى إسحاق عن أبى بكر بن أبى موسى عن أبى موسى فى سفر النبى «ص» وهو مراهق مع أبى طالب إلى الشام. ومما يدل على أنه باطل قوله: وبعث معه أبوبكر بلالا، وبلال لم يكن خلق، وأبوبكر كان صبيا، وقال فى تلخيص المستدرك بعد ما ذكر تصحيح الحاكم للحديث: قلت: أظنه موضوعا؛ فبعضه باطل» ويقول عنه عباس الدورى: ليس فى الدنيا أحد يحدث به- أى بهذا الحديث- غير قراد أبى نوح- أى عبد الرحمن بن غزوان- وقد سمعه منه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين لغرابته وانفراده. وفى رواية الترمذى لم يذكر اسم الراهب، وهو تارة يهودى، وتارة نصرانى، وتارة بحيرى، وأخرى سرجس وغيره!! هذا وبصرى التى فى القصة بلد بالشام، وهى قصبة كورة حوران. ولا ريب فى أن قصة بحيرى مخترعة وإفك صراح، وقد استغلها عدو الإسلام، فزعموا أنه- صلى الله عليه وسلم- اقتبس دينه مما تعلمه من رهبان النصارى وأحبار اليهود، وقد تردى فى هذه المهلكة مؤرخ ينتسب إلى الإسلام، فزعم أن رحلتى الرسول إلى الشام كان لهما أثر هما فيما صدر عنه من تشريع. وأقول: لو أنها حدثت لتواتر خبرها، ولأجّ فى مكة وما حولها من القرى، ولبدا من رسول الله العلم بما جاءه ليلة الوحى الأولى، وكيف، وهو كما أكد القرآن- لم يكن يعرف حتى الإيمان قبل الوحى!!. هذا وفى رواياته متناقضات، فبحيرى من يهود تيماء، كما جاء فى بعض السنن للزهرى، وفى مروج الذهب وغيره أنه كان نصرانيا من عبد القيس. والرحلة كانت مع أبى طالب، والرحلة مع أبى بكر، والرحلة وهو فى سن التاسعة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَلَمْ تَرَنِي مِنْ بَعْدِ هَمّ هَمَمْته ... بِفُرْقَةِ حُرّ الْوَالِدَيْنِ كِرَامِ بِأَحْمَدَ لَمّا أَنْ شَدَدْت مَطِيّتِي ... لِتَرْحَلَ إذْ وَدّعْته بِسَلَامِ بَكَى حُزْنًا وَالْعِيسُ قَدْ فَصَلَتْ بِنَا ... وَأَمْسَكْت بِالْكَفّيْنِ فَضْلَ زِمَامِ ذَكَرْت أَبَاهُ، ثُمّ رَقْرَقَتْ عَبْرَةٌ ... تَجُودُ مِنْ الْعَيْنَيْنِ ذَاتُ سِجَامِ فَقُلْت: تَرُوحُ رَاشِدًا فِي عُمُومَةٍ ... مُوَاسِينَ فِي الْبَأْسَاءِ غَيْرِ لِئَامِ فَرُحْنَا مَعَ الْعِيرِ الّتِي رَاحَ أَهْلُهَا ... شَآمِيّ الهوى، والأصل غير شامى

_ أو الثانية عشرة أو الثامنة عشرة. وأبوبكر هو الذى يتوجه إلى الراهب فى رواية، وبحيرا هو الذى ينزل فى رواية، والراهب مجهول الاسم فى رواية، والراهب سرجس، أو جرجس، أو جرجيس فى رواية!! والراهب يحذر أبا طالب من الروم، والراهب يحذر أبا طالب من اليهود فى رواية، وعدد الروم سبعة، وعددهم تسعة فى رواية. هذا والكاتب الهندى خدا بخش- على ما فى قوله من اتهام لابن عباس بأنه واضع الحديث، وابن عباس برىء من إفكه- يحكم بزيف هذه القصة فيقول: «ولكن القصة بأكملها ليست حقيقية، بل موضوعة، وهى من صنع خيال ابن عباس!! وربما تكون قد دونت حوالى سنة 100 هـ» ثم يستعرض موقف الصليبية من قصة هذا الراهب، فيذكر أمورا مذهلة ترينا إلى أى حد استغل أعداء الدين هذه القصة المفتراة، فانظر كتابه (الحضارة الإسلامية ترجمة الدكتور الخربوطلى) من ص 40. ويقول المؤرخ سيديو- رغم اعتد اله: «وكان أول سفره إلى الشام مع عمه أبى طالب فى سنة 583 م فبلغ بصرى، فاجتمع فيها ببحيرى الذى كان اسمه لدى النصارى جرجيس أو سرجيس، فنال حظوة عنده» ص 66 تاريخ العرب العام، ويقول غستاف لوبون عن قصة بحيرى: (وتقول القصة: إن محمدا سافر مرة مع عمه إلى سورية، فتعرف فى بصرى براهب نسطورى فى دير نصرانى، فتلقى منه علم التوراة) ص 130 حضارة العرب. وذكر هذا فى مثل هذا الأسلوب الهادىء الذى يختال بأنه سكينة من اليقين يفتح قلب من لا يعى لهذا الباطل الصريح!!

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلَمّا هَبَطْنَا أَرْضَ بُصْرَى تَشَرّفُوا ... لَنَا فَوْقَ دُورٍ يَنْظُرُونَ جِسَامِ فَجَاءَ بَحِيرَى عِنْدَ ذَلِكَ حاشدا ... لنا بشراب طيّب وطعام قال: اجْمَعُوا أَصْحَابَكُمْ لِطَعَامِنَا ... فَقُلْنَا: جَمَعْنَا الْقَوْمَ غَيْرَ غلام «1» ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْهُ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الشّعْرِ. حَفِظَهُ فِي الصّغَرِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَا كَانَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَحْفَظُهُ بِهِ: أَنّهُ كَانَ صَغِيرًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فتعرّى فلكمه لا كم. الْحَدِيثُ. وَهَذِهِ الْقِصّةُ إنّمَا وَرَدَتْ فِي الْحَدِيثِ الصّحِيحِ فِي حِينِ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْقُلُ الْحِجَارَةَ مَعَ قَوْمِهِ إلَيْهَا، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ أُزُرَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ لِتَقِيهِمْ الْحِجَارَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَإِزَارُهُ مشدود عليه، فَفَعَلَ فَسَقَطَ مَغْشِيّا عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: إزَارِي إزَارِي! فَشُدّ عَلَيْهِ إزَارُهُ، وَقَامَ يَحْمِلُ الْحِجَارَةَ «2» ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنّهُ لَمّا سَقَطَ، ضَمّهُ الْعَبّاسُ إلَى نَفْسِهِ، وَسَأَلَهُ عَنْ شَأْنِهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنّهُ نُودِيَ مِنْ السّمَاءِ: أَنْ اُشْدُدْ عَلَيْك إزَارَك يَا مُحَمّدُ، قَالَ: وَإِنّهُ لَأَوّلُ مَا نُودِيَ. وَحَدِيثُ ابْنِ إسْحَاقَ، إنْ صَحّ أَنّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي صِغَرِهِ، إذْ كَانَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ: فَمَحْمَلُهُ عَلَى أَنّ هَذَا الْأَمْرَ كَانَ مَرّتَيْنِ: مَرّةً فِي حَالِ صِغَرِهِ، وَمَرّةً فى أول اكتهاله عند بنيان الكعبة.

_ (1) تبدو فى الشعر رائحة الوضع، فما عليه من العصر الذى قيل فيه سمة، ولهذا لم يروه ابن هشام. (2) الحديث فى البخارى ومسلم.

حرب الفجار

[حرب الفجار] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَلَمّا بَلَغَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربع عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً- فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ- هَاجَتْ حَرْبُ الْفُجّارِ بَيْنَ قُرَيْشٍ، ومن معها مِنْ كِنَانَةَ، وَبَيْنَ قَيْسِ عَيْلَانَ. وَكَانَ الّذِي هَاجَهَا أَنّ عُرْوَةَ الرّحّالَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ جعفر بن كلاب بن ربيعة ابن عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بن هوازن، أجار لطيمة للنعمان ابن الْمُنْذَرِ، فَقَالَ لَهُ الْبَرّاضُ بْنُ قَيْسٍ، أَحَدُ بَنِي ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ ابن كِنَانَةَ: أَتُجِيرُهَا عَلَى كِنَانَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَعَلَى الخلق، فَخَرَجَ فِيهَا عُرْوَةُ الرّحّالُ، وَخَرَجَ الْبَرّاضُ يَطْلُبُ غفلته، حتى إذا كان بتيمن ذى طلّال بِالْعَالِيَةِ، غَفَلَ عُرْوَةُ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ الْبَرّاضُ، فَقَتَلَهُ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ، فَلِذَلِكَ سُمّيَ: الْفُجّارَ. وَقَالَ الْبَرّاضُ فِي ذَلِكَ: وَدَاهِيَةٍ تُهِمّ النّاسَ قَبْلِي ... شَدَدْتُ لَهَا- بَنِي بَكْرٍ- ضُلُوعِي هَدَمْت بِهَا بُيُوتَ بَنِي كِلَابٍ ... وَأَرْضَعْتُ الْمَوَالِيَ بِالضّرُوعِ رَفَعْتُ له بذى طلّال كفّى ... فخرّ يميد كالجذع الصّريع وقال لبيد بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ: أَبْلِغْ- إنْ عَرَضْت- بَنِي كِلَابٍ ... وَعَامِرَ وَالْخُطُوبُ لَهَا مَوَالِي وَبَلّغْ إنْ عَرَضْت بَنِي نُمَيْرٍ ... وَأَخْوَالَ الْقَتِيلِ بَنِي هِلَالِ بِأَنّ الْوَافِدَ الرّحّالَ أَمْسَى ... مقيما عند تيمن ذى طلال ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ فِيمَا ذَكَرَ ابن هشام. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَتَى آتٍ قُرَيْشًا، فَقَالَ: إنّ الْبَرّاضَ قَدْ قَتَلَ عُرْوَةَ، وَهُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ بِعُكَاظَ، فَارْتَحَلُوا، وَهَوَازِنُ لَا تَشْعُرُ، ثُمّ بَلَغَهُمْ الْخَبَرُ فَأَتْبَعُوهُمْ، فَأَدْرَكُوهُمْ قَبْل أَنْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ، فَاقْتَتَلُوا حَتّى جَاءَ اللّيْلُ، وَدَخَلُوا الْحَرَمَ، فَأَمْسَكَتْ عَنْهُمْ هَوَازِنُ، ثُمّ الْتَقَوْا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَيّامًا، وَالْقَوْمُ مُتَسَانَدُونَ، عَلَى كُلّ قَبِيلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ رَئِيسٌ مِنْهُمْ، وَعَلَى كُلّ قَبِيلٍ مِنْ قَيْسٍ رَئِيسٌ مِنْهُمْ. وَشَهِدَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعض أَيّامِهِمْ، أَخْرَجَهُ أَعْمَامُهُ مَعَهُمْ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْت أَنْبُلُ عَلَى أعمامى، أى: أردّ عنهم، نَبْلَ عَدُوّهِمْ، إذَا رَمَوْهُمْ بِهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: هَاجَتْ حَرْبُ الْفُجّارِ، وَرَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَإِنّمَا سُمّيَ يَوْمَ الْفُجّارِ، بِمَا اسْتَحَلّ هَذَانِ الْحَيّانِ: كنانة وقيس عيلان فيه المحارم بينهم. وَكَانَ قَائِدُ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ حَرْبُ بْنُ أُمّيّةَ بن عبد شمس، وكان الظّفر فى أوّل النهار لقيس على كنانة، حتى إذا كَانَ فِي وَسَطِ النّهَارِ كَانَ الظّفَرُ لِكِنَانَةِ عَلَى قِيسٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدِيثُ الْفُجّارِ أطول مما ذكرت، وإنما منعني من استقصائه قَطْعُهُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضى الله عنها

[حَدِيثُ تَزْوِيجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عنها] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، تَزَوّجَ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، فِيمَا حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عن أبى عمرو المدنى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ امرأة تاجرة، ذات شرف ومال، تستأجر الرجال فى مَالِهَا، وَتُضَارِبُهُمْ إيّاهُ، بِشَيْءٍ تَجْعَلُهُ لَهُمْ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَوْمًا تُجّارًا، فَلَمّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا بَلَغَهَا، مِنْ صَدْقِ حَدِيثِهِ، وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ، وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ، بَعَثَتْ إلَيْهِ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالٍ لَهَا إلَى الشّامِ تَاجِرًا، وَتُعْطِيهِ أَفَضْلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غَيْرَهُ مِنْ التّجّارِ، مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ: مَيْسَرَةَ، فَقَبِلَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مِنْهَا، وَخَرَجَ فِي مَالِهَا ذَلِكَ، وَخَرَجَ مَعَهُ غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ، حَتّى قَدِمَ الشّامَ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِي ظِلّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ مِنْ الرّهْبَانِ، فَاطّلَعَ الرّاهِبُ إلَى مَيْسَرَةَ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ هَذَا الرّجُلُ الّذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشّجَرَةِ؟ قَالَ لَهُ مَيْسَرَةُ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ، فَقَالَ لَهُ الرّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هذه الشجرة قطّ إلّا نبىّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثُمّ بَاعَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- سِلْعَتَهُ الّتِي خَرَجَ بِهَا، وَاشْتَرَى مَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ، ثُمّ أَقْبَلَ قَافِلًا إلَى مَكّةَ، وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ، فَكَانَ مَيْسَرَةُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- إذَا كَانَتْ الْهَاجِرَةُ، وَاشْتَدّ الْحُرّ، يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلّانِهِ مِنْ الشّمْسِ- وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمّا قَدِمَ مَكّةَ عَلَى خَدِيجَةَ بِمَالِهَا، بَاعَتْ ما جاء به، فأضعف أو قريبا. وحدّثها ميسرة عن قول الراهب، وَعَمّا كَانَ يَرَى مِنْ إظْلَالِ الْمَلَكَيْنِ إيّاهُ، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شَرِيفَةً لَبِيبَةً، مَعَ مَا أَرَادَ اللهُ بِهَا مِنْ كَرَامَتِهِ، فَلَمّا أَخْبَرَهَا مَيْسَرَةُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ، بَعَثَتْ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت له- فيما يزعمون: يا بن عَمّ، إنّي قَدْ رَغِبْتُ فِيك لِقَرَابَتِك، وَسِطَتِكَ فِي قَوْمِك وَأَمَانَتِك، وَحُسْنِ خُلُقِك، وَصِدْقِ حَدِيثِك، ثُمّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ يَوْمئِذٍ أَوْسَطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَبًا، وَأَعْظَمَهُنّ شَرَفًا، وَأَكْثَرَهُنّ مَالًا، كُلّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ منها لو يقدر عليه. وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بْنِ فِهْرٍ. وَأُمّهَا: فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمّ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حَجَرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرٍ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فَهِرّ. وَأُمّ فَاطِمَةَ: هَالَةُ بِنْتُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ منقذ بن عمرو ابن مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَأُمّ هَالَةَ: قِلَابَةُ بِنْتُ سَعِيدِ ابن سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فهر. فَلَمّا قَالَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَعْمَامِهِ، فَخَرَجَ مَعَهُ عمّه حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ- رَحِمَهُ اللهُ- حَتّى دَخَلَ عَلَى خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ فَخَطَبَهَا إلَيْهِ، فتزوجها. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عِشْرِينَ بَكْرَةً، وَكَانَتْ أَوّلَ امْرَأَةٍ تَزَوّجَهَا رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَتَزَوّجْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا حَتّى مَاتَتْ، رضى الله عنها. ـــــــــــــــــــــــــــــ قِصّةُ الْفِجَارِ وَالْفِجَارُ بِكَسْرِ الْفَاءِ بِمَعْنَى: الْمُفَاجَرَةِ كَالْقِتَالِ وَالْمُقَاتَلَةِ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ قِتَالًا فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ، فَفَجَرُوا فِيهِ جَمِيعًا، فَسُمّيَ: الْفِجَارَ، وَكَانَتْ لِلْعَرَبِ فِجَارَاتٌ أَرْبَعٌ، ذَكَرَهَا الْمَسْعُودِيّ، آخِرُهَا: فِجَارُ الْبِرَاضِ «1» الْمَذْكُورُ فِي السّيرَةِ، وَكَانَ لَكِنَانَةَ وَلِقَيْسِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَيّامٍ مَذْكُورَةٌ: يَوْمُ شَمْطَةَ، وَيَوْمُ الشّرْبِ، وَهُوَ أَعْظَمُهَا يَوْمًا، وَفِيهِ قَيّدَ حَرْبُ بْنُ أُمَيّةَ وَسُفْيَانُ وَأَبُو سُفْيَانَ أَبْنَاءُ أُمَيّةَ أَنْفُسَهُمْ كَيْ لَا يَفِرّوا، فَسُمّوا: الْعَنَابِسَ «2» ، وَيَوْمُ الْحُرَيْرَةِ عِنْدَ نَخْلَةَ، وَيَوْمُ الشّرِبِ انْهَزَمَتْ قَيْسٌ إلّا بَنِي نَضْرٍ مِنْهُمْ، فَإِنّهُمْ ثَبَتُوا، وَإِنّمَا لَمْ يُقَاتِلْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ أَعْمَامِهِ، وَكَانَ يَنْبُلُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ كَانَ بَلَغَ سِنّ الْقِتَالِ؛ لِأَنّهَا كَانَتْ حَرْبَ فِجَارٍ، وَكَانُوا أَيْضًا كُلّهُمْ كُفّارًا، وَلَمْ يَأْذَنْ اللهُ تَعَالَى لِمُؤْمِنِ أَنْ يُقَاتِلَ إلّا لتكون كلمة الله هى العليا.

_ (1) هى: فجار الرجل، أو فجار بدر بن معشر، وفجار القرد، وفجار المرأة، والأولى بين كنانة وهوازن، والثانية أيضا: بينهما، والثالثة: بين قريش وهوازن، وكانت البراض بين قريش وكنانة كلها وبين هوازن، وتسمى: ثلاثة الفجارات الأول: أيام الفجار الأول. أما البراض فالفجار الاخر. (2) العنبس من أسماء الأسد، والعنابس من قريش أولاد أمية بن عبد شمس الأكبر، وهم ستة، منهم الذين ذكرهم السهيلى والاخرون هم: أبو حرب وعمرو وأبو عمرو، وسموا بالأسد، والباقون يقال لهم: الأعياص

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَاللّطِيمَةُ: عِيرٌ تَحْمِلُ الْبَزّ وَالْعِطْرَ. وَقَوْلُهُ: بِذِي طَلّالٍ «1» بِتَشْدِيدِ اللّامِ، وَإِنّمَا خَفّفَهُ لَبِيدٌ فِي الشعر الذى ذكره ابن إسحاق ههنا لِلضّرُورَةِ. مَنْعُ تَنْوِينِ الْعَلَمِ: وَقَوْلُ الْبَرّاضِ: رَفَعْت لَهُ بِذِي طَلّالَ كَفّي. فَلَمْ يَصْرِفْهُ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَهُ اسْمَ بُقْعَةٍ، فَتَرَكَ إجْرَاءَ الِاسْمِ لِلتّأْنِيثِ وَالتّعْرِيفِ، فَإِنْ قُلْت: كَانَ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ: بِذَاتِ طَلّالَ، أَيْ: ذَاتِ هَذَا الِاسْمِ لِلْمُؤَنّثِ، كَمَا قَالُوا: ذُو عَمْرٍو أَيْ: صَاحِبُ هَذَا الِاسْمِ، وَلَوْ كَانَتْ أُنْثَى، لَقَالُوا: ذَاتُ هَذَا، فَالْجَوَابُ: أَنّ قَوْلَهُ: بِذِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِطَرِيقِ، أَوْ جَانِبٍ مُضَافٍ إلَى طَلّالَ اسْمِ الْبُقْعَةِ. وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلّهِ أَنْ يَكُونَ طَلّالُ اسْمًا مُذّكّرًا عَلَمًا، وَالِاسْمُ الْعَلَمُ يَجُوزُ تَرْكُ صَرْفِهِ فِي الشّعْرِ كَثِيرًا، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابُ مِنْ الشّوَاهِدِ عَلَيْهِ مَا يَدُلّك عَلَى كَثْرَتِهِ فِي الْكَلَامِ، ونؤخر القول فى كشف هذه المسئلة وَإِيضَاحِهَا إلَى أَنْ تَأْتِيَ تِلْكَ الشّوَاهِدُ- إنْ شَاءَ اللهُ- وَوَقَعَ فِي شِعْرِ الْبَرّاضِ مُشَدّدًا، وَفِي شِعْرِ لَبِيَدٍ الّذِي بَعْدَ هَذَا مُخَفّفًا، وَقُلْنَا: إنّ لَبِيدًا خَفّفَهُ لِلضّرُورَةِ، وَلَمْ يَقُلْ: إنّهُ شُدّدَ لِلضّرُورَةِ، وَإِنّ الْأَصْلَ فِيهِ التّخْفِيفُ، لِأَنّهُ فَعّالٌ مِنْ الطّلّ، كَأَنّهُ مَوْضِعٌ يَكْثُرُ فِيهِ الطّلّ، فَطَلَالُ بِالتّخْفِيفِ لَا مَعْنَى لَهُ، وَأَيْضًا؛ فَإِنّا وَجَدْنَاهُ فِي الْكَلَامِ الْمَنْثُورِ مُشَدّدًا، وكذلك تقيد فى كلام ابن

_ (1) تنطق بالظاء أيضا، وتيمن ذى طلال، قيل: إنه واد إلى جنب فدك، والصحيح: أنه بعالية نجد، كما ذكر ابن هشام. والعالية: كل ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها وعمائرها إلى تهامة. وما كان دون ذلك: فالسافلة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إسْحَاقَ هَذَا فِي أَصْلِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ «1» . مِنْ تَفْسِيرِ شِعْرِ الْبَرّاضِ: وَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ الثّانِي: وَأَلْحَقْت الْمَوَالِيَ بِالضّرُوعِ «2» . جَمْعُ: ضَرْعٍ، هُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ: لَئِيمٌ رَاضِعٌ، أَيْ: أَلْحَقَتْ الْمَوَالِيَ بِمَنْزِلَتِهِمْ مِنْ اللّؤْمِ وَرَضَاعِ الضّرُوعِ، وَأَظْهَرْت فَسَالَتَهُمْ «3» وَهَتَكْت بُيُوتَ أَشْرَافِ بَنِي كِلَابٍ وَصُرَحَائِهِمْ. وَقَوْلُ لَبِيَدٍ: بَيْنَ تَيْمِنَ ذِي طَلَالٍ. بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِفَتْحِهَا، وَلَمْ يَصْرِفْهُ لِوَزْنِ الْفِعْلِ، وَالتّعْرِيفِ؛ لِأَنّهُ تَفْعِلُ، أَوْ تَفْعَلُ مِنْ الْيُمْنِ أَوْ الْيَمِينِ. آخِرُ أَمْرِ الْفِجَارِ: وَكَانَ آخِرُ أَمْرِ الْفِجَارِ أَنّ هَوَازِنَ وَكِنَانَةَ تَوَاعَدُوا لِلْعَامِ الْقَابِلِ بعكاظ فجاؤا لِلْوَعْدِ، وَكَانَ حَرْبُ بْنُ أُمَيّةَ رَئِيسَ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ، وَكَانَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ، فَضَنّ بِهِ حَرْبٌ، وَأَشْفَقَ مِنْ خُرُوجِهِ مَعَهُ، فَخَرَجَ عُتْبَةُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَمْ يَشْعُرُوا إلّا وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ بَيْنَ الصّفّيْنِ يُنَادِي: يَا مَعْشَرَ مُضَرَ، عَلَامَ تُقَاتِلُونَ؟ فَقَالَتْ لَهُ هَوَازِنُ: مَا تَدْعُو إلَيْهِ؟ فَقَالَ: الصّلْحُ، عَلَى أَنْ نَدْفَعَ إلَيْكُمْ دِيَةَ قَتْلَاكُمْ، وَنَعْفُوَ عَنْ دِمَائِنَا، قَالُوا: وَكَيْفَ؟ قَالَ: نَدْفَعُ إلَيْكُمْ رَهْنًا مِنّا، قَالُوا: وَمَنْ لَنَا بِهَذَا؟ قَالَ: أَنَا. قَالُوا: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَرَضُوا وَرَضِيَتْ كِنَانَةُ، وَدَفَعُوا إلَى هَوَازِنَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا: فِيهِمْ: حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ [بْنِ خُوَيْلِدٍ] ، فَلَمّا رَأَتْ بَنُو عَامِرِ بن صعصعة الرّهن

_ (1) انظر عن هذا ص 61 شرح السيرة للخشنى. (2) فى السيرة: وأرضعت. (3) الفسل من الرجال: الرذل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي أَيْدِيهمْ، عَفَوْا عَنْ الدّمَاءِ، وَأَطْلَقُوهُمْ وَانْقَضَتْ حَرْبُ الْفِجَارِ «1» ، وَكَانَ يُقَالُ: لَمْ يَسُدْ مِنْ قُرَيْشٍ مُمْلِقٌ إلّا عُتْبَةُ وَأَبُو طَالِبٍ، فَإِنّهُمَا سَادَا بِغَيْرِ مَالٍ. فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا شَرْحُ قَوْلِ الرّاهِبِ: ذُكِرَ فِيهِ قَوْلُ الرّاهِبِ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشّجَرَةِ إلّا نَبِيّ. يُرِيدُ: مَا نَزَلَ تَحْتَهَا هَذِهِ السّاعَةَ إلّا نَبِيّ، وَلَمْ يُرِدْ: مَا نَزَلَ تَحْتَهَا قَطّ إلّا نَبِيّ؛ لِبُعْدِ الْعَهْدِ بِالْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظِ الْخَبَرِ: قَطّ، فَقَدْ تَكَلّمَ بِهَا عَلَى جِهَةِ التّوْكِيدِ لِلنّفْيِ، وَالشّجَرَةُ لَا تُعَمّرُ فِي الْعَادَةِ هَذَا الْعُمْرَ الطّوِيلَ حَتّى يَدْرِيَ أَنّهُ لَمْ يَنْزِلْ تَحْتَهَا إلّا عِيسَى، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ- عَلَيْهِمْ السّلَامُ- وَيَبْعُدُ فِي الْعَادَةِ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ شَجَرَةٌ تَخْلُو مِنْ أَنْ يَنْزِلَ تَحْتَهَا أَحَدٌ، حَتّى يَجِيءَ نَبِيّ إلّا أَنْ تَصِحّ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: لَمْ يَنْزِلْ تَحْتَهَا أَحَدٌ بَعْدَ عيسى بن مَرْيَمَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ، فَالشّجَرَةُ عَلَى هَذَا مَخْصُوصَةٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الرّاهِبُ ذَكَرُوا أَنّ اسمه نسطورا «2» وليس هو بحيرا المتقدم ذكره.

_ (1) ومن حديث حرب الفجار نفسر ما يأتى: اللطيمة: الإبل تحمل التجارة والطيب والبز وأشباههما. القوم متساندون: ليس لهم أمير واحد يجمعهم. ولم يرد فى حضور النبى «ص» حرب الفجار حديث يعتد به. (2) قلت: إن الصليبية استغلت هذه الأكذوبة، فادعى أحدهم وهو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْوَسَطِ: وَقَوْلُ خَدِيجَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: لِسِطَتِك فِي عَشِيرَتِك، وَقَوْلُهُ فِي وَصْفِهَا: هِيَ أَوْسَطُ قُرَيْشٍ نَسَبًا. فَالسّطَةُ: مِنْ الْوَسَطِ، مَصْدَرٌ كَالْعِدَةِ وَالزّنَةِ، وَالْوَسَطُ مِنْ أَوْصَافِ الْمَدْحِ وَالتّفْضِيلِ، وَلَكِنْ فِي مَقَامَيْنِ: فِي ذِكْرِ النّسَبِ، وَفِي ذِكْرِ الشّهَادَةِ. أَمّا النّسَبُ؛ فَلِأَنّ أَوْسَطَ القبيلة أعرفها، وأولادها بِالصّمِيمِ وَأَبْعَدُهَا عَنْ الْأَطْرَافِ وَالْوَسِيطِ، وَأَجْدَرُ أَنْ لَا تُضَافَ إلَيْهِ الدّعْوَةُ؛ لِأَنّ الْآبَاءَ وَالْأُمّهَاتِ قَدْ أَحَاطُوا بِهِ مِنْ كُلّ جَانِبٍ، فَكَانَ الْوَسَطُ مِنْ أَجَلّ هَذَا مَدْحًا فِي النّسَبِ بِهَذَا السّبَبِ، وَأَمّا الشّهَادَةُ فَنَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ) وَقَوْلِهِ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ الْبَقَرَةُ: 143 فَكَانَ هَذَا مدحا فى الشهادة؛ لأنها غاية العد الة فِي الشّاهِدِ أَنْ يَكُونَ وَسَطًا كَالْمِيزَانِ، لَا يَمِيلُ مَعَ أَحَدٍ، بَلْ يُصَمّمُ عَلَى الْحَقّ تَصْمِيمًا، لَا يَجْذِبُهُ هَوًى، وَلَا يَمِيلُ بِهِ رغبة، ولا رهبة من ههنا، ولا من ههنا، فَكَانَ وَصْفُهُ بِالْوَسَطِ غَايَةً فِي التّزْكِيَةِ وَالتّعْدِيلِ، وَظَنّ كَثِيرٌ مِنْ النّاسِ أَنّ مَعْنَى الْأَوْسَطِ: الْأَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَالُوا: مَعْنَى الصّلَاةِ الْوُسْطَى: الْفُضْلَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ فِي جَمِيعِ الأوصاف لامدح ولاذمّ، كَمَا يَقْتَضِي لَفْظُ التّوَسّطِ، فَإِذَا كَانَ وَسَطًا فِي السّمَنِ، فَهِيَ بَيْنَ الْمُمِخّةِ «1» وَالْعَجْفَاءِ. وَالْوَسَطُ فى الجمال بين الحسناء

_ «نيكولدس» أن اثنين من اليهود، ومسيحيا يعقوبيا يدعى: بحيرى أمدا محمدا بكثير من المعلومات التى استفاد منها فى دينه ص 62 الحضارة الإسلامية، ويزعم «أندريا داندولو» أن هذا الراهب النسطورى «نسبته إلى فرقة مسيحية» أراد محاربة الكنيسة، فاستغل محمدا فى هذا. وكلها مفتريات من نتن فرية خبيثة انظر خدابخش الحضارة الاسلامية. (1) فى اللسان: الممخة بضم فكسر فخاء مشددة مفتوحة: السمينة وفى المثل: بين الممخة والعجفاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالشّوْهَاءِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ، لَا يُعْطِي مَدْحًا، وَلَا ذَمّا، غَيْرَ أَنّهُمْ قَدْ قَالُوا فِي الْمَثَلِ: أَثْقَلُ مِنْ مُغِنّ وَسَطٍ عَلَى الذّمّ؛ لِأَنّ الْمُغْنِي إنْ كَانَ مَجِيدًا جِدّا أَمْتَعَ وَأَطْرَبَ، وَإِنْ كَانَ بَارِدًا جِدّا أَضْحَكَ وَأَلْهَى، وَذَلِكَ أَيْضًا مِمّا يُمَتّعُ. قَالَ الْجَاحِظُ: وَإِنّمَا الْكَرْبُ الّذِي يَجْثُمُ عَلَى الْقُلُوبِ، وَيَأْخُذُ بِالْأَنْفَاسِ الْغِنَاءُ الْفَاتِرُ الْوَسَطُ الّذِي لَا يُمَتّعُ بِحُسْنِ، وَلَا يُضْحِكُ بِلَهْوِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ: أَوْسَطُ النّاسِ. أَيْ: أَفْضَلُهُمْ، وَلَا يُوصَفُ بِأَنّهُ وَسَطٌ فِي الْعِلْمِ، وَلَا فِي الْجُودِ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ إلّا فِي النّسَبِ وَالشّهَادَةِ، كَمَا تَقَدّمَ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ، وَاَللهُ الْمَحْمُودُ. مَنْ الّذِي زَوّجَ خَدِيجَةَ؟ فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَشْيَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ مَعَ عَمّهِ حَمْزَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ خُوَيْلِدًا كَانَ إذ ذاك قد هلك، وَأَنّ الّذِي أَنْكَحَ خَدِيجَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- هُوَ عَمّهَا عَمْرُو بْنُ أَسَدٍ، قَالَهُ الْمُبَرّدُ وَطَائِفَةٌ مَعَهُ، وَقَالَ أَيْضًا: إنّ أَبَا طَالِبٍ هُوَ الّذِي نَهَضَ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الّذِي خَطَبَ خُطْبَةَ النّكَاحِ «1» ، وَكَانَ مِمّا قَالَهُ فِي تِلْكَ الْخُطْبَةِ: «أَمّا بَعْدُ: فَإِنّ مُحَمّدًا مِمّنْ لَا يُوَازَنُ بِهِ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ إلّا رَجَحَ بِهِ شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، وإن كان فى المال قلّ، فإنما المال ظِلّ زَائِلٌ، وَعَارِيَةٌ مُسْتَرْجَعَةٌ، وَلَهُ فِي خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَغْبَةٌ، وَلَهَا فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ» فَقَالَ عَمْرٌو: هُوَ الْفَحْلُ الّذِي لَا يُقْدَعُ أَنْفُهُ، فَأَنْكَحَهَا مِنْهُ، وَيُقَالُ: قَالَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَاَلّذِي قَالَهُ الْمُبَرّدُ هُوَ الصّحِيحُ؛ لِمَا رواه

_ (1) ونص الخطبة فى نهاية الأرب: «الحمد لله الذى جعلنا من ذرية إبراهيم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الطّبَرِيّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كُلّهِمْ- قَالَ: إنّ عَمْرَو بْنَ أَسَدٍ هُوَ الّذِي أَنْكَحَ خَدِيجَةَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنّ خُوَيْلِدًا كَانَ قَدْ هَلَكَ قَبْلَ الفجار، وخويلد ابن أَسَدٍ هُوَ الّذِي نَازَعَ تُبّعًا الْآخَرَ حِينَ حَجّ، وَأَرَادَ أَنْ يَحْتَمِلَ الرّكْنَ الْأَسْوَدَ مَعَهُ إلَى الْيَمَنِ، فَقَامَ فِي ذَلِكَ خُوَيْلِدٌ، وَقَامَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، ثُمّ إنّ تُبّعًا رُوّعَ فِي مَنَامِهِ تَرْوِيعًا شَدِيدًا حَتّى تَرَكَ ذَلِكَ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ وَاَللهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ: وَذَكَرَ الزّهْرِيّ فِي سيره، وهى أول سيرة ألّفت فى

_ وزرع إسماعيل، وضئضىء معد «أى معدنه وأصله» وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته، وسوّاس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا، وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخى هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل إلا رجح به، فإن كان فى المال قلّ، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالى كذا. وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم، وخطب جليل» ص 98 ح 16 نهاية الأرب. وفى رواية أن صداقها كان اثنتى عشرة أوقية ذهبا ونشّا، وقال المحب الطبرى فى السمط الثمين: إنه كان عشرين بكرة وفى المنتقى: أربعمائة دينار. وفيه أيضا أن ورقة بن نوفل خطب بعد أبى طالب فقال: «الحمد لله الذى جعلنا كما ذكرت، وفضلنا على ما عددت، فنحن سادة العرب وقادتها، وأنتم أهل ذلك كله، لا تنكر العشيرة فضلكم، ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم، وقد رغبنا فى الاتصال بحبلكم وشرفكم، فاشهدوا علىّ يا معاشر قريش بأنى قد زوجت خديجة بنت خويلد، من محمد بن عبد الله على أربعمائة دينار ثم سكت، فقال أبو طالب، قد أحببت. أن يشركك عمها، فتلا عمها: اشهدوا على يا معاشر قريش أنى قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد، وشهد على ذلك صناديد قريش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْإِسْلَامِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ [عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عُبَيْدٍ] الدّرَاوَرْدِيّ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِشَرِيكِهِ الّذِي كَانَ يَتّجِرُ مَعَهُ فِي مَالِ خَدِيجَةَ: هَلُمّ فَلْنَتَحَدّثْ عِنْدَ خَدِيجَةَ، وَكَانَتْ تُكْرِمُهُمَا وَتُتْحِفُهُمَا «1» ، فَلَمّا قَامَا مِنْ عِنْدِهَا جَاءَتْ امْرَأَةٌ مُسْتَنْشِئَةٌ «2» - وَهِيَ الْكَاهِنَةُ- كَذَا قَالَ الْخَطّابِيّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَتْ لَهُ: جِئْت خَاطِبًا يَا مُحَمّدُ، فقال: كلا، فقالت: ولم؟! فو الله مَا فِي قُرَيْشٍ امْرَأَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ خَدِيجَةَ إلّا تَرَاك كُفْئًا لَهَا، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاطِبًا لِخَدِيجَةَ مُسْتَحْيِيًا مِنْهَا، وَكَانَ خُوَيْلِدٌ أَبُوهَا سَكْرَانَ مِنْ الْخَمْرِ، فَلَمّا كُلّمَ فِي ذَلِكَ أَنْكَحَهَا، فَأَلْقَتْ عَلَيْهِ خَدِيجَةُ حُلّةً وَضَمّخَتْهُ بِخَلُوقِ «3» فَلَمّا صَحَا مِنْ سُكْرِهِ قَالَ: مَا هَذِهِ الْحُلّةُ وَالطّيبُ؟ فَقِيلَ: إنّك أَنْكَحْت مُحَمّدًا خَدِيجَةَ، وَقَدْ ابْتَنَى بِهَا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، ثُمّ رَضِيَهُ وَأَمْضَاهُ، فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ أَبَاهَا كَانَ حَيّا، وَأَنّهُ الّذِي أَنْكَحَهَا. كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ فِي ذَلِكَ: لَا تَزْهَدِي خَدِيجَ فِي مُحَمّدِ ... نَجْمٌ يُضِيءُ كَإِضَاءِ الْفَرْقَدِ «4»

_ (1) التحفة بالضم وكهمزة: البر واللطف والطرفة. (2) كانت من مولدات قريش، يقال: يستنشى الأخبار، أى: يبحث عنها. وقال الأزهرى: إن مستنشئة علم لتلك الكاهنة. (3) الخلوق: ضرب من الطيب. والضمخ: لطخ الجسد بالطيب. (4) الفرقد: النجم الذى يهتدى به، وفى شرح المواهب: «كما ضياء الفرقد» بدلا من «كإضاء الفرقد» .

أولاده صلى الله عليه وسلم منها

[أولاده صلى الله عليه وسلم منها] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَدَهُ كُلّهُمْ إلّا إبْرَاهِيمَ: الْقَاسِمَ، وَبَهْ كَانَ يُكَنّى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَالطّاهِرَ، وَالطّيّبَ، وَزَيْنَبَ، وَرُقَيّةَ، وَأُمّ كُلْثُومٍ، وَفَاطِمَةَ، عَلَيْهِمْ السّلَامُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَكْبَرُ بَنِيهِ: الْقَاسِمُ، ثُمّ الطّيّبُ، ثُمّ الطّاهِرُ، وَأَكْبَرُ بَنَاتِهِ: رُقَيّةُ، ثُمّ زَيْنَبُ، ثُمّ أُمّ كُلْثُومٍ، ثُمّ فَاطِمَةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمّا الْقَاسِمُ، والطّيّب، والطاهر فهلكوا فى الجاهلية وأما بناته فكلّهن أدركن الإسلام، فأسلمن وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم. قال ابن هشام: وَأَمّا إبْرَاهِيمُ فَأُمّهُ: مَارِيَةُ الْقِبْطِيّةُ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ: أُمّ إبْرَاهِيمَ: مَارِيَةَ سُرّيّةُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الّتِي أَهْدَاهَا إلَيْهِ الْمُقَوْقِسُ مِنْ حَفْنٍ مِنْ كُورَةِ أنْصِنا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ قَدْ ذَكَرَتْ لِوَرَقَةَ بن نوفل ابن أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى- وَكَانَ ابْنَ عَمّهَا، وَكَانَ نَصْرَانِيّا قَدْ تَتَبّعَ الْكُتُبَ، وَعَلِمَ مِنْ عِلْمِ النّاسِ- مَا ذَكَرَ لَهَا غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ مِنْ قَوْلِ الرّاهِبِ، وَمَا كَانَ يَرَى مِنْهُ إذْ كَانَ الْمَلَكَانِ يُظِلّانِهِ، فَقَالَ وَرَقَةُ: لَئِنْ كَانَ هَذَا حَقّا يَا خَدِيجَةُ، إنّ مُحَمّدًا لَنَبِيّ هَذِهِ الْأُمّةِ، وَقَدْ عَرَفْتُ أَنّهُ كَائِنٌ لِهَذِهِ الْأُمّةِ نَبِيّ يُنْتَظَرُ، هَذَا زَمَانُهُ، أَوْ كما قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَجَعَلَ وَرَقَةُ يَسْتَبْطِئُ الْأَمْرَ وَيَقُولُ: حَتّى مَتَى؟ فقال ورقة فى ذلك: لَجِجْتُ وَكُنْتُ فِي الذّكْرَى لَجُوجًا ... لِهَمّ طَالَمَا بَعَثَ النّشِيجَا وَوَصْفٍ مِنْ خَدِيجَةَ بَعْدَ وَصْفٍ ... فقد طال انتظارى يا خديحا بِبَطْنِ الْمَكّتَيْنِ عَلَى رَجَائِي ... حَدِيثُك أَنْ أَرَى مِنْهُ خُرُوجًا بِمَا خَبّرْتِنَا مِنْ قَوْلِ قَسّ ... مِنْ الرّهْبَانِ أَكْرَهُ أَنْ يَعُوجَا بِأَنّ مُحَمّدًا سَيَسُودُ فِينَا ... وَيَخْصِمُ مَنْ يَكُونُ لَهُ حَجِيجًا وَيَظْهَرُ فِي الْبِلَادِ ضِيَاءُ نُورٍ ... يُقِيمُ بِهِ الْبَرّيّةَ أَنْ تَمُوجَا فَيَلْقَى مَنْ يُحَارِبُهُ خَسَارًا ... وَيَلْقَى مَنْ يُسَالِمُهُ فَلُوجَا فَيَا لَيْتِي إذَا مَا كَانَ ذَاكُمْ ... شَهِدْت فَكُنْتُ أَوّلَهُمْ وُلُوجًا وُلُوجًا فِي الّذِي كَرِهَتْ قُرَيْشٌ ... وَلَوْ عَجّتْ بِمَكّتِهَا عَجِيجًا أُرَجّي بِاَلّذِي كَرِهُوا جَمِيعًا ... إلَى ذِي الْعَرْشِ إنْ سَفَلُوا عُرُوجًا وَهَلْ أَمْرُ السّفَالَةِ غَيْرُ كُفْرٍ ... بِمَنْ يَخْتَارُ مَنْ سَمَكَ الْبُرُوجَا فَإِنْ يَبْقَوْا وَأَبْقَ تَكُنْ أُمُورٌ ... يَضِجّ الْكَافِرُونَ لَهَا ضَجِيجًا وَإِنْ أَهْلِكْ فَكُلّ فَتًى سيلقى ... من الأقدار متلفة حروجا ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقِيلَ: إنّ عَمْرَو بْنَ خُوَيْلِدٍ أَخَاهَا هُوَ الّذِي أَنْكَحَهَا مِنْهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ. أَوْلَادُهُ مِنْ خَدِيجَةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ولده مها- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ الْبَنَاتِ، وَذَكَرَ الْقَاسِمَ وَالطّاهِرَ وَالطّيّبَ، وَذَكَرَ أَنّ الْبَنِينَ هَلَكُوا فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَقَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الزّبَيْرُ- وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَذَا الشّأْنِ- وَلَدَتْ لَهُ الْقَاسِمَ وَعَبْدَ اللهِ، وَهُوَ الطّاهِرُ، وَهُوَ الطّيّبُ سُمّيَ بِالطّاهِرِ، وَالطّيّبِ لِأَنّهُ وُلِدَ بَعْدَ النّبُوّةِ، وَاسْمُهُ الّذِي سُمّيَ بِهِ أَوّلَ هُوَ: عَبْدُ اللهِ، وَبَلَغَ الْقَاسِمُ الْمَشْيَ، غَيْرَ أَنّ رَضَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ كَمُلَتْ، وَقَعَ فِي مُسْنَدِ الْفِرْيَابِيّ أَنّ خَدِيجَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ مَوْتِ الْقَاسِمِ، وَهِيَ تَبْكِي: فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ دَرّتْ لُبَيْنَةُ الْقَاسِمِ فَلَوْ كَانَ عَاشَ حَتّى يَسْتَكْمِلَ رَضَاعَهُ لَهَوّنَ عَلَيّ، فَقَالَ: إنّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنّةِ تَسْتَكْمِلُ رَضَاعَتَهُ، فَقَالَتْ: لَوْ أَعْلَمُ ذَلِكَ لَهَوّنَ عَلَيّ، فَقَالَ: إنْ شِئْت أَسَمِعْتُك صَوْتَهُ فِي الْجَنّةِ، فَقَالَتْ: بَلْ أُصَدّقُ اللهَ وَرَسُولَهُ. قَوْلُهَا، لُبَيْنَةُ هِيَ تَصْغِيرٌ لَبَنَةٍ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ اللّبَنِ، كَالْعُسَيْلَةِ، تَصْغِيرُ عَسَلَةٍ ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ اللّبَنَةَ وَالْعَسَلَةَ وَالشّهْدَةَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذَا مِنْ فِقْهِهَا- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- كَرِهَتْ أَنْ تُؤْمِنَ بِهَذَا الْأَمْرِ مُعَايَنَةً، فَلَا يَكُونُ لَهَا أَجْرُ التّصْدِيقِ وَالْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ، وَإِنّمَا أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلّ أَيْضًا عَلَى أَنّ الْقَاسِمَ لَمْ يَهْلِكْ فِي الْجَاهِلِيّةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الصّغْرَى وَالْكُبْرَى مِنْ الْبَنَاتِ، غَيْرَ أَنّ أُمّ كُلْثُومٍ لَمْ تَكُنْ الْكُبْرَى مِنْ الْبَنَاتِ، وَلَا فَاطِمَةَ، وَالْأَصَحّ فِي فَاطِمَةَ أَنّهَا أَصْغَرُ مِنْ أُمّ كلثوم «1»

_ (1) فى نسب قريش ص 21: «فولد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القاسم، وهو أكبر ولده، ثم زينب، ثم عبد الله، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية هم هكذا الأول فالأول، ثم مات عبد الله، ثم ولدت له مارية بنت شمعون ابنه إبراهيم» وفى زاد المعاد. وقد قيل فى كل واحدة منهن إنها أسن من اختيها، وقد ذكر عن ابن عباس: رقية أسن الثلاث، وأم كلثوم أصغرهن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَدِيجَةُ وَبَحِيرَى وَنَسَبُهَا: وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ تُسَمّى: الطّاهِرَةَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَفِي سِيَرِ التّيْمِيّ. أَنّهَا كَانَتْ تُسَمّى: سَيّدَةَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، وَأَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَخْبَرَهَا عَنْ جِبْرِيلَ، وَلَمْ تَكُنْ سَمِعَتْ بِاسْمِهِ قَطّ، رَكِبَتْ إلَى بَحِيرَى الرّاهِبِ، وَاسْمُهُ سَرْجِسُ «1» فِيمَا ذَكَرَ الْمَسْعُودِيّ، فَسَأَلَتْهُ عَنْ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: قُدّوسٌ قُدّوسٌ يَا سَيّدَةَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَنّى لَك بِهَذَا الِاسْمِ؟! فَقَالَتْ: بَعْلِي وَابْنُ عَمّي مُحَمّدٌ أَخْبَرَنِي أَنّهُ يَأْتِيه، فَقَالَ: قُدّوسٌ قُدّوسٌ مَا عَلِمَ بِهِ إلّا نَبِيّ مُقَرّبٌ، فَإِنّهُ السّفِيرُ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِ، وَإِنّ الشّيْطَانَ لَا يجترىء أَنْ يَتَمَثّلَ بِهِ، وَلَا أَنْ يَتَسَمّى بِاسْمِهِ، وَكَانَ بِمَكّةَ غُلَامٌ لِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَة سَيَأْتِي ذِكْرُهُ، اسْمُهُ: عَدّاسٌ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ تَسْأَلُهُ عَنْ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: قُدّوسٌ قُدّوسٌ!! أَنّى لِهَذِهِ الْبِلَادِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا جِبْرِيلُ يَا سَيّدَةَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا يَقُولُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عَدّاسٌ مِثْلَ مَقَالَةِ الرّاهِبِ، فَكَانَ مِمّا زَادَهَا اللهُ تَعَالَى بِهِ إيمَانًا وَيَقِينًا. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ نَسَبَ أُمّهَا فَاطِمَةَ بِنْتِ زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمّ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْأَصَمّ، وَذَكَرَهُ الزّبَيْرُ وَغَيْرُهُ، فَقَالَ: جُنْدُبُ بْنُ هِدْمِ بْنِ حَجَرٍ، بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ مِنْ حَجَرٍ، كَذَا قَيّدَهُ الدارقطنىّ «2» ، وأخوه: حجير بن عبد معيص بن عامر،

_ (1) استغلت الصليبية هذا الإفك المفترى، فبهتت القديسة العظيمة خديجة بأنها كانت على صلة بهذا الراهب المزعوم. (2) صوب الخشنى أيضا فى ضبط حجر رواية الدارقطنى ص 62 وفى نسب ص 21، 230 قريش عن أم خديجة: «وأمها: فاطمة بنت زائدة بن جندب، وهو الأصم بن هدم بن رواحة بن حجير بن عبد بن معيص، وضبط حجر بضم الحاء» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا حَجْرٌ بِسُكُونِ الْجِيمِ فَفِي حَيّ ذِي رُعَيْنٍ وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ الْحَجْرِيّونَ، وَأَمّا حِجْرُ بِكَسْرِ الْحَاءِ، فَفِي بَنِي الدّيّانِ: عَبْدُ الْحِجْرِ بْنُ عبد المدان، وهم من بنى الحارث ابن كَعْبِ بْنِ مَذْحِجَ، وَذَكَرَ يُونُسُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ نَسَبَ أُمّ خَدِيجَةَ، كَمَا ذَكَرَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ، وَزَادَ فَقَالَ: كَانَتْ أُمّ فَاطِمَةَ بِنْتُ زَائِدَةَ: هَالَةُ بِنْتُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بن لؤي، وَأُمّهَا قِلَابَةُ، وَهِيَ الْعَرْقَةُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ «1» بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ وَأُمّهَا: أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ «2» . مَنْ تَزَوّجَتْ خديجة قبل الرسول؟ وَكَانَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ أَبِي هَالَةَ، وَهُوَ هِنْدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِهِ: زُرَارَةُ، وهند: ابنه، ابن النّبّاش من بنى عدىّ ابن جروة بن أسيّد» ابن عمرو ابن تَمِيمٍ، فَهُوَ أُسَيْدِيّ بِالتّخْفِيفِ، مَنْسُوب إلَى أُسَيّدٍ بِالتّشْدِيدِ، كَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي النّسَبِ إلَى أسيّد. وعدى بن جروة، يقال

_ (1) فى نسب قريش: «قلابة، وهى العرقة بنت سعيد بن سهم بن عمرو الخ» وأما قِلَابَةُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ فلا تلقب بالعرقة انظر ص 22، 406، 408، 438 نسب قريش. وفى نسب هالة جدة خديجة المذكور فى ابن هشام مخالفة لما فى نسب قريش، فهو فى هذا كما يأتى «هَالَةُ بِنْتُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ منقذ بن عمرو بن معيص» ص 22 وص 438 (2) فى نسب قريش: «أميمة بنت عائش بن ظرب بن الحارث بن فهر» . (3) فى متشابه القبائل لابن حبيب: «أن كل شىء فى العرب أسيد- بفتح الهمزة وكسر السين سوى أسيد بن عمرو فى بنى تميم فإنه على مثال التصغير» ص 451 ج 2 المزهر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن الزّبير صحّفه، وإنما هوى عِذْيُ بْنُ جَرْوَةَ، وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِي هَالَةَ عِنْدَ عَتِيقِ «1» بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، وَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ مَنَافِ بْنِ عَتِيقٍ، كَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَقَالَ الزّبَيْرُ: وَلَدَتْ لِعَتِيقِ جَارِيَةً اسْمُهَا: هِنْدٌ «2» وَوَلَدَتْ لِهِنْدِ أَبِي هَالَةَ ابْنًا اسْمُهُ: هِنْدٌ «3» أَيْضًا، مَاتَ بِالطّاعُونِ طَاعُونِ الْبَصْرَةِ، وَكَانَ قَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا، فَشُغِلَ النّاسُ بِجَنَائِزِهِمْ عَنْ جِنَازَتِهِ، فَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحْمِلُهَا، فَصَاحَتْ نَادِبَتُهُ: وَاهِنْدُ بْنَ هِنْدَاهُ!! وَارَبِيبَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ تَبْقَ جِنَازَةٌ إلّا تُرِكَتْ، وَاحْتُمِلَتْ جِنَازَتُهُ عَلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إعْظَامًا لِرَبِيبِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَهُ الدّولَابِيّ، وَلِخَدِيجَةَ مِنْ أَبِي هَالَةَ ابْنَانِ غَيْرَ هَذَا، اسْمُ أَحَدِهِمَا: الطّاهِرُ، وَاسْمُ الْآخَرِ: هَالَةُ. وَاخْتُلِفَ فِي سِنّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ تَزَوّجَ خَدِيجَةَ فَقِيلَ مَا قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَقِيلَ: كَانَ ابْنَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَقِيلَ ابْنَ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً «4» . مَارِيَةُ وَإِبْرَاهِيمُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّ خَدِيجَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَلَدَتْ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَدَهُ كُلّهُمْ إلّا إبْرَاهِيمَ، فَإِنّهُ مِنْ مَارِيَةَ الّتِي أَهْدَاهَا إليه المقوقس،

_ (1) وقيل: إن عتيق تزوجها بعد أبى هالة والقولان فى الإصابة. (2) قبل: إنها أسلمت ولها صحبة. (3) صحابى روى حديث صفة النبى شهد بدرا، وقيل: أحدا. وذكر الدارقطنى وابن بكار أنه قتل مع على يوم الجمل. (4) فى البيهقى والحاكم أن عمره كان خمسا وعشرين، وعمرها خمسا وثلاثين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ تَقَدّمَ اسْمُ الْمُقَوْقِسِ، وَأَنّهُ جُرَيْجُ بْنُ مِينَا، وَذَكَرْنَا مَعْنَى الْمُقَوْقِسِ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ، وَذَكَرْنَا أَنّهُ أَهْدَى مَارِيَةَ مَعَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بُلْتُعَةَ، وَمَعَ جَبْرٍ مَوْلَى أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيّ، وَاسْمُ أَبِي رُهْمٍ: كُلْثُومُ بْن الْحُصَيْنِ. وَذَلِكَ حِينَ أَرْسَلَهَا إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَأَهْدَى مَعَهَا أُخْتَهَا سِيرِينَ، وَهِيَ الّتِي وَهَبَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- لِحَسّانَ ابن ثَابِتٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَأَوْلَدَهَا عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ حَسّانَ، وَأَهْدَى مَعَهَا الْمُقَوْقِسُ أَيْضًا غُلَامًا خَصِيّا اسْمُهُ: مَأْبُورٌ، وَبَغْلَةٌ تُسَمّى: دُلْدُلَ، وَقَدَحًا مِنْ قَوَارِيرَ كَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَشْرَبُ فِيهِ، وَتُوُفّيَتْ مَارِيَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- سَنَةَ سِتّ عَشْرَةَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ عُمَرُ هُوَ الّذِي يَحْشُرُ النّاسَ إلَى جِنَازَتِهَا بِنَفْسِهِ، وَهِيَ مَارِيَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ «1» الْقِبْطِيّةُ مِنْ كُورَةِ حَفْنٍ. وَأَمّا إبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَاتَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا فِي سَنَةِ عَشْرٍ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي الْيَوْمِ الّذِي كَسَفَتْ فِيهِ الشّمْسُ، وَكَانَتْ قَابِلَتُهُ، سَلْمَى امْرَأَةَ أَبِي رَافِعٍ، وَأَرْضَعَتْهُ أُمّ بُرْدَةَ بِنْتُ الْمُنْذِرِ النّجّارِيّةُ امْرَأَةُ الْبَرَءِ بْنِ أَوْسٍ، وَسَلْمَى: هِيَ مَوْلَاةُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَابِلَةُ بَنِي فَاطِمَةَ كُلّهِمْ، وَهِيَ غَسّلَتْهَا مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيّةِ، وَغَسّلَهَا مَعَهُمَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- كَرّمَ اللهُ وَجْهَهُ-- وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ أَنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين

_ (1) زاد فى نسب قريش بعد شمعون: ابن إبراهيم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَدَتْ لَهُ مَارِيَةُ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، حَتّى نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَقَالَ لَهُ: السّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا إبْرَاهِيمَ «1» . تَرْجَمَةُ وَرَقَةَ: وَذَكَرَ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَأُمّ وَرَقَةَ: هِنْدُ بِنْتُ أَبِي كَبِيرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ قُصَيّ، وَلَا عَقِبَ لَهُ «2» ، وَهُوَ أَحَدُ مَنْ آمن بالنبى-

_ (1) فى زاد المعاد: أن الطيب والطاهر لقبان لولده المسمى: عبد الله الذى ولد بعد النبوة. وأما إبراهيم فذكر ابن القيم أنه ولد فى العام الثامن من الهجرة وأن الذى بشره به هو أبو رافع مولاه، فوهب له عبدا، أما الحديث المروى عن طريق أنس، ففيه ابن لهيعة، ولا يعتد بحديث يروى عن طريقه، وفى روايات الحديث أن مأبورا هذا كان يدخل كثيرا على مارية، فهل يصدق مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن لمثل هذا أن يغشى بيته هكذا؟! وقد اختلف فى مابور، فقيل إنه أخوها، وقيل أيضا: إنه ابن عمها، وهو خصى، ويقول ابن أبى الحديد- على تشيعه- فى شرحه لنهج البلاغة وهو يتحدث عما بهتت به عائشة، وعن براءتها فى سورة النور «وقوم من الشيعة زعموا أن الايات التى فى سورة النور لم تنزل فيها، وإنما أنزلت فى مارية القبطية، وما قدفت به مع الأسود القبطى. وجحدهم لإنزال ذلك فى عائشة جحد لما يعلم ضرورة من الأخبار المتواترة ص 442 ح 3 طبع لبنان، وأما المرتضى صاحب كتاب الأمالى المعروف باسمه، فافترض صحة الحديث، وراح يؤول ألفاظه انظر ص 54 ج 1 أمالى المرتضى ط 1. (2) اسم أبى كبير: منهب بضم الميم وسكون النون وكسر الهاء انظر ص 207 نسب قريش، 256 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ الْبَعْثِ «1» ، وَرَوَى التّرْمِذِيّ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: رَأَيْته فِي الْمَنَامِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النّارِ، لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ، وَهُوَ حَدِيثٌ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ. لِأَنّهُ يَدُورُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، وَلَكِنْ يُقَوّيهِ مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: رَأَيْت الْقَسّ يَعْنِي، وَرَقَةَ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ حَرِيرٌ، لِأَنّهُ أَوّلُ مَنْ آمَنَ بِي، وَصَدّقَنِي، وَسَيَأْتِي بَقِيّةٌ مِنْ خَبَرِهِ «2» فِيمَا بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ- وَقَدْ أَلْفَيْت لِلْحَدِيثِ الّذِي خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ فِي وَرَقَةَ إسْنَادًا جَيّدًا غَيْرَ الّذِي ذَكَرَهُ التّرْمِذِيّ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ الصّنْعَانِيّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، كَمَا بَلَغَنَا فَقَالَ: رَأَيْته فِي الْمَنَامِ، عَلَيْهِ ثِيَابٌ «3» بِيضٌ، فَقَدْ أَظُنّ أَنْ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النّارِ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ الْبَيَاضَ، وَكَانَ يَذْكُرُ اللهَ فِي سَفَرِهِ فِي الْجَاهِلِيّةِ، ويسبّحه، وهو الذى يقول:

_ (1) يقول ابن عساكر: «لا أعرف أحدا قال إنه- أى ورقة- أسلم. (2) رواه البيهقى فى الدلائل وقال: إنه منقطع. (3) أخرجه أحمد عن طريق ابن لهيعة، ولا يعتد بحديث يروى عن طريقه. وهكذا كل حديث يتحدث عن إسلام ورقة أو آخرته، فهو ضعيف وحسبنا ما ورد عنه فى الصحيحين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَقَدْ نَصَحْت لِأَقْوَامِ، وَقُلْت لَهُمْ: ... أَنَا النّذِيرُ، فَلَا يَغْرُرْكُمْ أَحَدٌ لَا تَعْبُدُنّ «1» إلَهًا غَيْرَ خَالِقِكُمْ ... فَإِنْ دَعَوْكُمْ «2» فَقُولُوا: بَيْنَنَا جَدَدُ «3» سُبْحَانَ ذِي الْعَرْشِ سُبْحَانًا يَدُومُ لَهُ ... وَقَبْلَنَا «4» سَبّحَ الْجُودِيّ وَالْجَمَدُ مُسَخّرٌ كُلّ مَا تَحْتَ السّمَاءِ لَهُ ... لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنَاوِي «5» مُلْكَهُ أَحَدُ لَا شَيْءَ مِمّا تَرَى تَبْقَى بَشَاشَتُهُ ... يَبْقَى الْإِلَهُ وَيُودِي الْمَالُ وَالْوَلَدُ لَمْ تُغْنِ عَنْ هُرْمُزٍ يَوْمًا خَزَائِنُهُ ... وَالْخُلْدُ قَدْ حَاوَلَتْ عَادٌ فَمَا خَلَدُوا وَلَا سُلَيْمَانُ إذْ تَجْرِي الرّيَاحُ بِهِ ... وَالْإِنْسُ وَالْجِنّ فِيمَا بَيْنَهَا مَرَدُ «6» أَيْنَ الْمُلُوكُ الّتِي كَانَتْ لِعِزّتِهَا ... مِنْ كُلّ أَوْبٍ إلَيْهَا وَافِدٌ يَفِدُ حَوْضٌ هُنَالِكَ مَوْرُودٌ بِلَا كَذِبٍ ... لَا بُدّ مِنْ وِرْدِهِ يَوْمًا كَمَا وردوا «7»

_ (1) فى نسب قريش جعل لا نافية فأثبت الواو وهو خطأ- كما أعتقد- من محقق الكتاب. (2) فى النسب «فإن أبيتم» . (3) فى الأغانى وفى النسب «حدد» بالحاء لا بالجيم. (4) «فى الأغانى «نعوذ به، وقبل قد» . (5) فى النسب: يساوى، وفى الأغانى كما هنا. (6) فى الأغانى: «والجن والإنس تجرى بينها البرد» وكذلك فى نسب قريش دون الواو قبل «الجن» . (7) هذا البيت غير موجود فى الأغانى ص 115 مجلد 3 والقصيدة فى نسب قريش، وبينها وبين ما هنا اختلافات وزيادات مثل: سبحان ذى العرش الخ فقد ورد هكذا فى نسب قريش سبحان ذى العرش لا شىء يعادله ... رب البرية فرد واحد صمد وورد بعده فى نسب قريش:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَسَبَهُ أَبُو الْفَرَجِ «1» إلَى وَرَقَةَ، وَفِيهِ أَبْيَاتٌ تُنْسَبُ إلَى أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ، وَمِنْ قَوْلِهِ فِيمَا خَبّرَتْهُ بِهِ خَدِيجَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا لِلرّجَالِ لِصَرْفِ الدّهْرِ وَالْقَدَرِ «2» ... وَمَا لِشَيْءِ قَضَاهُ اللهُ مِنْ غِيَرِ حَتّى خَدِيجَةُ تَدْعُونِي لِأُخْبِرَهَا ... أَمْرًا أَرَاهُ سَيَأْتِي النّاسَ مِنْ أُخُرِ «3» فَخَبّرَتْنِي بِأَمْرِ قَدْ سَمِعْت بِهِ ... فِيمَا مَضَى مِنْ قَدِيمِ الدّهْرِ وَالْعُصُرِ بِأَنّ أَحْمَدَ يَأْتِيهِ فَيُخْبِرُهُ ... جِبْرِيلُ: إنّك مَبْعُوثٌ إلَى الْبَشَرِ فَقُلْت: عَلّ الّذِي تَرْجِينَ يُنْجِزُهُ ... لَك الْإِلَهُ فَرَجّي الْخَيْرَ وَانْتَظِرِي وَأَرْسَلَتْهُ إلَيْنَا كَيْ نُسَائِلَهُ ... عَنْ أَمْرِهِ مَا يَرَى فِي النّوْمِ وَالسّهَرِ فَقَالَ حِينَ أَتَانَا مَنْطِقًا عَجَبًا ... يَقِفّ مِنْهُ أَعَالِي الْجِلْدِ وَالشّعَرِ إنّي رَأَيْت أَمِينَ اللهِ وَاجَهَنِي ... فِي صُورَةٍ أُكْمِلَتْ فِي أَهْيَبِ الصّوَرِ ثُمّ اسْتَمَرّ فَكَانَ الْخَوْفُ يَذْعَرُنِي ... مِمّا يُسَلّمُ من حولى من الشّجر

_ سبحانه ثم سبحانا يعود له ... وقبل سبحه الجودى والجمد والبيتان الأخيران فى الروض غير مذكورين فى النسب انظر نسب قريش ص 208. (1) يعنى صاحب كتاب الأغانى. (2) فى الإصابة «وصرف الدهر» . (3) فى الإصابة هذى خديجة تأتينى لأخبرها ... ومالنا بخفى الغيب من خبر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقُلْت: ظَنّي وَمَا أَدْرِي أَيَصْدُقُنِي ... أن سَوْفَ تبعث تتلو منرل السّوَرِ وَسَوْفَ أُبْلِيكَ إنْ أَعْلَنْت دَعْوَتَهُمْ ... مِنْ الْجِهَادِ بِلَا مَنّ وَلَا كَدَرِ مُثَنّى يُقْصَدُ بِهِ الْمُفْرَدُ: فَصْلٌ: وَفِي شِعْرِ وَرَقَةَ: بِبَطْنِ الْمَكّتَيْنِ عَلَى رَجَائِي ... حَدِيثُك أَنْ أَرَى مِنْهُ خُرُوجَا ثَنّى مَكّةَ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنّ لَهَا بِطَاحًا وَظَوَاهِرَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْبِطَاحِ، وَمِنْ أَهْلِ الظّوَاهِرِ فِيمَا قَبْلُ، عَلَى أَنّ لِلْعَرَبِ مَذْهَبًا فِي أَشْعَارِهَا فِي تَثْنِيَةِ الْبُقْعَةِ الْوَاحِدَةِ، وَجَمْعِهَا نَحْوَ قَوْلِهِ: وَمَيّتٌ بِغَزّاتِ. يُرِيدُ: بِغَزّةَ وَبِغَادَيْنِ فِي بَغْدَادَ، وَأَمّا التّثْنِيَةُ فَكَثِيرٌ نَحْوَ قَوْلِهِ: بِالرّقْمَتَيْنِ لَهُ أَجْرٍ وَأَعْرَاسُ ... وَالْحَمّتَيْنِ سَقَاك اللهُ مِنْ دَارِ «1» وَقَوْلُ زُهَيْرٍ: وَدَارٌ لَهَا بِالرّقْمَتَيْنِ «2» . وَقَوْلُ وَرَقَةَ مِنْ هَذَا: بِبَطْنِ

_ (1) فى اللسان: الرقمة: الروضة، ورقمة الوادى حيث يجتمع الماء، وأجر: جمع جرو، وجمع العرس وهى امرأة الرجل ورجلها، ولبؤة الأسد: أعراس وقد استعاره الهذلى للأسد فقال: ليت هزبر مدلّ حول غابته ... بالرقمتين له أجر وأعراس قال ابن يرى: البيت لمالك بن خويلد الخناعى وقبله. يامى لا يعجز الأيام مجترىء ... فى حومة الموت رزّام وفرّاس الرزام الذى له زئبر، والفراس الذى يدق عنق فريسته (2) الرقمتان- كما فى اللسان- روضتان بناحية الصّمّان، وإياهما أراد زهير. ودار لها بالرقمتين كأنها ... مراجيع وشم فى نواشر معصم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَكّتَيْنِ. لَا مَعْنَى لِإِدْخَالِ الظّوَاهِرِ تَحْتَ هَذَا اللّفْظِ، وَقَدْ أَضَافَ إلَيْهَا الْبَطْنَ، كَمَا أَضَافَهُ الْمُبْرِقُ حِينَ قَالَ: بِبَطْنِ مَكّةَ مَقْهُورٌ وَمَفْتُونٌ. وَإِنّمَا يَقْصِدُ الْعَرَبُ فِي هَذَا الْإِشَارَةَ إلَى جَانِبَيْ كُلّ بَلْدَةٍ، أَوْ الْإِشَارَةَ إلَى أَعْلَى الْبَلْدَةِ وَأَسْفَلِهَا، فَيَجْعَلُونَهَا اثْنَيْنِ عَلَى هَذَا الْمَغْزَى، وَقَدْ قَالُوا: صِدْنَا بِقَنَوَيْنِ «1» وَهُوَ قَنَا اسْمُ جبل، وقال عنترة. شربت بماء الدّ خرضين «2» . وَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ، قال عنترة أيضا، بعنيزتين وأهلنا بالعيلم «3»

_ (1) فى القاموس: القنوان. جبلان (2) الدّحرضان: موضعان أحدهما: دحرض، والاخر: وسميع وقال الجوهرى: الدّحرضان: اسم موضع. وقال: وسيع ودحرض ماآن ثناهما بلفظ الواحد، وبيت عنترة: شربت بماء الدّحرضين، فأصبحت ... زوراء تنفر عن حياض الدّيلم (3) فى المراصد: عنيزة. موضع بين البصرة ومكة، وأيضا: بئر على ميلين من القريتين ببطن الرمة، وعنيزة من أودية اليمامة قرب سواح، وقرى عنيزة بالبحرين وعنيزتن تثنية الذى قبله. قيل: هو موضع آخر، وقيل: هو الذى قبله، ثنى كما قالوا فى عماية: عمايتان، وفى رامة: رامتان وأمثاله كثير. والغيلم بالغين لا بالعين. ففى المراصد. واللسان: الغيلم: موضع فى شعر عنترة. كيف المزار وقد تربع أهلها ... بعنيزتين وأهلنا بالغيلم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَعُنَيْزَةُ اسْمُ مَوْضِعٍ، وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ: عَشِيّةَ سَالَ الْمِرْبَدَانِ كِلَاهُمَا «1» وَإِنّمَا هُوَ مِرْبَدُ الْبَصْرَةِ. وَقَوْلُهُمْ: تسألنى برامتين سلجما «2»

_ (1) الشعر للفرزدق: عشيّة سال المربدان كلاهما ... عجاجة موت بالسيوف الصوارم والمربد: المكان الذى يحبسون فيه الإبل وبه سمى مربد البصرة وبه كانت مفاخرات الشعراء، ومجالس الخطباء. وقال الجوهرىّ فى بيت الفرزدق إنه عنى به سكة المربد بالبصرة، والسكة التى تليها من ناحية بنى تميم جعلهما المربدين كما يقال الأحوصان وهما: الأحوص وعوف بن الأحوص «اللسان المراصد، ياقوت» (2) رامة: منزل فى طريق البصرة إلى مكة وبعده بمرحلة أخرى ديار بنى تميم، وقيل: جبل لبنى دارم، ورامة أيضا من قرى بيت المقدس، وللسلجم عدة معان منها أنه نبت، وقيل: هو ضرب من البقول. قال أبو حنيفة السلجم: معرب وأصله بالشين والعرب لا تتكلم به إلا بالسين، وكذا ذكره سيبويه بالسين فى باب علل ما يجعله زائدا فقال: وتجعل السين زائدة إذا كانت فى مثل سلجم. وقيل لرامى. لم زرعتم السلجم، فقال معاندة لقوله: تسألنى برامتين سلجما ... باقى لو سألت شتأ أمما جاء به الكسرىّ أو تجشما ... لو أنها تطلب شيئا أمما وفى اللسان «فاما إكثارهم من تثنية راصة فى الشعر فعلى قولهم للبعير. ذوعثانين كأنه قسمها جزأين. ويقول ابن سيدة إنها سميت رامتين للضرورة لأنهما لو كانتا أرضين لقيل: الرامتين» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَإِنّمَا هُوَ رَامَةٌ وَهَذَا كَثِيرٌ. وَأَحْسَنُ مَا تَكُونُ هَذِهِ التّثْنِيَةُ إذَا كَانَتْ فِي ذِكْرِ جَنّةٍ وَبُسْتَانٍ، فَتُسَمّيهَا جَنّتَيْنِ فِي فَصِيحِ الْكَلَامِ، إشْعَارًا بِأَنّ لَهَا وَجْهَيْنِ، وَأَنّك إذَا دَخَلْتهَا، وَنَظَرْت إلَيْهَا يَمِينًا وَشِمَالًا رَأَيْت مِنْ كِلْتَا النّاحِيَتَيْنِ مَا يَمْلَأُ عَيْنَيْك قُرّةً، وَصَدْرَك مَسَرّةً، وَفِي التّنْزِيلِ: ( [لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ. جَنّتَانِ] عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ) إلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ سَبَأٌ: 15. وَفِيهِ: جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ الاية. الكهف: 32، وفى آخرها: (ودخل جنّته) فأفرد بعد ماثنى، وَهِيَ «1» هِيَ، وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحْمَنُ: 46، وَالْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَتّسِعُ، وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ. النّورُ وَالضّيَاءُ: فَصْلٌ: وَقَالَ فِي هَذَا الشّعْرِ: وَيَظْهَرُ فِي الْبِلَادِ ضِيَاءُ نُورٍ. هَذَا الْبَيْتُ يُوَضّحُ لَك مَعْنَى النّورِ وَمَعْنَى الضّيَاءِ، وَأَنّ الضّيَاءَ هُوَ الْمُنْتَشِرُ عَنْ النّورِ، وَأَنّ النّورَ هُوَ الْأَصْلُ لِلضّوْءِ، وَمِنْهُ مَبْدَؤُهُ، وَعَنْهُ يَصْدُرُ، وَفِي التّنْزِيلِ: فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ الْبَقَرَةُ: 17. وَفِيهِ: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً، وَالْقَمَرَ نُوراً يُونُسُ: 5 لِأَنّ نُورَ الْقَمَرِ، لَا يَنْتَشِرُ عَنْهُ مِنْ الضّيَاءِ مَا يَنْتَشِرُ مِنْ الشّمْسِ، [و] لَا سِيّمَا فِي طَرَفَيْ الشّهْرِ، وَفِي الصّحِيحِ: الصّلَاةُ نُورٌ، والصبر ضياء، وذلك أن الصلاة هى

_ (1) فى البيضاوى: «إفراد الجنة، لأن المراد. ما هو جنته، وهى ما متع به فى الدنيا تنبيها على أنه لا جنة له غيرها، ولا حظ له فى الجنة التى وعد المتقون، أولا تصال كل واحد من جنتيه بالأخرى، أو لأن الدخول يكون فى واحدة» وهو أجود.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ، وَهِيَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَالصّبْرُ عَنْ الْمُنْكَرَاتِ، وَالصّبْرُ عَلَى الطّاعَاتِ هُوَ: الضّيَاءُ الصّادِرُ عَنْ هَذَا النّورِ الّذِي هُوَ الْقُرْآنُ، وَالذّكْرُ، وَفِي أَسْمَاءِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ النّورُ: 35 وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضّيَاءُ مِنْ أَسْمَائِهِ- سُبْحَانَهُ- وَقَدْ أَمْلَيْت فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ مَعْنَى نُورِ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَا فِيهِ شفاء، والحمد لله. نور الوقاية فى إن وأخوانها: فصل: وفى شعر ورقة: فياليتى إذَا مَا كَانَ ذَاكُمْ. بِحَذْفِ نُونِ الْوِقَايَةِ، وَحَذْفُهَا مَعَ لَيْتَ رَدِيءٌ، وَهُوَ فِي لَعَلّ أَحْسَنُ مِنْهُ، لِقُرْبِ مَخْرَجِ اللّامِ مِنْ النّونِ، حتى لقد قالوا: لعلّ وَلِأَنّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَا سِيّمَا وَقَدْ حَكَى يَعْقُوبُ أَنّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَخْفِضُ بِلَعَلّ، وَهَذَا يُؤَكّدُ حَذْفَ النّونِ مِنْ لَعَلّنِي، وَأَحْسَنُ مَا يَكُونُ حَذْفُ هَذِهِ النّونِ فِي إنّ وَأَنّ وَلَكِنّ وَكَأَنّ لِاجْتِمَاعِ النّونَاتِ، وَحَسّنَهُ فِي لَعَلّ أَيْضًا كَثْرَةُ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ، وَفِي التّنْزِيلِ: لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ يُوسُفُ: 46. بِغَيْرِ نُونٍ، وَمَجِيءُ هَذِهِ الْيَاءِ فِي لَيْتِي بِغَيْرِ نُونٍ مَعَ أَنّ لَيْتَ نَاصِبَةٌ، يَدُلّك عَلَى أَنّ الِاسْمَ الْمُضْمَرَ فِي ضَرَبَنِي هُوَ الْيَاءُ، دُونَ النّونِ كَمَا هُوَ فِي: ضَرَبَك، وَضَرَبَهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْكَافُ، وَلَوْ كَانَ الِاسْمُ هُوَ النّونَ مَعَ الْيَاءِ- كَمَا قَالُوا فِي الْمَخْفُوضِ: مِنّي وَعَنّي بِنُونَيْنِ نُونِ: مِنْ، وَنُونٍ أُخْرَى مَعَ الْيَاءِ، فَإِذًا الْيَاءُ وَحْدَهَا هِيَ الِاسْمُ فِي حَالِ الْخَفْضِ، وَفِي حَالِ النّصْبِ. حَوْلَ تَقَدّمِ صِلَةِ الْمَصْدَرِ عَلَيْهِ: فَصْلٌ: وَفِيهِ: حَدِيثُك أَنْ أَرَى مِنْهُ خُرُوجَا. قَوْلُهُ مِنْهُ الْهَاءُ رَاجِعَةٌ عَلَى الْحَدِيثِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَحَرْفُ الْجَرّ مُتَعَلّقٌ بِالْخُرُوجِ، وَإِنْ كَرِهَ النّحْوِيّونَ ذَلِكَ؛ لِأَنّ مَا كَانَ مِنْ صِلَةِ الْمَصْدَرِ عِنْدَهُمْ، فَلَا يَتَقَدّمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنّ الْمَصْدَرَ مُقَدّرٌ بِأَنْ وَالْفِعْلِ، فَمَا يَعْمَلُ فِيهِ هُوَ مِنْ صِلَةِ أَنْ، فَلَا يَتَقَدّمُ، فَمَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي هَذَا الْأَصْلِ، وَلَمْ يُخَصّصْ مَصْدَرًا مِنْ مَصْدَرٍ، فَقَدْ أَخْطَأَ الْمُفَصّلَ، وَتَاهَ فِي تُضُلّلٍ؛ فَفِي التّنْزِيلِ: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا [إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ] يُونُسُ: 2. وَمَعْنَاهُ: أَكَانَ عَجَبًا لِلنّاسِ أَنْ أَوْحَيْنَا، وَلَا بُدّ لِلّامِ هَاهُنَا أَنْ تَتَعَلّقَ بِعَجَبِ؛ لِأَنّهَا لَيْسَتْ فِي مَوْضِعِ صِفَةٍ، وَلَا مَوْضِعِ حَالٍ لِعَدِمِ الْعَامِلِ فِيهَا، وَفِيهِ أَيْضًا: لَا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا الْكَهْفُ: 108: وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً الْكَهْفُ: 53. وَفِيهِ أَيْضًا: لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً الْكَهْفُ: 18. وَتَقُولُ: لِي فِيك رغبة، ومالى عَنْك مُعَوّلٌ، فَيَحْسُنُ كُلّ هَذَا بِلَا خِلَافٍ، وقد أجاز ابن السراج أبوبكر، و [مُحَمّدُ بْنُ يَزِيدَ] الْمُبَرّدُ أَيْضًا فِي ضَرْبًا زَيْدًا، إذَا أَرَدْت الْأَمْرَ: أَنْ تُقَدّمَ الْمَفْعُولَ الْمَنْصُوبَ بِالْمَصْدَرِ، وَقَالَ: لِأَنّ ضَرْبًا هَاهُنَا فِي مَعْنَى: اضْرِبْ، فَقَدْ خُصّصَ لَك ضَرْبًا مِنْ الْمَصَادِرِ بِجَوَازِ تَقْدِيمِ مَعْمُولِهَا عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ الْمَصْدَرُ غَيْرَ أَمْرٍ، وَكَانَ نَكِرَةً لَمْ يَتَقَدّمْ الْمَفْعُولُ خَاصّةً عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَجْرُورِ وَالظّرْفِ، فَالْوَاجِبُ إذًا رَبْطُ هَذَا الْبَابِ وَتَفْصِيلُهُ. مَتَى يَجُوزُ تَقْدِيمُ مَعْمُولِ الْمَصْدَرِ؟ فَنَقُولُ: كُلّ مَصْدَرٍ نَكِرَةٌ غَيْرِ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَهُ يَجُوزُ تقديم معمولاه عَلَيْهِ إلّا الْمَفْعُولَ لِأَنّ الْمَصْدَرَ النّكِرَةَ لَا يَتَقَدّرُ بِأَنْ وَالْفِعْلِ؛ لِأَنّك إنْ قَدّرْته بِأَنْ وَالْفِعْلِ بَقِيَ الْفِعْلُ بِلَا فَاعِلٍ، وَمَا كَانَ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَهُ، فَالْمُضَافُ إلَيْهِ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى أَوْ مَفْعُولٌ؛ فَلِذَلِكَ يَصِيرُ الْمَصْدَرُ مُقَدّرًا بِأَنْ وَالْفِعْلِ، فَقِفْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، فمنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حُسْنُ قَوْلٍ وَرِقّةٌ: أَنْ أَرَى مِنْهُ خُرُوجًا، أَيْ: أَرَى خُرُوجًا مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَ الدّخُولَ، فَقَالَ: أَرَى فِيهِ دُخُولًا، يُرِيدُ: دُخُولًا فِيهِ، لَكَانَ حَسَنًا، وَتَقُولُ: اللهُمّ اجْعَلْ مِنْ أَمْرِنَا فَرَجَا وَمَخْرَجًا، فَمِنْ أَمْرِنَا: مُتَعَلّقٌ بِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، وَلَا خَفَاءَ فِي حُسْنِ هَذَا التّقْدِيمِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَمِنْ قَوْلِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ فِي مَعْنَى مَا تَقَدّمَ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ: أَتُبْكِرُ أَمْ أَنْتَ الْعَشِيّةَ رَائِحُ ... وَفِي الصّدْرِ مِنْ إضْمَارِك الْحُزْنَ قَادِحُ «1» لِفُرْقَةِ قَوْمٍ لَا أُحِبّ فِرَاقَهُمْ ... كَأَنّك عَنْهُمْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ نَازِحُ وَأَخْبَارِ صِدْقٍ خَبّرَتْ عَنْ مُحَمّدٍ ... يُخَبّرُهَا عَنْهُ إذَا غَابَ نَاصِحُ فَتَاك الّذِي وَجّهْت يَا خَيْرَ حُرّةٍ ... بغور وبالنّجدين حَيْثُ الصّحَاصِحُ «2» إلَى سُوقِ بُصْرَى فِي الرّكَابِ الّتِي غَدَتْ ... وَهُنّ مِنْ الْأَحْمَالِ قُعْصٌ دَوَالِحُ «3» فَخَبّرْنَا عَنْ كُلّ خَيْرٍ بِعِلْمِهِ ... وَلِلْحَقّ أَبْوَابٌ لهنّ مفاتح

_ (1) إما أن تكون اسم فاعل من قدح الزند، أو هى أكال يقع فى الشجر والأسنان، وهى الصدع فى العود. (2) الغور: ما بين ذات عرق إلى البحر، وكل ما انحدر مغربا عن تهامة، وموضع بديار بنى سليم. والنجد: ما خالف الغور أى تهامة: أعلاه: تهامة واليمن، وأسفله: العراق والشام، وأوله من جهة الحجاز. ذات عرق، والصحاصح: جمع صحصح الأرض الجرداء المستوية. (3) دلح كمنع مشى بحمله منقبض الخطو لثقله، والقعص: الموت السريع والقعاص: داء فى الصدر كأنه يكسر العنق، وشاة قعوص: تضرب حاليها وتمنع الدرة.

حديث بنيان الكعبة وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش فى وضع الحجر

[حديث بنيان الكعبة وحكم رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قريش فى وضع الحجر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فلما بلغ رسول الله- صلى الله عليه وَسَلّمَ- خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِبُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَكَانُوا يُهِمّونَ بِذَلِكَ، لِيُسَقّفُوهَا وَيَهَابُونَ هَدْمَهَا، وإنما كانت رسما فَوْقَ الْقَامَةِ، فَأَرَادُوا رَفْعَهَا وَتَسْقِيفَهَا، وَذَلِكَ أَنّ نَفَرًا سَرَقُوا كَنْزًا لِلْكَعْبَةِ، وَإِنّمَا كَانَ يَكُونُ فِي بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ الّذِي وُجِدَ عِنْدَهُ الْكَنْزُ دُوَيْكًا مَوْلًى لِبَنِي مُلَيْحِ بن عمرو من خزاعة. قال ابن هشام: فَقَطَعَتْ قُرَيْشٌ يَدَهُ. وَتُزْعِمُ قُرَيْشٌ أَنّ الّذِينَ سَرَقُوهُ وَضَعُوهُ عِنْدَ دُوَيْكٍ وَكَانَ الْبَحْرُ قَدْ رَمَى بِسَفِينَةٍ إلَى جُدّةَ لِرَجُلٍ مِنْ تُجّارِ الرّومِ، فَتَحَطّمَتْ، فَأَخَذُوا خَشَبَهَا فَأَعَدّوهُ لِتَسْقِيفِهَا، وَكَانَ بِمَكّةَ رَجُلٌ قِبْطِيّ نَجّارٌ، فَتَهَيّأَ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ بَعْضُ مَا يُصْلِحُهَا وَكَانَتْ حَيّةً تَخْرَجُ مِنْ بِئْرِ الْكَعْبَةِ الّتِي كَانَ يُطْرَحُ فِيهَا مَا يُهْدَى لَهَا كُلّ يَوْمٍ، فَتَتَشَرّقُ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ مِمّا يَهَابُونَ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ لَا يَدْنُو مِنْهَا أَحَدٌ إلّا احْزَأَلّتْ وَكَشّتْ، وَفَتَحَتْ فَاهَا، وَكَانُوا يَهَابُونَهَا. فَبَيْنَا هِيَ ذَاتُ يَوْمٍ تَتَشَرّقُ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ، كَمَا كانت تصنع ـــــــــــــــــــــــــــــ بِأَنّ ابْنَ عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ مُرْسَلٌ ... إلَى كُلّ مَنْ ضَمّتْ عَلَيْهِ الْأَبَاطِحُ وَظَنّي بِهِ أَنْ سَوْفَ يُبْعَثُ صَادِقًا ... كَمَا أُرْسِلَ الْعَبْدَانِ هُودٌ وَصَالِحُ وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمُ حَتّى يُرَى لَهُ ... بهاء ومنشور مِنْ الذّكْرِ وَاضِحُ وَيَتْبَعُهُ حَيّا لُؤَيّ جَمَاعَةً ... شيابهم والأشيبون الجحاجح «1»

_ (1) جمع جحجح وجحجاح: السيد.

بَعَثَ اللهُ إلَيْهَا طَائِرًا فَاخْتَطَفَهَا، فَذَهَبَ بِهَا، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: إنّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللهُ قَدْ رَضِيَ مَا أَرَدْنَا، عِنْدَنَا عَامِلٌ رَفِيقٌ، وعندنا خشب، وقد كفانا الله الحيّة. فَلَمّا أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فِي هَدْمِهَا وَبِنَائِهَا، قَامَ أبو وهب بن عمرو بن عائذ ابن عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ. قَالَ ابْنُ هشام: عائذ: ابن عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ. فَتَنَاوَلَ مِنْ الْكَعْبَةَ حَجَرًا، فَوَثَبَ مِنْ يَدِهِ، حَتّى رَجَعَ إلَى مَوْضِعِهِ. ققال: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَا تُدْخِلُوا فِي بِنَائِهَا مِنْ كَسْبِكُمْ إلّا طَيّبًا، لَا يَدْخُلُ فِيهَا مهر بغي ولا بيع ربا، ولا مظلمة أَحَدٍ مِنْ النّاسِ، وَالنّاسُ يَنْحُلُونَ هَذَا الْكَلَامَ الوليد بن المغيرة عبد الله بن عمر بن مخزوم. قال ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ الْمَكّيّ أَنّهُ حُدّثَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمّيّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جمح بن عمرو ابن هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. أَنّهُ رَأَى ابْنًا لِجَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَمْرِو يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا ابْنٌ لِجَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ عِنْدَ ذَلِكَ: جَدّ هَذَا، يَعْنِي: أَبَا وَهْبٍ الّذِي أَخَذَ حَجَرًا مِنْ الْكَعْبَةِ حَيْنَ أَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ لِهَدْمِهَا، فَوَثَبَ مِنْ يَدِهِ، حَتّى رَجَعَ إلَى مَوْضِعِهِ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: لَا تُدْخِلُوا فِي بِنَائِهَا مِنْ كَسْبِكُمْ إلّا طَيّبًا. لَا تُدْخِلُوا فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس. ـــــــــــــــــــــــــــــ فَإِنْ أَبْقَ حَتّى يُدْرِكَ النّاسُ دَهْرَهُ ... فَإِنّي بِهِ مُسْتَبْشِرُ الْوُدّ فَارِحُ وَإِلّا فَإِنّي يَا خَدِيجَةُ- فَاعْلَمِي ... عَنْ أرضك فِي الْأَرْضِ الْعَرِيضَةِ سائح

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو وَهْبٍ: خَالُ أَبِي رسول الله صلى الله عليه وسلم- وكان شَرِيفًا، وَلَهُ يَقُولُ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ: وَلَوْ بِأَبِي وَهْبٍ أَنَخْتُ مَطِيّتِي ... غَدَتْ مِنْ نَدَاهُ رَحْلُهَا غَيْرَ خَائِبٍ بِأَبْيَضَ مِنْ فَرْعَيْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا حُصّلَتْ أَنْسَابُهَا فِي الذّوَائِبِ أَبِيّ لِأَخْذِ الضّيْمِ يَرْتَاحُ لِلنّدَى ... تَوَسّطَ جَدّاهُ فُرُوعَ الْأَطَايِبِ عَظِيمِ رَمَادِ الْقِدْرِ يَمَلّا جِفَانَهُ ... من الخبز يعلوهنّ مثل السّبائب ثم إن قريشا تجزّأت الْكَعْبَةَ، فَكَانَ شِقّ الْبَابِ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَزُهْرَةَ وَكَانَ مَا بَيْنَ الرّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالرّكْنِ الْيَمَانِي لِبَنِي مَخْزُومٍ، وَقَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ انْضَمّوا إلَيْهِمْ، وَكَانَ ظَهْرُ الْكَعْبَةِ لِبَنِي جُمَحٍ وَسَهْمٍ، ابْنَيْ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. وَكَانَ شِقّ الْحَجَرِ لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ، وَلِبَنِي أَسَدِ بْنِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ، وَلِبَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ وهو الحطيم ثُمّ إنّ النّاسَ هَابُوا هَدْمَهَا وَفَرِقُوا مِنْهُ. فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: أَنَا أَبْدَؤُكُمْ فِي هَدْمِهَا، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، ثُمّ قَامَ عَلَيْهَا، وَهُوَ يَقُولُ: اللهُمّ لَمْ تُرَعْ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: لَمْ نَزِغْ- اللهُمّ إنّا لَا نُرِيدُ إلّا الْخَيْرَ، ثُمّ هَدَمَ مِنْ نَاحِيَةِ الرّكْنَيْنِ، فتربّص الناس تلك اللّيلة، وقالوا: ننطر، فَإِنْ أُصِيبَ لَمْ نَهْدِمْ مِنْهَا شَيْئًا وَرَدَدْنَاهَا كَمَا كَانَتْ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ، فَقَدْ رَضِيَ اللهُ صُنْعَنَا، فَهَدَمْنَا. فَأَصْبَحَ الْوَلِيدُ مِنْ لَيْلَتِهِ غَادِيًا عَلَى عَمَلِهِ، فَهَدَمَ وَهَدَمَ النّاسُ مَعَهُ، حَتّى إذَا انْتَهَى الْهَدْمُ بِهِمْ إلَى الْأَسَاسِ أَسَاسِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَفْضَوْا إلَى حِجَارَةٍ خُضْرٍ كَالْأَسْنِمَةِ آخِذٌ بَعْضُهَا بَعْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ يَرْوِي الحديث: أنّ رجلا من قريش، ممن كَانَ يَهْدِمُهَا، أَدْخَلَ عَتَلَةً بَيْنَ حَجَرَيْنِ مِنْهَا لِيُقْلِعَ بِهَا أَحَدَهُمَا، فَلَمّا تَحَرّكَ الْحَجَرُ تَنَقّضَتْ مَكّةُ بِأَسْرِهَا، فَانْتَهَوْا عَنْ ذَلِكَ الْأَسَاسِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثْت أَنّ قُرَيْشًا وَجَدُوا فِي الرّكْنِ كِتَابًا بِالسّرْيَانِيّةِ، فَلَمْ يَدْرُوا مَا هُوَ، حَتّى قَرَأَهُ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَإِذَا هُوَ: «أَنَا اللهُ ذُو بَكّةَ، خَلَقْتهَا يَوْمَ خَلَقْتُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَصَوّرْتُ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَحَفَفْتهَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ حُنَفَاءَ، لَا تَزُولُ حَتّى يَزُولَ أَخْشَبَاهَا، مُبَارَكٌ لِأَهْلِهَا فِي الْمَاءِ وَاللّبَنِ» . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَخْشَبَاهَا: جَبَلَاهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثْت أَنّهُمْ وَجَدُوا فِي الْمَقَامِ كِتَابًا فِيهِ: «مَكّةُ بَيْتُ اللهِ الْحَرَامِ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ سُبُلٍ، لَا يُحِلّهَا أَوّلُ مِنْ أَهْلِهَا» . قال ابن إسحاق: وزعم ليث بن زعم لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ أَنّهُمْ وَجَدُوا حَجَرًا فِي الْكَعْبَةِ قَبْلَ مَبْعَثِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً- إنْ كَانَ مَا ذَكَرَ حَقّا- مَكْتُوبًا فِيهِ: «مَنْ يَزْرَعْ خَيْرًا، يَحْصُدْ غِبْطَةً، وَمَنْ يَزْرَعْ شَرّا، يَحْصُدْ نَدَامَةً. تَعْمَلُونَ السّيّئَاتِ، وَتُجْزَوْنَ الْحَسَنَاتِ! أَجَلْ، كَمَا لَا يجتنى من الشّوك العنب» . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ جَمَعَتْ الْحِجَارَةَ لِبِنَائِهَا، كُلّ قَبِيلَةٍ تَجْمَعُ عَلَى حِدَةٍ، ثُمّ بَنَوْهَا، حَتّى بَلَغَ الْبُنْيَانِ مَوْضِعَ الرّكْنِ، فَاخْتَصَمُوا فِيهِ، كُلّ قَبِيلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى مَوْضِعِهِ دُونَ الْأُخْرَى، حَتّى تحاوروا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَتَحَالَفُوا؛ وَأَعَدّوا لِلْقِتَالِ، فَقَرّبَتْ بَنُو عَبْدِ الدّارِ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً دَمًا، ثُمّ تَعَاقَدُوا هُمْ وَبَنُو عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ عَلَى الْمَوْتِ، وأدخلوا أيديهم فى ذلك الدم فى تلك الجفنة، فَسُمّوا: لَعَقّةَ الدّمِ، فَمَكَثَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَ لَيَالٍ أَوْ خَمْسًا، ثُمّ إنّهُمْ اجْتَمَعُوا فى المسجد، وتشاوروا وتناصفوا. فزعم بعض أهل الرواية: أن أَبَا أُمّيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بن مخزوم، وكان عامئذ أَسَنّ قُرَيْشٍ كُلّهَا، قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ- فِيمَا تَخْتَلِفُونَ فِيهِ- أَوّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ هَذَا الْمَسْجِدِ يَقْضِي بَيْنَكُمْ فِيهِ، فَفَعَلُوا: فَكَانَ أَوّلَ دَاخِلٍ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا الْأَمِينُ، رَضِينَا، هَذَا مُحَمّدٌ، فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهِمْ وَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، قَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: هَلُمّ إلَيّ ثَوْبًا، فَأُتِيَ بِهِ، فَأَخَذَ الرّكْنَ فَوَضَعَهُ فِيهِ بِيَدِهِ، ثُمّ قَالَ: لِتَأْخُذَ كُلّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنْ الثّوْبِ، ثُمّ ارْفَعُوهُ جَمِيعًا، فَفَعَلُوا: حَتّى إذَا بَلَغُوا بِهِ مَوْضِعَهُ، وَضَعَهُ هُوَ بِيَدِهِ، ثُمّ بَنَى عَلَيْهِ. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمّي رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ: الْأَمِينَ. فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ الْبُنْيَانِ، وَبَنَوْهَا عَلَى مَا أَرَادُوا، قَالَ الزّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَيّةِ الّتِي كَانَتْ قُرَيْشٌ تَهَابُ بُنْيَانَ الْكَعْبَةِ لَهَا. عَجِبْتُ لِمَا تَصَوّبَتْ الْعُقَابُ ... إلَى الثّعْبَانِ وَهِيَ لَهَا اضْطِرَابُ وَقَدْ كَانَتْ يَكُونُ لَهَا كَشِيشٌ ... وَأَحْيَانًا يَكُونُ لَهَا وِثَابُ إذَا قُمْنَا إلَى التّأْسِيسِ. شَدّتْ ... تُهَيّبُنَا الْبِنَاءَ. وَقَدْ تُهَابُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَلَمّا أَنّ خَشِينَا الرّجْزَ. جَاءَتْ ... عُقَابٌ تَتْلَئِبّ لَهَا انْصِبَابُ فَضَمّتْهَا إلَيْهَا، ثُمّ خَلّتْ ... لَنَا الْبُنْيَانَ، لَيْسَ لَهُ حِجَابُ فَقُمْنَا حَاشِدِينَ إلَى بِنَاءٍ ... لَنَا مِنْهُ الْقَوَاعِدُ وَالتّرَابُ غَدَاةَ نَرْفَعُ التّأْسِيسَ مِنْهُ ... وَلَيْسَ عَلَى مُسَوّينَا ثِيَابُ أَعَزّ بِهِ الْمَلِيكُ بَنِي لُؤَيّ ... فَلَيْسَ لِأَصْلِهِ مِنْهُمْ ذَهَابُ وَقَدْ حَشَدَتْ هُنَاكَ بَنُو عَدِيّ ... وَمُرّةُ قَدْ تَقَدّمَهَا كِلَابُ فَبَوّأَنَا الْمَلِيكُ بِذَاكَ عِزّا ... وَعِنْدَ اللهِ يُلْتَمَسُ الثّوَابُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويروى: وليس على مساوينا ثياب وَكَانَتْ الْكَعْبَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- ثمانى عشرة ذراعا، وَكَانَتْ تُكْسَى الْقَبَاطِيّ، ثُمّ كُسِيت الْبُرُودَ. وَأَوّلُ من كساها الديباج: الحجّاج بن يوسف. ـــــــــــــــــــــــــــــ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ فَفِي خَبَرِهَا أَنّهَا كَانَتْ رَضْمًا فَوْقَ الْقَامَةِ. الرّضْمُ: أَنْ تُنَضّدَ الْحِجَارَةُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ مِلَاطٍ «1» كَمَا قَالَ: رزئتهم فى ساعة جرّعتهم ... كئوس الْمَنَايَا تَحْتَ صَخْرٍ مُرَضّمِ وَقَوْلُهُ: فَوْقَ الْقَامَةِ، كَلَامٌ غَيْرُ مُبَيّنٍ لِمِقْدَارِ ارْتِفَاعِهَا إذْ ذَاكَ، وذكر

_ (1) الطير يجعل بين ساقى البناء، ويملط به الحائط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غَيْرُهُ أَنّهَا كَانَتْ تِسْعَ أَذْرُعٍ مِنْ عَهْدِ إسْمَاعِيلَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا سَقْفٌ، فَلَمّا بَنَتْهَا قُرَيْشٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ زَادُوا فِيهَا تِسْعَ أَذْرُعٍ، فكانت ثمان عَشْرَةَ ذِرَاعًا، وَرَفَعُوا بَابَهَا عَنْ الْأَرْضِ، فَكَانَ لَا يُصْعَدُ إلَيْهَا إلّا فِي دَرَجٍ أَوْ سُلّمٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَوّلَ مَنْ عَمِلَ لَهَا غَلَقًا، وَهُوَ تَبَعٌ. ثُمّ لَمّا بَنَاهَا ابْنُ الزّبَيْرِ زَادَ فِيهَا تِسْعَ أَذْرُعٍ، فَكَانَتْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَعَلَى ذَلِكَ هِيَ الْآنَ، وَكَانَ بِنَاؤُهَا فِي الدّهْرِ خَمْسَ مَرّاتٍ. الْأُولَى: حِينَ بَنَاهَا شِيثُ بْنُ آدَمَ «1» ، وَالثّانِيَةُ: حِينَ بَنَاهَا إبْرَاهِيمُ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْأُولَى، وَالثّالِثَةُ: حِينَ بَنَتْهَا قُرَيْشٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِخَمْسَةِ أَعْوَامٍ، وَالرّابِعَةُ: حِينَ احْتَرَقَتْ فِي عَهْدِ ابْنِ الزّبَيْرِ بِشَرَارَةِ طَارَتْ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ، فَوَقَعَتْ فِي أَسْتَارِهَا، فَاحْتَرَقَتْ، وَقِيلَ إنّ امْرَأَةً أَرَادَتْ أَنْ تُجَمّرَهَا، فَطَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْ الْمِجْمَرِ «2» فِي أَسْتَارِهَا، فَاحْتَرَقَتْ، فَشَاوَرَ ابْنُ الزّبَيْرِ فِي هَدْمِهَا مَنْ حَضَرَهُ، فَهَابُوا هَدْمَهَا، وَقَالُوا: نَرَى أَنْ تُصْلَحَ مَا وَهَى، وَلَا تُهْدَمَ. فَقَالَ: لَوْ أَنّ بَيْتَ أَحَدِكُمْ احْتَرَقَ لَمْ يَرْضَ لَهُ إلّا بِأَكْمَلِ صَلَاحٍ. وَلَا يَكْمُلُ إصْلَاحُهَا إلّا بِهَدْمِهَا. فَهَدَمَهَا حَتّى أَفْضَى إلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا فِي الْحَفْرِ. فَحَرّكُوا حَجَرًا فَرَأَوْا تَحْتَهُ نَارًا وهولا «3» . أفزعهم فأمرهم أن يقرّوا

_ (1) أول من بناها إبراهيم. (2) ما يوضع فيه الجمر بالدخنة، والعود نفسه. ويقال أيضا بضم الميم الأولى وفتح الثانية. (3) لم يرد فى الحديث الذى أخرجه مسلم ذكر لهذه النار بل ورد: «فنقضوه أى بناء الكعبة- حتى بلغوا به الأرض، فجعل ابن الزبير أعمدة يستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه» . وفيه أنه زاد فيه خمسة أذرع، وأن طول الكعبة كان ثمانية عشر ذراعا، فلما زاد فيه استقصره، فزاد فى طوله عشرة أذرع وجعل له بابين أحدهما: يدخل منه، والاخر يخرج منه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْقَوَاعِدَ، وَأَنْ يَبْنُوا مِنْ حَيْثُ انْتَهَى الْحَفْرُ. وَفِي الْخَبَرِ أَنّهُ سَتَرَهَا حِينَ وَصَلَ إلَى الْقَوَاعِدِ، فَطَافَ النّاسُ بِتِلْكَ الْأَسْتَارِ، فَلَمْ تَخْلُ قَطّ مِنْ طَائِفٍ حَتّى لَقَدْ ذُكِرَ أَنّ يَوْمَ قَتْلِ ابْنِ الزّبَيْرِ اشْتَدّتْ الْحَرْبُ، وَاشْتَغَلَ النّاسُ فَلَمْ يُرَ طَائِفٌ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ إلّا جَمَلٌ يَطُوفُ بِهَا، فَلَمّا اسْتَتَمّ بُنْيَانُهَا، أُلْصِقَ بَابُهَا بِالْأَرْضِ، وَعَمِلَ لَهَا خَلْفًا أَيْ: بَابًا آخَرَ مِنْ وَرَائِهَا، وَأَدْخَلَ الْحِجْرَ فِيهَا، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ حَدّثَتْهُ بِهِ خَالَتُهُ عَائِشَةُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: أَلَمْ تَرَيْ قَوْمَك حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ حِين عَجَزَتْ بِهِمْ النّفَقَةُ، ثُمّ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَوْلَا حِدْثَانُ عَهْدِ قَوْمِك بِالْجَاهِلِيّةِ لَهَدَمْتهَا، وَجَعَلْت لَهَا خَلْفًا «1» وَأَلْصَقْت بابها بالأرض، وَأَدْخَلْت فِيهَا الْحِجْرَ أَوْ كَمَا قَالَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- قَالَ ابْنُ الزّبَيْرِ: فَلَيْسَ بِنَا الْيَوْمَ عَجْزٌ عَنْ النّفَقَةِ، فَبَنَاهَا عَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ عَائِشَةَ، فَلَمّا قَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، قَالَ. لَسْنَا مِنْ تَخْلِيطِ أَبِي خُبَيْبٍ «2» بِشَيْءِ، فَهَدَمَهَا وَبَنَاهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمّا فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِهَا جَاءَهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَعْرُوفُ بِالْقُبَاعِ «3» ، وَهُوَ أَخُو عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الشّاعِرِ، وَمَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ،

_ (1) وردت فى معناه أحاديث رواها البخارى ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائى والترمذى. (2) هو عبد الله بن الزبير، ويقال عنه وعن ابنه أو أخيه مصعب: الخبيبان (3) القباع بضم القاف وفتح الباء: مكيال ضخم، ولقد لقب الحارث بهذا لأنه اتخذه، أو لأنه قال لأهل البصرة حين ولى عليهم وأتوه بمكيال: إن مكيالكم هذا لقباع، وهو: الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة. وقد سقط من الروض «ابن عبد الله» وأمه: بنت أبرهة. ويقال إنه وجد الصليب فى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَحَدّثَاهُ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى الله عليه وسلم- بالحديث المتقدم،

_ عنقها حين ماتت، فخرج إلى الناس، فقال: انصرفوا رحمكم الله، فإن لها أهل دين هم أولى بها منا ومنكم، فاستحسن ذلك منه. يقول عنه ابن سبة: «كان الحارث ابن عبد الله شريفا كريما دينا وسيدا من سادات قريش» وله قصص طريفة مع أخيه الشاعر عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة. انظر ص 318 نسب قريش ط 1 وص 114 المجلد الأول من الأغانى طبع لبنان. وفى حديث مسلم عما ذكره الروض عن هذا أن الحجاج لما قتل ابن الزبير كتب إلى عبد الملك يخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة، فكتب إليه عبد الملك: إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير فى شىء، أما ما زاده فى طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من الحجر، فرده إلى بنائه، وسد الباب الذى فتحه، فنقضه وأعاده إلى بنائه. وفى برواية أخرى أن الحارث بن عبد الله وفد على عبد الملك بن مروان فى خلافته، فقال عبد الملك: ما أظن أبا خبيب سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها، فقال الحارث: «بلى أنا سمعته منها. قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال: قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن قومك استقصروا من بنيان البيت ولولا حداثه عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا، فإن بدا لقومك من بعدى أن يبنوه فهلمى لأريك ما تركوا منه، وأراها قريبا من سبعة أذرع. هذا حديث عبد الله بن عبيد بن عمير فى مسلم، وزاد عليه الوليد بن عطاء: قال النبى صلى الله عليه وسلم: ولجعلنت لها بابين موضوعين فى الأرض، شرقيا وغربيا، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟ قالت: قلت: لا. قال: تعززا ألا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه حتى يرتقى، حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط» . وفى رواية: أن عبد الملك قال: قاتل الله ابن الزبير حيت يكذب على أم المؤمنين- ثم ذكر حديث عائشة- فقال الحارث لا تقل هذا يا أمير المؤمنين؛ فإنى سمعت أم المؤمنين تحدث هذا. قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير. ويقول ابن كثير: فهذا الحديث

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَنَدِمَ، وَجَعَلَ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ بِمِخْصَرَةِ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: وَدِدْت أَنّي تَرَكْت أَبَا خُبَيْبٍ، وَمَا تَحَمّلَ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذِهِ الْمَرّةُ الْخَامِسَةُ، فَلَمّا قَامَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ، وَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَهَا عَلَى مَا بَنَاهَا ابْنُ الزّبَيْرِ، وَشَاوَرَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: أَنْشُدُك اللهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْ تَجْعَلَ هَذَا الْبَيْتَ مَلْعَبَةً لِلْمُلُوكِ بَعْدَك، لَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يُغَيّرَهُ إلّا غَيّرَهُ «1» فَتَذْهَبُ هَيْبَتُهُ مِنْ قُلُوبِ النّاسِ، فَصَرَفَهُ عَنْ رَأْيِهِ فِيهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنّهُ بُنِيَ فِي أَيّامِ جُرْهُمَ مَرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ؛ لِأَنّ السّيْلَ كَانَ قَدْ صَدّعَ حَائِطَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بُنْيَانًا عَلَى نَحْوِ مَا قَدّمْنَا، إنّمَا كَانَ إصْلَاحًا لِمَا وَهَى مِنْهُ، وَجِدَارًا بُنِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السّيْلِ، بَنَاهُ عَامِرٌ الْجَارُودُ «2» ، وَقَدْ تَقَدّمَ هَذَا الْخَبَرُ، وَكَانَتْ الْكَعْبَةُ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَهَا شِيثُ عَلَيْهِ السلام خيمة من يا قوتة حَمْرَاءَ يَطُوفُ بِهَا آدَمُ، وَيَأْنَسُ إلَيْهَا؛ لِأَنّهَا أُنْزِلَتْ إلَيْهِ مِنْ الْجَنّةِ، وَكَانَ قَدْ حَجّ إلَى مَوْضِعِهَا مِنْ الْهِنْدِ، وَقَدْ قِيلَ: إنّ آدَمَ هُوَ أَوّلُ مَنْ بَنَاهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ. وَفِي الْخَبَرِ أَنّ مَوْضِعَهَا كَانَ غُثَاءَةً عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَلَمّا بَدَأَ اللهُ بِخَلْقِ الْأَشْيَاءِ خَلَقَ التّرْبَةَ قَبْلَ السّمَاءِ، فلما

_ كالمقطوع به إلى عائشة؛ لأنه قد روى عنها من طرق صحيحة متعددة، فدل هذا على صواب ما فعله ابن الزبير، فلو ترك لكان جيدا. ولكن بعد ما رجع الأمر إلى هذا الحال، فقد كره بعض العلماء أن يغير عن حاله. (1) نقل النووى وعياض أن هذا حدث من الرشيد أو أبيه المهدى، وأن مالكا قال: مالك يا أمير المؤمنين. لا تجعل كعبة الله ملعبة للملوك لا يشاء أحد أن يهدمها إلا هدمها. (2) انظر ص 14 من نسب قريش»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَلَقَ السّمَاءَ، وَقَضَاهُنّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ دَحَا الْأَرْضَ، أَيْ: بَسَطَهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها النّازِعَاتُ: 3. وَإِنّمَا دَحَاهَا مِنْ تَحْتِ مَكّةَ؛ وَلِذَلِكَ سُمّيَتْ أُمّ الْقُرَى، وَفِي التّفْسِيرِ أَنّ اللهَ سُبْحَانَهُ حِينَ قَالَ لِلسّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فُصّلَتْ: 11 لَمْ تُجِبْهُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ الْأَرْضِ إلّا أَرْضُ الْحَرَمِ «1» ، فَلِذَلِكَ حَرّمَهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنّ اللهَ حَرّمَ مَكّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَصَارَتْ حُرْمَتُهَا كَحُرْمَةِ الْمُؤْمِنِ، لِأَنّ الْمُؤْمِنَ إنّمَا حُرّمَ دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ بِطَاعَتِهِ لِرَبّهِ، وَأَرْضُ الْحَرَمِ لَمّا قَالَتْ: أَتَيْنَا طَائِعِينَ، حُرّمَ صَيْدُهَا وَشَجَرُهَا وَخَلَاهَا إلّا الْإِذْخِرَ «2» ، فَلَا حُرْمَةَ إلّا لَذِي طَاعَةٍ، جَعَلَنَا اللهُ مِمّنْ أطاعه.

_ (1) هذا من كلام كعب الأحبار وهو معروف بإسرائيلياته. وكل ما قيل عن حج آدم، وعن أصل الكعبة وعن موضعها قبل إبراهيم وعن إجابة أرض الحرم. كل هذا أكاذيب مفتراة. ومن عيوب السهيلى أنه يأتى أحيانا بأسطورة ثم يقيم عليها بناء يتوهمه ثابتا، فليست أرض الحرم وحدها هى التى أطاعت الله، بل الأرض كلها، كما بين القرآن فما بالها لم تحرم؟! (2) فى حديث أخرجه البخارى ومسلم. «إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض، فهى حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة» ومعناه: أن الله قضى هذا كما قضى كل أمر له. هذا وفى حديث رواه مسلم: «إن إبراهيم حرم مكة، وإنى أحرم ما بين لابتيها» وَفِي الصّحِيحَيْنِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال عن المدينة. «اللهم إنى أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة» وفى حديث رواه البخارى: «إن إبراهيم حرم مكة، ودعا لها، وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة» وهذه الأحاديث تؤكد أن إبراهيم هو الذى حرم مكة، وأن النبى صلى الله عليه وسلم حرم المدينة كما حرم إبراهيم مكة..

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سَبَبٌ آخَرُ لِبُنْيَانِ الْبَيْتِ: وَرُوِيَ فِي سَبَبِ بُنْيَانِ الْبَيْتِ خَبَرٌ آخَرُ، وَلَيْسَ بِمُعَارِضِ لِمَا تَقَدّمَ، وَذَلِكَ أَنّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمّا قَالَ لِمَلَائِكَتِهِ: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قالُوا: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها الْبَقَرَةُ: 29. خَافُوا أَنْ يَكُونَ اللهُ عَاتِبًا عَلَيْهِمْ لِاعْتِرَاضِهِمْ فِي عِلْمِهِ، فَطَافُوا بِالْعَرْشِ سَبْعًا، يَسْتَرْضُونَ رَبّهُمْ، وَيَتَضَرّعُونَ إلَيْهِ، فَأَمَرَهُمْ سُبْحَانَهُ أَنْ يَبْنُوا الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ فِي السّمَاءِ السّابِعَةِ، وَأَنْ يَجْعَلُوا طَوَافَهُمْ بِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ مِنْ الطّوَافِ بِالْعَرْشِ، ثُمّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَبْنُوا فِي كُلّ سَمَاءٍ بَيْتًا، وَفِي كُلّ أَرْضٍ بَيْتًا، قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ بَيْتًا، كُلّ بَيْتٍ مِنْهَا مَنَا صَاحِبَهُ، أَيْ: فِي مُقَابَلَتِهِ، لَوْ سَقَطَتْ لَسَقَطَتْ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ. حَوْلَ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ مَرّةً أُخْرَى: رُوِيَ أَيْضًا أَنّ الْمَلَائِكَةَ حِينَ أَسّسَتْ الْكَعْبَةَ انْشَقّتْ الْأَرْضُ إلَى مُنْتَهَاهَا، وَقُذِفَتْ فِيهَا حِجَارَةٌ أَمْثَالَ الْإِبِلِ، فَتِلْكَ الْقَوَاعِدُ مِنْ البيت التى رفع إبراهيم وإسمعيل، فَلَمّا جَاءَ الطّوفَانُ رُفِعَتْ، وَأُودِعَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ أبا قبيس «1» .

_ وفى هذا نظر، فالله جل شأنه هو الذى يحل ويحرم لا النبيون، ولم يذكر تحريم المدينة فى القرآن كما ذكر تحريم مكة، «والإذخر: الحشيش الطيب الرائحة. (1) ليس لكل ما قاله عن الملائكة هنا سند صحيح، ولم يرد حديث طواف الملائكة المذكور هنا سوى: «أبو الفرج» فى كتابه «مثير الغرام» ، وليس من البر فى الدين أن تفترى الأكاذيب لتعظيم أمر، شأنه بالصدق فى النفوس أعظم، والحق لا يحميه لباطل، والجمال يشينه الكذب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنّ الْمَاءَ لَمْ يَعْلُهَا حِينَ الطّوفَانِ، وَلَكِنّهُ قَامَ حَوْلَهَا، وَبَقِيَتْ فِي هَوَاءٍ إلَى السّمَاءِ «1» ، وَأَنّ نُوحًا قَالَ لِأَهْلِ السّفِينَةِ، وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ: إنّكُمْ فِي حَرَمِ اللهِ، وَحَوْلَ بَيْتِهِ، فَأَحْرَمُوا لِلّهِ، وَلَا يَمَسّ أَحَدٌ امْرَأَةً، وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السّمَاءِ حَاجِزًا، فَتَعَدّى حَامٌ، فَدَعَا عَلَيْهِ نُوحٌ أَنْ يَسْوَدّ لَوْنُ بَنِيهِ، فَاسْوَدّ كُوشُ بْنُ حَامٍ وَنَسْلُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ قِيلَ فِي سَبَبِ دَعْوَةِ نُوحٍ عَلَى حَامٍ غَيْرُ هَذَا «2» ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذُكِرَ فِي الْخَبَرِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: أَوّلُ مَنْ عَاذَ بِالْكَعْبَةِ حُوتٌ صَغِيرٌ، خَافَ مِنْ حُوتٍ كَبِيرٍ، فَعَاذَ مِنْهُ بِالْبَيْتِ، وَذَلِكَ أَيّامَ الطّوفَانِ. ذَكَرَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ، فَلَمّا نَضَبَ مَاءُ الطّوفَانِ، كَانَ مَكَانَ الْبَيْتِ رَبْوَةٌ مِنْ مَدَرَةٍ «3» وَحَجّ إلَيْهِ هُودٌ وَصَالِحٌ، ومن آمن معهما، وهو كذلك «4» .

_ (1) كلام لا سند له، وقد روى أن من أسباب بنائها احتراقها أو تصدعها من السيل، فكيف لم ترتفع إلى الهواء. هذا وفى السيرة عن السفينة أنها كانت لرجل من تجار الروم، ولكن ورد عن الأموى أنها كانت لقيصر ملك الروم تحمل آلات البناء من الرخام والخشب والحديد سرحها قيصر مع باقوم الرومى إلى الكنبسة التى أحرقها الفرس للحبشة وقيل عن باقوم القبطى إنه كان مولى سعيد بن العاصى بن أمية وفى الإصابة أن اسم الرجل الذى بنى الكعبة لقريش باقوم وكان روميا، وكان فى سفينة حبستها الريح، فخرجت إليها قريش، وأخذوا خشبها، وقالوا له: ابنها على بناء الكنائس. (2) لأنه رأى عورة أبيه إصحاح 9 سفر التكوين. (3) المدر- محركة- قطع الطين اليابس، أو لعلك الذى لا رمل فيه واحدة مدرة. (4) لم يرد هذا فى نقل صحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيُذْكَرُ أَنّ يَعْرُبَ قَالَ لِهُودِ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَلَا نَبْنِيهِ؟ قَالَ: إنّمَا يَبْنِيهِ نَبِيّ كَرِيمٌ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي يَتّخِذُهُ الرّحْمَنُ خَلِيلًا، فَلَمّا بعث الله إبراهيم وشبّ إسمعيل بِمَكّةَ أَمَرَ إبْرَاهِيمَ بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ، فَدَلّتْهُ عَلَيْهِ السّكِينَةُ «1» ، وَظَلّلَتْ لَهُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ، فَكَانَتْ عَلَيْهِ كَالْجُحْفَةِ «2» ، وَذَلِكَ أَنّ السّكِينَةَ مِنْ شَأْنِ الصّلَاةِ، فَجُعِلَتْ عَلَمًا عَلَى قِبْلَتِهَا حِكْمَةً مِنْ اللهِ سُبْحَانَهُ «3» ، وَبَنَاهُ عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ خَمْسَةِ أَجْبُلٍ، كَانَتْ الْمَلَائِكَةُ تَأْتِيهِ بِالْحِجَارَةِ مِنْهَا، وَهِيَ: طورتينا، وَطَوْرُ زَيْتَا «4» اللّذَيْنِ بِالشّامِ، وَالْجُودِيّ وَهُوَ بِالْجَزِيرَةِ «5» ، وَلُبْنَانُ «6» وَحِرَاءُ وَهُمَا بِالْحَرَمِ، كُلّ هَذَا جَمَعْنَاهُ مِنْ آثَارٍ مَرْوِيّةٍ. وَانْتَبِهْ لِحِكْمَةِ اللهِ كَيْفَ جَعَلَ بِنَاءَهَا مِنْ خَمْسَةِ أَجْبُلٍ، فَشَاكَلَ ذَلِكَ مَعْنَاهَا؛ إذْ هِيَ قِبْلَةٌ لِلصّلَاةِ الْخَمْسِ وَعَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ، وَكَيْفَ دَلّتْ عَلَيْهِ السّكِينَةُ؛ إذْ هُوَ قِبْلَةٌ لِلصّلَاةِ، وَالسّكِينَةُ مِنْ شَأْنِ الصّلَاةِ. قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: «وَأْتُوهَا

_ (1) وهى عند رواة هذا: ريح خجوج، ولها رأسان، فاتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت إلى مكة، فتطوت على موضع البيت كطى الجحفة. والخجوح: الريح الشديدة المرّ، أو الملتوية فى هبوبها. (2) بقية الماء فى جوانب الحوض. (3) مرة أخرى يا بنى على أسطورة رأيا وحديث السكينة ليس له سند صحيح (4) تينا تقال بالكسر وبالفتح ويقول القاموس وتينا هى بمعنى سيناء (5) يعنى جزيرة ابن عمر فى شرقى دجلة من أعمال الموصل (6) فى المراصد، لبنان جبلان قرب مكة يقال لهما، لبن الأسفل ولبن الأعلى وفوق ذاك جبل يقال له: المبرك برك الفيل به

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَعَلَيْكُمْ السّكِينَةُ «1» » فَلَمّا بَلَغَ إبْرَاهِيمُ الرّكْنَ جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْ جَوْفِ أَبِي قُبَيْسٍ، وَرَوَى التّرْمِذِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُنْزِلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ الْجَنّةِ أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ اللّبَنِ، فَسَوّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ «2» » ، وَرَوَى التّرْمِذِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا أَنّ الرّكْنَ الْأَسْوَدَ وَالرّكْنَ الْيَمَانِيّ يَاقُوتُتَانِ مِنْ الْجَنّةِ، وَلَوْلَا مَا طُمِسَ مِنْ نُورِهِمَا لَأَضَاءَتَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: لَأَبْرَآ مَنْ اسْتَلَمَهُمَا مِنْ الْخَرَسِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ «3» ، وَرَوَى غَيْرُ التّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيّ رَحِمَهُ اللهُ أَنّ الْعَهْدَ الّذِي أَخَذَهُ اللهُ عَلَى ذُرّيّةِ آدَمَ حِينَ مَسَحَ ظَهْرَهُ أَلّا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا كَتَبَهُ فِي صَكّ، وَأَلْقَمَهُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ؛ وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْمُسْتَلِمُ لَهُ: إيمَانًا بِك، وَوَفَاءً بِعَهْدِك «4» ، وَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ الزّبَيْرُ، وَزَادَ عَلَيْهِ أَنّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَجْرَى نَهْرًا أطيب

_ (1) فى حديث رواه الجماعة إلا الترمذى: «إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم، فصلوا، وما فاتكم فأتموا» (2) لا يعتد بمثل هذا. وفى البخارى: «فجعل إسماعيل يأتى بالحجارة، وهما- أى إبراهيم وإسماعيل- يقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم» وهو عند ابن أبى حاتم من كلام السدى، ولم يرو البخارى ولا مسلم شيئا من هذا. (3) الأحاديث الصحيحة تخالف ما رواه الترمذى، وتخالف مارواه بعده، والقرآن يؤكد أن الله هو الذى بيده الشفاء لا الركن اليمانى. إنما هو مكر الأساطير بدين الله الحق!! (4) لا يشهد لما قاله حديث صحيح، ولا آية من كتاب الله، وإليك التفسير الصحيح لاية أخذ العهد عن الحسن البصرى، كما رواه عنه جماعة من السلف والخلف-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ اللّبَنِ، وَأَلْيَنَ مِنْ الزّبَدِ، فَاسْتَمَدّ مِنْهُ الْقَلَمَ الّذِي كَتَبَ الْعَهْدَ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو قُبَيْسٍ يُسَمّى: الْأَمِينَ؛ لِأَنّ الرّكْنَ كَانَ مُودَعًا فيه، وأنه نادى إبراهيم حين

_ - (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) ولم يقل من آدم (من ظهورهم) ولم يقل من ظهره (ذرياتهم) أى جعل نسلهم جيلا بعد جيل، وقرنا بعد قرن، كقوله تعالى (وهو الذى جعلكم خلائف الأرض) وقال: (ويجعلكم خلفاء الأرض) وقال: (كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) ثم قال: (وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم، قالوا: بلى) أى: أوجدهم شاهدين بذلك، قائلين له حالا. وقال- أى الحسن البصرى- والشهادة تكون تارة بالقول، وتارة تكون حالا.. كما أن السؤال تارة يكون بالمقال، وتارة يكون بالحال. قالوا- يعنى جماعة من السلف والخلف- ومما يدل على أن المراد بهذا هذا أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم فى الإشراك، فلو كان قد وقع هذا- يعنى استخراج الذرية من ظهر آدم واستنطاق الله لها- كما قال من قال لكان كل أحد يذكره ليكون حجة له) ثم فسروا هذا الإشهاد بأنه الفطرة التى فطر الله الناس عليها من الإقرار بالتوحيد. انظر ابن كثير فى تفسير الاية. هذا وقد حكم الطبرى بعدم صحة نسبة ماروى من أحاديث فى هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحديث موقوف على ابن عمر. ولهذا قال: الظاهر يدل على أنه خبر من الله عن قيل بنى آدم بعضهم لبعض، لأنه جل ثناؤه قال: «وأشهدهم على أنفسهم. ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا» فكأنه قيل: فقال الذين شهدوا على المقرين حين أقروا. فقالوا: بلى شهدنا عليكم بما أقررتم به على أنفسكم. وفى مكان آخر: «وأشهدهم على أنفسهم» أى: أشهد بعضهم على بعض بإقرارهم بذلك. ويقول المرتضى فى أماليه. «وقد ظن بعض من لا بصيرة له، ولا فطنة عنده أن تأويل هذه الاية أن الله استخرج من ظهر آدم جميع ذريته، وهم فى خلق الذر، فقررهم بمعرفته، وأشهدهم على أنفسهم وهذا التأويل مع أن العقل يبطله ويحيله مما يشهد ظاهر القرآن بخلافه، لأن الله تعالى قال: وإذ أخذ ربك من بنى آدم، ولم يقل. من آدم، وقال: من ظهورهم، ولم يقل: من ظهره، وقال: ذرياتهم، ولم يقل. ذريته، ثم أخبر تعالى بأنه-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَلَغَ بِالْبُنْيَانِ إلَى مَوْضِعِ الرّكْنِ، فَأَخْبَرَهُ عَنْ الرّكْنِ فِيهِ، وَدَلّهُ عَلَى مَوْضِعِهِ «1» مِنْهُ، وَانْتَبَهَ من ههنا إلَى الْحِكْمَةِ فِي أَنْ سَوّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ حِجَارَةِ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، وَذَلِكَ أَنّ الْعَهْدَ الّذِي فِيهِ هِيَ الْفِطْرَةُ الّتِي فُطِرَ النّاسُ عَلَيْهَا مِنْ تَوْحِيدِ اللهِ، فَكُلّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى تِلْكَ الْفِطْرَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ الْمِيثَاقِ، فَلَوْلَا أَنّ أَبَوَيْهِ يُهَوّدَانِهِ وَيُنَصّرَانِهِ وَيُمَجّسَانِهِ، حَتّى يَسْوَدّ قَلْبُهُ بِالشّرْكِ، لَمَا حَالَ عَنْ الْعَهْدِ، فَقَدْ صَارَ قَلْبُ ابْنِ آدَمَ مَحِلّا لِذَلِكَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، وَصَارَ الْحَجَرُ مَحِلّا لِمَا كُتِبَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، فَتَنَاسَبَا، فَاسْوَدّ مِنْ الْخَطَايَا قَلْبُ ابْنِ آدَمَ بَعْدَمَا كَانَ وُلِدَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ، وَاسْوَدّ الْحَجَرُ بَعْدَ ابْيِضَاضِهِ، وَكَانَتْ الْخَطَايَا سَبَبًا فِي ذَلِكَ حِكْمَةً مِنْ اللهِ سُبْحَانَهُ، فَهَذَا مَا ذُكِرَ فِي بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ مُلَخّصًا، مِنْهُ مَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ، وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ، وَمِنْهُ مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ التّمْهِيدِ لِأَبِي عُمَرَ، وَنُبَذٌ أَخَذْتهَا مِنْ كِتَابِ فَضَائِلِ مَكّةَ لِرَزِينِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَمِنْ كِتَابِ أَبِي الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيّ فِي أَخْبَارِ مَكّةَ، وَمِنْ أَحَادِيثَ فِي الْمُسْنَدَاتِ الْمَرْوِيّةِ، وَسَنُورِدُ فِي بَاقِي الْحَدِيثِ بَعْضَ مَا بَلَغَنَا فِي ذَلِكَ مُسْتَعِينِينَ بِاَللهِ. وَأَمّا الركن

_ - فعل ذلك، لئلا يقولوا: إنهم كانوا عن هذا غافلين، أو يعتذروا بشرك آبائهم، وأنهم نشئوا على دينهم وسنتهم، وهذا يقتضى أن الاية لم تتناول ولد آدم لصلبه، وأنها تناولت من كان له آباء مشركون، وهذا يدل على اختصاصها ببعض ولد آدم، فهذه شهادة الظاهر ببطلان تأويله» ثم استشهد بدليل عقلى على بطلانه أيضا. واستدل ببعض النقول الصحيحة، انظر ص 20 وما بعدها ح 1 ط 1 (1) لست أدرى- والسهيلى رجل كبير العقل- كيف يردد هذه الأساطير الصغيرة؟!.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْيَمَانِيّ فَسُمّيَ بِالْيَمَانِيّ- فِيمَا ذَكَرَ الْقُتَبِيّ- لِأَنّ رَجُلًا مِنْ الْيَمَنِ بَنَاهُ اسْمُهُ: أُبَيّ بْنُ سَالِمٍ وَأَنْشَدَ: لَنَا الرّكْنُ مِنْ بَيْتِ الْحَرَامِ وِرَاثَةً ... بَقِيّةَ مَا أَبْقَى أُبَيّ بْنُ سَالِمِ حَوْلَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: وَأَمّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَأَوّلُ مَنْ بَنَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَذَلِكَ أَنّ النّاسَ ضَيّقُوا عَلَى الْكَعْبَةِ، وَأَلْصَقُوا دُورَهُمْ بِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: إنّ الْكَعْبَةَ بَيْتُ اللهِ، ولابد لِلْبَيْتِ مِنْ فِنَاءٍ، وَإِنّكُمْ دَخَلْتُمْ عَلَيْهَا، وَلَمْ تَدْخُلْ عَلَيْكُمْ، فَاشْتَرَى تِلْكَ الدّورَ مِنْ أَهْلِهَا وَهَدَمَهَا، وَبَنَى الْمَسْجِدَ الْمُحِيطَ بِهَا، ثُمّ كَانَ عُثْمَانُ، فَاشْتَرَى دُورًا أُخْرَى، وَأَغْلَى فِي ثَمَنِهَا، وَزَادَ فِي سَعَةِ الْمَسْجِدِ فَلَمّا كَانَ ابْنُ الزّبَيْرِ زَادَ فِي إتْقَانِهِ، لَا فِي سَعَتِهِ، وَجَعَلَ فِيهِ عُمُدًا مِنْ الرّخَامِ، وَزَادَ فِي أَبْوَابِهِ، وَحَسّنَهَا، فَلَمّا كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ زَادَ فِي ارْتِفَاعِ حَائِطِ الْمَسْجِدِ، وَحَمَلَ إلَيْهِ السّوَارِيَ فِي الْبَحْرِ إلَى جَدّةَ، وَاحْتُمِلَتْ مِنْ جَدّةَ عَلَى الْعَجَلِ إلَى مَكّةَ، وَأَمَرَ الْحَجّاجُ بْنُ يُوسُفَ فَكَسَاهَا الدّيبَاجَ، وَقَدْ كُنّا قَدّمْنَا أَنّ ابْنَ الزّبَيْرِ كَسَاهَا الدّيبَاجَ قَبْلَ الْحَجّاجِ، ذَكَرَهُ الزّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ، وَذَكَرْنَا أَيْضًا أَنّ خَالِدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ مِمّنْ كَسَاهَا الدّيبَاجَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، ثُمّ كَانَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَزَادَ فِي حُلِيّهَا، وَصَرَفَ فِي مِيزَابِهَا وَسَقْفِهَا مَا كَانَ فِي مَائِدَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضّةٍ، وَكَانَتْ قَدْ اُحْتُمِلَتْ إلَيْهِ مِنْ طُلَيْطُلَةَ مِنْ جَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ، وَكَانَتْ لَهَا أَطْوَاقٌ مِنْ يَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ، وَكَانَتْ قَدْ اُحْتُمِلَتْ عَلَى بَغْلٍ قَوِيّ فَتَفَسّخَ تَحْتَهَا، فَضَرَبَ مِنْهَا الْوَلِيدُ حِلْيَةً

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِلْكَعْبَةِ، فَلَمّا كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ وَابْنُهُ مُحَمّدٌ الْمَهْدِيّ زَادَ أَيْضًا فِي إتْقَانِ الْمَسْجِدِ، وَتَحْسِينِ هَيْئَتِهِ، وَلَمْ يُحْدَثْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَمَلٌ إلَى الْآنَ. وَفِي اشْتِرَاءِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ الدّورَ الّتِي زَادَا فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنّ رِبَاعَ أَهْلِ مَكّةَ مِلْكٌ لِأَهْلِهَا، يَتَصَرّفُونَ فِيهَا بالبيع والشراء إذا شاؤا، وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ. كَنْزِ الْكَعْبَةِ وَالنّجّارِ الْقِبْطِيّ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ دُوَيْكًا الّذِي سَرَقَ كَنْزَ الْكَعْبَةِ، وَتَقَدّمَ أَنّ سَارِقًا سَرَقَ مِنْ مَالِهَا فِي زَمَنِ جُرْهُمَ، وَأَنّهُ دَخَلَ الْبِئْرَ الّتِي فِيهَا كَنْزُهَا فَسَقَطَ عَلَيْهِ حَجَرٌ فَحَبَسَهُ فِيهَا، حَتّى أُخْرِجَ مِنْهَا، وَانْتُزِعَ الْمَالُ مِنْهُ، ثُمّ بَعَثَ اللهُ حَيّةً لَهَا رَأْسٌ كَرَأْسِ الْجَدْيِ، بَيْضَاءُ الْبَطْنِ سَوْدَاءُ الْمَتْنِ، فَكَانَتْ فِي بِئْرِ الْكَعْبَةِ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ فِيمَا ذَكَرَ رَزِينٌ، وَهِيَ الّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ، وَكَانَ لَا يَدْنُو أَحَدٌ مِنْ بِئْرِ الْكَعْبَةِ إلّا احْزَأَلّتْ «1» أَيْ: رَفَعَتْ ذَنَبَهَا، وَكَشّتْ أَيْ: صَوّتَتْ «2» . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ سَفِينَةً رَمَاهَا الْبَحْرُ إلَى جَدّةَ، فَتَحَطّمَتْ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مُنَبّهٍ أَنّ سَفِينَةً خَجّتْهَا الرّيحُ إلَى الشّعَيْبَةِ، وَهُوَ مَرْفَأُ السّفُنِ مِنْ سَاحِلِ بَحْرِ الْحِجَازِ، وَهُوَ كَانَ مَرْفَأَ مَكّةَ وَمَرْسَى سُفُنِهَا قَبْلَ جَدّةَ. وَالشّعَيْبَةُ بِضَمّ الشّينِ ذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ، وَفَسّرَ الْخَطّابِيّ خَجّتْهَا: أَيْ دَفَعَتْهَا بِقُوّةِ، مِنْ الرّيحِ الْخَجُوجِ أى: الدّفوع.

_ (1) فى الأصل، وفى شرح السيرة للخشنى: اخزألت بالخاء، وهو خطأ صوبته من نسخ أخرى للسيرة ومن اللسان والقاموس. (2) وللخشنى: الكشيش صوت جلدها إذا تقبض بعضه فى بعض. وفى السيرة. تتشرق: أى تبرز للشمس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ بِمَكّةَ نَجّارٌ قِبْطِيّ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنّهُ كَانَ عِلْجًا «1» فِي السّفِينَةِ الّتِي خَجّتْهَا الرّيحُ إلَى الشّعَيْبَةِ، وَأَنّ اسْمَ ذلك النجار: يا قوم «2» وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَيْضًا فِي اسْمِ النّجّارِ الّذِي عَمِلَ مِنْبَرَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ، وَلَعَلّهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا، فَاَللهُ أَعْلَمُ. الْحَيّةُ وَالدّابّةُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ خَبَرَ الْعُقَابِ، أَوْ الطّائِرِ الّذِي اخْتَطَفَ الْحَيّةَ مِنْ بِئْرِ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: طَرَحَهَا الطّائِرُ بِالْحَجُونِ، فَالْتَقَمَتْهَا الْأَرْضُ. وَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُقْرِي هَذَا الْقَوْلَ، ثُمّ قَالَ: وَهِيَ الدّابّةُ التى تكلم الناس قبل يوم القيامة، واسهما: أَقْصَى فِيمَا ذُكِرَ، وَمُحَمّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُقْرِي هُوَ النّقّاشُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ بِصِحّةِ مَا قَالَ، غَيْرَ أَنّهُ قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ سَأَلَ رَبّهُ أَنْ يُرِيَهُ الدّابّةَ الّتِي تُكَلّمُ النّاسَ، فَأَخْرَجَهَا لَهُ مِنْ الْأَرْضِ، فَرَأَى مَنْظَرًا هَالَهُ وَأَفْزَعَهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبّ: رُدّهَا، فَرَدّهَا «3» . لَمْ تُرَعْ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ الْحَجَرِ الّذِي أُخِذَ مِنْ الْكَعْبَةِ، فَوَثَبَ مِنْ يَدِ آخِذِهِ، حَتّى عَادَ إلَى مَوْضِعِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: ضَرَبُوا بِالْمِعْوَلِ فِي حَجَرٍ مِنْ أَحْجَارِهَا،

_ (1) الرجل من كفار العجم. (2) وقيل. يا قوم أوبا قول. وقد سبق وانظر ص 63 شرح السيرة للخشنى. (3) لا يروى فى حقيقة صفات الدابة حديث يعتد به. والدابة تطلق على الإنسان. فلنقف عند القرآن والنقاش يكذب ويروى المناكير وليس فى تفسيره حديث صحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلَمَعَتْ بَرْقَةٌ كَادَتْ تَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ، وَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَجَرًا، فَطَارَ مِنْ يَدِهِ، وَعَادَ إلَى مَوْضِعِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قَوْلَهُمْ: اللهُمّ لَمْ تُرَعْ، وَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ تَسْكِينِ الرّوْعِ، وَالتّأْنِيسِ، وَإِظْهَارِ اللّينِ وَالْبِرّ فِي الْقَوْلِ، وَلَا رَوْعَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ فَيُنْفَى، وَلَكِنّ الْكَلِمَةَ تَقْتَضِي إظْهَارَ قَصْدِ الْبِرّ؛ فَلِذَلِكَ تَكَلّمُوا بِهَا، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ التّكَلّمُ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الرّوْعِ الّذِي هُوَ مُحَالٌ فِي حَقّ الْبَارِي تَعَالَى، وَلَكِنْ لَمّا كَانَ الْمَقْصُودُ مَا ذَكَرْنَا، جَازَ النّطْقُ بِهَا «1» ، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللهُ زِيَادَةُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَاغْفِرْ فِدَاءً لَك مَا اقْتَفَيْنَا. وَيُرْوَى أَيْضًا: اللهُمّ لَمْ نَزِغْ، وَهُوَ جَلِيّ لَا يُشْكِلُ. مِنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ أَبِي لَهَبٍ: وَذَكَرَ قَوْلَهُمْ: لَا تُدْخِلُوا فِي هَذَا الْبَيْتِ مَهْرُ بَغِيّ وَهِيَ الزّانِيَةُ، وَهِيَ فَعُولٌ مِنْ الْبِغَاءِ، فَانْدَغَمَتْ الْوَاوُ فِي الْيَاءِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، لِأَنّ فَعِيلًا بِمَعْنَى: فَاعِلٍ يَكُونُ بِالْهَاءِ فِي الْمُؤَنّثِ كَرَحِيمَةِ وَكَرِيمَةٍ، وَإِنّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ هَاءٍ إذَا كَانَ فِي مَعْنَى: مَفْعُولٍ نَحْوَ: امْرَأَةٌ جَرِيحٌ وَقَتِيلٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَا بَيْعَ رِبًا يَدُلّ عَلَى أَنّ الرّبَا كَانَ مُحَرّمًا عَلَيْهِمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ، كَمَا كَانَ الظّلْمُ وَالْبِغَاءُ، وَهُوَ الزّنَا مُحَرّمًا عَلَيْهِمْ، يَعْلَمُونَ ذَلِكَ بِبَقِيّةِ مِنْ بقايا شرع

_ (1) الروع: الفزع، ولا يجوز مطلقا نسبته إلى الله، ثم إنه لم يرد قول صحيح عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هذا. وفى شرح الزرقانى على المواهب: «اللهم لم ترع. أى: لم تفزع الكعبة، فأضمرها لتقدم ذكرها، وهذا أولى من إعادة السهيلى الضمير لله» وهو نقد حق، وهو رأى الخشنى فى شرحه للسيرة. هذا إن كان للحديث سند صحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، كَمَا كَانَ بَقِيَ فِيهِمْ الْحَجّ وَالْعُمْرَةُ وَشَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الطّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا البقرة: 275 دليل على تقدم التّحْرِيمِ. الْحَجَرُ الّذِي كَانَ مَكْتُوبًا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْحَجَرَ الّذِي وُجِدَ مَكْتُوبًا فِي الْكَعْبَةِ، وَفِيهِ: أنا الله ذوبكّة لِحَدِيثِ. رَوَى مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ فِي الْجَامِعِ عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ، وَجَدُوا فِيهَا حَجَرًا، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ صُفُوحٍ «1» فِي الصّفْحِ الْأَوّلِ: أَنَا اللهُ ذُو بَكّةَ صُغْتهَا يَوْمَ صُغْت «2» الشّمْسَ وَالْقَمَرَ إلى آخر كلام بن إسحق، وَفِي الصّفْحِ الثّانِي: أَنَا اللهُ ذُو بَكّةَ، خلقت الرّحم، واشتت لَهَا اسْمًا مِنْ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْته، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتّهُ، وَفِي الصّفْحِ الثّالِثِ: أَنَا الله ذوبكّة «3» ، خَلَقْت الْخَيْرَ وَالشّرّ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ الْخَيْرُ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ كَانَ الشّرّ عَلَى يديه، وفى حديث ابن إسحق: لَا يَحِلّهَا أَوّلُ مِنْ أَهْلِهَا، يُرِيدُ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- مَا كَانَ مِنْ اسْتِحْلَالِ قُرَيْشٍ الْقِتَالَ

_ (1) فى البداية «أصفح» وهو أنسب وصفحة الشىء: جانبه (2) . فى البداية: صنعتها وهو يناسب رواية: خلقتها التى فى السيرة (3) فى البداية: «إنى أنا الله» فى جميع المواضع. والقصة ولا شك مصنوعة، ووزاء بعضها رجل من أهل الكتاب، ففيما ذكر السهيلى وابن هشام ما يدل على هذه النسبة. وإن كانت كلمات حق. ففى الإصحاح الخامس والسادس والسابع من إنجيل متى بعض كلماته. أما قوله: «خلقت الرحم- إلى تبته» فحديث رواه أبو داود والترمذى «أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها مِنْ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْته وَمَنْ قَطَعَهَا بتته»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِيهَا أَيّامَ ابْنِ الزّبَيْرِ، وَحُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ ثُمّ الْحَجّاجُ بَعْدَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: أَلَا مَنْ لِقَلْبِ مُعَنّى غَزِلْ ... بِحُبّ الْمُحِلّةِ أُخْتُ الْمُحِلّ يَعْنِي بِالْمُحَلّ: عَبْدَ اللهِ بْنَ الزّبَيْرِ لِقِتَالِهِ فِي الْحَرَمِ. حَوْلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَقَوَاعِدِ الْبَيْتِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ اخْتِلَافَهُمْ فِي وَضْعِ الرّكْنِ، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الّذِي وَضَعَهُ بِيَدِهِ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنّ إبْلِيسَ كَانَ مَعَهُمْ فِي صُورَةِ شَيْخٍ نَجْدِيّ، وَأَنّهُ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: أَرَضِيتُمْ أَنْ يَضَعَ هَذَا الرّكْنَ، وَهُوَ شَرَفُكُمْ غُلَامٌ يَتِيمٌ دُونَ ذَوِي أَسْنَانِكُمْ، فكاد يُثِيرُ شَرّا فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمّ سَكَنُوا ذَلِكَ. وَأَمّا وَضْعُ الرّكْنِ حِينَ بُنِيَتْ الْكَعْبَةُ فِي أَيّامِ ابْنِ الزّبَيْرِ، فَوَضَعَهُ فِي الْمَوْضِعِ الّذِي هُوَ فِيهِ الْآنَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، وَأَبُوهُ يُصَلّي بِالنّاسِ فِي الْمَسْجِدِ اغْتَنَمَ شُغْلَ النّاسِ عَنْهُ بِالصّلَاةِ لَمّا أَحَسّ مِنْهُمْ التّنَافُسَ فِي ذَلِكَ، وَخَافَ الْخِلَافَ، فَأَقَرّهُ أَبُوهُ. ذَكَرَ ذَلِكَ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ. وذكر ابن إسحق أَيْضًا أَنّهُمْ أَفْضَوْا إلَى قَوَاعِدِ الْبَيْتِ، وَإِذَا هِيَ خُضْرٌ كَالْأَسْنِمَةِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ رِوَايَةَ السّيرَةِ، إنّمَا الصّحِيحُ فِي الْكِتَابِ: كَالْأَسِنّةِ، وَهُوَ وَهْمٌ من بعض النّقلة عن ابن إسحق وَاَللهُ أَعْلَمُ؛ فَإِنّهُ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ بِهَذَا اللّفْظِ لَا عِنْدَ الْوَاقِدِيّ وَلَا غَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيّ فِي بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ. هَذَا الْخَبَرَ، فَقَالَ فِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ: فَنَظَرْت إلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ كَأَسْنِمَةِ الْإِبِلِ، وَتَشْبِيهُهَا بِالْأَسِنّةِ لَا يُشَبّهُ إلّا فِي الزّرْقَةِ، وَتَشْبِيهُهَا بِأَسْنِمَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْإِبِلِ أَوْلَى، لِعِظَمِهَا، وَلِمَا تَقَدّمَ فِي حَدِيثِ بُنْيَانِ الْمَلَائِكَةِ لَهَا قَبْلَ هَذَا «1» . شِعْرُ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: عَجِبْت لِمَا تَصَوّبَتْ الْعُقَابُ. إلَى قَوْلِهِ: تَتْلَئِبّ لَهَا انْصِبَابُ. قَوْلُهُ: تَتْلَئِبّ، يُقَالُ: اتْلَأَبّ عَلَى طَرِيقِهِ إذَا لَمْ يُعَرّجْ يَمْنَةً «2» وَلَا يَسْرَةً، وَكَأَنّهُ مَنْحُوتٌ مِنْ أَصْلَيْنِ كَمَا تَقَدّمَ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ تَلَا: إذَا تَبِعَ، وَأَلَبَ: إذَا أَقَامَ، وَأَبّ أَيْضًا قَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى. يُقَالُ: أَبّ إبَابَةً- مِنْ كِتَابِ الْعَيْنِ- إذَا اسْتَقَامَ وَتَهَيّأَ، فَكَأَنّهُ مُقِيمٌ مُسْتَمِرّ عَلَى مَا يَتْلُوهُ وَيَتْبَعُهُ مِمّا هُوَ بِسَبِيلِهِ، وَالِاسْمُ مِنْ اتْلَأَبّ: التّلَأْبِيبَةُ عَلَى عَلَى وَزْنِ الطّمَأْنِينَةِ وَالْقُشَعْرِيرَةِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَى مُسَوّينَا ثِيَابُ. أَيْ: مُسَوّي البنيان. وهو فى

_ (1) عند أبى ذر الخشنى فى تفسير تشبيهها بالأسنمة. «أراد أن الحجارة دخل بعضها فى بعض كما تدخل عظام السنام بعضها فى بعض، ومن رواه كالأسنة فهو جمع سنان الرمح شبهها بالأسنة فى الخضرة» وفى القصيدة البائية فى السيرة. الذوائب: يريد الأنساب الكريمة. والسبائب: جمع سبيبة وهى ثياب رقاق بيض فشبه الشحم الذى يعلو الجفان بها «عن الخشنى» والحطيم: سمى حطيما؛ لأن الناس يزدحمون فيه، حتى يحطم بعضهم بعضا، وقيل: لأن الثياب كانت تجرد فيه عند الطواف. وذومكة: اسم المسجد، ومكة: اسم البلدة. تحاوزوا: انحازت كل قبيلة إلى جهة. هلم إلى ثوبا: هى كلمة سمى بها الفعل. ومعناه: أقبلوا إلينا تتلئب: تتابع فى انقضاضها (2) وفى القاموس: استقام وانتصب

حديث الحمس

[حديث الحمس] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ- لَا أَدْرِي أَقَبْلَ الْفِيلِ أَمْ بَعْدَهُ- ابْتَدَعَتْ رَأْيَ الْحُمْسِ رَأْيًا رَأَوْهُ وَأَدَارُوهُ، فَقَالُوا: نَحْنُ بَنُو إبْرَاهِيمَ، وَأَهْلُ الْحُرْمَةِ، وَوُلَاةُ الْبَيْتِ، وَقُطّانُ مَكّةَ وَسَاكِنُهَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ مِثْلُ حَقّنَا، وَلَا مِثْلُ مَنْزِلَتِنَا، وَلَا تَعْرِفُ لَهُ الْعَرَبُ مِثْلَ مَا تَعْرِفُ لَنَا، فَلَا تُعَظّمُوا شَيْئًا مِنْ الْحِلّ كَمَا تُعَظّمُونَ الْحَرَمَ، فَإِنّكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ اسْتَخَفّتْ الْعَرَبُ بِحُرْمَتِكُمْ، وَقَالُوا: قَدْ عَظّمُوا مِنْ الْحِلّ مِثْلَ مَا عَظّمُوا مِنْ الْحَرَمِ. فَتَرَكُوا الْوُقُوفَ عَلَى عَرَفَةَ، وَالْإِفَاضَةَ مِنْهَا، وَهُمْ يَعْرِفُونَ وَيُقِرّونَ أَنّهَا مِنْ الْمَشَاعِرِ وَالْحَجّ وَدِينِ إبْرَاهِيمَ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَيَرَوْنَ لسائر العرب أن يُفِيضُوا مِنْهَا، إلّا أَنّهُمْ قَالُوا: نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَخْرُجَ مِنْ الْحُرْمَةِ، وَلَا نُعَظّمُ غَيْرَهَا، كَمَا نُعَظّمُهَا نَحْنُ الْحُمْسُ، وَالْحُمْسُ: أَهْلُ الْحَرَمِ، ثُمّ جَعَلُوا لِمِنْ وُلِدُوا مِنْ الْعَرَبِ مِنْ سَاكِنِ الْحِلّ وَالْحَرَمِ مِثْلَ الّذِي لَهُمْ، بِوِلَادَتِهِمْ إيّاهُمْ، يَحِلّ لَهُمْ مَا يَحِلّ لَهُمْ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مَا يَحْرُمُ عليهم. وكانت كنانة وَخُزَاعَةُ قَدْ دَخَلُوا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ: أَنّ بنى عامر بن صعصعة معاوية بن بكر بن هوازن دَخَلُوا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَنْشَدَنِي لِعَمْرِو بْنِ معد يكرب: ـــــــــــــــــــــــــــــ مَعْنَى الْحَدِيثِ الصّحِيحِ فِي نُقْلَانِهِمْ الْحِجَارَةَ إلَى الْكَعْبَةِ أَنّهُمْ كَانُوا يَنْقُلُونَهَا عُرَاةً، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ دِينًا، وَأَنّهُ مِنْ بَابِ التّشْمِيرِ وَالْجِدّ فِي الطّاعَةِ. وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: مُسَاوِينَا، يُرِيدُ: السّوءآت، فَهُوَ جَمْعُ مَسَاءَةٍ، مَفْعَلَةٌ مِنْ السّوْءَةِ وَالْأَصْلُ مساوىء، فسهلت الهمزة.

أَعَبّاسُ لَوْ كَانَتْ شِيَارًا جِيَادُنَا ... بِتَثْلِيثَ مَا ناصبت بَعْدِي الْأَحَامِسَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَثْلِيثُ: مَوْضِع من بلادهم. والشّيار: الْحِسَانُ. يَعْنِي بِالْأَحَامِسِ: بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ. وَبِعَبّاسٍ: عَبّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ، وَكَانَ أَغَارَ على بنى زبيد بتثليث. وهذا البيت فى قَصِيدَةٍ لِعَمْرٍو. وَأَنْشَدَنِي لِلَقِيطِ بْنِ زُرَارَةَ الدّارِمِيّ فِي يَوْمِ جَبَلَةَ: أَجْذِمْ إلَيْك إنّهَا بَنُو عَبْسٍ ... الْمَعْشَرُ الْجِلّةُ فِي الْقَوْمِ الْحُمْسُ لِأَنّ بَنِي عَبْسٍ كَانُوا يَوْمَ جَبَلَةَ حُلَفَاءَ فِي بنى عامر بن صعصعة. وَيَوْمُ جَبَلَةَ: يَوْمٌ كَانَ بَيْنَ بَنِي حَنْظَلَةَ بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وَبَيْنَ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَكَانَ الظّفَرُ فِيهِ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَلَى بَنِي حَنْظَلَةَ، وَقُتِلَ يَوْمئِذٍ لَقِيطُ بْنُ زُرَارَةَ بْنُ عُدَسَ، وَأُسِرَ حَاجِبُ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ، وانهزم عمرو بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ. فَفِيهِ يَقُولُ جَرِيرٌ لِلْفَرَزْدَقِ: كَأَنّكَ لَمْ تَشْهَدْ لَقِيطًا وَحَاجِبًا ... وعمر بن عمرو إذ دعوا: يالدارم وهذا البيت فى قصيدة له: ثُمّ الْتَقَوْا يَوْمَ ذِي نَجَبٍ فَكَانَ الظّفَرُ لِحَنْظَلَةَ عَلَى بَنِي عَامِرٍ، وَقُتِلَ يَوْمئِذٍ حَسّانُ بن معاوية الكندىّ، وهو أبو كَبْشَةَ. وَأُسِرَ يَزِيدُ بْنُ الصّعَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْكِلَابِيّ، وَانْهَزَمَ الطّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، أَبُو عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ. فَفِيهِ يَقُولُ الْفَرَزْدَقُ: وَمِنْهُنّ إذْ نَجّى طُفَيْلُ بْنُ مَالِكٍ ... عَلَى قُرْزَلٍ رَجْلًا رَكُوضَ الْهَزَائِمِ وَنَحْنُ ضربنا هامة ابن خويلد ... يزيد عَلَى أُمّ الْفِرَاخِ الْجَوَاثِمَ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: فَقَالَ جَرِيرٌ: وَنَحْنُ خَضَبْنَا لِابْنِ كبشة ناجه ... وَلَاقَى امْرَأً فِي ضَمّةِ الْخَيْلِ مِصْقَعًا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَحَدِيثُ يَوْمِ جَبَلَةَ، وَيَوْمِ ذِي نَجَبٍ أَطْوَلُ مِمّا ذَكَرْنَا. وَإِنّمَا مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْتُ فِي حَدِيثِ يوم الفجار. قال ابن إسحاق: ثم ابتدعوا فى ذلك أمورا لم تكن لهم، حتى قَالُوا: لَا يَنْبَغِي لِلْحُمْسِ أَنْ يَأْتَقِطُوا الْأَقِطَ، وَلَا يَسْلَئُوا السّمْنَ وَهُمْ حُرُمٌ، وَلَا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ شَعَرٍ، وَلَا يَسْتَظِلّوا- إنْ اسْتَظَلّوا- إلّا فِي بُيُوتِ الْأَدَمِ مَا كَانُوا حُرُمًا، ثُمّ رَفَعُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالُوا: لَا يَنْبَغِي لأهل الحلّ أن يأكلوا من طعام جاؤا بِهِ مَعَهُمْ مِنْ الْحِلّ إلَى الْحَرَمِ إذَا جاؤا حُجّاجًا أَوْ عُمّارًا، وَلَا يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ إذَا قَدِمُوا أَوّلَ طَوَافِهِمْ إلّا فِي ثِيَابِ الْحُمْسِ. فَإِنّ لَمْ يَجِدُوا مِنْهَا شَيْئًا طَافُوا بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَإِنْ تَكَرّمَ مِنْهُمْ مُتَكَرّمٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَلَمْ يَجِدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثِيَابَ الْحُمْسِ. فَطَافَ فِي ثِيَابِهِ الّتِي جَاءَ بِهَا مِنْ الْحِلّ، أَلْقَاهَا إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ، ثُمّ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا، وَلَمْ يَمَسّهَا هو، ولا أحد غيره أبدا. وكانت الْعَرَبُ تُسَمّي تِلْكَ الثّيَابَ: اللّقَى، فَحَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ الْعَرَبَ. فَدَانَتْ بِهِ، وَوَقَفُوا عَلَى عرفَاتٍ، وَأَفَاضُوا مِنْهَا، وَطَافُوا بِالْبَيْتِ عُرَاةً، أَمّا الرّجَالُ فَيَطُوفُونَ عُرَاةً. وَأَمّا النّسَاءُ فَتَضَعُ إحْدَاهُنّ ثِيَابَهَا كُلّهَا إلّا دِرْعًا مُفَرّجًا عَلَيْهَا، ثُمّ تَطُوفُ فِيهِ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ، وَهِيَ كَذَلِكَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ، أَوْ كُلّهُ ... وما بدا منه فلا أحلّه ومن طَافَ مِنْهُمْ فِي ثِيَابِهِ الّتِي جَاءَ فِيهَا مِنْ الْحِلّ أَلْقَاهَا، فَلَمْ يَنْتَفِعُ بِهَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْعَرَبِ يَذْكُرُ شَيْئًا تَرَكَهُ مِنْ ثِيَابِهِ، فَلَا يَقْرَبُهُ- وَهُوَ يُحِبّهُ-: كَفَى حَزَنًا كَرّى عَلَيْهَا كَأَنّهَا ... لَقًى بَيْنَ أَيْدِي الطّائِفِينَ حَرِيمُ يَقُول: لَا تُمَسّ. فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتّى بَعَثَ اللهُ تَعَالَى مُحَمّدًا- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ حَيْنَ أَحْكَمَ لَهُ دِينَهُ. وَشَرَعَ لَهُ سُنَنَ حَجّهِ: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ البقرة: 199. يَعْنِي قُرَيْشًا، وَالنّاسُ: الْعَرَبُ، فَرَفَعَهُمْ فِي سُنّةِ الْحَجّ إلَى عَرَفَاتٍ، وَالْوُقُوفِ عَلَيْهَا وَالْإِفَاضَةِ مِنْهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ فِيمَا كَانُوا حَرّمُوا عَلَى النّاسِ مِنْ طَعَامِهِمْ وَلَبُوسِهِمْ عِنْدَ الْبَيْتِ. حَيْنَ طافوا عراة، وحرّموا ما جاؤا بِهِ مِنْ الْحِلّ مِنْ الطّعَامِ: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا. إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. قُلْ: مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ. قُلْ: هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ. كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» الأعراف: 31: 33. فَوَضَعَ اللهُ تَعَالَى أَمْرَ الْحُمْسِ، وَمَا كَانَتْ قريش ابتدعت منه، عن النّاسِ بِالْإِسْلَامِ، حَيْنَ بَعَثَ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حزم، عن عثمان بن أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عَمّهِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. قَالَ: لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَإِنّهُ لَوَاقِفٌ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ بِعَرَفَاتٍ مَعَ النّاسِ مِنْ بَيْنَ قَوْمِهِ حَتّى يَدْفَعُ مَعَهُمْ مِنْهَا تَوْفِيقًا مِنْ اللهِ لَهُ، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحُمْسُ فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْحُمْسَ، وَمَا ابْتَدَعَتْهُ قُرَيْشٌ فِي ذَلِكَ، وَالتّحَمّسُ: التّشَدّدُ، وَكَانُوا قَدْ ذَهَبُوا فِي ذَلِكَ مَذْهَبَ التّزَهّدِ وَالتّأَلّهِ «1» ، فَكَانَتْ نِسَاؤُهُمْ

_ (1) فى البداية أنهم لقبوا بهذا من الشدة فى الدين والصلابة، لأنهم عظموا الحرم تعظيما زائدا بحيث التزموا بسببه ألا يخرجوا من ليلة عرفة.. فكانوا لا يقفون بعرفات مع علمهم أنها من مشاعر إبراهيم عليه السلام، حتى لا يخرجوا عن نظام ما كانوا قرروه من البدعة الفاسدة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَا يَنْسِجْنَ الشّعْرَ وَلَا الْوَبَرَ، وَكَانُوا لَا يسلئوون السّمْنَ، وَسَلَأَ السّمْنَ أَنْ يُطْبَخَ الزّبْدُ، حَتّى يَصِيرَ سَمْنًا، قَالَ أَبْرَهَةُ: إنّ لَنَا صِرْمَةً مَخِيسَة ... نَشْرَبُ أَلْبَانَهَا وَنَسْلَؤُهَا «1» ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ معد يكرب: أَعَبّاسُ لَوْ كَانَتْ شِيَارًا جِيَادُنَا. الْبَيْتُ: شِيَارًا مِنْ الشّارَةِ الْحَسَنَةِ يَعْنِي: سِمَانًا حِسَانًا وَبَعْدَ الْبَيْتِ: وَلَكِنّهَا قِيدَتْ بِصَعْدَةِ مَرّةً ... فَأَصْبَحْنَ مَا يَمْشِينَ إلّا تَكَارُسَا «2» وَأَنْشَدَ أَيْضًا: أَجْذِمْ إلَيْك إنّهَا بَنُو عَبَسْ «3» . أَجْذِمْ: زَجْرٌ مَعْرُوفٌ لِلْخَيْلِ وكذلك: أرحب، وهب وهقط وهقط وهقب «4» .

_ (1) صرمة بكسر الصاد: الإبل. مخيسة: لم تسرح، وإنما حبست للنحر أو القسم (2) تكارس الشىء: تراكم وتلازب، وناصيت فى البيت الذى قبله فى السيرة بالياء والباء معا- كما يقول الخشنى- معناها وهى بالياء: عارضت، وأردت المساواة فى المنزلة، وقد يكون ناصبت: بمعنى إظهار العداوة، وتثليث موضع بالحجاز قرب مكة (3) فى السيرة: «المعشر الجلة» الجلة: العظماء، ومن رواه الحلة، فمعناه الذين يسكنون الحل، وفى رواية أبى ذر المعشم- وزن مقعد- بدلا من معشر (4) هقط: تكرار من الطبع، وفى اللسان: أرحبى أيضا، ولم أجد فى مادة هب إلا «هبهب إذا زجر» وفى مادة رحب روى بيت الكميت بن معروف نعلمها هبى وهلا وأرحب ... وفى أبياتنا ولنا افتلينا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَوْمُ جَبَلَةَ: وَذَكَرَ يَوْمَ جَبَلَةَ. وَجَبَلَةُ «1» هَضْبَةٌ عَالِيَةٌ، كَانُوا قَدْ أَحْرَزُوا فِيهَا عِيَالَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَكَانَ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَئِيسُ نَجْرَانَ، وَهُوَ ابْنُ الْجَوْنِ الْكِنْدِيّ وَأَخٌ لِلنّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَحْسَبُ اسْمُهُ: حَسّانُ بْنُ وَبَرَةَ، وَهُوَ أَخُو النّعْمَانِ لِأُمّهِ، وَفِي أَيّامِ جَبَلَةَ كَانَ مولد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وَلِثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ مُلْكِ أَنُوشِرْوَانَ بْنِ قُبَاذٍ، وَكَانَ مَوْلِدُ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ لِأَرْبَعِ وَعِشْرِينَ مَضَتْ مِنْ مُلْكِ أَنُوشِرْوَانَ الْمَذْكُورِ، فَبَيْنَهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَبَيْنَ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً. عُدُسٌ وَالْحِلّةُ وَالطّلْسُ: وَذَكَرَ زُرَارَةُ بْنُ عُدُسِ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ: عُدُسٌ بِضَمّ الدّالِ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ إلّا أَبَا عُبَيْدَةَ، فَإِنّهُ كَانَ يَفْتَحُ الدّالَ مِنْهُ، وَكُلّ عُدُسٍ فِي الْعَرَبِ سِوَاهُ فَإِنّهُ مَفْتُوحُ الدّالِ. وَذَكَرَ الْحِلّةَ وَهُمْ مَا عَدَا الْحُمْسَ، وَأَنّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً إنْ لَمْ يَجِدُوا ثِيَابَ أَحْمَسَ، وَكَانُوا يَقْصِدُونَ فِي ذَلِكَ طَرْحَ الثّيَابِ الّتِي اقْتَرَفُوا فِيهَا الذّنُوبَ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ الطّلْسَ مِنْ الْعَرَبِ، وَهُمْ صِنْفٌ ثَالِثٌ غَيْرَ الْحِلّةِ، وَالْحُمْسُ كَانُوا يَأْتُونَ مِنْ أَقْصَى الْيَمَنِ طُلْسًا مِنْ الْغُبَارِ، فَيَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ فِي تِلْكَ الثّيَابِ الطّلْسِ، فَسُمّوا بِذَلِكَ. ذَكَرَهُ مُحَمّدُ بْنُ حبيب.

_ (1) فى ح 25 من نهاية الأرب كلام طويل عن أيام العرب. وفيه عن يوم جبلة أنه كان قبل الإسلام بأربعين سنة، وفى الأغانى بتسع وخمسين سنة، وفى النقائض بسبع وخمسين. وأم الفراخ: الرماح. الجواثم: الساكنة اللاطئة مع الأرض، وسيأتى تفسير السهيلى لهما، وهو مخالف للخشنى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللّقَى: فَصْلٌ: وَذَكَرَ اللّقَى وَهُوَ الثّوْبُ الّذِي كَانَ يُطْرَحُ بَعْدَ الطّوَافِ فَلَا يَأْخُذُهُ أَحَدٌ، وَأَنْشَدَ: كَفَى حَزَنًا كَرّي عَلَيْهِ كَأَنّهُ ... لَقًى بَيْنَ أَيْدِي الطّائِفِينَ حَرِيمُ حَرِيمٌ: أَيْ مُحْرِمٌ، لَا يُؤْخَذُ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَكُلّ شَيْءٍ مُطّرَحٌ، فَهُوَ لَقًى قَالَ الشّاعِرُ يَصِفُ فَرْخَ قَطًا: تَرْوِي لَقًى أُلْقِيَ فِي صَفْصَفٍ «1» ... تَصْهَرُهُ الشّمْسُ، فَمَا يَنْصَهِرْ تُرْوَى بِفَتْحِ التّاءِ أَيْ: تَسْتَقِي لَهُ، وَمِنْ اللّقَى: حَدِيثُ فَاخِتَةَ أُمّ حكيم ابن حِزَامٍ، وَكَانَتْ دَخَلَتْ الْكَعْبَةَ وَهِيَ حَامِلٌ مُتِمّ بِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ الْخُرُوجَ مِنْ الْكَعْبَةِ، فَوَضَعَتْهُ فِيهَا، فَلُفّتْ فِي الْأَنْطَاعِ هِيَ وَجَنِينُهَا، وَطُرِحَ مَثْبِرُهَا «2» وَثِيَابُهَا الّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا، فَجُعِلْت لَقًى لَا تُقْرَبُ. رِجْزُ الْمَرْأَةِ الطّائِفَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ الْمَرْأَةِ: الْيَوْمَ يبدو بعضه، أو كله «3» البيتين ويذكر

_ (1) البيت لابن أحمر، والصفصف: المستوى من الأرض (2) الموضع تلد فيه المرأة (3) فى مسلم والنسائى وابن جرير عن ابن عباس قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء. الرجال بالنهار والنساء بالليل، وكانت المرأة تقول، ثم ذكر البيت: اليوم يبدو بعضه الخ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ، هِيَ ضُبَاعَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ قُشَيْرٍ، وَذَكَرَ مُحَمّدُ بْنُ حَبِيبٍ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَهَا، فَذُكِرَتْ لَهُ عَنْهَا كِبْرَةٌ، فَتَرَكَهَا، فَقِيلَ: إنّهَا مَاتَتْ كَمَدًا وَحُزْنًا عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْمُؤَلّفُ: إنْ كَانَ صَحّ هَذَا، فَمَا أَخّرَهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ أُمّا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَزَوْجًا لِرَسُولِ رَبّ الْعَالَمِينَ إلّا قَوْلُهَا: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلّهُ. تَكْرِمَةً مِنْ اللهِ لِنَبِيّهِ وَعِلْمًا مِنْهُ بِغَيْرَتِهِ، وَاَللهُ أَغْيَرُ مِنْهُ. أُسْطُورَةٌ: وَمِمّا ذُكِرَ مِنْ تَعَرّيهمْ فِي الطّوَافِ أَنّ رَجُلًا وَامْرَأَةً طَافَا كَذَلِكَ، فَانْضَمّ الرّجُلُ إلَى الْمَرْأَةِ تَلَذّذًا وَاسْتِمْتَاعًا، فَلَصَقَ عَضُدَهُ بِعَضُدِهَا، فَفَزِعَا عِنْدَ ذَلِكَ، وَخَرَجَا مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مُلْتَصِقَانِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى فَكّ عَضُدِهِ مِنْ عَضُدِهَا، حَتّى قَالَ لهما قائل: توبا مما كان فى ضمير كما، وَأَخْلِصَا لِلّهِ التّوْبَةَ، فَفَعَلَا، فَانْحَلّ أَحَدُهُمَا مِنْ الاخر «1» قرزل وطفيل: وأنشد للفرزدق: ومنهن إذنجى طُفَيْلُ بْنُ مَالِكٍ ... عَلَى قُرْزُلٍ رَجُلًا رَكُوضَ الْهَزَائِمِ «2» قُرْزُلٌ: اسْمُ فَرَسِهِ، وَكَانَ طُفَيْلٌ يُسَمّى: فَارِسَ قُرْزُلٍ، وَقُرْزُلٌ: الْقَيْدُ سَمّى الْفَرَسَ بِهِ، كَأَنّهُ يُقَيّدُ مَا يُسَابِقُهُ «3» ، كَمَا قَالَ امْرُؤُ القيس:

_ (1) هى أسطورة تروى. (2) فى التقائض: أرخى: ورجلى. (3) وله عدة معان أخر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِمُنْجَرِدِ قَيْدِ الْأَوَابِدِ هَيْكَلِ وَطُفَيْلٌ هَذَا هُوَ: وَالِدُ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ، عَدُوّ اللهِ وَعَدُوّ رَسُولِهِ، وَأَخُو طُفَيْلٍ هَذَا: عَامِرٌ مُلَاعِبُ الْأَسِنّةِ، وسنذكر لم سمّى ملاعب، وَنَذْكُرُ إخْوَتَهُ وَأَلْقَابَهُمْ فِي الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللهُ. الْهَامَةُ: وَقَوْلُهُ: عَلَى أُمّ الْفِرَاخِ الْجَوَاثِمِ. يَعْنِي: الْهَامَةَ، وَهِيَ الْبُومُ، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنّ الرّجُلَ إذَا قُتِلَ خَرَجَتْ مِنْ رَأْسِهِ هَامَةٌ تَصِيحُ: اسْقُونِي اسْقُونِي، حَتّى يُؤْخَذَ بِثَأْرِهِ. قَالَ ذُو الْإِصْبَعِ الْعَدْوَانِيّ: أَضْرِبْك حَتّى تَقُولَ الْهَامَةُ اسقونى «1» شرح بيت جرير: فصل: وأنشد لجرير: وَنَحْنُ خَضَبْنَا لِابْنِ كَبْشَةَ تَاجَهُ ... وَلَاقَى امْرَأً فِي ضَمّةِ الْخَيْلِ مِصْقَعَا وَجَدْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ هَذَا الْبَيْتَ. الْمَعْرُوفَ فِي اللّغَةِ أَنّ- الْمِصْقَعَ: الْخَطِيبُ الْبَلِيغُ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، لَكِنْ يُقَالُ فِي اللّغَةِ: صَقَعَهُ: إذَا ضَرَبَهُ عَلَى شَيْءٍ مُصْمِتٍ يَابِسٍ، قَالَهُ الْأَصْمَعِيّ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِصْقَعٌ فِي هَذَا الْبَيْتِ من

_ (1) البيت من عيون قصائده، والشطرة الأولى منه: يا عمرو إلا تدع شتمى ومنقصتى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَذَا الْمَعْنَى، فَيُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ مِصْقَعٌ كَمَا يُقَالُ: مِحْرَبٌ وَفِي الْحَدِيثِ: إنّ سَعْدًا لَمِحْرَبٌ «1» ، يَعْنِي [ابْنَ] أَبِي وَقّاصٍ. مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي أَمْرِ الْحُمْسِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي أَمْرِ الْحُمْسِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا الْآيَةُ. «الْأَعْرَافُ: 30» فَقَوْلُهُ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا إشَارَةٌ إلَى مَا كَانَتْ الْحُمْسُ حَرّمَتْهُ مِنْ طَعَامِ الْحَجّ إلّا طَعَامَ أَحْمَسَ، وَخُذُوا زِينَتَكُمْ: يَعْنِي اللّبَاسَ، وَلَا تَتَعَرّوْا، وَلَذَلِكَ افْتَتَحَ بِقَوْلِهِ: يَا بَنِي آدَمَ، بَعْدَ أَنْ قَصّ خَبَرَ آدَمَ وَزَوْجَهُ، إذْ يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنّةِ، أَيْ: إنْ كُنْتُمْ تَحْتَجّونَ بِأَنّهُ دِينُ آبَائِكُمْ، فَآدَمُ أَبُوكُمْ، وَدِينُهُ: سِتْرٌ الْعَوْرَةُ، كَمَا قَالَ: مِلّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ، أَيْ: إنْ كَانَتْ عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ دِينَ آبَائِكُمْ، فَإِبْرَاهِيمُ أَبُوكُمْ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَمِمّا نَزَلَ فِي ذَلِكَ: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً الْأَنْفَالُ: 35. فَفِي التّفْسِيرِ أَنّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً، وَيُصَفّقُونَ بِأَيْدِيهِمْ وَيُصَفّرُونَ، فَالْمُكَاءُ: الصّفِيرُ، وَالتّصْدِيَةُ التّصْفِيقُ «2» قَالَ الرّاجِزُ: وَأَنَا مِنْ غَرْوِ الْهَوَى أُصَدّي. وَمِمّا نَزَلَ مِنْ أَمْرِ الْحُمْسِ: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها البقرة: 189.

_ (1) تتشابه ألفاظه هنا بالخشنى فى شرح السيرة. يقال: رجل حرب بفتح فسكون، ومحرب- بوزن منبر- ومحراب: شديد الحرب شجاع (2) رواه ابن أبى حاتم، وقال مجاهد: وإنما كانوا يصنعون ذلك، ليخلطوا بذلك على النبى «ص» صلاته. وقال الزهرى: يستهزئون بالمؤمنين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِأَنّ الْحُمْسَ لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ سَقْفٍ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السّمَاءِ عَتَبَةُ بَابٍ وَلَا غَيْرُهَا، فَإِنْ احْتَاجَ أَحَدُهُمْ إلَى حَاجَةٍ فِي دَارِهِ تَسَنّمَ الْبَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ، وَلَمْ يَدْخُلْ مِنْ الْبَابِ، فَقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها، وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ الْبَقَرَةُ: 189 «1» . وُقُوفُ النّبِيّ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالنّبُوّةِ: وَذَكَرَ وُقُوفَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ مَعَ النّاسِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَبْلَ النّبُوّةِ تَوْفِيقًا مِنْ اللهِ، حَتّى لَا يَفُوتَهُ ثَوَابُ الْحَجّ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ حِينَ رَآهُ وَاقِفًا بِعَرَفَةَ مَعَ النّاسِ: هَذَا رَجُلٌ أَحْمَسُ، فَمَا بَالُهُ لَا يَقِفُ مَعَ الْحُمْسِ حيث يقفون «2» ؟!

_ (1) فى هذا ورد عن البراء فى البخارى: «كانوا إذا أحرموا فى الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله: «وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا» وقال الحسن البصرى: كان أقوام من أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم سفرا، وخرج من بيته يريد سفره الذى خرج له، ثم بدا له بعد خروجه أن يقيم، ويدع سفره لم يدخل البيت من بابه، ولكن يتسوره من قبل ظهره، فقال الله تعالى: وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا. الاية. أقول: وهذا أقرب إلى مفهوم الاية وكذلك ما ذكر عن عطاء بن أبى رباح: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا منازلهم من ظهورها. ويرون أن ذلك أدنى إلى البر. وسورة البقرة مدنية. (2) أخرج البخارى عن عائشة. قالت. كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون: الحمس، وسائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر اللهُ نَبِيّهُ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَنّ يأتى عرفات، ثم يقف بها، ثم يفيض منها، فذلك قوله: «من حيث أفاض الناس» وكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وقتادة والسدى وغيرهم، واختاره ابن جرير، وحكى عليه الإجماع-

إخبار الكهان من العرب، والأحبار من يهود والرهبان من النصارى

[إخْبَارُ الْكُهّانِ مِنْ الْعَرَبِ، وَالْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ والرهبان من النصارى] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ الْأَحْبَارُ مِنْ يَهُودَ، وَالرّهْبَانُ مِنْ النّصَارَى، وَالْكُهّانُ مِنْ الْعَرَبِ، قَدْ تَحَدّثُوا بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَبْلَ مَبْعَثِهِ، لَمّا تَقَارَبَ مِنْ زَمَانِهِ. أَمّا الْأَحْبَارُ مِنْ يَهُودَ، وَالرّهْبَانُ مِنْ النّصَارَى، فَعَمّا وَجَدُوا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَتِهِ وَصِفَةِ زَمَانِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَهْدِ أَنْبِيَائِهِمْ إلَيْهِمْ فِيهِ، وَأَمّا الْكُهّانُ مِنْ الْعَرَبِ: فَأَتَتْهُمْ بِهِ الشّيَاطِينُ مِنْ الْجِنّ فِيمَا تَسْتَرِقُ مِنْ السّمْعِ إذْ كَانَتْ وَهِيَ لَا تُحْجَبُ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَذْفِ بِالنّجُومِ، وَكَانَ الْكَاهِنُ وَالْكَاهِنَةُ لَا يَزَالُ يَقَعُ مِنْهُمَا ذِكْرُ بَعْضِ أُمُورِهِ، لَا تُلْقِي الْعَرَبُ لِذَلِكَ فِيهِ بَالًا، حَتّى بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى، وَوَقَعَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ الّتِي كَانُوا يَذْكُرُونَ. فعرفوها. فَلَمّا تَقَارَبَ أَمْرُ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَحَضَرَ مَبْعَثُهُ. حُجِبَتْ الشّيَاطِينُ عَنْ السّمْعِ، وَحِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقَاعِدِ الّتِي كَانَتْ تَقْعُدُ لِاسْتِرَاقِ السّمْعِ فِيهَا، فَرُمُوا بِالنّجُومِ، فَعَرَفَتْ الجنّ أن ذلك لأمر حدث من ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ - وأخرج الإمام أحمد عن جبير بن مطعم قال: أضللت بعيرا لى بعرفة، فذهبت أطلبه فإذا النبى- صلى الله عليه وسلم- واقف، قلت: إن هذا من الحمس ما شأنه ههنا، وأخرجه البخارى ومسلم، ثم رواه البخارى من حديث موسى ابن شعبة عن كريب عن ابن عباس بما يفيد أن المراد من الإفاضة هى الإفاضة من المزدلفة لرمى الجمار.

أمر الله فى العباد، يقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيّهِ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ بَعَثَهُ، وَهُوَ يَقُصّ عَلَيْهِ خَبَرَ الْجِنّ إذْ حُجِبُوا عَنْ السّمْعِ، فَعَرَفُوا مَا عَرَفُوا، وَمَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ حَيْنَ رَأَوْا مَا رَأَوْا: قُلْ: أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ. فَقالُوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ، فَآمَنَّا بِهِ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً. وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا؛ مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً. وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً، وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً. وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ، فَزادُوهُمْ رَهَقاً» .. إلَى قَوْلِهِ: «وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً. وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ، أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً الجنّ: 1- 6 ثم 9، 10 فَلَمّا سَمِعَتْ الْجِنّ الْقُرْآنَ عَرَفَتْ أَنّهَا إنّمَا مُنِعَتْ مِنْ السّمْعِ قَبْلَ ذَلِكَ، لِئَلّا يُشْكِلَ الوحى بشىء خَبَرِ السّمَاءِ، فَيَلْتَبِسُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مَا جَاءَهُمْ مِنْ اللهِ فِيهِ، لِوُقُوعِ الْحُجّةِ، وَقَطْعِ الشّبْهَةِ. فَآمَنُوا وَصَدّقُوا، ثُمّ: وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قالُوا: يَا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ، وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ... الاية. الأحقاف: 30 وَكَانَ قَوْلُ الْجِنّ: «وَأَنّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإتس يعوذون برجال من الجنّ، فردوهم رَهَقًا» . أَنّهُ كَانَ الرّجُلُ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ قريش وغيرهم ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إذا سافر فَنَزَلَ بَطْنَ وَادٍ مِنْ الْأَرْضِ لِيَبِيتَ فِيهِ، قَالَ: إنّي أَعُوذُ بِعَزِيزِ هَذَا الْوَادِي مِنْ الْجِنّ اللّيْلَةَ مِنْ شَرّ مَا فِيهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الرّهَقُ: الطّغْيَانُ وَالسّفَهُ. قَالَ رُؤْبَةُ بن العجّاج. إذ تستبى الهيّامة المرهّقا ... [بمقلتى ريم وحيد أرسقا] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَالرّهَقُ أَيْضًا: طَلَبُك الشّيْءِ حَتّى تَدْنُوَ مِنْهُ، فَتَأْخُذُهُ، أَوْ لَا تَأْخُذُهُ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ يَصِفُ حَمِيرِ وَحْشٍ: بَصْبَصْنَ وَاقْشَعْرَرْنَ مِنْ خَوْفِ الرّهَقِ ... [يمصعن بالأذناب من لوح وبق] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَالرّهَقُ أَيْضًا: مصدر لقول الرجل: رَهِقْتُ الْإِثْمَ أَوْ الْعُسْرَ، الّذِي أَرْهَقَتْنِي رَهَقًا شَدِيدًا، أَيْ: حَمَلْتُ الْإِثْمَ أَوْ الْعُسْرَ الّذِي حَمَلَتْنِي حَمْلًا شَدِيدًا، وَفِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً الكهف: 80» وقوله: وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً الكهف: 73» قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أنه حدث أن أَوّلَ الْعَرَبِ فَزِعَ لِلرّمْيِ بِالنّجُومِ- حَيْنَ رُمِيَ بها- هذا الحىّ من ثقيف، وأنهم جاؤا إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: عَمْرُو بْنُ أُمّيّةَ أَحَدُ بَنِي عِلَاجٍ- قَالَ: وَكَانَ أَدْهَى الْعَرَبِ وَأَنْكَرَهَا رَأْيًا- فَقَالُوا لَهُ: يَا عَمْرُو: أَلَمْ تَرَ مَا حَدَثَ فِي السّمَاءِ مِنْ الْقَذْفِ بِهَذِهِ النّجُومِ؟ قَالَ: بَلَى فَانْظُرُوا، فَإِنْ كَانَتْ مَعَالِمَ النّجُومِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الّتِي يُهْتَدَى بِهَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ، وَتُعْرَفُ بِهَا الْأَنْوَاءُ مِنْ الصّيْفِ وَالشّتَاءِ، لِمَا يُصْلِحُ النّاس فى معايشهم، هى التى يرمى بها، فهو والله طىّ الدنيا، وهلاك هذا الخلق الذى فيها، وإن كَانَتْ نُجُومًا غَيْرَهَا، وَهِيَ ثَابِتَةٌ عَلَى حَالِهَا، فَهَذَا لِأَمْرٍ أَرَادَ اللهُ بِهِ هَذَا الْخَلْقَ، فما هو؟ وقال ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَكَرَ مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شهاب الزهرىّ، عن علىّ ابن الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبّاسِ، عَنْ نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ لَهُمْ: «مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي هَذَا النّجْمِ الّذِي يُرْمَى بِهِ؟ قَالُوا: يَا نَبِيّ اللهِ كُنّا نَقُولُ حَيْنَ رَأَيْنَاهَا يُرْمَى بِهَا: مَاتَ مَلِكٌ، مُلّكَ مُلْكٌ، وُلِدَ مَوْلُودٌ، مَاتَ مَوْلُودٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ وَسَلّمَ: لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَكُنّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ إذَا قَضَى فِي خَلْقِهِ أَمْرًا سَمِعَهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، فَسَبّحُوا، فَسَبّحَ مَنْ تَحْتَهُمْ، فَسَبّحَ لِتَسْبِيحِهِمْ مَنْ تَحْتَ ذَلِكَ، فَلَا يَزَالُ التّسْبِيحُ يَهْبِطُ حَتّى يَنْتَهِيَ إلَى السّمَاءِ الدّنْيَا، فَيُسَبّحُوا ثُمّ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مِمّ سَبّحْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: سَبّحَ مَنْ فَوْقَنَا فَسَبّحْنَا لِتَسْبِيحِهِمْ، فَيَقُولُونَ: أَلَا تَسْأَلُونَ مَنْ فَوْقَكُمْ: مِمّ سَبّحُوا؟ فَيَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتّى يَنْتَهُوا إلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مِمّ سَبّحْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: قَضَى اللهُ فِي خَلْقِهِ كَذَا وَكَذَا، لِلْأَمْرِ الّذِي كَانَ، فَيَهْبِطُ بِهِ الْخَبَرُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتّى يَنْتَهِي إلَى السّمَاءِ الدّنْيَا، فَيَتَحَدّثُوا بِهِ، فَتَسْتَرِقُهُ الشّيَاطِينُ بِالسّمْعِ، عَلَى تَوَهّمٍ وَاخْتِلَافٍ، ثُمّ يَأْتُوا بِهِ الْكُهّانَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَيُحَدّثُوهُمْ بِهِ، فَيُخْطِئُونَ وَيُصِيبُونَ، فَيَتَحَدّثُ بِهِ الْكُهّانُ، فَيُصِيبُونَ بَعْضًا وَيُخْطِئُونَ بَعْضًا. ثُمّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ حَجَبَ الشّيَاطِينَ بِهَذِهِ النّجُومِ الّتِي يُقْذَفُونَ بِهَا، فَانْقَطَعَتْ الْكَهَانَةُ الْيَوْمَ، فلا كهانة» . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي جعفر، عن محمد بن عبد الرحمن ابن أَبِي لَبِيبَةَ، عَنْ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ شهاب عنه. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَهْمٍ يُقَالُ لَهَا الغيطلة، كانت كاهنة فى الجاهلية، فلما جاءها صاحها فى لَيْلَةً مِنْ اللّيَالِي، فَانْقَضّ تَحْتَهَا، ثُمّ قَالَ: أَدْرِ مَا أَدْرِ، يَوْمَ عَقْرٍ وَنَحْرٍ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ حَيْنَ بَلَغَهَا ذَلِكَ: مَا يُرِيدُ؟ ثُمّ جَاءَهَا لَيْلَةً أُخْرَى، فَانْقَضّ تَحْتَهَا، ثُمّ قَالَ: شعوب، ما شعوب، تصرع فيه كعب لجنوب: فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، قَالُوا: مَاذَا يُرِيدُ؟ إنّ هَذَا لِأَمْرٍ هُوَ كَائِنٌ، فَانْظُرُوا مَا هُوَ؟ فَمَا عَرَفُوهُ حَتّى كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ وَأُحُدٍ بِالشّعْبِ، فَعَرَفُوا أَنّهُ الّذِي كَانَ جَاءَ به إلى صاحبته. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْغَيْطَلَةُ: مِنْ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، إخْوَةِ مُدْلِجِ بْنِ مُرّةَ، وَهِيَ أُمّ الْغَيَاطِلِ الّذِينَ ذَكَرَ أبو طالب فى قوله: لَقَدْ سَفُهَتْ أَحْلَامُ قَوْمٍ تَبَدّلُوا ... بَنِي خَلَفٍ قَيْضًا بِنَا وَالْغَيَاطِل فَقِيلَ لِوَلَدِهَا: الْغَيَاطِل، وَهُمْ من بني سهم بن عمرو بن هصيص. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، سَأَذْكُرُهَا فِي موضعها إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ نَافِعٍ الْجُرَشِيّ: أَنّ جَنْبًا بطنا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مِنْ الْيَمَنِ، كَانَ لَهُمْ كَاهِنٌ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَلَمّا ذُكِرَ أَمْرُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ وَسَلّمَ، وَانْتَشَرَ فِي الْعَرَبِ، قَالَتْ لَهُ جَنْبٌ: اُنْظُرْ لَنَا فِي أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ، وَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي أَسْفَلِ جَبَلِهِ، فَنَزَلَ عَلَيْهِمْ حِينَ طَلَعَتْ الشّمْسُ، فَوَقَفَ لَهُمْ قَائِمًا مُتّكِئًا عَلَى قَوْسٍ لَهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السّمَاءِ طَوِيلًا، ثُمّ جَعَلَ يَنْزُو، ثُمّ قَالَ: أَيّهَا النّاسُ، إنّ اللهَ أَكْرَمَ مُحَمّدًا وَاصْطَفَاهُ، وَطَهّرَ قَلْبَهُ وَحَشَاهُ، وَمُكْثُهُ فِيكُمْ أَيّهَا النّاسُ قَلِيلٌ، ثُمّ اشتدّ فى جبله راجعا من حيث جاء. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ، أَنّهُ حَدّثَ: أَنّ عُمَرَ بْنَ الخطاب، بينا هو جالس فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، يُرِيدُ عُمْرَ بْنَ الْخَطّابِ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: إنّ هَذَا الرّجُلُ لَعَلَى شِرْكِهِ مَا فَارَقَهُ بَعْدُ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيّةِ. فَسَلّمَ عَلَيْهِ الرّجُلُ، ثُمّ جَلَسَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَلْ أَسْلَمْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ لَهُ: فَهَلْ كُنْت كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيّةِ؟ فَقَالَ الرّجُلُ: سُبْحَانَ اللهِ يا أمير المؤنين! لَقَدْ خِلْت فِيّ، وَاسْتَقْبَلْتنِي بِأَمْرِ مَا أَرَاك قُلْته لِأَحَدٍ مِنْ رَعِيّتِك مُنْذُ وُلّيتَ مَا وُلّيتَ، فَقَالَ عُمَرُ: اللهُمّ غُفْرًا، قَدْ كُنّا فِي الْجَاهِلِيّةِ عَلَى شَرّ مِنْ هَذَا، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَعْتَنِقُ الْأَوْثَانَ، حَتّى أَكْرَمْنَا اللهُ بِرَسُولِهِ وَبِالْإِسْلَامِ، قَالَ: نَعَمْ، وَاَللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ كُنْتُ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيّةِ، قَالَ: فَأَخْبرنِي مَا جَاءَك بِهِ صَاحِبُك، قَالَ: جَاءَنِي قَبْلَ الإسلام بشهرأ وشيعه، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ إلَى الْجِنّ وَإِبْلَاسِهَا، وَإِيَاسِهَا من دينها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا الْكَلَامُ سَجْعٌ، وَلَيْسَ بِشِعْرٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبٍ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ عِنْدَ ذَلِكَ يُحَدّثُ النّاسَ: وَاَللهِ إنّي لَعِنْدَ وَثَنٍ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيّةِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدْ ذَبَحَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ عِجْلًا، فَنَحْنُ نَنْتَظِرُ قَسْمَهُ لِيَقْسِمَ لَنَا مِنْهُ، إذْ سَمِعْت مِنْ جَوْفِ الْعِجْلِ صوتا ما سمعت صوتا قَطّ أَنْفَذَ مِنْهُ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ بِشَهْرٍ أَوْ شَيْعِهِ، يَقُولُ: يَا ذَرِيحُ، أَمْرٌ نَجِيحٌ، رَجُلٌ يَصِيحُ، يَقُول: لَا إلَهَ إلّا اللهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: رَجُلٌ يَصِيحُ، بِلِسَانٍ فَصِيحٍ، يَقُولُ: لَا إلَهَ إلّا اللهُ. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ. عَجِبْت لِلْجِنّ وَإِبْلَاسِهَا ... وَشَدّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا تَهْوِي إلَى مَكّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا مُؤْمِنُو الْجِنّ كَأَنْجَاسِهَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا مَا بَلَغَنَا مِنْ الْكُهّانِ مِنْ العرب. ـــــــــــــــــــــــــــــ فَصْلٌ فِي الْكِهَانَةِ رُوِيَ فِي مَأْثُورِ الْأَخْبَارِ أن إبليس كان يخترق السّماوات قَبْلَ عِيسَى، فَلَمّا بُعِثَ عِيسَى، أَوْ وُلِدَ حجب عن ثلاث سماوات، فَلَمّا وُلِدَ مُحَمّدٌ حُجِبَ عَنْهَا كُلّهَا، وَقُذِفَتْ الشّيَاطِينُ بِالنّجُومِ وَقَالَتْ قُرَيْشٌ حِينَ كَثُرَ الْقَذْفُ بِالنّجُومِ: قَامَتْ السّاعَةُ، فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ: اُنْظُرُوا إلَى الْعَيّوقِ «1» فَإِنْ كَانَ رُمِيَ بِهِ، فقد آن قيام الساعة، إلّا فَلَا. وَمِمّنْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ الزّبَيْرُ بْنُ أبى بكر.

_ (1) نجم أحمر مصىء فى طرف المجرة الأيمن يتلو الثريا لا يتقدمها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَمْيُ الشّيَاطِينِ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رُمِيَتْ بِهِ الشّيَاطِينُ، حِينَ ظَهَرَ الْقَذْفُ بِالنّجُومِ، لِئَلّا يَلْتَبِسَ بِالْوَحْيِ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ أَظْهَرَ لِلْحُجّةِ، وَأَقْطَعَ لِلشّبْهَةِ، وَالَذَى قَالَهُ صَحِيحٌ: وَلَكِنّ الْقَذْفَ بِالنّجُومِ قَدْ كَانَ قَدِيمًا، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي أَشْعَارِ الْقُدَمَاءِ مِنْ الْجَاهِلِيّةِ. مِنْهُمْ: عوف بن الجرع، وأوس بن حجر، وبشر بن أبى خازم، وَكُلّهُمْ جَاهِلِيّ، وَقَدْ وَصَفُوا الرّمْيَ بِالنّجُومِ، وَأَبْيَاتُهُمْ فِي ذَلِكَ مَذْكُورَةٌ فِي مُشْكِلِ ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجِنّ «1» ، وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ هَذَا الرّمْيِ بِالنّجُومِ: أَكَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنّهُ إذْ جَاءَ الْإِسْلَامُ غَلّظَ وَشَدّدَ، وَفِي قَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً الْجِنّ: 8 الْآيَةُ وَلَمْ يَقُلْ: حُرِسَتْ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ قَدْ كَانَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَمّا بُعِثَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا، وَذَلِكَ لِيَنْحَسِمَ أَمْرُ الشّيَاطِينِ، وَتَخْلِيطِهِمْ، وَلِتَكُونَ الْآيَةُ أَبْيَنَ، وَالْحُجّةُ أَقْطَعَ، وَإِنْ وُجِدَ الْيَوْمَ كَاهِنٌ، فَلَا يَدْفَعُ ذَلِكَ بِمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ مِنْ طَرْدِ الشّيَاطِينِ عَنْ اسْتِرَاقِ السّمْعِ، فَإِنّ ذَلِكَ التّغْلِيظَ وَالتّشْدِيدَ كَانَ زَمَنَ النّبُوّةِ، ثُمّ بَقِيَتْ مِنْهُ، أَعْنِي مِنْ استراق السمع بقايا يسيرة

_ (1) انظر ص 184 ح 2 ط 1 كتاب القرطين الذى هذب فيه ابن مطرف الكنانى كتابى مشكل القرآن أو غريبه لابن قتيبة، وفى هذا يقول ابن قتيبة «وفى أيدى الناس كتب الأعاجم» وسيرهم تنبىء عن انقضاض النجوم فى كل عصر، وكل زمان» وفيه بشر بن خارم وهو خطأ صوابه ما أثبته «انظر ترجمة ابن أبى خازم فى الشعر والشعراء لابن قتيبة»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِدَلِيلِ وُجُودِهِمْ عَلَى النّدُورِ فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ، وَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ. وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الْكُهّانِ فَقَالَ: لَيْسُوا بِشَيْءِ، فَقِيلَ: إنّهُمْ يَتَكَلّمُونَ بِالْكَلِمَةِ، فَتَكُونُ كَمَا قَالُوا، فَقَالَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْجِنّ يَحْفَظُهَا الْجِنّيّ، فَيُقِرّهَا فِي أُذُنِ وَلِيّهِ قَرّ الزّجَاجَةِ «1» ، فَيَخْلِطُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كِذْبَةٍ، وَيُرْوَى: قَرّ الدّجَاجَةِ بِالدّالِ، وَعَلَى هَذِهِ الرّوَايَةِ تَكَلّمَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ. وَالزّجَاجَةُ بِالزّايِ أَوْلَى؛ لِمَا ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ، فَيُقِرّهَا فِي أُذُنِ وَلِيّهِ، كَمَا تُقَرّ الْقَارُورَةُ، وَمَعْنَى يُقِرّهَا: يَصُبّهَا وَيُفْرِغُهَا، قَالَ الرّاجِزُ: لَا تُفْرِغَنْ فِي أُذُنِي قَرّهَا ... مَا يَسْتَفِزّ فَأُرِيك فَقْرَهَا وفى تفسير ابن سلام عن بن عَبّاسٍ، قَالَ: إذَا رَمَى الشّهَابُ الْجِنّيّ لَمْ يُخْطِئْهُ، وَيُحَرّقُ مَا أَصَابَ وَلَا يَقْتُلُهُ، وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: فِي أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ الْعَيْنِ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ سَلَامٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنّهُ كَانَ مَعَ قَوْمٍ، فَرُمِيَ بِنَجْمِ، فَقَالَ: لَا تُتْبِعُوهُ أَبْصَارَكُمْ، وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ حَفْصٍ أَنّهُ سَأَلَ الْحَسَنَ: أَيُتْبِعُ بَصَرَهُ الْكَوْكَبَ. فَقَالَ: قَالَ سُبْحَانَهُ: وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ الْمُلْكُ: 5. وَقَالَ: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْأَعْرَافُ: 185. قَالَ: كَيْفَ نَعْلَمُ إذَا لَمْ نَنْظُرْ إلَيْهِ، لَأُتْبِعَنّهُ بَصَرِي. الْجِنّ الّذِينَ ذَكَرَهُمْ الْقُرْآنُ: وَذَكَرَ النّفَرَ مِنْ الْجِنّ الّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ القرآن والذين: وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ

_ (1) وفى روآية: قز الزجاجة بالزاى، أى: بصوتها إذا صب فيها الماء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُنْذِرِينَ، قالُوا: يَا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى الْأَحْقَافُ: 30. وَفِي الْحَدِيثِ أَنّهُمْ كَانُوا مِنْ جِنّ نَصِيبِينَ «1» . وَفِي التّفْسِيرِ أَنّهُمْ كَانُوا يَهُودًا؛ وَلِذَلِكَ قَالُوا: مِنْ بَعْدِ مُوسَى، وَلَمْ يَقُولُوا مِنْ بَعْدِ عِيسَى ذَكَرَهُ ابْنُ سَلَامٍ» . وَكَانُوا سَبْعَةً، قَدْ ذُكِرُوا بِأَسْمَائِهِمْ فِي التّفَاسِيرِ وَالْمُسْنَدَاتِ، وَهُمْ: شَاصِرٌ، وَمَاصِرٌ، وَمُنْشَى، ولا شى، وَالْأَحْقَابُ، وَهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ ذَكَرَهُمْ ابْنُ دُرَيْدٍ، وَوَجَدْت فِي خَبَرٍ حَدّثَنِي بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ طَاهِرٍ الْإِشْبِيلِيّ الْقَيْسِيّ عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ فِي فَضْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَمْشِي فِي أَرْضٍ فَلَاةٍ فَإِذَا حَيّةٌ مَيّتَةٌ فَكَفّنَهَا بِفَضْلَةِ مِنْ رِدَائِهِ، وَدَفَنَهَا فَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ: يَا سُرّقُ اشْهَدْ، لَسَمِعْت رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لَك: سَتَمُوتُ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَيُكَفّنُك وَيَدْفِنُك رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ- يَرْحَمُك اللهُ- فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ الّذِينَ تَسَمّعُوا الْقُرْآنَ مِنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلّا أَنَا وَسُرّقٌ، وَهَذَا سُرّقٌ قَدْ مَاتَ. وَذَكَرَ ابْنُ سَلَامٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إسْحَاقَ [عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيّ] السّبِيعِيّ عَنْ أَشْيَاخِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنّهُ كَانَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-

_ (1) ذكر أن من العرب من يعربها كجمع المذكر السالم، فيقول: هذه نصيبون وهى مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من موصل إلى الشام ونصيبين أيضا من قرى حلب، ونصيبين كذلك: مدينة على شاطىء الفرات كبيرة تعرف بنصيبين الروم. (2) ما هذا الذى ينقله عن ابن سلام؟ إنه تهويمة خيال. ولعلهم قالوا: من بعد موسى، لأنه لم ينزل بعد التوراة كتاب تشريع ينسخ الشرائع قبله سوى القرآن، أما الإنجيل فيذكر بما فى التوراة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَمْشُونَ فَرُفِعَ لَهُمْ إعْصَارٌ، ثُمّ جَاءَ إعْصَارٌ أَعْظَمُ مِنْهُ، ثُمّ انْقَشَعَ، فَإِذَا حَيّةٌ قَتِيلٌ، فَعَمَدَ رَجُلٌ مِنّا إلَى رِدَائِهِ فَشَقّهُ، وَكَفّنَ الْحَيّةَ بِبَعْضِهِ وَدَفَنَهَا، فَلَمّا جَنّ اللّيْلُ إذَا امْرَأَتَانِ تُتَسَاءَلَانِ: أَيّكُمْ دَفَنَ عَمْرَو بْنَ جَابِرٍ؟ فَقُلْنَا: مَا نَدْرِي مَنْ عَمْرُو بْنُ جَابِرٍ؟ فقالنا: إنْ كُنْتُمْ ابْتَغَيْتُمْ الْأَجْرَ فَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ. إنّ فَسَقَةَ الْجِنّ اقْتَتَلُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ، فَقُتِلَ عَمْرٌو، وَهُوَ الْحَيّةُ الّتِي رَأَيْتُمْ، وَهُوَ مِنْ النّفَرِ الّذِينَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ مِنْ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ وَلّوْا إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ!! ابْنُ عِلَاطٍ وَالْجِنّ: فَصْلٌ: وَأَمّا مَا ذَكَرَهُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ الْآيَةُ؛ الْجِنّ: 6. فَقَدْ رُوِيَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ عن حجاج ابن عِلَاطٍ السّلَمِيّ، وَهُوَ وَالِدُ نَصْرِ بْنِ حَجّاجٍ الّذِي قِيلَ فِيهِ: أَمْ لَا سَبِيلَ إلَى نصر ابن حجّاج «1»

_ (1) يقول البغدادى فى الخزانة «وحكى السهيلى فى الروض الأنف هذه الحكاية على خلاف ما تقدم. قال: الحجاج بن علاط: وهو والد نصر الذى حلق عمر رأسه، فنفاه من المدينة، فَأَتَى الشّامَ، فَنَزَلَ عَلَى أَبِي الْأَعْوَرِ السّلَمِيّ فهويته امرأته، وهويها، وَفَطِنَ أَبُو الْأَعْوَرِ لِذَلِكَ، بِسَبَبِ يَطُولُ ذِكْرُهُ، فَابْتَنَى لَهُ قُبّةً فِي أَقْصَى الْحَيّ، فَكَانَ بِهَا، فَاشْتَدّ ضَنَاهُ بِالْمَرْأَةِ حَتّى مَاتَ كَلَفًا بِهَا، وَسُمّيَ الْمُضْنَى، وَضُرِبَتْ بِهِ الْأَمْثَالُ، وَذَكَرَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِ الْأَمْثَالِ لَهُ خَبَرَهُ بِطُولِهِ» انتهى. أقول: والقصة مشهورة فى كتب الأدب والأمثال. قالوا: أول من عسّ بالليل فى الإسلام: عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- فبينا يعس ليلة سمع امرأة تقول:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - يا ليت شعرى عن نفسى أزاهقة ... منى، ولم أقض ما فيها من الحاج أَلَا سَبِيلَ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا ... أَمْ لَا سبيل إلى نصر بن حجاج إلى فتى ماجد الأخلاق ذى كرم ... سهل المحيا كريم غير فجفاج تنميه أعراق صدق حين تنسبه ... ذى نجدات عن المكروب فراج سامى النواظر من بهزله كرم ... تضىء سنته فى الحالك الداجى نعم الفتى فى سواد الليل نصرته ... ليائس أو لملهوف ومحتاج يا منية لم أرب فيها بضائرة ... والناس من صادق فيها ومن داجى قالوا: فدعا عمر بالمرأة- وهى الذلفا. لقب فريعة بنت همام أم الحجاج- وضربها: بالدرة ضربات، ثم سأل عنها، فلم يخبر عنها إلا بخير، وأتى بنصر، وأمر بشعره فحلق ثم أرسل به إلى البصرة إلى مجاشع بن مسعود السلمى، فكان ما كان منه مما ذكره السهيلى مختصرا- كما جاء فى خزانة البغدادى: وقيل إن المرأة أرسلت إلى عمر بهذه الأبيات: قل للامام الذى تخشى بوادره ... مالى وللخمر أو نصر بن حجاج إنى فتنت أبا حفص بغيرهما ... شرب الحليب وطرف فاتر ساجى الخ قالوا: فبكا عمر، وقال: الحمد لله الذى حبس الهوى التقوى. وبعث عمر إلى المرأة: لم يبلغنا عنك إلا خير، وقد ضرب المثل بالمرأة هذه، فقالوا: «أصب من المتمنية» وبنصر، فقالوا: «أدنف من المتمنى» وقالوا: إن هذه المتمنية هى الفريعة بنت همام أم الحجاج بن يوسف الثقفى. والبيت الأول يروى: «ألا سبيل إلى خمر فأشربها» وهى- كما يقص البغدادى- رواية الجاحظ وحمزة الأصبهانى والسهيلى لكنك ترى الرواية فى الروض «أم لا سبيل الخ» وروى المدائنى وغيره: هل من سبيل، ويروى الزجاج المصراع المذكور فى الروض: أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج ورواه أبو على الفارسى فى إيضاح الشعر عن أبى عبيدة: أو لَا سَبِيلَ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجّاجِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنّهُ قَدِمَ مَكّةَ فِي رَكْبٍ، فَأَجَنّهُمْ اللّيْلُ بِوَادٍ مَخُوفٍ مُوحِشٍ، فَقَالَ لَهُ الرّكْبُ: قُمْ خُذْ لِنَفْسِك أَمَانًا، وَلِأَصْحَابِك، فَجَعَلَ يَطُوفُ بِالرّكْبِ وَيَقُولُ: أُعِيذُ نَفْسِي وَأُعِيذُ صَحْبِي ... مِنْ كُلّ جنّىّ بهذا النّقب حتى أؤب سَالِمًا وَرَكْبِي فَسَمِعَ قَارِئًا: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [فَانْفُذُوا، لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ] الْآيَةُ. الرّحْمَنُ: 33. فَلَمّا قَدِمَ مَكّةَ خَبّرَ كُفّارَ قُرَيْشٍ بِمَا سَمِعَ، فَقَالُوا: أَصَبْت «1» يَا أَبَا كِلَابٍ. إنّ هَذَا يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَاَللهِ لَقَدْ سَمِعْته وَسَمِعَهُ هَؤُلَاءِ مَعِي، ثُمّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَهَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَابْتَنَى بِهَا مَسْجِدًا فَهُوَ يُعْرَفُ بِهِ «2» .

_ - على أن أو بمعنى: الواو. وروايته «ألا» يستشهد بها النحويون على أن «ألا» تستعمل للتمنى. ويقول البغدادى: وقال قوم: هذا الشعر مصنوع إلا البيت الأول «ألا سبيل الخ» وقد جمع البغدادى كل أطراف القصة، وقال عن الشعر: «ولا يخفى ما فيه من الاختلاف من جميع الجهات حتى فى البيت الشاهد» انظر ص 59 وما بعدها ح 4 ط السلفية خزانة الأدب للبغدادى والأمثال للميدانى فى حرف الصاد مما جاء منه على وزن أفعل، وص 513 ح 2 ألف باء ليوسف بن محمد البلوى. (1) روى البلوى نفس القصة، وفيها «صبأت» بدلا من أصبت وهو الأليق (2) ما ذكره هنا لا سند له، وسنذكر ما ورد من أحاديث حول استماع الجن. روى البيهقى فى الدلائل عن ابن عباس: ما قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - الجن ولا رآهم. انطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شىء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، وانظروا ما هذا الذى حال بينكم وبين خبر السماء، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الذى حال بينهم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ، وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا والله الذى حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم: «قالوا: يا قومنا إِنّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرّشْدِ، فامنا به، ولن نشرك بربنا أحدا» وأنزل اللهُ عَلَى نَبِيّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُلْ: أُوحِيَ إِلَيّ أَنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجن) وإنما أوحى إليه قول الجن» ورواه البخارى عن مسدد بنحوه، وأخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ عن أبى عوانة به، ورواه الترمذى والنسائى فى التفسير من حديث أبى عوانة، وروى أحمد عن ابن عباس أنه قال: كان الجن يستمعون الوحى، فيسمعون الكلمة، فيزيدون فيها عشرا، فيكون ما سمعوا حقا، وما زادوا باطلا، وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك، فَلَمّا بُعِثَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- كان أحدهم لا يأتى بمقعده إلا رمى بشهاب يحرق ما أصابت فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: ما هذا إلا من أمر قد حدث، فبث جنوده فإذا بالنبى- صلى الله عليه وسلم- يصلى بين جبلى نخلة فأتوه، فأخبروه، فقال: هذا الحدث الذى حدث فى الأرض. ورواه الترمذى والنسائى فى كتابى التفسير وقال الترمذى: حسن صحيح. وروى البخارى، قال: حدثنا الحميدى حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة، يقول: سمعت أبا هريرة رضى الله عنه يقول: إن نبى اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلّمَ- قال: إذا قضى الله تعالى الأمر فى السماء-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذى قال: الحق، وهو العلى الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترقو السمع هكذا بعضه فوق بعض- وصفه سفيان بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه- فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الاخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها. وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا، وكذا، فيصدق بتلك الكلمة التى سمعت من السماء» انفرد بإخراجه البخارى دون مسلم من هذا الوجه، وقد رواه أبو داود والترمذى وابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة والله أعلم. وروى أحمد عن ابن عباس قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- جالسا فى نفر من أصحابه، فرمى بنجم، فاستنار، فقال- صلى الله عليه وسلم: ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا فى الجاهلية؟ قالوا: كنا نقول: يولد عظيم، أو يموت عظيم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح السماء الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح السماء الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذين يلون حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء حتى ينتهى الخبر إلى هذه السماء، وتخطف الجن السمع، فيرمون، فما جاؤا به على وجهه، فهو حق، ولكنهم يفرقون فيه ويزيدون» وقد أخرجه مسلم فى صحيخه من حديث صالح بن كيسان والأوزاعى ويونس ومعقل بن عبيد الله، أربعتهم، عن الزهرى عن على بن الحسين عن ابن عباس رضى الله عنهما، عن رجل من الأنصار به. وكذا رواه النسائى فى التفسير- من حديث الزبيدى عن الزهرى به، ورواه الترمذى فيه عن الحسين بن حريت عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعى. عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الله، عن ابن عباس رضى الله عنهما، عن رجل من الأنصار- رضى الله عنه، وحسب المؤمن فى مثل هذا وغيره أن يتدبر القرآن أولا، ثم الصحيح المشهود له بالصحة القوية من الحديث-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَوْلَ انْقِطَاعِ الْكِهَانَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ وَفِيهِ: كُنّا نَقُولُ إذَا رَأَيْنَاهُ: يَمُوتُ عَظِيمٌ أَوْ يُولَدُ «1» عَظِيمٌ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ أَنّ الْقَذْفَ بِالنّجُومِ كَانَ قَدِيمًا، وَلَكِنّهُ إذْ بُعِثَ الرسول عليه السلام، غلّظ وَشَدّدَ- كَمَا قَالَ الزّهْرِيّ- وَمُلِئَتْ السّمَاءُ حَرَسًا. وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْكِهَانَةُ الْيَوْمَ، فَلَا كِهَانَةَ. يَدُلّ قَوْلُهُ: الْيَوْمَ عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ الزّمَانِ كَمَا قَدّمْنَاهُ، وَاَلّذِي انْقَطَعَ الْيَوْمَ، وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنْ تُدْرِكَ الشّيَاطِينُ مَا كَانَتْ تُدْرِكُهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ الْجَهْلَاءِ، وَعِنْدَ تَمَكّنِهَا مِنْ سَمَاعِ أَخْبَارِ السّمَاءِ، وَمَا يُوجَدُ الْيَوْمَ مِنْ كَلَامِ الْجِنّ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَجَانِينِ إنّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنْهُمْ عَمّا يَرَوْنَهُ فِي الْأَرْضِ، مِمّا لَا نَرَاهُ نَحْنُ كَسَرِقَةِ سَارِقٍ، أَوْ خَبِيئَتِهِ فِي مَكَانٍ خَفِيّ «2» ، أَوْ نَحْوِ ذلك، وإن أخبروا مما سَيَكُونُ كَانَ تَخَرّصًا وَتَظَنّيًا، فَيُصِيبُونَ قَلِيلًا، وَيُخْطِئُونَ كَثِيرًا. وَذَلِكَ الْقَلِيلُ الّذِي يُصِيبُونَ هُوَ مِمّا يتكلم به الملائكة فى العنان، كما

_ - لأن موضوع الجن من الغيب الذى لا يعلمه إلا الله، ولا يعرف إلا عن الوحى. وقول الله تعالى فى سورة الأحقاف وسورة الجن يؤكد أنه صلى الله عليه وسلم لم ير الجن الذين استمعوا له. (1) ذكرته من قبل (2) هذا إفك يفتريه الدجاجلة. وأحب أن أذكر بقصة الجن الذين مات سليمان أمام أعينهم دون أن يعلموا (فلما خر تبيّنت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين) فلنتدبر هذه الاية المحكمة نؤمن بأن الجن لا يعرفون غيبا كما بين الله. بل إنهم لم يعرفوا حتى ما وقع تحت عيونهم!!

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيّ، فَيُطْرَدُونَ بِالنّجُومِ، فَيُضِيفُونَ إلَى الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كِذْبَةٍ- كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ- فِي الْحَدِيثِ الّذِي قَدّمْنَاهُ، فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ كَانَ صَافُ بْنُ صَيّادٍ، وَكَانَ يَتَكَهّنُ، وَيَدّعِي النّبُوّةَ، وَخَبّأَ لَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبِيئًا، فَعَلِمَهُ، وَهُوَ الدّخّ «1» فَأَيْنَ انْقِطَاعُ الْكِهَانَةِ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ؟ قُلْنَا: عَنْ هَذَا جَوَابَانِ، أَحَدُهُمَا ذَكَرَهُ الْخَطّابِيّ فِي أَعْلَامِ الْحَدِيثِ قَالَ: الدّخّ نَبَاتٌ يَكُونُ مِنْ النّخِيلِ، وَخَبّأَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ الدّخّانُ: 10، فَعَلَى هَذَا لَمْ يُصِبْ ابْنُ صَيّادٍ مَا خَبّأَ له النبى- صلى الله عليه وسلم.

_ (1) بضم الدال وفتحها: الدخان، ويقول ابن الأثير فى النهاية: وفسر فى الحديث أنه أراد بذلك: (يوم تأتى السماء بدخان مبين) وقيل إن الدجال يقتله عيسى عليه السلام بجبل الدخان. انتهى فيحتمل أن يكون أراده تعريضا بقتله، لأن ابن صياد كان يظن أنه الدجال، وحديث ابن صياد متفق عليه، وَفِيهِ أَنّ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قال لابن صياد: ماذا ترى؟ قال ابن صياد: يأتينى صادق وكاذب، قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلط عليك الأمر، قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنى خبأت لك خبيئا وخبأ له. (يوم تأتى السماء بدخان مبين) فقال: هو الدّخ، فقال: اخسأ: فلن تعدو قدرك الحديث. وإذا كان الله سبحانه قد نفى علم الغيب عن الجن وعن الملائكة وعن الرسل، فكيف يجوز لنا أن ننسب إلى دجال كابن صياد أنه كان يعرف الغيب؟ ولا أظن أن رسول الله «ص» - على فرض الصحة- قصد من الاختبار هل يعرف ابن صياد الغيب أو لا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يؤمن قبل هذا بأن الله وحده هو عالم الغيب، وأنه لا ابن صياد، ولا غيره يعلمون من الغيب شيئا. إنما قصد الرسول بالاختيار أن يظهر أمام الحضور وأن يوضح حقيقة ابن صياد. وهى أنه مفتر كذاب، وأن علم الغيب إنما هو لله وحده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثّانِي: أَنّ شَيْطَانَهُ كَانَ يَأْتِيهِ بِمَا خَفِيَ مِنْ أَخْبَارِ الْأَرْضِ، وَلَا يَأْتِيهِ بِخَبَرِ السّمَاءِ لِمَكَانِ الْقَذْفِ وَالرّجْمِ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالدّخّ الدّخَانَ بِقُوّةِ جُعِلَتْ لَهُمْ فِي أَسْمَاعِهِمْ لَيْسَتْ لَنَا، فَأَلْقَى الْكَلِمَةَ عَنْ لِسَانِ صِافٍ وَحْدَهَا، إذْ لَمْ يُمْكِنْ سَمَاعُ سَائِرِ الْآيَةِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ النّبِيّ- عَلَيْهِ السّلَامُ: اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدَرَ اللهِ فِيك أَيْ: فَلَنْ تَعْدُوَ مَنْزِلَتَك مِنْ الْعَجْزِ عَنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، وَإِنّمَا الّذِي يُمْكِنُ فِي حَقّهِ هَذَا الْقَدَرُ دُونَ مَزِيدٍ عَلَيْهِ، عَلَى هَذَا النّحْوِ فَسّرَهُ الْخَطّابِيّ. الْغَيْطَلَةُ الْكَاهِنَةُ وَكِهَانَتُهَا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الْغَيْطَلَةِ الْكَاهِنَةِ، قَالَ: وَهِيَ مِنْ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ أَخِي مُدْلِجٍ، وَهِيَ: أُمّ الْغَيَاطِلِ الّذِي ذَكَرَ أَبُو طَالِبٍ، وَسَنَذْكُرُ مَعْنَى الْغَيْطَلَةِ عِنْدَ شِعْرِ أَبِي طَالِبٍ إنْ شاء الله. ونذكرها ههنا مَا أَلْفِيّتِهِ فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. قَالَ: الْغَيْطَلَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الصّعِقِ ابن شَنُوقِ بْنِ مُرّةَ، وَشَنُوقٌ أَخُو مُدْلِجٍ، وَهَكَذَا ذَكَرَ نَسَبَهَا الزّبَيْرُ. وَذَكَرَ قَوْلَهَا: شُعُوبُ وَمَا شعوب، تصرع فيها كعب لجنوب. كعب ههنا هُوَ: كَعْبُ بْنُ لُؤَيّ، وَاَلّذِينَ صُرِعُوا لِجُنُوبِهِمْ بِبَدْرِ وَأُحُدٍ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، مُعْظَمُهُمْ مِنْ كعب بن لؤىّ، وشعوب ههنا أَحْسَبُهُ بِضَمّ الشّينِ، وَلَمْ أَجِدْهُ مُقَيّدًا، وَكَأَنّهُ جَمْعُ شَعْبٍ، وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ يَدُلّ عَلَى هَذَا حِينَ قَالَ: فَلَمْ يَدْرِ مَا قَالَتْ، حَتّى قُتِلَ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرِ وَأُحُدٍ بِالشّعْبِ «1» .

_ (1) ومن رواه بفتح الشين فهو اسم للمنية لا يصرف ص 68 الخشنى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ قَوْلَ التّابِعِ: أَدْرِ مَا أَدْرِ، وَقَيّدَ عَنْ أَبِي عَلِيّ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى: وَمَا بَدْرٌ؟ وَهِيَ أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ النّعْمَانِ النّجّارِيّةَ كَانَ لَهَا تَابِعٌ مِنْ الْجِنّ، وَكَانَ إذَا جَاءَهَا اقْتَحَمَ عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا، فَلَمّا كَانَ فِي أَوّلِ الْبَعْثِ أَتَاهَا، فَقَعَدَ عَلَى حَائِطِ الدّارِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فَقَالَتْ لَهُ: لِمَ لَا تَدْخُلُ؟ فَقَالَ: قَدْ بُعِثَ نَبِيّ بِتَحْرِيمِ الزّنَا، فَذَلِكَ أَوّلُ مَا ذُكِرَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ «1» . ثَقِيفٌ وَلَهَبٌ وَالرّمْيُ بِالنّجُومِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ إنْكَارَ ثَقِيفٍ لِلرّمْيِ بِالنّجُومِ، وَمَا قَالَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ أَحَدُ بَنِي عِلَاجٍ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحُ الْمَعْنَى، لَكِنّ فِيهِ إبْهَامًا لِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ هَذِهِ النّجُومُ فَهُوَ لِأَمْرِ حَدَثَ، فَمَا هُوَ وَقَدْ فَعَلَ مَا فَعَلَتْ ثَقِيفٌ بَنُو لِهْبٍ عِنْدَ فَزَعِهِمْ لِلرّمْيِ بِالنّجُومِ، فَاجْتَمَعُوا إلَى كَاهِنٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: خَطَرُ، فَبَيّنَ لَهُمْ الْخَبَرَ، وَمَا حَدَثَ مِنْ أَمْرِ النّبُوّةِ. رَوَى أَبُو جَعْفَرٍ الْعَقِيلِيّ فِي كِتَابِ الصّحَابَةِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي لِهْبٍ يُقَالُ لَهُ: لِهْبٌ أَوْ لُهَيْبٌ «2» . وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَلَى نَسَبِ لِهْبٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ. قَالَ لُهَيْبٌ: حضرت مع رسول

_ (1) لا أدرى كيف يلقى السهيلى وأمثاله آذانهم إلى مثل هذا الخرف، وإلى الباطل الذى يؤكد القرآن أنه باطل. ولنتدبر عشرات الايات فى القرآن التى تنفى علم الغيب عن غير الله. وتابعها: شيطان إنسى بدليل الزنا!! (2) فى الأصل «لهيب أو لهيب» وهو خطأ صوبته من الإصابة، فابن منده يقول: «لهيب بالتصغير بن مالك اللهبى، وأبو عمر يقول: لهب مكبرا وبه جزم الرشاطى» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْت عِنْدَهُ الْكِهَانَةَ، فَقُلْت: بِأَبِي وَأُمّي: نَحْنُ أَوّلُ مَنْ عَرَفَ حِرَاسَةَ السّمَاءِ، وَزَجْرَ الشّيَاطِينِ، وَمَنْعَهُمْ مِنْ اسْتِرَاقِ السّمْعِ عِنْدَ قَذْفِ النّجُومِ، وَذَلِكَ أَنّا اجْتَمَعْنَا إلَى كَاهِنٍ لَنَا يُقَالُ لَهُ: خَطَرُ بْنُ مَالِكٍ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ مِائَتَا سَنَةٍ وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ كُهّانِنَا، فَقُلْنَا: يَا خَطَرُ هَلْ عِنْدَك عِلْمٌ مِنْ هَذِهِ النّجُومِ الّتِي يُرْمَى بِهَا، فَإِنّا قَدْ فَزِعْنَا لَهَا، وَخَشِينَا سُوءَ عَاقِبَتِهَا؟ فَقَالَ: ائْتُونِي بِسَحَرْ ... أُخْبِرُكُمْ الْخَبَرْ أَبِخَيْرِ أَمْ ضَرَرْ ... أَوْ لِأَمْنِ أَوْ حَذَرْ قَالَ: فَانْصَرَفْنَا عَنْهُ يَوْمَنَا، فَلَمّا كَانَ مِنْ غَد فِي وَجْهِ السّحَرِ أَتَيْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ عَلَى قَدَمَيْهِ، شَاخِصٌ فِي السّمَاءِ بِعَيْنَيْهِ، فَنَادَيْنَاهُ: أَخَطَرٌ يَا خَطَرُ؟ فَأَوْمَأَ إلَيْنَا: أَنْ أَمْسِكُوا، فَانْقَضّ نَجْمٌ عَظِيمٌ مِنْ السّمَاءِ، وَصَرَخَ الْكَاهِنُ رَافِعًا صَوْتَهُ: أَصَابَهُ إصَابَة ... خَامَرَهُ عِقَابُهْ عَاجَلَهُ عَذَابُهْ ... أَحْرَقَهُ شِهَابُهْ زَايَلَهُ جَوَابُهْ ... يَا وَيْلَهُ مَا حَالُهْ بَلْبَلَهُ بَلْبَالُهْ ... عَاوَدَهُ خَبَالُهْ تَقَطّعَتْ حِبَالُهْ ... وغيّرت أحواله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثُمّ أَمْسَكَ طَوِيلًا وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ بَنِي قَحْطَانِ ... أُخْبِرُكُمْ بِالْحَقّ وَالْبَيَانِ أَقْسَمْت بِالْكَعْبَةِ وَالْأَرْكَانِ ... وَالْبَلَدِ الْمُؤْتَمَنِ السّدّانِ لَقَدْ مُنِعَ السّمْعَ عُتَاةُ الْجَانّ ... بِثَاقِبِ بِكَفّ ذِي سُلْطَانِ مِنْ أَجْلِ مَبْعُوثٍ عَظِيمِ الشّانِ ... يُبْعَثُ بِالتّنْزِيلِ وَالْقُرْآنِ وَبِالْهُدَى وَفَاصِلِ الْقُرْآنِ ... تَبْطُلُ بِهِ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ قَالَ: فَقُلْنَا: وَيْحَك يَا خَطَرُ إنّك لَتَذْكُرُ أَمْرًا عَظِيمًا، فَمَاذَا تَرَى لِقَوْمِك؟ فَقَالَ: أَرَى لِقَوْمِي مَا أَرَى لِنَفْسِي ... أَنْ يَتّبِعُوا خَيْرَ نَبِيّ الْإِنْسِ بُرْهَانُهُ مِثْلُ شُعَاعِ الشّمْسِ ... يُبْعَثُ فِي مَكّةَ دَارِ الْحُمْسِ بِمُحْكَمِ التّنْزِيلِ غَيْرِ اللّبْسِ فَقُلْنَا لَهُ: يَا خَطَرُ، وَمِمّنْ هُوَ؟ فَقَالَ: وَالْحَيَاةِ وَالْعَيْشِ. إنّهُ لَمِنْ قُرَيْشٍ، مَا فِي حِلْمِهِ طَيْشٌ، وَلَا فِي خُلُقِهِ هَيْشٌ «1» يَكُونُ فِي جَيْشٍ، وَأَيّ جَيْشٍ، مِنْ آلِ قَحْطَانَ وَآلِ أَيْشٍ، فَقُلْت لَهُ: بَيّنِ لَنَا: مِنْ أَيّ قُرَيْشٍ هُوَ؟ فَقَالَ: وَالْبَيْتِ ذِي الدّعَائِمِ، وَالرّكْنِ وَالْأَحَائِمِ، إنّهُ لَمِنْ نَجْلِ هَاشِمٍ، مِنْ مَعْشَرٍ كَرَائِمٍ، يُبْعَثُ بِالْمَلَاحِمِ، وَقَتْلِ كُلّ ظَالِمٍ، ثُمّ قَالَ: هَذَا هُوَ الْبَيَانُ، أَخْبَرَنِي بِهِ رَئِيسُ الْجَانّ، ثُمّ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، جَاءَ الْحَقّ وَظَهَرَ، وَانْقَطَعَ عَنْ الْجِنّ الْخَبَرُ- ثُمّ سَكَتَ وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَمَا أَفَاقَ إلّا بعد ثلاثة، فقال: لا إله إلا

_ (1) ليس فى طبيعته وسجيته قول قبيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله؛ فقال رسول الله- صلى الله عليه وَسَلَّمَ: لَقَدْ نَطَقَ عَنْ مِثْلِ نُبُوّةٍ، وَإِنّهُ لَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمّةً وَحْدَهُ «1» . أَصْلُ أَلْفِ إصَابَةٍ: قَالَ الْمُؤَلّفُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ قَوْلُهُ: أَصَابَهُ إصَابَةً، هَكَذَا قَيّدْته بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ إصَابَةٍ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ طَاهِرٍ، وَأَخْبَرَنِي بِهِ عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ، وَوَجْهُهُ أَنْ تَكُونَ. الْهَمْزَةُ بَدَلًا مِنْ وَاوٍ مَكْسُورَةٍ مِثْلُ وِشَاحٍ وَإِشَاحٍ [وَوِسَادَةٍ وَإِسَادَةٍ] ، وَالْمَعْنَى: أَصَابَهُ وَصَابَهُ جَمْعُ: وَصَبٍ مِثْلُ: جَمَلٍ وَجِمَالَةٍ، مَعْنَى كَلِمَةِ أَيْشٍ وَالْأَحَائِمِ: وَقَوْلُهُ: مِنْ آلِ قَحْطَانَ وَآلِ أَيْشٍ، يَعْنِي بِآلِ قَحْطَانَ: الْأَنْصَارَ؛ لِأَنّهُمْ مِنْ قَحْطَانَ، وَأَمّا آلُ أَيْشٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قَبِيلَةً مِنْ الْجِنّ الْمُؤْمِنِينَ، يُنْسَبُونَ إلَى أَيْشٍ، فَإِنْ يَكُنْ هَذَا، وَإِلّا فَلَهُ مَعْنًى فِي الْمَدْحِ غَرِيبٌ، تَقُولُ: فُلَانٌ أَيْشٌ هُوَ وَابْنُ أَيْشٍ، وَمَعْنَاهُ: أَيّ شَيْءٍ أَيْ شَيْءٌ عَظِيمٌ فَكَأَنّهُ أَرَادَ مِنْ آلِ قَحْطَانَ، وَمِنْ الْمُهَاجِرِينَ الّذِي يُقَالُ فِيهِمْ مِثْلُ هَذَا، كَمَا تَقُولُ: هم، وما هم؟ وزيد وما زَيْدٌ، وَأَيّ شَيْءٍ زَيْدٌ، وَأَيْشٌ فِي مَعْنَى: أَيّ شَيْءٍ، كَمَا يُقَالُ وَيْلُمّهِ فِي مَعْنَى: ويل أمه «2» على الحذف

_ (1) هو فى الإصابة مع اختصار واختلاف يسير عما هنا. وعيب السهيلى أنه يصدق مثل هذا، ويعلق عليه كأنه صحيح. بينما يقول أبو عمر: إسناده ضعيف، ورواته مجهولون، وعمارة بن زيد راوى الحديث اتهموه بوضع الحديث (2) ويل أمه: أى هو داهية. ويقول ابن جنى «وأما وزن قوله: «ويلمه فإن حكيت أصله، فوزنه (فع ل عله) وإن وزنت على ما صار إليه بعد التركيب فمثالها (فيعلة) بسكون الياء وضم العين وتضعيف اللام مع فتح فإن قلت: فإن هذا مثال غير موجود، قيل: إنما ينكر هذا: لو كان المثال أصلا برأسه، فامأ وهو فرع أدى إليه التركيب شيئا بعد شىء، فلا ينكر ذلك ... ويجوز-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ: هُوَ فِي جَيْشٍ أَيّمَا جَيْشٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَأَحْسَبُهُ أَرَادَ بِآلِ أَيْشٍ: بَنِي أُقَيْشٍ، وَهُمْ حُلَفَاءُ الْأَنْصَارِ مِنْ الْجِنّ؛ فَحَذَفَ مِنْ الِاسْمِ حَرْفًا، وَقَدْ تَفْعَلُ الْعَرَبُ مِثْلَ هَذَا، وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُ بَنِي أُقَيْشٍ فِي السّيرَةِ فِي حَدِيثِ الْبَيْعَةِ. وَذِكْرُ الرّكْنِ وَالْأَحَائِمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: الْأَحَاوِمَ بِالْوَاوِ، فَهَمْزُ الْوَاوِ لِانْكِسَارِهَا، وَالْأَحَاوِمُ: جَمْعُ أحوام والأحوام جميع حَوْمٍ، وَهُوَ الْمَاءُ فِي الْبِئْرِ، فَكَأَنّهُ أَرَادَ: مَاءَ زَمْزَمَ، وَالْحَوْمُ أَيْضًا: إبِلٌ كَثِيرَةٌ تَرِدُ الْمَاءَ، فَعَبّرَ بِالْأَحَائِمِ عَنْ وِرَادِ زَمْزَمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الطّيْرَ وَحَمَامَ مَكّةَ الّتِي تَحُومُ عَلَى الْمَاءِ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْحَوَائِمِ، وَقُلِبَ اللّفْظُ، فَصَارَ بَعْدُ فَوَاعِلَ: أَفَاعِلَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. حَيّ جَنْبٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّ جَنْبًا وَهُمْ حَيّ مِنْ الْيَمَنِ اجْتَمَعُوا إلَى كَاهِنٍ لَهُمْ، فَسَأَلُوهُ عَنْ أَمْرِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ رَمَى بِالنّجُومِ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ: جَنْبٌ هُمْ مِنْ مَذْحِجَ، وَهُمْ: عَيّذُ اللهِ، وَأَنَسُ اللهِ، وَزَيْدُ اللهِ، وَأَوْسُ اللهِ، وَجُعْفِيّ، وَالْحَكَمُ، وَجِرْوَةُ، بَنُو سَعْدِ الْعَشِيرَةِ «1» بْنِ مَذْحِجَ، وَمَذْحِجُ هُوَ: مَالِكُ بْنُ أُدَدٍ، وَسُمّوا: جَنْبًا لأنهم جانبوا بنى عمهم صداء

_ - أن يكون قولهم: (ويلمه) أصله: ويل لأمه، ثم حذف حرف الجر والهمزة- التى هى فاء- والتنوين، أو لم ينون، لأنه نوى المعرفة كغاق، فبقى: ويلمه) ص 16 التمام فى تفسير أشعار هذيل ط بغداد. وقال ابن الشجرى، أنها تقال بضم اللام وكسرها، وانظر ص 251 ح 3 خزانة البغدادى ط السلفية، فقد فصل القول فيها. وفيه أن معناها مدح خرج بلفظ الذم. وأنها تقال للمستجاد وللداهية. (1) فى جمهرة ابن حزم عن ولد سعد العشيرة أنهم: الحكم- وبه كان يكنى- والصعب ونمرة لأمهات شتى، وجعفى وعائذ الله، وأوهن الله، وزيد الله وأنس الله، والحر أمهم: أسماء بنت أبى بكر بن عبد مناة بن كنانة ص 383

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويزيدا بنى سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجَ «1» . قَالَهُ الدّارَقُطْنِيّ. وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ خِلَافًا فِي أَسْمَائِهِمْ، وَذَكَرَ فِيهِمْ بَنِي غَلِيّ بِالْغَيْنِ، وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ غَلِيّ غَيْرُهُ، قَالَ مُهَلْهِلٌ: أَنْكَحَهَا فَقْدُهَا الْأَرَاقِمَ فِي ... جَنْبٍ، وَكَانَ الْحِبَاءُ مِنْ أَدَمْ مَعْنَى خَلَتْ فِي وَشِيعَةٍ فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ عُمَرَ، وَقَوْلَهُ لِلرّجُلِ: أَكُنْت كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيّةِ؟ فَقَالَ الرّجُلُ: سُبْحَانَ اللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ خِلْت «2» فِيّ، وَاسْتَقْبَلْتنِي بِأَمْرِ مَا أَرَاك اسْتَقْبَلْت بِهِ أَحَدًا مُنْذُ وُلّيت! وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَوْلُهُ: خِلْت فِيّ هُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ خِلْت وَظَنَنْت، كَقَوْلِهِمْ فِي الْمَثَلِ: مَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ أَحَدِ الْمَفْعُولَيْنِ مَعَ بَقَاءِ الْآخَرِ، لِأَنّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، فَإِذَا حُذِفَتْ الْجُمْلَةُ كُلّهَا جَازَ؛ لِأَنّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ الْمَفْعُولِ، وَالْمَفْعُولُ قَدْ يَجُوزُ حذفه، ولكن لابد مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلّ عَلَى الْمُرَادِ، فَفِي قَوْلِهِمْ: مَنْ يَسْمَعْ يَخَلْ دَلِيلٌ يَدُلّ عَلَى الْمَفْعُولِ، وَهُوَ يَسْمَعُ، وَفِي قَوْلِهِ، خِلْت فِيّ دَلِيلٌ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُهُ: فِيّ، كَأَنّهُ قَالَ: خِلْت الشّرفىّ أَوْ نَحْوَ، هَذَا وَقَوْلُهُ: قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِشَهْرِ أَوْ شَيْعِهِ أَيْ: دُونَهُ بِقَلِيلِ، وَشَيْعُ كُلّ شَيْءٍ: مَا هُوَ تَبَعٌ لَهُ، وَهُوَ مِنْ

_ (1) فى الاشتقاق لابن دريد وهو يتكلم عن مذحج (ومن بطونهم بنو منبه ابن حرب بن يزيد والحارث والغلى وسيحان وشمران وهفّان يقال لهم جنب لأنهم جانبوا قومهم) ص 405. (2) يقال: خلت بالكسر إخال وهو الأفصح، وبنو أسد يقولون: أخال بالفتح وهو القياس. المعنى: من يتسمع أخبار الناس ومعايبهم، يقع فى نفسه عليهم المكروه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشّيَاعِ وَهِيَ: حَطَبٌ صِغَارٌ تُجْعَلُ مَعَ الْكِبَارِ تَبَعًا لَهَا، وَمِنْهُ: الْمُشَيّعَةُ، وَهِيَ: الشّاةُ تَتْبَعُ الغنم، لأنها دونها فى الْقُوّةِ. جُلَيْحٌ وَسَوَادُ بْنُ قَارِبٍ: وَالصّوْتُ الّذِي سَمِعَهُ عُمَرُ مِنْ الْعِجْلِ يَا جُلَيْحٌ «1» سَمِعْت بَعْضَ أَشْيَاخِنَا يَقُولُ: هُوَ اسْمُ شَيْطَانٍ، وَالْجُلَيْحُ فى اللغة: ما تطاير من رؤس النّبَاتِ، وَخَفّ نَحْوَ الْقُطْنِ وَشِبْهِهِ، وَالْوَاحِدَةُ: جُلَيْحَةٌ، وَاَلّذِي وَقَعَ فِي السّيرَةِ: يَا ذَرِيحُ، وَكَأَنّهُ نِدَاءٌ لِلْعِجْلِ الْمَذْبُوحِ لِقَوْلِهِمْ: أَحْمَرُ ذَرِيحِيّ، أَيْ: شَدِيدُ الْحُمْرَةِ، فَصَارَ وَصْفًا لِلْعِجْلِ الذّبِيحِ مِنْ أَجْلِ الدّمِ: وَمَنْ رَوَاهُ: يَا جُلَيْحُ، فَمَآلُهُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنّ الْعِجْلَ قَدْ جُلِحَ أَيْ: كُشِفَ عَنْهُ الْجِلْدُ، فَاَللهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا الرّجُلُ الّذِي كَانَ كَاهِنًا هُوَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ الدّوْسِيّ فِي قَوْلِ ابْنِ الْكَلْبِيّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ سَدُوسِيّ «2» وَفِيهِ يَقُولُ الْقَائِلُ: أَلَا لِلّهِ عِلْمٌ لَا يُجَارَى ... إلَى الْغَايَاتِ فِي جَنْبَيْ سَوَادِ أَتَيْنَاهُ نُسَائِلُهُ امْتِحَانًا ... فَلَمْ يَبْعَلْ، وَأَخْبَرَ بِالسّدَادِ «3» وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي شِعْرٍ وَخَبَرٍ ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيّ الْقَالِي فِي أَمَالِيهِ، وَرَوَى غير ابن إسحاق هذا الخير عَنْ عُمَرَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَنّ عمر مازحه، فقال: ما فعلت:

_ (1) هذه رواية البخارى. (2) قال ابن حبيب: كل سدوس فى العرب مفتوح إلا سدوس بن أجمع ابن أبى عبيد بن ربيعة بن نصر. (3) فى الأمالى (وتحسب أن سيعمد يالعناد) والخبر كما قال مطولا فى الأمالى ص 289 ح 2 ط 2 والشعر منسوب إلى عارف الشاعر. وهو كلام فحسب كلام لا يحنو عليه عقل، ولا يصالحه دين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كِهَانَتُك يَا سَوَادُ؟! فَغَضِبَ، وَقَالَ: قَدْ كُنْت أَنَا وَأَنْت عَلَى شَرّ مِنْ هَذَا مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَأَكْلِ الْمَيْتَاتِ، أَفَتُعَيّرُنِي بِأَمْرِ تُبْت مِنْهُ؟! فَقَالَ عُمَرُ حِينَئِذٍ: اللهُمّ غَفْرًا. وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سِيَاقَةً حَسَنَةً وَزِيَادَةً مُفِيدَةً، وَذَكَرَ أَنّهُ حَدّثَ عُمَرَ أَنّ رِئْيَهُ جَاءَ ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَاتٍ، هُوَ فِيهَا كُلّهَا بَيْنَ النّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، فَقَالَ: قُمْ يَا سَوَادُ، وَاسْمَعْ مَقَالَتِي، وَاعْقِلْ إنْ كُنْت تَعْقِلُ، قَدْ بُعِثَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إلَى اللهِ وَعِبَادَتِهِ، وَأَنْشَدَهُ فِي كُلّ لَيْلَةٍ مِنْ الثّلَاثِ اللّيَالِي ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَقَافِيَتُهَا مُخْتَلِفَةٌ: عَجِبْت لِلْجِنّ وَتَطْلَابِهَا ... وَشَدّهَا الْعِيسَ بِأَقْتَابِهَا تَهْوِي إلَى مَكّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا صَادِقُ الْجِنّ كَكَذّابِهَا فَارْحَلْ إلَى الصّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... لَيْسَ قُدَامَاهَا «1» كَأَذْنَابِهَا وَقَالَ لَهُ فِي الثّانِيَةِ: عَجِبْت لِلْجِنّ وَإِبْلَاسِهَا ... وَشَدّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا تَهْوِي إلَى مَكّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا طَاهِرُ الْجِنّ كَأَنْجَاسِهَا فَارْحَلْ إلَى الصّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... ليس ذنابى الطير من رأسها «2»

_ (1) فى الخصائص للسيوطى: قدام، وهو صحيح المعنى أيضا. (2) فى البداية لابن كثير، وفى الخصائص للسيوطى: ما مؤمنوها مثل أرجاسها- واسم بعينيك إلى رأسها. وفى السيرة الحلبية: ما خير الجن كأنجاسها، وارم بعينيك إلى رأسها، بدلا من: «ما طاهر الجن الخ وليس ذنابى الطير الخ» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ لَهُ فِي الثّالِثَةِ: عَجِبْت لِلْجِنّ وَتَنْفَارِهَا «1» ... وَشَدّهَا الْعِيسَ بِأَكْوَارِهَا تَهْوِي إلَى مَكّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا مُؤْمِنُ الْجِنّ كَكُفّارِهَا «2» فَارْحَلْ إلَى الْأَتْقَيْنِ مِنْ هَاشِمٍ ... لَيْسَ قُدَامَاهَا كَأَدْبَارِهَا «3» وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ، وَفِي آخِرِ شِعْرِ سَوَادٍ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْشَدَهُ مَا كَانَ مِنْ الْجِنّيّ رِئْيَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ مُتَوَالِيَاتٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَتَانِي نَجِيّي بَعْدَ هدء ورقدة «4» ... ولم بك فِيمَا قَدْ بَلَوْت بِكَاذِبِ ثَلَاثَ لَيَالٍ قَوْلُهُ كُلّ لَيْلَةٍ ... أَتَاك نَبِيّ «5» مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ فَرَفّعْت أَذْيَالَ الْإِزَارِ وَشَمّرَتْ ... بِي الْعِرْمِسُ الْوَجْنَا هُجُولُ السّبَاسِبِ «6» فَأَشْهَدُ أَنّ اللهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَأَنّك مَأْمُونٌ عَلَى كُلّ غَائِبِ

_ (1) فى الخصائص: وتجسارها. (2) فى الخصائص: ليس ذو الشر كأخيارها. (3) فى الخصائص: ما مؤمنو الجن ككفارها. (4) فى الخصائص: «رئيى، وليل وهجعة» . (5) فى الخصائص: رسول. (6) فى الخصائص: فشمرت عن ساقى الإزار، ووسطت ... بى الذّعلب الوجناء عند السباسب والعرمس: الناقة الصلبة. والوجناء: العظيمة الوجنتين. والهجول: جمع هجل: المطمئن من الأرض. والسباسب: جمع. سبسب، وهى المفازة من الأرض، أو الأرض البعيدة المستوية. والذعلب بكسر الذال واللام أو الذعلبة: الناقة السريعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنك أدنى المرسلين وسيلة «1» ... إلى الله يابن الْأَكْرَمِينَ الْأَطَايِبِ فَمُرْنَا بِمَا يَأْتِيك مِنْ وَحْيِ رَبّنَا «2» ... وَإِنْ كَانَ فِيمَا جِئْت شَيْبُ الذّوَائِبِ وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ ... بمغن «3» فتيلا عن سواد بن قارب

_ (1) فى الخصائص: شفاعة، ولا يجوز أن نفهم أنه وسيلة إلى الله إلا بالمعنى الشرعى المحكم الذى ينفى الشرك. ويثبت التوحيد، والوسيلة هنا: حبه وحب الله وطاعته وطاعة الله، أى: اتباع ما جاء به، والانتهاء عما نهى عنه. أما المعنى الشركى الذى ينفى الإيمان، فهو أن نتوسل بذاته أو قبره لا بطاعته وحبه. (2) فى الخصائص: يا خير من مشى، وفى رواية: يا خير مرسل. (3) فى الخصائص: سواك. وطلب الشفاعة من غير الله هو طلبها ممن لا يملكها، ولا ينبغى لمسلم أن يطلب من رسول الله الشفاعة؛ لأنه لا يملكها، وإنما له أن يطلبها من الله سبحانه. ولنتدبر معاقو له سبحانه: «من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه» وغيرها من الايات التى تقطع بأن أحدا لا يملك من أمر الشفاعة شيئا إلا الله سبحانه، وهذا البيت يؤكد أن القصة موضوعة، وأن القصيدة مصنوعة، فلم يكن من دين صحابى، بل لم يكن من دين مسلم أن يتوجه بطلب الشفاعة إلى رسول الله «ص» . والبيت من البيوت التى يستشهد بها النحويون. والشاهد فيه قوله: «بمغن» حيث أدخل الباء الزائدة فى خبر لا، كما تدخل فى الخبر المنفى بليس وما، وذاك قليل، وهذه الباء لتأكيد النفى عند الكوفيين، أما عند البصريين فهى لدفع توهم الإثبات. ورأى الكوفيين هو الصحيح. ولا نافية حجازية تعمل عمل ليس، ولهذا رفعت ذو. وقد روى البخارى قصة سواد بن قارب فى إسلام عمر عن يحيى بن سليمان الحوفى عن ابن وهب، عن عمرو- وهو محمد بن زيد- أن سالما حدثه عن عبد الله بن عمر- بنحو مما ذكره ابن هشام. وسواد بن قارب من أهل السراة- كما قيل- من جبال البلقاء له صحبة- كما يحكى- ووفادة. وقيل: كان من أشراف اليمن، وهناك فى بعض الطرق التى روى منها هذا الحديث ما يثير حوله الشك، بل فى ألفاظه نفسها. والقرآن لا يشهد له، وتدبر قول الله سبحانه: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سواد وروس عند وفاة الرسول «ص» : وَلِسَوَادِ بْنِ قَارِبٍ هَذَا مَقَامٌ حَمِيدٌ فِي دَوْسٍ حِينَ بَلَغَهُمْ وَفَاةُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ حِينَئِذٍ سَوَادٌ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَزْدِ، إنّ مِنْ سَعَادَةِ الْقَوْمِ أَنْ يَتّعِظُوا بِغَيْرِهِمْ، وَمِنْ شَقَائِهِمْ أَلّا يَتّعِظُوا إلّا بِأَنْفُسِهِمْ، وَمَنْ لَمْ تَنْفَعْهُ التّجَارِبُ ضَرّتْهُ، وَمَنْ لَمْ يَسَعْهُ الْحَقّ لَمْ يَسَعْهُ الْبَاطِلُ، وَإِنّمَا تُسْلِمُونَ الْيَوْمَ بِمَا أَسْلَمْتُمْ بِهِ أَمْسِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ تَنَاوَلَ قَوْمًا أَبْعَدَ مِنْكُمْ فَظَفِرَ بِهِمْ، وَأَوْعَدَ قَوْمًا أَكْثَرَ مِنْكُمْ فَأَخَافَهُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْكُمْ عِدّةٌ وَلَا عَدَدٌ، وَكُلّ بَلَاءٍ مَنْسِيّ إلّا ما بَقِيَ أَثَرُهُ فِي النّاسِ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْبَلَاءِ إلّا أَنْ يَكُونُوا أَذْكَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَافِيَةِ لِلْعَافِيَةِ، وَإِنّمَا كَفّ نَبِيّ اللهِ عَنْكُمْ مَا كَفّكُمْ عَنْهُ، فَلَمْ تَزَالُوا خَارِجِينَ مِمّا فِيهِ أَهْلُ الْبَلَاءِ، دَاخِلِينَ مِمّا فِيهِ أَهْلُ الْعَافِيَةِ، حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطِيبُكُمْ وَنَقِيبُكُمْ فَعَبّرَ الْخَطِيبُ عَنْ الشّاهِدِ، وَنَقّبَ النّقِيبُ عَنْ الْغَائِبِ، وَلَسْت أَدْرِي لَعَلّهُ تَكُونُ لِلنّاسِ جَوْلَةٌ فَإِنْ تَكُنْ، فَالسّلَامَةُ مِنْهَا: الْأَنَاةُ، وَاَللهُ يُحِبّهَا، فَأَحِبّوهَا. فَأَجَابَهُ الْقَوْمُ وَسَمِعُوا قَوْلَهُ، فَقَالَ فى ذلك سواد بن قارب:

_ - لا ترونهم» ، والجليح- كما فسر- هو الوقح المكافح بالعداوة، وفى رواية. يا آل ذريح، وهو بطن مشهور فى العرب، والقلاص: جمع قلص، وهذه جمع قلوص: الفتية من النياق، والأحلاس: جمع حلس ما يوضع على ظهر البعير ليقى الرجل من الدبر، وأبلس الرجل: سكت ذليلا أو مغلوبا، والعيس: الإبل الكرام. انظر ص 144 ح 7 فتح البارى، وص 252 ح 1 الخصائص للسيوطى ح 1 دار الكتب الحديثة، ص 68 شرح السيرة للخشنى، وبلوغ الأرب ح 3 ص. 23، 302، ومجمع الزوائد للهيثمى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جَلّتْ مُصِيبَتُك الْغَدَاةَ سَوَادُ ... وَأَرَى الْمُصِيبَةَ بَعْدَهَا تَزْدَادُ أَبْقَى لَنَا فَقْدُ النّبِيّ مُحَمّدٍ ... - صَلّى الْإِلَهُ عَلَيْهِ- مَا يُعْتَادُ حُزْنًا لَعَمْرُك فِي الْفُؤَادِ مُخَامِرًا ... أَوْ هَلْ لِمَنْ فَقَدَ النّبِيّ فُؤَادُ؟ كُنّا نَحُلّ بِهِ جَنَابًا مُمْرِعًا ... جَفّ الْجَنَابُ، فَأَجْدَبَ الرّوّادُ فَبَكَتْ عَلَيْهِ أَرْضُنَا وَسَمَاؤُنَا ... وَتَصَدّعَتْ وَجْدًا بِهِ الْأَكْبَادُ قَلّ الْمَتَاعُ بِهِ، وَكَانَ عِيَانُهُ ... حُلْمًا تَضَمّنَ سَكَرَتَيْهِ رُقَادُ كَانَ الْعِيَانُ هُوَ الطّرِيفَ وَحُزْنُهُ ... بَاقٍ لَعَمْرُك فِي النّفُوسِ تِلَادُ إنّ النّبِيّ وَفَاتُهُ كَحَيَاتِهِ ... الْحَقّ حَقّ وَالْجِهَادُ جِهَادُ لَوْ قِيلَ: تَفْدُونَ النّبِيّ مُحَمّدًا ... بُذِلَتْ لَهُ الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ وَتَسَارَعَتْ فِيهِ النّفُوسُ بِبَذْلِهَا ... هَذَا لَهُ الْأَغْيَابُ وَالْأَشْهَادُ هَذَا، وَهَذَا لَا يَرُدّ نَبِيّنَا ... لَوْ كَانَ يَفْدِيهِ فَدَاهُ سَوَادُ أَنّى أُحَاذِرُ وَالْحَوَادِثُ جَمّةٌ ... أَمْرًا لِعَاصِفِ رِيحِهِ إرْعَادُ إنْ حَلّ مِنْهُ مَا يُخَافُ فَأَنْتُمْ ... لِلْأَرْضِ- إنْ رَجَفَتْ بِنَا- أَوْتَادُ لَوْ زَادَ قَوْمٌ فَوْقَ مُنْيَةِ صَاحِبٍ ... زِدْتُمْ، وَلَيْسَ لِمُنْيَةِ مُزْدَادُ كَاهِنَةُ قُرَيْشٍ فَأَعْجَبَ الْقَوْمَ شِعْرُهُ، وَقَوْلُهُ: فَأَجَابُوا إلَى مَا أَحَبّ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ خَبَرُ سَوْدَاءَ بِنْتِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ، وَذَلِكَ أَنّهَا حِينَ وُلِدَتْ وَرَآهَا أَبُوهَا زَرْقَاءَ شَيْمَاءَ «1» أَمَرَ بِوَأْدِهَا، وَكَانُوا يَئِدُونَ مِنْ الْبَنَاتِ مَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الصّفَةِ فَأَرْسَلَهَا إلَى الْحَجُونِ لِتُدْفَنَ هُنَاكَ، فَلَمّا حَفَرَ لَهَا الحافر، وأراد دفنها سمع هاتفا يقول:

_ (1) صافية البياض فيها شامة، تعطيها جمالا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَا تَئِدَنّ الصّبِيّة، وَخَلّهَا فِي الْبَرّيّة، فَالْتَفَتَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَعَادَ لِدَفْنِهَا، فَسَمِعَ الْهَاتِفَ يَهْتِفُ بِسَجْعِ آخَرَ فِي الْمَعْنَى، فَرَجَعَ إلَى أَبِيهَا، فَأَخْبَرَهُ بِمَا سَمِعَ، فَقَالَ: إنّ لَهَا لَشَأْنًا، وَتَرَكَهَا، فَكَانَتْ كَاهِنَةَ قُرَيْشٍ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِبَنِي زُهْرَةَ: إنّ فِيكُمْ نَذِيرَةً، أَوْ تَلِدُ نَذِيرًا، فَاعْرِضُوا عَلَيّ بَنَاتِكُمْ، فَعُرِضْنَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ فِي كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ قَوْلًا ظَهَرَ بَعْدَ حِينٍ، حَتّى عُرِضَتْ عَلَيْهَا آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ، فقالت: هذه النذيرة، أو تلدنذيرا، وَهُوَ خَبَرٌ طَوِيلٌ ذَكَرَ الزّبَيْرُ مِنْهُ يَسِيرًا، وَأَوْرَدَهُ بِطُولِهِ أَبُو بَكْرٍ النّقّاشُ، وَفِيهِ ذَكَرَ جَهَنّمَ- أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهَا- وَلَمْ يَكُنْ اسْمُ جهنّم، مسوعا بِهِ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا لَهَا: وَمَا جَهَنّمُ، فَقَالَتْ: سيخبركم النذير عنها» .

_ (1) ليس صدق النبوة فى حاجة إلى أن نكذب له، وتصديق مثل هذه المفتريات تكذيب للقرآن الذى يؤكد أن علم الغيب إنما هو لله وحده. وإذا كان محمد «ص» نفسه لم يكن يعرف الإيمان قبل النبوة، ولم يكن يعرف بالتالى أنه نبى، فكيف ننسب هذا العلم إلى غيره من طواغيت الوثنية؟! هذا وبعض اللغويين يقول عن جهنم: إنها معربة، والأكثرون على أنها عربية أصيلة من جهنام مثلثة الجيم- يقال: ركية جهنام أو جهنم: بعيدة القعر وحديث عاصم بن عمر وهو فى البداية عاصم بن عمر بن قتادة الأنصارى، وفى تفسير ابن كثير: عاصم بن عمرو عن قتادة. ورواه ابن إسحاق أيضا عن محمد بن أبى محمد عن عكرمة، أو سعيد ابن جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ يَهُودَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، فَلَمّا بَعَثَهُ اللهُ مِنْ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود ابن سَلَمَةَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللهَ وَأَسْلِمُوا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ونحن أهل شرك، وتخبروننا بأنه مبعوث، وتصفونه بصفته، -

إنذار يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم

[إنذار يهود بِرسول اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ] قَالَ ابن سحاق: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: إنّ مِمّا دَعَانَا إلَى الْإِسْلَامِ، مَعَ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى وَهَدَاهُ، لما كنّا نسمع من رجال يهود، كُنّا أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوَثَانٍ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، عِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ لَنَا، وَكَانَتْ لَا تَزَالُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ شُرُورٌ، فَإِذَا نِلْنَا مِنْهُمْ بعض ما يكرهون، قالوا لنا: إنه تَقَارَبَ زَمَانُ نَبِيّ يُبْعَثُ الْآنَ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمٍ، فَكُنّا كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَلَمّا بَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَجَبْنَاهُ حِينَ دَعَانَا إلَى اللهِ تَعَالَى، وَعَرَفْنَا مَا كَانُوا يَتَوَعّدُونَنَا بِهِ، فَبَادَرْنَاهُمْ إلَيْهِ، فَآمَنّا بِهِ، وَكَفَرُوا بِهِ، فَفِينَا وَفِيهِمْ نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ مِنْ الْبَقَرَةِ: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ، وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ. البقرة: 79 قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَسْتَفْتِحُونَ: يَسْتَنْصِرُونَ، وَيَسْتَفْتِحُونَ أَيْضًا: يَتَحَاكَمُونَ، وَفِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ - فقال سلام بن مشكم أخو بَنِي النّضِيرِ: مَا جَاءَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ، وَمَا هو بالذى كنا نذكر لكم. وقال أبو العالية فى تفسير الاية: كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركى العرب يقولون: اللهم ابعث هذا النبى الذى نجده مكتوبا عندنا حتى نعذب المشركين ونقتلهم، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسدا للعرب، وهم يعلمون أَنّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَى البيهقى: كانت اليهود تقول: اللهم ابعث لنا هذا النبى يحكم بيننا وبين الناس، يستفتحون به. أى: يستنصرون به.

وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ. الأعراف: 89. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ- وَكَانَ سَلَمَةُ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ- قَالَ: كَانَ لَنَا جَارٌ مِنْ يَهُودَ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ، حَتّى وَقَفَ على بنى عبد الأشهل- قال سلمة: وأنا يومئذ أَحْدَثِ مَنْ فِيهِ سِنّا، عَلَيّ بُرْدَةٌ لِي، مُضْطَجِعٌ فِيهَا بِفِنَاءِ أَهْلِي- فَذَكَرَ الْقِيَامَةَ وَالْبَعْثَ وَالْحِسَابَ وَالْمِيزَانَ وَالْجَنّةَ وَالنّارَ، قَالَ: فَقَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلِ شِرْكٍ أَصْحَابِ أَوَثَانٍ، لَا يَرَوْنَ أَنّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَقَالُوا لَهُ: ويحك يا فلان!! أو ترى هَذَا كَائِنًا، أَنّ النّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إلَى دَارٍ فِيهَا جَنّةٌ وَنَارٌ، يُجْزَوْنَ فِيهَا بأعمالهم؟ قال: نعم، والذى يحلف به، ويودّ أَنّ لَهُ بِحَظّهِ مِنْ تِلْكَ النّارِ أَعْظَمَ تَنّورٍ فِي الدّارِ، يَحْمُونَهُ ثُمّ يُدْخِلُونَهُ إيّاهُ فَيُطَيّنُونَهُ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَنْجُوَ مِنْ تِلْكَ النّارِ غَدًا، فَقَالُوا لَهُ: وَيْحَك يَا فُلَانُ! فَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَبِيّ مَبْعُوثٌ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِلَادِ- وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى مَكّةَ وَالْيَمَنِ- فَقَالُوا: وَمَتَى تَرَاهُ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إلَيّ، وَأَنَا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا، فَقَالَ: إنْ يَسْتَنْفِدْ هَذَا الغلام عمره يدركه. قال سلمة: فو الله مَا ذَهَبَ اللّيْلُ وَالنّهَارُ حَتّى بَعَثَ اللهُ مُحَمّدًا رَسُولَهُ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَهُوَ حَيّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَآمَنّا بِهِ، وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا. قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: وَيْحَك يَا فُلَانُ!! أَلَسْت الّذِي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قلت؟ قال: بلى. ولكن ليس بِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قريظة قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي عَمّ كَانَ إسْلَامِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ سَعْيَةَ وأسد. ابن عُبَيْدٍ نَفَرٍ مِنْ بَنِي هَدْلٍ، إخْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ، كَانُوا مَعَهُمْ فِي جَاهِلِيّتِهِمْ ثُمّ كَانُوا ساداتهم فى الإسلام. قال: قلت: لا، قَالَ: فَإِنّ رَجُلًا مِنْ يَهُودَ مِنْ أَهْلِ الشّامِ، يُقَال لَهُ: ابْنُ الْهَيْبَانِ، قَدِمَ عَلَيْنَا قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ بِسِنِينَ، فَحَلّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، لَا وَاَللهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطْ لَا يُصَلّي الْخَمْسَ أَفَضْلَ مِنْهُ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا فَكُنّا إذَا قحط عنا المطر قلنا له: اخرج يابن الْهَيْبَانِ فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا وَاَللهِ، حَتّى تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ مَخْرَجِكُمْ صَدَقَةً، فَنَقُولُ لَهُ: كَمْ؟ فَيَقُولُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ: أَوْ مُدّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ: فَنُخْرِجُهَا، ثُمّ يَخْرُجُ بِنَا إلى ظاهر حرّتنا، فيستسقى الله لنا. فو الله ما يبرح مجلسه، حتى تمرّ السحابة وَنُسْقَى، قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرّةٍ وَلَا مَرّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ. قَالَ: ثُمّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عِنْدَنَا. فَلَمّا عَرَفَ أَنّهُ مَيّتٌ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، مَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ؟ قَالَ: قُلْنَا: إنّك أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنّي إنّمَا قَدِمْتُ هذه البلدة أتَوَكّفُ خُرُوجَ نَبِيّ قَدْ أَظَلّ زَمَانُهُ، وَهَذِهِ الْبَلْدَةُ مُهَاجَرُهُ، فَكُنْت أَرْجُو أَنْ يُبْعَثَ، فَأَتّبِعَهُ، وَقَدْ أَظَلّكُمْ زَمَانُهُ، فَلَا تُسْبَقُنّ إلَيْهِ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، فَإِنّهُ يُبْعَثُ بِسَفْكِ الدّمَاءِ، وَسَبْيِ الذّرَارِيّ وَالنّسَاءِ مِمّنْ خَالَفَهُ، فَلَا يَمْنَعْكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ. فَلَمّا بُعِثَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَحَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ، وَكَانُوا شَبَابًا أَحْدَاثًا: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، وَاَللهِ إنّهُ لِلنّبِيّ الّذِي كَانَ عَهِدَ إلَيْكُمْ فِيهِ ابْنُ الْهَيْبَانِ، قَالُوا: لَيْسَ بِهِ، قَالُوا: بلى والله، إنه لهو صفته، فَنَزَلُوا وَأَسْلَمُوا، وَأَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا مَا بَلَغَنَا عَنْ أَخْبَارِ يهود. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَدِيثُ سَلَمَةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقّشٍ، وَمَا سَمِعَ مِنْ الْيَهُودِيّ حِينَ ذَكَرَ الْجَنّةَ وَالنّارَ، وَقَالَ: آيَةُ ذَلِكَ نَبِيّ: مَبْعُوثٌ قَدْ أَظَلّ زَمَانُهُ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ فِيهِ إشْكَالٌ، وَابْنُ وَقّشٍ يُقَالُ فِيهِ: وَقَشٌ بِتَحْرِيكِ الْقَافِ وَتَسْكِينِهَا، والوقش: الحركة «1» . حديث ابن الهيبان وبنوا سعيد: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ الْهَيّبَانِ «2» ، وَمَا بَشّرَ بِهِ مِنْ أَمْرِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنّ ذَلِكَ كَانَ سَبَبَ إسْلَامِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ سَعْيَةَ وَأَسَدِ بْنِ سَعْيَةَ، وَهُمْ مِنْ بَنِي هَدَلْ، وَالْهَيْبَانُ مِنْ الْمُسَمّيْنَ بِالصّفَاتِ، يُقَالُ: قُطْنٌ هَيّبَانُ أَيْ: مُنْتَفِشٌ، وأنشد أبو حنيفة:

_ (1) روى حديث ابن وقش أحمد، وصححه ابن حبان من طريقه، ورواه- البيهقى عن الحاكم بإسناده من طريق يونس بن بكير «ج 6 ص 454 فتح البارى» ص 309 ج 2 البداية. وقد ورد أن اسم الجار اليهودى هو: يوشع، وهناك بعض كلمات فى أحمد تخالف ما هنا. فقد ذكر فروة مكان بردة، ويطبقونه مكان يطينونه. ووضع كلمة نحو مكان: إلى فى قوله: إلى مكة. وذكر: ومتى نراه بدلا من: منى تراه؟ (2) معناها: الكثير والجبان والتيس والخفيف والراعى والتراب وزبد أفواه الإبل، وقد يخفف، وقد يقال: هيفان. بتضعيف الياء مع فتحها- وقوله فى حديث ابن الهيبان: أتوكف خروج نبى: أنتظر وأستشعر. أطل زمانه: أشرف وقرب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تُطِيرُ اللّغَامَ الْهَيّبَانَ، كَأَنّهُ ... جَنَى عُشَرٍ تَنْفِيهِ أَشْدَاقُهَا الْهُدْلِ «1» وَالْهَيّبَانُ أَيْضًا: الْجَبَانُ، وَقَدْ قَدّمْنَا الاختلاف فى هدل، وأما أسيد ابن سَعْيَةَ، فَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الْمَدَنِيّ، عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَهُوَ أَحَدُ رُوَاةِ الْمَغَازِي عَنْهُ أُسَيْدُ بْنُ سَعْيَةَ بِضَمّ الْأَلِفِ، وَقَالَ يُونُسُ بْن بُكَيْرٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَهُوَ قَوْلُ الْوَاقِدِيّ وَغَيْرِهِ أَسِيدٌ بِفَتْحِهَا قَالَ: الدّارَقُطْنِيّ: وَهَذَا هُوَ الصّوَابُ، وَلَا يَصِحّ مَا قَالَهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَبَنُو سَعْيَةَ هَؤُلَاءِ فِيهِمْ أَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ «2» مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ آلُ عِمْرَانَ: 113 الْآيَةُ، وَسَعْيَةُ أَبُوهُمْ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْعَرِيضِ، وَهُوَ بِالسّينِ الْمُهْمَلَةِ، والياء المنقوطة باثنين.

_ (1) البيت لذى الرمة يصف إبلا وإزباد مشافرها، قال الأزهرى: وجى العشر: يخرج مثل رمانة صغيرة، فتنشق عن مثل القز، فشبه لغامها به ... وهو فى اللسان: تمج. واللغام: زبد أفواه الإبل. والعشر: نوع من الشجر، يحشى فى المخاد. والهدل: استرخاء المشفر الأسفل من الجمل، أو عظم الشفة واسترخاؤها. وهدل: جمع هدلاء. وفى الروض: خبى عشر تبقيه وهو خطأ. (2) فى ابن كثير نقلا عن ابن عباس أنها نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد، وثعلبة بن شعبة. وفى مسند أحمد عن ابن مسعود: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء. ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم. فنزلت: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ- إلى قوله- وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سُعْنَةُ الْحَبْرِ وَإِسْلَامُهُ: وَأَمّا سُعْنَةُ بِالنّونِ، فَزَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ، كَانَ قدداين النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، فَقَالَ: أَلَا تَقْضِينِي يَا مُحَمّدُ، فَإِنّكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ مُطْلٌ، وَمَا أَرَدْت إلّا أَنْ أَعْلَمَ عِلْمَكُمْ، فَارْتَعَدَ عُمَرُ، وَدَارَ، كَأَنّهُ فِي فَلَكٍ، وَجَعَلَ يَلْحَظُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَقَالَ: تَقُولُ هَذَا لِرَسُولِ اللهِ يَا عَدُوّ اللهِ؟! فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّا إلَى غَيْرِ هَذَا مِنْك أَحْوَجُ يَا عُمَرُ: أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التّبِعَةِ، قُمْ فَاقْضِهِ عَنّي، فو الله مَا حَلّ الْأَجَلُ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا بِمَا رَوّعْته، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنّهُ قَالَ: دَعْهُ؛ فَإِنّ لِصَاحِبِ الْحَقّ مَقَالًا، وَيُذْكَرُ أَنّهُ أَسْلَمَ «1» لَمّا رَأَى مِنْ مُوَافَقَةِ وَصْفِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لِمَا كَانَ عِنْدَهُ فِي التّوْرَاةِ، وَكَانَ يَجِدُهُ مَوْصُوفًا بِالْحِلْمِ، فَلَمّا رَأَى مِنْ حِلْمِهِ ما رأى أسلم، وتوفى غاز يا مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَيُقَالُ فِي اسْمِهِ: سَعْيَةُ بِالْيَاءِ كَمَا فِي الْأَوّلِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الدّارَقُطْنِيّ إلا بالنون.

_ (1) روى قصة إسلامه الطبرانى وابن حبان والحاكم وأبو الشيخ فى كتاب أخلاق النبى- صلى الله عليه وسلم- وغيرهم من طريق الوليد بن مسلم عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده عن عبد الله بن سلام، قال زيد بن سعنة: ما من علامات النبوة شىء إلا وقد عرفته فى وجه محمد حين نظرت إليه إلا خصلتين. لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شده الجهل عليه إلا حلما.. فذكر الحديث بطوله.. ومدار الحديث على محمد بن أبى السرى الراوى له عن الوليد، وثقه ابن معين، ولينه أبو حاتم، وقال ابن عدى: محمد كثير الغلط. وأخرجه أبو نعيم فى الدلائل.

حديث إسلام سلمان رضى الله عنه

[حديث إسلام سلمان رضى الله عنه] قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: حَدّثَنِي سلمان الفارسى مِنْ فِيهِ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيّا مِنْ أهل إصبهان من أهل قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: جَيّ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ، وَكُنْتُ أَحَبّ خَلْقِ اللهِ إلَيْهِ، لَمْ يَزَلْ بِهِ حُبّهُ إيّايَ حَتّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ، وَاجْتَهَدْت فِي الْمَجُوسِيّةِ حتى كنت قطن النار الذى يوقدها، لا يتركها تخبو ساعة. قال: وكانت لأبى ضيعة عظيمة، قال: فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيّ، إنّي قَدْ شُغِلْت فِي بُنْيَانِي هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ إلَيْهَا، فَاطّلَعَهَا- وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ- ثُمّ قَالَ لِي: وَلَا تَحْتَبِسُ عَنّي؛ فَإِنّك إنْ احْتَبَسْتَ عَنّي كُنْت أَهَمّ إلَيّ مِنْ ضَيْعَتِي، وَشَغَلَتْنِي عَنْ كُلّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي. قَالَ: فَخَرَجْت أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ الّتِي بَعَثَنِي إلَيْهَا، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النّصَارَى، فَسَمِعْت أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلّونَ، وَكُنْت لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النّاسِ، لحبس أبى إيّاى فى بيته، فلما سمت أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ، أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ، فَلَمّا رَأَيْتُهُمْ، أَعْجَبَتْنِي صَلَاتُهُمْ، وَرَغِبْت فِي أَمْرِهِمْ، وَقُلْت: هَذَا وَاَللهِ خَيْرٌ مِنْ الدّينِ الّذِي نَحْنُ عليه، فو الله مَا بَرِحْتُهُمْ حَتّى غَرَبَتْ الشّمْسُ، وَتَرَكْت ضَيْعَةَ أَبِي فَلَمْ آتِهَا، ثُمّ قُلْت لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدّينِ؟ قَالُوا: بِالشّامِ. فَرَجَعْت إلَى أَبِي، وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي، وَشَغَلْته عَنْ عَمَلِهِ كُلّهِ، فَلَمّا جِئْته قَالَ: أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بنىّ أين كنت؟ أو لم أَكُنْ عَهِدْتُ إلَيْك مَا عَهِدْتُ؟ قَالَ: قُلْت لَهُ: يَا أَبَتِ، مَرَرْتُ بِأُنَاسٍ يُصَلّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ، فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ، فو الله مَا زِلْت عِنْدَهُمْ حَتّى غَرَبَتْ الشّمْسُ، قَالَ: أَيّ بُنَيّ، لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدّينِ خَيْرٌ، دِينُك، وَدِينُ آبَائِك خَيْرٌ مِنْهُ، قَالَ: قُلْت لَهُ: كَلّا وَاَللهِ، إنّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا. قَالَ: فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْدًا، ثُمّ حبسنى فى بيته. قَالَ: وَبَعَثْت إلَى النّصَارَى فَقُلْت لَهُمْ: إذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنْ الشّامِ فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ. قَالَ: فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ الشّامِ تُجّارٌ مِنْ النّصَارَى، فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَقُلْت لَهُمْ: إذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ، وَأَرَادُوا الرّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ، فَآذَنُونِي بِهِمْ: قَالَ: فَلَمّا أَرَادُوا الرّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ، أَخْبَرُونِي بِهِمْ، فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيّ، ثُمّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ، حَتّى قَدِمْتُ الشّامَ فَلَمّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ: مَنْ أَفَضْلُ أَهْلُ هَذَا الدّينِ عِلْمًا؟ قالوا: الأسقفّ فى الكنيسة. قَالَ: فَجِئْته، فَقُلْت لَهُ: إنّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدّينِ، فَأَحْبَبْتُ أَنّ أَكُونَ مَعَك، وَأَخْدُمُك فِي كَنِيسَتِك، فَأَتَعَلّمَ مِنْك، وَأُصَلّيَ مَعَك، قَالَ: اُدْخُلْ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلُ سَوْءٍ، يَأْمُرُهُمْ بِالصّدَقَةِ، وَيُرَغّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ، حَتّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ. قَالَ. فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا، لِمَا رَأَيْته يَصْنَعُ، ثُمّ مَاتَ، فَاجْتَمَعَتْ إلَيْهِ النّصَارَى، لِيَدْفِنُوهُ، فَقُلْت لَهُمْ: إنّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ، يَأْمُركُمْ بِالصّدَقَةِ، وَيُرَغّبُكُمْ فِيهَا، فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا، اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ: فَقَالُوا لِي: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ: قُلْت لَهُمْ: أَنَا أَدُلّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ، قَالُوا: فَدُلّنَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ، فَاسْتَخْرَجُوا سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةً ذَهَبًا وَوَرِقًا. قَالَ: فَلَمّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاَللهِ لَا نَدْفِنُهُ أَبَدًا. قَالَ: فصلبوه، ورجموه بالحجارة، وجاؤا برجل آخر، فجعلوه مكانه. قَالَ: يَقُولُ سَلْمَانُ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يُصَلّي الْخَمْسَ، أَرَى أَنّهُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ، وأزهد فِي الدّنْيَا، وَلَا أَرْغَبَ فِي الْآخِرَةِ وَلَا أدأب ليلا ولانهارا منه. قال: فأحببته جبّا لم أحبّه شيئا قبله مثله. قال: فأقمت معه زمانا، ثُمّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إنّي قَدْ كُنْت مَعَك، وَأَحْبَبْتُك حُبّا لَمْ أُحِبّهُ شَيْئًا قَبْلَك، وَقَدْ حَضَرَك مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيّ، وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ أَحَدًا عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، فَقَدْ هَلَكَ النّاسُ، وَبَدّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، إلّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ، وَهُوَ فُلَانٌ، وَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَالْحَقْ به. فَلَمّا مَاتَ وَغُيّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَقُلْت لَهُ: يَا فُلَانُ، إنّ فُلَانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِك، وَأَخْبَرَنِي أَنّك عَلَى أمره، قال: فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ، فَلَمّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قُلْت لَهُ يَا فُلَانُ: إنّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إلَيْك، وَأَمَرَنِي بِاللّحُوقِ بِك، وَقَدْ حَضَرَك مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مِنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: يَا بُنَيّ، وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنّا عَلَيْهِ، إلّا رَجُلًا بِنَصِيبِينَ، وَهُوَ فُلَانٌ، فَالْحَقْ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَلَمّا مَاتَ وَغُيّبَ لَحِقْت بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ، فَأَخْبَرْته خبرى، وما أمرنى به صاحباى، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْته عَلَى أمر صاحبيه. فأقمت مع خير رجل، فو الله مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ، فَلَمّا حُضِرَ، قُلْت لَهُ: يَا فُلَانُ، إنّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَى بِي إلَى فُلَانٍ، ثُمّ أَوْصَى بى فلان إليك، فإلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟ قال: يَا بُنَيّ، وَاَللهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُك أَنْ تَأْتِيَهُ إلّا رَجُلًا بِعَمُورِيّةَ مِنْ أَرْضِ الرّومِ، فَإِنّهُ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ، فَإِنّهُ على أمرنا. فَلَمّا مَاتَ وَغُيّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُورِيّةَ، فَأَخْبَرْته خَبَرِي، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْت عِنْدَ خَيْرِ رَجُلٍ، عَلَى هُدَى أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ. قَالَ: وَاكْتَسَبْتُ حَتّى كَانَتْ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ. قَالَ: ثُمّ نزل به أمر الله، فَلَمّا حُضِرَ، قُلْت لَهُ: يَا فُلَانُ، إنّي كُنْتُ مَعَ فُلَانٍ، فَأَوْصَى بِي إلَى فُلَانٍ، ثم أوصى بى فلان إلَى فُلَانٍ، ثُمّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إلَيْك، فإلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟ قال: أَيْ بُنَيّ، وَاَللهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ الْيَوْمَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنّا عَلَيْهِ مِنْ النّاسِ آمُرُك بِهِ أَنْ تَأْتِيَهُ، وَلَكِنّهُ قَدْ أَظَلّ زَمَانُ نَبِيّ، وَهُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، مُهَاجَرُهُ إلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرّتَيْنِ، بَيْنَهُمَا نَخْلٌ، بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى، يَأْكُلُ الْهَدِيّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصّدَقَةَ، وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النّبُوّةِ، فَإِنْ اسْتَطَعْت أَنْ تلحق بتلك البلاد فافعل. قَالَ: ثُمّ مَاتَ وَغُيّبَ، وَمَكَثْت بِعَمُورِيّةَ مَا شاء الله أن أمكث، ثم مرّبى نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجّارٌ، فَقُلْت لَهُمْ: احْمِلُونِي إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ، وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ، قَالُوا: نَعَمْ فأعْطَيْتُهُمُوها، وَحَمَلُونِي مَعَهُمْ، حَتّى إذَا بَلَغُوا وَادِيَ الْقُرَى ظَلَمُونِي، فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيّ عَبْدًا، فَكُنْت عِنْدَهُ، وَرَأَيْت النّخْلَ، فَرَجَوْت أَنْ يَكُونَ الْبَلَدَ الّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، وَلَمْ يَحِق فِي نَفْسِي، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ، إذْ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمّ لَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ الْمَدِينَةِ، فابتاعنى منه، فاحتملنى إلى المدينة، فو الله مَا هُوَ إلّا أَنْ رَأَيْتُهَا، فَعَرَفْتهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي، فَأَقَمْتُ بِهَا، وَبُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَامَ بِمَكّةَ مَا أَقَامَ، لَا أَسْمَعُ لَهُ بِذكَرٍ، مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرّقّ، ثُمّ هَاجَرَ إلَى المدينة، فو الله إنّي لَفِي رَأْسِ عِذْقٍ لِسَيّدِي أَعْمَلُ لَهُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ، وَسَيّدِي جَالِسٌ تَحْتِي، إذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمّ لَهُ، حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، قَاتَلَ اللهُ بَنِي قَيْلَةَ، وَاَللهِ إنّهُمْ الْآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكّةَ الْيَوْمَ، يَزْعُمُونَ أَنّهُ نبىّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَيْلَةُ: بِنْتُ كَاهِلِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ ابن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، أم الأوس والخزرج. قال النعمان بن بشير الأنصارى يمدح الأوس والخزرج: بها ليل مِنْ أَوْلَادِ قَيْلَةَ لَمْ يَجِدْ ... عَلَيْهِمْ خَلِيطٌ فِي مُخَالَطَةِ عَتْبَا مَسَامِيحُ أَبْطَالٌ يَرَاحُونَ لِلنّدَى ... يَرَوْنَ عَلَيْهِمْ فِعْلَ آبَائِهِمْ نَحْبَا وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري، عن محمود ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن لَبِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: قال سلمان: فلما سمعتها أخذتنى العرواء. قال ابن هشام: العرواء: الرّعْدَةُ مِنْ الْبَرْدِ وَالِانْتِفَاضُ، فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ عَرَقٌ فَهِيَ الرّحَضَاءُ، وَكِلَاهُمَا مَمْدُودٌ- حَتّى ظَنَنْتُ أَنّي سَأَسْقُطُ عَلَى سَيّدِي، فَنَزَلْت عَنْ النّخْلَةِ، فَجَعَلْت أَقُولُ لِابْنِ عَمّهِ ذَلِكَ: مَاذَا تَقُولُ؟ مَاذَا تَقُولُ؟ فَغَضِبَ سَيّدِي، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً، ثُمّ قَالَ: مَا لَك وَلِهَذَا؟ أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِك، قَالَ: قُلْت: لَا شَيْءَ، إنّمَا أردت أن أستثبته عما قال. قَالَ: وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْته، فَلَمّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ، ثُمّ ذَهَبْت بِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بِقُبَاءَ، فَدَخَلْت عَلَيْهِ، فَقُلْت لَهُ: إنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّك رَجُلٌ صَالِحٌ، وَمَعَك أَصْحَابٌ لَك غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ، وَهَذَا شَيْءٌ قَدْ كَانَ عِنْدِي لِلصّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ، قَالَ: فَقَرّبْته إلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَأَمْسَكَ يَدَهُ، فَلَمْ يَأْكُلْ. قَالَ: فَقُلْت فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ. قَالَ ثُمّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ، فَجَمَعْت شَيْئًا، وَتَحَوّلَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَى الْمَدِينَةِ، ثُمّ جِئْته بِهِ، فَقُلْت لَهُ: إنى قد رأيتك لا تأكل الصدقة، فهذه هَدِيّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا. قَالَ: فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مِنْهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ، فَأَكَلُوا مَعَهُ. قَالَ: فَقُلْت فِي نَفْسِي: هَاتَانِ ثنتان، قال: ثم جئت رسول الله- صلى الله عليه وَسَلّمَ- وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ، قَدْ تَبِعَ جِنَازَةَ رجل من أصحابه، عَلَيّ شَمْلَتَانِ لِي، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَسَلّمْت عَلَيْهِ ثُمّ اسْتَدَرْت أَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهِ، هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، فَلَمّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اسْتَدْبَرْتُهُ، عَرَفَ أَنّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي، فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْت إلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ، فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبّلُهُ، وَأَبْكِي. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَحَوّلْ، فَتَحَوّلْت فَجَلَسْت بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَصَصْت عَلَيْهِ حديثى، كما حدّثتك يا بن عَبّاسٍ، فَأَعْجَبَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلّمَ- أَنْ يُسْمِعَ ذَلِكَ أَصْحَابَهُ. ثُمّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرّقّ حَتّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدرو أحد. قَالَ سَلْمَانُ: ثُمّ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ. فكاتبت صاحبى على ثلثمائة نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ، وَأَرْبَعِينَ أُوقِيّةً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه: أعينوا أخاكم، فأعاونى بِالنّخْلِ، الرّجُلُ بِثَلَاثِينَ وَدِيّةً، وَالرّجُلُ بِعِشْرِينَ وَدِيّةً، وَالرّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَدِيَةً، وَالرّجُلُ بِعَشْرٍ، يُعِينُ الرّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ، حَتّى اجْتَمَعَتْ لِي ثلثمائة وَدِيّةٍ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقّرْ لَهَا، فإذا فرغت فأتنى، أكن أنا أضعها بيدى. قَالَ: فَفَقّرْتُ، وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي، حَتّى إذَا فَرَغْتُ جِئْتُهُ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مَعِي إلَيْهَا، فَجَعَلْنَا نُقَرّبُ إلَيْهِ الْوَدِيّ، وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، حتى فرغنا. فو الذى نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ، مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيّةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ: فَأَدّيْتُ النّخْلَ، وَبَقِيَ عَلَيّ الْمَالُ. فأتي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ، مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ الْفَارِسِيّ الْمُكَاتَبُ؟ قَالَ: فَدُعِيت لَهُ، فَقَالَ: خُذْ هَذِهِ، فَأَدّهَا مِمّا عَلَيْك يَا سَلْمَانُ» . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ: قُلْت: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ مِمّا عَلَيّ؟ فَقَالَ: خُذْهَا، فَإِنّ اللهَ سَيُؤَدّي بِهَا عَنْك. قَالَ: فَأَخَذْتهَا، فَوَزَنْت لَهُمْ مِنْهَا- وَاَلّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ- أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً، فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقّهُمْ مِنْهَا، وَعَتَقَ سَلْمَانُ. فَشَهِدْتُ مَعَ رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- الْخَنْدَقَ حُرّا، ثُمّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنْ سَلْمَانَ: أَنّهُ قَالَ: لَمّا قُلْت: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنْ الّذِي عَلَيّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ أُخِذَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَلّبَهَا عَلَى لِسَانِهِ، ثُمّ قَالَ: خُذْهَا فَأَوْفِهِمْ مِنْهَا، فَأَخَذْتهَا، فَأَوْفَيْتهمْ مِنْهَا حَقّهُمْ كُلّهُ، أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ، قَالَ: حُدّثْت عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ: أَنّهُ قَالَ: لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حِين أَخْبَرَهُ خَبَرَهُ: إنّ صَاحِبَ عَمُورِيّةَ قَالَ لَهُ: ائْتِ كَذَا وَكَذَا مِنْ أَرْضِ الشّامِ، فَإِنّ بِهَا رَجُلًا بَيْنَ غَيْضَتَيْنِ، يَخْرُجُ فِي كُلّ سَنَةٍ مِنْ هَذِهِ الْغَيْضَةِ إلَى هَذِهِ الْغَيْضَةِ مُسْتَجِيزًا، يَعْتَرِضُهُ ذَوُو الْأَسْقَامِ، فَلَا يَدْعُو لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إلّا شُفِيَ، فَاسْأَلْهُ عَنْ هَذَا الدين الذى تَبْتَغِي، فَهُوَ يُخْبِرُك عَنْهُ، قَالَ سَلْمَانُ: فَخَرَجْتُ حَتّى أَتَيْت حَيْثُ وُصِفَ لِي، فَوَجَدْتُ النّاسَ قَدْ اجْتَمَعُوا بِمَرْضَاهُمْ هُنَالِكَ، حَتّى خَرَجَ لَهُمْ تِلْكَ اللّيْلَةَ، مُسْتَجِيزًا مِنْ إحْدَى الْغَيْضَتَيْنِ إلَى الأخرى، فَغَشِيَهُ النّاسُ بِمَرْضَاهُمْ، لَا يَدْعُو لِمَرِيضٍ إلّا شُفِيَ، وَغَلَبُونِي عَلَيْهِ، فَلَمْ أَخْلُصْ إلَيْهِ حَتّى دَخَلَ الْغَيْضَةَ الّتِي يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إلّا مَنْكِبِهِ. قَالَ: فَتَنَاوَلْته: فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ وَالْتَفَتَ إلَيّ، فَقُلْت: يَرْحَمُك اللهُ، أَخْبِرْنِي عَنْ الحنيفيّة دين إبراهيم. قال: إنك لتسألنى عَنْ شَيْءٍ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ النّاسُ الْيَوْمَ، قَدْ أَظَلّك زَمَانُ نَبِيّ يُبْعَثُ بِهَذَا الدّينِ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ، فَأْتِهِ فَهُوَ يَحْمِلُك عَلَيْهِ. قَالَ: ثُمّ دَخَلَ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِسَلْمَانَ: لَئِنْ كُنْتَ صدقتنى يا سلمان، لقد لقيت عيسى بن مريم على نبيّنا وعليه السلام. ـــــــــــــــــــــــــــــ حَدِيثُ سَلْمَانَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ سَلْمَانَ بِطُولِهِ، وَقَالَ: كُنْت مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ هَكَذَا قَيّدَهُ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ بِالْكَسْرِ فِي الْهَمْزَةِ «1» ، وَإِصْبَهُ بِالْعَرَبِيّةِ: فَرَسٌ، وَقِيلَ: هُوَ الْعَسْكَرُ، فَمَعْنَى الْكَلِمَةِ: مَوْضِعُ الْعَسْكَرِ أَوْ الْخَيْلِ «2» ، أَوْ نَحْوَ هَذَا. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ عَلَى طُولِهِ إشكال، ووقع فى الأصل

_ (1) فى المراصد: فتح الهمزة هو الأكثر والأشهر. (2) فى البكرى: إصبه بلسان الفرس: البلد، وهان: الفرس، فمعناه: بلد الفرسان، وقال: إن إصبه بالفارسية: العسكر، وإن هان معناه: ذاك، فمعنى الاسم: العسكر ذاك. وفى المراصد: إنها لفظ معرب من سباهان بمعنى: الجيش، فيكون معناه على حذف المضاف: مدينة الجيش. وإصبهان- كما فى المراصد- مدينة عظيمة، مشهورة من أعلام المدن وأعيانها. وأصبهان: اسم للاقليم بأسره، وكانت مدينتها أولا. جىّ، ثم صارت اليهودية، وهى من نواحى الجبل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَلَمّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَدْبَرْته، وَرَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ: أَسْتَدِيرُ بِهِ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِيهِ: أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ، وَفِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ: الْوَجْهُ التّفْقِيرُ. أَسْمَاءُ النّخْلَةِ: وَالْفَقِيرُ لِلنّخْلَةِ «1» . يُقَالُ لَهَا فِي الْكَرْمَةِ: حَيِيّةُ، وَجَمْعُهَا: حَيَايَا، وَهِيَ الْحَفِيرَةُ، وَإِذَا خَرَجَتْ النّخْلَةُ مِنْ النّوَاةِ فَهِيَ: عَرِيسَةٌ، ثُمّ يُقَالُ لَهَا: وَدِيّةٌ، ثُمّ فَسِيلَةٌ، ثُمّ أشاءة، فإذا فاتت اليدفهى: جَبّارَةٌ، وَهِيَ الْعَضِيدُ، وَالْكَتِيلَةُ، وَيُقَالُ لِلّتِي لَمْ تَخْرُجْ مِنْ النّوَاةِ، لَكِنّهَا اُجْتُثّتْ مِنْ جَنْبِ أُمّهَا: قَلْعَةٌ وَجَثِيثَةٌ، وَهِيَ الْجَثَائِثُ وَالْهِرَاءُ، وَيُقَالُ لِلنّخْلَةِ الطّوِيلَةِ: عَوَانَةٌ بِلُغَةِ عَمّان، وَعَيْدَانَةٌ بِلُغَةِ غَيْرِهِمْ، وَهِيَ فَيْعَالَةٌ مِنْ عَدَنَ «2» بِالْمَكَانِ، وَاخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ صَاحِبِ كِتَابِ الْعَيْنِ، فَجَعَلَهَا تَارَةً: فَيْعَالَةً مِنْ عَدَنَ، ثُمّ جَعَلَهَا فِي بَابِ الْمُعْتَلّ الْعَيْنِ فَعْلَانَةً. وَمِنْ الْفَسِيلَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-

_ (1) فى الخشنى «أحييها له بالفقير، أى: بالحفر وبالغرس، يقال؛ فقر الأرض: إذا حفرها، ومنه سميت البئر: فقيرا. وقال الوقشى: الصواب هنا: التفقير. وأراد الوقشى هنا: المصدر، وهو الأحسن. والفقير أيضا: البئر تغرس فيها النخلة الصغيرة، والمكان السهل يحفر فيه، ومخرج الماء من القناة (2) لزم المكان، فلم يبرحه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ: إنْ قَامَتْ السّاعَةُ، وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَغْرِسَهَا قَبْلَ أَنْ تَقُومَ السّاعَةُ، فَلْيَغْرِسْهَا «1» مِنْ مُصَنّفِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَاَلّذِينَ صَحِبُوا سَلْمَانَ مِنْ النّصَارَى كَانُوا عَلَى الْحَقّ على دين عيسى بن مَرْيَمَ، وَكَانُوا ثَلَاثِينَ يُدَاوِلُونَهُ سَيّدًا بَعْدَ سَيّدٍ «2» . مِنْ فِقْهِ حَدِيثِ سَلْمَانَ: وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ أَنّهُ جَمَعَ شَيْئًا، فَجَاءَ بِهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَخْتَبِرَهُ: أَيَأْكُلُ الصّدَقَةَ، أم لا، فلم يسئله رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحُرّ أَنْتَ أَمْ عَبْدٌ، وَلَا: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا، فَفِي هَذَا مِنْ الْفِقْهِ: قَبُولُ الْهَدِيّةِ وَتَرْكُ سُؤَالِ الْمُهْدِي، وَكَذَلِكَ الصّدَقَةُ. حُكْمُ الصّدَقَةِ لِلنّبِيّ وَمَصْدَرُ مَالِ سَلْمَانَ: وَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ قدّم إليه طعام فليأكل ولا يسئل. وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ حَدِيثَ سَلْمَانَ حُجّةً عَلَى مَنْ قَالَ إنّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ لَا يَمْلِكُ مَا قَبِلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَتَهُ، وَلَا قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا صَدَقَتَهُ. ذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الْوَجْهَ الّذِي جَمَعَ مِنْهُ سَلْمَانُ مَا أَهْدَى لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: كُنْت عَبْدًا لِامْرَأَةِ، فَسَأَلْت سَيّدَتِي أَنْ تَهَبَ لِي يَوْمًا، فَعَمِلْت فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى صاع أو

_ (1) أحمد فى مسنده، والبخارى فى الأدب المفرد، وقال السيوطى: ضعيف (2) فى البخارى: تداول سليمان بضعة عشر من رب إلى رب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، وَجِئْت بِهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمّا رَأَيْته لَا يَأْكُلُ الصّدَقَةَ، سَأَلْت سَيّدَتِي أَنْ تَهَبَ لِي يَوْمًا آخَرَ، فَعَمِلْت فِيهِ عَلَى ذَلِكَ، ثُمّ جِئْت بِهِ هَدِيّةً لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبله وأكل منه، فبيّن فى هذا الرّوَايَةِ الْوَجْهَ الّذِي جَمَعَ مِنْهُ سَلْمَانُ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَالصّدَقَةُ الّتِي قَالَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا تَحِلّ لِمُحَمّدِ، وَلَا لِآلِ مُحَمّدٍ هِيَ الْمَفْرُوضَةُ دُونَ التّطَوّعِ، قَالَهُ الشّافِعِيّ، غَيْرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ تَحِلّ لَهُ صَدَقَةُ الْفَرْضِ وَلَا التّطَوّعِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ. وَقَالَ الثّوْرِيّ: لَا تَحِلّ الصّدَقَةُ لِآلِ مُحَمّدٍ فَرْضُهَا وَلَا نَفْلُهَا وَلَا لِمَوَالِيهِمْ، لِأَنّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، بِذَلِكَ جَاءَ الْحَدِيثُ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَحِلّ لِمَوَالِيهِمْ، وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَحِلّ لِآلِ مُحَمّدٍ صَدَقَةُ غَيْرِهِمْ، وَتَحِلّ لَهُمْ صَدَقَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب «1» .

_ (1) فى حديث رواه مسلم: إنا لا نأكل الصدقة، وفى حديث رواه أحمد بإسناد قوى: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة. ويقول الفسطلانى: والحكمة فى ذلك صيانة منصبه الشريف عن أوساخ أموال الناس: ويقول الزرقانى عن الصدقة، ولأنها تنبىء عن ذل الاخذ وعز المأخوذ منه. ص 220 وما بعدها ج 5 المواهب اللدنية. أما الهدية فكان يقبلها، ففى البخارى أنه أهديت إليه ديباج مزررة بالذهب، فقسمها فى ناس من أصحابه، وعزل منها واحدا لمخرمة بن نوفل. وفيه أيضا أن ملك أيلة أهدى إليه بغلة بيضاء، فكساه رسول الله بردة وكان أصحابه يهدون إليه، فيكافئهم أضعافها. وفى حديث سلمان بضع كلمات إليك معناها. دهقان: شيخ القرية العارف بالفلاحة، وما يصلح الأرض. قطن النار-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَوّلُ مَنْ مَاتَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ: وَقَوْلُ سَلْمَانَ: فَأَتَيْت رَسُولَ اللهِ وَهُوَ فِي جِنَازَةِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ. صَاحِبُهُ الّذِي مَاتَ فِي تِلْكَ الْأَيّامِ: كُلْثُومُ بْنُ الْهِدْمِ الّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الطّبَرِيّ: أَوّلُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ بِأَيّامِ قَلِيلَةٍ: كُلْثُومُ بْنُ الْهِدْمِ «1» ، ثُمّ مَاتَ بَعْدَهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ. فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي مُكَاتَبَةِ سَلْمَانَ أَنّهُ فَقّرَ لِثَلَاثِمِائَةِ وَدِيّةٍ أَيْ: حَفَرَ، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضَعَهَا كُلّهَا بِيَدِهِ، فَلَمْ تَمُتْ مِنْهَا وَدِيّةٌ وَاحِدَةٌ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ حَدِيثَ سَلْمَانَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ غَيْرَ أَنّهُ ذَكَرَ أَنّ سَلْمَانَ غَرَسَ بِيَدِهِ وَدِيّةً وَاحِدَةً، وَغَرَسَ رَسُولُ الله-

_ - خادمها. الأسقف فى الكنيسة: هو عالم النصارى الذى يقيم لهم أمر دينهم، ويقال: أسقف بتخفيف الغاء أو تضعيفها مع ضم الهمزة وإسكان السين وضم القاف. العذق بفتح العين: النخلة. وبكسرها: الكباسة وهى عنقود النخلة وبها ليل: جمع بهلول، السيد. يراحون؛ يهتزون. النحب: النذر. العرواء: الرعدة. الشملة. الكساء الغليظ يلتحف به. (1) ابن امرىء القيس بن الحارث بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مالك بن الأوس الأنصارى الأوسى. ذكر ابن عقبة وغيره أن النبى «ص» نزل عليه بقباء أول ما قدم المدينة. وآخرون قالوا: إنه نزل على سعد بن خيثمه. قال الواقدى: كان نزوله على كلثوم، وكان يتحدث فى بيت سعد ابن خيثمة؛ لأن منزله كان منزل القرآن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَائِرَهَا، فَعَاشَتْ كُلّهَا إلّا الّتِي غَرَسَ سَلْمَانُ. هَذَا مَعْنَى حَدِيثِ الْبُخَارِيّ. أُسْطُورَةُ نُزُولِ عِيسَى قَبْلَ بَعْثَةِ النّبِيّ: فَصْلٌ: وَذُكِرَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عُمَرَ ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ خَبَرَ الرّجُلِ الّذِي كَانَ يَخْرُجُ مُسْتَجِيزًا مِنْ غَيْضَةٍ إلَى غَيْضَةٍ، وَيَلْقَاهُ النّاسُ بِمَرْضَاهُمْ، فَلَا يَدْعُو لِمَرِيضِ إلّا شُفِيَ، وَأَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إنْ كُنْت صَدَقْتنِي يَا سَلْمَانُ، فَقَدْ رأيت عيسى بن مَرْيَمَ. إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ مَقْطُوعٌ، وَفِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَيُقَالُ: إنّ ذَلِكَ الرّجُلَ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ «1» ، وَهُوَ ضَعِيفٌ بِإِجْمَاعِ مِنْهُمْ، فَإِنْ صَحّ الْحَدِيثُ، فَلَا نَكَارَةَ فِي مَتْنِهِ، فَقَدْ ذَكَرَ الطّبَرِيّ أَنّ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السّلَامُ نَزَلَ بعد ما رُفِعَ، وَأُمّهُ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْجِذْعِ الّذِي فِيهِ الصّلِيبُ يَتّكِئَانِ «2» ، فَكَلّمَهُمَا، وَأَخْبَرَهُمَا أَنّهُ لَمْ يقتل، وأن الله رفعه

_ (1) وقيل عن الرجل المبهم إنه شيخ عاصم بن عمر بن قتادة. والحديث أيضا منقطع بل معضل بين عمر بن العزيز وسلمان رضى الله عنه. وقوله: لئن كنت صدقتنى الخ غريب جدا بل منكر- كما ذكر ابن الأثير فى البداية. ص 314 ح 2. (2) إنها كذبة صليبة لا يجوز ترديدها. ولنتدبر أن الله سبحانه لم يذكر لعيسى عليه السلام سوى ثلاثة أطوار ككل البشر: «والسلام علىّ يوم ولدت، ويوم أمسوت، ويوم أبعث حيا» كما قيلت تماما عن يحيى، والصليبيون يزعمون أنه سينرل، ويجعل العالم كله يكرز بالإنجيل، وآيات نزوله: عودة ملك سليمان إلى اليهود!! ومن-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَرْسَلَ إلَى الْحَوَارِيّينَ، وَوَجّهَهُمْ إلَى الْبِلَادِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَنْزِلَ مَرّةً جَازَ أَنْ يَنْزِلَ مِرَارًا، وَلَكِنْ لَا يُعْلَمُ أَنّهُ هُوَ حَتّى يَنْزِلَ النّزُولَ الظّاهِرَ فَيَكْسِرُ الصّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ كَمَا جَاءَ فِي الصّحِيحِ وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَيُرْوَى أَنّهُ إذَا نَزَلَ تَزَوّجَ امْرَأَةً مِنْ جُذَامٍ «1» ، وَيُدْفَنُ إذَا مَاتَ فِي الرّوْضَةِ الّتِي فِيهَا النبى عليه السلام.

_ - أين جاء الطبرى وغيره بما زعموه عن نزول عيسى؟ وقد يقال هنا- كما قالوا- لئن صح الخبر. فإنه يدل على أن عيسى قد هرب من الذى جاؤا يطلبونه ليصلبوه، وأن هؤلاء الطالبين أخذوا غيره، وأن الذين رأوا عيسى بعد هذا ظنوا أنه بعث بعد صلبه؛ إذ كانوا يظنون أنه قد أخذ، وصلب. (1) لا يستفيد من ترديد مثل هذا سوى الذين يحبون القضاء على الإسلام. وقد روى حديث نزول عيسى الشيخان والترمذى وأحمد، أما تزوجه فقد ذكره ابن الجوزى فى كتاب الوفا. وقد قيل: إن هذا الحديث معارض فى دلالته بما تدل عليه أحاديث أخرى، كالحديث الذى ورد فى الصحيحين دالا على أن الحبش سينقضون الكعبة، والحديث الذى ورد فى البخارى مؤكدا أنّ بين يدى الساعة أى: قرب مجيئها- أياما ينزل فيها الجهل، ويرفع العلم، ويكثر فيها الهرج- أى القتل- وكالحديث الذى شكافيه بعض الناس لأنس من ظلم الحجاج فقال لهم: اصبروا فإنه لا يأتى عليكم زمان إلا والذى بعده شرّ منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم. على حين يذكر فى حديث عيسى أنه سيكسر الصليب، وبقتل الخنزير، ويضع الجزية، وأن المال سيفيض حتى لا يقبله أحد، كما يؤكد زوال الشحناء والتباغض والتحاسد، فأين هذا من ذاك؟ وهل يعتبر هذا شرا من أيامنا هذه، كما يقول الحديث السابق؟ وقيل: إنه معارض أيضا بقوله سبحانه الذى يقص به قول عيسى يوم القيامة: «ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله ربى وربكم، وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم، فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شىء شهيد، فأين الحديث هنا عن كسر الصليب وقتل الخنزير؟ لماذا لم يقل: فلما أنزلتنى فعلت وفعلت، وعلمت أنهم غيروا؟!

ذكر ورقة بن نوفل بن أسد بن العزى وعبيد الله ابن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل

[ذِكْرُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ العزى وعبيد الله ابن جَحْشٍ وَعُثْمَانَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ يَوْمًا فِي عِيدٍ لَهُمْ عِنْدَ صَنَمٍ مِنْ أَصْنَامِهِمْ، كَانُوا يُعَظّمُونَهُ وَيَنْحَرُونَ لَهُ، وَيَعْكُفُونَ عِنْدَهُ، وَيُدِيرُونَ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ عِيدًا لَهُمْ، فِي كُلّ سَنَةٍ يَوْمًا، فَخَلَصَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ نَجِيّا، ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَصَادَقُوا، وَلْيَكْتُمْ بَعْضُكُمْ على بعض، قالوا: أجل، وهم: ورقة ابن نوفل بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى، وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم ابن دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَكَانَتْ أُمّهُ أميمة بنت عبد المطلب. وعثمان ابن الْحُوَيْرِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ، وزيد بن عمرو بن نفيل ابن عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب ابن لُؤَيّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَلّمُوا وَاَللهِ مَا قَوْمُكُمْ عَلَى شَيْءٍ! لَقَدْ أَخْطَئُوا دِينَ أَبِيهِمْ إبْرَاهِيمَ! مَا حَجَرٌ نُطِيفُ بِهِ، لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، وَلَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَعُ؟! يَا قوم التمسوا لأنفسكم، فَإِنّكُمْ وَاَللهِ مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ، فَتَفَرّقُوا فى البلدان يلتمسون الحنيفية، دين إبراهيم. فَأَمّا وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فَاسْتَحْكَمَ فِي النّصْرَانِيّةِ، وَاتّبَعَ الْكُتُبَ مِنْ أَهْلِهَا، حَتّى عَلِمَ عِلْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَأَمّا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ، فَأَقَامَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الِالْتِبَاسِ حَتّى أَسْلَمَ، ثُمّ هَاجَرَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْحَبَشَةِ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ مُسْلِمَةً، فَلَمّا قَدِمَهَا تَنَصّرَ، وَفَارَقَ الْإِسْلَامَ، حَتّى هَلَكَ هُنَالِكَ نَصْرَانِيّا. قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر بن الزّبير؛ قال: كان عبيد الله ابن جَحْشٍ- حِين تَنَصّرَ- يَمُرّ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ هُنَالِكَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَيَقُولُ: فَقّحْنَا وَصَأْصَأْتُمْ، أَيْ: أَبْصَرْنَا وَأَنْتُمْ تَلْتَمِسُونَ الْبَصَرَ، وَلَمْ تُبْصِرُوا بَعْدُ، وَذَلِكَ أَنّ وَلَدَ الْكَلْبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ عَيْنَيْهِ لِيَنْظُرَ، صَأْصَأَ؛ لِيَنْظُرَ. وَقَوْلُهُ: فَقّحَ: فَتّحَ عينيه. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَلَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ حُسَيْنٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ فِيهَا إلَى النّجَاشِيّ عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ، فَخَطَبَهَا عَلَيْهِ النّجَاشِيّ؛ فَزَوّجَهُ إيّاهَا، وَأَصْدَقَهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعمائة دِينَارٍ. فَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ: مَا نَرَى عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ وَقَفَ صَدَاقَ النّسَاءِ على أربعمائة دِينَارٍ إلّا عَنْ ذَلِكَ. وَكَانَ الّذِي أَمْلَكَهَا للنّبىّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بن العاص: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا عُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، فَقَدِمَ عَلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرّومِ فَتَنَصّرَ، وَحَسُنَتْ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلِعُثْمَانَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عِنْدَ قَيْصَرَ حَدِيثٌ، مَنَعَنِي مِنْ ذِكْرِهِ ما ذكرت فى حديث حرب الفجار. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَوَقَفَ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي يَهُودِيّةٍ وَلَا نَصْرَانِيّةٍ، وَفَارَقَ دِينَ قَوْمِهِ، فَاعْتَزَلَ الْأَوْثَانَ والميتة والدم والذبائح التى تذبح على الأوثان، ونهى عن قتل الموؤدة، وَقَالَ: أَعْبُدُ رَبّ إبْرَاهِيمَ، وَبَادَى قَوْمَهُ بِعَيْبِ مَا هُمْ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمّهِ أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قال: لَقَدْ رَأَيْت زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ شَيْخًا كَبِيرًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَلّذِي نَفْسُ زَيْدِ ابن عَمْرٍو بِيَدِهِ: مَا أَصْبَحَ مِنْكُمْ أَحَدٌ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ غَيْرِي، ثُمّ يَقُولُ: اللهُمّ لَوْ أَنّي أَعْلَمُ أَيّ الْوُجُوهِ أَحَبّ إلَيْك عَبَدَتْك بِهِ، وَلَكِنّي لَا أَعْلَمُهُ، ثُمّ يَسْجُدُ عَلَى راحته. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثْت أَنّ ابْنَهُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ، وَهُوَ ابْنُ عَمّهِ، قَالَا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنستغفر لِزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنّهُ يُبْعَث أمّة وحده. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي فِرَاقِ دِينِ قَوْمِهِ، وَمَا كَانَ لَقِيَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ: أَرَبّا وَاحِدًا، أَمْ أَلْفَ رَبّ ... أَدِينُ إذَا تُقُسّمَتْ الْأُمُورُ عَزَلْتُ اللّاتَ وَالْعُزّى جَمِيعًا ... كَذَلِكَ يَفْعَلُ الْجَلْدُ الصّبُورُ فَلَا الْعُزّى، أَدِينُ وَلَا ابْنَتَيْهَا ... وَلَا صَنَمَيْ بَنِي عَمْرٍو أزور ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَلَا هُبَلًا أَدِينُ، وَكَانَ رَبّا ... لَنَا فِي الدّهْرِ إذْ حِلْمِي يَسِيرُ عَجِبْتُ. وَفِي اللّيَالِي مُعْجَبَاتٌ ... وَفِي الْأَيّامِ يَعْرِفُهَا الْبَصِيرُ بِأَنّ اللهَ قَدْ أَفْنَى رِجَالًا ... كَثِيرًا كَانَ شَأْنَهُمْ الْفُجُورُ وَأَبْقَى آخَرِينَ بِبِرّ قَوْمٍ ... فَيَرْبِلُ مِنْهُمْ الطّفْلُ الصّغير وبينا المرء يعثر ثَابَ يَوْمًا ... كَمَا يُتَرَوّحُ الْغُصْنُ الْمَطِيرُ وَلَكِنْ أَعْبُدُ الرّحْمَنَ رَبّي ... لِيَغْفِرَ ذَنْبِي الرّبّ الْغَفُورُ فَتَقْوَى اللهِ رَبّكُمْ احْفَظُوهَا ... مَتَى مَا تَحْفَظُوهَا. لَا تَبُورُوا تَرَى الْأَبْرَارَ. دَارُهُمْ جِنَانٌ ... وَلِلْكَفّارِ حَامِيَةً سَعِيرُ وَخِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ وَإِنْ يَمُوتُوا ... يلاقوا ما تضيق به الصّدور وقال زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ نُفَيْلٍ أَيْضًا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ لِأُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. إلّا الْبَيْتَيْنِ الْأَوّلَيْنِ وَالْبَيْتَ الْخَامِسَ وَآخِرَهَا بَيْتًا. وَعَجُزُ الْبَيْتِ الْأَوّلِ عَنْ غير ابن إسحاق: - إلَى اللهِ أُهْدِي مِدْحَتِي وَثَنَائِيَا ... وَقَوْلًا رَصِينًا لاينى الدّهْرَ بَاقِيَا إلَى الْمَلِكِ الْأَعْلَى الّذِي لَيْسَ فوقه ... إله، وَلَا رَبّ يَكُونُ مُدَانِيَا أَلَا أَيّهَا الْإِنْسَانُ إيّاكَ وَالرّدَى ... فَإِنّك لَا تُخْفِي مِنْ اللهِ خَافِيَا وَإِيّاكَ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ ... فَإِنّ سَبِيلَ الرّشْدِ أَصْبَحَ بَادِيَا حَنَانَيْكَ إنّ الجن كانت رجاءهم ... وأنت إلهى رَبّنَا وَرَجَائِيَا رَضِيتُ بِكَ- اللهُمّ- رَبّا فَلَنْ أرى ... أدين إلها غيرك الله ثانيا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَأَنْتَ الّذِي مِنْ فَضْلِ مَنّ وَرَحْمَةٍ ... بَعَثْتَ إلَى مُوسَى رَسُولًا مُنَادِيَا فَقُلْت لَهُ: يَا اذْهَبْ وَهَارُونَ فَادْعُوَا ... إلَى اللهِ فِرْعَوْنَ الّذِي كَانَ طَاغِيَا وَقُولَا لَهُ: أَأَنْتَ سَوّيْت هَذِهِ ... بِلَا وَتَدٍ، حَتّى اطْمَأَنّتْ كَمَا هِيَا وَقُولَا لَهُ: أَأَنْتَ رَفّعْت هَذِهِ ... بِلَا عُمُدٍ، أَرْفِقْ- إذَا- بِك بَانِيَا وَقُولَا لَهُ: أَأَنْتَ سَوّيْت وَسْطَهَا ... مُنِيرًا، إذَا مَا جَنّهُ اللّيْلُ هَادِيَا وَقُولَا لَهُ: مَنْ يُرْسِلُ الشّمْسَ غُدْوَةً ... فَيُصْبِحُ مَا مَسّتْ مِنْ الْأَرْضِ ضَاحِيَا وَقُولَا لَهُ: مَنْ يُنْبِتُ الْحَبّ فِي الثّرَى ... فَيُصْبِحُ مِنْهُ الْبَقْلُ يَهْتَزّ رَابِيَا وَيُخْرِجُ مِنْهُ حَبّهُ فِي رؤسه ... وَفِي ذَاكَ آيَاتٌ لِمَنْ كَانَ وَاعِيَا وَأَنْتَ بِفَضْلٍ مِنْك نَجّيْتَ يُونُسَا ... وَقَدْ بَاتَ فِي أضعاف حوت لياليا وإنى لَوْ سَبّحْت بِاسْمِك رَبّنَا ... لَأُكْثِرُ- إلّا مَا غَفَرْت- خَطَائِيَا فَرَبّ الْعِبَادِ أَلْقِ سَيْبًا وَرَحْمَةً ... علىّ، وبارك فى بنىّ وماليا وقال زيد بن عمرو يعاتب امرأته صفية بنت الْحَضْرَمِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ الْحَضْرَمِيّ: عَبْدُ الله أَحَدُ الصّدِفِ، وَاسْمُ الصّدِفِ: عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ أَحَدُ السّكُونِ بْنِ أَشْرَسَ بْنِ كِنْدَى، وَيُقَالُ: كِنْدَةُ بْنُ ثَوْرِ بْنِ مُرَتّعِ بْنِ عُفَيْر بْنِ عَدِيّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُرّةَ بْنِ أدد ابن زيد بن مهسع ابن عمرو ابن عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كُهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَيُقَالُ: مُرَتّعُ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سبأ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو قَدْ أَجْمَعَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكّةَ، لِيَضْرِبَ فِي الْأَرْضِ يَطْلُبُ الْحَنِيفِيّةَ دِينَ إبْرَاهِيمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَكَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ الْحَضْرَمِيّ كَلّمَا رَأَتْهُ قَدْ تَهَيّأَ لِلْخُرُوجِ، وَأَرَادَهُ، آذَنَتْ بِهِ الخطّاب بن نفيل، وكان الخطّاب ابن نُفَيْلٍ عَمّهُ وَأَخَاهُ لِأُمّهِ، وَكَانَ يُعَاتِبُهُ عَلَى فِرَاقِ دِينِ قَوْمِهِ، وَكَانَ الْخَطّابُ قَدْ وَكّلَ صفيّة به، وقال: إذا رأيتيه قدهمّ بِأَمْرٍ فَآذِنِينِي بِهِ- فَقَالَ زَيْدٌ: لَا تَحْبِسِينِي فى الهوا ... ن صفىّ مادابى وَدَابُهُ إنّي إذَا خِفْت الْهَوَا ... نَ، مُشَيّعٌ ذُلُلَ رِكَابِهِ دُعْمُوصُ أَبْوَابَ الْمُلُو ... كِ وَجَائِبٌ للخرق نابه قطّاع أسباب تذل ... بِغَيْرِ أَقْرَانٍ صِعَابه وَإِنّمَا أَخَذَ الْهَوَا ... نُ الْعِيرَ إذْ يُوهَى إهَابُهُ وَيَقُولُ: إنّي لَا أذلّ ... بِصَكّ جَنْبَيْهِ صِلَابه وَأَخِي ابْنُ أُمّي، ثُمّ عمّى ... لا يواتينى خطابه وإذا يعاتبنى بسو ... ء قُلْتُ: أَعْيَانِي جَوَابُهُ وَلَوْ أَشَاءُ لَقُلْت: مَا ... عِنْدِي مَفَاتِحُهُ وَبَابُهْ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثَتْ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: أَنّ زَيْدًا إذا كان اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، قَالَ: لَبّيْكَ حَقّا حَقّا، تَعَبّدًا وَرِقّا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عذت بما عاذ به إبراهيم، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَهُوَ قَائِم إذْ قَالَ: أَنْفِي لَك اللهُمّ عَانٍ رَاغِمْ ... مَهْمَا تُجَشّمُنِي فَإِنّي جَاشِم الْبِرّ أَبْغِي لَا الْخَالَ، لَيْسَ مُهَجّر كمن فال. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْبِرّ أَبْقَى لَا الْخَال، لَيْسَ مُهَجّر كَمَنْ قَالَ: قَالَ وَقَوْلُهُ: «مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ» عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ نفيل: وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقَالًا دَحَاهَا فَلَمّا رَآهَا اسْتَوَتْ ... عَلَى الْمَاءِ، أَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَالَا وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْمُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلَالًا إذَا هِيَ سِيقَتْ إلَى بَلْدَةٍ ... أَطَاعَتْ، فَصَبّتْ عَلَيْهَا سجالا وَكَانَ الْخَطّابُ قَدْ آذَى زَيْدًا، حَتّى أَخْرَجَهُ إلَى أَعَلَى مَكّةَ، فَنَزَلَ حِرَاءَ مُقَابِلَ مَكّةَ، وَوَكّلَ بِهِ الْخَطّابُ شَبَابًا مِنْ شَبَابِ قُرَيْشٍ وسفهاء من سفائهم، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تَتْرُكُوهُ يَدْخُلُ مَكّةَ، فَكَانَ لَا يَدْخُلُهَا إلّا سِرّا مِنْهُمْ، فَإِذَا عَلِمُوا بِذَلِكَ، آذَنُوا بِهِ الْخَطّابَ، فَأَخْرَجُوهُ، وَآذَوْهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ، وَأَنْ يُتَابِعَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى فِرَاقِهِ. فَقَالَ- وَهُوَ يُعَظّمُ حُرْمَتَهُ عَلَى مَنْ اسْتَحَلّ مِنْهُ مَا اسْتَحَلّ مِنْ قومه: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لا همّ إنّي مُحْرِمٌ لَا حِلّهْ ... وَإِنّ بَيْتِي أَوْسَطَ الْمَحِلّهْ عِنْدَ الصّفَا لَيْسَ بِذِي مُضِلّهُ ثُمّ خَرَجَ يَطْلُبُ دِينَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَيَسْأَلُ الرّهْبَانَ وَالْأَحْبَارَ، حَتّى. بَلَغَ الْمَوْصِلَ وَالْجَزِيرَةَ كُلّهَا، ثُمّ أَقْبَلَ فَجَالَ الشّامَ كُلّهُ، حَتّى انْتَهَى إلَى رَاهِبٍ بِمَيْفَعَةٍ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، كَانَ يَنْتَهِي إلَيْهِ عِلْمُ أَهْلِ النّصْرَانِيّةِ فِيمَا يَزْعُمُونَ، فَسَأَلَهُ عَنْ الْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: إنّك لتطب دِينًا مَا أَنْتَ بِوَاجِدٍ مَنْ يَحْمِلُك عَلَيْهِ الْيَوْمَ، وَلَكِنْ قَدْ أَظَلّ زَمَانُ نَبِيّ يَخْرُجُ مِنْ بِلَادِك الّتِي خَرَجْت. مِنْهَا، يُبْعَثُ بِدِينِ إبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِيّةِ، فَالْحَقّ بِهَا، فَإِنّهُ مَبْعُوثٌ الْآنَ، هذا زمانه، وقد كان شامّ اليهودية وَالنّصْرَانِيّةَ، فَلَمْ يَرْضَ شَيْئًا مِنْهُمَا، فَخَرَجَ سَرِيعًا، حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ الرّاهِبُ مَا قَالَ، يُرِيدُ مَكّةَ، حَتّى إذَا تَوَسّطَ بِلَادَ لَخْمٍ، عدوا عليه فقتلوه- فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ يَبْكِيهِ: رَشَدْتَ، وَأَنْعَمْت ابْنَ عَمْرٍو، وَإِنّمَا ... تَجَنّبْتَ تَنّورًا مِنْ النّارِ حَامِيَا بِدِينِكَ رَبّا لَيْسَ رَبّ كَمِثْلِهِ ... وَتَرْكُكَ أَوْثَانَ الطّوَاغِي كَمَا هِيَا وَإِدْرَاكُك الدّينَ الّذِي قَدْ طَلَبْتَهُ ... وَلَمْ تَكُ عَنْ تَوْحِيدِ رَبّك سَاهِيَا فَأَصْبَحْتَ فِي دَارٍ كَرِيمٍ مُقَامُهَا ... تُعَلّلُ فِيهَا بِالْكَرَامَةِ لَاهِيَا تُلَاقِي خَلِيلَ اللهِ فِيهَا، وَلَمْ تَكُنْ ... مِنْ النّاسِ جَبّارًا إلَى النّار هَاوَيَا وَقَدْ تُدْرِكُ الْإِنْسَانَ رَحْمَةُ رَبّهِ ... وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الْأَرْضِ سَبْعِينَ وَادِيَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُرْوَى لِأُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ الْبَيْتَانِ الْأَوّلَانِ مِنْهَا، وَآخِرُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بَيْتًا فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَوْلُهُ: «أَوْثَانِ الطّوَاغِي» عن غير ابن إسحاق. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذِكْرُ حَدِيثِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ «1» ، وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ جحش، وعثمان ابن الْحُوَيْرِثِ، وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَمَا تناجوا به، وقال: زيد بن عمرو ابن نُفَيْلٍ إلَى آخِرِ النّسَبِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي نَسَبِهِ وَنَسَبِ ابْنِ عَمّهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ: نُفَيْلُ بْنُ رِيَاحِ «2» بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بن رزاح «3» بتقديم رياح على

_ (1) نسب ورقة، هو ابن نوفل بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ بن كلاب وقد تقدم الكلام عنه. وفى الصحيحين ما يدل على أنه لقى النبى، ولكنه مات قبل أن يدعو رسول الله إلى الإسلام. وحديث رؤية النبى لورقة فى الجنة حديث منقطع، وحديث أنه سأل رسول الله «ص» عن كيفية مجىء الوحى، وأنه قال: يأتينى من السماء وجناحاه لؤلؤ، وباطن قدميه أخضر. هذا مروى عن طريق روح بن مسافر، وهو أحد الضعفاء، والحديث فى روايته سماع ابن عباس من ورقة، وابن عساكر يقول: لم يسمع ابن عباس من ورقة، ولا أعرف أحدا قال: إنه أسلم. (2) فى الإصابة: نفيل بن عبد العزى بن رياح. (3) فى الإصابة بعده: ابن عدى بن كعب بن لؤى بن غالب. وإليك ما ذكر المصعب الزبيرى عن هذا النسب: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح ابن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر «346 نسب قريش» ورزاح بكسر الراء وفتحها. والفتح عند الدارقطنى. وقد وردت عن زيد عدة أحاديث، منها مارواه البخارى، وفيه: «كان يحيى الموؤدة يقول للرجل، إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها أنا أكفيكها مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤنتها» . وحديث إسناد ظهره إلى الكعبة- وسيأتى فى الروض- أخرجه البخارى من-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَبْدِ اللهِ، وَرِزَاحٌ بِكَسْرِ الرّاءِ قَيّدَهُ الشّيْخُ أَبُو بَحْرٍ، وَزَعَمَ الدّارَقُطْنِيّ أَنّهُ رَزَاحٌ بِالْفَتْحِ، وَإِنّمَا رِزَاحٍ بِالْكَسْرِ: رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو قُصَيّ لِأُمّهِ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ «1» . الزّوَاجُ مِنْ امْرَأَةِ الْأَبِ فِي الْجَاهِلِيّةِ: وَأُمّ زَيْدٍ هِيَ: الْحَيْدَاءُ بِنْتُ خَالِدٍ الْفَهْمِيّةُ، وَهِيَ امْرَأَةُ جَدّهِ نُفَيْلٍ وَلَدَتْ لَهُ الْخَطّابَ «2» فَهُوَ أَخُو الْخَطّابِ لِأُمّهِ، وَابْنُ أَخِيهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا فِي الْجَاهِلِيّةِ بِشِرْعِ مُتَقَدّمٍ «3» ، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ الْحُرُمَاتِ الّتِي انْتَهَكُوهَا، وَلَا مِنْ الْعَظَائِمِ الّتِي ابْتَدَعُوهَا، لِأَنّهُ أَمْرٌ كَانَ فِي عَمُودِ نَسَبِ رَسُولِ الله- صلى الله

_ طريق هشام من طريق الليث تعليقا، والنسائى من طريق أبى أسامة. والبغوى من طريق على بن مسهر كلهم عن هشام، وزادوا فيه: «يحيى الموؤدة يقول للرجل إن أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها، فأنا أكفيك مئونتها» ، وورد فى رواية الطبرانى أنه كان يسجد للكعبة بدلا من راحته وقال عنه ابن دريد فى الجمهرة: رفض الأوثان فى الجاهلية، وامتنع من أكل ما ذبح لغير الله- عز وجل- والتزم الحنيفية دين إبراهيم، إلى أن قتله أهل ميفعة، قرية من قرى البلقاء بقرب دمشق من. لخم أو جذام. (1) والحديث الذى ذكره ابن إسحاق، وفيه سؤال سعيد بن زيد وعمر، بن الخطاب لرسول صلى الله عليه وسلم الاستغفار لزيد ... فى رواية أحمد والطبرانى والبزار أن سعيدا هو الذى سأل، وقال البيهقى عن الحديث: فيه المسعودى وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات. (2) وكان عمرو بن نفيل قد خلف على امرأة أبيه بعد أبيه، وكان لها من نفيل أخوه الخطاب. (3) من أين له هذا؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكِنَانَةُ تَزَوّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ خُزَيْمَةَ، وَهِيَ بَرّةُ بِنْتُ مُرّ، فَوَلَدَتْ لَهُ النّضْرَ بْنَ كِنَانَةَ، وَهَاشِمٌ أَيْضًا قَدْ تَزَوّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ وَافِدَةً فَوَلَدَتْ لَهُ ضَعِيفَةَ «1» ، وَلَكِنْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ عَمُودِ نَسَبِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى الله عليه وسلم- لأنها لم تلدجدّا لَهُ، أَعْنِي: وَاقِدَةَ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَنَا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ «2» ، وَلِذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) النّسَاءُ: 22. أَيْ: إلّا مَا سَلَفَ مِنْ تَحْلِيلِ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ: وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَلّا يُعَابَ نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» وَلِيُعْلَمَ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَجْدَادِهِ مَنْ كان لغيّة «4» ولا من سفاح. ألا نرى أَنّهُ لَمْ يَقُلْ فِي شَيْءٍ نَهَى عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ: إِلّا مَا قَدْ سَلَفَ، نَحْوَ قوله: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) وَلَمْ يَقُلْ إلّا مَا قَدْ سَلَفَ: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ) الْإِسْرَاءُ: 30 وَلَمْ يَقُلْ إلّا مَا قَدْ سَلَفَ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي الّتِي نَهَى عَنْهَا إلّا فِي هَذِهِ، وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ؛ لِأَنّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ قَدْ كَانَ مُبَاحًا أَيْضًا فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، وَقَدْ جَمَعَ يَعْقُوبُ بَيْنَ رَاحِيلَ وَأُخْتِهَا لِيَا «5» فَقَوْلُهُ: إِلّا مَا قد سلف

_ (1) يقول المصعب الزبيرى فى نسب قريش ص 17: «وكانت ضعيفة بنت هاشم عند عبد مناف بن زهرة بن كلاب، فولدت له عبد يغوث، وعبيد يغوث» (2) لا ريب فى طهارة نسبه الشريف، ولا ريب فى أنه كان من نكاح صحيح بين عبد الله أبيه وآمنة أمه. لكن هذه الأحاديث التى ترفع هذه الكلية، حتى آدم أحاديث ضعيفة، ولهذا لم يخرجها أحد من أصحاب الكتب الستة، فلا تراها إلا عند ابن سعد وابن عساكر وابن أبى شيبة. وأحسن تعبير عن هذه الحقيقة جزء من حديث أخرجه أبو نعيم: «لم يلتق أبواى قط على سفاح» . (3) لا يجوز قصر الاية على ما ذكر وحده. (4) الزّنا، وتقال بكسر الغين وفتحها. (5) هما فى سفر التكوين: راحيل وليئة ابنتا لابان، وقصتهما مع يعقوب-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْتِفَاتَةٌ إلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَتَنْبِيهٌ عَلَى هَذَا الْمَغْزَى، وَهَذِهِ النّكْتَةُ لُقّنْتهَا مِنْ شَيْخِنَا الْإِمَامِ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمّدِ بْنِ الْعَرَبِيّ- رَحِمَهُ الله- وزيد هذا هو: والد سعيد ابن زَيْدٍ أَحَدِ الْعَشْرَةِ الّذِينَ شُهِدَ لَهُمْ بِالْجَنّةِ، وأم سعيد: فاطمة بنت نعجة ابن خَلَفٍ الْخُزَاعِيّ [عِنْدَ الزّبَيْرِ: بَعْجَةُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ اليمعر بْنِ خُزَاعَةَ] . تَفْسِيرُ بَعْضِ قَوْلِ ابْنِ جَحْشٍ: وَذَكَرَ قَوْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ حِينَ تَنَصّرَ بالحبشة: فقّحنا وصأصأتم، وشرح فقّحنا لقوله: فَقّحَ الْجُرْوُ: إذَا فَتَحَ عَيْنَيْهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَزَادَ: جَصّصَ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ: بَصّصَ بِالْبَاءِ حَكَاهَا عَنْ أَبِي زَيْدٍ «1» ، وَقَالَ الْقَالِيّ: إنّمَا رَوَاهُ الْبَصْرِيّونَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ بِيَاءِ مَنْقُوطَةٍ بِاثْنَتَيْنِ، لِأَنّ الْيَاءَ تُبْدَلُ مِنْ الْجِيمِ كَثِيرًا كَمَا تَقُولُ: أَيَلٌ وَأَجَلٌ، وَلِرِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَصّصَ مِنْ الْبَصِيصِ، وَهُوَ الْبَرِيقُ. بَعْضُ الّذِينَ تَنَصّرُوا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ عُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ مَعَ زَيْدٍ، وَوَرَقَةَ وَعُبَيْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ، ثُمّ قَالَ: وَأَمّا عُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فَإِنّهُ ذَهَبَ إلَى الشّامِ، وَلَهُ فِيهَا مَعَ قَيْصَرٍ خَبَرٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الْخَبَرَ، وَذَكَرَ الْبَرْقِيّ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ قَدِمَ عَلَى قَيْصَرٍ، فَقَالَ لَهُ: إنّي أَجْعَلُ لَك خرجا على قريش إن جاؤا

_ - فى الإصحاح التاسع والعشرين من التكوين، وفيه أن لابان خدع يعقوب وزوجه غير التى كان يريدها أولا، لأنها الكبرى، ثم زوجه ليئة. (1) فى القاموس: يصص الجرو: جصص. وانظر ص 136 نوادر أبى زيد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشّامَ لِتِجَارَتِهِمْ، وَإِلّا مَنَعْتهمْ، فَأَرَادَ قَيْصَرٌ أَنْ يفعل فخرج سعيد بن العاصى ابن أُمَيّةَ وَأَبُو ذِئْبٍ، وَهُوَ: هِشَامُ بْنُ شُعْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ إلَى الشّامِ، فَأُخِذَا فَحُبِسَا، فَمَاتَ أَبُو ذِئْبٍ فِي الْحَبْسِ، وَأَمّا سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِي، فَإِنّهُ خَرَجَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَةَ، وَهُوَ أُمَيّةُ فَتَخَلّصُوهُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة ابن الْأَخْنَسِ. وَأَبُو ذِئْبٍ الّذِي ذُكِرَ هُوَ: جَدّ الفقيه محمد بن عبد الرحمن ابن الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، يُكَنّى: أَبَا الْحَارِثِ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَأُمّهُ بُرَيْهَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَمّا الزبير فذكر أن قيصر كَانَ قَدْ تَوّجَ عُثْمَانَ، وَوَلّاهُ أَمْرَ مَكّةَ، فَلَمّا جَاءَهُمْ بِذَلِكَ أَنِفُوا مِنْ أَنْ يَدِينُوا لِمَلِكِ، وَصَاحَ الْأَسْوَدُ بْنُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: أَلَا إنّ مَكّةَ حَيّ لَقَاحٌ لَا تَدِينُ لِمَلِكِ «1» ، فَلَمْ يَتِمّ لَهُ مُرَادُهُ، قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْبِطْرِيقُ «2» ، وَلَا عَقِبَ لَهُ، وَمَاتَ بِالشّامِ مَسْمُومًا، سَمّهُ عَمْرُو بْنُ جَفْنَةَ الغسنّانى الملك. اعتزال زيد بن عمر بْنِ نُفَيْلٍ الْأَوْثَانَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ اعْتِزَالَ زَيْدٍ الْأَوْثَانَ وَتَرْكَهُ طَوَاغِيتَهُمْ، وَتَرْكَهُ أَكْلَ مَا نُحِرَ [عَلَى الْأَوْثَانِ] «3» وَالنّصُبِ. رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ مُحَمّدِ بن أبى بكر،

_ (1) أى لا تخضع للملوك. (2) فى القاموس: البطريق: ككبريت، القائد من قواد الروم تحت يده عشرة آلاف رجل، ثم الطرخان على خمسة آلاف، ثم القوه مس على مائتين، والمختال. (3) ما بين القوسين زدته من السيرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ: أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا موسى، قال: حدثنى سالم ابن عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَ زيد ابن عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلَ بَلْدَحَ «1» قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النّبِيّ- عَلَيْهِ السّلَامُ- الْوَحْيُ، فَقُدّمَتْ إلَى النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُفْرَةٌ أَوْ قَدّمَهَا إلَيْهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمّ قَالَ زَيْدٌ: إنّي لَسْت آكُلُ مَا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلَا آكُلُ إلّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، وَأَنّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَقُولُ: الشّاةُ خَلَقَهَا اللهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنْ السّمَاءِ الْمَاءَ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنْ الْأَرْضِ الْكَلَأَ، ثُمّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللهِ؟! إنْكَارًا لِذَلِك، وَإِعْظَامًا لَهُ. قَالَ مُوسَى بْنُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: وَلَا أَعْلَمُ إلّا مَا تَحَدّثَ بِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إلَى الشّامِ يَسْأَلُ عن الدين، وينّبعه، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ الْيَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، وَقَالَ لَهُ إنّي لَعَلّي أَنْ أَدِينَ بِدِينِكُمْ، فَأَخْبِرُونِي، فَقَالَ: لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا، حَتّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِك مِنْ غَضَبِ اللهِ، قَالَ زَيْدٌ: مَا أَفِرّ إلّا مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنّى أَسْتَطِيعُهُ، فَهَلْ تَدُلّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إلّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا، وَلَا يَعْبُدُ إلّا اللهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ النّصَارَى، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ لَنْ: تَكُونَ عَلَى دِينِنَا، حَتّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِك مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، قَالَ: مَا أَفِرّ إلّا مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنّى أَسْتَطِيعُ، فَهَلْ تَدُلّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: ما أعلمه إلا أن

_ (1) بلدح: واد قبل مكة من جهة المغرب، أو مكان فى طريق التنعيم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا، وَلَا يَعْبُدُ إلّا اللهَ، فَلَمّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إبْرَاهِيمَ خَرَجَ، فَلَمّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: اللهُمّ إنّي أُشْهِدُك أَنّي عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ. وَقَالَ اللّيْثُ: كَتَبَ إلَيّ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَتْ: رَأَيْت زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ، يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَللهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ غَيْرِي، وكان يحيى الموؤدة، يَقُولُ لِلرّجُلِ إذَا أَرَادَ أَنّ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: لا تقتلها، أكفيك مئونتها، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إنْ شِئْت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مئونتها. إلَى هَاهُنَا انْتَهَى حَدِيثُ الْبُخَارِيّ. وَفِيهِ سُؤَالٌ يُقَالُ: كَيْفَ وَفّقَ اللهُ زَيْدًا إلَى تَرْكِ أَكْلِ مَا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ، وَمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، وَرَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَوْلَى بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ فى الجاهلية لما ثبت الله له؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ حِينَ لَقِيَهُ بِبَلْدَحَ، فَقُدّمَتْ إلَيْهِ السّفْرَةُ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أَكَلَ مِنْهَا، وَإِنّمَا فِي الْحَدِيثِ أَنّ زَيْدًا قَالَ حِينَ قُدّمَتْ السّفْرَةُ: لَا آكُلُ مِمّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ: الْجَوَابُ الثّانِي «1» : أن زيدا إنما فعل ذلك برأى

_ (1) جوابه الثانى غير مقبول، وزعمه أن ما ذبح لغير الله لم يكن محرما فى دين إبراهيم قول بغير دليل. والأنصاب: أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها للأصنام. وإليك بعض الأراء حول هذا الحديث. قال ابن بطال: كانت السفرة لقريش قدموها للنبى، فأبى أن يأكل منها، فقدمها النبى «صلى الله عليه وسلم» لزيد بن عمرو، فأبى أن يأكل منها، وقال مخاطبا لقريش الذين قدموها أولا: إنا لانأكل ما ذبح على أنصابكم. وقال صاحب الفتح: وما قاله محتمل، لكن لا أدرى من أين له الجزم بتلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَآهُ، لَا بِشِرْعِ مُتَقَدّمٍ، وَإِنّمَا تَقَدّمَ شَرْعُ إبْرَاهِيمَ بِتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، لَا بِتَحْرِيمِ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَإِنّمَا نَزَلَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ، وَبَعْضُ الْأُصُولِيّينَ يَقُولُونَ: الْأَشْيَاءُ قَبْلَ وُرُودِ الشّرْعِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا، وَقُلْنَا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْكُلُ مِمّا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ، فَإِنّمَا فَعَلَ أَمْرًا مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ قُلْنَا أَيْضًا: إنّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَلَا عَلَى التّحْرِيمِ، وَهُوَ الصّحِيحُ، فَالذّبَائِحُ خَاصّةٌ لَهَا أَصْلٌ فِي تَحْلِيلِ الشّرْعِ الْمُتَقَدّمِ كَالشّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمّا أَحَلّهُ اللهُ تَعَالَى فِي دِينِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، وَلَمْ يَقْدَحْ فِي ذَلِكَ التّحْلِيلِ الْمُتَقَدّمِ مَا ابْتَدَعُوهُ، حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَأَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) الْأَنْعَامُ: 121. أَلَا تَرَى كَيْفَ بَقِيَتْ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ عِنْدَنَا عَلَى أَصْلِ التّحْلِيلِ بِالشّرْعِ الْمُتَقَدّمِ، وَلَمْ يَقْدَحْ فِي التّحْلِيلِ مَا أحدثوه من

_ - وقال الخطابى. كان النبى «صلى الله عليه وسلم» لا يأكل مما يذبحون عليها للأصنام، ويأكل ما عدا ذلك، وإن كانوا لا يذكرون اسم الله عليه، لأن الشرع لم يكن نزل بعد، بل لم ينزل الشرع بمنع أكل ما لم يذكر اسم الله عليه إلا بعد المبعث بمدة طويلة. وقال صاحب الفتح: وهذا الجواب أولى مما ارتكبه ابن بطال، وعلى تقدير أن يكون زيد بن حارثه ذبح على الحجر المذكور، فإنما يحمل على أنه إنما ذبح عليه لغير الأصنام. وأما قوله تعالى: «وما ذبح على النصيب» ، فالمراد به ما ذبح عليها للأصنام، وفى الفتح أيضا: أن الجواب على قوله: فذبحنا شاة على بعض الأنصاب يعنى: الحجارة التى ليست بأصنام، ولا معبودة وإنما هى من آلات الجزار التى يذبح عليها؛ لأن النصب فى الأصل حجر كبير، فمنها ما يكون عندهم من جملة الأصنام، فيذبحون له، وعلى اسمه، ومنها مالا يعبد، بل يكون عندهم من آلات الذبح، فيذبح الذابح عليه لا للصنم، وكان امتناع زيد منها حسما للمادة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْكُفْرِ، وَعِبَادَةِ الصّلْبَانِ، فَكَذَلِكَ كَانَ مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْأَوْثَانِ مُحَلّا بِالشّرْعِ الْمُتَقَدّمِ، حَتّى خَصّهُ القرآن بالتحريم. زيد وصعصعة والموؤدة: فصل: وذكر خبر الموؤدة، وَمَا كَانَ زَيْدٌ يَفْعَلُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ صَعْصَعَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ جَدّ الْفَرَزْدَقِ رَحِمَهُ اللهِ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَمّا أَسْلَمَ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لِي فِي ذَلِكَ مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ فِي أَصَحّ الرّوَايَتَيْنِ: لَك أَجْرُهُ إذَا مَنّ اللهُ عَلَيْك بِالْإِسْلَامِ، وَقَالَ الْمُبَرّدُ فِي الْكَامِلِ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَلَامًا لَمْ يَصِحّ لَفْظُهُ وَلَا مَعْنَاهُ، وَلَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ. وَالْأُصُولُ تَشْهَدُ لَهُ بِهَذِهِ الرّوَايَةِ الّتِي ذَكَرْنَاهَا؛ لِمَا ثَبَتَ أَنّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، كُتِبَ لَهُ كُلّ حَسَنَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: كُلّ حَسَنَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَذَكَرهَا الدّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ، ثُمّ يَكُونُ الْقِصَاصُ بَعْدَ ذَلِكَ: الْحَسَنَةُ بعشر أمثالها، والموؤدة مَفْعُولَةٌ مِنْ وَأَدَهُ إذَا أَثْقَلَهُ قَالَ الْفَرَزْدَقُ: وَمِنّا الّذِي مَنَعَ الْوَائِدَا ... تِ، وَأَحْيَا الْوَئِيدَ، فَلَمْ يُوأَدِ يَعْنِي: جَدّهُ صَعْصَعَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ نَاجِيَةَ بْنِ عِقَالِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ مُجَاشِعٍ. وَقَدْ قِيلَ: كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ غَيْرَةً عَلَى الْبَنَاتِ، وَمَا قَالَهُ اللهُ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الْحَقّ مِنْ قَوْلِهِ: (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) وَذَكَرَ النّقّاشُ فِي التّفْسِيرِ: أَنّهُمْ كَانُوا يَئِدُونَ مِنْ الْبَنَاتِ، مَا كَانَ مِنْهُنّ زَرْقَاءَ أَوْ برشاء أو شيماء أو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَشْحَاءَ «1» تَشَاؤُمًا مِنْهُمْ بِهَذِهِ الصّفَاتِ قَالَ اللهُ تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ «2» التّكْوِيرُ: 8: 9. الْعُزّى: فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَفِيهِ: عَزَلْت اللّاتَ وَالْعُزّى جَمِيعًا. فَأَمّا اللّاتُ فَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهَا، وَأَمّا الْعُزّى، فَكَانَتْ نَخَلَاتٍ مُجْتَمِعَةً، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَيّ قَدْ أَخْبَرَهُمْ- فِيمَا ذُكِرَ- أَنّ الرّبّ يُشْتِي بِالطّائِفِ عِنْدَ اللّاتِ، وَيُصَيّفُ بالعزّى، فغظموها وَبَنَوْا لَهَا بَيْتًا، وَكَانُوا يَهْدُونَ إلَيْهِ كَمَا يَهْدُونَ إلَى الْكَعْبَةِ، وَهِيَ الّتِي بَعَثَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَالِدَ بْنَ الوليد ليكسرها، فقال له سادنها: يا خالد احذرها؛ فإنها تجدع

_ (1) الزرقاء: العمياء أو من بها ذلك. والبرشاء: من فى لونها نقط مختلفة حمراء، وأخرى سوداء أو غبراء. والشيماء: من كثرت فى بدنها الشامات، والشامة. علامة فى البدن، يخالف لونها لون سائره، والكشحاء: الموسومة بالنار فى كشحها بسبب داء فى كشحها، وربما كانت: الكسحاء. (2) ورد فى فتح البارى ص 115 ج 7: «كان أهل الجاهلية يدفنون البنات وهن بالحياة، ويقال: كان أصلها من الغيرة عليهن لما وقع لبعض العرب حيث سبى بنت آخر فاستفرشها، فأراد أبوها أن يفتديها منه، فخيرها، فاختارت الذى سباها، فحلف أبوها: ليقتلن كل بنت تولد له، فتبع على ذلك» غير أن القرآن ذكر أن وأدهن كان خشية الفقر، أو من الفقر. ولهذا قال سبحانه: «نحن نرزقهم وإياكم» لمن كانوا يئدون خشية الفقر، وقال لمن يئدون من الفقر: «نحن نرزقكم وإياهم» . عجل لهم البشارة برزق الوالدين، فهى فى هذا المقام أولى بالذكر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَتُكَنّعُ، «1» فَهَدَمَهَا خَالِدُ وَتَرَكَ مِنْهَا جَذْمَهَا «2» وَأَسَاسَهَا، فَقَالَ قَيّمُهَا: وَاَللهِ لِتَعُودُنّ وَلَتَنْتَقِمُنّ مِمّنْ فَعَلَ بِهَا هَذَا، فَذَكَرَ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِخَالِدِ: هَلْ رَأَيْت فِيهَا شَيْئًا؟ فَقَالَ: لَا، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَيَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهَا بِالْهَدْمِ، فَرَجَعَ خَالِدٌ، فَأَخْرَجَ أَسَاسَهَا، فَوَجَدَ فِيهَا امْرَأَةً سَوْدَاءَ مُنْتَفِشَةَ الشّعْرِ تَخْدِشُ وَجْهَهَا، «3» ، فَقَتَلَهَا وَهَرَبَ الْقَيّمُ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا تُعْبَدُ الْعُزّى بَعْدُ الْيَوْمَ. هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ النّيْسَابُورِيّ فِي الْمَبْعَثِ. وَذَكَرَهُ الْأَزْرَقِيّ أَيْضًا وَرَزِينٌ. مَعْنَى يَرْبُلُ: وَقَوْلُهُ: فَيَرْبُلُ مِنْهُمْ الطّفْلُ الصّغِيرُ. أَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ رَبَلَ الطّفْلُ يَرْبُلُ إذَا شَبّ وَعَظُمَ. يَرْبَلُ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ يَكْبَرُ وَيَنْبُتُ، وَمِنْهُ أُخِذَ تَرْبِيلُ الْأَرْضِ «4» . وَقَوْلُهُ: كَمَا يَتَرَوّحُ الْغُصْنُ: أَيْ: يَنْبُتُ وَرَقُهُ بَعْدَ سقوطه «5» .

_ (1) فى بعض الروايات ورد: أن ذلك كان حين أرسل خالد إلى ذى الخلصة ليهدمها، وفيها صنم يعبدونه، فقال له السادن: «لا تفعل، فإنها مكنعتك» بضم الميم وفتح الكاف وتضعيف النون مع كسرها أى مقبضة يديك، ومشلتهما. (2) الجذم بكسر الجيم وفتحها: الأصل (3) يجب أن نفهم أنها إن صح الحديث شيطانة من الإنس كانت تخدع الناس بحيلها، فيظنون أن للعزى حياة وقدرة أو جنيا يتلبس بها (4) فى القاموس: ربلوا يربلون! - بكسر الباء أو ضمها فى المضارع، كثروا أو كثرت أموالهم وأولادهم وفى الخشنى: ربل الطفل يربل بضم الباء فى المضارع: شب وعظم، والربل: ما اخضر من الشجر (5) عند الخشنى: يهتز ويخضر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إعْرَابُ نَعْتِ النّكِرَةِ الْمُتَقَدّمِ: وَقَوْلُهُ: وَلِلْكُفّارِ حَامِيَةً سَعِيرُ. نَصَبَ حَامِيَةً عَلَى الْحَالِ مِنْ سَعِيرٍ؛ لِأَنّ نَعْتَ النّكِرَةِ إذَا تَقَدّمَ عَلَيْهَا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ فِي مِثْلِهِ: لِمَيّةَ مُوحِشًا طَلَلُ «1» وَأَنْشَدَ أَيْضًا [لَذِي الرّمّةِ] : وَتَحْتَ الْعَوَالِي وَالْقَنَا مُسْتَكِنّةٌ ... ظِبَاءٌ أَعَارَتْهَا الْعُيُونُ الْجَآذِرُ

_ (1) يرى ابن الحاجب فى أماليه على أبيات المفصّل أنه يجوز أن تكون كلمة موحشا حالا من الضمير فى «لمية» لأن جعل الحال من المعرفة أولى من جعلها من النكرة متقدمة عليها، لأن هذا هو الكثير الشائع، وذلك قليل، فكان أولى، ويذهب ابن جنى فى شرح الحماسة والزمخشرى فى تفسير: «وجعلنا فيها فجاجا سبلا» والخبيصى فى شرحه لكافية ابن الحاجب يذهبون إلى أن موحشا حال من طلل، لأنها وصف لنكرة، وتقدمت عليها، والكرمانى يرى أن موحشا لا يجوز أن تكون حالا من طلل؛ لأنها مبتدأ، والحال لا تكون إلا من الفاعل أو المفعول، والبيت هو: لمية موحشا طلل ... يلوح كأنه خلل والخلل- بكسر الخاء- جمع خلة وهى بطائن يغشى بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب وغيره والبيت ينسب لكثير عزة كما فعل سيبويه ص 276 ح 1 الكتاب، ومن يقول بهذا يرويه «لعزة موحشا، لأن عزة اسم محبوبة كثير، وقيل إن البيت لذى الرمة، ومن يقول بهذا يرويه: «لمية موحشا» لأن مية اسم محبوبة ذى الرمة انظر ص 344 ج 2، ص 189 ج 3 خزانة الأدب للبغدادى طبع السلفية وهناك آخر: لمية موحشا طلل قديم ... عفاه كل أسحم مستديم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْعَامِلُ فِي هَذَا الْحَالِ: الِاسْتِقْرَارُ الّذِي يَعْمَلُ فِي الظّرْفِ، وَيَتَعَلّقُ بِهِ حَرْفُ الْجَرّ، وَهَذَا الْحَالُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَخْفَشِ لَا اعْتِرَاضَ فِيهَا؛ لِأَنّهُ يَجْعَلُ النّكِرَةَ الّتِي بَعْدَهَا مُرْتَفِعَةً بِالظّرْفِ ارْتِفَاعَ الْفَاعِلِ، وَأَمّا عَلَى مَذْهَبِ سيبويه، فالمسئلة عَسِيرَةٌ جِدّا؛ لِأَنّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَهَا حَالًا مِنْ الْمُضْمَرِ فِي الِاسْتِقْرَارِ؛ لِأَنّهُ مَعْرِفَةٌ، فَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ نَكِرَةٍ، فَإِنْ قُدّرَ الِاسْتِقْرَارُ آخِرَ الْكَلَامِ، وَبَعْدَ الْمَرْفُوعِ كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا؛ لِتَقَدّمِ الْحَالِ عَلَى الْعَامِلِ الْمَعْنَوِيّ وَلِلِاحْتِجَاجِ لَهُ وَعَلَيْهِ مَوْضِعٌ غَيْرَ هَذَا. مِنْ مَعَانِي شِعْرِ زَيْدٍ: فَصْلٌ: وَأَنْشَدَ أَيْضًا لِزَيْدِ: إلَى اللهِ أَهْدِي مِدْحَتِي وَثَنَائِيَا. وَفِيهِ: أَلَا أَيّهَا الْإِنْسَانُ إيّاكَ وَالرّدَى. تَحْذِيرٌ مِنْ الرّدَى، وَالرّدَى هُوَ الْمَوْتُ، فَظَاهِرُ اللّفْظِ مَتْرُوكٌ، وَإِنّمَا هُوَ تَحْذِيرٌ مِمّا يَأْتِي بِهِ الْمَوْتُ، وَيُبْدِيهِ وَيَكْشِفُهُ مِنْ جَزَاءِ الْأَعْمَالِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: فَإِنّك لَا تُخْفِي مِنْ اللهِ خَافِيَا. وَفِيهِ: وَإِنّي وَإِنْ سَبّحْت بِاسْمِك رَبّنَا ... لَأُكْثِرُ إلّا مَا غَفَرْت خَطَائِيَا مَعْنَى الْبَيْتِ: إنّي لَأُكْثِرُ مِنْ هَذَا الدّعَاءِ الّذِي هُوَ بِاسْمِك رَبّنَا إلّا مَا غَفَرْت «وَمَا» بَعْدَ إلّا زَائِدَةٌ، وَإِنْ سَبّحْت: اعْتِرَاضٌ بَيْنَ اسْمِ إنّ وَخَبَرِهَا، كَمَا تَقُولُ: إنّي لَأُكْثِرُ مِنْ هَذَا الدّعَاءِ الّذِي هُوَ بِاسْمِك رَبّنَا إلّا وَاَللهِ يَغْفِرُ لِي لَأَفْعَلُ كَذَا، وَالتّسْبِيحُ هُنَا بِمَعْنَى الصّلَاةِ، أَيْ: لَا أَعْتَمِدُ وَإِنْ صَلّيْت إلّا عَلَى دُعَائِك وَاسْتِغْفَارِك مِنْ خَطَايَايَ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَفْسِيرُ حَنَانَيْكَ: وَقَوْلُهُ: حَنَانَيْكَ بِلَفْظِ التّثْنِيَةِ، قَالَ النّحْوِيّونَ: يُرِيدُ حَنَانًا بَعْدَ حَنَانٍ، كَأَنّهُمْ ذَهَبُوا إلَى التّضْعِيفِ وَالتّكْرَارِ، لَا إلَى الْقَصْرِ عَلَى اثْنَيْنِ خَاصّةً دُونَ مَزِيدٍ. قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ حَنَانًا فِي الدّنْيَا، وَحَنَانًا فِي الْآخِرَةِ، وَإِذَا قِيلَ هَذَا لِمَخْلُوقِ نَحْوَ قَوْلِ طَرَفَةَ: أَبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْت فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا ... حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشّرّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ فَإِنّمَا يُرِيدُ: حَنَانَ دَفْعٍ، وَحَنَانَ نَفْعٍ؛ لِأَنّ كُلّ مَنْ أَمّلَ مَلِكًا، فَإِنّمَا يُؤَمّلُهُ لِيَدْفَعَ عنه ضيرا، أو ليجلب إليه خيرا. تديعة أَدِينُ: وَقَوْلُهُ: فَلَنْ أَرَى أَدِينُ إلَهًا. أَيْ: أَدِينُ لِإِلَهِ، وَحَذَفَ اللّامَ وَعَدّى الْفِعْلَ؛ لِأَنّهُ فِي مَعْنَى: أَعْبُدُ إلَهًا. حَوْلَ اسْمِ اللهِ: وَقَوْلُهُ: غَيْرَك اللهُ بِرَفْعِ الْهَاءِ، أَرَادَ: يَا أَللهُ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا فِيهِ الْأَلِفُ وَاللّامُ، إلّا أَنّ حُكْمَ الْأَلِفِ وَاللّامِ فِي هَذَا اللّفْظِ الْمُعَظّمِ يُخَالِفُ حُكْمَهَا فِي سَائِرِ الْأَسْمَاءِ، أَلَا تَرَى أَنّك تَقُولُ: يَا أَيّهَا الرّجُلُ، وَلَا يُنَادَى اسْمُ اللهِ بِيَا أَيّهَا، وَتُقْطَعُ هَمْزَتُهُ فِي النّدَاءِ، فَتَقُولُ: يَا أَللهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي اسْمِ غَيْرِهِ إلَى أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ يُخَالِفُ فِيهَا هَذَا الِاسْمُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُعَرّفَةِ، وَلَعَلّ بَعْضَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَلِكَ أَنْ يُذْكَرَ فِيمَا بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ- وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَفِيهِ بَيْتٌ حَسَنٌ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ «1» فِي أَخْبَارِ زَيْدٍ وَهُوَ: أَدِينُ إلَهًا يُسْتَجَارُ، وَلَا أَرَى ... أَدِينُ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْ الدّهْرَ دَاعِيَا حَذَفَ الْمُنَادَى مَعَ بَقَاءِ الْيَاءِ: وَفِيهِ: فَقُلْت: أَلَا يَا اذْهَبْ «2» عَلَى حَذْفِ الْمُنَادَى، كَأَنّهُ قَالَ: أَلَا يَا هذا اذهب، كما قرىء: أَلَا يَا اُسْجُدُوا، يُرِيدُ: يَا قَوْمُ اُسْجُدُوا، وَكَمَا قَالَ غَيْلَانُ: أَلَا يَا اسْلَمِي يَا دارمىّ على البلى «3»

_ (1) فى كتابه الأغانى. (2) الذى فى السيرة: فقلت له: يا اذهب، وفى بعض نسخها: فقلت له: اذهب. (3) هو لذى الرمة، غيلان بن عقبة من بنى صعب بن مالك بن عبد مناة ويكنى أبا الحارث. انظر ص 74 ج 1 خزانة الأدب، ففيها تفصيل الأسباب التى من أجلها لقب غيلان بذى الرمة، وفى الروض بعضها، وبيت الشعر كما قال، وبقيته: «ولا زال منهلا بجرعائك القطر» . ويرى الجوهرى فى الصحاح أن قوله سبحانه: «ألا يا اسجدوا» بالتخفيف معناه: يا هؤلاء اسجدوا، فخذف المنادى اكتفاء بحرف النداء. وقال غيره: إن يا فى هذا الموضع إنما هى للتنبيه، كأنه قال: ألا اسجدوا، فلما أدخلت عليه ياء التنبيه سقطت الألف التى فى اسجدوا، لأنها ألف وصل، وذهبت الألف التى فى «يا» لاجتماع الساكنين، لأنها والسين ساكنتان (م 24- روض الأنف ج 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهِ: اذْهَبْ وَهَارُونَ، عَطْفًا عَلَى الضّمِيرِ فِي اذْهَبْ، وَهُوَ قَبِيحٌ إذَا لَمْ يُؤَكّدْ، وَلَوْ نَصَبَهُ عَلَى الْمَفْعُولِ مَعَهُ لَكَانَ جَيّدًا. تَصْرِيفُ اطْمَأَنّتْ وَأَشْيَاءَ: وَقَوْلُهُ: اطْمَأَنّتْ كَمَا هِيَا، وَزْنُهُ افْلَعَلّتْ، لِأَنّ الْمِيمَ أَصْلُهَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْأَلِفِ، لِأَنّهُ مِنْ تَطَأْمَنَ أَيْ: تَطَأْطَأَ، وَإِنّمَا قَدّمُوهَا لِتَبَاعُدِ الْهَمْزَةِ الّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ مِنْ هَمْزَةِ الْوَصْلِ، فَتَكُونُ أَخَفّ عَلَيْهِمْ فِي اللّفْظِ كَمَا فَعَلُوا فِي أَشْيَاءَ حِينَ قَلَبُوهَا فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ فِرَارًا مِنْ تَقَارُبِ الْهَمْزَتَيْنِ «1» . كَمَا هِيَا. مَا: زَائِدَةٌ لِتَكُفّ الْكَافَ عَنْ الْعَمَلِ، وَتُهَيّئُهَا لِلدّخُولِ عَلَى الْجُمَلِ، وَهِيَ: اسْمٌ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، التّقْدِيرُ: كَمَا هِيَ عَلَيْهِ، وَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْمَصْدَرِ الّذِي دَلّ عَلَيْهِ، اطْمَأَنّ، كَمَا تَقُولُ: سِرْت مِثْلَ سَيْرِ زَيْدٍ؛ فَمِثْلُ حَالٌ مِنْ سَيْرِك الّذِي سِرْته، وَفِيهِ: أَرْفِقْ إذًا بِك بَانِيَا. أَرْفِقْ تَعَجّبٌ، وَبِك فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ لِأَنّ الْمَعْنَى: رَفَقْت، وَبَانِيًا تَمْيِيزٌ، لِأَنّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُجَرّ بِمِنْ، كَمَا تَقُولُ: أَحْسِنْ بِزَيْدِ مِنْ رَجُلٍ، وَحَرْفُ الْجَرّ مُتَعَلّقٌ بِمَعْنَى التعجب؛ إذ قد

_ (1) وزن أشياء عند الأخفش: أفعلاء. وعند غيره أفعال، وعند سيبويه والخليل، لفعاء، ويقول الخليل: أشياء اسم للجمع، كان أصله: فعلاء، شيئاء فاستثقلت الهمزتان، فقلبوا الهمزة الأولى إلى أول الكلمة، فجعلت لفعاء، كما قلبوا أنوقا، فقالوا: أينقا، وكما قلبوا، قووسا: قسيا. وقول الخليل هو مذهب سيبويه والمازنى، وجميع البصريين إلا الزيادى منهم. أما الأخفش، فيقول: أصل أشياء، أشيئاء على وزن أشيعاع، فاجتمعت همزتان بينهما ألف فحذفت الهمزة الأولى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عُلِمَ أَنّك مُتَعَجّبٌ مِنْهُ، وَلِبَسْطِ هَذَا الْمَعْنَى وَكَشْفِهِ مَوْضِعٌ غَيْرَ هَذَا- إنْ شَاءَ اللهُ- وَبَعْدَ قَوْلِهِ: وَقَدْ بَاتَ فِي أَضْعَافِ حُوتٍ لَيَالِيَا بَيْتٌ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَوَقَعَ فِي جَامِعِ ابْنِ وَهْبٍ وَهُوَ: وَأَنْبَتَ يَقْطِينًا عَلَيْهِ بِرَحْمَةِ ... مِنْ اللهِ لَوْلَا ذَاكَ أَصْبَحَ ضَاحِيَا «1» صَفِيّةُ بِنْتُ الْحَضْرَمِيّ: وَذَكَرَ صَفِيّةَ بِنْتَ الْحَضْرَمِيّ، وَاسْمُ الْحَضْرَمِيّ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمّارٍ «2» ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ نَسَبِهَا عِنْدَ ذِكْرِ أَخِيهَا بَعْدَ. الدّعْمُوصِ وَالْخَرْمُ فِي الشّعْرِ: وَقَوْلُهُ: دُعْمُوصُ أَبْوَابِ الْمُلُوكِ. يُرِيدُ: وَلّاجًا فِي أَبْوَابِ الْمُلُوكِ، وَأَصْلُ الدّعْمُوصِ: سَمَكَةٌ صَغِيرَةٌ كَحَيّةِ الْمَاءِ، فَاسْتَعَارَهُ هُنَا، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: صِغَارُكُمْ دَعَامِيصُ «3» الْجَنّةِ، وَكَمَا اسْتَعَارَتْ عَائِشَةُ الْعُصْفُورَ

_ (1) اليقطين: كل شىء ذهب بسطا فى الأرض، ومنه: القرع والبطيخ وغيرهما. وضاحيا: عاريا بارزا للشمس. (2) فى السيرة ورد اسم الحضرمى: عبد الله بن عباد. ويقول الخشنى: والصواب: عماد لا عبّاد. قاله ابن الدباغ وابن أبى الخصال وغيرهما. (3) رواه أحمد ومسلم والبخارى فى الأدب. وقد فسر الخشنى الدعموص-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حِينَ نَظَرَتْ إلَى طِفْلٍ صَغِيرٍ قَدْ مَاتَ، فَقَالَتْ: طُوبَى لَهُ عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنّةِ، لم يعمل سوآ، فَقَالَ لَهَا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا يُدْرِيك؟ إنّ اللهَ خَلَقَ الْجَنّةَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا، وَخَلَقَ النّارَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَفِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ خَرْمٌ فِي مَوْضِعَيْنِ، أَحَدُهُمَا قَوْله: وَلَوْ أَشَاءُ لَقُلْت مَا ... عِنْدِي مَفَاتِحُهُ وَبَابُهْ وَالْآخَرُ قَوْلُهُ: وَإِنّمَا أَخَذَ الْهَوَانَ الْ ... عِيرُ إذْ يُوهَى إهَابُهْ وَقَدْ تَقَدّمَ مِثْلُ هَذَا فِي شِعْرِ ابْنِ الزّبَعْرَى، وَتَكَلّمْنَا عَلَيْهِ هُنَالِكَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَقَوْلُهُ: وَيَقُولُ. إنّي لَا أَذِلّ أَيْ: يَقُولُ الْعِيرُ ذَلِكَ بِصَكّ جَنْبَيْهِ صِلَابُهْ، أَيْ: صِلَابُ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ، وَأَضَافَهَا إلَى الْعِيرِ لِأَنّهَا عَبْؤُهُ وحمله. لغويات ونحويات: وذكر قوله: البرّأبغى لا الخال «1» قال ابن هشام: البرّأبغى: بِالنّصْبِ، وَالْخَالُ: الْخُيَلَاءُ وَالْكِبْرُ: وَقَوْلُهُ: لَيْسَ مُهَجّرٌ كَمَنْ قَالَ، أَيْ: لَيْسَ مَنْ هَجَرَ وَتَكَيّسَ،

_ - بقوله: «دويبة تغوص فى الماء مرة بعد مرة، يشبه بها الرجل الذى يكثر الدلوج فى الأشياء، فيعنى أنه يكثر الدخول على الملوك» . (1) هو فى الطبرانى والبزار مع اختلاف يسير، وفيه المسعودى، وقد اختلط

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَمَنْ آثَرَ الْقَائِلَةَ وَالنّوْمَ «1» ، فَهُوَ مِنْ: قَالَ يَقِيلُ؛ وَهُوَ ثُلَاثِيّ، وَلَكِنْ لَا يُتَعَجّبُ مِنْهُ. لَا يُقَالُ: مَا أَقْيَلَهُ!! قَالَ أَهْلُ النّحْوِ: اسْتَغْنَوْا عَنْهُ: بِمَا أَنْوَمَهُ، وَلِذِكْرِ السّرّ «2» فِي امْتِنَاعِ التّعَجّبِ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ مَوْضِعٌ غَيْرَ هَذَا. وَقَوْلُ زَيْدٍ: إنّي مُحْرِمٌ لَا حِلّهْ. مُحْرِمٌ أَيْ: سَاكِنٌ بِالْحَرَمِ، وَالْحِلّةُ: أَهْلُ الْحِلّ. يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ: حِلّةٌ. ذَكَرَ لِقَاءَ زَيْدٍ الرّاهِبَ بِمَيْفَعَةَ هَكَذَا تَقَيّدَ فِي الْأَصْلِ بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ مَيْفَعَةَ «3» ، وَالْقِيَاسُ فِيهَا: الْفَتْحُ؛ لِأَنّهُ اسم لموضع أخذ مِنْ الْيَفَاعُ، وَهُوَ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ: شَامَ الْيَهُودِيّةَ والنصرانية، هُوَ فَاعِلٌ مِنْ الشّمّ كَمَا قَالَ يَزِيدُ بْنُ شَيْبَانَ حِينَ سَأَلَ النّسّابَةَ مَنْ قُضَاعَةُ، ثُمّ انْصَرَفَ، فَقَالَ لَهُ النّسّابَةُ: شَامَمْتَنَا مُشَامّةُ الذّئْبِ الْغَنَمَ «4» ، ثُمّ تَنْصَرِفُ. فى حديث ذكره أبو علىّ

_ (1) تعبير الخشنى فى تفسيرها أبسط، فقد قال: المهجر الذى يسير فى الهاجرة أى: القائلة وقوله: كمن قال: يريد كمن استراح فى القائلة، ولم يسر ص 74. (2) فى المطبوعة: السير. (3) فى المراصد: بفتح الميم وبالفاء المفتوحة: قريبة من أرض البلقاء من الشام، وهى أيضا فى دار همدان باليمن. (4) الخبر فى الأمالى لأبى على القالى ص 297 ح 2 ط 2. وفيه أن يزيد سأل الشيخ: من الرجل؟ ومن القوم؟ فأرمّ القوم ينظرون إلى الشيخ هيبة له، فقال الشيخ: رجل من مهرة- بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح الراء- ابن حيدان- بفتح الحاء وسكون الياء- ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة، فقلت- القائل يزيد- حياكم الله، وانصرفت فقال الشيخ: قف أيها الرجل، نسبتنا فانتسبنا لك، ثم انصرفت، ولم تكلمنا.. أو شاممتنا مشامة الذئب الغنم، ثم انصرفت» والخبر كله خبر أدبى لطيف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي النّوَادِرِ، وَمَعْنَاهُ: اسْتَخْبَرَ، فَاسْتَعَارَهُ مِنْ الشّمّ، فَنَصَبَ الْيَهُودِيّةَ والنصرانية نَصْبَ الْمَفْعُولِ، وَمَنْ خَفَضَ جَعَلَ شَامّ اسْمَ فَاعِلٍ مِنْ شَمَمْت، وَالْفِعْلُ أَوْلَى بِهَذَا الْمَوْضِعِ، كَمَا تَقَدّمَ، وَقَوْلُ وَرَقَةَ: رَشَدْت وَأَنْعَمْت ابْنَ عَمْرٍو، أَيْ: رَشَدْت وَبَالَغْت فِي الرّشَدِ، كَمَا يُقَالُ: أَمْعَنْت النّظَرَ وَأَنْعَمْته، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الْأَرْضِ سَبْعِينَ وَادِيًا بِالنّصْبِ. نَصَبَ سَبْعِينَ عَلَى الْحَالِ، لِأَنّهُ قَدْ يَكُونُ صِفَةً لِلنّكِرَةِ، كَمَا قَالَ: فَلَوْ كُنْت فِي جُبّ ثَمَانِينَ قَامَةً «1» وَمَا [يَكُونُ] صِفَةً لِلنّكِرَةِ يَكُونُ حَالًا مِنْ الْمَعْرِفَةِ، وَهُوَ هُنَا حَالٌ مِنْ الْبُعْدِ، كَأَنّهُ قَالَ: وَلَوْ بَعُدَ تَحْتَ الْأَرْضِ سَبْعِينَ. كَمَا تَقُولُ: بَعُدَ طَوِيلًا، أَيْ: بُعْدًا طَوِيلًا، وَإِذَا حَذَفْت الْمَصْدَرَ، وَأَقَمْت الصّفَةَ مَقَامَهُ لَمْ تَكُنْ إلّا حَالًا، وَقَدْ تقدم قول سيبويه فى ذلك فى مسئلة: سَارُوا رُوَيْدًا، وَنَحْوِ هَذَا: دَارِي خَلْفَ دَارِك فَرْسَخًا، أَيْ: تَقْرُبُ مِنْهَا فَرْسَخًا إنْ أَرَدْت الْقُرْبَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَدْت الْبُعْدَ، فَالْبُعْدُ وَالْقُرْبُ مُقَدّرَانِ بِالْفَرْسَخِ، فَلَوْ قُلْت: دَارِي تَقْرُبُ مِنْك قُرْبًا مُقَدّرًا بِفَرْسَخِ، لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: قُرْبًا كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا، فَالْفَرْسَخُ مَوْضُوعٌ مَوْضِعَ كَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ فَإِعْرَابُهُ كَإِعْرَابِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشّاعِرِ: لَا تَعْجَبُوا فَلَوْ انّ طُولَ قَنَاتِهِ ... ميل إذا نظم الفوارس ميلا

_ (1) الشعر للأعشى، وهو كما فى اللسان: لئن كنت فى جب ثمانين قامة ... ورقيت أسباب السماء بسلم وصف بالثمانين، وإن كان اسما لأنه فى معنى طويل. والبيت من شواهد سيبويه.

صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإنجيل

[صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ الْإِنْجِيلِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ- فيما بلغنى عما كان وضع عيسى بن مَرْيَمَ فِيمَا جَاءَهُ مِنْ اللهِ فِي الْإِنْجِيلِ لِأَهْلِ الْإِنْجِيلِ- مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ، مِمّا أَثَبَتَ يُحَنّسُ الْحَوَارِيّ لَهُمْ، حِينَ نَسَخَ لَهُمْ الْإِنْجِيلَ عَنْ عَهْدِ عيسى بن مريم عليه السلام فِي رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ أَنّهُ قَالَ: مَنْ أَبْغَضَنِي فَقَدْ أَبْغَضَ الرّبّ، وَلَوْلَا أَنّي صَنَعْت بِحَضْرَتِهِمْ صَنَائِعَ لَمْ يَصْنَعْهَا أَحَدٌ قَبْلِي، مَا كَانَتْ لَهُمْ خَطِيئَةٌ، وَلَكِنْ مِنْ الْآنَ بَطِرُوا وَظَنّوا أَنّهُمْ يَعِزّونَنِي، وَأَيْضًا لِلرّبّ، وَلَكِنْ لَا بُدّ مِنْ أَنْ تَتِمّ الْكَلِمَةُ الّتِي فِي النّامُوسِ: أَنّهُمْ أَبْغَضُونِي مجّانا، أى: باطلا. فلو قدجاء الْمُنْحَمَنّا هَذَا الّذِي يُرْسِلُهُ اللهُ إلَيْكُمْ مِنْ عند الربّ، وروح الْقُدُسِ هَذَا الّذِي مِنْ عِنْدَ الرّبّ خَرَجَ، فَهُوَ شَهِيدٌ عَلَيّ وَأَنْتُمْ أَيْضًا؛ لِأَنّكُمْ قَدِيمًا كُنْتُمْ مَعِي فِي هَذَا، قُلْتُ لَكُمْ: لِكَيْمَا لَا تَشْكُوَا. وَالْمُنْحَمَنّا بِالسّرْيَانِيّةِ: مُحَمّدٌ: وَهُوَ بِالرّومِيّةِ: البر قليطس، صلى الله عليه وآله وسلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْ: نَظَمَهُمْ نَظْمًا مُسْتَطِيلًا، وَوَضَعَ مِيلًا مَوْضِعَ مُسْتَطِيلًا، فَإِعْرَابُهُ كَإِعْرَابِهِ، فَهُوَ وَصْفٌ لِلْمَصْدَرِ، وَإِذَا أُقِيمَ الْوَصْفُ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ يَكُنْ حَالًا مِنْ الْفَاعِلِ، لَكِنْ مِنْ المصدر الذى بدل الْفِعْلُ عَلَيْهِ بِلَفْظِهِ نَحْوَ: سَارُوا طَوِيلًا، وَسَقَيْتهَا أَحْسَنَ مِنْ سَقْيِ إبِلِك، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يُحَنّسُ الْحَوَارِيّ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ يُحَنّسَ الْحَوَارِيّ «1» وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ ذِكْرُ الْحَوَارِيّينَ كُلّهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ. وَذَكَرَ قَوْلَهُ: أَبْغَضْتُمُونِي مَجّانًا، أَيْ: بَاطِلًا، وَكَذَلِكَ جاء فى الحكمة: يابن آدَمَ عَلّمْ مَجّانًا، كَمَا عُلّمْت مَجّانًا، أَيْ: بِلَا ثَمَنٍ، وَفِي وَصَايَا الْحُكَمَاءِ: شَاوِرْ ذَوِي الأسنان والعقول يعطوك من رأيهم مجّانا

_ (1) هو يوحنا صاحب الإنجيل الرابع فى العهد الجديد. هذا وقد ورد ما قاله ابن هشام فى الإصحاح الخامس عشر والسادس عشر من إنجيل يوحنا وأذكره هنا- كما هو اليوم فى هذا الإنجيل- لنوازن، ولنعرف تحريف الكلم عن مواضعه: «الذى يبغضنى يبغض أبى أيضا، لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالا لم يعملها أحد غيرى لم تكن لهم خطية، وأما الان، فقد رأوا، وأبغضونى أنا وأبى، لكن لكى تتم الكلمة المكتوبة فى ناموسهم إنهم أبغضونى بلاسبب. ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الاب روح الحق الذى من عند الاب ينبثق، فهو يشهد لى، وتشهدون أنتم أيضا، لأنكم معى من الابتداء. قد كلمتكم بهذا الكيلا تعثروا» وأنقل ما ورد بعد هذا من نفس الإنجيل، وفى نفس الغرض من الإصحاح رقم 16. «أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى «فى نسخة: الفارقليط» ولكن إن ذهبت أرسله إليكم، ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى بر، وعلى دينونة.. إن لى أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحملوا الان، وأمامتى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع، يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية» وهذه البشارة تنطبق تماما على محمد صلى الله عليه وسلم. وهنالك كثير من البشارات التى وردت فى العهد القديم والعهد الجديد. وقد حرف المغرضون ترجمة كلمة الفارقليط لكيلا تنطبق البشارات على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وحسبنا هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا أَخَذُوهُ بِالثّمَنِ، أَيْ بِطُولِ التّجَارِبِ، وَمِنْ صِفَةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي «1» سَمّيْتُك الْمُتَوَكّلَ، لَيْسَ بِفَظّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخّابٍ «2» فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السّيّئَةَ بِالسّيّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلّةَ الْعَوْجَاءَ، فَيَفْتَحَ بِهِ عُيُونًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا؛ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلّا اللهُ. مِنْ صِفَاتِ النّبِيّ عِنْدَ الْأَحْبَارِ وَمِمّا وُجِدَ مِنْ صِفَتِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ الْأَحْبَارِ مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ مِنْ حَدِيثِ النّعْمَانِ التّيْمِيّ. قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَحْبَارِ يهود باليمن، فلما سمع بذكر النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ عَلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، ثُمّ قَالَ: إنّ أَبِي كَانَ يَخْتِمُ عَلَى سِفْرٍ، وَيَقُولُ: [لَا تَقْرَأْهُ] عَلَى يَهُودَ «3» حَتّى تَسْمَعَ بِنَبِيّ قَدْ خَرَجَ بِيَثْرِبَ، فَإِذَا سَمِعْت بِهِ فَافْتَحْهُ. قَالَ نُعْمَانُ: فَلَمّا سَمِعْت بِك فَتَحْت السّفْرَ، فَإِذَا فِيهِ صِفَتُك كَمَا أَرَاك السّاعَةَ، وَإِذَا فِيهِ: مَا تُحِلّ وَمَا تُحَرّمُ، وَإِذَا فِيهِ: إنّك خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمّتُك خَيْرُ الْأُمَمِ، وَاسْمُك: أَحْمَدُ، وَأُمّتُك الْحَامِدُونَ. قُرْبَانُهُمْ: دِمَاؤُهُمْ، وَأَنَاجِيلُهُمْ: صُدُورُهُمْ، وَهُمْ لَا يحضرون قتالا

_ (1) جاء قبله: «إنه لموصوف فى التوراة ببعض صفته فى القرآن. (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) وحرزا للأميين» . (2) فى رواية: صخاب أو صخوب. (3) أصل العبارة فى الروض: «على سفر يقول. على يهود» والتصويب من السيرة الحلبية ص 250 ح 1.

صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإنجيل

[صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإنجيل] مَبْعَثُ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسلم تسليما قال: حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هِشَامٍ، قَالَ: حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ: فَلَمّا بَلَغَ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَرْبَعِينَ سَنَةً بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَكَافّةً لِلنّاسِ بَشِيرًا، وَكَانَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى كُلّ نَبِيّ بَعَثَهُ قَبْلَهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَالتّصْدِيقِ لَهُ، وَالنّصْر لَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدّوا ذَلِكَ إلَى كُلّ مَنْ آمَنْ بِهِمْ وَصَدّقَهُمْ، فَأَدّوْا مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحَقّ فِيهِ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِمُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلّمَ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ، لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ، قالَ: أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي: أَيْ ثِقَلَ مَا حَمّلْتُكُمْ مِنْ عَهْدِي: قالُوا أَقْرَرْنا، قالَ: فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ آل عمران: 81، فأخذ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلّا وَجِبْرِيلُ مَعَهُمْ، يَتَحَنّنُ اللهَ عَلَيْهِمْ كَتَحَنّنِ النّسْرِ عَلَى فِرَاخِهِ، ثُمّ قَالَ لِي: إذَا سَمِعْت بِهِ فَاخْرُجْ إلَيْهِ، وَآمِنْ بِهِ، وَصَدّقْ بِهِ، فَكَانَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبّ أَنْ يَسْمَعَ أَصْحَابُهُ حَدِيثَهُ، فَأَتَاهُ يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا نُعْمَانُ حَدّثْنَا، فَابْتَدَأَ النّعْمَانُ الْحَدِيثَ مِنْ أوله، فرؤى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ يَتَبَسّمُ، ثُمّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنّي رَسُولُ اللهِ، وَهُوَ الّذِي قَتَلَهُ الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيّ، وَقَطّعَهُ عُضْوًا عُضْوًا، وَهُوَ يَقُولُ: إنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِنّك كَذّابٌ مُفْتَرٍ عَلَى اللهِ، ثُمّ حَرّقَهُ بالنار.

اللهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ جَمِيعًا بِالتّصْدِيقِ لَهُ، وَالنّصْرِ لَهُ مِمّنْ خَالَفَهُ، وَأَدّوْا ذَلِكَ إلَى مَنْ آمَنْ بِهِمْ، وَصَدّقَهُمْ مِنْ أَهْلِ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذَكَرَ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنها حدّثته: أن أوّل ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ النّبُوّةِ، حِين أَرَادَ اللهُ كَرَامَتَهُ وَرَحْمَةَ العبادبه: الرّؤْيَا الصّادِقَةُ، لَا يَرَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رُؤْيَا فِي نُوُمِهِ إلّا جَاءَتْ كَفَلَقِ الصّبْحِ. قَالَتْ: وَحَبّبَ اللهُ تَعَالَى إلَيْهِ الْخَلْوَةَ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبّ إلَيْهِ من أن يخلو وحده. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عبيد الله بن أبى سفيان ابن العلاء ابن جارية الثّقفىّ، وكان واعية، عن بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حِينَ أَرَادَهُ اللهُ بِكَرَامَتِهِ، وَابْتَدَأَهُ بِالنّبُوّةِ، كَانَ إذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَبْعَدَ حَتّى تَحَسّرَ عَنْهُ الْبُيُوتُ، وَيُفْضِي إلَى شِعَابِ مَكّةَ وَبُطُونِ أَوْدِيَتِهَا، فَلَا يَمُرّ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بِحَجَرِ وَلَا شَجَرٍ، إلّا قَالَ: السّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَيَلْتَفِتُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم حوله، وعن يمينه وشماله وخلفه، فلا يرى إلا الشجر والحجارة. فَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَذَلِكَ يَرَى وَيَسْمَعُ، مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِمَا جَاءَهُ مِنْ كَرَامَةِ اللهِ، وَهُوَ بِحِرَاءٍ فِي شهر رمضان. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، مَوْلَى آلِ الزّبَيْرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزّبَيْرِ وَهُوَ يَقُولُ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ اللّيْثَيّ: حَدّثْنَا يَا عُبَيْدُ، كَيْفَ كَانَ بَدْءُ مَا ابتدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ النّبُوّةِ، حِين جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ؟ قَالَ: فَقَالَ عُبَيْدٌ- وَأَنَا حَاضِرٌ يُحَدّثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزّبَيْرِ، وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ النّاسِ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ فِي حِرَاءٍ مِنْ كُلّ سَنَةٍ شَهْرًا، وَكَانَ ذَلِكَ مِمّا تَحَنّثَ بِهِ قُرَيْشٌ فِي الجاهلية. والتّحنّث: التّبرّرّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَثَوْرٍ وَمَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ ... وَرَاقٍ لِيَرْقَى فِي حراء ونازل قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ: التّحَنّثُ وَالتّحَنّفُ، يريدون الحنيفية فيبدلون الفاء من الثاء، كما قالوا: جدف وجدث، يريدون. القبر. قال رؤية ابن العجّاج: لَوْ كَانَ أَحْجَارِي مَعَ الْأَجْدَافِ يُرِيدُ: الْأَجْدَاثَ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَبَيْتُ أَبِي طَالِبٍ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللهُ فِي مَوْضِعِهَا: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ الْعَرَبَ تَقُولُ: فَم، فِي مَوْضِعِ: ثُمّ، يُبْدِلُونَ الْفَاءَ مِنْ الثّاءِ. قَالَ ابن إسحاق: حدثنى وهب بن كيسان قال: قال عبيد [بن عمير] : ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاوِرُ ذَلِكَ الشّهْرَ مِنْ كُلّ سَنَةٍ، يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنْ الْمَسَاكِينِ، فَإِذَا قَضَى رَسُولُ الله صلى عَلَيْهِ وَسَلّمَ جِوَارَهُ، مِنْ شَهْرِهِ ذَلِكَ، كَانَ أَوّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ- إذَا انْصَرَفَ مِنْ جِوَارِهِ- الْكَعْبَةَ، قَبْل أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، فَيَطُوفُ بِهَا سَبْعًا، أَوْ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمّ يَرْجِعُ إلَى بَيْتِهِ، حَتّى إذَا كَانَ الشّهْرُ الّذِي أَرَادَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ، مِنْ السّنَةِ التى بعثه اللهُ تَعَالَى فِيهَا، وَذَلِكَ، الشّهْرُ: شَهْرُ رَمَضَانَ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى حِرَاءٍ، كَمَا كَانَ يَخْرُجُ لِجِوَارِهِ وَمَعَهُ أَهْلُهُ، حَتّى إذَا كَانَتْ اللّيْلَةُ الّتِي أَكْرَمَهُ اللهُ فِيهَا بِرِسَالَتِهِ وَرَحِمَ الْعِبَادَ بِهَا، جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ، وَأَنَا نَائِمٌ، بِنَمَطِ مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ كِتَابٌ، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: قُلْت: مَا أَقْرَأُ؟ قال فغتني به، حتى ظننت أنه الموت، ثُمّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: قُلْت: مَاذَا أقرأ؟ قال: فغتني به، حتى ظننت أنه الموت، ثم أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: فَقُلْت: مَاذَا أَقْرَأُ؟ مَا أَقُولُ ذَلِكَ إلّا افْتِدَاءً مِنْهُ أَنْ يَعُودَ لِي بِمِثْلِ مَا صَنَعَ بِي، فَقَالَ: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» : قَالَ: فَقَرَأْتهَا، ثُمّ انْتَهَى، فَانْصَرَفَ عَنّي، وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي، فَكَأَنّمَا كَتَبْت فِي قَلْبِي كِتَابًا. قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتّى إذَا كُنْتُ فِي وَسَطٍ مِنْ الْجَبَلِ سَمِعْت صَوْتًا مِنْ السّمَاءِ يَقُولُ يَا مُحَمّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَا جِبْرِيلُ قَالَ: فَرَفَعْت رَأْسِي إلَى السّمَاءِ أَنْظُرُ، فَإِذَا جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السماء يقول: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يَا مُحَمّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ. قَالَ: فَوَقَفْت أَنْظُرُ إلَيْهِ فَمَا أَتَقَدّمُ وَمَا أَتَأَخّرُ، وَجَعَلْت أَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهُ فِي آفَاقِ السّمَاءِ، قَالَ: فَلَا أَنْظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا إلا رأيته كذلك، فمازلت وَاقِفًا مَا أَتَقَدّمُ أَمَامِي، وَمَا أَرْجِعُ وَرَائِي، حَتّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي، فَبَلَغُوا أَعْلَى مَكّةَ، وَرَجَعُوا إلَيْهَا، وَأَنَا وَاقِفٌ فِي مكانى ذلك، ثم انصرف عنى. وَانْصَرَفْتُ رَاجِعًا إلَى أَهْلِي، حَتّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَجَلَسْت إلَى فَخِذِهَا مُضِيفًا إلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا أبا القاسم، أين كنت؟ فو الله لَقَدْ بَعَثَتْ رُسُلِي فِي طَلَبك، حَتّى بَلَغُوا مكة ورجعوا لى، ثم حدثتها بالذى رأيت، فقالت: أبشر يابن عمّ واثبت فو الذى نَفْسُ خَدِيجَةَ بِيَدِهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نبىّ هذه الأمّة. ثُمّ قَامَتْ فَجَمَعْت عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، ثُمّ انْطَلَقْت إلَى وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْن قُصَيّ، وَهُوَ ابْنُ عَمّهَا، وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ تَنَصّرَ، وَقَرَأَ الْكُتُبَ، وَسَمِعَ مِنْ أَهْلِ التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَأَخْبَرْته بِمَا أَخْبَرَهَا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَنّهُ رَأَى وَسَمِعَ، فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: قُدّوسٌ قُدّوسٌ، وَاَلّذِي نَفْسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ، لَئِنْ كُنْتِ صَدّقْتِينِي يَا خَدِيجَةُ لَقَدْ جَاءَهُ النّامُوسُ الْأَكْبَرُ الّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، وَإِنّهُ لَنَبِيّ هَذِهِ الْأُمّةِ، فَقُولِي لَهُ: فَلْيَثْبُتْ. فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْته بِقَوْلِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَلَمّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جِوَارَهُ وَانْصَرَفَ، صَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ، فَطَافَ بِهَا، فَلَقِيَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَهُوَ يطوف بالكعبة، فقال: يابن أَخِي أَخْبِرْنِي بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال له وَرَقَةُ: وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنّك لَنَبِيّ هَذِهِ الْأُمّةِ، وَلَقَدْ جَاءَك النّامُوسُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْأَكْبَرُ الّذِي جَاءَ مُوسَى، وَلَتُكَذّبَنّهُ وَلَتُؤْذَيَنّهُ، وَلَتُخْرَجَنّهُ، ولتقاتله، وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَأَنْصُرَنّ اللهَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ، ثُمّ أَدْنَى رَأْسَهُ مِنْهُ، فَقَبّلَ يَافُوخَهُ، ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم إلى منزله. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حكيم مولى آل الزبير: أنه حدّث عَنْ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ ابْنَ عَمّ، أَتَسْتَطِيعُ أَنّ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِك هَذَا الّذِي يَأْتِيك إذَا جَاءَك؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَتْ: فَإِذَا جَاءَك فَأَخْبِرْنِي بِهِ. فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَدِيجَةَ: يَا خَدِيجَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ قَدْ جَاءَنِي، قَالَتْ: قُمْ يَا بن عَمّ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُسْرَى، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ- اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجلس عَلَيْهَا، قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَتُحَوّلْ، فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُمْنَى، قَالَتْ: فَتَحَوّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس عَلَى فَخِذِهَا الْيُمْنَى، فَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَتَحَوّلْ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي، قَالَتْ: فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَجَلَسَ فِي حِجْرِهَا، قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَتَحَسّرَتْ وَأَلْقَتْ خِمَارَهَا- وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي حِجْرِهَا-، ثُمّ قَالَتْ لَهُ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: لَا، قالت يابن عمّ، اثبت وأبشر، فو الله إنّهُ لَمَلَكٌ وَمَا هَذَا بِشَيْطَانٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ حَسَنٍ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ أُمّي فَاطِمَةَ بِنْتَ حُسَيْنٍ تُحَدّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ خَدِيجَةَ، إلّا أَنّي سَمِعْتُهَا تَقُولُ: أَدْخَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِرْعِهَا، فذهب عند ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذَلِكَ جِبْرِيلُ، فَقَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ هَذَا لَمَلَكٌ، وَمَا هُوَ بشيطان. ـــــــــــــــــــــــــــــ كِتَابُ الْمَبْعَثِ مَتَى بُعِثَ رَسُولُ اللهِ؟: ذَكَرَ ابن إسحاق أن رسول الله- صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ مِنْ مَوْلِدِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ «1» ، وَهَذَا مَرْوِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَقَبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ، وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ أَهْلِ السّيَرِ وَالْعِلْمِ بِالْأَثَرِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّهُ نُبّئَ لِأَرْبَعِينَ وَشَهْرَيْنِ مِنْ مَوْلِدِهِ، وَقِيلَ لِقَبَاثِ بْنِ أَشْيَمَ: مَنْ أَكْبَرُ، أَنْتَ أَمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ أَكْبَرُ مِنّي، وَأَنَا أسنّ منه، وولد رسول

_ (1) اضطربت الأقوال حول سنه صلى الله عليه وسلم حين بعث. فبعض يقول: إنه بعث بعد اثنتين وأربعين سنة، وهو مروى عن مكحول. وآخرون يقولون: وهو ابن ثلاث وأربعين، وهو رأى الواقدى وابن عاصم والدولابى. ومما ذكره ابن حجر فى الفتح: حديث ابن عباس: فمكث بمكة ثلاث عشرة أصح مما عند أحمد من وجه آخر عنه: أنزل عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وأربعين، فمكث بمكة عشرا، وأصح مما أخرجه مسلم من وجه آخر عنه: أقام بمكة خمس عشرة سنة. وبعثه فى رمضان هو المشهور عند الجمهور. وفى الفتح أيضا: فعلى الصحيح المشهور أن مولده فى ربيع الأول يكون حين أنزل عليه ابن أربعين سنة وستة أشهر، وفى حديث رواه الشيخان والترمذى أنه بعث لأربعين سنة، ومكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفِيلِ، وَوَقَفَتْ بِي أُمّي عَلَى رَوْثِ الْفِيلِ وَيُرْوَى: خَزْقِ الطّيْرِ، فَرَأَيْته أَخْضَرَ مُحِيلًا، أَيْ: قَدْ أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِبِلَالِ: لَا يَفُتْك صِيَامُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؛ فَإِنّي قَدْ وُلِدْت فِيهِ، وَبُعِثْت فِيهِ، وَأَمُوتُ فِيهِ «1» . إعْرَابُ لَمَا آتَيْتُكُمْ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قَوْلَ اللهِ سُبْحَانَهُ: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ» «2» الْآيَةُ. وَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: اسْمٌ مُبْتَدَأٌ «3» بِمَعْنَى: الّذِي، وَالتّقْدِيرُ: لَلّذِي آتَيْنَاكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ، وَلَا يَصِحّ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ، كَمَا يَنْتَصِبُ مَا يشتغل عنه الفعل

_ (1) فى مسلم عن أبى قتادة أن النبى صلى الله عليه وسلم، سئل عن صوم يوم الاثنين، فقال: «ذلك يوم ولدت فيه، وأنزل على فيه» أحمد ومسلم وأبو داود. وزيادة: «وأموت فيه» لا تتفق وهدى القرآن، فالبشر لا يعرفون: متى يموتون حتى النبيون. (2) يقول طاووس والحسن البصرى وقتادة فى تفسير الاية: «أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا» وهذا التفسير حق. وتنكير كلمة رسول فى الاية يؤيده. (3) يقول العكبرى فى إعرابها: «فيها وجهان. أحدهما أن ما بمعنى الذى وموضعها رفع بالابتداء، واللام: لام الابتداء دخلت لتوكيد معنى القسم، وفى الخبر وجهان. أحدهما: من كتاب وحكمة. أى الذى أو تيتموه من الكتاب. والنكرة هنا كالمعرفة، والثانى: الخبر: لتؤمنن به والهاء عائدة على المبتدأ. واللام (م 25- الروض الأنف ج 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِضَمِيرِهِ، لِأَنّ مَا بَعْدَ اللّامِ الثّانِيَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِيمَا قَبْلَهَا، وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ مَا قَبْلَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِمَا يَعْمَلُ فِيهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنّ مَا هَذِهِ شَرْطٌ. وَالتّقْدِيرُ: لهما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، لِأَنّهُ جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ: إنّ، وَقَوْلُ الْخَلِيلِ: إنّهَا بِمَنْزِلَةِ الّذِي، أَيْ: إنّهَا اسْمٌ لَا حَرْفٌ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا عَلَى هَذَا، فَتَكُونُ اسْمًا، وَتَكُونُ شَرْطًا، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ عَلَى قَوْلِ الْخَلِيلِ: خَبَرِيّةً فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَيَكُونَ الْخَبَرُ: لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنّهُ، وَإِنْ كَانَ الضّمِيرَانِ عَائِدَيْنِ عَلَى الرّسُولِ، لَا عَلَى الّذِي، وَلَكِنْ لَمّا قَالَ: رسول مصدّق لما معكم، ارْتَبَطَ الْكَلَامُ بَعْضُهُ بِبَعْضِ، وَاسْتَغْنَى بِالضّمِيرِ الْعَائِدِ على الرسول عن ضمير يعود

_ - جواب القسم، لأن أخذ الميثاق قسم فى المعنى، فأما قوله: ثم جاءكم» ، فهو معطوف على: ما آتيتكم، والعائد على «ما» من هذا المعطوف فيه وجهان. أحدهما: تقديره: ثم جاءكم به، واستغنى عن إظهاره بقوله: به فيما بعد. والثانى: أن قوله: لما معكم فى موضع الضمير، تقديره: مصدق له؛ لأن الذى معهم هو الذى آتاهم ويجوز أن يكون العائد ضمير الاستقرار العامل فى مع، ويجوز أن تكون الهاء فى: به، تعود على الرسول، والعائد على المبتدأ: محذوف، وسوغ ذلك طول الكلام، وأن تصديق الرسول تصديق للذى أوتيه، والقول الثانى: أن ما: شرط واللام قبله، لتلقى القسم كالتى فى قوله: لتن لم ينته المنافقون، وليست لازمة بدليل قوله: وإن لم ينتهوا عما يقولون، فعلى هذا تكون «ما» فى موضع نصب باتيت والمفعول الثانى: ضمير المخاطب، و «من كتاب» مثل «من آية» فى قوله: ما ننسخ من آية، وباقى الكلام على هذا الوجه ظاهر» ثم ذكر وجه إعرابها إذا قرئت بفتح اللام وتشديد الميم، كما ذكر قبل وجه إعرابها إذا قرئت بكسر اللام وتخفيف الميم ص 83 ج 1 إملاء ما من به الرحمن لأبى البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبرى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، وَلَهُ نَظِيرٌ فِي التّنْزِيلِ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) الْبَقَرَةُ: 234 خَبَرُهُ: يتربّصن بأنفسهن، وَلَمْ يَعُدْ عَلَى الْمُبْتَدَإِ شَيْءٌ، لِتَشَبّثِ الْكَلَامِ بَعْضُهُ بِبَعْضِ، وَقَدْ لَاحَ لِي بَعْدَ نَظَرِي الْكِتَابَ أَنّ الّذِي قَالَهُ الْخَلِيلُ وَقَوْلَ سِيبَوَيْهِ قَوْلٌ وَاحِدٌ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: وَدُخُولُ اللّامِ عَلَى مَا، كَدُخُولِهَا عَلَى إنّ، يَعْنِي: فِي الْجَزَاءِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُعْمِلَ مَا جَزَاءً، وَإِنّمَا تَكَلّمَ عَلَى اللّامِ خَاصّةً وَاَللهُ أَعْلَمُ. النبوءة وأولو العزم: وذكر قول ابن إسحق: وَالنّبُوءَةُ أَثْقَالٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يَحْمِلُهَا وَلَا يَسْتَطِيعُهَا إلّا أَهْلُ الْقُوّةِ وَالْعَزْمِ مِنْ الرّسُلِ، وَوَقَعَ فى رواية يونس عن ابن إسحق فى هذا الموضع عن ربيعة ابن أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْت وَهْبَ بْنَ مُنَبّهٍ وَهُوَ فِي مَسْجِدِ مِنًى- وَذَكَرَ لَهُ يُونُسَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ عَبْدًا صَالِحًا، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ ضِيقٌ، فَلَمّا حُمّلَتْ عَلَيْهِ أَثْقَالُ النّبُوءَةِ، وَلَهَا أَثْقَالٌ تَفَسّخَ تَحْتَهَا تَفَسّخَ الرّبُعِ تَحْتَ الْحِمْلِ الثّقِيلِ «1» ، فَأَلْقَاهَا عَنْهُ وَخَرَجَ هَارِبًا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابن إسحق: إنّ أُولِي الْعَزْمِ مِنْ الرّسُلِ مِنْهُمْ: نُوحٌ وَهُودٌ وَإِبْرَاهِيمُ أَمّا نُوحٌ فَلِقَوْلِهِ: (يَا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ) يُونُسُ: 71 وَأَمّا هُودٌ فَلِقَوْلِهِ: (إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) هُودٌ: 54 وَأَمّا إبْرَاهِيمُ، فَلِقَوْلِهِ هُوَ وَاَلّذِينَ مَعَهُ: (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ

_ (1) الرّبع بضم الراء وفتح الباء: الفصيل، ينتج فى الربيع، وهو أول النتاج والمقصود: ضعف وعجز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللَّهِ) وَأَمَرَ اللهُ نَبِيّنَا أَنْ يَصْبِرَ كَمَا صَبَرَ هَؤُلَاءِ» . أَوّلُ مَا بُدِئَ بِهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النّبُوءَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابن إسحق: ما بدىء بِهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ النّبُوءَةِ، إذْ كَانَ لَا يَمُرّ بِحَجَرِ، وَلَا شَجَرٍ إلّا قَالَ: السّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ الله «2» ، وَفِي مُصَنّفِ التّرْمِذِيّ وَمُسْلِمٍ أَيْضًا أَنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إنّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكّةَ كَانَ يُسَلّمُ عَلَيّ قَبْلَ أَنْ يُنَزّلَ عَلَي، وَفِي بَعْضِ الْمُسْنَدَاتِ زِيَادَةُ أَنّ هَذَا الْحَجَرَ الّذِي كَانَ يُسَلّمُ عَلَيْهِ هُوَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَهَذَا التّسْلِيمُ: الْأَظْهَرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً، وَأَنْ يَكُونَ اللهُ أَنْطَقَهُ إنْطَاقًا كَمَا خَلَقَ الْحَنِينَ فِي الْجِذْعِ «3» ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْكَلَامِ الّذِي هُوَ صَوْتٌ وَحَرْفٌ: الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ، لِأَنّهُ صَوْتٌ كسائر الأصوات، والصوت: عرض فى قول

_ (1) من أشهر الأقوال عن أولى العزم أنهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، ودليلهم أن الله نص على أسمائهم فى الأحزاب فقال: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ، وَمِنْكَ، وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) الأحزاب: 7 كما نص عليهم فى سورة الشورى: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» الشورى: 13. وقيل إنهم جميع الرسل، وتكون من لبيان الجنس. (2) فى الترمذى والدارمى «قال على: كنت مع النبى «ص» بمكة فخرجنا فى بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله، وروى مثله الطبرانى فى الأوسط، وفيه مجهول. (3) ورد حنين الجذع فى حديث رواه البخارى والنسائى والترمذى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَكْثَرِينَ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إلّا النّظّامُ، فَإِنّهُ زعم أنه جسم، وجعله الأشعرىّ اصطكا كافى الْجَوَاهِرِ بَعْضُهَا لِبَعْضِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الطّيّبِ: لَيْسَ الصّوْتُ نَفْسَ الِاصْطِكَاكِ، وَلَكِنّهُ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَيْهِ، وَلِلِاحْتِجَاجِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلَهُمَا مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا، وَلَوْ قَدّرْت الْكَلَامَ صِفَةً قَائِمَةً بنفس الحجر والشّجر، والصوت عيارة عَنْهُ، لَمْ يَكُنْ بُدّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ مَعَ الْكَلَامِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ: أَيّ ذَلِكَ كَانَ، أَكَانَ كَلَامًا مَقْرُونًا بِحَيَاةِ وَعِلْمٍ، فَيَكُونُ الْحَجَرُ بِهِ مُؤْمِنًا، أَوْ كَانَ صَوْتًا مُجَرّدًا غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِحَيَاةِ؟ وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ هُوَ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النّبُوءَةِ «1» ، وَأَمّا حَنِينُ الْجِذْعِ فَقَدْ سُمّيَ حَنِينًا، وَحَقِيقَةُ الْحَنِينِ يَقْتَضِي شَرْطَ الْحَيَاةِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ تَسْلِيمَ الْحِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا فِي الْحَقِيقَةِ إلَى مَلَائِكَةٍ يَسْكُنُونَ تِلْكَ الْأَمَاكِنَ، يُعَمّرُونَهَا، فَيَكُونُ مَجَازًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) «2» وَالْأَوّلُ أَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَتْ كُلّ صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الصّوَرِ الّتِي ذَكَرْنَاهَا فِيهَا عَلَمٌ عَلَى نُبُوّتِهِ- عَلَيْهِ السّلَامُ- غَيْرَ أَنّهُ لَا يُسَمّى مُعْجِزَةً «3» فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلّمِينَ إلّا مَا تَحَدّى به الخلق، فعجزوا عن معارضته.

_ (1) ليس لأحد أن يتكلم عن حقيقة مثل هذا، فالله وحده هو أعلم بالحقيقة. (2) القرية- كما يقول الراغب فى مفرداته- اسم للموضع الذى يجتمع فيه الناس، وللناس جميعا. وبهذا لا يكون فى الاية مجاز كما هو المشهور. (3) يجب أن نسميها بما سمى الله، وهى: آية، وبهذا تتجاوب الكلمة مع سكينة القلب والفكر وتقديسهما، ونخلصها مما دار حول المعجزة من جدال، واضطرم من شحناء وموازنات بينها وبين السحر والكرامة. والله سبحانه يسمى ما أعطاه للرسل آيات، لا معجزات فلنقف عند هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَدْلُولُ تَفَعّلَ: وَذَكَرَ حَدِيثَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُجَاوِرُ بِغَارِ حِرَاءٍ «1» وَيَتَحَنّثُ فِيهِ، قَالَ: والتّحنّث: التّبرّر. تَفَعّلٌ مِنْ الْبِرّ، وَتَفَعّلَ: يَقْتَضِي الدّخُولَ فِي الْفِعْلِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِيهَا مِثْلُ: تَفَقّهَ وَتَعَبّدَ وَتَنَسّكَ وَقَدْ جَاءَتْ فِي أَلْفَاظٍ يَسِيرَةٍ تُعْطِي الْخُرُوجَ عَنْ الشّيْءِ وَاطّرَاحِهِ، كَالتّأَثّمِ وَالتّحَرّجِ. وَالتّحَنّثُ بِالثّاءِ الْمُثَلّثَةِ «2» ، لِأَنّهُ مِنْ الْحِنْثِ، وَهُوَ الْحِمْلُ الثّقيل، وكذلك

_ (1) جبل بينه وبين مكة ثلاثة أميال على يسار الذاهب إلى منى، ويقصر ويمد (2) فى كتاب الأضداد للصغانى: تحنث إذا أتى الحنث، وإذا تجنبه، ومثله فى كتاب الأضداد لأبى بكر الأنبارى، وفيه: تحوب الرجل إذا تجنب الحوب، وهو الإثم العظيم، ولا يستعمل تحوب فى المعنى الاخر. وقال بعض أهل اللغة. تصدق الرجل إذا أعطى، وتصدق إذا سأل «ص 145، 154 الأضداد ط 1325 هـ لمحمد ابن القاسم بن بشار الأنبارى أبى بكر. ويقول الخشنى عن رأى ابن هشام فى التحنث وأنه التحنف: «فالجيد فيه أن يكون فيه التحنث هو الخروج من الحنث أى: الإثم، كما يكون الإثم الخروج عن التأثم، لأن تفعّل قد تستعمل فى الخروج عن الشىء، وفى الانسلاخ عنه، ولا يحتاج فيه إلى الإبدال الذى ذكره ابن هشام» ص 75: هذا ولصيغة تفعّل معان مذكورة فى مصادرها فانظرها مثل ج 1 ص 140 الشافية للرضى. وفى الصحيحين أنه جاور بحراء شهرا. وذكر ابن إسحاق أنه شهر رمضان. وليس هنالك نص صريح أو صحيح يبين لنا كيف كان يتحنث. وأذكر هنا بقول الله سبحانه عما كان عليه محمد قبل البعثة: «ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ» وقوله: «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى» فهى إذا كانت عزلة عن مجتمع جاهلى عربدت فيه الخطيئة. والمفهوم من كلام ابن هشام أن هذا التحنث أمر كانت تأتيه قريش فى جاهليتها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التّقَذّرُ، إنّمَا هُوَ تَبَاعُدٌ عَنْ الْقَذَرِ، وَأَمّا التّحَنّفُ بِالْفَاءِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ التّبَرّرِ؛ لِأَنّهُ مِنْ الْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ، وَإِنْ كَانَ الْفَاءُ مُبْدَلَةً مِنْ الثّاءِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ التّقَذّرِ وَالتّأَثّمِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ، وَاحْتَجّ بِجَدَفٍ وَجَدَثٍ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ رُؤْبَةَ: لَوْ كَانَ أَحْجَارِي مَعَ الْأَجْدَافِ، وَفِي بَيْتِ رُؤْبَةَ هَذَا شَاهِدٌ وَرَدّ عَلَى ابْنِ جِنّي حَيْثُ زَعَمَ فِي سِرّ الصّنَاعَةِ أَنّ جَدَفَ بِالْفَاءِ لَا يُجْمَعُ عَلَى أَجْدَافٍ، وَاحْتَجّ بِهَذَا لِمَذْهَبِهِ فِي أَنّ الثّاءَ هِيَ الْأَصْلُ، وَقَوْلُ رُؤْبَةَ «1» رَدّ عَلَيْهِ، وَاَلّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنّ الْفَاءَ هِيَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْحَرْفِ، لِأَنّهُ مِنْ الْجَدْفِ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَمِنْهُ مِجْدَافُ السّفِينَةِ، وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ فِي وَصْفِ الْجِنّ: شَرَابُهُمْ الْجَدَفُ وَهِيَ الرّغْوَةُ، لأنها تجدف من الْمَاءِ، وَقِيلَ: هِيَ نَبَاتٌ يُقْطَعُ وَيُؤْكَلُ. وَقِيلَ: كُلّ إنَاءٍ كُشِفَ عَنْهُ غِطَاؤُهُ: جَدَفٌ، وَالْجَدَفُ: الْقَبْرُ مِنْ هَذَا، فَلَهُ مَادّةٌ وَأَصْلٌ فِي الِاشْتِقَاقِ، فَأَجْدَرُ بِأَنْ تَكُونَ الْفَاءُ هِيَ الْأَصْلَ وَالِثَاءُ دَاخِلَةً عَلَيْهَا. «2» حَوْلَ مُجَاوَرَتِهِ فِي حِرَاءٍ: وَقَوْلُهُ: يُجَاوِرُ فِي حِرَاءٍ إلَى آخِرِ الْكَلَامِ. الجوار بالكسر فى معنى المجاورة

_ (1) هو جزء من بيت من أرجوزة يعاتب بها رؤبة أباه العجاج. وقبله. لا تعجلنّ الحتف ذا الإتلاف ... والدّهر إن الدهر ذو ازدلاف بالمرء ذو عصف وذو انصراف ... لو كان أحجارى مع الأجداف تعفو على جرثومة العوافى ... تضربها الأمطار والسوافى انظر ص 100 من ديوان رؤبة ط ليبسي؟؟؟ ببرلين (2) الجدف بالذال والدال: القبر، وكذلك الجدث. وفى القاموس عن الجدف أنه نبات باليمن يغنى آكله عن شرب الماء عليه، وهو أيضا ما رمى به التراب من زيد أوقذى. وكل ما هو بالدال من هذا يقال بالذال أيضا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهِيَ الِاعْتِكَافُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِوَارِ وَالِاعْتِكَافِ إلّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ إلّا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، وَالْجِوَارَ قَدْ يَكُونُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُسَمّ جِوَارُهُ بِحِرَاءِ اعْتِكَافًا، لِأَنّ حِرَاءَ لَيْسَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَكِنّهُ مِنْ جِبَالِ الْحَرَمِ، وَهُوَ الْجَبَلُ الّذِي نَادَى رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لَهُ ثَبِيرٌ وَهُوَ عَلَى ظَهْرِهِ: اهْبِطْ عَنّي؛ فَإِنّي. أَخَافُ أَنْ تُقْتَلَ عَلَى ظَهْرِي فَأُعَذّبُ، فَنَادَاهُ حِرَاءٌ: إلَيّ إلَيّ يَا رَسُولَ اللهِ «1» . كَيْفِيّةُ الْوَحْيِ: فَصْل: وَذَكَرَ نُزُولَ جِبْرِيلَ عَلَى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: فِي الْحَدِيثِ: فَأَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَهَبَبْت مِنْ نَوْمِي، فَكَأَنّمَا كَتَبْت فِي قَلْبِي كِتَابًا، وَلَيْسَ ذِكْرُ النّوْمِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَا غَيْرِهَا، بَلْ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ. عَنْ عَائِشَةَ مَا يَدُلّ ظَاهِرُهُ عَلَى أَنّ نُزُولَ جِبْرِيلَ حِينَ نَزَلَ بِسُورَةِ اقْرَأْ، كَانَ فِي الْيَقِظَةِ؛ لِأَنّهَا قَالَتْ فِي أَوّلِ الْحَدِيثِ: أول ما بدىء به رسول الله- صلى الله عليه وسلم: الرّؤْيَا الصّادِقَةُ، كَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إلّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصّبْحِ، ثُمّ حَبّبَ اللهُ إلَيْهِ الْخَلَاءَ- إلَى قَوْلِهَا- حَتّى جَاءَهُ الْحَقّ، وَهُوَ بِغَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ. فَذَكَرَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ الرّؤْيَا كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ جِبْرِيلَ عَلَى النّبِيّ- عَلَيْهِ السّلَامُ- بِالْقُرْآنِ، وَقَدْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ- عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَهُ جِبْرِيلُ فِي الْمَنَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ فِي الْيَقِظَةِ تَوْطِئَةً وَتَيْسِيرًا عليه.

_ (1) حديث يروى فى السير، وذكره عياض فى الشفاء بلاسند فهى أسطورة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَرِفْقًا بَهْ، لِأَنّ أَمْرَ النّبُوءَةِ عَظِيمٌ، وَعِبْؤُهَا ثَقِيلٌ، وَالْبَشَرُ ضَعِيفٌ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مِنْ مَقَالَةِ الْعُلَمَاءِ مَا يُؤَكّدُ هَذَا وَيُصَحّحُهُ، قد ثَبَتَ بِالطّرُقِ الصّحَاحِ عَنْ عَامِرٍ الشّعْبِيّ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُكّلَ بَهْ إسْرَافِيلُ، فَكَانَ يَتَرَاءَى لَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَيَأْتِيهِ بِالْكَلِمَةِ مِنْ الْوَحْيِ وَالشّيْءِ «1» ثُمّ وُكّلَ بَهْ جِبْرِيلُ فَجَاءَهُ بِالْقُرْآنِ وَالْوَحْيِ، فَعَلَى هَذَا كَانَ نُزُولُ الْوَحْيِ عَلَيْهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَمِنْهَا: النّوْمُ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَكَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ أيضا: أول ما بدىء به رسول الله- صلى الله عليه وسلم: الرّؤْيَا الصّادِقَةُ «2» وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السّلَامُ: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ الصّافّاتُ: 102، فَدَلّ عَلَى أَنّ الْوَحْيَ كَانَ يَأْتِيهِمْ فِي الْمَنَامِ، كَمَا يَأْتِيهِمْ فِي الْيَقَظَةِ. وَمِنْهَا: أَنْ يَنْفُثَ فِي رَوْعِهِ الْكَلَامَ نَفْثًا، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ، حَتّى تَسْتَكْمِلَ أجلها ورزقها،

_ (1) هذا مخالف لما ثبت فى الأحاديث الصحيحة. (2) ورد هذا فى حديث- رواه الشيخان والترمذى. وقد روى البخارى حديث الوحى فى كتاب التعبير من صحيحه وفى التفسير، وفى بده الوحى، واختار ما فى التعبير، لأن سياقه فيه أتم. وفى زاد المعاد أنه قيل: إن مدة الرؤية كانت ستة أشهر ويقول النووى عن حديث الرؤيا الذى روته عائشة: إنه من مراسيل الصحابة؛ لأن عائشة لم تدرك هذه القصة، فتكون سمعتها من النبى «ص» أو من صحابى، ص 581 ج 8 فتح البارى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَاتّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطّلَبِ «1» . وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسّرِينَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً الشّورَى: 51. قَالَ هُوَ أَنْ يَنْفُثَ فِي رَوْعِهِ بِالْوَحْيِ. وَمِنْهَا: أَنْ يَأْتِيَهُ الْوَحْيُ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ «2» ، وَهُوَ أَشَدّهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنّ ذَلِكَ لَيَسْتَجْمِعُ قَلْبُهُ عِنْدَ تِلْكَ الصّلْصَلَةَ، فَيَكُونُ أَوْعَى لِمَا يَسْمَعُ، وَأَلْقَنِ لِمَا يَلْقَى. وَمِنْهَا: أَنْ يَتَمَثّلَ لَهُ الْمَلَكُ رَجُلًا، فَقَدْ كَانَ يَأْتِيهِ فى صورة دحية «3» بن

_ (1) أبو نعيم فى الحلية عن أبى أمامة، وعلم عليه السيوطى بأنه ضعيف، ورواه بتمامه ابن أبى الدنيا فى كتاب القناعة والحاكم من حديث ابن مسعود، وابن ماجة عن جابر، والطبرانى من حديث أبى أمامة. والروع بضم الراء: النفس والقلب والذهن والعقل. (2) ورد هذا فى حديث متفق عليه. (3) دحية بكسر الدال وقد تفتح- بن خَلِيفَةَ بْنِ فَرْوَةَ بْنِ فَضَالَةَ بْنِ زَيْدِ ابن امرىء القيس بن الخزرج، أول مشاهده الخندق. نزل دمشق وسكن المزة، وعاش إلى خلافة معاوية. وذكر مقاتل أن التجارة التى سيأتى ذكرها كانت لدحية قبل إسلامه. وكان معها طبل، كما ورد فى كتاب المراسيل فى حديث رواه أبو داود. هذا وقد نزل جبريل على الرسول «ص» بصورة رجل غير دحية، كما جاء فى حديث أبى هريرة فى الصحيحين، وذلك حين جاءه جبريل يسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان. وفى آخر الحديث. هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم. وقد وصف جبريل فى صورته هذه- كما جاء فى مسلم- بأنه رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، فلو أنه كان فى صورة دحية لعرفوه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَلِيفَةَ، وَيُرْوَى أَنّ دِحْيَةَ إذَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ تَبْقَ مُعْصِرٌ «1» إلّا خَرَجَتْ تَنْظُرُ إلَيْهِ لِفَرْطِ جَمَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ سَلّامٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً الْجُمُعَةُ: 11. قَالَ: كَانَ اللهْوُ نَظَرَهُمْ إلَى وَجْهِ دِحْيَةَ لِجَمَالِهِ. وَمِنْهَا: أَنْ يَتَرَاءَى لَهُ جِبْرِيلُ فِي صُورَتِهِ الّتِي خَلَقَهُ اللهُ فِيهَا، لَهُ سِتّمِائَةِ جَنَاحٍ، يَنْتَشِرُ مِنْهَا اللّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ. وَمِنْهَا: أَنْ يُكَلّمَهُ اللهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ: إمّا فِي الْيَقَظَةِ كَمَا كَلّمَهُ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، وَإِمّا فِي النّوْمِ، كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ الّذِي رَوَاهُ التّرْمِذِيّ، قَالَ: أَتَانِي رَبّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى، فَقُلْت: لَا أَدْرِي. فَوَضَعَ كَفّهُ بَيْنَ كَتِفَيْ، فَوَجَدَتْ بَرْدَهَا بَيْنَ ثُنْدُوَتَيّ «2» وَتَجَلّى لِي عَلَمُ كُلّ شَيْءٍ، وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى، فَقُلْت: فِي الْكَفّارَاتِ، فَقَالَ: وَمَا هُنّ!؟ فَقُلْت: الْوُضُوءُ عِنْدَ الْكَرِيهَاتِ، وَنَقْلُ الْأَقْدَامِ إلَى الْحَسَنَاتِ، وَانْتِظَارُ الصّلَوَاتِ بَعْدَ الصّلَوَاتِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاشَ حَمِيدًا، وَمَاتَ حَمِيدًا، وَكَانَ مِنْ ذَنْبِهِ كَمَنْ وَلَدَتْهُ أُمّهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ «3» . فَهَذِهِ سِتّةُ أَحْوَالٍ، وَحَالَةُ سَابِعَةٌ قَدْ قَدّمْنَا ذكرها، وهى

_ (1) المرأة بلغت شبابها وأدركت. (2) ثندوة بضم فسكون، فضم فواو مفتوحة فتاء، وقد تفتح الثاء: لحمة الثدى أو أصله. (3) أحمد وعبد الرازق والترمذى والطبرانى عن ابن عباس مرفوعا، وابن مردويه والطبرانى من حديث معاذ، وقال البيهقى فى الأسماء والصفات: «هذا حديث مختلف فى إسناده. ثم ذكر طرقه، وقال: وكلها ضعيف، وأحسن طريق فيه رواية جهضم بن عبد الله- وهى منقطعة- ثم رواية موسى بن خلف-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نزول إسرافيل عليه بكلمات من الوحى قبل جِبْرِيلُ «1» فَهَذِهِ سَبْعُ صُوَرٍ فِي كَيْفِيّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ أَرَ أَحَدًا جَمَعَهَا كَهَذَا الْجَمْعِ، وَقَدْ اسْتَشْهَدْنَا عَلَى صِحّتهَا بِمَا فِيهِ غنية، وَقَدْ أَمْلَيْنَا أَيْضًا فِي حَقِيقَةِ رُؤْيَتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ رَبّهُ فِي الْمَنَامِ عَلَى أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَيُرْوَى: على صورة شاب مسئلة بَدِيعَةٌ كَاشِفَةٌ لِقِنَاعِ اللّبْسِ، فَلْتُنْظَرْ هُنَالِكَ. مِنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ الْوَحْيِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنّ جِبْرِيلَ أَتَاهُ بِنَمَطِ «2» مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ كِتَابٌ، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ بَعْضُ الْمُفَسّرِينَ فِي قوله: (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) إنّهَا إشَارَةٌ إلَى الْكِتَابِ الّذِي جَاءَهُ بِهِ جِبْرِيلُ حِينَ قَالَ: اقْرَأْ، وَفِي الْآيَةِ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذِهِ، مِنْهَا: أَنّهَا إشَارَةٌ إلَى مَا تَضَمّنَهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: الم؛ لِأَنّ هَذِهِ الْحُرُوفُ. الْمُقَطّعَةُ تَضَمّنَتْ مَعَانِيَ الْكِتَابِ كُلّهِ، فَهِيَ كَالتّرْجَمَةِ له.

_ - وفيه ما يثبت أنه كان فى النوم، وذكر ابن الجوزى أن طرق هذا الحديث مضطربة. (1) ورد فى أثر عن الشعبى فى تاريخ الإمام أحمد ويعقوب بن سفيان وابن سعد والبيهقى. وهو مرسل أو معضل. وكلاهما من أقسام الضعيف، وقد أنكره الواقدى، وقال: لم يكن به من الملائكة إلا جبريل. قال الشامى: وهو المعتمد. وهو معارض للأحاديث الصحيحة. (2) وعاء كالسفط. وهذا من مرسلات عبيد بن عمير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَعْنَى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ: وَقَوْلِهِ: مَا أَنَا بقارىء، أَيْ: إنّي أُمّيّ، فَلَا أَقْرَأُ الْكُتُبَ، قَالَهَا «1» ثَلَاثًا فَقِيلَ لَهُ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ، أَيْ: إنّك لَا تَقْرَؤُهُ بِحَوْلِك، وَلَا بِصِفّةِ نَفْسِك، وَلَا بِمَعْرِفَتِك، وَلَكِنْ اقْرَأْ مُفْتَتِحًا بِاسْمِ «2» رَبّك مُسْتَعِينًا بِهِ، فَهُوَ يُعَلّمُك كَمَا خَلَقَك وَكَمَا نزع عنك علق الدم، ومعمز الشيطان بعد ما خَلَقه فِيك، كَمَا خَلَقَهُ فِي كُلّ إنْسَانٍ. وَالْآيَتَانِ المتقدمتان لِمُحَمّدِ، وَالْآخِرَتَانِ: لِأُمّتِهِ، وَهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) لِأَنّهَا كَانَتْ أُمّةٌ أُمّيّةٌ لَا تَكْتُبُ، فَصَارُوا أَهْلَ كِتَابٍ، وَأَصْحَابَ قَلَمٍ، فَتَعَلّمُوا الْقُرْآنَ بِالْقَلَمِ، وَتَعَلّمَهُ نَبِيّهُمْ تَلْقِينًا مِنْ جِبْرِيلَ نَزّلَهُ عَلَى قَلْبِهِ بِإِذْنِ اللهِ، لِيَكُونَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ. حَوْلَ بِسْمِ اللهِ: فَصْلٌ: وَفِي قَوْلِهِ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ مِنْ الْفِقْهِ: وُجُوبُ اسْتِفْتَاحِ الْقِرَاءَةِ بِبَسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ «3» ، غَيْرَ أَنّهُ أَمْرٌ مُبْهَمٌ لَمْ يُبَيّنْ لَهُ بِأَيّ اسْمٍ مِنْ أَسَمَاء ربه يفتتح،

_ (1) قيل إن ما استفهامية، لما ورد فى رواية أبى الأسود عن عروة: كيف أقرأ؟ وابن إسحاق عن عبيد بن عمير، ماذا أقرأ؟ وقد جوز الأخفش دخول الباء على الخبر المثبت، وجزم به ابن مالك فى: بحسبك زيد، فجعل الخبر بحسبك وجعل الباء زائدة وسيأتى فى الشرح وفى الروض. (2) أى ناويا بقراءته وجه الله سبحانه، ويجب فى قراءة القرآن الاستفتاح أولا بالاستعاذة، فقد جاء الأمر بها صريحا فى القرآن. (3) يقول ابن كثير: افتتح بها الصحابة كتاب الله، واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل. ثم اختلفوا: هل هى آية مستقله فى أول كل سورة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَتّى جَاءَ الْبَيَانُ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ: (بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها) هُود: 41 ثُمّ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) النّمْلُ: 30. ثُمّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْزِلُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ بِبَسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مَعَ كُلّ سُورَةٍ، وَقَدْ ثَبَتَتْ فِي سَوَادِ الْمُصْحَفِ بِإِجْمَاعِ مِنْ الصّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ مُصْحَفِ الْحَسَنِ الْبَصَرِيّ، فَشُذُوذٌ، فَهِيَ عَلَى هَذَا مِنْ الْقُرْآنِ، إذْ لَا يُكْتَبُ فِي الْمُصْحَفِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنِ، وَلَا يَلْتَزِمُ قَوْلُ الشّافِعِيّ أَنّهَا آيَةٌ مِنْ كُلّ سُورَةٍ، وَلَا أَنّهَا آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ، بَلْ نَقُولُ: إنّهَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، مُقْتَرِنَةٌ مَعَ السّورَةِ، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ بَيْنَ الْقُوّةِ لِمَنْ أَنْصَفَ، وَحِينَ نَزَلَتْ بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ سَبّحَتْ الْجِبَالُ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: سَحَرَ مُحَمّدٌ الْجِبَالَ «1» ذَكَرَهُ النّقّاشُ، وَإِنْ صَحّ مَا ذَكَرَهُ، فَلِمَعْنَى مَا سَبّحَتْ عِنْدَ نُزُولِهَا خَاصّةً، وَذَلِكَ أَنّهَا آيَةٌ أُنْزِلَتْ عَلَى آلِ دَاوُد، وَقَدْ كَانَتْ الْجِبَالُ تُسَبّحُ مَعَ دَاوُد، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) ص: 18 وَقَالَ: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ، وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) النّمْلُ: 30. وَفِي الْحَدِيثِ ذَكَرَ نَمَطَ الدّيبَاجِ مِنْ الْكِتَابِ، وَفِيهِ دليل وإشارة إلى

_ - كتبت فى أولها، أو أنها بعض آية من كل سورة، أو أنها كذلك فى الفاتحة دون غيرها: أو أنها إنما كتبت للفصل بين السور لا أنها آية. على أقوال. العلماء سلفا وخلفا؟ هذا وفى صحيح البخارى عن أنس أنه سئل عن قراءة النبى صلى الله عليه وسلم فقال: «كانت قراءته مدا مدا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم يمد باسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم» . (1) كيف عرفت قريش أنه تسبيح للجبال؟ والله يقول: «وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» فكيف يفقهه عتاة الشرك؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنّ هَذَا الْكِتَابَ يُفْتَحُ عَلَى أُمّتِهِ مُلْكَ الْأَعَاجِمِ، وَيَسْلُبُونَهُمْ الدّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ الّذِي كَانَ زَيّهُمْ وَزِينَتَهُمْ، وَبَهْ أَيْضًا يُنَالُ مُلْكُ الْآخِرَةِ وَلِبَاسُ الْجَنّةِ وَهُوَ الْحَرِيرُ وَالدّيبَاجُ «1» ، وَفِي سِيَرِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَسِيَرِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ زِيَادَةٌ، وهو أن جبريل أتاه بدر نوك «2» مِنْ دِيبَاجٍ مَنْسُوجٍ بِالدّرّ وَالْيَاقُوتِ، فَأَجْلَسَهُ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنّ مُوسَى بْنَ عُقْبَةَ قَالَ: بِبِسَاطِ، ولم يقل: درنوك، وقال فى سير ابْنُ الْمُعْتَمِرِ: أَنّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَيْهِ: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) الْآيَاتِ، كَأَنّهُ يُشِيرُ بِهِ، فَمَسَحَ جِبْرِيلُ صَدْرَهُ، وَقَالَ: اللهُمّ اشْرَحْ صَدْرَهُ، وَارْفَعْ ذِكْرَهُ، وَضَعْ عنه وزره، ويصحح مارواه ابْنُ الْمُعْتَمِرِ أَنّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَيْهِ: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) الْآيَاتِ، كَأَنّهُ يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ الدّعَاءِ الّذِي كَانَ مِنْ جِبْرِيلَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ «3» . الْغَطّ: وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: فَغَطّنِي «4» ، وَيُرْوَى: فَسَأَبَنِي، وَيُرْوَى: سأتني، وَأَحْسَبُهُ أَيْضًا يُرْوَى: فَذَعَتَنِي «5» وَكُلّهَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَهُوَ الْخَنْقُ وَالْغَمّ، وَمِنْ الذّعْتِ حَدِيثُهُ الْآخَرُ: أَنّ الشّيْطَانَ عَرَضَ لَهُ، وَهُوَ يُصَلّي قَالَ: فَذَعْتهُ، حَتّى وَجَدْت بَرْدَ لِسَانِهِ عَلَى يَدَيْ، ثُمّ ذَكَرْت قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانُ: (وَهَبْ لِي مُلْكاً)

_ (1) هكذا يا بنى على روايات واهية أمورا هى حقائق لا تبنى على مثل هذا الباطل. (2) فى النهاية لابن الأثير: ستر له خمل وجمعه: درانك، ويقال: درموك أيضا، وفى القاموس. ضرب من الثياب أو البسط كالدرنيك بكسر الدال والطنفسة كالدّرنك كزبرج. (3) رواية ضعيفة لا يعتد بها فلماذا يعتد بها السهيلى؟ (4) غطنى: ضمنى وعصرنى، والغت: حبس النفس. (5) ذعته- أيضا-: ذأته ومعكه فى التراب، ودفعه دفعا عنيفا وتقال بالدال أيضا والسّاب: العصر فى الحلق، والسأت: الخنق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) الْحَدِيثُ «1» ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ إظْهَارٌ لِلشّدّةِ وَالْجَدّ فِي الْأَمْرِ، وَأَنْ يَأْخُذَ الْكِتَابَ بِقُوّةِ؛ وَيَتْرُكُ الْأَنَاةَ فَإِنّهُ أَمْرٌ لَيْسَ بِالْهُوَيْنَى، وَقَدْ انْتَزَعَ بَعْضُ التّابِعِينَ وَهُوَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي مِنْ هَذَا: ألا يضرب الصبى على القرآن

_ (1) فى البخارى فى باب التفسير: «إن عفريتا من الجن تفلت على البارحة- أو كلمة نحوها- ليقطع على الصلاة، فأمكننى الله تبارك وتعالى منه، وأردت أن أربطه إلى سارية من سوارى المسجد، حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخى سليمان- عليه الصلاة والسلام: رب اغفر لى، وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ مِنْ بعدى، قال روح- يعنى ابن عبادة راوى الحديث: فرده خاسئا. وهكذا رواه مسلم والنسائى من حديث شعبة به، وروى مسلم فى صحيحه عن أبى الدرداء قال: قام رسول الله صلى عليه وسلم يصلى، فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك، ثم قال ألعنك بلعنة الله ثلاثا- وبسط يده كأنه يتناول شيئا، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله سمعناك تقول فى الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال صلى الله عليه وسلم: إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله فى وجهى، فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يتأخر ثلاث مرات، ثم أردت أن آخذه. والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به صبيان أهل المدينة. وفى حديث أحمد عن أبى سعيد الخدرى أنه كان فى صلاة الصبح فالتبست عليه القراءة، وأنه قال بعد انتهاء الصلاة: (لو رأيتمونى وإبليس فأهويت بيدى، فمازلت أخنقه حتى وجدت يرد لعابه بين أصبعى هاتين- الإبهام والتى تليها- ولولا دعوة أخى سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سوارى المسجد يتلاعب به صبيان المدينة) ولقد قيل هنا: كيف يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم- ذكر دعوة سليمان، ولم يذكر إنتظار الله لإبليس حتى يوم الدين؟ وربنا أعلم بما كان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلّا ثَلَاثًا كَمَا غَطّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ مُحَمّدًا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثًا، وَعَلَى رواية ابن إسحق أَنّ ذَلِكَ فِي نَوْمِهِ كَانَ «1» ، يَكُونُ فِي تِلْكَ الْغَطّاتِ الثّلَاثِ مِنْ التّأْوِيلِ ثَلَاثُ شَدَائِدَ، يُبْتَلَى بِهَا أَوّلًا، ثُمّ يَأْتِي الْفَرَجُ وَالرّوحُ، وَكَذَلِك كَانَ لَقِيَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، شِدّةً مِنْ الْجُوعِ فِي شِعْبِ الْخَيْفِ، حِينَ تَعَاقَدَتْ قُرَيْشٌ ألّا يبيعوا منهم، ولا يتركوا مبرة تصل إليهم، وشدة أخرى من الخوف والإبعاد بِالْقَتْلِ، وَشِدّةٌ أُخْرَى مِنْ الْإِجْلَاءِ عَنْ أَحَبّ الْأَوْطَانِ إلَيْهِ، ثُمّ كَانَتْ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ. مَا أَنَا بِقَارِئِ: وَقَوْلُهُ فى حديث ابن إسحق: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَقْرَأُ، يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَا اسْتِفْهَامًا، يُرِيدُ: أَيّ شَيْءٍ أَقْرَأُ؟ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ نَفْيًا، وَرِوَايَةُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِمٍ تَدُلّ عَلَى أَنّهُ أَرَادَ النّفْيَ، أَيْ: مَا أُحْسِنُ أَنْ أَقْرَأَ، كَمَا تَقَدّمَ مِنْ قَوْلِهِ: مَا أنا بقارىء «2»

_ (1) رواية المنام من مراسيل عبيد بن عمير، وهى مخالفة لرواية الصحيحين المسندة المرفوعة، والجمع بين الروايتين بأن هذا كان مرتين: الأولى فى المنام والأخرى فى اليقظة تأويل فاسد، فلو أن هذا حدث، ما حدث له كل ذلك الذى أصابه من شدة الوحى فى المرة الأخرى. (2) فإن قيل: لم كرر ثلاثا؟ أجاب أبو شامة: بأن يحمل قوله أولا: ما أنا بقارىء على الامتناع، وثانيا: على الإخبار بالنفى المحض، وثالثا: على الاستفهام، ويؤيده أن فى رواية أبى الأسود فى مغازيه عن عروة أنه قال: كيف أقرأ؟ وفى رواية ابن عمير عن ابن إسحاق: ماذا أقرأ؟، وفى مرسل الزهرى فى دلائل البيهقى: كيف أقرأ. وكل ذلك يؤيد أنها استفهامية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رُؤْيَةُ جِبْرِيلَ وَمَعْنَى اسْمِهِ: وَذَكَرَ رُؤْيَتَهُ لِجِبْرِيلَ، وَهُوَ صَافّ قَدَمَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنّهُ رَآهُ عَلَى رَفْرَفٍ «1» بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَيُرْوَى: عَلَى عَرْشٍ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيّ الّذِي ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْجَامِعِ أَنّهُ حين فترعنه الْوَحْيُ، كَانَ يَأْتِي شَوَاهِقَ الْجِبَالِ يُهِمّ بِأَنْ يُلْقِي نَفْسَهُ مِنْهَا، فَكَانَ جِبْرِيلُ يَتَرَاءَى لَهُ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، يَقُولُ لَهُ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَا جِبْرِيلُ. وَاسْمُ جِبْرِيلَ سُرْيَانِيّ، وَمَعْنَاهُ: عَبْدُ الرّحْمَنِ، أَوْ عَبْدُ الْعَزِيزِ. هَكَذَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا أَيْضًا، وَالْوَقْفُ أَصْلُهُ. وَأَكْثَرُ النّاسِ عَلَى أَنّ آخِرَ الِاسْمِ مِنْهُ هُوَ اسْمُ اللهِ، وَهُوَ: إيّلُ، وَكَانَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللهُ يَذْهَبُ مَذْهَبِ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ إضَافَتُهَا مَقْلُوبَةٌ، وَكَذَلِكَ الْإِضَافَةُ فِي كَلَامِ الْعَجَمِ، يَقُولُونَ فِي غُلَامِ زَيْدٍ: زَيْدٌ غُلَامٌ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ إيل عَبّارَةً عَنْ الْعَبْدِ، وَيَكُونُ أَوّلَ الِاسْمِ عَبّارَةً عَنْ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، أَلَا تَرَى كَيْفَ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ: جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، كَمَا تَقُولُ: عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ، أَلَا تَرَى أَنّ لَفْظَ عَبْدٍ يَتَكَرّرُ بِلَفْظِ وَاحِدٍ، وَالْأَسْمَاءُ أَلْفَاظُهَا مُخْتَلِفَةٌ. حَوْلَ مَعْنَى إلْ وَخَرَافَةُ الرّهْبَانِ: وَأَمّا إلْ بِالتّشْدِيدِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِلّا وَلَا ذِمّةً) التوبة: 10 فحذار

_ (1) البساط أو الستر، وأصله ما كان من الديباج، وغيره رقيقا حسن الصنعة، ثم توسع فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَذَارِ مِنْ أَنْ تَقُولَ فِيهِ: هُوَ اسْمُ «1» اللهِ، فَتُسَمّي اللهَ بِاسْمِ لَمْ يُسَمّ بِهِ نَفْسَهُ أَلَا تَرَى أَنّ جَمِيعَ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى مُعَرّفَةٌ، و «إلّ» نَكِرَةٌ، وَحَاشَا لِلّهِ أَنْ يَكُونَ اسْمُهُ نَكِرَةً، وَإِنّمَا الْأَلّ كُلّ ماله حُرْمَةٌ وَحَقّ، فَمِمّا لَهُ حَقّ وَيَجِبُ تَعْظِيمُهُ: الْقَرَابَةُ وَالرّحِمُ وَالْجِوَارُ وَالْعَهْدُ، وَهُوَ مِنْ أَلَلْت: إذَا اجْتَهَدْت فِي الشّيْءِ وَحَافَظْت عَلَيْهِ، وَلَمْ تُضَيّعْهُ، وَمِنْهُ: الْأَلّ فِي السّيْرِ وَهُوَ الْجَدّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ [يَصِفُ رَجُلًا] . وَأَنْتَ مَا أنت فى غبراء مجدبة ... إذادعت أَلَلَيْهَا الْكَاعِبُ الْفُضُلُ «2» يُرِيدُ: اجْتَهَدْت فِي الدّعَاءِ، وَإِذَا كَانَ الْأَلّ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرَ، فَالْإِلّ بِالْكَسْرِ: الاسم كالذّبح من الذّبْحِ، فَهُوَ إذًا الشّيْءُ الْمُحَافَظُ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الصّدّيقِ: [عَنْ كَلَامِ مُسَيْلِمَةَ] : هَذَا كَلَامٌ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إلّ وَلَا بِرّ، أَيْ: لَمْ يَصْدُرْ عَنْ رُبُوبِيّةٍ، لِأَنّ الرّبُوبِيّةَ حَقّهَا وَاجِبٌ مُعَظّمٌ، وَكَذَلِكَ فَسّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَاتّفِقَ فِي اسْمِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّهُ مُوَافِقٌ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيّةِ لِمَعْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيّا، فَإِنّ الْجَبْرَ هُوَ إصْلَاحُ مَا وَهَى، وَجِبْرِيلُ مُوَكّلٌ بِالْوَحْيِ، وَفِي الْوَحْيِ إصْلَاحُ مَا فَسَدَ، وَجَبْرُ مَا وَهَى مِنْ الدّينِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِمَكّةَ وَلَا بِأَرْضِ الْعَرَبِ فَلَمّا أَخْبَرَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدِيجَةَ بِهِ انْطَلَقَتْ تسئل مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ كَعَدّاسِ وَنَسْطُور الرّاهِبِ «3» ، فَقَالَ لَهَا: قُدّوسٌ قُدّوسٌ! أَنّى لِهَذَا الاسم أن

_ (1) له الحق فى أن يحذر من هذا، فهو ليس من الأسماء الحسنى، وإن كان موجودا فى بعض معاجم اللغة. (2) فى الأصل: إليهما، والبيت فى اللسان هكذا: وأنت ما أنت فى غبراء مظلمة ... إذا دعت ألليها الكاعب الفضل (3) تكلمت عن هذا من قبل، وعداس- كما قيل- نصرانى من نينوى وانظر قصته فى السيرة الحلبية ص 278 ج 1.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يُذْكَرَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ، وَقَدْ قَدّمْنَا هَذَا الْخَبَرَ عَنْهَا، وَهُوَ فِي سِيَرِ التيمي لَمّا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ، وَفِي كِتَابِ الْمُعَيّطِي عَنْ أَشْهَبَ قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ التّسَمّي بِجِبْرِيلَ أَوْ مَنْ يُسَمّي بِهِ وَلَدَهُ، فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُعْجِبْهُ. مَعْنَى النّامُوسِ: وَقَوْلُ وَرَقَةَ: لَقَدْ جَاءَهُ النّامُوسُ الْأَكْبَرُ الّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى. النّامُوسُ: صَاحِبُ سِرّ الْمَلَكِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَاحِبُ سِرّ الْخَيْرِ، وَالْجَاسُوسُ: هُوَ صَاحِبُ سِرّ الشّرّ «1» ، وَقَدْ فَسّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَنْشَدَ: فَأَبْلِغْ يَزِيدَ إنْ عَرَضْت وَمُنْذِرًا ... عَمّهُمَا وَالْمُسْتَشِزّ الْمُنَامِسَا «2» لِمَ ذُكِرَ مُوسَى وَلَمْ يُذْكَرْ عِيسَى: وَإِنّمَا ذَكَرَ وَرَقَةُ مُوسَى وَلَمْ يَذْكُرْ عِيسَى، وَهُوَ أَقْرَبُ، لِأَنّ وَرَقَةَ كَانَ قَدْ تَنَصّرَ، وَالنّصَارَى لَا يَقُولُونَ فِي عِيسَى: إنّهُ نَبِيّ يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ، إنّمَا يَقُولُونَ فِيهِ: إنّ أُقْنُومًا «3» مِنْ الْأَقَانِيمِ الثّلَاثَةِ اللّاهُوتِيّةِ حَلّ بِنَاسُوتِ الْمَسِيحِ، وَاتّحَدَ بِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ الْحُلُولِ، وَهُوَ أُقْنُومُ الْكَلِمَةِ، وَالْكَلِمَةُ عِنْدَهُمْ: عِبَارَةٌ عَنْ الْعِلْمِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْمَسِيحُ عِنْدَهُمْ، يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَيُخْبِرُ بِمَا فِي غَدٍ، فَلَمّا كَانَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِ النّصَارَى الْكَذَبَةِ عَلَى اللهِ، الْمُدّعِينَ الْمُحَالِ، عدل عن ذكر

_ (1) جزم البخارى فى أحاديث الأنبياء أنه صاحب السر، وقال ابن دريد: صاحب الوحى، وأهل الكتاب يسمون جبريل: الناموس الأكبر. والخشنى يقول: أصل الناموس هو: صاحب سر الرجل فى خيره وشره. (2) البيت للكميت كما ذكر اللسان وفيه: «وعميهما، والمستسر» بدلا من «عمهما والمستشز» ومعنى المنامس: الداخل فى الناموس. (3) الأفنوم: كلمة رومية معناها: الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عِيسَى إلَى ذِكْرِ مُوسَى لِعِلْمِهِ، أَوْ لِاعْتِقَادِهِ أَنّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى مُوسَى، لَكِنْ وَرَقَةُ قَدْ ثَبَتَ إيمَانُهُ بِمُحَمّدِ عَلَيْهِ السّلَامُ «1» وَقَدْ قَدّمْنَا حَدِيثَ التّرْمِذِيّ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَآهُ فِي الْمَنَامِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. حَوْلَ هَاءِ السّكْتِ وَالْفِعْلِ تُدْرِكُ: وَقَوْلُ وَرَقَةَ: لَتُكَذّبَنّهْ، وَلَتُؤْذَيَنّهْ، وَلَا يُنْطَقُ بِهَذِهِ الْهَاءِ إلّا سَاكِنَةً لِأَنّهَا هَاءُ السّكْتِ، وَلَيْسَتْ بِهَاءِ إضْمَارٍ. وَقَوْلُهُ: إنْ أُدْرِكْ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَنْصُرْك نَصْرًا مُؤَزّرًا، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: إنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُك وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنّ وَرَقَةَ سَابِقٌ بِالْوُجُودِ، وَالسّابِقُ هُوَ الّذِي يُدْرِكُهُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: أَشْقَى النّاسِ مَنْ أَدْرَكَتْهُ السّاعَةُ وَهُوَ حَيّ، وَرِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ أَيْضًا لَهَا وجه، لأن المعنى: أنرى ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَسَمّى رُؤْيَتَهُ إدْرَاكًا، وَفِي التّنْزِيلِ:

_ (1) غير صواب قوله هذا، فإن الجن الذين سمعوا القرآن قالوا: (سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى) ، وخير أن نقول: إنه قال ذلك- كما ذكر الشيخ رشيد رضا رحمه الله فى الوحى المحمدى- لأن الشبه بين الوحى إلى موسى ومحمد عليهما السلام أتم؛ لأن كلامنهما أوتى شريعة تامة مستقلة فى عباداتها ومعاملاتها وسياستها وقوتها العسكرية، وعيسى عليه السلام كان تابعا لشريعة التوراة، وناسخا لبعض الأحكام التى يقتضيها الإصلاح، ومبشرا بالنبى الذى يأتى بعده بالشرع الكامل العام الدائم. ولهذا يرد ابن حجر فى فتح البارى بقوله: «أما ما تمحل له السهيلى من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى فى عدم نبوة عيسى ودعواهم أنه أحد الأقانيم، فهو محال لا يعرج عليه فى حق ورقة وأشباهه ممن لم يدخل فى التبديل ولم يأخذ عمن بدل» ص 29 ج 1 ط الحلبى وص 214 ج 1 شرح المواهب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ أَيْ: لَا تَرَاهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَقَوْلُهُ: مُؤَزّرًا مِنْ الْأَزْرِ وَهُوَ الْقُوّةُ وَالْعَوْنُ. شَرْحُ: أو مخرجى؟: فَصْلٌ: وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيّ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- قال لورقة: أو مخرجىّ هم. لابدّ مِنْ تَشْدِيدِ الْيَاءِ فِي مُخْرِجِيّ، لِأَنّهُ جَمْعٌ، وَالْأَصْلُ مُخْرِجُوِيَ فَأُدْغِمَتْ الْوَاوُ فِي الْيَاءِ «1» وَهُوَ خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مُقَدّمٌ، وَلَوْ كَانَ الْمُبْتَدَأُ اسْمًا ظاهر الجاز تَخْفِيفُ الْيَاءِ، وَيَكُونُ الِاسْمُ الظّاهِرُ فَاعِلًا لَا مُبْتَدَأً، كَمَا تَقُولُ: أَضَارِبٌ قَوْمُك، أَخَارِجٌ إخْوَتُك فَتَفَرّدَ، لِأَنّك رَفَعْت بِهِ فَاعِلًا، وَهُوَ حَسَنٌ فِي مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشِ، وَلَوْلَا الِاسْتِفْهَامُ مَا جَازَ الْإِفْرَادُ إلّا عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ، فَإِنّهُ يَقُولُ: قَائِمٌ الزّيْدُون دُونَ اسْتِفْهَامٍ، فَإِنْ كَانَ الِاسْمُ الْمُبْتَدَأُ مِنْ الْمُضَمّرَاتِ نَحْوُ: أَخَارِجٌ أَنْتَ، وَأَقَائِمٌ هُوَ؟ لَمْ يَصِحّ فِيهِ إلّا الِابْتِدَاءُ، لِأَنّ الْفَاعِلَ إذَا كَانَ مُضْمَرًا لَمْ يَكُنْ مُنْفَصِلًا لَا تَقُولُ: قَامَ أَنَا، وَلَا ذَهَبَ أنت

_ (1) فى المواهب: وأصله مخرجون لى حذفت اللام تخفيفا ونون الجمع للاضافة إلى ياء المتكلم، فصار: أو مخرجوى اجتمعت الواو والياء وسبقت الواو- بالسكون، فقلبت ياء، ثم أدغمت فى ياء المتكلم، وقلبت الضمة: كسرة لمناسبة الياء، والهمزة للاستفام. ولم يقل: وأمخرجى مع أن الأصل أن يجاء بالهمزة بعد العاطف نحو: فأين تذهبون؛ لاختصاص الهمزة بتقديمها على العاطف تنبيها على أصالتها نحو: أولم يسيروا؟ هذا مذهب سيبويه والجمهور» والاستفهام: إنكارى؛ لأنه استبعد إخراجه من وطنه وهو حرم الله من دون سبب يقتضيه وكذلك ورد فى ص 43 بدائع الفوائد ج 3 للامام ابن القيم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَذَلِكَ لَا تَقُولُ: أَذَاهِبٌ أَنْتَ عَلَى حَدّ الْفَاعِلِ وَلَكِنْ عَلَى الْمُبْتَدَإِ، وَإِذَا كَانَ عَلَى حد المبتدأ، فلابد مِنْ جَمْعِ الْخَبَرِ، فَعَلَى هَذَا تَقُولُ: أَمُخْرِجِيّ هم، تريد: مخرجون، ثم أضفت إلَى الْيَاءِ، وَحُذِفَتْ النّونُ، وَأُدْغِمَتْ الْوَاوُ كَمَا يَقْتَضِي الْقِيَاسُ. حَوْلَ الْيَافُوخِ وَالذّهَابِ إلَى وَرَقَةَ: فَصْلٌ: وَذُكِرَ أَنّ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ لَقِيَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَقَبّلَ يَافُوخَهُ قَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُ الْيَافُوخِ، وَأَنّهُ يَفْعُولُ مَهْمُوزٌ، وَأَنّهُ لَا يُقَالُ فِي رَأْسِ الطّفْلِ يَافُوخٌ حَتّى يَشْتَدّ وَإِنّمَا يُقَالُ لَهُ: الْغَاذِيَةُ، وَذَكَرْنَا قَوْلَ الْعَجّاجِ: ضَرْبٌ إذَا أَصَابَ الْيَآفِيخَ حَفَرٌ. وَلَوْ كَانَ يَافُوخٌ فَاعُولًا، كَمَا ظَنّ بَعْضُهُمْ لَمْ يَجُزْ هَمْزُهُ فِي الْوَاحِدِ. وَلَا فِي الْجَمْعِ «1» وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ «2» أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه

_ (1) هو فى اللسان فى مادة أفخ، وقال: هو حيث التقى عطم مقدم الرأس وعظم مؤخره، وهو الموضع الذى يتحرك من رأس الطفل. وفيه أيضا: قال الليث: من همز اليأفوخ؛ فهو على تقدير يفعول. ومن لم يهمز، فهو على تقدير فاعول من اليفخ، والهمز أصوب. وفى القاموس: أفخه: ضرب يافوخه والجمع: يوافيخ، وهذا يدل على أن أصله يفخ، ووهم الجوهرى فى ذكره هنا، وفى المعجم الوسيط جمعه: يوافيخ، ولكنه قال: اليافوخ: هو اليأفوخ وهو فجوة مغطاة بغشاء تكون عند تلاقى عظام الجمجمة، وهما يأفوخان، يأفوخ أمامى، ويأفوخ خلقى. (2) ذكره البخارى وغيره فى التابعين، ووثقه ابن معين وآخرون، وقد-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَسَلَّمَ. قَالَ لِخَدِيجَةَ: إنّي إذَا خَلَوْت وَحْدِي سَمِعْت نِدَاءً، وَقَدْ خَشِيت وَاَللهِ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا أَمْرٌ. قَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ مَا كَانَ الله ليفعل ذلك بك. فو الله إنّك لَتُؤَدّي الْأَمَانَةَ وَتَصِلُ الرّحِمَ. وَتُصَدّقُ الْحَدِيثَ، فلما دخل أبوبكر، وَلَيْسَ [عِنْدَهَا] رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ ذَكَرَتْ خَدِيجَةُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: يَا عَتِيقُ اذْهَبْ مَعَ مُحَمّدٍ إلَى وَرَقَةَ، فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- أخذ أبوبكر بِيَدِهِ. فَقَالَ: انْطَلِقْ بِنَا إلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ. فَقَالَ: وَمَنْ أَخْبَرَك؟ قَالَ: خَدِيجَةُ، فَانْطَلَقَا إلَيْهِ، فَقَصّا عَلَيْهِ، فَقَالَ: إنّي إذَا خَلَوْت وَحْدِي سَمِعْت نِدَاءً خَلْفِي: يَا مُحَمّدُ يَا مُحَمّدُ، فَأَنْطَلِقُ هَارِبًا فِي الْأَرْضِ. فَقَالَ لَهُ: لا تفعل، إذا أتاك فائبت، حَتّى تَسْمَعَ مَا يَقُولُ لَك. ثُمّ ائْتِنِي، فَأَخْبَرَنِي، فَلَمّا خَلَا نَادَاهُ: يَا مُحَمّدُ قُلْ: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ. حَتّى بَلَغَ: وَلَا الضّالّينَ. قُلْ: لَا إلَهَ إلّا اللهُ. فَأَتَى وَرَقَةَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ له، فقال له ورقة: أَبْشِرْ فَأَنَا أَشْهَدُ أَنّك الّذِي بَشّرَ بِهِ ابْنُ مَرْيَمَ، وَأَنّك عَلَى مِثْلِ نَامُوسِ مُوسَى، وَأَنّك نَبِيّ مُرْسَلٌ، وَأَنّك سَتُؤْمَرُ بِالْجِهَادِ بَعْدَ يَوْمِك هَذَا. وَلَئِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ لَأُجَاهِدَنّ مَعَك. فَلَمّا تُوُفّيَ وَرَقَةُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ رَأَيْت الْقَسّ فِي الْجَنّةِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابُ الْحَرِيرِ، لِأَنّهُ آمَنْ بِي وصدقنى، يعنى: ورقة، وفى رواية

_ - أخرج هذا الحديث البيهقى، وذكر أنه منقطع، وغرضه من سياقه بيان له معارض بحديث الصحيح فى أن أول ما نزل: اقرأ. والعجيب أن يحاول العينى التوفيق بين هذه المتضادات بأن خديجة أرسلته مرة مع الصديق، وذهبت هى به أخرى وسألت عداسا بمكة، وسافرت إلى بحيرى- كما روى التيمى- وهو توفيق يعتد به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يُونُسُ أَيْضًا أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ لِرَجُلِ سَبّ وَرَقَةَ: أَمَا عَلِمَتْ أَنّي رَأَيْت لِوَرَقَةِ جنّة أو جنتين، وهذا الحديث الأخبر قد أسنده البزار «1» . لقد خيشت عَلَى نَفْسِي: فَصْلٌ: وَفِي الصّحِيحِ أَنّهُ قَالَ لِخَدِيجَةَ: لَقَدْ خَشِيت عَلَى نَفْسِي، وَتَكَلّمَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْخَشْيَةِ بِأَقْوَالِ كَثِيرَةٍ، فَذَهَبَ أبوبكر الْإِسْمَاعِيلِيّ «2» إلَى أَنّ هَذِهِ الْخَشْيَةَ كَانَتْ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْعِلْمُ بِأَنّ الّذِي جَاءَهُ مَلَكٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَكَانَ أَشَقّ شَيْءٍ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ: مَجْنُونٌ، وَلَمْ يَرَ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَنّ هَذَا مُحَالٌ فِي مَبْدَإِ الْأَمْرِ؛ لِأَنّ الْعِلْمَ الضّرُورِيّ قَدْ لَا يَحْصُلُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَضَرَبَ مَثَلًا بِالْبَيْتِ مِنْ الشّعْرِ تَسْمَعُ أَوّلَهُ، فَلَا تَدْرِي أَنَظْمٌ هُوَ أَمْ نَثْرٌ، فَإِذَا اسْتَمَرّ الْإِنْشَادُ، عَلِمْت قَطْعًا أَنّهُ قَصَدَ بِهِ قَصْدَ الشّعْرِ، كَذَلِكَ لَمّا اسْتَمَرّ الْوَحْيُ وَاقْتَرَنَتْ بِهِ الْقَرَائِنُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيّ، حَصَلَ الْعِلْمُ الْقَطْعِيّ، وَقَدْ أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِهَذَا الْعِلْمِ فَقَالَ: (آمَنَ الرّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) إلَى قَوْلِهِ: (وملائكته وكتبه ورسله) فإبمانه بِاَللهِ وَبِمَلَائِكَتِهِ إيمَانٌ كَسْبِيّ مَوْعُودٌ عَلَيْهِ بِالثّوَابِ الْجَزِيلِ، كَمَا وَعَدَ عَلَى سَائِرِ أَفْعَالِهِ الْمُكْتَسِبَةِ كَانَتْ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ أَوْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ: لَقَدْ خَشِيت عَلَى نَفْسِي، أَيْ: خَشِيت أَلّا أَنْهَضَ بِأَعْبَاءِ النّبُوّةِ، وَأَنْ أَضْعُفَ عَنْهَا، ثُمّ أَزَالَ اللهُ خَشْيَتَهُ، وَرَزَقَهُ الْأَيْدَ وَالْقُوّةَ وَالثّبَاتَ وَالْعِصْمَةَ، وَقَدْ قِيلَ: إنّ خَشْيَتَهُ كَانَتْ مِنْ قَوْمِهِ أَنْ يَقْتُلُوهُ، وَلَا غَرْوَ، فَإِنّهُ بَشَرٌ يَخْشَى مِنْ الْقَتْلِ

_ (1) ورواه الحاكم فى مستدركه. وهذه رويات ساقطة لا يعتد بها. (2) أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الإسماعيلى الجرجانى، قال الحاكم: كان واحد عصره، وشيخ المحدثين والفقهاء مات 371.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْإِذَايَةِ الشّدِيدَةِ مَا يَخْشَاهُ الْبَشَرُ، ثُمّ يُهَوّنُ عَلَيْهِ الصّبْرُ فِي ذَاتِ اللهِ كُلّ خَشْيَةٍ، وَيَجْلِبُ إلَى قَلْبِهِ كُلّ شَجَاعَةٍ وَقُوّةٍ، وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى الْخَشْيَةِ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذِهِ رغبت عن التطويل بذكرها «1» .

_ (1) فى فتح البارى: «اختلف العلماء فى المراد بها على اثنى عشر قولا. أولها: الجنون، وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة. جاء مصرحا به فى عدة طرق، وأبطله أبوبكر بن العربى، وحق له أن يبطل، لكن حمله الإسماعيلى على أن ذلك حصل له قبل حصول العلم الضرورى له: أن الذى جاءه ملك، وأنه من عند الله تعالى. ثانيها: الهاجس وهو باطل أيضا، لأنه لا يستقر، وهذا استقر، وحصلت بينهما المراجعة، ثالثها: الموت من شدة الرعب، رابعها: المرض، وقد جزم به ابن أبى جمرة. خامسها: دوام المرض، سادسها: العجز عن حمل أعباء النبوة، سابعها: العجز عن النظر إلى الملك من الرعب، ثامنها: عدم الصبر على أذى قومه، تاسعها: أن يقتلوه، عاشرها: مفارقة الوطن، حادى عشرها: تكذيبهم إياه، ثانى عشرها: تعييرهم إياه، وأولى هذه الأقوال بالصواب وأسلمها من الارتياب: الثالث واللذان بعده، وما عداها معترض والله الموفق» ص 27 ج 1 ط الحلبى. هذا، ويحسن أن ننقل هنا بعض ما ورد فى الصحيحين حول هذا عن مشكاة المصابيح عن ابن عباس، قال: بعث رسول «ص» لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة، فهاجر عشر سنين، ومات، وهو ابن ثلاث وستين سنة. «متفق عليه» وعنه: قال: أقام رسول الله «ص» بمكة خمس عشرة سنة يسمع الصوت، ويرى الضوء سبع سنين، ولا يرى شيئا. وثمانى سنين يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشرا، وتوفى وهو ابن خمس وستين «متفق عليه» والأولى أضبط. «بدء الوحى» وعن عائشة رضى الله عنها: قالت: أول ما بدى به رسول الله «ص» من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - الوحى: الرؤيا الصادقة فى النوم، فكان لَا يَرَى رُؤْيَا إلّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه- وهو التعبد- الليالى ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاء الحق، وهو فى غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. فقال: ما أنا بقارىء. قال: فأخذنى فغطنى، حتى بلغ منى الجهد. ثم أرسلنى فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذنى، فغطنى الثالثة حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فَقَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبّكَ الْأَكْرَمُ الّذِي عَلّمَ بِالْقَلَمِ، عَلّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) فرجع بها رسول الله- ص- يرجف فؤاده، فدخل على خديجة، فقال: زملونى زملونى، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة- وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسى، فقالت خديجة: كلا، والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل ابن عم خديجة، فقالت: يابن عم. اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا بن أخى ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله- ص- خبر مارأى فقال ورقة: هذا هو الناموس الذى أنزل الله على موسى. ياليتنى فيها جذعا. يا ليتنى أكون حيا، إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله «ص» : أو مخرجى هم؟ قال: نعم. لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفى، وفتر الوحى «متفق عليه» وزاد البخارى فى حديث منقطع: «حتى حزن النبى- فيما بلغنا- وهو الزهرى راوى الحديث السابق عن عائشة، وأما هذا فرواه بلاغا، فهو لهذا منقطع- حزنا غدا منه مرارا كى يتردى من رؤس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكى يلقى نفسه منه، تبدى له جبريل، فقال: يا محمد: إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه» البخارى. وعن جابر: أنه سمع رسول الله يحدث عن فترة الوحى قال: فبينا أنا أمشى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصرى، فإذا الملك الذى جاءنى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض، فجئثت منه رعبا، حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلى، فقلت: زملونى زملونى، فزملونى فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ قُمْ فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر) ثم حمى الوحى وتتابع «متفق عليه» . كيفية الوحى: وعن عائشة أن الحارث بن هشام سأل رسول الله، فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحى؟ فقال رسول الله- ص- أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس- وهو أشده على- فيفصم عنى، وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا، فيكلمنى، فأعى ما يقول، قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصّد عرقا. مدة المجاورة: عن يحيى بن أبى كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن، قال: يا أيها المدثر، قلت: يقولون: اقرأ بسم ربك قال أبو سلمة: سألت جابرا عن ذلك، وقلت له مثل الذى قلت لى: فقال لى جابر: لا أحدثك إلا بما حدثنا به رسول الله- ص- قال: جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جوارى هبطت، فنوديت، فنظرت عن يمينى، فلم أر شيئا ونظرت عن شمالى فلم أر شيئا، ونظرت عن خلفى، فلم أر شيئا، فرفعت رأسى فرأيت شيئا، فأتيت خديجة، فقلت: دثرونى، قد ثرونى، وصبوا على ماء باردا. فنزلت: (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) وذلك قبل أن تفرض الصلاة: «متفق عليه ورواه الترمذى والنسائى» ونلحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتحنث بعد البعثة فى غار ما، فهى إذا ليست سنة شرعية، كان يعتكف فى المسجد العشر الأواخر من رمضان فحسب، ولو كان يريد عبادة، لتعبد فى البيت الحرام. إنما أراد البعد عن المجتمع الابق الشريد. ولكنه فى النبوة عاش فى هذا المجتمع يدعوه إلى الحق-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقاومه بالحق، لأن الفرار من المعركة إلى خلوة أو كهف ليس من شيمة الرسل ولا المسلمين. وإليك تفسير بعض ماورد فى الحديث: فلق الصبح: ضوءه وإنارته والصبح نفسه: شبه ما جاء فى اليقظة، ووجد فى الخارج مطابقا لما رآه فى النوم: بالصبح فى إنارته ووضوحه. «ما أنا بقارىء» ما: نافية، وقيل: إنها استفهامية، وضعف القاضى عياض هذا بدخول الباء فى خبرها، وهذه لا تدخل على ما الاستفهامية ولكن الأخفش يجوز دخول الباء على الخبر المثبت، وجزم به ابن مالك فى: بحسبك زيد، فجعل الخبر حسبك، والباء زائدة، وقد يقوى هذا ما ذكرته من قبل من روايات حول هذا. «غطنى» ثبت لفظ الغط ثلاثا. فى رواية البخارى للحديث فى يابى التعبير والتفسير، وسقطت الثانية فى بدء الوحى. «بلغ منى الجهد» تروى بفتح الجيم والنصب أى بلغ الغط منى غاية وسعى، وروى بضم الجيم والرفع، أى: بلغ منى الجهد مبلغه. «زملونى» غطونى بالثياب ولفونى بها «الروع» الفزع «كلا» نفى وإبعاد أى: لا تقل هذا ولا خوف عليك. «لا يخزيك» لا يهينك ولا يفضحك وللكشميهنى. يحزنك بالنون «تصل الرحم» تصل القرابة بإحسانك إليهم و «تحمل الكل» : أى تحمل الثقل من كل ما يتكلف، ويدخل فيه الإتفاق على الضعيف واليتيم والعيال وغير ذلك. «تكسب المعدوم» بفتح التاء، وروى بضمها أى: تعطى الناس ما لا يجدونه وتقرى الضيف: تهيء له طعامه وتنزله «وتعين على نوائب الحق» حوادث الحق، وهذه جامعة لكل ما سبق لغيره. وهى صفة جامعة لكل أعمال المروءة والبر والنجدة «ورقة ابن نوفل» وصفه الراوى فى رواية أخرى «وكان امرآ تنصر فى الجاهلية؛ وكان يكتب الكتاب العبرانى، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وفى رواية يونس ومعمر: ويكتب من الإنجيل بالعربية»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولمسلم: فكان يكتب الكتاب العربى، وجمع بين الروايات بانه كان يجيد الكتابة بتلك وبهذه. وإنما وصف بالكتابة- كما قيل- لأن حفظ التوراة والإنجيل لم يكن متيسرا. وقد وصف ورقة فى بعض الروايات: «وكان شيخا كبيرا قد عمى» . فقالت: «يابن عم» وقع فى مسلم: أى عم، وهو وهم، وقيل إنها قالت: ابن عم على حذف حرف النداء، فتصحفت بن بأى «من ابن أخيك» وقيل: قالت هذا، لأن عبد العزى الأب الثالث لورقة هو أخ لعبد مناف، وهو الأب الرابع للنبى فكأنها قالت: من ابن أخى جدك. وقيل: لأن والده عبد الله فى عدد النسب إلى قصى الذى يجتمعان فيه سواء، فكان من هذه الحيثية فى درجة إخوته، أو قالته على سبيل التوقير لسنه «جذعا» شابا، وأصل الجذع من أسنان الدواب وهو ما كان منها شابا فتيا «لم ينشب» لم يلبت. وهذا أصح مما روى من أن ورقة كان يمر على بلال وهو يعذب، وقد قيل: إن ورقة توفى فى السنة الثالثة من النبوة، وقيل: فى الرابعة، وزعم الواقدى أنه قتل ببلاد لخم وجذام، وقرر البلاذرى وغيره أنه دفن بمكة. «فتر الوحى» احتبس «يتردى» يسقط «شواهق الجبال» أى: طوالها، وهو العالى الممتنع «الرّجز» الأوثان. «صلصلة، صوت وأصلها وقوع الحديد بعضه على بعض، والصلصلة أشد من الصليل «يفصم عنى» ينفك وينجلى «يتفصد» يسيل تشبيها فى كثرته بالفصاد هذا وأول سورة نزلت: اقرأ، وقد ورد هذا عند الشيخين والترمذى والحاكم والبيهقى والطبرانى وسعيد بن منصور فى سننه. ولكن ورد فى الصحيحين أيضا فى حديث جابر أن يا أيها المدثر، هى أول ما نزل. قبل الفاتحة كما روى البيهقى، ويقول ابن حجر: الذى ذهب إليه أكثر الأئمة هو الأول.

ابتداء تنزيل القرآن

[ابتداء تنزيل القرآن] قال ابن إسحاق: فابتدىء رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالتّنْزِيلِ. فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، بِقَوْلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ، وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ البقرة: 185. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ القدر. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ الدخان: 1- 5. وَقَالَ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ الأنفال: 41. وَذَلِكَ مُلْتَقَى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ حُسَيْنٍ: أنّ رسول صلى الله عليه وسلم، التقى هو بو المشركون بِبَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ تَتَامّ الْوَحْيُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاَللهِ مُصّدّقٌ بِمَا جَاءَهُ مِنْهُ، قَدْ قَبِلَهُ بِقَبُولِهِ، وَتَحَمّلَ مِنْهُ مَا حَمَلَهُ عَلَى رِضَا الْعِبَادِ وَسَخَطِهِمْ، وَالنّبُوّةُ أَثْقَالٌ وَمُؤْنَةٌ، لَا يَحْمِلُهَا، وَلَا يَسْتَطِيعُ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام خديجة بنت خويلد

إلّا أَهْلُ الْقُوّةِ وَالْعَزْمِ مِنْ الرّسُلِ بِعَوْنِ اللهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ، لَمَا يَلْقَوْنَ مِنْ النّاسِ، وما يردّ عليهم مما جاؤا بِهِ عَنْ اللهِ سُبْحَانِهِ وَتَعَالَى. قَالَ: فَمَضَى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أَمْرِ اللهِ، عَلَى مَا يَلْقَى مِنْ قَوْمِهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالْأَذَى. [إسْلَامُ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ] وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَصَدّقَتْ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللهِ، وَوَازَرَتْهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَكَانَتْ أَوّلَ مَنْ آمَنْ بِاَللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَصَدّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ، فَخَفّفَ اللهُ بِذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، لَا يَسْمَعُ شَيْئًا مِمّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ، فَيُحْزِنُهُ ذَلِكَ، إلّا فَرّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا إذَا رَجَعَ إلَيْهَا، تُثَبّتُهُ، وَتُخَفّفُ عَلَيْهِ، وَتُصَدّقُهُ وَتُهَوّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ الناس، رحمها الله تعالى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أُمِرْتُ أَنْ أُبَشّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبٍ فِيهِ وَلَا نَصَبٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقَصَبُ هَهُنَا: اللّؤْلُؤُ المجوّف. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، أَنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فقال: أقرىء خَدِيجَةَ السّلَامَ مِنْ رَبّهَا، فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خَدِيجَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُك السّلَامَ مِنْ رَبّك، فَقَالَتْ خَدِيجَةَ: اللهُ السّلَامُ، وَمِنْهُ السّلَامُ، وَعَلَى جِبْرِيلَ السلام. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ فَتَرَ الْوَحْيِ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَتْرَةً مِنْ ذَلِكَ، حَتّى شَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَأَحْزَنَهُ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ بِسُورَةِ الضّحَى، يُقْسِمُ لَهُ رَبّهُ، وَهُوَ الّذِي أَكْرَمَهُ بِمَا أَكْرَمَهُ بِهِ، مَا وَدّعَهُ وَمَا قَلَاهُ، فَقَالَ تَعَالَى: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. يَقُولُ: مَا صَرَمَكَ فَتَرَكَك، وَمَا أَبْغَضَكَ مُنْذُ أَحَبّكَ. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى: أَيْ: لِمَا عِنْدِي مِنْ مَرْجِعِك إلَيّ، خَيْرٌ لَك مِمّا عَجّلْت لَك مِنْ الْكَرَامَةِ فِي الدّنْيَا. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى مِنْ الْفُلْجِ فِي الدّنْيَا، وَالثّوَابِ فِي الْآخِرَةِ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى. وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى يُعَرّفُهُ الله مَا ابْتَدَأَهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ فِي عَاجِلِ أَمْرِهِ، وَمَنّهِ عَلَيْهِ فِي يُتْمِهِ وعيلته وضلالته، واستقاذه من ذلك كله برحمته. قال ابن هشام: سجى: سكن. قَالَ أُمّيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ الثّقَفِيّ: إذْ أنى مَوْهِنَا وَقَدْ نَامَ صَحْبِي ... وَسَجَا اللّيْلُ بِالظّلَامِ الْبَهِيمِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَيُقَالُ لِلْعَيْنِ إذَا سَكَنَ طَرَفُهَا: سَاجِيَةٌ، وَسَجَا طَرَفُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ جَرِيرُ بْنُ الْخَطَفَى: وَلَقَدْ رَمَيْنَك- حِينَ رُحْن- بأعين ... يَقْتُلْنَ مِنْ خَلَلِ السّتُورِ سُوَاجِي وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْعَائِلُ: الْفَقِيرُ: قَالَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ: إلَى بَيْتِهِ يَأْوِي الضّرِيكُ إذَا شَتَا ... ومستنبح بالي الدريسين عائل وَجَمْعُهُ: عَالَةٌ وَعَيْلٌ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له، سأذكرها في موضعها- إن شاء الله، وَالْعَائِلُ أَيْضًا: الّذِي يَعُولُ الْعِيَالَ. وَالْعَائِلُ أَيْضًا: الْخَائِفُ. وَفِي كِتَابِ الله تَعَالَى: ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا النساء: 3. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: بِمِيزَانِ قِسْطٍ لَا يُخِسّ شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عائل وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، سَأَذْكُرُهَا- إنْ شَاءَ اللهُ- فِي مَوْضِعِهَا. وَالْعَائِلُ أَيْضًا: الشّيْءُ المثقل المعيى. يَقُولُ الرّجُلُ: قَدْ عَالَنِي هَذَا الْأَمْرُ: أَيْ أثقلنى وأعيانى، قال الْفَرَزْدَقِ: تَرَى الْغُرّ الْجَحَاجِحَ مِنْ قُرَيْشٍ ... إذَا مَا الْأَمْرُ فِي الْحَدَثَانِ عَالَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ: أَيْ لَا تَكُنْ جَبّارًا وَلَا مُتَكَبّرًا، وَلَا فَحّاشًا فَظّا عَلَى الضّعَفَاءِ مِنْ عِبَادِ اللهِ. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ: أَيْ: بِمَا جَاءَك مِنْ اللهِ مِنْ نِعْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ مِنْ النّبُوّةِ فَحَدّثْ، أَيْ اُذْكُرْهَا، وَادْعُ إلَيْهَا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْعِبَادِ بِهِ مِنْ النّبُوّةِ سِرّا إلَى من يطمئنّ إليه من أهله. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَتَى نَزَلَ الْقُرْآنُ؟ فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ الْبَقَرَةُ: 185. إلَى آخِرِ الْآيَةِ، مُسْتَشْهِدًا بِذَلِكَ عَلَى أَنّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَهَذَا يَحْمِلُ تَأْوِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بَدْءَ النّزُولِ وَأَوّلَهُ؛ لِأَنّ الْقُرْآنَ نَزَلَ فِي أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، وَالثّانِي: مَا قَالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ: أَنّهُ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً إلَى سَمَاءِ الدّنْيَا، فَجَعَلَ فِي بَيْتِ الْعِزّةِ مَكْنُونًا فِي الصّحُفِ الْمُكَرّمَةِ، الْمَرْفُوعَةِ الْمُطَهّرَةِ، ثُمّ نَزَلَتْ مِنْهُ الْآيَةُ بَعْدَ الْآيَةِ، وَالسّورَةُ بَعْدَ السّورَةِ فِي أَجْوِبَةِ السّائِلِينَ، وَالنّوَازِلِ الْحَادِثَةِ إلَى أَنْ تُوُفّيَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذَا التّأْوِيلُ أَشْبَهُ بِالظّاهِرِ، وَأَصَحّ فِي النّقْلِ وَاَللهُ أَعْلَمُ «1» .

_ (1) نزول القرآن جملة واحدة إلى بيت العزة، أو إلى سماء الدنيا: كلام لا سند له. والصحيح وحده هنا هو ماورد فى القرآن: «شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» . «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» ، «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ» وآيات القرآن فى وضوح جميل جليل يفقهها ذو الفطرة السليمة التى لم يفسدها جدل الكلام وسفسطته. وهى تؤكد أنه بدأ نزول القرآن فى رمضان فى ليلة القدر منه. وقوله تعالى: «وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ» يشير إلى أن تاريخ ليلة القدر هو تاريخ ليلة بدر. وبدر كما يقال كانت فى السابع عشر من رمضان. ولهذا يقال إن ابتداء نزول القرآن كان فى السابع عشر من رمضان. وإذا رجعنا إلى الأحاديث نستخبرها نبأ ليلة القدر التى فيها نزل القرآن، فإننا سنجد ما يأتى: قيل: وإنها فى الوتر من العشر الأواخر من رمضان «البخارى» فى السبع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَوْلُ إضَافَةِ شَهْرٍ إلَى رَمَضَانَ: فَصْلٌ: وَفِي قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ فَذَكَرَ الشّهْرَ مُضَافًا إلَى رَمَضَانَ، وَاخْتَارَ الْكُتّابُ وَالْمُوَثّقُونَ النّطْقَ بِهِ بِهَذَا اللّفْظِ دُونَ أَنْ يَقُولُوا: كُتِبَ فِي رَمَضَانَ، وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيّ وَالنّسَوِيّ «1» عَلَى جَوَازِ اللّفْظَيْنِ جَمِيعًا وَأَوْرَدَا حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَامَ رمضان، وإذا

_ - الأواخر من رمضان «متفق عليه» فى تاسعة تبقى من العشر الأواخر أو فى سابعة، أو فى خامسة «البخارى» فى الليلة الحادية والعشرين من رمضان «البخارى» فى الليلة الثالثة والعشرين «مسلم» فى الليلة السابعة والعشرين «مسلم وأحمد وأبو داود والترمذى» فى التاسعة أو السابعة أو الخامسة «البخارى» بل ما من ليلة من ليالى رمضان سوى قلة قليلة إلا ورد فيها ما يفيد أنها ليلة القدر، ولهذا اختلف العلماء فى شأنها على أقوال كثيرة، ذكر منها فى فتح البارى ما لم يذكر غيره، وقد ذكرها الشوكانى باختصار فى نيل الأوطار، فكانت خمسة وأربعين قولا، منها: أنها رفعت وهو قول الشيعة والفاكهانى من الحنفية، ومنها: أنها خاصة بسنة واحدة، وقعت فى زمنه صلى الله عليه وسلم، ومنها أنها خاصة بهذه الأمة، ومنها أنها ممكنة فى جميع السنة، وهو المشهور عن الحنفية وجماعة من السلف، ومنها أنها فى ليلة معينة مبهمة، ومنها: أنها أول ليلة من رمضان حكى عن أبى رزين، ومنها أنها ليلة النصف من شعبان، أو النصف من رمضان، أو ليلة سبع عشرة من رمضان الخ ... انظر ص 272 ح 4 نيل الأوطار ط عثمان خليفة. وحير ما يقول البغوى: «أبهم الله تعالى هذه الليلة على الأمة، ليجتهدوا فى العبادة ليالى شهر رمضان طمعا فى إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة فى يوم الجمعة، وأخفى الصلاة الوسطى فى الصلوات الخمس» تفسير الخازن والبغوى لسورة القدر (1) هو أبو العباس الحسن بن سفيان النسوى، وله مسند مشهور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جَاءَ رَمَضَانُ، وَلَمْ يَقُلْ: شَهْرَ رَمَضَانَ، وَقَدْ بَيّنْت أَنّ لِكُلّ مَقَامٍ مَقَامُهُ، وَلَا بُدّ مِنْ ذِكْرِ شَهْرٍ فِي مَقَامٍ، وَمَنْ حَذَفَهُ فِي مَقَامٍ آخَرَ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِهِ إذَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ، وَالْحِكْمَةُ أَيْضًا فِي حَذْفِهِ إذَا حُذِفَ مِنْ اللّفْظِ، وَأَيْنَ يَصْلُحُ الْحَذْفُ، وَيَكُونُ أَبْلَغَ مِنْ الذّكْرِ، كُلّ هَذَا مُبَيّنٌ فِي كِتَابِ «نَتَائِجِ الْفِكْرِ» ، فَهُنَاكَ أَوْرَدْنَا فِيهِ فَوَائِدَ تَعْجِزُ عَنْهَا هِمَمُ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ. أَدْنَاهَا تُسَاوِي رِخْلَةً عِنْدَ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهَا، غَيْرَ أَنّا نُشِيرُ إلَى بَعْضِهَا، فَنَقُولُ: قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَمِمّا لَا يَكُونُ الْعَمَلُ إلّا فِيهِ كُلّهِ: الْمُحَرّمُ وَصَفَرٌ، يُرِيدُ أَنّ الِاسْمَ الْعَلَمَ يَتَنَاوَلُ اللّفْظَ كُلّهُ، وَذَلِكَ إذَا قُلْت: الْأَحَدُ أَوْ الِاثْنَيْنِ، فَإِنْ قُلْت يَوْمَ الْأَحَدِ أَوْ شَهْرُ الْمُحَرّمِ كَانَ ظَرْفًا، وَلَمْ يَجْرِ مَجْرَى الْمَفْعُولَاتِ، وَزَالَ الْعُمُومُ مِنْ اللّفْظِ، لِأَنّك تُرِيدُ: فِي الشّهْرِ وَفِي الْيَوْمِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَقُلْ شَهْرَ رَمَضَانَ؛ لِيَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ كُلّهِ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى بَعْضِ تِلْكَ الْفَوَائِدِ الّتِي أَحَكَمْنَاهَا فِي غير هذا الكتاب. حب الرسول «ص» وَطَنَهُ: بَقِيّةٌ مِنْ حَدِيثِ وَرَقَةَ، وَذَلِكَ أَنّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَتُكَذّبَنّهْ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، ثُمّ قَالَ: وَلَتُؤْذَيَنّهْ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا، ثُمّ قَالَ: وَلَتُخْرَجَنّهْ، فَقَالَ: أو مخرحىّ هُمْ؟ فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبّ الْوَطَنِ وَشِدّةِ مُفَارَقَتِهِ عَلَى النّفْسِ، وَأَيْضًا فَإِنّهُ حَرَمُ اللهِ وَجِوَارُ بَيْتِهِ، وَبَلْدَةُ أَبِيهِ إسْمَاعِيلَ، فَلِذَلِكَ تحركت نفسه عند ذكر لخروج منه مالم تتحرك قبل ذلك، فقال: أو مخرجىّ هُمْ؟ وَالْمَوْضِعُ الدّالّ عَلَى تَحَرّكِ النّفْسِ وَتَحَرّقِهَا إدْخَالُ الْوَاوِ بَعْدَ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ اخْتِصَاصِ الْإِخْرَاجِ بِالسّؤَالِ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنّ الْوَاوَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تُرَدّ إلَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدّمِ، وَتُشْعِرُ الْمُخَاطَبَ بِأَنّ الِاسْتِفْهَامَ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ، أَوْ التّفَجّعِ لِكَلَامِهِ أَوْ التّأَلّمِ مِنْهُ. ذِكْرُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَسَنٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حَسَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَوْلُهُ: حَدّثَتْنِي أُمّي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ أَنّ خَدِيجَةَ أَدَخَلَتْهُ بَيْنَ ثَوْبِهَا. الْحَدِيثَ «1» عَبْدُ اللهِ هَذَا هُوَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ حَسَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُمّهُ: فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ أُخْتُ سُكَيْنَةَ، وَاسْمُهَا: آمِنَةُ، وَسُكَيْنَةُ لَقَبٌ لَهَا الّتِي كَانَتْ ذَاتَ دُعَابَةٍ وَمَزْحٍ، وَفِي سُكَيْنَةَ وَأُمّهَا الرّبَابِ يَقُولُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ: كَأَنّ اللّيْلَ مَوْصُولٌ بِلَيْلِ ... إذَا زَارَتْ سُكَيْنَةُ وَالرّبَابُ «2» أى: زادت قَوْمُهَا، وَهُمْ: بَنُو عُلَيْمِ بْنِ جَنَابٍ مِنْ كلب، ثم من بنى

_ (1) رواه الطبرانى فى الأوسط. (2) من قصيدة تنسب إلى الحسين فى سكينة ابنته وأمها الرباب زوجته، منها: لعمرك إننى لأحب دارا ... تضيفها سكينة والرباب أحبهما وأبذل بعد مالى ... وليس للائمى فيها عتاب ولست لهم وإن عتبوا مطيعا ... حياتى، أو يغيا بنى التراب وهى فى الأغانى، ومقاتل الطالبيين، وفى نسب قريش «انظر ص 59 نسب قريش ط 1»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَعْبِ بْنِ عُلَيْمٍ «1» ، وَيُعْرَفُ بَنُو كَعْبِ بْنِ عُلَيْمٍ بِبَنِي زَيْدَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ؛ لِأَنّهُ اسْمُ أُمّهِمْ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ حَسَنٍ هُوَ وَالِدُ الطّالِبِيّيْنِ الْقَائِمَيْنِ عَلَى بَنِي الْعَبّاسِ، وَهُمْ: مُحَمّدٌ وَيَحْيَى وَإِدْرِيسُ «2» مَاتَ إدْرِيسُ بِإِفْرِيقِيّةَ فَارّا مِنْ الرّشِيدِ، وَمَاتَ مَسْمُومًا فِي دُلَاعَةٍ «3» أَكَلَهَا، وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الزّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: قَالَ آدَمُ عَلَيْهِ السّلَامُ: مِمّا فَضَلّ بِهِ عَلِيّ ابْنَيْ صَاحِبِ الْبَعِيرِ أَنّ زَوْجَهُ كَانَتْ عَوْنًا لَهُ عَلَى تَبْلِيغِ أَمْرِ اللهِ، وَأَنّ زَوْجِي كَانَتْ عَوْنًا لِي عَلَى الْمَعْصِيَةِ «4» . حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ خَدِيجَةَ: فَصْلٌ: وَذِكْرُ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَنّ يُبَشّرُ خَدِيجَةَ بِبَيْتِ مِنْ قصب، لا صخب

_ (1) والرباب أم سكينة هى بنت امرىء القيس بن عدى بن أوس بن جابر ابن كعب بن عليم بن جناب. (2) خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن على أبى جعفر المنصور بالمدينة، وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة، فقتلهما عيسى بن موسى، أما أخوهما موسى، فاختفى بالبصرة، فعثر عليه، فعفا عنه المنصور، أما سليمان أخوهم فقتل بفخ فى خلافة موسى، أما أخوهم إدريس فقام بالمغرب، وبه مات، أما يحيى فقام بالديلم، ولكل منهم عقب سوى عيسى، ومن أولاد عبد الله بن حسن: فاطمة وزينب ورقية. انظر ص 53 نسب قريش ط 1 وجمهرة ابن حزم ص 39 ط 1. (3) ضرب من محار البحر. (4) من أين جاء بهذا؟.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِيهِ، وَلَا نَصَبٍ. هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ «1» ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُتّصِلًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا غِرْت عَلَى أَحَدٍ مَا غِرْت عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ هَلَكْت قَبْلَ أَنْ يَتَزَوّجَنِي رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَقَدْ أَمَرَ أَنْ يُبَشّرُهَا بِبَيْتِ مِنْ قَصَبٍ فِي الْجَنّةِ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ حَمْرَاءَ الشّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَك اللهُ خَيْرًا مِنْهَا، فَغَضِبَ، وَقَالَ: وَاَللهِ مَا أَبْدَلَنِي اللهُ خَيْرًا مِنْهَا؛ آمَنَتْ بِي حِينَ كَذّبَنِي النّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا حِينَ حَرَمَنِي النّاسُ، وَرُزِقْت الْوَلَدَ مِنْهَا، وَحُرِمْته مِنْ غَيْرِهَا، وَرَوَى يُونُسُ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ ابن أيمن المخزومى، قال: حدثنا أبو تجيح قَالَ: أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزُورٌ أَوْ لَحْمٌ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَظْمًا مِنْهَا، فَنَاوَلَهُ الرّسُولُ بِيَدِهِ؛ فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا إلَى فُلَانَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ غَمَرْت «2» يَدَك؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُغْضَبًا: إنّ خَدِيجَةَ أَوْصَتْنِي بِهَا، فَغَارَتْ عَائِشَةُ، وَقَالَتْ: لَكَأَنّهُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ امْرَأَةٌ إلّا خَدِيجَةَ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُغْضَبًا، فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللهُ ثُمّ رَجَعَ، فَإِذَا أُمّ رُومَانَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ: مَا لَك وَلِعَائِشَةَ؟! إنّهَا حَدَثَةٌ، وَإِنّك أَحَقّ مَنْ تَجَاوَزَ عَنْهَا، فَأَخَذَ بِشِدْقِ عَائِشَةَ، وَقَالَ: أَلَسْت الْقَائِلَةَ: كَأَنّمَا لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ امْرَأَةٌ إلّا

_ (1) رواه أحمد وأبو يعلى والطبرانى ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد وردت البشارة فى حديث رواه الشيخان والترمذى.. ويقول ابن الأثير: «لم يتقدمها رجل ولا امرأة بإجماع المسلمين» ص 237 ح 1 مواهب. (2) الغمر بالتحريك: زنخ اللحم، وما يعلق باليد من دسمه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَدِيجَةُ، وَاَللهِ لَقَدْ آمَنَتْ بِي إذْ كَفَرَ قَوْمُك، وَرُزِقْت مِنّي الْوَلَدُ وَحُرِمْتُمُوهُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: خَيْرُ نِسَائِهَا: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا: خَدِيجَةُ، وَالْهَاءُ فِي نِسَائِهَا حِينَ ذَكَرَ مَرْيَمَ عَائِدَةً عَلَى السّمَاءِ، وَالْهَاءُ فِي نِسَائِهَا حِينَ ذَكَرَ خَدِيجَةَ عَائِدَةٌ عَلَى الْأَرْضِ، وَذَلِكَ أَنّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ وَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ فِي آخَرَيْنِ، وَأَشَارَ وَكِيعٌ مِنْ بَيْنَهُمْ حِينَ حَدّثَ بِالْحَدِيثِ بِإِصْبَعِهِ إلَى السّمَاءِ عِنْدَ ذِكْرِ مَرْيَمَ، وَإِلَى الْأَرْضِ عِنْدَ ذِكْرِ خَدِيجَةَ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ لَيْسَتْ مِنْ رَأْيِهِ، وإنما هى زيادة فى حَدِيثِهِ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى إشَارَتِهِ إلَى السّمَاءِ وَالْأَرْضِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا، أَيْ: هُمَا خَيْرُ نِسَاءٍ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهَذَا أَثْبَتُ عِنْدِي بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَلَعَلّنَا أَنْ نَذْكُرَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي التّفْضِيلِ بَيْنَ مَرْيَمَ وَخَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُنّ- وَأَزْوَاجِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا نَزَعَ بِهِ كُلّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ. حَوْلَ مَا بُشّرَتْ بِهِ خَدِيجَةُ: وأما قوله: ببيت من قصب، فقدرواه الْخَطّابِيّ مُفَسّرًا، وَقَالَ فِيهِ: قَالَتْ خَدِيجَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ فِي الْجَنّةِ قَصَبٌ؟ فَقَالَ: إنّهُ قَصَبٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ مُجَبّى. قَالَ الْخَطّابِيّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: مُجَوّبًا مِنْ قَوْلِك: جُبْت الثّوْبَ إذَا خَرَقْته، فَيَكُونُ مِنْ الْمَقْلُوبِ، ويجوز أن يكون الأصل محبّبا بِبَاءَيْنِ مِنْ الْجُبّ وَهُوَ الْقَطْعُ أَيْ: قُطِعَ دَاخِلُهُ «1» ، وَقُلِبَتْ الْبَاءُ يَاءً، كَمَا قَالُوا: تَظَنّيْتُ من

_ (1) هو فى السيرة: مجوف. وفى النهاية لابن الأثير: وقيل: هو من الجوب وهو نقير يجمع فيه الماء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الظّنّ، وَتَقَصّيْت أَظْفَارِي، وَتَكَلّمَ أَصْحَابُ الْمَعَانِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالُوا: كَيْفَ لَمْ يُبَشّرْهَا إلّا بِبَيْتِ، وَأَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يُعْطَى مَسِيرَةَ أَلْفِ عَامٍ فِي الْجَنّةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ، وَكَيْفَ لَمْ يُنْعِتْ هَذَا الْبَيْتَ بِشَيْءِ مِنْ أَوْصَافِ النّعِيمِ وَالْبَهْجَةِ أَكْثَرَ مِنْ نَفْيِ الصّخَبِ وَهُوَ: رَفْعُ الصّوْتِ، فَأَمّا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ، فَقَالَ فِي كِتَابِ فَوَائِدِ الْأَخْبَارِ لَهُ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنّهُ بُشّرَتْ بِبَيْتِ زَائِدٍ عَلَى مَا أَعَدّ اللهُ لَهَا مِمّا هُوَ ثَوَابٌ لِإِيمَانِهَا وَعَمَلِهَا؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ، أَيْ: لَمْ تَنْصِبْ فِيهِ، وَلَمْ تَصْخَبْ. أَيْ: إنّمَا أَعْطَيْته زِيَادَةً عَلَى جَمِيعِ الْعَمَلِ الّذِي نَصَبَتْ فِيهِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللهُ: لَا أَدْرِي مَا هَذَا التّأْوِيلُ، وَلَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَلَا يُوجَدُ شَاهِدٌ يُعَضّدُهُ، وَأَمّا الْخَطّابِيّ، فَقَالَ: الْبَيْتُ هَاهُنَا عِبَارَةٌ عَنْ قَصْرٍ، وَقَدْ يُقَالُ لِمَنْزِلِ الرّجُلِ: بَيْتُهُ، وَاَلّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ، يُقَالُ فِي الْقَوْمِ: هُمْ أَهْلُ بَيْتِ شَرَفٍ وَبَيْتِ عِزّ، وَفِي التّنْزِيلِ: (غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ولكن لذكر البيت ههنا بِهَذَا اللّفْظِ وَلِقَوْلِهِ: بِبَيْتِ، وَلَمْ يَقُلْ: بِقِصَرِ مَعْنًى لَائِقٍ بِصُورَةِ الْحَالِ، وَذَلِكَ أَنّهَا كَانَتْ رَبّةَ بَيْتِ إسْلَامٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَرْضِ بَيْتُ إسْلَامٍ إلّا بَيْتَهَا حِينَ آمَنَتْ، وَأَيْضًا فَإِنّهَا أَوّلُ مَنْ بَنَى بَيْتًا فِي الْإِسْلَامِ بِتَزْوِيجِهَا رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَغْبَتِهَا فِيهِ، وَجَزَاءُ الْفِعْلِ يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ أَشْرَفَ مِنْهُ لِمَا جَاءَ: «مَنْ كَسَا مُسْلِمًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنّةِ، وَمَنْ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَإِ سَقَاهُ اللهُ مِنْ الرّحِيق «1» ، وَمِنْ هَذَا الْبَابُ قوله عليه السلام: من نبىّ لله

_ (1) روايته: أنما مسلم كسا مسلما ثوبا على عرى كساء الله تعالى من خضر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَسْجِدًا بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنّةِ «1» لَمْ يَرِدْ مِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ مَسْجِدًا، وَلَا فِي صِفّتِهِ وَلَكِنْ قَابِلٌ الْبُنْيَانِ بِالْبُنْيَانِ، أَيْ كما بنى يا بنى لَهُ، كَمَا قَابِلُ الْكِسْوَةِ بِالْكِسْوَةِ وَالسّقْيَا، بِالسّقْيَا، فَهَاهُنَا وَقَعَتْ الْمُمَاثَلَةُ، لَا فِي ذَاتِ الْمَبْنِيّ أو المكسوّ، وإذا ثبت هذا، فمن ههنا اقْتَضَتْ الْفَصَاحَةُ أَنْ يُعَبّرَ لَهَا عَمّا بُشّرَتْ بِهِ بِلَفْظِ الْبَيْتِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا لَا عَيْنَ رَأَتْهُ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْهُ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَمِنْ تَسْمِيَةِ الْجَزَاءِ عَلَى الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ فِي عَكْسِ مَا ذَكَرْنَاهُ قوله تعالى: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ) «2» .

_ - الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله تعالى يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق المختوم» ويقول المنذرى عنه: رواه أبو داود من رواية أبى خالد بن يزيد بن عبد الرحمن الدلانى، وحديثه حسن، والترمذى: بتقديم وتأخير، وقال: حديث غريب، وقد روى موقوفا على أبى سعيد، وهو أصح وأشبه، ورواه ابن أبى الدنيا فى كتاب اصطناع المعروف موقوفا على ابن مسعود. (1) البخارى ومسلم وأحمد والترمذى وابن ماجة عن عثمان، وفيه: «يبتغى به وجه الله» . (2) يقول الذين يؤولون الصفات التى ورد بها القرآن عن الايات التى جاء فيها نسبة الكيد والاستهزاء والنسيان إلى الله ما يأتى: «هذا كله إنما يحسن على وجه المقابلة، ويحسن أن يضاف إلى الله تعالى ابتداء، فيقال: إنه يمكر ويكيد ويخادع وينسى، ولو كان حقيقة لصلح إطلاقه مفردا عن مقابله كما يصح أن يقال: يسمع ويرى ويعلم ويقدر» ويزد ابن القيم ردا طيبا فى الصواعق المرسلة، فيقول: «الصواب أن معانيها- أى الكيد وخلافه- تنقسم إلى محمود ومذموم، فالمذموم منها يرجع إلى الظلم والكذب ... فما كان منها متضمنا للكذب والظلم، فهو

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا قَوْلُهُ: لَا صَخَبَ فِيهِ، وَلَا نَصَبَ، فَإِنّهُ أَيْضًا مِنْ بَابِ مَا كُنّا بِسَبِيلِهِ،

_ مذموم، وما كان منها بحق وعدل ومجازاة على القبيح، فهو حسن محمود، فإن المخادع إذا خادع بباطل وظلم حسن من المجازى له أن يخدعه بحق وعدل، وكذلك إذا مكر واستهزأ ظالما متعديا، كان المكربه والاستهزاء عدلا حسنا، كما فعله الصحابة بكعب بن الأشرف، وابن أبى الحقيق، وأبى رافع وغيرهم ممن كان يعادى رسول الله «ص» فخادعوه حتى كفوا شره وأذاه بالقتل، وكان هذا الخداع والمكر نصرة لله ورسوله.. وجزاء المسىء بمثل إساءته جائز فى جميع الملل مستحسن فى جميع العقول؛ ولهذا كاد سبحانه ليوسف حين أظهر لإخواته ما أبطن خلافه جزاء لهم على كيدهم له مع أبيه، حيث أظهروا أمرا وأبطنوا خلافه، ثم قرر أن هذه الأفعال لا يجوز ذمها على الإطلاق، ولا مدحها على الإطلاق، كما لا يجوز أن يشتق منها أسماء وصفات لله سبحانه؛ لأن الله لا يوصف إلا بالأنواع المحمودة على الإطلاق، ولهذا لم يرد فى أسمائه الحسنى: المريد أو المتكلم أو الفاعل أو الصانع؛ لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم، فلا يجوز مطلقا اشتقاق الماكر والمخادع والمستهزىء مما ورد فى الايات، وتسمية الله بها، لأنه سبحانه لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق.. فلا يكون الاستهزاء والمكر والخداع منه قبيحا البتة، فلا يمتنع وصفه به ابتداء لا على سبيل المقابلة.. فإطلاق ذلك عليه سبحانه على حقيقته دون مجازاة؛ إذ الموجب للمجاز منتف» وأقول: كل مسلم يتدبر القرآن لا يشعر أبدا بمثل ما يفتريه المعطلة والجهمية ولا يخر على آياته أصم أعمى، ويغمر قلبه اليقين بأن الله الذى من علينا فعلمنا البيان يستحيل أن تحكم عليه بأنه أخطأ فى البيان عن صفاته وأسمائه وأفعاله، أو أراد أن يضللنا بألفاظ لا يراد بها معانيها التى لها فى لغة القرآن، فلنصف الله بما وصف به نفسه، ولنسمه بما سمى به نفسه، ولننسب إليه ما نسبه هو إلى نفسه جل جلاله دون تأويل أو تحريف أو تمثيل أو تشبيه أو تعطيل لشىء من هذا كله فإننا نؤمن بأن قوله- سبحانه- هو الحق، وأنه ليس كمثله شىء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِأَنّهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- دَعَاهَا إلَى الْإِيمَانِ، فَأَجَابَتْهُ عَفْوًا، لَمْ تُحْوِجْهُ إلَى أَنْ يَصْخَبَ كَمَا يَصْخَبُ الْبَعْلُ إذَا تَعَصّتْ عَلَيْهِ حَلِيلَتُهُ، وَلَا أَنْ يَنْصِبَ، بَلْ أَزَالَتْ عَنْهُ كُلّ نَصَبٍ، وَآنَسَتْهُ مِنْ كُلّ وَحْشَةٍ، وَهَوّنَتْ عَلَيْهِ كُلّ مَكْرُوهٍ، وَأَرَاحَتْهُ بِمَا لَهَا مِنْ كُلّ كَدّ وَنَصَبٍ، فَوَصَفَ مَنْزِلَهَا الّذِي بُشّرَتْ بِهِ بِالصّفّةِ الْمُقَابِلَةِ لِفَعَالِهَا وَصُورَتِهِ. وَأَمّا قَوْلُهُ: مِنْ قَصَبٍ، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا، وَلَكِنْ فِي اخْتِصَاصِهِ هَذَا اللّفْظِ مِنْ الْمُشَاكَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمُقَابِلَةِ بِلَفْظِ الْجَزَاءِ لِلَفْظِ الْعَمَلِ أَنّهَا- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- كَانَتْ قَدْ أَحْرَزَتْ قَصَبَ السّبْقِ إلَى الْإِيمَانِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الرّجَالِ وَالنّسْوَانِ. وَالْعَرَبُ تُسَمّي السّابِقَ مُحْرِزًا لِلْقَصْبِ. قَالَ الشّاعِرُ: مَشَى ابْنُ الزّبَيْرِ الْقَهْقَرَى، وَتَقَدّمَتْ ... أُمَيّةُ حَتّى أَحْرَزُوا الْقَصَبَاتِ فَاقْتَضَتْ الْبَلَاغَةُ أَنْ يَعْبُرَ بِالْعِبَارَةِ الْمُشَاكِلَةِ لِعَمَلِهَا فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الحديث فتأمله الموازنة بين خديجة وعائشة: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَدِيجَةَ: هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُك السّلَامَ مِنْ رَبّك. الْحَدِيثُ «1» يُذْكَرُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بن داود أنه

_ (1) فى الحديث المتفق عليه عن أبى هريرة: «أتى جبريل النبى «ص» فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام وطعام، فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى، وبشرها ببيت فى الجنة مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبٍ فِيهِ وَلَا نَصَبٍ» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سُئِلَ: أَعَائِشَةُ أَفَضْلُ، أَمْ خَدِيجَةَ؟ فَقَالَ: عَائِشَةُ أَقْرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّلَامَ مِنْ جِبْرِيلَ «1» ، وَخَدِيجَةُ أَقْرَأَهَا جِبْرِيلُ السّلَامَ مِنْ رَبّهَا عَلَى لِسَانِ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهِيَ أَفَضْلُ، قِيلَ لَهُ: فَمَنْ أَفْضَلُ، أَخَدِيجَةُ أَمْ فَاطِمَةُ؟ فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- قال: إن فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنّي «2» فَلَا أَعْدِلُ بِبَضْعَةِ مِنْ رَسُولِ اللهِ أَحَدًا، وَهَذَا اسْتِقْرَاءٌ حَسَنٌ، وَيَشْهَدُ لِصِحّةِ هَذَا الِاسْتِقْرَاءِ أَنّ أَبَا لُبَابَةَ حِينَ ارْتَبَطَ نَفْسُهُ، وَحَلَفَ أَلّا يَحِلّهُ إلّا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ لِتَحِلّهُ، فَأَبَى مِنْ أَجْلِ قَسَمِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّمَا فَاطِمَةُ مُضْغَةٌ مِنّي، فَحَلّتْهُ وَسَنَذْكُرُ الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ فِي مَوْضِعِهِ، إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَيَدُلّ أَيْضًا عَلَى تَفْضِيلِ فَاطِمَةَ قَوْلُهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- لَهَا: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ «3» إلّا مَرْيَمَ؟ فَدَخَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أُمّهَا وَأَخَوَاتُهَا، وَقَدْ تَكَلّمَ النّاسُ فِي الْمَعْنَى الّذِي سَادَتْ بِهِ فَاطِمَةُ غَيْرَهَا دُونَ أَخَوَاتِهَا، فَقِيلَ: إنّهَا وَلَدَتْ سَيّدَ هَذِهِ الْأُمّةِ، وَهُوَ الْحَسَنُ الّذِي يَقُولُ فِيهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم:

_ (1) عن أبى سلمة أن عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: يا عائش: هذا جبريل يقرئك السلام. قالت: وعليه السلام ورحمة الله. قالت: وهو يرى ما لا أرى» متفق عليه. (2) عن المسور بن مخرمة أن رسول الله «ص» قال: «فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبنى» وفى رواية: «يريا بنى ما أرابها، ويؤذينى ما آذها» متفق عليه. (3) فى حديث متفق عليه عن عائشة «ألا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ، أو نساء المؤمنين» ولم يأت لمريم فيه ذكر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنّ ابْنِي هَذَا سَيّدٌ «1» ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ، بَعْلُهَا خَلِيفَةٌ أَيْضًا، وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ: مَنْ قَالَ: سَادَتْ أَخَوَاتُهَا وَأُمّهَا، لِأَنّهُنّ مُتْنَ فِي حَيَاةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكُنّ فِي صَحِيفَتِهِ، وَمَاتَ أَبُوهَا وَهُوَ سَيّدُ الْعَالَمِينَ، فَكَانَ رُزْؤُهُ فِي صَحِيفَتِهَا وَمِيزَانِهَا، وَقَدْ رَوَى الْبَزّارُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أَنّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِفَاطِمَةَ: هِيَ خَيْرُ بَنَاتِي؛ إنّهَا أُصِيبَتْ بِي، فَحَقّ لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ أَنْ يَسُودَ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَنّةِ، وَهَذَا حَسَنٌ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ سُؤْدُدِهَا أَيْضًا أَنّ الْمَهْدِيّ الْمُبَشّرَ بِهِ آخِرَ الزّمَانِ مِنْ ذُرّيّتِهَا، فَهِيَ مَخْصُوصَةٌ بِهَذَا كُلّهِ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي أَمْرِ الْمَهْدِيّ كَثِيرَةٌ «2» ، وَقَدْ جَمَعَهَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ فَأَكْثَرَ، وَمِنْ أَغْرَبِهَا إسنادا ما ذكره أبوبكر الْإِسْكَافُ فِي فَوَائِدِ الْأَخْبَارِ مُسْنَدًا إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَذّبَ بِالدّجّالِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ كَذّبَ بِالْمَهْدِيّ فَقَدْ كَفَرَ «3» ، وَقَالَ: فِي طُلُوعِ الشّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا مِثْلَ ذَلِكَ فِيمَا أحسب «4» .

_ (1) من حديث رواه البخارى عن أبى بكرة قال: رأيت رسول الله «ص» على المنبر والحسن بن على إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى، ويقول: «إن ابنى هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ونحن المسلمين لا يصح الان أن نخوض فى مثل هذا، فقد أفضت كل واحدة منهن إلى الله سبحانه (2) استغل هذه الأسطورة أعداء الله، فظهر عشرات الدجاجلة يزعم كل منهم أنه هو المهدى، ولم يخرج البخارى ولا مسلم شيئا عن المهدى، وجميع الأحاديث الواردة فيه لا تخلو من نقد، واقرأ فى هذا مقدمة ابن خلدون تحت عنوان «فصل فى أمر الفاطمى» (3) لا يشهد لصحة هذا عقل ودلاد بن (4) نقل ابن خلدون عن السهيلى هذا فى مقدمته ص 272 طبع عبد الرحمن محمد وقال: وحسبك هذا غلوا. على أن أبابكر الإسكاف عندهم متهم وضاع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهُ السّلَامُ: وَقَوْلُ خَدِيجَةَ: اللهُ السّلَامُ، وَمِنْهُ السّلَامُ، وَعَلَى جِبْرِيلَ السّلَامُ، عَلِمَتْ بِفِقْهِهَا أَنّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ السّلَامُ، كَمَا يَرِدُ عَلَى الْمَخْلُوقِ؛ لِأَنّ السّلَامَ دُعَاءٌ بِالسّلَامَةِ فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهَا: اللهُ السّلَامُ، فَكَيْفَ أَقُولُ عليه السلام، والسلام منه يسئل، وَمِنْهُ يَأْتِي؟ وَلَكِنْ عَلَى جِبْرِيلَ السّلَامُ، فَاَلّذِي يَحْصُلُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْفِقْهِ أَنّهُ لا يليق بالله سبحانه إلا الثّناء نمليه، فَجَعَلَتْ مَكَانَ رَدّ التّحِيّةِ عَلَى اللهِ ثَنَاءً عَلَيْهِ، كَمَا عَمِلُوا فِي التّشَهّدِ حِينَ قَالُوا: السّلَامُ عَلَى اللهِ مِنْ عِبَادِهِ، السّلَامُ عَلَى فُلَانٍ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَا تَقُولُوا هَذَا، وَلَكِنْ قُولُوا: التّحِيّاتُ لِلّهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ فَوَائِدَ جَمّةً فِي مَعْنَى التّحِيّاتِ إلَى آخِرِ التّشَهّدِ. وَقَوْلُهَا: وَمِنْهُ السّلَامُ، إنْ كانت أرادت السلام التحية، فهو خبر يرادبه التّشَكّرُ، كَمَا تَقُولُ: هَذِهِ النّعْمَةُ مِنْ اللهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَرَادَتْ السّلَامَ بِالسّلَامَةِ مِنْ سُوءٍ، فهو حبر يراد به المسئلة، كما تقول: منه يسئل الْخَيْرُ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ اللّغَةِ إلَى أَنّ السّلَامَ وَالسّلَامَةَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ كَالرّضَاعِ وَالرّضَاعَةِ، وَلَوْ تَأَمّلُوا كَلَامَ الْعَرَبِ وَمَا تُعْطِيهِ هَاءُ التّأْنِيثِ مِنْ التّحْدِيدِ لَرَأَوْا أَنّ بَيْنَهُمَا فُرْقَانًا عَظِيمًا، وَأَنّ الْجَلَالَ أَعَمّ مِنْ الْجَلَالَةِ بِكَثِيرِ، وَأَنّ اللّذَاذَ أَبْلَغُ مِنْ اللّذَاذَةِ، وَأَنّ الرّضَاعَةَ تَقَعُ عَلَى الرّضْعَةِ الْوَاحِدَةِ، وَالرّضَاعُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ السّلَامُ، وَالسّلَامَةُ، وَقِسْ عَلَى هَذَا: تَمْرَةً وَتَمْرًا، وَلَقَاةً وَلَقًى، وَضَرْبَةً وَضَرْبًا، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَسَمّى سُبْحَانَهُ بِالسّلَامِ لِمَا شَمِلَ جَمِيعَ الْخَلِيقَةِ، وَعَمّهُمْ مِنْ السّلَامَةِ مِنْ الِاخْتِلَالِ وَالتّفَاوُتِ إذْ الْكُلّ جَارٍ عَلَى نِظَامِ الْحِكْمَةِ، كَذَلِكَ سليم الثّقَلَانِ مِنْ جَوْرٍ وَظُلْمٍ أَنْ يَأْتِيَهُمْ مِنْ قِبَلِهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنّمَا الْكُلّ مُدَبّرٌ بِفَضْلِ أَوْ عَدْلٍ، أَمّا الْكَافِرُ فَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ إلّا عَدْلُهُ، وَأَمّا الْمُؤْمِنُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَيَغْمُرُهُ فَضْلُهُ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ سَلَامٌ، لَا حَيْفَ وَلَا ظُلْمَ، وَلَا تَفَاوُتَ وَلَا اخْتِلَالَ، وَمَنْ زَعَمَ مِنْ الْمُفَسّرِينَ لِهَذَا الِاسْمِ أَنّهُ تَسَمّى بِهِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الْآفَاتِ وَالْعُيُوبِ، فَقَدْ أَتَى بِشَنِيعِ مِنْ الْقَوْلِ، إنّمَا السّلَامُ مَنْ سُلِمَ مِنْهُ، وَالسّالِمُ مَنْ سَلِمَ مِنْ غَيْرِهِ، وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) وإلى قوله: (سَلامٌ هِيَ) وَلَا يُقَالُ فِي الْحَائِطِ: سَالِمٌ مِنْ الْعَمَى، وَلَا فِي الْحَجَرِ أَنّهُ سَالِمٌ مِنْ الزّكَامِ، أَوْ مِنْ السّعَالِ إنّمَا يُقَالُ: سَالِمٌ فِيمَنْ تَجُوزُ عَلَيْهِ الْآفَةُ، وَيَتَوَقّعُهَا ثُمّ يَسْلَمُ مِنْهَا، وَالْقُدّوسُ سُبْحَانَهُ مُتَعَالٍ عَنْ تَوَقّعِ الْآفَاتِ مُتَنَزّهٍ عَنْ جَوَازِ النّقَائِصِ، وَمِنْ هَذِهِ صِفّتُهُ لَا يُقَالُ: سَلِمَ، وَلَا يَتَسَمّى بِسَالِمِ، وَهُمْ قَدْ جَعَلُوا سَلَامًا بِمَعْنَى سَالِمٍ، وَاَلّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوّلَ، هُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَكْثَرِ السّلَفِ وَالسّلَامَةُ: خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ خِصَالِ السّلَامِ «1» : فَتْرَةَ الْوَحْيِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فَتْرَةَ الْوَحْيِ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَذْكُرْ مِقْدَارَ مُدّةِ الْفَتْرَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمُسْنَدَةِ أَنّهَا كَانَتْ سَنَتَيْنِ وَنِصْفِ سَنَةٍ، فَمِنْ هُنَا يَتّفِقُ مَا قَالَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ مُكْثَهُ بِمَكّةَ كَانَ عَشَرَ سِنِينَ، وَقَوْلُ ابْنِ عباس: ثلاث عشرة سنة، وكان قد ابتدىء بِالرّؤْيَا الصّادِقَةِ سِتّةَ أَشْهُرٍ، فَمَنْ عَدّ مُدّةَ الْفَتْرَةِ، وَأَضَافَ إلَيْهَا الْأَشْهُرَ السّتّةَ، كَانَتْ كَمَا قال

_ (1) فى النهاية لابن الأثير عن السلام: «سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء والسلام فى الأصل: السلامة» : وعند الراغب فى مفرداته: «وصف بذلك من حيث لا يلحقه العيوب والافات التى تلحق الخلق» وانظر ص 135 ج 2 بدائع الفوائد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابْنُ عَبّاسٍ، وَمَنْ عَدّهَا مِنْ حِينِ حَمِيَ الْوَحْيِ وَتَتَابَعَ، كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ كَانَتْ عَشْرَ سِنِينَ. وَوَجْهٌ آخَرُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنّ الشّعْبِيّ قَالَ: وَكّلَ إسْرَافِيلَ بِنُبُوّةِ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمّ جَاءَهُ بِالْقُرْآنِ جِبْرِيلُ «1» وَقَدْ قَدّمْنَا هَذَا الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ، وَإِذَا صَحّ فَهُوَ أَيْضًا وَجْهٌ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. شَرْحُ شِعْرِ الْهُذَلِيّ وَالْفَرَزْدَقِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قَوْلَ أَبِي خِرَاشٍ خُوَيْلِدِ بْنِ مُرّةَ الْهُذَلِيّ إلَى بَيْتِهِ يَأْوِي الضّرِيكُ إذَا شَتَا ... وَمُسْتَنْبَحٌ بَالِي الدّرِيسَيْنِ عَائِلُ الضّرِيكُ: الضّعِيفُ الْمُضْطَرّ «2» وَالْمُسْتَنْبَحُ الّذِي يَضِلّ عَنْ الطّرِيقِ فِي ظُلْمَةِ اللّيْلِ، فَيَنْبَحُ لِيَسْمَعَ نُبَاحَ كَلْبٍ «3» وَالدّرِيسُ: الثّوْبُ الْخَلَقُ، وقول الفرزدق:

_ (1) فى فتح البارى: (هذا الذى اعتمده السهيلى من الاحتجاج بمرسل الشعبى لا يثبت، وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس أن مدة الفترة المذكورة كانت أياما» ص 31 ج 1 الحلبى وقال مغلطاى: «يخدش فيه- أى فى كلام السهيلى- ما فى تفسير ابن عباس أنها كانت أربعين يوما، وفى تفسير ابن الجوزى ومعانى الزجاج: خمسة عشر، وفى تفسير مقاتل: ثلاثة أيام، ولعل هذا هو الأشبه بحاله عند ربه لا ما ذكره السهيلى، وجنح لصحته» ص 236 شرح المواهب ح 1 (2) الضريك أيضا: النسر الذكر والأحمق والزّمن- بكسر الميم- والضرير. (3) عبر عنها الخشنى بتعبير أوضح فقال: «المستنبح الذى يصل بالليل، فينبح نباح الكلاب، لتسمعه الكلاب فتجاوبه، فيعلم موضع البيوت، فيقصدها» . ويقول الخشنى عن تثنية الدريس: «وثناه لأنه أراد به الإزار، والرداء، وهو أقل ما يكون للرجال من اللباس» ص 77.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَرَى الْغُرّ الْجَحَاجِحَ «1» مِنْ قُرَيْشٍ ... إذَا مَا الْأَمْرُ فِي الْحَدَثَانِ عَالَا قِيَامًا يَنْظُرُونَ إلَى سَعِيدٍ ... كَأَنّهُمْ يَرَوْنَ بِهِ هِلَالًا يَعْنِي: سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِي بْنِ أُمَيّةَ، وَيُقَال: إنّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ حِينَ سَمِعَ الْفَرَزْدَقَ يُنْشِدُ هَذَا الْبَيْتَ حَسَدَهُ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ: قُعُودًا يَنْظُرُونَ إلَى سَعِيدٍ يَا أَبَا فِرَاسٍ. فَقَالَ لَهُ الْفَرَزْدَقُ: وَاَللهِ يَا أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ: إلّا قِيَامًا عَلَى الْأَقْدَامِ «2» . وَذَكَرَ سَبَبَ نُزُولِ سُورَةِ الضّحَى، وَأَنّ ذَلِكَ لِفَتْرَةِ الْوَحْيِ عَنْهُ، وَخَرّجَ الْبُخَارِيّ مِنْ طَرِيقِ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ «3» أَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَكَى، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: إنّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُك قَدْ تركك، فأنزل الله تعالى سورة الضحى «4» .

_ (1) غر: ربها هكذا جمع أغر: المشهور، وأصله الأبيض. والجحاجح: جمع جحجح وجحجاح: السيد، وأيضا: الفسل من الرجال، ومن جمعه: جحاجيج، وجحاجحة. (2) مدح الفرزدق سعيدا بهذا، وكان حينئذ أمير المدينة من قبل معاوية رحمه الله، وكان يوليه معاوية سنة، ويولى مروان سنة أخرى، ويقال إن الفرزدق قال لمروان: لا أقول إلا قياما، وإنك يا أبا عبد الملك لصافن من بينهم، وصفن الرجل إذا رفع إحدى قدميه، ووقف على الأخرى «الخشنى ص 78 (3) سفيان: جده، وأبوه: عبد الله. وهو ينسب إلى أبيه وإلى جده. (4) وأخرجه مسلم ومالك وأحمد والترمذى والنسائى وابن أبى حاتم وابن جرير وقيل: إن هذه المرأة هى أم جميل امرأة أبى لهب.

تمّ بحمد الله الجزء الثّانى ويليه الجزء الثّالث إن شاء الله وأوله: فرض الصّلاة

ملحوظات تكلم السهيلى عن بئار مكة فى ص 123- ح 2 وما بعدها، وقد زاد البلاذرى فى كتابه فتوح البلدان عما ذكره السهيلى، ففيما يتعلق بالعجول زاد بعد الشطرة الأولى: قبل صدور الحاج من كل أفق وزاد فى سجلة بعد الشطرة الأولى: فى تربة ذات غداة سهلة وزاد فى شعر صفية المذكور فى ص 125 فيها الجراد والذر ... وقذر لا يذكر وعن بذر ورد: ليست كبذر النذور الجماد وبهذا استقام المعنى فقد كانت البرور فى الروض. ملحوظات عن الجزء الأول فى ص 336 ح 1 ورد فى السطر الحادى عشر نصف بيت من الشعر اهتديت إلى تمامه، فقد أنشده اللسان فى مادة أوب وهو: رَبّاءُ شَمّاءُ لَا يَأْوِي لِقُلّتِهَا ... إلّا السّحَابُ وإلا الأوب السّبل والأوب اسم جمع ومعناه: النحل، والسبل: المطر هذا وقد ندت عن العين بعض أخطاء يسيرة جدا نرجو أن نتداركها بعد إن شاء الله.

محتويات الكتاب

محتويات الكتاب رقم الموضوع 6 أمهات الرسول «ص» «س «1» » 7 أمر جرهم ودفن زمزم «س» 7 مولد النبى «ص» 9 زمزم 10 استيلاء كنانة وخزاعة على البيت ونفى جرهم «س» 11 شعر الحارث بن مضاض «س» 12 شعر عمرو بن الحارث «س» 13 حول زمزم 13 لم نزلت هاجر وإسماعيل مكة 15 قطورا وجرهم والسميدع 16 جياد وقعيقعان 17 جرهم تسرق مال الكعبة 18 بين جرهم وخزاعة 19 غربة الحارث بن مضاص 20 من شرح شعر ابن مضاض 21 واسط وعامر وجرهم 22 مكة وأسماؤها 24 ما وجد مكتوبا فى الأحجار 27 استبداد قوم من خزاعة بولاية رقم الموضوع البيت «س» 28 قصى وزواجه وتوليه أمر البيت «س» 29 ولاية الغوث إجازة الحج «س» 31 عدوان والإفاضة «س» 32 قصى وخزاعة وولاية البيت 33 نشأة قصى 34 الغوث بن مر وصوفة 34 لم سمى قصى قصيا؟ «س» 37 بنو سعد وزيد مناة 38 اشتقاق المزدلفة 39 ذو الإصبع وآل ظرب 41 أبو سيارة 42 حول لاهمّ «ن. ل» «س» 43 لهنّك «ش» «ن. ل» 44 أمر عامر بن ظرب 45 غلب قصى على أمر مكة 50 الرفادة «س» 51 الحكم بالأمارات 52 يعمر الشداخ

_ (1) «س» رمز عن السيرة، و «ن. ل» رمز عن النحو واللغة، و «ش» رمز عن الشرح، أما الروض فبدون رمز.

رقم موضوع 53 ولاية قصى البيت « «1» » 53 رباع مكة 55 دار الندوة 55 من تفسير شعر رزاح 58 شعر قصى والعذرتان 59 حوتكة وأسلم 61 الاختلاف بعد قصى وحلف المطيبين «س» 63 حلف الفضول «س» 65 هاشم ونسله «س» 66 شعر مطرود فى بكاء بنى عبد مناف «س» 67 حلف المطيبين 68 السناد والإقوء 70 حلف الفضول 71 حرب الفجار 73 القتول ونبيه بن الحجاج 75 الحلف وابن جدعان 75 هل حضر النبى حرب الفجار؟ «س» 76 صكّه عمىّ «ن. ل» . 77 طعام ابن جدعان «ش» 78 ابن جدعان أسطورة 81 موقف الإسلام من الحلف 83 عن أولاد عبد مناف 84 طعام هاشم 84 ابن الزبعرى يمدح بنى عبد مناف 87 عبد المطلب وابن ذى يزن 88 نسب أحيحة 89 الليلة القسية والدرهم القسى «ن. ل» 90 شعر الصلتان أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله 90 «ن. ل» 91 جمع يراد به المفرد «ن. ل» 91 الحكم للبعض بحكم الكل «ن. ل» 93 شعر مطرود من عبد المطلب «س» 95 حفر زمزم «س» 100 بئار قريش «س» 103 ويل الشجى من فى الخلى «ن. ل» 104 شرح شعر مطرود 106 تصريف موماة ومرمر «ن. ل» 107 قلق وسلس «ن. ل» 109 حديث زمزم 110 الاستسقاء س» 112 أسماء زمزم تأويل العلامات التى رآها 113 عبد المطلب 116 من صفات زمزم 119 نبع الماء من بين أصابعه «ص» 120 اشتقاق مفازة «ن. ل»

_ (1) الموضوع قد يذكر فى السيرة وفى الروض ولهذا يتكرر ذكره فى الفهرس.

رقم الموضوع 121 الجمع واسم الجمع (ن. ل) 123 بئار قريش بمكة 128 من شرح شعر مسافر «1» 130 هراق وأراق «س» 131 نذر عبد المطلب ذبح ولده «س» المرأة التى تعرضت لنكاح 135 عبد الله «س» 137 ما قيل لامنة عند حملها «س» 137 نذر عبد المطلب 139 تزويج عبد الله 140 حول أمهاته صلى الله عليه وسلم 141 المرأة التى دعت عبد الله 143 ولادة الرسول ص «س» 144 رضاعته وحضانته (س) 145 قصة حليمة السعدية (س) 149 فصل فى المولد 150 لم يولد صلى الله عليه وسلم مختونا 151 تسميته (ص) 150 اسم محمد وأحمد 157 تعويذ عبد المطلب 158 متى ولد وأين ولد النبى «ص» 160 تحقيق وفاة أبيه «ص» 160 أبوه من الرضاعة 162 قصية أو فصية والثيماء 163 شرح حديث الرضاع 164 يغذيه أو يغديه رقم الموضوع 166 التماس الأجر على الرضاع 167 لم كانت قريش تلتمس المراضع 168 شق الصدر 170 لم يكن النبى يعرف أنه نبى قبل البعثة «س» 170 تضارب ما قيل عن الخاتم النبوى 172 حديث السكينة 172 عن شق الصدر مرة أخرى 175 لم اختير طست من ذهب 178 الحكمة فى ختم النبوة 179 رد حليمة للنبى «ص» 179 تأويل النور الذى رأته- آمنة- 180 عود إلى حديث ابن إسحاق عن الرضاع «س» 181 وفاة آمنة «س» 182 رعية الغنم 183 فى كفالة العم 184 حوت آمنة وزياته لها حول 185 أحاديث عن حكم أبويه 188 وفاة عبد المطلب ورشاؤه «س» 189 قصيدة صفية «س» 190 قصيدة برة وعاتكة وأم حكيم «س» 191 قصيدة أميمة وأروى «س» 192 قصيدة حذيفة بن غانم «س» 195 قصيدة مطرود الخزاعى «س» 195 ولاية العباس السقاية «س»

_ (1) تقدم هذا العنوان قبل موضعه بأربعة أسطر.

رقم الموضوع 196 الرسول «ص» فى كفالة أبى طالب «س» 197 شرح شعر رثاء عبد المطلب 202 أبو جهم 203 شرح شعر حذيفة بن غانم 204 تهام وشام «ن. ل» 206 حذف الياء من هاء الكتابة 209 من شرح شعر حذيفة 210 رأى النحاة فى زيد أفضل إخوته 211 من شرح شعر مطرود 212 من شعر مهلهل عن زواج ابنته 214 النطف 215 اللهبى العائف 216 قصة بحيرى «س» 220 شرح قصة بحيرى فى الروض 221 من صفات خاتم النبوة 224 رواية الترمذى عن رحلة الشام 226 نقد رواية الترمذى 228 حفظ النبى «ص» فى صغره 229 حرب الفجار «س» 231 حديث تزوج خديجة «س» 133 قصة الفجار فى الروض 234 منع تنوين العلم 235 من تفسير شعر البراض 235 آخر أمر الفجار 236 شرح قول الراهب: ما نزل تحت رقم الموضوع هذه الشجرة إلا نبى 237 تحقيق معنى الوسط 238 من الذى زوج خديجة؟ 241 أولاده ص «س» 241 تنبؤ ورقة «س» 242 أولاده من خديجة 244 بين خديجة وبحيرى ونسبها 245 من تزوجتهم خديجة قبل الرسول «ص» 246 مارية وإبراهيم 248 ترجمة ورقة 252 مثنى يقصد به المفرد «ن. ل» 255 النور والضيا. «ن. ل» 256 نون الوقاية فى إن أخواتها (ن. ل) 256 حول تقدم صلة المصدر عليه (ن. ل) 257 متى يجوز تقديم معمول المصدر «ن. ل 259 بنيان لكعبة فى السيرة 264 بنيان الكعبة فى الروض 266 تجديد ابن الزبير لبنائها 268 أساطير حول بناء الكعبة 273 العهد الذى أخذ على ذرية آدم «ش» 276 حول بناء المسجد الحرام 277 كنز الكعبة والنجار القبطى 278 الحية والدابة 278 تفسير: لم ترع 279 حول حديث أبى لهب 280 الحجر الذى كان متكوبا عليه

رقم الموضوع 281 الحجر الأسود وقواعد البيت 282 شعر الزبير فى بناء الكعبة 283 حديث الخمس فى السيرة 287 حديث الخمس فى الروض 289 يوم جبلة وعدس والحلة والطلس 290 اللقى يروى 290 رجز المرأة الطائفة 291 قرزل وطفيل 292 الهامة. شعر لجرير 293 ما نزل من القرآن فى شأن الحمس 294 وقوف النبى بعرفة قبل النبوة 294 موقف قريش فى الحج فى جاهليتها «س. ش» 295 الإخبار بمبعث نبى «س» 295 منع الجن من استراق السمع «ص» 297 أول فزع للرمى بالنجوم «س» 298 كيف يسترق الجن السمع «ص» 299 حديث الغيطلة الكاهنة فى السيرة والروض 299 حديث كاهن جنب «س» 301 فصل فى الكهانة 302 رمى الشياطين 203 الجن الذين ذكروا فى القرآن 305 ابن علاط والجن 305 قصة نصر بن حجاج «س» 307 أحاديث حول استماع الجن «س» رقم الموضوع 310 انقطاع الكهانة 311 قصة صاف بن صياد 312 حديث الغيطلة الكاهنة وفى الروض 313 كاهن ثقيف ولهب 316 أيش والأحائم «ن. ل» 317 حى جنب 318 حول حديث عمر وسواد بْنِ قَارِبِ 323 سَوَادٌ وَدَوْسٌ عِنْدَ وَفَاةِ الرّسُولِ «ص» 324 كاهنة قريش 326 إنذار يهود بالرسول ص «س» 328 ابن الهيبان 329 حديث سلمة وبنى سعيد 331 إسلام سعنة الحبر 332 حديث إسلام سلمان «س» 340 معنى إصبهان وشرح الروض لحديث سلمان 341 أسماء النخلة 342 حكم الصدقة للنبى «ص» ومصدر مال سليمان 344 أول من مات بعد الهجرة 345 أسطورة نزول عيسى قبل البعثة 348 ورقة وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ وَعُثْمَانَ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «س» 349 زيد بن عمرو بن نفيل

رقم الموضوع 355 حديث ورقة فى الروض 356 الزواج من امرأة الأب فى الجاهلية 358 معنى: فقح الجرو 358 من قصة ابن الحويرث 359 اعْتِزَالُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْأَوْثَانَ وتركه أكل ما ذبح على النصب 363 زيد وصعصعة والموؤدة 364 شرح شعر زيد 366 إعراب نعت النكرة المتقدم «نحو» 367 من معانى شعر زيد 368 تفسير حنانيك وحول اسم الله «ن. ل» 369 حذف المنادى مع بقاء الياء «ن. ل» 370 تصريف اطمأنت وأشياء «ن. ل» 371 الدعموص والخرم فى الشعر 372 لغويات ونحويات 375 صفة الرسول «ص» من الإنجيل «س» 376 بشارة إنجيل يوحنا «س» 377 من صفات النبى عند الأحبار «س» 380 حديث الوحى «س» 384 كتاب المبعث 385 إعراب لما آتيتكم (ن. ل) 378 النبوءة وأولو العزم رقم الموضوع 388 أول بدىء به من النبوة 390 مدلول تفعل «ن. ل» 391 حول المجاورة فى حراء 392 كيفية الوحى 396 من تفسير حديث الوحى 397 معنى اقرأ باسم ربك 397 حول بسم الله 399 الغط 400 العفريت الذى تفلت فى الصلاة 401 ما أنا بقارىء 402 رؤية جبريل ومعنى اسمه 402 معنى إل وخرافة الرهبان 404 معنى الناموس 404 لم ذكر ورقة موسى ولم يذكر عيسى؟ 405 حول هاء السكت والفعل تدرك «ن. ل 406 شرح أو مخرجى؟ «ن. ل» 407 يافوخ «ن. ل» 407 الذهاب إلى ورقة 409 لقد خشيت على نفسى 410 المختار من أحاديث الوحى وشرحها «س» 412 كيفية الوحى «ش» 412 مدة المجاورة فى حراء «ش» 413 تفسير مفردات حديث الوحى «ش»

رقم الموضوع 415 ابتداء تنزيل: القرآن «س» 416 إسلام خديجة «س» 417 فترة الوحى «س» 417 من تفسير سورة والضحى «س» 419 متى نزل القرآن 419 دعوى نزول القرآن جملة واحدة «ش» 429 إضافه الشهر إلى رمضان 421 حب الرسول «ص» وطنه 422 ذكر عبد الله بن حسن رقم الموضوع 423 أحاديث عن فضل خديجة 425 تفسير القصب 426 حول جزاء خديجة 427 حول المكر والنسيان «ش» 429 الموازنة بين خديجة وعائشة 430 فضل فاطمة 431 الله السلام 432 فترة الوحى 434 شرح شعر للهذلى والفرزدق ملحوظات حمد وثناء أحمد الله أن أعان ومن بالقدرة على عمل أجهد اليد والفكر والسمع والبصر إجهادا لولا فضل الله ما تحملته. فالذى اتصلت أسبابه المتينة بكتاب الروض الأنف يعلم أى فضل عظيم من الله من علىّ به، ولا أزعم أنى أديت كل ما يجب، وإنما أزعم أنى حاولت بصدق. وأعلن هنا شكرى للأخ أحمد حمدى أحمد شعبان صاحب المطبعة، وإخوتى عمالها على أوفى جهد، وأكرم تجاوب نبيل؟ عبد الرحمن الوكيل

الجزء الثالث

الجزء الثالث [مقدمة المحقق] بسم الله الرّحمن الرّحيم وبه نستعين الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وسيد ولد آدم أجمعين، محمد صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الذين اهتدوا بهديه إلى يوم الدين. «أما بعد» فبإسم الله نقدم الجزء الثالث من «الروض الأنف» للسهيلى والسيرة النبوية لابن هشام، سائلين الله أن يعين على التمام، وأن يجعل عملنا هذا صالحة عنده. إنه سميع مجيب؟. القاهرة- حلوان- مدينة الزهراء عبد الرحمن الوكيل

ابتداء ما افترض الله سبحانه وتعالى على النبى صلى الله عليه وسلم من الصلاة وأوقاتها

[ابتداء ما افترض الله سبحانه وتعالى عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصلاة وأوقاتها] وَافْتُرِضَتْ الصّلَاةُ عَلَيْهِ، فَصَلّى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَآلِهِ، وَالسّلَامُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ ورحمة الله وبركاته. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: اُفْتُرِضَتْ الصّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوّلَ مَا اُفْتُرِضَتْ عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، كُلّ صَلَاةٍ، ثُمّ إنّ اللهَ تَعَالَى أَتَمّهَا فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَأَقَرّهَا فِي السّفَرِ عَلَى فَرْضِهَا الْأَوّلِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ الصّلَاةَ حِينَ اُفْتُرِضَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكّةَ، فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي، فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ عَيْنٌ. فَتَوَضّأَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إلَيْهِ، لِيُرِيَهُ كَيْفَ الطّهُورُ لِلصّلَاةِ، ثُمّ تَوَضّأَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا رَأَى جِبْرِيلَ تَوَضّأَ، ثُمّ قَامَ بِهِ جِبْرِيلُ، فَصَلّى بِهِ، وَصَلّى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصَلَاتِهِ، ثُمّ انْصَرَفَ جِبْرِيلُ عليه السلام. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ خديجة، فتوضأ لها ليريها كيف الطهور الصلاة، كَمَا أَرَاهُ جِبْرِيلُ فَتَوَضّأَتْ كَمَا تَوَضّأَ لَهَا رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ، ثُمّ صَلّى بِهَا رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ، كَمَا صلى به جبريل، فصلّت بصلاته. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر أن على بن أبى طالب رضى الله عنه أول ذكر أسلم

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ- وَكَانَ نَافِعُ كَثِيرَ الرّوَايَةِ- عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: لَمّا اُفْتُرِضَتْ الصّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَصَلّى بِهِ الظّهْرَ حِينَ مَالَتْ الشّمْسُ، ثُمّ صَلّى بِهِ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلّهُ مِثْلَهُ، ثُمّ صَلّى بِهِ الْمَغْرِبَ حِين غَابَتْ الشّمْسُ، ثُمّ صَلّى بِهِ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِين ذَهَبَ الشّفَقُ، ثُمّ صَلّى بِهِ الصّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، ثُمّ جَاءَهُ، فَصَلّى بِهِ الظّهْرَ مِنْ غَدٍ حِينَ كَانَ ظِلّهُ مِثْلَهُ، ثُمّ صَلّى بِهِ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلّهُ مِثْلِيّهُ، ثُمّ صَلّى بِهِ الْمَغْرِبَ حِين غَابَتْ الشّمْسُ لِوَقْتِهَا بِالْأَمْسِ، ثُمّ صَلّى بِهِ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللّيْلِ الْأَوّلُ، ثُمّ صَلّى بِهِ الصّبْحَ مُسْفِرًا غَيْرَ مُشْرِقٍ، ثُمّ قَالَ: يَا مُحَمّدُ، الصّلَاةُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاتِك الْيَوْمَ، وَصَلَاتِك بِالْأَمْسِ [ذِكْرُ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَوّلُ ذكر أسلم] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ كَانَ أَوّلَ ذَكَرٍ مِنْ النّاسِ آمَنَ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَصَلّى مَعَهُ، وَصَدّقَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللهِ تَعَالَى: عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ- رِضْوَانُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- وهو يومئذ ابن عشر سنين. وكان مما أنعم الله عَلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنّهُ كَانَ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبى نجيح، عن مجاهد بن جبر بن أَبِي الْحَجّاجِ، قَالَ: كَانَ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمِمّا صَنَعَ اللهُ لَهُ، وَأَرَادَهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ، أَنّ قُرَيْشًا أَصَابَتْهُمْ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ ذا عيال ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كَثِيرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْعَبّاسِ عَمّهِ، وَكَانَ مِنْ أَيْسَرِ بَنِي هَاشِمٍ: يَا عَبّاسُ، إنّ أَخَاك أَبَا طَالِبٍ كَثِيرُ الْعِيَالِ، وَقَدْ أَصَابَ النّاسَ مَا تَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلَيْهِ، فَلْنُخَفّفْ عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ، آخُذُ مِنْ بَنِيهِ رَجُلًا، وَتَأْخُذُ أَنْتَ رَجُلًا، فَنَكِلُهُمَا عَنْهُ، فَقَالَ الْعَبّاسُ: نَعَمْ، فَانْطَلَقَا، حَتّى أَتَيَا أَبَا طَالِبٍ، فَقَالَا لَهُ: إنّا نُرِيدُ أَنْ نُخَفّفَ عَنْك مِنْ عِيَالِك حَتّى يَنْكَشِفَ عَنْ النّاسِ مَا هُمْ فِيهِ، فَقَالَ لَهُمَا أَبُو طَالِبٍ: إذَا تَرَكْتُمَا لِي عَقِيلًا، فَاصْنَعَا مَا شِئْتُمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَال: عَقِيلًا وَطَالِبًا. فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّا، فَضَمّهُ إلَيْهِ، وَأَخَذَ الْعَبّاسُ جَعْفَرًا فَضَمّهُ إلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلِيّ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتّى بَعَثَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيّا، فَاتّبَعَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَآمَنَ بِهِ وَصَدّقَهُ، وَلَمْ يَزَلْ جَعْفَرٌ عِنْدَ الْعَبّاسِ، حَتّى أسلم واستغنى عنه. أبو طالب يكتشف إيمان على: قال ابن إسحاق: ذكر بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إذَا حَضَرَتْ الصّلَاةُ خَرَجَ إلَى شِعَابِ مَكّةَ، وَخَرَجَ مَعَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مُسْتَخْفِيًا مِنْ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ، وَمِنْ جَمِيعِ أَعْمَامِهِ وَسَائِرِ قَوْمِهِ، فَيُصَلّيَانِ الصلوات فيها، فإذا أمسيا رجعا، فمكثا كذلك ما شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَا. ثُمّ إنّ أَبَا طَالِبٍ عَثَرَ عَلَيْهِمَا يَوْمًا وَهُمَا يُصَلّيَانِ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بن أَخِي! مَا هَذَا الدّينُ الّذِي أَرَاك تَدِينُ بِهِ؟ قَالَ: أَيْ عَمّ هَذَا دِينُ اللهِ، وَدِينُ مَلَائِكَتِهِ، وَدِينُ رُسُلِهِ، وَدِينُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ- أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَنِي اللهُ بِهِ رَسُولًا إلَى الْعِبَادِ، وَأَنْتَ أَيْ عَمّ، أَحَقّ مَنْ بَذَلْتُ لَهُ النّصِيحَةَ، وَدَعَوْته إلَى الْهُدَى، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام زيد بن حارثة ثانيا

وَأَحَقّ مَنْ أَجَابَنِي إلَيْهِ، وَأَعَانَنِي عَلَيْهِ، أَوْ كَمَا قَالَ. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: أَيْ ابْنَ أَخِي، إنّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُفَارِقَ دِينَ آبَائِي، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ وَاَللهِ لَا يَخْلُصُ إلَيْك بِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ مَا بَقِيتُ. وَذَكَرُوا أَنّهُ قَالَ لِعَلِيّ: أَيْ بُنَيّ، مَا هَذَا الدّينُ الّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: يَا أَبَتِ، آمَنْتُ بِاَللهِ وَبِرَسُولِ اللهِ، وَصَدّقْته بِمَا جَاءَ بِهِ، وَصَلّيْت مَعَهُ لِلّهِ وَاتّبَعْته. فَزَعَمُوا أَنّهُ قَالَ لَهُ: أَمَا إنّهُ لَمْ يَدْعُك إلّا إلَى خَيْرٍ فَالْزَمْهُ. [إسْلَامُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ثانيا] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شرحبيل بن كعب بن عبد العزّى ابن امرىء الْقِيسِ الْكَلْبِيّ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَوّلَ ذَكَرٍ أَسْلَمَ، وَصَلّى بعد عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ كَعْبِ بن عبد العزّى بن امرىء القيس بْنِ النّعْمَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بن عوف بن كنانة بن بكر ابن عَوْفِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ اللّاتِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ. وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ قَدِمَ مِنْ الشّامِ بِرَقِيقٍ، فِيهِمْ زَيْدُ بْنُ حارثة وصيف. فدخلت عليه عمته خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهَا: اخْتَارِي يَا عَمّةُ أَيّ هَؤُلَاءِ الْغِلْمَانِ شِئْتِ فَهُوَ لَك، فَاخْتَارَتْ زَيْدًا فَأَخَذَتْهُ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَهَا، فَاسْتَوْهَبَهُ مِنْهَا، فَوَهَبَتْهُ لَهُ، فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَبَنّاهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يوحى إليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام أبى بكر الصديق رضى الله عنه

وَكَانَ أَبُوهُ حَارِثَةُ قَدْ جَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، وَبَكَى عَلَيْهِ حِينَ فَقَدَهُ، فَقَالَ: بَكَيْت عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ ... أَحَيّ، فيرجى أم أتى دونه الأجل فو الله مَا أَدْرِي، وَإِنّي لَسَائِلٌ ... أَغَالَكَ بَعْدِي السّهْلُ، أَمْ غَالَك الْجَبَلْ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَك الدّهْرُ أَوْبَةٌ ... فَحَسْبِي مِنْ الدّنْيَا رُجُوعُك لِي بَجَلْ تُذَكّرْنِيهِ الشّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا ... وَتَعْرِضُ ذِكْرَاهُ إذَا غَرْبُهَا أَفَلْ وَإِنْ هَبّتْ الْأَرْوَاحُ هيّجن ذكره ... فياطول مَا حُزْنِي عَلَيْهِ وَمَا وَجَلْ سَأُعْمِلُ نَصّ الْعِيسِ فِي الْأَرْضِ جَاهِدًا ... وَلَا أُسْأَمُ التّطْوَافَ أَوْ تَسْأَمُ الْإِبِلْ حَيَاتِي أَوْ تَأْتِي عَلَيّ منيتى ... فكلّ امرىء فان، وإن غرّه الأمل تم قَدِمَ عَلَيْهِ- وَهُوَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: إنْ شِئْتَ فَأَقِمْ عِنْدِي، وَإِنْ شِئْت فَانْطَلِقْ مَعَ أَبِيك، فَقَالَ: بَلْ أُقِيمُ عِنْدَك. فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حَتّى بَعَثَهُ الله فصدّقه وأسلم، وَصَلّى مَعَهُ، فَلَمّا أَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ: «ادعوهم لابائهم» الأحزاب: 5 قَالَ: أَنَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. [إسْلَامُ أَبِي بكر الصديق رضى الله عنه] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَاسْمُهُ: عَتِيقٌ، وَاسْمُ أَبِي قُحَافَةَ: عُثْمَانُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بن كعب ابن لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي بَكْرٍ: عَبْدُ اللهِ، وَعَتِيقٌ: لقب لحسن وجهه وعتقه ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَظْهَرَ إسْلَامَهُ، وَدَعَا إلَى الله وإلى رسوله. وكان أبو بكر رجلا مؤلّفا لِقَوْمِهِ، مُحَبّبًا سَهْلًا، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ، وَأَعْلَمَ قُرَيْشٍ بِهَا، وَبِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرّ، وَكَانَ رَجُلًا تَاجِرًا، ذَا خُلُقٍ وَمَعْرُوفٍ، وَكَانَ رِجَالُ قَوْمِهِ يَأْتُونَهُ، وَيَأْلَفُونَهُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرِ، لِعِلْمِهِ وَتِجَارَتِهِ وَحُسْنِ مُجَالَسَتِهِ، فَجَعَلَ يَدْعُو إلَى اللهِ، وَإِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ وَثِقَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، مِمّنْ يَغْشَاهُ وَيَجْلِسُ إليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ فَرْضُ الصّلَاةِ وَذَكَرَ حَدِيثَ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: «فُرِضَتْ الصّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، وَأُقِرّتْ صَلَاةُ السّفَرِ» «1» ، وَذَكَرَ الْمُزَنِيّ أَنّ الصّلَاةَ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ «2» كَانَتْ صَلَاةً قَبْلَ غُرُوبِ الشّمْسِ، وَصَلَاةً قَبْلَ طُلُوعِهَا، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ «3» ) غافر: 55. وقال يحيى

_ (1) البخارى ومسلم ومالك وأبو داود والنسائى. (2) قال الحافظ فى الفتح: «كان صلّى الله عليه وسلّم قبل الإسراء يصلى قطعا، وكذلك أصحابه» أقول: وفى ختام سورة المزمل، وهى التى نزلت بعد القلم: «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة» آية: 20 وفى سورة القلم: «أرأيت الذى ينهى عبدا إذا صلى» وهى قطعا قبل الإسراء وفى المدثر بعدها عن المجرمين: (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قالُوا: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) وآيات غيرها تؤكد أن الصلاة كانت مفروضة قبل الإسراء. (3) لا تصلح دليلا لما يقول، إذ يمكن أن يفهم أن المقصود هو الأمر بالتسبيح طول اليوم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن سَلّامٍ مِثْلَهُ، وَقَالَ: كَانَ الْإِسْرَاءُ وَفُرِضَ الصّلَوَاتُ الخمس قبل الهجرة بِعَامِ، فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ قَوْلُ عَائِشَةَ: فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، أَيْ: زِيدَ فِيهَا حِينَ أُكْمِلَتْ خَمْسًا، فَتَكُونُ الزّيَادَةُ فِي الرّكَعَاتِ، وَفِي عَدَدِ الصّلَوَاتِ، وَيَكُونُ قَوْلُهَا: «فُرِضَتْ الصّلَاةُ رَكْعَتَيْن» أَيْ: قَبْلَ الْإِسْرَاءِ، وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السّلَفِ، مِنْهُمْ: ابْنُ عَبّاسٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهَا: فُرِضَتْ الصّلَاةُ: أَيْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، حِينَ فُرِضَتْ الْخَمْسُ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمَرْوِيّ عَنْ بَعْضُ رِوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ، وَمَنْ رَوَاهُ هَكَذَا الْحَسَنُ وَالشّعْبِيّ أَنّ الزّيَادَةَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ كَانَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِعَامِ، أَوْ نَحْوِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَةِ معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قَالَتْ: فُرِضَتْ الصّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلى المدينة، ففرضت أربعا، هكذا لفظ حديثه وههنا سُؤَالٌ يُقَالُ: هَلْ هَذِهِ الزّيَادَةُ فِي الصّلَاةِ نُسِخَ أَمْ لَا؟ فَيُقَالُ: أَمّا زِيَادَةُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةٍ إلَى مَا قَبْلَهَا مِنْ الرّكُوعِ حَتّى تَكُونَ صَلَاةً وَاحِدَةً، فَنُسِخَ لِأَنّ النّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ، وَقَدْ ارْتَفَعَ حُكْمُ الْإِجْزَاءِ مِنْ الرّكْعَتَيْنِ، وَصَارَ مَنْ سَلّمَ مِنْهُمَا عَامِدًا أَفْسَدَهُمَا، وإن أراد أن يتم صلاته بعد ما سَلّمَ، وَتَحَدّثَ عَامِدًا لَمْ يَجُزْهُ إلّا أَنْ يَسْتَأْنِفَ الصّلَاةَ مِنْ أَوّلِهَا، فَقَدْ ارْتَفَعَ حُكْمُ الْإِجْزَاءِ بِالنّسْخِ، وَأَمّا الزّيَادَةُ فِي عَدَدِ الصّلَوَاتِ حين أكملت خمسا بعد ما كَانَتْ اثْنَتَيْنِ، فَيُسَمّى نَسْخًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنّ الزّيَادَةَ عِنْدَهُ عَلَى النّصّ نَسْخٌ، وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلّمِينَ عَلَى أَنّهُ لَيْسَ بِنَسْخِ وَلِاحْتِجَاجِ الفريقين موضع غير هذا «1» .

_ (1) ليس فى القرآن آية منسوخة بالمعنى الذى فسر به النسخ علماء الأصول. والايات التى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْوُضُوءُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ نُزُولَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ بِأَعْلَى مَكّةَ حِينَ هَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ، فَأَنْبَعَ الْمَاءَ، وَعَلّمَهُ الْوُضُوءَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَقْطُوعٌ فِي السّيرَةِ، وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ أَصْلًا فِي الْأَحْكَامِ الشّرْعِيّةِ، وَلَكِنّهُ قَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ- يَرْفَعُهُ- غَيْرَ أَنّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمُسْنَدَ يَدُورُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ لَهِيعَةَ وَقَدْ ضَعُفَ، وَلَمْ يُخَرّجْ عَنْهُ مُسْلِمٌ وَلَا الْبُخَارِيّ؛ لِأَنّهُ يُقَالُ: إنّ كُتُبَهُ احْتَرَقَتْ، فَكَانَ يُحَدّثُ مِنْ حِفْظِهِ، وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يُحْسِنُ فِيهِ الْقَوْلَ، وَيُقَالُ إنّهُ الّذِي رُوِيَ عَنْهُ حَدِيثُ بَيْعِ الْعُرْبَانِ «1» فِي الْمُوَطّإِ مَالِكٌ، عَنْ الثّقَةِ عِنْدَهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فيقال: إن الثقة ههنا ابْنُ لَهِيعَةَ، وَيُقَالُ: إنّ ابْنَ وَهْبٍ حَدّثَ بِهِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَحَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ هَذَا، أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ مُحَمّدُ ابن الْعَرَبِيّ قَالَ: نا أَبُو الْمُطّهِرِ سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الرّجَاءِ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْحَافِظُ قَالَ: نا أَبُو بَكْرٍ أَحَمْدُ بْنُ يُوسُفَ الْعَطّارُ قَالَ: نا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: نا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَدّثَنِي أَبِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أن رسول الله- صلى الله عليه

_ - زعموا أنها منسوخة هى آيات يجب العمل بها. كل آية فى المصحف الذى بأيدينا يجب تدبرها والعمل بمقتضاها. ولنحذر من القول بنسخ آية فيه فنحكم ببطلان ما هو حق. (1) بيع العربان هو أن يشترى السلعة، ويدفع إلى صاحبها شيئا، على أنه إن أمضى البيع حسب من الثمن، وإن لم يمض البيع كان لصاحب السلعة، ولم يرجعه المشترى، وهو بيع باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر وأجازه أحمد، قال ابن الأثير، وحديث النّهى منقطع «مفردات ابن الأثير واللسان» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَسَلَّمَ- فِي أَوّلِ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَعَلّمَهُ الْوُضُوءَ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الْوُضُوءِ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَنَضَحَ بِهَا فَرْجَهُ، وَحَدّثَنَا بِهِ أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ محمد ابن طَاهِرٍ، عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ عَنْ أَبِي عُمَرَ النّمَرِيّ، عَنْ أَحَمْدَ بْنِ قَاسِمٍ، عَنْ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّمِ، فَالْوُضُوءُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مَكّيّ بِالْفَرْضِ، مَدَنِيّ بِالتّلَاوَةِ، لِأَنّ آيَةَ الْوُضُوءِ مَدَنِيّةٌ «1» ، وَإِنّمَا قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى آيَةَ التّيَمّمِ، وَلَمْ تَقُلْ: آيَةَ الْوُضُوءِ، وَهِيَ هِيَ؛ لِأَنّ الْوُضُوءَ قَدْ كَانَ مَفْرُوضًا قَبْلَ، غَيْرَ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا يُتْلَى، حَتّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمَائِدَةِ. إمَامَةُ جِبْرِيلَ: وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ فِي إمَامَةِ جِبْرِيلَ للنبى- صلى الله عليه وسلم-

_ (1) يقول ابن حجر فى الفتح عن حديث ابن لهيعة: وهو مرسل، ووصله أحمد من طريق ابن لهيعة، لكن قال: عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيد عن أبيه، وأخرجه ابن ماجة من رواية راشد بن سعد عن عقيل عن الزهرى نحوه، لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند، وأخرجه الطبرانى فى الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا، ولو ثبت لكان على شرط الصحيح. لكن المعروف رواية ابن لهيعة. هذا وقد روى حديث صلاة جبريل بالرسول أبو داود والترمذى مع اختلاف يسير عما في السيرة، وقال الترمذى: حسن صحيح، وصححه الحاكم والذهبي والنووى وغيرهم من «المشكاة» . وعن ابن مسعود عن النبي «نزل جبريل فأمنى، فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات. - زاد في رواية- ثم قال: بهذا أمرت «رواه الخمسة إلا الترمذى- التاج» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَتَعْلِيمِهِ إيّاهُ أَوْقَاتَ الصّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْيَوْمَيْنِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنّ أَهْلَ الصّحِيحِ مُتّفِقُونَ عَلَى أَنّ هَذِهِ الْقِصّةَ، كَانَتْ فِي الغد من ليلة الإسراء، وذلك بعد ما نُبّئَ بِخَمْسَةِ أَعْوَامٍ، وَقَدْ قِيلَ إنّ الْإِسْرَاءَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِعَامِ وَنِصْفٍ، وَقِيلَ: بِعَامِ، فَذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي بَدْءِ نُزُولِ الْوَحْيِ، وَأَوّلِ أَحْوَالِ الصّلَاةِ. أَوّلُ مَنْ آمَنَ: وَذَكَرَ أَنّ أَوّلَ ذَكَرٍ آمَنَ بِاَللهِ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَسَيَأْتِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: أَوّلُ مَنْ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنْ ذَلِكَ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- مِنْ الرّجَالِ؛ لِأَنّ عَلِيّا كَانَ حِينَ أَسْلَمَ صَبِيّا لَمْ يُدْرِكْ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَنّ خَدِيجَةَ هِيَ أَوّلُ مَنْ آمَنَ بِاَللهِ، وَصَدّقَ رَسُولَهُ، وَكَانَ عَلِيّ أَصْغَرَ مِنْ جَعْفَرٍ بِعَشْرِ سِنِينَ «1» ، وَجَعْفَرٌ أَصْغَرُ مِنْ عَقِيلٍ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَعَقِيلٌ أَصْغَرُ مِنْ طَالِبٍ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكُلّهُمْ أَسْلَمَ إلّا طَالِبًا اخْتَطَفَتْهُ الْجِنّ، فَذَهَبَ وَلَمْ يُعْلَمْ بِإِسْلَامِهِ «2» ، وَأُمّ عَلِيّ: فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ، وَقَدْ أَسْلَمَتْ، وَهِيَ إحْدَى الْفَوَاطِمِ الّتِي قَالَ فِيهِنّ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اقْسِمْهُ بَيْنَ الْفَوَاطِمِ الثّلَاثِ، يَعْنِي ثَوْبَ حَرِيرٍ، قَالَ الْقُتَبِيّ. يَعْنِي: فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ، وَلَا أَدْرِي مَنْ الثّالِثَةُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْغَنِيّ بْنُ سعيد: اقسمه بين الفواطم الأربع، وذكر

_ (1) هو كما قال فى نسب قريش ص 39. (2) خرافة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَاطِمَةَ بِنْتَ حَمْزَةَ مَعَ اللّتَيْنِ تَقَدّمَتَا، وَقَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ الرّابِعَةُ، قَالَهُ فِي كِتَابِ الْغَوَامِضِ وَالْمُبْهَمَاتِ «1» . إسْلَامُ زَيْدٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَقَالَ فِيهِ: حَارِثَةُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، وَقَالَ: ابْنُ هِشَامٍ شَرَاحِيلُ، قَالَ أَصْحَابُ النّسَبِ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَرُفِعَ نَسَبُهُ إلَى كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ، وَوَبْرَةُ هُوَ: ابْنُ ثَعْلَبِ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ «2» ، وأم زيد:

_ (1) استدل من حكموا بسبق على بحديث عند الطبرانى أن النبى «ص» صلى أول يوم الاثنين، وصلت خديجة آخره، وصلّى على يوم الثلاثاء. وبما جاء في المستدرك للحاكم: نبىء النبى يوم الاثنين، وأسلم على يوم الثلاثاء. وإلى هذا ذهب سلمان وخباب وجابر وأبو سعيد الخدرى، وبما جاء فى الطبرانى عن الحسن وغيره: كان أول من آمن على بن أبى طالب، وهو ابن خمس عشرة سنة، أو ست عشرة. بينما روى عن عروة أنه أسلم وهو ابن ثمان سنين وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف. (2) فى جمهرة ابن حزم: حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ. وجاء فى مجمع الزوائد عن نسبه: بن رفيدة بن كليب بن وبرة بن الحارث بن قضاعة وفى جمهرة ابن حزم: زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن عامر بن النعمان ابن عامر بن عبدود بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة ابن كلب بن وبرة، ونسبه في الإصابة: زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبدود بن عوف ابن كنانة بن بكر بن عوف بن زيد اللات بن ثور بن كلب بن وبرة الكلبى وما سأزيده بين قوسين فى نسب أمه من الإصابة. هذا وقد اتفق على أنه أول من أسلم من الموالى. وقيل إن حكيم بن حزام اشتراه لعمته خديجة بأربعمائة درهم كما جاء فى الإصابة. أما كونه أول ذكر أسلم، فهو فى حديث مرسل عند الطبرانى كما فى السيرة. وفى مجمع الزوائد أن خديجة رضى الله عنها هى التى استوهته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سُعْدَى بِنْتُ ثَعْلَبَةَ [بْنِ عَبْدِ عَامِرٍ] مِنْ بنى معن من طيّىء، وَكَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ بِزَيْدِ لِتُزِيرَهُ أَهْلَهَا، فَأَصَابَتْهُ خَيْلٌ مِنْ بَنِي الْقَيْنِ بْنِ جِسْرٍ، فَبَاعُوهُ بِسُوقِ حُبَاشَةَ، وَهُوَ مِنْ أَسْوَاقِ الْعَرَبِ، وَزَيْدٌ يَوْمُئِذٍ ابْنُ ثَمَانِيّةِ أَعْوَامٍ، ثُمّ كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ مَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَلَمّا بَلَغَ زَيْدًا قَوْلُ أَبِيهِ: بَكَيْت عَلَى زَيْدٍ، وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ. الْأَبْيَاتَ. قَالَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ الرّكبان: أحن إلى أهلى، وإن كنت نَائِيًا ... بِأَنّي قَعِيدُ الْبَيْتِ عِنْدَ الْمَشَاعِرِ فَكُفّوا مِنْ الْوَجْدِ الّذِي قَدْ شَجَاكُمْ ... وَلَا تُعْمِلُوا فِي الْأَرْضِ نَصّ الْأَبَاعِرِ فَإِنّي بِحَمْدِ اللهِ فِي خَيْرِ أُسْرَةٍ ... كِرَامِ مَعَدّ كَابِرًا بَعْدَ كَابِرِ فَبَلَغَ أَبَاهُ «1» قَوْلُهُ، فَجَاءَ هُوَ وَعَمّهُ كَعْبٌ، حَتّى وَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكّةَ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فقالا له: يابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ، يَا بْنَ سَيّدِ قَوْمِهِ، أَنْتُمْ جِيرَانُ اللهِ، وَتَفُكّونَ الْعَانِيَ، وَتُطْعِمُونَ الْجَائِعَ، وَقَدْ جِئْنَاكُمْ فِي ابْنِنَا عَبْدِك «2» ، لِتُحْسِنَ إلَيْنَا فِي فدائه، فقال: أو غير ذَلِكَ؟ فَقَالَا: وَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: اُدْعُوهُ وَأُخَيّرُهُ، فإن اختاركما فذاك، وإن اختارنى فو الله ما أنا بالذى

_ (1) فى الإصابة أن بعض الحجاج رأوا زيدا فعرفهم وعرفوه، فطلب منهم أن يبلغوا أباه: أحن إلى قومى وإن كنت نائيا ... بأنى قطين البيت عند المشاعر فانطلق الحجاج، وأعلموا أباه، ووصفوا له موضعه (2) فى رواية: عندك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَخْتَارُ عَلَى مَنْ اخْتَارَنِي «1» أَحَدًا، فَقَالَا لَهُ: قَدْ زِدْت عَلَى النّصْفِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمّا جَاءَ قَالَ: مِنْ هَذَانِ؟ فَقَالَ: هَذَا أَبِي حَارِثَةُ بْنُ شَرَاحِيلَ، وَهَذَا عَمّي: كَعْبُ بْنُ شَرَاحِيلَ، فَقَالَ: قَدْ خَيّرْتُك إنْ شِئْت ذَهَبْت مَعَهُمَا، وَإِنْ شِئْت أَقَمْت مَعِي، فَقَالَ: بَلْ أُقِيمُ مَعَك «2» ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: يَا زَيْدُ أَتَخْتَارُ الْعُبُودِيّةَ [عَلَى الْحُرّيّةِ وَ] عَلَى أَبِيك «3» وَأُمّك وَبَلَدِك وَقَوْمِك؟! فَقَالَ: إنّي قَدْ رَأَيْت مِنْ هَذَا الرّجُلِ شَيْئًا، وَمَا أَنَا بِاَلّذِي أُفَارِقُهُ أَبَدًا فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، وَقَامَ بِهِ إلَى الْمَلَإِ مِنْ قُرَيْشٍ «4» ، فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنّ هَذَا ابْنِي، وَارِثًا وَمَوْرُوثًا، فَطَابَتْ نَفْسُ أَبِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ يُدْعَى: زَيْدَ بْنِ مُحَمّدٍ، حَتّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ «5» الْأَحْزَابُ: 5. وَفِي الشّعْرِ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ لِحَارِثَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: حياتى وإن تأتى «6» علىّ منيّتى ... فكل امرىء فان وإن غره الأمل

_ (1) فى الإصابة: «فامنن علينا، وأحسن فى فدائه، فإنا سنرفع لك. قال: وما ذاك؟ قالوا: زيد بن حارثة: فقال: أو غير ذلك!. ادعوه، فخيروه، فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارنى فو الله مَا أَنَا بِاَلّذِي أَخْتَارُ عَلَى مَنْ اخْتَارَنِي فداء» (2) فى الإصابة: «أنت منى بمكان الأب والعم» . (3) الزيادة من الإصابة (4) وقد أخرجه إلى الحجر كما ورد فى الإصابة (5) عن عبد الله بن عمر، قال: «إن زيد بن حارثة- رضى الله عنه- مَوْلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» الصحيحان والترمذى والنسائى (6) فى السيرة: أو تأتى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سَأُوصِي بِهِ قَيْسًا وَعَمْرًا كِلَيْهِمَا ... وَأُوصِي يَزِيدَ ثُمّ أُوصِي بِهِ جَبَلْ «1» يَعْنِي: يَزِيدَ بْنَ كَعْبِ [بْنِ شَرَاحِيلَ] وَهُوَ ابْنُ عَمّ زَيْدٍ وَأَخُوهُ [لِأُمّهِ] «2» وَيَعْنِي بِجَبَلِ: جَبَلَةَ بْنَ حَارِثَةَ أَخَا زَيْدٍ، وَكَانَ أَسَنّ مِنْهُ. سُئِلَ جَبَلَةُ: من أكبر أنت أم زيد؟ فقال: زيد أَكْبَرُ مِنّي، وَأَنَا وُلِدْت قَبْلَهُ، يُرِيدُ: أَنّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ بِسَبْقِهِ لِلْإِسْلَامِ «3» . إسْلَامُ أَبِي بَكْرٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ إسْلَامَ أَبِي بَكْرٍ وَنَسَبَهُ، قَالَ: وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ، وَسُمّيَ عَتِيقًا لِعَتَاقَةِ وَجْهِهِ، وَالْعَتِيقُ: الْحَسَنُ «4» كَأَنّهُ أُعْتِقَ مِنْ الذّمّ وَالْعَيْبِ- وَقِيلَ: سُمّيَ عَتِيقًا؛ لِأَنّ أُمّهُ كَانَتْ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَنَذَرَتْ إنْ وُلِدَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُسَمّيَهُ: عَبْدَ الْكَعْبَةِ، وَتَتَصَدّقُ بِهِ عَلَيْهَا، فَلَمّا عَاشَ وَشَبّ، سُمّيَ: عَتِيقًا، كَأَنّهُ أُعْتِقَ مِنْ الْمَوْتِ «5» ، وَكَانَ يُسْمَى أَيْضًا: عَبْدَ الْكَعْبَةِ إلَى أَنْ أَسْلَمَ، فَسَمّاهُ رَسُولُ اللهِ-

_ (1) فى الإصابة: ثم من بعدهم حبل (2) الزيادة من الإصابة (3) ورد فى البخارى عن ابن عمر: (قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأيم الله إن كان لخليقا للامارة- يعنى: زيد بن حارثة- وإن كان من أحب الناس إلى» هذا وقد قتل زيد فى غزوة مؤتة، وهو أمير سنة 8 هجرية (4) العتق أيضا الكرم والنجابة والشرف والحرية. (5) فى الإصابة: فلمّا ولدته استقبلت به البيت، فقالت: اللهم هذا عتيقك من الموت، فيه لى، وقيل: لقب بهذا لأنه قديم فى الخير، أو لأنه لم يكن فى نسبه شىء يعاب به أهله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَبْدَ اللهِ «1» ، وَقِيلَ: سُمّيَ: عَتِيقًا؛ لِأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ حِينَ أَسْلَمَ: أَنْتَ عَتِيقٌ مِنْ النّارِ «2» ، وَقِيلَ: كَانَ لِأَبِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ: مُعْتَقٌ وَمُعَيْتِقٌ وَعَتِيقٌ «3» ، وَهُوَ: أَبُو بَكْرٍ «4» ، وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْ أُمّ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أُمّ الْخَيْرِ عِنْدَ اسْمِهَا، وَهِيَ: أُمّ الْخَيْرِ بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَمْرِو «5» بِنْتِ عَمّ أَبِي قُحَافَةَ، وَاسْمُهَا: سَلْمَى، وَتُكَنّى: أُمّ الخيره، وَهِيَ مِنْ الْمُبَايَعَاتِ، وَأَمّا أَبُوهُ عُثْمَانُ أَبُو قُحَافَةَ فَأُمّهُ: قَيْلَةُ- بِيَاءِ بِاثْنَتَيْنِ مَنْقُوطَةٍ مِنْ أَسْفَلَ- بِنْتُ أَذَاةَ بْنُ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ. وَامْرَأَةُ أَبِي بَكْرٍ أُمّ ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ وَأَسْمَاءَ: قَتْلَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزّى بِتَاءِ مَنْقُوطَةٍ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ، وَقِيلَ فِيهَا: بِنْتُ عَبْدِ أَسْعَدَ بْنِ نَصْرِ بْنِ حِسْلِ بن عامر

_ (1) عند سعيد بن منصور عن عائشة: قالت: اسم أبى بكر الذى سماء عبد الله. ولكن غلب عليه اسم عتيق، وقال مصعب الزبيرى: قيل له عتيق لأنه، لم يكن فى نسبه شىء يعاب به. (2) فى الترمذى: قالت عائشة: «دخل أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أنت عتيق الله من النار. قالت: فمن يومئذ سمى: عتيقا» وفى أبى يعلى بسنده إلى عائشة: «من سره أن ينظر إلى عتيق من النار، فلينظر إلى أبى بكر» . (3) فى جمهرة ابن حزم: «ولد أبى قحافة أبو بكر، واسمه عبد الله، وعتيق ومعتق لا عقب لهما» ص 127. (4) ورد نسب أبى بكر فى جمهرة ابن حزم، وفى نسب قريش كما هو فى السيرة أما فى الاشتقاق لابن دريد، فليس فيه عمرو، وفى تهذيب الأسماء واللغات النووى «عمير» بدلا من عمرو «انظر ص 275 نسب قريش» . (5) فى الإصابة، وفى نسب قريش؛ وفى تهذيب النووى، وفى جمهرة ابن حزم: عامر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُوَ قَوْلُ الزّبَيْرِ «1» وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَمَا عَكَمَ عِنْدَ ذَلِكَ، أَيْ: مَا تَرَدّدَ، وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ تَوْفِيقِ اللهِ إيّاهُ- فِيمَا ذَكَرَ- رُؤْيَا رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنّهُ رَأَى الْقَمَرَ يَنْزِلُ إلَى مَكّةَ، ثُمّ رَآهُ قَدْ تَفَرّقَ عَلَى جَمِيعِ مَنَازِلِ مَكّةَ وَبُيُوتِهَا، فَدَخَلَ فِي كُلّ بَيْتٍ مِنْهُ شُعْبَةٌ، ثُمّ كَأَنّهُ جُمِعَ فِي حِجْرِهِ، فَقَصّهَا عَلَى بَعْضِ الكنابيين، فَعَبَرَهَا لَهُ بِأَنّ النّبِيّ الْمُنْتَظَرَ الّذِي قَدْ أَظَلّ زَمَانُهُ تَتْبَعُهُ، وَتَكُونُ أَسْعَدَ النّاسِ بِهِ، فَلَمّا دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْإِسْلَامِ، لَمْ يَتَوَقّفْ، وَفِي مَدْحِ حَسّانَ الّذِي قَالَهُ فِيهِ، وَسَمِعَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ أَوّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الرّجَالِ، وَفِيهِ: خَيْرُ الْبَرّيّةِ أَتْقَاهَا، وَأَفْضَلَهَا ... بَعْدَ النّبِيّ، وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلَا وَالثّانِي التّالِي الْمَحْمُودُ مَشْهَدُهُ ... وَأَوّلُ الناس قدما صدّق الرّسلا «2»

_ (1) نسبها فى نسب قريش لأبى عبد الله الزبيرى: قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسعد بن نصر بن مالك بن حسل ص 276 وفى جمهرة ابن حزم: نتيلة بنت عبد العزى بن عبد بن سعد بن جابر بن مالك بن حسئل بن عامر بن لؤى ص 127 (2) قبلهما: إذا تذكرت شجوا من أخى ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا وقيل: إن ابن عباس كان يستشهد بهذه الأبيات على أولية إسلام أبى بكر، وفى الروض جاء الشطر الثانى من البيت الثانى هكذا: «والثانى التالى صدق المرسلا» وقد روى هذا ابن عبد البر والطبرانى فى الكبير. وقد توفى أبو بكر رضى الله عنه فى 4 من جمادى الأولى سنة 13 من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر. وأولاده: عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وعائشة وأسماء وأم كلثوم. وأم عائشة وعبد الرحمن: أم رومان بنت عامر بن عمير بن ذهل بن دهمان بن الحارث بن تيم بن مالك بن كنانة، وفى جمهرة ابن حزم، وفى نسب قريش: بنت عبد شمس بن عتّاب بن أذينة بن سبيع بن عامر بن عويمر بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة. نسب قريش 276.

الذين أسلموا بدعوة أبى بكر

[الذين أسلموا بدعوة أبى بكر] فَأَسْلَمَ بِدُعَائِهِ- فِيمَا بَلَغَنِي- عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بن أبى العاص بن أميّة ابن عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤىّ ابن غَالِبٍ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ بْنِ كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. وَسَعْدُ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ، وَاسْمُ أَبِي وَقّاصٍ: مَالِكُ بن أهيب بن عبد مناف ابن زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، فَجَاءَ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم- حين استجابوا له، فأسلموا وَصَلّوْا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يَقُولُ فِيمَا بَلَغَنِي: مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إلَى الْإِسْلَامِ إلّا كَانَتْ فِيهِ عِنْدَهُ كَبْوَةٌ، وَنَظَرٌ وَتَرَدّدٌ، إلّا مَا كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، مَا عَكَمَ عَنْهُ حِينَ ذَكَرْتُهُ لَهُ، وَمَا تَرَدّدَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: «بِدُعَائِهِ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: عَكَمَ: تَلَبّثَ. قال رؤبة بن العجّاج: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والصاع وَثّابٌ بِهَا وَمَا عَكَمَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ هَؤُلَاءِ النّفَرُ الثّمَانِيَةُ الّذِينَ سَبَقُوا النّاسَ بِالْإِسْلَامِ فَصَلّوْا وَصَدّقُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلّم بما جاءه من الله. ثم أسلم أبو عبيدة، وَاسْمُهُ: عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْجَرّاحِ بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. وَأَبُو سَلَمَةُ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بن مرّة بن كعب ابن لؤىّ. وَالْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ. وَاسْمُ أَبِي الْأَرْقَمِ: عَبْدُ مَنَافِ بْنِ أَسَدٍ- وَكَانَ أَسَدٌ يُكَنّى: أبا جندب- بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب ابن لُؤَيّ. وَعُثْمَانُ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حذافة بن جمح بن عمرو ابن هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. وَأَخَوَاهُ: قَدَامَةُ وَعَبْدُ اللهِ ابْنَا مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبٍ وَعُبَيْدَةُ بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، وَامْرَأَتُهُ: فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بن رياح بن رزاح بن عدىّ ابن كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، أُخْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ. وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ. وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ صَغِيرَةٌ. وَخَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَيُقَالُ: هُوَ من خزاعة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كاهل ابن الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ حليف بنى زهرة، وَمَسْعُودُ بْنُ الْقَارّيّ، وَهُوَ مَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حَمَالَةَ بْنِ غَالِبِ بْنِ مُحَلّمِ بْنِ عَائِذَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ من القارة. قال ابن هشام: والقارة: لقب، وَلَهُمْ يُقَالُ: قَدْ أَنْصَفَ الْقَارّةَ مَنْ رَامَاهَا وكانوا قوما رماة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَلِيطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عبد شمس بن عبدودّ بن نصر ابن مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بن غالب بن فهر. وعيّاش ابن أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بن مخزوم بن يقظة بن مرّة ابن كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. وَامْرَأَتُهُ أَسَمَاءُ بِنْتُ سَلَامَةَ بْنِ مُخَرّبَةِ التّمِيمِيّةُ. وَخُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قيس بن عدي بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هصيص ابن كعب بن لؤىّ. وعامر بن ربيعة بن عنز بن وائل، حليف آل الخطّاب ابن نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْزُ بْنُ وَائِلِ أَخُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، من ربيعة بن نزار. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشِ بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مرة بن كَبِيرُ بْنُ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ بْنِ خُزَيْمَةَ. وَأَخُوهُ: أَبُو أَحَمْدَ بْنُ جَحْشٍ، حَلِيفَا بَنِي أُمّيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَامْرَأَتُهُ: أَسَمَاءُ بنت عميس بن النعمان بن كعب بن مَالِكِ بْنِ قُحَافَةَ، مِنْ خَثْعَمَ، وَحَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جمح بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ المجلّل بن عبد الله أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لؤى بن غالب بن فهر- وأخوه خطّاب بْنُ الْحَارِثِ، وَامْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ. وَمَعْمَرُ بن الحارث ابن مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جمح بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. وَالسّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ. والمطّلب ابن أزهر بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، وَامْرَأَتُهُ: رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنُ صُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. وَالنّحّامُ، وَاسْمُهُ: نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَسِيد، أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أسيد بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، وَإِنّمَا سُمّيَ النّحّامَ، لِأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَقَدْ سَمِعْت نَحْمَهُ فِي الْجَنّةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَحْمُهُ: صوته وحسّه. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مُوَلّدٌ مِنْ مُوَلّدِي الْأَسْدِ، أَسْوَدُ اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه منهم. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، وَامْرَأَتُهُ أَمِينَةُ بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بْنِ مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ خُزَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: هُمَيْنَةُ بِنْتُ خَلَفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شمس بن عبد ودّ بن نصر ابن مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ. وَأَبُو حُذَيْفَةَ، وَاسْمُهُ: مهشم- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بْنِ لُؤَيّ. وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عبد مناف ابن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، حَلِيفُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: جَاءَتْ بِهِ بَاهِلَةُ، فَبَاعُوهُ مِنْ الْخَطّابِ بْنِ نُفَيْلٍ، فَتَبَنّاهُ، فَلَمّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» الأحزاب: 5 قَالَ: أَنَا وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فِيمَا قال أبو عمرو المدنى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَالِدٌ وَعَامِرٌ وَعَاقِلٌ وَإِيَاسٌ بنو البكير ابْنِ عَبْدِ ياليل بْنِ نَاشِبِ بْنِ غَيْرَةَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةِ حَلْفَاءُ بَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ. وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عمّار بن ياسر عنسىّ من مذحج. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ، أَحَدُ النّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، حَلِيفُ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النّمِرُ بْنُ قَاسِطِ بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد ابن رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ، وَيُقَالُ: أَفْصَى بْنِ دُعْمِيّ بْن جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ، وَيُقَالُ: صُهَيْبٌ: مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ. وَيُقَالُ: إنّهُ رُومِيّ. فَقَالَ بَعْضُ مَنْ ذَكَرَ أَنّهُ مِنْ النّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ: إنّمَا كَانَ أَسِيرًا فِي أَرْضِ الرّومِ، فَاشْتُرِيَ مِنْهُمْ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُهَيْبٌ سابق الروم. ـــــــــــــــــــــــــــــ إسْلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: وَذَكَرَ إسْلَامَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَاسْمَهُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ، فَقِيلَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ، وَقِيلَ: عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَأُمّهُ: أُمَيْمَةُ بنت غنم بن جابر ابن عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَامِرَةَ بْنِ وَدِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، قَالَهُ الزّبَيْرُ «1» . وَذَكَرَ إسْلَامَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى، وَذَكَرْنَا أُمّهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ بَعْجَةَ «2» بْنِ خَلَفٍ الْخُزَاعِيّةَ، وَمَا وَقَعَ فِي نَسَبِهِ مِنْ التّقْدِيمِ والتأخير، ومن

_ (1) فى ص 445 من نسب قريش لأبى عبد الله الزبيرى، وفى التهذيب النووى أميمة بنت جابر. (2) فى الإصابة: بعجة بن مليح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْفَتْحِ فِي رَزَاحِ بْنِ عَدِيّ وَالْكَسْرِ، وَأَنّ رَزَاحَ بْنَ رَبِيعَةَ هُوَ الّذِي لَمْ يُخْتَلَفْ فى كسر الراء منه، ويكنى سعيد: أَبَا الْأَعْوَرِ، تُوُفّيَ بِأَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ، وَدُفِنَ بِالْمَدِينَةِ فى أيام معاوية سنة خمسين، وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، رَوَى عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَأَبُو الطّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ التّابِعِينَ «1» ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلّا حَدِيثَيْنِ «2» . أَحَدُهُمَا: «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا من أرض طوقه يوم القيامة من سبع أَرَضِينَ «3» » وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجَنّةِ، وَأَحَدُ الّذِينَ رَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اُثْبُتْ حِرَاءُ؛ فَإِنّمَا عَلَيْك نَبِيّ أَوْ صِدّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ «4» » ويروى: اثبت أحد «5» ،

_ (1) من كبارهم: أبو عثمان النهدى، وابن المسيب، وقيس بن أبى حازم وغيرهم (2) فى ذخائر المواريث ذكر له عشرة أحاديث. (3) رواه البخارى فى المظالم وبدء الخلق، ومسلم فى البيوع (4) بعد هذا ورد: «قيل: ومن هم؟ قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف. قيل: ومن العاشر؟ قال- أى سعيد بن زيدر وأى الحديث- أنا» رواه الترمذى وأبو داود. (5) روى قصة أحد البخارى وأحمد والترمذى والنسائى وأبو حاتم وأبو داود. والذين كانوا معه: أبو بكر، وعمر وعثمان وفيه: «فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان» وحديث ثبير- وهو جبل بالمزدلفة على يسار الذاهب إلى منى- عن ثمامة بن شراحيل اليمانى. والذين كانوا مع الرسول صلّى الله عليه وسلم هم: أبو بكر وعمر وعثمان. وفيه: فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان. وقد أخرجه النسائى والترمذى والدار قطنى. وفى حديث حراء المروى عن أبى هريرة أمه كان معه أبو بكر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَنّ الْقِصّةَ كَانَتْ فِي جَبَلِ أُحُدٍ، وَيُرْوَى أَنّهَا كَانَتْ فِي جَبَلِ ثَبِيرٍ ذَكَرَهُ التّرْمِذِيّ، وَأَنّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةً مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَلَعَلّ هَذَا أَنْ يَكُونَ مِرَارًا، فَتَصِحّ الْأَحَادِيثُ كُلّهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ. إسْلَامُ سَعْدٍ وَابْنُ عَوْفٍ وَالنّحّامِ: وَذَكَرَ فِيمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ، وَاسْمُ أَبِي وَقّاصٍ: مَالِكُ بْنُ أُهَيْب، وَأُهَيْبٌ: هُوَ عَمّ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُمّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْوَقّاصُ فِي اللّغَةِ، هُوَ وَاحِدُ الْوَقَاقِيصِ وَهِيَ شِبَاكٌ يَصْطَادُ بِهَا الطّيْرُ، وَهُوَ أَيْضًا فَعَالٍ مِنْ وُقِصَ إذَا انْكَسَرَ عُنُقُهُ، وَأُمّ سَعْدٍ: حَمْنَةُ «1» بِنْتُ سُفْيَانَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، يُكَنّى: أَبَا إسْحَاقَ، وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ، دَعَا لَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُسَدّدَ اللهُ سَهْمَهُ، وَأَنْ يُجِيبَ دَعْوَتَهُ، فَكَانَ دُعَاؤُهُ أَسْرَعَ الدّعَاءِ إجَابَةً «2» . وَفِي الْحَدِيثِ أن

_ - وعمر وعثمان وطلحة والزبير، وفى رواية: وسعد بن أبى وقاص، ولم يذكر عليا فى هذه الرواية، وفيه: فما عليك إلا نبى أو صديق أو شهيد. وقد خرجهما مسلم، والترمذى، وذكر عليا، ولم يذكر سعدا. ولكن الثابت أن سعدا مات بقصره بالعقيق قرب المدينة. ولم يستشهد. (1) فى الإصابة: حمزة، ولعله خطأ مطبعى، وكانت غير واضحة فى الروض فأثبتها من نسب قريش ص 263. (2) فى البخارى ومسلم والترمذى أن الرسول «ص» كان يقول له يوم أحد «ارم، فداك أبى وأمى» . وزاد الترمذى أيها الغلام الحزور «الشديد القوى» وروى البخارى عن سعد: «لقد مكثت ثلاثة أيام، وإنى لثلث الإسلام» يعنى ثالث رجل أسلم، وروى الترمذى: اللهم استجب لسعد إذا دعاك. مات سعد-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: احْذَرُوا دَعْوَةَ سَعْدٍ. مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بن عبد بن الحارث ابن زُهْرَةَ «1» ، وَهُوَ أَيْضًا أَحَدُ الْعَشَرَةِ يُكَنّى: أَبَا محمد، أمّه: الشّفاء بنت عوف ابن عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ «2» وَهِيَ بِنْتُ عَمّ عَوْفٍ وَالِدِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَأَبُوهَا: عَوْفٌ عم عوف وأخو عبد عوف.

_ - رضى الله عنه بالعقيق، وحمل إلى المدينة، وقال الواقدى: أثبت ما قيل فى وقت وفاته أنها سنة خمس وخمسين، وهو الذى بنى الكوفة، وفتح مدائن كسرى واعتزل الفتنة. وعن عائشة قالت: سهر رسول الله «ص» مقدمه المدينة ليلة، فقال: ليت رجلا صالحا من أصحابى يحرسنى الليلة، قالت: فبينا نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح، فقال: من هذا؟ قال: سعد بن أبى وقاص، فقال له رسول الله: ما جاء بك؟ فقال: وقع فى نفسى خوف فجئت أحرسك، فدعا له رسول الله «ص» ثم نام. رواه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى. (1) نسبه هكذا فى نسب قريش، وقد سقط من نسبه فى الإصابة: ابن بين عبد، وبين الحارث، أما فى جمهرة ابن حزم، فنسبه: عبد الرحمن بن عوف بن عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب. (2) فى الإصابة جاء نسبها: أبوها: عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث ابن زهرة. وهو خطأ لأنها بهذا تكون أخت عبد الرحمن. وفى نسب قريش: الشفاء بنت عوف بن الحارث بن زهرة. فأسقط «عبد بن الحارث» من نسبها. وفى مكان آخر: «الشفاء بنت عوف بن عبد» ص 265، 263 وفى الإصابة: واسم أمه: صفية، ويقال: الصفا، حكاه ابن منده ذكر البخارى فى تاريخه من طريق الزهرى: قال: أوصى عبد الرحمن بن عوف لكل من شهد بدرا بأربعمائة دينار، فكانه مائة رجل، مات سنة 31 أو 32 هـ وعاش 72 عاما. دفن بالبقيع وصلى عليه عثمان. أو الزبير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ النّحّامُ «1» ، وَقَوْلُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعْت نِحْمَةً فِي الْجَنّةِ، وَلَمْ يُفَسّرْ النّحْمَ مَا هُوَ، وَهِيَ سُعْلَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ، وَيُقَال لِلْبَخِيلِ: نَحّامٌ؛ لِأَنّهُ يَسْعَلُ إذَا سُئِلَ يَتَشَاغَلُ بِذَلِكَ، وَأَنْشَدَ الزّبَيْرُ: مالك لَا تَنْحِمُ يَا رَواحَهْ ... إنّ النّحِيمَ لِلسّقَاةِ رَاحَهْ قَالَ: وَيُقَالُ لِلنّحْمَةِ: نَحْطَةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: النّحْطَةُ فِي الصّدْرِ، وَالنّحْمَةُ فِي الْحَلْقِ، وَالنّحّامُ أَيْضًا طَائِرٌ أَحْمَرُ فِي عَظْمِ الْإِوَزّ «2» . عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَمَسْعُودٌ الْقَارِيّ: وَذَكَرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودِ «3» بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كاهل

_ (1) نسبه فى نسب قريش. نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَسِيد بْنِ عبد بن عوف. ابن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، أما فى الإصابة فكما فى السيرة، أى: بإسقاط ابن بين عبد وعوف. وقد استشهد نعيم بأجنادين فى خلافة عمر سنة خمس عشرة. وقيل: يوم مؤته فى حياة النبى «ص» . (2) فى القاموس: نحط ينحط نيحطا، زفر زفيرا، النحاط كغراب: تردد البكاء فى الصدر من غير أن يظهر كالنحط. وقال عن النحيم إنه كالزحير أو فوقه. وقال عن النحام بمعنى طائر إنها على وزن غراب، وخطأ الجوهرى فى فتحها وشدها، وفى الاستيعاب لابن عبد البر، وعند ابن الكلبى: أسيد بن عبد عوف انظر الخشنى ص 80، وفى كتاب حذف نسب قريش ص 82 لمؤرج بن عمرو السدوسى «أسيد بن عبد عوف» . (3) فى الإصابة: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن سمع بن فار ابن مخزوم بن صاهلة بن الحارث بن تيم بن سعد بن هذيل الهذلى أبو عبد الرحمن. فى جمهرة ابن حزم: شمخ وتميم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَقَالَ فِي نَسَبِهِ: كَاهِلٌ، وَقَيّدَهُ الْوَقَشِيّ بِفَتْحِ الْهَاءِ مِنْ كَاهِلٍ، كَأَنّهُ سُمّيَ بِالْفِعْلِ مِنْ كَاهَلَ يُكَاهِلُ، كَمَا قَالَ- عَلَيْهِ السّلَامُ لِرَجُلِ اسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ- وَاسْمُهُ: جَاهِمَةُ- فَقَالَ: هَلْ فِي أَهْلِك مِنْ كَاهِلٍ أى: من قوىّ على التصرف «1» ، والكتهال: الْقُوّةُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَاهَلَ أَيْ: أَسَنّ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيّ: إنّمَا لَفْظُ الْحَدِيثِ هَلْ فِي أَهْلِك مِنْ كَاهِنٍ، وَغَيّرَهُ الرّاوِي لَهُ، فَقَالَ: مِنْ كَاهِلٍ، قَالَ: وَكَاهِنُ الرّجَالِ، هُوَ الّذِي يَخْلُفُ الرّجُلَ فِي أَهْلِهِ يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ بَعْدُ، يُقَالُ مِنْهُ: كَهُنَ يَكْهُنُ كَهَانَةً. وَذَكَرَ فِي نَسَبِهِ أَيْضًا شَمْخًا وَهُوَ مَنْ شَمَخَ بِأَنْفِهِ إذَا رَفَعَهُ عِزّةً. وَأُمّ عَبْدِ اللهِ هِيَ: أُمّ عَبْدِ بِنْتِ سَوْدِ بْنِ قَدِيمِ بْنِ صَاهِلَةَ هُذَلَيّة «2» . وَذَكَرَ مَسْعُودًا الْقَارِيّ، وَهُوَ: مسعود بن ربيعة ورفع نسبه إلى الهوز ابن خُزَيْمَةَ، وَهُمْ الْقَارَةُ وَفِيهِمْ جَرَى الْمَثَلُ الْمَثَلُ: قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَةَ مَنْ رَامَاهَا. قَالَ الرّاجِزُ: قَدْ عَلِمَتْ سَلْمَى، وَمَنْ وَالَاهَا ... أَنّا نَرُدّ الخيل عن هواها

_ (1) فى النهاية والقاموس: ويروى من كاهل- بفتح ميم من- وهاء كاهل باعتبارها فعلا ماضيا أى تزوج. أو أسن وفى الاشتقاق: من كاهل أى كهل يقوم بأمرهم ذو سن محتنك (2) فى الإصابة: أمه: أم عبيد بنت عبدود بن سود أو اسواءة بن مريم وفى جمهرة ابن حزم: وأم عبد الله بن مسعود: أم عبد من المهاجرات الأول من بنى قديم بن صاهلة بن كاهل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَرُدّهَا دَامِيَةً كُلَاهَا ... قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَةَ مَنْ راماها إنّا إذا ما فئة ناقاها ... نَرُدّ أُولَاهَا عَلَى أُخْرَاهَا وَسُمّيَ بَنُو الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ قَارَةً لِقَوْلِ الشّاعِرِ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ: دَعُونَا قَارَةً لَا تُذْعِرُونَا ... فَنُجْفِلُ مِثْلَ إجْفَالِ الظّلِيمِ «1» هَكَذَا أَنْشَدَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ، وَأَنْشَدَهُ قَاسِمٌ فِي الدّلَائِلِ: دَعُونَا قَارَةً لَا تُذْعِرُونَا ... فَتَنْبَتِكَ الْقَرَابَةُ وَالذّمَامُ وَكَانُوا رُمَاةَ الْحَدَقِ «2» ، فَمَنْ رَامَاهُمْ فَقَدْ أَنْصَفَهُمْ، وَالْقَارَةُ: أَرْضٌ كَثِيرَةُ الْحِجَارَةِ، وَجَمْعُهَا «3» قُورٌ، فَكَأَنّ مَعْنَى الْمَثَلِ عِنْدَهُمْ: أَنّ الْقَارَةَ لَا تَنْفَدُ حِجَارَتُهَا إذَا رُمِيَ بِهَا، فَمَنْ رَامَاهَا فَقَدْ أَنْصَفَ. وَهُمْ فِي نَسَبِ أَبِي حُذَيْفَةَ: وَذَكَرَ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُهُ: مُهَشّمٌ، وَهُوَ وَهْمٌ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ، فَإِنّ مُهَشّمًا إنّمَا هُوَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَخُو هَاشِمٍ، وَهِشَامٌ ابْنَيْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأَمّا أبو حذيفة بن عتبة فاسمه:

_ (1) فى الاشتقاق واللسان: لا تنفرونا. وفى مجمع الأمثال: القارة قبيلة، وهم عضل والديش ابنا الهون بن خزيمة، وإنما سموا قارة، لاجتماعهم والتفافهم لما أراد الشداخ أن يفرقهم فى بنى كنانة، وهم اليوم فى اليمن. وقيل غير ذلك. (2) يقال: هو من رماة الحدق: حاذق ماهر فى النضال. (3) فى الاشتقاق: القارة: أكمة سوداء فيها حجارة، وفى القاموس جاء أيضا أنها الجبل الصغير المنقطع عن الجبال، أو الصخرة العظيمة أو الصخرة السوداء وجمعها قارات وقار وقور، وقيران. هذا وقد ورد فى نسب مسعود فى الإصابة بعد غالب هو ابن عائدة بن نثيع بن مليح، وعند الكلبى: مسعود بن عامر ابن ربيعة بن عمير بن سعد بن مخلد بن غالب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَيْسٌ فِيمَا ذَكَرُوا «1» . عُمَيْسٌ: وَذَكَرَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ امْرَأَةَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعُمَيْس أَبُوهَا هُوَ: ابْنُ مَعَدّ «2» بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَيْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قُحَافَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَسْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ شَهْرَانِ بْنِ عِقْرِسِ بْنِ حُلْفِ بْنِ أَفْتَلَ، وَهُوَ: جَمَاعَةُ خَثْعَمِ بْنِ أَنْمَارٍ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنْمَارِ هَذَا، وَقَدْ تَقَدّمَ. وَأُمّهَا: هِنْدُ بِنْتُ عَوْفِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ «3» مِنْ كِنَانَةَ، وَهِيَ أُخْت مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْهِلَالِيّةِ زَوْجِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمّهُمَا وَاحِدَةٌ، وَأُخْتُ لُبَابَةَ أُمّ الْفَضْلِ امْرَأَةُ الْعَبّاسِ «4» ، وَكُنّ تسع أخوات «5» ، فيهن، قال رسول الله

_ (1) فى الإصابة أيضا مع هذا: وقيل: هاشم. استشهد يوم اليمامة، وهو ابن ست وخمسين سنة، وفى الخشنى ص 80 مثل تصويب السهيلى (2) هو بإسكان العين أو فتحها. ونسبه فى نسب قريش: عميس بن معبد بن تيم ابن مَالِكِ بْنِ قُحَافَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ معاوية بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَسْرِ بْنِ وهب الله بن شَهْرَانَ بْنِ عِفْرِسِ بْنِ حُلْفِ بْنِ أَفْتَلَ، وفى جمهرة ابن حزم، وعميس بن مَعَدّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَيْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قُحَافَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ ربيعة بن عامر بن سعد، ابن مالك بن بشر بن وهب بن شهران بن عفرس بن حلف بن خثعم «ص «80 نسب قريش: 368 جمهرة» . والإصابة تنفق مع الروض حتى ربيعة. ثم تقول عن ربيعة: ابن غانم بن معاوية بن زيد الخثعمية. وقيل: «عميس هو ابن النعمان ابن كعب، والباقى سواء» . (3) قيل خولة بنت عوف بن زهير. (4) فى الاشتقاق: أنها أم بنى العباس بن عبد المطلب إلا تماما وكثيرا. (5) قيل: عشر لأم، وست لأم وأب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْأَخَوَاتُ مُؤْمِنَات، وَكَانَتْ قبل جعفر عند حمزة ابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَمَةَ اللهِ، ثُمّ كَانَتْ عِنْدَ شَدّادِ بْنِ الْهَادِ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللهِ وَعَبْدَ الرّحْمَنِ، وَقَدْ قِيلَ: بَلْ الّتِي كَانَتْ عِنْدَ حَمْزَةَ، ثُمّ عِنْدَ شَدّادٍ هِيَ أُخْتُهَا: سَلْمَى، لَا أَسْمَاءَ، وَتَزَوّجَهَا بَعْدَ حَمْزَةَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمّدَ ابن أَبِي بَكْرٍ، وَتَزَوّجَهَا بَعْدَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ يَحْيَى. قَالَ الْكَلْبِيّ: وَلَدَتْ لَهُ مَعَ يَحْيَى عَوْنَ بْنَ عَلِيّ «1» ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَنّهَا وَلَدَتْ لِجَعْفَرِ ابْنًا اسْمُهُ: عَوْنٌ «2» ، وَوَلَدَتْ لَهُ أَيْضًا عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَرٍ، وَكَانَ جَوَادَ الْعَرَبِ فِي الْإِسْلَامِ، وَبَنَاتُ عُمَيْسٍ: أَسْمَاءُ وَسَلَامَةَ وَسَلْمَى، وَهُنّ أَخَوَاتُ مَيْمُونَةَ وَسَائِرُ أَخَوَاتِهَا لِأُمّ. تَصْوِيبٌ فِي نَسَبِ بَنِي عَدِيّ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي السّابِقِينَ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْ بَنِي سَهْمٍ: عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسِ ابن الحارث بْنُ عَدِيّ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ «3» ، وَحَيْثُمَا تكرر نسب بنى عدى بن سعد

_ (1) فى الإصابة أن الذى روى هذا هو ابن سعد عن الواقدى. أما ابن الكلبى فقال إنها ولدت له عونا، وقال أبو عمر: تفرد بذلك ابن الكلبى. (2) ولدته له فى الحبشة فى هجرتها. وفى الإصابة أنها تزوجت أبا بكر بعد قتل زوجها جعفر، وروى عمر بن شبة فى كتاب مكة أن الرسول زوجها أبا بكر يوم حنين. (3) المذكور فى السيرة فى هذا الموضع: خنيس، أما عبد الله فأخوه، وكان خنيس زوج حفصة رضى الله عنه- وقد مات بجراحه يوم أحد، وقد تزوج النبى صلى الله عليه وسلم حفصة بعده. ونسب خنيس فى نسب قريش هو: خنيس بن حذافة ابن قيس بن عدي بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هصيص بن كعب. وهو مطابق لما فى السيرة-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن سَهْمِ يَقُولُ فِيهِ ابْنُ إسْحَاقَ: سُعَيْد «1» ، وَالنّاسُ عَلَى خِلَافِهِ، وَإِنّمَا هُوَ سَعْدٌ، وَسَيَأْتِي فِي شِعْرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسِ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنّمَا سُعَيْد بْنُ سَهْمٍ أَخُو سَعْدٍ، وَهُوَ جَدّ آلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ سُعَيْد بْنِ سَهْمٍ وَفِي سَهْمٍ: سَعِيدٌ آخَرَ، وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ جَدّ الْمُطّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، وَاسْمُ أَبِي وَدَاعَةَ: عَوْفُ بْنُ صُبَيْرَةَ «2» ، ابْنُ سُعَيْد بْنُ سَعْدٍ، وَقَدْ قِيلَ فِي صُبَيْرَةَ: ضُبَيْرَةَ بِالضّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ الّذِي كَانَ شَابّا جَمِيلًا يَلْبَسُ حُلّةً، وَيَقُولُ لِلنّاسِ: هَلْ تَرَوْنَ بِي بَأْسًا إعْجَابًا بِنَفْسِهِ، فَأَصَابَتْهُ الْمَنِيّةُ بَغْتَةً، فَقَالَ الشّاعِرُ فِيهِ: مَنْ يَأْمَنُ الْحَدَثَانِ بَعْدَ صُبَ ... يْرَةَ الْقُرَشِيّ مَاتَا سَبَقَتْ مُنْيَتُهُ الْمَشِي ... بَ وَكَانَ مَنِيّتُهُ افْتِلَاتَا «3» عَنْزٌ: وَذَكَرَ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ. عَنْزٌ بِسُكُونِ النّونِ، وَيَذْكُرُ عَنْ عَلِيّ بْنِ الْمَدِينِيّ أَنّهُ قَالَ، فِيهِ عَنَزٌ بِفَتْحِ النّونِ، وَالسّكُونُ أَعْرَفُ ذَكَرَ أَهْلُ النّسَبِ أَنّ وَائِلًا [بْنَ قَاسِطٍ] كَانَ إذَا وُلِدَ لَهُ ولد، خرج من خبائه،

_ - ولهذا يكون السهيلى مخطئا فى نقله عن السيرة إذ ذكر عبد الله بن قيس بن الحارث بن عدى دون خنيس. وليس لعدى ولد اسمه الحارث، فالحارث ابن قيس، ووالد قيس هو عدى. (1) وقوله هنا حق، وقد صوبتها فى السيرة عن صاحب الروض، وعن نسب قريش لأبى عبد الله المصعب الزبيرى ص 400 وما بعدها، وعن جمهرة ابن حزم ص 154، وعن الإصابة فى ترجمة خنيس. (2) هو كذلك فى النسب أما فى جمهرة ابن حزم فهبيرة وهو خطأ (3) منية: موت، افتلات: فجأة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَمَا وَقَعَتْ عَيْنُهُ عَلَيْهِ سَمّاهُ بِهِ، فَلَمّا وُلِدَ لَهُ بَكْرٌ وَقَعَتْ عَيْنُهُ عَلَى بَكْرٍ مِنْ الْإِبِلِ، فَسَمّاهُ بِهِ، فَلَمّا وُلِدَ لَهُ تَغْلِبُ رَأَى نَفْسَيْنِ يَتَغَالَبَانِ، فَسَمّاهُ تَغْلِبَ، فَلَمّا وُلِدَ لَهُ عَنْزٌ، رَأَى عَنْزًا- وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْمَعْزِ- فَسَمّاهُ عَنْزًا، فَلَمّا وُلِدَ لَهُ الشّخَيْصِ خَرَجَ فَرَأَى شَخْصًا عَلَى بُعْدٍ صَغِيرًا، فَسَمّاهُ: الشّخَيْصَ، بِهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ «1» ، هُمْ قَبَائِلُ وَائِلٍ، وَهُمْ مُعْظَمُ رَبِيعَةَ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَنْزِيّ الْعَدَوِيّ حَلِيفٌ لَهُمْ، وَيُقَالُ: هُوَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ رُفَيْدَة بْنِ عَنْزِ بْنِ وَائِلِ بْنِ قَاسِطٍ، وَقِيلَ: عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حُجَيْرِ بْنِ سَلَامَانِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ دُعْمِيّ بْن جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ «2» إسْلَامُ عَامِرِ بْنِ فَهَيْرَةَ: وَذَكَرَ عَامِرَ بن فَهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَفُهَيْرَةَ: أُمّهُ، هِيَ تَصْغِيرُ فِهْرٍ، لِأَنّ الْفِهْرَ مُؤَنّثَةٌ، وَكَانَ عَبْدًا أسود للطّفيل بن الحارث بن سخبرة «3» اشتراه

_ (1) القصة فى الاشتقاق لابن دريد ص 6 وفيها: «فإذا هو بشخيص قد ارتفع له، ولم تتبينه نظراته» وعن تغلب: «فغلبه أن يرى شيئا فسماه تغلب» (2) فى جمهرة ابن حزم ص 285 عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ ابن ربيعة بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حُجَيْرِ بْنِ سلامان بن مالك بن ربيعة ابن رُفَيْدَة بْنِ عَنْزِ بْنِ وَائِلِ بْنِ قَاسِطٍ بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة ابن أسد بن ربيعة بن نزار. وفى الإصابة كالنسب الأول فى الروض مات سنة 32 هـ وقال أبو عبيدة سنة 37 هـ، (3) فى الإصابة الطفيل بن عبد الله بن سخبرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَهُ، وَأَسْلَمَ قَبْل دُخُولِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارَ الْأَرْقَمِ، وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ نُبَذٌ مِنْ أَخْبَارِهِ، مِنْهَا: أَنّهُ قَتَلَهُ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ «1» يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، فَلَمّا طَعَنَهُ خَرَجَ مِنْ الطّعْنَةِ نُورٌ، وَكَانَ عَامِرٌ يَقُولُ: مَنْ رَجُلٌ لَمّا طَعَنْته رُفِعَ، حَتّى حَالَتْ السّمَاءُ دُونَهُ، هَذِهِ رِوَايَةُ الْبَكّائِيّ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ عَامِرًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حين قَدِمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ مَنْ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِك لَمَا طَعَنْته رُفِعَ إلَى السّمَاءِ؟ فقال: هو عامر بن فُهَيْرَةَ، وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنّ عَامِرًا اُلْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى يَوْمئِذٍ فَلَمْ يُوجَدْ، فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنّ الْمَلَائِكَةَ رَفَعَتْهُ، أَوْ دفنته «2» ذكره ابن المبارك.

_ (1) عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر الكلابى العامرى مات كافرا بإجماع أهل النقل. وفى الصحيح أنه قدم على النبى «ص» فقال له: لك أهل السهل، ولى أهل المدر، أو أكون خليفتك أو أغزوك بألف أشقر، وألف شقراء، فقال «ص» : اللهم اكفنى عامرا فطعن فى بيت امرأة- فقال: ائتونى بفرسى، فمات على ظهر فرسه، وليس هو عامر بن الطفيل الأسلمى الصحابى. (2) قتل عامر وسنه أربعون سنة، وفى البخارى أنه كان غلاما لعبد الله بن الطفيل بن سخيرة أخى عائشة لأمها، وهو الذى كان يرعى بمنحة من غنم لأبى بكر- كما جاء فى البخارى- فيريحها على الرسول «ص» وأبى بكر، وهما فى غار ثور، فيبيتان- كما جاء فى الحديث- فى رسل- وهو لبن منحتهما- غنم- ورضيفهما «الرسل اللبن، والرضيف اللبن الذى وضعت فيه الحجارة المحماة ليذهب وخمه أو اللبن المغلى» حتى ينعق عامر بهذه الغنم بغلس، وكان يفعل هذا كل ليلة من الليالى الثلاث دون أن يشعر به أحد. وقد روى البخارى أنه لما قتل الذين ببئر معونة، وأسر عمرو بن أمية الضمرى قال له عامر بن الطفيل: من هذا؟ وأشار-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَمَا الْمَصْدَرِيّةُ وَاَلّذِي: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ سُبْحَانَهُ: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ «1» الْحِجْرُ: 94. وَالْمَعْنَى: اصْدَعْ بِاَلّذِي تُؤْمَرُ بِهِ، وَلَكِنّهُ لَمّا عَدّى الْفِعْلَ إلَى الْهَاءِ حَسُنَ حَذْفُهَا، وكان الحذف ههنا أَحْسَنَ مِنْ ذِكْرِهَا؛ لِأَنّ مَا فِيهَا مِنْ الْإِبْهَامِ أَكْثَرُ مِمّا تَقْتَضِيهِ الّذِي، وَقَوْلُهُمْ: مَا مَعَ الْفِعْلِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ، رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى الذى إذا

_ - إلى قتيل، فقال له عمرو: هذا عامر بن فهيرة، فقال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء، حتى إنى لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض، ثم وضع. ونلحظ أن قائل هذا هو عامر بن الطفيل الكافر. (1) فى البخارى عن ابن عباس. قال: لما نزلت (وأنذر عشيرتك) جعل النبى يدعوهم قبائل قبائل. وعن أبى هريرة أن النبى قال: يا بنى عبد مناف. اشتروا أنفسكم من الله. يا بنى عبد المطلب اشتروا أنفسكم من الله. يا أم الزبير ابن العوام عمة رسول الله، يا فاطمة بنت محمد اشتريا أنفسكما من الله. لا أملك لكما من الله شيئا، سلانى من مالى ما شئتما. وعن ابن عباس أيضا: «لما نزلت وأنذر عشيرتك، جعل النبى ينادى: يا بنى فهر يا بنى عدى ببطون قريش» وهذه القصة إن كانت وقعت فى صدر الإسلام بمكة، فإن ابن عباس لم يدركها. لأنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ولا أبو هريرة لأنه إنما أسلم بالمدينة، وفى نداء فاطمة يومئذ أيضا ما يقتضى تأخر القصة؛ لأنها كانت حينئذ صغيرة أو مراهقة، وإن كان أبو هريرة حضرها، فلا يناسب الترجمة (يعنى ترجمة البخارى لهذا الباب بقوله: باب من انتسب إلى آبائه فى الإسلام والجاهلية» لأنه إنما أسلم بعد الهجرة، بمدة، والذى يظهر أن ذلك وقع مرتين مرة فى صدر الإسلام- ورواية ابن عباس وأبى هريرة لها من مراسيل الصحابة- ومرة بعد ذلك حيث يمكن أن تدعى فيها فاطمة عليها السلام، أو يحضر ذلك أبو هريرة أو ابن عباس «الحافظ فى الفتح ج 6 ص 433 طبعة 1 عبد الرحمن محمد. هذا وحديث ابن إسحاق بعد يؤكد فرضية الصلاة قبل الإسراء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَأَمّلْته، وَذَلِكَ أَنّ الّذِي تَصْلُحُ فِي كُلّ مَوْضِعٍ تَصْلُحُ فِيهِ مَا الّتِي يُسَمّونَهَا الْمَصْدَرِيّةَ نَحْوُ قَوْلِ الشّاعِرِ: عَسَى الْأَيّامُ أَنْ يَرْجِعْ ... نْ يَوْمًا كَاَلّذِي كَانُوا «1» أَيْ: كَمَا كَانُوا، فَقَوْلُ اللهِ عَزّ وَجَلّ إذًا: «فَاصْدَعْ بِمَا تؤمر» إمّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: بِاَلّذِي تُؤْمَرُ بِهِ مِنْ التّبْلِيغِ وَنَحْوِهِ، وَإِمّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: اصْدَعْ بِالْأَمْرِ الّذِي تُؤْمَرُهُ، كَمَا تَقُولُ: عَجِبْت من الضرب الذى تضربه، فتكون ما ههنا عِبَارَةٌ عَنْ الْأَمْرِ الّذِي هُوَ أَمْرُ اللهِ تَعَالَى، وَلَا يَكُونُ لِلْبَاءِ فِيهِ دُخُولٌ، وَلَا تَقْدِيرٌ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوّلِ تَكُونُ مَا مَعَ صِلَتِهَا عِبَارَةٌ عَمّا هُوَ فِعْلٌ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْأَظْهُرُ أَنّهَا مَعَ صِلَتِهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْأَمْرِ الّذِي هُوَ قَوْلُ اللهِ وَوَحْيُهُ، بِدَلِيلِ حَذْفِ الْهَاءِ الرّاجِعَةِ إلَى: مَا، وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الّذِي فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، إلّا أَنّك إذَا أَرَدْت مَعْنَى الْأَمْرِ لَمْ تَحْذِفْ إلّا الْهَاءُ وَحْدَهَا، وَإِذَا أَرَدْت مَعْنَى الْمَأْمُورِ بِهِ، حُذِفَتْ بَاءٌ وَهَاءٌ، فَحَذْفُ وَاحِدٍ أيسر من حذفين

_ (1) البيت للفند- بكسر الفاء- الزمانى بكسر الزاى وتشديد الميم، وهو شهل ابن شيبان بن ربيعة بن زمان بن مالك بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وائل جاهلى قديم. وفى الحيوان للجاحظ: الرمانى وهو خطأ، والقصيدة فى الحيوان ج 6 ص 140 ط 1: ساسى، والأمالى للقالى، وهى فيه تسعة أبيات. وفى الحيوان: عسى الأيام ترجعهم ... جميعا كالذى كانوا وفى الأمالى «يرجعن قوما» ويقول البكرى فى السمط عن شهل صاحب الشعر، وليس فى العرب شهل بشين معجمة غيره» انظر ص 360 ج 1 ط 1: الأمالى للقالى، وص 578 سمط اللالى البكرى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَعَ أَنّ صَدْعَهُ وَبَيَانَهُ إذَا عَلّقْته بِأَمْرِ اللهِ وَوَحْيِهِ، كَانَ حَقِيقَةً، وَإِذَا عَلّقْته بِالْفِعْلِ الّذِي أَمَرَ بِهِ كَانَ مَجَازًا، وَإِذَا صَرّحْت بِلَفْظِ الّذِي، لَمْ يَكُنْ حَذْفُهَا بِذَلِكَ الْحَسَنِ، وَتَأَمّلْهُ فِي الْقُرْآنِ تَجِدْهُ كَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ، وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ الْبَقَرَةُ: 33 وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ التّغَابُنُ: 4. ولِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ص: 75. ولا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الْكَافِرُونَ. وَلَمْ يَقُلْ: خَلَقْته، وَحَذَفَ الْهَاءَ فِي ذَلِكَ كُلّهِ، وَقَالَ فِي الذى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ البقرة: 121 والَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْحَجّ: 25 وَمَا أَشَبَهُ ذَلِكَ، وَإِنّمَا كَانَ الْحَذْفُ مَعَ مَا أَحْسَنَ لِمَا قَدّمْنَاهُ مِنْ إبْهَامِهَا، فَاَلّذِي فِيهَا مِنْ الْإِبْهَامِ قَرّبَهَا مِنْ مَا الّتِي هِيَ شَرْطٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، أَلَا تَرَى أَنّ مَا إذَا كَانَتْ شَرْطًا تَقُولُ فِيهَا: مَا تَصْنَعْ أَصْنَعَ مِثْلَهُ، وَلَا تَقُولُ: مَا تَصْنَعُهُ؛ لِأَنّ الْفِعْلَ قَدْ عَمِلَ فِيهَا، فَلَمّا ضَارَعَتْهَا هَذِهِ الّتِي هِيَ مَوْصُولَةٌ، وَهِيَ بِمَعْنَى الّذِي أُجْرِيَتْ فِي حَذْفِ الْهَاءِ مَجْرَاهَا فِي أَكْثَرِ الْكَلَامِ، وَهَذِهِ تَفْرِقَةٌ فِي عَوْدِ الضّمِيرِ عَلَى مَا، وَعَلَى «الّذِي» يَشْهَدُ لَهَا التّنْزِيلُ، وَالْقِيَاسُ الّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْإِبْهَامِ، وَمَعَ هَذَا لَمْ نَرَ أَحَدًا نَبّهَ عَلَى هَذِهِ التّفْرِقَةِ، وَلَا أَشَارَ إلَيْهَا، وَقَارِئُ الْقُرْآنِ مُحْتَاجٌ إلَى هَذِهِ، التّفْرِقَةِ. وَقَدْ يَحْسُنُ حَذْفُ الضّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الّذِي؛ لِأَنّهُ أَوْجَزُ، وَلَكِنّهُ لَيْسَ كَحَسَنِهِ مَعَ مَنْ وَمَا، فَفِي التّنْزِيلِ: وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا التّغَابُنُ: 8 فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُتَعَدّيًا إلَى اثْنَيْنِ كَانَ إبْرَازُ الضّمِيرِ أَحْسَنَ مِنْ حَذْفِهِ، لِئَلّا يُتَوَهّمُ أَنّ الْفِعْلَ واقع على الْمَفْعُولِ الْوَاحِدِ، وَأَنّهُ مُقْتَصَرٌ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: [وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي] جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْحَجّ: 25 والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ الْبَقَرَةُ: 21 وَشَرَحَ ابْنُ هِشَامٍ مَعْنَى قَوْلِهِ: اصْدَعْ شَرْحًا صَحِيحًا، وَتَتِمّتُهُ أَنّهُ صَدْعٌ عَلَى جِهَةِ الْبَيَانِ، وَتَشْبِيهٌ لِظُلْمَةِ الشّكّ وَالْجَهْلِ بِظُلْمَةِ اللّيْلِ. وَالْقُرْآنُ نُورٌ، فَصَدَعَ بِهِ تِلْكَ الظّلْمَةَ، وَمِنْهُ سُمّيَ الْفَجْرُ: صَدِيعًا، لِأَنّهُ يَصْدَعُ ظلمة الليل، وقال الشّمّاخ:

مباداة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه

[مُبَادَأَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قومه] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ دَخَلَ النّاسُ فِي الْإِسْلَامِ أَرْسَالًا مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ، حَتّى فَشَا ذِكْرُ الْإِسْلَامِ بِمَكّةَ، وَتُحَدّثَ بِهِ. ثُمّ إنّ اللهَ- عَزّ وَجَلّ- أَمَرَ رَسُولَهُ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَنْ يَصْدَعَ بِمَا جَاءَهُ مِنْهُ، وَأَنْ يُبَادِيَ النّاسَ بِأَمْرِهِ، وَأَنْ يَدْعُوَ إلَيْهِ، وَكَانَ بَيْنَ مَا أَخْفَى رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَمْرَهُ، وَاسْتَتَرَ بِهِ إلَى أَنْ أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِإِظْهَارِ دِينِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ- فِيمَا بَلَغَنِي- مِنْ مَبْعَثِهِ، ثُمّ قَالَ اللهُ تَعَالَى لَهُ: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الحجر: 94. وَقَالَ تَعَالَى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ الشعراء: 215: 217 ـــــــــــــــــــــــــــــ تَرَى السّرْحَانَ مُفْتَرِشًا يَدَيْهِ ... كَأَنّ بَيَاضَ لَبّتِهِ صَدِيعُ «1» عَلَى هَذَا تَأَوّلَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَعَانِي، وَقَالَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ: الصّدِيعُ فِي هَذَا الْبَيْتِ: ثَوْبٌ أَسْوَدُ تَلْبَسُهُ النّوّاحَةُ تَحْتَهُ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، وَتَصْدَعُ الْأَسْوَدَ عِنْدَ صَدْرِهَا فَيَبْدُو الْأَبْيَضُ، وَأَنْشَدَ: كَأَنّهُنّ «2» إذْ وَرَدْنَ لِيعَا ... نَوّاحَةٌ مُجْتَابَةٌ صديعا

_ (1) نسبه فى اللسان فى مادة صدع إلى عمرو بن معدى كرب، والشماخ شاعر ذبيانى مخضرم وهو ابن ضرار بن سنان، وقيل اسمه: معقل والشماخ لقب له، وقيل اسمه: الهيثم، والأول أكثر. ص 85 سمط اللالى. (2) فى معجم البكرى: كأنها

صلاة الرسول وأصحابه فى الشعاب

قال ابن هشام: فاصدع: اُفْرُقْ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ، وَاسْمُهُ: خُوَيْلِدُ بْنُ خَالِدٍ، يَصِفُ أُتُنَ وَحْشٍ وَفَحْلَهَا: وَكَأَنّهُنّ رِبَابَةٌ، وَكَأَنّهُ ... يَسَرٌ يُفِيضُ عَلَى الْقِدَاحِ وَيَصْدَعُ أَيْ: يُفَرّقُ عَلَى الْقِدَاحِ وَيُبَيّنُ أَنْصِبَاءَهَا. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ: أَنْتَ الْحَلِيمُ، وَالْأَمِيرُ الْمُنْتَقِمُ ... تَصْدَعُ بِالْحَقّ، وَتَنْفِي مَنْ ظَلِمْ وَهَذَانِ البيتان فى أرجوزة له. [صلاة الرسول وأصحابه فى الشعاب] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا صَلّوْا، ذَهَبُوا فِي الشّعَابِ، فَاسْتَخْفَوْا بِصَلَاتِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَبَيْنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى الله عليه وسلم- فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ مَكّةَ، إذْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ نَفَرٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ- وَهُمْ يُصَلّونَ- فَنَاكَرُوهُمْ، وَعَابُوا عَلَيْهِمْ مَا يَصْنَعُونَ حَتّى قَاتَلُوهُمْ، فَضَرَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِلَحْيِ بَعِيرٍ، فَشَجّهُ، فَكَانَ أَوّلَ دَمٍ هريق فى الإسلام. [عداوة الشرك للرسول ومساومته لعمه] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا بَادَى رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلّمَ قَوْمَهُ بِالْإِسْلَامِ وَصَدَعَ بَهْ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ قَوْمُهُ، وَلَمْ يَرُدّوا عَلَيْهِ- فِيمَا بَلَغَنِي- ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حَتّى ذَكَرَ آلِهَتَهُمْ وَعَابَهَا، فَلَمّا فَعَلَ ذَلِك أَعْظَمُوهُ وَنَاكَرُوهُ، وَأَجْمَعُوا خِلَافَهُ وَعَدَاوَتَهُ، إلّا مَنْ عَصَمَ الله تَعَالَى مِنْهُمْ بِالْإِسْلَامِ، وَهُمْ قَلِيلٌ مُسْتَخْفُونَ، وَحَدِبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمّهُ أَبُو طَالِبٍ، وَمَنَعَهُ وَقَامَ دُونَهُ، وَمَضَى رَسُولُ الله- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عَلَى أَمْرِ اللهِ، مُظْهِرًا لِأَمْرِهِ، لَا يَرُدّهُ عَنْهُ شَيْءٌ. فَلَمّا رَأَتْ قُرَيْشٌ، أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَعْتِبُهُمْ مِنْ شَيْءٍ، أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ، مِنْ فِرَاقِهِمْ وَعَيْبِ آلِهَتِهِمْ، وَرَأَوْا أَنّ عَمّهُ أَبَا طَالِبٍ قَدْ حَدِبَ عَلَيْهِ، وَقَامَ دُونَهُ، فَلَمْ يُسْلِمْهُ لَهُمْ، مَشَى رِجَالٌ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ إلَى أَبِي طَالِبٍ، عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بن كلاب بن مرّة ابن كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ. وَأَبُو سُفْيَانَ بن حرب بن أمية بن عبد شمس ابن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بْنِ فِهْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ: صَخْرٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ، واسمه: العاص بن هشام بن الحارث ابن أسد ابن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو الْبَخْتَرِيّ: الْعَاصِ بْنُ هَاشِمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْأَسْوَدُ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بن قصىّ ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. وَأَبُو جَهْلٍ- وَاسْمُهُ عَمْرٌو، وَكَانَ يُكَنّى أَبَا الحكم- ابن هشام بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بن مخزوم بن يقظة بن مرة ابن كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. وَالْوَلِيدُ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بن مخزوم بن يقظة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. وَنَبِيهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هصيص بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ. وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ. قال ابن هشام: الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ سُعَيْد بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بن حصيص بن كعب بن لؤىّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَوْ مَنْ مَشَى مِنْهُمْ. فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ، إنّ ابْنَ أَخِيك قَدْ سَبّ آلِهَتَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَسَفّهُ أَحْلَامَنَا، وَضَلّلَ آبَاءَنَا، فَإِمّا أَنْ تَكُفّهُ عَنّا، وَإِمّا أَنّ تُخِلّي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَإِنّك عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ، فَنَكْفِيكَهُ فَقَالَ لَهُمْ أَبُو طَالِبٍ قَوْلًا رَفِيقًا، وَرَدّهُمْ رَدّا جميلا، فانصرفوا عنه. ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، يُظْهِرُ دِينَ اللهِ، وَيَدْعُو إلَيْهِ، ثُمّ شَرَى الْأَمْرُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَهُمْ حَتّى تَبَاعَدَ الرّجَالُ، وَتَضَاغَنُوا، وَأَكْثَرَتْ قُرَيْشٌ ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينها، فَتَذَامَرُوا فِيهِ، وَحَضّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَيْهِ، ثُمّ إنّهُمْ مَشَوْا إلَى أَبِي طَالِبٍ مَرّةً أُخْرَى، فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا طَالِبٍ، إنّ لَك سِنّا وَشَرَفًا وَمَنْزِلَةً فِينَا، وَإِنّا قَدْ اسْتَنْهَيْنَاكَ مِنْ ابْنِ أَخِيك فَلَمْ تَنْهَهُ عَنّا، وَإِنّا وَاَللهِ لَا نَصْبِرُ عَلَى هَذَا مِنْ شَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا، وَعَيْبِ آلِهَتِنَا، حَتّى تَكُفّهُ عَنّا، أَوْ نُنَازِلَهُ وَإِيّاكَ فِي ذَلِكَ، حَتّى يهلك أحد الفريقين، أو كما قَالُوا لَهُ. ثُمّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَعَظُمَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ فِرَاقُ قَوْمِهِ وَعَدَاوَتُهُمْ، وَلَمْ يَطِبْ نَفْسًا بِإِسْلَامِ رَسُول الله- صَلّى الله عَلَيْهِ وسلم- لهم ولا خذ لانه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مناصرة أبى طالب للرسول صلى الله عليه وسلم

[مناصرة أبى طالب للرسول صلّى الله عليه وسلم] قال ابن إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنّهُ حُدّثَ: أَنّ قُرَيْشًا حِينَ قَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له: يابن أخى، إنّ قومك قد جاؤنى، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ، فَأَبْقِ عَلَيّ، وَعَلَى نَفْسِك، وَلَا تُحَمّلْنِي من الأمر ما لا أطيق: فَظَنّ رَسُولُ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أنه قد بدا لعمه فيه أَنّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ، وَأَنّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نصرته والقيام معه. قَالَ: رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَمّ، وَاَللهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ. قَالَ: ثُمّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم- فبكى ثم قَامَ، فَلَمّا وَلّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: أقبل يا بن أَخِي، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ الله- صَلّى الله عليه وسلم- فقال: اذهب يا بن أخى، فقل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشىء أبدا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ قُرَيْشًا حَيْن عَرَفُوا أَنّ أَبَا طَالِبٍ قَدْ أَبَى خِذْلَانَ رَسُولِ الله- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَإِسْلَامَهُ وَإِجْمَاعَهُ لِفِرَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ وَعَدَاوَتِهِمْ، مَشَوْا إلَيْهِ بِعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالُوا لَهُ- فِيمَا بَلَغَنِي-: يَا أَبَا طَالِبٍ، هَذَا عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ، أَنْهَدُ فَتًى فى قُرَيْشٍ وَأَجْمَلُهُ، فَخُذْهُ فَلَك عَقْلُهُ وَنَصْرُهُ، وَاِتّخِذْهُ وَلَدًا فَهُوَ لَك، وَأَسْلِمْ إلَيْنَا ابْنَ أَخِيك هَذَا، الّذِي قَدْ خَالَفَ دِينَك وَدِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

آبَائِك، وَفَرّقَ جَمَاعَةَ قَوْمِك، وَسَفّهُ أَحْلَامَهُمْ، فَنَقْتُلَهُ فَإِنّمَا هُوَ رَجُلٌ بِرَجُلِ، فَقَالَ: وَاَللهِ لَبِئْسَ مَا تَسُومُونَنِي! أَتُعْطُونَنِي ابْنَكُمْ أَغْذُوهُ لَكُمْ، وَأُعْطِيكُمْ ابْنِي تَقْتُلُونَهُ! هَذَا وَاَللهِ مَا لَا يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ: فَقَالَ الْمُطْعِمُ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بْنِ قُصَيّ: وَاَللهِ يَا أَبَا طَالِبٍ لَقَدْ أَنْصَفَك قَوْمُك، وَجَهَدُوا عَلَى التّخَلّصِ مِمّا تَكْرَهُهُ، فَمَا أَرَاك تُرِيدُ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لِلْمُطْعِمِ: وَاَللهِ مَا أَنْصَفُونِي، وَلَكِنّك قَدْ أَجْمَعْتَ خِذْلَانِي وَمُظَاهَرَةَ الْقَوْمِ عَلَيّ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لك، أو كما قال. قَالَ: فَحَقَبَ الْأَمْرُ، وَحَمِيَتْ الْحَرْبُ، وَتَنَابَذَ الْقَوْمُ، وبادى بعضهم بعضا. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ عِنْدَ ذَلِكَ- يُعَرّضُ بِالْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ- وَيَعُمّ مَنْ خَذَلَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَمَنْ عَادَاهُ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، وَيَذْكُرُ مَا سَأَلُوهُ، وَمَا تَبَاعَدَ مِنْ أَمْرِهِمْ: ألا قل لِعَمْرٍو وَالْوَلِيدِ وَمُطْعِمٍ ... أَلَا لَيْتَ حَظّي مِنْ حِيَاطَتِكُمْ بَكْرُ مِنْ الْخُورِ حَبْحَابٌ كَثِيرٌ رُغَاؤُهُ ... يَرُشّ عَلَى السّاقَيْنِ مِنْ بَوْلِهِ قَطْرُ تَخَلّفَ خلف الورد ليس بلا حق ... إذَا مَا عَلَا الْفَيْفَاءَ قِيلَ لَهُ: وَبْرُ أَرَى أَخَوَيْنَا مِنْ أَبِينَا وَأُمّنَا ... إذَا سُئِلَا قَالَا: إلَى غَيْرِنَا الْأَمْرُ بَلَى لَهُمَا أَمْرٌ، وَلَكِنْ تَجَرْجَمَا ... كَمَا جَرْجَمَتْ مِنْ رَأْسِ ذِي عَلَقَ صَخْرُ أَخُصّ خُصُوصًا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ... هُمَا نَبَذَانَا مِثْلَ مَا يُنْبَذُ الْجَمْرُ هُمَا أَغْمَزَا لِلْقَوْمِ فِي أَخَوَيْهِمَا ... فَقَدْ أَصْبَحَا مِنْهُمْ أَكُفّهُمَا صِفْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هُمَا أَشْرَكَا فِي الْمَجْدِ مَنْ لَا أَبَا لَهُ ... مِنْ النّاسِ إلّا أَنْ يُرَسّ لَهُ ذِكْرُ وَتَيْمٌ وَمَخْزُومٌ وَزُهْرَةُ مِنْهُمْ ... وَكَانُوا لَنَا مولى إذا بغى النّصر فو الله لَا تَنْفَكّ مِنّا عَدَاوَةٌ ... وَلَا مِنْهُمْ مَا كان من نسلنا شفر فقد سنهت أَحْلَامُهُمْ وَعُقُولُهُمْ ... وكانوا كَجَفْر بئس ما صنعت جَفْر قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ أقذع فيهما. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ قُرَيْشًا تَذَامَرُوا بَيْنَهُمْ عَلَى مَنْ فِي الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- الّذِينَ أَسْلَمُوا مَعَهُ، فَوَثَبَتْ كُلّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَنْ فِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُعَذّبُونَهُمْ، وَيَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَمَنَعَ اللهُ رَسُولَهُ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مِنْهُمْ بِعَمّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ قَامَ أَبُو طَالِبٍ، حِينَ رَأَى قُرَيْشًا يَصْنَعُونَ مَا يَصْنَعُونَ فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ، فَدَعَاهُمْ إلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، مِنْ مَنْعِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَالْقِيَامِ دُونَهُ، فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، وَقَامُوا مَعَهُ، وَأَجَابُوهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ، إلّا مَا كَانَ مِنْ أَبِي لهب، عدوّ الله الملعون. فَلَمّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ مِنْ قَوْمِهِ مَا سَرّهُ فِي جَهْدِهِمْ مَعَهُ، وَحَدَبِهِمْ عَلَيْهِ، جَعَلَ يَمْدَحُهُمْ وَيَذْكُرُ قَدِيمَهُمْ، وَيَذْكُرُ فَضْلَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا وَمَكَانَهُ مِنْهُمْ، لِيَشُدّ لَهُمْ رَأْيَهُمْ، وَلِيَحْدَبُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرِهِ، فَقَالَ: إذَا اجْتَمَعَتْ يَوْمًا قُرَيْشٌ لِمَفْخَرِ ... فَعَبْدُ مَنَافٍ سرّها وصميمها فإن حَصَلَتْ أَشْرَافُ عَبْدِ مَنَافِهَا ... فَفِي هَاشِمٍ أَشْرَافُهَا وقديمها ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَإِنْ فَخَرَتْ يَوْمًا، فَإِنّ مُحَمّدًا ... هُوَ الْمُصْطَفَى مَنْ سِرّهَا وَكَرِيمُهَا تَدَاعَتْ قُرَيْشٌ غَثّهَا وَسَمِينُهَا ... عَلَيْنَا فَلَمْ تَظْفَرْ وَطَاشَتْ حُلُومُهَا وَكُنّا قَدِيمًا لَا نُقِرّ ظُلَامَةً ... إذَا مَا ثَنَوْا صُعْرَ الْخُدُودِ نُقِيمُهَا وَنَحْمِي حِمَاهَا كُلّ يَوْمٍ كَرِيهَةً ... وَنَضْرِبُ عَنْ أَجْحَارِهَا مَنْ يَرُومُهَا بِنَا انْتَعَشَ الْعُودُ الذّوَاءُ، وَإِنّمَا ... بِأَكْنَافِنَا تَنْدَى وَتَنْمَى أُرُومُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ مُبَادَأَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ أَصْلُ الصّلَاةِ لُغَةً: ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ: أَنّ أَبَا طَالِبٍ حَدِبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَامَ دُونَهُ: أَصْلُ الْحَدَبِ: انْحِنَاءٌ فِي الظّهْرِ، ثُمّ اُسْتُعِيرَ فِيمَنْ عَطَفَ عَلَى غَيْرِهِ، وَرَقّ لَهُ كَمَا قَالَ النّابِغَةُ: حَدِبَتْ عَلَيّ بُطُونُ ضَبّةَ كُلّهَا ... إنْ ظَالِمًا فِيهِمْ، وَإِنْ مَظْلُومَا وَمِثْلُ ذَلِكَ الصّلَاةُ، أَصْلُهَا: انْحِنَاءٌ وَانْعِطَافٌ مِنْ الصّلَوَيْنِ وَهُمَا: عِرْقَانِ فِي الظّهْرِ إلَى الْفَخِذَيْنِ، ثُمّ قَالُوا: صَلّى عَلَيْهِ، أَيْ: انْحَنَى عَلَيْهِ، ثُمّ سَمّوْا الرّحْمَةَ حُنُوّا وَصَلَاةً، إذَا أَرَادُوا الْمُبَالَغَةَ فِيهَا، فَقَوْلُك: صَلّى اللهُ عَلَى مُحَمّدٍ، هُوَ أَرَقّ وَأَبْلَغُ مِنْ قَوْلِك: رَحِمَ اللهُ مُحَمّدًا فِي الْحُنُوّ والعطف «1» . والصلاة أصلها

_ (1) ذكر القاموس للصلا هذه التعريفات: وسط الظهر منا، ومن كل ذى أربع، أو ما انحدر من الوركين، أو الفرجة بين الجاعرة «الدبر» والذنب، أو ما عن يمين الذنب وشماله، وهما صلوان. ويقول المبرد: أصل الصلاة: الرحمة. والمشهور عند كثير من المتأخرين أن صلاة الله على الرسول وعلينا هى رحمته، وهو رأى ضعيف، لأن الله يقول عن عباده الصابرين: (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة: 157 فعطف الرحمة على الصلوات يقتضى المغايرة بينهما. كما أن صلاة الله سبحانه خاصة-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي الْمَحْسُوسَاتِ عُبّرَ بِهَا عَنْ هَذَا الْمَعْنَى مُبَالَغَةً وَتَأْكِيدًا كَمَا قَالَ الشّاعِرُ: فَمَا زِلْت فِي لِينِي [لَهُ] وَتَعَطّفِي ... عَلَيْهِ، كَمَا تَحْنُو عَلَى الْوَلَدِ الْأُمّ وَمِنْهُ قِيلَ: صَلّيْت عَلَى الْمَيّتِ أَيْ: دَعَوْت لَهُ دُعَاءَ مَنْ يَحْنُو عَلَيْهِ وَيَتَعَطّفُ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ لَا تَكُونُ الصّلَاةُ بِمَعْنَى الدّعَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ: لَا تَقُولُ: صَلّيْت عَلَى الْعَدُوّ، أَيْ: دَعَوْت عَلَيْهِ. إنّمَا يُقَالُ: صَلّيْت عَلَيْهِ فِي مَعْنَى الْحُنُوّ وَالرّحْمَةِ وَالْعَطْفِ؛ لِأَنّهَا فِي الْأَصْلِ انْعِطَافٌ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ عُدّيَتْ فِي اللّفْظِ بِعَلَى، فَتَقُولُ: صَلّيْت عَلَيْهِ، أَيْ: حَنَوْت عَلَيْهِ، وَلَا تَقُولُ فِي الدّعَاءِ إلّا: دَعَوْت لَهُ، فَتُعَدّي الْفِعْلَ بِاللّامِ، إلّا أَنْ تُرِيدَ الشّرّ وَالدّعَاءَ عَلَى الْعَدُوّ، فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الصّلَاةِ وَالدّعَاءِ، وَأَهْلُ اللّغَةِ لَمْ يُفَرّقُوا، وَلَكِنْ قَالُوا: الصّلَاةُ بِمَعْنَى الدّعَاءِ إطْلَاقًا، وَلَمْ يُفَرّقُوا بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ، وَلَا ذكروا التعدى باللام، ولا بعلى، ولابد مِنْ تَقْيِيدِ الْعِبَارَةِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَدَبُ أَيْضًا مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى الْمُخَالَفَةِ إذَا قرن بالقعس كقول الشاعر:

_ - بالأنبياء والرسل والمؤمنين، أما رحمته فقد وسعت كل شى. ولو أننا تتبعنا آيات القرآن لوجدنا أن المواضع التى تذكر فيها الرحمة لا يحسن فيها وضع الصلاة مكانها، ولهذا يقول ابن القيم عن معنى صلاتنا نحن على الرسول «ص» إنها «الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته. وصلاة ملائكته. وهى ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه فهى تتضمن الخبر والطلب. وإرادة من الله أن يعلى ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا» ص 99 جلاء الأفهام، وقد ذكر البخارى فى صحيحه أن صلاة الله على نبيه هى ثناؤه عليه عند الملائكة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَإِنْ حَدِبُوا، فَاقْعَسْ، وَإِنْ هُمْ تَقَاعَسُوا ... لِيَنْتَزِعُوا مَا خَلْفَ ظَهْرِك فَاحْدَبْ «1» وَكَقَوْلِ الْآخَرِ: وَلَنْ يهنه «2» قَوْمًا أَنْتَ خَائِفُهُمْ ... كَمِثْلِ وَقْمِك جُهّالًا بِجُهّالِ فَاقْعَسْ إذَا حَدِبُوا، وَاحْدَبْ إذَا قَعِسُوا ... وَوَازِنِ الشّرّ مِثْقَالًا بِمِثْقَالِ أَنْشَدَهُ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ لَهُ. أَبُو الْبَخْتَرِيّ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَجِيءَ النّفَرِ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى أَبِي طَالِبٍ فِي أَمْرِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ أَنْسَابَهُمْ، وَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامٍ، قَالَ: وَاسْمُهُ: الْعَاصِي بْنُ هِشَامٍ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ الْعَاصِي بْنُ هَاشِمٍ، وَاَلّذِي قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْكَلْبِيّ، وَاَلّذِي قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ هُوَ قَوْل الزّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَقَوْلُ مُصْعَبٍ «3» وَهَكَذَا وَجَدْت فِي حاشية كتاب الشيخ أبى بحر: سفيان ابن العاصى.

_ (1) القعس بفتح القاف والعين، ضد الحدب: دخول الظهر وخروج الصدر، والماضى: قعس كفرح- والبيت من قصيدة منسوبة إلى أبى الأسود الدؤلى، وهو فى الحيوان هكذا: فإن حدبوا فاقعس.. ليستمسكوا مما وراءك فاحدب ص 174 ج 5 الحيوان للجاحظ ط ساسى (2) نهنه فلانا عن الشىء: زجره وكفه عنه، ووقم الرجل يقمه وقما، أكرهه وأذله وقهره وقسره، ووقمه عنه: رده أقبح الرد. (3) هو كما قال فى كتاب المصعب نسب قريش ص 209 وكذلك فى جمهرة ابن حزم ص 108

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاَللهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي عَلَى أَنْ أَدَعَ هَذَا الّذِي جِئْت بِهِ مَا تَرَكْته، أَوْ كَمَا قَالَ «1» . خَصّ الشّمْسَ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنّهَا الْآيَةُ الْمُبْصِرَةُ، وَخَصّ الْقَمَرَ بِالشّمَالِ لِأَنّهَا الْآيَةُ الْمَمْحُوّةُ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ- رَحِمَهُ اللهُ- لِرَجُلِ، قَالَ لَهُ: إنّي رَأَيْت فِي الْمَنَامِ كَأَنّ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ يَقْتَتِلَانِ، وَمَعَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نُجُومٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مَعَ أَيّهِمَا كُنْت؟ فَقَالَ: مَعَ الْقَمَرِ، قَالَ: كُنْت مَعَ الْآيَةِ الْمَمْحُوّةِ، اذْهَبْ، فَلَا تَعْمَلْ لِي عَمَلًا، وَكَانَ عَامِلًا لَهُ، فَعَزَلَهُ، فَقُتِلَ الرّجُلُ فِي صِفّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَاسْمُهُ: حَابِسُ بْنُ سَعْدٍ، وَخَصّ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النّيّرَيْنِ حِينَ ضَرَبَ الْمَثَلَ بِهِمَا؛ لِأَنّ نُورَهُمَا مَحْسُوسٌ، وَالنّورُ الّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ- وَهُوَ الّذِي أَرَادُوهُ عَلَى تَرْكِهِ- هُوَ لَا مَحَالَةَ أَشْرَفُ مِنْ النّورِ الْمَخْلُوقِ، قال الله سبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ التّوْبَةِ: 33. فَاقْتَضَتْ بَلَاغَةُ النّبُوّةِ- لِمَا أَرَادُوهُ عَلَى تَرْكِ النّورِ الْأَعْلَى- أَنْ يُقَابِلَهُ بِالنّورِ الْأَدْنَى، وَأَنْ يَخُصّ أَعْلَى النّيّرَيْنِ، وَهِيَ الْآيَةُ الْمُبْصِرَةُ بِأَشْرَفِ الْيَدَيْنِ، وَهِيَ الْيُمْنَى بَلَاغَةٌ لَا مِثْلُهَا، وَحِكْمَةٌ لَا يَجْهَلُ اللّبِيبُ فَضْلَهَا. الْبَدَاءُ: وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ: ظَنّ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ قَدْ بَدَا لِعَمّهِ بَدَاءٌ، أَيْ: ظَهَرَ لَهُ رَأْيٌ، فَسَمّى الرّأْيَ بَدَاءً، لِأَنّهُ شَيْءٌ يَبْدُو بَعْدَ مَا خفى، والمصدر

_ (1) لم يروه أحد من أصحاب الصحاح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْبَدْءُ «1» وَالْبَدْوُ، وَالِاسْمُ: الْبَدَاءُ، وَلَا يُقَالُ فِي الْمَصْدَرِ: بَدَا لَهُ بُدُوّ، كَمَا لَا يُقَالُ: ظَهَرَ لَهُ ظُهُورٌ بِالرّفْعِ؛ لِأَنّ الّذِي يَظْهَرُ، وَيَبْدُو هَاهُنَا هُوَ الِاسْمُ: نَحْوَ الْبَدَاءِ وَأَنْشَدَ أَبُو عَلِيّ: لَعَلّك وَالْمَوْعُودُ حَق وَفَاؤُهُ ... بَدَا لَك فِي تِلْكَ الْقُلُوصِ بَدَاءُ «2» وَمِنْ أَجْلِ أَنّ الْبُدُوّ هُوَ الظّهُورُ، كَانَ الْبَدَاءُ «3» فِي وَصْفِ الْبَارِي- سُبْحَانَهُ- مُحَالًا؛ لِأَنّهُ لَا يَبْدُو لَهُ شَيْءٌ كَانَ غَائِبًا عَنْهُ، وَالنّسْخُ لِلْحُكْمِ لَيْسَ بِبَدَاءِ كَمَا تَوَهّمَتْ الْجَهَلَةُ مِنْ الرّافِضَةِ وَالْيَهُودِ، إنّمَا هُوَ تَبْدِيلُ حُكْمٍ بِحُكْمِ بِقَدَرِ قَدّرَهُ، وَعِلْمٍ عَلِمَهُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: بَدَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ: أَرَادَ. وَهَذَا مِنْ الْمَجَازِ الّذِي لَا سَبِيلَ إلَى إطْلَاقِهِ إلّا بِإِذْنِ مِنْ صَاحِبِ الشّرْعِ، وَقَدْ صَحّ فِي ذَلِكَ مَا خَرّجَهُ الْبُخَارِيّ فى حديث الثلاثة: الأعمى والأقرع

_ (1) ليس لما قيل من قبل عن وضع الشمس والقمر سند صحيح، فكيف يقيم عليه كل هذا؟! (2) القلوص من الإبل: الشابة، والبيت من أبيات ذكرها أبو على القالى فى أماليه ص 71 ج 2 ط 2 غير منسوبة إلى أحد، وهى قول رجل وعد رجلا قلوصا فأخلفه. ونقل البكرى فى السمط ص 705 عن أبى عمرو الشيبانى أنها لرجل من مزينة، وذكر الأستاذ الميمنى فى تحقيقه للسمط أنها لمحمد بن بشير الخارجى كما ورد فى الأغانى (3) الشيعة هم القائلون بالبداء، وله معان- كما يقول الشهرستانى- (البداء فى العلم، وهو أن يظهر له صواب على خلاف ما أراد وحكم، والبداء فى الأمر وهو أن يأمر بشىء ثم يأمر بعده بخلاف ذلك) وهذا محال على الله سبحانه أن يرى شيئا، ثم يظهر له أن الأمر بخلاف ما رأى، فالله بكل شىء عليم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْأَبْرَصِ، وَأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ: بَدَا لِلّهِ أن يبتليهم، فَبَدَا هُنَا بِمَعْنَى: أَرَادَ، وَذَكَرْنَا الرّافِضَةَ، لِأَنّ ابْنَ أَعْيَنَ، وَمَنْ اتّبَعَهُ مِنْهُمْ، يُجِيزُونَ الْبَدَاءَ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَيَجْعَلُونَهُ وَالنّسْخَ شَيْئًا وَاحِدًا، وَالْيَهُودُ لَا تُجِيزُ النّسْخَ يَحْسَبُونَهُ بَدَاءً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ الْبَدَاءَ كَالرّافِضَةِ، وَيُرْوَى أَنّ عَلِيّا- رَحِمَهُ اللهُ- صَلّى يَوْمًا، ثُمّ ضَحِكَ فَسُئِلَ عَنْ ضَحِكِهِ فَقَالَ: تَذَكّرْت أَبَا طَالِبٍ حِينَ فُرِضَتْ الصّلَاةُ، وَرَآنِي أُصَلّي مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلَةَ» فَقَالَ: مَا هَذَا الْفِعْلُ الّذِي أَرَى، فَلَمّا أَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: هذا حَسَنٌ، وَلَكِنْ لَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا، لَا أُحِبّ أَنْ تَعْلُوَنِي اسْتِي فَتَذَكّرْت الْآنَ قَوْلَهُ، فَضَحِكْت. عرصه قُرَيْشٍ عَلَى أَبِي طَالِبٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ لِأَبِي طَالِبٍ: هَذَا عُمَارَةُ بن الوليد أنهدفتى فِي قُرَيْشٍ، وَأَجْمَلُهُ، فَخُذْهُ مَكَانَ ابْنِ أَخِيك. أَنْهَدُ. أَيْ: أَقْوَى وَأَجْلَدُ، وَيُقَالُ: فَرَسٌ نَهْدٌ لِلّذِي يَتَقَدّمُ الْخَيْلَ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ: التّقَدّمُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: نَهَدَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ، أَيْ: بَرَزَ قُدُمًا. وَعُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ هَذَا الْمَذْكُورُ هُوَ: الّذِي أَرْسَلَتْهُ قُرَيْشٌ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَسُحِرَ هُنَاكَ، وَجُنّ، وَسَنَزِيدُ فِي خَبَرِهِ شَيْئًا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ الله.

_ (1) نخلة: أما كن متعددة منها: نخلة محمود، وهو موضع بالحجاز قريب من مكه فيه نخيل وكروم، ونخلة الشامية، وهى ذات عرق وأعلى نخلة ذات عرق، وهى لبنى سعد الذين أرضعوا النبى صلّى الله عليه وسلم، ونخلة اليمانية واد يصب فيه يدعان به مسجد النبى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرُوا أَنّ أَبَا طَالِبٍ قَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ أَنْ يَأْخُذَ عُمَارَةَ بَدَلًا مِنْ مُحَمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتُمْ نَاقَةً تَحِنّ إلَى غَيْرِ فَصِيلِهَا وَتَرْأَمُهُ «1» لَا أُعْطِيكُمْ ابْنِي تقتلونه أبدا، وآحذ ابْنَكُمْ أَكْفُلُهُ، وَأَغْذُوهُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فَحَقِبَ الْأَمْرُ عِنْدَ ذَلِكَ، يُرِيدُ: اشْتَدّ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِك: حَقِبَ الْبَعِيرُ إذَا رَاغَ عَنْهُ الْحَقَبُ مِنْ شِدّةِ الْجَهْدِ وَالنّصَبِ، وَإِذَا عَسُرَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ أَيْضًا لِشَدّ الْحَقَبِ «2» عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَيُقَالُ مِنْهُ: حَقِبَ الْبَعِيرُ، ثُمّ يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَمْرِ إذَا عَسُرَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَشَرِيَ الْأَمْرُ عِنْدَ ذَلِكَ، أَيْ: انْتَشَرَ الشّرّ، وَمِنْهُ الشّرَى، وَهِيَ قُرُوحٌ تَنْتَشِرُ عَلَى «3» الْبَدَنِ، يُقَالُ مِنْهُ: شَرِيَ جلد الرجل، يشرى شرى.

_ (1) رتم الجرح بكسر الهمزة انضم والتأم، رتمت الأنثى ولدها رأما ورأمانا ورئمانا أحبته وعطفت عليه. وينسب إلى أبى طالب أنه قال للنبى هذا الشعر: والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد فى التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... وابشر بذاك وقر منه عيونا ودعوتنى وزعمت أنك ناصحى ... ولقد صدقت، وكنت ثم أمينا وعرضت دينا لا محالة أنه ... من خير أديان البرية دينا لولا الملامة، أو حذار مسبة ... لوجدتنى سمحا بذاك مبينا انظر المواهب ص 248. (2) الحزام يلى حقو البعير، أو حبل يشد به الرحل فى بطنه (3) عرفها القاموس بقوله: بثور صغار حمر حكاكة مكربة تحدث دفعة غالبا. وتشتد ليلا،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا قُلْ لِعَمْرِو وَالْوَلِيدِ. إلَى آخِرِ الشّعْرِ وَفِيهِ: أَلَا لَيْتَ حَظّي مِنْ حِيَاطَتِكُمْ «1» بَكْرُ أَيْ: إنّ بَكْرًا مِنْ الْإِبِلِ أَنْفَعُ لِي مِنْكُمْ، فَلَيْتَهُ لِي بَدَلًا مِنْ حِيَاطَتِكُمْ كَمَا قَالَ طَرَفَةُ فِي عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ: فَلَيْتَ لَنَا مَكَانَ الْمَلْكِ عَمْرٍو ... رَغُوثًا «2» حَوْلَ قُبّتِنَا تَخُورُ وَقَوْلُهُ: مِنْ الْخُورِ حَبْحَابٌ. الْخُورُ «3» الضّعَافُ، وَالْحَبْحَابُ بِالْحَاءِ: الصّغِيرُ. وَفِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ: جِبْجَابٌ «4» بِالْجِيمِ، وَفَسّرَهُ فَقَالَ: هُوَ الْكَثِيرُ الْهَدْرِ، وَفِي الشّعْرِ: إذَا مَا عَلَا الْفَيْفَاءَ قِيلَ لَهُ: وَبْرُ أَيْ يُشَبّهُ بِالْوَبْرِ لِصِغَرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: يَصْغُرُ فِي الْعَيْنِ لِعُلُوّ الْمَكَانِ وَبُعْدِهِ، وَالْفَيْفَاءُ فَعْلَاءُ، وَلَوْلَا قَوْلُهُمْ: الْفَيْفُ، لَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى بَابِ.

_ (1) فى رواية «حفاظتكم، والحفاظ الغضب ص 82 الخشنى (2) الرغوث هى كل مرضعة وفى الأصل: ليت (3) جمع أخور (4) وتروى بالخاء. الضعيف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القضقاص وَالْجَرْجَارِ أَوْلَى «1» ، وَلَكِنْ سُمِعَ الْفَيْفُ، فَعُلِمَ أَنّ الْأَلِفَيْنِ زَائِدَتَانِ «2» ، وَأَنّهُ مِنْ بَابِ قَلِقَ وَسَلِسَ الّذِي ضُوعِفَتْ فِيهِ فَاءُ الْفِعْلِ دُونَ عَيْنِهِ، وَهِيَ أَلْفَاظٌ يَسِيرَةٌ نَحْوَ قَلِقَ وَسَلِسَ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ «3» ، وَقَدْ اعْتَنَيْنَا بِجَمْعِهَا مِنْ الْكَلَامِ، وَلَعَلّ لَهَا مَوْضِعًا تُذْكَرُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَلَا تَكُونُ أَلِفُ فَيْفَاءَ لِلْإِلْحَاقِ فَيُصْرَفُ؛ لِأَنّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ: فَعْلَالٌ، فَإِنْ قِيلَ: يَكُونُ مُلْحَقًا بِقَضْقَاضٍ وَبَابِهِ، قُلْنَا: قَضْقَاضٌ ثُنَائِيّ مُضَاعَفٌ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ الثّلَاثِيّ، كَمَا لَا يُلْحَقُ الرّبَاعِيّ بِالثّلَاثِيّ، وَلَا الأكثر بالأقل «4» ، وقد حكى

_ (1) القضقاص: أشنان الشام، أو شجر من الحمض، والأسد، ويضمّ وليس فعلال- يضم الفاء- سواه، والجرجار كالقرقار: نبت، ومن الإبل: الكثير الصوت. (2) فى اللسان «بالفيف استدل سيبويه على أن ألف فيفاة زائدة» وفيه عن المبرد: «ألف فيفاة زائدة لأنهم يقولون: فيف» وفى شرح الشافية للرضى «والألف فى الفيفاة زائدة لقولهم: فيف بمعناه وكذلك الزبزاء والصيصاء إذ ليس فى الكلام فعلال «بكسر الفاء وسكون العين إلا مصدرا كزلزال» ص 372 ج 2 مطبعة حجازى والزبزاء بالفتح والكسر ما غلظ من الأرض، والصيصاء: الحشف من التمر، أو حب الحنظل ليس فى جوفه لب. (3) إذا ضبط ثلث وسدس على أنها فعلان كانا بفتح الفاء والعين، ومن الأسماء مما هو كذلك: دعد وتوت وطوط «الحبة وغير ذلك» (4) معنى الإلحاق فى الاسم والفعل أن تزيد حرفا أو حرفين على تركيب زيادة غير مطردة فى إفادة معنى: ليصير ذلك التركيب بتلك الزيادة مثل كلمة أخرى فى عدد الحروف وحركاتها المعينة والسكنات، كل واحد فى مثل مكانه فى الملحق بها، وفى تصاريفها: من الماضى والمضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول إن كان الملحقة به فعلا رباعيا، ومن التصغير والتكسير إن كان-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَيْفَاةٌ بِالْقَصْرِ وَلَيْسَتْ أَلِفُهَا لِلتّأْنِيثِ، إذْ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ عَلَامَتَيْ تَأْنِيثٍ، فَهِيَ إذًا مِنْ بَابِ أَرْطَاةَ وَنَحْوِهَا «1» ، كَأَنّهَا مُلْحَقَةٌ بِسَلْهَبَةَ «2» . وَفِي الشّعْرِ: كَمَا جَرْجَمَتْ مِنْ رَأْسِ ذِي عَلَقَ صَخْرُ. وَتُرِكَ صَرْفُ عَلَقَ، إمّا لِأَنّهُ جَعَلَهُ اسْمَ بُقْعَةٍ، وَإِمّا لِأَنّهُ اسْمُ عَلَمٍ، وَتَرْكُ صَرْفِ الِاسْمِ الْعَلَمِ سَائِغٌ فِي الشّعْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَنّثًا وَلَا عَجَمِيّا نَحْوَ قَوْلِ عَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ: وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلَا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي الْمَجْمَعِ وَنَحْوَ قَوْلِ الْآخَرِ: يَا مَنْ جَفَانِي وَمَلّا ... نَسِيت أَهْلًا وسهلا ومات مرحب لما ... رأيت مالى قلّا

_ - الملحق به اسما رباعيا لا خماسيا، وفائدة الإلحاق أنه ربما يحتاج فى تلك الكلمة إلى مثل ذلك التركيب فى شعر أو سجع ص 52 ج 1 شرح شافية ابن الحاجب لرضى الدين الاستراباذى. م حجازى، وانظر ص 13 المنصف شرح ابن جنى لكتاب التصريف لأبى عثمان المازنى. (1) شجرة ثمرها مر تأكلها الإبل، وألفها للالحاق، فتنون نكرة لا معرفة أو ألفها أصلية، فتنون دائما، أو ووزنها أفعل وموضعها المعتل «القاموس» وفى اللسان مادة رطا: «الأرطى شجر من شجر الرمل، وهو أفعل من وجه، وفعلى من وجه، لأنهم يقولون: أديم مأروط إذا دبغ بورقه، ويقولون: أديم مرطى، والواحدة: أرطاة، ولحوق تاء التأنيث فيه يدل على أن الألف فيه ليست للتأنيث، وإنما هى للالحاق، أو بنى الاسم عليها (2) السلهبة: الجسمية من النساء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلَمْ يَصْرِفْ مَرْحَبَا، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ عَلَى هَذَا، وَنَشْرَحُ الْعِلّةَ فِيهِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى «1» ، وَلَوْ رُوِيَ: مِنْ رأس ذى علق الصخر

_ (1) يقول ابن مالك فى الألفية: ولاضطرار أو تناسب صرف ... ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف ويقول الأشمونى فى شرحه لها إن الكوفيين أجازوا منع المصروف من الصرف للضرورة، وأباه سائر البصريين، والصحيح: الجواز، واختاره الناظم- يعنى ابن مالك لثبوت سماعه، وقد فصل بعض المتأخرين بين ما فيه علية، فأجاز منعه لوجود إحدى العلتين، وبين ما ليس كذلك، فصرفه ويؤيده أن ذلك لم يسمع إلا فى العلم، وأجاز قوم منهم: ثعلب، وأحمد بن يحيى منع صرف المنصرف اختيارا ص 224 ج 3 ط الأزهرية. وقد ذكر ابن هشام أن من البصريين من أجاز ذلك، وهما الأخفش والفارسى وأن من الكوفيين من منع ذلك وهو أبو موسى الحامض من شيوخ الكوفيين وقد حكى الفخر الرازى عن أكثر الكوفيين والأخفش أن السبب الواحد يمنع من الصرف، ولم يفرق بين العلمية وغيرها انظر ص 228 ج 2 من كتاب شرح التصريح على التوضيح ط التجارية، وقد رد الدنوشرى المذهب الذى حكاه الفخر؛ لأن الأصل فى الأسماء أن تكون منصرفة. المصدر السابق الحاشية بهامشه للعليمى الحمصى. ومن الأبيات التى ورد فيها منع المصروف: طلب الأزارق بالكتائب إذ هوت ... بشبيب غائلة النفوس غدور فمنع صرف شبيب وهو علم مصروف وهو شبيب بن يزيد رأس الخوارج الأزارقة، وفاعل طلب ضمير يعود على سفيان نائب الحجاج ومثله: وقائله ما بال دوسر بعدنا ... صحا قلبه عن آل ليلى وعن هند من معانى قصيدة أبى طالب. حبحاب: من معانيها: قصير، أو الجمل الضئيل. وتروى بالخاء أيضا: الضعيف. هما أغمزا للقوم: أى سبيلهم الطعن فيهم تجرجم: سقط وانحدر. ذو علق: جبل فى ديار بنى أسد. والصفر: الخالى من الانية وغيره. إلا أن يرس له ذكر: أن يذكر ذكرا خفيا. من نسلنا-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِحَذْفِ التّنْوِينِ لِالْتِقَاءِ السّاكِنِينَ، لَكَانَ حَسَنًا، كَمَا قرىء: قُلْ: هُوَ اللهُ أَحَدٌ، اللهُ الصّمَدُ» بِحَذْفِ التنوين من أحد، وهى رواية عن أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، وَقَالَ الشّاعِرُ: حُمَيْدُ الّذِي أَمُجّ دَارَهُ وَقَالَ آخَرُ: وَلَا ذَاكِرُ اللهِ إلّا قَلِيلَا وَأَنْشَدَ قَوْلَ أَبِي طَالِبٍ: إذَا اجْتَمَعَتْ يَوْمًا قُرَيْشٌ لِمَفْخَرِ ... فَعَبْدُ مَنَافٍ سِرّهَا وَصَمِيمُهَا قَوْلُهُ: سِرّهَا أَيْ: وَسَطُهَا، وَسِرّ الْوَادِي وَسَرَارَتُهُ: وَسَطُهُ، وَقَدْ تَقَدّمَ مَتَى يَكُونُ الْوَسَطُ مَدْحًا، وَأَنّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي وَصْفِ الشّهُودِ، وَفِي النّسَبِ، وَبَيّنّا السّرّ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْقَصِيدَةِ: وَنَضْرِبُ عَنْ أَحْجَارِهَا مَنْ يَرُومُهَا. أَيْ نَدْفَعُ عَنْ حُصُونِهَا وَمَعَاقِلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الرّوَايَةُ: أَجْحَارُهَا بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ، فَهُوَ جَمْعُ جُحْرٍ وَالْجُحْرُ هُنَا مُسْتَعَارٌ، وَإِنّمَا يُرِيدُ عن بيوتها ومساكنها «1» .

_ - شفر: أى: أحد، يقال: ما بالدار أحد، وما بها شفر، وما بها كتيع، وما بها عريب، وما بها ذبيح؛ وما بها نافخ صرمه كلها بمعنى واحد. أى ما بها أحد. (1) من معانى القصيدة غث: يعنى ليس له نسبة هنالك. وأصل الغث: اللحم الضعيف. طاشت حلومها: ذهبت عقولها. انتعش العود الذواء: حي وظهرت فيه الخضرة، وأصل نعش: رفع. والعود الذواء الذى جفت رطوبته. الأكناف: النواحى. وأرومها: جمع أرومه: الأصل. انظر ص 83، وما بعدها لأبى ذر الخشنى فى شرح السيرة

موقف الوليد بن المغيرة من القرآن

[موقف الوليد بن المغيرة من القرآن] ثم إن الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ اجْتَمَعَ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ قريش- وكان ذا سنّ فيهم، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمَ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّهُ قَدْ حَضَرَ هَذَا الْمَوْسِمُ، وَإِنّ وُفُودَ الْعَرَبِ سَتَقْدَمُ عَلَيْكُمْ فِيهِ، وَقَدْ سَمِعُوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيا واحد، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَيُكَذّبَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَيَرُدّ قَوْلُكُمْ بَعْضُهُ بَعْضًا، قَالُوا: فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، فَقُلْ، وَأَقِمْ لَنَا رَأْيًا نَقُولُ بِهِ، قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ، فَقُولُوا أَسْمَعْ، قَالُوا: نَقُولُ: كَاهِنٌ، قَالَ: لَا وَاَللهِ مَا هُوَ بِكَاهِنِ، لقد رأينا الكهّان، فما هو مزمزمة الْكَاهِنِ وَلَا سَجْعِهِ، قَالُوا: فَنَقُولُ: مَجْنُونٌ، قَالَ: مَا هُوَ بِمَجْنُونِ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ وَعَرَفْنَاهُ، فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ، وَلَا تَخَالُجِهِ، وَلَا وَسْوَسَتِهِ، قَالُوا: فَنَقُولُ: شَاعِرٌ، قَالَ: مَا هُوَ بِشَاعِرِ، لَقَدْ عَرَفْنَا الشّعْرَ كُلّهُ: رَجَزَهُ وَهَزَجَهُ، وَقَرِيضَهُ وَمَقْبُوضَهُ وَمَبْسُوطَهُ، فَمَا هُوَ بِالشّعْرِ، قَالُوا: فَنَقُولُ: سَاحِرٌ، قَالَ: مَا هُوَ بِسَاحِرِ، لَقَدْ رَأَيْنَا السّحّارَ وَسِحْرَهُمْ، فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِمْ وَلَا عَقْدِهِمْ، قَالُوا: فَمَا نَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ؟ قَالَ: وَاَللهِ إنّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَةً، وَإِنّ أَصْلَهُ لَعَذِقٌ، وَإِنّ فَرْعَهُ لَجُنَاةٌ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَال: لَغَدِقٌ- وَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إلّا عُرِفَ أَنّهُ بَاطِلٌ، وَإِنّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ فِيهِ لَأَنْ تَقُولُوا: سَاحِرٌ، جَاءَ بِقَوْلٍ هُوَ سِحْرٌ يُفَرّقُ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَبِيهِ، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وَعَشِيرَتِهِ. فَتُفَرّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ، فَجَعَلُوا يَجْلِسُونَ بِسُبُلِ النّاس حين قدموا المؤسم، لَا يَمُرّ بِهِمْ أَحَدٌ إلّا حَذّرُوهُ إيّاهُ، وذكروا لهم أمره. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى حق الوليد من القرآن:

[ما نزل فى حق الوليد من القرآن:] فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً، وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ، كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً» المدثر: 11- 16 أى خصيما. قال ابن هشام: عنيدا: مُعَانِدٌ مُخَالِفٌ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ: وَنَحْنُ ضَرّابُونَ رَأْسَ الْعُنّدِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ: «سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً، إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ» المدثر: 17: 22 قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَسَرَ: كَرّهَ وَجْهَهُ. قَالَ العجّاج: مضبّر الّلحيين بسرا منها يَصِفُ كَرَاهِيَةَ وَجْهِهِ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ: «ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقالَ: إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ» . المدثر: 23- 25. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: فِي رسوله- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَفِيمَا جَاءَ بِهِ من الله تعالى، وفى النفر الذين كانوا معه يصنّفون القول فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللهِ تَعَالَى: «كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ

أبو طالب يفخر بنسبه وابن أخيه

الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ. فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ» الحجر: 90- 93 قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاحِدَةُ الْعِضِينَ: عِضَةٌ، يَقُولُ: عَضّوْهُ: فَرّقُوهُ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ: وَلَيْسَ دِينُ اللهِ بِالْمُعَضّى وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ له. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَعَلَ أُولَئِكَ النّفَرُ يَقُولُونَ ذَلِكَ فِي رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَنْ لَقُوا مِنْ النّاسِ، وَصَدَرَتْ الْعَرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْسِمِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَانْتَشَرَ ذِكْرُهُ فِي بِلَادِ العرب كلّها. [أبو طالب يفخر بنسبه وابن أخيه] فَلَمّا خَشِيَ أَبُو طَالِبٍ دَهْمَاءَ الْعَرَبِ أَنْ يَرْكَبُوهُ مَعَ قَوْمِهِ، قَالَ قَصِيدَتَهُ الّتِي تَعَوّذَ فِيهَا بِحَرَمِ مَكّةَ وَبِمَكَانِهِ مِنْهَا، وَتَوَدّدَ فِيهَا أَشْرَافُ قَوْمِهِ، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ يُخْبِرُهُمْ وَغَيْرَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ شِعْرِهِ أَنّهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا تَارِكُهُ لِشَيْءِ أَبَدًا حَتّى يَهْلِكَ دُونَهُ، فَقَالَ: وَلَمّا رَأَيْتُ الْقَوْمَ لَا وُدّ فِيهِمْ ... وَقَدْ قَطَعُوا كُلّ الْعُرَى وَالْوَسَائِلِ وَقَدْ صَارَحُونَا بِالْعَدَاوَةِ وَالْأَذَى ... وَقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ الْعَدُوّ الْمُزَايِلِ وَقَدْ حَالَفُوا قَوْمًا عَلَيْنَا أَظِنّةً ... يَعَضّونَ غَيْظًا خَلْفَنَا بالأنامل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صَبَرْتُ لَهُمْ نَفْسِي بِسَمْرَاءَ سَمْحَةٍ ... وَأَبْيَضَ عَضْبٍ مِنْ تُرَاثِ الْمَقَاوِلِ وَأَحْضَرْتُ عِنْدَ الْبَيْتِ رَهْطِي وَإِخْوَتِي ... وَأَمْسَكْت مِنْ أَثْوَابهِ بِالْوَصَائِلِ قِيَامًا مَعًا مُسْتَقْبِلِينَ رِتَاجَهُ ... لُدًى حَيْثُ يَقْضِي حَلْفَهُ كُلّ نَافِلِ وَحَيْثُ يُنِيخُ الْأَشْعَرُونَ رِكَابَهُمْ ... بِمُفْضَى السّيُولِ مِنْ إسَافٍ وَنَائِلِ مُوَسّمَةُ الْأَعْضَادِ، أَوْ قَصَرَاتُهَا ... مُخَيّسَةٌ بَيْنَ السّدِيسِ وَبَازِلِ تَرَى الْوَدْعَ فِيهَا، والرّخام وزبنة ... بِأَعْنَاقِهَا مَعْقُودَةٌ كَالْعَثَاكِلِ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ مِنْ كلّ طاعن ... علينا يسوء، أَوْ مُلِحّ بِبَاطِلِ وَمِنْ كَاشِحٍ يَسْعَى لَنَا بِمَعِيبَةٍ ... وَمِنْ مُلْحِقٍ فِي الدّينِ مَا لَمْ نُحَاوِلْ وَثَوْرٍ، وَمَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ ... وَرَاقٍ لِيَرْقَى فِي حِرَاءٍ وَنَازِلِ وَبِالْبَيْتِ، حَقّ الْبَيْتِ، مِنْ بَطْنِ مَكّةَ ... وَبِاَللهِ إنّ اللهَ لَيْسَ بِغَافِلِ وَبِالْحَجَرِ الْمُسْوَدّ إذْ يَمْسَحُونَهُ ... إذَا اكْتَنَفُوهُ بالضّحى والأصائل وموطىء إبْرَاهِيمَ فِي الصّخْرِ رَطْبَةٌ ... عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غير فاعل وَأَشْوَاطٍ بَيْنَ الْمَرْوَتَيْنِ إلَى الصّفَا ... وَمَا فِيهِمَا مِنْ صُورَةٍ وَتَمَاثُلِ وَمَنْ حَجّ بَيْتَ اللهِ مِنْ كُلّ رَاكِبٍ ... وَمِنْ كُلّ ذِي نَذْرٍ وَمِنْ كُلّ رَاجِلِ وَبِالْمَشْعَرِ الْأَقْصَى إذَا عَمَدُوا لَهُ ... إلَالٌ إلَى مُفْضَى الشّرَاجِ الْقَوَابِلِ وَتَوْقَافِهِمْ فَوْقَ الْجِبَالِ عَشِيّةً ... يُقِيمُونَ بِالْأَيْدِي صُدُورَ الرّوَاحِلِ وليلة جمع والمنازل من معنى ... وَهَلْ فَوْقَهَا مِنْ حُرْمَةٍ وَمَنَازِلِ وَجَمْعٍ إذَا ما المقربات أجزئه ... سِرَاعًا كَمَا يَخْرُجْنَ مِنْ وَقْعِ وَابِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى إذَا صَمَدُوا لَهَا ... يَؤُمّونَ قَذْفًا رأسها بالجنادل وكندة إذ هُمْ بِالْحِصَابِ عَشِيّةً ... تُجِيزُ بِهِمْ حُجّاجُ بَكْرِ بن وائل حليفان شدّا عقد ما اختلفا لَهُ ... وَرَدّا عَلَيْهِ عَاطِفَاتِ الْوَسَائِلِ وَحَطْمِهِمْ سُمْرَ الرّماح وسرحه ... وشبرقه وخد النّعام الحوامل فَهَلْ بَعْدَ هَذَا مِنْ مُعَاذٍ لِعَائِذٍ ... وَهَلْ مِنْ مُعِيذٍ يَتّقِي اللهَ عَاذِلِ يُطَاعُ بِنَا أمر العدا ودّ انّنَا ... تُسَدّ بِنّا أَبْوَابُ تُرْكٍ وَكَابُلِ كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ نَتْرُكُ مَكّةَ ... وَنَظْعَنُ إلّا أَمْرُكُمْ فِي بَلَابِلِ كَذَبْتُمْ- وَبَيْتِ اللهِ- نُبْزَى مُحَمّدًا ... ولما نطاعن دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ وَيَنْهَضُ قَوْمٌ فِي الْحَدِيدِ إلِيْكُمُ ... نُهُوضَ الرّوَايَا تَحْتَ ذَاتِ الصّلَاصِلِ وَحَتّى تَرَى ذَا الضّغْنِ يَرْكَبُ رَدْعَهُ ... مِنْ الطّعْنِ فِعْلَ الْأَنْكَبِ الْمُتَحَامِلِ وَإِنّا- لَعَمْرُ اللهِ- إنْ جَدّ مَا أَرَى ... لَتَلْتَبِسَنّ أَسْيَافُنَا بِالْأَمَاثِلِ بِكَفّيْ فَتًى مِثْلَ الشّهَابِ سَمَيْدَعِ ... أَخِي ثِقَةٍ حَامِي الْحَقِيقَةِ بَاسِلِ شُهُورًا وَأَيّامًا وَحَوْلًا مُجَرّمًا ... عَلَيْنَا وَتَأْتِي حَجّةٌ بَعْدَ قَابِلِ وَمَا تَرْكُ قَوْمٍ- لَا أَبَا لَك- سَيّدًا ... يَحُوطُ الذّمَارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ يَلُوذُ بِهِ الهلّاك مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... فَهُمْ عِنْدَهُ فِي رَحْمَةٍ وفواضل لَعَمْرِي لَقَدْ أَجْرَى أُسَيْدٌ وَبِكْرُهُ ... إلَى بُغْضِنَا وجزّآنا لاكل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَعُثْمَانُ لَمْ يَرْبَعْ عَلَيْنَا وَقُنْفُذٌ ... وَلَكِنْ أَطَاعَا أَمْرَ تِلْكَ الْقَبَائِلِ أَطَاعَا أُبَيّا، وَابْنَ عَبْدِ يغوثهم ... ولم يرقبا فينا مقالة قائل كَمَا قَدْ لَقِينَا مِنْ سُبَيْعٍ وَنَوْفَلٍ ... وَكُلّ تولى معرضا لم يجامل فإن يلفيا، أَوْ يُمْكِنْ اللهُ مِنْهُمَا ... نَكِلْ لَهُمَا صَاعًا بِصَاعِ الْمُكَايِلِ وَذَاكَ أَبُو عَمْرٍو أَبَى غَيْرَ بُغْضِنَا ... لِيَظْعَنَنَا فِي أَهْلِ شَاءٍ وَجَامِلِ يُنَاجِي بِنَا فِي كُلّ مُمْسًى وَمُصْبَحٍ ... فَنَاجِ أَبَا عمر بِنَا ثُمّ خَاتِلِ وَيُؤْلَى لَنَا بِاَللهِ مَا إن يغشّنا ... بلى قد تراه جَهْرَةً غَيْرَ حَائِلِ أَضَاقَ عَلَيْهِ بُغْضُنَا كُلّ تَلْعَةٍ ... مِنْ الْأَرْضِ بَيْنَ أَخْشُبٍ فَمُجَادِلِ وَسَائِلْ أَبَا الْوَلِيدِ مَاذَا حَبَوْتَنَا ... بِسَعْيِكَ فِينَا مُعْرِضًا كَالْمُخَاتِلِ وَكُنْتَ امْرَأً مِمّنْ يُعَاشُ بِرَأْيِهِ ... وَرَحْمَتُهُ فِينَا وَلَسْتَ بِجَاهِلِ فَعُتْبَةُ لَا تَسْمَعْ بِنَا قَوْلَ كَاشِحٍ ... حَسُودٍ كَذُوبٍ مُبْغِضٍ ذِي دَغَاوِلِ وَمَرّ أَبُو سُفْيَانَ عَنّي مُعْرِضًا ... كَمَا مَرّ قَيْلٌ مِنْ عِظَامِ الْمَقَاوِلِ يَفِرّ إلَى نَجْدٍ وبرد مياهه ... ويزعم أفى لَسْتُ عَنْكُمْ بِغَافِلِ وَيُخْبِرُنَا فِعْلَ الْمُنَاصِحِ أَنّهُ ... شَفِيقٌ، وَيُخْفِي عَارِمَاتِ الدّوَاخِلِ أَمُطْعِمُ لَمْ أَخْذُلْك فِي يَوْمٍ نَجْدَةٍ ... وَلَا مُعْظِمٍ عِنْدَ الْأُمُورِ الجلائل ولا يوم خصم إذ أَتَوْك أَلِدّةً ... أُولِي جَدَلٍ مِنْ الْخُصُومِ الْمَسَاجِلِ أَمُطْعِمُ إنّ الْقَوْمَ سَامُوك خُطّةً ... وَإِنّي مَتَى أو كل فَلَسْتُ بِوَائِلِ جَزَى اللهُ عَنّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ... عُقُوبَةَ شَرّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بِمِيزَانِ قِسْطٍ لَا يُخِسّ شَعِيرَةً ... لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرَ عَائِلٍ لَقَدْ سَفُهَتْ أَحْلَامُ قَوْمٍ تَبَدّلُوا ... بَنِي خَلَفٍ قيضا بنا والغياطل وَنَحْنُ الصّمِيمُ مِنْ ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ ... وَآلِ قُصَيّ فِي الْخُطُوبِ الْأَوَائِلِ وَسَهْمٌ وَمَخْزُومٌ تَمَالَوْا وَأَلّبُوا ... عَلَيْنَا الْعِدَا مِنْ كُلّ طِمْلٍ وَخَامِلٍ فَعَبْدُ مَنَافٍ أَنْتُمْ خَيْرُ قَوْمِكُمْ ... فَلَا تُشْرِكُوا فِي أَمْرِكُمْ كُلّ وَاغِلِ لَعَمْرِي لَقَدْ وَهَنْتُمْ وَعَجَزْتُمْ ... وجئتم بأمر مخطىء لِلْمَفَاصِلِ وَكُنْتُمْ حَدِيثًا حَطْبَ قِدْرٍ وَأَنْتُمْ ... الْآنَ حطاب أقدر ومراجل ليهنىء بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عُقُوقُنَا ... وَخِذْلَانُنَا، وَتَرْكُنَا فِي الْمَعَاقِلِ فَإِنْ نَكُ قَوْمًا نَتّئِرْ مَا صَنَعْتُمْ ... وَتَحْتَلِبُوهَا لِقْحَةً غَيْرَ بَاهِلِ وَسَائِطُ كَانَتْ فِي لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... نَفَاهُمْ إلَيْنَا كُلّ صَقْرٍ حلاحل ورهط نفيل شرّ من وطىء الْحَصَى ... وَأَلْأَمُ حَافٍ مِنْ مَعَدّ وَنَاعِلِ فَأَبْلِغْ قُصَيّا أَنْ سَيُنْشَرُ أَمْرُنَا ... وَبَشّرْ قُصَيّا بَعْدَنَا بِالتّخَاذُلِ وَلَوْ طَرَقَتْ لَيْلًا قُصَيّا عَظِيمَةٌ ... إذًا مَا لَجَأْنَا دُونَهُمْ فِي الْمَدَاخِلِ وَلَوْ صَدَقُوا ضَرْبًا خِلَالَ بُيُوتِهِمْ ... لَكُنّا أُسًى عِنْدَ النّسَاءِ الْمَطَافِلِ فَكُلّ صَدِيقٍ وَابْنِ أُخْتٍ نَعُدّهُ ... لَعَمْرِي- وجدنا غبّه غير طائل سِوَى أَنّ رَهْطًا مِنْ كِلَابِ بْنِ مُرّةٍ ... بَرَاءٌ إلَيْنَا مِنْ مَعَقّةِ خَاذِلِ وَهَنّا لَهُمْ حَتّى تَبَدّدَ جَمْعُهُمْ ... وَيَحْسُرَ عَنّا كُلّ بَاغٍ وَجَاهِلِ وَكَانَ لَنَا حَوْضُ السّقَايَةِ فِيهِمْ ... وَنَحْنُ الْكُدَى مِنْ غَالِبٍ وَالْكَوَاهِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شَبَابٌ مِنْ الْمُطَيّبِينَ وَهَاشِمٍ ... كَبِيضِ السّيُوفِ بَيْنَ أَيْدِي الصّيَاقِلِ فَمَا أَدْرَكُوا ذَحْلًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا ... وَلَا حَالَفُوا إلّا شِرَارَ الْقَبَائِلِ بِضَرْبٍ تَرَى الْفِتْيَانَ فِيهِ، كَأَنّهُمْ ... ضَوَارِي أُسُودٍ فَوْقَ لَحْمٍ خَرَادِلِ بَنِي أَمَةٍ مَحْبُوبَةٍ هِنْدِكِيّةٍ ... بَنِي جُمَحٍ عُبَيْدِ قَيْسِ بْنِ عَاقِلِ وَلَكِنّنَا نَسْلٌ كِرَامٌ لِسَادَةٍ ... بِهِمْ نُعِيَ الْأَقْوَامُ عِنْدَ الْبَوَاطِلِ وَنِعْمَ ابْنِ أُخْتِ الْقَوْمِ غَيْرَ مُكَذّبٍ ... زُهَيْرٌ حُسَامًا مُفْرَدًا مِنْ حَمَائِلِ أَشَمّ مِنْ الشّمّ الْبَهَالِيلِ يَنْتَمِي ... إلَى حَسَبٍ فِي حَوْمَةِ الْمَجْدِ فَاضِلِ لَعَمْرِي لَقَدْ كُلّفْتُ وَجْدًا بِأَحْمَدَ ... وَإِخْوَتِهِ دَأْبَ الْمُحِبّ الْمُوَاصِلِ فَلَا زَالَ فِي الدّنْيَا جَمَالًا لِأَهْلِهَا ... وَزِيَنًا لِمَنْ وَالَاهُ رَبّ الْمَشَاكِلِ فَمَنْ مِثْلُهُ فِي النّاس أَيّ مُؤَمّلٍ ... إذَا قَاسَهُ الْحُكّامُ عِنْدَ التّفَاضُلِ حَلِيمٌ رَشِيدٌ عَادِلٌ غير طائش ... يوالى إلها ليس عنه بغافل فو الله لولا أن أجىء بسبّة ... تَجُرّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي الْمَحَافِلِ لَكِنّا اتّبَعْنَاهُ عَلَى كُلّ حَالَةٍ ... مِنْ الدّهْرِ جِدّا غَيْرَ قَوْلِ التّهَازُلِ لَقَدْ عَلِمُوا أَنّ ابْنَنَا لَا مُكَذّبٌ ... لَدَيْنَا، وَلَا يُعْنَى بِقَوْلِ الْأَبَاطِلِ فَأَصْبَحَ فِينَا أَحَمْدٌ فِي أَرُومَةٍ ... تُقَصّرُ عَنْهُ سَوْرَةُ الْمُتَطَاوِلِ حَدِبْتُ بِنَفْسِي دُونَهُ وَحَمَيْتُهُ ... وَدَافَعْتُ عَنْهُ بِالذّرَا وَالْكَلَاكِلِ فَأَيّدَهُ رَبّ الْعِبَادِ بِنَصْرِهِ ... وَأَظْهَرَ دِينًا حَقّهُ غَيْرُ بَاطِلِ رِجَالٌ كِرَامٌ غَيْرُ مِيلٍ نَمَاهُمْ ... إلَى الْخَيْرِ آبَاءٌ كِرَامُ الْمَحَاصِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فإن تك كعب من لؤىّ صقيبة ... فلابدّ يَوْمًا مَرّةً مِنْ تَزَايُلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا مَا صَحّ لِي مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَة، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، قال: أَقْحَطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَأَتَوْا رَسُولَ الله- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَيْهِ، فَصَعِدَ رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمِنْبَرَ فَاسْتَسْقَى، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ مِنْ الْمَطَرِ مَا أَتَاهُ أَهْلُ الضّوَاحِي يَشْكُونَ مِنْهُ الْغَرَقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَانْجَابَ السّحَابُ عَنْ الْمَدِينَةِ، فَصَارَ حَوَالَيْهَا كَالْإِكْلِيلِ؛ فَقَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلّمَ: لَوْ أَدْرَكَ أَبُو طَالِبٍ هَذَا الْيَوْمَ لَسَرّهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: كَأَنّك يَا رَسُولَ اللهِ أَرَدْت قَوْلَهُ: وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ قَالَ: أَجَلْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَوْلُهُ «وَشَبْرِقَهٌ» عَنْ غَيْرِ ابن إسحاق. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْغَيَاطِلِ: مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنُ هُصَيْصٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ. وَمُطْعِمُ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأُمّهُ: عاتكة بنت عبد المطلب. قال ابن إسحاق: وَأَسِيدٌ، وَبِكْرُهُ: عَتّابُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ أَبِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر الرسول"ص" ينتشر

العيص بن أمية بن عبد شمس بن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ. وَعُثْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ التّيْمِيّ. وقنفذ بن عمير بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ. وَأَبُو الْوَلِيدِ: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَأُبَيّ: الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ الثّقَفِيّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا سُمّيَ الْأَخْنَسُ؛ لِأَنّهُ خَنَسَ بِالْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَإِنّمَا اسْمُهُ: أُبَيّ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عِلَاجٍ، وَهُوَ عِلَاجُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُقْبَةَ. وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بن زهرة بن كلاب. وسبيع ابن خَالِدٍ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. وَنَوْفَلُ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ابن قُصَيّ، وَهُوَ ابْنُ الْعَدَوِيّةِ. وَكَانَ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ الّذِي قَرَنَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رَضِيَ الله عَنْهُمَا فِي حَبْلٍ حِينَ أَسْلَمَا، فَبِذَلِكَ كَانَا يُسَمّيَانِ: الْقَرِينَيْنِ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَوْمَ بَدْرٍ. وَأَبُو عَمْرٍو: قَرَظَةُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. «وَقَوْمٌ عَلَيْنَا أَظِنّةٌ» : بَنُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فَهَؤُلَاءِ الّذِينَ عَدّدَ أَبُو طَالِبٍ فى شعره من العرب. [ذكر الرسول «ص» ينتشر] فَلَمّا انْتَشَرَ أَمْرُ رَسُولِ الله- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِي الْعَرَبِ، وَبَلَغَ الْبُلْدَانَ، ذُكِرَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ حَيّ مِنْ الْعَرَبِ أَعْلَمَ بأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حِينَ ذُكِرَ، وَقَبْلَ أَنْ يُذْكَرَ مِنْ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أبو قيس بن الأسلت ونسبه وشعره فى الرسول"ص"

وَذَلِك لِمَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، وكانوا لهم خلفاء، وَمَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ. فَلَمّا وَقَعَ ذِكْرُهُ بِالْمَدِينَةِ، وَتَحَدّثُوا بِمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ. قَالَ أَبُو قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ. أَخُو بَنِي واقف. [أبو قيس بن الأسلت ونسبه وشعره فى الرسول «ص» ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَسَبُ ابْنِ إسْحَاقَ أَبَا قَيْسٍ هَذَا هَاهُنَا إلَى بَنِي وَاقِفٍ، وَنَسَبُهُ فى حديث الفيل إلى خَطْمَةَ؛ لِأَنّ الْعَرَب قَدْ تَنْسِبُ الرّجُلَ إلَى أَخِي جَدّهِ الّذِي هُوَ أَشْهَرُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ الْحَكَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ مِنْ وَلَدِ نُعَيْلَةَ أَخِي غِفَارٍ، وَهُوَ غِفَارُ بْنُ مُلَيْلٍ، وَنُعَيْلَةُ بْنُ مليل بن ضمرة بن بكر ابن عَبْدِ مَنَاةَ، وَقَدْ قَالُوا: عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ السّلمىّ، وهو من ولد مازن ابن منصور وسليم: ابن مَنْصُورٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَبُو قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ: مِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَوَائِلٌ، وَوَاقِفٌ وَخَطْمَةُ إخوة من الأوس. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ- وَكَانَ يُحِبّ قُرَيْشًا، وَكَانَ لَهُمْ صِهْرًا، كَانَتْ عِنْدَهُ أَرْنَبُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ، وَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يُقِيمُ عِنْدَهُمْ السّنِينَ بِامْرَأَتِهِ- قَصِيدَةً يُعَظّمُ فِيهَا الْحُرْمَةَ، وَيَنْهَى قُرَيْشًا فِيهَا عَنْ الْحَرْبِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْكَفّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَيَذْكُرُ فَضْلَهُمْ وَأَحْلَامَهُمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْكَفّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُذَكّرُهُمْ بَلَاءَ اللهِ عِنْدَهُمْ، وَدَفْعَهُ عنهم الفيل وكيده عنهم، فقال: يَا رَاكِبًا إمّا عَرَضَتْ فَبَلّغْنَ ... مُغَلْغِلَةً عَنّي لؤىّ بن غالب رسول امرىء قَدْ رَاعَهُ ذَاتُ بَيْنِكُمْ ... عَلَى النّأْيِ مَحْزُونٍ بِذَلِكَ نَاصِبِ وَقَدْ كَانَ عِنْدِي لِلْهُمُومِ مَعَرّسٌ ... فَلَمْ أَقْضِ مِنْهَا حَاجَتِي وَمَآرِبِي نُبَيّتُكُمْ شَرْجَيْنِ كُلّ قَبِيلَةٍ ... لَهَا أَزْمَلٌ مِنْ بَيْنِ مُذْكٍ وَحَاطِبِ أُعِيذُكُمْ بِاَللهِ مِنْ شَرّ صُنْعِكُمْ ... وَشَرّ تَبَاغِيكُمْ وَدَسّ الْعَقَارِبِ وَإِظْهَارِ أَخْلَاقٍ، وَنَجْوَى سَقِيمَةٍ ... كَوَخْزِ الْأَشَافِي وَقْعُهَا حَقّ صَائِبِ فَذَكّرْهُمْ بِاَللهِ أَوّلَ وَهْلَةٍ ... وَإِحْلَالِ أَحْرَامِ الظّبَاءِ الشّوَازِبِ وَقُلْ لَهُمْ وَاَللهُ يَحْكُمُ حُكْمَهُ ... ذَرُوا الْحَرْبَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ فِي الْمَرَاحِبِ مَتَى تَبْعَثُوهَا، تَبْعَثُوهَا ذَمِيمَةً ... هِيَ الْغُولُ لِلْأَقْصَيْنَ أَوْ لِلْأَقَارِبِ تُقَطّعُ أَرْحَامًا، وَتُهْلِكُ أُمّةً ... وَتَبْرِي السّدِيفَ مِنْ سَنَامٍ وَغَارِبِ وَتَسْتَبْدِلُوا بِالْأَتْحَمِيّةِ بَعْدَهَا ... شَلِيلًا وَأَصْدَاءً ثِيَابَ الْمُحَارِبِ وَبِالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ غُبْرًا سَوَابِغًا ... كَأَنّ قَتِيرَيْهَا عُيُونُ الْجَنَادِبِ فَإِيّاكُمْ وَالْحَرْبَ لَا تَعْلَقَنّكُمْ ... وَحَوْضًا وَخِيمَ الْمَاءِ مُرّ الْمَشَارِبِ تَزَيّنُ لِلْأَقْوَامِ، ثُمّ يَرَوْنَهَا ... بِعَاقِبَةٍ إذْ بَيّنَتْ، أُمّ صَاحِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تُحَرّقُ، لَا تُشْوِي ضَعِيفًا، وَتَنْتَحِي ... ذَوِي الْعِزّ مِنْكُمْ بِالْحُتُوفِ الصّوَائِبِ أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... فَتَعْتَبِرُوا أَوْ كَانَ فِي حَرْبِ حَاطِبِ وَكَمْ قَدْ أَصَابَتْ مِنْ شَرِيفٍ مسوّد ... طويل العماد، ضيفه غير خائب عَظِيمِ رَمَادِ النّارِ يُحْمَدُ أَمْرُهُ ... وَذِي شِيمَةٍ مَحْضٍ كَرِيمٍ الْمَضَارِبِ وَمَاءِ هُرِيقَ فِي الضّلَالِ كَأَنّمَا ... أَذَاعَتْ بِهِ رِيحُ الصّبَا وَالْجَنَائِبِ يُخَبّرُكُمْ عَنْهَا امْرُؤٌ حَقّ عَالِمٌ ... بِأَيّامِهَا وَالْعِلْمُ عِلْمُ التّجَارِبِ فَبِيعُوا الْحِرَابَ مِلْمُحَارِبِ، وَاذْكُرُوا ... حِسَابَكُمْ، وَاَللهُ خير محاسب ولىّ امرىء، فَاخْتَارَ دِينًا، فَلَا يَكُنْ ... عَلَيْكُمْ رَقِيبًا غَيْرَ رَبّ الثّوَاقِبِ أَقِيمُوا لَنَا دِينًا حَنِيفًا، فَأَنْتُمْ ... لَنَا غَايَةٌ قَدْ يُهْتَدَى بِالذّوَائِبِ وَأَنْتُمْ لِهَذَا النّاسِ نُورٌ وَعِصْمَةٌ ... تُؤَمّونَ، وَالْأَحْلَامُ غَيْرُ عَوَازِبِ وَأَنْتُمْ- إذَا مَا حُصّلَ النّاسُ- جَوْهَرٌ ... لَكُمْ سُرّةُ الْبَطْحَاءِ شُمّ الْأَرَانِبِ تَصُونُونَ أَجْسَادًا كِرَامًا عتيقة ... مهذّبة الأنساب غير أشائب يرى طَالِبَ الْحَاجَاتِ نَحْوَ بُيُوتِكُمْ ... عَصَائِبَ هَلْكَى تَهْتَدِي بِعَصَائِبِ لَقَدْ عَلِمَ الْأَقْوَامُ أَنّ سَرَاتَكُمْ ... عَلَى كُلّ حَالٍ خَيْرُ أَهْلِ الْجَبَاجِبِ وَأَفْضَلُهُ رَأْيًا، وَأَعْلَاهُ سُنّةً ... وَأَقْوَلُهُ لِلْحَقّ وَسْطَ الْمَوَاكِبِ فَقُومُوا، فَصَلّوا رَبّكُمْ، وَتَمَسّحُوا ... بِأَرْكَانِ هَذَا الْبَيْتِ بَيْنَ الأخاشب ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فعندكم منه يلاء وَمَصْدَقٌ ... غَدَاةَ أَبِي يَكْسُومَ هَادِي الْكَتَائِبِ كَتِيبَتُهُ بالسّهل تمسى، ورجله ... على القاذفات فى رؤس الْمَنَاقِبِ فَلَمّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ، رَدّهُمْ ... جُنُودُ الْمَلِيكِ بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِ فَوَلّوْا سِرَاعًا هاربين، ولم يؤب ... إلى أهله م الحبش غَيْرُ عَصَائِبِ فَإِنْ تَهْلِكُوا، نَهْلِكْ وَتَهْلِكْ مَوَاسِمٌ ... يعاش بها، قول امرىء غَيْرِ كَاذِبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ: «وَمَاءٌ هُرِيقَ» ، وَبَيْتَهُ: «فَبِيعُوا الْحِرَابَ» ، وَقَوْلَهُ: «وَلِيّ امرىء فاختار» ، وقوله: على القاذفات فى رؤس الْمَنَاقِبِ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ وَغَيْرُهُ. حَرْبٌ دَاحِسً: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمّا قَوْلُهُ: أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ فَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحَوِيّ: أَنّ دَاحِسًا فَرَسٌ كَانَ لِقَيْسِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بْنِ قُطَيْعَةَ بْنِ عَبْسِ بْنِ بغيض بن ريث ابن غَطَفَانَ، أَجْرَاهُ مَعَ فَرَسٍ لِحُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ جُؤَيّةَ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَوْذَانِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ فَزَارَةَ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، يُقَال لَهَا: الْغَبْرَاءُ. فَدَسّ حُذَيْفَةُ قَوْمًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوا وَجْهَ دَاحِسٍ، إنْ رَأَوْهُ قَدْ جَاءَ سَابِقًا، فَجَاءَ دَاحِسٌ سَابِقًا، فَضَرَبُوا وَجْهَهُ، وَجَاءَتْ الْغَبْرَاءُ. فَلَمّا جَاءَ فَارِسُ دَاحِسٍ أَخْبَرَ قَيْسًا الْخَبَرَ، فَوَثَبَ أَخُوهُ مَالِكُ بْنُ زُهَيْرٍ، فَلَطَمَ وَجْهَ الْغَبْرَاءِ، فَقَامَ حَمَلُ بْنُ بَدْرٍ، فَلَطَمَ مَالِكًا. ثُمّ إنّ أَبَا الْجُنَيْدِبِ الْعَبْسِيّ لَقِيَ عَوْفَ بْنَ حُذَيْفَةَ فَقَتَلَهُ، ثُمّ لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ مَالِكًا فَقَتَلَهُ فَقَالَ حَمَلُ بْنُ بَدْرٍ أَخُو حُذَيْفَةَ بْنِ بدر: قَتَلْنَا بِعَوْفٍ مَالِكًا وَهُوَ ثَأْرُنَا ... فَإِنْ تَطْلُبُوا مِنّا سِوَى الْحَقّ تَنْدَمُوا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَقَالَ الرّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ الْعَبْسِيّ: أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مَالِكِ بْنِ زُهَيْرٍ ... تَرْجُو النّسَاءُ عَوَاقِبَ الْأَطْهَارِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. فَوَقَعَتْ الْحَرْبُ بَيْنَ عَبْسٍ وَفَزَارَةَ، فَقُتِلَ حُذَيْفَةُ بن بدر وأخوه حمل ابن بَدْرٍ، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ يَرْثِي حُذَيْفَةَ، وَجَزِعَ عَلَيْهِ: كَمْ فَارِسٍ يُدْعَى وَلَيْسَ بِفَارِسٍ ... وَعَلَى الْهَبَاءَةِ فَارِسٌ ذُو مَصْدَقِ فَابْكُوا حُذَيْفَةَ لَنْ تُرَثّوا مِثْلَهُ ... حَتّى تَبِيدَ قَبَائِلٌ لَمْ تُخْلَقْ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَقَالَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ: عَلَى أَنّ الفتى حمل بن بدر ... بنى، وَالظّلْمُ مَرْتَعُهُ وَخِيمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حرب حاطب

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ: وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ زُهَيْرٍ أَخُو قَيْسِ بْنِ زُهَيْرٍ: تَرَكْتُ عَلَى الْهَبَاءَةِ غَيْرَ فَخْرٍ ... حُذَيْفَةُ عِنْدَهُ قَصْدُ الْعَوَالِي وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَرْسَلَ قَيْسٌ دَاحِسًا وَالْغَبْرَاءَ، وَأَرْسَلَ حُذَيْفَةُ الْخَطّارَ وَالْحَنْفَاءَ، وَالْأَوّلُ أَصَحّ الْحَدِيثَيْنِ. وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ قَطْعُهُ حديث سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. [حرب حاطب] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمّا قَوْلُهُ: «حرب حاطب» . فيعنى حاطب بن الحارث ابن قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، كَانَ قَتَلَ يَهُودِيّا جَارًا لِلْخَزْرَجِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَحْمَر بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ- وَهُوَ الّذِي يُقَال لَهُ: ابْنُ فُسْحُمٍ، وَفُسْحُمٌ: أُمّهُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ- لَيْلًا فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فَقَتَلُوهُ، فَوَقَعَتْ الْحَرْبُ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَكَانَ الظّفَرُ لِلْخَزْرَجِ عَلَى الْأَوْسِ، وَقُتِلَ يَوْمئِذٍ سُوَيْدُ بْنُ صَامِتِ بْنِ خالد بن عطيّة ابن حَوْطِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، قَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللهِ، حَلِيفُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ. فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حكيم بن أمية ينهى قومه عن عداوة الرسول

خَرَجَ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَرَجَ مَعَهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ، فَوَجَدَ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ غِرّةً مِنْ الْمُجَذّرِ فَقَتَلَهُ بِأَبِيهِ. وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهُ فِي مَوْضِعِهِ- إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- ثُمّ كَانَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ مَنَعَنِي مِنْ ذِكْرِهَا وَاسْتِقْصَاءِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْت فِي حَدِيثِ حرب داحس. [حكيم بن أمية ينهى قومه عن عداوة الرسول] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَكِيمُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السّلَمِيّ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ وَقَدْ أَسْلَمَ، يُوَرّعُ قَوْمَهُ عَمّا أَجَمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم، وكان فيهم شريفا مطاعا: هل قائل قولا من الْحَقّ قَاعِدٌ ... عَلَيْهِ، وَهَلْ غَضْبَانُ لِلرّشْدِ سَامِعُ وَهَلْ سَيّدٌ تَرْجُو الْعَشِيرَةُ نَفْعَهُ ... لِأَقْصَى الْمَوَالِي وَالْأَقَارِبِ جَامِعُ تَبَرّأْتُ إلّا وَجْهَ مَنْ يَمْلِكُ الصّبا ... وأهجركم مادام مُدْلٍ وَنَازِعُ وَأُسْلِمُ وَجْهِي لِلْإِلَهِ وَمَنْطِقِي ... وَلَوْ راعنى من الصّديق روائع ـــــــــــــــــــــــــــــ مَوْقِفُ الْوَلِيدِ مِنْ الْقُرْآنِ: وَذَكَرَ خَبَرَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَقَوْلَهُ: فِيمَا جَاءَ بِهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ وَالْقُرْآنِ: قَدْ سَمِعْنَا الشّعْرَ فَمَا هُوَ بِهَزَجِهِ، وَلَا رَجَزِهِ. وَالْهَزَجُ مِنْ أَعَارِيضِ الشّعْرِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرُوضِيّينَ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ اشْتِقَاقًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي وَصْفِ الذّبَابِ: هَزِجٌ، أَيْ: مُتَرَنّمٌ «1» ، وَأَمّا الرّجَزُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَجَزْت الْحَمْلَ إذَا عَدَلْته بِالرّجَازَةِ، وَهُوَ شَيْءٌ يُعْدَلُ بِهِ الْحَمْلُ، وَكَذَلِكَ الرّجَزُ فِي الشّعْرِ أَشْطَارٌ مُعَدّلَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَجَزَتْ النّاقَةُ إذَا أَصَابَتْهَا رِعْدَةٌ عِنْدَ قِيَامِهَا، كَمَا قَالَ الشّاعِرُ: حَتّى تَقُومَ تَكَلّفَ الرّجْزَاءِ «2» فَالْمُرْتَجِزُ كَأَنّهُ مُرْتَعِدٌ عِنْدَ إنْشَادِهِ لقصر الأبيات «3» .

_ (1) فى المعجم الوسيط: هزج بفتح فكسر هزجا بفتح أوله وثانيه: تغنى والهزج كل صوت فيه ترنم خفيف مطرب وصوت فيه بحح، وصوت الرعد وصوت الذباب، ونوع من بحور الشعر العربى والفارسى، سمى بذلك لتقارب أجزائه، وهى: مفاعيلن ست مرات، ومجزوء وجوبا، أى بأربع تفعيلات، كل اثنتين فى شطرة (2) الشطرة فى اللسان وفيه «الرجزاء» وفى الروض كانت الرجزاء بلا همزة. وفى أمالى القالى ج 2 ص 280 والرجز أن يرعد عجز البعير إذا أراد النهوض، وأنشد: تجد القيام كأنما هو نجدة ... حتى تقوم تكلف الرجزاء وفى سمط اللالى شرح أمالى القالى للبكرى: وهو لأبى النجم ارتجله عند عبد الملك حين قال له: إنك لا تحسن القصيد، فقال: إنى لأحسنه، فعال: فقل فى هذه الجارية، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: شعثاء، وكانت أدماء، فقال: علق الهوى بجبائل الشعثاء ... والموت بعض حبائل الأهواء والنجدة الشجاعة والشدة ص 924. (3) الرجز: بحر من بحور الشعر، وقد قال الحربى: لم يبلغنى أنه جرى على-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: قَدْ سَمِعْنَا الْكُهّانَ، فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكَاهِنِ وَلَا سَجْعِهِ: الزّمْزَمَةُ صَوْتٌ ضَعِيفٌ كَنَحْوِ مَا كَانَتْ الْفُرْسُ تَفْعَلُهُ عِنْدَ شُرْبِهَا الْمَاءَ، وَيُقَالُ أَيْضًا: زَمْزَمَ الرّعْدُ، وَهُوَ صَوْتٌ لَهُ قَبْلَ الْهَدْرِ، وَكَذَلِكَ الْكُهّانُ، كَانَتْ لَهُمْ زَمْزَمَةٌ اللهُ أَعْلَمُ بِكَيْفِيّتِهَا، وَأَمّا زَمْزَمَةُ الْفُرْسِ، فَكَانَتْ مِنْ أُنُوفِهِمْ. وَقَوْلُ الْوَلِيدِ: إنّ أَصْلَهُ لَعَذْقٌ، وَإِنّ فَرْعَهُ لَجَنَاةٌ. اسْتِعَارَةٌ مِنْ النّخْلَةِ الّتِي ثبت أصلها، وقوى وطلب فَرْعُهَا إذَا جَنَى «1» ، وَالنّخْلَةُ هِيَ: الْعَذْقُ بِفَتْحِ

_ - لسان النبى صلّى الله عليه وسلم من ضروب الرجز إلا ضربان: المنهوك والمشطور ولم يعدهما الخليل شعرا، فالمنهوك كقوله: «فى حديث رواه البخارى وأحمد ومسلم والنسائى» : أَنَا النّبِيّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ المطلب والمشطور كقوله، فى رواية جندب «هو فى البخارى» . هَلْ أَنْتَ إلّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ ... وَفِي سَبِيلِ الله ما لقيت وقوله: أنا ابن عبد المطلب ليس افتخارا، فقد كان يكره الانتساب إلى الاباه الكفار. ولكنه أشار إلى رؤيا رآها عبد المطلب كانت مشهوره عندهم، رأى تصديقها، فذكرهم إياها بهذا القول «انظر النهاية لابن الأثير» والرجز مركب من «مستفعلن» ست مرات. والمشطور منه ما كان على ثلاث تفعيلات، ويعتبر البيت فى الوقت. نفسه شطرة فلا يجزأ بعد ذلك مثل: رب أخ لى لم تلده أمى ... والمنهوك ما بقى على تفعيلتين مثل: إلهنا ما أعد لك ولم تكن العرب تعرف لهذه البحور هذه الأسماء. (1) كل ما يجنى فهو جنى وجناة، وفى حواشى أبى ذر: أى: فيه تمريجنى، وفى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْعَيْنِ، وَرِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ أَفْصَحُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ؛ لِأَنّهَا اسْتِعَارَةٌ تَامّةٌ يُشْبِهُ آخِرُ الْكَلَامِ أَوّلَهُ، وَرِوَايَةُ ابْنِ هِشَامٍ: إنّ أَصْلَهُ لَغَدْقٌ، وَهُوَ الْمَاءُ الْكَثِيرُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: غَيْدَقَ الرّجُلُ إذَا كَثُرَ بُصَاقُهُ، وَأَحَدُ أَعْمَامِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُسَمّى: الْغَيْدَاقُ لِكَثْرَةِ عَطَائِهِ، وَالْغَيْدَقُ أَيْضًا وَلَدُ الضّبّ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْحِسْلِ قَالَهُ قُطْرُبٌ فِي كِتَابِ الْأَفْعَالِ وَالْأَسْمَاءِ لَهُ «1» . ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً» الْآيَاتِ الّتِي نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ، وَفِيهَا لَهُ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ شَدِيدٌ، لِأَنّ مَعْنَى: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ» أَيْ دَعْنِي وَإِيّاهُ، فَسَتَرَى مَا أَصْنَعُ بِهِ، كَمَا قَالَ: «فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ» القلم: 44 وهى كلمة بقولها الْمُغْتَاظُ إذَا اشْتَدّ غَيْظُهُ وَغَضَبُهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَشْفَعَ لِمَنْ اغْتَاظَ عَلَيْهِ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَيْ: لَا شَفَاعَةَ تَنْفَعُ لِهَذَا الْكَافِرِ، وَلَا اسْتِغْفَارَ يَا مُحَمّدٌ مِنْك، وَلَا مِنْ غَيْرِك وَقَوْلُهُ: «وبنين شهودا» أَيْ: مُقِيمِينَ مَعَهُ غَيْرَ مُحْتَاجِينَ إلَى الْأَسْفَارِ والغيبة عنه، لأن ماله كان ممدودا وَالْمَالُ الْمَمْدُودُ عِنْدَهُمْ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ، فصاعدا «ومهّدت له تمهيدا»

_ - رواية البيهقى: «وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو، وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته» وفى رواية الحاكم: «إنه لمنير أعلاه مشرق أسفله» وقد أخرج الحديث الحاكم وصححه عن ابن عباس، وقريب منه ما رواه ابن جرير وابن أبى حاتم من طرق أخرى. (1) انظر ص 92 نوادر أبى زيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْ: هَيّأْت لَهُ، وَقَدّمْت لَهُ مُقَدّمَاتٍ اسْتِدْرَاجًا له، وقوله تعالى: «سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً» هِيَ عَقَبَةٌ فِي جَهَنّمَ، يُقَالُ لَهَا: الصّعُودُ مسيرها سبعين سَنَةً، يُكَلّفُ الْكَافِرُ أَنْ يَصْعَدَهَا، فَإِذَا صَعِدَهَا بَعْدَ عَذَابٍ طَوِيلٍ صُبّ مِنْ أَعْلَاهَا، وَلَا يَتَنَفّسُ، ثُمّ لَا يَزَالُ كَذَلِكَ أَبَدًا، كَذَلِكَ جَاءَ فِي التّفْسِيرِ «1» . وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: «فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ» أَيْ: لُعِنَ كَيْفَمَا كَانَ تَقْدِيرُهُ فَكَيْفَ هَاهُنَا مِنْ حُرُوفِ الشّرْطِ، وَقِيلَ مَعْنَى قُتِلَ: أَيْ هُوَ: أَهْلٌ أَنْ يُدْعَى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، وَقَدْ فَسّرَ ابْنُ هِشَامٍ: بَسَرَ وَالْبَسْرُ أَيْضًا: الْقَهْرُ، وَالْبَسْرُ حَمْلُ الْفَحْلِ عَلَى النّاقَةِ قَبْلَ وَقْتِ الضّرَابِ. وَفَسّرَ عِضِينَ، وَجَعَلَهُ مِنْ عَضّيْت أَيْ فَرّقْت، وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَعْضِيَةَ فِي مِيرَاثٍ إلّا مَا احْتَمَلَهُ الْقَسْمُ» وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَأْيِهِ فِي كُلّ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إذَا قُسِمَ «2» أَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الشّرِيكَيْنِ أَلّا يُقْسَمَ، وَهُوَ خِلَافُ رَأْيِ مَالِكٍ، وَحُجّةُ مَالِكٍ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: «مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً» النّسَاءِ: 7. وَقَدْ قِيلَ فِي عِضِينَ إنه جمع عضة، وهى السّحر وأنشدوا:

_ (1) رواه أحمد والترمذى ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة عن دراج، وابن لهيعة ضعيف، وأحسن ما قيل: هو تفسير مجاهد، فقد قال فى تفسير: سأرهقه صعودا: أى: مشقة من العذاب، وقال قتادة: عذاب لا راحة فيه واختاره ابن جرير. أو قربناه من العذاب الشاق لبعده عن الإيمان. (2) مثل لهذا الذى يضار به الورثة: قسم الجوهرة أو الطيلسان وما أشبه. ولهذا يباع ويقسم ثمنه بين الورثة، لأن التقسيم فيه ضرر كبير على كل الورثة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعوذ بربى من النافثا ... ت فى عقد الْعَاضِهِ الْمُعْضِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: يَا لِلْعَضِيهَةِ «1» وَيَا لِلْأَفِيكَةِ [وَيَا لِلْبَهِيتَةِ] شَرْحُ لَامِيّةِ أَبِي طَالِبٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَصِيدَةَ أَبِي طَالِبٍ إلَى آخِرِهَا، وَفِيهَا: وَأَبْيَضَ عَضْبٍ مِنْ تُرَاثِ الْمَقَاوِلِ. قَدْ شَرَحْنَا الْأَقْيَالَ وَالْمَقَاوِلَ، فِيمَا تَقَدّمَ، وَتُرَاثٌ أَصْلُهُ: وُرَاثٌ مِنْ وَرِثْت، وَلَكِنْ لَا تُبْدَلُ هَذِهِ الْوَاوُ تَاءً إلّا فِي مَوَاضِعَ مَحْفُوظَةٍ، وَعِلّتُهَا كَثْرَةُ وُجُودِ التّاءِ فِي تَصَارِيفِ الْكَلِمَةِ، فَالتّرَاثُ مَالٌ قَدْ تُوُورِثَ، وَتَوَارَثَهُ قَوْمٌ عَنْ قَوْمٍ، فَالتّاءُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التّوْرِيثِ وَالتّوَارُثِ، وَكَذَلِكَ تُجَاهُ الْبَيْتِ، التّاءُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التّوَجّهِ وَالتّوْجِيهِ وَنَحْوِهِ، فَلَمّا أَلْفَوْهَا فِي تَصَارِيفِ الْكَلِمَةِ لَمْ يُنْكِرُوا قَلْبَ الْوَاوِ إلَيْهَا، كَمَا فَعَلُوا فِي رَيْحَانٍ وهو من الرّوح لكثرة الياء

_ (1) كسرت اللام فى ثلاث الكلمات على معنى: اعجبو لهذا العضيهة الخ، فإذا فتحت فمعناه الاستغاثة، ويقال ذلك عند التعجب من الإفك العظيم والزيادة من اللسان. وعضه بفتح الضاد وكسرها، وأعضه جاء بالعضيهة، وعضهه يعضهه بفتح الضاد. قال فيه ما لم يكن وفى البخارى عن ابن عباس فى هذه الاية أنه قال: هم أهل الكتاب جزأوه أجزاء، فامنوا ببعض، وكفروا ببعض ونسب إلى ابن عباس أيضا فى غير البخارى أنه قال عن عضين: السحر. قال عكرمة: العضه: السحر بلسان قريش. ورأى ابن عباس الذى ذكره البخارى هو الأوفق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي تَصَارِيفِ الْكَلِمَةِ، كَمَا قَدّمْنَا قَبْلُ، وَهِيَ فِي تُرَاثٍ وَبَابِهِ أَبْعَدُ؛ لِأَنّ الْيَاءَ الْمَأْلُوفَةَ فِي مَادّةِ الْكَلِمَةِ زَائِدَةٌ، وَيَاءُ رَيْحَانٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ التّكَأَةُ مِنْ تَوَكّأْت وَتَتْرَى مِنْ التّوَاتُرِ، وَالتّوَلّجُ مِنْ التّوَلّجِ وَالْمُتّلِجِ، لِأَنّهُمْ يَقُولُونَ: اتّلَجَ بِالتّشْدِيدِ، فَتَصِيرُ الْوَاوُ تَاءً لِلْإِدْغَامِ، حَتّى يقولوا: متّلج فيجعلونها تاء دون الإدغام، وهذا أَشْبَهُ بِقِيَاسِ رَيْحَانٍ وَبَابِهِ؛ فَإِنّ التّاءَ الْأُولَى مِنْ مُتّلِجٍ أَصْلِيّةٌ وَهِيَ فِي مُتّلِجٍ إذَا ضُعّفَتْ أَصْلِيّةٌ أَيْضًا، فَهِيَ هِيَ، فَقِفْ عَلَى هذا الأصل؛ فإنه سز الباب «1» . وأراد بالمقاول: آباءه، شبههم بالملوك، ولم يَكُونُوا مُلُوكًا، وَلَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ مَلِكٍ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ قَالَ لَهُ هِرَقْلُ: هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَقَالَ: لَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السّيْفُ الّذِي ذَكَرَ أَبُو طَالِبٍ مِنْ هِبَاتِ الْمُلُوكِ لِأَبِيهِ، فَقَدْ وَهَبَ ابْنُ ذِي يَزَنَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ هِبَاتٍ جَزْلَةً حِينَ وَفَدَ عَلَيْهِ مَعَ قُرَيْشٍ، يُهَنّئُونَهُ بِظَفْرِهِ بِالْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَامَيْنِ. وَقَوْلُهُ: مُوَسّمَةُ الْأَعْضَادِ أَوْ قَصِرَاتُهَا: يَعْنِي [مُعَلّمَةٌ] بسمة فى أعضادها «2» ،

_ (1) جاء فى شرح الشافية للرضى: «اعلم أن التاء قريبة من الواو فى المخرج لكون التاء من أصول الثنايا، والواو من الشفتين، ويجمعهما الهمس، فتقع التاء بدلا منها كثيرا، لكنه مع ذلك غير مطرد إلا فى باب افتعل نحو تراث وتولج وتترى من المواترة والتلج بضم التاء وفتح اللام «فزخ العقاب» والتكأة وتقوى. وتوراة عند البصريين فوعلة من ورى الزند كتولج، فإن كتاب الله نور، وعند الكوفيين هما تفعله وتفعل، والأول أولى لكون فوعل أكثر من تفعل» ص 80 ح 3 ومنه تجاه، وتكلان وتلاد، وتيقور، وتهمة وتوأم، وتخمة وتلاد فأصلها: وجه، ووكل وولاد، ووقر ووهم ووأم ووخم وولاد وأصل توراة: ووراة. (2) موسمة الأعضاد: معلمة، والسمة العلامة، القصرات: أصول الأعناق وزيادة معلمة التى وضعتها بين قوسين يقتضيها السياق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيُقَالُ لِذَلِكَ الْوَسْمِ السّطَاعُ وَالْخِبَاطُ فِي الْفَخِذِ وَالرّقْمَةُ أَيْضًا فِي الْعَضُدِ، وَيُقَالُ لِلْوَسْمِ فِي الْكَشْحِ: الْكِشَاحُ وَلِمَا فِي قَصَرَةِ الْعُنُقِ: الْعِلَاطُ، وَالْعَلْطَتَانِ وَالشّعْبُ أَيْضًا فِي الْعُنُقِ، وَهُوَ كَالْمِحْجَنِ، وَفِي الْعُنُقِ وَسْمٌ آخَرُ أَيْضًا يُقَالُ لَهُ: قَيْدُ الْفَرَسِ. قَالَ الرّاجِزُ: كُومٌ عَلَى أَعْنَاقِهَا قَيْدُ الْفَرَسْ ... تَنْجُو إذَا اللّيْلُ تَدَانَى، وَالْتَبَسْ وَلِوُسُومِ الْإِبِلِ أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَبَابٌ طَوِيلٌ، ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَكْثَرَهُ فِي كِتَابِ الْإِبِلِ، فَمِنْهَا الْمُشَيْطَنَةُ وَالْمُفَعّاةُ وَالْقُرْمَةُ وَهِيَ فِي الْأَنْفِ، وَكَذَلِكَ الْجُرْفُ وَالْخُطّافُ وَهِيَ فِي الْعُنُقِ، وَالدّلْوُ وَالْمُشْطُ وَالْفِرْتَاجُ وَالثّؤْثُورُ وَالدّمَاعُ فِي مَوْضِعِ الدّمْعِ، وَالصّدَاغُ فِي مَوْضِعِ الصّدْغِ وَاللّجَامُ مِنْ الْخَدّ إلَى الْعَيْنِ، يُقَالُ مِنْهُ: بَعِيرٌ مَلْجُومٌ، وَالْهِلَالُ وَالْخِرَاشُ وَهُوَ مِنْ الصّدْغِ إلَى الذّقَنِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ قَصَرَاتُهَا جَمْعُ قَصَرَةٍ، وَهِيَ أَصْلُ الْعُنُقِ، وَخَفْضُهَا بِالْعَطْفِ عَلَى الْأَعْضَادِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ كَمَا تَقُولُ: هُوَ ضَارِبُ الرّجُلِ وَزَيْدًا فِي بَابِ اسْمِ الْفَاعِلِ؛ لِأَنّ قَوْلَهُ: مُوَسّمَةُ الْأَعْضَادِ مِنْ بَابِ الصّفَةِ الْمُشَبّهَةِ، وَهِيَ لَا تَعْمَلُ إلّا مُضْمَرَةً، وَاسْمُ الْفَاعِلِ يُضْمَرُ إذَا عُطِفَ عَلَى الْمَخْفُوضِ، وَذَلِكَ أَنّ الصّفَةَ لَا تَعْمَلُ بِالْمَعْنَى، وَإِنّمَا تَعْمَلُ بِشَبَهِ لَفْظِيّ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ اسْمِ الْفَاعِلِ، فَإِذَا زَالَ اللّفْظُ، وَرَجَعَ إلَى الْإِضْمَارِ لَمْ تَعْمَلْ، وَتُخَالِفُ اسْمَ الْفَاعِلِ أَيْضًا؛ لِأَنّ مَعْمُولَهَا لَا يَتَقَدّمُ عَلَيْهَا، كَمَا يَتَقَدّمُ الْمَفْعُولُ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ، وَذَلِكَ أَنّ مَنْصُوبَهَا فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى، وَالْفَاعِلُ لَا يَتَقَدّمُ، وَالصّفَةُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْصُوبِهَا بِالظّرْفِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ، وَالصّفَةُ لَا تَعْمَلُ إلّا بِمَعْنَى الْحَالِ، وَاسْمُ الْفَاعِلِ يَعْمَلُ بِمَعْنَى الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، نَعَمْ وَيَعْمَلُ بِمَعْنَى الْمَاضِي إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللّامُ، وَلَوْ رُوِيَ: مُوَسّمَةُ الْأَعْضَادَ بِنَصْبِ الدّالِ عَلَى مَعْنَى: مُوَسّمَةٌ الْأَعْضَادَ بِالتّنْوِينِ، وَحَذْفُهُ لِالْتِقَاءِ السّاكِنَيْنِ، لَجَازَ كَمَا رُوِيَ فى شعر حندج «1» : كبكر مقاناة البياض

_ (1) فى الأصل: جتدح، ومقنأة التى ستأتى فى الشطرة، وهما خطأ، والصواب ما أثبته، وجاء صواب مقنأة فى موضع آخر من الروض. وحندج هو امرؤ القيس الشاعر الجاهلى، والشعر من معلقته المشهورة، والرواية فى المعلقة، وفى اللسان هكذا. كبكر المقاناة الْبَيَاضُ بِصُفْرَةِ ... غَذَاهَا نَمِيرُ الْمَاءِ غَيْرَ مُحَلّلِ اليكر من كل صنف ما لم يسبقه مثله. والمقاناة: الخلط، والمقاناة- كما يقول الزوزنى- مصوغة للمفعول دون المصدر، وفى اللسان: فى شرح كبكر ألخ.. أى: كالبيضة التى هى أول بيضة باضتها النعامة التى قونى بياضها بصفرة، أى: خلط بياضها بصفرة.. فترك الألف واللام من البكر، وأضاف البكر إلى نعتها» وفى اللسان له معنى آخر: «أراد: كبكر الصدفة المقاناة البياض بصفرة؛ لأن فى الصدفة لونين من بياض وصفرة أضاف الدرة إليها» وبكر الصدفه درتها التى لم ير مثلها. شبهها فى صفاء اللون ونقائه بدرة فريدة تضمنتها صدفة بيضاء شابت بياضها صفرة، ويقول الزوزونى: يروى البيت بنصب البياض وخفضه، وهما جيدان بمنزلة قولهم زيد الحسن الوجه، والحسن الوجه الخفض على الإضافة والنصب على التشبيه كقولهم: زيد الضارب الرجل» ص 15 وما بعدها لأبى عبد الله الحسين بن أحمد بن الحسين الزوزنى ط 1288 واللسان مادة قنا. هذا ورواية مقاناة مقترنة بالألف واللام لا تأتى بالتنوين. وقد جاء تصويب مقنأة فى مكان آخر بمقاناة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنصب وبالرفع أيضا، أى: البياض منها عَلَى نِيّةِ التّنْوِينِ فِي مُقَانَاةٍ، وَحَذْفه لِالْتِقَاءِ السّاكِنَيْنِ، وَأَمّا الْخَفْضُ فَلَا خَفَاءَ بِهِ، وَإِذَا كَانَتْ الْقَصَرَاتُ مَخْفُوضَةً بِالْعَطْفِ عَلَى الْأَعْضَادِ، فَفِيهِ شَاهِدٌ لِمَنْ قَالَ: هُوَ حَسَنٌ وَجْهِهِ كَمَا رَوَى سِيبَوَيْهِ حِينَ أَنْشَدَ: كُمَيْتَا الْأَعَالِي جَوْنَتَا مصطلاهما «1»

_ (1) أنشده سيبويه فى الكتاب ص 102 ح 1 ط 1316 فى بيتين للشماخ ابن ضرار من قصيدة تبلغ أكثر من عشرين بيتا، والبيتان اللذان أنشدهما سيبويه أمن دمثين عرس الركب فيهما ... بحقل الرخامى قد عفا طللاهما أقامت على ربعيهما جارتا صفا ... كميتا الأعالى جونتا مصطلاهما وتروى الشطرة الثانية من البيت الأول: «قد أنى لبلاهما» وفى الشعر شاهد على أن الصفة المشبهة قد تضاف إلى ظاهر مضاف إلى ضمير صاحبها. والدمنة: الموضع الذى أثر الناس فيه بنزولهم وإقامتهم، وعرس: نزل آخر الليل قليلا للاستراحة، والركب: جمع راكب والطلل: ما بقى من آثار الدار، والرخامى: شجر مثل الضال، وهو السدر البرى. والبلى: الفناء، وأنى: حان. والربع: الدار والمنزل، والضمير فى ربعيهما للدمنتين خلافا للمرتضى الذى يزعم فى أماليه أنه لامرأتين سيأتى ذكرهما، ولم يتقدم. والصفا: الجبل. وجارتاه: أثفيتان- أى حجران للقدر- مقطوعتان من الجبل، وتقربان منه، فيكون هو ثالثة الأثافى. وكميتا الأعالى: صفة جارتا صفا، وكميتا مثنى: كميت بالتصغير من الكمتة، وهى الحمرة الشديدة المائلة إلى السواد، الأعالى: أعالى الجارتين شبه أعلاهما بلون الكميت؛ لأن النار لم تصل إليه فتسوده، وجونتا مصطلاهما-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي حَدِيثِ أُمّ زَرْعٍ: صُفْرُ رِدَائِهَا، وَمِلْءُ كسائها «1» مثل حسنة وجهها،

_ - صفة أخرى لجارتا صفا، والجونة: السوداء، وهو صفة مشبهة، والمصطلى اسم مكان الصلاء، أى: الاحتراق بالنار، فيكون المصطلى موضع إحراق النار. يريد إن أسافل الأثافى «الأثافى هى أرجل القدر الذى يطبخ عليه» قد اسودت من إيقاد النار بينها ... كل هذا فى وصف القدر الذى كان للأحبة بجواز الجبل يوقدون فيه النار. ومحل الشاهد فى قوله: جونتا مصطلاهما. فإنه أضاف جونتا إلى مصطلاهما، فجونتا بمنزلة: حسنتا، ومصطلاهما بمنزلة. وجههما، والضمير الذى فى مصطلاهما يعود على قوله: جارتا صفا، وفى خزانة الأدب للبغدادى تفصيل لما دار حول هذا البيت الذى استشهد به سيبويه «أقامت على ربعيهما» الخ فى قرابة عشر صفحات من 219 إلى 228 ح 4 ط السلفية، وانظر كتاب سيبويه ص 102 ح 1، والأمالى للمرتضى ح 3 ص 118 والأشمونى مع حاشية الصبان ح 3 ص 10 ط 1305. (1) حديث أم زرع أخرجه البخارى ومسلم والترمذى فى الشمائل والطبرانى وأبو يعلى وغيرهم، وفيه تتحدث عائشة- رضى الله عنها- عن إحدى عشرة امرأة من أهل اليمن تعاهدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا، ثم مضت تقص عائشة ما قالته كل زوجة حتى الحادية عشرة التى قالت: زوجى أبو زرع، وما أبو زرع؟ .. ثم مضت هذه فى ثنائها العظيم على زوجها وأهله حتى بلغت ذكر ابنة أبى زرع، فقالت عنها: «طوع أبيها، وطوع أمها، وزين أهلها ونسائها، وملء كسائها، وصفر ردائها، وغيظ جارتها» ثم تختم عائشة رضى الله عنها قصة أم زرع بأن زوجها طلقها، فنكحت بعده رجلا سريا تقول عنه أم زرع: «لو جمعت كل شىء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبى زرع» قالت عائشة: فقال لى رسول الله «ص» كنت لك كأبى زرع لأم زرع إلا أنه طلقها، وإنى لا أطلقك، فقالت عائشة: «بأبى أنت وأمى، لأنت خير لى من أبى زرع لأم زرع والمقصود من صفر ردائها أنها ضامرة البطن، فكان رداؤها صفرا أى خاليا لشدة ضمور بطنها، والرداء ينتهى إلى البطن، فيقع عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي الْأَمَالِي مِنْ صِفَةِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: شئن الْكَفّيْنِ «1» طَوِيلُ أَصَابِعِهِ، أَعْنِي: مِثْلَ صِفْرِ رِدَائِهَا. وقوله: ترى الودع فيه. الودع فيه. وَالْوَدْعُ بِالسّكُونِ وَالْفَتْحِ: خَرَزَاتٌ تُنْظَمُ، وَيَتَحَلّى بِهَا النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ كَمَا قَالَ: [السّنّ مِنْ جَلْنَزِيزٍ عَوْزَمٍ خَلَقٍ] ... وَالْحِلْمُ حِلْمُ صَبِيّ يَمْرُسُ «2» الْوَدَعَهْ وَقَالَ الشّاعِرُ: إنّ الرّوَاةَ بِلَا فَهْمٍ لِمَا حَفِظُوا ... مِثْلَ الْجِمَالِ عَلَيْهَا يُحْمَلُ الْوَدَعُ لَا الْوَدْعُ يَنْفَعُهُ حَمْلُ الْجِمَالِ لَهُ ... وَلَا الْجِمَالُ بِحَمْلِ الْوَدْعِ تَنْتَفِعُ وَيُقَالُ: إنّ هَذِهِ الْخَرَزَاتِ يَقْذِفُهَا الْبَحْرُ، وَأَنّهَا حَيَوَانٌ فِي جَوْفِ الْبَحْرِ، فَإِذَا قَذَفَهَا مَاتَتْ، وَلَهَا بَرِيقٌ وَلَوْنٌ حَسَنٌ، وَتَصَلّبُ صَلَابَةَ الْحَجَرِ، فَتُثْقَبُ، وَيُتّخَذُ مِنْهَا الْقَلَائِدُ، وَاسْمُهَا مُشْتَقّ مِنْ وَدَعْته أَيْ: تَرَكْته، لِأَنّ البحر ينصب

_ (1) ورد أنه شئن الكفين والقدمين فى أحاديث بعضها رواه البخارى والترمذى، والمعنى أن كفيه وقدميه يميلان إلى الغلظ والقصر، وقيل: هو الذى فى أنامله غلظ بلا قصر ويحمد؟؟؟ هذا فى الرجل لأنه أشد لقبضته، ويذم فى النساء وفى حديث المغيرة «؟؟؟ الكف. أى غليظته» (2) يلوكه ويمصه والبيت فى الأصمعيات لرجل من تميم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْهَا وَيَدَعُهَا، فَهِيَ وَدَعٌ مِثْلَ قَبَضٍ وَنَفَضٍ «1» ، وَإِذَا قُلْت الْوَدْعَ بِالسّكُونِ فَهِيَ مِنْ بَابِ مَا سُمّيَ بِالْمَصْدَرِ. وَقَوْلُهُ: وَالرّخَامَ أَيْ: مَا قُطِعَ مِنْ الرّخَامِ، فَنُظِمَ وَهُوَ حَجَرٌ أَبْيَضُ نَاصِعٌ: وَالْعَثَاكِلُ: أَرَادَ الْعَثَاكِيلَ «2» ، فَحَذَفَ الْيَاءَ ضَرُورَةً كَمَا قَالَ ابْنُ مُضَاضٍ: وَفِيهَا الْعَصَافِرُ، أَرَادَ: الْعَصَافِيرَ، وَفِي أَوّلِ الْقَصِيدَةِ: وَقَدْ حَالَفُوا قَوْمًا عَلَيْنَا أَظِنّةً [جَمْعُ ظَنِينٍ «3» ] أَيْ مُتّهَمٌ، وَلَوْ كَانَ بِالضّادِ مَعَ قَوْلِهِ: عَلَيْنَا، لَعَادَ مَعْنَاهُ مَدْحًا لَهُمْ، كَأَنّهُ قَالَ: أَشِحّةً عَلَيْنَا، كَمَا أَنْشَدَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ [الْجَاحِظُ] : لَوْ كُنْت فِي قَوْمٍ عَلَيْك أَشِحّةً ... عَلَيْك أَلَا إنّ مَنْ طَاحَ طَائِحُ يَوَدّونَ لَوْ خَاطُوا عَلَيْك جلودهم ... وهل يدفع الموت النفوس الشحائح «4»

_ (1) القبض بمعنى: مقبوض. النفض بفتح وسكون: مصدر نفضت الثوب والشجرة وبالتحريك ما تساقط من الورق والثمر والنفض بفاء ساكنة مع كسر النون: خرء النحل فى العسالة أو ما مات منه فيها. أو هو بالقاف وبالتحريك: ما سقط من الورق والثمر وحب العنب حين يوجد بعضه فى بعض. (2) العثاكل: جمع عثكال، وعثكول: الأغصان التى ينبت عليها الثمر «الخشنى» (3) زيادة ليست فى الأصل والسياق يقتضيها. (4) البيتان فى البيان والتبيين لأبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ص 50 ح 1. ط 1948 والبيت الأول يروى هكذا.. لقد كنت فى قوم عليك أشحة ... بنفسك لولا أن من طاح طائح وهما للأغر، والأغر لقب لشاعرين من بنى يشكر بن وائل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهَا: وَثَوْرٍ وَمَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ ... وَرَاقٍ لِيَرْقَى فِي حِرَاءَ وَنَازِلِ ثَوْرٌ: جَبَلٌ بِمَكّةَ، وَثَبِيرٌ: جَبَلٌ مِنْ جِبَالِهَا ذَكَرُوا أَنّ ثَبِيرًا كَانَ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْجَبَلِ، فَعُرِفَ الْجَبَلُ بِهِ، كَمَا عُرِفَ أَبُو قبيس يقبيس بْنِ شَالَحٍ رَجُلٍ مِنْ جُرْهُمٍ، كَانَ قَدْ وَشَى بَيْنَ عَمْرِو بْنِ مُضَاضٍ، وَبَيْنَ ابْنَةِ عَمّهِ مَيّةَ، فَنَذَرَتْ أَلّا تُكَلّمَهُ، وَكَانَ شَدِيدَ الْكَلَفِ بِهَا، فَحَلَفَ لَيَقْتُلَن قُبَيْسًا، فَهَرَبَ مِنْهُ فِي الْجَبَلِ الْمَعْرُوفِ بِهِ، وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ فَإِمّا مَاتَ، وَإِمّا تَرَدّى مِنْهُ، فَسُمّيَ الْجَبَلُ: أَبَا قُبَيْسٍ «1» وَهُوَ خَبَرٌ طَوِيلٌ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ: وَرَاقٍ لِيَرْقَى قَدْ تَقَدّمَ الْقَوْلُ فِيهِ، وَأَصَحّ الرّوَايَتَيْنِ فِيهِ: وراق لبرّ فى حِرَاءَ وَنَازِلِ «2» . قَالَ الْبَرْقِيّ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الصّوَابُ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: فَالْوَهْمُ فِيهِ إذًا مِنْ ابْنِ هِشَامٍ، أَوْ مِنْ الْبَكّائِيّ. وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَبِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فِيهِ زحاف «3» يسمى: الكفّ، وهو حذف

_ (1) فى القاموس: سمى برجل من مذحج حداد لأنه أول من بنى فيه. (2) وفى رواية: وعير وراق فى حراء ونازل.. وعير: اسم جبل. (3) فى السيرة: المسود. فلا يكون زحاف الكف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النّونِ مِنْ مَفَاعِيلُنْ «1» وَهُوَ بَعْدَ الْوَاوِ مِنْ الْأَسْوَدِ وَنَحْوِهِ قَوْلُ حُنْدُجٍ: أَلَا رُبّ يَوْمٍ لَك مِنْهُنّ صَالِحُ «2» وَمَوْضِعُ الزّحَافِ بَعْدَ اللّامِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: إذَا اكْتَنَفُوهُ بِالضّحَى وَالْأَصَائِلِ. الْأَصَائِلُ: جَمْعُ أَصِيلَةٍ، وَالْأُصُلُ جَمْعُ أَصِيلٍ، وَذَلِكَ أَنّ فَعَائِلَ جَمْعُ فَعِيلَةٍ، وَالْأَصِيلَةُ: لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْأَصِيلِ، وَظَنّ بَعْضُهُمْ أَنّ أَصَائِلَ: جَمْعُ آصَالٍ عَلَى وَزْنِ أَفْعَالٍ، وَآصَالٌ: جَمْعُ أَصْلٍ نَحْوَ أَطْنَابٍ وَطُنُبٍ، وَأُصُلٌ: جَمْعُ أَصِيلٍ مِثْلَ رُغُفٍ: جَمْعُ رَغِيفٍ، فَأَصَائِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ: جَمْعُ جَمْعِ الْجَمْعِ، وَهَذَا خَطَأٌ بَيّنٌ مِنْ وُجُوهٍ، مِنْهَا: أَنّ جَمْعَ جَمْعِ الْجَمْعِ لَمْ يُوجَدْ قَطّ فِي الْكَلَامِ، فَيَكُونُ هَذَا نَظِيرَهُ، وَعَنْ جهة القياس إذا كَانُوا لَا يَجْمَعُونَ الْجَمْعَ الّذِي لَيْسَ لِأَدْنَى الْعَدَدِ، فَأَحْرَى أَلّا يَجْمَعُوا جَمْعَ الْجَمْعِ، وَأَبْيَنُ خَطَأٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ الْهَمْزَةِ الّتِي هِيَ فَاءُ الْفِعْلِ الّتِي فِي أَصِيلٍ وَأُصُلٍ، وَكَذَلِكَ. هِيَ فَاءُ الْفِعْلِ فِي أَصَائِلَ، لِأَنّهَا فَعَائِلُ، وَتَوَهّمُوهَا زَائِدَةً كَاَلّتِي فِي أَقَاوِيلَ، وَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ كَانَتْ الصّادُ فَاءَ الْفِعْلِ، وَإِنّمَا هِيَ عَيْنُهُ، كَمَا هِيَ فِي أَصِيلٍ وَأُصُلٍ، فَلَوْ كَانَتْ أَصَائِلُ جَمْعَ آصَالٍ، مِثْلَ أقوال

_ (1) من تفعيلات البحر الطويل وهى: فعولن مفاعيلن. أربع مرات البيت الواحد. (2) هو من معلقته، وشطرته الأخرى: ولا سيما يوم بدارة جلجل. والشطرة الأولى رواية لم بدخلها زحاف الكف، وهى: ألا رب يوم كان منهن صالح. ودارة جلجل: غدير بعينه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَقَاوِيلَ لَاجْتَمَعَتْ هَمْزَةُ الْجَمْعِ مَعَ هَمْزَةِ الْأَصْلِ وَلَقَالُوا فِيهِ: أَوَاصِيلُ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ الثّانِيَةِ، وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ الْخَطَأِ بَيّنٌ أَيْضًا، وَهُوَ أَنّ أَفَاعِيلَ جَمْعُ أَفْعَالٍ، لَا بُدّ مِنْ يَاءٍ قَبْلَ آخِرِهِ، كَمَا قَالُوا فِي أَقَاوِيلَ، فَكَانَ يَكُونُ أَوَاصِيلَ، وَلَيْسَ فِي أَصَائِلَ حَرْفُ مَدّ وَلِينٍ قَبْلَ آخِرِهِ إنّمَا هِيَ هَمْزَةُ فَعَائِلَ، وَمِنْ الْخَطَأِ فِي قَوْلِهِمْ أَيْضًا: أَنْ جَعَلُوا أُصُلًا جَمْعًا كَثِيرًا مِثْلَ رُغُفٍ، ثُمّ زَعَمُوا أَنّ آصَالًا جَمْعٌ لَهُ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ فِي رُغُفٍ جَمْعُ أَرْغَافٍ، فَإِنْ قِيلَ: فَجَمْعُ أَيّ شَيْءٍ هِيَ آصَالٌ؟ قُلْنَا: جَمْعَ أُصُلٍ الّذِي هُوَ اسْمٌ مُفْرَدٌ فِي مَعْنَى الْأَصَائِلِ لَا جَمْعَ أُصُلٍ الّذِي هُوَ جَمْعٌ، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يُقَالُ أُصُلٌ وَاحِدٌ، كَمَا يُقَالُ أَصِيلٌ وَاحِدٌ؟ قُلْنَا: قَدْ قَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ اللّغَةِ ذَلِكَ، وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِ الْأَعْشَى: يَوْمًا بِأَطْيَبَ مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَةٍ ... وَلَا بِأَحْسَنَ مِنْهَا إذْ دَنَا الْأُصُلُ «1» أَيْ: دَنَا الْأَصِيلُ، فَإِنْ صَحّ أَنّ الْأُصُلَ بِمَعْنَى الْأَصِيلِ، وَإِلّا فَآصَالُ جَمْعُ أَصِيلٍ عَلَى حَذْفِ الْيَاءِ الزّائِدَةِ مِثْلَ طَوِيّ «2» وَأَطْوَاءٍ، وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، أَعْنِي: جَمْعَ جَمْعِ الْجَمْعِ غَيْرِ الزّجّاجِيّ وابن عزيز.

_ (1) قصيدة أولها: «ودع هريرة إن الركب مرتحل» ومنها قبل هذا البيت ما روضة من رياض الحزية معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزر بعميم النبت مكتهل يَوْمًا بِأَطْيَبَ مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَةٍ ... وَلَا بِأَحْسَنَ منها إذ دنا الأصل (2) الطوى كغنى: البئر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: وَمَوْطِئِ إبْرَاهِيمَ فِي الصّخْرِ رَطْبَةً. يَعْنِي مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ حِينَ غُسِلَتْ كَنّتْهُ «1» رَأْسَهُ، وَهُوَ رَاكِبٌ، فَاعْتَمَدَ بِقَدَمِهِ عَلَى الصّخْرَةِ حِينَ أَمَالَ رَأْسَهُ لِيَغْسِلَ، وَكَانَتْ سَارّةُ قَدْ أَخَذَتْ عَلَيْهِ عَهْدًا حِينَ اسْتَأْذَنَهَا فِي أَنْ يُطَالِعَ تَرِكَتَهُ «2» بِمَكّةَ، فَحَلَفَ لَهَا أَنّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ دَابّتِهِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى السّلَامِ، وَاسْتِطْلَاعُ الْحَالِ غَيْرَةٌ مِنْ سَارّةَ عَلَيْهِ مِنْ هَاجَرَ، فَحِينَ اعْتَمَدَ عَلَى الصّخْرَةِ أَبْقَى اللهُ فِيهَا أَثَرَ قَدَمِهِ آيَةً. قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ آلِ عِمْرَانَ: 97 أَيْ: مِنْهَا مَقَامُ إبْرَاهِيمَ، وَمَنْ جَعَلَ مَقَامًا بَدَلًا مِنْ آيَاتٍ، قَالَ: الْمَقَامُ جَمْعُ مَقَامَةٍ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ أَثَرُ قَدَمِهِ حِينَ رَفَعَ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِ «3» . وَقَوْلُهُ: بَيْنَ الْمَرْوَتَيْنِ: هُوَ كَنَحْوِ مَا تَقَدّمَ فِي بَطْنِ الْمَكّتَيْنِ والحمّتين

_ (1) الكنيت بفتح فكسر: سقاء مسيك- بكسر فسين مشددة مكسورة- كثير الأخذ للماء والكنة: امرأة الابن يعنى امرأة إسماعيل (2) بسكون الراء وفتح التاء بيض النعام يريد به ولده إسماعيل وأمه هاجر ولو روى بكسر الراء لكان من التركة، وهى الشىء المتروك. (3) روى عن ابن عباس أن المقام هو الحرم كله، أو الحج كله، وعن سعيد بن جبير: الحجر مقام إبراهيم، فكان يقوم عليه، ويناوله إسماعيل الحجارة، ولو غسل رأسه كما يقولون لاختلت رجلاه، واختار ابن كثير أنه الحجر الذى كان إبراهيم عليه السلام يقوم عليه لبناء الكعبة لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل عليه السلام به ليقوم فوقه، ويناوله الحجارة، فيضعها بيده لرفع الجدار. وكلما فرغ من جدار نقله إلى الناحية التى تليها، وكان هذا المقام ملصقا بجدار الكعبة قديما، ومكانه اليوم معروف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَعُنَيْزَتَيْنِ، مِمّا وَرَدَ مُثَنّى مِنْ أَسْمَاءِ الْمَوَاضِعِ، وَهُوَ وَاحِدٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَذَكَرْنَا الْعِلّةَ فِي مَجِيئِهِ مُثَنّى وَمَجْمُوعًا فِي الشّعْرِ. وَفِيهَا قَوْلُهُ: وَبِالْمَشْعَرِ الْأَقْصَى إذَا قَصَدُوا لَهُ أَلَالًا الْبَيْتَ. فَالْمَشْعَرُ الْأَقْصَى: عَرَفَةُ، وَأَلَالًا: جَبَلُ عَرَفَةَ. قال النابغة: يزرن أَلَالًا سَيْرُهُنّ التّدَافُعُ «1» وَسُمّيَ: أَلَالًا لِأَنّ الْحَجِيجَ إذا رأوه ألّوافى السّيْرِ أَيْ: اجْتَهَدُوا فِيهِ؛ لِيُدْرِكُوا الْمَوْقِفَ قَالَ الرّاجِزُ: مُهْرَ أَبِي الْحَبْحَابِ لَا تَشَلّي ... بَارّك فِيك اللهُ مِنْ ذِي أَلّ «2» وَالشّرَاجُ: جَمْعُ شَرْجٍ، وَهُوَ مَسِيلُ الْمَاءِ، وَالْقَوَابِلُ: الْمُتَقَابِلَةُ. وَفِيهَا قَوْلُهُ: وَحَطْمُهُمْ سُمْرَ الصّفَاحِ: جَمْعُ صَفْحٍ، وَهُوَ سَطْحُ الْجَبَلِ، وَالسّمْرُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ السّمُرَ، يُقَالُ فِيهِ: سَمُرَ وَسَمْرَ بِسُكُونِ الْمِيمِ، وَيَجُوزُ نَقْلُ ضَمّةِ الْمِيمِ إلَى مَا قَبْلَهَا إلَى السّينِ، كَمَا قَالُوا فِي حَسُنَ: حُسْنَ، وَكَذَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ بِضَمّ السّينِ، غَيْرَ أَنّ هَذَا النّقْلَ إنّمَا يَقَعُ غَالِبًا فيما يراد به المدح أو الذم

_ (1) شطرة البيت الأولى: «بمصطحبات من لصاف وثبرة» وفى المراصد: إلال: جبل بعرفات. قيل جبل رمل بعرفات عليه يقوم الإمام، وقيل عن يمين الإمام، وقيل: هو جبل عرفة نفسه. وفى البكرى قريب مما ذكر المراصد. وقد يقال عنه الإل، والإل كسحاب أو كبلال. (2) البيت لأبى الخضر اليربوعى يمدح عبد الملك بن مروان، وكان أجرى مهرا، فسبق. وانظر ص 23 إصلاح المنطق لابن السكيت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَحْوَ حَسُنَ وَقَبُحَ، كَمَا قَالَ: وَحُسْنَ ذَا أَدَبًا. أَيْ حَسُنَ ذَا أَدَبًا «1» ، وَجَائِزٌ أَنْ يُرَادَ بِالسّمْرِ هَهُنَا جَمْعُ: أَسْمَرَ وَسَمْرَاءَ وَيَكُونُ وَصْفًا لِلنّبَاتِ، وَالشّجَرِ كَمَا يُوصَفُ بِالدّهْمَةِ إذَا كَانَ مُخَضّرًا، وَفِي التّنْزِيلِ: مُدْهامَّتانِ الرّحْمَنِ: 64 أَيْ: خَضْرَاوَانِ إلَى السّوَادِ. وَقَوْلُهُ: وَشِبْرِقَهُ. وَهُوَ نَبَاتٌ يقال ليابسه: الحلّى، والرطبة: الشّبرق.

_ (1) يقول الجوهرى: تقول: قد حسن الشىء، وإن شئت خففت الضمة، فقلت حسن الشىء بسكون السين، ولا يجوز أن تنقل الضمة إلى الحاء، لأنه خبر. وإنما يجوز النقل إذا كان بمعنى المدح والذم لأنه يشبه فى جواز النقل بنعم وبئس، وذلك أن الأصل فيها: نعم وبئس ... قال سهم بن حنظلة الغنوى: لم يمنع الناس منى ما أردت، وما ... أُعْطِيهِمْ مَا أَرَادُوا حُسْنَ ذَا أَدَبَا أَيْ حسن هذا أدبا، فخفف، ونقله «اللسان» فى مادة حسن وقال ابن السكيت فى إصلاح المنطق ص 41 «يقال: عظم بضم- الظاء- البطن بطنك- وعظم بسكون الظاء- البطن بطنك بتخفيف الضمة، ويقال عظم- بضم العين وسكون الظاء- البطن بطنك، يخففون ضمة الظاء، وينقلونها إلى العين، وإنما يكون النقل فيما يكون مدحا أو ذما، فإذا لم يكن مدحا ولا ذما، كان الضم والتخفيف، ولم يكن النقل، تقول: حسن الوجه- بضم السين- وجهك، وحسن بفتح الحاء سكون السين الوجه وجهك: وحسن بضم الحاء وسكون السين الوجه وجهك وقد حسن بسكون السين وجهك وفتح الحاء، وحسن بضم السين وجهك قال: حسن على أن يكون على مذهب نعم وبئس، نقل وسطه إلى أوله، وما لم يحسن لم ينقل، وقد حسن وجهك لا تنقل ضمة السين إلى الحاء وقد فصل هذا أيضا التبريرى فى تهذيب إصلاح المنطق ص 54 ط أولى، ثم قال-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: نبذى مُحَمّدًا «1» أَيْ نُسْلَبُهُ وَنُغْلَبُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: نُهُوضَ الرّوَايَا. هِيَ الْإِبِلُ تَحْمِلُ الْمَاءَ وَاحِدَتُهَا: رَاوِيَةٌ، وَالْأَسْقِيَةُ أَيْضًا يُقَالُ لَهَا: رَوَايَا، وَأَصْلُ هَذَا الْجَمْعِ: رَوَاوِيّ ثُمّ يَصِيرُ فِي الْقِيَاسِ: رِوَائِيّ مِثْلَ حَوَائِلَ جَمْعُ: حَوْلٍ، وَلَكِنّهُمْ قَلَبُوا الْكَسْرَةَ فتحة بعد ما قَدّمُوا الْيَاءَ قَبْلَهَا، وَصَارَ وَزْنُهُ: فَوَالِعَ، وَإِنّمَا قَلَبُوهُ كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ وَاوَيْنِ، وَاوُ فَوَاعِلَ، الْوَاوُ الّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنّ الْوَاوَ الثّانِيَةَ قِيَاسُهَا أَنْ تَنْقَلِبَ هَمْزَةً فِي الْجَمْعِ لِوُقُوعِ الْأَلِفِ بَيْنَ وَاوَيْنِ، فَلَمّا انْقَلَبَتْ هَمْزَةً قَلَبُوهَا يَاءً، كَمَا فَعَلُوا فِي خَطَايَا وَبَابِهِ، مِمّا الْهَمْزَةُ فِيهِ مُعْتَرِضَةٌ فِي الْجَمْعِ، وَالصّلَاصِلُ. الْمَزَادَاتُ لَهَا صَلْصَلَةٌ بِالْمَاءِ «2» ، وَفِيهَا قَوْلُهُ: غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ. وَهُوَ مُخَفّفٌ مِنْ ذَرِبَ وَالذّرِبُ: اللّسَانُ الْفَاحِشُ الْمَنْطِقُ، وَالْمُوَاكِلُ الّذِي لاجد عنده فهو يكل أموره إلى غيره.

_ - فى شرح هذا البيت: «يريد أنه يقهر الناس، فيمنعهم ما يريدون منه، ولا يمنعونه ما يريد منهم لعزه، وجعله أدبا حسنا، وقال أبو العلاء فى معنى هذا البيت: كان ينكر على نفسه أن يعطيه الناس، ولا يعطيهم، وهو صواب، وذا فاعل حسن، وأدبا منصوب على التمييز، وأراد حسن، فخفف، ونقل، لأن هذا مذهب التعجب (1) فى السيرة والروض يبذى بالذال وهو خطأ والصواب نبزى أى نسلب ونغلب عليه- كما شرح الخشنى وصاحب الروض- وقد رواه اللسان فى مادة: يبزى على البناء للمفعول ورفع محمد. ونقل عن شمر أن معناه: يقهر ويستذل، وأنه من باب ضررته وأضررت به.. وأراد: لا يبزى، فحذف لا من جواب القسم، وهى مرادة، أى لا يقهر، ولم نقاتل عنه وندافع. (2) فى شرح السيرة للخشنى: الصلاصل: جمع صلصلة. وهى بقية الماء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهَا قَوْلُهُ: ثِمَالَ الْيَتَامَى، أَيْ: يَثْمُلُهُمْ، وَيَقُومُ بِهِمْ، يُقَالُ: هُوَ ثِمَالُ مَالٍ أَيْ يَقُومُ بِهِ. وَفِيهَا: قَوْلُهُ لِيُظْعِنَنَا فِي أَهْلِ شَاءٍ وَجَامِلِ. الشّاءُ وَالشّوِيّ: اسْمٌ لِلْجَمْعِ مِثْلُ الْبَاقِرِ وَالْبَقِيرِ، وَلَا وَاحِدَ لِشَاءِ، وَالشّوِيّ مِنْ لَفْظِهِ، وَإِذَا قَالُوا فِي الْوَاحِدِ: شَاةٌ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا؛ لِأَنّ لَامَ الْفِعْلِ فِي شَاةٍ هَاءٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي التّصْغِيرِ: شُوَيْهَةٌ، وَفِي الْجَمْعِ شِيَاهٌ، وَالْجَامِلُ «1» اسْمُ جَمْعٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَاقِرِ. وَقَوْلُهُ: وَكُنْتُمْ زَمَانًا «2» حَطْبَ قِدْرٍ: حَطْبٌ اسْمٌ لِلْجَمْعِ مِثْلُ رَكْبٍ، وَلَيْسَ بِجَمْعِ، لِأَنّك تَقُولُ فِي تَصْغِيرِهِ: حُطَيْبٌ وَرُكَيْبٌ. وَقَوْلُهُ: حِطَابُ أَقْدُرٍ: هُوَ جَمْعُ حَاطِبٍ فَلَا يُصَغّرُ، إلّا أَنْ تَرُدّهُ إلَى الْوَاحِدِ، فَتَقُولُ: حُوَيْطِبُونَ، وَمَعْنَى الْبَيْتِ: أَيْ: كُنْتُمْ مُتّفِقِينَ لَا تَحْطِبُونَ إلّا لِقِدْرِ وَاحِدَةٍ، فَأَنْتُمْ الْآنَ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَفِيهَا قَوْلُهُ: مِنْ الْأَرْضِ بَيْنَ أَخْشُبٍ، فَمَجَادِل. أَرَادَ الْأَخَاشِبَ، وَهِيَ جِبَالُ مَكّةَ «3» ، وَجَاءَ بِهِ عَلَى أَخْشُبٍ، لِأَنّهُ فى معنى أجبل، مع أن الاسم

_ (1) فى القاموس أن جامل جمع جمل. (2) فى السيرة: وكنتم حديثا (3) هى أربعة أخاشب، فأخشبا مكة: جبلاها، وأخشبا المدينة: حرتاها المكتنفتان لها، وهما لابتاها، وأخاشب الصمان فى محلة بنى تميم، ويروى: أخشب على أنها مفرد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَدْ يُجْمَعُ عَلَى حَذْفِ الزّوَائِدِ كَمَا يُصَغّرُونَهُ كَذَلِكَ، وَالْمَجَادِلُ: جَمْعُ مِجْدَلٍ وَهُوَ: الْقَصْرُ، كَأَنّهُ يُرِيدُ مَا بَيْنَ جِبَالِ مَكّةَ، فَقُصُورُ الشّامِ أَوْ الْعِرَاقِ، وَالْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: فَمَجَادِلِ تُعْطِي الِاتّصَالَ بِخِلَافِ الْوَاوِ، كَقَوْلِهِ بَيْنَ الدّخُولِ فَحَوْمَلِ، وَتَقُولُ: مُطِرْنَا بَيْنَ مَكّةَ فَالْمَدِينَةِ إذَا اتّصَلَ الْمَطَرُ مِنْ هَذَا إلَى هَذِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْوَاوُ لَمْ تُعْطِ هَذَا الْمَعْنَى. وَقَوْلُهُ: أُولِي جَدَلٍ مِنْ الْخُصُومِ الْمَسَاجِلِ يُرْوَى بِالْجِيمِ وَبِالْحَاءِ فَمَنْ رَوَاهُ بِالْجِيمِ فَهُوَ مِنْ الْمُسَاجَلَةِ فِي الْقَوْلِ، وَأَصْلُهُ فِي اسْتِقَاءِ الْمَاءِ بِالسّجِلّ، وَصَبّهِ فَكَأَنّهُ جَمْعُ مَسَاجِلَ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْأَلِفِ الزّائِدَةِ مِنْ مَفَاعِلَ، أَوْ جَمْعُ مِسْجَلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَهُوَ مِنْ نَعْتِ الْخُصُومِ، وَمَنْ رَوَاهُ الْمَسَاحِلَ بِالْحَاءِ، فَهُوَ جَمْعُ مِسْحَلٍ وَهُوَ اللّسَانُ، وَلَيْسَ بِصِفَةِ لِلْخُصُومِ، إنّمَا هُوَ مَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ، أَيْ: خُصَمَاءُ الْأَلْسِنَةِ، وَقَالَ ابْنُ أَحْمَرَ: مَنْ خَطِيبٌ إذَا مَا انْحَلّ مِسْحَلُهُ «1» أَيْ: لِسَانُهُ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ السّحْلِ وَهُوَ الصّبّ، وَمِنْهُ حَدِيثُ أَيّوبَ حِينَ فُرّجَ عَنْهُ، فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَسَحَلَتْ فِي بَيْدَرِهِ ذَهَبًا، وَجَاءَتْ أُخْرَى فَسَحَلَتْ فى البيدر الاخر فضة «2» .

_ (1) روايته فى اللسان: ومن خطيب إذا ما انساح مسحله ... مفرج القول ميسورا ومعسورا ومن معانى مسحل أيضا: الخطيب الماضى وغير هذا. (2) البيدر: الجرن أو القمح ونحوه بعد دياسه. ويقول الحافظ فى الفتح-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل: وفيها: لقد سفهت أحلام قوم تبالوا ... بَنِي خَلَفٍ قَيْضًا بِنَا وَالْغَيَاطِلِ قَيْضًا أَيْ: مُعَاوَضَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لِذِي الْجَوْشَنِ «1» : إنْ شِئْت قَايَضْتُك بِهِ الْمُخْتَارَ مِنْ دروع بدر، فقال: ما كنت لأقيضه

_ - لم يثبت عند البخارى فى قصة أيوب شىء سوى: «بينا أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب، فجعل يحثى فى ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لى عن بركتك،. ومسألة السحابة عند ابن أبى حاتم وابن جريج وابن حبان والحاكم، ولكنها لا تخلو من غرابة ونكارة» أقول: ويجب أن نقف عند الذى ذكره القرآن، وما صح صحة قوية عن رسول الله «ص» حتى لا نرجم بالغيب فى قصص النبيين التى وصلت زياداتها إلينا عن طريق أسفار اليهود، وألسنة اليهود التى نافقت بكلمة التوحيد، وخدع بها الكثير من ذوى القلوب الصافية. (1) أصل الجوشن: الصدر والدرع، قال أبو السعادات ابن الأثير: يقال إنه لقب ذا الجوشن، لأنه دخل على كسرى، فأعطاه جوشنا، فلبسه فكان أول عربى لبسه، وقال غيره: لأن صدره كان ناتئا، وفى القاموس مثله، واختلف فى اسمه فقيل اسمه: أوس بن الأعور، وقيل: شرحبيل- وهو الأشهر- بن الأعور بن عمرو ابن معاوية، وينتهى إلى عامر بن صعصعة. وقيل: عثمان بن نوفل. وفى القاموس: شرحبيل بن قرط الأعور. ويقول ابن حجر فى الإصابة له حديث عند أبى داود من طريق أبى إسحاق عنه، ويقال: إنه لم يسمع منه، وإنما سمعه من ولده شمر. وفى ذخائر المواريث أن حديثه هذا هو الذى ذكره السهيلى: «أتيت النبى «ص» بعد أن فرغ من أهل بدر بابن فرس لى يقال لها الترحاء» وذكر أن أبا داود رواه فى الجهاد عن مسدد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْيَوْمَ بِشَيْءِ يَعْنِي: فَرَسًا لَهُ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْقَرْحَاءِ. وَقَالَ أَبُو الشّيصِ «1» : لَا تُنْكِرِي صَدّي وَلَا إعْرَاضِي ... لَيْسَ الْمُقِلّ عَنْ الزّمَانِ بِرَاضِ بُدّلَتْ مِنْ بُرْدِ الشّبَابِ مُلَاءَةً ... خَلَقًا، وَبِئْسَ مَثُوبَةُ الْمُقْتَاضِ وَالْغَيَاطِلُ: بَنُو سَهْمٍ، لِأَنّ أُمّهُمْ الْغَيْطَلَةُ، وَقَدْ تَقَدّمَ نَسَبُهَا، وَقِيلَ: إنّ بَنِي سَهْمٍ سُمّوا بِالْغَيَاطِلِ، لِأَنّ رَجُلًا مِنْهُمْ قَتَلَ جَانّا طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَتَلَهُ، فَأَظْلَمَتْ مَكّةُ، حَتّى فَزِعُوا مِنْ شِدّةِ الظّلْمَةِ الّتِي أَصَابَتْهُمْ «2» ، وَالْغَيْطَلَةُ: الظّلْمَةُ الشّدِيدَةُ، وَالْغَيْطَلَةُ أَيْضًا: الشّجَرُ الْمُلْتَفّ، وَالْغَيْطَلَةُ: اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ، وَالْغَيْطَلَةُ: الْبَقَرَةُ الْوَحْشِيّةُ، وَالْغَيْطَلَةُ: غَلَبَةُ النّعَاسِ، وَقَوْلُهُ: يُخِسّ شَعِيرَةً، أَيْ: يُنْقِصُ، وَالْخَسِيسُ: النّاقِصُ مِنْ كُلّ شَيْءٍ، وَيُرْوَى فِي غَيْرِ السّيرَةِ: يَحُصّ بِالصّادِ وَالْحَاءِ مُهْمَلَةً مِنْ حَصّ الشّعْرَ:

_ (1) هو محمد بن رزين، أو ابن عبد الله بن رزين، وأبو الشيص: لقب غلب عليه، والشيص: ردىء التمر، وكان من شعراء الرشيد، فأخمل أبو نواس ومسلم ابن الوليد ذكره، ومن قصيدته هذه: ولقد أقول لشيبة أبصرتها ... فى مفرقى، فمنحتها إعراضى عنى إليك، فلست منتهيا، ولو ... عممت منك مفارقى ببياض هل لى سوى عشرين عاما قد مضت ... مع ستة فى إثرهن مواضى ولقلما أرتاع منك. وإننى ... فيما هويت وإن وزعت لماض فعليك ما اسطعت الظهور بلمتى ... وعلى أن ألقاك بالمقراض انظر ص 337 سمط اللالى، ونكت الهميان: «كان أبو الشيص أعمى» وص 123 ح 3 البيان للجاحظ بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون (2) أسطورة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذَا أَذْهَبَهُ «1» . وَقَوْلُهُ: مِنْ كُلّ طِمْلٍ وَخَامِلِ: الطّمْلُ: اللّصّ، كَذَا وَجَدْته فِي كِتَابِ أَبِي بَحْرٍ، وَفِي الْعَيْنِ: الطّمْلُ الرّجُلُ الْفَاحِشُ، وَالطّمْلُ وَالطّمْلَالُ: الْفَقِيرُ، وَالطّمْلُ: الذّئْبُ «2» . وَقَوْلُهُ: لِقْحَةٌ غَيْرَ بَاهِلِ: الْبَاهِلُ: النّاقَةُ الّتِي لَا صِرَارَ عَلَى أَخْلَافِهَا، فَهِيَ مُبَاحَةُ الْحَلْبِ يُقَالُ: نَاقَةٌ مَصْرُورَةٌ، إذَا كَانَ عَلَى خَلْفِهَا صِرَارٌ يَمْنَعُ الْفَصِيلَ مِنْ أَنْ يَرْضَعَ، وَلَيْسَتْ الْمُصَرّاةُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، إنّمَا هِيَ الّتِي جُمِعَ لَبَنُهَا فِي ضَرْعِهَا، فَهُوَ مِنْ الْمَاءِ الصّرَى «3» ، وَقَدْ غَلِطَ أَبُو عَلِيّ فِي الْبَارِعِ، فَجَعَلَ الْمُصَرّاةَ بِمَعْنَى المصرورة، وله وجه بعيد، وذلك أن يحتجّ لَهُ بِقَلْبِ إحْدَى الرّاءَيْنِ يَاءً مِثْلَ: قَصَيْتُ أَظْفَارِي، غَيْرَ أَنّهُ بَعِيدٌ فِي الْمَعْنَى، وَقَالَتْ امْرَأَةُ الْمُغِيرَةِ تُعَاتِبُ زَوْجَهَا، وَتَذْكُرُ أَنّهَا جَاءَتْهُ كَالنّاقَةِ الْبَاهِلَةِ الّتِي لَا صِرَارَ عَلَى أَخْلَافِهَا: أَطْعَمْتُك مَأْدُومِي وَأَبْثَثْتُكَ مَكْتُومِي، وَجِئْتُك بَاهِلًا غَيْرَ ذَاتِ صِرَارٍ، وَفِي الْحَدِيثِ: لَا تُورَدُ الْإِبِلُ بُهْلًا [أَوْ بُهّلًا] ، فَإِنّ الشّيَاطِينَ تَرْضَعُهَا، أَيْ: لَا أَصِرّةَ عَلَيْهَا. وَفِيهَا قَوْلُهُ: بِرَاءٍ إلَيْنَا مِنْ مَعْقَةِ خَاذِلِ. يُقَالُ قَوْمٌ بُرَاءٌ [بِالضّمّ] «4»

_ (1) ويروى: لا يخيس: من قولهم: خاس بالعهد: إذا نقضه وأفسده. والعائل هنا: الحائر «الخشنى ص 91» . (2) وكذلك الطمل «بكسر الطاء والميم وتشديد اللام» والطملال بكسر الطاء أما الفقير: فالطمل «والطملال والطمليل بكسر الطاء فى الجميع، والطملول بضمها «اللسان» . (3) الذى طال مكثه. (4) الزيادة يقتضيها السياق وزيادة بهل من اللسان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَبَرَاءٌ بِالْفَتْحِ، وَبِرَاءٌ بِالْكَسْرِ، فَأَمّا بِرَاءٌ بِالْكَسْرِ، فَجَمْعُ بَرِيءٍ، مِثْلَ كَرِيمٍ وَكِرَامٍ، وَأَمّا بَرَاءٌ فَمَصْدَرٌ، مِثْلَ سَلَامٍ وَالْهَمْزَةُ فِيهِ، وَفِي الّذِي قَبْلَهُ لَامُ الْفِعْلِ، وَيُقَالُ: رَجُلٌ بَرَاءٌ وَرَجُلَانِ بَرَاءٌ، وَإِذَا كَسَرْتهَا أَوْ ضَمَمْتهَا لَمْ يَجُزْ إلّا فِي الْجَمْعِ، وَأَمّا بُرَاءٌ بِضَمّ الْبَاءِ، فَالْأَصْلُ فِيهِ بُرَآءُ مِثْلَ كُرَمَاءُ فَاسْتَثْقَلُوا اجْتِمَاعَ الْهَمْزَتَيْنِ، فَحَذَفُوا الْأُولَى، وَكَانَ وَزْنُهُ فُعَلَاءَ، فَلَمّا حَذَفُوا الّتِي هِيَ لَامُ الْفِعْلِ صَارَ وَزْنُهُ فُعَاءَ، وَانْصَرَفَ لِأَنّهُ أَشْبَهَ فُعَالًا، وَالنّسَبُ «1» إلَيْهِ إذَا سَمّيْت بِهِ: بُرَاوِيّ، وَالنّسَبُ إلَى الْآخَرَيْنِ بَرَائِيّ وَبِرَائِيّ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنّ بُرَاءَ بِضَمّ أَوّلِهِ مِنْ الْجَمْعِ الّذِي جَاءَ عَلَى فُعَالٍ، وَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَلْفَاظٍ: فَرِيرٌ وَفُرَارٌ وَعَرْنُ وَعُرّانُ «2» ، وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، وَقَالَ النّحّاسُ: بُرَاءُ بضم الباء.

_ (1) حكى الفراء فى براء أنه غير مصروف على حذف إحدى الهمزتين. ونص ابن جنى على أن لبرىء أربعة جموع: براء مثل ظريف وظراف، وبرآء مثل: شريف وشرفاء، وأبرياء مثل أصدقاء، وبراء مثل تؤام ورباء بضم الأول فيهما جمع توأم، وربى. (2) فى أدب الكاتب ص 558 لابن قتيبة: «قال الفراء: الفرار بضم الفاء ولد البقرة الوحشية قال: ويقال: فرير وفرار مثل طويل وطوال وكان غيره يزعم أن فرارا: جمع فرير» ، وفى القاموس: فرير بفتح الفاء وفرار بضم الفاء وفرور بفتح الفاء الخ ولد النعجة والماعز والبقرة الوحشية، أو هى الخرفان والحملان، وجمعها فرار نادر. وقال أبو عبيدة، لم يأت شىء من الجمع على فعال إلا أحرف: هذا أحدها. وأما عرق فالعظم أكل ما عليه من اللحم، ومثله عراق بضم العين، ويقول القالى فى أماليه: لم يأت من فعال بضم الفاء جمعا إلا أحرف قليلة جدا مثل رباب جمع ربى بضم الراء وتشديد الباء مع فتح وهى الحديثة النتاج ونعم جفال: الكثيرة الشعر، ونعم كباب كثيرة، وفرار جمع فرير وهو ولد البقرة، وبراء: جمع برىء. وعند ابن السكيت والسيرا فى أنها تؤام جمع-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الِاسْتِسْقَاءُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ اسْتِسْقَاءِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْوِيّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَبِأَلْفَاظِ مُخْتَلِفَةٍ. وَقَوْلُهُ: حَتّى أَتَاهُ أَهْلُ الضّوَاحِي يَشْكُونَ الْغَرَقَ. الضّوَاحِي: جَمْعُ ضَاحِيَةٍ، وَهِيَ الْأَرْضُ الْبَرَازُ الّتِي لَيْسَ فِيهَا مَا يُكِنّ مِنْ الْمَطَرِ، وَلَا مَنْجَاةٌ مِنْ السّيُولِ، وَقِيلَ: ضَاحِيَةُ كُلّ بَلَدٍ: خَارِجُهُ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: اللهُمّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا، كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: اللهُمّ مَنَابِتَ الشّجَرِ، وَبُطُونَ الْأَوْدِيَةِ، وَظُهُورَ الْآكَامِ، فَلَمْ يَقُلْ: اللهُمّ ارْفَعْهُ عَنّا- هُوَ مِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ فِي الدّعَاءِ؛ لِأَنّهَا رَحْمَةُ اللهِ، وَنِعْمَتُهُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْهُ، فَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْهُ رَفْعُ نِعْمَتِهِ، وَكَشْفُ رَحْمَتِهِ، وإنما يسئل سُبْحَانَهُ كَشْفَ الْبَلَاءِ، وَالْمَزِيدَ مِنْ النّعْمَاءِ، فَفِيهِ تَعْلِيمُ كَيْفِيّةِ الِاسْتِسْقَاءِ. وَقَالَ: اللهُمّ مَنَابِتَ الشّجَرِ، وَلَمْ يَقُلْ: اصْرِفْهَا إلَى مَنَابِتِ الشّجَرِ؛ لِأَنّ الرّبّ تَعَالَى أَعْلَمُ بِوَجْهِ اللّطْفِ، وَطَرِيقُ الْمَصْلَحَةِ كان ذلك بمطر

_ - توأم، وشاة ربى وغنم رباب، وظئر وظؤار وعرق بفتح العين وعراق ورخل بكسر الراء ورخال وفرير وفرار «كل الجمع بضم الأول» . وقال الزجاجى مثل قول السيرافى. وقال ابن خالويه فى كتاب ليس: عرق وعراق، ورخل من أولاد الضأن ورخال وشاة ربى ورباب، وتوأم وتوأم، وفرير وفرار ولد الظبية ونذل ونذال ورذل ورذال وثنى وثناء، وهو الولد الذى بعد البكر، وناقة بسط أو بسط بضم الباء أو كسرها إذا كانت غزيرة والجمع: بساط، فتكون ثلاث عشرة كلمة. وزاد الزمخشرى: عرام بمعنى عراق. ونظمها فى أبيات وزاد السيوطى عنه: نذال «ص 72، المزهر للسيوطى ج 2

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَوْ بِنَدَى أَوْ طَلّ، أَوْ كَيْفَ شَاءَ، وَكَذَلِكَ بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ، وَالْقَدْرُ الّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَائِهَا. فَصْلٌ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ وَلَمْ يره قط استسقى، وإنما كانت استسقاآته عَلَيْهِ السّلَامُ بِالْمَدِينَةِ فِي سَفَرٍ وَحَضَرٍ، وَفِيهَا شُوهِدَ مَا كَانَ مِنْ سُرْعَةِ إجَابَةِ اللهِ لَهُ. فَالْجَوَابُ: أَنّ أَبَا طَالِبٍ قَدْ شَاهَدَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا فِي حَيَاةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَا دَلّهُ عَلَى مَا قَالَ، رَوَى أَبُو سَلْمَانَ حَمَدُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ [بْنِ الْخَطّابِ الْخَطّابِيّ] الْبُسْتِيّ النّيْسَابُورِيّ «1» ، أَنّ رَقِيقَةَ «2» بِنْتَ أَبِي صَيْفِيّ بْنِ هَاشِمٍ قَالَتْ: تَتَابَعَتْ عَلَى قُرَيْشٍ سُنُو جَدْبٍ قَدْ أَقْحَلَتْ الظّلْفَ، وَأَرّقَتْ الْعَظْمَ، فَبَيْنَا أَنَا رَاقِدَةٌ اللهُمّ، أَوْ مُهَدّمَةٌ، وَمَعِي صِنْوَى إذْ أَنَا بِهَاتِفِ صَيّتٍ يَصْرُخُ بِصَوْتِ صَحِلٍ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنّ هذا النبىّ المبعوث منكم، هذا إبّان

_ (1) هو صاحب معالم السنن توفى بست سنة 388 هـ كما فى معجم الأدباء، وفى وفيات الأعيان. وفى اللباب لابن الأثير أنه توفى سنة 354. وبست مدينة من بلاد كابل بين هراة وغزنة وقد سمع فى اسمه: أحمد، والأصح حمد كما ذكر والزيادة الموضوعة بين قوسين من اللباب لابن الأثير. (2) اسمها فى نسب قريش: رقية، ونص قوله عن أبى صيفى «انقرض. إلا من بنته رقية» ص 16 ولكنها رقيقة فى كثير من الكتب. وفى الاشتقاق أن. أبا صيفى أحد من حضر من بنى هاشم حلف عبد المطلب وخزاعة ص 69.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نُجُومِهِ، فَحَيّ هَلًا بِالْحَيَا وَالْخِصْبِ، أَلَا فَانْظُرُوا مِنْكُمْ رَجُلًا طُوّالًا عُظّامًا أَبْيَضَ فَظّا، أَشَمّ الْعِرْنِينَ، لَهُ فَخْرٌ يَكْظِمُ «1» عَلَيْهِ. أَلَا فَلْيَخْلُصْ هُوَ وَوَلَدُهُ، وَلْيَدْلِفْ إلَيْهِ مِنْ كُلّ بَطْنٍ رَجُلٌ، أَلَا فَلْيَشُنّوا مِنْ الْمَاءِ، وَلِيَمَسّوا مِنْ الطّيبِ، وَلْيَطُوفُوا بِالْبَيْتِ سَبْعًا، أَلَا وَفِيهِمْ الطّيبُ الطّاهِرُ لِذَاتِهِ، أَلَا فَلْيَدْعُ الرّجُلُ، وَلْيُؤَمّنْ الْقَوْمُ، أَلَا فَغِثْتُمْ أَبَدًا مَا عِشْتُمْ. قَالَتْ: فَأَصْبَحْت مَذْعُورَةً قَدْ قَفّ جِلْدِي، وَوَلِهَ عَقْلِي، فَاقْتَصَصْت رؤياى، فو الحرمة وَالْحَرَمِ إنْ بَقِيَ أَبْطَحِيّ «2» إلّا قَالَ: هَذَا شَيْبَةُ الْحَمْدِ، وَتَتَامّتْ عِنْدَهُ قُرَيْشٌ، وَانْفَضّ إلَيْهِ النّاسُ مِنْ كُلّ بَطْنٍ رَجُلٌ، فَشَنّوا وَمَسّوا وَاسْتَلَمُوا وَاطّوَفّوا، ثُمّ ارْتَقَوْا أَبَا قُبَيْسٍ، وَطَفِقَ الْقَوْمُ يَدِفّونَ حَوْلَهُ، مَا إنْ يُدْرِكْ سَعْيَهُمْ مُهَلّةً، حَتّى قَرّوا بِذَرْوَةِ الْجَبَلِ، وَاسْتَكَفّوْا جَنَابَيْهِ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، فَاعْتَضَدَ ابْنَ ابْنِهِ مُحَمّدًا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَفَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ قَدْ أَيْفَعَ، أَوْ قَدْ كَرَبَ، ثُمّ قَالَ: اللهُمّ سَادّ الْخَلّةِ، وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ أَنْتَ عَالِمٌ غَيْرُ مُعَلّمٍ، وَمَسْئُولٌ غَيْرُ مبخّل، وهذه عبدّاؤك، وإملوك بِعَذِرَاتِ حَرَمِك يَشْكُونَ إلَيْك سَنَتَهُمْ، فَاسْمَعْنَ اللهُمّ، وَأَمْطِرْنَ عَلَيْنَا غَيْثًا مَرِيعًا مُغْدِقًا، فَمَا رَامُوا وَالْبَيْتِ، حَتّى انْفَجَرَتْ السّمَاءُ بِمَائِهَا، وَكَظّ الْوَادِي بِثَجِيجِهِ. رَوَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيّ. قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْبَخْتَرِيّ، نا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بن عوف،

_ (1) لا يبد به ولا يظهره. (2) فى رواية «فقمت فى شعاب مكة فما بقى بها أبطحى الخ»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ ابْنِ حُوَيّصَةَ، قَالَ يُحَدّثُ مَخْرَمَةُ بْنُ نُفَيْلٍ عَنْ أُمّهِ رَقِيقَةَ بِنْتِ أَبِي صَيْفِيّ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ بِإِسْنَادِ آخَرَ إلَى رَقِيقَةَ، وَفِيهِ: أَلَا فَانْظُرُوا مِنْكُمْ رَجُلًا وَسِيطًا عُظَامًا جُسَامًا أَوْطَفُ الْأَهْدَابِ، وَأَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ قَامَ وَمَعَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَيْفَعَ أو كرب، وذكر القصة «1» .

_ (1) دلت الأحاديث الصحيحة على مشروعية صلاة الاستسقاء، وبذلك قال جمهور العلماء من السلف والخلف، ولم يخالف فى ذلك إلا أبو حنيفة مستدلا بأحاديث الاستسقاء التى ليس فيها صلاة، وقد وقع الإجماع من المثبتين للصلاة على أنها ركعتان، ووقع الاتفاق على أنها سنة غير واجبة. وفى كيفيتها خلاف فارجع إليها فى كتب السنة والفقه. أقول: إذا كان المعتمد هنا هو الحديث، فلم لا نقول إنها تجوز بصلاة فيها دعاء، وتجوز بالدعاء من غير صلاة؟! هذا وليس فى البخارى ما رواه ابن هشام إنما فيه ما رواه بسنده عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ دينار عن أبيه قال: سمعت ابن عمر بتمثل بشعر أبى طالب «وأبيض الخ» وروى أيضا من حديث سالم عن أبيه: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبى يستسقى. فما ينزل حتى يحيش كل ميزاب: «وأبيض الخ» أما القول المنسوب إلى الرسول «ص» فى السيرة: لو كان أبو طالب الخ فلم يروه أحد من أصحاب الصحيح كالحديث الذى ذكر فى الروض. وأحب أن أذكر هنا بما رواه الخمسة عن أنس رضى الله عنه قال: جاء رجل إلى النبى صلّى الله عليه وسلم، وهو يخطب يوم الجمعة، فقال. يا رسول الله هلكت المواشى، وانقطعت السبل، فادع الله، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وفى رواية: رفع يديه- ثم قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا؟؟؟؟؟؟؟؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابْنُ الْأَسْلَتِ وَقَصِيدَتُهُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ «1» كُلّ مَنْ سَمّاهُ أَبُو طَالِبٍ فِي قَصِيدَتِهِ،

_ - إلى جمعة، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله تهدمت البيوت، وتقطعت السبل، وهلكت المواشى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم على رؤس الجبال والاكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، وفى رواية: اللهم حوالينا، ولا علينا، فانجابت عن المدينه انجياب الثوب، فجعلت تمطر حولها، لا تمطر بها قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفى مثل الإكليل رواه الخمسة إلا الترمذى. وفى الحديث المتفق عليه أنه «ص» خرج بالناس إلى المصلى يستسقى، فصلى بهم ركعتين جهر فيهما بالقراءة، واستقبل القبلة يدعو، ورفع يديه، فما حول رداءه حين استقبل القبلة، وكان إذا رأى المطر يقول: اللهم صيبا نافعا، وروى عنه أنه كان يخرج متبذلا متواضعا متخشعا متضرعا «الترمذى والنسائى وأبو داود وابن ماجة» . ومن الأحاديث الصحيحة، نؤمن أن الاستسقاء النبوى إنما هو إلى الله ضراعة وابتهال فى صلاة أو فى غير صلاة، وأن التوسل بذات فلان أو وجهه أو جاهه ليس من هدى الرسول «ص» ولا سنته، فلنحذر نزغة الشرك، ولم يخرج قصة عبد المطلب أحد من أصحاب الصحيح، وإنما هى عند ابن عساكر وابن أبى الدنيا وابن سعد والبيهقى والطبرانى. ورواية الحديث بهذه الصورة لا توحى بالاقتداء فإنه عمل عبد المطلب، وهى لا تثبت جواز الاستسقاء بالوجوه أو بالذوات، فالرواية تسند إلى عبد المطلب أنه دعا الله، ولم يدعه بوجه أحد أو ذات أحد. ولم تسند إليه الرواية أنه حمل محمدا معه ليستسقى بوجهه أو بذاته. وحمل عبد المطلب ابن ابنه فى مثل هذا أمر تفرضه عاطفة رجل شيخ، فقد ابنه، فهو يحبه مرتين فى هذا الحفيد العظيم. (1) ذكر ابن هشام حديث الأخنس، وهو صحابى من مسلمة الفتح شهد حنينا ومات أول خلافة عمر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ، وَعَرّفَ بِهِمْ تَعْرِيفًا مُسْتَغْنِيًا عن المزيد. وَذَكَرَ قَصِيدَةَ أَبِي قَيْسٍ صَيْفِيّ بْنِ الْأَسْلَتِ، وَاسْمُ الْأَسْلَتِ: عَامِرٌ، وَالْأَسْلَتُ: هُوَ الشّدِيدُ الْفَطَسُ يُقَالُ: سَلَتَ اللهُ أَنْفَهُ، وَمِنْ السّلْتِ حَدِيثُ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ حِينَ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ، فَلَمّا كَتَبَ لَهُ عَهْدَهُ أَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، وَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِ. إنّي سَمِعْت رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إنّ الْوُلَاةَ يُجَاءُ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقِفُونَ عَلَى جِسْرِ جَهَنّمَ، فَمَنْ كَانَ مُطَاوِعًا لِلّهِ تَنَاوَلَهُ بِيَمِينِهِ حَتّى يُنْجِيَهُ، وَمَنْ كَانَ عَاصِيًا لِلّهِ انْخَرَقَ بِهِ الْجِسْرُ إلَى وَادٍ مِنْ نَارٍ تَلْتَهِبُ الْتِهَابًا، قَالَ: فَأَرْسَلَ عُمَرُ إلَى أَبِي ذَرّ، وَإِلَى سَلْمَانَ، فَقَالَ لِأَبِي ذَرّ: أَنْتَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: نَعَمْ وَاَللهِ، وَبَعْدَ الْوَادِي وَادٍ آخَرُ مِنْ نَارٍ. قَالَ: وَسَأَلَ سَلْمَانَ، فَكَرِهَ أَنْ يُخْبِرَهُ بِشَيْءِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيهَا «1» ؟ فَقَالَ أَبُو ذَرّ. مَنْ سَلَتَ اللهُ أَنْفَهُ وَعَيْنَيْهِ، وَأَضْرَعَ خَدّهُ إلَى الْأَرْضِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَأَوّلُ الْقَصِيدَةِ: يَا رَاكِبًا إمّا عَرَضْت فَبَلّغَنْ. الْبَيْتَ. الْمُغَلْغَلَةُ: الدّاخِلَةُ إلَى أَقْصَى مَا يُرَادُ بُلُوغُهُ مِنْهَا «2» ، وَمِنْهُ تَغَلْغَلَ فِي الْبِلَادِ: إذَا بَالَغَ فِي الدّخُولِ فِيهَا، وَأَصْلُهُ: تَغَلّلَ وَمُغَلّلَةٌ، وَلَكِنْ قَلَبُوا إحْدَى اللّامَيْنِ غَيْنًا، كَمَا فَعَلُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُضَاعَفِ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْغَلَلِ وَالْغِلَالَةِ، فَأَمّا الْغَلَلُ فَمَاءٌ يَسْتُرُهُ النّبَاتُ وَالشّجَرُ، وَأَمّا الْغِلَالَةُ فَسَاتِرَةٌ لِمَا تَحْتَهَا وَفِيهَا. نُبَيّتُكُمْ شَرْجَيْنِ. أَيْ: فَرِيقَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَنُبّئْتُكُمْ لَفْظٌ مُشْكِلٌ

_ (1) يعنى الخلافة. (2) المغلغلة: الرسالة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ: نُبَيّتُكُمْ شَرْجَيْنِ «1» ، وَهُوَ بَيّنٌ فِي الْمَعْنَى، وَفِيهِ زِحَافُ خَرْمٍ، وَلَكِنْ لَا يُعَابُ الْمَعْنَى بِذَلِكَ، وَأَمّا لَفْظُ التّبَيّتِ فِي هَذَا الْبَيْتِ، فَبَعِيدٌ مِنْ مَعْنَاهُ، وَالْأَزْمَلُ: الصّوْتُ، وَالْمُذَكّي: الّذِي يُوقِدُ النّارَ، وَالْحَاطِبُ: الّذِي يَحْطِبُ لَهَا، ضُرِبَ هَذَا مَثَلًا لِنَارِ الْحَرْبِ، كَمَا قال الاخر: أزى خَلَلَ الرّمَادِ وَمِيضَ جَمْرٍ ... وَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ لَهَا ضِرَامُ فَإِنّ النّارَ بِالْعُودَيْنِ تُذْكَى ... وَإِنّ الحرب أولها الكلام «2» وقوله: هى الْغُولُ لِلْأَدْنَى «3» ، أَيْ: هِيَ الْهَلَاكُ، يُقَالُ: الْغَضَبُ: غُولُ الْحِلْمِ، أَيْ يُهْلِكُهُ، وَالْغَوْلُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ: وَجَعُ الْبَطْنِ، قَالَهُ الْبُخَارِيّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: لا فِيها غَوْلٌ. وقوله: وإحلال إجرام الظّبَاءِ الشّوَازِبِ «4» . أَيْ: إنّ بَلَدَكُمْ بَلَدٌ حَرَامٌ تَأْمَنُ فِيهِ الظّبَاءُ الشّوَازِبُ الّتِي تَأْتِيهِ مِنْ بعد، لتأمن

_ (1) والذى فى السيرة: نبيتكم. (2) من أبيات ضمنها نصر بن سيار والى خراسان فى آخر أيام بنى أمية- كتابه إلى مروان بن محمد حينما وجد أمر أبى مسلم الخراسانى يشتد فى الدعوة إلى آل العباس. ومنها: أقول من التعجب: ليت شعرى ... أأيقاظ أمية أم نيام فإن يك قومنا أضحوا نياما ... فقل: قوموا، فقد حان القيام فقرى عن رحالك، ثم قولى ... على الإسلام والعرب السلام ص 256 ح 3 مروح الذهب. (3) فى السيرة: للأفصين. (4) التى يحرم صيدها فى الحرم «الخشنى»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه، فهى شازبة أَيْ: ضَامِرَةٌ مِنْ بُعْدِ الْمَسَافَةِ، وَإِذَا لَمْ تَحِلّوا بِالظّبَاءِ فِيهِ، فَأَحْرَى أَلَا تَحِلّوا بِدِمَائِكُمْ، وَإِحْرَامُ الظّبَاءِ: كَوْنُهَا فِي الْحَرَمِ، يُقَالُ لِمَنْ دَخَلَ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ، أَوْ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ: مُحْرِمٌ. وَالْأَتْحَمِيّةُ: ثِيَابٌ رِقَاقٌ تُصْنَعُ بِالْيَمَنِ، وَالشّلِيلُ: دِرْعٌ قَصِيرَةٌ «1» ، وَالْأَصْدَاءُ: جَمْعُ صَدَأِ الْحَدِيدِ، وَالْقَتِيرُ: حَلَقُ الدّرْعِ «2» شَبّهَهَا بِعُيُونِ الْجَرَادِ، وَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى التّنّوخِيّ. فَقَالَ: كَأَثْوَابِ الْأَرَاقِمِ مَزّقَتْهَا ... فَخَاطَتْهَا بِأَعْيُنِهَا الْجَرَادُ وَقَوْلُهُ فِي وَصْفِ الْحَرْبِ: تَزَيّنُ لِلْأَقْوَامِ، ثُمّ يَرَوْنَهَا ... بِعَاقِبَةِ إذْ بَيّتَتْ أُمّ صَاحِبِ هُوَ كَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ: الْحَرْبُ أَوّلُ مَا تَكُونُ فَتِيّةٌ ... تَسْعَى بِبَزّتِهَا لِكُلّ جَهُولِ حَتّى إذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبّ ضِرَامُهَا ... وَلّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ خَلِيلِ شَمْطَاءَ جزّت رأسها، فتنكرت ... مكروهة للشّمّ والتّقبيل

_ (1) أو هى ثياب تلبس تحت الدروع. (2) فى اللسان: الصدأ مهموز مقصور: الطبع والدنس يركب الحديد، وصدأ الحديد: وسخه. وفى شرح الخشنى: أصداء: يعنى دروعا متغيرة بالصدأ. وفى الخشنى أيضا: أن القتير: مسامير حلق الدروع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَوْلُهُ: أُمّ صَاحِبِ، أَيْ: عَجُوزًا كَأُمّ صَاحِبٍ لَك، إذْ لَا يَصْحَبُ الرّجُلَ إلّا رَجُلٌ فِي سِنّهِ، وَفِي جَامِعِ الْبُخَارِيّ: كَانُوا إذَا وَقَعَتْ الْحَرْبُ يَأْمُرُونَ بِحِفْظِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ، يَعْنِي: أَبْيَاتِ عَمْرٍو الْمُتَقَدّمَةَ. وَقَوْلُهُ: أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ. يُذْكَرُ مَعْنَى دَاحِسٍ إذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ بَعْدَ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ فِيهَا: وَلِيّ امرىء فاختار دينا فإنما «1» . أى: هو ولى امرىء اخْتَارَ دِينًا، وَالْفَاءُ زَائِدَةٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ فِي قَوْلِهِمْ: زَيْدًا فَاضْرِبْ: الْفَاءُ مُعَلّقَةٌ أَيْ: زَائِدَةٌ، وَمَنْ لَا يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ يَجْعَلُ الْفَاءَ عَاطِفَةً عَلَى فِعْلٍ مُضْمَرٍ، كأنه قال: ولى امرىء تَدِينُ، فَاخْتَارَ دِينًا، أَوْ نَحْوَ هَذَا، وَقَدْ تَقَدّمَ شَرْحُ بَاقِي الْقَصِيدَةِ فِي آخِرِ قِصّةِ الْحَبَشَةِ. وَقَالَ فِيهَا: كَرِيمِ الْمَضَارِبِ، وَفِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ: لَعَلّهُ الضّرَائِبِ، يُرِيدُ: جَمْعَ ضَرِيبَةٍ، وَلَا يَبْعُدُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ قَالَ: الْمَضَارِبِ. يُرِيدُ أَنّ مَضَارِبَ سُيُوفِهِ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ، وَلَا رَاجِعَةٍ عَلَيْهِ إلّا بِالثّنَاءِ وَالْحَمْدِ وَالْوَصْفِ بِالْمَكَارِمِ. وَفِيهَا قَوْلُهُ: وَمَاءٍ هُرِيقَ فِي الضّلَالِ. وَيُرْوَى: فِي الصّلَالِ جَمْعُ صِلَةٍ، وَهِيَ الْأَرْضُ الّتِي لَا تُمْسِكُ الْمَاءَ. أَيْ رُبّ مَاءٍ هُرِيقَ فِي الضّلَالِ مِنْ أَجْلِ السّرَابِ، لِأَنّهُ لَا يُهْرِيقُ مَاءً مِنْ أَجْلِ السّرَابِ إلّا ضَالّ غير مميز بمواضع

_ (1) فى السيرة: فلا يكن بدلا من «فإنما»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَاءِ، وَأَذَاعَتْ بِهِ، أَيْ: بَدّدَتْهُ، فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ، وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ لِلنّظَرِ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَيُرْوَى: وَمَا أُهْرِيقَ فِي أَمْرٍ، وَمَعْنَاهُ: وَاَلّذِي أُهْرِيقَ فِي أَمْرِ الضّلَالِ، فَوَصَلَ أَلِفَ الْقَطْعِ ضَرُورَةً، وَيُقَالُ: أُرِيقَ الْمَاءُ، وَأُهْرِيقَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ، وَهِيَ أَقَلّهَا، وَلِتَعْلِيلِهَا مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا. وَقَوْلُهُ فِيهَا: بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِ: السّافِي: الّذِي يَرْمِي بِالتّرَابِ، وَالْحَاصِبُ الّذِي يَقْذِفُ بِالْحَصْبَاءِ. وَفِيهَا ذِكْرُ الْجَبَاجِبِ، وَهِيَ مَنَازِلُ مِنًى. كَذَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَقَالَ الْبَرْقِيّ: هِيَ حُفَرٌ بِمِنَى، يُجْمَعُ فِيهَا دَمُ الْبُدْنِ، وَالْهَدَايَا، وَالْعَرَبُ تُعَظّمُهَا وَتَفْخَرُ بِهَا، وَقِيلَ: الْجَبَاجِبُ: الْكُرُوشُ. يُقَالُ لِلْكَرِشِ: جَبْجَبَةٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَاَلّذِي تَقَدّمَ وَاحِدُهُ: جُبْجُبَةٌ بِالضّمّ «1» . حَرْبُ دَاحِسٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ حَرْبِ دَاحِسٍ مُخْتَصَرًا، وَدَاحِسٌ: اسْمُ فَرَسٍ كَانَ لِقَيْسِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، وَمَعْنَى دَاحِسٍ: مَدْحُوسٌ كَمَا قِيلَ: مَاءٌ دَافِقٌ، أَيْ: مَدْفُوقٌ، وَالدّحْسُ: إدْخَالُ الْيَدِ بِقُوّةِ فِي ضَيّقٍ، كَمَا رُوِيَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرّ بِغُلَامِ يَسْلُخُ شَاةً، فَأَمَرَهُ أَنْ يتنحى ليريه، ثم دحس «2»

_ (1) المراصد: الجبجبة بالضم: ماء معروف بنواحى اليمامة. والجباجب والأخاشب: جبال مكة. (2) أدخلها بين جلدها ولحمها ليسلخها، وفى الأصل عن الإبط التى ستأتى: الأربط: والتصويب من اللسان والنهاية لابن الأثير

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ السّلَامُ بِيَدِهِ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللّحْمِ، حَتّى بَلَغَ الْإِبِطَ ثُمّ صَلّى، وَلَمْ يَتَوَضّأْ. فَدَاحِسٌ سُمّيَ بِهَذَا الِاسْمِ؛ لِأَنّ أُمّهُ كَانَتْ لِرَجُلِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ اسْمُهُ: قِرْوَاشُ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ اسْمُ الْفَرَسِ: جَلْوَى، وَكَانَ ذُو الْعُقّالِ فَرَسًا عَتِيقًا لِحَوْطِ بْنِ جَابِرٍ، فَخَرَجَتْ بِهِ فَتَاتَانِ لَهُ، لِتَسْقِيَاهُ، فَبَصُرَ بِجَلْوَى، فَأَدْلَى حِينَ «1» رَآهَا، فَضَحِكَ غِلْمَةٌ كَانُوا هُنَالِكَ، فَاسْتَحْيَتْ الْفَتَاتَانِ، وَنَكّسَتَا رَأْسَيْهِمَا، فَأَفْلَتَ ذُو الْعُقّالِ حَتّى نَزَا عَلَى جَلْوَى، وَقِيلَ ذَلِكَ لِحَوْطِ فَأَقْبَلَ مُغْضَبًا، وَهُوَ يَسْعَى حَتّى ضَرَبَ بِيَدِهِ فِي التّرَابِ، ثُمّ دَحَسَهَا فِي رَحِمِ الْفَرَسِ، فَسَطَا عَلَيْهَا، فَأَخْرَجَ مَاءَ الْفَحْلِ منها، وَاشْتَمَلَتْ الرّحِمُ عَلَى بَقِيّةِ الْمَاءِ، وَحَمَلَتْ بِمُهْرِ فَسَمّوْهُ: دَاحِسًا، وَأَظْهَرُ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ: لَابِنٍ وَتَامِرٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فَاعِلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَهُوَ دَاحِسُ بْنُ ذِي الْعُقّالِ بْنِ أَعْوَجَ الّذِي تُنْسَبُ إلَيْهِ الْخَيْلُ الْأَعْوَجِيّةُ «2» فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ تَقَدّمَ غَيْرُ هَذَا الْقَوْلِ- ابْنُ سَبَلٍ «3» ، وَكَانَ لِغَنِيّ بْنِ يَعْصُرَ، وفيه يقال:

_ (1) أدلى الفرس وغيره أخرج جردانه ليبول، أو يضرب. (2) أعوج: فرس لبنى هلال تنسب إليه الأعوجيات كان لكندة، فأخذته سليم، ثم صار إلى بنى هلال، أو صار إليهم من بنى آكل المرار، وفرس لغنى ابن أعصر أو يعصر كما فى الروض (3) فى اللسان عن الأصمعى أن سبل هى أم أعوج وكانت لغنى، وأعوج لبنى آكل المرار، ثم صار لبنى هلال بن عامر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنّ الْجَوَادَ بْنَ الْجَوَادِ بْنِ سَبَلٍ ... إنْ ديّموا جَادَ، وَإِنْ جَادَ وَبَلْ «1» وَفِي ذِي الْعُقّالِ يَقُولُ جَرِيرٌ: تُمْسِي جِيَادُ الْخَيْلِ حَوْلَ بُيُوتِنَا ... مِنْ آلِ أَعْوَجَ، أَوْ لِذِي الْعُقّالِ «2» وَأَنْشَدَ: أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مَالِكِ بْنِ زُهَيْرٍ ... تَرْجُو النّسَاءُ عَوَاقِبَ الْأَطْهَارِ «3» وَفِيهِ إقْوَاءٌ، وَهُوَ حَذْفُ نِصْفِ سَبَبٍ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوّلِ، وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَلَى مَعْنَى الْإِقْوَاءِ قَبْلُ، وَأَمّا اخْتِلَافُ الْقَوَافِي فَيُسَمّى: اكْتِفَاءً، وَإِقْوَاءً أَيْضًا لِأَنّهُ مِنْ الْكُفْءِ، فَكَأَنّهُ جَعَلَ الرّفْعَ كُفْئًا لِلْخَفْضِ، فَسَوّى بَيْنَهُمَا، وَفِيهَا قوله:

_ (1) قال ابن برى: الشعر لجهم بن شبل، وقال أبو زياد الكلابى: وهو من بنى كعب بن بكر.. قال وقد أدركته يرعد رأسه، وهو يقول: أنا الجواد بن الجواد بن سبل ... إن ديمو اجاد، وإن جادوا وبل قال ابن برى: فثبت بهذا أن سبل اسم رجل وليس باسم فرس. هذا ما ذكره اللسان فى مادة سبل، وفى مادة: دوم رواه: «هو الجواد الخ» . (2) وفى النقائض «إن الجياد ببتن حول قبابنا (3) القصيدة للربيع بن زياد بن عبد الله بن سفيان بن قارب العبسى، وقد ذكر ابن هشام نسبه مختصرا وأول قصيدته: نام؟؟؟، وما أغمض حار ... من سيىء النبأ الجليل السارى ص 81؟؟؟ بعدها ح 1 النقائض بين جرير والفرزدق لأبى عبيدة معمر ن المثنى ط 1353 هـ وص 151 ح 1 أمالى المرتضى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَرْجُو النّسَاءُ عَوَاقِبَ الْأَطْهَارِ. كَقَوْلِ الْأَخْطَلِ: قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا شَدّوا مَآزِرَهُمْ ... دُونَ النّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارِ فَيُقَالُ: إنّ حَرْبَ دَاحِسٍ دَامَتْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، لَمْ تَحْمِلْ فِيهَا أُنْثَى، لِأَنّهُمْ كَانُوا لَا يَقْرَبُونَ النّسَاءَ مَا دَامُوا مُحَارِبِينَ، وَذَكَرَ الْأَصْبَهَانِيّ أَنّ حَرْبَ دَاحِسٍ كَانَتْ بَعْدَ يَوْمِ جَبَلَةَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقَدْ تَقَدّمَ يَوْمُ جَبَلَةَ، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ فِي تِلْكَ الْأَيّامِ، وَقَالَ لَبِيدٌ: وَغَنِيت حَرَسًا قَبْلَ مَجْرَى دَاحِسٍ ... لَوْ كَانَ لِلنّفْسِ اللّجُوجِ خُلُودُ وَكَانَ لَبِيدٌ فِي حَرْبِ جَبَلَةَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ، وَقَوْلُهُ: حَرَسًا أَيْ: وَقْتًا مِنْ الدّهْرِ، وَيُرْوَى سَبْتًا «1» وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَكَانَ إجْرَاءُ دَاحِسٍ وَالْغَبْرَاءِ عَلَى ذَاتِ الْإِصَادِ «2» مَوْضِعٍ فِي بِلَادِ فَزَارَةَ، وَكَانَ آخِرُ أَيّامِ حَرْبِ دَاحِسٍ بِقَلَهَى مِنْ أَرْضِ قَيْسٍ، وَهُنَاكَ اصْطَلَحَتْ عَبْسٌ وَمَنُولَةُ: وَهِيَ أُمّ بَنِي فَزَارَةَ: شَمْخٍ وَعَدِيّ وَمَازِنٍ، فَيُقَالُ لِهَذَا الْمَوْضِعِ: قَلَهَى، وَأَمّا قَلَهّي فَمَوْضِعٌ بِالْحِجَازِ، وَفِيهِ اعْتَزَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ، وَأَمَرَ ألّا يحدّث بشىء من أخبار

_ (1) فى اللسان فى مادة سبت وجرى رواه: وغنيت سبتا قبل مجرى داحس. وفى الأصل: مجراء (2) فى المراصد: الإصاد: اسم الماء الذى لطم عليه داحس، وكانت الحرب المشهورة بسببها، وذات الإصاد. ردهة فى ديار بنى عبس وسط هضب القليب

ذكرى ما لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه

[ذكرى ما لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه] [مفتريات قريش وإيذاؤهم للرسول (ص) :] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ قُرَيْشًا اشْتَدّ أَمْرُهُمْ لِلشّقَاءِ الّذِي أَصَابَهُمْ فِي عَدَاوَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ أَسْلَمَ مَعَهُ مِنْهُمْ، فَأَغْرَوْا بِرَسُولِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ: سُفَهَاءَهُمْ، فَكَذّبُوهُ، وَآذَوْهُ، وَرَمَوْهُ بِالشّعْرِ وَالسّحْرِ وَالْكِهَانَةِ وَالْجُنُونِ، وَرَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُظْهِرٌ لِأَمْرِ اللهِ لَا يَسْتَخْفِي بِهِ، مُبَادٍ لَهُمْ بِمَا يَكْرَهُونَ مِنْ عَيْبِ دِينِهِمْ، وَاعْتِزَالِ أَوْثَانِهِمْ، وَفِرَاقِهِ إيّاهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ النّاسِ، وَأَلّا يَسْمَعَ مِنْهَا شَيْئًا، حَتّى يَصْطَلِحُوا، وَيُقَالُ: إنّ الْحَنْفَاءَ كَانَتْ فَرَسَ حُذَيْفَةَ «1» ، وَأَنّهَا أُجْرِيَتْ مَعَ الْغَبْرَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، قَالَ الشّاعِرُ: إذَا كَانَ غَيْرُ اللهِ لِلْمَرْءِ عُدّةً ... أَتَتْهُ الرّزَايَا مِنْ وُجُوهِ الْفَوَائِدِ فَقَدْ جَرَتْ الْحَنْفَاءُ حَتْفَ حُذَيْفَةَ ... وَكَانَ يَرَاهَا عُدّةً لِلشّدَائِدِ «2» وَأَمّا حَرْبُ حَاطِبٍ الّذِي ذَكَرَهَا، فَهِيَ حَرْبٌ كَانَتْ عَلَى يَدِ حَاطِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ بْنِ الْأَوْسِ، فَنُسِبَتْ إلَيْهِ، وَكَانَتْ بين الأوس والخزرج.

_ (1) فى اللسان أن الحنفاء أخت داحس لأبيه من ولد العقال، والغبراء: خالة داحس، وأخته لأبيه!! والحنفاء: فرس حجر بن معاوية. (2) فصل القول فى حرب داحس كتاب النقائض بين جرير والفرزدق لأبى عبيدة ص 76 ح 1

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بن الزبير، عن أبيه عروة ابن الزّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قُلْت لَهُ: مَا أَكْثَرَ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا أَصَابُوا مِنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا كَانُوا يُظْهِرُونَ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟ قَالَ: حَضَرْتُهُمْ، وَقَدْ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرُوا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ قَطّ: سَفّهَ أَحْلَامَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَفَرّقَ جَمَاعَتَنَا، وَسَبّ آلِهَتَنَا، لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أمر عظيم، أو كما قالوا: فبيناهم فِي ذَلِكَ إذْ طَلَعَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتّى اسْتَلَمَ الرّكْنَ، ثُمّ مَرّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ، فَلَمّا مرّ بهم غمزوه، ببعض القول، قَالَ: فَعَرَفْت ذَلِكَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ: ثُمّ مَضَى، فَلَمّا مَرّ بِهِمْ الثّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- ثُمّ مَرّ بِهِمْ الثّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَوَقَفَ، ثُمّ قَالَ: أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ؟! أَمَا وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذّبْحِ. قَالَ: فَأَخَذَتْ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حَتّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا كَأَنّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ، حَتّى إنّ أَشَدّهُمْ فِيهِ وَصَاةً قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ مِنْ الْقَوْلِ، حَتّى إنّهُ لِيَقُولَ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فو الله مَا كُنْتَ جَهُولًا. قَالَ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان الْغَدُ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ، وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ، حَتّى إذَا بَادَاكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تركتموه. فبينماهم فِي ذَلِكَ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَثَبُوا إلَيْهِ وَثْبَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام حمزة رضى الله عنه

رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَأَحَاطُوا بِهِ، يَقُولُونَ: أَنْت الّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، لِمَا كَانَ يَقُولُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ؟! فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ: نَعَمْ أَنَا الّذِي أَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْت رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمِجْمَعِ رِدَائِهِ. قَالَ: فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ دُونَهُ، وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبّي اللهُ؟! ثُمّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَإِنّ ذَلِكَ لَأَشَدّ مَا رَأَيْت قُرَيْشًا نالوا منه قطّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ آلِ أُمّ كلثوم ابنة أبى بكر، أنها قالت: رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ صَدَعُوا فَرْقَ رَأْسِهِ، مِمّا جَبَذُوهُ بِلِحْيَتِهِ، وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ الشعر. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ أَشَدّ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ أَنّهُ خَرَجَ يَوْمًا فَلَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ مِنْ النّاس إلّا كذّبه وآذاه، لا جرّ وَلَا عَبْدٌ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَنْزِلِهِ، فَتَدَثّرَ مِنْ شِدّةِ مَا أَصَابَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ» المدثر: 1، 2 [إسلام حمزة رضى الله عنه] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، كَانَ وَاعِيَةً: أَنّ أَبَا جَهْلٍ مَرّ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الصّفَا فَآذَاهُ وَشَتَمَهُ، وَنَالَ مِنْهُ بَعْضَ مَا يَكْرَهُ مِنْ الْعَيْبِ لِدِينِهِ، وَالتّضْعِيفِ لِأَمْرِهِ، فَلَمْ يُكَلّمْهُ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَمَوْلَاةٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تيم ابن مرّة فى مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فَعَمَدَ إلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ، فَلَمْ يَلْبَثْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنْ أَقْبَلَ مُتَوَشّحًا قَوْسَهُ، رَاجِعًا مِنْ قَنْصٍ لَهُ، وَكَانَ صَاحِبَ قَنْصٍ يَرْمِيهِ، وَيَخْرُجُ لَهُ، وَكَانَ إذَا رَجَعَ مِنْ قَنْصِهِ لَمْ يَصِلْ إلَى أَهْلِهِ، حَتّى يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ، وَكَانَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَمُرّ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلّا وَقَفَ، وَسَلّمَ، وَتَحَدّثَ مَعَهُمْ، وَكَانَ أَعَزّ فَتًى فِي قُرَيْشٍ، وَأَشَدّ شَكِيمَةً، فَلَمّا مَرّ بِالْمَوْلَاةِ، وَقَدْ رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَى بَيْتِهِ قَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، لَوْ رَأَيْتَ مَا لَقِيَ ابْنُ أَخِيك مُحَمّدٌ آنِفًا مِنْ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ: وَجَدَهُ هَاهُنَا جَالِسًا، فَآذَاهُ وَسَبّهُ وَبَلَغَ مِنْهُ مَا يَكْرَهُ، ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ، وَلَمْ يُكَلّمْهُ مُحَمّدٌ صلّى الله عليه وسلم. فَاحْتَمَلَ حَمْزَةَ الْغَضَبُ لَمّا أَرَادَ اللهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، فَخَرَجَ يَسْعَى، وَلَمْ يَقِفْ عَلَى أَحَدٍ، مُعِدّا لِأَبِي جَهْلٍ إذَا لَقِيَهُ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَلَمّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ نَظَرَ إلَيْهِ جَالِسًا فِي الْقَوْمِ فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ، حَتّى إذَا قَامَ عَلَى رَأْسِهِ، رَفَعَ الْقَوْسَ، فَضَرَبَهُ بِهَا، فشجه شجّة منكرة، ثم قال: أتشتمه، فأنا على دينه أفول مَا يَقُولُ؟! فَرُدّ ذَلِكَ عَلَيّ إنْ اسْتَطَعْت. فَقَامَتْ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى حَمْزَةَ، لِيَنْصُرُوا أَبَا جَهْلٍ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: دَعُوا أَبَا عُمَارَةَ، فَإِنّي وَاَللهِ قَدْ سَبَبْتُ ابْنَ أَخِيهِ سَبّا قَبِيحًا، وَتَمّ حَمْزَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى إسْلَامِهِ، وَعَلَى مَا تَابَعَ عَلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه. فَلَمّا أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عتبة بن ربيعة يذهب إلى الرسول (ص)

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ عَزّ وَامْتَنَعَ، وَأَنّ حَمْزَةَ سَيَمْنَعُهُ، فَكَفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه. [عتبة بن ربيعة يذهب إلى الرسول (ص) ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، قَالَ: حُدّثْت أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ- وَكَانَ سَيّدًا- قَالَ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلَا أَقُومُ إلَى مُحَمّدٍ فَأُكَلّمَهُ، وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُورًا لَعَلّهُ يَقْبَلُ بَعْضَهَا، فَنُعْطِيهِ أَيّهَا شَاءَ، وَيَكُفّ عَنّا؟ وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ، وَرَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ؛ فَقَالُوا: بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ، قُمْ إلَيْهِ، فَكَلّمْهُ، فَقَامَ إلَيْهِ عُتْبَةُ حَتّى جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يابن أَخِي، إنّك مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنْ السّطَةِ فِي الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النّسَبِ، وَإِنّك قد أنيت قَوْمَك بِأَمْرِ عَظِيمٍ، فَرّقْت بِهِ جَمَاعَتَهُمْ، وَسَفّهْت بِهِ أَحْلَامَهُمْ، وَعِبْت بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ، وَكَفّرْت بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِنّي أَعْرِضْ عَلَيْك أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلّك تَقْبَلُ مِنْهَا بَعْضَهَا. قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: قُلْ يَا أَبَا الوليد، أسمع، قال: يابن أَخِي إنْ كُنْت إنّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا، جَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالِنَا، حَتّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوّدْنَاك عَلَيْنَا، حَتّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَك، وَإِنْ كُنْت تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلّكْنَاك عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هَذَا الّذِي يَأْتِيك رِئْيًا تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدّهُ عَنْ نَفْسِك، طَلَبْنَا لَك الطّبّ، وَبَذَلْنَا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غَلَبَ التّابِعُ عَلَى الرّجُلِ حَتّى يُدَاوَى مِنْهُ، أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ، حَتّى إذَا فَرَغَ عُتْبَةُ، وَرَسُولُ الله- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يَسْتَمِعُ مِنْهُ، قَالَ: أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاسْمَعْ مِنّي، قَالَ: أَفْعَلُ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيراً وَنَذِيراً، فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ، فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، وَقالُوا: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ. فصلت: 1- 5. ثم مضى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ، فَلَمّا سَمِعَهَا مِنْهُ عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهَا، وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا، يَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمّ انْتَهَى رَسُولُ الله- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَى السّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ ثُمّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتَ يَا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك. فَقَامَ عُتْبَةُ إلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: نَحْلِفُ بِاَللهِ: لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ. فَلَمّا جَلَسَ إلَيْهِمْ قَالُوا: مَا وَرَاءَك يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: وَرَائِي أَنّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا وَاَللهِ مَا سَمِعْت مِثْلَهُ قَطّ، وَاَللهِ مَا هُوَ بِالشّعْرِ، ولا بالسّخر، وَلَا بِالْكِهَانَةِ. يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا بِي، وَخَلّوا بَيْنَ هَذَا الرّجُلِ، وَبَيْنَ مَا هو فيه، فاعتزلوه، فو الله لَيَكُونَنّ لِقَوْلِهِ الّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ، فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وَعِزّهُ عِزّكُمْ، وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النّاسِ بِهِ، قَالُوا: سَحَرَك وَاَللهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ، قَالَ: هَذَا رَأْيِي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بين النبى (ص) وبين قريش

[بين النبى (ص) وبين قريش] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ الْإِسْلَامَ جَعَلَ يَفْشُو بِمَكّةَ فِي قَبَائِل قُرَيْشٍ فِي الرّجَالِ وَالنّسَاءِ، وَقُرَيْشٌ تَحْبِسُ مَنْ قَدَرَتْ عَلَى حَبْسِهِ، وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين، ثم إن أشراف قُرَيْشٍ مِنْ كُلّ قَبِيلَةٍ- كَمَا حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عباس رضي الله عنهما قال: اجْتَمَعَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وأبو سفيان بن حرب، والنّضر بن الحارث، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو جَهْلِ بن هشام- لعنه الله- وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ، وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ، وَنَبِيهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ السّهْمِيّانِ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، أَوْ مَنْ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ. قَالَ: اجْتَمِعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: ابْعَثُوا إلَى مُحَمّدٍ فَكَلّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتّى تُعْذِرُوا فِيهِ، فَبَعَثُوا إلَيْهِ: إنّ أَشْرَافَ قَوْمِك قَدْ اجْتَمَعُوا لَك لِيُكَلّمُوك، فَأْتِهِمْ، فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنّ أَنْ قَدْ بَدَا لَهُمْ فِيمَا كَلّمَهُمْ فِيهِ بَدَاءٌ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حريصا يحب رشدهم، ويعزّ عليه عنهم، حَتّى جَلَسَ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ، إنّا قَدْ بَعَثْنَا إلَيْك؛ لِنُكَلّمَك، وَإِنّا وَاَللهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مِثْلَ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِك، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الدّينَ، وَشَتَمْت الْآلِهَةَ، وَسَفّهْت الْأَحْلَامَ، وَفَرّقْت الْجَمَاعَةَ، فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إلّا قَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَك- أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُ- فَإِنْ كُنْتَ إنّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ بِهِ مَالًا جَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالِنَا حَتّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إنّمَا تَطْلُبُ بِهِ الشّرَفَ فِينَا، فَنَحْنُ نُسَوّدُك عَلَيْنَا، وَإِنْ كنت تريد به ملكا ملكناك علينا، وإن كَانَ هَذَا الّذِي يَأْتِيك رِئْيًا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْك- وَكَانُوا يُسَمّونَ التّابِعَ مِنْ الْجِنّ رِئْيًا- فَرُبّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا لَك أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطّبّ لَك حَتّى نُبْرِئَك مِنْهُ، أَوْ نُعْذِرَ فِيك، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشّرَفَ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ. وَلَكِنّ اللهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلّغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عَلَيّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللهِ حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، أَوْ كَمَا قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا: يَا مُحَمّدُ، فَإِنْ كُنْت غَيْرَ قَابِلٍ مِنّا شَيْئًا مِمّا عَرَضْنَاهُ عَلَيْك، فَإِنّك قَدْ عَلِمْتَ أَنّهُ لَيْسَ مِنْ النّاسِ أَحَدٌ أَضْيَقَ بَلَدًا، وَلَا أَقَلّ مَاءً، وَلَا أَشَدّ عَيْشًا مِنّا، فَسَلْ لَنَا رَبّك الّذِي بَعَثَك بِمَا بَعَثَك بِهِ، فَلْيُسَيّرْ عَنّا هَذِهِ الْجِبَالَ الّتِي قَدْ ضَيّقَتْ عَلَيْنَا، وَلْيَبْسُطْ لَنَا بِلَادَنَا، وَلْيُفَجّرْ لَنَا فِيهَا أَنَهَارًا كَأَنْهَارِ الشّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا، وَلْيَكُنْ فِيمَنْ يُبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ: قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ، فَإِنّهُ كَانَ شَيْخَ صِدْقٍ، فَنَسْأَلَهُمْ عَمّا تَقُولُ: أَحَقّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ، فَإِنْ صَدّقُوك، وَصَنَعْتَ مَا سَأَلْنَاك، صَدّقْنَاك، وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَك ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مِنْ اللهِ، وَأَنّهُ بَعَثَك رَسُولًا- كَمَا تَقُول- فَقَالَ لَهُمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: مَا بِهَذَا بُعِثْتُ إلَيْكُمْ، إنّمَا جِئْتُكُمْ مِنْ اللهِ بِمَا بَعَثَنِي بِهِ، وَقَدْ بَلّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ إلَيْكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوهُ، فَهُوَ حَظّكُمْ فِي الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر اللهِ تَعَالَى، حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، قالوا: فإذا لم تفعل هذا لنا، فخذ لنفسك، سل رَبّك أَنْ يَبْعَثَ مَعَك مَلَكًا يُصَدّقُك بِمَا تَقُولُ، وَيُرَاجِعُنَا عَنْك وَسَلْهُ، فَلْيَجْعَلْ لَك جَنَانًا وَقُصُورًا وَكُنُوزًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضّةٍ يُغْنِيك بِهَا عَمّا نَرَاك تَبْتَغِي، فَإِنّك تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ كَمَا نَقُومُ، وَتَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَلْتَمِسُهُ، حَتّى نَعْرِفَ فَضْلَك وَمَنْزِلَتَك مِنْ رَبّك إنْ كُنْت رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ، وَمَا أَنَا بِاَلّذِي يَسْأَلُ رَبّهُ هَذَا، وَمَا بُعِثْت إلَيْكُمْ بِهَذَا، وَلَكِنّ اللهَ بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا- أَوْ كَمَا قَالَ- فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ به، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تَرُدّوهُ عَلَيّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللهِ، حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، قَالُوا: فَأَسْقِطْ السّمَاءَ عَلَيْنَا كسفا كما زعمت أن ربّك لو شَاءَ فَعَلَ، فَإِنّا لَا نُؤْمِنُ لَك إلّا أَنْ تَفْعَلَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَلِكَ إلَى اللهِ، إنْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِكُمْ فَعَلَ، قَالُوا: يَا مُحَمّدُ، أَفَمَا عَلِمَ رَبّك أَنّا سَنَجْلِسُ مَعَك، وَنَسْأَلُك عَمّا سَأَلْنَاك عَنْهُ، وَنَطْلُبُ مِنْك مَا نَطْلُبُ، فَيَتَقَدّمَ إلَيْك فَيُعَلّمَك مَا تُرَاجِعُنَا بِهِ، وَيُخْبِرُك مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا، إذا لَمْ نَقْبَلْ مِنْك مَا جِئْتنَا بِهِ! إنّهُ قَدْ بَلَغْنَا أَنّك إنّمَا يُعَلّمُك هَذَا رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ يُقَال لَهُ: الرّحْمَنُ، وَإِنّا وَاَللهِ لَا نُؤْمِنُ بِالرّحْمَنِ أَبَدًا، فَقَدْ أَعْذَرْنَا إلَيْك يَا مُحَمّدُ، وَإِنّا وَاَللهِ لَا نَتْرُكُك ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَمَا بَلَغْتَ مِنّا حَتّى نُهْلِكَك، أَوْ تُهْلِكَنَا. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ وَهِيَ بَنَاتُ اللهِ. وَقَالَ: قَائِلُهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَك حَتّى تأتينا بالله والملائكة قبيلا. فَلَمّا قَالُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَامَ عَنْهُمْ، وَقَامَ مَعَهُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ- وَهُوَ ابْنُ عَمّتِهِ فَهُوَ لِعَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ- فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمّدُ، عَرَضَ عَلَيْك قَوْمُك مَا عَرَضُوا فَلَمْ تَقْبَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمّ سَأَلُوك لِأَنْفُسِهِمْ أُمُورًا، لِيَعْرِفُوا بِهَا مَنْزِلَتَك مِنْ اللهِ كَمَا تَقُول، وَيُصَدّقُوك وَيَتّبِعُوك فَلَمْ تَفْعَلْ، ثُمّ سَأَلُوك أَنْ تَأْخُذَ لِنَفْسِك مَا يَعْرِفُونَ بِهِ فَضْلَك عَلَيْهِمْ، وَمَنْزِلَتَك مِنْ اللهِ، فَلَمْ تَفْعَلْ، ثُمّ سَأَلُوك أَنْ تُعَجّلَ لَهُمْ بَعْضَ مَا تُخَوّفُهُمْ بِهِ مِنْ الْعَذَابِ، فَلَمْ تَفْعَلْ- أَوْ كما قال له- فو الله لَا أُومِنُ بِك أَبَدًا حَتّى تَتّخِذَ إلَى السّمَاءِ سُلّمًا، ثُمّ تَرْقَى فِيهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْكَ حَتّى تَأْتِيَهَا، ثُمّ تَأْتِي مَعَك أَرْبَعَةٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَك أَنّك كَمَا تَقُول. وايم الله أن لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ مَا ظَنَنْتُ أَنّي أُصَدّقُك، ثُمّ انْصَرَفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى الله عليه وسلم- إلى أهله جزينا آسِفًا لِمَا فَاتَهُ مِمّا كَانَ يَطْمَعُ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ حِينَ دَعَوْهُ، وَلِمَا رَأَى مِنْ مباعدتهم إياه. فَلَمّا قَامَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ مُحَمّدًا قَدْ أَبَى إلّا مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْبِ دِينِنَا، وَشَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أحلامنا، وشتم آلهتنا، وَإِنّي أُعَاهِدُ اللهَ لَأَجْلِسَنّ لَهُ غَدًا بِحَجَرٍ مَا أُطِيقُ حَمْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

- أَوْ كَمَا قَالَ- فَإِذَا سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ، فَضَخْتُ بِهِ رَأْسَهُ، فَأَسْلِمُونِي عِنْدَ ذَلِكَ، أَوْ امْنَعُونِي، فَلْيَصْنَعْ بَعْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مَا بَدَا لَهُمْ، قَالُوا: وَاَللهِ لَا نُسْلِمُك لشىء أبدا، فامض لما تريد. فَلَمّا أَصْبَحَ أَبُو جَهْلٍ، أَخَذَ حَجَرًا كَمَا وَصَفَ، ثُمّ جَلَسَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- يَنْتَظِرُهُ، وَغَدَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- كَمَا كَانَ يَغْدُو، وَكَانَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكة وَقِبْلَتُهُ إلَى الشّامِ، فَكَانَ إذَا صَلّى صَلّى بين الرّكْنِ الْيَمَانِيّ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشّامِ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلّي وَقَدْ غَدَتْ قُرَيْشٌ، فَجَلَسُوا فِي أَنْدِيَتِهِمْ يَنْتَظِرُونَ مَا أَبُو جَهْلٍ فَاعِلٌ. فَلَمّا سَجَدَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- احْتَمَلَ أَبُو جَهْلٍ الْحَجَرَ، ثُمّ أَقْبَلَ نَحْوَهُ، حَتّى إذَا دَنَا مِنْهُ رَجَعَ مُنْهَزِمًا. مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ مَرْعُوبًا. قَدْ يَبِسَتْ يَدَاهُ عَلَى حَجَرِهِ. حَتّى قَذَفَ الْحَجَرَ مِنْ يَدِهِ. وَقَامَتْ إليه رجال قريش. فقالوا له: مالك يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: قُمْتُ إلَيْهِ لِأَفْعَلَ بِهِ مَا قُلْتُ لَكُمْ الْبَارِحَةَ، فَلَمّا دَنَوْتُ مِنْهُ عَرَضَ لِي دُونَهُ فَحْلٌ مِنْ الْإِبِلِ، لَا وَاَللهِ مَا رَأَيْت مِثْلَ هَامَتهِ، وَلَا مِثْلَ قَصَرَتِهِ، وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطّ. فَهَمّ بى أن يأكلنى. قال بن إسْحَاقَ: فَذُكِرَ لِي أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- قَالَ: ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلام: لو دنا لأخذه. فَلَمّا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ. قَامَ النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة ابن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْش. إنّهُ وَاَللهِ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا أَتَيْتُمْ لَهُ بِحِيلَةِ بَعْدُ، قَدْ كَانَ مُحَمّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا، أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ. وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا. وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً. حَتّى إذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشّيب، وجاءكم بما جاءكم به. قلتم: ساحر، لا والله ما هو بساحر. لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم: كاهن. لا والله ما هو بكاهن؛ قد رأينا الكهنة، وتخالجهم وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر؛ قد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلّها: هزجه ورجزه، وقلتم: مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون، فما هو بخنقه، ولا وَسْوَسَتِهِ، وَلَا تَخْلِيطِهِ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَانْظُرُوا فِي شَأْنِكُمْ، فَإِنّهُ وَاَللهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أمر عظيم. وَكَانَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَمِمّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَنْصِبُ لَهُ الْعَدَاوَةَ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الْحِيرَةَ، وَتَعَلّمَ بِهَا أَحَادِيثَ مُلُوكِ الْفُرْسِ، وَأَحَادِيثَ رُسْتُمَ واسبنديار، فَكَانَ إذَا جَلَسَ رَسُولُ الله- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مَجْلِسًا فَذَكّرَ فِيهِ بِاَللهِ، وَحَذّرَ قَوْمَهُ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الْأُمَمِ مِنْ نِقْمَةِ اللهِ، خَلَفَهُ فِي مَجْلِسِهِ إذَا قَامَ، ثُمّ قَالَ: أَنَا وَاَللهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْهُ، فَهَلُمّ إلَيّ، فَأَنَا أُحَدّثُكُمْ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِهِ، ثُمّ يُحَدّثُهُمْ عَنْ مُلُوكِ فَارِسَ وَرُسْتُمَ واسبنديار. ثُمّ يَقُولُ: بِمَاذَا مُحَمّدٌ أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنّي؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيمَا بَلَغَنِي: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ- فِيمَا بَلَغَنِي: نَزَلَ فِيهِ ثَمَانِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ: قَوْلُ الله عَزّ وَجَلّ: إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ. القلم: 15 وَكُلّ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ الْأَسَاطِيرِ مِنْ القرآن. فَلَمّا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بَعَثُوهُ، وَبَعَثُوا مَعَهُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إلَى أَحْبَارِ يَهُودَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالُوا لَهُمَا: سَلَاهُمْ عَنْ مُحَمّدٍ، وَصِفَا لَهُمْ صِفَتَهُ، وَأَخْبِرَاهُمْ بِقَوْلِهِ، فَإِنّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأُوَلِ، وَعِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ عندنا من علم الْأَنْبِيَاءِ، فَخَرَجَا حَتّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَسَأَلَا أَحْبَارَ يَهُودَ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَصَفَا لَهُمْ أَمْرَهُ. وَأَخْبَرَاهُمْ بِبَعْضِ قَوْلِهِ. وَقَالَا لَهُمْ: إنّكُمْ أَهْلُ التّوْرَاةِ. وَقَدْ جِئْنَاكُمْ لِتُخْبِرُونَا عَنْ صَاحِبِنَا هَذَا. فَقَالَتْ لَهُمَا أَحْبَارُ يَهُودَ: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ نَأْمُرُكُمْ بِهِنّ. فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنّ، فَهُوَ نَبِيّ مُرْسَلٌ. وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرّجُلُ مُتَقَوّلٌ. فَرَوْا فِيهِ رَأْيَكُمْ. سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدّهْرِ الْأَوّلِ مَا كَانَ أَمْرُهُمْ، فَإِنّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجَبٌ، وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوّافٍ قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا مَا كَانَ نَبَؤُهُ، وَسَلُوهُ عن الرّوّح ما هى؟ فإن أَخْبَرَكُمْ بِذَلِك فَاتّبِعُوهُ، فَإِنّهُ نَبِيّ. وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَهُوَ رَجُلٌ مُتَقَوّلٌ. فَاصْنَعُوا فِي أَمْرِهِ مَا بَدَا لَكُمْ. فَأَقْبَلَ النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ حَتّى قَدِمَا مَكّةَ عَلَى قُرَيْشٍ. فَقَالَا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمّدٍ. قَدْ أَخْبَرَنَا أحبار يهود أن ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تسأله عَنْ أَشْيَاءَ أَمَرُونَا بِهَا، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ عَنْهَا فَهُوَ نَبِيّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرّجُلُ مُتَقَوّلٌ. فروا فيه رأيكم. فجاؤا رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ، أَخْبِرْنَا عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدّهْرِ الْأَوّلِ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ قِصّةٌ عَجَبٌ، وَعَنْ رَجُلٍ كَانَ طَوّافًا قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الأرض ومغاربها. وأخبرنا عن الرّوح ماهى؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ غَدًا، وَلَمْ يَسْتَثْنِ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ، فَمَكَثَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُحْدِثُ اللهُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَحْيًا، وَلَا يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ، حَتّى أَرْجَفَ أَهْلُ مَكّةَ وَقَالُوا: وَعَدَنَا مُحَمّدٌ غَدًا، وَالْيَوْمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. قَدْ أَصْبَحْنَا مِنْهَا لَا يُخْبِرُنَا بِشَيْءِ مِمّا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ، وَحَتّى أَحْزَنَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مُكْثُ الوحى عنه، وَشَقّ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلّمُ بِهِ أَهْلُ مَكّةَ، ثُمّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ مِنْ اللهِ عَزّ وَجَلّ بِسُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، فِيهَا مُعَاتَبَتُهُ إيّاهُ عَلَى حُزْنِهِ عَلَيْهِمْ، وَخَبَرُ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أمر الفتية، والرجل الطّوّاف، والروح. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذُكِرَ لِي أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ لِجِبْرِيلَ حِين جَاءَهُ: لَقَدْ احْتَبَسْتَ عَنّي يَا جِبْرِيلُ حَتّى سُؤْتُ ظَنّا، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: «وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ، لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا، وَما بَيْنَ ذلِكَ، وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا مريم: 64 فَافْتَتَحَ السّورَةَ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِحَمْدِهِ وَذِكْرِ نُبُوّةِ رَسُولِهِ، لِمَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ الكهف: 1: 26 يَعْنِي: مُحَمّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إنّك رَسُولٌ مِنّي: أَيْ تَحْقِيقٌ لِمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ نُبُوّتِك. وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً: أَيْ: مُعْتَدِلًا، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ. لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ: أَيْ عَاجِلَ عُقُوبَتِهِ فى الدنيا، وعذابا أليما فى الاخرة من عند ربك الذى بعثك رَسُولًا. وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً، ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً: أَيْ دَارُ الْخُلْدِ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا الّذِينَ صَدّقُوك بِمَا جِئْت بِهِ مِمّا كَذّبَك بِهِ غَيْرُهُمْ، وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرْتهمْ بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ. وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً يَعْنِي: قُرَيْشًا فِي قَوْلِهِمْ: إنّا نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَهِيَ بَنَاتُ اللهِ. مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ الّذِينَ أَعْظَمُوا فِرَاقَهُمْ وَعَيْبَ دِينِهِمْ. كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ أَيْ: لِقَوْلِهِمْ: إنّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللهِ. إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً، فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ يَا مُحَمّدُ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً أَيْ: لِحُزْنِهِ عَلَيْهِمْ حِين فَاتَهُ مَا كَانَ يَرْجُو مِنْهُمْ، أَيْ: لَا تَفْعَلْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَاخِعٌ نَفْسَك، أَيْ: مُهْلِكٌ نَفْسَك، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ ذُو الرّمّةِ: أَلَا أَيّهَذَا الْبَاخِعُ الْوَجْدُ نَفْسَهُ ... لِشَيْءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ الْمَقَادِرُ وَجَمْعُهُ: بَاخِعُونَ وَبَخَعَةٌ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قصيدة له. وتقول العرب: قد بخعت له نُصْحِي وَنَفْسِي، أَيْ جَهَدْت لَهُ. إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حول سورة الكهف

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَيْ: أَيّهُمْ أَتْبَعُ لِأَمْرِي، وأعمل بطاعتى. إِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً: أَيْ: الْأَرْضِ، وَإِنّ مَا عَلَيْهَا لَفَانٍ وَزَائِلٌ، وَإِنّ الْمَرْجِعَ إلَيّ، فَأَجْزِي كُلّا بِعَمَلِهِ، فَلَا تَأْسَ، وَلَا يَحْزُنْك مَا تَسْمَع وَتَرَى فِيهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الصّعِيدُ: الْأَرْضُ، وَجَمْعُهُ: صُعُدٌ. قَالَ ذُو الرّمّةِ يَصِفُ ظَبْيًا صَغِيرًا: كَأَنّهُ بِالضّحَى تَرْمِي الصّعِيدَ بِهِ ... دَبّابَةٌ فِي عِظَامِ الرّأْسِ خُرْطُومُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالصّعِيدُ أَيْضًا: الطّرِيقُ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إيّاكُمْ وَالْقُعُودَ عَلَى الصّعَدَاتِ» يُرِيدُ الطّرُقَ. وَالْجُرُزُ: الْأَرْضُ الّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا، وَجَمْعُهَا: أَجْرَازٌ. وَيُقَالُ: سَنَةٌ جُرُزٌ، وَسُنُونَ أَجْرَازٌ، وَهِيَ الّتِي لَا يَكُون فِيهَا مَطَرٌ، وَتَكُونُ فِيهَا جُدُوبَةٌ وَيُبْسٌ وَشِدّةٌ. قال ذو الرّمّة يضف إبلا: طوى النّحز وَالْأَجْرَازُ مَا فِي بُطُونِهَا ... فَمَا بَقِيَتْ إلّا الضّلُوعُ الْجَرَاشِعُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: [حول سورة الكهف] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ اسْتَقْبَلَ قِصّةَ الْخَبَرِ فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ شَأْنِ الْفِتْيَةِ، فَقَالَ: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَيْ: قَدْ كَانَ مِنْ آيَاتِي فِيمَا وَضَعْت عَلَى الْعِبَادِ مِنْ حُجَجِي مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالرّقِيمُ: الْكِتَابُ الّذِي رُقِمَ فِيهِ بِخَبَرِهِمْ، وَجَمْعُهُ: رُقُمٌ. قَالَ العجّاج: ومستقرّ المصحف المرقّم وهذا البيت فى أرجوة لَهُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ تَعَالَى: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا: رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً، فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً. ثُمَّ بَعَثْناهُمْ: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ: أَيْ: بِصِدْقِ الْخَبَر عَنْهُمْ: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ، وَزِدْناهُمْ هُدىً، وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا، فَقالُوا: رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً، لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً: أَيْ لَمْ يُشْرِكُوا بِي كَمَا أَشْرَكْتُمْ بِي مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالشّطَطُ: الْغُلُوّ وَمُجَاوَزَةُ الْحَقّ. قَالَ أَعْشَى بنى قيس ابن ثَعْلَبَةَ: لَا يَنْتَهُونَ، وَلَا يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ ... كَالطّعْنِ يَذْهَبُ فِيهِ الزّيْتُ وَالْفَتْلُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَيْ بِحُجّةٍ بَالِغَةٍ. فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً. وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ، وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ، فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ، يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً. وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ، وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ، وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ» . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَزَاوَرُ: تَمِيلُ، وَهُوَ مِنْ الزّورِ: وقال امرؤ القيس بن حجر: وَإِنّي زَعِيمٌ إنْ رَجَعْتُ مُمَلّكًا ... بِسَيْرٍ تَرَى مِنْهُ الْفُرَانِقَ أَزْوَرَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له. وقال أبو الزّحف الكليبى يَصِفُ بَلَدًا: جَأْبُ الْمُنَدّى عَنْ هَوَانَا أَزْوَرُ ... يُنْضِي الْمَطَايَا خِمْسُهُ الْعَشَنْزَرُ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. و «تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ» : تُجَاوِزُهُمْ وَتَتْرُكُهُمْ عَنْ شِمَالِهَا. قَالَ ذُو الرّمّةِ: إلَى ظُعْنٍ يَقْرِضْنَ أَقْوَازَ مُشْرِفٍ ... شِمَالًا وَعَنْ أَيْمَانِهِنّ الْفَوَارِسُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْفَجْوَةُ: السّعَةُ، وَجَمْعُهَا: الْفِجَاءُ قَالَ الشّاعِرُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَلْبَسْتَ قَوْمَك مَخْزَاةً وَمَنْقَصَةً ... حَتّى أُبِيحُوا، وَخَلّوْا فَجْوَةَ الدّارِ «ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ» أَيْ فِي الْحُجّةِ عَلَى مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، مِمّنْ أَمَرَ هَؤُلَاءِ بِمَسْأَلَتِك عَنْهُمْ فِي صِدْقِ نُبُوّتِك بِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ عنهم. مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً. وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ، وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ، وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ» . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْوَصِيدُ: الْبَابُ. قَالَ الْعَبْسِيّ، وَاسْمُهُ: عُبَيْدُ بْنُ وَهْبٍ: بِأَرْضٍ فَلَاةٍ لَا يُسَدّ وَصِيدُهَا ... عَلَيّ، وَمَعْرُوفِي بِهَا غَيْرُ مُنْكَرِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَالْوَصِيدُ أَيْضًا: الْفِنَاءُ، وجمعه: وصائد، ووصد، ووصدان، وأصد، وأصدان. لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً، وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ... إلَى قَوْلِهِ: قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ أَهْلُ السّلْطَانِ وَالْمُلْكِ مِنْهُمْ: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً سَيَقُولُونَ يَعْنِي: أَحْبَارَ يَهُودَ الّذِينَ أَمَرُوهُمْ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْهُمْ: ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ أَيْ: لَا عِلْمَ لَهُمْ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ، فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً: أَيْ: لَا تُكَابِرْهُمْ. وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً فإبهم لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِم. وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ: إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، وَاذْكُرْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً: أَيْ: وَلَا تَقُولَنّ لِشَيْءِ سَأَلُوك عَنْهُ كَمَا قُلْت فِي هذا: إنى مخبركم غدا. واستثن مشيئة الله، واذكر ربك إذا نسيت، وقل: عسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبّي لِخَيْرٍ مِمّا سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ رَشَدًا، فَإِنّك لَا تَدْرِي مَا أَنَا صَانِعٌ فِي ذَلِكَ. وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً: أَيْ: سَيَقُولُونَ ذَلِكَ. قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا، لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ، وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً أَيْ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمّا سألوك عنه. وَقَالَ فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الرّجُلِ الطواف: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ: سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً. إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ، وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً الكهف: 83 حَتّى انْتَهَى إلَى آخِرِ قِصّةِ خَبَرِهِ. وَكَانَ مِنْ خَبَرِ ذِي الْقَرْنَيْنِ أَنّهُ أُوتِيَ مَا لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَمُدّتْ لَهُ الْأَسْبَابُ، حَتّى انْتَهَى مِنْ الْبِلَادِ إلَى مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، لَا يَطَأُ أَرْضًا إلّا سُلّطَ عَلَى أَهْلِهَا، حَتّى انْتَهَى مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إلَى مَا لَيْسَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ مِنْ الْخَلْقِ. قَالَ ابن إسحاق: حدثنى مِنْ يَسُوقُ الْأَحَادِيثَ عَنْ الْأَعَاجِمِ، فِيمَا تَوَارَثُوا مِنْ عِلْمِهِ: أَنّ ذَا الْقَرْنَيْنِ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، اسْمُهُ: مَرْزُبَانُ بْنُ مَرْذُبَةَ الْيُونَانِيّ، مِنْ وَلَدِ يُونَانِ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُهُ: الْإِسْكَنْدَرُ، وَهُوَ الّذِي بَنَى الإسكندرية، فَنُسِبَتْ إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ الْكُلَاعِيّ وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أَدْرَكَ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ: مَلِكٌ مَسَحَ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهَا بِالْأَسْبَابِ. وَقَالَ خَالِدٌ: سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ رَجُلًا يَقُولُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: اللهُمّ غَفْرًا، أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ تَسَمّوْا بِالْأَنْبِيَاءِ حَتّى تسمّيتم بالملائكة؟! قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ، أَقَالَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ قَالَهُ، فالحق ما قال. أسباب نزول بعض الايات وعن الرّوحِ: وَقَالَ تَعَالَى فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أمر الروح: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا الإسراء: 85. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثْت عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، أَنّهُ قَالَ: لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، قَالَتْ أَحْبَارُ يَهُودَ: يَا مُحَمّدُ، أَرَأَيْتَ قَوْلَك: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا إيّانَا تُرِيدُ، أَمْ قَوْمَك؟ قَالَ: كُلّا، قَالُوا: فَإِنّك تَتْلُو فِيمَا جَاءَك: أَنّا قَدْ أُوتِينَا التّوْرَاةَ فِيهَا بَيَانُ كُلّ شَيْءٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّهَا فِي عِلْمِ اللهِ قَلِيلٌ، وَعِنْدَكُمْ فى ذلك ما يكفيكم ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لو أقمتوه. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لقمان: 27: أَيْ: أَنّ التّوْرَاةَ فِي هَذَا مِنْ عِلْمِ الله قليل. عن تسيير الجبال وبعث الموتى: قَالَ: وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيمَا سَأَلَهُ قومه لأنفسهم من تسيير الجبال، وتقطيع الأرض، وبعث من مضى من آبائهم من الموتى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ، أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ، أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى، بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَيْ: لَا أَصْنَعُ من ذلك إلا ما شئت. وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ: خُذْ لِنَفْسِك، مَا سَأَلُوهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ، أَنْ يَجْعَلَ لَهُ جَنَانًا وَقُصُورًا وَكُنُوزًا، وَيَبْعَثَ مَعَهُ مَلَكًا يُصَدّقُهُ بِمَا يَقُول، وَيَرُدّ عَنْهُ: وَقالُوا: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ، وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ؟ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً، أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ، أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها، وَقالَ الظَّالِمُونَ: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً انْظُرْ: كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ، فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا، تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ: أَيْ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ فِي الْأَسْوَاقِ وَتَلْتَمِسَ الْمَعَاشَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً الفرقان 7: 10. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ، وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ، وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً، أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً الفرقان: 20 أَيْ جَعَلْت بَعْضَكُمْ لِبَعْضِ بَلَاءً، لِتَصْبِرُوا، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَجْعَلَ الدّنْيَا مَعَ رُسُلِي فَلَا يخالفوا لفعلت. وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ فِيمَا قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً: أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً، أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ، وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ. حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ. قُلْ: سُبْحانَ رَبِّي. هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا. الإسراء: 90- 95. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْيَنْبُوعُ: مَا نَبَعَ مِنْ الماء من الأرض وغيرها. وجمعه ينابيع. قال ابن هرمة. واسمه: إبراهيم بن عبد الله الْفِهْرِيّ. وَإِذَا هَرَقْتَ بِكُلّ دَارٍ عَبْرَةً ... نُزِفَ الشّئُونُ. وَدَمْعُك الْيَنْبُوعُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْكِسَفُ الْقِطَعُ مِنْ الْعَذَابِ. وَوَاحِدَتُهُ: كِسْفَةٌ. مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ. وَهِيَ أَيْضًا: وَاحِدَةُ الْكِسْفِ. وَالْقَبِيلُ: يَكُونُ مُقَابَلَةً وَمُعَايَنَةً. وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا: أَيْ: عِيَانًا. وَأَنْشَدَنِي أبو عبيدة لأعشى بنى قيس بنى ثعلبة: أصالحكم، حتى تبوؤا بِمِثْلِهَا ... كَصَرْخَةِ حُبْلَى يَسّرَتْهَا قَبِيلُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يَعْنِي: الْقَابِلَةُ؛ لِأَنّهَا تُقَابِلُهَا، وَتَقْبُلُ وَلَدَهَا. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَيُقَالُ الْقَبِيلُ: جَمْعُهُ قُبُلٌ، وَهِيَ الْجَمَاعَاتُ، وَفِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى: وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا. الأنعام: 111 فَقُبُلٌ: جَمْعُ قَبِيلٍ، مِثْلُ سُبُلٍ: جَمْعُ سَبِيلٍ وَسُرُرٍ: جَمْعُ سَرِيرٍ، وَقُمُصٍ: جَمْعُ قَمِيصٍ. وَالْقَبِيلُ أَيْضًا: فِي مَثَلٍ مِنْ الْأَمْثَالِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: مَا يَعْرِفُ قَبِيلًا مِنْ دَبِيرٍ: أَيْ: لَا يَعْرِفُ مَا أَقْبَلَ مِمّا أَدْبَرَ، قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ: تَفَرّقَتْ الْأُمُورُ بِوَجْهَتَيْهِمْ ... فَمَا عَرَفُوا الدّبِيرَ مِنْ الْقَبِيلِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له، ويقال: إنما أريد بهذا: الْفَتْلُ، فَمَا فُتِلَ إلَى الذّرَاعِ فَهُوَ الْقَبِيلُ، وَمَا فُتِلَ إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ فَهُوَ الدّبِيرُ، وَهُوَ مِنْ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ الّذِي ذَكَرْتُ. وَيُقَالُ: فتل المغزل. فإذا فتل إلى الركبة فهو القبيل، وإذا فتل إلى الورك فهو الدّبير. والقبيل أيضا: قوم الرجل. والزخرف: الذهب. والمزخرف: المزين بالذهب. قَالَ الْعَجّاجُ: مِنْ طَلَلٍ أَمْسَى تَخَالُ الْمُصْحَفَا ... رُسُومَهُ وَالْمُذْهَبَ الْمُزَخْرَفَا وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ له، ويقال أيضا لكلّ مزيّن: مزخرف. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ: إنّا قَدْ بَلَغَنَا أَنّك إنّمَا يُعَلّمُك رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ. يُقَالُ لَهُ: الرّحْمَنُ. وَلَنْ نُؤْمِنَ بِهِ أَبَدًا: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ. وَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ. قُلْ: هُوَ رَبِّي. لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ. الرعد: 30. وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِيمَا قَالَ أَبُو جَهْلِ بْنِ هشام- لعنه الله- وَمَا هَمّ بِهِ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى، أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى، أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى، كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ، ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ، فَلْيَدْعُ نادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ، كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ سورة العلق. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَنَسْفَعًا: لَنَجْذِبَنْ، وَلَنَأْخُذَنْ. قَالَ الشّاعِرُ: قَوْمٌ إذَا سَمِعُوا الصّرَاخَ رَأَيْتَهُمْ ... مِنْ بَيْنِ مُلْجِمِ مُهْرِهِ أَوْ سَافِعِ وَالنّادِي: الْمَجْلِسُ الذى يجتمع فيه القوم، ويقصّون فيه أمورهم، وفى كتاب الله تعالى: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ العنكبوت: 29 وَهُوَ النّدِيّ. قَالَ عَبِيدُ بْنُ الْأَبْرَصِ: اذْهَبْ إلَيْك فَإِنّي مِنْ بَنِي أَسَدٍ ... أَهْلُ النّدِيّ، وأهل الجرد وَالنّادِي وَفِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى: وَأَحْسَنُ نَدِيًّا مريم. 73. وجمعه: أندية. يقول: فليدع أهل ناديه. كما قال تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف: 82 يُرِيدُ أَهْلَ الْقَرْيَةِ. قَالَ سَلَامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ، أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تميم: يومان: يوم مقامات، وأندبة ... وَيَوْمُ سَيْرٍ إلَى الْأَعْدَاءِ تَأْوِيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ الْكُمَيْتُ بن زيد: لا مهاذير فى النّدىّ مكائير ... وَلَا مُصْمِتِينَ بِالْإِفْحَامِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَيُقَالُ: النّادِي: الْجُلَسَاءُ. وَالزّبَانِيَةُ: الْغِلَاظُ الشّدَادُ، وَهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: خَزَنَةُ النّارِ. وَالزّبَانِيَةُ أَيْضًا فِي الدّنْيَا: أَعْوَانُ الرّجُلِ الّذِينَ يَخْدُمُونَهُ وَيُعِينُونَهُ، وَالْوَاحِدُ: زِبْنِيَةٌ. قَالَ ابْنُ الزّبَعْرَى فِي ذَلِكَ: مَطَاعِيمُ فِي الْمَقْرَى، مَطَاعِينُ فِي الْوَغَى ... زَبَانِيَةٌ غُلْبٌ، عِظَامٌ حُلُومُهَا يَقُول: شَدّادٌ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَقَالَ صَخْرُ بْنُ عبد الله الهذلىّ، وهو صخر الغىّ: ومن كبير نفر زبانيه وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيمَا عَرَضُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ: قُلْ: مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. وسبأ: 47. فَلَمّا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بِمَا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ، وَعَرَفُوا صِدْقَهُ فِيمَا حَدّثَ، وَمَوْقِعَ نُبُوّتِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمِ الْغُيُوبِ حِين سَأَلُوهُ عَمّا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سَأَلُوا عَنْهُ، حَالَ الْحَسَدُ مِنْهُمْ لَهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اتّبَاعِهِ وَتَصْدِيقِهِ فَعَتَوْا عَلَى اللهِ وَتَرَكُوا أَمْرَهُ عِيَانًا، وَلَجّوا فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ: لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلّكُمْ تَغْلِبُونَ، أَيْ: اجْعَلُوهُ لَغْوًا وَبَاطِلًا، وَاِتّخِذُوهُ هُزُوًا لَعَلّكُمْ تَغْلِبُونَهُ بِذَلِكَ، فَإِنّكُمْ إن ناظرتموه أو خاصمتموه يوما غلبكم. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمًا- وَهُوَ يَهْزَأُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْحَقّ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، يَزْعُمُ محمد أنّ جُنُودُ اللهِ الّذِينَ يُعَذّبُونَكُمْ فِي النّارِ، وَيَحْبِسُونَكُمْ فِيهَا تِسْعَةَ عَشَرَ، وَأَنْتُمْ أَكْثَرُ النّاسِ عَدَدًا، وكثرة، أفيعجز كلّ مائة رَجُلٍ مِنْكُمْ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْله: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً، وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا. المدثر: 31 إلَى آخِرِ الْقِصّةِ، فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ، جَعَلُوا إذَا جَهَرَ رَسُولُ الله- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بِالْقُرْآنِ وَهُوَ يُصَلّي، يَتَفَرّقُونَ عَنْهُ، وَيَأْبَوْنَ أَنْ يَسْتَمِعُوا لَهُ، فَكَانَ الرّجُلُ مِنْهُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ مَا يَتْلُو مِنْ الْقُرْآنِ، وَهُوَ يُصَلّي، اسْتَرَقَ السّمْعَ دونهم فرقا منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع منه ذَهَبَ خَشْيَةَ أَذَاهُمْ، فَلَمْ يَسْتَمِعْ، وَإِنْ خَفَضَ رسول الله- صلّى الله عليه عَلَيْهِ وَسَلّمَ- صَوْتَهُ، فَظَنّ الّذِي يَسْتَمِعُ أَنّهُمْ لَا يَسْتَمِعُونَ شَيْئًا مِنْ قِرَاءَتِهِ، وَسَمِعَ هُوَ شيئا دونهم أصاخ له يستمع منه. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ، مَوْلَى عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، أَنّ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ حَدّثَهُمْ أَنّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حَدّثَهُمْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أول صحابى جهر بالقرآن:

إنّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا الإسراء: 110. مِنْ أَجْلِ أُولَئِكَ النّفَرِ. يَقُولُ: لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك فَيَتَفَرّقُوا عَنْك، وَلَا تُخَافِتْ بِهَا، فَلَا يَسْمَعْهَا مَنْ يُحِبّ أَنْ يَسْمَعَهَا مِمّنْ يَسْتَرِقُ ذَلِكَ دُونَهُمْ، لَعَلّهُ يَرْعَوِي إلَى بَعْضِ مَا يسمع، فينتفع به. [أول صحابى جهر بِالْقُرْآنِ:] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أَوّلُ مَنْ جَهَرَ بِالْقُرْآنِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكّةَ عَبْدُ اللهِ ابن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: اجْتَمَعَ يَوْمًا أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا: وَاَللهِ مَا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ هَذَا الْقُرْآنَ يُجْهَرُ لَهَا بِهِ قَطّ، فَمَنْ رَجُلٌ يُسْمِعُهُمُوهُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنَا، قَالُوا: إنّا نَخْشَاهُمْ عَلَيْك، إنّمَا نُرِيدُ رَجُلًا لَهُ عَشِيرَةٌ يَمْنَعُونَهُ مِنْ الْقَوْمِ إنْ أَرَادُوهُ، قَالَ: دَعُونِي فَإِنّ اللهَ سَيَمْنَعُنِي. قَالَ: فَغَدَا ابْنُ مَسْعُودٍ حَتّى أَتَى الْمَقَامَ فِي الضّحَى، وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا حَتّى قَامَ عِنْدَ الْمَقَامِ ثُمّ قَرَأَ: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ قَالَ: ثُمّ اسْتَقْبَلَهَا يَقْرَؤُهَا. قَالَ: فَتَأَمّلُوهُ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ. مَاذَا قَالَ ابن أمّ عبد؟ قال: ثم قالوا: لَيَتْلُو بَعْضَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ، فَقَامُوا إلَيْهِ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ فِي وَجْهِهِ، وَجَعَلَ يَقْرَأُ حَتّى بَلَغَ مِنْهَا مَا شَاءَ اللهُ أَنّ يَبْلُغَ. ثُمّ انْصَرَفَ إلَى أَصْحَابِهِ، وَقَدْ أَثّرُوا فِي وَجْهِهِ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا الّذِي خَشِينَا عَلَيْك فَقَالَ: مَا كَانَ أَعْدَاءُ اللهِ أَهْوَنَ عَلَيّ مِنْهُمْ الْآنَ، وَلَئِنْ شِئْتُمْ لَأُغَادِيَنّهُمْ بِمِثْلِهَا غَدًا، قَالُوا: لَا، حَسْبُك، قَدْ أَسْمَعْتَهُمْ مَا يكرهون. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما لقى رسول الله (ص) مِنْ قَوْمِهِ: فَصْلٌ: فِيمَا لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْمِهِ، ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيّ وَالتّيْمِيّ، وَابْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ أُمُورًا كَثِيرَةً تَتَقَارَبُ أَلْفَاظُهَا وَمَعَانِيهَا، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ، فَمِنْهَا حَثْوُ سُفَهَائِهِمْ التّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ، وَمِنْهَا أَنّهُمْ كَانُوا يَنْضِدُونَ «1» الْفَرْثَ وَالْأَفْحَاثَ وَالدّمَاءَ عَلَى بَابِهِ، وَيَطْرَحُونَ رَحِمَ الشّاةِ فِي بُرْمَتِهِ، وَمِنْهَا: بَصْقُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي وَجْهِهِ، وَمِنْهَا: وَطْءُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ «2» عَلَى رَقَبَتِهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ عِنْدَ الْكَعْبَةِ حَتّى كَادَتْ عَيْنَاهُ تَبْرُزَانِ، وَمِنْهَا أَخْذُهُمْ بِمُخَثّقِهِ حِينَ اجْتَمَعُوا لَهُ عِنْدَ الْحِجْرِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَزَادَ غَيْرُهُ الْخَبَرَ أَنّهُمْ خَنَقُوهُ خَنْقًا شَدِيدًا وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ دونه فجبذوا

_ (1) ينضدون: يضعون بعضه فوق بعض، والأفحاث جمع الفحث- بسكون الحاء وكسرها- شىء متصل بالكرش ذو أطباق وأجواف، والفرث ما فى داخل الكرش (2) قتل بعد بدر، وقيل: قتل صبرا مع النصر فى بدر وقد روى البخارى فى كتاب خلق أفعال العباد. وأبو يعلى وابن حبان عن عمرو بن العاصى: «ما رأيت قريشا أرادوا قتل النبى- صلّى الله عليه وسلم- إلا يوم أغروا به وهم فى ظل الكعبة جلوس، وهو يصلى عند المقام، فقام إليه عقبة، فجعل رداءه فى عنقه، ثم جذبه، حتى وجب لركبتيه، وتصايح الناس، وأقبل أبو بكر يشتد حتى أخذ بضبع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من ورائه، وهو يقول: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ: رَبّي اللهُ، ثُمّ انصرفوا عنه، فلما قضى صلاته، مربهم، فقال: والذى نفسى بيده ما أرسلت إليكم إلا [بالذبح، فقال له أبو جهل: يا محمد ما كنت جهولا، فقال: أنت منهم»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ حَتّى سَقَطَ أَكْثَرُ شَعْرِهِ، وَأَمّا السّبّ وَالْهَجْوُ وَالتّلْقِيبُ وَتَعْذِيبُ أَصْحَابِهِ وَأَحِبّائِهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ، فَقَدْ ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو جَهْلٍ لِسُمَيّةَ أُمّ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ: مَا آمَنْت بِمُحَمّدِ إلّا لِأَنّك عَشِقْته لِجَمَالِهِ، ثُمّ طَعَنَهَا بِالْحَرْبَةِ فِي قُبُلِهَا حَتّى قَتَلَهَا، وَالْأَخْبَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ. السّبَبُ فِي تَلْقِيبِهِ بِالْمُدّثّرِ وَالنّذِيرِ الْعُرْيَانِ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَثّرُونِي دَثّرُونِي» فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ «1» قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: فِي تَسْمِيَتِهِ إيّاهُ

_ (1) ذكر فى أسباب نزول هذه الايات- روايتان. أما الأولى: فعن يحيى قال: سألت أبا سلمة رضى الله عنه: أى القرآن أنزل أول؟ فقال: يا أيها المدثر. قلت: أنبئت: أنه اقرأ باسم ربك، فقال: لا أخبرك إلا بما قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: جاورت فى حراء، فلما قضيت جوارى هبطت، فاستبطنت الوادى، فنوديت، فنظرت أمامى وخلفى وعن يمينى، وعن شمالى فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض، فأتيت خديجة، فقلت: دثرونى، وصبوا على ماء باردا، ففعلوا، وأنزل على: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ» رواه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى. أما الرواية الأخرى فعن الزهرى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما قال: سمعت النبى- صلّى الله عليه وسلم- وهو يحدث عن فترة الوحى، فقال فى حديثه: «فبينا أنا أمشى إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسى، فإذا الملك الذى جاءنى بحراء جالس على كرسى بين السماء والأرض، فجثثت منه رعبا، فرجعت، فقلت: زملونى، فدثرونى، فأنزل الله تعالى: يا أيها المدثر- إلى- والرجز فاهجر قبل أن تفرض الصلاة. البخارى ومسلم والإمام أحمد. والروايتان عن جابر بن عبد الله. وذكر الطبرانى رواية ثالثة يسند ضعيف عن ابن عباس قال: إن الوليد ابن المغيرة صنع لقريش طعاما، فلما أكلوا منه قال: ما تقولون فى هذا الرجل؟ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِالْمُدّثّرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُلَاطَفَةٌ وَتَأْنِيسٌ، وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ إذَا قَصَدَتْ الْمُلَاطَفَةَ أَنْ تُسَمّيَ الْمُخَاطَبَ بِاسْمِ مُشْتَقّ مِنْ الْحَالَةِ الّتِي هُوَ فِيهَا، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ لِحُذَيْفَةَ: قُمْ يَا نَوْمَانُ، وَقَوْلِهِ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- وَقَدْ تَرِبَ جَنْبُهُ: قُمْ أَبَا تُرَابٍ «1» فَلَوْ نَادَاهُ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِنْ الْكَرْبِ بِاسْمِهِ، أَوْ بِالْأَمْرِ الْمُجَرّدِ مِنْ هَذِهِ الْمُلَاطَفَةِ لهاله ذلك، ولكن لما بدىء، بيا أَيّهَا الْمُدّثّرُ أَنِسَ، وَعَلِمَ أَنّ رَبّهُ رَاضٍ عنه، ألا تراه كيف قال عند ما لقى من أهل الطائف من شدة البلاه وَالْكَرْبِ مَا لَقِيَ: رَبّ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك غَضَبٌ عَلَيّ فَلَا أُبَالِي «2» إلَى آخِرِ الدّعَاءِ، فَكَانَ مَطْلُوبُهُ رِضَا رَبّهِ، وَبِهِ كَانَتْ تَهُونُ عَلَيْهِ الشّدَائِدُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَنْتَظِمُ يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ مَعَ قَوْلِهِ: قُمْ فَأَنْذِرْ، وَمَا الرّابِطُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، حَتّى يَلْتَئِمَا فِي قانون البلاغة، ويتشا كلا فِي حُكْمِ الْفَصَاحَةِ؟ قُلْنَا: مِنْ صِفَتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ حِينَ قَالَ: أَنَا النّذِيرُ الْعُرْيَانُ، وَهُوَ مَثَلٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ العرب، يقال لمن أنذر بقرب

_ - فقال بعضهم: ساحر. وقال بعضهم: ليس بساحر، وقال بعضهم: كاهن، وقال بعضهم: ليس بكاهن، وقال بعضهم: شاعر، وقال بعضهم: ليس بشاعر، وقال بعضهم: بل سحر يؤثر، فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر، فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحزن، وقنع رأسه، وتدثر، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ، وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) وأخرجه البزار بنحوه عن جابر. (1) كان على رضى الله عنه قد غاضب فاطمة، فلما جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ منزل فاطمة، وعلم بهذا، أرسل من يبحث عنه، فجاء، فأخبره أنه فى المسجد، فجاءه رسول الله «ص» وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب. فجعل رسول الله «ص» يمسحه عنه، ويقول: قم أبا التراب، قم أبا التراب.. مختصر من حديث رواه الشيخان. (2) من حديث رواه الطبرانى فى الكبير عن عبد الله بن جعفر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْعَدُوّ، وَبَالَغَ فِي الْإِنْذَارِ، وَهُوَ النّذِيرُ الْعُرْيَانُ «1» ، وَذَلِكَ أَنّ النّذِيرَ الْجَادّ يُجَرّدُ ثَوْبَهُ، وَيُشِيرُ بِهِ إذَا خَافَ أَنْ يَسْبِقَ الْعَدُوّ صَوْتَهُ، وَقَدْ قِيلَ: إنّ أَصْلَ الْمَثَلِ لِرَجُلِ مِنْ خَثْعَمَ سَلَبَهُ الْعَدُوّ ثَوْبَهُ، وَقَطَعُوا يَدَهُ، فَانْطَلَقَ إلَى قَوْمِهِ نَذِيرًا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَنَا النّذِيرُ الْعُرْيَان أَيْ: مَثَلِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَالتّدَثّرُ بِالثّيَابِ مُضَادّ لِلتّعَرّي، فَكَانَ فى قوله: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) مَعَ قَوْلِهِ: (قُمْ فَأَنْذِرْ) وَالنّذِيرُ الْجَادّ يُسَمّى: الْعُرْيَانُ: تَشَاكُلٌ بَيّنٌ، وَالْتِئَامٌ بَدِيعٌ وَسَمَاقَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَجَزَالَةٌ فِي اللّفْظِ. تَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفِعْلِ: وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) أَيْ: رَبّك كَبّرْ، لَا غَيْرَهُ لَا يَكْبُرُ عَلَيْك شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الْخَلْقِ، وَفِي تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى فِعْلِ الْأَمْرِ إخْلَاصٌ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: إيّاك نعبد [وإياك نستعين] أَيْ: لَا نَعْبُدُ غَيْرَك [وَلَا نَسْتَعِينُ إلّا بِك] «2» ، وَلَمْ يَقُلْ: نَعْبُدُك وَنَسْتَعِينُك، وَفِي الْحَدِيثِ: إذَا قَالَ الْعَبْدُ: إِيّاكَ نَعْبُدُ، وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَخْلَصَ لِي عَبْدِي الْعِبَادَةَ، واستعاننى عليها، فهذه بينى وبين عبدى «3» .

_ (1) روى الصحيحان قول النبى «ص» : «إنما مثلى، ومثل ما بعثنى الله كمثل رجل أتى قومه، فقال: يا قوم: إنى رأيت الجيش بعينى، وإنى أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعته طائفة من قومه، فأدلجوا، وانطلقوا على مهلهم، فنجوا، وكذبته طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش، فأهلكهم، واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعنى، واتبع ما جئت به، ومثل من عصانى، وكذب ما جئت به من الحق» وانظر مجمع الأمثال (2) الزيادة يقتضيها سياق الكلام. (3) فى رواية مسلم: «وإذا قال: إياك نعبد، وإياك نستعين، قال: هذا بينى وبين عبدى، ولعبدى ما سأل»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالرّئِيّ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ عُتْبَةَ: إنْ كان هذا رئيا تَرَاهُ. وَلُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ: رِئِيّ بِكَسْرِ الرّاءِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فى كل فعيل عين الفعل منه هَمْزَةٌ، أَوْ غَيْرُهَا مِنْ حُرُوفِ الْحَلْقِ، يَكْسِرُونَ أَوّلَهُ، مِثْلَ: رَحِيمٍ وَشَهِيدٍ وَالرّئِيّ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ «1» ، وَلَا يَكُونُ إلّا مِنْ الْجِنّ، وَلَا يَكُونُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فِي غَيْرِ الْجِنّ. إلّا أَنْ يُؤَثّرَ فِيهِ الْفِعْلُ نَحْوَ: جَرِيحٍ وَقَتِيلٍ وَذَبِيحٍ وَطَحِينٍ، وَلَا يُقَالُ مِنْ الشّكْرِ: شَكِيرٌ، وَلَا ذَكَرْته فَهُوَ ذَكِيرٌ، وَلَا فِيمَنْ لَطَمَ: لَطِيمٌ إلّا أَنْ تُغَيّرَ مِنْهُ اللّطْمَةُ، كَمَا قَالُوا: لَطِيمُ الشّيْطَانِ. قَالَ ابْنُ الزّبَيْرِ حين قتل عمرو بن سعيد الأشدق [ابن الْعَاصِ] «2» : أَلَا إنّ أَبَا ذِبّانَ قَتَلَ لَطِيمَ الشيطان «3» : كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ الْأَنْعَامِ: 29. وَقَالُوا مِنْ الْحَمْدِ: حَمِيدٌ، ذَهَبُوا بِهِ مَذْهَبٌ كَرِيمٌ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْجِنّ: رَئِيّ، وَإِنْ كَانَتْ الرّؤْيَا لَا تُؤَثّرُ فِي الْمَرْئِيّ؛ لأنهم ذهبوا به مذهب قرين ونجىّ.

_ (1) وعن اللحيانى: رئى بكسر الراء- إذا كان يحبه ويؤالفه، وفى اللسان كذلك: هو فعيل أو فعول سمى به لأنه يتراءى لمتبوعه، أو هو من الرأى من قولهم: فلان رئى قومه بفتح الراى وكسر الهمزة وتضعيف الياء، إذا كان صاحب رأيهم. وحروف الحلق هى حروف الهجاء التى تخرج من الحلق عند النطق، وهى الهمزة والحاء والخاء والعين والغين والهاء. (2) الذى قتله عبد الملك بن مروان، وكان الأشدق يلقب بلطيم الشيطان فلما بلغ ابن الزبير مقتله، وهو بمكة صعد المنير، وقال ما ذكر «السهيلى، وأبو ذبان بكسر الذال وتشديد الباء مع فتح كنية لعبد الملك بن مروان، وقد كنى بها لشدة يخره، وموت الذبان إذا دنت من فيه (ص 79 الاشتقاق لابن دريد وتعليقاته للأستاذ عبد السلام هارون» (3) عن قصة عتبة روى عبد ابن حميد فى مسنده عن ابن أبى شيبة بسنده عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ جابر وأبو يعلى أيضا بسنده عن جابر: (اجتمعت قريش يوما، فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذى قد فرق جماعتنا، وشئت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعه، فقالوا: أنت يا أبا الوليد، فأتاه عتبة، فقال: يا محمد أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله «ص» فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله «ص» فقال: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك، فقد عبدوا الالهة التب عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم، فتكلم حتى نسمع قولك، وإنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك، فرقت جماعتنا، وشتت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا فى العرب حتى لقد طار فيهم أن فى قريش ساحرا وأن فى قريش كاهنا، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى. أيها الرجل، إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا، وأخذا، وإن كان إنما بك من الباءة، فاختر أى نساء قريش شئت، فلنزوجك عشرا، فقال رسول الله «ص» فرغت؟ قال: نعم، فقرأ رسول الله «ص» من أول سورة فصلت إلى قوله سبحانه: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ: أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) فقال عتبة: حسبك حسبك ما عندك غير هذا؟ فقال رسول الله «ص» لا. فرجع إلى قريش، قالوا: ما وراءك. قال: ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمون به إلا كلمته قالوا: فهل أجابك؟ قال: نعم والذى نصبها بنية ما فهمت شيئا مما قاله، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. قالوا: ويلك يكلمك الرجل بالعريبة لا تدرى ما قال؟! قال: لا والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة» وقد ساقه البغوى بسنده عن محمد بن فضيل عن الأجلح وهو ابن عبد الله الكندى الكوفى، وقد ضعف بعض الشىء عن الزبال بن حرملة عن جابر، فذكر الحديث إلى قوله «فإن أعرضوا» فأمسك عتبة على فيه، وناشده بالرحم، ورجع إلى أهله، ولم يخرج إلى قريش، واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد، وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إسْلَامُ حَمْزَةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ إسْلَامَ حَمْزَةَ «1» ، وَأُمّهُ: هَالَةُ بِنْتُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَأُهَيْبُ: عَمّ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ تَزَوّجَهَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ، وَتَزَوّجَ ابْنُهُ عَبْدِ اللهِ آمِنَةَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَوَلَدَتْ هَالَةُ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ حَمْزَةَ. وَوَلَدَتْ آمِنَةُ لِعَبْدِ اللهِ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ أَرْضَعَتْهُمَا ثُوَيْبَةُ «2» كما تقدم، وزاد غير

_ - أصابته، فانطلقوا بنا إليه، فانطلقوا إليه، فقال أبو جهل: يا عتبة ما حسبك عنا إلا أنك صبأت إلى محمد، وأعجبك طعامه، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب عتبة، وأقسم ألا يكلم محمدا أبدا. وقال: والله لقد علمتم أنى من أكثر قريش مالا، ولكنى أتيته، وقصصت عليه القصة، فأجابنى بشىء والله ما هو بشعر، ولا كهانة، ولا سحر. وقرأ السورة إلى قوله تعالى: (فإن أعرضوا..) فأمسكت بفيه، وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخشيت أن ينزل بكم العذاب» وسياق ابن إسحاق أشبه. (1) حمزة هو أخو النبى «ص» من الرضاعة أرضعتهما- كما سيذكر السهيلى- ثويبة مولاة أبى لهب، وقد ثبت هذا فى الصحيحين. وقد أسلم حمزة فى الثانية أو الثالثة- كما فى الإصابة والاستيعاب- أو فى السادسة كما ذكر ابن الجوزى. (2) فى الإصابة أنه ولد قبل النبى بأربع، ولا يشكل هذا مع حديث الأخوة من الرضاعة إذ يمكن القول بأنها أرضعتهما فى زمنين مختلفين. وكنيته: أبو عمارة بابن له من امرأة من بنى النجار، وقيل: هى بنت له، وقيل: كنيته أبو يعلى الذى قيل إنه لم يعش له ولد سواه. وفى ابن هشام أن التى كلمته هى مولاة عبد الله بن جدعان. وعند غيره أن صفية أخته هى التى كلمته. ولا منافاة فعند ابن أبى حاتم: أخبرته امرأتان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابْنِ إسْحَاقَ فِي إسْلَامِ حَمْزَةَ أَنّهُ قَالَ: لَمّا احْتَمَلَنِي الْغَضَبُ، وَقُلْت: أَنَا عَلَى قَوْلِهِ، أَدْرَكَنِي النّدَمُ عَلَى فِرَاقِ دِينِ آبَائِي وَقَوْمِي، وَبِتّ مِنْ الشّكّ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ لَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمِ، ثُمّ أَتَيْت الْكَعْبَةَ، وَتَضَرّعْت إلَى اللهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَشْرَحَ صَدْرِي لِلْحَقّ، وَيُذْهِبَ عَنّي الرّيْبَ «1» فَمَا اسْتَتْمَمْتُ دُعَائِي حَتّى زَاحَ عَنّي الْبَاطِلُ، وَامْتَلَأَ قَلْبِي يَقِينًا- أَوْ كَمَا قَالَ- فَغَدَوْت إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِي، فَدَعَا لِي بِأَنْ يُثَبّتَنِي اللهُ، وَقَالَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حِينَ أَسْلَمَ: حَمِدْت اللهَ حِينَ هَدَى فُؤَادِي ... إلَى الْإِسْلَامِ وَالدّينِ الْحَنِيفِ الدّينُ جَاءَ مِنْ رَبّ عَزِيزٍ ... خَبِيرٍ بِالْعِبَادِ بِهِمْ لَطِيفِ إذَا تُلِيَتْ رَسَائِلُهُ عَلَيْنَا ... تَحَدّرَ دَمْعُ ذِي اللّبّ الْحَصِيفِ رَسَائِلُ جَاءَ أَحْمَدُ مِنْ هُدَاهَا ... بِآيَاتِ مُبَيّنَةِ الْحُرُوفِ وَأَحْمَدُ مُصْطَفًى فِينَا «2» مُطَاعٌ ... فَلَا تَغْشَوْهُ بِالْقَوْلِ الْعَنِيفِ فَلَا وَاَللهِ نُسْلِمُهُ لِقَوْمِ ... وَلَمّا نَقْضِ فِيهِمْ بِالسّيُوفِ وَنَتْرُكْ مِنْهُمْ قَتْلَى بِقَاعٍ ... عَلَيْهَا الطّيْرُ كَالْوِرْدِ العكوف

_ (1) وعند يونس بن بكير عن ابن إسحاق أنه قال لنفسه بعد رجوعه من شج أبى جهل: أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابىء، وتركت دين آبائك. للموت خير لك مما صنعت. ثم قال: اللهم إن كان هذا رشدا، فاجعل تصديقه فى قلبى، وإلا فاجعل لى مما وقعت فيه مخرجا. ثم غدا إلى رسول الله يطلب نصيحته، فوعظه حتى ثبت إيمانه. (2) فى الأصل: فينا مصطفى وهو خطأ بكسر البيت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ خُبّرْت مَا صَنَعَتْ ثَقِيفٌ ... بِهِ، فَجَزَى الْقَبَائِلَ مِنْ ثَقِيفِ إلَهُ النّاسِ شَرّ جَزَاءِ قَوْمٍ ... وَلَا أَسْقَاهُمْ صَوْبَ الْخَرِيفِ طَلَبُ الْآيَاتِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَا سَأَلَهُ قَوْمُهُ مِنْ الْآيَاتِ وَإِزَالَةِ الْجِبَالِ عَنْهُمْ، وَإِنْزَالِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، جَهْلًا مِنْهُمْ بِحِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى فِي امْتِحَانِهِ الْخَلْقَ، وَتَعَبّدِهِمْ بِتَصْدِيقِ الرّسُلِ، وَأَنْ يَكُونَ إيمَانُهُمْ عَنْ نَظَرٍ وَفِكْرٍ فِي الْأَدِلّةِ، فَيَقَعُ الثّوَابُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ، وَحَصَلَ لَهُمْ الْعِلْمُ الضّرُورِيّ، بَطَلَتْ الْحِكْمَةُ الّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَكُونُ الثّوَابُ وَالْعِقَابُ، إذْ لَا يُؤْجَرُ الْإِنْسَانُ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ، كَمَا لَا يُؤْجَرُ عَلَى مَا خُلِقَ فِيهِ مِنْ لَوْنٍ وَشَعْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنّمَا أَعْطَاهُمْ مِنْ الدّلِيلِ مَا يَقْتَضِي النّظَرُ فِيهِ الْعِلْمَ الْكَسْبِيّ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلّا بِفِعْلِ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ، وَهُوَ النّظَرُ فِي الدّلِيلِ، وَفِي وَجْهِ دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِ الرّسُولِ، وَإِلّا فَقَدْ كَانَ قَادِرًا سُبْحَانَهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِكَلَامِ يَسْمَعُونَهُ، وَيُغْنِيَهُمْ عَنْ إرْسَالِ الرّسُلِ إلَيْهِمْ، وَلَكِنّهُ سُبْحَانَهُ قَسّمَ الْأَمْرَ بَيْنَ الدّارَيْنِ، فَجَعَلَ الْأَمْرَ يَعْلَمُ فِي الدّنْيَا بِنَظَرِ وَاسْتِدْلَالٍ وَتَفَكّرٍ وَاعْتِبَارٍ؛ لِأَنّهَا دَارُ تَعَبّدٍ وَاخْتِبَارٍ، وَجَعَلَ الْأَمْرَ يُعْلَمُ فِي الْآخِرَةِ بِمُعَايَنَةِ وَاضْطِرَارٍ، لَا يُسْتَحَقّ بِهِ ثَوَابٌ وَلَا جَزَاءٌ، وَإِنّمَا يَكُونُ الْجَزَاءُ فِيهَا عَلَى مَا سَبَقَ فِي الدّارِ الْأُولَى، حِكْمَةً دَبّرَهَا، وَقَضِيّةً أَحْكَمَهَا، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ الْإِسْرَاءِ: 59. يُرِيدُ- فِيمَا قَالَ أَهْلُ التّأْوِيلِ- إنّ التّكْذِيبَ بِالْآيَاتِ نَحْوَ مَا سَأَلُوهُ مِنْ إزَالَةِ الْجِبَالِ عَنْهُمْ وَإِنْزَالِ الْمَلَائِكَةِ يُوجِبُ فِي حُكْمِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهِ، أَلّا يُلَبّثَ الْكَافِرِينَ بِهَا، وَأَنْ يُعَاجِلَهُمْ بِالنّقْمَةِ، كَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ صَالِحٍ وَبِآلِ فِرْعَوْنَ، فَلَوْ أُعْطِيَتْ قُرَيْشٌ مَا سَأَلُوهُ مِنْ الْآيَاتِ، وَجَاءَهُمْ بِمَا اقْتَرَحُوا ثُمّ كَذّبُوا لَمْ يَلْبَثُوا، وَلَكِنّ اللهَ أَكْرَمَ مُحَمّدًا فِي الْأُمّةِ الّتِي أَرْسَلَهُ إلَيْهِمْ؛ إذْ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنْ يُكَذّبَ بِهِ مَنْ يُكَذّبُ، وَيُصَدّقَ بِهِ مَنْ يُصَدّقُ، وَابْتَعَثَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ بَرّ «1» وَفَاجِرٍ، أَمّا الْبَرّ فَرَحْمَتُهُ إيّاهُمْ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَمّا الْفَاجِرُ، فَإِنّهُمْ أَمِنُوا مِنْ الْخَسْفِ وَالْغَرَقِ وَإِرْسَالِ حَاصِبٍ عَلَيْهِمْ مِنْ السّمَاءِ. كَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ الْأَنْبِيَاءِ: 107 مَعَ أَنّهُمْ لَمْ يسئلوا مَا سَأَلُوا مِنْ الْآيَاتِ إلّا تَعَنّتًا وَاسْتِهْزَاءً، لَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِرْشَادِ، وَدَفْعِ الشّكّ، فَقَدْ كَانُوا رَأَوْا مِنْ دَلَائِلِ النّبُوّةِ مَا فِيهِ شِفَاءٌ لِمَنْ أَنْصَفَ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ الْعَنْكَبُوتِ 51 الْآيَةَ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قِيلَ: لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيّنَةٌ ... كَانَتْ بَدَاهَتُهُ تُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ أَنّهُمْ سَأَلُوا أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ الصّفَا

_ (1) يقول ابن كثير عن مجلس المشركين وسؤالهم ما سألوا: «وهذا المجلس الذى اجتمع هؤلاء له، لو علم الله منهم أنهم إنما يسألون ذلك استرشادا لأجيبوا إليه، ولكن علم أنهم إنما يطلبون ذلك كفرا وعنادا فقيل لرسول الله «ص» : إن شئت أعطيناهم ما سألوا، فإن كفروا عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة. فقال: بل تفتح عليهم باب التوبة والرحمة» وختام كلام ابن كثير ورد فى حديث رواه أحمد عن ابن عباس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَهَبًا، فَهَمّ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَدْعُوَ اللهَ لَهُمْ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا شِئْتُمْ إنْ شِئْتُمْ فَعَلْت مَا سَأَلْتُمْ، ثُمّ لَا نُلْبِثُكُمْ إنْ كَذّبْتُمْ بَعْدَ مُعَايَنَةِ الْآيَةِ، فَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا بِهَا «1» . عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ لَهُ، وَاسْمُ أَبِي أُمَيّةَ: حُذَيْفَةُ: وَاَللهِ لَا أُومِنُ بِك حَتّى تَتّخِذَ سُلّمًا «2» إلَى آخِرِ الْكَلَامِ، وَقَدْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ قَبْلَ فَتْحِ مَكّةَ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ إسْلَامِهِ. هَمّ أَبِي جَهْلٍ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ: وَذَكَرَ خَبَرَ أَبِي جَهْلٍ، وَمَا هَمّ بِهِ مِنْ إلْقَاءِ الْحَجَرِ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ سَاجِدٌ، وَقَدْ رَوَاهُ النّسَوِيّ بِإِسْنَادِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ: فَنَكَصَ أَبُو جَهْلٍ عَلَى عَقِبَيْهِ، فَقَالُوا: مَا لَك؟ فَقَالَ: إنّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ، وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لودنا لا ختطفته الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا، وَخَرّجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ «3» وَذَكَرَ النّسَوِيّ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ أبا جهل قال له:

_ (1) روى أحمد قريبا منه (2) فى ابن كثير بعد حديثه فى السيرة: حتى تأتيها: «وتأتى معك بصحيفة منشورة، ومعك أربعة: الخ» (3) وابن حنبل والنسائى وابن جرير وابن أبى حاتم، وسيأتى نص الأحاديث التى ذكرت حول هذا فى الصفحة الاتية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ألم أنهك؟ فو الله مَا بِمَكّةَ نَادٍ أَعَزّ مِنْ نَادِيّ، فَأَنْزَلَ الله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إلَى قَوْلِهِ: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ «1» الْعَلَقِ.

_ (1) روى البخارى عن ابن عباس قال: «قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلى عند الكعبة لأطأن على عنقه، فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: لئن فعل، لأخذته الملائكة» وكذا رواه الترمذى والنسائى فى تفسيرهما، وهكذا رواه ابن جرير. وروى أحمد والترمذى والنسائى وابن جرير- وهذا لفظه من طريق داود ابن أبى هند- عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلى عند المقام، فمر به أبو جهل بن هشام، فقال: يا محمد! ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده، فأغلظ له رسول الله- صلّى عليه وسلم، وانتهره، فقال: يا محمد بأى شىء تهددنى؟! أما والله إنى لأكثر هذا الوادى ناديا فأنزل الله: (فليدع ناديه، سندع الزبانية) وقال ابن عباس: لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته، وقال الترمذى: حسن صحيح. وعن أبى هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم، قال: فقال: واللات والعزى لئن رأيته يصلى كذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه فى التراب، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم- وهو يصلى ليطأ على رقبته، قال: فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقى بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال إن بينى وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لو دنا منى لاختطفته الملائكة عضوا عضوا، قال: وأنزل الله لا أدرى فى حديث أبى هريرة أم لا: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) إلى آخر السورة، رواه مسلم وابن حنبل والنسائى وابن جرير وابن أبى حاتم، وهكذا تؤكد هذه الأحاديث فرضية الصلاة قبل الإسراء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَفْسِيرُ أَرَأَيْت: قَالَ مُحَمّدُ بْنُ يَزِيدَ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، تَقْدِيرُهُ: أَرَأَيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدًا إذا صلّى، أمصيب هو أو مخطىء؟ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى الْعَلَقِ كَأَنّهُ قَالَ: أَلَيْسَ مَنْ يَنْهَاهُ بضال؟ وقوله لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ الْعَلَقِ أَيْ لَنَأْخُذَنّ بِهَا إلَى النّارِ، وَقِيلَ مَعْنَى السّفْعِ هَهُنَا: إذْلَالُهُ وَقَهْرُهُ، وَالنّادِي وَالنّدِيّ وَالْمُنْتَدَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَهُوَ: مَجْلِسُ الْقَوْمِ الّذِينَ يَتَنَادَوْنَ إلَيْهِ، وَقَالَ أَهْلُ التّفْسِيرِ فِيهِ أَقْوَالًا مُتَقَارِبَةً، قَالَ بَعْضُهُمْ: فَلْيَدْعُ حَيّهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَشِيرَتَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَجْلِسَهُ، وَفِي أَرَأَيْت مَعْنَى: أَخْبِرْنِي، وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يَجُزْ إلْغَاؤُهَا، كَمَا تُلْغَى: عَلِمْت إذَا قُلْت: عَلِمْت أَزَيْدٌ عِنْدَك أَمْ عَمْرٌو، وَلَا يَجُوزُ هَذَا فِي: أَرَأَيْت، وَلَا بُدّ مِنْ النّصْبِ إذَا قُلْت: أَرَأَيْت زَيْدًا، أَبُو مَنْ هُوَ؟ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لِأَنّ دُخُولَ مَعْنَى أَخْبِرْنِي فِيهَا لَا يَجْعَلُهَا بِمَنْزِلَةِ: أَخْبِرْنِي فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا، قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْضِي بِخِلَافِ مَا قَالَ سِيبَوَيْهِ إلّا بَعْدَ الْبَيَانِ، وَذَلِكَ أَنّهَا فِي الْقُرْآنِ مُلْغَاةٌ؛ لِأَنّ الِاسْتِفْهَامَ هُوَ مَطْلُوبُهَا، وَعَلَيْهِ وَقَعَتْ فِي قَوْلِهِ: أَرَأَيْتَ، إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، أَلَمْ يَعْلَمْ الْعَلَقِ: فَقَوْلُهُ: ألم يعلم: استفهام، وعليه وقعت: أرأيت، وكذلك: أرأيتم، وأ رأيتكم فِي الْأَنْعَامِ، فَإِنّ الِاسْتِفْهَامَ وَاقِعٌ بَعْدَهَا نَحْوَ: هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ الْأَنْعَامِ: 47. وَهَذَا هُوَ الّذِي مَنَعَ سِيبَوَيْهِ فِي: أَرَأَيْت وَأَرَأَيْتُكَ أَبُو مَنْ أَنْتَ؟ وَأَمّا الْبَيَانُ فَاَلّذِي قَالَهُ سِيبَوَيْهِ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ إذَا وَلّى الِاسْتِفْهَامَ: أَرَأَيْت، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَفْعُولٌ سِوَى الْجُمْلَةِ، وَأَمّا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الّتِي فِي التّنْزِيلِ، فَلَيْسَتْ الْجُمْلَةُ الْمُسْتَفْهَمُ عَنْهَا هِيَ مَفْعُولُ: أَرَأَيْت، إنّمَا مَفْعُولُهَا مَحْذُوفٌ يَدُلّ عَلَيْهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشّرْطُ، وَلَا بُدّ مِنْ الشّرْطِ بَعْدَهَا فِي هَذِهِ الصّوَرِ؛ لِأَنّ الْمَعْنَى: أَرَأَيْتُمْ صَنِيعَكُمْ إنْ كَانَ كَذَا، وَكَذَا، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: أَرَأَيْت إنْ لَقِيت الْعَدُوّ أَتُقَاتِلُهُ أَمْ لَا؟ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: أَرَأَيْت رَأْيَك أَوْ صَنِيعَك إنْ لَقِيت الْعَدُوّ فَحَرْفُ الشّرْطِ، وَهُوَ: إنْ دَالّ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ، وَمُرْتَبِطٌ بِهِ، وَالْجُمْلَةُ الْمُسْتَفْهَمُ عَنْهَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ مُنْقَطِعٌ، إلّا أَنّ فِيهِ زِيَادَةَ بَيَانٍ لِمَا يُسْتَفْهَمُ عَنْهُ، وَلَوْ زَالَ الشّرْطُ، وَوَلِيَهَا الِاسْتِفْهَامُ لَقَبُحَ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ، وَيَحْسُنُ فِي: عَلِمْت، وَهَلْ عَلِمْت وَهَلْ رَأَيْت، وَإِنّمَا قُبْحُهُ مَعَ أَرَأَيْت خَاصّةً، وَهِيَ الّتِي دَخَلَهَا مَعْنَى: أَخْبِرْنِي فَتَدَبّرْهُ. الْأَسَاطِيرُ وَشَيْءٌ عَنْ الْفُرْسِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَمَا نَزَلَ فِيهِ مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: قالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ وَاحِدُ الْأَسَاطِيرِ: أُسْطُورَةٌ كَأُحْدُوثَةِ وَأَحَادِيثَ، وَهُوَ مَا سَطّرَهُ الْأَوّلُونَ، وَقِيلَ: أَسَاطِيرُ: جَمْعُ أَسْطَارٍ، وَأَسْطَارُ جَمْعٍ: سَطَرٍ بِفَتْحِ الطّاءِ، وَأَمّا سَطْرٌ بِسُكُونِ الطّاءِ، فَجَمْعُهُ: أَسْطُرٌ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ: أَسَاطِرُ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَذَكَرَ أَنّ النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ كَانَ يحدّث قريشا بأحاديث رستم وأسقندياذ، وَمَا تَعَلّمَ فِي بِلَادِ الْفُرْسِ مِنْ أَخْبَارِهِمْ، وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قوله، وقد قيل فيه نزلت: وَمَنْ قالَ: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ الْأَنْعَامِ: 93. وَأَمّا أَحَادِيثُ رُسْتُمَ، فَفِي تَارِيخِ الطّبَرِيّ أَنّ رُسْتُمَ بْنَ رِيسَانِ «1» كَانَ يُحَارِبُ كَيْ يستاسب بْنِ كى لهراسب، بعد ما قَتَلَ أَبَاهُ لطراسب ابْنِ كَيْ أَجَوّ. وَكَيْ

_ (1) فى الطبرى ص 504 ج 1 «رستم الشديد بن دستان بن بريمان»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي أَوَائِلِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ الْبَهَاءِ، وَيُقَالُ: عِبَارَةٌ عَنْ إدْرَاكِ الثّأْرِ، وَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ: الْكِينِيّةُ مِنْ أَجْلِ هَذَا، وَكَانَ رُسْتُمُ الّذِي يُقَالُ لَهُ: رُسْتُمُ سَيّدُ بَنِي رِيسَانِ مِنْ مُلُوكِ التّرْكِ، وَكَانَ كَيْ يستاسب قَدْ غَضِبَ عَلَى ابْنِهِ، فَسَجَنَهُ حَسَدًا لَهُ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ وَقَائِعِهِ فِي التّرْكِ، حَتّى صَارَ الذّكْرُ لَهُ، فَعِنْدَهَا ظَهَرَتْ التّرْكُ عَلَى بِلَادِ فَارِسَ، وَسَبَوْا بِنْتَيْنِ: ليستاسب، اسْمُ إحْدَاهُمَا: خَمّانَة، أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَلَمّا رَأَى يستاسب أَلّا يَدِينَ لَهُ بِقِتَالِهِمْ أَطْلَقَ ابْنَهُ مِنْ السّجْنِ، وَهُوَ إسفندياذ، وَرَضِيَ عَنْهُ وَوَلّاهُ أَمْرَ الْجُيُوشِ، فَنَهَدَ إلَى رُسْتُمَ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا مَلَاحِمُ يَطُولُ ذِكْرُهَا، لَكِنّهُ قَتَلَ رُسْتُمَ، وَاسْتَبَاحَ عَسَاكِرَهُ، وَدَوّخَ فِي بِلَادِ التّرْكِ، وَاسْتَخْرَجَ أُخْتَيْهِ مِنْ أَيْدِيهِمْ، ثُمّ مَاتَ إسفندياذ قَبْلَ أَبِيهِ، وَكَانَ مُلْكُ أَبِيهِ نَحْوًا مِنْ مِائَةِ عَامٍ، ثُمّ عَهِدَ إلَى بهمن بْنِ إسفندياذ، فَوَلّاهُ الْأَمْرَ بَعْدَ مَوْتِهِ وبهمن بِلُغَتِهِمْ: الْحَسَنُ النّيّةُ، وَدَامَ مُلْكُهُ نَيّفًا عَلَى مِائَةِ عَامٍ، وَكَانَ لَهُ ابْنَانِ: سَاسَانِ وَدَارَا، وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ سَاسَانِ وَبَنِيهِ، وَهُمْ السّاسَانِيّةُ الّذِينَ قَامَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامُ، وَرُسْتُمُ آخِرُ مَذْكُورٍ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا فِي أَحَادِيثِ كَيْ قباذ، وَكَانَ قَبْلَ عَهْدِ سُلَيْمَانَ، ثُمّ كَانَ رُسْتُمُ وَزِيرًا بَعْدَ كَيْ قباذ لِابْنِهِ كَيْ قاووس، وَكَانَتْ الْجِنّ قَدْ سُخّرَتْ لَهُ. يُقَالُ إنّ سُلَيْمَانَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، فَبَلَغَ مُلْكُهُ مِنْ الْعَجَائِبِ مَا لَا يَكَادُ أَنْ يُصَدّقَهُ ذَوُو الْعُقُولِ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمُعْتَادِ لَكِنّ مُحَمّدَ بْنَ جرير الطبرى ذكر منها أخبارا عجيبة «1» .

_ (1) إنما سخر الجن بأمر الله لسليمان، لا بأمر سليمان. وانظر ما قصه السهيلى فى الطبرى ج 1 من ص 504 ط المعارف، وفيه: سياوخش بدلا من شاوخش، وفيه بعض ما يخالف ما هنا، ففى ص 564 ج 1 يذكر الطبرى أن-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ أَنّهُ هَمّ بِمَا هَمّ بِهِ نمروذ مِنْ الصّعُودِ إلَى السّمَاءِ، فَطَرَحَتْهُ الرّيحُ، وَضَعْضَعَتْ أَرْكَانَهُ، وَهَدَمَتْ بُنْيَانَهُ «1» ، ثُمّ ثَابَ إلَيْهِ بَعْضُ جُنُودِهِ، فَصَارَ كَسَائِرِ الْمُلُوكِ يَغْلِبُ تَارَةً، وَيُغْلَبُ بِخِلَافِ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَسَارَ بِجُنُودِهِ إلَى الْيَمَنِ فَنَهَدَ إلَيْهِ عَمْرُو ذُو الْأَذْعَارِ، فَهَزَمَهُ عَمْرٌو، وَأَخَذَهُ أَسِيرًا، وَحَبَسَهُ فِي مَحْبِسٍ حَتّى جَاءَ رُسْتُمُ، وَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِهِ، فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ عَمْرٍو، إمّا بِطَوْعِ، وَإِمّا بِإِكْرَاهِ، وَرَدّهُ إلَى بِلَادِ فَارِسَ. وَلِابْنِهِ شاوخش مَعَ قراسيات مَلِكِ التّرْكِ خَبَرٌ عَجِيبٌ، وَكَانَ رُسْتُمُ هُوَ الْقَيّمُ عَلَى شاوخش وَالْكَافِلُ لَهُ فِي صِغَرِهِ، وَكَانَ آخِرُ أَمْرِ شاوخش بَعْدُ عَجَائِبَ أَنْ قَتَلَهُ قراسيات، وَقَامَ ابْنُهُ كَيْ خُسْرُو يَطْلُبُ بِثَأْرِهِ، فَدَارَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التّرْكِ وَقَائِعُ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، وَكَانَ الظّفَرُ لَهُ، فَلَمّا ظَفِرُوا رَأَى أَمَلَهُ فِي أَعْدَائِهِ مَا مَلَأَ عَيْنَهُ قُرّةً، وَقَلْبَهُ سُرُورًا زَهِدَ فِي الدّنْيَا، وَأَرَادَ السّيَاحَةَ فِي الْأَرْضِ، فَتَعَاتّ بِهِ أَبْنَاءُ فَارِسَ، وَحَذّرَتْهُ مِنْ شَتَاتِ الشّمْلِ بَعْدَهُ، وَشَمَاتَةِ الْعَدُوّ، فَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ: كَيْ لهراسب، بْنِ كَيْ اجو، بْنِ كَيْ كِينَةَ، بْنِ كَيْ قاووس الْمُتَقَدّمُ ذِكْرُهُ «2» ، وَلَا أَدْرِي: هَلْ رُسْتُمُ الّذِي قَتَلَهُ أسفندياذ هو رستم

_ - مقتل اسفنديار كان على يد رستم، وأما الذى قتل رستم وأباه دستان فهو أزدشير بهمن ابن بشتاسب ص 568. (1) فى الطبرى ص 507 ج 1 ويذكر الطبرى عن كى قاوسى: «أن الله أعطاه قوة ارتفع بها، ومن معه فى الهواء، حتى انتهو إلى السحاب، ثم إن الله سلبهم تلك، القوة، فسقطوا، فهلكوا، وأفلت كى قاوس بنفسه» أكانت لديهم معرفة بغزو الفضاء؟ وقد ظهر الترك على بلاد فارس فى عهد ملك الترك خزاسف. واسم ابنة ليستنسب الأخرى: باذفراه (2) نسبه فى الطبرى هكذا: كيلهراسب بن كيوجى بن كيمنوش بن كيفارشين ابن كيبيه بن كيقباذ الأكبر ص 515، وتستطيع فصل كى عن كل اسم مما سبق،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَاحِبُ كَيْ قاووس، أَمْ غَيْرُهُ، وَالظّاهِرُ أَنّهُ لَيْسَ بِهِ، لِأَنّ مُدّةَ مَا بَيْنَ كَيْ قاووس وَكَيْ يستاسب بَعِيدَةٌ جِدّا، وَأَحْسَبُهُ كَمَا قَدّمْنَا أَنّهُ كَانَ مِنْ التّرْكِ، وَهَذَا كُلّهُ كَانَ فِي مُدّةِ الْكِينِيّةِ، وَعِنْدَ اشْتِغَالِهِمْ بِقِتَالِ الترك استعملوا بخت نصّر الْبَابِلِيّ عَلَى الْعِرَاقِ، فَكَانَ مِنْ أُمُورِهِ مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَإِثْخَانِهِ فِيهِمْ، وَهَدْمِهِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِحْرَاقِهِ لِلتّوْرَاةِ وَقَتْلِهِ لِأَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاسْتِرْقَاقِهِ لِنِسَاءِ مُلُوكِهِمْ وَلِذَرَارِيّهِمْ مَعَ عَيْشِهِ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ حِينَ جَاسَ خِلَالَ دِيَارِهِمْ، مَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ التّفَاسِيرِ، وَمَعْلُومٌ عِنْدَ أَصْحَابِ التّوَارِيخِ «1» . فَهَذِهِ جُمْلَةُ مُخْتَصَرَةٍ تَشْرَحُ لَك مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ ذِكْرِ رُسْتُمَ واسفندياذ، وكانت الكينية قبل مدة عيسى بن مَرْيَمَ، أَوّلُهُمْ فِي عَهْدِ أفريدون قَبْلَ مُوسَى عليه السلام بمثين من السنين، وآخرهم فى مدة الاسكندر

_ (1) أخبار بختنصر فى الجزء الأول من تاريخ الطبرى ص 538، وكان فى ايام لهراسب أحد ملوك الفرس، ويذكر الطبرى أن بختنصر وجد فى سجن بنى إسرائيل إرميا النبى، فسأله: ما خطبك: فأخبره أن الله بعثه إلى قومه- بنى إسرائيل؛ ليحذرهم الذى حل بهم- يعنى: من بختنصر- فكذبوه، وحبسوه؛ فقال بختنصر: يئس القوم قوم عصوا رسول ربهم. ثم أطلق سراحه، وأحسن إليه ص 538 ج 1 وفى سفر أرميا إصحاح 26 أن بنى إسرائيل هموا بقتل آرميا لأنه قال لهم: «ارجعوا كل واحد عن طريقه الردىء وعن شر أعمالكم.. ولا تسلكوا وراء آلهة أخرى لتعبدوها وتسجدوا لها» إصحاح 25، وفيه أيضا أنه حذرهم من «نبوخذ راصر» أي: بختنصر فإن الله سيسلطه عليهم إن لم يرجعوا. ويقع سفر أرميا هذا فى أكثر من ستين صفحة، وكله حول هذا. وبعده سفر آخر اسمه: مراثى أرميا، وهى منسوبة إليه فى رثاء أورشليم بعد تخريب بختنصر لها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن قَلِيسٍ «1» وَالْإِسْكَنْدَرُ هُوَ الّذِي سَلَبَ مُلْكَهُمْ، وَقَتَلَ دَارَا بْنَ دَارَا، وَهُوَ آخِرُهُمْ، ثُمّ كَانَتْ الْأَشْغَانِيّةُ مَعَ مُلُوكِ الطّوَائِفِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ عَامًا، وَقِيلَ: أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الطّبَرِيّ، وَقَوْلُ الْمَسْعُودِيّ: خَمْسِمِائَةٍ وَعَشْرِ سِنِينَ فِي خِلَالِ أمرهم بعث عيسى بن مَرْيَمَ، ثُمّ كَانَتْ السّاسَانِيّةُ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ مُلْكًا حَتّى قَامَ الْإِسْلَامُ، فَفَضّ خِدْمَتَهُمْ. وَخَضّدَ شَوْكَتَهُمْ، وَهَدَمَ هَيَاكِلَهُمْ، وَأَطْفَأَ نِيرَانَهُمْ الّتِي كَانُوا يعبدون، وذلك كله فى خلافة عمر. عَنْ سُورَتَيْ الْكَهْفِ وَالْفُرْقَانِ- سَبَبُ نُزُولِ الْكَهْفِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ إرْسَالَ قُرَيْشٍ النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إلَى يَهُودَ، وَمَا رَجَعَا بِهِ مِنْ عِنْدِهِمْ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوهُ عَنْ الْأُمُورِ الثّلَاثَةِ الّتِي قَالَتْ الْيَهُودُ: إنْ أَخْبَرَكُمْ بِهَا فَهُوَ نَبِيّ وَإِلّا فَهُوَ مُتَقَوّلٌ، فَقَالَ لَهُمْ: سَأُخْبِرُكُمْ غَدًا، وَلَمْ يَقُلْ: إنْ شَاءَ اللهُ، فَأَبْطَأَ عَنْهُ الْوَحْيُ فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا «2» ، وفى سير التّيمى وموسى بن عقبة

_ (1) يعنى اسكندر المقدونى بن فليبس. (2) جاء فى حديث روى بعضه فى كتب الصحاح ما يخالف ما ذهب إليه ابن إسحاق فى شأن إرسال النضر وعقبة، وإليك ما روى فى هذا الشأن. روى البخارى ومسلم وأحمد والترمذى وقال: إنه صحيح- عن ابن مسعود؛ «كنت أمشى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى حرث المدينة، وهو متوكىء على عسيب، فمر بقوم من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه، قال: فسألوه عن الروح، فقالوا: يا محمد: ما الروح؟ فما زال متوكئا على العسيب، قال: فظننت أنه-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنّ الْوَحْيَ إنّمَا أَبْطَأَ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ، ثُمّ جَاءَ جِبْرِيلُ بِسُورَةِ الْكَهْفِ لِمَ قَدّمَ الْحَمْدَ عَلَى الْكِتَابِ؟! وَذَكَرَ افْتِتَاحَ الرّبّ سُبْحَانَهُ بِحَمْدِ نَفْسِهِ، وَذَكَرَ نُبُوّةَ نَبِيّهِ حَمْدُهُ لِنَفْسِهِ تَعَالَى خَبَرٌ بَاطِنُهُ الْأَمْرُ وَالتّعْلِيمُ لِعَبْدِهِ كَيْفَ يَحْمَدُهُ، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَاقْتَضَتْ الْحَالُ الْوُقُوفَ عَنْ تَسْمِيَتِهِ، وَالْعِبَارَاتُ عَنْ جَلَالِهِ، لِقُصُورِ كُلّ عبارة عما هنا لك مِنْ الْجَلَالِ، وَأَوْصَافِ الْكَمَالِ، وَلَمَا كَانَ الْحَمْدُ وَاجِبًا عَلَى الْعَبْدِ قُدّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِيَقْتَرِنَ فِي اللّفْظِ بِالْحَمْدِ الّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلِيَسْتَشْعِرَ الْعَبْدُ وُجُوبَ الْحَمْدِ عَلَيْهِ، وَفِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ قَالَ: «تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ» وَبَدَأَ بِذِكْرِ الْفُرْقَانِ الّذِي هُوَ الْكِتَابُ الْمُبَارَكُ. قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ «1»

_ - يوحى إليه، فقال: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) قَالَ: فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم: لا تسألوه» وفى رواية البخارى: «فلم يرد عليهم شيئا، فعلت أنه يوحى إليه، فقمت مقامى فلما نزل الوحى، قال: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) والمشكل هنا أن سورة الإسراء: مكية وظاهر القصة يوحى بان الاية مدنية. ولو كان الأمر قاصرا على الرواية الأولى: «فظننت أنه يوحى إليه» لقلنا إن الرسول انما سكت ليتذكر الاية التى يرد بها عليهم، فظن ابن مسعود أنه يوحى إليه، إما ابن كثير فيقول: «وقد يجاب عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية، كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك، أو أنه نزل عليه الوحى بأنه يجيبهم عما سألوه بالاية المتقدم إنزالها عليه. والذى يدل على نزول هذه الاية بمكة ما رواه أحمد أن قريشا قالت ليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل. فقالوا: سلوه عن الروح، فنزلت الاية» وإجابة ابن كثير غير مقنعة والعسيب: عصن من جريد النخلة. (1) هذا جزء من آية رقم 92 و 155 من سورة الأنعام. والذى ذكره-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُبارَكٌ فلما افتتح السورة بتبارك الّذِي، بَدَأَ بِذِكْرِ الْفُرْقَانِ، وَهُوَ الْكِتَابُ الْمُبَارَكُ، ثُمّ قَالَ: عَلَى عَبْدِهِ، فَانْظُرْ إلَى تَقْدِيمِ ذِكْرِ عَبْدِهِ عَلَى الْكِتَابِ، وَتَقْدِيمِ ذِكْرِ الْكِتَابِ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَشَاكُلِ اللّفْظِ وَالْتِئَامِ الْكَلَامِ نَرَى الْإِعْجَازَ ظَاهِرًا، وَالْحِكْمَةَ بَاهِرَةً، وَالْبُرْهَانَ وَاضِحًا: وَأَنْشَدَ لِذِي الرّمّةِ. شَرْحُ شَوَاهِدَ شِعْرِيّةٍ: كَأَنّهُ بِالضّحَى تَرْمِي الصّعِيدَ بِهِ ... دَبّابَةٌ فِي عِظَامِ الرّأْسِ خُرْطُومُ يَصِفُ وَلَدَ الظّبْيَةِ: وَالْخُرْطُومُ: مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ، أَيْ: كَأَنّهُ مِنْ نَشَاطِهِ دَبّتْ الْخَمْرُ فِي رَأْسِهِ. وَأَنْشَدَ لَهُ أَيْضًا: طَوَى النّحْزُ وَالْأَجْرَازُ. الْبَيْتَ. وَالنّحْزُ: النّخْسُ، وَالنّحَازُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ وَالنّحِيزَةُ: الْغَرِيزَةُ، وَالنّحِيزَةُ «1» : نَسِيجَةٌ كَالْحِزَامِ: وَالضّلُوعُ الْجَرَاشِعُ. هُوَ جَمْعُ جُرْشُعٍ. قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ. الْجُرْشُعُ: الْعَظِيمُ الصّدْرُ، فَمَعْنَاهُ إذًا فِي الْبَيْتِ عَلَى هَذَا: الضّلُوعُ مِنْ الْهُزَالِ قَدْ نَتَأَتْ، وَبَرَزَتْ كالصدر البارز.

_ - ابن إسحاق فى أسباب نزول «وما نتنزل إلا بأمر ربك» روى فيه الإمام أحمد بسنده عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ «ص» لجبرائيل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟! قال: فنزلت هذه الاية، انفرد بإخراجه البخارى فرواه عند تفسير هذه الاية عن أبى نعيم عن عمر بن ذربة (1) فى اللسان أيضا: النحز: الضرب والدفع والسعال عامة، والنحاز: داء يأخذ الإبل والدواب، والنحيزة: الطريق بعينه. وشىء ينسج أعرض من الحزام يخاط على طرف شقة البيت، وفى القاموس: تكون على الفساطيط والبيوت، والأجراز: جميع جرز: السنة أو الأرض المجدبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرّقِيمُ وَأَهْلُ الْكَهْفِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ الرّقِيمَ وَفِيهِ سِوَى مَا قَالَهُ أَقْوَالٌ. رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنّهُ قَالَ: الرّقِيمُ: الْكَلْبُ، وَعَنْ كَعْبٍ أَنّهُ قَالَ: هُوَ اسْمُ الْقَرْيَةِ الّتِي خَرَجُوا مِنْهَا، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ الْوَادِي وَقِيلَ: هُوَ صَخْرَةٌ، وَيُقَالُ: لَوْحٌ كُتِبَ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ وَدِينُهُمْ وَقِصّتُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كُلّ الْقُرْآنِ أَعْلَمُ إلّا الرّقِيمَ وَالْغِسْلِينَ وَحَنَانًا وَالْأَوّاهَ «1» ، وَقَدْ ذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهَا وَهِيَ: مَلِيخًا، كسليما، مرطوش ابن أَنَسٍ، أريطانس، أَيُونُسُ، شاطيطوش «2» . وَقِيلَ فِي اسْمِ مَدِينَتِهِمْ: أفوس، وَاخْتُلِفَ فِي بَقَائِهِمْ إلَى الْآنِ، فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُمْ، بَلْ صَارُوا تُرَابًا قَبْلَ مَبْعَثِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْأَخْبَارِ غَيْرَ هَذَا، وَأَنّ الْأَرْضَ لَمْ تَأْكُلْهُمْ، وَلَمْ تُغَيّرْهُمْ، وَأَنّهُمْ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ القسطنطينية، فَاَللهُ أَعْلَمُ. رُوِيَ أَنّهُمْ سيحجون البيت إذا نزل عيسى بن مَرْيَمَ. أَلْفَيْت هَذَا الْخَبَرَ فِي كِتَابِ الْبَدْءِ لِابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ «3» . إعْرَابُ أَحْصَى: وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الْكَهْفِ: 12 قَدْ أَمْلَيْنَا فِي إعْرَابِ هَذِهِ الْآيَةِ نَحْوًا مِنْ كُرّاسَةٍ، وَذَكَرْنَا مَا وَهَمَ فِيهِ الزّجّاجُ مِنْ إعْرَابِهَا؛ حَيْثُ جَعَلَ أَحْصَى اسْمًا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ،، وَأَمَدًا: تَمْيِيزٌ وَهَذَا لَا يَصِحّ؛ لِأَنّ التّمْيِيزَ هُوَ الْفَاعِلُ فِي الْمَعْنَى، فَإِذَا قُلْت: أَيّهُمْ أَعْلَمُ أَبًا، فَالْأَبُ هُوَ الْعَالِمُ، وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت أَيّهُمْ أَفْرَهُ عَبْدًا، فَالْعَبْدُ هُوَ الفاره،

_ (1) لا شك فى أنه نقل غير صحيح عن ابن عباس يراد به غرض خبيث. (2) رجم بالغيب فالسند فى معرفتها ضعيف جدا (3) الحق فيما نقل عن ابن عباس، وما قيل بعده فأساطير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ إذًا أَنْ يَكُونَ الْأَمَدُ فَاعِلًا بِالْإِحْصَاءِ، وَهَذَا مُحَالٌ، بَلْ هُوَ مَفْعُولٌ، وَأَحْصَى: فِعْلٌ مَاضٍ، وَهُوَ النّاصِبُ لَهُ، وَذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ الْإِمْلَاءِ أَنّ أَيّهمْ، قَدْ يَجُوزُ فِيهِ النّصْبُ بِمَا قَبْلَهُ إذَا جَعَلْته خَبَرًا، وَذَلِكَ عَلَى شُرُوطٍ بَيّنّاهَا هُنَالِكَ لِمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَتِهَا، أَيْ: وَمَوَاضِعَهَا، وَكَشَفْنَا أَسْرَارَهَا. عَنْ الضّرْبِ وَتَزَاوُرِ الشّمْسِ وَفَائِدَةِ الْقِصّةِ: وَقَوْلِهِ سبحانه: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أَيْ: أَنِمْنَاهُمْ، وَإِنّمَا قِيلَ فِي النّائِمِ: ضُرِبَ عَلَى أُذُنِهِ؛ لِأَنّ النّائِمَ يَنْتَبِهُ مِنْ جِهَةِ السّمْعِ، وَالضّرْبُ هُنَا مُسْتَعَارٌ مِنْ ضَرَبْت الْقُفْلَ على الباب، وذكر قوله تعالى: تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ الْآيَةَ. وَقِيلَ فِي تَقْرِضُهُمْ: تُحَاذِيهِمْ، وَقِيلَ: تَتَجَاوَزُهُمْ شيئا شيئا مِنْ الْقَرْضِ، وَهُوَ الْقَطْعُ، أَيْ: تَقْطَعُ مَا هُنَالِكَ مِنْ الْأَرْضِ، وَهَذَا كُلّهُ شَرْحُ اللّفْظِ، وَأَمّا فَائِدَةُ الْمَعْنَى، فَإِنّهُ بَيّنٌ أَنّهُمْ فِي مَقْنُوَةٍ مِنْ الْأَرْضِ، لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ الشّمْسُ، فَتُحْرِقُهُمْ، وَتُبْلِي ثِيَابَهُمْ، وَيُقَلّبُونَ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشّمَالِ. لِئَلّا تَأْكُلَهُمْ الْأَرْضُ، وَالْفَائِدَةُ الْعُظْمَى فِي هَذِهِ الصّفَةِ بَيَانُ كَيْفِيّةِ حَالِهِمْ فِي الْكَهْفِ، وَحَالِ كَلْبِهِمْ، وَأَيْنَ هُوَ مِنْ الْكَهْفِ، وَأَنّهُ بِالْوَصِيدِ مِنْهُ، وَأَنّ بَابَ الْكَهْفِ إلَى جِهَةِ الشّمَالِ لِلْحِكْمَةِ الّتِي تَقَدّمَتْ، وَأَنّ هَذَا الْبَيَانَ لَا يَكَادُ يَعْرِفُهُ مَنْ رَآهُمْ، فَإِنّ الْمُطَلّعَ عَلَيْهِمْ يُمْلَأُ مِنْهُمْ رُعْبًا، فَلَا يُمْكِنُهُ تَأَمّلُ هَذِهِ الدّقَائِقِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، وَالنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يَرَهُمْ قَطّ، وَلَا سَمِعَ بِهِمْ، وَلَا قَرَأَ كِتَابًا فِيهِ صِفَتُهُمْ؛ لِأَنّهُ أُمّيّ فِي أُمّةٍ أُمَيّةٍ، وَقَدْ جَاءَكُمْ بِبَيَانِ لَا يَأْتِي بِهِ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِمْ حَتّى إنّ كَلْبَهُمْ قَدْ ذُكِرَ، وَذُكِرَ مَوْضِعُهُ وَبَسْطُهُ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ، وهم فى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْفَجْوَةِ، وَفِي هَذَا كُلّهِ بُرْهَانٌ عَظِيمٌ عَلَى نُبُوّتِهِ، وَدَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى صِدْقِهِ، وَأَنّهُ غَيْرُ مُتَقَوّلٍ، كَمَا زَعَمُوا، فَقِفْ بِقَلْبِك عَلَى مَضْمُونِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَالْمُرَادُ بِهَا تُعْصَمْ إنْ شَاءَ اللهُ مِمّا وَقَعَتْ فِيهِ الْمُلْحِدَةُ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَقَوْلِهِمْ: أَيّ فَائِدَةٍ فِي أَنْ تَكُونَ الشّمْسُ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ، وَهَكَذَا هُوَ كُلّ بَيْتٍ يَكُونُ فِي مَقْنُوَةٍ، أَيْ: بَابُهُ لِجِهَةِ الشّمَالِ، فَنَبّهَ أَهْلُ الْمَعَانِي عَلَى الْفَائِدَةِ الْأُولَى الْمُنْبِئَةِ عَنْ لُطْفِ اللهِ بِهِمْ، حَيْثُ جَعَلَهُمْ فِي مَقْنُوَةٍ تَزَاوَرُ عنهم الشمس فلا تؤذيهم، فيقال: لِمَنْ اقْتَصَرَ مِنْ أَهْلِ التّأْوِيلِ عَلَى هَذَا: فَمَا فِي ذِكْرِ الْكَلْبِ وَبَسْطِ ذِرَاعَيْهِ مِنْ الْفَائِدَةِ، وَمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى اللّطْفِ بِهِمْ؟ فَالْجَوَابُ: مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ أَنّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَتْرُكْ مِنْ بَيَانِ حَالِهِمْ شَيْئًا، حَتّى ذَكَرَ حَالَ كَلْبِهِمْ مَعَ أَنّ تَأَمّلَهُمْ مُتَعَذّرٌ عَلَى مَنْ اطّلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ الرّعْبِ، فَكَيْفَ مَنْ لَمْ يَرَهُمْ، وَلَا سَمِعَ بِهِمْ، لَوْلَا الْوَحْيُ الّذِي جَاءَهُ مِنْ اللهِ سُبْحَانَهُ بِالْبَيَانِ الْوَاضِحِ الشّافِي، وَالْبُرْهَانِ الْكَافِي، وَالرّعْبِ الّذِي كَانَ يَلْحَقُ الْمُطَلّعَ عَلَيْهِمْ، قِيلَ: كَانَ مِمّا طَالَتْ شُعُورُهُمْ وَأَظْفَارُهُمْ. وَمِنْ الْآيَاتِ فِي هَذِهِ القصة قوله سبحانه: فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ أَيْ: فِي فَضَاءٍ، وَمَعَ أَنّهُمْ فِي فَضَاءٍ مِنْهُ، فَلَا تُصِيبُهُمْ الشّمْسُ. قَالَ ابْنُ سَلّامٍ: فهذه آية. قال: وكانوا يقلّبون فى السنة مَرّتَيْنِ «1» ، وَمِنْ فَوَائِدِ الْآيَةِ: أَنّهُ أَخْرَجَ الْكَلْبَ عَنْ التّقْلِيبِ، فَقَالَ: بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ، وَمَعَ أَنّهُ كَانَ لَا يُقَلّبُ لَمْ تَأْكُلْهُ الْأَرْضُ؛ لِأَنّ التّقْلِيبَ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْمَلَائِكَةِ بِهِمْ، وَالْمَلَائِكَةُ أَوْلِيَاءُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَالْكَلْبُ خَارِجٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ. أَلَا تَرَاهُ

_ (1) قوله: مرتين رجم بالغيب أيضا، واللفظ يفيد أكثر من مرتين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَيْفَ قَالَ: بِالْوَصِيدِ، أَيْ: بِفَنَاءِ الْغَارِ لَا دَاخِلًا مَعَهُمْ؛ لِأَنّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ «1» فَهَذِهِ فَوَائِدُ جُمّةٌ قَدْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا هَذَا الْكَلَامُ. قَالَ ابْنُ سَلّامٍ: وَإِنّمَا كَانُوا يُقَلّبُونَ فِي الرّقْدَةِ الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يُبْعَثُوا. الْمُتَنَازِعُونَ فِي أَمْرِهِمْ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ سُبْحَانَهُ: (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) الْكَهْفِ: 21 وَقَالَ: يَعْنِي أَصْحَابَ السّلْطَانِ، فَاسْتَدَلّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: لَنَتّخِذَنّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا «2» . وَذَكَرَ الطبرى أن أهل

_ (1) البخارى ومسلم والترمذى وأحمد والنسائى وابن ماجة. ولكن الله لم يذكر كلب أهل الكهف بما يفيد لعنه، وقد أباح الله فى القرآن لنا تربية الجوارح، وأكل ما صادته، يقول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى: (وما علمتم من الجوارح) : «وأحل لكم ما صدتموه بالجوارح وهى من الكلاب والفهود والصقور وأشباهها، كما هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة. وقد ثبت فى الصحيحين عن عدى بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله إنى أرسل الكلاب المعلمة، وأذكر اسم الله، فقال: إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله، فكل ما أمسك عليك قلت: وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن، ما لم يشركها كلب ليس منها، فإنك إنما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره فأصيب. قلت له: فإنى أرمى بالمعراض الصيد، فقال: إذا رميت بالمعراض فخزق فكله، وإن أصابه بعرض، فإنه وقيذ، فلا تأكله، خزق السهم وخسق: إذا أصاب الرمية ونفذ فيها. والمعراض بالكسر: سهم بلا ريش ولا نصل، وإنما يصيب بعرضه دون حده، وشاة وقيذ: قتلت بالخشب. فلعل المراد: كلب الزبنة لا كلب الصيد والحرث. (2) ذكرت مرارا أن دين رسل الله جميعا من لدن نوح إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم- هو دين الإسلام. ويقال عن أتباعهم إنهم مسلمون، والذين-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تِلْكَ الْمَدِينَةِ تَنَازَعُوا قَبْلَ مَبْعَثِهِمْ فِي الْأَجْسَادِ وَالْأَرْوَاحِ: كَيْفَ تَكُونُ إعَادَتُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: تُعَادُ الْأَجْسَادُ كَمَا كَانَتْ بِأَرْوَاحِهَا، كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ، وَقَالُوا: تُبْعَثُ الْأَرْوَاحُ دُونَ الْأَجْسَادِ، كَمَا يَقُولُهُ النّصَارَى، وَشَرِيَ بَيْنَهُمْ الشّرّ، وَاشْتَدّ الْخِلَافُ، وَاشْتَدّ عَلَى مَلِكِهِمْ مَا نَزَلَ بِقَوْمِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَبِسَ الْمُسُوحَ، وَافْتَرَشَ الرّمَادَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْبُكَاءِ وَالتّضَرّعِ إلَى اللهِ أَنْ يُرِيَهُ الْفَصْلَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَأَحْيَا اللهُ أَصْحَابَ الْكَهْفِ عِنْدَ ذَلِكَ، فَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ مَا عُرِفَ وَشُهِرَ، فَقَالَ الْمَلِكُ لِقَوْمِهِ: هَذِهِ آيَةٌ أَظْهَرَهَا اللهُ لَكُمْ لِتَتّفِقُوا، وَتَعْلَمُوا أَنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ كَمَا أَحْيَا هَؤُلَاءِ، وَأَعَادَ أَرْوَاحَهُمْ إلَى أَجْسَادِهِمْ، فَكَذَلِكَ يُعِيدُ الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا بَدَأَهُمْ، فَرَجَعَ الْكُلّ إلَى مَا قَالَهُ الْمَلِكُ، وَعَلِمُوا أَنّهُ الْحَقّ.

_ - تنازعوا فى أمر الفتية طائفتان. إحداهما: قالت ما يقوله المسلم الذى يكل الأمر إلى الله، ولا يعدو على الغيب. إذ قالت: «ابنوا عليهم بنيانا» وعللت الأمر بكلمة مؤمنة، لا تصدر إلا عن مؤمن، وهى قولهم: «ربهم أعلم بهم» وفى كل لفظة هنا إشراقة من نور الإيمان القوى بالله. أما الاخرون، فقد وصفوا بغير ما يوصف به المؤمن التقى الخاشع، إذ وصفوا بأنهم: «غلبوا على أمرهم» فهم إذا أخذوا الأمر بالقهر والغلبة دون ترو أو نزوع إلى معرفة أمر الله، أو انعطاف إلى خشوع. ثم اقترحوا مصممين على ما اقترحوا: «لنتخذن عليهم مسجدا» هكذا بالتوكيد والقهر المستعلى. ووازن بين اقتراح الأولين وهو بناء بنيان عليهم، أى: سد باب الكهف تجده عملا إسلاميا، وبين اقتراح الاخرين، وهو اتخاذ مسجد، واتخاذ المساجد على القبور أمر لعنه الله ورسوله، وهو أشمل من إقامة مسجد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْ وَاوِ الثّمَانِيَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ سبحانه وَيَقُولُونَ: سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قَدْ أَفْرَدْنَا لِلْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْوَاوِ الّتِي يسميها بعض الناس: واو الثمانية «1» بابا

_ (1) أى الواو التى تأتى بعد استيفاء سبعة أشياء، ثم تذكر قبل الثامن، وقد استشهد أصحابها بقوله سبحانه: «التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ» التوبة: 112 فقالوا: إن الواو جاءت بعد استيفاء الأوصاف السبعة. واستدلوا أيضا بقوله سبحانه: (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ، عابِداتٍ، سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) التحريم: 5 فجاءت بعد استيفاء الأوصاف السبعة. واستشهدوا بالاية التى سيتكلم عنها السهيلى: «سبعة وثامنهم» . واستشهدوا أيضا بقوله سبحانه: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً، حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها» الزمر: 3- 7. فأتى بالواو لما كانت أبواب الجنة ثمانية. وقال فى النار: «حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها» لما كانت سبعة. وقد رد الإمام اين القيم على هذا ردا طيبا. فقال عن آية التوبة باختصار: إن كل صفة لم تعطف على ما قبلها فيها كان فيه تنبيه على أنهما فى اجتماعهما كالوصف الواحد لموصوف واحد، فلم يحتج إلى عطف. فلما ذكر الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهما متلازمان مستمدان من مادة واحدة، حسن العطف ليتبين أن كل وصف منهما قائم على حدته. مطلوب تعيينه، لا يكتفى فيه حصول الوصف الاخر، بل لابد أن يظهر أمره بالمعروف بصريحه، ونهيه عن المنكر بصريحه، وأيضا فحسن العطف ههنا ما تقدم من التضاد، فلما كان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ضدين أحدهما: طلب الإيجاد، والاخر: طلب الإعدام، كانا كالنوعين المتغايرين المتضادين. وقال: عن آية التحريم: إن دخول الواو قبل أبكار متعين؛ لأن الأوصاف التى قبلها المراد اجتماعها فى النساء. وأما وصفا البكارة والثيوبة، فلا يمكن اجتماعهما، فتعين العطف؛ لأن المقصود أنه يزوجه بالنوعين: الثيبات والأبكار، وسيأتى الكلام عن آية الكهف. أما آية الزمر عن الجنة والنار، فقال: لا دلالة فى اللفظ على الثمانية حتى تدخل الواو لأجلها، بل هذا من باب حذف-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طَوِيلًا، وَاَلّذِي يَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ تَعْلَمَ: أن هذا الْوَاوَ تَدُلّ عَلَى تَصْدِيقِ الْقَائِلِينَ لِأَنّهَا عَاطِفَةٌ عَلَى كَلَامٍ مُضْمَرٍ، تَقْدِيرُهُ: نَعَمْ، وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ، وَذَلِكَ أَنّ قَائِلًا لَوْ قَالَ: إنّ زَيْدًا شَاعِرٌ، فَقُلْت لَهُ: وَفَقِيهٌ، كُنْت قَدْ صَدّقْته، كَأَنّك قُلْت: نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ، وَفَقِيهٌ أَيْضًا، وَفِي الْحَدِيثِ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أيتوضأ بما أفضلت الخمر، فَقَالَ: وَبِمَا أَفْضَلَتْ السّبَاعُ. يُرِيدُ: نَعَمْ، وَبِمَا أَفْضَلَتْ السّبَاعُ. خَرّجَهُ الدّارَقُطْنِيّ. وَفِي التّنْزِيلِ: (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، قالَ: وَمَنْ كَفَرَ) الْبَقَرَةِ: 126 هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. فَكَذَلِكَ مَا أَخْبَرَهُ عَنْهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَيَقُولُونَ: سَبْعَةٌ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: «وَثَامِنُهُمْ كلبهم» وَلَيْسَ كَذَلِكَ: سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ، وَرَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ؛ لِأَنّهُ فى موضع النعت لما

_ - الجواب لنكتة بديعة، وهى أن تفتيح أبواب النار كان حال موافاة أهلها، ففتحت فى وجوههم؛ لأنه أبلغ فى مفاجأة المكروه، وأما الجنة فلما كانت ذات الكرامة، وهى مائدة الله، وكان الكريم إذا دعا أضيافه إلى داره، شرع لهم أبوابها، ثم استدعاهم إليها مفتحة الأبواب، أتى بالواو العاطفة هكذا، الد الة على أنهم جاؤها بعد ما فتحت أبوابها، وحذف الجواب تفخيما لشأنه، وتعظيما لقدره كعادتهم فى حذف الأجوبة» ويقول عن دعوى واو الثمانية فى مسألة أبواب الجنة فى مكان آخر: «إن هذا لو صح، فإنما يكون إذا كانت الثمانية منسوقة فى اللفظ واحدا بعد واحد، فينتهون إلى السبعة، ثم يستأنفون العدد من الثمانية بالواو، وهنا لا ذكر للفظ الثمانية فى الاية ولا عدها» انظر ص 52 وما بعدها ج 3 بدائع الفرائد وص 174 ج 2 من نفس الكتاب وفيه قال: «على أن فى كون الواو تجىء للثمانية كلاما آخر قد ذكرناه فى الفتح المكى، وبينا المواضع التى ادعى فيها أن الواو للثمانية، وأين يمكن دعوى ذلك، وأين يستحيل» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَبْلَهُ، فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (رَجْمًا بِالْغَيْبِ) وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْقِصّةِ «1» . آيَةُ الِاسْتِثْنَاءِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ) وَفَسّرَهُ، فَقَالَ: أَيْ اسْتَثْنِ شِيئَةَ اللهِ. الشّيئَةُ: مَصْدَرُ شَاءَ يَشَاءُ، كَمَا أَنّ الْخِيفَةَ مَصْدَرُ خَافَ يَخَافُ، وَلَكِنّ هَذَا التّفْسِيرَ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحَ الْمَعْنَى، فَلَفْظُ الْآيَةِ مشكل جدّا؛ لأن قوله: (لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) الْكَهْفِ: 23 نَهَى عَنْ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْكَلَامَ، وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ أَنْ يَصِلَهُ بِإِلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ، فَيَكُونُ الْعَبْدُ الْمَنْهِيّ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ مَنْهِيّا أَيْضًا عَنْ أَنْ يَصِلَهُ بِقَوْلِهِ إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ. هَذَا مُحَالٌ: فَقَوْلُهُ إذًا: إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ اللهِ، رَاجِعٌ إلَى أَوّلِ الْكَلَامِ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا تَأَمّلْته نَقْضٌ لِعَزِيمَةِ النّهْيِ، وَإِبْطَالٌ لِحُكْمِهِ، فَإِنّ السّيّدَ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: لَا تَقُمْ إلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ أَنْ تَقُومَ، فَقَدْ حَلّ عُقْدَةَ النّهْيِ؛ لِأَنّ مَشِيئَةَ اللهِ لِلْفِعْلِ لَا تُعْلَمُ إلّا بِالْفِعْلِ، فَلِلْعَبْدِ إذًا أَنْ يَقُومَ، وَيَقُولَ: قَدْ شَاءَ اللهُ أَنْ نَقُومَ، فَلَا يَكُونُ لِلنّهْيِ مَعْنًى عَلَى هَذَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ رَدّ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى النّهْيِ، وَلَا هو من

_ (1) يقول الإمام ابن القيم عن كلام السهيلى هذا «واستنباطه حسن، غير أنه إنما يفيد «يعنى أن الواو تقتضى تقرير الجملة الأولى» اذا كان المعطوف بالواو ليس داخلا فى جملة قولهم: بل يكون قد حكى سبحانه أنهم قالوا: سبعة، ثم أخبر تعالى أن ثامنهم الكلب، فحينئذ يكون ذلك تقريرا لما قالوه، وإخبارا بكون الكلب ثامنا، وأما إذا كان الإخبار عن الكلب من جملة قولهم، وأنهم قالوا هذا، وهذا، لم يظهر ما قاله، ولا تقتضى الواو فى ذلك تقريرا ولا تصديقا فتأمله «ص 176 ج 2 بدائع الفوائد وانظر أيضا ج 3 ص 54.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْكَلَامِ الّذِي نَهَى الْعَبْدَ عَنْهُ، فَقَدْ تَبَيّنَ إشْكَالُهُ، وَالْجَوَابُ: أَنّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا وَإِضْمَارًا تَقْدِيرُهُ: وَلَا تَقُولَن: إنّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلّا ذَاكِرًا إلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ، أَوْ نَاطِقًا بِأَنْ يَشَاءَ اللهُ، وَمَعْنَاهُ: إلّا ذَاكِرًا شِيئَةَ اللهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ؛ لِأَنّ الشّيئَةَ مَصْدَرٌ، وَأَنْ مَعَ الْفِعْلِ، فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ، وَإِعْرَابُ ذَلِكَ الْمَصْدَرِ مَفْعُولٌ بِالْقَوْلِ الْمُضْمَرِ، وَالْعَرَبُ تَحْذِفُ الْقَوْلَ، وَتَكْتَفِي بِالْمَقُولِ فَفِي التّنْزِيلِ: (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) آلِ عِمْرَانَ: 106 أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ: أَكَفَرْتُمْ، فَحُذِفَ الْقَوْلُ، وَبَقِيَ الْكَلَامُ الْمَقُولُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ الرّعْدِ: 24 أَيْ يَقُولُونَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَكَذَلِكَ إذًا قَوْلُهُ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هِيَ مِنْ كَلَامِ النّاهِي لَهُ سُبْحَانَهُ، ثُمّ أَضْمَرَ الْقَوْلَ، وَهُوَ الذّكْرُ الّذِي قَدّمْنَاهُ، وَبَقِيَ الْمَقُولُ، وَهُوَ: أَنْ يَشَاءَ اللهُ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْآيَةِ مِنْ الْبَسْطِ وَالتّفْتِيشِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. ولبثوا فى كهفهم: فصل: وقد فسر قوله تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ فَقَالَ: مَعْنَاهُ أَيْ: سَيَقُولُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَحَدُ التّأْوِيلَاتِ فِيهَا. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَرَأَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَقَالُوا: لَبِثُوا، بِزِيَادَةِ قَالُوا. ثُمّ قَالَ ابن إسحق: قُلْ: رَبّي أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ الْمُؤَلّفِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنّمَا التّلَاوَةُ: قُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا «1»

_ (1) فى النسخة التى معى: هى كما فى المصحف. وتأويل ابن هشام قوله تعالى: «وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ» تأويل رائع، إذ يجعل هذا القول من قول أهل الكتاب، وبهذا يستقيم ضمنا للاية. ويتفق هذا مع ما بعده، وهو قوله سبحانه: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ قِيلَ: إنّهُ إخْبَارٌ مِنْ اللهِ تَعَالَى عَنْ مِقْدَارِ لُبْثِهِمْ، وَلَكِنْ لَمّا عَلِمَ اسْتِبْعَادَ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفّارِ لِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَعَلِمَ أَنّ فِيهِ تَنَازُعًا بَيْنَ النّاسِ، فَمِنْ ثَمّ قَالَ: قُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وَقَوْلِهِ: ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ، وَازْدَادُوا تِسْعاً أَيْ: إنّهَا ثَلَاثُمِائَةٍ بِحِسَابِ الْعَجَمِ، وَإِنْ حُسِبَتْ الْأَهِلّةُ، فَقَدْ زَادَ الْعَدَدُ تِسْعًا، لِأَنّ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ بِحِسَابِ الشّمْسِ تَزِيدُ تِسْعَ سِنِينَ بِحِسَابِ الْقَمَرِ «1» فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ قَالَ ثَلَاثِمِائَةٍ سِنِينَ، وَلَمْ يَقُلْ: سَنَةً، وَهُوَ قِيَاسُ الْعَدَدِ فِي الْعَرَبِيّةِ «2» ، لِأَنّ الْمِائَةَ تُضَافُ إلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ، فَالْجَوَابُ أَنّ سِنِينَ فِي الْآيَةِ بَدَلٌ مِمّا قَبْلَهُ، لَيْسَ عَلَى حَدّ الْإِضَافَةِ وَلَا التّمْيِيزِ، وَلِحِكْمَةِ عَظِيمَةٍ عُدِلَ بِاللّفْظِ عَنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْبَدَلِ، وَذَلِكَ أَنّهُ لَوْ قَالَ: ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ، لَكَانَ الْكَلَامُ كَأَنّهُ جَوَابٌ لِطَائِفَةِ وَاحِدَةٍ مِنْ النّاسِ، وَالنّاسُ فِيهِمْ طَائِفَتَانِ: طَائِفَةٌ عَرَفُوا طُولَ لُبْثِهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا كَمّيّةَ السّنِينَ، فَعَرّفَهُمْ أَنّهَا ثَلَاثُمِائَةٍ، وَطَائِفَةٌ لَمْ يَعْرِفُوا طُولَ لُبْثِهِمْ، وَلَا شَيْئًا مِنْ خَبَرِهِمْ، فَلَمّا قَالَ: ثَلَاثَمِائَةِ مُعَرّفًا لِلْأَوّلِينَ بِالْكَمّيّةِ الّتِي شَكّوا فِيهَا، مُبَيّنًا لِلْآخَرِينَ أَنّ هَذِهِ الثّلَاثَمِائَةِ سُنُونَ، وَلَيْسَتْ أَيّامًا وَلَا شهورا، فانتظم البيان للطائفتين

_ - اذ لو كان: «ولبثوا» من كلام الله نفسه ما كان لقوله: قل الله أعلم معنى. وقراءة ابن مسعود قراءة شاذة ورواية قتادة لها منقطعة. (1) بل تزيد عن هذا. وهذا تأويل لا يليق بكتاب الله، ولا بكلام الله إنما يضطرون إليه، لأنهم يرون أن قوله تعالى: «وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ» هو من قول الله نفسه، وليس قولا يقصه الله عن غيره، وليس فى الاية ما يشير مطلقا إلى هذا التأويل، (2) وقد أعرب سنين بدلا؛ لأن تمييز العدد مائة وما بعدها يكون مفردا مجرورا بالإضافة كقوله تعالى. فأماته الله مائة عام ثم بعثه، وكقوله: «كألف سنه مما تعدون» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ ذِكْرِ الْعَدَدِ، وَجَمْعِ الْمَعْدُودِ، وَتَبَيّنَ أَنّهُ بَدَلٌ؛ إذْ الْبَدَلُ يُرَادُ بِهِ: تَبْيِينُ مَا قَبْلَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنّ الْيَهُودَ قَدْ كَانُوا عَرَفُوا أَنّ لِأَصْحَابِ الْكَهْفِ نَبَأً عَجِيبًا، وَلَمْ يَكُنْ الْعَجَبُ إلّا مِنْ طُولِ لُبْثِهِمْ غَيْرَ أَنّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنّهَا ثَلَاثُمِائَةٍ أَوْ أَقَلّ، فَأَخْبَرَ أَنّ تِلْكَ السّنِينَ ثَلَاثُمِائَةٍ، ثُمّ لَوْ وَقَفَ الْكَلَامُ هَهُنَا لَقَالَتْ الْعَرَبُ، وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْ بِخَبَرِهِمْ: مَا هَذِهِ الثّلَاثُمِائَةِ؟ فَقَالَ كَالْمُبَيّنِ لَهُمْ: سِنِينَ، وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى هَذَا التّفْسِيرِ عَنْ الضّحّاكِ، ذَكَرَهُ النّحّاسُ. السّنَةُ وَالْعَامُ: فَصْلٌ: وَقَالَ: سِنِينَ، وَلَمْ يَقُلْ أَعْوَامًا، وَالسّنَةُ وَالْعَامُ، وَإِنْ اتّسَعَتْ الْعَرَبُ فِيهِمَا، وَاسْتَعْمَلَتْ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ اتّسَاعًا، وَلَكِنْ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ الْبَلَاغَةِ وَالْعِلْمِ بِتَنْزِيلِ الْكَلَامِ فَرْقًا، فَخُذْهُ أَوّلًا مِنْ الِاشْتِقَاقِ، فَإِنّ السّنَةَ مِنْ سَنَا يَسْنُو إذَا دَارَ حَوْلَ الْبِئْرِ، وَالدّابّةُ: هِيَ السّانِيَةُ، فَكَذَلِكَ السّنَةُ دَوْرَةٌ من دورات الشمس، وقد تُسَمّى السّنَةُ: دَارًا، فَفِي الْخَبَرِ: إنّ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ أَلْفَ دَارٍ، أَيْ: أَلْفَ سَنَةٍ، هَذَا أَصْلُ الِاسْمِ، وَمِنْ ثَمّ قَالُوا: أَكَلَتْهُمْ السّنَةُ، فَسَمّوْا شِدّةَ الْقَحْطِ سَنَةً، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ الْأَعْرَافِ: 13 وَمِنْ ثَمّ قِيلَ: أَسْنَتَ الْقَوْمُ إذَا أَقْحَطُوا، وَكَأَنّ وَزْنَهُ أَفْعَتُوا، لَا أَفْعَلُوا، كَذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَجَعَلَ سِيبَوَيْهِ التّاءَ بَدَلًا مِنْ الْوَاوِ، فَهِيَ عِنْدَهُ: أَفْعَلُوا، لِأَنّ الْجُدُوبَةَ وَالْخِصْبَ مُعْتَبَرٌ بِالشّتَاءِ وَالصّيْفِ، وَحِسَابُ الْعَجَمِ إنّمَا هُوَ بِالسّنِينَ الشّمْسِيّةِ بِهَا يُؤَرّخُونَ، وَأَصْحَابُ الْكَهْفِ مِنْ أُمّةٍ عَجَمِيّةٍ، وَالنّصَارَى يَعْرِفُونَ حَدِيثَهُمْ، وَيُؤَرّخُونَ بِهِ، فَجَاءَ اللّفْظُ فِي الْقُرْآنِ بِذِكْرِ السّنِينَ الْمُوَافِقَةِ لِحِسَابِهِمْ، وَتَمّمَ الْفَائِدَةَ بِقَوْلِهِ: وَازْدَادُوا تِسْعًا لِيُوَافِقَ حِسَابَ العرب، فإن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حِسَابَهُمْ بِالشّهُورِ الْقَمَرِيّةِ كَالْمُحَرّمِ وَصَفَرٍ وَنَحْوِهِمَا «1» وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا إلَى قَوْلِهِ: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً يُوسُفَ: 47 الْآيَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَعْوَامًا، نَفْيُهُ شَاهِدٌ لِمَا تَقَدّمَ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: (ثُمّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ) ، وَلَمْ يَقُلْ: سَنَةٌ عُدُولًا عَنْ اللّفْظِ الْمُشْتَرَكِ، فَإِنّ السّنَةَ قَدْ يُعَبّرُ بِهَا عَنْ الشّدّةِ وَالْأَزْمَةِ «2» كَمَا تَقَدّمَ، فَلَوْ قَالَ: سَنَةً لَذَهَبَ الْوَهْمُ إلَيْهَا؛ لِأَنّ الْعَامَ أَقَلّ أَيّامًا مِنْ السّنَةِ، وَإِنّمَا دَلّتْ الرّؤْيَا عَلَى سَبْعِ سِنِينَ شِدَادٍ، وَإِذَا انْقَضَى الْعَدَدُ، فَلَيْسَ بَعْدَ الشّدّةِ إلّا رَخَاءٌ، وَلَيْسَ فِي الرّؤْيَا مَا يَدُلّ عَلَى مُدّةِ ذَلِكَ الرّخَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَقَلّ مِنْ عَامٍ، وَالزّيَادَةُ عَلَى الْعَامِ مَشْكُوكٌ فِيهَا، لَا تَقْتَضِيهَا الرّؤْيَا، فَحَكَمَ بِالْأَقَلّ، وَتَرَكَ مَا يَقَعُ فِيهِ الشّكّ مِنْ الزّيَادَةِ عَلَى الْعَامِ، فَهَاتَانِ فَائِدَتَانِ فِي اللّفْظِ بِالْعَامِ فِي هَذَا الموطن، وأما قوله: (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) فَإِنّمَا ذَكَرَ السّنِينَ، وَهِيَ أَطْوَلُ مِنْ الْأَعْوَامِ، لِأَنّهُ مُخْبِرٌ عَنْ اكْتِهَالِ الْإِنْسَانِ، وَتَمَامِ قُوّتِهِ وَاسْتِوَائِهِ، فَلَفْظُ السّنِينَ أَوْلَى بِهَذَا الْمَوْطِنِ؛ لِأَنّهَا أَكْمَلُ مِنْ الْأَعْوَامِ، وَفَائِدَةٌ أُخْرَى: أَنّهُ خَبَرٌ عَنْ السّنّ، وَالسّنّ مُعْتَبَرٌ بِالسّنِينَ، لِأَنّ أَصْلَ السّنّ فِي الْحَيَوَانِ لَا يُعْتَبَرُ إلّا بِالسّنَةِ الشّمْسِيّةِ، لِأَنّ النّتَاجَ، وَالْحَمْلَ يَكُونُ بِالرّبِيعِ وَالصّيْفِ، حَتّى قِيلَ رِبْعِيّ لِلْبَكِيرِ وَصَيْفِيّ «3» لِلْمُؤَخّرِ، قَالَ الراجز:

_ (1) رأى يحتاج إلى دليل أقوى مما ذكر. (2) فى الراغب: أكثر ما تستعمل السنة فى الحول الذى فيه الحرب. (3) فى القاموس: «وجمع الربيع: ربع بضمتين، وكصرد: الفصيل ينتج فى الربيع، وهو أول النتاج.. فإذا نتج فى آخر النتاج فهبع، وهى هبعة»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنّ بَنِيّ صِبْيَةٌ صَيْفِيّونْ ... أَفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ رِبْعِيّونْ «1» فَاسْتَعْمَلَهُ فِي الْآدَمِيّينَ، فَلَمّا قِيلَ فِي الْفَصِيلِ وَنَحْوِهِ: ابْنُ سَنَةٍ وَابْنُ سَنَتَيْنِ، قِيلَ ذَلِكَ فِي الْآدَمِيّينَ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ فى الماشية لما قدمنا، وأما قوله: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ فلأنه قال سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ، قُلْ: هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ الْبَقَرَةِ: 189 فَالرّضَاعُ مِنْ الْأَحْكَامِ الشّرْعِيّةِ، وَقَدْ قَصَرْنَا فِيهَا عَلَى الْحِسَابِ بِالْأَهِلّةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً وَلَمْ يَقُلْ: سَنَةً؛ لِأَنّهُ يَعْنِي شَهْرَ الْمُحَرّمِ وَرَبِيعَ إلَى آخِرِ الْعَامِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَحْسِبُونَ بِأَيْلُول وَلَا بِتِشْرِين وَلَا بينير «2» ، وَهِيَ الشّهُورُ الشّمْسِيّةُ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ إخْبَارٌ مِنْهُ لِمُحَمّدِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمّتِهِ وَحِسَابُهُمْ بِالْأَعْوَامِ وَالْأَهِلّةِ كَمَا وَقّتَ لَهُمْ سُبْحَانَهُ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فِي قِصّةِ نُوحٍ: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا الْعَنْكَبُوتِ: 140 قِيلَ: إنّمَا ذَكَرَ أَوّلًا السّنِينَ؛ لِأَنّهُ كَانَ فى شدائد

_ (1) البيت لسعد بن مالك بن ضبيعة، وقيل: هى لأكثم بن صيفى «اللسان مادة ربع، وصيف» ونسبه أبو زيد الأنصارى فى نوادره إلى أكثم بن صيفى. وقال: «يقال: أصاف الرجل فهو مصيف إذا ترك النساء شابا لم يتزوج، ثم تزوج بعد ما أسن، ويقال لولده: صيفيون» ثم استشهد بهذا البيت ثم قال: «الربعيون الذين ولدوا وآباؤهم شباب فهم رجال» ص 87 طبع لبنان. وفى إصلاح المنطق ص 470: «يقال للرجل إذا ولد له فى فتاء السن: قد أربع، وهو مربع وولده: ربعيون، وإذا تأخر ولده إلى آخر عمره قيل: أصاف فلان، وهو مصيف، وولده: صيفيون» (2) ثم استشهد بهذا البيت «2» يعنى يناير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُدّتِهِ كُلّهَا إلّا خَمْسِينَ عَامًا مُنْذُ جَاءَهُ الْفَرَجُ، وَأَتَاهُ الْغَوْثُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللهُ- سُبْحَانَهُ- عَلِمَ أَنّ عُمْرَهُ كَانَ أَلْفًا، إلّا أَنّ الْخَمْسِينَ مِنْهَا، كَانَتْ أَعْوَامًا، فَيَكُونُ عُمُرُهُ أَلْفَ سَنَةٍ، تَنْقُصُ مِنْهَا مَا بَيْنَ السّنِينَ الشّمْسِيّةِ وَالْقَمَرِيّةِ فِي الْخَمْسِينَ خَاصّةً؛ لِأَنّ خَمْسِينَ عاما بحساب الأهلة أفل مِنْ خَمْسِينَ سَنَةٍ شَمْسِيّةٍ بِنَحْوِ عَامٍ وَنِصْفٍ، فَإِنْ كَانَ اللهُ سُبْحَانَهُ قَدْ عَلِمَ هَذَا مِنْ عُمُرِهِ، فَاللّفْظُ مُوَافِقٌ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِلّا فَفِي الْقَوْلِ الْأَوّلِ مَقْنَعٌ، وَاَللهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ، فَتَأَمّلْ هَذَا، فَإِنّ الْعِلْمَ بِتَنْزِيلِ الْكَلَامِ، وَوَضْعَ الْأَلْفَاظِ فِي مَوَاضِعِهَا اللّائِقَةِ بِهَا يَفْتَحُ لَك بَابًا مِنْ الْعِلْمِ بِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ، وَابْنِ هَذَا الْأَصْلَ تَعْرِفُ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ الْمَعَارِجِ: 4. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: [وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ] كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ الْحِجْرِ: 47 وَأَنّهُ كَلَامٌ وَرَدَ فِي مَعْرِضِ التّكْثِيرِ وَالتّفْخِيمِ، لَطُولُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَالسّنَةِ أَطْوَلُ مِنْ الْعَامِ، كَمَا تَقَدّمَ، فَلَفْظُهَا أَلْيَقُ بِهَذَا الْمَقَامِ. ذِكْرُ قِصّةِ الرّجُلِ الطّوّافِ ذِي الْقَرْنَيْنِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قِصّةَ الرّجُلِ الطّوّافِ، وَالْحَدِيثَ الّذِي جَاءَ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ كَانَ مَلِكًا مَسَحَ الْأَرْضَ بِالْأَسْبَابِ، وَلَمْ يَشْرَحْ مَعْنَى الْأَسْبَابِ. وَلِأَهْلِ التّفْسِيرِ فِيهِ أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ، قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً الْكَهْفِ: 84: أَيْ: عِلْمًا يَتْبَعُهُ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَتْبَعَ سَبَباً الْكَهْفِ: 85 أَيْ: طَرِيقًا مُوَصّلَةً، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ السّبَبُ: حَبْلٌ مِنْ نُورٍ، كَانَ مَلَكٌ يَمْشِي بِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَتْبَعُهُ، وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِ ذَلِكَ الْمَلِكِ: زياقيل، وَهَذَا يَقْرُبُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: سَبَبًا أَيْ: طَرِيقًا، وَيَقْرُبُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون تفسيرا لقول النبى صلّى الله عليه وسلم: مَسَحَ الْأَرْضَ بِالْأَسْبَابِ «1» ، وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهِ بِذِي الْقَرْنَيْنِ، كَمَا اُخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ، وَاسْمِ أَبِيهِ، فَأَصَحّ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الطّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ قَالَ: سَأَلَ ابْنُ الْكَوّاءِ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: أَرَأَيْت ذَا الْقَرْنَيْنِ، أَنَبِيّا كَانَ أَمْ ملكا؟ فقال: لَا نَبِيّا كَانَ، وَلَا مَلِكًا، وَلَكِنْ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا دَعَا قَوْمَهُ إلَى عِبَادَةِ اللهِ، فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنَيْ رَأْسِهِ ضَرْبَتَيْنِ، وَفِيكُمْ مِثْلُهُ. يَعْنِي: نَفْسَهُ، وَقِيلَ: كَانَتْ لَهُ ضَفِيرَتَانِ مِنْ شَعَرٍ، وَالْعَرَبُ تُسَمّي الْخُصْلَةَ مِنْ الشّعَرِ: قَرْنًا، وَقِيلَ: إنّهُ رَأَى فِي الْمَنَامِ رُؤْيَا طَوِيلَةً أَنّهُ أَخَذَ بِقَرْنَيْ الشّمْسِ، فَكَانَ التّأْوِيلُ أَنّهُ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ، وَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ عَلِيّ بْنُ أبى طالب لقيروانى الْعَابِدُ فِي كِتَابِ الْبُسْتَانِ لَهُ، قَالَ: وَبِهَذَا سُمّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ، وَأَمّا اسْمُهُ، فَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ: اسْمُهُ مَرْزَبَى «2» بْنُ مَرْذَبَةَ بِذَالٍ مَفْتُوحَةٍ فِي اسْمِ أَبِيهِ، وَزَايٍ فى اسمه، وقيل فيه:

_ (1) قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدى وقنادة والضحاك وغيرهم عن السبب: العلم. وقال قتادة أيضا: منازل الأرض وأعلامها. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: تعليم الألسنة. أما كعب الأحبار، فيروى عنه ابن لهيعة أنه قال: كان يربط خيله بالثريا. وقد أنكر معاوية على كعب قوله هذا وكان يقول عن كعب: وإن كنا لتبلو عليه الكذب. وما أحسن ما يقول ابن كثير: «قال الله فى حق بلقيس «وأوتيت من كل شىء» أى: مما يؤتى مثلها من الملوك، وهكذا ذو القرنين يسر الله له الأسباب، أى: الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والرساتيق والبلاد والأراضى وكسر الأعداء، وكبت ملوك الأرض. وإذلال أهل الشرك قد أوتى من كل شىء مما يحتاج اليه مثله سببا، والله أعلم. خلاصة هذا أن الله من عليه. فعلمه أسباب ما سخره له، ومسألة الملاك يهودية صارخة. (2) فى السيرة: مرزبان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَرْمَسَ «1» ، وَقِيلَ: هرديس. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ «2» اسْمُهُ الصّعْبُ بْنُ ذِي مَرَاثِدَ، وَهُوَ أَوّلُ التّبَابِعَةِ، وَهُوَ الّذِي حَكَمَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي بِئْرِ السّبْعِ حِينَ حَاكَمَ إلَيْهِ فِيهَا، وَقِيلَ: إنّهُ أفريدون بْنُ أَثَفَيَانِ الّذِي قَتَلَ الضّحّاكَ «3» ، وَيُرْوَى فِي خُطْبَةِ قَيْسِ بْنِ سَاعِدَةَ الّتِي خَطَبَهَا بِسُوقِ عُكَاظٍ، أنه قال فيها: يا معشر إياد! أَيْنَ الصّعْبُ ذُو الْقَرْنَيْنِ، مَلِكُ الْخَافِقَيْنِ، وَأَذَلّ الثّقَلَيْنِ، وَعَمّرَ أَلْفَيْنِ، ثُمّ كَانَ ذَلِكَ كَلَحْظَةِ عَيْنٍ، وَأَنْشَدَ ابْنُ هِشَامٍ لِلْأَعْشَى: وَالصّعْبُ ذُو الْقَرْنَيْنِ أَصْبَحَ ثَاوِيًا ... بِالْحِنْوِ فِي جَدَثٍ أُمَيْمٍ مقيم «4»

_ (1) هو رأى ابن ماكولا والدارقطنى. (2) ذكره فى كتاب «التيجان» فى ملوك حمير وروايته عن وهب بن منبه (3) تقرأ أخبار الضحاك وأفريدون فى الطبرى ص 194 ح 1 المعارف (4) هو فى اللسان والمحبر: للبيد. ورواه ابن كثير فى البداية نقلا عن السهيلى فى الروض الأنف «أشم مقيما» بدلا من «أميم مقيم» كما فى نسخة الروض التى بين أيدينا انظر ص 105 ج 2 البداية. وفى فتح البارى: والذى يقوى أن ذا القرنين من العرب أنهم ذكروه كثيرا فى أشعارهم. قال أعشى بن ثعلبة. والصعب ذو القرنين أمسى ثاويا ... بالحنوفى جدث هناك مقيم والحنو بكسر المهملة وسكون النون فى ناحية المشرق، وقال الربيع بن ضبيع: والصعب ذو القرنين عمر ملكه ... ألفين أمسى بعد ذاك رميما وقال قيس بن ساعدة. والصعب ذو القرنين أصبح ثاويا ... باللحد بين ملاعب الأرياح وقال النعمان بن بشير الأنصارى الصحابى ابن الصحابى: ومن ذا يعادينا من الناس معشر ... كرام، وذو القرنين منا وحاتم ووقع ذكر ذى القرنين فى شعر امرىء القيس وأوس بن حجر وطرفة وغيرهم ص 261 ج 6 فتح البارى للحافظ بن حجر ط 1338

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ بِالْحِنْوِ يُرِيدُ: حِنْوَ قَرَاقِرَ الّذِي مَاتَ فِيهِ ذُو الْقَرْنَيْنِ بِالْعِرَاقِ، وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ فى السيرة: إنه من أهل مصر، وإنه الْإِسْكَنْدَرُ الّذِي بَنَى الإسكندرية، فَعُرِفَتْ بِهِ: قَوْلٌ بَعِيدٌ مِمّا تَقَدّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْكَنْدَرُ سُمّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ أَيْضًا تَشْبِيهًا لَهُ بِالْأَوّلِ، لِأَنّهُ مَلَكَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فِيمَا ذكروا أيضا، وأذلّ ملوك فارس، وقتل دار ابن دَارَا، وَأَذَلّ مُلُوكَ الرّومِ وَغَيْرَهُمْ، وَقَالَ الطّبَرِيّ فِي الْإِسْكَنْدَرِ: وَهُوَ اسكندروس بْنُ قليقوس، وَيُقَالُ فِيهِ: ابْنُ قَلِيسٍ، وَكَانَتْ أُمّهُ زِنْجِيّةً، وَكَانَتْ أهديت لدارا الأكبر أَوْ سَبَاهَا، فَوَجَدَ مِنْهَا نَكْهَةً اسْتَثْقَلَهَا، فَعُولِجَتْ بِبَقْلَةِ، يُقَالُ لَهَا: أندروس، فَحَمَلَتْ مِنْهُ بِدَارَا الْأَصْغَرِ، فَلَمّا وَضَعَتْهُ رَدّهَا، فَتَزَوّجَهَا وَالِدُ الْإِسْكَنْدَرِ، فَحَمَلَتْ مِنْهُ بالإسكندروس، فَاسْمُهُ عِنْدَهُمْ مُشْتَقّ مِنْ تِلْكَ الْبَقْلَةِ الّتِي طَهُرَتْ أُمّهُ بِهَا فِيمَا ذَكَرُوا، وَذَكَرَ عَنْ الزّبَيْرِ: أَنّهُ قَالَ: ذُو الْقَرْنَيْنِ هُوَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ الضّحّاكِ بْنِ مَعَدّ [وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي] الْمُحَبّرِ فِي ذِكْرِ مُلُوكِ الْحِيرَةِ، قَالَ: الصّعْبُ بْنُ قَرِينِ [بْنِ الْهُمّالِ] «2» : هُوَ ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا مُلُوكًا فِي أَوْقَاتٍ شَتّى، يُسَمّى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: ذَا الْقَرْنَيْنِ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَالْأَوّلُ كَانَ عَلَى عَهْدِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَهُوَ صَاحِبُ الْخَضِرِ حِينَ طَلَبَ عَيْنَ الْحَيَاةِ فَوَجَدَهَا الْخَضِرُ، وَلَمْ يَجِدْهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ، حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا الظّلُمَاتُ الّتِي وَقَعَ فِيهَا هُوَ وَأَجْنَادُهُ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ مَذْكُورٍ فِي بَعْضِ التّفَاسِيرِ مشهور عند الأخباريين «1» .

_ (1) وهى أخبار ترضى عشاق الأساطير. وأسارى العبودية الوثنية للمجهول، وقد اخترع المفترون عين الحياة؛ لكى بنسبوا إلى الخضر الخلود والبقاء حتى الان. وهى فرية لا يصدقها مسلم؛ لأنها أسطورة. (2) الزيادة من المحبر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حُكْمُ التّسَمّي بِأَسْمَاءِ النّبِيّينَ وَأَمّا قَوْلُ عُمَرَ لِرَجُلِ سَمِعَهُ يَقُولُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ: لَمْ يَكْفِكُمْ أَنْ تَتَسَمّوْا بِالْأَنْبِيَاءِ حَتّى تَسَمّيْتُمْ بِالْمَلَائِكَةِ، إنْ كَانَ عُمَرُ قَالَهُ بِتَوْقِيفِ مِنْ الرّسُولِ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَهُوَ مَلَكٌ، لَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلّا الْحَقّ، وَإِنْ كَانَ قَالَهُ بِتَأْوِيلِ تَأَوّلَهُ [فَقَدْ] خَالَفَهُ عَلِيّ فِي الْخَبَرِ الْمُتَقَدّمِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ الْخَبَرَيْنِ أَصَحّ نَقْلًا، غَيْرَ أَنّ الرّوَايَةَ الْمُتَقَدّمَةَ عَنْ عَلِيّ يُقَوّيهَا مَا نَقَلَهُ أَهْلُ الْأَخْبَارِ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ «1» . وَكَانَ مِنْ مَذْهَبِ عُمَرَ رَحِمَهُ اللهُ كَرَاهِيَةُ التّسَمّي بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَى الْمُغِيرَةِ تَكْنِيَتُهُ بِأَبِي عِيسَى، وَأَنْكَرَ عَلَى صُهَيْبٍ تَكْنِيَتَهُ بِأَبِي يَحْيَى، فَأَخْبَرَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَنّاهُ بِذَلِكَ، فَسَكَتَ، وَكَانَ عُمَرُ إنّمَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ الْإِكْثَارَ، وَأَنْ يَظُنّ أَنّ لِلْمُسْلِمِينَ شَرَفًا فِي الِاسْمِ إذَا سُمّيَ بِاسْمِ نَبِيّ، أَوْ أَنّهُ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، فَكَأَنّهُ اسْتَشْعَرَ مِنْ رَعِيّتِهِ هَذَا الْغَرَضَ أَوْ نَحْوَهُ، هُوَ أَعْلَمُ بِمَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ «2» . وَإِلّا فَقَدْ سَمّى بِمُحَمّدِ طَائِفَةٌ مِنْ الصّحَابَةِ مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيّ وطلحة وأبو حذيفة وأبو جهم ابن حُذَيْفَةَ، وَخَاطِبٌ وَخَطّابٌ ابْنَا الْحَارِثِ، كُلّ هَؤُلَاءِ الْمُحَمّدِينَ كَانُوا يُكَنّونَ بِأَبِي الْقَاسِمِ إلّا مُحَمّدَ بْنَ خَطّابٍ، وَسَمّى أَبُو مُوسَى ابْنًا لَهُ بِمُوسَى، فَكَانَ يُكَنّى بِهِ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ سَمّى ابْنَهُ بِيَحْيَى، وَعَلِمَ بِهِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، وَكَانَ لِطَلْحَةِ عَشَرَةٌ مِنْ الْوَلَدِ، كُلّهُمْ يُسَمّى بِاسْمِ نَبِيّ، مِنْهُمْ: مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ عِيسَى، وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَإِبْرَاهِيمُ، ومحمد، وكان للزبير

_ (1) نستطيع الجزم بأن الخبر المنسوب إلى عمر خبر غير صحيح، لأنه يخالف هدى القرآن، ويخالف المعروف من سيرة عمر وعلمه وفقهه. (2) هذا تعليل طيب من السهيلى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عشرة، كُلّهُمْ يُسَمّى بِاسْمِ شَهِيدٍ، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: أَنَا أُسَمّيهِمْ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنْتَ تُسَمّيهِمْ بِأَسْمَاءِ الشّهَدَاءِ، فَقَالَ لَهُ الزّبَيْرُ: فَإِنّي أَطْمَعُ أَنْ يَكُونَ بَنِيّ شُهَدَاءَ، وَلَا تَطْمَعْ أَنْتَ أَنْ يكون بنوك أنبياء، ذكره بن أَبِي خَيْثَمَةَ، وَسَمّى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ، وَالْآثَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وَفِي السّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ أَنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: سَمّوا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ، لَا عَلَى الْوُجُوبِ، وَأَمّا التّسَمّي بِمُحَمّدِ، فَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من كَانَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ، وَلَمْ يُسَمّ أَحَدَهُمْ بِمُحَمّدِ، فَقَدْ جَهِلَ، وَفِي الْمُعَيْطِيّ عَنْ مَالِك أَنّهُ سُئِلَ عَمّنْ اسْمُهُ مُحَمّدٌ، وَيُكَنّى أَبَا الْقَاسِمِ، فَلَمْ يربه بَأْسًا، فَقِيلَ لَهُ: أَكَنّيْت ابْنَك أَبَا الْقَاسِمِ، وَاسْمُهُ مُحَمّدٌ؟ فَقَالَ: مَا كَنّيْته بِهَا وَلَكِنّ أَهْلَهُ يُكَنّونَهُ بِهَا، وَلَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ نَهْيًا، وَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ مَالِكًا لَمْ يَبْلُغْهُ، أَوْ لَمْ يَصِحّ عِنْدَهُ حَدِيثُ النّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ رواه أهل الصحيح «1»

_ (1) عن جابر «رضى الله عنه» قال: ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم، فقالوا لا نكنيه حتى نسأل النبى- صلّى الله عليه وسلم- فقال: سموا باسمى، ولا تكنوا يكنيتى» رواه الأربعة، ولعل المقصود- والله أعلم- العمل بمقتضاه طول مدة حياته- صلّى الله عليه وسلم- فقط. وسيأتى رأى ابن سيرين. وعن الأسماء ورد حديث رواه ابن عمر رضى الله عنها: «إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن» مسلم وأبو داود والترمذى. وعن أبى هريرة عن النبى «ص» : «أخنع الأسماء يوم القيامة عند الله رجل تسمى ملك الأملاك» رواه الأربعة «وزاد مسلم «لا مالك إلا الله تعالى» وعن ابن عمر قال: «إن ابنة لعمر كانت تسمى عاصية، فسماها رسول الله «ص» جميلة» مسلم وأبو داود والترمذى ونستطيع بتدبر هذه الأحاديث تبين الهدى فى الأسماء. وأخنع- أوضع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَاَللهُ أَعْلَمُ- وَلَعَلّهُ بَلَغَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ- قَالَ: مَا الّذِي أَحَلّ اسْمِي وَحَرّمَ كُنْيَتِي، وَهَذَا هُوَ النّاسِخُ لِحَدِيثِ النّهْيِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ لِكُلّ أَحَدٍ أَنْ يَتَكَنّى بِأَبِي الْقَاسِمِ، كَانَ اسْمُهُ مُحَمّدًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَطَائِفَةٌ إنّمَا يَكْرَهُونَهُ لِمَنْ اسْمُهُ مُحَمّدٌ، وَفِي الْمُعَيْطِيّ أَيْضًا أَنّهُ سُئِلَ عَنْ التّسْمِيَةِ بِمَهْدِيّ فَكَرِهَهُ، وَقَالَ: وَمَا عِلْمُهُ بِأَنّهُ مَهْدِيّ، وَأَبَاحَ التّسْمِيَةَ بِالْهَادِي، وَقَالَ: لِأَنّ الْهَادِيَ هُوَ الّذِي يَهْدِي إلَى الطّرِيقِ، وقد قدمنا كراهية مالك للتسمّى بِجِبْرِيلَ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ كَرَاهِيَةَ عُمَرَ لِلتّسَمّي بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ التّسَمّيَ بِيَاسِينَ «1» . الرّوحُ وَالنّفْسُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ سُؤَالَهُمْ عَنْ الرّوحِ، وَمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ «2» الْآيَةَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْبَكّائِيّ أَنّهُ قَالَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ جِبْرِيلُ، وَهَذِهِ الرّوَايَةُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ تَدُلّ عَلَى خِلَافِ مَا رَوَى غَيْرُهُ أَنّ يهود قالت لقريش: اسئلوه عَنْ الرّوحِ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِ فَلَيْسَ بِنَبِيّ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْكُمْ فَهُوَ نَبِيّ، وَقَالَ ابْنُ إسحاق فيما تقدم من الحديث: اسئلوه عن الرجل

_ (1) ليس ياسين اسما للرسول «ص» كما يظن بعض المفسرين، إنما هى مثل: حم، وطس وطه ونون فهى مركبة من حرفين: الياء والسين. (2) سبق ذكر الأحاديث حول هذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الطّوّافِ، وَعَنْ الْفِتْيَةِ، وَعَنْ الرّوحِ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ وَإِلّا فَالرّجُلُ مُتَقَوّلٌ فَسَوّى فِي الْخَبَرِ بَيْنَ الرّوحِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التّأْوِيلِ فِي الرّوحِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ جِبْرِيلُ؛ لِأَنّهُ الرّوحُ الْأَمِينُ، وَرُوحُ الْقُدُسِ، وَعَلَى هَذَا رِوَايَةُ ابن إسحاق أن رسول الله- صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِقُرَيْشِ حِينَ سَأَلُوهُ: هُوَ جِبْرِيلُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الرّوحُ خَلْقٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُوَرِ بَنِي آدَمَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الرّوحُ خَلْقٌ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ، وَلَا تَرَاهُمْ، فَهُمْ لِلْمَلَائِكَةِ كَالْمَلَائِكَةِ لِبَنِي آدَمَ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ أَنّهُ قَالَ: الرّوحُ مَلَكٌ لَهُ مِائَةُ أَلْفِ رَأْسٍ، لِكُلّ رَأْسٍ مِائَةُ أَلْفِ وَجْهٍ، فِي كُلّ وَجْهٍ مِائَةُ أَلْفِ فَمٍ، فِي كُلّ فَمٍ مِائَةُ أَلْفِ لِسَانٍ، يُسَبّحُ اللهَ بِلُغَاتِ مُخْتَلِفَةٍ «1» ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الرّوحُ الّذِي سَأَلَتْ عَنْهُ يَهُودُ هُوَ: رُوحُ الْإِنْسَانِ، ثُمّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَمْ يُجِبْهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ سُؤَالِهِمْ، لِأَنّهُمْ سَأَلُوهُ تَعَنّتًا وَاسْتِهْزَاءً، فَقَالَ اللهُ لَهُ: قُلْ: الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي، وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يُبَيّنَهُ لَهُمْ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ قَدْ أَخْبَرَهُمْ اللهُ بِهِ، وَأَجَابَهُمْ عَمّا سَأَلُوا؛ لِأَنّهُ قَالَ لِنَبِيّهِ: قُلْ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي، وَأَمْرُ الرّبّ هُوَ الشّرْعُ، وَالْكِتَابُ الّذِي جَاءَ بِهِ، فَمَنْ دَخَلَ فِي الشّرْعِ وَتَفَقّهَ فِي الْكِتَابِ وَالسّنّةِ عَرَفَ الرّوحَ، فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: ادخلوا فى الدين تعرفوا ما سألتم عنه، فَإِنّهُ مِنْ أَمْرِ رَبّي، أَيْ: مِنْ الْأَمْرِ الّذِي جِئْت بِهِ مُبَلّغًا عَنْ رَبّي، وَذَلِكَ أَنّ الرّوحَ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ جِهَةِ الطّبِيعَةِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الْفَلْسَفَةِ، وَلَا من جهة الرأى

_ (1) إنما هى مفتريات على منها برىء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْقِيَاسِ، وَإِنّمَا يُعْرَفُ مِنْ جِهَةِ الشّرْعِ، فَإِذَا نَظَرْت إلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَالسّنّةِ مِنْ ذِكْرِهِ نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ السّجْدَةِ: 9 أَيْ مِنْ رُوحِ الْحَيَاةِ، وَالْحَيَاةُ مِنْ صِفَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَالنّفْخُ فِي الْحَقِيقَةِ مُضَافٌ إلَى مَلَكٍ يَنْفُخُ فِيهِ بِأَمْرِ رَبّهِ، وَتَنْظُرُ إلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ الرّسُولُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّ الْأَرْوَاحَ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ، وَأَنّهَا تَتَعَارَفُ «1» وَتَتَشَامّ فِي الْهَوَاءِ، وَأَنّهَا تُقْبَضُ من الأجساد بعد الموت، وأنها تسئل فِي الْقَبْرِ، فَتَفْهَمُ السّؤَالَ وَتَسْمَعُ وَتَرَى، وَتُنَعّمُ وَتُعَذّبُ وَتَلْتَذّ وَتَأْلَمُ، وَهَذِهِ كُلّهَا مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ، فَتَعْرِفُ أَنّهَا أَجْسَامٌ بِهَذِهِ الدّلَائِلِ، لَكِنّهَا لَيْسَتْ كَالْأَجْسَادِ فِي كَثَافَتِهَا وَثِقَلِهَا وَإِظْلَامِهَا، إذْ الْأَجْسَادُ خُلِقَتْ مِنْ مَاءٍ وَطِينٍ وَحَمَإِ مَسْنُونٍ، فَهُوَ أَصْلُهَا، وَالْأَرْوَاحُ خُلِقَتْ مِمّا قَالَ اللهُ تَعَالَى، وَهُوَ النّفْخُ الْمُتَقَدّمُ الْمُضَافُ إلَى الْمَلَكِ. وَالْمَلَائِكَةُ خُلِقَتْ مِنْ نُورٍ كَمَا جَاءَ فِي الصّحِيحِ «2» ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَضَافَ النّفْخَ إلَى نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ أَضَافَ قَبْضَ الْأَرْوَاحِ إلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها الزّمَرِ: 42 وَأَضَافَ ذَلِكَ إلَى الْمَلَكِ أَيْضًا فَقَالَ: قُلْ: يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ السّجْدَةِ: 11 وَالْفِعْلُ مُضَافٌ إلَى الْمَلَكِ مَجَازًا، وَإِلَى الرّبّ حَقِيقَةً، فَهُوَ أَيْضًا جِسْمٌ، وَلَكِنّهُ مِنْ جِنْسِ الرّيحِ، وَلِذَلِكَ سُمّيَ رُوحًا مِنْ لَفْظِ الرّيحِ، وَنَفْخُ الْمَلَكِ فِي مَعْنَى الرّيحِ غَيْرَ أَنّهُ ضُمّ أَوّلُهُ؛ لِأَنّهُ نورانى،

_ (1) «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها اختلف. وما تناكر منها اختلف» مسلم والبخارى فى الأدب وغيرهما. (2) فى مسلم عن عائشة: «خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالرّيحُ هَوَاءٌ مُتَحَرّكٌ، وَإِذَا كَانَ الشّرْعُ قَدْ عَرَفْنَا مِنْ مَعَانِي الرّوحِ وَصِفَاتِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ، فَقَدْ عَرَفَ مِنْ جِهَةِ أَمْرِهِ كَمَا قَالَ سبحانه: قُلِ: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَقَوْلُهُ: مِنْ أَمْرِ رَبّي أَيْضًا، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ أَمْرِ اللهِ، وَلَا مِنْ أَمْرِ رَبّكُمْ يَدُلّ عَلَى خُصُوصٍ، وَعَلَى مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ أَنّهُ لَا يَعْلَمُهُ إلّا مَنْ أَخَذَ مَعْنَاهُ مِنْ قَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَقَوْلِ رَسُولِهِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَقِينِ الصّادِقِ وَالْفِقْهِ فِي الدّينِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُخْبِرْ الْيَهُودَ حِينَ سَأَلُوهُ عَنْهُ، فَقَدْ أَحَالَهُمْ عَلَى مَوْضِعِ الْعِلْمِ بِهِ «1» . الْفَرْقُ بَيْنَ الرّوحِ وَالنّفْسِ: فَصْلٌ: وَمِمّا يَتّصِلُ بِمَعْنَى الرّوحِ وَحَقِيقَتِهِ أَنْ تَعْرِفَ: هَلْ هِيَ النّفْسُ أَوْ غَيْرُهَا، وَقَدْ كَثُرَتْ فِي ذلك الأقوال، واضطربت المذاهب، فتعلق قوم

_ (1) وأحسن ما قيل: إن المقصود بالروح هو القرآن نفسه، وقد كان الكلام قبل هذا فى شأنه، وقد وصف كلام الله بأنه روح فى القرآن: (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) النحل: 2 (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) غافر: 15 (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) الشورى: 52 وهذا الرأى قريب مما ذكره السهيلى حول أمر الله. وليت السهيلى سكت عند الصحيح المنقول!! فقد بلغت الأقوال فى حقيقة النفس والروح بلغت المائة أو الألف كما نقل الزرقانى فى شرح المواهب عن ابن جماعة: ويقول ابن بطال شارح البخارى ومن شيوخ ابن عبد البر عن الروح الإنسانى: «معرفة حقيقتها مما استأثر الله بعلمه» وقال القرطبى عن الحكمة فى إبهام حقيقة الروح: «إظهار عجز المرء لأنه إذا لم يعلم حقيقة نفسه مع القطع بوجوده كان عجزه عن إدراك حقيقة الحق «أى الله» من باب أولى»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِظَوَاهِرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ، لِأَنّهَا نَقْلُ آحَادٍ «1» ، وَأَيْضًا فَإِنّ أَلْفَاظَهَا مُحْتَمِلَةٌ لِلتّأْوِيلِ، وَمَجَازَاتُ الْعُرْفِ وَاتّسَاعَاتُهَا فِي الْكَلَامِ كَثِيرَةٌ، فَمِمّا تَعَلّقُوا بِهِ فِي أَنّ الرّوحَ هِيَ النّفْسُ قول بلال: «أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك» «2» مَعَ قَوْلِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، وَقَوْلِهِ- عَزّ وَجَلّ- اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ وَالْمَقْبُوضَةُ هِيَ الْأَرْوَاحُ، وَلَمْ يُفَرّقُوا بَيْنَ الْقَبْضِ وَالتّوَفّي، وَلَا بَيْنَ الْأَخْذِ فِي قَوْلِ بِلَالٍ: «أَخَذَ بِنَفْسِي الّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك» وَبَيْنَ قَوْلِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: «قَبَضَ أَرْوَاحَنَا» ، وَتَنْقِيحُ الْأَقْوَالِ وَتَرْجِيحُهَا يَطُولُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو عُمَرَ فِي التّمْهِيدِ حَدِيثًا يَدُلّ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ فِي أَنّ النّفْسَ هِيَ الرّوحُ، لَكِنْ عَلّلَهُ فِيهِ أَنّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ، وَجَعَلَ فِيهِ نَفْسًا وَرُوحًا، فَمِنْ الرّوحِ: عَفَافُهُ، وَفَهْمُهُ وَحِلْمُهُ وَسَخَاؤُهُ، وَوَفَاؤُهُ، وَمِنْ النّفْسِ: شَهْوَتُهُ وَطَيْشُهُ وَسَفَهُهُ وَغَضَبُهُ، وَنَحْوُ هَذَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ إذَا تُؤُمّلَ صَحّ نَقْلُهُ أَوْ لَمْ يَصِحّ، وَسَبِيلُك أَنْ تَنْظُرَ فِي كِتَابِ اللهِ أَوّلًا، لَا إلَى الْأَحَادِيثِ الّتِي تُنْقَلُ مَرّةً عَلَى اللّفْظِ، وَمَرّةً عَلَى الْمَعْنَى، وَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَلْفَاظُ الْمُحَدّثِينَ «3» ، فَنَقُولُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: فَإِذا سَوَّيْتُهُ، وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي «4» وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ نَفْسِي وَكَذَلِكَ قَالَ: ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ السّجْدَةِ: 9 وَلَمْ يقل من

_ (1) لماذا إذا يأخذ بأضعف الأحاديث؟ (2) من حديث فى البخارى ومسلم وغيرهما (3) هذا مبدأ عظيم، غير أن السهيلى لم يأخذ به فى كثير من الأحيان، فاعتمد على أضعف الأحاديث. (4) ذكرت مرة فى سورة الحجر رقم 29 وفى ص رقم 72.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ هَذَا، وَلَا خَفَاءَ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ فِي الْكَلَامِ، وَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فِي الْمَعْنَى، وَبِعَكْسِ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ وَلَمْ يَقُلْ: تَعْلَمُ مَا فِي رُوحِي، وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي رُوحِك، وَلَا يَحْسُنُ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَهُ غَيْرُ عِيسَى «1» ، وَلَوْ كَانَتْ النّفْسُ وَالرّوحُ اسْمَيْنِ لِمَعْنَى وَاحِدٍ، كَاللّيْثِ وَالْأَسَدِ لَصَحّ وُقُوعُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكَانَ صاحبه، وكذلك قوله تعالى: يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَحْسُنُ فِي الْكَلَامِ: يَقُولُونَ فِي أَرْوَاحِهِمْ، وقال تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ وَلَمْ يَقُلْ: أَنْ تَقُولَ رُوحٌ، وَلَا يَقُولُهُ أَعْرَابِيّ، فَأَيْنَ إذًا كَوْنُ النّفْسِ وَالرّوحِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ لَوْلَا الْغَفْلَةُ عَنْ تَدَبّرِ كَلَامِ اللهِ تعالى؟! ولكن بقيت دقيقة يعرف منها السّرّ وَالْحَقِيقَةُ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَافٌ مُتَبَايِنٌ إنْ شَاءَ اللهُ، فَنَقُولُ وَبِاَللهِ التّوْفِيقُ: الرّوحُ مُشْتَقّ مِنْ الرّيحِ، وَهُوَ جِسْمٌ هَوَائِيّ لَطِيفٌ، بِهِ تَكُونُ حَيَاةُ الْجَسَدِ عَادَةً، أَجْرَاهَا اللهُ تَعَالَى؛ لِأَنّ الْعَقْلَ يُوجِبُ أَلّا يَكُونَ لِلْجِسْمِ حَيَاةٌ، حَتّى يُنْفَخَ فِيهِ ذَلِكَ الرّوحُ الّذِي هُوَ فِي تَجَاوِيفِ الْجَسَدِ، كَمَا قَالَ ابْنُ فُورَكٍ وَأَبُو الْمَعَالِي وَأَبُو بَكْرٍ الْمُرَادِيّ، وَسَبَقَهُمْ إلَى نَحْوٍ مِنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيّ، وَمَعْنَى كَلَامِهِمْ وَاحِدٌ أَوْ مُتَقَارِبٌ. الرّوحُ سَبَبُ الْحَيَاةِ: فَصْلٌ: فَإِذَا ثَبَتَ أَنّ الرّوحَ سَبَبُ الحياة عادة، أجراها الله تعالى، فهو

_ (1) قول النبوة أزكى الأقوال وأهداها. فلم لا يقولها غير عيسى؟!

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَالْمَاءِ الْجَارِي فِي عُرُوقِ الشّجَرَةِ صُعُدًا، حَتّى تَحْيَا بِهِ عَادَةً، فَنُسَمّيهِ مَاءً بِاعْتِبَارِ أَوّلِيّتِهِ، وَنُسَمّي أَيْضًا هَذَا رُوحًا بِاعْتِبَارِ أَوّلِيّتِهِ، وَاعْتِبَارِ النّفْخَةِ الّتِي هِيَ رِيحٌ، فَمَا دَامَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمّهِ حَيّا، فَهُوَ ذُو رُوحٍ، فإذا نشأوا كتب ذلك الروح أخلافا وَأَوْصَافًا لَمْ تَكُنْ فِيهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى مَصَالِحِ الْجِسْمِ كَلَفًا بِهِ، وَعَشِقَ مَصَالِحَ الْجَسَدِ وَلَذّاتِهِ، وَدَفَعَ الْمَضَارّ عَنْهُ سُمّيَ: نَفْسًا، كَمَا يَكْتَسِبُ الْمَاءُ الصّاعِدُ فِي الشّجَرَةِ مِنْ الشّجَرَةِ أَوْصَافًا لَمْ تَكُنْ فِيهِ، فَالْمَاءُ فِي الْعِنَبَةِ مَثَلًا هُوَ: مَاءٌ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَالْبَدْأَةِ، فَفِيهِ مِنْ الْمَاءِ الْمُيُوعَةُ وَالرّطُوبَةُ، وَفِيهِ مِنْ الْعِنَبَةِ الْحَلَاوَةُ، وَأَوْصَافٌ أُخَرَ، فَتُسَمّيهِ مِصْطَارًا «1» إنْ شِئْت، أَوْ خَمْرًا إنْ شِئْت، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمّا أَوْجَبَهُ الِاكْتِسَابُ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ، فَمَنْ قَالَ: إنّ النّفْسَ هِيَ الرّوحُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، فَلَمْ يُحْسِنْ الْعِبَارَةَ، وَإِنّمَا فِيهَا مِنْ الرّوحِ الْأَوْصَافُ الّتِي تَقْتَضِيهَا نَفْخَةُ الْمَلَكِ، وَالْمَلَكُ مَوْصُوفٌ بِكُلّ خُلُقٍ كَرِيمٍ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَمِنْ الرّوحِ عَفَافُهُ وَحِلْمُهُ وَوَفَاؤُهُ وَفَهْمُهُ، وَمِنْ النّفْسِ شَهْوَتُهُ وَغَضَبُهُ وَطَيْشُهُ، وَذَلِكَ أَنّ الرّوحَ كَمَا قَدّمْنَا مَازِجُ الْجَسَدِ الّذِي فِيهِ الدّمُ، وَيُسَمّى الدّمُ: نَفْسًا، وَهُوَ مَجْرَى الشّيْطَانِ، وَقَدْ حَكَمَتْ الشّرِيعَةُ بِنَجَاسَةِ الدّمِ لِسِرّ لَعَلّهُ أَنْ يُفْهَمَ مِمّا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ، فَمَنْ يَعْرِفُ جَوْهَرَ الْكَلَامِ، وَيُنْزِلُ الْأَلْفَاظَ مَنَازِلَهَا، لَا يُسَمّي رُوحًا إلّا مَا وَقَعَ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَمَادِ وَالْحَيّ، وَاَلّذِي كَانَ سَبَبًا لِلْحَيَاةِ، كَمَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ عِنْدَ ذِكْرِ إحْيَاءِ النّطْفَةِ، وَنَفْخِ الرّوحِ فِيهَا، وَلَا يُقَالُ: نَفْخُ النّفْسِ فِيهَا إلّا عِنْدَ الِاتّسَاعِ فِي الْكَلَامِ، وَتَسْمِيَةُ الشىء بما يؤول إليه،

_ (1) مصطار بضم الميم: الخمر، ومسطار بكسر الميم وبالسين: الخمرة الصارعة لشاربها أو الحامضة أو الحديثة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمِنْ هَهُنَا سُمّيَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ: رُوحًا، وَالْوَحْيُ: رُوحًا، لِأَنّ بِهِ تَكُونُ حَيَاةُ الْقُلُوبِ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً [فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها] الْأَنْعَامِ: 122 وَقَالَ فِي الْكُفّارِ: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ النّحْلِ: 21 وَقَالَ فِي النّفْسِ مَا تَقَدّمَ، وَقَالَ: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ يُوسُفَ: 53 وَلَمْ يَقُلْ إنّ الرّوحَ لَأَمّارَةٌ؛ لِأَنّ الرّوحَ الّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ لَا يَأْمُرُ بِسُوءِ، وَلَا يُسَمّى أَيْضًا نَفْسًا، كَمَا قَدّمْنَا حَتّى يَكْتَسِبَ مِنْ الْجَسَدِ الْأَوْصَافَ الْمَذْكُورَةَ، وَمَا كَانَ نَحْوَهَا، وَالْمَاءُ النّازِلُ مِنْ السّمَاءِ جِنْس وَاحِدٌ، فَإِذَا مَازَجَ أَجْسَادَ الشّجَرِ كَالتّفّاحِ وَالْفِرْسِكِ «1» وَالْحَنْظَلِ وَالْعُشُرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ، كَذَلِكَ الرّوحُ الْبَاطِنَةُ الّتِي هِيَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، هِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ أَضَافَهَا إلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا لَهَا حِينَ قال: ونفخ فيه من روحه، ثُمّ يُخَالِطُ الْأَجْسَادَ الّتِي خُلِقَتْ مِنْ طِينٍ، وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ الطّينِ طَيّبٌ وَخَبِيثٌ، فَيَنْزِعُ كُلّ فَرْعٍ إلَى أَصْلِهِ، وَيَنْزِعُ ذَلِكَ الْأَصْلُ إلَى مَا سَبَقَ فِي أُمّ الْكِتَابِ، وَإِلَى مَا دَبّرَهُ وَأَحْكَمَهُ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَتَنَافَرُ النّفُوسُ، أَوْ تَتَقَارَبُ، وَتَتَحَابّ أَوْ تَتَبَاغَضُ عَلَى حَسَبِ التّشَاكُلِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَهِيَ مَعْنَى قَوْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ. وَقَدْ كَتَبَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ إلَى صَدِيقٍ لَهُ: «إنّ نَفْسِي غَيْرُ مَشْكُورَةٍ عَلَى الِانْقِيَادِ إلَيْك بِغَيْرِ زِمَامٍ؛ فَإِنّهَا صَادَفَتْ عِنْدَك بعض جواهرها، والشىء يتبع بعضه بعضا» .

_ (1) الفرسك، الخوخ أو ضرب منه أجرد أحمر، أو ما يتفلق عن نواه والعشر شجر يخرج من زهره وشعبه سكر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْإِنْسَانُ رُوحٌ وَجَسَدٌ: فَصْلٌ: وَقَدْ يُعَبّرُ بِالنّفْسِ عَنْ جُمْلَةِ الْإِنْسَانِ رُوحُهُ وَجَسَدُهُ، فَتَقُولُ: عِنْدِي ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ، وَلَا تَقُولُ: عِنْدِي ثَلَاثَةُ أَرْوَاحٍ، لَا يُعَبّرُ بِالرّوحِ إلّا عَنْ الْمَعْنَى الْمُتَقَدّمِ ذِكْرُهُ، وَإِنّمَا اتّسَعَ فِي النّفْسِ، وَعَبّرَ بِهَا عَنْ الْجُمْلَةِ لِغَلَبَةِ أَوْصَافِ الْجَسَدِ عَلَى الرّوحِ، حَتّى صَارَ يُسَمّى نَفْسًا، وَطَرَأَ هَذَا الِاسْمُ بِسَبَبِ الْجَسَدِ، كَمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَاءِ فِي الشّجَرِ أَسْمَاءٌ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الشّجَرِ مِنْ حُلْوٍ وَحَامِضٍ وَمُرّ وَحِرّيفٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَتَحَصّلَ مِنْ مَضْمُونِ مَا ذَكَرْنَا أَلّا يُقَالَ فِي النّفْسِ: هِيَ الرّوحُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، حَتّى تُقَيّدَ بِمَا تَقَدّمَ، وَلَا يُقَالُ فِي الرّوحِ: هُوَ النّفْسُ إلّا كَمَا يُقَالُ فِي الْمَنِيّ هُوَ الْإِنْسَانُ، أَوْ كَمَا يُقَالُ لِلْمَاءِ الْمُغَذّي لِلْكَرْمَةِ هُوَ: الْخَمْرُ، أَوْ الْخَلّ، عَلَى مَعْنَى أَنّهُ سَتَنْضَافُ إلَيْهِ أَوْصَافٌ يُسَمّى بِهَا خَمْرًا أَوْ خَلّا، فَتَقْيِيدُ الْأَلْفَاظِ هُوَ: مَعْنَى الْكَلَامِ، وَتَنْزِيلُ كُلّ لَفْظٍ فِي مَوْضِعِهِ، هُوَ مَعْنَى الْبَلَاغَةِ فَافْهَمْهُ. النّفْسُ فَصْلٌ: وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَمْ يَبْقَ إلّا قَوْلُ بِلَالٍ: أَخَذَ بِنَفْسِي الّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك، فَذَكَرَ النّفْسَ؛ لِأَنّهُ مُعْتَذِرٌ مِنْ تَرْكِ عَمَلٍ أُمِرَ بِهِ، وَالْأَعْمَالُ مُضَافَةٌ إلَى النّفْسِ: لِأَنّ الْأَعْمَالَ جَسَدَانِيّةٌ، وَقَوْلُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، فَذَكَرَ الرّوحَ الّذِي هُوَ الْأَصْلُ، لِأَنّهُ أَنِسَهُمْ مِنْ فَزَعِهِمْ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنّ خَالِقَ الْأَرْوَاحِ يَقْبِضُهَا إذَا شَاءَ، فَلَا تَنْبَسِطُ انْبِسَاطَهَا فِي الْيَقَظَةِ وَرُوحُ النّائِمِ وَإِنْ وُصِفَ بِالْقَبْضِ، فَلَا يَدُلّ لَفْظُ الْقَبْضِ عَلَى انْتِزَاعِهِ بِالْكُلّيّةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَمَا لَا يَدُلّ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فِي الظّلّ: ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً الْفُرْقَانِ: 46. عَلَى إعْدَامِ الظّلّ بِالْكُلّيّةِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ فَلَمْ يَقُلْ: الْأَرْوَاحَ، لِأَنّهُ وَعَظَ الْعِبَادَ الْغَافِلِينَ عَنْهُ، فَأَخْبَرَ أَنّهُ يَتَوَفّى أَنْفُسَهُمْ، ثُمّ يُعِيدُهَا حَتّى يَتَوَفّاهَا، فَلَا يُعِيدُهَا إلَى الْحَشْرِ لِتَزْدَجِرَ النّفُوسُ بِهَذِهِ الْعِظَةِ عَنْ سُوءِ أَعْمَالِهَا؛ إذْ الْآيَةُ مَكّيّةٌ، وَالْخِطَابُ لِلْكُفّارِ، وَقَدْ تَنَزّلَتْ الْأَلْفَاظُ مَنَازِلَهَا فِي الْحَدِيثِ وَالْقُرْآنِ، وَذَلِكَ مَعْنَى الْفَصَاحَةِ وَسِرّ الْبَلَاغَةِ. ابْنُ هَرْمَةَ: فَصْلٌ: وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ هِشَامٍ بِقَوْلِ ابْنِ هَرْمَةَ وَنَسَبُهُ فَقَالَ: فِهْرِيّ، وإنما هو خلجىّ، والخلج «1» اسمه: قيس ابن الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَةِ بَنِي

_ (1) فى الاشتقاق: والخلج بطن يزعمون أنهم من قريش منهم ابن هرمة الشاعر، وفيه أيضا: الخلج يفتح فكسر الشاعر، واسمه: عبد الله، وسمى الخلج لقوله: كأن تخالج الأشطان فيها ... شابيب تجود من الغوادى وفى حاشية الاشتقاق للأستاذ عبد السلام هارون: وأما خلج بكسر الخاء وتخفيف اللام وسكونها فهو عبد الله بن الحارث بن عمرو بن وهب ابن الحارث، بن سعد الجعفى، وقيل: الخلج بفتح الخاء وكسر اللام. وفى الطبقات لابن قتيبة عنه: «هو من الخلج من قيس عيلان، ويقال: إنهم من قريش» وفى الأغانى أن نسبه ينتهى إلى قيس بن الحارث، وقيس: هم الخلج.. فلما تولى عثمان أثبتهم فى بنى الحارث بن فهر، وجعل لهم ديوانا، فسموا الخلج، لأنهم اختلجوا عما كانوا عليه من عدوان، وورد عن ابن هرمة فى سمط اللالى للبكرى ما نصه: «إبراهيم بن على بن سلمة من هرمة من خلج

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ الْخُلْجِ، فَقِيلَ: لِأَنّهُمْ اخْتَلَجُوا مِنْ قُرَيْشٍ وَسُكّانِ مَكّةَ، وَقِيلَ: لِأَنّهُمْ نَزَلُوا بِمَوْضِعِ فِيهِ خُلْجٌ مِنْ مَاءٍ، وَنَسَبُوا إلَيْهِ، وَابْنُ هَرْمَةَ وَاسْمُهُ: إبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيّ بْنِ هَرْمَةَ، وَهُوَ شَاعِرٌ مِنْ شُعَرَاءِ الدّوْلَةِ الْعَبّاسِيّةِ، وَبَيْتُهُ: وَإِذَا هَرَقْت بِكُلّ دَارٍ عِبْرَةً ... نَزَفَ الشّئُونُ ودمعك الينبوع والشئون: مَجَارِي الدّمْعِ، وَهِيَ أَطْبَاقُ الرّأْسِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ لِلرّجُلِ، وَثَلَاثَةٌ لِلْمَرْأَةِ، كَذَلِكَ ذَكَرُوا عَنْ أَهْلِ التّشْرِيحِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ، فَاَللهُ أَعْلَمُ. مِنْ شَرْحِ الْآيَاتِ: وَكُلّ مَا شَرَحَ ابْنُ هِشَامٍ مِنْ الْآيَاتِ الّتِي تَلَاهَا ابْنُ إسْحَاقَ، فَقَدْ تَقَدّمَ مَا يَحْتَاجُ بَيَانُهُ مِنْهُ، وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ الْبَيْتَ يُرَادُ بِهِ: الْقَصْرُ وَالْمَنْزِلُ، وَإِنْ كَانَ عَظِيمًا، فَإِنّهُ يُسَمّى بَيْتًا كَمَا قَدّمْنَا فِي شَرْحِ بَيْتِ الْقَصَبِ فِي حديث خديجة.

_ - قريش- بزيادة: ابن سلمة قبل ابن هرمة- والخلج هو: قيس بن الحارث بن فهر، سموا بذلك لأنهم كانوا فى عدوان، ثم فى هوازن، فلما استخلف عمر أتوه ليفرض لهم، فأنكر نسبهم، فلما استخلف عثمان أتوه، فأثبتهم فى بنى الحارث ابن فهر، فسموا بذلك: الخلج، لأنهم اختلجوا ممن كانوا معه» ثم ذكر أن الموضع الذى نزلوا فيه كان على خلج بالمدينة. وأن ابن هرمة من متقدمى الشعراء وممن أدرك الدولتين الأموية والهاشمية يكنى أبا إسحاق.. وفى السيرة: إبراهيم بن عبد الله، وعند مصعب الزبيرى عن الكلبى ورد نسبه: سلمة بن عامر بن هرمة بن الهذيل بن ربيع بن عامر بن صبيح بن كنانة بن عدى بن قيس بن الحارث بن فهر انظر 298 سمط اللالى، والذهبى يضبط الخلج بضم فسكون

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حزنة جهنم وأبو الأشد بن: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قَوْلَ أَبِي جَهْلٍ مُسْتَهْزِئًا: يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّ جُنُودَ رَبّهِ الّتِي يُخَوّفُكُمْ بِهَا تِسْعَةَ عَشَرَ، وَأَنْتُمْ النّاسُ، إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. وَأَهْلُ التّفْسِيرِ يَعْزُونَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إلى أبى الأشدّ بن الْجُمَحِيّ «1» ، وَاسْمُهُ: كَلَدَةُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ خَلَفٍ، وَأَبُو دَهْبَلٍ الشّاعِرُ هُوَ ابْنُ أَخِيهِ، وَاسْمُهُ: وَهْبُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ خَلَفِ ابن وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي دَهْبَلٍ التّوْأَمَةُ الّتِي يَعْرِفُ بِهَا صَالِحٌ مَوْلَى التّوْأَمَةِ، وَهِيَ أُخْتُ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ، وَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَأَنّهُ قَالَ: اكْفُونِي مِنْهُمْ اثْنَيْنِ، وَأَنَا أَكْفِيكُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ إعْجَابًا مِنْهُ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ بَلَغَ مِنْ شِدّتِهِ- فِيمَا زَعَمُوا- أنه كان يقف على

_ (1) وقيل كما ذكر ابن أبى حاتم: إن رهطا من اليهود سألوا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- عن خزنة جهنم، فقال: الله ورسوله أعلم، فجاء رجل، فأخبر النبى- صلّى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى عليه ساعتئذ: (عليها تسعة عشر) الخ. وهناك رواية أخرى للترمذى وأحمد والبزار أن رجلا جاء إلى النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: غلب أصحابك اليوم، فقال: بأى شىء، قال: سألتهم يهود: هل أعلمكم نبيكم عدة خزنة أهل النار-؟ قالوا: لا نعلم حتى نسأل نبينا- صلّى الله عليه وآله وسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أفغلب قوم يسئلون عما لا يعلمون، فقالوا: لا نعلم حتى نسأل نبينا صلّى الله عليه وسلم- على بأعداء الله، لكنهم قد سألوا نبيهم أن يريهم الله جهرة، فأرسل إليهم محمد فدعاهم، قالوا: يا أبا القاسم: كم عدة خزنة أهل النار: قال: هكذا، وطبق كفين ثم طبق كفيه مرتين، وعقد واحدة الخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جِلْدِ الْبَقَرَةِ، وَيُجَاذِبُهُ عَشْرَةٌ، لِيَنْتَزِعُوهُ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ، فَيَتَمَزّقُ الْجِلْدُ، وَلَا يَتَزَحْزَحُ عَنْهُ، وَقَدْ دَعَا النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى الْمُصَارَعَةِ، وَقَالَ: إنْ صَرَعْتنِي آمَنْت بِك، فَصَرَعَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِرَارًا، فلم يُؤْمِنْ، وَقَدْ نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ خَبَرَ الْمُصَارَعَةِ إلَى رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ ابن الْمُطّلِبِ، وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَأَمّا مَا قَالَ أَهْلُ التّأْوِيلِ فِي خَزَنَةِ جَهَنّمَ التّسْعَةَ عَشَرَ، فَرُوِيَ عَنْ كَعْبٍ أَنّهُ قَالَ: بِيَدِ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَمُودٌ لَهُ شُعْبَتَانِ، وَإِنّهُ لَيَدْفَعُ بِالشّعْبَةِ تِسْعِينَ أَلْفًا إلَى النّارِ، وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي مَعْنَى أَبْوَابِ الْجَنّةِ وَأَبْوَابِ النّارِ فَائِدَةَ عَدَدِهَا وَتَسْمِيَتِهَا، وَذَكَرَ الزّبَانِيَةَ، وَالْحِكْمَةَ فى كونهم عددا قليلا مسئلة فِي قَرِيبٍ مِنْ جُزْءٍ، فَلْتُنْظَرْ هُنَاكَ. بَهْتُ الرسول «ص» بأن بَشَرًا يُعَلّمُهُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ قُرَيْشٍ: إنّمَا يُعَلّمُهُ رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ: الرّحْمَنُ، وَإِنّا لَا نُؤْمِنُ بِالرّحْمَنِ، فَأَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ: هُوَ رَبِّي كَانَ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ الْحَنَفِيّ، ثُمّ أَحَدُ بنى الدّول قد تسمى: بالرحمن فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَكَانَ مِنْ الْمُعَمّرِينَ، ذَكَرَ وَثِيمَةُ بْنُ مُوسَى أَنّ مُسَيْلِمَةَ تَسَمّى بِالرّحْمَنِ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ عَبْدُ اللهِ أَوْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَبِيرٌ: وَأَنْشَدَ فِي تفسير الزّبانية:

الذين استمعوا إلى قراءة النبى (ص)

[الذين استمعوا إلى قراءة النبى (ص) ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ أَنّهُ حُدّثَ: أَنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ حَلِيفَ بَنِي زُهْرَةَ، خَرَجُوا لَيْلَةً؛ لِيَسْتَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يصلى من الليل مِنْ اللّيْلِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخَذَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا يَسْتَمِعُ فِيهِ، وَكُلّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرّقُوا. فَجَمَعَهُمْ الطّرِيقُ، فَتَلَاوَمُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَا تَعُودُوا، فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، ثُمّ انْصَرَفُوا، حَتّى إذَا كَانَتْ اللّيْلَةُ الثّانِيَةُ، عَادَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إلَى مَجْلِسِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرّقُوا، فَجَمَعَهُمْ الطّرِيقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ مِثْلَ مَا قَالُوا أَوّلَ مرّة، ثم انصرفوا. حتى ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمِنْ كَبِيرٍ نَفَرٌ زَبَانِيَهْ «1» وَجَدْت فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ: كَبِيرٌ: حَيّ مِنْ هُذَيْلٍ قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَفِي أَسَدٍ أَيْضًا: كَبِيرُ بْنُ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ، وَمِنْ ذُرّيّتِهِ: بَنُو جَحْشِ بْنُ رَيّانَ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْوَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرٍ «2» وَلَعَلّ الرّاجِزَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ هَؤُلَاءِ، فَإِنّهُمْ أَشْهَرُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَبَنُو كَبِيرٍ أَيْضًا: بَطْنٌ مِنْ بَنِي غَامِدٍ، وَهُمْ مِنْ الْأَزْدِ، وَاَلّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ مِنْ هُذَيْلٍ هُوَ: كَبِيرُ بْنُ طابخة بن لحيان ابن سعد بن هذيل.

_ (1) سبق ذكر الأحاديث التى وردت فى هذا الشان، والذى نقله السهيلى عن كعب الأحبار فى أمر خزنة جهنم لا سند له (2) من شعراء هذيل من كنيته أبو كبير، وفى اللسان: كبير بن هند: حى من هذيل.

إذَا كَانَتْ اللّيْلَةُ الثّالِثَةُ أَخَذَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسَهُ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرّقُوا، فَجَمَعَهُمْ الطّرِيقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَا نَبْرَحُ حَتّى نَتَعَاهَدَ أَلَا نَعُودَ، فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرّقوا. فَلَمّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ أَخَذَ عَصَاهُ، ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ فِي بَيْتِهِ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي يَا أَبَا حَنْظَلَةَ عَنْ رَأْيِك فِيمَا سَمِعْت مِنْ مُحَمّدٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ وَاَللهِ لَقَدْ سَمِعْت أَشْيَاءَ أَعْرِفُهَا، وَأَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا، وَسَمِعْتُ أَشْيَاءَ مَا عرفت معناها ولا ما يراد بها، قال الأخنس: وأنا والذى حلفت به. قَالَ: ثُمّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ حَتّى أَتَى أَبَا جَهْلٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، مَا رَأْيُك فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمّدٍ؟ فَقَالَ: مَاذَا سَمِعْتُ، تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشّرَفَ، أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا، وَحَمَلُوا فَحَمَلْنَا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا عَلَى الرّكْبِ، وَكُنّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، قَالُوا: مِنّا نَبِيّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ السّمَاءِ، فَمَتَى نُدْرِكُ مِثْلَ هَذِهِ، وَاَللهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا، وَلَا نُصَدّقُهُ. قَالَ: فَقَامَ عَنْهُ الْأَخْنَسُ وَتَرَكَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إذَا تَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ، ودعاهم إلى الله، قالوا يهزؤن بِهِ: (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) لَا نَفْقَهُ مَا تَقُولُ: (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) لَا نَسْمَعُ مَا تَقُولُ: (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) قَدْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَك (فَاعْمَلْ) بِمَا أَنْت عَلَيْهِ (إِنَّنا عامِلُونَ) بِمَا نَحْنُ عَلَيْهِ، إنّا لَا نَفْقَهُ عَنْك شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَإِذا قَرَأْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً إلَى قَوْلِهِ: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً الإسراء: 45، 46 أَيْ: كَيْفَ فَهِمُوا تَوْحِيدَك رَبّك إنْ كُنْتُ جَعَلْتُ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنّةً، وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا، وَبَيْنَك وَبَيْنَهُمْ حِجَابًا بِزَعْمِهِمْ؛ أَيْ: إنّي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ. نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ، إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ: وَإِذْ هُمْ نَجْوى، إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً الإسراء: 47 أَيْ: ذَلِكَ مَا تَوَاصَوْا بِهِ مِنْ تَرْكِ مَا بَعَثْتُك بِهِ إلَيْهِمْ. انْظُرْ: كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا الإسراء: 48 أى: أخطئوا المثل الذى ضربوا لك، فلا يصيبون به هدى، ولا يعتدل لهم فيه قول وَقالُوا: أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً أَيْ: قَدْ جِئْت تُخْبِرُنَا: أَنّا سَنُبْعَثُ بَعْدَ مَوْتِنَا إذَا كُنّا عِظَامًا وَرُفَاتًا، وَذَلِك مَا لَا يَكُونُ. قُلْ: كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً، أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ، فَسَيَقُولُونَ: مَنْ يُعِيدُنا، قُلِ: الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ الإسراء: 49- 51: أَيْ: الّذِي خَلَقَكُمْ مِمّا تَعْرِفُونَ، فَلَيْسَ خَلْقُكُمْ مِنْ تُرَابٍ بِأَعَزّ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَأَلْته عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ مَا الّذِي أَرَادَ اللهُ بِهِ؟ فَقَالَ: الْمَوْت. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة

[ذِكْرُ عُدْوَانِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ مِمّنْ أَسْلَمَ بالأذى والفتنة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّهُمْ عَدَوْا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ، وَاتّبَعَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مِنْ أَصْحَابِهِ، فَوَثَبَتْ كُلّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلُوا يَحْبِسُونَهُمْ وَيُعَذّبُونَهُمْ بِالضّرْبِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَبِرَمْضَاءِ مَكّةَ إذَا اشْتَدّ الْحَرّ، مَنْ اُسْتُضْعِفُوا مِنْهُمْ، يَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُفْتَنُ مِنْ شِدّةِ الْبَلَاءِ الّذِي يُصِيبُهُ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَصْلُبُ لَهُمْ، وَيَعْصِمُهُ الله منهم. [تعذيب بلال وعتقه] وَكَانَ بَلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، لِبَعْضِ بَنِي جُمَحٍ، مُوَلّدًا مِنْ مُوَلّدِيهِمْ، وَهُوَ بَلَالُ بْنُ رَبَاحٍ، وَكَانَ اسْمُ أُمّهِ: حَمَامَةَ، وَكَانَ صَادِقَ الْإِسْلَامِ طَاهِرَ الْقَلْبِ، وَكَانَ أمية بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جمح يخرجه إذا حميت الظّهيرة، فيطرحه على ظهره فى بطحاء مَكّةَ، ثُمّ يَأْمُرُ بِالصّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ فَتُوضَعَ عَلَى صدره، ثم يقول له: لَا تَزَالُ هَكَذَا حَتّى تَمُوتَ، أَوْ تَكْفُرَ بِمُحَمّدِ وَتَعْبُدَ اللّاتَ وَالْعُزّى؛ فَيَقُول وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ: أَحَدٌ أَحَدٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَمُرّ بِهِ وَهُوَ يُعَذّبُ بِذَلِكَ، وَهُوَ يَقُول: أَحَدٌ أَحَدٌ، فَيَقُولُ: أَحَدٌ، أَحَدٌ وَاَللهِ يَا بِلَالُ، ثُمّ يُقْبِلُ عَلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَمَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِهِ مِنْ بَنِي جُمَحٍ، فَيَقُولُ: أَحْلِفُ بِاَللهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ عَلَى هَذَا لَأَتّخِذَنّهُ حَنَانًا، حَتّى مرّ به أبو بكر ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من عتقاء أبى بكر

الصدّيق بن أبى تحافة- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَوْمًا، وَهُمْ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ بِهِ، وَكَانَتْ دَارُ أَبِي بَكْرٍ فِي بَنِي جُمَحٍ، فَقَالَ لِأُمَيّةِ بْنِ خَلَفٍ: أَلَا تَتّقِي اللهَ فِي هَذَا الْمِسْكِينِ؟! حَتّى مَتَى؟ قَالَ: أَنْت الّذِي أَفْسَدْته، فَأَنْقِذْهُ مِمّا تَرَى، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَفْعَلُ عِنْدِي غُلَامٌ أَسْوَدُ أَجْلَدُ مِنْهُ وَأَقْوَى، عَلَى دِينِك، أُعْطِيكَهُ بِهِ، قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ فَقَالَ: هُوَ لَك. فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ غُلَامَهُ ذَلِكَ وأخذه فأعتقه. [من عتقاء أبى بكر] ثم أعنق مَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إلَى الْمَدِينَةِ سِتّ رِقَابٍ، بِلَالٌ سَابِعُهُمْ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا، وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ معونة شهيدا، وأمّ شميس وَزِنّيرَةُ، وَأُصِيبَ بَصَرُهَا حِينَ أَعْتَقَهَا، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا أَذْهَبَ بَصَرَهَا إلّا اللّاتُ وَالْعُزّى؛ فَقَالَتْ: كَذَبُوا- وَبَيْتِ اللهِ- مَا تَضُرّ اللّاتُ وَالْعُزّى، وَمَا تَنْفَعَانِ، فَرَدّ اللهُ بَصَرَهَا. وَأَعْتَقَ النّهْدِيّةَ وَبِنْتَهَا، وَكَانَتَا لِامْرَأَةِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ، فمر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها، وهى تقول: والله لا أعتقكما أَبَدًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: حلّا يَا أُمّ فُلَانٍ، فَقَالَتْ: حِلّ، أَنْت أَفْسَدْتَهُمَا فَأَعْتِقْهُمَا؛ قَالَ: فَبِكَمْ هُمَا؟ قَالَتْ: بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُمَا وَهُمَا حُرّتَانِ، أَرْجِعَا إلَيْهَا طحينها، قالتا: أو نفرغ مِنْهُ يَا أَبَا بَكْرٍ، ثُمّ نَرُدّهُ إلَيْهَا؟! قَالَ: وَذَلِكَ إنْ شِئْتُمَا. وَمَرّ بِجَارِيَةِ بَنِي مُؤَمّلٍ، حَيّ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، وكانت مسلمة، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بين أبى بكر وأبيه

وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يُعَذّبُهَا لِتَتْرُكَ الْإِسْلَامَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ وَهُوَ يَضْرِبُهَا، حَتّى إذَا مَلّ قال: إنى أعتذر إليك، إنى لم أتركك إلّا مَلَالَةً، فَتَقُولُ: كَذَلِكَ فَعَلَ اللهُ بِك، فابتاعها أبو بكر، فأعتقها. [بين أبى بكر وأبيه] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الله بن أبى عتيق، عن عامر ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا بُنَيّ، إنّي أَرَاك تُعْتِقُ رِقَابًا ضِعَافًا، فَلَوْ أَنّك إذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ أَعْتَقْتَ رِجَالًا جُلْدًا يَمْنَعُونَك، وَيَقُومُونَ دُونَك؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: يَا أَبَتْ، إنّي إنّمَا أُرِيدُ مَا أُرِيدُ، لِلّهِ عَزّ وَجَلّ، قَالَ: فَيُتَحَدّثُ أَنّهُ مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ إلّا فِيهِ، وَفِيمَا قَالَ لَهُ أَبُوهُ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى، وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى الليل: 5، 6 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وَلَسَوْفَ يَرْضى الليل 19، 21 [تعذيب عمار بن ياسر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ بَنُو مَخْزُومٍ يَخْرُجُونَ بعمّار بن ياسر، وبأبيه- وأمه- وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ إسْلَامٍ- إذَا حَمِيَتْ الظّهِيرَةُ، يُعَذّبُونَهُمْ بِرَمْضَاءِ مَكّةَ، فَيَمُرّ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ- صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَيَقُول، فِيمَا بَلَغَنِي: صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، مَوْعِدُكُمْ الْجَنّة. فَأَمّا أُمّهُ فقتلوها، وهى تأبى إلا الإسلام. وَكَانَ أَبُو جَهْلٍ الْفَاسِقُ الّذِي يُغْرِي بِهِمْ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، إذَا سَمِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فتنة المعذبين

بِالرّجُلِ قَدْ أَسْلَمَ، لَهُ شَرَفٌ وَمَنَعَةٌ أَنّبَهُ وَأَخْزَاهُ وَقَالَ: تَرَكْتَ دِينَ أَبِيك وَهُوَ خَيْرٌ مِنْك: لَنُسَفّهَنّ حِلْمَك وَلَنُفَيّلَنّ رَأْيَك، وَلَنَضَعَنّ شَرَفَك، وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا، قَالَ: وَاَللهِ لَنُكَسّدَنّ تِجَارَتَكَ، وَلَنُهْلِكَنّ مَالَك، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا ضَرَبَهُ وَأَغْرَى به. [فتنة المعذبين] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْت لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ: أَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْلُغُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ الْعَذَابِ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي تَرْكِ دِينِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاَللهِ، إنْ كَانُوا لَيَضْرِبُونَ أَحَدَهُمْ، وَيُجِيعُونَهُ، وَيُعَطّشُونَهُ حَتّى مَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَوِيَ جَالِسًا مِنْ شِدّةِ الضّرّ الّذِي نَزَلَ بِهِ، حَتّى يُعْطِيَهُمْ مَا سَأَلُوهُ مِنْ الْفِتْنَةِ، حَتّى يَقُولُوا لَهُ، آللّاتُ وَالْعُزّى إلَهُك مِنْ دُونِ اللهِ؟ فَيَقُول: نَعَمْ، حَتّى إنّ الْجُعَلَ لَيَمُرّ بِهِمْ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَهَذَا الْجُعَلُ إلَهُك مِنْ دُونِ اللهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، افْتِدَاءً مِنْهُمْ ممّا يبلغون من جهده. [رفض تسليم الوليد لتقتله قريش] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الزّبَيْرُ بْنُ عُكَاشَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ رِجَالًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ مَشَوْا إلَى هِشَامِ بْنِ الْوَلِيدِ، حِينَ أَسْلَمَ أَخُوهُ الوليد بن الوليد، وَكَانُوا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا فِتْيَةً مِنْهُمْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا، مِنْهُمْ: سَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ. قَالَ: فَقَالُوا لَهُ- وَخَشُوا شَرّهُمْ: إنّا قَدْ أَرَدْنَا أَنْ نعاقب هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ عَلَى هَذَا الدّينِ الّذِي أَحْدَثُوا، فَإِنّا نَأْمَنُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِهِمْ. قَالَ: هَذَا، فَعَلَيْكُمْ بِهِ. فَعَاتِبُوهُ وَإِيّاكُمْ وَنَفْسَهُ. وَأَنْشَأَ يَقُول: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة

ألا لا يقتلنّ أخى عييش ... فَيَبْقَى بَيْنَنَا أَبَدًا تَلَاحِي احْذَرُوا عَلَى نَفْسِهِ، فأقسم بالله لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ، لَأَقْتُلَنّ أَشْرَفَكُمْ رَجُلًا. قَالَ: فَقَالُوا: اللهمّ العنه. من يغرّر بهذا الخبيث، فو الله لَوْ أُصِيبَ فِي أَيْدِينَا لَقُتِلَ أَشْرَفُنَا رَجُلًا. قَالَ: فَتَرَكُوهُ وَنَزَعُوا عَنْهُ. قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ مِمّا دَفَعَ اللهُ بِهِ عَنْهُمْ. [ذِكْرُ الْهِجْرَةِ الأولى إلى أرض الحبشة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا يُصِيبُ أَصْحَابَهُ مِنْ الْبَلَاءِ. وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعَافِيَةِ. بِمَكَانِهِ مِنْ اللهِ، وَمِنْ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِمّا هُمْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاءِ. قَالَ لَهُمْ: لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَإِنّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ. وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ، حتى يجعل الله لكم فرجا ممّا أنتم فيه، فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ، وَفِرَارًا إلَى اللهِ بِدِينِهِمْ. فكانت أوّل هجرة كانت فى الإسلام. [أصحاب الهجرة الأولى إلى الحبشه] وَكَانَ أَوّلَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عبد شمس ابن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤىّ بن غالب ابن فِهْرٍ: عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْن أُمَيّةَ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: رُقَيّةُ بِنْتُ رَسُولِ الله- صلى الله عليه وسلم- ومن بني عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: أَبُو حُذَيْفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنُ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مُحَمّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ. وَمِنْ بَنِي أسد ابن عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بن عبد بن الحارث ابن زهرة. ومن بنى مخزوم ابن يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ: أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ سَلَمَةَ بنت أبى أميّة ابن الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هصيص بن كعب: عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بن حذامة بْنِ جُمَحٍ. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ: عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفُ آلِ الْخَطّابِ، مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ مَعَهُ امْرَأَتُهُ: لَيْلَى بِنْتُ أبى حثمة بن حذيفة بْنِ غَانِمِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ. وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لؤىّ أبو سبرة ابن أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نصر بن مالك ابن حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَيُقَال: بَلْ أَبُو حَاطِبِ بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ ابن نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ. وَيُقَال: هُوَ أَوّلُ مَنْ قَدِمَهَا. وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ، وَهُوَ: سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ. فَكَانَ هَؤُلَاءِ الْعَشْرَةِ أَوّلَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فِيمَا بَلَغَنِي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المهاجرون من بنى هاشم وبنى أمية

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَتَتَابَعَ الْمُسْلِمُونَ، حَتّى اجْتَمَعُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَكَانُوا بِهَا، مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ بِأَهْلِهِ مَعَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ بنفسه لا أهل له معه. [المهاجرون من بنى هاشم وبنى أمية] ومن بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب ابن لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ: جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قُحَافَةَ بْنِ خَثْعَمٍ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ عَبْدَ اللهِ بن جعفر، رجل. وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بْنِ أَبِي العاص ابن أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: رُقَيّةُ ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ، معه امرأته: فاطمة بنت صفوان ابن أمية ابن محرّث بن حمل بْنِ شِقّ بْنِ رَقَبَةَ بْنِ مُخْدِجٍ الْكِنَانِيّ، وَأَخُوهُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْن أُمَيّة، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: أَمِينَةُ بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أسعد ابن عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بْنِ سَعْدِ بْنِ مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ خُزَاعَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: هُمَيْنَةُ بِنْتُ خَلَفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ سَعِيدَ بْنَ خَالِدٍ، وَأَمَةَ بِنْتَ خَالِدٍ، فَتَزَوّجَ أَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرُو بْنُ الزّبَيْرِ، وَخَالِدُ بْنُ الزبير. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المهاجرون من بنى أسد وبنى عبد شمس

[المهاجرون من بنى أسد وبنى عبد شمس] وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ، مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يعمر بن صبرة بن مرة بن كَبِيرُ بْنُ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ؛ وأخوه عُبَيْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ، وَقَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ بَرَكَةُ بنت يسار، مولاة أبي سفيان بن حرب بْنِ أُمَيّةَ، وَمُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ، وَهَؤُلَاءِ آلُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، سَبْعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابن هشام: معيقيب من دوس. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بن عبد مناف، أبو حذيفة ابن عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَأَبُو موسى الأشعرىّ، واسمه: عبد الله ابن قَيْسٍ حَلِيفُ آلِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، رَجُلَانِ. [المهاجرون من بنى نوفل وبنى أسد] وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَةُ بن غزوان بن جابر بن وهب ابن نُسَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان، حليف لَهُمْ، رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ بْنِ خويلد ابن أَسَدٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أسد، ويزيد بن زمعة بن الأسود ابن الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ. وَعَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بْنِ الحارث بن أسد، أربعة نفر. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المهاجرون من بنى عبد وعبد الدار ولدى قصى

[المهاجرون من بنى عبد وعبد الدار ولدى قصى] وَمِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيّ: طُلَيْبُ بن عمير بن وهب بن أبى كثير بن عبد [ابن قصى] رجل. ومن بني عبد الدار بن قصي: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار، وسويط بْنُ سَعْدِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عميلة بن السّبّاق ابن عَبْدِ الدّارِ، وَجَهْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف ابن عَبْدِ الدّارِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ حَرْمَلَةَ بِنْتُ عَبْدِ الْأَسْوَدِ بْنِ جُذَيْمَةَ بْنِ أُقَيْشِ بْنِ عامر ابن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بْنِ مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ خُزَاعَةَ، وَابْنَاهُ: عَمْرُو بْنُ جَهْمٍ وَخُزَيْمَةُ بْنُ جَهْمٍ، وَأَبُو الرّومِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مناف ابن عَبْدِ الدّارِ، وَفِرَاسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابن عبد الدار، خمسة نفر. [المهاجرون من بنى زهرة وبنى هذيل وبهراء] وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بن عبد ابن الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، وَعَامِرُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، وأبو وقاص: مالك بن أهيب ابن عبد مناف ابن زُهْرَةَ، وَالْمُطّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ ابن زُهْرَةَ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بن ضبيرة بن سعيد بن سعد ابن سَهْمٍ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ عَبْدَ اللهِ بن المطّلب. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ هُذَيْلٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مسعود بن الحارث بن شمخ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المهاجرون من بنى تميم وبنى مخزوم

ابن مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ، وَأَخُوهُ: عتبة بن مسعود. وَمِنْ بَهْرَاءَ: الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بن مالك بن ربيعة بن ثمامة ابن مَطْرُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الشّرّيد ابن أَبِي أَهْوَزَ بْنِ أَبِي فَائِشِ بْنِ دُرَيْمِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ أَهْوَدَ بْنِ بَهْرَاءَ بْنِ عمرو ابن الحاف بن قضاعة. قال ابن هشام: ويقال هَزْلُ بْنُ فَاسِ بْنِ ذَرّ، وَدُهَيْرُ بْنُ ثَوْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ يُقَال لَهُ: المقداد بن الأسود بن عبد يغوث ابن وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَذَلِك أَنّهُ تَبَنّاهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَحَالَفَهُ، سِتّةُ نَفَرٍ. [المهاجرون من بنى تميم وبنى مخزوم] وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ: الْحَارِثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو ابن كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ عَامِرِ ابن كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مُوسَى بْنَ الْحَارِثِ، وَعَائِشَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَزَيْنَبَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَفَاطِمَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وعمرو ابن عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بن تيم، رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هلال ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ: أُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ المغيرة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من سيرة الشماس

ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ: عَبْدُ اللهِ، وَاسْمُ أُمّ سَلَمَةَ: هِنْدٌ. وَشَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشّرّيدِ ابن سُوَيْدِ بْنِ هَرْمِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ. [من سيرة الشماس] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ شَمّاسٍ: عُثْمَانُ، وَإِنّمَا سُمّيَ شَمّاسًا؛ لِأَنّ شَمّاسًا مِنْ الشّمَامِسَةِ، قَدِمَ مَكّةَ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَكَانَ جَمِيلًا فَعَجِبَ النّاسُ مِنْ جَمَالِهِ، فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ- وَكَانَ خَالَ شَمّاسٍ: أَنَا آتِيكُمْ بِشَمّاسِ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَجَاءَ بِابْنِ أُخْتِهِ عُثْمَانَ بْنِ عُثْمَانَ، فَسُمّيَ: شَمّاسًا. فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَبّارُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابن عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سفيان، وهشام بن أبى حذيفة ابن الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مخزوم، وسلمة بن هشام بن المغيرة ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الله ابن عمر بن مخزوم. [المهاجرون من حلفاء بنى مخزوم ومن بنى جمح] وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ: مُعَتّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بن الفضل بن عفيف بن كليب ابن حُبْشِيّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو، مِنْ خُزَاعَةَ، وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ: عَيْهَامَةُ، ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: حَبَشِيّةُ بْنُ سَلُولَ، وَهُوَ الّذِي يُقَال لَهُ مُعَتّبُ ابن حمراء. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المهاجرون من بنى سهم وبنى عدى وبنى عامر

ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب: عثمان بن مظعون ابن حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَابْنُهُ: السّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ، وَأَخَوَاهُ: قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ الله بْنُ مَظْعُونٍ، وَحَاطِبُ بْنُ الحارث بن معمر ابن حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، معه امرأته: فاطمة بنت المجلّل ابن عبد الله بن أبى قيس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَابْنَاهُ: مُحَمّدُ بْنُ حَاطِبٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ حاطب، وهما لبنت المجلّل، وأخوه: حطّاب ابن الْحَارِثِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، وَسُفْيَانُ بن معمر بن حبيب ابن وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ، مَعَهُ ابْنَاهُ جَابِرُ بْنُ سُفْيَانَ، وَجُنَادَةُ بْنُ سُفْيَانَ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ حَسَنَةُ، وَهِيَ أُمّهُمَا، وَأَخُوهُمَا مِنْ أُمّهِمَا: شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، أَحَدُ الْغَوْثِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شُرَحْبِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَحَدُ الْغَوْثِ بن مرّ، أخى تميم ابن مرّ. [المهاجرون من بنى سهم وبنى عدى وبنى عامر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُثْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ أهبان بن وهب بن حذافة بن جمح، أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا. وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ: خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قيس بن عدىّ ابن سَعْدِ بْنِ سَهْلٍ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال ابن هشام: العاص بن وائل بن هَاشِمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ. وَأَبُو قَيْسِ بن الحارث بن قيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، والحارث ابن الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَبِشْرُ بن الحارث بن قيس بن عدىّ ابن سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَأَخٌ لَهُ مِنْ أُمّهِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، يُقَالُ لَهُ: سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، وَسَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَالسّائِبُ بْنُ الحارث ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، وعمير بن رئاب بن حذيفة بن مهشم بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَمَحْمِيّةُ بْنُ الْجَزَاءِ، حَلِيفٌ لَهُمْ، مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ، أَرْبَعَةَ عَشَرَ رجلا. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ: مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَضْلَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ، وَعُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ، وعدىّ بن نضلة بن عبد العزّى ابن حرثان بن عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ، وَابْنُهُ النّعْمَانُ بْنُ عَدِيّ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفٌ لِآلِ الْخَطّابِ، مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حثمة بن غانم. خَمْسَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزّى بن أبى قيس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المهاجرون من بنى الحارث

أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عبد شمس بن عبدودّ بن نصر بن مالك ابن حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْن مَخْرَمَةَ بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبدود بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو ابن عبد شمس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَسُلَيْطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بن عبدود بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَأَخُوهُ: السّكْرَانُ بْنُ عَمْرٍو، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس ابن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عامر، ومالك بن زمعة بن قيس ابن عبد شمس بن عبدود بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: عَمْرَةُ بِنْتُ السّعْدِيّ بْنِ وقدان بن عبد شمس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بن عبدودّ بن نصر بن مالك ابن حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةُ، حَلِيفٌ لَهُمْ. ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَعْدُ بن خولة من اليمن. [المهاجرون مِنْ بَنِي الْحَارِثِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، وَهُوَ: عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ابن فهر، وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ، وَهُوَ: سُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَلَكُنّ أُمّهُ غَلَبَتْ عَلَى نَسَبِهِ، فَهُوَ يُنْسَبُ إلَيْهَا، وَهِيَ: دَعْدُ بِنْتُ جَحْدَمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ ظَرِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، وَكَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عدد الذين هاجروا إلى الحبشة

تُدْعَى: بَيْضَاءَ، وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَرْحِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ ابن الْحَارِثِ، وَعِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بن هلال بن أهيب ابن ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَيُقَال: بَلْ رَبِيعَةُ بْنُ هلال بن مالك بن ضبّة ابن الحارث، وعمرو بن الحارث بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ مالك ابن ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ غَنْمِ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ ابن هِلَالِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ عامر ابن أمية بن ظرب بن الحارث بن فهر، والحارث بن عبد قيس بن لقيط ابن عامر بن أمية بن ظرب بن الحارث بن فهر. ثمانية نفر. [عدد الذين هاجروا إلَى الْحَبَشَةِ] فَكَانَ جَمِيعُ مَنْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَهَاجَرَ إلَيْهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، سِوَى أَبْنَائِهِمْ الذين خرجوا مَعَهُمْ صِغَارًا وَوُلِدُوا بِهَا، ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، إنْ كَانَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ فِيهِمْ، وَهُوَ يشك فيه. [من شعر الهجرة الحبشية] وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي الْحَبَشَةِ، أَنّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ ابن عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، حِين أَمِنُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَحَمِدُوا جِوَارَ النّجَاشِيّ، وَعَبَدُوا اللهَ، لَا يَخَافُونَ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا، وَقَدْ أَحْسَنَ النجاشى جوارهم حين نزلوا به، قال: يَا رَاكِبًا بَلّغَنْ عَنّى مُغَلْغِلَةً ... مَنْ كَانَ يَرْجُو بَلَاغَ اللهِ وَالدّينِ كُلّ امْرِئِ مِنْ عِبَادِ اللهِ مُضْطَهَد ... بِبَطْنِ مَكّةَ مَقْهُورٍ وَمَفْتُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَنّا وَجَدْنَا بِلَادَ اللهِ وَاسِعَةً ... تُنْجِي مِنْ الذّلّ وَالْمَخْزَاةِ وَالْهُونِ فَلَا تُقِيمُوا عَلَى ذُلّ الْحَيَاةِ، وَخِزْ ... يٍ فِي الْمَمَاتِ، وَعَيْبٍ غَيْرِ مَأْمُونِ إنّا تَبِعْنَا رَسُولَ اللهِ، وَاطّرَحُوا ... قَوْلَ النّبِيّ، وَعَالُوا فِي الْمَوَازِينِ فَاجْعَلْ عَذَابَكَ بِالْقَوْمِ الّذِينَ بَغَوْا ... وَعَائِذًا بِك أَنْ يَعْلُوَا فَيُطْغُونِي وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا، يَذْكُرُ نَفْيَ قُرَيْشٍ إيّاهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَيُعَاتِبُ بَعْضَ قَوْمِهِ فِي ذَلِكَ: أَبَتْ كَبِدِي لَا أَكْذِبَنْك قِتَالَهُمْ ... عَلَيّ، وَتَأْبَاهُ عَلَيّ أَنَامِلِي وَكَيْفَ قِتَالِي مَعْشَرًا أَدّبُوكُمْ ... عَلَى الْحَقّ أَنْ لَا تَأْشِبُوهُ بِبَاطِلِ نَفَتْهُمْ عِبَادُ الْجِنّ مِنْ حُرّ أَرْضِهِمْ ... فَأَضْحَوْا عَلَى أَمْرٍ شَدِيدِ الْبَلَابِلِ فَإِنْ تَكُ كَانَتْ فِي عَدِيّ أَمَانَةٌ ... عَدِيّ بْنِ سَعْدٍ عَنْ تُقًى، أَوْ تَوَاصُلِ فَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنّ ذَلِكَ فِيكُمْ ... بِحَمْدِ الّذِي لَا يُطّبَى بِالْجَعَائِلِ وَبُدّلْت شِبْلًا شِبْلَ كُلّ خَبِيثَةٍ ... بِذِي فَجْرٍ مَأْوَى الضّعَافِ الْأَرَامِلِ وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا: وَتِلْكَ قُرَيْشٌ تَجْحَدُ اللهَ حَقّهُ ... كَمَا جَحَدَتْ عَادٌ وَمَدْيَنُ وَالْحِجْرُ فَإِنْ أَنَا لَمْ أُبْرِقْ فَلَا يَسَعَنّنِي ... مِنْ الْأَرْضِ بَرّ ذُو فَضَاءٍ وَلَا بَحْرُ بِأَرْضٍ بِهَا عَبَدَ الْإِلَهَ مُحَمّدٌ ... أُبَيّنُ مَا فِي النّفْسِ إذ بلغ النّقر ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَسُمّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ- يَرْحَمُهُ اللهُ- لبيته الذى قال: المبرق. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ يُعَاتِبُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جمح، وَهُوَ ابْنُ عَمّهِ، وَكَانَ يُؤْذِيهِ فِي إسْلَامِهِ، وَكَانَ أُمَيّةُ شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ: أَتَيْمَ بْنَ عَمْرٍو لِلّذِي جَاءَ بِغْضَةً ... وَمِنْ دُونِهِ الشّرْمَانُ وَالْبَرْكُ أَكْتَعُ أَأَخْرَجْتَنِي مِنْ بَطْنِ مَكّةَ آمِنًا ... وَأَسْكَنْتنِي فِي صَرْحِ بَيْضَاءَ تقذع قريش نِبَالًا لَا يُوَاتِيكَ رِيشُهَا ... وَتُبْرَى نِبَالًا رِيشُهَا لَكَ أَجْمَعُ وَحَارَبْتَ أَقْوَامًا كِرَامًا أَعِزّةً ... وَأَهْلَكْتَ أَقْوَامًا بِهِمْ كُنْتَ تَفْزَعُ سَتَعْلَمُ إنْ نَابَتْك يَوْمًا مُلِمّةٌ ... وَأَسْلَمَك الْأَوْبَاشُ مَا كُنْتَ تَصْنَعُ وَتَيْمُ بْنُ عَمْرٍو، الّذِي يَدْعُو عُثْمَانَ، جُمَحُ، كان اسمه: تيما. ـــــــــــــــــــــــــــــ حَوْلَ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ اسْتِمَاعَ أَبِي جَهْلٍ وَأَبِي سُفْيَانَ وَالْأَخْنَسِ إلَى قَوْلِ أَبِي جَهْلٍ: فَلَمّا تَجَاذَيْنَا عَلَى الرّكَبِ. وَقَعَ فِي الْجَمْهَرَةِ: الْجَاذِي: الْمُقْعِي عَلَى قَدَمَيْهِ «1» قَالَ: وربما جعلوا الجاذى والجاثى سواء.

_ (1) فى القاموس: جذا جذوا وجذوا كسمو ثبت قائما، كأجذى، أو جثا، أو قام على أطراف أصابعه: وتجاذى: نسل، وهى فى النسخة التى معى لابن هشام: تحاذينا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ سُبْحَانَهُ خَبَرًا عَنْهُمْ: جَعَلْنا بَيْنَكَ، وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً الْإِسْرَاءِ: 45 قَالَ بَعْضُهُمْ: مَسْتُورٌ بِمَعْنَى: سَاتِرٌ كما قال: «وكان وعده مأتيّا» أَيْ: آتِيًا، وَالصّحِيحُ أَنّ مَسْتُورًا هُنَا عَلَى بَابِهِ؛ لِأَنّهُ حِجَابٌ عَلَى الْقَلْبِ، فَهُوَ لَا يُرَى. وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ حِينَ سُئِلَ عن قوله: أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ

_ - هذا وقد ذكر ابن هشام سبب نزول قوله سبحانه: «وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها» وإليك هنا ما ورد عن هذا فى الصحيحين وأحمد عن ابن عباس قال: نزلت هذه الاية ورسول الله- صلّى الله عليه وسلم- متوار بمكة: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ، وَلا تُخافِتْ بِها) قال: كان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن، وسبوا من أنزله، ومن جاء به، قال: فقال الله لنبيه- صلّى الله عليه وسلم- (ولا تجهر بصلاتك) أى بقراءتك، فيسمع المشركون، فيسبون القرآن، ولا تخافت بها عن أصحابك، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك: (وابتغ بين ذلك سبيلا) ولكن قصر الاية على هذا السبب يجعلها معطلة الان، إذ ما ثم بيننا مثل هؤلاء المشركين الذين نخشاهم. ومن زعم أنها للدعاء فقد أخطأ، فالدعاء يقول الله فيه: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) وقد روى عن ابن عباس: «لا تصل مراآة الناس، ولا تدعها مخافة الناس» ، وعن الحسن البصرى: لا تحسن علانيتها، وتسىء سريرتها. وقد روى ابن جرير عن ابن سير بن قوله: نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته، وأن عمر كان يرفع صوته، فقيل لأبى بكر: لم تصنع هذا؟ قال: أناجى ربى عز وجل- وقد علم حاجتى، فقيل: أحسنت، وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال أطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان، قيل: أحسنت، فلما نزلت: (ولا تجهر بصلاتك، ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) قيل لأبى بكر: ارفع شيئا، وقيل لعمر: اخفض شيئا. هذا هدى القرآن فى القراءة فى الصلاة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي صُدُورِكُمْ فَقَالَ: الْمَوْتَ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ يَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرٍ، وَرَأَيْت لِبَعْضِ الْمُتَأَخّرِينَ فِيهِ، قَالَ: أَرَادَ ابْنُ عَبّاسٍ أَنّ الْمَوْتَ سَيَفْنَى كَمَا يَفْنَى كُلّ شَيْءٍ، كَمَا جَاءَ أَنّهُ يُذْبَحُ عَلَى الصّرَاطِ، فَكَانَ الْمَعْنَى أَنْ لَوْ كُنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا لَأَدْرَكَكُمْ الْفَنَاءُ وَالْمَوْتُ، وَلَوْ كُنْتُمْ الْمَوْتَ الّذِي هُوَ كَبِيرٌ فِي صُدُورِكُمْ، فَلَا بُدّ لَكُمْ مِنْ الْفَنَاءِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ، وَقَدْ بَقِيَ فِي نَفْسِي مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ شَيْءٌ «1» ، حَتّى يُكْمِلَ اللهُ نِعْمَتَهُ بِفَهْمِهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ: نُفُورًا: جَمْعُ نَافِرٍ، فَيَكُونُ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مصدرا مؤكدا لولوا. وَمِمّا أَنْزَلَ اللهُ فِي اسْتِمَاعِهِمْ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ، أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ يُونُسَ: 42 أَلَا تَرَى كَيْفَ جَمَعَ يَسْتَمِعُونَ، وَالْحَمْلُ عَلَى اللّفْظِ إذَا قُرّبَ مِنْهُ أَحْسَنُ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ فَأُفْرِدَ، حَمْلًا عَلَى لَفْظِ مَنْ، وَقَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ: وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، فَجُمِعَ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى، لِمَا بَعُدَ عَنْ اللّفْظِ، وَهَكَذَا كَانَ الْقِيَاسُ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ، وَلَكِنْ لَمّا كَانُوا جَمَاعَةً، وَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِمْ بِأَعْيَانِهِمْ، صَارَ الْمَعْنَى: وَمِنْهُمْ نَفَرٌ يَسْتَمِعُونَ، يَعْنِي أُولَئِكَ النّفَرَ، وَهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَأَبُو سُفْيَانَ وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، أَلَا تَرَى كَيْفَ قَالَ بعد: وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ فَأُفْرِدَ حَمْلًا عَلَى اللّفْظِ لِارْتِفَاعِ السّبَبِ الْمُتَقَدّمِ، والله أعلم.

_ (1) الاية واضحة يعنى: أى خلق يكبر فى صدور هؤلاء ومن هم على شاكلتهم، ولهذا قال مجاهد: السماء والأرض والجبال، وفى رواية: ما شئتم فكونوا فسيعيدكم الله بعد موتكم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُكْرَهُ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَعْذِيبَ مَنْ أَسْلَمَ وَطَرْحَهُمْ فِي الرّمْضَاءِ، وَكَانُوا يُلْبِسُونَهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، حَتّى أَعْطَوْهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا سَأَلُوا مِنْ كَلِمَةِ الْكُفْرِ إلّا بِلَالًا- رَحِمَهُ اللهُ- وَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَنَزَلَ فِي عَمّارٍ وَأَبِيهِ: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً «1» وَلَمّا كَانَ الْإِيمَانُ أَصْلُهُ فِي الْقَلْبِ، رَخّصَ لِلْمُؤْمِنِ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ حَتّى يَأْمَنَ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا مِنْ كَلِمَةٍ تَدْفَعُ عَنّي سَوْطَيْنِ إلّا قُلْتهَا هَذَا فِي الْقَوْلِ، فَأَمّا الْفِعْلُ، فَتَنْقَسِمُ فِيهِ الْحَالُ: فَمِنْهُ مَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ، إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْقَتْلَ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ إلّا مَا دُونَ الْقَتْلِ، فَالصّبْرُ لَهُ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فِي ذَلِكَ إلّا كَسَجْنِ يَوْمٍ، أَوْ طَرَفٍ مِنْ الْهَوَانِ خَفِيفٍ، فَلَا تَحِلّ لَهُ الْمَعْصِيَةُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَأَمّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْقَتْلِ، فَلَا خِلَافَ فِي حَظْرِهِ؛ لِأَنّهُ إنّمَا رَخّصَ لَهُ فِيمَا دُونَ الْقَتْلِ، لِيَدْفَعَ بذلك قتل نفس مؤمنة،

_ (1) روى العوفى عن ابن عباس أن الاية: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ» نزلت فى حق عمار ابن ياسر، وهكذا قال الشعبى وقتادة وأبو مالك وابن جرير، ورواه البيهقى، وفيه أنه سب النبى «ص» وذكر آلهتهم بخير، فشكا ذلك إلى النبى، فقال: يا رسول الله ما تركت حتى سببتك، وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنا بالإيمان، فقال: إن عادوا فعد. أما الأخرى فلم يذكر لها سبب. وروى قصة تعذيب بلال أحمد فى مسنده، وروى ابن أبى شيبة أن أبا بكر اشتراه بخمس أواق وهو مدفون، كما روى الطبرانى أن عامر بن فهيرة كان ممن يعذب فى الله، فاشتراه أبو بكر وأعتقه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهِيَ نَفْسُهُ، فَأَمّا إذَا دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِ أُخْرَى، فَلَا رُخْصَةَ، وَاخْتُلِفَ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الزّنَى، فَذُكِرَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنّهُ قَالَ: لَا رُخْصَةَ فِيهِ؛ لِأَنّهُ لَا يَنْتَشِرُ لَهُ إلّا عَنْ إرَادَةٍ فِي الْقَلْبِ أَوْ شَهْوَةٍ، وَأَفْعَالُ الْقَلْبِ لَا تُبَاحُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ يُرَخّصُ فِي ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ الْقَتْلَ، لِأَنّ انْبِعَاثَ الشّهْوَةِ عِنْدَ الْمُمَاسّةِ بِمَنْزِلَةِ انْبِعَاثِ اللّعَابِ عِنْدَ مَضْغِ الطّعَامِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَكْلُ الْحَرَامِ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ. فَصْلٌ: واختلف الأصوليون فى مسئلة مِنْ الْإِكْرَاهِ، وَهِيَ: هَلْ الْمُكْرَهُ عَلَى الْفِعْلِ مُخَاطَبٌ بِالْفِعْلِ، أَمْ لَا؟ فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يَصِحّ الْأَمْرُ بِالْفِعْلِ مَعَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ الْأَشْعَرِيّةُ: ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنّ الْعَزْمَ إنّمَا هُوَ فِعْلُ الْقَلْبِ، وَقَدْ يُتَصَوّرُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْحِينِ الْعَزْمُ وَالنّيّةُ، وَهِيَ الْقَصْدُ إلَى امْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنّهُ يَفْعَلُهُ خَوْفًا مِنْ النّاسِ، وَذَلِكَ إذَا أُكْرِهَ عَلَى فَرْضٍ كَالصّلَاةِ مَثَلًا، إذَا قِيلَ: صَلّ وَإِلّا قُتِلْت، وَأَمّا إذَا قِيلَ لَهُ: إنْ صَلّيْت قُتِلْت، فَظَنّ الْقَاضِي أَنّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي ذَلِكَ، وَغَلّطَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وقالوا: لا خلاف فى هذه المسئلة أَنّهُ مُخَاطَبٌ بِالصّلَاةِ مَأْمُورٌ بِهَا، وَإِنْ رُخّصَ لَهُ فِي تَرْكِهَا، فَلَيْسَ التّرْخِيصُ مِمّا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ الْخِطَابِ، وَإِنّمَا يَرْفَعُ عَنْهُ الْإِكْرَاهُ الْمَأْثَمَ، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا بِهَا، وَهَذَا الْغَلَطُ الْمَنْسُوبُ إلَى الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِقَوْلِ لَهُ، وَإِنّمَا حَكَاهُ فِي كِتَابِ التّقْرِيبِ وَالْإِرْشَادِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ. قَالُوا: لَا يُتَصَوّرُ الْقَصْدُ وَالْإِرَادَةُ لِلْفِعْلِ مَعَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنّهُ يُتَصَوّرُ انْكِفَافُهُ عَنْهُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، فَكَذَلِكَ يُتَصَوّرُ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى الِامْتِثَالِ لَهُ، وَبِهِ يَتَعَلّقُ التّكْلِيفُ، فَإِنّمَا غَلِطَ مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ من الأصوليين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَذَا الْقَوْلَ الّذِي أَبْطَلَهُ، وَبَيّنَ بُطْلَانَهُ، وَإِنّمَا ذَكَرْت مَا قَالُوهُ قَبْلَ أَنْ أَرَى كَلَامَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَقِفَ عَلَى حَقِيقَةِ مَذْهَبِهِ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْغَلَطِ فِيهَا. آلُ يَاسِرٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِيمَنْ عُذّبَ فِي اللهِ: سُمَيّةُ أُمّ عَمّارٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَتْلَ أَبِي جَهْلٍ لَهَا، وَهِيَ أَوّلُ شَهِيدٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَرُوِيَ أَنّ عَمّارًا قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ بَلَغَ مِنّا الْعَذَابُ كُلّ مَبْلَغٍ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَبْرًا أَبَا الْيَقْظَانِ «1» ، ثُمّ قَالَ: اللهُمّ لَا تُعَذّبْ أَحَدًا مِنْ آلِ عَمّارٍ بِالنّار، وَسُمَيّةُ أُمّهُ، وَهِيَ بِنْتُ خَيّاطٍ «2» ، كَانَتْ مَوْلَاةً لِأَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَاسْمُهُ مُهَشّمٌ، وَهُوَ عَمّ أَبِي جَهْلٍ، وَغَلِطَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِيهَا، فَزَعَمَ أَنّ الْأَزْرَقَ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَ يَاسِرٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ سَلَمَةَ بْنَ الْأَزْرَقِ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنّسَاءِ: إنّمَا سُمَيّةُ أُمّ سَلَمَةَ بْنِ الْأَزْرَقِ سُمَيّةُ أُخْرَى، وَهِيَ أم زياد ابن أَبِي سُفْيَانَ، لَا أُمّ عَمّارٍ، وَعَمّارٌ وَالْحُوَيْرِثُ وَعَبّودُ بَنُو يَاسِرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ ابن كِنَانَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْحُصَيْنِ بْنِ لَوْذَيْنِ، ويقال الوذبم بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ زيام بْنِ عَنْسِ «3» بْنِ مَالِكِ بن أدد بن زيد العنسىّ المذحجىّ

_ (1) ذكره ابن عبد البر. (2) وقيل خباط بضم الحاء وتشديد الباء، وعند الفاكهى: خبط بفتح الخاء وسكون الباء وعند ابن سعد أنها بنت سليم (3) فى الاشتقاق: عمار والحريث وعبد الله بنو ياسر. وفيه الوذيم. ويام بدلا من زيام وهذه أيضا فى الإصابة. وقد روى أحمد فى مسنده أن الرسول «ص» مر على عمار وأبيه وأمه، وهم يعذبون، فقال أبو عمار: يا رسول الله الدهر هكذا؟ فقال له: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَلِيفٌ لِبَنِي مَخْزُومٍ، وَمِنْ وَلَدِ عَمّارٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُثْمَانَ ابن الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَهُوَ الْمَقْتُولُ بِالْأَنْدَلُسِ، قَتَلَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ. زِنّيرَةُ وَغَيْرُهَا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ زِنّيرَةَ «1» الّتِي أَعْتَقَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَوّلُ اسمهما: زَايٌ مَكْسُورَةٌ بَعْدَهَا نُونٌ مَكْسُورَةٌ مُشَدّدَةٌ عَلَى وَزْنِ فِعّيلَةٍ، هكذا صَحّتْ الرّوَايَةُ فِي الْكِتَابِ، وَالزّنّيرَةُ: وَاحِدَةُ الزّنَانِيرِ، وَهِيَ الْحَصَا الصّغَارُ «2» ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهَا: زَنْبَرَةٌ بِفَتْحِ الزّايِ وَسُكُونِ النّونِ وَبَاءٍ بَعْدَهَا، وَلَا تُعْرَفُ زَنْبَرَةٌ فِي النّسَاءِ، وَأَمّا فِي الرّجَالِ فَزَنْبَرَةُ بْنُ زُبَيْرِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ الحارث ابن تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ، وَابْنُهُ: خَالِدُ بْنُ زنبرة، وهو الغرق قاله الدار قطنى. أُمّ عُمَيْسٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أُمّ عُمَيْسٍ «3» ، وَكَانَتْ لِبَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ أَعْتَقَهَا أَبُو بَكْرٍ،

_ - النبى «ص» اصبر ثم قال: اللهم غفرا لال ياسر، وقد فعلت. وعند الطبرانى فى الأوسط: اصبروا آل ياسر موعدكم الجنة. أو أبشروا آل ياسر موعدكم الجنة (1) كان أبو جهل يتهكم بها وبمن آمن، فيقول: «ألا تعجبون إلى هؤلاء وأتباعهم. لو كان ما أتى محمد خيرا وحقا ما سبقونا إليه، أفتسبقنا زنيرة إلى رشد» ص 269 ح 6 شرح المواهب. (2) وذباب صغار أيضا. (3) أو عنيس، أو عبيس بالتصغير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ عُذّبُوا فِي اللهِ لِمَا أَعْطَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا سُئِلُوا مِنْ الْكُفْرِ، جَاءَتْ قَبِيلَةُ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِأَنْطَاعِ الْأُدُمِ فِيهَا الْمَاءُ، فَوَضَعُوهُمْ فِيهَا، وَأَخَذُوهُمْ بِأَطْرَافِ الْأَنْطَاعِ، وَاحْتَمَلُوهُمْ إلّا بِلَالًا. عَنْ بِلَالٍ: وَقَوْلُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ: لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ يَعْنِي: بِلَالًا، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْحَالِ لَأَتّخِذَنهُ حَنَانًا «1» . أَيْ: لَأَتّخِذَن قَبْرَهُ مَنْسَكًا وَمُسْتَرْحَمًا. وَالْحَنَانُ: الرّحْمَةُ، وَكَانَ بِلَالٌ رَحِمَهُ اللهُ يُكَنّى: أَبَا عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَقِيلَ: أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَأُخْتُهُ غُفْرَةُ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ ذِكْرُ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، وَهِيَ هَذِهِ. وَالْغُفْرَةُ: الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْأَرَاوِيّ «2» ، وَالذّكَرُ: غُفْرٌ. بَابُ الْهِجْرَةِ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا نَسَبَ الْحَبَشَةِ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ، وَأَمّا النّجَاشِيّ فَاسْمٌ لِكُلّ مَلِكٍ يَلِي الْحَبَشَةَ، كَمَا أَنّ كِسْرَى اسْمٌ لِمَنْ مَلَكَ الْفُرْسَ، وَخَاقَانَ اسْمٌ لِمَلِكِ التّرْكِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَبَطْلَيْمُوسَ: اسْمٌ لِمَنْ مَلَكَ يُونَانَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى قَبْلُ، وَاسْمُ هَذَا النّجَاشِيّ: أَصْحَمَةُ «3» بْنُ أَبْجَرَ، وَتَفْسِيرُهُ: عَطِيّةُ. وَذَكَرَ

_ (1) هو عند الزبير بن بكار وأبى الفتح اليعمرى. (2) أر اوى بفتح أوله وثانيه وكسر الواو وتضعيف الياء: جمع قلة لأروية بضم أو كسر فسكون فكسر ففتح مع تشديد: أنثى الوعول، أو أنثى التيس الجبلى، وكذلك غفرة وجمع الكثرة: أروى على وزن أفعل، على غير قياس. وفى اللسان عن أبى العباس: «والصحيح عندى أن أراوى تكسير أروية. كأرجوحة وأراجيح، والأروى: اسم للجمع، وأروى تنون ولا تنون «انظر اللسان مادة روى» (3) كذلك ورد اسمه فى البخارى» ، وفى مصنف ابن أبى شيبة بحذف الهمزة وحكى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي أَوّلِ مَنْ خَرَجَ إلَى الْحَبَشَةِ: عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ وَزَوْجَهُ رُقَيّةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ حِينَ تَزَوّجَهَا يُغَنّيهَا النّسَاءُ: أَحْسَنُ شَخْصَيْنِ رَأَى إنْسَانٌ ... رُقَيّةُ وَبَعْلُهَا عُثْمَانُ وَلَدَتْ رُقَيّةُ لِعُثْمَانِ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ، وَبِهِ كَانَ يُكَنّى، وَمَاتَ عَبْدُ اللهِ وَهُوَ ابْنُ سِتّ سِنِينَ، وَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ أَنّ دِيكًا نَقَرَهُ فِي عَيْنِهِ، فَتَوَرّمَ وَجْهُهُ فَمَرِضَ، فَمَاتَ. وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، ثُمّ كُنّيَ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَا عَمْرٍو، وَهَذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ الْأَصْغَرُ. وَعَبْدُ اللهِ الْأَكْبَرُ هُوَ ابْنُهُ مِنْ فَاخِتَةَ بِنْتِ غَزْوَانَ، وَأَكْبَرُ بَنِيهِ بَعْدَ هَذَيْنِ: عَمْرٌو، وَمِنْ بَنِيهِ عُمَرُ وَخَالِدٌ وَسَعِيدٌ وَالْوَلِيدُ وَالْمُغِيرَةُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ «1» وَأَبَانُ، وَفِي السّيرَةِ مِنْ غَيْرِ هذه الرواية أن رقية كانت

_ - الإسماعيلى: أصخمة وقيل: أصحبة وقيل: صحبة، وقيل: مصحمة، وقيل اسمه: مكحول وقال مغلطاى: ملك الترك خاقان، والروم: قيصر واليمن: تبع، واليونان: بطليموس، واليهود: القيطون فيما قيل، والمعروف: مالح، وملك الصابئة: النمروذ ودهمز، وملك الهند: يعفور، والزنج: زغانة، ومصر والشام: فرعون، فإن أضيف إليهما الإسكندرية سمى: العزيز، ويقال المقوقس. ولملك العجم: كسرى، ولملك فرغانة: الإخشيد، والعرب من قبل العجم: النعمان، وملك البربر: جالوت. وجمع الحبش: أحبوش بضم أوله، وأما قولهم: الحبش فعلى غير قياس، وقالوا: حبشان وقالوا: أحبش وأصل التحبيش: التجميع. وكان النجاشى قديما لقبا لملوك الحبشة، ثم غير إلى الحطى. والنجاشى إما بفتح النون وإسكان الياء أو تشديدها أو بكسر النون مع مد الشين. (1) فى نسب قريش: عمرو وعمرو وخالد وأبان وحريم وأمهم: أم عمرو بنت جندب بن عمر بن حممة من الأزد من دوس. ومنهم الوليد وسعيد وأم عثمان-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ أَحْسَنِ الْبَشَرِ، وَأَنّ رِجَالًا مِنْ الْحَبَشَةِ رَأَوْهَا بِأَرْضِهِمْ، فَكَانُوا يُدَرْكِلُونَ «1» إذَا رَأَوْهَا إعْجَابًا مِنْهُمْ بِحُسْنِهَا، فَكَانَتْ تَتَأَذّى بِذَلِكَ، وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ لِغُرْبَتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا لَهُمْ شَيْئًا، حَتّى خَرَجَ أُولَئِكَ النّفَرُ مَعَ النّجَاشِيّ إلَى عَدُوّهِ الّذِي كَانَ ثَارَ عَلَيْهِ، فَقُتِلُوا جَمِيعًا، فَاسْتَرَاحَتْ مِنْهُمْ، وَظَهَرَ النّجَاشِيّ عَلَى عَدُوّهِ، وَرَوَى الزّبَيْرُ فِي حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلًا بِلُطُفٍ إلَى عُثْمَانَ وَرُقَيّةَ، فَاحْتُبِسَ عَلَيْهِ الرّسُولُ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنْ شِئْت أَخْبَرْتُك مَا حَبَسَك، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَقَفْت تَنْظُرُ إلَى عُثْمَانَ وَرُقَيّةَ تَعْجَبُ مِنْ حُسْنِهِمَا. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ تَسْمِيَةَ الْمُهَاجِرِينَ «2» إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَقَدْ تَقَدّمَ التّعْرِيفُ بِبَعْضِهِمْ، وَذَكَرْنَا سَبَبَ إسْلَامِ عَمْرِو بْنِ سعيد بن العاصى، وأنه

_ - أمهم: فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ. ومنهم عبد الملك لا بقية له، وتوفى رجلا، أمه: أم البنين بنت عيينة بن حصين ابن حذيفة بن بدر. ومنهم: عائشة، وأم أبان، وأم عمرو. وأمهم: رملة بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس ص 104 (1) الدركلة كشر ذمة وسبحلة أى بكسر ففتح فسكون ففتح: لعبة للعجم أو ضرب من الرقص أو هى حبشية (2) فى فتح البارى: «أن الهجرة وقعت مرتين، وذكر أهل السير أن الأولى كانت فى شهر رجب من سنة خمس من المبعث، وأن أول من هاجر منهم أحد عشر رجلا وأربع نسوة، وقيل: وامرأتان، وقيل: كانوا اثنى عشر رجلا، وقيل: كانوا عشرة، وأنهم خرجوا. حتى وصلوا إلى شعيبة مكان على ساحل البحر الأحمر، فاستأجروا سفينة- فى غير الفتح: سفينتين- بنصف دينار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَأَى نُورًا خَرَجَ مِنْ زَمْزَمَ أَضَاءَتْ لَهُ مِنْهُ نَخْلُ الْمَدِينَةِ، حَتّى رَأَوْا الْبُسْرَ فِيهَا، فَقَصّ رُؤْيَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: هَذِهِ بِئْرُ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَهَذَا النّورُ فِيهِمْ يَكُونُ، فَكَانَ سَبَبًا لِبِدَارِهِ لِلْإِسْلَامِ. رُؤْيَا سَعْدٍ وَخَالِدٍ وَلَدَيْ الْعَاصِ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدّمَ أَنّ هَذِهِ الرّؤْيَا إنّمَا كَانَتْ لِأَخِيهِ، وَأَنّ عَمْرًا هُوَ الّذِي عَبّرَهَا لَهُ، وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِيهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَأَمّا أَخُوهُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، فَكَانَ يَرَى- قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ- نَفْسَهُ قَدْ أشفى على نار تأجّح، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قَدْ أَخَذَ بِحُجْزَتِهِ «1» ، يَصْرِفُهُ عَنْهَا، فَلَمّا اسْتَيْقَظَ عَلِمَ أَنّ نَجَاتَهُ مِنْ النّارِ عَلَى يَدَيْ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فلما أَظْهَرَ إيمَانَهُ ضَرَبَهُ أَبُوهُ بِمَقْرَعَةِ، حَتّى كَسَرَهَا عَلَى رَأْسِهِ، وَحَلَفَ أَلّا يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَأَغْرَى بِهِ إخْوَتَهُ، فَطَرَدُوهُ وَآذَوْهُ، فَانْقَطَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتّى هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ- كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ- وأبوه سعيد بن العاصى أَبُو أُحَيْحَةَ الّذِي يَقُولُ فِيهِ الْقَائِلُ: أَبُو أُحَيْحَةَ: أَبُو أُحَيْحَةَ مَنْ يَعْتَمّ عِمّتَهُ ... يُضْرَبُ وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَذَا عَدَدِ وَكَانَ إذَا اعْتَمّ لَمْ يَعْتَمّ قُرَشِيّ إعْظَامًا لَهُ «2» ، وَقَدْ قِيلَ فِي عِمّتِهِ أَيْضًا مَا أَنْشَدَهُ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ الْجَاحِظُ: وَكَانَ أَبُو أُحَيْحَةَ قَدْ عَلِمْتُمْ ... بِمَكّةَ غَيْرَ مُهْتَضِمٍ ذَمِيمِ إذَا شَدّ الْعِصَابَةَ ذَاتَ يَوْمٍ ... وَقَامَ إلَى الْمَجَالِسِ والخصوم

_ (1) الحجزة: معقد الإزار (2) انظر أيضا ص 78 الاشتقاق، وفيه يقول فوق ما ذكره السهيلى: أحيحة: تصغير: أحة، وهو ما يجده الإنسان فى قلبه من حرارة غيظ وحزن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَقَدْ حَرُمَتْ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْشِي ... بِمَكّةَ غَيْرَ مُحْتَقِرٍ لَئِيمِ «1» مَاتَ أُحَيْحَةُ الّذِي كَانَ يُكْنَى بِهِ فِي حَرْبِ الْفِجَارِ، وَأَسْلَمَ مِنْ بَنِيهِ أَرْبَعَةٌ أَبَانٌ وَخَالِدٌ وَعَمْرٌو وَالْحَكَمُ الّذِي سَمّاهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبد الله، ومات أحيحة بن سعيد، والعاصى بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ بَنِيهِ عَلَى الْكُفْرِ، قتل العاصى مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا. أَمَةُ بِنْتُ خَالِدٍ وَأَبُوهَا: وَذَكَرَ أَمَةَ بِنْتَ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ الّتِي وُلِدَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، قَالَ: وَتَزَوّجَهَا الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَهِيَ الّتِي كَسَاهَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَهِيَ

_ (1) الأبيات لأبى قيس بن الأسلت، وهى فى البيان والتبيين للجاحظ ص 97 ح 2 ط لجنة التأليف والترجمة والنشر. والشطرة الثانية من البيت الثالث هكذا «بمكة غير مدخل سقيم» وبعدها. وكان البخترى غداة جمع ... يدافعهم بلقمان الحكيم بأزهر من سراة بنى لؤى ... كبدر الليل راق على النجوم هو البيت الذى بنيت عليه ... قريش السر فى الزمن القديم وسطت ذوائب الفرعين منهم ... فأنت لباب سرهم الصميم وفى الروض: «إذا ما شد العصابة» وهو خطأ. ملحوظة: مازدته فى الأنساب هو من نسب قريش، كما حدث فى نسب عبد الرحمن بن عوف. فقد زدت بين عبد الحارث كلمة ابن من صفحة 265 ومن الإصابة وتمت خلافات يسيرة عما هنا. ويقول ابن سعد إن الخطاب كان قد تبنى عامر بن ربيعة، فكان يقال: عامر بن الخطاب حتى نزلت: ادعوهم لابائهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَغِيرَةٌ، وَجَعَلَ يَقُولُ: سَنّاهْ، سَنّاهْ يَا أُمّ خَالِدٍ!! أَيْ: حَسَنٌ حَسَنٌ «1» بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ، وَكَانَتْ قَدْ تَعَلّمَتْ لِسَانَ الْحَبَشَةِ؛ لِأَنّهَا وُلِدَتْ بِأَرْضِهِمْ، وَوَلَدَتْ لِلزّبَيْرِ عَمْرًا وَخَالِدًا، يُقَالُ: إنّ أَبَاهَا خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ أَوّلُ مَنْ كَتَبَ: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، مَاتَ بِأَجْنَادِينَ «2» شَهِيدًا، وَكَانَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد اسْتَعْمَلَهُ عَلَى صَنْعَاءَ وَالْيَمَنِ، فَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ، فَقَالَ: لَا أَعْمَلُ لِأَحَدِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبدا، ويروى أن أباه سعيد بن العاصى مَرِضَ، فَقَالَ: إنْ رَفَعَنِي اللهُ مِنْ مَرَضِي لَا يُعْبَدُ إلَهُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ «3» بِمَكّةَ أَبَدًا، فَقَالَ ابْنُهُ خَالِدٌ: اللهُمّ لَا تَرْفَعْهُ فهلك مكانه، فهؤلاء بنو سعيد بن العاصى بْنِ أُمَيّةَ: عبد شمس: وَعُثْمَانُ: هُوَ ابْنُ عَفّانَ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ، وَلَا يُخْتَلَفُ فِي عَبْدِ شَمْسٍ أَنّهُ بِالدّالِ، وَأَمّا عَبْ شَمْسِ بْنِ سَعِيدِ بن زيد مناة بن تميم،

_ (1) حديثها فى البخارى، وأن النبى كساها خميصة لها أعلام، فجعل رسول الله «ص» يمسح الأعلام بيده، ويقول: سناه سناه. قال الحميدى: يعنى: حسن حسن ويقال سنا بالتشديد والتخفيف أو سنه (2) إذا نطقت بفتح الدال كسرت النون كالمثنى، وإذا قرئت بكسر الدال فتحت النون كالجمع (3) أبو كبشة هو: وجز بن غالب الذى كانت قريش تنسب رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَيْهِ؛ لأنه- صلّى الله عليه وسلم- خالف دين قريش، فقالت قريش: «نزعه أبو كبشة» لأن أبا كبشة خالف الناس فى عبادة الشعرى، والعرب تزعم أن أحدا لا يعمل شيئا إلا بعرق ينزعه شبهه. وكان أبو كبشة سيدا فى خزاعة. لم يعيروا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِ من تقصير كان فيه، ولكنهم أرادوا أن يشبهوه بخلاف أبى كبشة، فيقولون: خالف كما خالف أبو كبشة. ص 262 نسب قريش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَالَ فِيهِ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْقُتَبِيّ: عَبْدُ شَمْسٍ كَمَا فِي الْأَوّلِ. وَقَالَ أَكْثَرُ النّاسِ فِيهِ: عَبْ شَمْسٍ «1» ، ثُمّ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ، مَعْنَاهُ: عَبْدُ شَمْسٍ، لَكِنْ أُدْغِمَتْ الدّالُ، وَقِيلَ: بَلْ [عَبْ شَمْسٍ و] عَبْ الشّمْسِ هُوَ ضوؤها أَوْ صَفَاؤُهَا، وَقِيلَ فِي الْمَثَلِ: هُوَ أَبْرَدُ مِنْ عَبْقُرّ أَيْ: الْبَرْدِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: وَهُوَ المبرد: من عب قرأى: بَيَاضُ قُرّ، وَمِنْ حَبْ قُرّ أَيْضًا «2» . وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَعْنِي: عَبْ شَمْسٍ. وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ مَعْنَاهُ: عَبْءُ شَمْسٍ بِالْهَمْزِ. ثُمّ حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ تَسْهِيلًا. وَعَبْءُ الشّمْسِ. وَعَبْوُهَا مِثْلُهُ «3» . عَمّارٌ لَمْ يُهَاجِرْ إلَى الْحَبَشَةِ: وَشَكّ ابْنُ إسْحَاقَ فِي عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ: هَلْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، أَمْ لَا. وَالْأَصَحّ عِنْدَ أَهْلِ السّيَرِ كَالْوَاقِدِيّ وَابْنِ عُقْبَةَ. وغيرهما أنه لم يكن فيهم.

_ (1) يكتب: عبشمس، ولقبه: مقروع ويقال بتضعيف الباء مع الإضافة (2) فى القاموس. حبقر «بفتح فسكون فضم فراء مشددة، كفعلل ذكروه فى الأبنية، ولم يفسروه، ومعناه: البرد حب الغمام، يقال: أبرد من حبقر، ويقال: عبقر، وأصله: حب قر «بفتح حاء حب وتشديد الباء مع إضافتها إلى قر» والقر- بضم القاف- البرد، والدليل على ما ذكرته: أن أبا عمر ابن العلاء يرويه: أبرد من عب قر، والعب- بفتح فتضعيف: اسم للبرد. انتهى» . وعب الشمس الذى هو ضوؤها بفتح العين وتشديد الباء أو تخفيفها. (3) ضوؤها ويقول محمد بن حبيب فى كتابه متشابه القبائل: كل شىء فى العرب عبد شمس غير عبشمس بن سعد فى تميم، وعبشمس بن آخر فى طيىء. هكذا قال بسكون الباء فيهما، وذكر غيره أن الذى فى تميم: عبشمس- بفتح الياء- والذى فى طىء: عبشمس «بكسر الباء» انظر ص 450 ح 2 المزهر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَوْلَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ مَنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمْ تَمِيمَ بْنَ الْحَارِثِ. وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ وَغَيْرُهُ. وَالْحَارِثُ ابن قيس كان أبوه «1» من الْمُسْتَهْزِئِينَ الّذِينَ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الْحِجْرِ: 95. حَوْلَ بَنِي زُهْرَةَ وَطَلِيبِ بْنِ عَبْدٍ: وَذَكَرَ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ مَنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَهُمْ سِتّةُ نَفَرٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ السّابِعَ، وَهُوَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ شِهَابٍ «2» جَدّ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، وَكَانَ اسْمُهُ: عَبْدَ الْجَانّ، فَسَمّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَبْدَ اللهِ «3» مَاتَ بِمَكّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ «4» وَأَخُوهُ: عَبْدُ اللهِ الْأَصْغَرُ شَهِدَ أُحُدًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ، ثم أسلم.

_ (1) الحارث بن قيس بن عدى السهمى إليه فى الجاهلية كانت الحكومة والأموال. ذكر ابن عبد البر أنه أسلم، وهاجر إلى الحبشة مع بنيه الحارث وبشر ومعمر، وتعقبه ابن الأثير بأن الزبير بن بكار وابن الكلبى ذكرا أنه كان من المستهزئين، وزاد الذهبى فى التجريد: لم يذكر أحد أنه أسلم إلا أبا عمر، ورده فى الإصابة بأنه ذكره فى الصحابة أيضا: أبو عبيد ومصعب والطبر وغيرهم، ولا مانع من أن يكون قد تاب وصحب وهاجر، والاية ليست صريحة فى عدم توبة بعضهم. (2) هو عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن زهرة بن كلاب الزهرى. ذكره الزهرى والزبير وغيرهما فيمن هاجر إلى الحبشة، ومات بمكة قبل هجرة المدينة وكذا قال الطبرى (3) عن ابن سعد والزبير وزاد ابن سعد: ليس له حديث (4) رد الحافظ فى الإصابة قوله هذا؛ لأنه مأخوذ عن رواية الوقاصى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ الْمُطّلِبَ بْنَ عَبْدِ عَوْفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَخَاهُ طَلِيبًا، وَكِلَاهُمَا هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، ومات بها، وَهُمَا أَخَوَا أَزْهَرِ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ. مِنْ شِعْرِ الْهِجْرَةِ الْحَبَشِيّةِ وَمَسَائِلُهُ النّحْوِيّةُ: فَصْلٌ: وَأَنْشَدَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ مَا قَالَهُ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَفِيهِ قَوْلُهُ: أَلْحِقْ «1» عَذَابَك بِالْقَوْمِ الّذِينَ طَغَوْا ... وَعَائِذًا بِك أَنْ يَعْلُو فَيُطْغُونِي أَنْشَدَهُ سِيبَوَيْهِ فِيمَا يَنْتَصِبُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إظْهَارُهُ، وَذَلِكَ لِحِكْمَةِ، وَهِيَ أَنّ الْفِعْلَ لَوْ ظَهَرَ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا، فَالْمَاضِي يُوهِمُ الِانْقِطَاعَ، وَالْمُتَكَلّمُ إنّمَا يُرِيدُ أَنّهُ فِي مَقَامِ الْعَائِذِ، وَفِي حَالِ عَوْذٍ، وَالْفِعْلُ الْمُسْتَقْبَلُ أَيْضًا يُؤْذِنُ بِالِانْتِظَارِ، وَفِعْلُ الْحَالِ مُشْتَرَكٌ مَعَ الْمُسْتَقْبَلِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ يُوهِمُ أَنّهُ غَيْرُ عَائِذٍ، فَكَانَ مَجِيئُهُ بِلَفْظِ الِاسْمِ الْمَنْصُوبِ عَلَى الْحَالِ أَدَلّ عَلَى مَا يُرِيدُ، فَإِنّ عَائِذًا كَقَائِمِ وَقَاعِدٍ، وَهُوَ الّذِي يُسَمّى عِنْدَ الْكُوفِيّينَ: الدّائِمُ، فَالْقَائِلُ: عَائِذًا بِك يَا رَبّ، إنّمَا يُرِيدُ: أَنَا فِي حَالِ عِيَاذٍ بِك، وَالْعَامِلُ فِي هَذِهِ الْحَالِ: تَكَلّمُهُ وَنِدَاؤُهُ، أَيْ: أَقُولُ قَوْلِي هَذَا عَائِذًا، وَلَيْسَ تَقْدِيرُهُ: عُذْت وَلَا أَعُوذُ، إنّمَا يُرِيدُ أَنْ يَسْمَعَهُ رَبّهُ، أَوْ يَرَاهُ عَائِذًا بِهِ. وَقَوْلُهُ: أَنْ يَعْلُو يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَنْ مَعَ ما بعدها فى موضع نصب،

_ - عن الزهرى، وهى تقول أنه قدم مع جعفر فى السفينة. لكن الوقاصى ضعيف. وذكر البخارى فى تاريخه عن عبد الله أنه أقام بالحبشة. (1) فى السيرة: فاجعل عذابك. وانظر ص 17 ج 1 من كتاب سيبوية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عِنْدَ النّحْوِيّينَ، أَمّا النّصْبُ فَعَلَى إضْمَارِ الْفِعْلِ، لِأَنّهُ قَالَ: عَائِذًا، فَأَعْلَمَ أَنّهُ خَائِفٌ، فَكَأَنّهُ قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَعْلُو فَيُطْغُونِي، وَأَمّا الْخَفْضُ فَعَلَى إضْمَارِ حَرْفِ الْجَرّ، فَكَأَنّهُ قَالَ: مِنْ أَنْ يَعْلُو، وَهُوَ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ فِي أَنْ الْمُخَفّفَةِ وَأَنْ الْمُشَدّدَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً الْأَنْبِيَاءِ: 92 تَقْدِيرُهُ: لِأَنّ هَذِهِ، وَجَازَ إضْمَارُ حَرْفِ الْجَرّ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ حُرُوفُ الْجَرّ لَا تُضْمَرُ، لِأَنّهُمَا مَوْصُولَتَانِ بِمَا بَعْدَهُمَا، فَطَالَ الِاسْمُ بِالصّلَةِ، فَجَازَ حَذْفُ الْجَرّ تَخْفِيفًا. وَلِقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ دَعْوَى ادّعَيْتُمْ أَنّ أَنْ وَمَا بَعْدَهَا اسْمٌ مَخْفُوضٌ، وَهُوَ لَا يَظْهَرُ فِيهِ الْخَفْضُ، ثُمّ بَنَيْتُمْ التّعْلِيلَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ؛ لِأَنّ الْخَفْضَ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ، فَنَقُولُ: إنّمَا عَلِمْنَا أَنّهُ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ لِوُقُوعِهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقَعُ فِيهِ إلّا الْمَخْفُوضُ بِحَرْفِ الْجَرّ نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ التّوْبَةِ: 97 وَنَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ التّوْبَةُ: 108 وَنَحْوُ قَوْلِهِ: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما الْبَقَرَةُ: 28. فَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا، مَعْنَاهُ: بِأَنْ لَا يَعْلَمُوا، فَلَوْ كَانَ قَبْلَ أَنْ فَعَلَ لَقُلْنَا: حُذِفَ حَرْفُ الْجَرّ، فَتَعَدّى الْفِعْلُ، فَنَصَبَ، وَلَكِنْ أَجَدْرُ وَأَحَقّ اسْمَانِ لَا يَعْمَلَانِ، فمن هاهنا عرف النحويون أنه فى موضع خلض؛ إذْ لَا نَاصِبَ لَهُ، وَأَمّا مَا اعْتَلّوا بَهْ مِنْ طُولِ الِاسْمِ بِالصّلَةِ، وَأَنّ ذَلِكَ هُوَ الّذِي سَوّغَ لَهُمْ إضْمَارَ حَرْفِ الْجَرّ، فَتَعْلِيلٌ مَدْخُولٌ، يُنْتَقَضُ عَلَيْهِمْ بِالْأَسْمَاءِ الْمَوْصُولَةِ كَاَلّذِي وَمَنْ وَمَا، فَإِنّهَا قَدْ طَالَتْ بِالصّلَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إضْمَارُ حَرْفِ الْجَرّ فِيهَا، لَا تَقُولُ: خَرَجْت مَا عِنْدَك، وَلَا هَرَبْت الذى عندك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْ: مَنْ الّذِي عِنْدَك، وَتَقُولُ: خَرَجْت أَنْ يَرَانِي زَيْدٌ، وَفَرَرْت أَنْ يَرَانِي عَمْرٌو، أَيْ: مِنْ أَنْ يَرَانِي، وَلِأَنْ يَرَانِي بَدَلٌ، عَلَى أَنّ الْعِلّةَ غَيْرُ مَا قَالُوا، وَهِيَ أَنّ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ لَيْسَ بِاسْمِ مَحْضٍ، وَإِنّمَا هُوَ فِي تَأْوِيلِ اسْمٍ، وَالِاسْمُ الْمَحْضُ مَا دَلّ عَلَيْهِ حَرْفُ الْجَرّ، فَلَا بُدّ إذًا مِنْ إظْهَارِ حَرْفِ الْجَرّ إذَا جِئْت بِهِ؛ لِأَنّهُ اسْمٌ قَابِلٌ لِدُخُولِ الْخَوَافِضِ عَلَيْهِ، وَأَمّا أَنّ فَحَرْفٌ مَحْضٌ لَا يَصِحّ دُخُولُ حَرْفِ جَرّ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى الْفِعْلِ الْمُتّصِلِ بِهِ فَلَا تَقُولُ: هُوَ اسْمٌ مَخْفُوضٌ، إنّمَا هُوَ فى تأويل اسم مخفوض، فمن هاهنا فَرّقَتْ الْعَرَبُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ، فَإِذَا أَدْخَلْت عَلَيْهِ حَرْفَ الْجَرّ مُظْهَرًا جَازَ، لِأَنّهُ فِي تَأْوِيلِ اسْمٍ، وَإِذَا أَضْمَرْت حَرْفَ الْجَرّ جَازَ أَيْضًا الْتِفَاتًا إلَى أَنّ الْحَرْفَ الجار لَا يَدْخُلُ عَلَى الْحَرْفِ، وَلَا عَلَى الْفِعْلِ فحسن إسقاطه مراعاة للفظ أن، وللفظ الْفِعْل، وَقُلْنَا: هُوَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى معنى أن الكلام يئول إلَى الِاسْمِ الْمَخْفُوضِ، لَا أَنّهُ يَظْهَرُ فِيهِ خَفْضٌ، أَوْ يُقَدّرُ تَقْدِيرَ الْمَبْنِيّ الّذِي مَنَعَهُ الْبِنَاءُ مِنْ ظُهُورِ الْخَفْضِ فِيهِ، حَتّى يُشْبِهَ أَنْ فَنَقُولُ: هُوَ اسْمٌ مَبْنِيّ عَلَى السّكُونِ، لَا بَلْ نَقُولُ: هِيَ حَرْفٌ، وَالْحَرْفُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ حَرْفُ الْجَرّ، لَا مُضْمَرًا وَلَا مُظْهَرًا، وَإِنّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ فِي الْمَعْنَى، لَا فِي اللّفْظِ، فَافْهَمْهُ. لَا يُضَافُ اسْمٌ إلَى أَنّ الْمَصْدَرِيّةِ: فَصْلٌ: وَاعْلَمْ أَنّ [أَنْ] الّتِي فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ لَا يُضَافُ إلَيْهَا اسْمٌ. تَقُولُ: هَذَا مَوْضِعُ أَنْ تَقْعُدَ وَيَوْمُ خُرُوجِك، وَلَا تَقُولُ: يَوْمُ أَنْ تَخْرُجَ؛ لِأَنّهَا لَيْسَتْ بِاسْمِ كَمَا قَدّمْنَا، وَإِنّمَا تُضَافُ إلَى الْأَسْمَاءِ الْمَحْضَةِ، لَا إلَى التّأْوِيلِ، وَلَا يُضَافُ إلَيْهَا أيضا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اسْمُ الْفَاعِلِ، لَا بِمَعْنَى الْمُضِيّ، وَلَا بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، وَلَا الْمَصْدَرِ إلّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ نَحْوُ: مَخَافَةَ أَنْ تَقُومَ، وَذَلِك إذَا أَرَدْت مَعْنَى الْمَفْعُولِ بِأَنّ وَمَا بَعْدَهَا، وَأَمّا عَلَى نَحْوِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْفَاعِلِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِك. وَإِنّمَا تَكُونُ فَاعِلَةً مَعَ الْفِعْلِ إذَا ذَكَرْته قَبْلَهَا نَحْوُ: يَسُرّنِي أَنْ تَقُومَ، وَأَمّا مَعَ الْمَصْدَرِ مُضَافًا إلَيْهَا فَلَا، وَتَكُونُ مَفْعُولَةً مَعَ الْمَصْدَرِ وَمَعَ الْفِعْلِ مَعًا، وَكُلّ هَذَا الْأَسْرَارُ بَدِيعَةٌ مَوْضِعُهَا غَيْرُ هَذَا، لَكِنّي أَقُولُ هَهُنَا قَوْلًا لَائِقًا بِهَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنّي لَمْ أَذْكُرْ الْخَفْضَ بِإِضْمَارِ حَرْفِ الْجَرّ، فِي أَنّ وَإِنّ إلّا مُسَاعَدَةً لِمَنْ تَقَدّمَ، فَعَلَيْهِ بَنَيْت التّعْلِيلَ وَالتّأْصِيلَ، وَإِذَا أَبَيْت مِنْ التّقْلِيدِ فَلَا إضْمَارَ لِحُرُوفِ الْجَرّ فِيهَا، إنّمَا هُوَ النّصَبُ بِفِعْلِ مُضْمَرٍ أَوْ مُظْهَرٍ، أَمّا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فَإِنّمَا لَمّا قَالَ أَحَقّ عُلِمَ أَنّهُ يُوجِبُ عليه أن يقوم فيه، وكذلك أجذر أَلّا يَعْلَمُوا، وَمَعْنَى أَجْدَرَ: أَخْلَقُ وَأَقْرَبُ، وَلَمَا ثَبَتَتْ لَهُمْ هَذِهِ الصّفّةُ اقْتَضَى ذَلِكَ أَلّا يَعْلَمُوا؛ فَصَارَ مَنْصُوبًا فِي الْمَعْنَى، وَلَوْ جِئْت بِالْمَصْدَرِ الّذِي هُوَ اسْمٌ مَحْضٌ نَحْوُ: الْقِيَامُ وَالْعِلْمُ لَمْ يَصِحّ إضْمَارُ هَذَا الْفِعْلِ؛ لِأَنّ أَجْدَرَ وَأَحَقّ وَنَحْوَهُمَا اسْمَانِ يُضَافَانِ إلَى مَا بَعْدَهُمَا، فَلَوْ جِئْت بِالْقِيَامِ بَعْدَ قَوْلِك أَحَقّ، فقلت: أحق قيامك، لا نقلب المعنى. ولو نصبته بإضمار الّذِي أَضْمَرْت مَعَ أَنّ لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنّ الِاسْمَ يَطْلُبُ الْإِضَافَةَ، فَيُمْنَعُ مِنْ الْإِضْمَارِ وَالنّصَبِ، وَإِذَا وَقَعَتْ بَعْدَهُ لَمْ يَطْلُبْ الْإِضَافَةَ؛ لِمَا قَدّمْنَاهُ مِنْ امْتِنَاعِ إضَافَةِ الْأَسْمَاءِ إلَيْهَا، وَإِنّمَا اخْتَرْنَا هَذَا الْمَذْهَب، وَآثَرْنَاهُ عَلَى مَا تَقَدّمَ مِنْ إضْمَارِ الْخَافِضِ؛ لِأَنَا قَدْ نَجِدُهَا فِي مَوَاضِعَ مَجْرُورَةٍ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَا يَجُوزُ إضْمَارُ حَرْفِ الْجَرّ، كَقَوْلِك: سِرْ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشّمْسُ، وَلَا يَجُوزُ إضْمَارٌ إلَى هَهُنَا، وَكَذَلِكَ تَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا إضْمَارُ مِنْ، وَلَوْ كَانَ حَرْفُ الْجَرّ مَعَهَا لِلْعِلّتَيْنِ المتقدمتين لا طرّد جَوَازُ ذَلِكَ فِيهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنّمَا هِيَ أَبَدًا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا حَرْفُ الْجَرّ ظَاهِرًا مَفْعُولَةً بِفِعْلِ مُضْمَرٍ، وَقَدْ تَكُونُ فَاعِلَةً، وَلَكِنْ بِفِعْلِ ظَاهِرٍ نَحْوُ: يُعْجِبنِي أَنْ تَقُومَ، وَأَمّا خَرَجْت أَنْ أَرَى زَيْدًا فَعَلَى إضْمَارِ الْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ، كَأَنّك أَرَدْت: أَنْ أَرَاهُ، أَوْ أَنْ لَا أَرَاهُ؛ لِأَنّ كُلّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا، فَقَدْ أَرَادَ بِهِ أَمْرًا مَا، لَكِنّك إنْ جَعَلْت مَكَانَهَا الْمَصْدَرَ لَمْ يَجُزْ الْإِضْمَارُ أَوْ قُبّحَ؛ لِأَنّ الْمَصْدَرَ تَعْمَلُ فِيهِ الْأَفْعَالُ الظّاهِرَةُ إذَا كَانَتْ مُتَعَدّيَةً، وَتَصِلُ إلَيْهِ بِحَرْفِ جَرّ إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَعَدّيَةً، وَأَنّ مَعَ الْفِعْلِ لَا تَعْمَلُ فِيهَا الْحَوَاسّ وَلَا أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ الظّاهِرَةِ، تَقُولُ: رَأَيْت قِيَامَ زَيْدٍ، وَلَا تَقُولُ: أَنْ يَقُومَ، وَسَمِعْت كَلَامَك، وَلَا تَقُولُ: سَمِعْت أَنْ تَتَكَلّمَ، وَإِنّمَا يَتَعَلّقُ بِهَا، وَتَعْمَلُ فِيهَا الْأَفْعَالُ الْبَاطِنَةُ نَحْوُ: خِفْت وَاشْتَهَيْت وَكَرِهْت، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى هَذَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، فَإِذَا سَمِعَ الْمُخَاطَبُ أَنّ مَعَ الْفِعْلِ لَمْ يَذْهَبْ وَهْمُهُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ إلّا إلَى هَذِهِ الْمَعَانِي، فَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فَذَاكَ، وَإِلّا اعْتَقَدْنَا أَنّهَا مُضْمَرَةً، وَأَنّ الْفِعْلَ الظّاهِرَ دَالّ عَلَيْهَا، وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ لَيْسَ كَذَلِكَ، إذَا وَقَعَ قَبْلَهَا فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ الظّاهِرَةِ، وَقَعَ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مُتَعَدّيًا أَوْ وُصِلَ بِحَرْفِ، إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدّ، وَمُنِعَ مِنْ الْإِضْمَارِ أَنّهُ لَفْظِيّ، وَالْإِضْمَارُ مَعْنَوِيّ إلّا فِي بَابِ الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ، وَقَدْ قَدّمْنَا فِيهِ سِرّا بَدِيعًا فِيمَا سَبَقَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَصْلٌ: وَأَنْشَدَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ شِعْرًا فِيهِ: كَمَا جَحَدَتْ عَادٌ وَمَدْيَنُ وَالْحِجْرُ أَمّا عَادٌ فَقَدْ تَقَدّمَ نَسَبُهَا، وَأَمّا الْحِجْرُ فَلَيْسَتْ بِأُمّةِ، وَلَكِنّهَا دِيَارُ ثَمُودَ. أَرَادَ: أَهْلَ الْحِجْرِ، وَأَمّا مَدْيَنُ فَأُمّةُ شُعَيْبٍ، وَهُمْ بَنُو مَدَيَانِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَأُمّهُمْ: قُطُورًا بِنْتُ يَقِطَانِ الْكَنْعَانِيّةُ، وَلَدَتْ لَهُ ثَمَانِيّةً مِنْ الْوَلَدِ تَنَاسَلَتْ مِنْهُمْ أُمَمٌ، وَقَدْ سَمّيْنَاهُمْ فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ، وَفِي أَوّلِ هَذَا الْكِتَابِ. وَفِيهِ أَيْضًا قَوْلُهُ: فَإِنْ أَنَا لَمْ أَبْرِقْ فَلَا يَسَعَنّنِي. الْبَيْتَ، قَالَ: وَبِهِ سُمّيَ الْمُبْرِقَ، قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَفِي هَذَا حُجّةٌ عَلَى الْأَصْمَعِيّ حِينَ مَنَعَ أَنْ يُقَالَ: أُرْعِد وَأُبْرِق، وَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ الْكُمَيْتِ: أُرْعِدُ وَأُبْرِقُ يَا يَزِيدُ «1» فَلَمْ يره حجة، [وقال: الكميت جر مقانىّ مِنْ أَهْلِ الْمُوصِلِ] لَيْسَ بِحُجّةِ، وَأَلْحَقَهُ بِالْمُحَدّثِينَ لِتَأَخّرِ زَمَانِهِ، كَمَا فَعَلَ بِذِي الرّمّةِ حِينَ احتج عليه بقوله:

_ (1) فى إصلاح المنظق لابن السكيت: وقد برق فى الوعيد ورعد يبرق ويرعد. - وزن نصر قال الأصمعى: ولا يقال أرعد وأبرق، وحكى اللغتين أبو عبيدة وأبو عمرو، فاحتج على الأصمعى ببيت الكميت. أرعد وأبرق يايز ... يد فما وعيدك لى بضائر فقال: ليس قول الكميت بحجة، هو مولد، واحتج ببيت المتلمس: فإذا حللت ودون بيتى غاوة ... فابرق بأرضك ما بدا لك وارعد ص 216 ط د. المعارف. مصر، وانظر ص 97 ج 1 أمالى والسمط ص 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذُو زَوْجَةٍ بِالْمِصْرِ أَمْ ذُو خُصُومَةٍ فَأَبَى أن يقول: زوجة بهاء التأنيت، وَقَالَ: طَالَمَا أَكَلَ ذُو الرّمّةِ الزّيْتَ فِي حَوَانِيتِ الْبَقّالِينَ «1» ، وَبَيْتُ الْمُبْرِقِ فِي هَذَا حُجّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ وُجِدَ أُرْعِدُ وَأُبْرِقُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَيْتِ، مِمّا تَقُومُ بِهِ الْحُجّةُ أَيْضًا، وَبَيْتُ الْمُبْرِقِ هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَبْرَقَ فِي الْأَرْضِ إذَا ذَهَبَ بِهَا لَا مِنْ أَرْعَدَ وَأَبْرَقَ، وَكَذَلِكَ وَجَدْته فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ مَنْسُوبًا لِلْمَصْعَبِ، قَالَ: الْإِبْرَاقُ: الذّهَابُ «2» ، وَفِي الْعَيْنِ: أَبَرَقَتْ النّاقَةُ بِذَنَبِهَا إذَا ضَرَبَتْ بِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَهُوَ فِي مَعْنَى الذّهَابِ فِي الْأَرْضِ، لِأَنّهُ جَوَلَانٌ فِيهَا، وَهِيَ الْبُرُوقُ، قَالَ نَهْشَلُ بْنُ دَارِمٍ لِأَخِيهِ سَلِيطٍ- وَقَدْ لَامَهُ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ: لا أحسن تاثامك، وَلَا تَكْذَابَكَ، تَشُولُ بِلِسَانِك شَوَلَانَ الْبُرُوقِ. وَذَكَرَ فِي الشّعْرِ: يَلِينَ مَا فِي النّفْسِ إذْ بَلَغَ النّقْرُ «3» وَيُرْوَى: يَلِينَ مَا فِي الصّدْرِ. وَالنّقْرُ: الْبَحْثُ عَنْ الشّيْءِ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِيهِ: التّنْقِيرُ، وَاسْتَشْهَدَ عَبْدُ اللهِ الْمُبْرِقُ فِي غَزْوَةِ الطّائِفِ، وَكَانَ أَبُوهُ الْحَارِثَ مِنْ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَكَانَ جَدّهُ قَيْسٌ أَعَزّ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ، يروى أن عبد المطلب كان

_ (1) يقال: أبرق طعامه بزيت أو سمن: جعل منه فيه قليلا (2) فسرها المصعب بما قال السهيلى فى ص 401 من كتابه نسب قريش. (3) فى السيرة: أبين ما فى النفس، وفى نسب قريش ص 401 يبين ما فى الصدر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يُنَفّزُ «1» ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ، وَالِدَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ طِفْلٌ، فَيَقُولُ: كأنه فى العزقيس بْنُ عَدِيّ ... فِي دَارِ قَيْسٍ النّدِيّ يَنْتَدِي «2» قَالَهُ الزّبِيرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: حَوْلَ لَامِ التّعَجّبِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ: أَتَيْمَ بْن عَمْرٍو لِلّذِي جَاءَ بِغْضَةً أَرَاهُ: عَجَبًا لِلّذِي جَاءَ، وَالْعَرَبُ تَكْتَفِي بِهَذِهِ اللّامِ فِي التّعَجّبِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: لِهَذَا الْعَبْدِ الْحَبَشِيّ جَاءَ مِنْ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ إلَى الْأَرْضِ الّتِي خُلِقَ مِنْهَا، قَالَهُ فِي عَبْدٍ حَبَشِيّ دُفِنَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ فِي جِنَازَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى قَبْرِهِ، وَتَقَهْقَرَ ثُمّ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ لِهَذَا الْعَبْدِ الصّالِحِ ضُمّ عَلَيْهِ الْقَبْرُ ثُمّ فُرِجَ عَنْهُ، وَقِيلَ فِي قوله سبحانه: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ أَقْوَالٌ مِنْهَا: أَنّهَا مُتَعَلّقَةٌ بِمَعْنَى التّعَجّبِ، كَأَنّهُ قَالَ: اعْجَبُوا لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، وَبِغْضَةً نُصِبَ على التمييز

_ (1) فى الأصل ينقر، وهو خطأ كان أيضا فى نسب قريش، وأصلحه محققه، ففى القاموس: نفزه تنفيزا: رقصه، وكذلك فى اللسان. (2) فى الاشتقاق ص 120: «وكان عبد المطلب يرقص ابنه الحارث أو الزبير فيقول: يا بأبى يا بأبى يا بأبى ... كأنه فى العزقيس بن عدى والشطرة الثانية روايتها هكذا «فى دار قيس ينتدى أهل الندى» ص 400 نسب قريش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَأَنّهُ قَالَ: يَا عَجَبًا لِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ بِغْضَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ، وَرَوَى الزّبَيْرُ هَذَا الْبَيْتَ: أَتَيْمَ بْنَ عمر للذى فارضغنه مِنْ مَعَانِي شِعْرِ ابْنِ مَظْعُونٍ وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي هَذَا الشّعْرِ: فِي صَرْحِ بَيْطَاءَ تُقْدَعُ بِالطّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا، وَقَالَ بِيَطَاءَ: اسْمُ سَفِينَةٍ، وَتُقْدَعُ بِالدّالِ، أَيْ: تُدْفَعُ، وَزَعَمَ أَنّ تَيْمَ بْنَ عَمْرٍو وَهُوَ جُمَحٌ سُمّيَ جُمَحًا؛ لِأَنّ أَخَاهُ سَهْمَ بْنَ عَمْرٍو- وَكَانَ اسْمُهُ زَيْدًا- سَابَقَهُ إلَى غَايَةٍ، فَجَمَحَ عَنْهَا تَيْمٌ، فَسُمّيَ جُمَحًا، وَوَقَفَ عَلَيْهَا زَيْدٌ، فَقِيلَ: قَدْ سَهَمَ «1» زَيْدٌ فَسُمّيَ: سَهْمًا. وَقَوْلُهُ: وَمِنْ دُونِنَا الشّرْمَان. الشّرْمُ: الْبَحْرُ «2» وَقَالَ الشّرْمَان بِالتّثْنِيَةِ؛ لِأَنّهُ أَرَادَ الْبَحْرَ الْمِلْحَ، وَالْبَحْرَ الْعَذْبَ، وَفِي التّنْزِيلِ: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ وَالشّرْمُ مِنْ: شَرَمْت الشّيْءَ إذَا خَرَقْته، وَكَذَلِكَ الْبَحْرُ مِنْ بَحَرْت الْأَرْضَ إذَا خَرَقْتهَا، وَمِنْهُ سُمّيَتْ الْبَحِيرَةُ لِخَرْقِ أُذُنِهَا وَالْبَرْكُ: مَا اطْمَأَنّ مِنْ الْأَرْضِ وَاتّسَعَ، وَلَمْ يَكُنْ مُنْتَصِبًا كَالْجِبَالِ. وَقَوْلُهُ: فِي صَرْحِ بَيْضَاءَ. يُرِيدُ: مَدِينَةَ الْحَبَشَةِ، وَأَصْلُ الصّرْحِ: الْقَصْرُ، يُرِيدُ: أَنّهُ سَاكِنٌ عِنْدَ صرح النّجاشىّ.

_ (1) يقال: ساهم القوم، فسهمهم: غلبهم. (2) فى القاموس: لجة البحر، أو الخليج منه، وفى شرح السيرة للخشنى أيضا الشرمان بضم النون: مرضع. ويقول عن «البرك أكتع» هذه رواية غريبة لأنه أكد بأكتع دون أن يتقدمه: أجمع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: تقذع أى: تكره، كأنه من أفذعت الشّيْءَ، إذَا صَادَفَتْهُ قَذِعًا وَيُقَالُ أَيْضًا: قَذَعْت الرّجُلَ إذَا رَمَيْته بِالْفُحْشِ، يُرِيدُ أَنّ أَرْضَ الْحَبَشَةِ مَقْذُوعَةٌ، وَأَحْسِبُ هَذِهِ الرّوَايَةَ تَصْحِيفًا، وَالصّحِيحُ: مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ الزّبَيْرِ وَرِوَايَتِهِ، وَأَنّهُ بِيَطَاءَ بِالطّاءِ، وَتُقْدَعُ بِالدّالِ. وَقَوْلُهُ: وَأَسْلَمَك الْأَوْبَاشُ يريد أخلاطا من الناس «1» ، يقال: أو شاب وَأَوْبَاشٌ، وَالْأَوْبَاشُ أَيْضًا شَجَرٌ مُتَفَرّقٌ، وَالْوَبْشُ بَيَاضٌ فِي أَظْفَارِ الْأَحْدَاثِ. أَنْسَابٌ: وَذَكَرَ فِيمَنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي عَدِيّ: مَعْمَرُ بن عبد الله ابن نَضْلَةَ، وَقَالَ فِيهِ عَلِيّ بْنُ الْمَدِينِيّ: إنّمَا هُوَ: مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نَافِعِ ابن نَضْلَةَ. وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: نَضْلَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بْن عُبَيْدٍ وَفِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ قَالَ: إنّمَا هُوَ نَضْلَةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجٍ، وَذَكَرَ أَنّهُ قَوْلُ مُصْعَبٍ فِي كِتَابِ النّسَبُ «2» . وَذَكَرَ فِي بَنِي عَدِيّ: عُرْوَةَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ، كَذَا فِي كِتَابِ الْمُصْعَبِ إلّا أَنّهُ قَالَ: عَمْرُو بْنُ أَبِي أُثَاثَةَ أَوْ عُرْوَةُ بْنُ أَبِي أُثَاثَةَ عَلَى الشّكّ وَذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ فَقَالَ فِيهِ: عُرْوَةُ بْنُ أَبِي أُثَاثَةَ وَيُقَالُ ابْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ، قَالَ: وأمه، أم عمرو بن العاصى، فهو

_ (1) عند الخشنى: الضعفاء الداخلون فى القوم، وهو منهم. والبطارقة الوزراء. (2) هو كما ذكر فى جمهرة ابن حزم ص 147 وما بعدها، وفى نسب قريش لمصعب الزبيرى ص 382، ص 386 وزاد بعد عويج: ابن عدى بن كعب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَخُوهُ لِأُمّ «1» . قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَأُمّهُمَا اسْمُهَا: لَيْلَى، وَتَلَقّبَ بِالنّابِغَةِ، وَهِيَ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي جَلّانَ «2» قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَيُقَالُ فِيهِ: ابْنُ أَبِي أُثَاثَةَ، قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَقَدْ قَدّمْنَا أَنّ الْمُصْعَبَ الزّبَيْرِيّ شَكّ فِيهِ، فَقَالَ: عروة، أبو عَمْرٌو، وَأَمّا الزّبَيْرُ: فَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي أُثَاثَةَ، وَلَمْ يَشُكّ، ثُمّ قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَمْ يَذْكُرُهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِيمَنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ، وَأَبُو مَعْشَرٍ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ أَبِي عُمَرَ- رَحِمَهُ اللهُ- فَإِنّ ابْنَ إسْحَاقَ ذَكَرَهُ فِيهِمْ، غَيْرَ أَنّهُ نَسَبَهُ إلَى جَدّهِ عَبْدِ الْعُزّى، وَأَسْقَطَ اسْمَ أَبِيهِ أَبِي أُثَاثَةَ، وَقَالَ حِينَ ذَكَرَ مَنْ هَاجَرَ مِنْ بَنِي عدى بعد ما عدهم خمسة، قال:

_ (1) فى نسب قريش «ولد أبو أثاثة بن عبد العزى، عمرو بن أبى أثاثة، وعروة بن أبى أثاثة، وهو من مهاجرة الحبشة، وأمه: النابغة بنت حرملة أخواه لأمه؛ عمرو بن العاصى وأرنب بنت عفيف بن أبى العاصى بن أمية ابن عبد شمس» ص 381. وانظر 409 من نفس الكتاب، فليس فيه شك، وإنما هما ولدان. أحدهما: عمرو، والاخر عروة. وتوجد لهما ترجمتان فى الإصابة، إلا أنه قال عن عروة- ولعله تصحيف- بن أبانة، ثم قال: ويقال ابن أبى أبانة ابن عبد العزى، بن حرامن بن عوف بن عبيد بن عويج الخ وفى جمهرة ابن حزم «وعمرو بن أبى أثاثة بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بن عويج بن عدى ابن كعب من مهاجرة الحبشة وهو أخو عمرو بن العاص لأمه وأخوه عروة ابن أبن أثاثة من مهاجرة الحبشة ص 148 وفى ص 154 منه «وأخواه لأمه- يعنى عمرو وعروة أبنا أبى أثاثة الحبشة» . (2) فى نسب قريش أن أمه: سبية من بنى عنزة ص 409 وفى الإصابة: أمة من بنى عنزة. وفى جمهرة ابن حزم كما فى نسب قريش واسمها: النابغة ص 154.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَذَكَرَ فِيهِمْ مَعَ الْخَمْسَةِ: لَيْلَى بِنْتَ أَبِي حَثْمَةَ امْرَأَةَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، فَهُمْ عَلَى هذا ستة، غير أنه يحتمل أن يُرِيدُ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ دُونَ حَلِيفِهِمْ عَامِرٍ، وَمَا أَظُنّهُ قَصَدَ هَذَا؛ لِأَنّ مِنْ عَادَتِهِ أَنّ يَعُدّ الْحُلَفَاءَ مَعَ الصّمِيمِ؛ لِأَنّ الدّعْوَةَ تَجْمَعُهُمْ. أُمّ سَلَمَةَ: وَذَكَرَ أُمّ سَلَمَةَ وَبَعْلَهَا أَبَا سَلَمَةَ، تُوُفّيَ عَنْهَا بِالْمَدِينَةِ، وَخَلّفَ عَلَيْهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ اسْمَهَا هَذَا، وَقِيلَ فِي اسْمِهَا: رَمَلَةُ «1» ، وَأَبُوهَا أَبُو أُمَيّةَ اسْمُهُ: حُذَيْفَةُ يُعْرَفُ بِزَادِ الرّاكِبِ «2» . وَذَكَرَ أَنّهَا وَلَدَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سلمة، وكان اسم زينب

_ (1) فى الإصابة اسمها: هند. وقال عن القول بأن اسمها رملة: ليس بشىء. (2) وقيل أيضا: سهيل ولقب بهذا؛ لأنه كان إذا سافر لم توقد معه نار إلى أن يرجع. ورثاه أبو طالب: ألا إن خير الناس غير مدافع ... بسرو سحيم غيبته المقابر ومنها: وكان إذا يأتى من الشام قافلا ... تقدمه- تسعى إلينا- البشائر وهناك غيره من قريش أزاود الركب: أبو أمية بن المغيرة، مسافر ابن أبى عمرو بن أمية، زمعة بن الأسود، لأنهم- كما فى اللسان- كانوا إذا سافروا، فخرج معهم الناس لم يتخذوا زادا معهم، ولم يوقدوا، يكفونهم ويغنونهم يقول: المصعب الزبيرى: رثاه أبو طالب: وقد أيقن الركب الذى أنت فيهم ... إذا رحلوا يوما بأنك عاقر فسمى زاد الركب، واسمه: حذيفة، وكانت عنده عاتكة بنت عبد المطلب. انظر الاشتقاق ص 150، 94 واللسان مادة: زود والإصابة ترجمة أم سلمة، ونسب قريش ص 300.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ برة، فسماها رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبَ، كَانَتْ زَيْنَبُ هَذِهِ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ، وَكَانَتْ قَدْ دَخَلَتْ عَلَى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يَغْتَسِلُ، وَهِيَ إذْ ذَاكَ طِفْلَةٌ، فَنَضَحَ فِي وَجْهِهَا مِنْ الْمَاءِ، فَلَمْ يَزَلْ مَاءُ الشّبَابِ فِي وَجْهِهَا «1» ، حَتّى عَجَزَتْ وَقَارَبَتْ الْمِائَةَ، وَكَانَتْ مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ زَمَانِهَا، وَأَدْرَكَتْ وَقْعَةَ الْحَرّةِ بِالْمَدِينَةِ «2» ، وَقُتِلَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَدَانِ، اسم أحدهما: كبير، والاخر: يزيد من عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ، فَكَانَتْ تَبْكِي عَلَى أَحَدِهِمَا: وَلَا تَبْكِي عَلَى الْآخَرِ، فَسُئِلَتْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَبْكِيهِ لِأَنّهُ جَرّدَ سَيْفَهُ وَقَاتَلَ، وَالْآخَرُ لَا أَبْكِيهِ لِأَنّهُ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَكَفّ يده حتى قتل، رُوِيَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ ابْتَنَى بِأُمّ سَلَمَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا بيتها فى ظلمة، فوطىء على زينب، فبكت، فلما كَانَ مِنْ اللّيْلَةِ الْأُخْرَى دَخَلَ فِي ظُلْمَةٍ أَيْضًا، فَقَالَ: اُنْظُرُوا زُنَابَكُمْ أَنْ لَا أَطَأَ عَلَيْهَا «3» ، أَوْ قَالَ: أَخّرُوا ذَكَرَهُ الزّبَيْرُ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَوْهِينٌ لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنّهُ كان يرى بالليل، كما يرى بالنهار.

_ (1) حديث تغيير الاسم أسنده ابن خيثمة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عنها، وذكر مثله فى زينب بنت جحش، وأصله فى مسلم فى حق زينب هذه وفى حق جوبرية بنت الحارث، ومسألة نضح الماء ذكرها ابن حجر فى الإصابة. وروى أنها كانت أفقه امرأة بالمدينة، وأما نداؤها بزناب بضم الزاى، فقد ورد فى حديث رواه النسائى «فتزوجها- أى أم سلمة- فجعل يأتيها، فيقول: أين زناب» (2) وقعت سنة 63 هـ (3) سبق الحديث عن هذا

إرسال قريش إلى الحبشة فى طلب المهاجرين إليها

[إرْسَالُ قُرَيْشٍ إلَى الْحَبَشَةِ فِي طَلَبِ الْمُهَاجِرِينَ إليها] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّ أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قَدْ أَمِنُوا، وَاطْمَأَنّوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَنّهُمْ قَدْ أَصَابُوا بِهَا دَارًا وَقَرَارًا، ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنّ يَبْعَثُوا فِيهِمْ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ جَلْدَيْنِ إلَى النّجَاشِيّ، فَيَرُدّهُمْ عَلَيْهِمْ؛ لِيَفْتِنُوهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَيُخْرِجُوهُمْ مِنْ دَارِهِمْ، الّتِي اطْمَأَنّوا بِهَا وَأَمِنُوا فِيهَا، فَبَعَثُوا عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَجَمَعُوا لَهُمَا هَدَايَا لِلنّجَاشِيّ وَلِبَطَارِقَتِهِ، ثُمّ بَعَثُوهُمَا إلَيْهِ فِيهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ النّورُ الّذِي كَانَ عَلَى قَبْرِ النّجَاشِيّ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ: كُنّا نَتَحَدّثُ أَنّهُ لَا يَزَالُ يَرَى عَلَى قَبْرِ النّجَاشِيّ نُورٌ، وَقَدْ خَرّجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ، وَعَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَوْرَدَهُ فِي بَابِ: النّورُ يُرَى عِنْدَ الشّهِيدِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا غَيْرِهِ مَا يَدُلّ عَلَى أَنّ النّجَاشِيّ مَاتَ شَهِيدًا، وَأَحْسَبُهُ أَرَادَ: أَنْ يَشْهَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَا وَقَعَ فِي كُتُبِ التّارِيخِ مِنْ أن عبد الرحمن ابن رَبِيعَةَ أَخَا سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الّذِي يُقَالُ لَهُ: ذُو النّورِ، وَكَانَ عَلَى بَابِ الْأَبْوَابِ فَقَتَلَهُ التّرْكُ زَمَانَ عُمَرَ، فَهُوَ لَا يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُورٌ، وَبِعَضُدِ هَذَا حَدِيثُ النّجَاشِيّ، يَقُولُ: فَإِذَا كَانَ النّجَاشِيّ- وَلَيْسَ بِشَهِيدِ- يُرَى عِنْدَهُ نُورٌ، فَالشّهِيدُ أَحْرَى بِذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ، لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ «1» الحديد: 19.

_ (1) الواضح أن هذا فى الاخرة، ولا أدرى لماذا خالف مبدأه، فاعتمد على أحاديث واهية، وفى سلمة بن الفضل تشيع وسيأتى حديث النور فى ص 251.

فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ- حِينَ رَأَى ذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِمْ وَمَا بَعَثُوهُمَا فِيهِ- أَبْيَاتًا لِلنّجَاشِيّ يَحُضّهُ على حسن جوارهم، والدّفع عنهم: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ فِي النّأْيِ جَعْفَرٌ ... وَعَمْرٌو وَأَعْدَاءُ الْعَدُوّ الْأَقَارِبُ وَهَلْ نَالَتْ أَفْعَالُ النّجَاشِيّ جَعْفَرًا ... وَأَصْحَابَهُ أَوْ عَاقَ ذَلِكَ شَاغِبُ تَعَلّمْ- أَبَيْتَ اللّعْنَ- أَنّك مَاجِدٌ ... كَرِيمٌ فَلَا يَشْقَى لَدَيْك الْمُجَانِبُ تَعَلّمْ بِأَنّ اللهَ زَادَك بَسْطَةً ... وَأَسْبَابَ خَيْرٍ كُلّهَا بِك لَازِبُ وَأَنّك فَيْضٌ ذُو سِجَالٍ غَزِيرَةٍ ... يَنَالُ الْأَعَادِي نَفْعَهَا والأقارب قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم الزّهْرِيّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ابن الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيّ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَتْ: لَمّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ: النّجَاشِيّ، أَمِنّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللهَ تَعَالَى، لَا نُؤْذَى، وَلَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَبْعَثُوا إلَى النّجَاشِيّ فِينَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا لِلنّجَاشِيّ هَدَايَا مِمّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الْأُدْمُ، فَجَمَعُوا لَهُ أُدْمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إلّا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيّةً، ثُمّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَأَمَرُوهُمَا بِأَمْرِهِمْ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعَا إلَى كُلّ بِطْرِيقٍ هَدِيّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلّمَا النّجَاشِيّ فِيهِمْ، ثُمّ قَدّمَا إلَى النّجَاشِيّ هَدَايَاهُ، ثُمّ سَلَاهُ أَنْ يُسَلّمَهُمْ إلَيْكُمَا قَبْل أَنْ يُكَلّمَهُمْ. قَالَتْ: فَخَرَجَا حَتّى قَدِمَا على النجاشى، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ عِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بِطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إلّا دَفَعَا إلَيْهِ هَدِيّتَهُ قَبْل أَنْ يُكَلّمَا النّجَاشِيّ، وَقَالَا لِكُلّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ: إنّهُ قَدْ ضَوَى إلَى بلد الملك مِنّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يدخلوا فى دينكم، وجاؤا بِدِينِ مُبْتَدَعٍ، لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافَ قَوْمِهِمْ، لِيَرُدّهُمْ إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ، فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَلّمَهُمْ إلَيْنَا، وَلَا يُكَلّمَهُمْ، فَإِنّ قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَمْ. ثُمّ إنّهُمَا قَدّمَا هَدَايَاهُمَا إلَى النّجَاشِيّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمّ كَلّمَاهُ، فَقَالَا لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّهُ قَدْ ضَوَى إلَى بَلَدِك مِنّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قومهم، ولم يدخلوا فى دينك، وجاؤا بِدِينٍ ابْتَدَعُوهُ، لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ، وَلَا أَنْت، وَقَدْ بَعَثَنَا إلَيْك فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ: لِتَرُدّهُمْ إلَيْهِمْ، فَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ النّجَاشِيّ. قَالَتْ: فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقَا أَيّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَأَسْلِمْهُمْ إلَيْهِمَا، فَلْيَرُدّاهُمْ إلَى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ. قَالَتْ: فَغَضِبَ النّجَاشِيّ، ثُمّ قَالَ: لَاهَا اللهِ، إذَنْ لَا أُسْلِمُهُمْ إلَيْهِمَا، وَلَا يَكَادُ قَوْمٌ جَاوَرُونِي، وَنَزَلُوا بِلَادِي، وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ، حَتّى أَدْعُوَهُمْ، فَأَسْأَلَهُمْ عَمّا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ، أَسْلَمْتهمْ إلَيْهِمَا، وَرَدَدْتُهُمْ إلَى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ منعتهم منهما، وأحسنت جوارهم ما جاورونى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حوار بين النجاشى وبين المهاجرين

[حوار بين النجاشى وبين المهاجرين] قَالَتْ: ثُمّ أَرْسَلَ إلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَدَعَاهُمْ، فَلَمّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا، ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: مَا تَقُولُونَ لِلرّجُلِ إذَا جِئْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَقُول: وَاَللهِ مَا عَلِمْنَا، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيّنَا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هو كائن، فلما جاؤا، وَقَدْ دَعَا النّجَاشِيّ أَسَاقِفَتَهُ، فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذَا الدّينُ الّذِي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا فى دِينِي، وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ! قَالَتْ: فَكَانَ الّذِي كَلّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أبى طالب، فَقَالَ لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، كُنّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ وَيَأْكُلُ الْقَوِيّ مِنّا الضّعِيفَ، فَكُنّا عَلَى ذَلِكَ، حَتّى بَعَثَ اللهُ إلَيْنَا رَسُولًا مِنّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إلَى اللهِ؛ لِنُوَحّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ- لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا- وأمرنا بالصّلاة والزكاة والصيام، قالت: فعدذ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ- فَصَدّقْنَاهُ وَآمَنّا بِهِ، وَاتّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللهِ، فَعَبَدْنَا اللهَ وَحْدَهُ، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرّمْنَا مَا حَرّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلّ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا، فَعَذّبُونَا، وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا، ليردونا إلى عبادة الأوثان عن عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنْ نَسْتَحِلّ مَا كُنّا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نَسْتَحِلّ مِنْ الْخَبَائِثِ، فَلَمّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيّقُوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا، خَرَجْنَا إلَى بِلَادِك وَاخْتَرْنَاك عَلَى مَنْ سِوَاك، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِك، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَك أَيّهَا الْمَلِكُ. قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ النّجَاشِيّ: هَلْ مَعَك مِمّا جَاءَ بِهِ عَنْ اللهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال النّجَاشِيّ: فَاقْرَأْهُ عَلَيّ، قَالَتْ: فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ: كهيعص. قَالَتْ: فَبَكَى وَاَللهِ النّجَاشِيّ، حَتّى اخْضَلّتْ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ، حَتّى أَخْضَلّوا مَصَاحِفَهُمْ، حِين سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ، ثُمّ قَالَ النّجَاشِيّ: إنّ هَذَا وَاَلّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون. قَالَتْ: فَلَمّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاَللهِ لَآتِيَنّهُ غَدًا عَنْهُمْ بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ. قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ- وَكَانَ أَتْقَى الرّجُلَيْنِ فِينَا: لَا نَفْعَلُ؛ فَإِنّ لَهُمْ أَرْحَامًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا. قَالَ: وَاَللهِ لَأُخْبِرَنّهُ أَنّهُمْ يزعمون أن عيسى بن مَرْيَمَ عَبْدٌ، قَالَتْ: ثُمّ غَدًا عَلَيْهِ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّهُمْ يَقُولُونَ فى عيسى بن مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إلَيْهِمْ فَسَلْهُمْ عَمّا يَقُولُونَ فِيهِ. قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ، لِيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ. قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا قَطّ. فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ، ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: مَاذَا تَقُولُونَ فى عيسى بن مَرْيَمَ إذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ- وَاَللهِ-[فيه] مَا قَالَ اللهُ، وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيّنَا، كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ. قَالَتْ: فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ: مَاذَا تَقُولُونَ فى عيسى ابن مريم؟ قالت: فقال [له] جعفر ابن أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الّذِي جَاءَنَا بِهِ نبيّنا صلّى الله عليه وسلم: هُوَ عَبْدُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المهاجرون وانتصار النجاشى

وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ. قَالَتْ: فَضَرَبَ النّجَاشِيّ بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، ثُمّ قَالَ: وَاَللهِ مَا عَدَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ، قَالَتْ: فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاَللهِ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ شُيُومٌ بِأَرْضِي- وَالشّيُومُ: الْآمِنُونَ- مَنْ سَبّكُمْ غرم، ثم قال: مَنْ سَبّكُمْ غَرِمَ، ثُمّ قَالَ: مَنْ سَبّكُمْ غَرِمَ مَا أُحِبّ أَنّ لِي دَبَرًا مِنْ ذَهَبٍ، وَأَنّي آذَيْت رَجُلًا مِنْكُمْ- قَالَ ابْنُ هشام: ويقال: دبرى مِنْ ذَهَبٍ. وَيُقَالُ فَأَنْتُمْ سُيُومٌ، وَالدّبَرُ- بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْجَبْلُ- رُدّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلَا حَاجَةَ لى بها، فو الله مَا أَخَذَ اللهُ مِنّي الرّشْوَةَ حِينَ رَدّ عَلَيّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النّاسَ فِيّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ. قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عنده مقبوحين، مردودا عليهما ما جاآ بِهِ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، مَعَ خَيْرِ جار. [المهاجرون وانتصار النجاشى] قالت: فو الله إنّا لِعَلَى ذَلِكَ، إذْ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ من الحبشة ينازعه فى ملكه. قالت: فو الله مَا عَلِمْتُنَا حَزِنّا حُزْنًا قَطّ كَانَ أَشَدّ عَلَيْنَا مِنْ حُزْنٍ حَزِنّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ، تَخَوّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الرّجُلُ عَلَى النّجَاشِيّ، فَيَأْتِي رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقّنَا مَا كَانَ النّجَاشِيّ يَعْرِفُ مِنْهُ، قَالَتْ: وَسَارَ إلَيْهِ النّجَاشِيّ، وَبَيْنَهُمَا عَرْضُ النّيلِ، قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرَجُ حَتّى يَحْضُرَ وَقِيعَةَ الْقَوْمِ، ثُمّ يَأْتِينَا بالخبر؟ قالت: فقال الزبير ابن الْعَوّامِ: أَنَا، قَالُوا: فَأَنْتَ- وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنّا- قَالَتْ: فَنَفَخُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصة تملك النجاشى على الحبشة

لَهُ قِرْبَةً، فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتّى خَرَجَ إلَى نَاحِيَةِ النّيلِ الّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى حَضَرَهُمْ، قَالَتْ: فَدَعَوْنَا اللهَ تَعَالَى لِلنّجَاشِيّ بِالظّهُورِ عَلَى عدوّه، والتّمكين له فى بلاده، قالت: فو الله إنّا لَعَلَى ذَلِكَ مُتَوَقّعُونَ لِمَا هُوَ كَائِنٌ، إذْ طَلَعَ الزّبَيْرُ وَهُوَ يَسْعَى، فَلَمَعَ بِثَوْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَلَا أَبْشِرُوا، فَقَدْ ظَفِرَ النّجَاشِيّ، وَأَهْلَكَ اللهُ عَدُوّهُ، وَمَكّنّ لَهُ فِي بِلَادِهِ. قالت: فو الله مَا عَلِمْتنَا فَرِحْنَا فَرْحَةً قَطّ مِثْلَهَا. قَالَتْ: وَرَجَعَ النّجَاشِيّ، وَقَدْ أَهْلَكَ اللهُ عَدُوّهُ، وَمَكّنَ له فى بلاده، واستوثق عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ، حَتّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بمكة. [قصة تملك النجاشى على الحبشة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: فَحَدّثْت عُرْوَةَ بن الزبير حديث أبى بكر ابن عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا قَوْلُهُ: مَا أَخَذَ اللهُ مِنّي الرّشْوَةَ حِينَ رَدّ عَلَيّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرّشْوَةَ فِيهِ، وما أطاع النّاس فىّ، فأطبع النّاسَ فِيهِ؟ قَالَ: قُلْت: لَا، قَالَ: فَإِنّ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ حَدّثَتْنِي أَنّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إلّا النّجَاشِيّ، وَكَانَ لِلنّجَاشِيّ عَمّ، لَهُ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ مَمْلَكَةِ الحبشة، فقالت الحبشة بَيْنَهَا: لَوْ أَنّا قَتَلْنَا أَبَا النّجَاشِيّ، وَمَلّكْنَا أَخَاهُ فَإِنّهُ لَا وَلَدَ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْغُلَامِ، وَإِنّ لِأَخِيهِ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَتَوَارَثُوا مُلْكَهُ مِنْ بَعْدِهِ، بَقِيَتْ الْحَبَشَةُ بَعْدَهُ دَهْرًا، فَغَدَوْا عَلَى أَبِي النّجَاشِيّ فَقَتَلُوهُ: وملّكوا أخاه، فمكثوا على ذلك حينا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَنَشَأَ النّجَاشِيّ، مَعَ عَمّهِ- وَكَانَ لَبِيبًا حَازِمًا مِنْ الرّجَالِ- فَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ عَمّهِ، وَنَزَلَ مِنْهُ بِكُلّ مَنْزِلَةٍ، فَلَمّا رَأَتْ الْحَبَشَةُ مَكَانَهُ مِنْهُ، قَالَتْ بَيْنَهَا: وَاَللهِ لَقَدْ غَلَبَ هَذَا التى عَلَى أَمْرِ عَمّهِ، وَإِنّا لَنَتَخَوّفُ أَنْ يُمَلّكَهُ عَلَيْنَا، وَإِنْ مَلّكَهُ عَلَيْنَا لَيَقْتُلنَا أَجْمَعِينَ، لَقَدْ عَرَفَ أَنّا نَحْنُ قَتَلْنَا أَبَاهُ. فَمَشَوْا إلَى عَمّهِ، فَقَالُوا: إمّا أَنْ تَقْتُلَ هَذَا الْفَتَى، وَإِمّا أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَإِنّا قَدْ خِفْنَاهُ عَلَى أَنْفُسِنَا، قَالَ: وَيْلَكُمْ! قَتَلْتُ أَبَاهُ بِالْأَمْسِ، وَأَقْتُلهُ الْيَوْمَ! بَلْ أُخْرِجُهُ مِنْ بِلَادِكُمْ. قَالَتْ: فَخَرَجُوا بِهِ إلَى السّوقِ، فَبَاعُوهُ من رجل من التجّار بستمائة ذرهم، فَقَذَفَهُ فِي سَفِينَةٍ فَانْطَلَقَ بِهِ، حَتّى إذَا كَانَ الْعَشِيّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ سَحَائِبِ الْخَرِيفِ، فَخَرَجَ عَمّهُ يَسْتَمْطِرُ تَحْتَهَا، فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ، فَقَتَلَتْهُ. قَالَتْ: فَفَزِعَتْ الْحَبَشَةُ إلَى ولده، فإذا هو محمق، ليس فى ولده خير، فمرج على الحبشة أمرهم. فَلَمّا ضَاقَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: تَعْلَمُوا وَاَللهِ أَنّ مَلِكَكُمْ الّذِي لَا يُقِيمُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ لَلّذِي بِعْتُمْ غَدْوَةً، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِأَمْرِ الْحَبَشَةِ حَاجَةٌ، فَأَدْرِكُوهُ الْآنَ. قَالَتْ: فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، وَطَلَبِ الرّجُلِ الّذِي بَاعُوهُ مِنْهُ حَتّى أَدْرَكُوهُ، فأخذوه منه، ثم جاؤا بِهِ، فَعَقَدُوا عَلَيْهِ التّاجَ، وَأَقْعَدُوهُ عَلَى سَرِيرِ الملك، فملّكوه. فَجَاءَهُمْ التّاجِرُ الّذِي كَانُوا بَاعُوهُ مِنْهُ، فَقَالَ: إمّا أَنْ تُعْطُونِي مَالِي، وَإِمّا أَنْ أُكَلّمَهُ فِي ذَلِكَ؟ قَالُوا: لَا نُعْطِيك شَيْئًا، قَالَ: إذَنْ وَاَللهِ أُكَلّمُهُ، قَالُوا: فَدُونَك وَإِيّاهُ. قَالَتْ: فَجَاءَهُ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: أَيّهَا الْمَلِكُ، ابتعت ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام النجاشى والصلاة عليه

غلاما من قوم بالسوق بستمائة دِرْهَمٍ، فَأَسْلَمُوا إلَيّ غُلَامِي، وَأَخَذُوا دَرَاهِمِي، حَتّى إذَا سِرْت بِغُلَامِي، أَدْرَكُونِي، فَأَخَذُوا غُلَامِي، وَمَنَعُونِي دَرَاهِمِي. قَالَتْ: فَقَالَ لَهُمْ النّجَاشِيّ: لَتُعْطُنّهُ دَرَاهِمَهُ، أَوْ لَيَضَعَنّ غُلَامُهُ يَدَهُ فِي يَدِهِ، فَلَيَذْهَبَنّ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، قَالُوا: بَلْ نُعْطِيهِ دَرَاهِمُهُ. قَالَتْ: فَلِذَلِكَ يَقُولُ: مَا أَخَذَ اللهُ مِنّي رِشْوَةً حِينَ رَدّ عَلَيّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النّاسَ فِيّ، فَأُطِيعَ النّاسَ فِيهِ. قَالَتْ: وَكَانَ ذَلِكَ أَوّلَ مَا خُبِرَ من صلابته فى دينه، وعدله فِي حُكْمِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمّا مَاتَ النّجَاشِيّ، كَانَ يُتَحَدّثُ أَنّهُ لَا يَزَالُ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ نُورٌ. [إسلام النجاشى والصلاة عليه] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمّدٍ، عن أبيه، قال: اجتمعت الحبشة، فَقَالُوا لِلنّجَاشِيّ: إنّك قَدْ فَارَقْتَ دِينَنَا، وَخَرَجُوا عليه قال: فَأَرْسَلَ إلَى جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، فَهَيّأَ لَهُمْ سُفُنًا، وَقَالَ: ارْكَبُوا فِيهَا، وَكُونُوا كَمَا أَنْتُمْ، فَإِنْ هُزِمْتُ فَامْضُوا حَتّى تَلْحَقُوا بِحَيْثُ شِئْتُمْ، وَإِنْ ظَفِرْتُ فَاثْبُتُوا. ثُمّ عَمَدَ إلَى كِتَابٍ فَكَتَبَ فِيهِ: هُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَه إلّا اللهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيَشْهَدُ أَنّ عيسى بن مَرْيَمَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ، ثُمّ جَعَلَهُ فِي قُبَائِهِ عِنْدَ الْمَنْكِبِ الْأَيْمَنِ، وَخَرَجَ إلَى الْحَبَشَةِ، وَصُفّوا لَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْحَبَشَةِ، أَلَسْتُ أَحَقّ النّاسِ بِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَكَيْفَ رَأَيْتُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سِيرَتِي فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ سِيرَةٍ، قَالَ: فَمَا لكم؟ قَالُوا: فَارَقْت دِينَنَا، وَزَعَمْت أَنّ عِيسَى عَبْدٌ، قَالَ: فَمَا تَقُولُونَ أَنْتُمْ فِي عِيسَى؟ قَالُوا: نَقُول: هُوَ ابْنُ اللهِ، فَقَالَ النّجَاشِيّ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ عَلَى قُبَائِهِ: هُوَ يَشْهَدُ أَنّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا، وَإِنّمَا يَعْنِي مَا كَتَبَ، فَرُضّوا وانصرفوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمّا مَاتَ النّجَاشِيّ صَلّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ إرْسَالُ قُرَيْشٍ إلَى النّجَاشِيّ فِي أَمْرِ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّهُمْ أَرْسَلُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ اللهِ بْنُ أَبِي ربيعة ابن الْمُغِيرَةِ، وَأَهْدَوْا مَعَهُمَا هَدَايَا إلَى النّجَاشِيّ. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ هَذَا كَانَ اسْمُهُ بَحِيرًا «1» ، فَسَمّاهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَسْلَمَ: عَبْدَ اللهِ، وَأَبُوهُ: أَبُو رَبِيعَةَ ذُو الرّمْحَيْنِ، وَفِيهِ يَقُولُ ابْنُ الزّبَعْرَى. بحير ابن ذِي الرّمْحَيْنِ قَرّبَ مَجْلِسِي ... وَرَاحَ عَلَيْنَا فَضْلُهُ وهو عاتم «2»

_ (1) بحير بفتح وكسر أو ضم الباء وسكون الياء، هذا وذكر الذهبى فى أعلام النبلاء ج 1 ص 151 أن الذين هاجروا كانوا ثمانين. ويؤيده ما روى أحمد بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: بعثنا النبى «ص» إلى النجاشى، ونحن نحو من ثمانين رجلا ص 148 ح 7 فتح الباى، وذكر ابن جرير أنهم 82 وشك فى عمار هل كان فيهم أولا، وقيل: إن عدة كل نسائهم كانت ثمانى عشرة امرأة. (2) فى نسب قريش: يروح علينا فضله غير عاتم، وفى الإصابة أيضا: غير عاتم، وهو الصواب فعاتم: بطىء، فقوله: كما فى السهيلى: وهو عاتم لا بستقيم مع غرض الشاعر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَاسْمُ أَبِي رَبِيعَةَ: عَمْرٌو، وَقِيلَ: حُذَيْفَةُ، وَأُمّ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَسَمَاءُ بِنْتُ مُحَرّبَةَ التّمِيمِيّةُ «1» ، وَهِيَ أُمّ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رببعة هَذَا هُوَ وَالِدُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الشّاعِرُ، وَوَالِدُ الْحَارِثِ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ الْمَعْرُوفُ بِالْقُبَاعِ، وَكَانَ فِي أَيّامِ عُمَرَ وَالِيًا عَلَى الْجُنْدِ، وَفِي أَيّامِ عُثْمَانَ، فَلَمّا سَمِعَ بِحَصْرِ عُثْمَانَ، جَاءَ لِيَنْصُرَهُ، فَسَقَطَ عَنْ دَابّتِهِ فَمَاتَ. عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: فَصْلٌ: وَكَانَ مَعَهُمَا فِي ذَلِكَ السّفَرِ عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ حِينَ قَالَتْ قُرَيْشٌ لِأَبِي طَالِبٍ: خُذْ عُمَارَةَ بَدَلًا مِنْ مُحَمّدٍ، وَادْفَعْ إلَيْنَا مُحَمّدًا نَقْتُلْهُ، وَكَانَ عُمَارَةُ مِنْ أَجْمَلِ النّاسِ، فَذَكَرَ أَصْحَابُ الْأَخْبَارِ أَنّهُمْ أَرْسَلُوهُ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي إلَى النّجَاشِيّ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ، وَذَكَرَ حَدِيثَهُ مَعَ عَمْرٍو فِي رِوَايَةِ يُونُسَ، وَلَكِنْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْقِصّةِ الْمَذْكُورَةِ هَاهُنَا، وَلَعَلّ إرْسَالَهُمْ إيّاهُ مَعَ عَمْرٍو، كَانَ فِي الْمَرّةِ الْأُخْرَى الّتِي سَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي السّيرَةِ عِنْدَ حَدِيثِ إسْلَامِ عَمْرٍو، وَمِمّنْ ذَكَرَ قِصّةَ عُمَارَةَ بِطُولِهَا أَبُو الْفَرَجِ الْأَصْبَهَانِيّ، وَذَكَرَ أَنّ عَمْرًا سَافَرَ بِامْرَأَتِهِ، فَلَمّا رَكِبُوا الْبَحْرَ، وَكَانَ عُمَارَةُ قَدْ هَوِيَ امْرَأَةَ عَمْرٍو وَهَوِيته، فَعَزَمَا عَلَى دَفْعِ عَمْرٍو، أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عُمَارَةَ عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ فَدَفَعَ عَمْرًا، فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ، فَسَبّحَ عَمْرٌو، ونادى أصحاب السفينة

_ (1) فى نسب قريش ص 318 أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل ابن دارم، وفى الإصابة: بنت مخرمة، وفى القاموس: أسماء بنت مخرّبة واسم ذى الرعين فى نسب قريش: عمرو، أما حذيفة فأخوه زاد الركب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَأَخَذُوهُ، وَرَفَعُوهُ إلَى السّفِينَةِ، فَأَضْمَرَهَا عَمْرٌو فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يُبْدِهَا لِعُمَارَةَ، بَلْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ- فِيمَا ذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ- قَبّلِي ابْنَ عَمّك عُمَارَةَ لِتَطِيبَ بِذَلِكَ نَفْسُهُ، فَلَمّا أَتَيَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ مَكَرَ بِهِ عَمْرٌو، وَقَالَ: إنّي قَدْ كتبت إلى بنى سهم ليبرؤا مِنْ دَمِي لَك، فَاكْتُبْ أَنْتَ لِبَنِي مَخْزُومٍ ليبرؤا مِنْ دَمِك لِي، حَتّى تَعْلَمَ قُرَيْشٌ أَنّا قَدْ تَصَافَيْنَا، فَلَمّا كَتَبَ عُمَارَةُ، إلَى بَنِي مخزوم، وتبرؤا مِنْ دَمِهِ لِبَنِي سَهْمٍ، قَالَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: قُتِلَ عُمَارَةُ- وَاَللهِ- وَعَلِمَ أَنّهُ مَكْرٌ مِنْ عَمْرٍو، ثُمّ أَخَذَ عَمْرٌو يُحَرّضُ عُمَارَةَ عَلَى التّعَرّضِ لِامْرَأَةِ النّجَاشِيّ، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ امرؤ جَمِيلٌ، وَهُنّ النّسَاءُ يُحْبِبْنَ الْجَمَالَ مِنْ الرّجَالِ، فَلَعَلّهَا أَنْ تَشْفَعَ لَنَا عِنْدَ الْمَلِكِ فِي قَضَاءِ حَاجَتِنَا، فَفَعَلَ عُمَارَةُ فَلَمّا رَأَى عَمْرٌو ذَلِكَ، وَتَكَرّرَ عُمَارَةُ عَلَى امْرَأَةِ الْمَلِكِ، وَرَأَى إنَابَتَهَا إلَيْهِ، أَتَى الْمَلِكَ مُنْتَصِحًا، وَجَاءَهُ بِأَمَارَةِ عَرَفَهَا الْمَلِكُ، قَدْ كَانَ عُمَارَةُ أَطْلَعَ عَمْرًا عَلَيْهَا، فَأَدْرَكَتْهُ غَيْرَةُ الْمَلِكِ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنّهُ جَارِي لَقَتَلْته، وَلَكِنْ سَأَفْعَلُ بِهِ مَا هُوَ شَرّ مِنْ الْقَتْلِ، فَدَعَا بِالسّوَاحِرِ، فَأَمَرَهُنّ أَنْ يَسْحَرْنَهُ، فَنَفَخْنَ فِي إحْلِيلِهِ «1» نَفْخَةً، طَارَ مِنْهَا هَائِمًا عَلَى وَجْهِهِ، حَتّى لَحِقَ بِالْوُحُوشِ فِي الْجِبَالِ، وَكَانَ يَرَى آدَمِيّا فَيَفِرّ مِنْهُ، وَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ إلَى زَمَنِ عُمَرَ ابن الْخَطّابِ، فَجَاءَ ابْنُ عَمّهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ إلَى عُمَرَ، وَاسْتَأْذَنَهُ، فِي الْمَسِيرِ إلَيْهِ لَعَلّهُ يَجِدُهُ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ فَسَارَ عَبْدُ اللهِ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَأَكْثَرَ النّشْدَةَ عَنْهُ، وَالْفَحْصَ عَنْ أَمْرِهِ، حَتّى أُخْبِرَ أَنّهُ- بِحَيْلِ «2» يَرِدُ مَعَ الْوُحُوشِ، إذَا وَرَدَتْ، وَيَصْدُرُ مَعَهَا إذَا صَدَرَتْ، فَسَارَ إلَيْهِ حَتّى كَمَنَ له فى الطريق إلى

_ (1) الإحليل: مخرج البول من ذكر الإنسان واللين من الثدى والضرع. (2) الحيل: الماء المستنقع فى بطن واد:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَاءِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ غَطّاهُ شَعَرُهُ، وَطَالَتْ أَظْفَارُهُ، وَتَمَزّقَتْ عَلَيْهِ ثِيَابُهُ، حَتّى كَأَنّهُ شَيْطَانٌ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ، وَجَعَلَ يُذَكّرُهُ بِالرّحِمِ وَيَسْتَعْطِفُهُ، وَهُوَ يَنْتَفِضُ مِنْهُ، وَيَقُولُ: أَرْسِلْنِي يَا بَحِيرُ، أَرْسِلْنِي يَا بَحِيرُ، وَأَبَى عَبْدُ اللهِ أَنْ يُرْسِلَهُ، حَتّى مَاتَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ خَبَرٌ مَشْهُورٌ اخْتَصَرَهُ بَعْضُ مَنْ أَلَفّ فِي السّيَرِ، وَطَوّلَهُ أَبُو الْفَرَجِ، وَأَوْرَدْته عَلَى مَعْنَى كَلَامِهِ، مُتَحَرّيًا لِبَعْضِ أَلْفَاظِهِ «1» . عَنْ حَدِيثِ أَصْحَابِ الْهِجْرَةِ مَعَ النّجَاشِيّ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ أَصْحَابِ الهجرة مع النجاشى، وما قال لَهُ جَعْفَرٌ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ «2» ، وَلَيْسَ فِيهَا إشْكَالٌ، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ: الْخُرُوجُ عَنْ الْوَطَنِ، وَإِنْ كَانَ الْوَطَنُ مَكّةَ عَلَى فَضْلِهَا، إذَا كَانَ الْخُرُوج فِرَارًا بِالدّينِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى إسْلَامٍ، فَإِنّ الْحَبَشَةَ كَانُوا نَصَارَى يَعْبُدُونَ الْمَسِيحَ، وَلَا يَقُولُونَ: هُوَ عَبْدُ اللهِ، وَقَدْ تَبَيّنَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَسُمّوا بِهَذِهِ مُهَاجِرِينَ، وَهُمْ أَصْحَابُ الْهِجْرَتَيْنِ الّذِينَ أَثْنَى اللهُ عليهم بالسبق، فقال: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وجاء

_ (1) فى نسب قريش: فلما يئس عمرو- يعنى من استجابة النجاشى له فى أمر المهاجرين محل بعمارة- أى كادله- عند النجاشى فنفخ النجاشى فى إحليله سحرا، فذهب مع الوحش فيما تقول قريش. فلم يزل مستوحشا يرد الماء فى جزيرة بأرض الحبشة، وفيه أنه قال لأخيه عبد الله: يا بحير أرسلنى، فإنى أموت إن أمسكتنى، فأمسكه، فمات فى يده ص 322. والقصة خرافة، ومصعب دقيق فى تعبيره إذ يقول: «فيما تقول قريش» فهى إذا أقاويل!. (2) يقول ابن تيمية عن قصة المهاجرين فى حديث أم سلمة. «وقد ذكر قصتهم جماعة من العلماء والحافظ كأحمد بن حنبل فى المسند، وابن سعد فى الطبقات وأبى نعيم فى الحلية وغيرهم وذكرها أهل التفسير والحديث والفقه وهى متواترة عند العلماء» ص 81 ح 1 الجواب الصحيح، طبع المدنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي التّفْسِيرِ: أَنّهُمْ الّذِينَ صَلّوْا الْقِبْلَتَيْنِ، وَهَاجَرُوا الْهِجْرَتَيْنِ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا: هُمْ الّذِينَ شَهِدُوا بَيْعَةَ الرّضْوَانِ، فَانْظُرْ كَيْفَ أَثْنَى اللهُ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْهِجْرَةِ، وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ إلَى دَارِ كُفْرٍ، لَمّا كَانَ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ احْتِيَاطًا عَلَى دِينِهِمْ، وَرَجَاءَ أَنْ يُخَلّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عِبَادَةِ رَبّهِمْ، يَذْكُرُونَهُ آمِنِينَ مُطْمَئِنّينَ، وَهَذَا حُكْمٌ مُسْتَمِرّ مَتَى غَلَبَ الْمُنْكَرُ فِي بَلَدٍ، وَأُوذِيَ عَلَى الْحَقّ مُؤْمِنٌ، وَرَأَى الباطل قاهرا لِلْحَقّ، وَرَجَا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ آخَرَ- أَيّ بَلَدٍ كَانَ- يُخَلّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ دِينِهِ، وَيُظْهِرُ فِيهِ عِبَادَةَ رَبّهِ، فَإِنّ الْخُرُوجَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَتْمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ، وَهَذِهِ الْهِجْرَةُ الّتِي لَا تَنْقَطِعُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ الْبَقَرَةُ: 115. فَصْلٌ: وَلَيْسَ فِي بَاقِي حَدِيثِهِمْ شَيْءٌ يُشْرَحُ، قَدْ شَرَحَ ابْنُ هِشَامٍ الشّيُومَ، وَهُمْ الْآمِنُونَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لَفْظَةً حَبَشِيّةً غَيْرَ مُشْتَقّةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَصْلٌ فِي الْعَرَبِيّةِ، وَأَنْ تَكُونَ مِنْ شِمْت السّيْفَ إذَا أَغْمَدْته، لِأَنّ الْآمِنَ مُغْمَدٌ عَنْهُ السّيْفُ، أَوْ لِأَنّهُ مَصُونٌ فِي صِوَانٍ» وَحِرْزٍ كَالسّيْفِ فِي غِمْدِهِ. وَقَوْلُهُ: ضَوَى إلَيْك فِتْيَةٌ «2» أَيْ: أَوَوْا إليك، ولا ذوابك، وَأَمّا ضَوِيَ بِكَسْرِ الْوَاوِ، فَهُوَ مِنْ الضّوَى مقصور، وهو الهزال، وقال الشاعر:

_ (1) فى الأصل: صور بالحبشية وسيوم: آمن أو جمع سائم بالعربية (2) فى السيرة: غلمان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَتًى لَمْ تَلِدْهُ بِنْتُ عَمّ قَرِيبَةٌ ... فَيَضْوَى، وَقَدْ يَضْوَى رَدِيدُ الْغَرَائِبِ «1» وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: اغْتَرَبُوا لَا تَضْوُوا، يَقُولُ: إنّ تَزْوِيجَ الْقَرَائِبِ يُورِثُ الضّوَى فِي الْوَلَدِ «2» ، وَالضّعْفَ فِي الْقَلْبِ، قَالَ الرّاجِزُ: إنّ بِلَالًا لَمْ تَشِنْهُ أُمّهُ ... لَمْ يَتَنَاسَبْ خَالُهُ وَعَمّهُ إضَافَةُ الْعَيْنِ إلَى اللهِ: وَفِيهِ: قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا، أَيْ: أَبْصَرُ بِهِمْ، أَيْ: عَيْنُهُمْ وَإِبْصَارُهُمْ فَوْقَ عَيْنِ غَيْرِهِمْ فِي أَمْرِهِمْ، فَالْعَيْنُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الرّؤْيَةِ وَالْإِبْصَارِ، لَا بِمَعْنَى الْعَيْنِ الّتِي هِيَ الْجَارِحَةُ، وَمَا سُمّيَتْ الْجَارِحَةُ عَيْنًا إلّا مَجَازًا؛ لِأَنّهَا مَوْضِعُ الْعِيَانِ، وَقَدْ قَالُوا: عَانَهُ يُعِينُهُ عَيْنًا إذَا رَآهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَشْهُرُ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ: عَايَنَهُ مُعَايَنَةً، وَالْأَشْهَرُ فِي عَنِتَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ، وَإِنّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا الْكَلَامَ، لِتَعْلَمَ أَنّ الْعَيْنَ فِي أَصْلِ وَضْعِ اللّغَةِ صِفّةٌ لَا جَارِحَةٌ، وَأَنّهَا إذَا أُضِيفَتْ إلَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ، فَإِنّهَا حَقِيقَةٌ نَحْوَ قَوْلِ أُمّ سَلَمَةَ لَعَائِشَةَ: بِعَيْنِ اللهِ مَهْوَاك، وَعَلَى رَسُولِ اللهِ تَرُدّينَ؟ وَفِي التّنْزِيلِ: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي وقد أملينا فى المسائل

_ (1) فى اللسان: القرائب بالقاف. (2) تدبر قول الله سبحانه: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ، وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَبَناتِ عَمِّكَ، وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ، وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ، وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» الأحزاب: 50، وقوله تعالى: «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» «وَأَنْكِحُوا-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المفردات: مسئله فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَفِيهَا الرّدّ عَلَى مَنْ أَجَازَ التّثْنِيَةَ فِي الْعَيْنِ مَعَ إضَافَتِهَا إلَى اللهِ تَعَالَى «1» ، وَقَاسَهَا عَلَى الْيَدَيْنِ، وَفِيهَا الرّدّ عَلَى مَنْ احْتَجّ بِقَوْلِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنّ رَبّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ «2» ، وَأَوْرَدْنَا فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ شِفَاءٌ، وَأَتْبَعْنَاهُ بِمَعَانٍ بَدِيعَةٍ فِي مَعْنَى عَوَرِ الدّجّالُ، فَلْيُنْظَرْ هُنَالِكَ. مَعْنَى أَنّ عِيسَى كَلِمَةُ اللهِ وَرُوحُهُ: وَقَوْلُ جَعْفَرٍ فِي عِيسَى: هُوَ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ، وَمَعْنَى: كَلِمَتِهِ أَيْ: قَالَ لَهُ، كَمَا قَالَ لِآدَمَ حِينَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ، ثُمّ قَالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ، وَلَمْ يَقُلْ: فَكَانَ، لِئَلّا يُتَوَهّمَ وُقُوعُ الْفِعْلِ بَعْدَ الْقَوْلِ بِيَسِيرِ، وَإِنّمَا هُوَ وَاقِعٌ للحال، فقوله:

_ - الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ» النور: 32 بتدبر هذه البينات يتجلى لك أنها هى الهدى. (1) الدين الحق فى هذا- وهو دين السلف الصالح لا الخلف الطالح- أن نصف الله سبحانه، ونسميه بكل ما وصف وسمى به نفسه، وننسب إليه كل ما نسبه جل شأنه إلى نفسه، وننفى عنه كل ما نفاه عن نفسه، فلله سبحانه عين حقا، ولكنها ليست كعين البشر؛ لأن الله ليس كمثله شىء. ولا يصح تأويل العين تأويلا هو تحريف للكلم عن مواضعه، فنضع لها معنى مبتدعا ليس لها فى لغة القرآن. (2) فى حديث رواه البخارى ومسلم «إن الله لا يخفى عليكم، إن الله تعالى ليس بأعور، وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى- أى الجهة اليمنى- كأن عينه عنبة طافية، هذا عن ابن عمر، وورد فى حديث رواه البخارى ومسلم أيضا عن أنس: «إن ربكم ليس بأعور» واقرأ ما كتب الإمام ابن القيم فى الصواعق المرسلة عن العين، وما شابه هذا مما نسب الله إلى نفسه، لتؤمن بتدبر القرآن أن الله لا ينسب إلى نفسه إلا حقا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَيَكُونُ مُشْعِرٌ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ فِي حَالِ الْقَوْلِ، وَتَوَجّهَ الْفِعْلُ بِيَسِيرِ عَلَى الْقَوْلِ، لَا يُمْكِنُ مُسْتَقْدِمٌ وَلَا مُسْتَأْخِرٌ، فَهَذَا مَعْنَى الْكَلِمَةِ، وَأَمّا رُوحُ اللهِ؛ فَلِأَنّهُ نَفْخَةُ رُوحِ الْقُدُسِ فِي جَيْبِ الطّاهِرَةِ الْمُقَدّسَةِ، وَالْقُدُسُ: الطّهَارَةُ مِنْ كُلّ مَا يَشِينُ، أَوْ يَعِيبُ، أَوْ تُقَذّرُهُ نَفْسٌ، أَوْ يَكْرَهُهُ شَرْعٌ، وَجِبْرِيلُ: رُوحُ الْقُدُسِ، لِأَنّهُ رُوحٌ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ مِنّي، وَلَا صَدَرَ عَنْ شَهْوَةٍ، فَهُوَ مُضَافٌ إلَى اللهِ سُبْحَانَهُ إضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ؛ لِأَنّهُ صَادِرٌ عَنْ الْحَضْرَةِ الْمُقَدّسَةِ «1» ، وَعِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ صَادِرٌ عَنْهُ، فَهُوَ: رُوحُ اللهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى؛ إذْ النّفْخُ قَدْ يُسَمّى: رُوحًا أَيْضًا، كَمَا قَالَ غَيْلَانُ [بْنُ عُقْبَةَ ذُو الرّمّةِ] يَصِفُ النّارَ: فَقُلْت لَهُ: ارْفَعْهَا إلَيْك، وَأَحْيِهَا ... بِرُوحِك، وَاقْدُرْهَا لَهَا قِيتَةً بَدَرَا «2» وَأَضِفْ هَذَا الْكَلَامَ فِي رُوحِ القدس، وفى تسمية النفخ روحا إلى

_ (1) كلمة الحضرة لا يجوز نسبتها إلى الله، إنما هو تعبير مبتدع لهذه النسبة. هذا ويقول ابن تيمية عن رواية ابن إسحاق بسنده عن أم سلمة فى شأن النجاشى: «وقد روى جمل هذه القصة أبو داود فى سننه من حديث أبى موسى» ص 87 ح 1 الجواب الصحيح، وفى رواية أن جعفر قرأ على النجاشى أربعين آية من أولها إلى قوله سبحانه: «إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ» وفى رواية: «بلوها بدموعهم» بدلا من: «أخضلوا مصاحفهم» وهى بمعناها. وفى رواية أن النجاشى قال: إن هذا والذى جاء به موسى ليخرج من مشكاة» وأظنها أدق- هذا وقد راجعت الحديث على رواية ابن تيمية له (2) البيت فى اللسان، وروايته: فقلت له: خذها إليك وأحيها ... بروحك واقتته لها قيتة قدرا واقتت لنارك قيتة، أى: أطعمها، يأمره بالرفق والنفخ القليل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي حَقِيقَةِ الرّوحِ، وَشَرْحِ مَعْنَاهُ فَإِنّهُ تَكْمِلَةٌ لَهُ. النّجَاشِيّ أَصْحَمَةُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ عَنْ النّجَاشِيّ حِينَ رَدّ اللهُ عَلَيْهِ مُلْكَهُ، وَأَنّ قَوْمَهُ كَانُوا بَاعُوهُ، فَلَمّا مَرِجَ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، أَخَذُوهُ مِنْ سَيّدِهِ وَاسْتَرَدّوهُ.. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلّ عَلَى أَنّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِلَادَهُ لِقَوْلِهِ: خَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، فَأَدْرَكُوهُ، وَقَدْ بُيّنَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّ سَيّدَهُ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ وَأَنّهُ اسْتَعْبَدَهُ طَوِيلًا، وَهُوَ الّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ: فَلَمّا مَرِجَ عَلَى الْحَبَشَةِ أَمْرُهُمْ، وَضَاقَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى طُولِ الْمُدّةِ فِي مَغِيبِهِ عَنْهُمْ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّ وَقْعَةَ بَدْرٍ حِينَ انْتَهَى خَبَرُهَا إلَى النّجَاشِيّ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ، فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ إذَا هُوَ قَدْ لَبِسَ مَسْحًا، وَقَعَدَ عَلَى التّرَابِ وَالرّمَادِ، فَقَالُوا لَهُ: مَا هَذَا أَيّهَا الْمَلِكُ؟! فَقَالَ: إنّا نَجِدُ فِي الْإِنْجِيلِ أَنّ اللهَ سُبْحَانَهُ إذَا أَحْدَثَ بِعَبْدِهِ، وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُحْدِثَ لِلّهِ تَوَاضُعًا، وَإِنّ اللهَ قَدْ أَحْدَثَ إلَيْنَا وَإِلَيْكُمْ نِعْمَةً عَظِيمَةً، وَهِيَ أَنّ النّبِيّ مُحَمّدًا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَلَغَنِي أَنّهُ الْتَقَى هُوَ وَأَعْدَاؤُهُ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ: بَدْرٌ كَثِيرُ الْأَرَاكِ، كُنْت أَرْعَى فِيهِ الْغَنَمَ عَلَى سَيّدِي، وَهُوَ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ، وَأَنّ اللهَ قَدْ هَزَمَ أَعْدَاءَهُ فِيهِ، وَنَصَرَ دِينَهُ، فَدَلّ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى طُولِ مُكْثِهِ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ، فَمِنْ هُنَا- وَاَللهُ أَعْلَمُ- تَعْلَمُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ مَا فَهِمَ بِهِ سُورَةَ مَرْيَمَ حِينَ تُلِيَتْ عَلَيْهِ، حَتّى بَكَى، وَأَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: إنّا نَجِدُ فِي الْإِنْجِيلِ أَنّ اللّعْنَةَ تَقَعُ فِي الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ إمَارَةُ الصّبْيَانِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَنْ فَقِهَ حَدِيثَ الْهِجْرَةِ إلَى الْحَبَشَةِ: فَصْلٌ: وَمِمّا فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ إلَى الْحَبَشَةِ مِنْ الْفِقْهِ أَنّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ نُصَلّي فِي السّفِينَةِ إذَا رَكِبْنَا فِي الْبَحْرِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلّ قَائِمًا إلّا أَنْ تَخَافَ الْغَرَقَ. خَرّجَهُ الدّارَقُطْنِيّ، وَلَكِنْ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: وَصَلّى أَنَسٍ فِي السّفِينَةِ جَالِسًا. وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ عَنْ الْحَسَنِ: يُصَلّي قَائِمًا إلّا أَنْ يَضُرّ بِأَهْلِهَا. حَوْلَ كِتَابِ النّجَاشِيّ وَالصّلَاةِ عَلَيْهِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْكِتَابُ الّذِي كَتَبَهُ النّجَاشِيّ، وَجَعَلَهُ بَيْنَ صَدْرِهِ وَقَبَائِهِ، وَقَالَ لِلْقَوْمِ: أَشْهَدُ أَنّ عِيسَى لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُكَذّبَ كَذِبًا صُرَاحًا، وَلَا أَنْ يُعْطِيَ بِلِسَانِهِ الْكُفْرَ، وَإِنْ أُكْرِهَ مَا أَمْكَنَهُ الْحِيلَةُ، وَفِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةٌ عَنْ الْكَذِبِ «1» ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قَوْلِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَيْسَ بِالْكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَقَالَ خَيْرًا. رَوَتْهُ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ. قَالُوا: مَعْنَاهُ أَنْ يُعَرّضَ، وَلَا يُفْصِحُ بِالْكَذِبِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: سَمِعْته يَسْتَغْفِرُ لَك، وَيَدْعُو لَك، وَهُوَ يَعْنِي أَنّهُ سَمِعَهُ يَسْتَغْفِرُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَدْعُو لَهُمْ؛ لِأَنّ الْآخَرَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَحْتَالُ فِي التّعْرِيضِ

_ (1) إن فى المعاريض لمندوحة عن الكذب، أخرجه- كما يقول ابن الأثير- أبو عبيد وغيره، وهو حديث مرفوع. والمعاريض: جمع معراض من التعريض، وهو خلاف التصريح من القول، يقال: عرفت ذلك فى معراض كلامه ومعرض كلامه. ومندوحة: فسحة وسعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا اسْتَطَاعَ، وَلَا يَخْتَلِقُ الْكَذِبَ اخْتِلَاقًا، وَكَذَلِكَ فِي خُدْعَةِ الْحَرْبِ يُوَرّي، وَيَكُنّي، وَلَا يَخْتَلِقُ الْكَذِبَ يَسْتَحِلّهُ بِمَا جَاءَ مِنْ إبَاحَةِ الْكَذِبِ فِي خُدَعِ الْحَرْبِ، هَذَا كُلّهُ مَا وَجَدَ إلَى الْكِنَايَةِ سَبِيلًا. وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلّى عَلَى النّجَاشِيّ، وَاسْتَغْفَرَ «1» لَهُ، وَكَانَ مَوْتُ النّجَاشِيّ فِي رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ، وَنَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النّاسِ فِي الْيَوْمِ الّذِي مَاتَ فِيهِ، وَصَلّى عَلَيْهِ بِالْبَقِيعِ، رُفِعَ طليه سَرِيرُهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتّى رَآهُ، وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ فَصَلّى عَلَيْهِ، وَتَكَلّمَ الْمُنَافِقُونَ، فَقَالُوا: أَيُصَلّي عَلَى هَذَا الْعِلْجِ؟! فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى «2» : وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ آلُ عِمْرَانَ: 199 وَمِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ أَبَا نيزر

_ (1) روى صلاة الرسول «ص» على النجاشى: البخارى ومسلم وأحمد والنسائى والترمذى والطبرانى. والرواية المتفق عليها: «توفى اليوم رجل صالح من الحبش فهلموا، فصلوا عليه، فصففنا خلفه، فصلى رسول الله عليه، ونحن صفوف» وعن جابر أن النبى صلّى على أصحمة النجاشى. فكبر أربعا (2) ليست هذه الرواية فى الصحيح، وإنما هى عند ابن أبى حاتم وابن مردويه وعبد بن حميد. وروى الحاكم أن الاية فى حق النجاشى، وحديث النور على قبره رواه أبو داود بسنده عن محمد بن إسحاق. ولو كان هذا حقا لتواتر خبره. وأحب أن أعرج على مسألة شرعية هى صلاة الجنازة على الغائب وحكمها. وإليك خلاصة القول: ذهب الشافعى وأحمد وجمهور السلف إلى مشروعية الصلاة على الغائب عن البلد، وذهب الحنفية والمالكية إلى أن صلاة الغائب غير مشروعة مطلقا. واعتذروا عن القصة بأن النجاشى كان بأرض ليس فيها من-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَوْلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، كَانَ ابْنًا لِلنّجَاشِيّ نَفْسِهِ «1» ، وَأَنّ عِلّيّا وَجَدَهُ عِنْدَ تَاجِرٍ بِمَكّةَ، فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَأَعْتَقَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ أَبُوهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ. وَذَكَرَ أَنّ الْحَبَشَةَ مَرِجَ عَلَيْهَا أَمْرُهَا بَعْدَ النّجَاشِيّ، وَأَنّهُمْ أَرْسَلُوا وَفْدًا مِنْهُمْ إلَى أَبِي نيزر، وَهُوَ مَعَ عَلِيّ لِيُمَلّكُوهُ وَيُتَوّجُوهُ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَأَبَى وَقَالَ: مَا كُنْت لِأَطْلُبَ الْمُلْكَ بَعْدَ أَنْ مَنّ اللهُ عَلَيّ بِالْإِسْلَامِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو نيزر مِنْ أَطْوَلِ النّاسِ قَامَةً، وَأَحْسَنِهِمْ وَجْهًا، قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ لَوْنُهُ كَأَلْوَانِ الْحَبَشَةِ، وَلَكِنْ إذَا رأيته قلت: هذا رجل من العرب.

_ - يصلى عليه، ولهذا قال الخطابى: لا يصلى على الغائب إلا إذا وقع موته بأرض ليس فيها من يصلى عليه، وترجم بهذا أبو داود. وقد اختار ابن تيمية هذا مستدلا بما أخرجه الطيالسى وأحمد وابن ماجة وابن قانع والطبرانى والضياء المقدسى، وعن أبى الطفيل عن حذيفة بن أسيد أن النبى «ص» قال: «إن أخاكم مات بغير أرضكم، فقوموا فصلوا عليه» . واستدلوا أيضا بأن صلاة الرسول على النجاشى كانت خاصة لأنه لم يثبت أنه صلى على ميت غائبا غيره، وردوا على من جاء بأحاديث تثبت غير هذا بأن أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقوية. وقال الذهبى عن معاوية بن معاوية الذى زعموا أن النبى صلّى عليه أنه لا يعلم فى الصحابة من اسمه معاوية بن معاوية، وكذلك تكلم فيه البخارى. وقال ابن القيم لا يصح حديث صلاته على معاوية بن معاوية، لأن فى إسناده العلاء بن يزيد، وقد قال عنه ابن المدينى أنه كان يضع الحديث، أقول: وهذا هو الصوب، ولكن إذا كان هذا هو الحكم فإن الإسلام يدعونا إلى أن ندعو لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان بالمغفرة. (1) له ترجمة فى الإصابه. ذكره الذهبى مستدركا، وقال: يقال إنه ولد النجاشى جاء وأسلم، وكان مع النبى «ص» فى مؤنته. وقال الحافظ: إنه قرأ قصته فى كتاب الكامل المبرد، وأنه كان من أبناء ملوك الأعاجم، وأنه أسلم صغيرا على يد النبى صلّى الله عليه وسلم وأن أمره انتهى إلى أن كان مع فاطمة ثم مع ولدها.

ذكر إسلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه

[ذكر إسْلَامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا قَدِمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ عَلَى قُرَيْشٍ، وَلَمْ يُدْرِكُوا مَا طَلَبُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَرَدّهُمَا النجاشىّ بما يكرهونه، وَأَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ- وَكَانَ رَجُلًا ذَا شَكِيمَةٍ لَا يُرَامُ مَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ- امْتَنَعَ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَبِحَمْزَةِ حَتّى عَازُوا قُرَيْشًا، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا كُنّا نَقْدِرُ عَلَى أَنْ نُصَلّيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، حَتّى أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، فَلَمّا أَسْلَمَ قَاتَلَ قُرَيْشًا، حَتّى صَلّى عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَصَلّيْنَا مَعَهُ، وَكَانَ إسْلَامُ عُمَرَ بَعْدَ خُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلَى الْحَبَشَةِ. قَالَ الْبُكَائِيّ: قَالَ: حَدّثَنِي مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إنّ إسْلَامَ عُمَرَ كَانَ فَتْحًا، وَإِنّ هِجْرَتَهُ كَانَتْ نَصْرًا، وَإِنّ إمَارَتَهُ كَانَتْ رَحْمَةً، وَلَقَدْ كُنّا مَا نُصَلّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ حَتّى أَسْلَمَ عُمَرُ، فَلَمّا أَسْلَمَ، قَاتَلَ قُرَيْشًا حَتّى صَلّى عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وصلّينا معه. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أُمّهِ أُمّ عَبْدِ اللهِ بِنْتِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَتْ: وَاَللهِ إنّا لَنَتَرَحّلُ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَقَدْ ذهب عامر فى بعض حاجاتنا، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إذ أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، حَتّى وَقَفَ عَلَيّ، وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ- قَالَتْ: وَكُنّا نَلْقَى مِنْهُ الْبَلَاءَ أَذًى لَنَا، وَشِدّةً عَلَيْنَا- قَالَتْ: فَقَالَ: إنّهُ لَلِانْطِلَاقُ يَا أُمّ عَبْدِ اللهِ. قَالَتْ: فَقُلْت: نَعَمْ وَاَللهِ، لَنَخْرُجَنّ فِي أَرْضِ اللهِ، آذَيْتُمُونَا وَقَهَرْتُمُونَا، حَتّى يَجْعَلَ اللهُ مَخْرَجًا. قَالَتْ: فَقَالَ: صَحِبَكُمْ اللهُ، وَرَأَيْت لَهُ رِقّةً، لَمْ أَكُنْ أَرَاهَا، ثُمّ انْصَرَفَ وَقَدْ أَحْزَنَهُ- فِيمَا أَرَى- خُرُوجُنَا. قَالَتْ: فَجَاءَ عَامِرٌ بِحَاجَتِهِ تِلْكَ، فقالت لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لَوْ رَأَيْتَ عُمَرَ آنِفًا وَرِقّتَهُ وَحُزْنَهُ عَلَيْنَا! قَالَ: أَطَمِعْتِ فِي إسْلَامِهِ؟ قَالَتْ: قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا يُسْلِمُ الّذِي رَأَيْتِ، حَتّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطّابِ؛ قَالَتْ: يَأْسًا مِنْهُ، لِمَا كَانَ يَرَى مِنْ غلظته وقسوته عن الإسلام. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ إسْلَامُ عُمَرَ فِيمَا بَلَغَنِي أَنّ أُخْتَه فَاطِمَةَ بِنْتَ الْخَطّابِ، وَكَانَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ بَعْلُهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَهُمَا مُسْتَخْفِيَانِ بِإِسْلَامِهِمَا مِنْ عُمَرَ، وكان نعيم بن عبد الله النحّام من مكة، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ قَدْ أَسْلَمَ، وَكَانَ أَيْضًا يَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِهِ فَرَقًا مِنْ قَوْمِهِ، وَكَانَ خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ يَخْتَلِفُ إلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الْخَطّابِ يُقْرِئُهَا الْقُرْآنَ، فَخَرَجَ عُمَرُ يَوْمًا مُتَوَشّحًا سَيْفَهُ يُرِيدُ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَرَهْطًا مِنْ أَصْحَابِهِ، قَدْ ذُكِرُوا لَهُ أَنّهُمْ قَدْ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصّفَا، وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مَا بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، وَمَعَ رَسُولِ الله- صلّى الله عليه وسلم- عمّه حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ الصّدّيقُ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، ممن كان ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ، وَلَمْ يَخْرَجْ فِيمَنْ خَرَجَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَقِيَهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أريد محمدا هذا الصابىء، الّذِي فَرّقَ أَمْرَ قُرَيْشٍ، وَسَفّهُ أَحْلَامَهَا، وَعَابَ دِينَهَا، وَسَبّ آلِهَتَهَا، فَأَقْتُلَهُ، فَقَالَ لَهُ نُعَيْمٌ: وَاَللهِ لَقَدْ غَرّتْك نَفْسُك مِنْ نَفْسِك يَا عُمَرُ، أَتَرَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ تَارِكِيك تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ قَتَلْت مُحَمّدًا! أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى أَهْلِ بَيْتِك فَتُقِيمَ أَمْرَهُمْ؟ قَالَ: وَأَيّ أَهْلِ بَيْتِي؟ قَالَ: خَتَنُك وَابْنُ عَمّك سَعِيدُ ابن زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَأُخْتُك: فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ، فَقَدْ وَاَللهِ أَسْلَمَا، وَتَابَعَا مُحَمّدًا عَلَى دِينِهِ، فَعَلَيْك بِهِمَا، قَالَ: فَرَجَعَ عُمَرُ عَامِدًا إلَى أُخْتِهِ وَخَتَنِهِ، وَعِنْدَهُمَا خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ مَعَهُ صَحِيفَةٌ، فِيهَا: «طَه» يُقْرِئُهُمَا إيّاهَا، فَلَمّا سَمِعُوا حِسّ عُمَرَ تَغَيّبْ خَبّابٌ فِي مِخْدَعٍ لَهُمْ- أَوْ فِي بَعْضِ الْبَيْتِ- وَأَخَذَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ الصّحِيفَةَ، فَجَعَلَتْهَا تَحْتَ فَخِذِهَا، وَقْدَ سَمِعَ عُمَرُ حِينَ دَنَا إلَى الْبَيْتِ قِرَاءَةَ خَبّابٍ عَلَيْهِمَا، فَلَمّا دَخَلَ قَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ الّتِي سَمِعْتُ؟ قَالَا لَهُ: مَا سَمِعْتَ شَيْئًا، قَالَ: بَلَى وَاَللهِ لَقَدْ أُخْبِرْت أَنّكُمَا تَابَعْتُمَا مُحَمّدًا عَلَى دِينِهِ، وَبَطَشَ بِخَتَنِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَامَتْ إلَيْهِ أُخْتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطّابِ لَتَكُفّهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَضَرَبَهَا فَشَجّهَا، فَلَمّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ وَخَتَنُهُ: نَعَمْ قَدْ أَسْلَمْنَا، وَآمَنّا بِاَللهِ وَرَسُولِهِ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَك: فَلَمّا رَأَى عُمَرُ مَا بِأُخْتِهِ مِنْ الدّمِ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ، فَاِرْعَوى، وَقَالَ لأخته: أعطينى هذه الصحيفة التى سمعتكم تقرؤن آنِفًا أَنْظُرْ مَا هَذَا الّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ، وَكَانَ عُمَرُ كَاتِبًا، فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ، قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ: إنّا نَخْشَاك عَلَيْهَا، قَالَ: لَا تَخَافِي، وَحَلَفَ لَهَا بِآلِهَتِهِ لَيَرُدّنّهَا إذَا قَرَأَهَا إلَيْهَا، فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ، طَمِعَتْ فِي إسْلَامِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي، إنّكَ نَجِسٌ، على ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شركك، وإنه لا يمسها إلا الطاهر، فقام عمر، فاغتسل، فأعطته الصحيفة، وفيها: «طَه» فَقَرَأَهَا، فَلَمّا قَرَأَ مِنْهَا صَدْرًا، قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَكْرَمَهُ! فَلَمّا سَمِعَ ذلك خبّاب خرج طليه، فَقَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ، وَاَللهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللهُ قَدْ خَصّك بِدَعْوَةِ نَبِيّهُ، فَإِنّي سَمِعْته أَمْسِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللهُمّ أَيّدْ الْإِسْلَامَ بِأَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ، أَوْ بِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ، فَاَللهَ اللهَ يَا عُمَرُ: فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ عُمَرُ: فَدُلّنِي يَا خَبّابُ عَلَى مُحَمّدٍ حَتّى آتِيَهُ، فَأُسْلِمَ، فَقَالَ لَهُ خَبّابٌ: هُوَ فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصّفَا، مَعَهُ فِيهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ فَتَوَشّحَهُ، ثُمّ عَمَدَ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْبَابَ، فلما سمعوا صوته، قام رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَنَظَرَ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ، فَرَآهُ مُتَوَشّحًا السّيْفَ، فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فَزِعٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ مُتَوَشّحًا السّيْفَ، فَقَالَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: فَأْذَنْ لَهُ، فَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ خَيْرًا بَذَلْنَاهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ شَرّا قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْذَنْ لَهُ، فَأَذِنَ لَهُ الرّجُلُ، وَنَهَضَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتّى لَقِيَهُ فِي الْحُجْرَةِ، فَأَخَذَ حُجْزَتَهُ، أَوْ بِمِجْمَعِ رِدَائِهِ، ثُمّ جَبَذَهُ بِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، وقال: ما جاء بك يابن الخطّاب؟ فو الله مَا أَرَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَتّى يُنْزِلَ اللهُ بِك قَارِعَةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُك لِأُومِنَ بِاَللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، قَالَ: فَكَبّرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَكْبِيرَةً عَرَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ عُمَرَ قَدْ أَسْلَمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَتَفَرّقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مِنْ مَكَانِهِمْ، وَقَدْ عَزّوا فِي أَنْفُسِهِمْ حِينَ أَسْلَمَ عُمَرُ مَعَ إسْلَامِ حَمْزَةَ، وَعَرَفُوا أَنّهُمَا سَيَمْنَعَانِ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَيَنْتَصِفُونَ بِهِمَا مِنْ عَدُوّهِمْ. فَهَذَا حَدِيثُ الرّوَاةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ إسْلَامِ عُمَرَ بن الخطّاب حين أسلم. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي نَجِيحٍ الْمَكّيّ، عَنْ أَصْحَابِهِ: عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، أَوْ عَمّنْ رَوَى ذَلِكَ: أَنّ إسْلَامَ عُمَرَ فِيمَا تَحَدّثُوا بِهِ عَنْهُ، أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: كُنْت لِلْإِسْلَامِ مُبَاعِدًا، وَكُنْت صَاحِبَ خَمْرٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ، أُحِبّهَا وَأُسِرّ بِهَا، وَكَانَ لَنَا مَجْلِسٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِالْحَزْوَرَةِ، عِنْدَ دور آلِ عُمَر بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ الْمَخْزُومِيّ، قَالَ: فَخَرَجْت لَيْلَةً أُرِيدُ جُلَسَائِي أُولَئِكَ فِي مَجْلِسِهِمْ ذَلِكَ، قَالَ: فَجِئْتهمْ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مِنْهُمْ أَحَدًا. قَالَ: فَقُلْت: لَوْ أَنّي جِئْتُ فُلَانًا الْخَمّارَ، وَكَانَ بِمَكّةَ يَبِيعُ الْخَمْرَ، لَعَلّي أَجِدُ عِنْدَهُ خَمْرًا فَأَشْرَبَ مِنْهَا. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَجِئْته فَلَمْ أَجِدْهُ. قَالَ: فَقُلْت: فَلَوْ أَنّي جِئْتُ الْكَعْبَةَ، فَطُفْت بِهَا سَبْعًا أَوْ سَبْعِينَ. قَالَ: فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ أُرِيدُ أَنْ أَطُوّفَ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَائِمٌ يُصَلّي، وَكَانَ إذَا صَلّى اسْتَقْبَلَ الشّامَ، وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشّامِ، وَكَانَ مُصَلّاهُ بَيْنَ الرّكْنَيْنِ: الرّكْنِ الْأَسْوَدِ، وَالرّكْنِ الْيَمَانِيّ. قَالَ: فَقُلْت حِينَ رَأَيْتُهُ: وَاَللهِ لَوْ أَنّي اسْتَمَعْت لِمُحَمّدٍ اللّيْلَةَ حَتّى أَسْمَعَ مَا يَقُولُ! قَالَ: فَقُلْت: لَئِنْ دَنَوْتُ مِنْهُ أَسْتَمِعُ مِنْهُ لَأُرَوّعَنّهُ، فَجِئْت مِنْ قِبَلِ الْحِجْرِ، فَدَخَلْت تَحْتَ ثِيَابِهَا، فَجَعَلْتُ أَمْشِي رُوَيْدًا، وَرَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ يُصَلّي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، حَتّى قُمْت فِي قِبْلَتِهِ مُسْتَقْبِلَهُ، مَا بَيْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَبَيْنَهُ إلّا ثِيَابُ الْكَعْبَةِ. قَالَ: فَلَمّا سَمِعْتُ الْقُرْآنَ رَقّ لَهُ قَلْبِي، فَبَكَيْتُ وَدَخَلَنِي الْإِسْلَامُ، فَلَمْ أَزَلْ قَائِمًا فِي مَكَانِي ذَلِكَ، حَتّى قَضَى رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- صَلَاتَهُ، ثُمّ انْصَرَفَ، وَكَانَ إذَا انْصَرَفَ خَرَجَ عَلَى دَارِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَكَانَتْ طَرِيقَهُ، حَتّى يَجْزَعَ الْمَسْعَى، ثُمّ يَسْلُكُ بَيْنَ دَارِ عبّاس ابن الْمُطّلِبِ، وَبَيْنَ دَارِ ابْنِ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عوف الزّهرى، ثم على دار الأخنس ابن شَرِيقٍ، حَتّى يَدْخُلَ بَيْتَهُ، وَكَانَ مَسْكَنُهُ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِي الدّارِ الرّقْطَاءِ، الّتِي كَانَتْ بِيَدَيْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَتَبِعْتُهُ حَتّى إذَا دخل بين دار عبّاس، ودار ابن أَزْهَرَ، أَدْرَكْتُهُ، فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حسّى عرفنى، فَظَنّ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّي إنّمَا تَبِعْته لِأُوذِيَهُ، فَنَهَمَنِي، ثُمّ قَالَ: ما جاء بك يابن الْخَطّابِ هَذِهِ السّاعَةَ؟ قَالَ: قُلْت: جِئْت لِأُومِنَ بِاَللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، قَالَ: فَحَمِدَ اللهِ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ قَالَ: قَدْ هَدَاك اللهُ يَا عُمَرُ، ثُمّ مَسَحَ صَدْرِي، وَدَعَا لِي بِالثّبَاتِ، ثُمّ انْصَرَفْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْتَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: والله أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمّا أَسْلَمَ أَبِي عُمَرُ، قَالَ: أَيّ قُرَيْشٍ أَنْقَلُ لِلْحَدِيثِ؟ فَقِيلَ له: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيّ. قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهِ، قال عبد الله بن عمر: فعدوت أَتْبَعُ أَثَرَهُ، وَأَنْظُرُ مَا يَفْعَلُ، وَأَنَا غُلَامٌ أَعْقِلُ كُلّ مَا رَأَيْتُ، حَتّى جَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَعَلِمْتَ يَا جَمِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَنّي قَدْ أَسْلَمْت: وَدَخَلْت فِي دِينِ مُحَمّدٍ؟ قال: فو الله مَا رَاجَعَهُ حَتّى قَامَ يَجُرّ رِدَاءَهُ وَاتّبَعَهُ عُمَرُ، وَاتّبَعْت أَبِي، حَتّى إذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قريش، وهم فى أنديتهم حول باب الْكَعْبَةِ، أَلَا إنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَدْ صبأ، قال: يَقُولُ عُمَرُ مِنْ خَلْفِهِ: كَذَبَ، وَلَكِنّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إلَه إلّا اللهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَثَارُوا إلَيْهِ، فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ حَتّى قَامَتْ الشّمْسُ عَلَى رؤسهم. قال: وطلح، فتعد وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَأَحْلِفُ بِاَللهِ أَنْ لَوْ قَدْ كنّا ثلثمائة رجل لتركناها لكم، أو لتركتموها لَنَا، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ، عَلَيْهِ حُلّةٌ حِبْرَةٌ، وَقَمِيصٌ مُوَشّى، حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: صَبَا عُمَرُ، فَقَالَ: فَمَهْ، رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا، فَمَاذَا تُرِيدُونَ؟ أَتَرَوْنَ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ يُسْلِمُونَ لَكُمْ صَاحِبَهُمْ هَكَذَا؟! خلّوا عن الرجل. قال: فو الله لَكَأَنّمَا كَانُوا ثَوْبًا كُشِطَ عَنْهُ. قَالَ: فَقُلْت لِأَبِي بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ: يَا أَبَتْ، مَنْ الرّجُلُ الّذِي زَجَرَ الْقَوْمَ عَنْك بمكة يوم أسلمت، وهم يقاتلونك؟ فقال: ذلك، أَيْ بُنَيّ، الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السّهْمِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنّهُ قَالَ: يَا أَبَتْ، مَنْ الرّجُلُ الّذِي زَجَرَ القوم عنك يَوْمَ أَسْلَمْتَ، وَهُمْ يُقَاتِلُونَك، جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا؟ قَالَ: يَا بُنَيّ ذَاكَ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ، لَا جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بَعْضِ آلِ عُمَرَ، أَوْ بَعْضِ أَهْلِهِ، قَالَ. قَالَ عُمَرُ: لَمّا أَسْلَمْتُ تِلْكَ اللّيْلَةَ، تَذَكّرْت أَيّ أهل مكّة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَشَدّ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَدَاوَةً حَتّى آتِيَهُ، فَأُخْبِرَهُ أَنّي قَدْ أَسْلَمْتُ، قال: قلت: أبو جهل- وكان عمر لختمة بِنْتِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ- قَالَ: فَأَقْبَلْت حِينَ أَصْبَحْتُ، حَتّى ضَرَبْتُ عَلَيْهِ بَابَهُ. قَالَ: فَخَرَجَ إلَيّ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِابْنِ أُخْتِي، مَا جَاءَ بِك؟ قَالَ: جِئْتُ لِأُخْبِرَك أَنّي قَدْ آمَنْت بِاَللهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمّدٍ، وَصَدّقْت بِمَا جَاءَ بِهِ، قَالَ: فَضَرَبَ الْبَابَ فِي وَجْهِي، وَقَالَ: قَبّحَك اللهُ، وَقَبّحَ مَا جِئْت به. ـــــــــــــــــــــــــــــ إسْلَامُ عُمَرَ وَحَدِيثُ خَبّابٍ: فَصْلٌ: فِي حَدِيثِ إسْلَامِ عُمَرَ. ذَكَرَهُ إلَى آخِرِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إشْكَالٌ، وَكَانَ إسْلَامُ عُمَرَ وَالْمُسْلِمُونَ إذْ ذَاكَ بضعة وأربعون رجلا، وإحدى عشرة «1» امرأة.

_ (1) فى رواية ابن أبى خيثمة عن عمر نفسه: «لقد رأيتنى، وما أسلم مع رسول الله إلا تسعة وثلاثون رجلا، فكملتهم أربعين، فأظهر الله دينه، وأعز الإسلام. وروى البزار نحوا من حديث ابن عباس، ولقد قيل: إنه أسلم فى ذى الحجة سنة ست من المبعث، وحكى ابن الجوزى فى بعض كتبه الاتفاق عليه، ولكنه فى التلقيح قال: سنة ست أو خمس، وروى أبو نعيم فى الدلائل أن إسلامه كان بعد إسلام حمزة بثلاثة أيام، وحديث ابن مسعود عن أثر إسلامه فى البخارى: فقد روى بسنده إلى عبد الله بن مسعود أنه قال: «مازلنا أعزة منذ أسلم عمر» ، والحديث الاخر من رواية البكائى عن ابن مسعود رواه ابن أبى شيبة، والطبرانى من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود، وفيه: «والله ما استطعنا أن نصلى حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر» وروى ابن سعد من حديث صهيب، قال: لما أسلم عمر قال المشركون: انصف القوم منا. وروى البزار-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهِ: أَنّ خَبّابًا وَهُوَ ابْنُ الْأَرَتّ كَانَ يُقْرِئُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْخَطّابِ الْقُرْآنَ، وَخَبّابٌ تَمِيمِيّ بِالنّسَبِ، وَهُوَ خُزَاعِي بِالْوَلَاءِ لِأُمّ أَنْمَارٍ بِنْتِ سِبَاعٍ الْخُزَاعِيّ، وَكَانَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ سِبَاءٌ، فاشترته وأعتقته، فولاؤه لها، وكان أبوها؟؟؟ ح

_ - والطبرانى من حديث ابن عباس نحوه، وفى حديث إسلام عمر أن أخته هى فاطمة، وهذا على الأكثر، وقيل- كما حكى الدارقطنى- اسمها: أميمة، وقال الحافظ فى الإصابة كان اسمها: فاطمة ولقبها: أميمة، وكنيتها: أم جميل، وفى نسب قريش لا توجد أخت لعمر اسمها فاطمة، وإنما صفية وأميمة فقط ص 347. وفى بعض روايات حديث إسلامه أن عمر قال بعد أن أخبر بإسلام أخته «وقد كان- صلّى الله عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة، فيكونان معه ويصيبان من طعامه وقد ضم إلى زوج أختى رجلين» . وحديث: اللهم أيد الإسلام بأبى الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب، روايته عند الترمذى: «اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين، بأبى جهل أو يعمر، فكان أحبهما إليه عمر» . قال الترمذى: حسن صحيح، وصححه ابن حبان، وفى إسناده خارجة بن عبد الله صدوق فيه مقال، ولكن له شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الترمذى أيضا، ومن حديث أنس، وروى أحمد نحوه، ورواه الحاكم بلفظ: أيد، بدل: أعز. وأخرجه الحاكم، وصححه عن نافع عن ابن عمر عن ابن عباس رفعه: اللهم أيد الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة، وأخرجه ابن ماجة وابن حبان، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبى من حديث عائشة. والرواية الجارية على الألسنة، بأحب العمرين: لا أصل لها فى شىء من طرق الحديث وهناك رواية طيبة المعنى عن عائشة: قالت: إنما قال صلّى الله عليه وسلم: اللهم أعز بالإسلام، لأن الاسلام يعز ولا يعز» وقد قال أبو بكر التاريخى أن عمر سئل عن قوله اللهم أيد الإسلام، فقال: معاذ الله. هذا وقد ولد عمر بعد الفجار بثلاث عشرة سنة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِعَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ «1» ، فَهُوَ زُهْرِيّ بِالْحِلْفِ، وَهُوَ ابْنُ الْأَرَتّ بْنُ جَنْدَلَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، كَانَ قَيْنًا يَعْمَلُ السّيُوفَ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَقَدْ قِيلَ: إنّ أُمّهُ كَانَتْ أُمّ سِبَاعٍ الْخُزَاعِيّة، وَلَمْ يَلْحَقْهُ سِبَاءٌ، وَلَكِنّهُ انْتَمَى إلَى حُلَفَاءِ أُمّهِ بَنِي زُهْرَةَ، يُكَنّى: أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَقِيلَ: أَبَا يَحْيَى، وَقِيلَ أَبَا مُحَمّدٍ مَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ بعد ما شَهِدَ مَعَ عَلِيّ صِفّينَ وَالنّهْرَوَان، وَقِيلَ: بَلْ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ. ذَكَرَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ سَأَلَهُ عَمّا لَقِيَ فِي ذَاتِ اللهِ، فَكَشَفَ ظَهْرَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ أُوقِدَتْ لِي نَارٌ، فَمَا أَطَفْأَهَا إلّا شَحْمِي. تَطْهِيرُ عُمَرَ لِيَمَسّ الْقُرْآنَ: فَصْلٌ: وَفِيهِ ذَكَرَ تَطْهِيرَ عُمَرَ لِيَمَسّ الْقُرْآنَ، وَقَوْلُ أُخْتِهِ: لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ وَالْمُطَهّرُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطّأِ، وَاحْتَجّ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى الّتِي فِي سُورَةِ عَبَسَ، وَلَكِنّهُمْ وَإِنْ كَانُوا الْمَلَائِكَةَ، فَفِي وَصْفِهِمْ بِالطّهَارَةِ مَقْرُونًا بِذِكْرِ الْمَسّ مَا يَقْتَضِي أَلّا يَمَسّهُ إلّا طَاهِرٌ اقْتِدَاءً بِالْمَلَائِكَةِ الْمُطَهّرِينَ، فَقَدْ تَعَلّقَ الْحُكْمُ بِصِفّةِ التّطْهِيرِ، وَلَكِنّهُ حُكْمٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَلَيْسَ مَحْمُولًا عَلَى الفرض، وكذلك ما كتب به رسول

_ (1) النسب هكذا فى كتاب نسب قريش ص 265 أما فى جمهرة ابن حزم ص 121 وما بعدها: فعوف بن عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، وفى الإصابة كما فى نسب قريش، لكن سقطت كلمة ابن بين عبد وبين الحارث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «1» : «وَأَلّا يَمَسّ الْقُرْآنَ إلّا طَاهِرٌ» لَيْسَ عَلَى الْفَرْضِ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ فِيهِ أَبْيَنَ مِنْهُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنّهُ جَاءَ بِلَفْظِ النّهْيِ عَنْ مَسّهِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَلَكِنْ فِي كتابه إلى هرقل بهذه الاية: يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ آل عِمْرَانَ: 64 دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَاهُ، وَقَدْ ذَهَبَ دَاوُدَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَطَائِفَةٌ مِمّنْ سَلَفَ، مِنْهُمْ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَحَمّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ إلَى إبَاحَةِ مَسّ الْمُصْحَفِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَاحْتَجّوا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِهِ إلَى هِرَقْلَ، وَقَالُوا: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مُرْسَلٌ، فَلَمْ يروه حجة، والدار قطنى قد أسنده من طرق حسان، أقواها: رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ، وَمِمّا يُقَوّي أَنّ الْمُطَهّرِينَ فِي الْآيَةِ هُمْ الْمَلَائِكَةُ، أَنّهُ لَمْ يَقُلْ: الْمُتَطَهّرُونَ، وَإِنّمَا قَالَ الْمُطَهّرُونَ، وَفَرْقٌ مَا بَيْنَ الْمُتَطَهّرِ وَالْمُطَهّرِ: أَنّ الْمُتَطَهّرَ مِنْ فِعْلِ الطّهُورِ «2» ، وَأَدْخَلَ نَفْسَهُ فِيهِ كَالْمُتَفَقّهِ مَنْ يُدْخِلُ نَفْسَهُ فِي الْفِقْهِ، وَكَذَلِكَ الْمُتَفَعّلُ فِي أكثر الكلام، وأنشد سيبويه:

_ (1) هو فى الموطأ، وعند أبى داود فى المراسيل من حديث الزهرى، قال: قرأت فى صحيفة عند أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ولا يمس القرآن إلا طاهر» ويعلق ابن كثير على هذا بقوله: ومثل هذا لا ينبغى الأخذ به. وقال عن سندى الدارقطنى للحديث: وفى إسناد كل منهما نظر. أقول: والضمير فى الاية يرجع الى الكتاب المكنون لا إلى القرآن (2) الطهور- بضم الطاء- التطهر، وبفتحها الماء، وإن كان سيبويه يرى أن الطهور- بفتح الطاء يقع على الماء والمصدر معا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَيْسُ عَيْلَانَ وَمَنْ تَقَيّسَا «1» فَالْآدَمِيّونَ مُتَطَهّرُونَ إذَا تَطَهّرُوا، وَالْمَلَائِكَةُ مُطَهّرُونَ خِلْقَةً، وَالْآدَمِيّاتُ إذَا تَطَهّرْنَ: مُتَطَهّرَاتٌ، وَفِي التّنْزِيلِ: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ الْبَقَرَةُ: 222 وَالْحُورُ الْعِينِ مُطَهّرَاتٌ، وَفِي التّنْزِيلِ: لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ النّسَاءُ: 57 وَهَذَا فَرْقٌ بَيّنٌ وَقُوّةٌ لِتَأْوِيلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ الله، والقول عندى

_ (1) فى خزانة الأدب للبغدادى: وقيس عيلان تركيب إضافى، لأن عيلان اسم فرس قيس لا أبيه كما ظنه بعض الناس- كذا فى القاموس وغيره- وليس عيلان فى لغة العرب غيره. وما عداه غيلان. وفى شرح أدب الكاتب للجواليقى: قيس عيلان بن مضر، ويقال: قيس بن عيلان، وكان الناس متلافا، وكان إذا نفد ماله أتى أخاه الياس، فيناصفه ماله أحيانا، ويواسيه أحيانا، فلما طال ذلك عليه وأتاه قال له الياس: غلبت عليك العيلة، فأنت عيلان، فسمى لذلك عيلان، ومن قال قيس بن عيلان، فإن عيلان: كان عبد المضر حضن ابنه الناس، فغلب على نسبه ومثله فى الأنساب للكلبى. قال: كان عيلان عبد المضر، فحضن ابنه الناس ص 96 ج- 1 خزانة الأدب للبغدادى ط دار العصور، وانظر ص 457 أدب الكاتب لابن قتيبة، وص 222 شرح أدب الكاتب للجواليقى، وفى اللسان فى مادة قيس: أبو قبيلة من مضر وهو قيس عيلان، واسمه: الناس بن مضر بن نزار، وقيس لقبه، يقال: تقيّس فلان إذا تشبه بهم، أو تمسك منهم بسبب إما بحلف أو جوار أو ولاء. وقد نسب سيبويه البيت إلى رؤبة مع رفع السين من قيس. ولكن ابن برى يقول: الرجز للعجاج وليس لرؤبة، وصواب إنشاده: وقيس بنصب السين لأن قبله: ... وإن دعوت من تميم أرؤسا وجواب إن فى البيت الثالث: تقاعس العزّ بنا فاقعنسسا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي الرّسُولِ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّهُ مُتَطَهّرٌ وَمُطَهّرٌ، أَمّا مُتَطَهّرٌ؛ فَلِأَنّهُ بَشَرٌ آدَمِي يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَيَتَوَضّأُ مِنْ الْحَدَثِ، وَأَمّا مُطَهّرٌ؛ فَلِأَنّهُ قَدْ غَسَلَ بَاطِنَهُ، وَشُقّ عَنْ قَلْبِهِ، وَمُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَهُوَ مُطَهّرٌ وَمُتَطَهّرٌ، وَاضْمُمْ هَذَا الْفَصْلَ إلَى مَا تَقَدّمَ فِي ذِكْرِ مَوْلِدِهِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، فَإِنّهُ تَكْمِلَةٌ وَالْحَمْدُ لِلّهِ. وَفِي تَطَهّرِ عُمَرَ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ الْإِسْلَامَ قُوّةٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنّ الْكَافِرَ إذَا تَطَهّرَ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ إسْلَامَهُ، وَيَشْهَدَ الشّهَادَتَيْنِ أنه مجزىء لَهُ، وَقَدْ عَابَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي خَبَرِ إسْلَامِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَلَى يَدَيْ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَقَدْ سَأَلَهُ: كَيْفَ يَصْنَعُ مَنْ يُرِيدُ الدّخُولَ فِي هَذَا الدّينِ، فَقَالَ: يَتَطَهّرُ، ثُمّ يَشْهَدُ بِشَهَادَةِ الْحَقّ، فَفَعَلَ ذَلِكَ هُوَ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ «1» ، وَحَدِيثُ إسْلَامِ عُمَرَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَادِيثِ السّيَرِ، فَقَدْ خَرّجَهُ الدّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ، غَيْرَ أَنّهُ خَرّجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ أَنّ أُخْتَ عُمَرَ قَالَتْ لَهُ: إنّك رِجْسٌ، وَلَا يَمَسّهُ إلّا الْمُطَهّرُونَ، فَقُمْ فَاغْتَسِلْ أَوْ تَوَضّأْ، فَقَامَ فَتَوَضّأَ، ثُمّ أَخَذَ الصّحِيفَةَ وَفِيهَا سُورَةُ طَه، فَفِي هَذِهِ الرّوَايَةِ أَنّهُ كان وضوآ، وَلَمْ يَكُنْ اغْتِسَالًا، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ: أَنّ عُمَرَ حِين قَرَأَ فِي الصّحِيفَةِ سُورَةَ طَه انتهى منها إلى قوله:

_ (1) فى الأصل: حصين وهو خطأ صوابه ما أثبته. وفى القاموس عن أسيد: «وكأمير سبعة صحابيون، وخمسة تابعيون، وكزبير: ابن حضير وابن ثعلبة وابن يربوع وابن ساعدة وابن ظهير وابن أبى الجدعاء وابن أخى رافع بن خديج وابن سعية، أو هو كأمير صحابيون» أما ابن حبيب فى كتابه متشابه القبائل، فيقول: «كل شىء فى العرب أسيد- كأمير- فهو على فعيل سوى أسيد بن عمرو فى بنى تميم فإنه على مثال التصغير» انظر القاموس وص 451 المزهر ج 2

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى: 15 فَقَالَ: مَا أَطْيَبَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَحْسَنَهُ، وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ أَنّ الصّحِيفَةَ كَانَ فيها مع سورة طه: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَأَنّ عُمَرَ انْتَهَى فِي قِرَاءَتِهَا إلَى قَوْلِهِ: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ. زِيَادَةٌ فِي إسْلَامِ عُمَرَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ سُنْجُر زِيَادَةً فِي إسْلَامِ عُمَرَ، قَالَ: حَدّثْنَا أبو المغيرة قال: نا صفوان ابن عَمْرٍو، قَالَ: حَدّثَنِي شُرَيْح بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: خَرَجْت أُتَعَرّضُ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ، فَوَجَدْته قَدْ سَبَقَنِي إلَى الْمَسْجِدِ، فَقُمْت خَلْفَهُ، فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْحَاقّةِ، فَجَعَلْت أَتَعَجّبُ مِنْ تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ قَالَ: قُلْت: هَذَا وَاَللهِ شَاعِرٌ، كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ، فَقَرَأَ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ، قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ قَالَ: قُلْت: كَاهِنٌ عَلِمَ مَا فِي نَفْسِي، فَقَالَ: وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ إلَى آخِرِ السّورَةِ «1» قَالَ: فَوَقَعَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِي كُلّ مَوْقِعٍ، وَقَالَ عُمَرُ حِينَ أَسْلَمَ: الْحَمْدُ لِلّهِ ذِي الْمَنّ الّذِي وَجَبَتْ ... لَهُ علينا أياد مالها غِيَرُ وَقَدْ بَدَأْنَا فَكَذّبْنَا، فَقَالَ لَنَا ... صَدَقَ الحديث نبىّ عند الْخَبَرُ وَقَدْ ظَلَمْت ابْنَةَ الْخَطّابِ ثُمّ هَدَى ... رَبّي عَشِيّةً قَالُوا: قَدْ صَبَا عُمَرُ وَقَدْ نَدِمْت عَلَى مَا كَانَ مِنْ زَلَلٍ ... بِظُلْمِهَا حين تتلى عندها السّور

_ (1) رواه أحمد، ولعل الرواية التى ذكر فيها أنه سمع القرآن والرسول يصلى جوار الكعبة هى أقرب الروايات اتساقا مع حال عمر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَمّا دَعَتْ رَبّهَا ذَا الْعَرْشِ جَاهِدَةً ... وَالدّمْعُ مِنْ عَيْنِهَا عَجْلَانُ يَبْتَدِرُ أَيْقَنْت أَنّ الّذِي تَدْعُوهُ خَالِقُهَا ... فَكَادَ تَسْبِقُنِي مِنْ عِبْرَةٍ دِرَرُ فَقُلْت: أَشْهَدُ أَنّ اللهَ خَالِقُنَا ... وَأَنّ أَحْمَدَ فِينَا الْيَوْمَ مُشْتَهِرُ نَبِيّ صدق أتى بالحق مِنْ ثِقَةٍ ... وَافَى الْأَمَانَةَ مَا فِي عُودِهِ خَوَرُ رَوَاهُ يُونُسُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ. وَذَكَرَ الْبَزّارُ فِي إسْلَامِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ: فَلَمّا أَخَذْت الصّحِيفَةَ، فَإِذَا فِيهَا: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، فَجَعَلْت أُفَكّرُ: مِنْ أَيّ شَيْءٍ اُشْتُقّ «1» ، ثُمّ قَرَأْت فِيهَا: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] أَوّلُ الْحَدِيدِ. وَجَعَلْت أَقْرَأُ وَأُفَكّرُ حَتّى بَلَغْت: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ «2» الْحَدِيدُ: 7. فَقُلْت: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَه إلّا اللهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ. مِنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ إسْلَامِ عُمَرَ: فَصْلٌ: وَفِي حَدِيثِ إسْلَامِ عُمَرَ: قَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ، وَالْهَيْنَمَةُ: كَلَامٌ لا يفهم، واسم الفاعل منه مهينم، كأنه تصغير، وَلَيْسَ بِتَصْغِيرِ، وَمِثْلُهُ الْمُبَيْطِرُ، وَالْمُهَيْمِنُ، وَالْمُبَيْقِرُ بِالْقَافِ، وَهُوَ الْمُهَاجِرُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، وَالْمُسَيْطِرُ، وَلَوْ صَغّرْت وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَحَذَفْت الْيَاءَ الزّائِدَةَ، كَمَا تَحْذِفُ الْأَلِفَ مِنْ مُفَاعِل، وَتُلْحِقُ يَاءَ التّصْغِيرِ فِي مَوْضِعِهَا، فَيَعُودُ اللّفْظُ إلَى مَا كَانَ، فَيُقَالُ فِي تَصْغِيرِ مُهَيْنِمٍ وَمُبَيْطِرٍ: مُهَيْنِمٌ وَمُبَيْطِرٌ، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلّا قُلْتُمْ: إنه لا يصغّر؛ إذ لا يعقل

_ (1) فى الأصل: فى أى شىء. والتصويب من شرح المواهب ص 274 ج 1 (2) ولكن سورة الحديد مدنية. وقصة عمر مكية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَصْغِيرٌ عَلَى لَفْظِ التّكْبِيرِ، وَإِلّا فَمَا الْفَرْقُ؟ فَالْجَوَابُ أَنّهُ قَدْ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي مَوَاضِعَ، مِنْهَا: الْجَمْعُ، فَإِنّك تَجْمَعُ مُبَيْطِرًا: مُبَاطِر بِحَذْفِ الْيَاءِ، وَإِذَا كَانَ مُصَغّرًا لَا يُجْمَعُ إلّا بِالْوَاوِ وَالنّونِ، فَتَقُولُ: مُبَيْطِرُونَ، وَذَلِك أَنّ التّصْغِيرَ لَا يُكْسَرُ؛ لِأَنّ تَكْسِيرَهُ يُؤَدّي إلَى حَذْفِ الْيَاءِ فِي الْخُمَاسِيّ؛ لِأَنّهَا زَائِدَةٌ كَالْأَلِفِ، فَيَذْهَبُ مَعْنَى التّصْغِيرِ «1» ، وَأَمّا الثّلَاثِيّ الْمُصَغّرُ فَيُؤَدّي تَكْسِيرَهُ إلَى تَحْرِيكِ يَاءِ التّصْغِيرِ أَوْ هَمْزِهَا، وَذَلِك أَنْ يُقَالَ فِي فُلَيْسٍ فَلَائِسُ، فَيَذْهَبُ أَيْضًا مَعْنَى التّصْغِيرِ لِتَصْغِيرِ لَفْظِ الْيَاءِ الّتِي هِيَ دَالّةٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَنَيْت اسْمَ فَاعِلٍ مِنْ: بِيَأْسِ لَقُلْت فِيهِ مُبَيْئِسٌ، وَلَوْ سُهّلَتْ الْهَمْزَةُ حَرّكْت الْيَاءَ فَقُلْت فِيهِ: مُبَيّيسٌ، وَتَقُولُ فِي تَصْغِيرِهِ إذَا صَغّرْته: مُبَيّسٌ بِالْإِدْغَامِ، كَمَا تَقُولُ [فِي] أَبَوْس: أَبِيس، وَلَا تُنْقَلُ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إلَى الْيَاءِ إذَا سُهّلَتْ، كَمَا تَنْقُلُهَا فِي اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ بِيَأْسِ وَنَحْوِهِ، إذَا سهلت الهمزة، وهذه مسئلة مِنْ التّصْغِيرِ بَدِيعَةٌ يَقُومُ عَلَى تَصْحِيحِهَا الْبُرْهَانُ. حَوْلَ النّهِيمِ وَهَكَذَا: فَصْلٌ: وَفِي حَدِيثِ إسْلَامِ عُمَرَ: فَنَهَمَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-

_ (1) نقل الصبان فى حاشيته على شرح الأشمونى هذه الفقرة عن السهيلى هكذا: «لو كسر حذفت ياؤه؛ لأنه خماسى ثالثه زائد فيزول علم التصغير، هذا وقد أنكر الأشمونى تصغير هذه الأسماء التى ذكرها السهيلى وفى شرح الشافية للرضى «جرت عادتهم ألا يجمعوا المصغر إلا جمع السلامة إما بالواو والنون أو بالألف والتاء، قيل: وذلك لمضارعة التصغير للجمع الأقصى بزيادة حرف لين ثالثة، ولا يجمع الجمع الأقصى إلا جمع السلامة كالصرادين والصواجبات» ص 281 ثم يقول: «وإذا صغرت مبيطرا ومسيطرا كان التصغير بلفظ المكبر، لأنك تحذف الياء كما تحذف النون فى منطلق، وتجىء بياء التصغير، فى مكانه، ولو صغرتهما تصغير الترخيم لقلت: بطير، وسطير» ص 283 ج 1

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْ: زَجَرَهُ، وَالنّهِيمُ: زَجْرُ الْأَسَدِ، وَالنّهَامِيّ: الْحَدّادُ وَالنّهَامُ: طَائِرٌ «1» ، وَفِيهِ قَوْلُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ قَالَ: هَكَذَا [خَلّوا] عَنْ الرّجُلِ «2» وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا: الْأَمْرُ بِالتّنَحّي، فَلَيْسَ يَعْمَلُ فِيهَا مَا قَبْلَهَا، كَمَا يَعْمَلُ إذَا قُلْت: اجْلِسْ هَكَذَا، أَيْ: عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدّ مِنْ عَامِلٍ فِيهَا إذَا جَعَلْتهَا لِلْأَمْرِ، لِأَنّهَا كَافُ التّشْبِيهِ دَخَلَتْ عَلَى ذَا، وَهَا: تَنْبِيهٌ، فَيُقَدّرُ الْعَامِلُ إذًا مُضْمَرًا، كَأَنّك قُلْت: ارْجِعُوا هَكَذَا، وَتَأَخّرُوا هَكَذَا، وَاسْتُغْنِيَ بِقَوْلِك: هَكَذَا عَنْ الْفِعْلِ، كَمَا اُسْتُغْنِيَ بِرُوَيْدًا عَنْ اُرْفُقْ. جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ عُمَرَ لِجَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيّ: إنّي قَدْ أَسْلَمْت، وَبَايَعْت مُحَمّدًا، فَصَرَخَ جَمِيلٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلَا إنّ عُمَرَ قَدْ صَبَأَ. جَمِيلٌ هَذَا هُوَ الّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ: ذُو الْقَلْبَيْنِ «3» ، وَفِيهِ نَزَلَتْ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ الْأَحْزَابُ. 40، وَفِيهِ قيل.

_ (1) نهامى: بضم النون أو كسرها وكسر الميم وتشديد الياء: صاحب الدير والطريق السهل، وبفتح النون وكسرها حداد ونجار، وبفتحها وكسرها من غير ياء فى الاخر: حداد ونجار، ونهام بضم النون: طائر، بوم، راهب فى دير، نهام بفتح النون وتشديد الهاء: أسد. (2) فى السيرة: هكذا خلوا عن الرجل وقد أضفتها عنها إلى الروض. ويجوز أن نجعل هكذا مع ما قبلها، فيكون الكلام: «يسلمون لكم صاحبكم هكذا» ثم يبدأ الكلام الاخر: خلوا عن الرجل. (3) فى الاشتقاق لابن دريد أنه وهب بن عمير وكان من أحفظ الناس، وكانوا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكيف ثوائى بالمدينة بعد ما ... قَضَى وَطَرًا مِنْهَا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ وَهُوَ الْبَيْتُ الّذِي تَغَنّى بِهِ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي مَنْزِلِهِ، وَاسْتَأْذَنَ عُمَرَ فَسَمِعَهُ، وَهُوَ يَتَغَنّى، وَيُنْشِدُ بالركبانية، وَهُوَ غِنَاءٌ يُحْدَى بِهِ الرّكّابُ، فَلَمّا دَخَلَ عُمَرُ قَالَ لَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ: إنّا إذَا خَلَوْنَا، قُلْنَا مَا يَقُولُ النّاسُ فِي بُيُوتِهِمْ، وَقَلَبَ الْمُبَرّدُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَجَعَلَ الْمُنْشِدُ عُمَرَ، وَالْمُسْتَأْذَنَ عَبْدَ الرّحْمَنِ، وَرَوَاهُ الزّبَيْرُ «1» كَمَا تَقَدّمَ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَذَا الشّأْنِ.

_ - يقولون له قلبان من حفظه، فأنزل الله عز وجل: (مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جوفه) . أما جميل فقال عنه فى الاشتقاق: كان من أنم قريش لا يكتم شيئا، ص 130، وفى نسب قريش ورد كما قال السهيلى، وأنه قيل له ذو القلبين لعقله، وأنه شهد مع النبى حنينا، فقتل زهير بن الأغر الهذلى ص 395، ولا نسب بينه وبين جميل صاحب بثينة. وفى ابن كثير أنها نزلت فى رجل من قريش، يقال له: ذو القلبين، وأنه كان يزعم أن له قلبين كل منهما بعقل وافر. فأنزل الله هذه الاية ردا عليه. هكذا روى العوفى عن ابن عباس، وقاله مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة واختاره ابن جرير، بينما يروى أحمد فى مسنده بسنده، عن ابن أبى ظبيان أن أباه حدثه قال: قلت لابن عباس: أرأيت قول الله تعالى: (ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) ما عنى بذلك؟ قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوما يصلى فخطر خطرة، فقال المنافقون الذين يصلون معه: ألا ترون له قلبين. قلبا معكم، وقلبا معهم، فأنزلها الله، وهكذا رواه الترمذى، ثم قال: وهذا حديث حسن، وكذا رواه ابن جرير وابن أبى حاتم. وروى عبد الرازق بسنده عن الزهرى أنه بلغه أن ذلك كان فى زيد بن حارثة ضرب له مثل. يقول: ليس ابن رجل آخر ابنك، وكذا قال مجاهد وقتادة وابن زيد ... أقول. وهذا أليق وأنسب، فسياق الكلام فى التبنى وزيد بن حارثة. (1) الذى فى نسب قريش لمصعب الزبيرى أن عمر مر بابن عوف ورباح بن عمرو يغنيهم غناء الركبان: فقال عمر: ما هذا؟ فقال عبد الرحمن: لا بأس نلهو ونقصر السفر عنا، فقال لهم عمر رضى الله عنه: فعليكم إذا بشعر ضرار بن الخطاب ابن مرداس ص 448

خبر الصحيفة

[خبر الصحيفة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ نَزَلُوا بَلَدًا أَصَابُوا بِهِ أَمْنًا وَقَرَارًا، وَأَنّ النّجَاشِيّ قَدْ مَنَعَ مَنْ لَجَأَ إلَيْهِ مِنْهُمْ، وَأَنّ عُمَرَ قَدْ أَسْلَمَ، فَكَانَ هُوَ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه، وَجَعَلَ الْإِسْلَامُ يَفْشُو فِي الْقَبَائِلِ، اجْتَمَعُوا وَائْتَمَرُوا أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابًا يَتَعَاقَدُونَ فِيهِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ، عَلَى أَنْ لَا يُنْكِحُوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا بيعوهم شَيْئًا، وَلَا يَبْتَاعُوا مِنْهُمْ، فَلَمّا اجْتَمَعُوا لِذَلِكَ كَتَبُوهُ فِي صَحِيفَةٍ، ثُمّ تَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمّ عَلّقُوا الصّحِيفَةَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ تَوْكِيدًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ كَاتِبُ الصّحِيفَةِ مَنْصُورَ بن عكرمة بْنُ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ- فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، فشلّ بعض أصابعه. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَعَلَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ انْحَازَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبِ إلَى أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَدَخَلُوا مَعَهُ فِي شِعْبِهِ وَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، وَخَرَجَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: أَبُو لَهَبٍ عَبْدُ الْعُزّى بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، إلى قريش، فظاهرهم. [موقف أبى لهب مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنّ أَبَا لَهَبٍ لَقِيَ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، حِين فَارَقَ قَوْمَهُ، وَظَاهَرَ عَلَيْهِمْ قُرَيْشًا، فَقَالَ: يَا بِنْتَ عُتْبَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر أبى طالب

هَلْ نَصَرْتِ اللّاتَ وَالْعُزّى، وَفَارَقْتِ مَنْ فَارَقَهُمَا وَظَاهَرَ عَلَيْهِمَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَجَزَاك اللهُ خَيْرًا يَا أَبَا عُتْبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثْت أَنّهُ كَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ مَا يَقُولُ: يَعِدُنِي مُحَمّدٌ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا، يَزْعُمُ أَنّهَا كَائِنَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَمَاذَا وَضَعَ فِي يَدَيّ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمّ يَنْفُخُ فِي يَدَيْهِ وَيَقُولُ: تبّالكما، مَا أَرَى فِيكُمَا شَيْئًا مِمّا يَقُولُ مُحَمّدٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. قال ابْنُ هِشَامٍ: تَبّتْ: خَسِرَتْ. وَالتّبَابُ: الْخُسْرَانُ. قَالَ حَبِيبُ بْنُ خُدْرَةَ الْخَارِجِيّ: أَحَدُ بَنِي هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ: يَا طَيّبُ إنّا فِي مَعْشَرٍ ذَهَبَتْ ... مَسْعَاتُهُمْ فِي التّبَارِ وَالتّبَبِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. [شِعْرُ أَبِي طالب] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا اجْتَمَعَتْ عَلَى ذَلِكَ قُرَيْشٌ، وَصَنَعُوا فِيهِ الّذِي صَنَعُوا، قَالَ أَبُو طَالِب: أَلَا أَبْلِغَا عَنّي عَلَى ذَاتِ بَيْنِنَا ... لُؤَيّا وَخُصّا مِنْ لُؤَيّ بَنِي كَعْبِ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنّا وَجَدْنَا مُحَمّدًا ... نَبِيّا كَمُوسَى خُطّ فِي أَوّلِ الْكُتُبِ وَأَنّ عَلَيْهِ فِي الْعِبَادِ مَحَبّةً ... وَلَا خَيْرَ مِمّنْ خَصّهُ اللهُ بِالْحُبّ وَأَنّ الّذِي أَلْصَقْتُمْ مِنْ كِتَابكُمْ ... لَكُمْ كَائِنٌ نَحْسًا كَرَاغِيَةِ السّقْبِ أَفِيقُوا أَفِيقُوا، قَبْلَ أَنْ يُحْفَرَ الثّرَى ... وَيُصْبِحَ مَنْ لَمْ يَجْنِ ذَنْبًا كَذِي الذنب ولا تتبعوا أمر الوشاة، وتقطعوا ... أو اصرنا بَعْدَ الْمَوَدّةِ وَالْقُرْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من جهالة أبى جهل

وَتَسْتَجْلِبُوا حَرْبًا عَوَانًا، وَرُبّمَا ... أَمُرّ عَلَى مَنْ ذَاقَهُ جَلَبُ الْحَرْبِ فَلَسْنَا- وَرَبّ الْبَيْتِ- نُسْلِمُ أَحْمَدًا ... لِعَزّاءِ مَنْ عَضّ الزّمَانُ وَلَا كَرْبِ وَلَمّا تَبِنْ مِنّا، وَمِنْكُمْ سَوَالِفُ ... وَأَيْدٍ أُتِرّتْ بِالْقَسَاسِيّةِ الشّهْبِ بِمُعْتَرَكٍ ضَيْقٍ تَرَى كَسْرَ الْقَنَا ... بِهِ وَالنّسُورَ الطّخْمَ، يَعْكُفْنَ كَالشّرْبِ كَأَنّ مُجَالَ الْخَيْلِ فِي حَجَرَاتِهِ ... وَمَعْمَعَةَ الْأَبْطَالِ مَعْرَكَةُ الْحَرْبِ أَلَيْسَ أَبُونَا هَاشِمٌ شَدّ أَزْرَهُ ... وَأَوْصَى بَنِيهِ بِالطّعَانِ وَبِالضّرْبِ وَلَسْنَا نَمَلّ الْحَرْبَ، حَتّى تَمَلّنَا ... وَلَا نَشْتَكِي مَا قَدْ يَنُوبُ مِنْ النّكْبِ وَلَكِنّنَا أَهْلُ الْحَفَائِظِ وَالنّهَى ... إذَا طَارَ أَرْوَاحُ الْكُمَاةِ مِنْ الرّعْبِ فَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، حَتّى جَهَدُوا لَا يَصِلُ إلَيْهِمْ شَيْءٌ، إلّا سِرّا مُسْتَخْفِيًا بِهِ مَنْ أَرَادَ صلتهم من قريش. [من جهالة أبى جهل] وقد مكان أبو جهل بن هشام- فيما يذكرون- لقى حَكِيمِ بْنِ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ، مَعَهُ غُلَامٌ يَحْمِلُ قَمْحًا يُرِيدُ بِهِ عَمّتَهُ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ، وَهِيَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَمَعَهُ فِي الشّعْبِ، فَتَعَلّقَ بِهِ، وَقَالَ: أَتَذْهَبُ بِالطّعَامِ إلَى بَنِي هَاشِمٍ!؟ وَاَللهِ لَا تَبْرَحُ أَنْت وَطَعَامُك، حَتّى أفضحك بمكة. فجاءه أَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أسد [بن عبد العزى] ، فقال: مالك وَلَهُ؟ فَقَالَ: يَحْمِلُ الطّعَامَ إلَى بَنِي هَاشِمٍ، فقال أَبُو الْبَخْتَرِيّ: طَعَامٌ كَانَ لِعَمّتِهِ عِنْدَهُ بَعَثَتْ إلَيْهِ [فِيهِ] ، أَفَتَمْنَعُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامِهَا؟! خَلّ سَبِيلَ الرّجُلِ، فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ، حَتّى نَالَ أحدهما من صاحبه، فأخذ أَبُو الْبَخْتَرِيّ لَحْيَ بَعِيرٍ، فَضَرَبَهُ بِهِ فَشَجّهُ، ووطئه وطأ شَدِيدًا، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ قَرِيبٌ يَرَى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه

ذَلِكَ، وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ، فَيَشْمَتُوا بِهِمْ، وَرَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ذَلِكَ يَدْعُو قَوْمَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَسِرّا وجهارا، مناديا بِأَمْرِ اللهِ لَا يَتّقِي فِيهِ أَحَدًا مِنْ النّاس. [مَا لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من قومه] فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ مَنَعَهُ اللهُ مِنْهَا، وَقَامَ عَمّهُ وَقَوْمُهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ دُونَهُ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ مَا أَرَادُوا مِنْ الْبَطْشِ بِهِ، يَهْمِزُونَهُ، وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ، وَيُخَاصِمُونَهُ، وَجَعَلَ القرآن ينزل فى قريش بأحدائهم، وَفِيمَنْ نُصِبَ لِعَدَاوَتِهِ مِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ سُمّيَ لنا. [أبو لهب وامرأته] وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فِي عَامّةِ مَنْ ذُكِرَ اللهُ مِنْ الْكُفّارِ، فَكَانَ مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ قُرَيْشٍ مِمّنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ: عَمّهُ أَبُو لَهَبِ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وامرأته أُمّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ، حَمّالَةَ الْحَطَبِ، وَإِنّمَا سَمّاهَا اللهُ تَعَالَى حَمّالَةَ الْحَطَبِ؛ لِأَنّهَا كَانَتْ- فِيمَا بَلَغَنِي- تَحْمِلُ الشّوْكَ، فَتَطْرَحَهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ يَمُرّ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمَا: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ، سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ، وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ» . قال ابن هشام: الجيد: العتق. قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يَوْمَ تُبْدِي لَنَا قُتَيْلَة عَنْ جِيدِ أَسِيلٍ تُزَيّنُهُ الْأَطْوَاقُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَجَمْعُهُ: أَجْيَادٌ. وَالْمَسَدّ: شَجَرٌ يُدَقّ كَمَا يُدَقّ الْكَتّانُ، فَتُفْتَلُ مِنْهُ حِبَالٌ. قَالَ النّابِغَةُ الذّبْيَانِيّ- واسمه: زياد بن عمرو ابن مُعَاوِيَةَ: مَقْذُوفَةٍ بِدَخِيسِ النّحْضِ بَازِلُهَا ... لَهُ صَرِيفٌ صَرِيفَ الْقَعْوِ بِالْمَسَدِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له، وواحدته: مسدة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذُكِرَ لِي: أَنّ أُمّ جميل: حمّالة الحطب، حين سمعت ما نَزَلَ فِيهَا، وَفِي زَوْجِهَا مِنْ الْقُرْآنِ، أَتَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ مِنْ حِجَارَةٍ، فَلَمّا وَقَفَتْ عَلَيْهِمَا أَخَذَ اللهُ بِبَصَرِهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا تَرَى إلّا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَيْنَ صَاحِبُك، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنّهُ يَهْجُونِي؟ وَاَللهِ لَوْ وَجَدْته لَضَرَبْتُ بِهَذَا الْفِهْرِ فَاهُ، أَمَا وَاَللهِ إنّي لَشَاعِرَةٌ، ثُمّ قَالَتْ: مُذَمّمًا عَصَيْنَا ... وَأَمْرَهُ أَبَيْنَا وَدِينَهُ قَلَيْنَا ثُمّ انْصَرَفَتْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمَا تَرَاهَا رَأَتْك؟ فَقَالَ: مَا رَأَتْنِي، لَقَدْ أَخَذَ اللهُ بِبَصَرِهَا عَنّي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهَا: «ودينه قلينا» عن غهر ابن إسحاق. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إيذاء أمية بن خلف للرسول صلى الله عليه وسلم

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ إنّمَا تُسَمّي رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مُذَمّمًا، ثُمّ يَسُبّونَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: أَلَا تَعْجَبُونَ لِمَا يَصْرِفُ اللهُ عَنّي مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ، يَسُبّونَ وَيَهْجُونَ مذمّما، وأنا محمد! [إيذاء أمية بن خلف للرسول صلّى الله عليه وسلم] وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفِ بن وهب بن جذافة بْنِ جُمَحٍ، كَانَ إذَا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَزَهُ وَلَمَزَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ، الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ، يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ، كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ. وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ، نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ» . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْهُمَزَةُ: الّذِي يَشْتُمُ الرّجُلَ عَلَانِيَةً، وَيَكْسِرُ عَيْنَيْهِ عَلَيْهِ، وَيَغْمِزُ بِهِ، قال حسّان بن ثابت: هَمَزْتُكَ فَاخْتَضَعْتُ لِذُلّ نَفْسٍ ... بِقَافِيَةٍ تَأَجّجُ كَالشّوَاظِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَجَمْعُهُ: هَمَزَاتٌ. وَاللّمَزَةُ: الّذِي يَعِيبُ النّاسَ سِرّا وَيُؤْذِيهِمْ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ: فِي ظِلّ عَصْرِي بَاطِلِي وَلَمْزِي وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ، وَجَمْعُهُ: لمزات. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إيذاء العاص للرسول صلى الله عليه وسلم

[إيذاء العاص للرسول صلّى الله عليه وسلم] قال ابن إسْحَاقَ: وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السّهْمِيّ، كَانَ خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ، صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَيْنًا بِمَكّةَ يَعْمَلُ السّيُوفَ، وَكَانَ قَدْ بَاعَ مِنْ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ سُيُوفًا عَمِلَهَا لَهُ، حَتّى كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا خَبّابُ أَلَيْسَ يَزْعُمُ مُحَمّدٌ صَاحِبُكُمْ هَذَا الّذِي أَنْت عَلَى دِينِهِ أَنّ فِي الْجَنّةِ مَا ابْتَغَى أَهْلُهَا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ فِضّةٍ، أَوْ ثِيَابٍ، أَوْ خَدَمٍ؟! قَالَ خَبّابٌ: بَلَى. قَالَ: فَأَنْظِرْنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَا خَبّابُ، حَتّى أَرْجِعَ إلَى تلك الدار، فأقضيك هنالك حقّك، فو الله لَا تَكُونُ أَنْت وَصَاحِبُك يَا خَبّابُ آثَرَ عِنْدَ اللهِ مِنّي، وَلَا أَعْظَمَ حَظّا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَداً، أَطَّلَعَ الْغَيْبَ ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً «هى وما قبلها من سورة مريم 77- 80» . [إيذاء أبى جهل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم] وَلَقِيَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- فَقَالَ لَهُ: وَاَللهِ يَا مُحَمّدُ، لَتَتْرُكَنّ سَبّ آلِهَتِنَا، أَوْ لَنَسُبّنّ إلَهَك الّذِي تَعْبُدُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ الأنعام: 108، فذكر لي أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَفّ عَنْ سَبّ آلِهَتِهِمْ، وَجَعَلَ يدعوهم إلى الله. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إيذاء النضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم

[إيذاء النضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم] وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ، كَانَ إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَجْلِسًا، فَدَعَا فِيهِ إلَى الله تعالى، وتلا فيه القرآن، وحذّر قُرَيْشًا مَا أَصَابَ الْأُمَمَ الْخَالِيَةَ، خَلَفَهُ فِي مجلسه إذا قام، فحدثهم عن رستم الشديد، وَعَنْ أسفنديار، وَمُلُوكِ فَارِسَ، ثُمّ يَقُولُ: وَاَللهِ مَا مُحَمّدٌ بِأَحْسَنَ حَدِيثًا مِنّي، وَمَا حَدِيثُهُ إلّا أَسَاطِيرُ الْأَوّلِينَ، اكْتَتَبَهَا كَمَا اكْتَتَبْتهَا. فَأَنْزَلَ الله فِيهِ: وَقالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، قُلْ: أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً الفرقان: 5، 6. وَنَزَلَ فِيهِ: إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ. ونزل فيه: يْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً، فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ الجاثية: 7، 8. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَفّاكُ: الْكَذّابُ. وَفِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى: «أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ: وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ الصافات: 151، 152. وقال رؤبة: لامرىء أَفّكَ قَوْلًا إفْكًا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمًا- فِيمَا بَلَغَنِي- ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن الزبعرى والأخنس وما قيل فيهما

مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، حَتّى جَلَسَ مَعَهُمْ فِي المجلس، وفى المجلس غير واحد من قُرَيْشٍ، فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَعَرَضَ لَهُ النّضْر بْنُ الْحَارِثِ، فَكَلّمَهُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أفحمه، ثم تَلَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ، لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها، وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ، وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ الأنبياء 98- 100. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَصَبُ جَهَنّمَ: كُلّ مَا أُوقِدَتْ بِهِ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ وَاسْمُهُ: خُوَيْلِدِ بْنُ خَالِدٍ. فَأَطْفِئْ، وَلَا تُوقِدْ، وَلَا تك مخصبا ... لنار العداة أن تطير شكانها وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَيُرْوَى: «وَلَا تَكُ مِحْضَأً» . قَالَ الشّاعِرُ: حَضَأْتُ لَهُ نَارِي فَأَبْصَرَ ضَوْءَهَا ... وَمَا كَانَ لَوْلَا حَضْأَةِ النّارِ يهتدى [ابن الزبعرى والأخنس وما قيل فيهما] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللهِ ابن الزّبَعْرَى السّهْمِيّ حَتّى جَلَسَ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَعْرَى: وَاَللهِ مَا قَامَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ لَابْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ آنِفًا وَمَا قَعَدَ، وَقَدْ زَعَمَ مُحَمّدٌ أَنّا وَمَا نَعْبُدُ مِنْ آلِهَتِنَا هَذِهِ حَصَبُ جَهَنّمَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَعْرَى. أَمَا وَاَللهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَوْ وَجَدْته لَخَصَمْته، فَسَلُوا مُحَمّدًا: أَكُلّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ فِي جَهَنّمَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ؟ فَنَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَالْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا وَالنّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ، فَعَجِبَ الْوَلِيدُ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَعْرَى، وَرَأَوْا أَنّهُ قَدْ احْتَجّ وَخَاصَمَ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لرسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الزّبَعْرَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلّ مَنْ أَحَبّ أَنْ يُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللهِ فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ، إنّهُمْ إنّمَا يَعْبُدُونَ الشّيَاطِينَ، وَمَنْ أَمَرَتْهُمْ بِعِبَادَتِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عليه فى ذلك: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ، لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها، وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ الأنبياء: 101، 102: أى عيسى بن مَرْيَمَ، وَعُزَيْرًا، وَمَنْ عُبِدُوا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرّهْبَانِ الّذِينَ مَضَوْا عَلَى طَاعَةِ اللهِ، فَاِتّخَذَهُمْ مَنْ يَعْبُدُهُمْ مِنْ أَهْلِ الضّلَالَةِ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ. وَنَزَلَ فِيمَا يَذْكُرُونَ، أَنّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَأَنّهَا بَنَاتُ اللهِ: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ، بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ، وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ الأنبياء: 26: 27.. إلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ، فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ، كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ الأنبياء: 29. ونزّل فيما ذكر من أمر عيسى بن مَرْيَمَ أَنّهُ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، وَعَجَبِ الْوَلِيدِ، وَمَنْ حَضَرَهُ مِنْ حُجّتِهِ وَخُصُومَتِهِ: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ الزخرف: 57. أَيْ: يَصُدّونَ عَنْ أَمْرِك بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما قيل فى الوليد بن المغيرة وأبى بن خلف وعقبة بن أبى معيط

ثم ذكر عيسى بن مَرْيَمَ فَقَالَ: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ، وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ، وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ، وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ الأنبياء: 59: 61 أَيْ: مَا وَضَعْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْآيَاتِ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ، فَكَفَى بِهِ دَلِيلًا عَلَى عِلْمِ السّاعَةِ، يَقُولُ: فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ، هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ. والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثّقَفِيّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ الْقَوْمِ، وَمِمّنْ يُسْتَمَعُ مِنْهُ، فَكَانَ يُصِيبُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَرُدّ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: «وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ القلم: 10، 11 ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: زَنِيمٍ، وَلَمْ يَقُلْ: زَنِيمٍ لِعَيْبِ فِي نَسَبِهِ؛ لِأَنّ اللهَ لَا يَعِيبُ أحدا بنسب، ولكنه حقّق بذلك نعته ليعرف. والزنيم: العديد للقوم، وقد قال الخطيم التّمِيمِيّ فِي الْجَاهِلِيّةِ: زَنِيمٌ تَدَاعَاهُ الرّجَالُ زِيَادَةً ... كما زيد فى عرض الأديم الأكارع [ما قيل فى الوليد بن المغيرة وأبى بن خلف وعقبة بن أبى معيط] وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَيُنَزّلُ عَلَى مُحَمّدٍ، وَأُتْرَكُ وَأَنَا كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيّدُهَا، وَيُتْرَكُ أَبُو مَسْعُودٍ عَمْرُو بْنُ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّ سَيّدُ ثَقِيفٍ، وَنَحْنُ عَظِيمَا الْقَرْيَتَيْنِ؟! فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ، فِيمَا بَلَغَنِي: وَقالُوا: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ الزخرف: 30 ... إلى قوله تعالى: مِمَّا يَجْمَعُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَأُبَيّ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَكَانَا مُتَصَافِيَيْنِ، حَسّنَا مَا بَيْنَهُمَا. فَكَانَ عُقْبَةُ قَدْ جلس إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَمِعَ مِنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِك أُبَيّا، فَأَتَى عقبة، فقال: أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنّك جَالَسْت مُحَمّدًا، وَسَمِعْتَ مِنْهُ! ثم قال: وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ أَنْ أُكَلّمَك- وَاسْتَغْلَظَ مِنْ الْيَمِينِ- إنْ أَنْتَ جَلَسْتَ إلَيْهِ، أَوْ سَمِعْتَ مِنْهُ، أَوْ لَمْ تَأْتِهِ، فَتَتْفُلَ فِي وجهه. ففعل من ذَلِكَ عَدُوّ اللهِ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ لَعَنَهُ اللهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمَا: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ: يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لِلْإِنْسانِ خَذُولًا الفرقان: 27- 29. وَمَشَى أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَظْمٍ بَالٍ قَدْ ارْفَتّ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، أَنْتَ تَزْعُمُ أَنّ يَبْعَثُ هَذَا بَعْدَ مَا أَرَمّ، ثُمّ فَتّهُ بيده، ثُمّ نَفَخَهُ فِي الرّيحِ نَحْوَ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: نَعَمْ، أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ، يَبْعَثُهُ اللهُ وَإِيّاكَ بَعْدَ مَا تَكُونَانِ هَكَذَا، ثُمّ يُدْخِلُك اللهُ النّارَ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ، وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا، فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ يس 79، 80 ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما قيل فى حق أبى جهل

ما قيل فى حق الذين اعترضوا الرسول فى الطواف وَاعْتَرَضَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ- فِيمَا بَلَغَنِي- الْأَسْوَدُ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السّهْمِيّ، وَكَانُوا ذَوِي أَسْنَانٍ فِي قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ، هَلُمّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُدُ، وَتَعْبُدُ مَا نَعْبُدُ، فَنَشْتَرِكُ نَحْنُ وَأَنْتَ فِي الْأَمْرِ، فَإِنْ كَانَ الّذِي تَعْبُدُ خَيْرًا مِمّا نعبد، كنّا قد أخذنا بحظّا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَا نَعْبُدُ خَيْرًا مِمّا تَعْبُدُ، كُنْت قَدْ أَخَذْت بِحَظّك مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: قُلْ: يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ الكافرون. أَيْ: إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْبُدُونَ إلّا اللهَ، إلّا أَنْ أَعْبُدَ مَا تَعْبُدُونَ، فَلَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ مِنْكُمْ، لَكُمْ دِينُكُمْ جَمِيعًا، وَلِي دينى. [ما قيل فى حق أبى جهل] وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ- لَمّا ذَكَرَ اللهُ عَزّ وَجَلّ شَجَرَةَ الزّقّومِ تَخْوِيفًا بِهَا لَهُمْ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ تَدْرُونَ مَا شَجَرَةُ الزّقّومِ الّتِي يُخَوّفُكُمْ بِهَا مُحَمّدٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: عَجْوَةُ يَثْرِبَ بِالزّبْدِ، وَاَللهِ لَئِنْ استمكنّا منها لننزقمّها تَزَقّمًا. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعامُ الْأَثِيمِ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ الجاثية: 44- 46. أى: ليس كما يقول. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصة ابن أم مكتوم

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمُهْلُ: كُلّ شَيْءٍ أَذَبْته، مِنْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذلك فيما أخبرنى أبو عبيدة. وبلغنا عن الحسن بن أبى الحسن أَنّهُ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَالِيًا لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْكُوفَةِ، وَأَنّهُ أَمَرَ يَوْمًا بِفِضّةٍ، فَأُذِيبَتْ، فَجُعِلَتْ تُلَوّنُ أَلْوَانًا، فَقَالَ: هَلْ بِالْبَابِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَدْخِلُوهُمْ، فَأُدْخِلُوا فَقَالَ: إنّ أدنى ما أنتم راؤن شَبَهًا بِالْمُهْلِ لَهَذَا، وَقَالَ الشّاعِرُ: يَسْقِيهِ رَبّي حَمِيمَ الْمُهْلِ يَجْرَعُهُ ... يَشْوِي الْوُجُوهَ فَهُوَ فِي بطنه صهر وقال عبد الله بن الزبير الأسدى: فمن عاش منهم عاش عبدا وإن يمت ... ففى النار يسقى مهلها وصديدها وهذا البيت فى قصيدة له. ويقال: إن المهل: صديد الجسد. بَلَغَنَا أَنّ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَمّا حُضِرَ، أَمَرَ بِثَوْبَيْنِ لَبِيسَيْنِ يُغْسَلَانِ، فَيُكَفّنُ فِيهِمَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: قَدْ أَغْنَاك اللهُ يَا أَبَتِ عَنْهُمَا، فَاشْتَرِ كَفَنًا، فَقَالَ: إنّمَا هِيَ سَاعَةٌ حَتّى يَصِيرَ إلَى الْمُهْلِ. قَالَ الشّاعِرُ: شَابَ بِالْمَاءِ مِنْهُ مُهْلًا كَرِيهًا ... ثم علّ المنون بَعْدَ النّهَالِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً الإسراء: 60 [قصة ابن أم مكتوم] وَوَقَفَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُكَلّمُهُ، وَقَدْ طَمِعَ فِي إسْلَامِهِ، فَبَيْنَا هُوَ فِي ذَلِكَ، إذْ مَرّ به ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى، فَكَلّمَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ يَسْتَقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَشَقّ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتّى أَضْجَرَهُ، وَذَلِكَ أَنّهُ شَغَلَهُ عَمّا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْوَلِيدِ، وَمَا طَمِعَ فِيهِ مِنْ إسْلَامِهِ، فَلَمّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ انْصَرَفَ عَنْهُ عَابِسًا، وَتَرَكَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ أَيْ: إنّمَا بَعَثْتُك بَشِيرًا وَنَذِيرًا، لَمْ أَخُصّ بِك أَحَدًا دُونَ أَحَدٍ، فَلَا تَمْنَعُهُ مِمّنْ ابْتَغَاهُ، وَلَا تَتَصَدّيَنّ بِهِ لِمَنْ لَا يُرِيدُهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ، أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الله، ويقال: عمرو. ـــــــــــــــــــــــــــــ حَدِيثُ الصّحِيفَةِ الّتِي كَتَبَتْهَا قُرَيْشٌ ذَكَرَ فِيهِ قول أبى لهب ليديه: تبّالكما، لَا أَرَى فِيكُمَا شَيْئًا مِمّا يَقُولُ مُحَمّدٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، هَذَا الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِذِكْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ يَدَيْهِ، حَيْثُ يَقُولُ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَأَمّا قوله: وتبّ، فتفسيره مَا جَاءَ فِي الصّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ وسعيد ابن جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: لَمّا أَنَزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الشّعَرَاءُ: 214 خَرَجَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حتى أَتَى الصّفَا، فَصَعِدَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ، فَهَتَفَ: يَا صُبَاحَاه، فَلَمّا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدّقِيّ؟ قَالُوا: ما جرّ بنا عَلَيْك كَذِبًا قَالَ: فَإِنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٌ شَدِيدٌ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبّا لَك أَلِهَذَا جَمَعْتنَا؟! فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ «1» ، وقد تبّ. هَكَذَا قَرَأَ مُجَاهِدٌ وَالْأَعْمَشُ، وَهِيَ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- قِرَاءَةٌ مَأْخُوذَةٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، لِأَنّ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَلْفَاظًا كَثِيرَةً تُعِينُ عَلَى التفسير «2» قال مجاهد: لو كنت

_ (1) رواه الشيخان والترمذى. (2) يجب أن نؤمن بأن هذا المصحف الذى نحن معه نتدبره، فيه كل كلام الله الذى نزله على محمد صلّى الله عليه وسلم دون نقص أو زيادة. وما يروى من مثل هذا. فإما أن تكون رواية ساقطة، وإما أن يكون من كلام ابن مسعود تعليقا منه على بعض آيات الكتاب المبين. كيف نحكم أن مثل «وقد تب» كانت فى المصحف ثم رفعت منه؟ أو كيف نحكم أن آية كذا كانت فيه، ثم حذفت؟. وأين نحن بهذا من قول الله: (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون) الحجر: 9 كيف نضرب المتواتر المحفوظ بحفظ الله بروايات ساقطة واهية مهما كان شأن رواتها، وشأن الكتب التى وردت فيها؟ وما الفرق بيننا وبين من يزعمون أن مصحفنا هذا ناقص مبتور حذف منه أبو بكر وعمر ما حذفا؟! اقذفوا بكل قول يزعم هذا فى جحيم. بعض ما قيل عن الصحيفة: قيل: إنها كانت فى هلال المحرم سنة سبع من النبوة، ورد هذا فى ابن سعد وابن عبد البر: وجزم به الحافظ فى الفتح، وقيل: سنة ثمان وكان اجتماعهم بخيف بنى كنانة وهو المحصب واختلف فى اسم كاتب الصحيفة. وفى رواية أنهم تواثقوا على هذا حتى يسلموا رسول الله «ص» للنقل، وكانت مدة الشعب سنتين كما ذكر ابن سعد أو ثلاثا كما ذكر موسى بن عقبة وفى نسب قريش ص 254 أن الذى كتب الصحيفة عامر الشاعر لا منصور ابنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قرأت قراءة ابن مسعود قبل أن أسئل ابن عباس، ما احتجت أن أسئله عَنْ كَثِيرٍ مِمّا سَأَلْته، وَكَذَلِكَ زِيَادَةٌ قَدْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فُسّرَتْ أَنّهُ خَبَرٌ مِنْ اللهِ تَعَالَى، وَأَنّ الْكَلَامَ لَيْسَ عَلَى جِهَةِ الدّعَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ التّوْبَةُ: 30، أَيْ: إنّهُمْ أَهْلٌ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ هَذَا، فَتَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ، لَيْسَ مِنْ بَابِ: قَاتَلَهُمْ اللهُ، وَلَكِنّهُ خَبَرٌ مَحْضٌ بِأَنّ قَدْ خَسِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، وَالْيَدَانِ: آلَةُ الْكَسْبِ، وَأَهْلُهُ وَمَالُهُ مِمّا كَسَبَ فَقَوْلُهُ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ، تَفْسِيرُهُ: قَوْلُهُ: مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ وَوَلَدُ الرّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، أَيْ: خَسِرَتْ يَدَاهُ هَذَا الّذِي كَسَبْت، وَقَوْلُهُ: وَتَبّ، تَفْسِيرُهُ. سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ أَيْ: قَدْ خَسِرَ نَفْسَهُ بِدُخُولِهِ النّارَ، وَقَوْلُ أَبِي لَهَبٍ: تَبّا لَكُمَا، مَا أَرَى فِيكُمَا شَيْئًا، يَعْنِي: يَدَيْهِ: سَبَبُ لِنُزُولِ تَبّتْ يَدَا كَمَا تَقَدّمَ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: تَبّا لَك يَا مُحَمّدُ، سَبَبٌ لِنُزُولِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَتَبَّ «1» فَالْكَلِمَتَانِ فِي التّنْزِيلِ مَبْنِيّتَانِ عَلَى السّبَبَيْنِ، والايتان بعدهما تفسير للتببين. تَبَابِ يَدَيْهِ، وَتَبَابُهُ هُوَ فِي نَفْسِهِ، وَالتّبَبُ على وزن التّلف

_ (1) وحدث عن عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه قال. أخبر رجل يقال له: ربيعة بن عباد من بنى الديل، وكان جاهليا، فأسلم، قَالَ: رَأَيْت النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى الجاهلية فى سوق ذى المجاز، وهو يَقُولُ: (يَا أَيّهَا النّاسُ قُولُوا: لَا إلَهَ إلا الله تفلحوا) والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضئ الوجه أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابئ كاذب يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه. فقالوا: هذا عمه أبو لهب. تفرد به أحمد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِأَنّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَالتّبَابُ كَالْهَلَاكِ وَالْخَسَارِ وَزْنًا وَمَعْنًى، وَلِذَلِكَ قِيلَ فِيهِ: تَبَبٌ وَتَبَابٌ. مِنْ تَفْسِيرِ شِعْرِ أَبِي طَالِبٍ: فَصْلٌ: ذِكْرُ شِعْرِ أَبِي طَالِب: أَلَا أَبْلِغَا عَنّي عَلَى ذَاتِ بَيْنِنَا قَالَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ: ذَاتِ بَيْنَنَا، وَذَاتِ يَدِهِ، وَمَا كَانَ نَحْوُهُ: صِفَةٌ لِمَحْذُوفِ مُؤَنّثٌ، كَأَنّهُ يُرِيدُ الْحَالَ الّتِي هِيَ ذَاتُ بَيْنِهِمْ كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ الْأَنْفَالُ: 1 فَكَذَلِكَ إذَا قُلْت: ذَاتِ يَدِهِ. يُرِيدُ أَمْوَالَهُ، أَوْ مُكْتَسَبَاتِهِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: «أَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ «1» » ، وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت: لَقِيته ذَاتَ يَوْمٍ، أَيْ: لقاءة أو مرّة ذات يوم، فلما حُذِفَ الْمَوْصُوفُ، وَبَقِيَتْ الصّفّةُ صَارَتْ كَالْحَالِ لَا تَتَمَكّنُ، وَلَا تُرْفَعُ فِي بَابِ مَا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ، كَمَا تُرْفَعُ الظّرُوفُ الْمُتَمَكّنَةُ، وَإِنّمَا هُوَ كَقَوْلِك: سَيْرٌ عَلَيْهِ شَدِيدًا وَطَوِيلًا، وَقَوْلُ الْخَثْعَمِيّ- وَاسْمُهُ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ [مَدَرك] : عَزَمْت عَلَى إقَامَةِ ذَاتَ صَبَاحٍ، لَيْسَ هُوَ عِنْدِي. مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَإِنْ كَانَ سِيبَوَيْهِ قَدْ جَعَلَهَا لُغَةً لِخَثْعَمٍ، وَلَكِنّهُ عَلَى مَعْنَى إقَامَةِ يَوْمٍ، وَكُلّ يَوْمٍ هُوَ ذُو صَبَاحٍ، كَمَا تَقُولُ: مَا كَلّمَنِي ذُو شَفَةٍ، أَيْ: مُتَكَلّمٌ، وَمَا مَرَرْت بِذِي نَفْسٍ، فَلَا يَكُونُ مِنْ

_ (1) هو جزء من حديث رواه الشيخان: «خير نساء ركبن الإبل صالحو نساء قريش أحناه على ولد فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يده» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَابِ: ذَاتِ مَرّةً الّذِي لَا يَتَمَكّنُ فِي الْكَلَامِ، وَقَدْ وَجَدْت فِي حَدِيثِ قَيْلَةَ بِنْتِ محرمة، وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ وَقَعَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: أَنّ أُخْتَهَا قَالَتْ لِبَعْلِهَا: إنّ أُخْتِي تُرِيدُ الْمَسِيرَ مَعَ زَوْجِهَا حُرَيْثِ بْنِ حَسّانَ ذَا صَبَاحٍ بَيْنَ سَمْعِ الْأَرْضِ وَبَصَرِهَا، فَهَذَا يَكُونُ مِنْ بَابِ: ذَاتِ مَرّةٍ، وَذَاتِ يَوْمٍ، غَيْرَ أَنّهُ وَرَدَ مُذَكّرًا؛ لِأَنّهُ تَشْتَغِلُ تَاءُ التّأْنِيثِ مَعَ الصّادِ، وَتَوَالِي الْحَرَكَاتِ، فَحَذَفُوهَا، فَقَالُوا: لَقِيته ذَا صَبَاحٍ، وَهَذَا لَا يَتَمَكّنُ كَمَا لَا يَتَمَكّنُ: ذَاتُ يَوْمٍ وَذَاتُ حِينٍ، وَلَا يُضَافُ إلَيْهِ مَصْدَرٌ، وَلَا غَيْرُهُ. وَقَوْلُ الْخَثْعَمِيّ: عَزَمْت عَلَى إقَامَةِ ذِي صَبَاحٍ قَدْ أَضَافَ إلَيْهِ، فَكَيْفَ يُضِيفُ إلَيْهِ، ثُمّ يَنْصِبُهُ، أَوْ كَيْفَ يُضَارِعُ الْحَالَ مَعَ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَيْهِ؟ فَكَذَلِكَ خَفْضُهُ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ نَظَائِرِهِ، إلّا أَنْ يَكُونَ سِيبَوَيْهِ سَمِعَ خَثْعَمَ يَقُولُونَ: سِرْت فِي ذَاتِ يَوْمٍ، أَوْ سِيَر عَلَيْهِ ذَاتُ يَوْمٍ بِرَفْعِ التّاءِ، فَحِينَئِذٍ يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لُغَةُ خَثْعَمَ، وَأَمّا الْبَيْتُ الّذِي تَقَدّمَ فَالشّاهِدُ لَهُ فِيهِ، وَمَا أَظُنّ خَثْعَمَ، وَلَا أَحَدًا مِنْ الْعَرَبِ يُجِيزُ التّمَكّنَ فِي نَحْوِ هَذَا، وَإِخْرَاجِهِ عَنْ النّصْبِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. لَا الّتِي لِلتّبْرِئَةِ: فَصْلٌ: وَفِيهِ: وَلَا خَيْرَ مِمّنْ خَصّهُ اللهُ بِالْحُبّ. وَهُوَ مُشْكِلٌ جِدّا لِأَنّ لَا فِي بَابِ التّبْرِئَةِ لَا تَنْصِبُ مِثْلَ هَذَا إلّا مُنَوّنًا تَقُولُ: لَا خَيْرًا مِنْ زَيْدٍ فِي الدّارِ، وَلَا شَرّا مِنْ فُلَانٍ، وَإِنّمَا تَنْصِبُ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ إذَا كَانَ الِاسْمُ غَيْرَ مَوْصُولٍ بِمَا بَعْدَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يُوسُفُ: 92. لِأَنّ عَلَيْكُمْ لَيْسَ من صلة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التّثْرِيبِ، لِأَنّهُ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَأَشْبَهَ مَا يُقَالُ فِي بَيْتِ أَبِي طَالِبٍ أَنّ خَيْرًا مُخَفّفٌ، مِنْ خَيْرِ كَهَيْنِ وَمَيْت [مِنْ هَيّنٍ وَمَيّتٍ] وَفِي التّنْزِيلِ: خَيْراتٌ حِسانٌ الرّحْمَنُ: 70 هُوَ مخفف من خيّرات. عود إلى سرح شِعْرِ أَبِي طَالِبٍ: وَقَوْلُهُ: مِمّنْ. مَنْ، مُتَعَلّقَةٌ بِمَحْذُوفِ، كَأَنّهُ قَالَ: لَا خَيْرَ أَخْيَرُ مِمّنْ خَصّهُ اللهُ، وَخَيْرٌ وَأَخْيَرُ: لَفْظَانِ مِنْ جَنْسٍ وَاحِدٍ، فَحَسُنَ الْحَذْفُ اسْتِثْقَالًا لِتَكْرَارِ اللّفْظِ، كَمَا حَسُنَ: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ البقرة: 177. والْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ الْبَقَرَةُ: 197 لِمَا فِي تَكْرَارِ الْكَلِمَةِ مَرّتَيْنِ مِنْ الثّقَلِ عَلَى اللّسَانِ، وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ يُونُسُ: 11 أَيْ: لَوْ عَجّلَهُ لَهُمْ إذَا اسْتَعْجَلُوا بِهِ اسْتِعْجَالًا مِثْلَ اسْتِعْجَالِهِمْ بِالْخَيْرِ، فَحَسُنَ هَذَا الْكَلَامُ لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنْ ثِقَلِ التّكْرَارِ، وَإِذَا حَذَفُوا حَرْفًا واحدا لهذه العلة كقولهم: بلّحرث «1» بنو فُلَانٍ، وَظَلِلْت وَأُحِشّتْ فَأَحْرَى أَنْ يَحْذِفُوا كَلِمَةَ مِنْ حُرُوفٍ، فَهَذَا أَصْلٌ مُطّرِدٌ، وَيَجُوزُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَذْفُ التّنْوِينِ مُرَاعَاةً لِأَصْلِ الْكَلِمَةِ؛ لِأَنّ خَيْرًا مِنْ زَيْدٍ إنّمَا مَعْنَاهُ: أَخْيَرُ مِنْ زَيْدٍ، وَكَذَلِكَ: شَرّ مِنْ فُلَانٍ، إنّمَا أَصْلُهُ: أَشَرّ عَلَى وَزْنِ أفعل،

_ (1) فى الأصل بياض بعد كلمة بلحرث، ولكن فى اللسان: «وقولهم: بلحرث لبنى الحرث بن كعب من شواذ الإدغام، لأن النون واللام قريبا المخرج، فلما لم يمكنهم الإدغام بسكون اللام حذفوا النون. كما قالوا: مست، وظلت «بفتح الميم والظاء وسكون السين واللام» كذلك يفعلون بكل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة، مثل بلعنبر، وبلهجيم، فأما إذا لم تظهر اللام، فلا يكون ذلك» حادة حرث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَحُذِفَتْ الْهَمْزَةُ تَخْفِيفًا، وَأَفْعَلُ لَا يَنْصَرِفُ، فَإِذَا انْحَذَفَتْ الْهَمْزَةُ انْصَرَفَ وَنُوّنَ، فَإِذَا تَوَهّمْتهَا غَيْرَ سَاقِطَةٍ الْتِفَاتًا إلَى أَصْلِ الْكَلِمَةِ، لَمْ يَبْعُدْ حَذْفُ التّنْوِينِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعَ مَا يُقَوّيهِ مِنْ ضَرُورَةِ الشّعْرِ. وَقَوْلُهُ: بِالّقُسَاسِيّةِ الشّهُبِ، يَعْنِي: السّيُوفَ، نَسَبَهَا إلَى قُسَاس، وَهُوَ مَعْدِنٌ حَدِيدٌ لِبَنِي أَسَدٍ، وَقِيلَ اسْمٌ لِلْجَبَلِ الّذِي فِيهِ الْمَعْدِنُ: قَالَ الرّاجِزُ يَصِفُ فَأْسًا: أَحْضِرْ مِنْ مَعْدِنِ ذِي قُسَاس ... كَأَنّهُ فِي الْحَيْدِ ذِي الْأَضْرَاسِ يُرْمَى بِهِ فِي الْبَلَدِ الدّهَاسِ» وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْقُسَاسِيّة: لَا أَدْرِي إلَى أَيّ شَيْءٍ نُسِبَ، وَاَلّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَهُ الْمُبَرّدُ، وَقَوْلُهُ: ذِي قُسَاس كَمَا حَكَى، ذُو زَيْدٍ، أَيْ: صَاحِبُ هَذَا الِاسْمِ، وَفِي أَقْيَالِ حِمْيَرَ: ذُو كَلَاعٍ، وَذُو عَمْرٍو، أُضِيفَ الْمُسَمّى إلَى اسْمِهِ، كَمَا قَالُوا: زَيْدُ بَطّةَ، أَضَافُوهُ إلى لقبه «2»

_ (1) فى معجم ابن فارس «قساس» بلد تنسب إليه السيوف القساسية» وفى المراصد: جبل لبنى نمير، وقيل لبنى أسد، وبالصاد جبل لهم أيضا فيه معدن حديد تنسب السيوف القساسية إليه، ويقال: إن قساس معدن الحديد بأرمينية» والدّهاس: المكان السهل. (2) الأسماء المفردة تضاف إلى ألقابها، وحينئذ تكون الألقاب معارف، وتنعرف بها الأسماء، كما قيل: قيس قفة. وزيد بطة وسعيد كرز ويجوز بفتح تاء قفة وبطة وزاى كرز «مادة قطن فى اللسان، وانظر أيضا مادة بطط وكرز» وذو الكلاع الأكبر: يزيد بن النعمان. والأصغر: سميفع بن ناكور من نسل الأكبر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذُكِرَ فِيهِ النّسُورِ الطّخْمَة، قِيلَ: هِيَ السّودُ الرؤس، قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَقَالَ أَيْضًا: الطّخْمَة سَوَادٌ فِي مُقَدّمِ الْأَنْفِ. وَقَوْلُهُ: كَرَاغِيَةِ السّقْبِ يُرِيدُ وَلَد النّاقَةِ الّتِي عُقْرُهَا قُدَار «1» ، فَرَغَا وَلَدُهَا، فَصَاحَ بِرُغَائِهِ كُلّ شَيْءٍ لَهُ صَوْتٌ، فَهَلَكَتْ ثَمُودُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَضَرَبَتْ الْعَرَبُ ذَلِكَ مَثَلًا فِي كُلّ هَلَكَةٍ. كَمَا قَالَ عَلْقَمَةُ [بْنُ عَبْدَةَ] : رَغَا فَوْقَهُمْ سَقْبُ السّمَاءِ فَدَاحِصٌ ... بِشِكّتِهِ لم يستلب وسليب وقال آخر:

_ (1) اسمه فى القاموس: قدار بن سالف، ويقال هو الذى عقر ناقة صالح، وهو أحيمر ثمود. وروى أحمد بسنده فى مسنده عن عبد الله بن زمعة قال: خَطَبَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ الناقة، وذكر الذى عقرها، فقال: إذ انبعث أشقاها» انبعث لها رجل عارم عزيز منيع فى رهطه مثل أبى زمعة» ورواه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن جرير. وبشؤم قدار ضرب المثل يقول الشاعر: وكان أضر فيهم من سهيل ... إذا وافى وأشأم من قدار ويقال: قدار بن قديرة باسم أمه، انظر الأمثال للميدانى، مثل رقم 2021- وسمط اللالى ص 845، وفى معلقة زهير عن الحرب: فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عاد، ثم ترضع فتفطم وأحمر عاد هو قدار. والسقب: ولد الناقة عامة، أو ساعة يولد، أو خاص بالذكر، وفى ابن هشام ورد نسب أبى البخترى: «ابن هشام بن الحارث بن أسد» فصوبته من نسب قريش «ابن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَعَمْرِي لَقَدْ لَاقَتْ سُلَيْمٌ وَعَامِرٌ ... عَلَى جَانِبِ الثّرْثَارِ رَاغِيَةَ الْبِكْرِ «1» ذِكْرُ أُمّ جَمِيلٍ وَالْمَسَدِ وَعَذَابِهَا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أُمّ جَمِيلٍ بِنْتَ حَرْبٍ عَمّةَ مُعَاوِيَةَ، وَذَكَرَ أَنّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ الشّوْكَ، وَتَطْرَحُهُ فِي طَرِيقِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهَا: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ قَالَ الْمُؤَلّفُ: فَلَمّا كَنّى عَنْ ذَلِكَ الشّوْكِ بِالْحَطَبِ، وَالْحَطَبُ لَا يَكُونُ إلّا فِي حَبْلٍ، مِنْ ثُمّ جَعَلَ الْحَبْلَ فِي عُنُقِهَا، لِيُقَابِلَ الْجَزَاءُ الْفِعْلَ. وَقَوْلُهُ: مِنْ مَسَدٍ، هُوَ مِنْ مَسَدْت الْحَبْلَ إذَا أَحَكَمْت فَتْلَهُ، إلّا أَنّهُ قَالَ: مِنْ مَسَدٍ، وَلَمْ يَقُلْ: حَبْلُ مَسَدٍ وَلَا مَمْسُودٍ لِمَعْنَى لَطِيفٍ، ذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ التّفْسِيرِ، قَالَ: الْمَسَدُ يُعَبّر بِهِ فِي الْعُرْفِ عَنْ حَبْلِ الدّلْوِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّهُ يُصْنَعُ بِهَا فِي النّارِ مَا يُصْنَعُ بِالدّلْوِ، تُرْفَعُ بِالْمَسَدِ فِي عُنُقِهَا إلَى شَفِيرِ جَهَنّمَ، ثُمّ يُرْمَى بِهَا إلَى قَعْرِهَا هَكَذَا أَبَدًا، وَقَوْلُهُمْ: أَنّ الْمَسَدَ هُوَ حَبْلُ الدّلْوِ فِي الْعُرْفِ صَحِيحٌ فَإِنّا لَمْ نَجِدْهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إلّا كَذَلِكَ، كَقَوْلِ [النّابِغَةِ] الذّبْيَانِي. لَهُ صَرِيفٌ صريف القعو بالمسد «2»

_ (1) الثرثار: هو فى برية نجد، واد عظيم بالجزيرة. (2) البيت من شواهد سيبويه فى الكتاب. والشاهد فيه نصب «صريف» الأخرى على المصدر المشبه به، والعامل فيه فعل مضمر دل عليه قوله: «له صريف» ، فكأنه قال: بازلها يصرف صريفا مثل صريف القعو، ورفعه على البدل جائز. يوصف الناقة بالقوة والنشاط، فيقول: كأنما قذفت باللحم قذفا لتراكمه عليها. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ يَسْتَقِي عَلَى إبِلِهِ: يَا مَسَدَ الْخُوصِ تَعَوّذْ مِنّي ... إنْ تَكُ لَدْنًا لَيّنًا فَإِنّي مَا شِئْت مِنْ أَشْمَطَ مَقْسَئِنّ «1»

_ - والنحض: اللحم، ودخيسه: ما تداخل منه وتراكب، والبازل: سن تخرج عند بزولها، وذلك العام التاسع من سنها، وعند ذلك تكمل قوتها. ويقال لها: بازل: والصريف: صوت أنيابها إذا حكت بعضها ببعض نشاطا أو إعباء، والقعو: ما تدور فيه البكرة إذا كان من خشب، وجمعها قعى، فإذا كان من حديد، فهو خطاف ص 178 ح 1 الكتاب لسيبويه وبيت علقمة ص 172 أمالى. (1) أنشده اللسان فى مادتى مسد، وقسن. وفى الأصل الحوض، مكسين والتصويب من اللسان، ومعجم ابن فارس الذى أنشد الأخيرتين فى مادة قسن والمقسئن الصلب من الرجال. ويكون كبير السن، والأشمط من خالط سواد شعره بياض. وبعد هذه: تقمص كفاه بحبل الشن ... مثل قماص الأحرد المستن يقول: تعوذ منى، فإنى أستقى بك كثيرا، فتنقطع إن تك لدنا، أى: ناعما متثنيا، فإنى مقسئن وهو الكهل الشديد الذى لم تنقص السنون منه شيئا. ويروى: إن تك شبا، أى: شابا. وتقمص: ترتفع كفاه بالحبل إذا جذبه، والأحرد: البعير الذى يرفع يديه فى سيره، ثم يخبط بهما الأرض، والمستن الذى يمشى على وجهه، وأراد بالشن: الدلو ص 89 تهذيب إصلاح المنطق لأبى زكريا يحى بن على بن الخطاب التبريزى المتوفى سنة 562 هـ ط أولى وفى اللسان أيضا: المقسين: الشيخ القديم وكذلك البعير، فإذا اشتقوا منها فعلا على مثل افعال بتشديد اللام همزوا فقالوا: اقسأن. وقيل المقسئن الذى قد انتهى فى سنه، فليس به ضعف كبر. ولا قوة شباب وقيل: هو الذى فى آخر شبابه وأول كبره، واقسأن الشىء اشتد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ آخَرُ: يَا رَبّ عَبْسٍ لَا تُبَارِكْ فِي أَحَدْ ... فِي قَائِمٍ مِنْهُمْ، وَلَا فِيمَنْ قَعَدْ غَيْرَ الْأُولَى شِدّوا بِأَطْرَافِ الْمَسَدْ أَيْ: اسْتَقَوْا، وَقَالَ آخَرُ، وَهُوَ يَسْتَقِي: وَمَسَدٍ أُمِرّ مِنْ أَيَانِقِ ... لَيْسَ بِأَنْيَابِ وَلَا حَقَائِقِ «1» يُرِيدُ: جَمْعَ أَيْنُقٍ، وَأَيْنُقٌ: جَمْعُ نَاقَةٍ مَقْلُوبٌ، وَأَصْلُهُ: أَنْوُقٌ، فَقُلِبَ، وَأُبْدِلَتْ الْوَاوُ يَاءً؛ لِأَنّهَا قَدْ أُبْدِلَتْ يَاءً لِلْكِسْرَةِ، إذَا قَالُوا: نِيَاقٌ، وَقَلَبُوهُ فِرَارًا مِنْ اجْتِمَاعِ هَمْزَتَيْنِ لَوْ قَالُوا: أَنْوُقٌ عَلَى الْأَصْلِ، يُرِيدُ أَنّ الْمَسَدَ مِنْ جُلُودِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي الْمَدِينَةِ: قَدْ حَرّمْتهَا إلّا لِعُصْفُورِ قَتَبٍ «2» ، أَوْ مَسَدٍ مَحَالَةُ، وَالْمَحَالَةُ: البكرة. وفى حديث آخر:

_ (1) قبلهما. إن سرك الإرواء غير سابق ... فاعمل بغرب مثل غرب طارق أو «فاعجل» ويروى: غير سائق. وأمر: فتل. والرجز لعمارة ابن طارق- أو عمار، أو لعقبة الهجيمى، والأنياب: جمع ناب، وهى الناقة الهرمة، والحقائق جمع: حقة وهى التى دخلت فى السنة الرابعة، يريد: هو جلد ثنية أو رباعية، أو سديس أو بازل. (2) القتب: جميع أداة السانية أو الساقية «القتب: بفتح القاف والتاء أو بكسر القاف وسكون التاء» والعصفور: الخشب الذى يشد به رؤس الأقتاب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنّهُ حَرّمَهَا بَرِيدًا فِي بَرِيدٍ إلّا الْمِنْجَدَةَ أَوْ مَسَدَ، وَالْمِنْجَدَةُ: عَصَا الرّاعِي. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي النّبَاتِ: كُلّ مَسَدٍ رِشَاءٌ، وَأَنْشَدَ: وَبَكْرَةً وَمِحْوَرًا صَرّارَا ... وَمَسَدًا مِنْ أَبَقٍ مُغَارَا وَالْأَبَقُ: الْقِنّبُ، وَالزّبْرُ: الْكَتّانُ، وَأَنْشَدَ أَيْضًا: أَنَزَعُهَا تَمَطّيًا وَمَثّا ... بِالْمَسَدِ الْمَثْلُوثِ أَوْ يَرْمِثَا فَقَدْ بَانَ لَك بِهَذَا أَنّ الْمَسَدَ حَبْلُ الْبِئْرِ، وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَةِ جَهَنّمَ- أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهَا- أَنّهَا كَطَيّ الْبِئْرِ لَهَا قَرْنَانِ، وَالْقَرْنَانِ مِنْ الْبِئْرِ: كَالدّعَامَتَيْنِ لِلْبَكَرَةِ، فَقَدْ بَانَ لَك بِهَذَا كُلّهِ، مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ التّفْسِيرِ مِنْ صِفَةِ عَذَابِهَا أَعَاذَنَا اللهُ مِنْ عَذَابِهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ، وَبِهَذَا تُنَاسِبُ الْكَلَامَ، وَكَثُرَتْ مَعَانِيهِ، وَتَنَزّهَ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَشْوٌ أَوْ لَغْوٌ- تَعَالَى اللهُ مَنْزِلُهُ؛ فَإِنّهُ كِتَابٌ عَزِيزٌ. وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ: إنّهَا السّلْسِلَةُ الّتِي ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا لَا يَنْفِي مَا تَقَدّمَ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَرْبِقَ «1» فِي تِلْكَ السّلْسِلَةِ أُمّ جَمِيلٍ وَغَيْرَهَا، فَقَدْ قَالَ أَبُو الدّرْدَاءِ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُمّ الدّرْدَاءِ إنّ لِلّهِ سِلْسِلَةٌ تَغْلِي بِهَا مَرَاجِلُ جَهَنّمَ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ النّارَ إلَى يَوْمِ القيامة، وقد نجاك الله مِنْ نِصْفِهَا بِالْإِيمَانِ بِاَللهِ، فَاجْتَهِدِي فِي النّجَاةِ من النصف الاخر بالحض على طعام المساكين، وكذلك قول مجاهد: إنها

_ (1) يربقه: يجعل رأسه فى الربقة، وهى العروة فى حبل يشد به اليهم، وفى الأصل: يربق ولم أهتد إلى ضبط البيت السابق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت تمشى بالنمائم لا ينفى حملها للشوك «1» ، وَهُوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ سَائِغٌ أَيْضًا، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْأَسْلَتِ لقريش حين اختلفوا: وَنُبّئْتُكُمْ شَرْجَيْنِ «2» كُلّ قَبِيلَةٍ ... لَهَا زُمّلٌ مِنْ بَيْنِ مذك وحاطب فالمذكى الذى يذكى؟؟؟ العداوة، والحاطب الذى ينم ويغرى كالمحتطب للنار، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَكَأَنّهُ مُنْتَزَعٌ مِنْهُ قَوْلُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ قَتّاتٌ «3» » وَالْقَتّاتُ هُوَ الّذِي يَجْمَعُ الْقَتّ، وَهُوَ مَا يُوقَدُ بِهِ النّارُ مِنْ حَشِيشٍ وَحَطَبٍ صِغَارٍ. عَنْ الْجِيدِ وَالْعُنُقِ: وَقَوْلُهُ: فِي جِيدِهَا، وَلَمْ يَقُلْ: فِي عُنُقِهَا، وَالْمَعْرُوفُ أَنْ يُذْكَرَ الْعُنُقَ إذَا ذُكِرَ الْغُلّ، أَوْ الصّفْعُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا يس: 8 وَيُذْكَرُ الْجِيدُ إذَا ذُكِرَ الْحُلِيّ أَوْ الْحُسْنُ، فَإِنّمَا حَسُنَ هَهُنَا ذِكْرُ الْجِيدِ فِي حُكْمِ الْبَلَاغَةِ؛ لِأَنّهَا امْرَأَةٌ، وَالنّسَاءُ تُحَلّي أَجِيَادَهُنّ، وَأُمّ جَمِيلٍ لَا حُلِيّ لَهَا فِي الْآخِرَةِ إلّا الْحَبْلُ الْمَجْعُولُ فِي عُنُقِهَا، فَلَمّا أفيم لَهَا ذَلِكَ مَقَامَ الْحُلِيّ ذُكِرَ الْجِيدَ مَعَهُ، فَتَأَمّلْهُ؛ فَإِنّهُ مَعْنًى لَطِيفٌ، أَلَا تَرَى إلَى قول الأعشى: يوم تبدي لنا قتيلة عن جيد

_ (1) فى الأصل: الشرك (2) الشرج: الضرب، يقال: هما شرج واحد أى: ضرب واحد (3) رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى، والقتات هو النمام، وقيل هو الذى يتسمع على القوم، وهم لا يعلمون، ثم ينم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ عُنُقٍ، وقول الآخر: وَأَحْسَنُ مِنْ عُقَدِ الْمَلِيحَةِ جِيدُهَا وَلَمْ يقل: عنقها، ولو قاله لَكَانَ غَثّا مِنْ الْكَلَامِ، فَإِنّمَا يَحْسُنُ ذِكْرُ الْجِيدِ حَيْثُ قُلْنَا، وَيَنْظُرُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آلُ عِمْرَانَ: 21 أَيْ لَا بُشْرَى لَهُمْ إلّا ذَلِكَ، وَقَوْلُ الشّاعِرِ [عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ] : [وَخَيْلٍ قَدْ دَلَفْت لَهَا بِخَيْلِ] ... تَحِيّةُ بَيْنِهِمْ رب؟؟؟ وجيع أي: لَا تَحِيّةَ لَهُمْ. كَذَلِكَ قَوْلُهُ: فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ، أَيْ: لَيْسَ ثُمّ جِيدٌ يُحَلّى، إنّمَا هُوَ حَبْلُ الْمَسَدِ، وَانْظُرْ كَيْفَ قَالَ: وَامْرَأَتُهُ، وَلَمْ يَقُلْ: وَزَوْجُهُ؛ لِأَنّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلِأَنّ التّزْوِيجَ حِلْيَةٌ شَرْعِيّةٌ، وَهُوَ مِنْ أَمْرِ الدّينِ يجردها من هذه الصفة، كما جرد مسها امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ، فَلَمْ يَقُلْ: زَوْجَ نُوحٍ، وَقَدْ قَالَ لِآدَمَ: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْبَقَرَةُ: 35 وَقَالَ لِنَبِيّهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: (قُلْ لِأَزْوَاجِكَ) ، وَقَالَ: (وَأَزْوَاجُهُ أُمّهَاتُهُمْ) ، إلّا أَنْ يَكُونَ مُسَاقَ الْكَلَامِ فِي ذِكْرِ الْوِلَادَةِ وَالْحَمْلِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لَفْظُ الْمَرْأَةِ لَائِقًا بِذَلِكَ الْمَوْطِنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً مَرْيَمُ: 5، 8 فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ الذّارِيَاتُ: 29 لِأَنّ الصّفَةَ الّتِي هِيَ الْأُنُوثَةُ هِيَ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْحَمْلِ وَالْوَضْعِ لَا من حيث كانت زَوْجًا. غُلُوّ فِي الْوَصْفِ بِالْحُسْنِ فَصْلٌ: وَأَنْشَدَ شَاهِدًا عَلَى الْجِيدِ قَوْلَ الْأَعْشَى: يَوْمَ تُبْدِي لَنَا قُتَيْلَة عَنْ ... جِيدِ أَسِيلٍ تَزْيِنُهُ الْأَطْوَاقُ وَقَوْلُهُ: تَزْيِنُهُ أَيْ: تَزِيدُهُ حَسَنًا، وَهَذَا مِنْ الْقَصْدِ فِي الْكَلَامِ، وَقَدْ أَبَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُوَلّدُونَ إلّا الْغُلُوّ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَأَنْ يَغْلِبُوهُ فَقَالَ فِي الْحَمَاسَةِ حُسَيْنُ بْنُ مُطَيْرٍ [الْأَسَدِيّ] : مُبَلّلَةُ الْأَطْرَافِ زَانَتْ عُقُودُهَا ... بِأَحْسَنَ مِمّا زِينَتُهَا عُقُودُهَا وَقَالَ خَالِدٌ الْقَسْرِيّ لِعُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَنْ تَكُنْ الْخِلَافَةُ زِينَتُهُ، فَأَنْتَ زِينَتُهَا، وَمَنْ تَكُنْ شَرّفْته، فَأَنْتَ شَرّفْتهَا، وَأَنْتَ كَمَا قَالَ [مَالِكُ ابْنُ أَسَمَاءَ] : وَتَزِيدِينَ أَطْيَبَ الطّيبِ طِيبًا ... إنّ تَمَسّيهِ، أَيْنَ مِثْلُك أَيْنَا وإذا الدّرّزان حُسْنَ وُجُوهٍ ... كَانَ لِلدّرّ حَسَنُ وَجْهِك زَيْنَا! فَقَالَ عُمَرُ: إنّ صَاحِبَكُمْ أَعْطَى مَقُولًا، وَلَمْ يُعْطِ مَعْقُولًا، قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَإِنّمَا لَمْ يَحْسُنْ هَذَا مِنْ خَالِدٍ لَمّا قَصَدَ بِهِ التّمَلّقَ، وَإِلّا فَقَدْ صَدَرَ مِثْلُ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ الصّدّيقِ، فَحَسُنَ لِمَا عَضّدَهُ مِنْ التّحْقِيقِ وَالتّحَرّي لِلْحَقّ، وَالْبَعْدِ عَنْ الْمَلَقِ وَالْخِلَابَةِ، وَذَلِكَ حِينَ عَهِدَ إلَى عُمَرَ بِالْخِلَافَةِ، وَدَفَعَ إلَيْهِ عَهْدَهُ مَخْتُومًا، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَا فِيهِ، فَلَمّا عَرَفَ مَا فِيهِ رَجَعَ إلَيْهِ حَزِينًا كَهَيْئَةِ الثّكلى: يقول: حملتى عِبْئًا أَلّا أَضْطَلِعُ بِهِ، وَأَوْرَدْتنِي مَوْرِدًا لَا أَدْرِي: كَيْفَ الصّدْرُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ الصّدّيقُ: مَا آثَرْتُك بِهَا، وَلَكِنّي آثَرْتهَا بِك، وَمَا قَصَدْت مُسَاءَتَك، وَلَكِنْ رَجَوْت إدْخَالَ السّرُورِ عَلَى المؤمنين بك، ومن ههنا أَخَذَ الْحُطَيْئَة قَوْلُهُ: مَا آثَرُوك بِهَا إذْ قَدّمُوك لَهَا ... لَكِنْ لِأَنْفُسِهِمْ كَانَتْ بِهَا الْإِثْرُ «1»

_ (1) أنشده اللسان وقال: وكأن الإثر: جمع الإثرة، وهى الأثرة. وفى الأغانى فى أخبار الحطيئة: أن الحطيئة أنشد هذه القصيدة التى منها هذا البيت حين شفع فيه عمرو بن العاص، فأخرجه عمر من محبسه ومنها: ماذا تقول لأفراخ بذى مرخ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ سَبَكَ هَذَا الْمَعْنَى فِي النّسِيبِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبّاسٍ الرّومِيّ، فَقَالَ: وَأَحْسَنُ مِنْ عقد المليحة جيدها ... وأحسن من سر بالها الْمُتَجَرّدُ وَمِمّا هُوَ دُونَ الْغُلُوّ، وَفَوْقَ التّقْصِيرِ قَوْلُ الرّضِيّ: حَلْيُهُ جِيدُهُ، لَا مَا يُقَلّدُهُ ... وَكُحْلُهُ مَا بِعَيْنَيْهِ مِنْ الْكُحْلِ وَنَحْوٌ مِنْهُ مَا أَنْشَدَهُ الثّعَالِبِيّ: وَمَا الْحَلْيُ إلّا حِيلَةٌ مِنْ نَقِيصَةٍ ... يُتَمّمُ مِنْ حُسْنٍ إذَا الْحُسْنُ قَصّرَا فَأَمّا إذَا كَانَ الْجَمَالُ مُوَفّرًا ... فَحَسْبُك لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُزَوّرَا وَسَمِعْت الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ مُحَمّدَ بْنَ الْعَرَبِيّ يَقُولُ: حَجّ أبو الفضل الجوهرى الزاهد ذت مَرّةٍ، فَلَمّا أَشْرَفَ عَلَى الْكَعْبَةِ، وَرَأَى مَا عَلَيْهَا مِنْ الدّيبَاجِ تَمَثّلَ، وَقَالَ: مَا عَلّقَ الْحُلِيّ عَلَى صَدْرِهَا ... إلّا لِمَا يُخْشَى مِنْ الْعَيْنِ تَقُولُ وَالدّرّ عَلَى نَحْرِهَا ... مَنْ عَلّقَ الشّيْن عَلَى الزّيْنِ وَبَيْتُ الْأَعْشَى الْمُتَقَدّمُ بَعْدَهُ:

_ - وقبل البيت الذى رواه السهيلى: أنت الإمام الذى من بعد صاحبه ... ألقى إليك مقاليد النهى البقر؟؟؟ وروايته فى الأغانى: «كانت بك الإثر؟؟؟» وهى أشق؟؟؟. وللبيت رواية أخرى مَا آثَرُوك بِهَا إذْ قَدّمُوك لَهَا ... لَكِنْ بها استاثروا إذ كانت الإبر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَشَتِيتٍ كَالْأُقْحُوَانِ جَلّاهُ ... الطّلّ فِيهِ عُذُوبَةٌ وَاتّسَاقُ وَأَثِيثٍ جَثْلِ النّبَاتِ تَرْوِي ... هـ لَعُوبٌ غَرِيرَةٌ مفتاق حرّة طفلة الأنامل كالدّم ... ية لَا عَانِسٌ وَلَا مِهْزَاقُ الْفِهْرُ: وَذَكَرَ قَوْلَ أُمّ جَمِيلٍ لِأَبِي بَكْرٍ: لَوْ وَجَدْت صَاحِبَك لَشَدَخْت رَأْسَهُ بِهَذَا الْفِهْرِ. الْمَعْرُوفُ فِي الْفِهْرِ: التأنيث، وتصغيره فهيرة، ووقع ههنا مذكرا «1» .

_ (1) فى المعجم الوسيط أنه يذكر ويؤنث، وهو- كما فى القاموس- الحجر قدر ما يدق به الجوز، أو ما يملأ الكف، ويرى الخشنى فى شرح السيرة أنه يذكر ويؤنث، واسم امرأة أبى لهب: أروى. ويقول المصعب فى نسب قريش أن أبا لهب كان يكنى بأسماء بنيه كلهم وهم عتبة ومعتب وعتيبة، وكنى بأبى لهب لإشراق وجهه، وكل أولاده من أم جميل التى يقول فيها الأحوص الشاعر الأنصارى: كل الحبال حبال الناس من شعر ... وحبلها وسط أهل النار من مسد وقال ابن كثير: «وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده: فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه فى عذابه فى نار جهنم» . وعن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والثورى والسدى- واختاره ابن جرير- أنها كانت تمشى بالتميمة، وقال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة. فقالت: لأنفقتها فى عداوة محمد- يعنى، فأعقبها الله منها حبلا فى جيدها من مسد النار، وقيل: إنها كانت عوراء وقد روى حديث مجيئها إلى رسول الله وأبى بكر وعدم رؤيتها للنبى «ص» البزار بسنده عن ابن عباس، وروى قريبا منه ابن أبى حاتم بسنده عن أسماء. وقد تحقق ما أخبر به الله. فلم يؤمن أبو لهب وامرأته. وأبيات شعرها: «مذمما الخ» مروة فى كتب أخرى مختلفة الترتيب عما هنا وأخرج ابن أبى حاتم عن عثمان وابن عمر قالا: ما زلنا نسمع أن ويل لكل همزة نزلت فى أبى بن خلف، وأخرج عن السدى أنها نزلت فى الأخنس بن شريق، وأخرج ابن جرير عن-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَوْلَ قَوْلِهِمْ: مُذَمّمٌ وَحَدِيثُ خَبّابٍ: وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا تَرَوْنَ إلَى مَا يَدْفَعُ اللهُ عَنّي مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ، يَشْتُمُونَ وَيَهْجُونَ مُذَمّمًا وَأَنَا مُحَمّدٌ؟!، وَأَدْخَلَ النّسَوِيّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الطّلَاقِ فِي بَابِ: «مَنْ طَلّقَ بِكَلَامِ لَا يُشْبِهُ الطّلَاقَ، فَإِنّهُ غَيْرُ لَازِمٍ» وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ لِقَوْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَرَوْنَ إلَى مَا يَدْفَعُ اللهُ عَنّي، فَجَعَلَ أَذَاهُمْ مَصْرُوفًا عَنْهُ، لِمَا سَبّوا مُذَمّمًا، وَمُذَمّمًا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا: كُلِي وَاشْرَبِي، وَأَرَادَ بِهِ الطّلَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ. وَكَانَ مَصْرُوفًا عَنْهُ؛ لِأَنّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَبّارَةً عَنْ الطّلَاقِ. فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ خَبّابٍ «1» مَعَ العاصى بْنِ وَائِلٍ، وَمَا أَنَزَلَ اللهُ فِيهِ مِنْ قوله: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقَدْ تَقَدّمَ الْكَلَامُ عَلَى: أَرَأَيْت، وَأَنّهُ لَا يجوز أن يليها الاستفهام، كما بلى: علمت ونحوها، وهى ههنا: عَامِلَةٌ فِي الّذِي كَفَرَ، وَقَدْ قَدّمْنَا مِنْ القول فيها ما يغنى عن إعادته ههنا، فَلْيُنْظَرْ فِي سُورَةِ: اقْرَأْ، وَحَدِيثِ نُزُولِهَا سَدّ الذّرَائِعِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي جَهْلٍ لَتَكُفّنّ عَنْ سَبّ آلِهَتِنَا أَوْ لَنَسُبّنّ إلَهَك، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى «2» وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ

_ - رجل من أهل الرقة أنها نزلت فى جميل بن عامر الجمحى، وقد روى ابن المنذر عن ابن إسحاق أنها فى حق أمية كما فى السيرة. (1) حديث خباب أخرجه الشيخان والترمذى وأحمد. (2) نسب إلى على بن أبى طالب أنه روى عن ابن عباس أن الذى اقترف-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ «الْأَنْعَامُ: 108» الْآيَةَ. وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيّة فِي إثْبَاتِ الذّرَائِعِ وَمُرَاعَاتِهَا فِي الْبُيُوعِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَذَلِكَ أَنّ سَبّ آلِهَتِهِمْ كَانَ مِنْ الدّينِ، فَلَمّا كَانَ سَبَبًا إلَى سَبّهِمْ الْبَارِيَ- سُبْحَانَهُ- نَهَى عَنْ سَبّ آلِهَتِهِمْ، فَكَذَلِكَ مَا يَخَافُ مِنْهُ الذّرِيعَةَ إلَى الرّبَا، يَنْبَغِي الزّجْرُ عَنْهُ، وَمِنْ الذّرَائِعِ مَا يَقْرُبُ مِنْ الْحَرَامِ، وَمِنْهَا مَا يَبْعُدُ فَتَقَعُ الرّخْصَةُ وَالتّشْدِيدُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ الشّافِعِيّ الذّرِيعَةَ إلَى الْحَرَامِ أَصْلًا، وَلَا كَرِهَ شَيْئًا مِنْ الْبُيُوعِ الّتِي تُتّقَى فِيهَا الذّرِيعَةُ إلَى الرّبَا، وَقَالَ: تُهْمَةُ الْمُسْلِمِ وَسُوءُ الظّنّ بِهِ حَرَامٌ، وَمِنْ حُجّتِهِمْ: قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ: إنّمَا الرّبَا عَلَى مَنْ قَصَدَ الرّبَا، وَقَوْلُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: «إنّمَا الْأَعْمَالُ بِالنّيّاتِ، وَإِنّمَا لِكُلّ امْرِئِ مَا نَوَى «1» » فِيهِ أَيْضًا مُتَعَلّقٌ لَهُمْ، وَقَالُوا: وَنَهْيُهُ تَعَالَى عَنْ سَبّ آلِهَتِهِمْ، لِئَلّا يُسَبّ اللهُ تَعَالَى لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ لِمُؤْمِنِ وَلَا تَضْيِيقَ عَلَيْهِ، وَكَمَا تُتّقَى الذّرِيعَةُ

_ - هذا إنما هم جماعة من المشركين لا أبو جهل وحده. وذكر عبد الرازق أن المسلمين هم الذين كانوا يسبون أصنام الكفار. فيسب الكفار الله عدوا. والاية تفيد ذلك (1) زعم البعض أن هذا الحديث متواتر. وهذا خطأ إذ لم يروه عن النبى «ص» إلا عمر. ولم يروه عن عمر إلا علقمة، ولم يروه عن علقمة إلا محمد ابن إبراهيم ولم يروه عنه الا يحيى بن سعيد الأنصارى، وعنه انتشر. فقيل رواه عنه أكثر من مائتى راو. وقيل: سبعمائة. من أعيانهم: مالك والثورى والأوزاعى والليث بن سعد وغيرهم. وقد روى هذا الحديث البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجة وأحمد والدار قطنى وابن حبان والبيهقى، ولم يخرجه مالك فى الموطأ. ولكن ابن منده يزعم أن أكثر من صحابى رواه غير أنه اتفق على أنه لا يصح مسندا إلا من رواية عمر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلَى تَحْلِيلِ مَا حَرّمَ اللهُ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُتّقَى تَحْرِيمُ مَا أَحَلّ اللهُ، فَكِلَا الطّرَفَيْنِ ذَمِيمٌ، وَأَحَلّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا، وَالرّبَا مَعْلُومٌ، فَمَا لَيْسَ مِنْ الرّبَا فَهُوَ مِنْ الْبَيْعِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلطّائِفَتَيْنِ، وَالِاحْتِجَاجُ لِلْفَرِيقَيْنِ يَتّسِعُ مِجَالُهُ وَيَصُدّنَا عَنْ مَقْصُودِنَا من الكتاب «1» .

_ (1) فصل الإمام ابن تيمية القول تفصيلا فى هذه المسألة فى كتابه القيم «إقامة الدليل على إبطال التحليل» المطبوع مع مجموعة فتاويه فقال: «إن الله سبحانه ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها، ونهى عنها. والذريعة: ما كان وسيلة وطريقا إلى الشىء، لكن صارت فى عرف الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل محرم، ولو تجردت عن ذلك الإفضاء لم يكن فيها مفسدة؛ ولهذا قيل: الذريعة: الفعل الذى ظاهره أنه مباح، وهو وسيلة إلى فعل المحرم، أما إذا أفضت إلى فساد ليس هو فعلا كإفضاء شرب الخمر إلى السكر، وإفضاء الزنا إلى اختلاط المياه. أو كان الشىء نفسه فسادا كالقتل والظلم فهذا ليس من هذا الباب، فإنا نعلم أنما حرمت الأشياء لكونها فى نفسها فسادا بحيث تكون ضررا لا منفعة فيه، أو لكونها مفضية إلى فساد بحيث تكون هى فى نفسها فيها منفعة، وهى مفضية إلى ضرر أكثر منه، فتحرم فان كان ذلك الفساد فعل محظور سميت: ذريعة، وإلا سميت سببا ومقتضيا، ونحو ذلك من الأسماء المشهورة. ثم هذه الذرائع إذا كانت تقضى إلى المحرم غالبا، فإنه يحرمها مطلقا، وكذلك إن كانت قد تفضى، وقد لا تفضى، لكن الطبع متقاض لإفضائها، وأما إن كانت إنما تفضى أحيانا، فان لم يكن فيها مصلحة راجحة على هذا الإفضاء القليل، وإلا حرمها أيضا، ثم هذه الذرائع منها ما يفضى إلى المكروه بدون قصد فاعلها، ومنها ما تكون إباحتها مغضبة للتوسل بها الى المحارم، فهذا القسم الثانى يجامع الحيل بحيث قد يقترن به الاحتيال تارة، وقد لا يقترن، كما أن-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَرُسْتُم: فَصْلٌ: حَدِيثُ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَقَالَ فِي نَسَبَهُ: كَلَدَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ النّسّابِ يَقُولُ: عَلْقَمَةُ بْنُ كَلَدَةَ «1» ، وَكَذَلِكَ أَلْفَيْته فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشيخ

_ - الحيل قد تكون بالذرائع، وقد تكون بأسباب مباحة فى الأصل ليست ذرائع، فصارت الأقسام ثلاثة: الأول: ما هو ذريعة وهو مما يحتال به كالجمع بين البيع والسلف، وكاشتراء البائع السلعة من مشتريها بأقل من الثمن تارة، وبأكثر أخرى. الثانى: ما هو ذريعة لا يحتال بها كسب الأوثان. فانه ذريعة إلى سب الله تعالى، وكذلك سب الرجل والد غيره فإنه ذريعة إلى أن يسب والده، وإن كان هذان لا يقصدهما مؤمن. الثالث: ما يحال به من المباحات فى الأصل كبيع النصاب فى أثناء الحول فرارا من الزكاة، وكإغلاء الثمن لإسقاط الشفعة. والغرض هنا أن الذرائع حرمها الشارع، وإن لم يقصد بها المحرم خشية إفضائها إلى المحرم، فاذا قصد بالشىء نفس المحرم كان أولى بالتحريم من الذرائع. وللشريعة أسرار فى سد الفساد، وجسم مادة الشر لعلم الشارع بما جبلت عليه النفوس، وبما يخفى على الناس من خفى هداها الذى لا يزال يسرى فيها حتى يقودها إلى الهلكة. فمن تحذلق على الشارع، واعتقد فى بعض المحرمات أنه إنما حرم لعلة كذا، وتلك العلة مقصودة. فاستباحه بهذا التأويل. فهو ظلوم لنفسه، جهول بأمر ربه، وهو إن نجا من الكفر، لم ينج غالبا من بدعة أو فسق أو قلة فقيه فى الدين، وعدم بصيرة أما شواهد هذه القاعدة فأكثر من أن تحصر، فنذكر منها ما حضر» ثم أتى الإمام بثلاثين شاهدا أو دليلا على هذا استغرقت ست صفحات. فانظرها فى كتابه ص 256 وما بعدها. ح 3 الفتاوى الكبرى لأبى العباس تقى الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحرانى نشر دار الكتب الحديثة. (1) ورد نسبه هكذا فى نسب قريش فى ص 255.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبِي بَحْرٍ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، وَحَدِيثُ النّضْرِ: أنه تعلم أخبار رستم واسبندياذ، وَكَانَ يَقُولُ: اكْتَتَبْتهَا كَمَا اكْتَتَبَهَا مُحَمّدٌ، وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ: اكْتَتَبَهَا كَمَا اكْتَتَبَهَا مُحَمّدٌ، وَفِي الرواية الأخرى عن أبى الوليد: اكتتبها «1» كَمَا اكْتَتَبَهَا، وَرُسْتُم الشّيْد «2» بِالْفَارِسِيّةِ مَعْنَاهُ: ذُو الضّيَاءِ، وَالْيَاءُ فِي الشّيْد وَالْأَلِفُ سَوَاءٌ، وَمِنْهُ «أرفخشاذ» وَقَدْ تَقَدّمَ شَرْحُهُ، وَمِنْهُ «جَمّ شَاذّ» ، وَهُوَ مِنْ أَوّلِ مُلُوكِ «الْأَرْضِ، وَهُوَ الّذِي قَتَلَهُ الضّحّاكُ «بيوراسب» ، ثُمّ عَاشَ إلَى مُدّةِ «أفريذون وَأَبِيهِ جَمّ» ، وَبَيْنَ «أفريذون» وَبَيْنَ «جَمّ» تِسْعَة آبَاءٍ، وَقَالَ لَهُ حِينَ قَتَلَهُ: مَا قَتَلْتُك بِجَمّ، وَمَا أَنْتَ لَهُ بِكُفْءِ، وَلَكِنْ قَتَلْتُك بِثَوْرِ كَانَ فِي دَارِهِ، وَقَدْ تَقَدّمَ طرف من أخبار رستم واسبندياذ فِي الْجُزْءِ قَبْلَ هَذَا. حَدِيثُ ابْنِ الزّبَعْرَى وعزيز: وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ الزّبَعْرَى، وَقَوْلُهُ: إنّا نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَأَنّ النّصَارَى تَعْبُدُ الْمَسِيحَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ، وَمَا أَنَزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى الْآيَةَ قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَلَوْ تَأَمّلَ ابْنُ الزّبَعْرَى وَغَيْرُهُ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ الْآيَةَ لَرَأَى اعْتِرَاضَهُ غير لازم من وجهين:

_ (1) فى السيرة التى معى: رواية أبى الوليد. (2) فى السيرة: الشديد. هذا ويذكر ابن جرير أن النبى «ص» قتل عقبة بن أبى معيط، وطعمة بن عدى والنضر بن الحارث يوم بدر صبرا، وأن المقداد هو الذى أسر النضر، فلما أمر الرسول بقتله، قال المقداد: يا رسول الله أسيرى، فقال رسول الله «ص» إنه كان يقول فى كتاب الله ما يقول. هذا والمحضا: ما تحرك به النار، واحتضأ النار: ألهبها وسعرها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَحَدُهُمَا: أَنّهُ خِطَابٌ مُتَوَجّهٌ عَلَى الْخُصُوصِ لِقُرَيْشِ وَعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، وَقَوْلُهُ إنّا نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ حَيْدَةً، وَإِنّمَا وَقَعَ الْكَلَامُ والمحاجة في اللات وَالْعُزّى وَهُبَلَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَامِهِمْ. وَالثّانِي: أَنّ لفظ التلاوة: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ وَلَمْ يَقُلْ: وَمَنْ تَعْبُدُونَ، فَكَيْفَ يَلْزَمُ اعْتِرَاضُهُ بِالْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ وَالْمَلَائِكَةِ وَهُمْ يَعْقِلُونَ، وَالْأَصْنَامُ لَا تَعْقِلُ، وَمِنْ ثُمّ جَاءَتْ الْآيَةُ بِلَفْظِ: مَا الْوَاقِعَةِ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ، وَإِنّمَا تَقَعُ مَا عَلَى مَا يَعْقِلُ، وَتُعْلَمُ بِقَرِينَةِ مِنْ التّعْظِيمِ وَالْإِبْهَامِ، وَلَعَلّنَا نَشْرَحُهَا وَنُبَيّنُهَا فِيمَا بَعْدُ إنّ قُدّرَ لَنَا ذَلِكَ، وَسَبَبُ عِبَادَةِ النّصَارَى للمسيح معروف، وأما عبادة اليهود عزيزا، وَقَوْلُهُمْ فِيهِ: إنّهُ ابْنُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ قَوْلِهِمْ، وَسَبَبُهُ فِيمَا ذَكَرَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشّيّ، أَنّ التّوْرَاةَ لَمّا احْتَرَقَتْ أَيّامَ بُخْتَ نَصّرَ «1» ، وَذَهَبَ بِذَهَابِهَا دِينُ الْيَهُودِ، فَلَمّا ثَابَ إلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ وَجُدُوا لِفَقْدِهَا أَعْظَمَ الْكَرْبِ، فبينما عزيز يَبْكِي لِفَقْدِ التّوْرَاةِ، إذْ مَرّ بِامْرَأَةِ جَاثِمَةٍ عَلَى قَبْرٍ قَدْ نَشَرَتْ شَعْرَهَا، فَقَالَ لَهَا عُزَيْرٌ: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا إيلْيَا أُمّ الْقُرَى أَبْكِي عَلَى وَلَدِي، وَأَنْتَ تَبْكِي عَلَى كِتَابِك، وَقَالَتْ لَهُ: إذَا كَانَ غَدًا، فَأْتِ هَذَا الْمَكَانَ، فَلَمّا أَنْ جَاءَ مِنْ الْغَدِ لِلسّاعَةِ الّتِي وَعَدَتْهُ، إذَا هُوَ بِإِنْسَانِ خَارِجٍ من الأرض فى يده كهيئة

_ (1) ضبط كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة بخت نصر فتح الباء وضم التاء. والمعروف المشهور ما ضبطه به، يقول شهاب الدين أحمد الخفاجى فى شفاء الغليل عن بختنصر إنه بضم الباء، واسمه معرب مركب كحضر موت أو بعليك نص عليه سيبويه. وهو عند ابن السيد معرب بوخت بمعنى: ابن، ونصر: اسم صنم وجد عنده، وسمى به إذ لم يعرف له أب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْقَارُورَةِ، فِيهَا نُورٌ، فَقَالَ لَهُ: افْتَحْ فَاك، فَأَلْقَاهَا فِي جَوْفِهِ، فَكَتَبَ عُزَيْرٌ التّوْرَاةَ- كَمَا أنزلها الله، ثم قدر على التوراة بعد ما كَانَتْ دُفِنَتْ أَنْ ظَهَرَتْ، فَعُرِضَتْ التّوْرَاةُ، وَمَا كَانَ عُزَيْرٌ كَتَبَ، فَوَجَدُوهُ سَوَاءَ، فَمِنْهَا قَالُوا: إنّهُ وَلَدُ اللهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ «1» . حَصَبُ جَهَنّمَ: وَقَوْلُهُ حَصَبُ جَهَنّمَ، هُوَ مِنْ بَابِ الْقَبْضِ وَالنّفْضِ «2» وَالْحَصْبُ بِسُكُونِ الصّادِ كَالْقَبْضِ وَالنّفْضِ، وَمِنْهُ الْحَاصِبُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً وَيُرْوَى: حَضَبُ جَهَنّمَ بِضَادِ مُعْجَمَةٍ فِي شَوَاذّ القراآت، وَهُوَ مِنْ حَضَبَتْ النّارُ «3» بِمَنْزِلَةِ حَضَأْتهَا، يُقَالُ: أرّثتها وأثقبتها وحششتها وأذكيتها وفسر ابن إسحق قَوْلَهُ: يَصُدّونِ، وَمَنْ قَرَأَ: يَصِدّونَ فَمَعْنَاهُ: يَعْجَبُونَ «4» .

_ (1) لا شك فى أنها فرية يهودية. فعزرا الكاهن اليهودى الأكبر هو الذى عبث بالتوراة أيام الأسر، ودس فيها ما دس بعد أن أحرقت، وراح هو يمليها من حفظه وهواه. وذلك بشهادة كبار مؤرخى الغرب مثل «ول. ديورانت» (2) يعنى أنه فعل «بفتح الفاء والعين» بمعنى مفعول، فالنفض بمعنى منفوض وحصب وقبض كذلك. يقول الأزهرى: «الحصب: الحطب الذى يلقى فى تنور أو فى وقرد. أما ما دام غير مستعمل للسجور، فلا يسمى حصبا» (3) فى اللسان: الحضب: الحطب فى لغة اليمن، وقيل: هو كل ما ألقى فى النار من حطب وغيره، يهيجها به، وحضب النار يحضبها: رفعها. وقال الكسائى حضبت النار إذا خبت، فألقيت عليها الحطب، لتقد، والمحضب: المسعر، وهو عود تحرك به النار. (4) قراءة المصحف بكسر الصاد أى يصيحون فرحا. وقرأ نافع وابن عامر والكسائى بضم الصاد وهو من الصدود أى عن الحق، وقيل: هما لغتان مثل يعكف ويعكف بكسر عين الفعل وضمها، وقد أخرج حديث ابن الزبعرى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا نَزَلَ فِي الْأَخْنَسِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَا أَنَزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ- وَاسْمُهُ: أُبَيّ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ وَقَدْ قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقَدْ قِيلَ: فِي الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ الزّهْرِيّ، وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ زَنَمَتَانِ كَزَنَمَتَيْ الشّاةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ «1» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنّهُ قال: الزنيم الذى زنمتان من الشر يُعْرَفُ بِهَا، كَمَا تُعْرَفُ الشّاةُ بِزَنَمَتِهَا، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَيْضًا مِثْلُ مَا قَالَ ابن إسحق أَنّ الزّنِيمَ الْمُلْصَقُ بِالْقَوْمِ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ، قَالَ ذلك بن الأزرق الحرورى «2» ، وقال: أما سمعت قول

_ - ابن مردويه. وعند ابن أبى حاتم أنها نزلت لما قال المشركون: فالملائكة وعزيز وعيسى يعبدون، وروى الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس فى سبب نزول: «ولما ضرب ابن مريم مثلا» أنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير. وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى بن مريم: عليهما الصلاة والسلام. وما تقول فى محمد- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ. ألست تزعم أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان نبيا وعبدا من عباد الله صالحا، فان كنت صادقا كان آلهتهم كما يقولون قال: فأنزل الله عز وجل: «ولما ضرب ابن مريم مثلا» ، الاية. ورواه ابن أبى حاتم مع اختلاف يسير. (1) رواه البخارى فى باب التفسير: «له زنمة مثل الشاة» وأخرجه الحاكم بطريق أخرى نحوه (2) نسبة إلى حروراء موضع على ميلين من الكوفة. وكان أول اجتماع الخوارج به، فنسبوا إليه، منهم: عمران بن حطان وخلق كثير. وهذا النسب شاذ فان الاسم الذى آخره همزة بعد ألف للتأنيث، تقلب الهمزة فيه واوا، وشذ عن القاعدة عدة أسماء منها: صنعانى وبهرانى وروحانى، وجلولى وحرورى نسبة إلى صنعاء، وبهراء قبيلة من قضاعة، وروحاء موضع قرب المدينة وجلولاء وحروراء وهما موضعان بالعراق، وسيأتى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَسّانَ: زَنِيمٌ تَدَاعَاهُ الرّجَالُ «1» الْبَيْتَ، وَقَدْ أَنْشَدَ ابْنُ هِشَامٍ هَذَا الْبَيْتَ مُسْتَشْهِدًا بِهِ وَنَسَبَهُ لِلْخَطِيمِ التّمِيمِيّ، وَالْأَعْرَف أَنّهُ لِحَسّانَ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ «2» ، وَأَمّا الْعُتُلّ فَهُوَ الْغَلِيظُ الْجَافِي مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ [إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ] الدّخَانُ: 47. وَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: «أَنَا أُنَبّئُكُمْ بِأَهْلِ النّارِ: كُلّ عُتُلّ جَوّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ جَمّاعٍ منّاع» «3» .

_ (1) قال أبو عبيدة: الزنيم المعلق فى القوم ليس منهم، قال الشاعر: زنيم ليس يعرف من أبوه. وقال حسان: وأنت زنيم ليط فى آل هاشم. قال: ويقال للتيس: زنيم له زنمتان ص 538 ح 8 فتح البارى. ومعنى حديث البخارى أن الرجل كان مشهورا بالسوء كشهرة الشاة ذات الزنمة من بين أخواتها. وبقية بيت حسان: «كما نيط خلف الراكب القدح الفرد» وبقية بيت: «زنيم ليس يعرف» يغى الأم ذو حسب لئيم. (2) روى ابن أبى حاتم بسنده عن ابن عباس فى قوله زنيم: قال: الدعى الفاحش اللئيم، ثم قال ابن عباس: «زنيم تداعاه الرجال» البيت. ويقول ابن كثير قولا جامعا، «والأقوال فى هذا- أى فى معنى زنيم- كثيرة وترجع إلى ما قلناه، وهو أن الزنيم هو المشهور بالشر الذى يعرف به من بين الناس، وغالبا يكون دعيا ولد زنا، فإنه فى الغالب يتسلط الشيطان عليه، ما لا يتسلط على غيره» والزنمة: شىء يكون للمعز فى آذانها كالقرط، وهى أيضا شىء يقطع من أذن العير ويترك معلقا. (3) فى رواية أحمد عن وكيع: «ألا أنبئكم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر» وقال وكيع: «كل جواظ جعظرى مستكبر» أخرجاه فى الصحيحين وبقية الجماعة إلا أبا داود من حديث سفيان الثورى وشعبة، كلاهما عن سعيد ابن خالد به، ورواه أحمد بسند تفرد به عن عمرو بن العاص أن النبى «ص» قال عند ذكر أهل النار: «كل جعظرى جواظ مستكبر جماع مناع» ورواه بسند

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَهُمْ الّذِي أَنَزَلَ اللهُ فِيهِ: قُلْ: يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ إلَى آخِرِهَا فَقَالَ: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ أَيْ: فِي الْحَالِ: وَلا أَنا عابِدٌ مَا عَبَدْتُّمْ أَيْ: فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَكَذَلِكَ: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَقُولُ لَهُمْ: وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَهُمْ قَدْ قَالُوا: هَلُمّ فَلْنَعْبُدْ رَبّك، وَتَعْبُدُ رَبّنَا، كَيْفَ نَفَى عَنْهُمْ مَا أَرَادُوا وَعَزَمُوا عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

_ آخر عن عبد الرحمن بن غنم: أن الرسول «ص» قال عن العتل الزنيم: «الشديد الخلق المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام والشراب، الظلوم للناس رحيب الجوف» . الجعظرى بفتح الجيم وسكون العين وفتح الظاء وكسر الراء وتشديد الياء: الفظ الغليظ والجواظ بفتح الجيم وتشديد الواو: الضخم المختال والكثير الكلام والجلبة فى الشر. ويقول ابن كثير عما ذكر من سبب نزول: «ويوم بعض الظالم على يديه» : «وسواء أكان سبب نزولها فى عقبة أو غيره فإنها عامة فى كل ظالم، فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، ويعض على يديه» وهو قول جميل، وقيل: إن العظيمين فيما جاء فى السيرة من سبب نزول: «لَوْلَا نُزّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القريتين عظيم» إنهما الوليد بن المغيرة وكنانة بن عبد عمرو بن عمير الثقفى. وعن ابن عباس أنهم يعنون جبارا من جبابرة قريش. والقريتان هما: مكة والطائف. وجميل قول ابن كثير: «والظاهر أن مرادهم رجل كبير من أى البلدتين كان» وجميل منه أيضا أن يقول عن سبب نزول: «وضرب لنا مثلا ونسى خلقه» «هى عامة فى كل من أنكر البعث واللام والألف فى الإنسان للجنس يعم كل منكر للبعث» فقد اختلف فى شأن سبب نزولها فابن أبى حاتم ينسب القصة إلى العاصى بن وائل، وذكر ابن جرير من بين ما ذكر أنه عبد الله ابن أبى، غير أن هذا منكر؛ لأن ابن أبى مدنى والاية مكية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَحَدُهُمَا: أَنّهُ عَلِمَ أَنّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ، فَأَخْبَرَ بِمَا عَلِمَ. الثّانِي: أَنّهُمْ لَوْ عَبَدُوهُ عَلَى الْوَجْهِ الّذِي قَالُوهُ مَا كَانَتْ عِبَادَةً، وَلَا يُسَمّى عَابِدًا لِلّهِ مَنْ عَبَدَهُ سَنَةً، وَعَبَدَ غَيْرَهُ أُخْرَى، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ وَلَمْ يَقُلْ: مَنْ أَعْبُدُ، وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيّةِ: إنّ مَا تَقَعُ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ، فَكَيْفَ عَبّرَ بِهَا عَنْ الْبَارِي تَعَالَى؟ فَالْجَوَابُ: أَنّا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا قَبْلُ أَنّ مَا قَدْ تَقَعُ عَلَى مَنْ يَعْقِلُ بِقَرِينَةِ، فَهَذَا أَوَانُ ذِكْرِهَا، وَتِلْكَ الْقَرِينَةُ: الْإِبْهَامُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي التّعْظِيمِ وَالتّفْخِيمِ، وَهِيَ فِي مَعْنَى الْإِبْهَامِ «1» لِأَنّ مَنْ جَلّتْ عَظَمَتُهُ، حَتّى خَرَجَتْ عَنْ الْحَصْرِ، وَعَجَزَتْ الْأَفْهَامُ عَنْ كُنْهُ ذَاتِهِ، وَجَبَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: هُوَ مَا هُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ: سُبْحَانَ مَا سَبّحَ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَمِنْهُ قوله: وَالسَّماءِ وَما بَناها «2» فَلَيْسَ كَوْنُهُ عَالِمًا مِمّا يُوجِبُ لَهُ مِنْ التّعْظِيمِ مَا يُوجِبُ لَهُ أَنّهُ بَنَى السّمَوَاتِ، ودحا الأرض، فكان المعنى: إنه

_ (1) ما: اسم مبهم غاية الإبهام حتى إنها تقع على كل شىء، وتقع على ما ليس بشىء. فيجوز أن تقول: إن الله يعلم ما كان، وما لم يكن (2) ويقول ابن القيم عن هذا: «لأن القسم تعظيم للمقسم به، واستحقاقه للتعظيم من حيث ما أظهر هذا الخلق العظيم الذى هو السماء. ومن حيث سواها وزينها بحكمته فاستحق التعظيم. وثبت قدرته، فلو قال: ومن بناها لم يكن فى اللفظ دليل على استحقاقه القسم من حيث اقتدر على بنائها، ولكان المعنى مقصورا على ذاته ونفسه، دون الإيماء إلى أفعاله الدالة على عظمته المبئة عن حكمته، المفصحة باستحقاقه للتعظيم من خليقته، وكذلك قولهم: سبحان ما يسبح الرعد بحمده، لأن الرعد صوت عظيم من جرم عظيم، والمسبح به لا محالة أعظم، فاستحقاقه للتسبيح من حيث يستحقه العظيمات من خلقه، لا من حيث كان يعلم، ولا تقل يعقل فى هذا الموضع» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شَيْئًا بَنَاهَا لَعَظِيمٌ، أَوْ مَا أَعْظَمَهُ مِنْ شَيْءٍ! فَلَفْظُ مَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُؤْذِنُ بِالتّعَجّبِ مِنْ عَظَمَتِهِ كَائِنًا مَا كَانَ هَذَا الْفَاعِلُ لِهَذَا، فَمَا أَعْظَمَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصّةِ آدَم: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ «1» وَلَمْ يَقُلْ: لِمَنْ خَلَقْت، وَهُوَ يَعْقِلُ، لِأَنّ السّجُودَ لَمْ يَجِبْ لَهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ يَعْقِلُ، وَلَا مِنْ حَيْثُ كَانَ لَا يَعْقِلُ، وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ أُمِرُوا بِالسّجُودِ لَهُ، فَكَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مَا أُمِرُوا بِهِ، فَمِنْ هَاهُنَا حَسُنَتْ مَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لَا مِنْ جِهَةِ التّعْظِيمِ لَهُ، وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ مَا يَقْتَضِيهِ الْأَمْرُ مِنْ السّجُودِ لَهُ، فَكَائِنًا مَنْ كَانَ، وَأَمّا قوله تعالى: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ فَوَاقِعَةٌ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ؛ لِأَنّهُمْ كَانُوا

_ (1) ويقول ابن القيم عن استعمال ما فى الاية: «هذا كلام؟؟؟ فى معرض التوبيخ والتبكيت للعين على امتناعه عن السجود، ولم يستحق هذا التبكيت والتوبيخ حيث كان السجود لمن يعقل، ولكن للمعصية والتكبر على ما لم يخلقه؛ إذ لا ينبغى التكبر لمخلوق على مثله، إنما التكبر للخالق وحده، فكأنه يقول سبحانه: لم عصيتنى وتكبرت على ما لم تخلقه، وخلقته أنا. وشرفته، وأمرتك بالسجود له؟ فهذا موضع ما؛ لأن معناها أبلغ ولفظها أعم، وهو فى الحجة أوقع، وللعذر والشبهة أقطع، فلو قال: ما منعك أن تسجد لمن خلقت، لكان استفهاما مجردا من توبيخ وتبكيت، ولتوهم أنه وجب السجود لله من حيث كان يعقل ولعلة موجودة فى ذاته وعينه، وليس المراد كذلك، وإنما المراد توبيخه وتبكيته على ترك سجوده لما خلق الله وأمره بالسجود له؛ ولهذا عدل عن اسم آدم العلم مع كونه أخص، وأتى بالاسم الموصول الدال على جهة التشريف المقتضية لإسجاده له وهو كونه خلقه بيديه، وأنت لو وضعت مكان ما لفظة من لما رأيت هذا المعنى المذكور فى الصلة، وأن ما جىء بها وصلة إلى ذكر الصلة، فلا معنى إذن للتعيين بالذكر؛ إذ لو أريد التعيين لكان بالاسم العلم أولى وأخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَقَوْلُهُ: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ اقْتَضَاهَا الْإِبْهَامُ، وَتَعْظِيمُ الْمَعْبُودِ مَعَ أَنّ الْحِسّ مِنْهُمْ مَانِعٌ لَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا مَعْبُودَهُ كَائِنًا مَا كَانَ، فَحَسُنَتْ مَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ، فَبِهَذِهِ الْقَرَائِنِ يَحْسُنُ وُقُوعُ مَا عَلَى أُولِي الْعِلْمِ «1» وَبَقِيَتْ نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ يَتَعَيّنُ التّنْبِيهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ بِلَفْظِ الْمَاضِي، ثُمّ قَالَ: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ فِي الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا، إذَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ: مَا أَعْبُدُ، وَلَمْ يَقُلْ: مَا عَبَدْت، وَالنّكْتَةُ فِي ذَلِكَ أَنّ مَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِبْهَامِ- وَإِنْ كَانَتْ خَبَرِيّةً- تعطى معنى الشرط، فكأنه

_ (1) يعبر ابن القيم عن «ما» فى قوله: «لا أعبد ما تعبدون، ما على بابها، لأنها رافعة على معبوده «ص» على الإطلاق؛ لأن امتناعهم من عبادة الله ليس لذاته، بل كانوا يظنون أنهم يعبدون الله، ولكنهم كانوا جاهلين به، فقوله: «ولا أنتم عابدون ما أعبد» أى: لا أنتم تعبدون معبودى، ومعبوده هو «ص» كان عارفا به دونهم، وهم جاهلون به ... وقال بعضهم: إن ما هنا مصدرية لا موصولة. أى: لا تعبدون عبادتى، ويلزم من تنزيههم «لعلها تبرئته بدليل ما سيأتى» عن عبادته. تنزيههم «لعلها كالسابقة» عن المعبود، لأن العبادة متعلقة به، وليس هذا بشىء؛ إذ المقصود براءته من معبوديهم وإعلامه أنهم بريئون من معبوده تعالى، فالمقصود: المعبود لا العبادة، ثم قال «وعندى وجه: وهو أن المقصود هنا ذكر المعبود الموصوف بكونه أهلا للعبادة مستحقا لها، فأتى بما الدالة على هذا المعنى، كأنه قيل: ولا أنتم عابدون معبودى الموصوف بأنه المعبود الحق، ولو أتى بلفظة من لكانت إنما تدل على الذات فقط، ويكون ذكر الصلة تعريفا، لا أنه هو جهة العبادة، ففرق بين أن يكون كونه تعالى أهلا لأن يعبد تعريف محض، أو وصف مقتض لعبادته.. وهذا معنى قول محققى النحاة أن ما تأتى لصفات من يعلم ص 133 ح 1 بدائع الفوائد لابن القيم وما بعدها. وقد ذكر وجوها أخرى عظيمة أيضا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ: مَهْمَا عَبَدْتُمْ شَيْئًا، فَإِنّي لَا أَعْبُدُهُ، وَالشّرْطُ يُحَوّلُ الْمُسْتَقْبِلَ إلَى لَفْظِ الْمَاضِي، تَقُولُ: إذَا قَامَ زَيْدٌ غَدًا فَعَلْت كَذَا، وَإِنْ خَرَجَ زَيْدٌ غَدًا خَرَجْت، فَمَا: فِيهَا رَائِحَةُ الشّرْطِ مِنْ أَجْلِ إبْهَامِهَا؛ فَلِذَلِكَ جَاءَ الْفِعْلُ بَعْدَهَا بِلَفْظِ الْمَاضِي، وَلَا يَدْخُلُ الشّرْطُ عَلَى فِعْلِ الْحَالِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي أَوّلِ السّورَةِ: مَا تَعْبُدُونَ؛ لِأَنّهُ حَالٌ لِأَنّ رَائِحَةَ الشّرْطِ مَعْدُومَةٌ فِيهَا مَعَ الْحَالِ، وَكَذَلِكَ رَائِحَةُ الشّرْطِ مَعْدُومَةٌ فِي قَوْلِهِ: عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ؛ لِأَنّهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَحَوّلَ عَنْ عِبَادَةِ رَبّهِ؛ لِأَنّهُ مَعْصُومٌ، فَلَمْ يَسْتَقِمْ تَقْدِيرُهُ بِمَهْمَا، كَمَا اسْتَقَامَ ذَلِكَ فِي حَقّهِمْ؛ لِأَنّهُمْ فِي قَبْضَةِ الشّيْطَانِ يَقُودُهُمْ بِأَهْوَائِهِمْ؛ فَجَائِزٌ أَنْ يَعْبُدُوا الْيَوْمَ شَيْئًا، وَيَعْبُدُوا غَدًا غَيْرَهُ، وَلَكِنْ مَهْمَا عَبَدُوا شَيْئًا، فَالرّسُولُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا يَعْبُدُهُ؛ فَلِذَلِكَ قَالَ: وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ فِي الْحَالِ وَفِي الْمَآلِ، لِمَا عَلِمَ مِنْ عِصْمَةِ اللهِ لَهُ، وَلِمَا عَلِمَ اللهُ مِنْ ثَبَاتِهِ عَلَى تَوْحِيدِهِ، فَلَا مَدْخَلَ لِمَعْنَى الشّرْطِ فِي حَقّهِ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ الشّرْطُ فِي الْكَلَامِ بَقِيَ الْفِعْلُ الْمُسْتَقْبَلُ عَلَى لَفْظِهِ، كَمَا تَرَاهُ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا اضْطَرَبُوا فِي إعْرَابِهَا وَتَقْدِيرُهَا لَمّا كَانَتْ مَنْ بِمَعْنَى الّذِي، وَجَاءَ بَكَانِ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي، وَفَهِمَهَا الزّجّاجُ، فَأَشَارَ إلَى أَنّ مَنْ فِيهَا طَرَفٌ مِنْ مَعْنَى الشّرْطِ؛ وَلِذَلِكَ جَاءَتْ كَانَ بلفظ المعنى بَعْدَهُ، فَصَارَ مَعْنَى الْكَلَامِ: مَنْ يَكُنْ صَبِيّا، فَكَيْفَ يُكَلّمُ؟! لَمّا أَشَارَتْ إلَى الصّبِيّ: أَنْ كَلّمُوهُ، وَلَوْ قَالُوا: كَيْفَ نُكَلّمُ مَنْ هُوَ فِي الْمَهْدِ الْآنَ لَكَانَ الْإِنْكَارُ وَالتّعَجّبُ مَخْصُوصًا بِهِ، فَلَمّا قَالُوا: كَيْفَ نُكَلّمُ مَنْ كَانَ، صَارَ الْكَلَامُ أَبْلَغَ فِي الِاحْتِجَاجِ لِلْعُمُومِ الدّاخِلِ فِيهِ. إلَى هَذَا الْغَرَضِ أَشَارَ أَبُو إسْحَاقَ، وَهُوَ الّذِي أَرَادَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا لَفْظَهُ، فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ الْعِبَارَاتِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَإِنّمَا الْمَقْصُودُ تَصْحِيحُ الْمَعَانِي الْمُتَلَقّاةِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْإِشَارَاتِ «1» . الزّقّومُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي جَهْلٍ حِينَ ذَكَرَ شَجَرَةَ الزّقّومِ «2» يُقَالُ: إنّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ لَمْ تَكُنْ مِنْ لُغَةِ قُرَيْشٍ، وَأَنّ رَجُلًا أَخْبَرَهُ أَنّ أَهْلَ يَثْرِبَ: يَقُولُونَ تَزَقّمْتُ: إذَا أَكَلْت التّمْرَ بِالزّبْدِ، فَجَعَلَ بِجَهْلِهِ اسْمَ الزقوم من ذلك استهزاء، وقيل: إن لهذا الِاسْمَ أَصْلًا فِي لُغَةِ الْيَمَنِ، وَأَنّ الزّقّومَ عِنْدَهُمْ كُلّ مَا يُتَقَيّأُ مِنْهُ. وَذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي النّبَاتِ: أَنّ شَجَرَةً بِالْيَمَنِ يُقَالُ لَهَا: الزّقّومُ، لَا وَرَقَ لَهَا وَفُرُوعُهَا أَشْبَهُ شىء برؤس الْحَيّاتِ، فَهِيَ كَرِيهَةُ الْمَنْظَرِ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ سلام

_ (1) أخذ ابن القيم ما قاله السهيلى وفصله بأسلوب أوضح فى بدائع الفوائد. ثم قال: «ان قيل: وكيف يكون فيها الشرط، وقد عمل فيها الفعل، ولا جواب لها، وهى موصولة، فما أبعد الشرط منها، قلنا: لم نقل: إنها شرط نفسها، ولكن فيها رائحة منه، وطرف من معناه لوقوعها على غير معين. وإبهامها فى المعبودات وعمومها، وأنت إذا ذقت معنى هذا الكلام وجدت معنى الشرط باديا على صفحاته، فإذا قلت لرجل ما تخالفه فى كل ما يفعل: أنا لا أفعل ما تفعل. ألست ترى معنى الشرط قائما فى كلامك وقصدك، وأن روح هذا الكلام: مهما فعلت من شىء فإنى لا أفعله» . ثم قال: «فإذا ثبت هذا فقد صحت الحكمة التى من أجلها جاء الفعل بلفظ الماضى من قوله: ولا أنا عابد ما عبدتم، بخلاف قوله: (ولا أنتم عابدون ما أعبد) لبعد ما فيها عن معنى الشرط تنبيها من الله على عصمة نبيه أن يكون له معبود سواء. وأ ينتقل فى المعبودات تنقل الكافرين» ص 136 ج 1 بدائع الفوائد. وقد استوفى القول فى بدائع السورة العظيمة بأسلوب بديع رحمه الله (2) يقول ابن كثير «لا شك فى دخوله- أى دخول أبى جهل- فى هذه الاية، ولكن ليست خاصة به»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْمَاوَرْدِيّ أَنّ شَجَرَةَ الزّقّومِ فِي الْبَابِ السّادِسِ مِنْ جَهَنّمَ أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهَا، وَأَنّ أَهْلَ النّارِ يَنْحَدِرُونَ إلَيْهَا. قَالَ ابْنُ سَلّامٍ: وَهِيَ تَحْيَا بِاللهَبِ كَمَا تَحْيَا شَجَرَةُ الدّنْيَا بِالْمَطَرِ. وقوله: الملعونة فى القرآن، أَيْ: الْمَلْعُونُ آكُلّهَا «1» ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ وَصْفٌ لَهَا كَمَا يُقَالُ: يَوْمٌ مَلْعُونٌ أَيْ مَشْئُومٌ. حَدِيثُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ، وَذَكَرَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ، وَأُمّ مَكْتُومٍ: اسْمُهَا: عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَنْكَثَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ «2» . وَذَكَرَ الرّجُلَ الّذِي كَانَ شَغَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وأنه الوليد ابن الْمُغِيرَةِ، وَقَدْ قِيلَ: كَانَ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ، وفى حديث الموطأ: عظيم من

_ (1) ذكر البخارى وأحمد أنها شجرة الزقوم، وقد زعم أعداء بنى أمية أن المقصود بالشجرة هم بنو أمية، وأتوا بحديث قال عنه ابن كثير: وهو غريب ضعيف. وقد ذكر عنها فى القرآن ما هو قرين اللعنة: «إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم. طلعها كأنه رموس الشياطين» الصافات 64، 65 (إِنّ شَجَرَةَ الزّقّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فى البطون كغلى الحميم) الدخان: 43- 46. حسبنا أنها وصفت بأنها ملعونة لنؤمن بأنها ملعونة، هى ومن ستكون هى طعامه. (2) فى نسب قريش عن أم مكتوم «تزوجها قيس بن زائدة بن الأصم ابن هدم بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حَجَرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرٍ بن لؤى فولدت له عمرا، وهو الأعمى الذى ذكر الله تبارك وتعالى، فقال: «عبس وتولى أن جاءه الأعمى» . وفى الإصابة وجهرة ابن حزم أنه كان ابن خال خديجة. انظر ص 343 نسب قريش. وفى الجمهرة فى نسب أمه: عنكثه بن عائذ بن مخزوم وفى النسب: «عنكثة بن عامر» انظر ص 162 جمهرة ابن حزم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ «1» ، وَلَمْ يُسَمّهِ، وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى مِنْ الْفِقْهِ أَنْ لَا غِيبَةَ فِي ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِمَا ظَهَرَ فِي خِلْقَتِهِ مِنْ عَمًى أَوْ عَرَجٍ، إلّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الِازْدِرَاءَ، فَيَلْحَقُ الْمَأْثَمُ بِهِ؛ لِأَنّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ الْبَقَرَةُ: 67. وَفِي ذِكْرِهِ إيّاهُ بِالْعَمَى مِنْ الْحِكْمَةِ وَالْإِشَارَةِ اللّطِيفَةِ التّنْبِيهُ عَلَى مَوْضِعِ الْعَتَبِ؛ لِأَنّهُ قَالَ: أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى فَذَكَرَ الْمَجِيءَ مَعَ الْعَمَى، وَذَلِكَ ينبىء عَنْ تَجَشّمِ كُلْفَةٍ وَمَنْ تَجَشّمَ الْقَصْدَ إلَيْك عَلَى ضَعْفِهِ، فَحَقّك الْإِقْبَالُ عَلَيْهِ، لَا الْإِعْرَاضُ عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعْتُوبًا عَلَى تَوَلّيهِ عَنْ الْأَعْمَى، فَغَيْرُهُ أَحَقّ بِالْعَتَبِ، مَعَ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ آمَنَ بَعْدُ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى الْآيَةَ وَلَوْ كَانَ قَدْ صَحّ إيمَانُهُ، وَعُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يَعْرِضْ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ أَعَرَضَ لَكَانَ الْعَتَبُ أَشَدّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْبِرَ عَنْهُ، وَيُسَمّيهِ بِالِاسْمِ الْمُشْتَقّ مِنْ الْعَمَى، دُونَ الِاسْمِ الْمُشْتَقّ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، لَوْ كَانَ دَخَلَ فِي الْإِيمَانِ قَبْلَ ذَلِكَ وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَإِنّمَا دَخَلَ فِيهِ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَدِنّنِي يَا مُحَمّدُ وَلَمْ يَقُلْ: اسْتَدِنّنِي «2» يَا رَسُولَ اللهِ، مَعَ أَنّ ظَاهِرَ الْكَلَامِ يَدُلّ عَلَى أَنّ الْهَاءَ فِي لَعَلّهُ يَزّكّى عَائِدَةٌ عَلَى الْأَعْمَى، لَا عَلَى الْكَافِرِ؛ لِأَنّهُ لَمْ يَتَقَدّمْ لَهُ ذَكَرَ بَعْدُ، وَلَعَلّ

_ (1) وعند أبى يعلى أن الرجل هو أبى بن خلف، وعنده فى رواية أخرى هو وابن جرير: رجل من عظماء المشركين، وكذا رواه الترمذى ومالك، وذكر ابن جرير وابن أبى حاتم أنهم: عتبة بن ربيعة وأبو جهل والعباس بن عبد المطلب (2) فى ابن جرير والترمذى ومالك: أرشدنى كما ذكر ابن كثير، ولم يذكر

العائدون من أرض الحبشة

[العائدون من أرض الحبشة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَلَغَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، الّذِينَ خَرَجُوا إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، إسْلَامُ أَهْلِ مَكّةَ، فَأَقْبَلُوا لِمَا بَلَغَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، حَتّى إذَا دَنَوْا مِنْ مَكّةَ، بَلَغَهُمْ أَنّ مَا كَانُوا تَحَدّثُوا بِهِ مِنْ إسْلَامِ أَهْلِ مَكّةَ كَانَ بَاطِلًا، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا بِجِوَارٍ أَوْ مستخفيا فَكَانَ مِمّنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مَكّةَ مِنْهُمْ، فَأَقَامَ بِهَا حَتّى هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَشَهِدَ مَعَهُ بدرا، وَمَنْ حُبِسَ عَنْهُ، حَتّى فَاتَهُ بَدْرٌ وَغَيْرُهُ، وَمَنْ مَاتَ بِمَكّةَ. مِنْهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ: عُثْمَانُ بن عَفّانَ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عبد شمس، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: رُقَيّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بن ربيعة بن عبد شمس، امرأته سهلة بنت سهيل. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رئاب. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَةُ بن غزوان، حليف لهم، من قيس عيلان. ـــــــــــــــــــــــــــــ تُعْطِي التّرَجّي وَالِانْتِظَارَ، وَلَوْ كَانَ إيمَانُهُ قَدْ تقدم قبل هذا لخرج عن حد الترحى والانتظار للتّزكّى، والله أعلم.

_ - بعدها شيئا. وفى رواية لابن جرير وابن أبى حاتم، أن عبد الله جاء يستقرىء الرسول «ص» آية من القرآن، ويقول: رسول الله علمنى مما علمك الله. وقول السهيلى: أظهر، فالقرآن يفيد أنه جاء فى خشية يريد أن يزكى

وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قصىّ: الزّبير بن العوّام بن خويلد ابن أَسَدٍ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وسويبط بن سعد بن حرملة. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيّ: طُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ أَبِي كَبِيرِ بْنِ عَبْدٍ. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بن عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، حليف لهم. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ الله ابن عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: أُمّ سَلَمَةَ بنت أبى أميّة بن المغيرة، وشمّاس ابن عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم. وسلمة ابن هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَبَسَهُ عَمّهُ بِمَكّةَ، فَلَمْ يَقْدَمْ إلّا بَعْدَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ، وَعَيّاشُ، ابن أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ هَاجَرَ مَعَهُ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَحِقَ بَهْ أَخَوَاهُ لِأُمّهِ: أَبُو جَهْلِ ابن هِشَامٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فَرَجَعَا بِهِ إلَى مَكّةَ، فَحَبَسَاهُ بِهَا حَتّى مَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ: عُمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، يُشَكّ فِيهِ، أَكَانَ خَرَجَ إلَى الْحَبَشَةِ أَمْ لَا؟ وَمُعَتّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرٍ مِنْ خُزَاعَةَ. ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب: عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بن حذافة بن جمح، وابنه: السّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ، وَقُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ الله بن مظعون. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومن بني سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ: خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، حُبِسَ بِمَكّةَ بَعْدَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَى الْمَدِينَةِ، حَتّى قَدِمَ بعد بدر وأحد والخندق. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ: عَامِرُ بْنُ ربيعة، حليف لهم، مَعَهُ امْرَأَتُهُ: لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ بْنِ حذافة بْنِ غَانِمٍ. وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بْنِ أَبِي قَيْسٍ: وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ حُبِسَ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ هَاجَرَ إلَى المدينة، حتى كان يوم بدر، فَانْحَازَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَهِدَ مَعَهُ بَدْرًا، وَأَبُو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى، معه امرأته: أم كلثوم بنت سهيل بن عَمْرٍو، وَالسّكْرَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، معه امرأته: سودة بنت زمعة بن قيس، مَاتَ بِمَكّةَ قَبْلَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى الله عليه وسلم- إلى الْمَدِينَةِ، فَخَلَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى امْرَأَتِهِ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: وَمِنْ حلفائهم سعد بن خولة. وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ابن الْجَرّاحِ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ؛ وَهُوَ سُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالٍ، وَعَمْرُو بن أبى سرح بن ربيعة ابن هلال «كنيته: أبو سعد كما فى الإصابة» . فَجَمِيعُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مَكّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصة ابن مظعون مع الوليد

رَجُلًا، فَكَانَ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ بِجِوَارٍ، فِيمَنْ سُمّيَ لَنَا: عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبٍ الْجُمَحِيّ، دَخَلَ بِجِوَارِ مِنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وأبو سلمة بن عبد الأسد ابن هلال بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُومٍ، دَخَلَ بِجِوَارٍ مِنْ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَكَانَ خَالَهُ. وَأُمّ أَبِي سَلَمَةَ: برة بنت عبد المطّلب. [قصة ابن مظعون مع الوليد] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمّا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَإِنّ صَالِحَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرحمن ابن عَوْفٍ حَدّثَنِي عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ عُثْمَانَ، قَالَ: لَمّا رَأَى عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ مَا فِيهِ أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مِنْ الْبَلَاءِ، وَهُوَ يَغْدُو وَيَرُوحُ فِي أَمَانٍ مِنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: وَاَللهِ إنّ غُدُوّي وَرَوَاحِي آمِنًا بِجِوَارِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ- وَأَصْحَابِي، وَأَهْلُ دِينِي يَلْقَوْنَ مِنْ الْبَلَاءِ والأذى فى الله ما لا يصيا بنى- لَنَقْصٌ كَبِيرٌ فِي نَفْسِي، فَمَشَى إلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، وَفّتْ ذِمّتُك، قَدْ رَدَدْتُ إلَيْك جِوَارَك، فقال له: لم يا بن أَخِي؟ لَعَلّهُ آذَاكَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِي، قَالَ: لَا، وَلَكِنّي أَرْضَى بِجِوَارِ اللهِ، وَلَا أُرِيدُ أَنْ أَسْتَجِيرَ بِغَيْرِهِ؟ قَالَ: فَانْطَلِقْ إلَى الْمَسْجِدِ، فَارْدُدْ عَلَيّ جِوَارِي عَلَانِيَةً، كَمَا أَجَرْتُك عَلَانِيَةً. قَالَ: فَانْطَلَقَا فَخَرَجَا حَتّى أَتَيَا الْمَسْجِدَ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: هَذَا عُثْمَانُ قَدْ جَاءَ يَرُدّ عَلَيّ جِوَارِي، قَالَ: صَدَقَ، قَدْ وَجَدْته وَفِيّا كَرِيمَ الْجِوَار، وَلَكِنّي قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَسْتَجِيرَ بِغَيْرِ اللهِ، فَقَدْ رَدَدْت عَلَيْهِ جِوَارَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أبو سلمة فى جوار أبى طالب

ثُمّ انْصَرَفَ عُثْمَانُ، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ فِي مَجْلِسٍ من قريش يشدهم، فَجَلَسَ مَعَهُمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ لَبِيدٍ: أَلَا كُلّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ باطل قال عثمان: صدقت، قال: وكلّ نعيم لا محالة زائل قَالَ عُثْمَانُ: كَذَبْت، نَعِيمُ الْجَنّةِ لَا يَزُولُ. قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَللهِ مَا كَانَ يُؤْذَى جَلِيسُكُمْ، فَمَتَى حَدَثَ هَذَا فِيكُمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: إنّ هَذَا سَفِيهٌ فِي سُفَهَاءَ مَعَهُ، قَدْ فَارَقُوا دِينَنَا، فَلَا تَجِدَنّ فِي نَفْسِك مِنْ قَوْلِهِ، فَرَدّ عَلَيْهِ عُثْمَانُ حَتّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا، فَقَامَ إليه ذلك الرجل، فلطم عينه، فخضّرها، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَرِيبٌ يَرَى مَا بَلَغَ من عثمان، فقال: أما والله يا بن أخى إن كانت عينك عما أصامها لَغَنِيّةٌ، لَقَدْ كُنْتَ فِي ذِمّةٍ مَنِيعَةٍ. قَالَ: يَقُولُ عُثْمَانُ: بَلْ وَاَللهِ إنّ عَيْنِي الصّحِيحَةَ لَفَقِيرَةٌ إلَى مِثْلِ مَا أَصَابَ أُخْتَهَا فِي اللهِ، وَإِنّي لَفِي جِوَارِ مَنْ هُوَ أَعَزّ مِنْك وَأَقْدَرُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، فَقَالَ له الوليد: هلمّ يا بن أَخِي، إنْ شِئْت فَعُدْ إلَى جِوَارِك، فَقَالَ: لا. [أبو سلمة فى جوار أبى طالب] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عبد الأسد، فحدثنى أبى إسحاق ابن يسارع سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنّهُ حَدّثَهُ: أَنّ أَبَا سَلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَمّا اسْتَجَارَ بِأَبِي طَالِبٍ، مَشَى إلَيْهِ رِجَالٌ من بنى مخزوم، فقالوا: يَا أَبَا طَالِبٍ، لَقَدْ مَنَعْت مِنّا ابْنَ أَخِيك مُحَمّدًا، فَمَا لَكَ وَلِصَاحِبِنَا تَمْنَعُهُ مِنّا؟ قَالَ: إنّهُ اسْتَجَارَ بِي، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِي، وَإِنْ أَنَا لَمْ أَمْنَعْ ابْنَ أُخْتِي لَمْ أَمْنَعْ ابْنَ أَخِي، فَقَامَ أَبُو لَهَبٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَللهِ لَقَدْ أَكْثَرْتُمْ عَلَى هذا الشيخ، ما تزالون تتوائبون عَلَيْهِ فِي جِوَارِهِ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ، وَاَللهِ لَتَنْتَهُنّ عَنْهُ، أَوْ لَنَقُومَنّ مَعَهُ فِي كُلّ مَا قَامَ فِيهِ، حَتّى يَبْلُغَ مَا أَرَادَ. قَالَ: فَقَالُوا: بَلْ نَنْصَرِفُ عَمّا تَكْرَهُ يَا أَبَا عُتْبَةَ، وَكَانَ لَهُمْ وَلِيّا وَنَاصِرًا عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَبْقَوْا عَلَى ذَلِكَ، فَطَمِعَ فِيهِ أَبُو طَالِبٍ حَيْنَ سَمِعَهُ يَقُولُ مَا يَقُولُ، وَرَجَا أَنْ يَقُومَ مَعَهُ فِي شَأْنِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ يُحَرّضُ أَبَا لَهَبٍ عَلَى نُصْرَتِهِ وَنُصْرَةِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنّ امْرَأً أَبُو عُتَيْبَةَ عَمّهُ ... لَفِي رَوْضَةٍ مَا إنْ يُسَامُ الْمَظَالِمَا أَقُولُ لَهُ- وَأَيْنَ منه نصيحتى ... أبا معتب تبّت سوادك قائما فلا تقبلنّ الدهر ما عشت خطة ... تُسَبّ بِهَا، إمّا هَبَطْت الْمَوَاسِمَا وَوَلّ سَبِيلَ الْعَجْزِ غَيْرَك مِنْهُمْ ... فَإِنّك لَمْ تُخْلَقْ عَلَى العجز لازما وحارب، فإن الحرب نصف وما تَرَى ... أَخَا الْحَرْبِ يُعْطَى الْخَسْفَ حَتّى يُسَالَمَا وَكَيْفَ وَلَمْ يَجْنُوا عَلَيْك عَظِيمَةً ... وَلَمْ يَخْذُلُوك غَانِمًا، أَوْ مُغَارِمَا جَزَى اللهُ عَنّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ... وَتَيْمًا وَمَخْزُومًا عُقُوقًا وَمَأْثَمَا بِتَفْرِيقِهِمْ من بعدود وَأُلْفَةٍ ... جَمَاعَتَنَا، كَيْمَا يَنَالُوا الْمَحَارِمَا كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ نُبْزَى مُحَمّدًا ... وَلَمّا تَرَوْا يَوْمًا لَدَى الشّعب قائما ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أبو بكر يرد جوار ابن الدغنة

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نُبْزَى: نُسْلَبُ. قَالَ ابْنُ هشام؛ وبقى منها بيت تركناه. [أبو بكر يرد جوار ابن الدغنة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَمَا حَدّثَنِي: مُحَمّدُ بن مسلم الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِ مَكّةُ، وَأَصَابَهُ فِيهَا الْأَذَى، وَرَأَى مِنْ تَظَاهُرِ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ مَا رَأَى، اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى الهجرة، فأذن له، فحرج أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، حَتّى إذَا سَارَ مِنْ مَكّةَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، لَقِيَهُ ابْنُ الدّغُنّةِ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كنانة، وهو يومئذ سيد الْأَحَابِيشُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْأَحَابِيشُ: بَنُو الْحَارِثِ بن عبد مناة بن كنانة، والهون ابن خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ، وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَحَالَفُوا جَمِيعًا، فَسُمّوا الْأَحَابِيشَ لِلْحِلْفِ. وَيُقَالُ: ابْنُ الدّغَيْنَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حدثنى الزهرى، عن عروة، عن عائشة قَالَتْ: فَقَالَ ابْنُ الدّغُنّةِ: أَيْنَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي وَآذَوْنِي، وَضَيّقُوا عَلَيّ، قال: ولم؟ فو الله إنّك لَتَزِينُ الْعَشِيرَةَ، وَتُعِينُ عَلَى النّوَائِبِ، وَتَفْعَلُ المعروف وتكسب المعدوم، ارجع، وأنت فِي جِوَارِي، فَرَجَعَ مَعَهُ، حَتّى إذَا دَخَلَ مَكّةَ، قَامَ ابْنُ الدّغُنّةِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّي قَدْ أَجَرْت ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَلَا يَعْرِضَنّ لَهُ أَحَدٌ إلّا بِخَيْرِ. قَالَتْ: فكفوا عنه. قَالَتْ: وَكَانَ لِأَبِي بَكْرٍ مَسْجِدٌ عِنْدَ بَابِ دَارِهِ فِي بَنِي جُمَحٍ، فَكَانَ يُصَلّي فِيهِ، وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا، إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ اسْتَبْكَى. قَالَتْ: فَيَقِفُ عَلَيْهِ الصّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ وَالنّسَاءُ، يَعْجَبُونَ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ هَيْئَتِهِ. قَالَتْ: فَمَشَى رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى ابْنِ الدّغُنّةِ، فَقَالُوا لَهُ: يا بن الدّغُنّةِ، إنّك لَمْ تُجِرْ هَذَا الرّجُلَ، لِيُؤْذِيَنَا! إنّهُ رَجُلٌ إذَا صَلّى، وَقَرَأَ مَا جَاءَ بَهْ مُحَمّدٌ يَرِقّ وَيَبْكِي، وَكَانَتْ لَهُ هَيْئَةٌ وَنَحْوٌ، فَنَحْنُ نَتَخَوّفُ عَلَى صِبْيَانِنَا وَنِسَائِنَا وَضَعَفَتِنَا أَنْ يَفْتِنَهُمْ، فَأْتِهِ فَمُرْهُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، فَلْيَصْنَعْ فِيهِ مَا شَاءَ: قَالَتْ: فَمَشَى ابْنُ الدّغُنّةِ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَكْر، إنى لم أجرك لتؤذى قومك، إنهم قد كرهوا مَكَانَك الّذِي أَنْتَ فِيهِ، وَتَأَذّوْا بِذَلِكَ مِنْك، فَادْخُلْ بَيْتَك، فَاصْنَعْ فِيهِ مَا أَحْبَبْتَ، قَالَ: أو أردّ عَلَيْك جِوَارَك وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللهِ؟ قَالَ: فَارْدُدْ عَلَيّ جِوَارِي، قَالَ: قَدْ رَدَدْتُهُ عَلَيْك. قَالَتْ فَقَامَ ابْنُ الدّغُنّةِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ قَدْ رَدّ عَلَيّ جِوَارِي، فَشَأْنُكُمْ بِصَاحِبِكُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ ابن مُحَمّدٍ قَالَ: لَقِيَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ عَامِدٌ إلَى الْكَعْبَةِ، فَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ ترابا. قال: فمرّ بأبى بكر الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، أَوْ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ. قال: فقال أبو بكر: أَلَا تَرَى إلَى مَا يَصْنَعُ هَذَا السّفِيهُ؟ قَالَ: أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِنَفْسِك. قَالَ: وَهُوَ يَقُولُ: أَيْ رَبّ، مَا أَحْلَمَك! أَيْ رَبّ، مَا أَحْلَمَك! أَيْ رَبّ، مَا أَحْلَمَك! ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث نقض الصحيفة

[حديث نقض الصحيفة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطّلِبِ فِي مَنْزِلِهِمْ الّذِي تَعَاقَدَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ عَلَيْهِمْ فِي الصّحِيفَةِ الّتِي كَتَبُوهَا، ثُمّ إنّهُ قَامَ فِي نَقْضِ تِلْكَ الصّحِيفَةِ الّتِي تَكَاتَبَتْ فِيهَا قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يُبْلَ فِيهَا أَحَدٌ أَحْسَنَ مِنْ بَلَاءِ هِشَامُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عامر بْنِ لُؤَيّ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ ابْنَ أَخِي نضلة ابن هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ لِأُمّهِ، فَكَانَ هِشَامٌ لِبَنِي هَاشِمٍ وَاصَلًا، وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قومه فَكَانَ- فِيمَا بَلَغَنِي- يَأْتِي بِالْبَعِيرِ، وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبِ فِي الشّعْبِ لَيْلًا، قَدْ أَوْقَرَهُ طَعَامًا، حَتّى إذَا أَقْبَلَ بِهِ فَمَ الشّعْبِ، خَلَعَ خِطَامَهُ مِنْ رَأْسِهِ، ثُمّ ضَرَبَ عَلَى جَنْبِهِ، فَيَدْخُلُ الشّعْبَ عَلَيْهِمْ، ثُمّ يَأْتِي بِهِ قَدْ أَوْقَرَهُ بَزّا، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّهُ مَشَى إلَى زُهَيْرِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ- وَكَانَتْ أُمّهُ: عَاتِكَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ- فَقَالَ: يَا زُهَيْرُ، أَقَدْ رَضِيتَ أَنْ تَأْكُلَ الطّعَامَ، وَتَلْبَسَ الثّيَابَ، وَتَنْكِحَ النّسَاءَ، وَأَخْوَالُك حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، لَا يُبَاعُونَ، وَلَا يُبْتَاعُ مِنْهُمْ، وَلَا يَنْكِحُونَ، وَلَا يُنْكَحُ إلَيْهِمْ؟ أَمَا إنّي أَحْلِفُ بِاَللهِ أَنْ لَوْ كَانُوا أَخْوَالَ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هشام، ثم دعوته إلى مَا دَعَاك إلَيْهِ مِنْهُمْ، مَا أَجَابَك إلَيْهِ أَبَدًا، قَالَ: وَيْحَك يَا هِشَامُ! فَمَاذَا أَصْنَعُ؟ إنّمَا أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَاَللهِ لَوْ كَانَ مَعِي رَجُلٌ آخَرُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَقُمْت فِي نَقْضِهَا حَتّى أَنْقُضَهَا، قَالَ: قَدْ وَجَدْت رَجُلًا قَالَ: فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَنَا، قال له زهير: أبغنا رجلا ثالثا. فذهب إلى المطعم بن عدىّ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُطْعِمُ أَقَدْ رَضِيتَ أَنْ يَهْلِكَ بَطْنَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَنْتَ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ، مُوَافِقٌ لِقُرَيْشِ فِيهِ! أَمَا وَاَللهِ لَئِنْ أَمْكَنْتُمُوهُمْ مِنْ هَذِهِ لَتَجِدُنّهُمْ إلَيْهَا مِنْكُمْ سِرَاعًا، قَالَ: وَيْحَك! فَمَاذَا أَصْنَعُ؟ إنّمَا أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، قَالَ: قَدْ وَجَدْت ثَانِيًا، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ: أَبْغِنَا ثَالِثًا، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ، قَالَ: أَبْغِنَا رابعا. فذهب إلى أبى البخترىّ بن هشام، فقال له نحوا ممّا قال لمطعم بن عدىّ، فَقَالَ: وَهَلْ مِنْ أَحَدٍ يُعِينُ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: زُهَيْرُ ابن أَبِي أُمَيّةَ، وَالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ، وَأَنَا مَعَك، قال: أبغنا خامسا. فَذَهَبَ إلَى زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بن أسد، فكلّمه، وذكر لَهُ قَرَابَتَهُمْ وَحَقّهُمْ، فَقَالَ لَهُ: وَهَلْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الّذِي تَدْعُونِي إلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ؟ قال: نعم، ثم سمى له القوم. فاتّعدوا خطم الججون لَيْلًا بِأَعْلَى مَكّةَ، فَاجْتَمَعُوا هُنَالِكَ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَتَعَاقَدُوا عَلَى الْقِيَامِ فِي الصّحِيفَةِ، حَتّى يَنْقُضُوهَا، وَقَالَ زُهَيْرٌ: أَنَا أَبْدَؤُكُمْ فَأَكُونُ أَوّلَ مَنْ يَتَكَلّمُ. فَلَمّا أَصْبَحُوا غَدَوْا إلَى أَنْدِيَتِهِمْ، وَغَدَا زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ عَلَيْهِ حُلّةٌ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ، فَقَالَ: يا أهل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مَكّةَ، أَنَأْكُلُ الطّعَامَ، وَنَلْبَسُ الثّيَابَ، وَبَنُو هَاشِمٍ هَلْكَى لَا يُبَاعُ وَلَا يُبْتَاعُ مِنْهُمْ، وَاَللهِ لَا أَقْعُدُ حَتّى تُشَقّ هَذِهِ الصّحِيفَةُ الْقَاطِعَةُ الظّالِمَةُ. قَالَ أَبُو جَهْلٍ- وَكَانَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ: كَذَبْتَ وَاَللهِ لَا تُشَقّ، قَالَ زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ: أَنْتَ وَاَللهِ أَكْذَبُ، مَا رَضِينَا كِتَابَهَا حَيْثُ كُتِبَتْ، قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ: صَدَقَ زَمْعَةُ، لَا نَرْضَى مَا كُتِبَ فِيهَا، وَلَا نقرّبه، قَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ: صَدَقْتُمَا، وَكَذَبَ مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ، نَبْرَأُ إلَى اللهِ مِنْهَا، وَمِمّا كُتِبَ فِيهَا، قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلِ، تُشُووِرَ فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا المكان، وَأَبُو طَالِبٍ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَامَ الْمُطْعِمُ إلَى الصّحِيفَةِ لِيَشُقّهَا، فَوَجَدَ الْأَرَضَةَ قَدْ أكلتها، إلّا: «باسمك الّلهمّ» . وَكَانَ كَاتِبَ الصّحِيفَةِ مَنْصُورُ بْنُ عِكْرِمَةَ. فَشُلّتْ يده فيما يزعمون. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى الله عليه وسلم- قَالَ لِأَبِي طَالِبٍ: يَا عَمّ، إنّ رَبّي اللهَ قَدْ سَلّطَ الْأَرَضَةَ عَلَى صَحِيفَةِ قُرَيْشٍ، فَلَمْ تَدَعْ فِيهَا اسْمًا هُوَ لِلّهِ إلّا أَثْبَتَتْهُ فِيهَا، وَنَفَتْ مِنْهُ الظّلْمَ وَالْقَطِيعَةَ وَالْبُهْتَانَ فَقَالَ: أَرَبّك أَخْبَرَك بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فو الله مَا يَدْخُلُ عَلَيْك أَحَدٌ، ثُمّ خَرَجَ إلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ ابْنَ أَخِي أَخْبَرَنِي بِكَذَا وَكَذَا، فَهَلُمّ صَحِيفَتُكُمْ، فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ أَخِي، فَانْتَهُوا عَنْ قَطِيعَتِنَا، وَانْزِلُوا عَمّا فِيهَا، وَإِنْ يَكُنْ كَاذِبًا دَفَعْت إلَيْكُمْ ابْنَ أَخِي، فَقَالَ الْقَوْمُ: رَضِينَا، فَتَعَاقَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمّ نَظَرُوا، فَإِذَا هِيَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فزادهم ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذَلِكَ شَرّا. فَعِنْدَ ذَلِك صَنَعَ الرّهْطُ مِنْ قريش فى نقض الصحيفة ما صنعوا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا مُزّقَتْ الصّحِيفَةُ وَبَطَلَ مَا فِيهَا. قَالَ أَبُو طَالِبٍ، فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أُولَئِكَ النّفَرِ الّذِينَ قَامُوا فِي نقضها يمدحهم: ألا هل أتى بحريّنا صنع ربّنا ... عَلَى نَأْيِهِمْ وَاَللهُ بِالنّاسِ أَرْوَدُ فَيُخْبِرَهُمْ أَنّ الصّحِيفَةَ مُزّقَتْ ... وَأَنْ كُلّ مَا لَمْ يَرْضَهُ اللهُ مُفْسَدُ تُرَاوِحُهَا إفْكٌ، وَسِحْرٌ مُجَمّعٌ ... وَلَمْ يُلْفَ سِحْرٌ آخِرَ الدّهْرِ يَصْعَدُ تَدَاعَى لَهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِقَرْقَرٍ ... فَطَائِرُهَا فِي رَأْسِهَا يَتَرَدّدُ وَكَانَتْ كِفَاءً رَقْعَةٌ بِأَثِيمَةٍ ... لِيُقْطَعَ مِنْهَا ساعد ومقلّد ويظعن أهل المكّتين، فهربوا ... فَرَائِصُهُمْ مِنْ خَشْيَةِ الشّرّ تُرْعَدُ وَيُتْرَكُ حَرّاثٌ يُقَلّبُ أَمْرَهُ ... أَيُتْهِمُ فِيهِمْ عِنْدَ ذَاكَ وَيُنْجِدُ وَتَصْعَدُ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ كَتِيبَةٌ ... لَهَا حُدُجٌ سَهْمٌ وَقَوْسٌ وَمِرْهَدُ فَمَنْ يَنْشَ مِنْ حُضّارِ مَكّةَ عِزّهُ ... فَعِزّتُنَا فِي بَطْنِ مَكّةَ أَتْلَدُ نَشَأْنَا بِهَا، وَالنّاسُ فِيهَا قَلَائِلُ ... فَلَمْ نَنْفَكِكْ نَزْدَادُ خَيْرًا وَنَحْمَدُ وَنُطْعِمُ حَتّى يَتْرُكَ النّاسُ فَضْلَهُمْ ... إذَا جُعِلَتْ أَيْدِي الْمُفِيضِينَ تُرْعَدُ جَزَى اللهُ رَهْطًا بِالْحَجُونِ تَبَايَعُوا ... عَلَى مَلَأٍ يُهْدِي لِحَزْمٍ وَيُرْشِدُ قُعُودًا لَدَى خَطْمِ الْحَجُونِ كَأَنّهُمْ ... مَقَاوِلَةٌ، بَلْ هُمْ أَعَزّ وَأَمْجَدُ أَعَانَ عَلَيْهَا كُلّ صَقْرٍ كَأَنّهُ ... إذَا مَا مَشَى فِي رَفْرَفِ الدّرْعِ أَحْرَدُ جَرِيّ عَلَى جُلّى الْخُطُوبِ، كَأَنّهُ ... شِهَابٌ بِكَفّيْ قَابِسٍ يَتَوَقّدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مِنْ الْأَكْرَمِينَ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ يَتَرَبّدُ طَوِيلُ النّجَادِ خَارِجٌ نِصْفُ سَاقِهِ ... عَلَى وَجْهِهِ يُسْقَى الْغَمَامُ وَيُسْعِدُ عَظِيمُ الرّمَادِ، سَيّدٌ وَابْنُ سَيّدٍ ... يَحُضّ عَلَى مقرى الضيوف، ويحشد ويا بنى لِأَبْنَاءِ الْعَشِيرَةِ صَالِحًا ... إذَا نَحْنُ طُفْنَا فِي البلاد، ويمهد ألطّ بِهَذَا الصّلْحِ كُلّ مُبَرّأٍ ... عَظِيمِ اللّوَاءِ أَمْرُهُ ثَمّ يُحْمَدُ قَضَوْا مَا قَضَوْا فِي لَيْلِهِمْ، ثُمّ أَصْبَحُوا ... عَلَى مَهَلٍ، وَسَائِرُ النّاسِ رُقّدُ هُمٌ رَجَعُوا سَهْلَ بْنَ بَيْضَاءَ رَاضِيًا ... وَسُرّ أَبُو بَكْرٍ بِهَا وَمُحَمّدُ مَتَى شُرّكَ الْأَقْوَامُ فِي جُلّ أَمْرِنَا ... وَكُنّا قَدِيمًا قَبْلَهَا نُتَوَدّدُ وَكُنّا قَدِيمًا لَا نُقِرّ ظُلَامَةً ... وَنُدْرِكُ مَا شئنا، ولا نتشدّد فيا لقصىّ هَلْ لَكُمْ فِي نُفُوسِكُمْ ... وَهَلْ لَكُمْ فِيمَا يَجِيءُ بَهْ غَدُ فَإِنّي وَإِيّاكُمْ كَمَا قَالَ قَائِلٌ ... لَدَيْك الْبَيَانُ لَوْ تَكَلّمَتْ أسود وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيّ حِينَ مَاتَ، وَيَذْكُرُ قِيَامَهُ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ: أَيَا عَيْنُ فَابْكِي سَيّدَ الْقَوْمِ وَاسْفَحِي ... بِدَمْعٍ، وَإِنْ أَنْزَفْتِهِ فَاسْكُبِي الدّمَا وَبَكّي عَظِيمَ الْمَشْعَرَيْنِ كِلَيْهِمَا ... عَلَى النّاسِ مَعْرُوفًا لَهُ مَا تَكَلّمَا فَلَوْ كَانَ مَجْدٌ يُخْلِدُ الدّهْرَ وَاحِدًا ... مِنْ النّاسِ أَبْقَى مَجْدُهُ الْيَوْمَ مُطْعِمَا أَجَرْتَ رَسُولَ اللهِ مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُوا ... عَبِيدَك، مَا لَبّى مُهِلّ وَأَحْرَمَا فَلَوْ سُئِلَتْ عَنْهُ مَعَدّ بِأَسْرِهَا ... وَقَحْطَانُ، أَوْ بَاقِي بَقِيّةِ جُرْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَقَالُوا: هُوَ الْمُوفِي بِخُفْرَةِ جَارِهِ ... وَذِمّتِهِ يَوْمًا إذَا مَا تَذَمّمَا فَمَا تَطْلُعُ الشّمْسُ الْمُنِيرَةُ فَوْقَهُمْ ... عَلَى مِثْلِهِ فِيهِمْ أَعَزّ وَأَعْظَمَا وَآبَى إذَا يَأْبَى وَأَلْيَنَ شِيمَةً ... وَأَنْوَمَ عَنْ جَارٍ إذا اللّيل أظلما قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «كِلَيْهِمَا» عَنْ غَيْرِ ابن إسحاق. قال ابن هشام: وأما قوله: «جرت رَسُولَ اللهِ مِنْهُمْ» ، فَإِنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمّا انْصَرَفَ عَنْ أَهْلِ الطّائِفِ، وَلَمْ يُجِيبُوهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ، مِنْ تَصْدِيقِهِ وَنُصْرَتِهِ، صَارَ إلَى حِرَاءٍ، ثُمّ بَعَثَ إلَى الْأَخْنَسِ بْن شَرِيقٍ، لِيُجِيرَهُ، فَقَالَ: أَنَا حَلِيفٌ، وَالْحَلِيفُ لَا يُجِيرُ، فَبَعَثَ إلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: إنّ بَنِي عَامِر لَا تُجِيرُ عَلَى بَنِي كَعْبٍ. فَبَعَثَ إلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ، فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ، ثُمّ تَسَلّحَ الْمُطْعِمُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَخَرَجُوا حَتّى أَتَوْا الْمَسْجِدَ، ثُمّ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ اُدْخُلْ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلّى عِنْدَهُ، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ، فَذَلِكَ الذى يعنى حسان ابن ثابت. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ عَمْرٍو لِقِيَامِهِ فِي الصحيفة: هَلْ يُوَفّيَنّ بَنُو أُمَيّةَ ذِمّةً ... عَقْدًا كَمَا أَوْفَى جِوَارُ هِشَامِ مِنْ مَعْشَرٍ لَا يَغْدِرُونَ بِجَارِهِمْ ... لِلْحَارِثِ بْنِ حُبَيّبِ بْنِ سُخَامِ وَإِذَا بنو حسل أجاروا ذمّة ... أو فوا وأدّوا جارهم بسلام وكان هشام أخا سخام: قال ابن هشام: ويقال: شحام. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قِصّةُ الْغَرَانِيقِ وَإِسْلَامُ مَكّةَ: وَذَكَرَ مَا بَلَغَ أَهْلَ الْحَبَشَةِ مِنْ إسْلَامِ أَهْلِ مَكّةَ، وَكَانَ بَاطِلًا، وَسَبَبُهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ سُورَةَ النّجْمِ، فَأَلْقَى الشّيْطَانُ فِي أَمْنِيّتَهُ، أَيْ: فِي تِلَاوَتِهِ عند ذكر اللّات والعزى، وإنّهم لهم لغرانقة الْعُلَى، وَإِنّ شَفَاعَتَهُمْ لَتُرْتَجَى، فَطَارَ ذَلِكَ بِمَكّةَ، فَسُرّ الْمُشْرِكُونَ، وَقَالُوا: قَدْ ذَكَرَ آلِهَتَنَا بِخَيْرِ فَسَجَدَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آخِرِهَا، وَسَجَدَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ، ثُمّ أَنَزَلَ اللهُ تَعَالَى: فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ الاية، فمن ها هنا اتّصَلَ بِهِمْ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ أَنّ قُرَيْشًا قَدْ أَسْلَمُوا، ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ إسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ، وَأَهْلُ الْأُصُولِ يَدْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْحُجّةِ، وَمَنْ صَحّحَهُ قَالَ فِيهِ أَقْوَالًا، مِنْهَا: أَنّ الشّيْطَانَ قَالَ ذَلِكَ وَأَشَاعَهُ. وَالرّسُولُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- لَمْ يَنْطِقْ بِهِ، وَهَذَا جَيّدٌ لَوْلَا أَنّ فِي حَدِيثِهِمْ أَنّ جِبْرِيل قَالَ لِمُحَمّدِ: مَا أَتَيْتُك بِهَذَا، وَمِنْهَا: أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَعَنَى بِهَا الْمَلَائِكَةَ: إنّ شَفَاعَتَهُمْ لَتُرْتَجَى «1» . وَمِنْهَا: أَنّ النّبِيّ- عَلَيْهِ السّلَامُ- قَالَهُ حَاكِيًا عَنْ الْكَفَرَةِ، وَأَنّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ، فقالها متعجبا من كفرهم،

_ (1) وهى أيضا كلمة لا يقولها خاتم النبيين وأعظم المؤمنين، فإن الشفاعة لا ترتجى إلا من الله سبحانه، فهو الذى له وحده الشفاعة: (قل: لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض) الزمر: 44 (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن) طه: 109. والسهيلى على إطالته وإطنابه فى مواضع تستحق الإيجاز لا أدرى كيف خطف القول هنا، وترك الفرية تحاول مخادعة القلوب فكأن المؤلف الكبير لم يرد لها أن تموت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْحَدِيثُ عَلَى مَا خَيّلْت غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِصِحّتِهِ، والله أعلم «1» .

_ (1) روى الطبرى وابن أبى حاتم وابن المنذر والبزار وابن مردويه وغيرهم هذه الفرية التى نفثتها أحقاد الزنادقة فى صورة حديث منسوب إلى ابن عباس وسعيد ابن جبير، يقول إن رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- قرأ بمكة: والنجم، فلما بلغ: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد وسجدوا، فنزلت الاية. وذكر القاضى عياض ما يلى: ويروى: ترتضى، وفى رواية: إن شفاعتها لترتجى، وإنها لمع الغرانيق العلى. وفى أخرى: والغرانقة العلى تلك الشفاعة ترتجى، ووقع فى بعض الروايات أن الشيطان ألقاها على لسانه، وأن النبى «ص» كان تمنى أن لو نزل عليه شىء يقارب بينه وبين قومه، وفى رواية أخرى: ألا ينزل عليه شىء ينفرهم عنه، وذكر هذه القصة. وأن جبريل- عليه السلام- جاءه، فعرض عليه السورة، فلما بلغ الكلمتين قال له: ما جئتك بهاتين. فحزن لذلك النبى «ص» ، فأنزل الله تعالى تسلية له: «وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى» . الاية. وقوله: (وإن كادوا ليفتنونك) وباطل القصة المفتراة أسود قاتم. ولكنى عنيت بنقل الرد عليها؛ لأن هذه الأسماء الاتية ذكرت مع هذه القصة، ولا شك فى أن كثيرا منهم لا يمكن أن نصدق أنه يرويها، أو يصدق بها مثل ابن عباس رضى الله عنه، وتدبر هذه الأسماء التى جعلتنى أعنى بدحض هذه الفرية الملعونة: «سعيد بن جبير، شعبة، أمية بن خالد الذى يقال عنه: إنه ثقة مشهور، وأبو بشر، ومحمد بن كعب القرظى ومحمد بن قيس وابن شهاب الزهرى، والسدى، وموسى ابن عقبة، وابن إسحاق وعكرمة وسليمان التميمى، والعوفى والبزار» من هؤلاء من له ذكر بايمان عظيم ومن له ذكر بما ينال شيئا من صدق إيمانه، وعفا الله عمن رواها دون تعقيب يهدمها من هؤلاء الذين نسبت إليهم رواية ما لهذه الأكذوبة، وإليك ما رد به القاضى عياض فى الشفاء على تلك الفرية النجسة: «هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند متصل سليم، وإنما أولع به وبمثله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَسَمّى الّذِينَ قَدِمُوا مِنْهُمْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الخبر، وذكر فيهم طليبا، وقال

_ - المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم، وصدق القاضى بكر بن العلاء المالكى حيث قال: لقد بلى الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلق بذلك الملحدون مع ضعف نقلته واضطراب رواياته، وانقطاع إسناده واختلاف كلماته، فقائل يقول: إنه فى الصلاة وآخر يقول: قالها فى نادى قومه حين نزلت عليه السورة، وآخر يقول: إن الشيطان قالها على لسانه، وأن النبى «ص» لما عرضها على جبريل، قال: ما هكذا أقرأتك وآخر يقول: بل أعلمهم الشيطان أن النبي- ص- قرأها، فلما بلغ النبى- ص- ذلك قال: والله ما هكذا نزلت- إلى غير ذلك من اختلاف الرواة، ومن حكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين، لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية والمرفوع فيها حديث شعبة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: فيما أحسب أن النبى «ص» كان بمكة وذكر القصة. قال أبو بكر البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبى- ص- بإسناد متصل يجوز ذكره إلا هذا، ولم يسنده عن شعبة إلا أمية بن خالد، وغيره يرسله عن سعيد بن جبير، وإنما يعرف عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس، فقد بين لك أبو بكر- رحمه الله- أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا، وفيه من الضعف ما نبه عليه مع وقوع الشك فيه- كما ذكرنا- الذى لا يوثق به ولا حقيقة معه، وأما حديث الكلبى فمما لا يجوز الرواية عنه، ولا ذكره لقوة ضعفه وكذبه، كما أشار إليه البزار، والذى منه فى الصحيح أن النبى «ص» قرأ: والنجم وهو بمكة، فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس» أقول: قوله الذى فى الصحيح يعنى ما روى فى البخارى ومسلم عن ابن مسعود، وليس فيه حديث الغرانيق، بل روى هذا الحديث من طرق كثيرة، وليس فيها حديث الغرانيق، وبعد أن فرغ القاضى عياض من،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي نَسَبِهِ: ابْنُ أَبِي كَبِيرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ قُصَيّ، وَزِيَادَةُ أَبِي كَبِيرٍ فِي هَذَا الموضع لا يوافق عليه

_ - توهين الفرية من طريق النقل، مضى يكر عليها بالحجة العقلية الدامغة، فيقول: «أجمعت الأمة على عصمته- ص- ونزاهته عن مثل هذه النقيصة إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله، وهو كفر، أو أن يتسور عليه الشيطان، ويشبه عليه القرآن، حتى يجعل فيه ما ليس منه، ويعتقد النبى- ص- أن من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل- عليه السلام- وذلك كله ممتنع فى حقه- صلّى الله عليه وسلم- أو يقول ذلك النبى- ص- من قبل نفسه عمدا، وذلك كفر، أو سهوا، وهو معصوم من هذا كله، وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته- ص- من جريان الكفر على قلبه أو لسانه لا عمدا ولا سهوا، أو أن يشبه عليه ما يلقيه الملك مما يلقى الشيطان، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يتقول على الله لا عمدا، ولا سهوا ما لم ينزل عليه، وقد قال تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) الحاقة: 44- 47 وقال تعالى: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا، إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ، ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) الإسراء: 75. ووجه ثان وهو استحالة هذه القصة نظرا وعرفا، وذلك أن هذا الكلام لو كان كما روى لكان بعيد الالتئام، متناقض الأقسام، ممتزج المدح بالذم. متخاذل التأليف والنظم. ولما كان النبى «ص» ولا من بحضرته من المسلمين. وصناديد المشركين ممن يخفى عليه ذلك. وهذا لا يخفى على أدنى متأمل. فكيف ممن رجح حلمه. واتسع فى باب التبيان. ومعرفة فصيح الكلام علمه» ثم أكد أن القصة لو حدثت لوجدت بها قريش على المسلمين الصولة. ولأقامت اليهود بها عليهم الحجة. لأنهم كانوا يتربصون بالنبى وبالمسلمين لأفل فتنة، ولكنا نجد هذه القصة مروية عن طريق ضعيفة. وأنه لم يرو عن معاند فيها كلمة، ولا عن مسلم بسببها بنت شفة، ولا شك فى إدخال بعض شياطين الجن والإنس هذا الحديث على بعض مغفلى. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ المحدثين. ليلبس به على ضعفاء المسلمين ص 116 وما بعدها ح 2 الشفاء طبعة سنة 1290 هـ مطبعة خليل أفندى وتدبر مع هذا قول الله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) الحجر: 9 وقوله: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ. وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) المائدة: 67 فإن زاد أو نقص فما بلغ رسالته. إنما بلغ حقا ممتزجا بباطل. وتدبر قوله العظيم: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) النجم: 3: 4 وقوله سبحانه: (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) الأعلى والفخر الرازى- على ما فيه- يقول: هذه القصة باطلة وموضوعة ولا يجوز القول بها. وقال البيهقى: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل. والمراد بالغرانيق: الأصنام. وهى فى الأصل: الذكور من طير الماء. وقيل: الطويل العنق الأبيض، وقيل: هو الكركى واحدها: غرنوق بضم النون والغين، وبكسر الغين وإسكان الراء وفتح النون. وبضم الغين وفتح النون. وغرنيق بكسر الغين والنون، وغرناق بفتح الغين والراء والنون، وغرناق بكسر الغين وإسكان الراء. وغرانق: الشاب الأبيض الجميل، وجمعها: الغرانق والغرانيق. وقد شبهوا أصنامهم بالغرانيق وهى الطيور التى تعلو فى السماء وترتفع.. والعجب أن الحافظ بن حجر يحاول فى الفتح الدفاع عن قواعد المحدثين، ويغفل عن الطعنة الغادرة التى اقترفت ضد الرسالة والرسول. فيقول عن النقد العظيم الذى وجهه القاضى عياض لطرق الحديث «وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد. فان الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا. وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح. وهى مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمراسيل، وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر» ص 355 ج 8 لست أدرى أيمكن أن نجعل لقواعد بشرية متهافتة مكانة فوق الحق المبين من هدى الله؟ إننا هنا يجب أن نعتصم بقواعد الحق المبين، لا بقواعد المحدثين التى يؤدى الدفاع عنها هنا إلى النيل من قداسة القرآن وعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا سيما إذا وجدنا أن التأويلات التافهة التى سنساند بها هذه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَذَلِكَ وَجَدْت فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ التّنْبِيهِ عَلَى هَذَا «1» وَذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ وَنَسَبَهُ كَمَا نسبه ابن إسحق بِزِيَادَةِ: أَبِي كَبِيرٍ، وَكَانَ بَدْرِيّا فِي إحْدَى الروايتين عن ابن إسحق، وَكَذَلِكَ قَالَ الْوَاقِدِيّ وَابْنُ عُقْبَةَ، وَمَاتَ بِأَجْنَادَيْنِ شَهِيدًا لَا عَقِبَ لَهُ. تَأْوِيلُ: كُلّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ لبيد:

_ - القواعد تأويلات لا يشهد لها نقل، ولا يحترمها عقل، القضية المعروضة: أيسجد محمد لصنم، ويثنى على صنم، ويفترى على الله الكذب؟ أيخفى على محمد- وقد هداه القرآن- حقيقة الكفر وألفاظ الكفر ويعبث الشيطان به؟ كل مسلم يلعن من ينسب إلى الرسول هذا الفرية الخبيثة الجاحدة. وأقول هنا تعليقا على قوله سبحانه: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) إنها وردت فى سورة الحج عقب التذكير بالقوم الذين كذبوا رسلهم، وببعض مواقف المشركين منه صلى الله عليه وسلم، وإملاء الله للقرى وهى ظالمة، وكذلك التذكير بمصير الصالحين والمعاندين. إن ورودها كذلك يؤكد أن التمنى المقصود هو تمنيه صلى الله عليه وسلم إسلام قومه كما تمنى الرسل والنبيون قبله. وأن إلقاء الشيطان فى أمنية الرسول (ص) هو وسوسته التى يبثها فى نفوس أوليائه؛ ليحملهم على البقاء على الكفر، فلا تتحقق أمنية الرسول (ص) ، وأما نسخ الله لما يلقى الشيطان، فهو نصره لرسوله وتأييده له حتى يؤمن الكثير من قومه، كما فعل بيونس وغيره. والله أعلم. (1) ورد نسبه فى نسب قريش دون ذكر أبى كبير ص 256 أما أبو كبير فهو منهب بن عبد بن قصى فى نسب قريش. شهد بدرا مع النبى «ص» وقتل يوم اليرموك شهيدا. ص 257.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَلَا كُلّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ وَقِصّةُ ابْنِ مَظْعُونٍ إلَى آخِرِهَا، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَشْكُلُ غَيْرَ سُؤَالٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم: أصدق كَلِمَةٍ قَالَهَا الشّاعِرُ قَوْلُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ «1» فَصَدّقَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- يَقُولُ فِي مُنَاجَاتِهِ: «أَنْتَ الْحَقّ، وَقَوْلُك الْحَقّ، وَوَعْدُك الْحَقّ، وَالْجَنّةُ حَقّ، وَالنّارُ حَقّ، وَلِقَاؤُك حَقّ» «2» ، فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: أَلَا كُلّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: مَا خَلَا اللهَ: مَا عَدَاهُ، وَعَدَا رَحْمَتِهِ الّتِي وَعَدَ بِهَا مَنْ رَحِمَهُ، وَالنّارُ وَمَا تَوَعّدَ بِهِ مَنْ عِقَابِهِ، وَمَا سِوَى هَذَا فَبَاطِلٌ أَيْ: مُضْمَحِلّ وَالْجَوَابُ الثّانِي: أَنّ الْجَنّةَ وَالنّارَ وَإِنْ كَانَتَا حَقّا، فَإِنّ الزّوَالَ عَلَيْهِمَا جَائِزٌ لِذَاتِهِمَا، وَإِنّمَا يَبْقَيَانِ بِإِبْقَاءِ اللهِ لَهُمَا، وَأَنّهُ يَخْلُقُ الدّوَامَ لأهلهما على

_ (1) رواه الشيخان عن أبى هريرة. وفى رواية لمسلم: أصدق بيت. وفى رواية لأحمد والترمذى عن أبى هريرة: أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد، وهذه الرواية ترفع إشكال السهيلى، وقد عد البخارى وابن أبى خيثمة وغيرهما لبيدا، فى الصحابة. وقيل: عاش قرنا ونصفا أو أكثر، ومات فى خلافة عثمان. وهو القائل. ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس: كيف لبيد (2) رواه البخارى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الدّوَامَ وَالْبَقَاءَ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى الذّاتِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيّ، وَإِنّمَا الْحَقّ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الزّوَالُ، وَهُوَ الْقَدِيمُ «1» الّذِي انْعِدَامُهُ مُحَالٌ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَنْتَ الْحَقّ بِالْأَلِفِ وَاللّامّ، أَيْ الْمُسْتَحِقّ لِهَذَا الِاسْمِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَقَوْلُك الْحَقّ؛ لِأَنّ قَوْلَهُ قَدِيمٌ، وَلَيْسَ بِمَخْلُوقِ فَيَبِيدُ، وَوَعْدُك الْحَقّ، كَذَلِكَ، لِأَنّ وَعْدَهُ كَلَامُهُ، هَذَا مُقْتَضَى الْأَلِفِ وَاللّامّ، ثُمّ قَالَ: وَالْجَنّةُ حَقّ، وَالنّارُ حَقّ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ، وَلِقَاؤُك حَقّ كَذَلِكَ؛ لِأَنّ هَذِهِ أُمُورٌ مُحْدَثَاتٌ وَالْمُحْدَثُ لَا يَجِبُ لَهُ الْبَقَاءُ مِنْ جِهَةِ ذَاتِهِ، وَإِنّمَا عَلِمْنَا بَقَاءَهَا مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ الصّادِقِ الّذِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخُلْفُ، لَا مِنْ جِهَةِ اسْتِحَالَةِ الْبَقَاءِ عَلَيْهَا، كَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَى الْقَدِيمِ- سُبْحَانَهُ- الّذِي هُوَ الْحَقّ، وَمَا خَلَاه بَاطِلٌ، فَإِمّا جَوْهَرٌ وَإِمّا عَرَضٌ، وَلَيْسَ فِي الْأَعْرَاضِ إلّا ما يجب له الفناء، ولا فى الجواهر إلّا مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْفَنَاءُ وَالْبُطُولُ، وَإِنْ بَقِيَ وَلَمْ يَبْطُلْ فَجَائِزٌ أَنْ يَبْطُلَ. وَأَمّا الحق- سبحانه-

_ (1) لم يرد فى قرآن ولا سنة وصف الله بالقدم، وإنما ورد فى القرآن وصفه بأنه الأول. أما القدم فكانت صفة للضلال: (قالُوا: تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) يوسف: 95 وللعرجون: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) يس: 39 والإفك: (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ، فَسَيَقُولُونَ: هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ) الأحقاف: 11 والاباء الضالين السابقين: (قالَ: أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) الشعراء: 76 ولا يجوز وصف الله بصفة هذا استعمالها وهذه مواردها فى القرآن الكريم، كما لا يجوز أن يسمى الله أو يوصف إلا بما سمى ووصف به نفسه، ولو وضعت صفة أنه «الأول» بدلا من قديم لاستراح الفكر البشرى من هذا الجدل المحموم الذى استمر حتى الان حول صفة القدم ومدلولها ونسبتها إلى الله والعالم. فلا ينكر حتى زنادقة الفلسفة وملحدو الإشراقية أنه سبحانه هو: الأول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلَيْسَ مِنْ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ، فَاسْتَحَالَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ لَهُمَا، أَوْ يَجُوزُ عَلَيْهِمَا. ذَكَرَ حَدِيثَ أبى بكر مع ابن الرغنة: وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي بَكْرٍ حِينَ لَقِيَ ابْنَ الدّغُنّةِ، وَاسْمُهُ: مَالِكٌ، وَهُوَ سَيّدُ الْأَحَابِيشِ، وَقَدْ سَمّاهُمْ ابْنُ إسْحَاقَ، وَهُمْ: بَنُو الْحَارِثِ وَبَنُو الْهُونِ مِنْ كِنَانَةَ، وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ تَحَبّشُوا، أَيْ: تَجَمّوْا، فَسُمّوا الْأَحَابِيشَ. قِيلَ: إنّهُمْ تَحَالَفُوا عِنْدَ جُبَيْلٍ، يُقَالُ لَهُ حُبْشِيّ «1» ، فَاشْتُقّ لَهُمْ مِنْهُ هَذَا الِاسْمُ. وَقَوْلُهُ لِأَبِي بَكْرٍ: إنّك لِتَكْسِبَ الْمَعْدُومَ «2» ، يُقَالُ: كَسَبْتِ الرّجُلَ مَالًا،

_ (1) قال عنه ابن دريد فى الاشتقاق: جبل يقال له حبشى. ص 193. (2) فى رواية للبخارى أنه قال له: «إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق» ونحن نلحظ أنه عين ما قالته أم المؤمنين خديجة رضى الله عنها للنبى صلى الله عليه وسلم حين عاد إلى البيت ليلة الوحى والحديث فى البخارى بسنده عن عروة بن الزبير عن عائشة، وفيه أن أبا بكر خرج مهاجر إلى أرض الحبشة حتى بلغ برك- الكسر أشهر- الغماد، والدغنة بفتح الدال وكسر الغين وتخفيف النون، أو فتحها وفتح النون مع تشديدها، أو بضم الدال والغين وتشديد النون، وسمى بهذا لاسترخاء فى لسانه. أو لأن الدغنة أمه، أو أم أبيه، وقيل: دابته. وفى رواية البخارى: «وارتحل معه ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة عشية فى أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج» وفيه أيضا: «فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه فى داره، ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ فى غير داره، ثم بدا لأبى بكر، فابتنى مسجدا بفناء داره، وكان يصلى فيه، ويقرأ القرآن، فيتقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم» . رواه البخارى فى باب الهجرة إلى المدينة مطولا. وفى مواضع أخرى مختصرا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَتَعُدّيهِ إلَى مَفْعُولَيْنِ، هَذَا قَوْلُ الْأَصْمَعِيّ، وَحَكَى غَيْرُهُ: أَكَسَبْته مَالًا، فَمَعْنَى تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، أَيْ: تكسب غَيْرَك مَا هُوَ مَعْدُومٌ عِنْدَهُ، وَالدّغُنّةُ: اسْمُ امْرَأَةٍ عُرِفَ بِهَا الرّجُلُ، وَالدّغْنُ: الْغَيْمُ يَبْقَى بَعْدَ الْمَطَرِ. عَنْ الشّعْبِ وَنَقْضِ الصّحِيفَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ نَقْضَ الصّحِيفَةِ، وَقِيَامَ هِشَامٍ فِيهَا وَنَسَبَهُ، فقال: هشام ابن الْحَارِثِ، بْنُ حَبِيبٍ، وَفِي الْحَاشِيَةِ عَنْ أَبِي الوليد: إنما هو هشام بن عمرو ابن رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ «1» ، وَهَكَذَا وَقَعَ نَسَبُهُ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَكَانَ أَبُوهُ عَمْرٌو أَخَا نَضْلَةَ بْنِ هَاشِمٍ لِأُمّهِ. وَذَكَرَ أَنّهُ كَانَ يَأْتِي بِالْبَعِيرِ قَدْ أَوْقَرَهُ بَزّا بِالزّايِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي غَيْرِ نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بحر: برّا، وفى رواية يونس: بزّا أَوْ بُرّا عَلَى الشّكّ مِنْ الرّاوِي. وَذَكَرَ أَنّ مَنْصُورَ بْنَ عِكْرِمَةَ كَانَ كَاتِبَ الصّحِيفَةِ، فشلّت يده، وللنّسّاب

_ (1) لعل المؤلف كانت بيده نسخة من السيرة غير التى معنا، فالتى معنا فيها: هاشم بن عمرو بن ربيعة، ونسبه مختلف عما فى كتاب نسب قريش، فهو فيه هكذا: «هِشَامُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بن حبيب بن جذيمة بن مالك اين حسل بن عامر بن لؤى، فهو فى النسب كما ترى من نسل جذيمة بن مالك، أما فى السيرة فهو من نسل نصر بن مالك شقيق جذيمة، وقد قال مصعب عن هاشم هذا: «وهو الذى قَامَ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ الّتِي كَتَبَتْ قُرَيْشٌ على بنى هاشم فى نفر قاموا معه، منهم: مطعم بن عدى بن نوفل وزمعة بن الأسود بن المطلب، وأبو البخترى بن هشام بن الحارث فى رجال من قريش» ص 431، وانظر أيضا ص 412 عن سلالة عامر بن لؤى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ قُرَيْشٍ فِي كَاتِبِ الصّحِيفَةِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: أن كاتب الصحيفة هو: بغيض ابن عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عبد الدار، والقول الثانى: أنه منصور ابن عبد شرحبيل بن هاشم من بنى عبدا الدّارِ أَيْضًا، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الزّبَيْرُ فِي كَاتِبِ الصّحِيفَةِ غَيْرَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَالزّبَيْرِيّون أَعْلَمُ بِأَنْسَابِ قَوْمِهِمْ «1» . وَذَكَرَ مَا أَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الشّعْبِ مِنْ ضِيقِ الْحِصَارِ لَا يُبَايَعُونَ وَلَا يُنَاكَحُونَ، وَفِي الصّحِيحِ: أَنّهُمْ جَهِدُوا حَتّى كَانُوا يَأْكُلُونَ الْخَبَطَ وَوَرَقَ السّمَرِ، حَتّى إنّ أَحَدَهُمْ لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشّاةُ «2» ، وَكَانَ فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ. رُوِيَ أَنّهُ قَالَ: لَقَدْ جُعْت، حَتّى إنّي وَطِئْت ذَاتَ لَيْلَةٍ عَلَى شَيْءٍ رَطْبٍ، فَوَضَعْته فِي فَمِي وَبَلَعْته، وَمَا أَدْرِي مَا هُوَ إلَى الْآنَ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ: أَنّ سَعْدًا قَالَ: خَرَجْت ذَاتَ لَيْلَةٍ لِأَبُولَ، فَسَمِعْت قَعْقَعَةً تَحْتَ الْبَوْلِ، فَإِذَا قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدِ بَعِيرٍ يَابِسَةٍ، فَأَخَذْتهَا وَغَسَلْتهَا، ثُمّ أَحْرَقْتهَا ثُمّ رَضَضْتهَا، وَسَفِفْتهَا بِالْمَاءِ، فَقَوِيت بِهَا ثَلَاثًا، وَكَانُوا إذَا قَدِمَتْ الْعِيرُ مَكّةَ يَأْتِي أَحَدُهُمْ السّوقَ لِيَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ الطّعَامِ لِعِيَالِهِ، فَيَقُومُ أَبُو لَهَبٍ عدوّ الله، فيقول:

_ (1) ذكر هما المصعب الزبيرى ص 232 نسب قريش، وذكر أن كنية منصور هى: أبو الروم (2) فى اللسان: «وأما الذى فى حديث سعد: إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة. أراد: ان نجوهم- النجو: ما يخرج من البطن من غائط- كان يخرج بعرا ليبسه من أكلهم ورق السمر، وعدم الغذاء المألوف» مادة وضع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَا مَعْشَرَ التّجّارِ: غَالُوا عَلَى أَصْحَابِ مُحَمّدٍ، حَتّى لَا يُدْرِكُوا مَعَكُمْ شَيْئًا، فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لِي وَوَفَاءُ ذِمّتِي، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا خَسَارَ عَلَيْكُمْ، فَيَزِيدُونَ عَلَيْهِمْ فِي السّلْعَةِ، قِيمَتُهَا أَضْعَافًا حَتّى يَرْجِعَ إلَى أَطْفَالِهِ، وَهُمْ يَتَضَاغَوْنَ مِنْ الْجَوْعِ، وَلَيْسَ فِي يَدَيْهِ شَيْءٌ يُطْعِمُهُمْ بِهِ، وَيَغْدُو التّجّارُ عَلَى أَبِي لَهَبٍ، فَيُرْبِحُهُمْ فِيمَا اشْتَرَوْا مِنْ الطّعَامِ وَاللّبَاسِ، حَتّى جَهِدَ الْمُؤْمِنُونَ، وَمَنْ مَعَهُمْ جَوْعًا وَعُرْيًا، وَهَذِهِ إحْدَى الشّدَائِدِ الثّلَاثِ الّتِي دَلّ عَلَيْهَا تَأْوِيلُ الْغَطّات الثّلَاثِ الّتِي غَطّهُ جِبْرِيلُ حِينَ قَالَ لَهُ: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ فِي الْيَقَظَةِ، وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَهُ فِي مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ تَأْوِيلٌ وَإِيمَاءٌ، وَقَدْ تَقَدّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى هَذَا قَبْلُ، وَإِلَى آخِرِ حَدِيثِ الصّحِيفَةِ لَيْسَ فِيهَا مَا يَشْكُلُ «1»

_ (1) كان ابتداء حصرهم فى المحرم سنة سبع من المبعث، فأقاموا سنتين أو ثلاثا كما روى ابن إسحاق، وجزم موسى بن عقبة بأنها كانت ثلاث سنين. وذكر الواقدى أن خروجهم من الشعب كان فى سنة عشر من المبعث، ومات أبو طالب بعد أن خرجوا بقليل. ويقول الحافظ فى فتح البارى: «ولما لم يثبت عند البخارى شىء من هذه القصة اكنفى بإيراد حديث أبى هريرة: نصه: «قال: قال رسول الله (ص) حين أراد حنينا: منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بنى كنانة، حيث تقاسموا على الكفر» لأن فيه دلالة على أصل القصة، لأن الذى أورده أهل المغازى من ذلك كالشرح لقوله فى الحديث: على الكفر» ص 152 وما بعدها ج 7 فتح البارى. ويقول الحافظ فى نفس المكان أيضا عما أكلته الأرضة من الصحيفة: «أما ابن إسحاق وموسى بن عقبة وعروة فذكروا عكس ذلك أن الأرضة لم تدع اسما لله إلا أكلته، وبقى ما فيها من الظلم والقطيعة» قال البرهان ما حاصله: وهذا أثبت من الأول ص 290 ج 1 شرح المواهب اللدنية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شرح والية أَبِي طَالِبٍ: وَقَوْلُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا «1» قَدْ أَتَى بَحْرِيّنَا، يَعْنِي الّذِينَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، نَسَبَهُمْ إلَى الْبَحْرِ لِرُكُوبِهِمْ إيّاهُ، وَهَكَذَا وَجْهُ النّسَبِ إلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: إذَا نَشَأَتْ بَحْرِيّةٌ، وَزَعَمَ ابْنُ سِيدَهْ فِي كِتَابِ الْمُحْكَمِ لَهُ أَنّ الْعَرَبَ تَنْسِبُ إلَى الْبَحْرِ: بَحْرَانِيّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَأَنّهُ مِنْ شَوَاذّ النّسَبِ، وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إلَى سِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيلِ، وَلَمْ يَقُلْهُ سِيبَوَيْهِ قَطّ، وَإِنّمَا قَالَ فِي شَوَاذّ النّسَب: تَقُولُ فِي بَهْرَاءَ: بَهْرَانِيّ، وَفِي صَنْعَاءَ: صَنْعَانِيّ، كَمَا تَقُولُ: بَحْرَانِيّ فِي النّسَبِ إلَى الْبَحْرَيْنِ الّتِي هِيَ مَدِينَةٌ، وَعَلَى هَذَا تَلَقّاهُ جَمِيعُ النّحَاةِ، وَتَأَوّلُوهُ مِنْ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ، وَإِنّمَا شُبّهَ عَلَى ابْنِ سِيدَهْ لِقَوْلِ الْخَلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَعْنِي مَسْأَلَةَ النّسَبِ إلَى الْبَحْرَيْنِ، كَأَنّهُمْ بَنَوْا الْبَحْرَ عَلَى بَحْرَانِ، وَإِنّمَا أَرَادَ لفظ البحرين «2» ألا تراه يقول

_ (1) فى السيرة: ألا هل. (2) قياسها: بحرينى. ولكنهم قالوا: بحرانى، فقياس المثنى المجعول نونه معتقب الإعراب أن يكون فى الأحوال بالألف، فإلزام البحرين الياء شاذ إذن وإذا جعل نون المثنى معتقب الإعراب لم يحذف فى النسب لا هو ولا الألف فقيل: بحرانى على أنه منسوب إلى البحران المجعول نونه معتقب الإعراب ص 82 ح 2 شرح الشافية، وللتوضيح أقول: من العلماء من يلزم المثنى إذا سمى به الألف والنون ويعربه إعراب ما لا ينصرف، ومنهم من يلزمه الألف والنون ويصرفه فتظهر علامات الإعراب على النون رفعا وجرا ونصبا، ولا تكون الألف علامة إعراب، ولهذا ينسب إلى المثنى حينئذ دون حذف شىء منه مثل بحرانى. وقياس صنعاء وبهراء فى النسب: بهراوى وصنعاوى مثل حمراوى، ولكنهم أبدلوا النون من الواو شذوذا للمناسبة التى بينهما. وقيل فى النون التى فى صنعانى إنها بدل من الهمزة فى صنعاء، أو بدل من الواو فى نسبها القياسى، وهو صنعاوى كأنهم قالوا: صنعاوى كصحراوى، ثم أبدلوا من الواو نونا، وهو المختار عند

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ: تَقُولُ بَحْرَانِيّ فِي النّسَبِ إلَى الْبَحْرَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ النّسَبَ إلَى الْبَحْرِ أَصْلًا لِلْعِلْمِ بِهِ، وَأَنّهُ عَلَى الْقِيَاسِ جَارٍ، وَفِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفِ عَنْ الْيَزِيدِيّ أَنّهُ قَالَ: إنّمَا «1» قَالُوا: بَحْرَانِيّ فِي النّسَبِ إلَى الْبَحْرَيْنِ، وَلَمْ يَقُولُوا: بَحْرِيّ لِيُفَرّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النّسَبِ إلى البحر، وما زال ابن سيدة بعثر فِي هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ [عَثَرَاتٌ] يَدْمِي مِنْهَا الْأَظَلّ، وَيَدْحَضُ دَحَضَاتٍ تُخْرِجُهُ إلَى سَبِيلِ مَنْ ضَلّ «2» أَلَا تَرَاهُ قَالَ فِي هَذَا الْبَابِ: وَذَكَرَ بُحَيْرَةَ طَبَرِيّةَ، فَقَالَ: هِيَ مِنْ أَعْلَامِ خُرُوجِ الدّجّالِ، وَأَنّ مَاءَهَا يَيْبَسُ عِنْدَ خُرُوجِهِ، والحديث: إنما جاء فى «3» عين زُغَرٍ، وَإِنّمَا ذَكَرْت بُحَيْرَةَ طَبَرِيّةَ فِي حَدِيثِ يأجوج ومأجوج،

_ - الزمخشرى، لأن النون من الفم، والهمزة من أقصى الحلق، فلا مناسبة بينهما، أما النون فتقارب الواو. وقد سبق ذكر شىء من هذا. هذا وقد ورد فى اللسان منسوبا إلى ابن سيدة: «والنسب إلى البحر: بحرانى على غير قياس. قال سيبويه قال الخليل: كأنهم بنوا الاسم على فعلان» ثم نقل ابن منظور بعد هذا عين ما ذكره السهيلى ردا على ابن سيدة، وقد نسبه إلى السهيلى. وفيه: «اشبته على ابن سيدة» بدلا من شبه. والزيدى بدلا من اليزيدى. (1) فى الأصل: إذا، والتصويب من اللسان ص 233 الذى وردت فيه نفس هذه الفقرة. (2) الأظل باطن الإصبع، ودحض كقطع: زلقت رجله. (3) فى اللسان: غور. وفى معجم البكرى: عين زغر اختلف فيها، فقيل هى بالشام. قال الكلبى: زغر: امرأة نسبت إليها هذه العين. وفى حديث على أن عين زغر بالبصرة. وعين زغر هى التى سأل عنها الدجال فى حديث تميم الدارى. وقال ابن سهل الأحول: سميت بزغر بنت لوط. وفى المراصد: قرية بمشارف الشام فى طرف البحيرة المنتنة، وتسمى البحيرة بها، وهى قرب الكرك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَنّهُمْ يَشْرَبُونَ مَاءَهَا، وَقَالَ فِي الْجِمَارِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ: [إنّمَا] هِيَ الّتِي تُرْمَى بِعَرَفَةَ، وَهَذِهِ هَفْوَةٌ لَا تُقَالُ، وَعَثْرَةُ [لَا] لعالها «1» وَكَمْ لَهُ مِنْ هَذَا إذَا تَكَلّمَ فِي النّسَبِ وَغَيْرِهِ «2» ، وَمِنْ النّسَبِ إلَى الْبَحْرِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ حِينَ قَدِمَتْ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ: الْبَحْرِيّةُ الْحَبَشِيّةُ، فَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا هَلْ أَتَى بَحْرِيّنَا. وَقَوْلُهُ: وَاَللهُ بِالنّاسِ أَرْوَدُ: أَيْ: أَرْفَقُ، وَمِنْهُ: رُوَيْدك، أَيْ: رِفْقًا جَاءَ بِلَفْظِ التّصْغِيرِ؛ لِأَنّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ تَقْلِيلًا أَيْ: اُرْفُقْ قَلِيلًا، وَلَيْسَ لَهُ مُكَبّرٌ مِنْ لَفْظِهِ؛ لِأَنّ الْمَصْدَرَ: إرْوَادًا، إلّا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَصْغِيرِ التّرْخِيمِ، وَهُوَ أَنْ تُصَغّرَ الِاسْمُ الّذِي فِيهِ الزّوَائِدُ، فَتَحْذِفُهَا فِي التّصْغِيرِ، فَتَقُولُ فِي أَسْوَدَ: سُوَيْد، وَفِي مِثْلِ إرْوَادٍ: رُوَيْدٌ «3» . وَقَوْلُهُ: مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِقَرْقَرِ: أَيْ: لَيْسَ بِذَلِيلِ، لِأَنّ الْقَرْقَرَ: الأرض

_ (1) لعا: صوت معناه: الدعاء للعاثر بأن يرتفع من عثرته. يقال: لعا لفلان وفى الدعاء عليه بالتعس: يقولون: لا لعاله. والسياق يقتضى وجود كلمة: لا. وقد وضعتها لهذا، ومع ذلك فهى فى اللسان الذى نقل هذا النص كله عن السهيلى. (2) إلى هنا انتهى ما نقله اللسان عن الروض، وقد نقل من أول: زعم ابن سيدة فى كتاب المحكم. (3) تصغير الترخيم شاذ قليل، ويرى الفراء أن العلم وحده هو الذى يصغر تصغير الترخيم، لأن ما يبقى منه بعد الترخيم دليل على ما حذف لشهرة العلم، وأجازه البصريون فى غير العلم واستشهدوا بالمثل: عرف حميق جمله فصغر أحمق تصغير ترخيم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَوْطُوءَةُ الّتِي لَا تَمْنَعُ سَالِكَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدُ بِهِ: لَيْسَ بِذِي هَزْلٍ، لِأَنّ الْقَرْقَرَةَ: الضّحِكُ. وَقَوْلُهُ: وَطَائِرُهَا فِي رَأْسِهَا يَتَرَدّدُ. أَيْ: حَظّهَا مِنْ الشّؤْمِ وَالشّرّ، وَفِي التّنْزِيلِ: أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ الْإِسْرَاءُ: 13، وَقَوْلُهُ: لَهَا حُدُجٌ سَهْمٌ وَقَوْسٌ وَمِرْهَدُ، وَجَدْت فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ مِمّا كَتَبَهُ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْكِنَانِيّ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ: لَعَلّهُ حُدُجٌ بِضَمّ الْحَاءِ وَالدّالِ جَمْعُ حِدْجٍ عَلَى مَا حَكَى الْفَارِسِيّ، وَأَنْشَدَ شَاهِدًا عَلَيْهِ عَنْ ثَعْلَبٍ: قُمْنَا فَآنَسْنَا الْحُمُولَ وَالْحُدُجْ وَنَظِيرُهُ: سِتْرُ وَسُتُرٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ سِيدَهْ فِي مُحْكَمِهِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: إنّ الّذِي يَقُومُ لَهَا مَقَامَ الْحُدُجِ سَهْمٌ وَقَوْسٌ وَمِرْهَدُ. إلَى هُنَا انْتَهَى مَا فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَفِي الْعَيْنِ: الْحَدَجُ: حَسَكُ الْقُطْبِ [مَا دَامَ رَطْبًا] فَيَكُونُ «1» الْحَدَجُ فِي الْبَيْتِ مُسْتَعَارًا مِنْ هَذَا، أَيْ: لَهَا حَسَكٌ، ثُمّ فَسّرَهُ فَقَالَ: سَهْمٌ وَقَوْسٌ وَمِرْهَدُ «2» ، هَكَذَا فِي الْأَصْلِ بِالرّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ

_ (1) القطب: ضرب من النبات يذهب حبالا على الأرض طولا، وله زهرة صغراء، وشوكه إذا حصد ويبس يشق على الناس أن يطئوه، وفى الأصل: الحدج حسك العبط. والعبط: القطن، وهذا لا يتفق مع ما قبله من قوله: «الحدج حسك» وما أثبته من اللسان، وما بين القوسين زيادة من اللسان، وقول الفارسى عن ثعلب موجود فى اللسان؛ وقد فسرها أبو ذر الخشنى بما يأتى: «حدج كثرة، وأصل الحدج: صغار الحنظل والخشخاش، فشبه كثرتهم به. (2) عند الخشنى: مرهد بفتح الميم: رمح لين، ومن رواه فرهد، فمعناه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَقْلُوبًا مِنْ مَرْهَدٍ: مَفْعَل مِنْ رَهَدَ الثّوْبَ إذَا مَزّقَهُ، وَيَعْنِي بِهِ رُمْحًا أَوْ سَيْفًا، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَقْلُوبٍ، وَيَكُونُ مِنْ الرّهِيدِ، وَهُوَ النّاعِمُ أَيْ: يُنَعّمُ صَاحِبُهُ بِالظّفَرِ، أَوْ يُنَعّمُ هُوَ بِالرّيّ مِنْ الدّمِ، وَفِي بَعْضِ النّسَخِ: مَزَهد بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالزّاي، فَإِنْ صَحّتْ الرّوَايَةُ بِهِ، فَمَعْنَاهُ: مَزَهد فِي الْحَيَاةِ، وَحِرْصٌ عَلَى الْمَمَاتِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فِيهَا: إذَا جُعِلَتْ أَيْدِي الْمُفِيضِينَ تَرْعَدُ. يَعْنِي: أَيْدِي الْمُفِيضِينَ بِالْقِدَاحِ فِي الْمَيْسَرِ، وَكَانَ لَا يُفِيضُ مَعَهُمْ فِي الْمَيْسَرِ إلّا سَخِيّ، وَيُسَمّونَ مَنْ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ: الْبَرَمُ. وَقَالَتْ امْرَأَةٌ لِبَعْلِهَا- وَكَانَ بَرَمًا بَخِيلًا، وَرَأَتْهُ يُقْرِنُ بَضْعَتَيْنِ فِي الْأَكْلِ: أَبَرَمًا قُرُونًا «1» وَيُسَمّونَهُ أَيْضًا: الْحَصُورَ: يُرِيدُ أَبُو طَالِبٍ: إنّهُمْ يُطْعِمُونَ إذَا بَخِلَ النّاسُ. وَالْمَيْسَرُ: هِيَ الْجَزُورُ الّتِي تُقْسَمُ، يُقَالُ: يَسَرْت إذَا قَسَمْت، هَكَذَا فَسّرَهُ الْقُتَبِيّ وَأَنْشَدَ: أَقُولُ لَهُمْ بِالشّعْبِ إذْ يَيْسِرُونَنِي ... أَلَمْ يَيْأَسُوا أَنّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ «2» قَالَ: يَيْسِرُونَنِي أَيْ: يَقْتَسِمُونَ مَالِي، وَيُرْوَى: يأسروننى من الأسر

_ - الرمح الذى إذا طعن به، وسع الخرق، ومن رواه مزهد، فهو ضعيف لا معنى له إلا أن يراد به الشدة على معنى الاشتقاق. (1) فى اللسان: وفى المثل: أبر ما قرونا. أى: هو برم ويأكل مع ذلك تمرتين تمرتين (2) البيت فى اللسان، وقد نسبه فى مادة يسر إلى سحيم بن وثيل اليربوعى. وفيه: ألم تعلموا بدلا من: ألم ييأسوا. كان وقع عليه سباء فضرب عليه بالسهام. وفى مادة زهدم يقول: قال ابن برى: زهدم: اسم لفرس لسحيم بن وثيل، وفيه يقول ابن جابر: أقول لهم بالشعب الخ. والزهدم: الصقر، وزهدم: اسم فرس، وفارس يقال له: فارس زهدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: رَفْرَفُ الدّرْعُ أَحْرَدُ. رَفْرَفُ الدّرْعِ: فُضُولُهَا، وَقِيلَ فِي مَعْنَى: رَفْرَفٍ خُضْرٍ: فُضُولُ الْفُرُشِ وَالْبُسُطِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وَعَنْ عَلِيّ أَنّهَا: الْمَرَافِقُ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الرّفَارِفُ: رِيَاضُ الْجَنّةِ، وَالْأَحْرَدُ الّذِي فِي مَشْيِهِ تَثَاقُلٌ، وَهُوَ مِنْ الْحَرَدِ، وَهُوَ: عَيْبٌ فِي الرّجُلِ. وفيه: هم رجعوا سهل بن بَيْضَاءَ رَاضِيًا. سَهْلٌ هَذَا هُوَ: ابْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، يُعْرَفُ: بِابْنِ الْبَيْضَاءِ «1» ، وَهِيَ أُمّهُ، وَاسْمُهَا: دَعْدُ بِنْتُ جَحْدَمِ بْنِ أُمَيّةَ ابن ضَرِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ: سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ وَصَفْوَانُ بَنُو الْبَيْضَاءِ. وَقَوْله: وَإِنّي وَإِيّاهُمْ كَمَا قَالَ قَائِلٌ ... لَدَيْك الْبَيَانُ لَوْ تَكَلّمَتْ أَسْوَدُ «2» أَسْوَدُ: اسْمُ جَبَلٍ كَانَ قَدْ قُتِلَ فِيهِ قَتِيلٌ، فَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ، فنال أولياء المقتول هذه المقالة، فذهبت مثلا.

_ (1) ورد نسب وهب فى نسب قريش هكذا: «وهب، بن ربيعة بن هلال ابن مالك بن ضبة بن الحارث» ص 446 ولم يذكر غير سهيل وصفوان ابن وهب بن ربيعة بن هلال، لكن فى جمهرة ابن حزم: «سهل بن وهب بن ربيعة بن عامر بن مالك بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ «ص 167 جمهرة ابن حزم، ولم يذكر سهيلا. والأم فى النسب هى: دعد بنت جحدم بن عمرو بن عائش، وفى جمهرة ابن حزم جاء بعد عائش: ابن المطرف بن حارث بن فهر. (2) فى النسخة التى معنا: «فإنى وإياكم» وفى القاموس: أسود العين، وأسود النساء، وأسود العشاريات، وأسود الدم، وأسود الحمى: جبال، وفى الخشن أسود: اسم رجل، وأراد: يا أسود، وهو مثل يضرب للقادر على الشىء ولا يفعله ص 109.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَوْلُ حَسّانَ فِي مُطْعِمٍ وَهِشَامِ بْنِ عَمْرٍو: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ حَسّانَ فِي مُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ، وَيَذْكُرُ جِوَارَهُ لِلنّبِيّ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَذَلِكَ حِينَ رَجَعَ مِنْ الطّائِفِ، وَقِيَامُهُ فِي أَمْرِ الصّحِيفَةِ: فَلَوْ كَانَ مَجْدٌ يُخْلِدُ الدّهْرَ وَاحِدًا ... مِنْ النّاسِ أَبْقَى مَجْدُهُ الْيَوْمَ مُطْعِمًا «1» وَهَذَا عِنْدَ النّحْوِيّينَ مِنْ أَقْبَحِ الضّرُورَةِ، لِأَنّهُ قَدّمَ الْفَاعِلَ، وَهُوَ مُضَافٌ إلَى ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ، فَصَارَ فِي الضّرُورَةِ؛ مِثْلَ قَوْلِهِ: جَزَى رَبّهُ عَنّي عدىّ بن حاتم «2»

_ (1) استشهد به ابن عقيل فى شرح الألفية، وهو يشرح قول ابن مالك. وشاع نحو خاف ربه عمر ... وشذ نحو زان نوره الشجر أى: شاع تقديم المفعول المشتمل على ضمير يرجع إلى الفاعل المتأخر، وشذ عود الضمير من الفاعل المتقدم على المفعول المتأخر، وإنما شذ ذلك لأن فيه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة؛ لأن الشجر مفعول به، وهو متأخر لفظا، والأصل فيه أن ينفصل عن الفعل، فهو متأخر رتبة. وقد أجاز هذا الأخفش وابن جنى وأبو عبد الله الطوال وابن مالك فى التسهيل، ونصر الجرجانى مذهب الأخفش، وفى بيتنا هذا أخر المفعول وهو مطعم عن الفاعل، وهو مجده مع أن الفاعل مضاف إلى ضمير يعود على المفعول. فيقتضى رجوع الضمير إلى متأخر لفظا ورتبة. والبيت فى الاشتقاق: «فلو أن مجدا خلد الخ ص 88. (2) البيت لأبى الأسود الدؤلى يهجو عدى بن حاتم الطائى، وبقيته: «جزاء الكلاب العاويات وقد فعل» . وقد نسبه ابن جنى إلى النابغة الذبيانى. والشاهد فيه تأخير المفعول وهو عدى، وقدم الفاعل وهو ربه مع اتصال الفاعل بضمير يعود على المفعول. انظر خزانة الأدب للبغدادى ح 1 ص 190 وما بعدها وشرح ابن عقيل للألفية ح 1 ص 420 بتحقيق الشيخ محيى الدين عبد الحميد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غَيْرَ أَنّهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ أَشْبَهُ قَلِيلًا لِتَقَدّمِ ذِكْرِ مُطْعِمٍ، فَكَأَنّهُ قَالَ: أَبَقِيَ مَجْدُ هَذَا الْمَذْكُورِ الْمُتَقَدّمِ ذِكْرُهُ مُطْعِمًا. وَوَضَعَ الظّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، كَمَا لَوْ قُلْت: إنّ زَيْدًا ضَرَبْت جَارِيَتَهُ زَيْدًا، أَيْ: ضَرَبْت جَارِيَتَهُ إيّاهُ، وَلَا بَأْسَ بِمِثْلِ هَذَا، وَلَا سِيّمَا إذَا قَصَدْت قَصْدَ التّعْظِيمِ وَتَفْخِيمَ ذِكْرِ الْمَمْدُوحِ، كَمَا قال الشاعر: ومالى أَنْ أَكُونَ أَعِيبُ يَحْيَى ... وَيَحْيَى طَاهِرُ الْأَثْوَابِ بَرّ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عِنْدِي عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: وَبَكّي عَظِيمَ الْمَشْعَرَيْنِ، وَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مِنْ قَوْلِهِ: أَبْقَى مَجْدُهُ مَحْذُوفًا، فَكَأَنّهُ قَالَ: أَبْقَاهُ مَجْدُهُ أَبَدًا، وَالْمَفْعُولُ لَا قُبْحَ فِي حَذْفِهِ، إذَا دَلّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ. وَذَكَرَ قَوْلَ حَسّانَ فِي هِشَامِ بْنِ عمرو، وقال فيه: للحارث بن حبيّب ابن سُخَامٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ نَسَبُهُ، وَهُوَ حُبَيْبٌ بِالتّخْفِيفِ تَصْغِيرُ حِبّ، وَجَعَلَهُ حَسّانُ تَصْغِيرَ حَبِيبٍ، فَشَدّدَهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الضّرُورَةِ؛ إذْ لَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ فِي فُلَيْسٍ: فُلَيّسٍ، وَلَا فِي كُلَيْبٍ: كُلَيّبٍ فِي شِعْرٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَكِنْ لَمّا كَانَ الْحِبّ وَالْحَبِيبُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ جَعَلَ أَحَدُهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ، وَهُوَ حَسَنٌ فِي الشّعْرِ، وَسَائِغٌ فِي الْكَلَامِ، وَهِشَامُ بْنُ عَمْرٍو هَذَا أَسْلَمُ، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا فِيمَا ذَكَرُوا. وَقَوْلُهُ: ابْنُ سُخَامٍ، هُوَ: اسْمُ أُمّه، وَأَكْثَرُ أَهْلِ النّسَبِ يَقُولُونَ فِيهِ: شُحَام بِشِينِ مُعْجَمَةٍ، وَأَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ أَنّ أَبَا عُبَيْدَةَ النّسّابَة وَعَوَانَةَ يَقُولُونَ فِيهِ: سُحَامٌ بِسِينِ وَحَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ، وَاَلّذِي فِي الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ هِشَامٍ:

إسلام الطفيل بن عمرو الدوسى

[إسلام الطفيل بن عمرو الدوسى] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عَلَى مَا يَرَى مِنْ قَوْمِهِ، يَبْذُلُ لَهُمْ النّصِيحَةَ، وَيَدْعُوهُمْ إلَى النّجَاةِ مِمّا هُمْ فِيهِ. وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ، حِينَ مَنَعَهُ اللهُ مِنْهُمْ، يُحَذّرُونَهُ النّاسَ، وَمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَرَبِ. وَكَانَ الطّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدّوْسِيّ يُحَدّثُ: أَنّهُ قَدِمَ مَكّةَ- وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا- فَمَشَى إلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ- وَكَانَ الطّفَيْلُ رَجُلًا شَرِيفًا شَاعِرًا لَبِيبًا- فَقَالُوا لَهُ: يَا طُفَيْلُ، إنّك قَدِمْتَ بِلَادَنَا، وَهَذَا الرّجُلُ الّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ بِنَا، وَقَدْ فَرّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتّتْ أَمْرَنَا، وَإِنّمَا قَوْلُهُ كَالسّحْرِ يُفَرّقُ بَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ أَبِيهِ، وَبَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ، وَبَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَإِنّا نَخْشَى عَلَيْك وَعَلَى قَوْمِك مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا، فَلَا تُكَلّمَنّهُ وَلَا تسمعنّ منه شيئا. ـــــــــــــــــــــــــــــ سُخَامٌ بِسِينِ مُهْمَلَةٍ، وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ «1» وَلَفْظُ شخام مِنْ شَخِمَ الطّعَامُ، وَخَشَمَ إذَا تَغَيّرَتْ رَائِحَتُهُ، قاله أبو حنيفة.

_ (1) فى نسب قريش ص 432 أن شحاما بالشين والحاء هو: جذيمة بن مالك ابن حسل، وأنه جد هِشَامُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بن حبيب بضم الحاء- ابن جذيمة ابن مالك بن حسل. وفيه أيضا أن حبيبا بن جذيمة يقال له: شحام، وأن أمه هى مارية بنت عبد معيص. وفى النسب بيت آخر غير ثلاثة الأبيات التى فى السيرة: أخفى بنو خلف وأخنى قنفذ ... وأبو الربيع، وطار ثوب هشام ونسب هشام فى الجمهرة كما هو فى النسب ص 160، وفى الإصابة: حنيف بدلا من حبيب. وأن هشاما أعطاه النبى (ص) دون المائة من غنائم حنين.

قال: فو الله مَا زَالُوا بِي حَتّى أَجْمَعْتُ أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا أُكَلّمَهُ، حَتّى حَشَوْتُ فِي أُذُنَيّ حِينَ غَدَوْتُ إلَى الْمَسْجِدِ كُرْسُفًا فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ. قَالَ: فَغَدَوْت إلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَائِمٌ يُصَلّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ. قَالَ: فَقُمْت مِنْهُ قَرِيبًا، فَأَبَى اللهُ إلّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ. قَالَ: فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا. قال: فقلت فى نفسى: واثكل أُمّي!! وَاَللهِ إنّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيّ الْحَسَنُ مِنْ الْقَبِيحِ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرّجُلِ مَا يَقُولُ! فَإِنْ كَانَ الّذِي يَأْتِي بَهْ حَسَنًا قَبِلْتُهُ، وإن كان قبيحا تركته. قَالَ: فَمَكَثْت حَتّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَى بَيْتِهِ فَاتّبَعْتُهُ، حَتّى إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْت: يَا محمد، إنّ قومك قالوا لى كذا وكذا- للذى قالوا- فو الله مَا بَرِحُوا يُخَوّفُونَنِي أَمْرَك حَتّى سَدَدْت أُذُنَيّ بِكُرْسُفٍ لِئَلّا أَسْمَعَ قَوْلَك، ثُمّ أَبَى اللهُ إلّا أَنْ يُسْمِعَنِي قَوْلَك، فَسَمِعْتُهُ قَوْلًا حَسَنًا، فاعرض على مرك. قَالَ: فَعَرَضَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيّ الْقُرْآنَ، فَلَا وَاَللهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ، قَالَ: فَأَسْلَمْت، وَشَهِدْت شَهَادَةَ الْحَقّ، وَقُلْت: يَا نَبِيّ اللهِ إنّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، وَأَنَا رَاجِعٌ إلَيْهِمْ، وَدَاعِيهمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوهُمْ إلَيْهِ فَقَالَ: اللهُمّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً. قَالَ: فَخَرَجْت إلَى قَوْمِي، حَتّى إذَا كُنْت بِثَنِيّةٍ تُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ وَقَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام والد الطفيل وزوجته

نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ، فَقُلْت: اللهُمّ فِي غَيْرِ وَجْهِي، إنّي أَخْشَى، أَنْ يَظُنّوا أنها مثلة وقعت فى وجهى لفراق دِينَهُمْ. قَالَ: فَتَحَوّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي. قال: فجعل الحاضر يتراؤن ذَلِكَ النّورَ فِي سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلّقِ، وَأَنَا أَهْبِطُ إلَيْهِمْ مِنْ الثّنِيّةِ، قَالَ: حَتّى جِئْتُهُمْ فأصبحت فيهم. [إسلام والد الطفيل وزوجته] قَالَ: فَلَمّا نَزَلْت أَتَانِي أَبِي، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، قَالَ: فَقُلْت: إلَيْك عَنّي يَا أَبَتِ، فَلَسْتُ مِنْك، وَلَسْتَ مِنّي، قَالَ: وَلِمَ يَا بُنَيّ؟ قَالَ: قُلْت: أَسْلَمْتُ، وَتَابَعْت دِينَ مُحَمّدٍ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ: أَيْ بُنَيّ، فدينى دينك، قال: فقلت: فاذهب، فاغتسل، وطهّر ثيابك، ثم تعال حتى أعلمك ما علّمت. قَالَ: فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، وَطَهّرَ ثِيَابَهُ. قَالَ: ثُمّ جَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمَ. قَالَ: ثُمّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي، فَقُلْت: إلَيْك عَنّي، فَلَسْتُ مِنْك وَلَسْت مِنّي، قَالَتْ: لِمَ؟ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، قَالَ: قُلْت: قَدْ فَرّقَ بَيْنِي وَبَيْنَك الْإِسْلَامُ، وتابعت دين محمد- صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: فَدِينِي دِينُك، قَالَ: قُلْت: فَاذْهَبِي إلَى حِنَا ذِي الشّرَى- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: حمى ذى الشّرى- فتطهّرى منه. ذُو الشّرَى صَنَمًا لِدَوْسٍ، وَكَانَ الْحِمَى حِمَى حموه له، بِهِ وَشَلٌ مِنْ مَاءٍ يَهْبِطُ مِنْ جَبَلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال: قالت: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، أَتَخْشَى عَلَى الصّبِيّةِ مِنْ ذِي الشّرَى شَيْئًا، قَالَ: قُلْت: لَا، أَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ، فَذَهَبَتْ فَاغْتَسَلَتْ، ثُمّ جَاءَتْ فَعَرَضْت عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمَتْ. ثُمّ دَعَوْت دَوْسًا إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَبْطَئُوا عَلَيّ، ثُمّ جِئْتُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكّةَ، فَقُلْت لَهُ: يَا نَبِيّ اللهِ، إنّهُ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى دوس الزّنا، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: اللهُمّ اهْدِ دَوْسًا، ارْجِعْ إلَى قَوْمِك فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، حَتّى هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ، ثم قدمت عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَنْ أَسْلَمَ مَعِي مِنْ قَوْمِي، وَرَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بِخَيْبَرِ، حَتّى نَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ، ثُمّ لَحِقْنَا بِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بِخَيْبَرِ، فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ. ثُمّ لَمْ أَزَلْ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتّى إذَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ مَكّةَ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْعَثْنِي إلَى ذِي الْكَفّيْنِ، صَنَمِ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ حَتّى أُحْرِقَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ إلَيْهِ، فَجَعَلَ طُفَيْلٌ يُوقِدُ عَلَيْهِ النّارَ، وَيَقُول: يا ذا الكفين لست من عبّادكا ... مِيلَادُنَا أَقْدَمُ مِنْ مِيلَادِكَا إنّي حَشَوْتُ النّارَ فى فؤادكا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من قصة أعشى بن قيس بن ثعلبة

قَالَ: ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان، معه بالمدينة، حَتّى قَبَضَ اللهُ رَسُولَهُ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَلَمّا ارْتَدّتْ الْعَرَبُ، خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَسَارَ مَعَهُمْ، حَتّى فَرَغُوا مِنْ طُلَيْحَةَ، وَمِنْ أَرْضِ نَجْدٍ كُلّهَا. ثُمّ سَارَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْيَمَامَةِ- وَمَعَهُ ابْنُهُ عَمْرُو بْنُ الطّفَيْلِ- فَرَأَى رُؤْيَا وَهُوَ مُتَوَجّهٌ إلَى الْيَمَامَةِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إنّي قَدْ رَأَيْت رُؤْيَا، فَاعْبُرُوهَا لِي، رَأَيْتُ أَنّ رَأْسِي حُلِقَ، وَأَنّهُ خَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ، وَأَنّهُ لَقِيَتْنِي امْرَأَةٌ، فَأَدْخَلَتْنِي فِي فرجها، وأرى ابنى يطلبنى طلبا حَثِيثًا، ثُمّ رَأَيْتُهُ حُبِسَ عَنّي، قَالُوا: خَيْرًا. قَالَ: أَمّا أَنَا وَاَللهِ، فَقَدْ أَوّلْتُهَا، قَالُوا: مَاذَا؟ قَالَ: أَمّا حَلْقُ رَأْسِي فَوَضْعُهُ، وَأَمّا الطّائِرُ الّذِي خَرَجَ مِنْ فَمِي فَرُوحِي، وَأَمّا الْمَرْأَةُ الّتِي أَدَخَلَتْنِي فَرْجَهَا، فَالْأَرْضُ تُحْفَرُ لِي، فأغيّب فيها، أما طَلَبُ ابْنِي إيّايَ ثُمّ حَبْسُهُ عَنّي، فَإِنّي أُرَاهُ سَيَجْهَدُ أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَنِي، فَقُتِلَ رَحِمَهُ اللهُ شَهِيدًا بِالْيَمَامَةِ، وَجُرِحَ ابْنُهُ جِرَاحَةً شَدِيدَةً، ثُمّ اسْتَبَلّ مِنْهَا، ثُمّ قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ شهيدا. [من قصة أعشى بن قيس بن ثعلبة] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي خَلّادُ بْنُ قُرّةَ بْنِ خَالِدِ السّدُوسِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ أَعْشَى بنى قيس بن ثعلبة بن عكابة ابْنُ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وائل، [بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى ابن جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ] خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَقَالَ يَمْدَحُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبتّ كمابات السّلِيمُ مُسَهّدَا وَمَا ذَاكَ مِنْ عِشْقِ النّسَاءِ، وإنما ... تناسيت قبل اليوم خلّة مَهْدَدَا وَلَكِنْ أَرَى الدّهْرَ الّذِي هُوَ خَائِنٌ ... إذَا أَصْلَحَتْ كَفّايَ عَادَ، فَأَفْسَدَا كُهُولًا وَشُبّانًا فَقَدْتُ وَثَرْوَةً ... فَلِلّهِ هَذَا الدّهْرُ كَيْفَ تَرَدّدَا!! وَمَا زِلْتُ أَبْغِي الْمَالَ مُذْ أَنَا يَافِعٌ ... وَلِيدًا وَكَهْلًا حِينَ شِبْت وَأَمْرَدَا وَأَبْتَذِلُ الْعِيسَ المراقيل تعتلى ... مَسَافَةَ مَا بَيْنَ النّجَيْرِ فَصَرْخَدَا أَلَا أَيّهَذَا السّائِلِي أَيْنَ يَمّمَتْ ... فَإِنّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا فَإِنْ تَسْأَلِي عَنّي، فَيَا رُبّ سَائِلٍ ... حَفِيّ عَنْ الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا أَجَدّتْ بِرِجْلَيْهَا النّجَاءَ، وَرَاجَعَتْ ... يَدَاهَا خِنَافًا لَيّنًا غير أحردا وفيها- إذا ما هجّرت- عجر فيّة ... إذَا خِلْت حِرْبَاءَ الظّهِيرَةِ أَصْيَدَا وَآلَيْت لَا آوِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ ... وَلَا مِنْ حَفًى حَتّى تُلَاقِي مُحَمّدَا مَتَى مَا تُنَاخِي عِنْدَ بَابِ ابْنِ هَاشِمٍ ... تُرَاحِي، وَتَلْقَيْ مِنْ فَوَاضِلِهِ نَدَى نَبِيّا يَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَذِكْرُهُ ... أَغَارَ لَعَمْرِي فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا لَهُ صَدَقَاتٌ مَا تُغِبّ وَنَائِلٌ ... وَلَيْسَ عَطَاءُ الْيَوْمِ مَانِعَهُ غَدَا أَجِدّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ مُحَمّدٍ ... نَبِيّ الْإِلَهِ حَيْثُ أَوْصَى، وَأَشْهَدَا إذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادِ مَنْ الْتَقَى ... وَلَاقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوّدَا نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ كَمِثْلِهِ ... فَتُرْصِدَ لِلْأَمْرِ الّذِي كَانَ أَرْصَدَا فَإِيّاكَ وَالْمَيْتَاتِ لَا تَقْرَبَنّهَا ... وَلَا تَأْخُذَنْ سَهْمًا حَدِيدًا، لِتُفْصِدَا وَذَا النّصَبَ الْمَنْصُوبَ لَا تَنْسُكَنّهُ ... وَلَا تَعْبُدْ الْأَوْثَانَ، وَاَللهَ فَاعْبُدَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مصير الأعشى

وَلَا تَقْرَبَنّ حُرّةً كَانَ سِرّهَا ... عَلَيْكَ حَرَامًا فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبّدَا وَذَا الرّحِمِ الْقُرْبَى فَلَا تَقْطَعَنّهُ ... لِعَاقِبَةِ وَلَا الْأَسِيرَ الْمُقَيّدَا وَسَبّحْ عَلَى حِينِ الْعَشِيّاتِ وَالضّحَى ... وَلَا تَحْمَدْ الشّيْطَانَ وَاَللهَ فَاحْمَدَا وَلَا تَسْخَرًا مِنْ بَائِسٍ ذِي ضَرَارَةٍ ... ولا تحسبنّ المال للمرء مخلدا [مصير الأعشى] فَلَمّا كَانَ بِمَكّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَمْرِهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنّهُ جَاءَ يُرِيدُ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؛ لِيُسْلِمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَصِيرٍ، إنّهُ يُحَرّمُ الزّنَا، فَقَالَ الْأَعْشَى: والله إن ذلك لأمر مالى فِيهِ مِنْ أَرَبٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَصِيرٍ، فَإِنّهُ يُحَرّمُ الْخَمْرَ، فَقَالَ الْأَعْشَى: أَمّا هذه فو الله إنّ فِي النّفْسِ مِنْهَا لَعُلَالَاتٍ، وَلَكِنّي مُنْصَرِفٌ فَأَتَرَوّى مِنْهَا عَامِي هَذَا، ثُمّ آتِيهِ فَأُسْلِمُ. فَانْصَرَفَ فَمَاتَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَعُدْ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [ذلة أبى جهل] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ عَدُوّ اللهِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ مَعَ عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَبُغْضِهِ إيّاهُ، وَشِدّتِهِ عَلَيْهِ، يُذِلّهُ اللهُ لَهُ إذَا رَآهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أبو جهل والإراشى

[أبو جهل والإراشى] قال ابن إسحاق: حدثني عبد الملك بن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثّقَفِيّ، وَكَانَ وَاعِيَةً، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ إرَاشٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: إرَاشَةَ- بِإِبِلِ لَهُ مَكّةَ، فابتاعها منه أبو جهل، فَمَطَلَهُ بِأَثْمَانِهَا. فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَرَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ جَالِسٌ، فَقَالَ: يا معشر قريش، من رجل يؤدّ بنى عَلَى أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ، فَإِنّي رَجُلٌ غَرِيبٌ، ابْنُ سَبِيلٍ، وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقّي؟: فَقَالَ لَهُ أَهْلُ ذَلِك الْمَجْلِسِ: أَتَرَى ذَلِك الرّجُلَ الْجَالِسَ- لِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- وهم يهزؤن بِهِ؛ لِمَا يَعْلَمُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الْعَدَاوَةِ- اذْهَبْ إلَيْهِ، فَإِنّهُ يُؤَدّيك عَلَيْهِ. فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ إنّ أَبَا الْحَكَمِ بْنَ هِشَامٍ قَدْ غلبنى على حقّ لى قبله، وأنا غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ، وَقَدْ سَأَلْت هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَنْ رَجُلٍ يُؤَدّينِي عَلَيْهِ، يَأْخُذُ لِي حَقّي مِنْهُ، فَأَشَارُوا لِي إلَيْك، فَخُذْ لِي حَقّي مِنْهُ، يَرْحَمُك اللهُ، قَالَ: انْطَلِقْ إلَيْهِ، وَقَامَ مَعَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَلَمّا رَأَوْهُ قَامَ مَعَهُ، قَالُوا لِرَجُلِ مِمّنْ مَعَهُمْ: اتْبَعْهُ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ. قَالَ: وَخَرَجَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى جَاءَهُ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: مُحَمّدٌ، فَاخْرُجْ إلَيّ، فَخَرَجَ إلَيْهِ، وَمَا فِي وَجْهِهِ مِنْ رَائِحَةٍ، قَدْ اُنْتُقِعَ لَوْنُهُ، فَقَالَ: أَعْطِ هَذَا الرّجُلَ حَقّهُ، قَالَ: نَعَمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ركانة ومصارعته

لَا تَبْرَحْ حَتّى أُعْطِيَهُ الّذِي لَهُ، قَالَ: فَدَخَلَ، فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقّهِ، فَدَفَعَهُ إلَيْهِ. قَالَ: ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَقَالَ لِلْإِرَاشِيّ: الْحَقْ بِشَأْنِك، فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، فَقَالَ: جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا، فَقَدْ وَاَللهِ أَخَذَ لِي حَقّي. قَالَ: وَجَاءَ الرّجُلُ الّذِي بَعَثُوا مَعَهُ، فَقَالُوا: وَيْحَك! مَاذَا رَأَيْت؟ قَالَ: عَجَبًا مِنْ الْعَجَبِ، وَاَللهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَخَرَجَ إلَيْهِ وَمَا مَعَهُ رُوحُهُ، فَقَالَ لَهُ: أَعْطِ هَذَا حَقّهُ، فَقَالَ: نَعَمْ، لَا تَبْرَحْ حَتّى أُخْرِجَ إلَيْهِ حَقّهُ فَدَخَلَ فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقّهِ، فَأَعْطَاهُ إيّاهُ. قَالَ: ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَبُو جَهْلٍ أَنْ جَاءَ، فَقَالُوا لَهُ: وَيْلَك! مَا لَك؟ وَاَللهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَنَعْت قَطّ! قَالَ: وَيْحَكُمْ، وَاَللهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيّ بَابِي، وَسَمِعْت صَوْتَهُ، فَمُلِئَتْ رُعْبًا، ثُمّ خَرَجْتُ إلَيْهِ، وَإِنّ فَوْقَ رَأْسِهِ لَفَحْلًا مِنْ الْإِبِلِ، مَا رَأَيْت مِثْلَ هَامَتِهِ، وَلَا قَصَرَتِهِ، وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قط، والله لو أبيت لأكلنى. [ركانة ومصارعته] قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار، قال: كان ركانة ابْنُ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بن عبد مناف أشدّ قريش، فحلا يَوْمًا بِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِي بَعْضِ شِعَابِ مَكّةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: يَا رُكَانَةُ، أَلَا تَتّقِي اللهَ، وَتَقْبَلُ مَا أَدْعُوك إلَيْهِ؟ قَالَ: إنّي لَوْ أَعْلَمُ أَنّ الّذِي تَقُولُ حقّ لا تبعتك، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قدوم وفد النصارى من الحبشة

أَفَرَأَيْت إنْ صَرَعْتُك، أَتَعْلَمُ أَنّ مَا أَقُولُ حَقّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقُمْ حَتْي أُصَارِعَك. قَالَ: فَقَامَ إلَيْهِ رُكَانَةُ يُصَارِعُهُ، فَلَمّا بَطَشَ به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أَضْجَعَهُ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا، ثُمّ قَالَ: عُدْ يَا مُحَمّدُ، فَعَادَ فَصَرَعَهُ، فَقَالَ يَا مُحَمّدُ: وَاَللهِ إنّ هَذَا لَلْعَجْبُ، أَتَصْرَعُنِي! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ إنْ شِئْت أَنْ أُرِيَكَهُ، إنْ اتّقَيْتَ اللهَ وَاتّبَعْت أَمْرِي، قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: أَدْعُو لَك هَذِهِ الشّجَرَةَ الّتِي تَرَى فَتَأْتِينِي، قَالَ: اُدْعُهَا، فَدَعَاهَا، فَأَقْبَلَتْ حَتّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَقَالَ لَهَا: ارْجِعِي إلَى مَكَانِك. قَالَ: فَرَجَعَتْ إلَى مَكَانِهَا! قَالَ: فَذَهَبَ رُكَانَةُ إلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا بَنِي عبد مناف، ساحروا بصاحبكم أهل الأرض، فو الله مَا رَأَيْت أَسْحَرَ مِنْهُ قَطّ، ثُمّ أَخْبَرَهُمْ بالذى رأى، والذى صنع. [قدوم وفد النصارى من الحبشة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَهُوَ بِمَكّةَ- عِشْرُونَ رَجُلًا، أَوْ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ النّصَارَى، حِينَ بَلَغَهُمْ خَبَرُهُ مِنْ الْحَبَشَةِ، فَوَجَدُوهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَلَسُوا إلَيْهِ وَكَلّمُوهُ وَسَأَلُوهُ، وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي أَنْدِيَتِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ مَسْأَلَةِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عَمّا أَرَادُوا، دَعَاهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَى اللهِ- عَزّ وجلّ- وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لله، وآمنوا به وصدّقوه، وعرفوا منه ما كَانَ يُوصَفُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِمْ مِنْ أَمْرِهِ. فَلَمّا قَامُوا عَنْهُ اعْتَرَضَهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُمْ: خَيّبَكُمْ اللهُ مِنْ رَكْبٍ! بَعَثَكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ تَرْتَادُونَ لَهُمْ؛ لِتَأْتُوهُمْ بِخَبَرِ الرّجُلِ، فَلَمْ تَطْمَئِنّ مَجَالِسُكُمْ عِنْدَهُ، حَتّى فَارَقْتُمْ دينكم، وصدّقتموه بمال، مَا نَعْلَمُ رَكْبًا أَحْمَقَ مِنْكُمْ، أَوْ كَمَا قَالُوا، فَقَالُوا لَهُمْ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، لَا نُجَاهِلُكُمْ، لَنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، وَلَكُمْ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، لَمْ نَأْلُ أَنْفُسَنَا خَيْرًا. وَيُقَالُ: إنّ النّفر من النّصارى من أهل بحران، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ. فَيُقَالُ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- فِيهِمْ نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ، الْآيَاتُ: «الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنّا بِهِ، إِنّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّنَا، إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ» ... إلَى قَوْلِهِ: «لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، سَلَامٌ عليكم لا نبتغى الجاهلين» القصص: 52، 53، 55. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ سَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِيمَنْ أُنْزِلْنَ، فَقَالَ لى: ما سمع مِنْ عُلَمَائِنَا أَنّهُنّ أُنْزِلْنَ فِي النّجَاشِيّ وَأَصْحَابِهِ، وَالْآيَةُ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ مِنْ قَوْلِهِ: «ذَلِكَ بِأَنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَانًا، وَأَنّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ» ... إلى قوله: «فاكتبنا مع الشّاهدين» المائدة: 82، 83. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إذَا جَلَسَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فِي الْمَسْجِدِ، فَجَلَسَ إلَيْهِ الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ: خَبّابٌ، وَعَمّارٌ، وَأَبُو فَكِيهَةَ يَسَارٌ مَوْلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُحَرّثٍ، وَصُهَيْبٌ، وَأَشْبَاهُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، هَزِئَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: هَؤُلَاءِ أَصْحَابُهُ كَمَا تَرَوْنَ، أَهَؤُلَاءِ مَنّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا بِالْهُدَى وَالْحَقّ! لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بَهْ مُحَمّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا هؤلاء إليه، وما خَصّهُمْ اللهُ بِهِ دُونَنَا. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: «وَلَا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ، وَكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا: أَهَؤُلَاءِ مَنّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا، أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ. وَإِذَا جَاءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا، فَقُلْ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرّحْمَةَ أَنّهُ مَنْ عمل منكم سوآ بِجَهَالَةٍ، ثُمّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنّهُ غفور رحيم» الأنعام: 52- 54 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم- فِيمَا بَلَغَنِي- كَثِيرًا مَا يَجْلِسُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ إلَى مَبْيَعَةِ غُلَامٍ نَصْرَانِيّ، يُقَالُ لَهُ: جَبْرٌ، عبد لبنى الحضرمىّ، فكانوا يقون: وَاَللهِ مَا يُعَلّمُ مُحَمّدًا كَثِيرًا مِمّا يَأْتِي بَهْ إلّا جَبْرٌ النّصْرَانِيّ، غُلَامُ بَنِي الْحَضْرَمِيّ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ» النحل: 103. قال ابن هشام: يلحدون إليه: يميلون، وَالْإِلْحَادُ: الْمَيْلُ عَنْ الْحَقّ قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ العجّاج: إذا تبع الضّحّاك كلّ ملحد ... [ونحن ضرّابون هام العنّد] ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي الضّحّاكَ الْخَارِجِيّ، وَهَذَا الْبَيْتُ فى أرجوزة له ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حول حديث طفيل الروسي وَذِي الْكَفّيْنِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ طُفَيْلِ بْنِ عمرو الدّوسىّ، وهو طفيل بن عمرو ابن طَرِيفِ بْنِ الْعَاصِي بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ جَهْمِ بْنِ دَوْسٍ إلَى آخِرِهِ «1» وَلَيْسَ فِيهِ إشْكَالٌ إلّا قَوْلُهُ: حِنَا ذِي الشّرَى، وَقَدْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ حُمّى، وَهُوَ مَوْضِعُ حَمْوِهِ لِصَنَمِهِمْ ذِي الشّرَى، فَإِنْ صَحّتْ رِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ، فَالنّونُ قَدْ تُبَدّلُ مِنْ الْمِيمِ، كَمَا قَالُوا: حُلّانُ وَحُلّامُ لِلْجَدْيِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَنَوْت الْعُودَ، وَمِنْ مَحْنِيّةِ الْوَادِي، وَهُوَ مَا انْحَنَى مِنْهُ. وَقَوْله: يَا ذَا الْكَفَيْنِ «2» لَسْت مِنْ عُبّادِكَا. أَرَادَ: الْكَفّيْنِ بِالتّشْدِيدِ، فَخَفّفَ لِلضّرُورَةِ، غَيْرَ أَنّ فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَنّ الصّنَمَ كَانَ يُسَمّى: ذَا الْكَفَيْنِ، وخفف

_ (1) فى الإصابة: ابن فهم بدلا من: جهم. وله فيها نسب آخر هو: ابن عبد عمرو بن عبد الله بن مالك، بن عمرو بن فهم، لقبه: ذو النور، وحكى المرزبانى فى معجمه أنه الطفيل بن عمرو بن حممة ويقول ابن حجر فى الإصابة عن قصة الطفيل فى السيرة: «ذكرها ابن إسحاق فى سائر النسخ بلا إسناد، وأخرجه ابن سعد أيضا من وجه آخر وكذلك الأموى عن ابن الكلبى بإسناد آخر. هذا وقد ذكر ابن حبان أنه مات باليرموك، وقيل: بأجنادين كما ذكر موسى بن عقبة وأبو الأسود عن عروة. (2) فى الأصنام لابن الكلبى ص 27 ط 1: «وكان لدوس ثم لبنى منهب ابن دوس صنم يقال له: ذو الكفين، فلما أسلموا بعث النبى «ص» الطفيل ابن عمر الدوسى فحرقه. وروى الرجز، وفى جمهرة ابن حزم: «كان لخزاعة ودوس، كره عمرو بن حممة الدوسى» ص 460، وفى المراصد: أن فاءه تخفف وتضعف. وقد ذكره القاموس فى مادة كف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْفَاءَ بِخَطّهِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُشَدّدَةً، فَدَلّ أَنّهُ عِنْدَهُ مُخَفّفٌ فِي غَيْرِ الشّعْرِ، فَإِنْ صَحّ هَذَا فَهُوَ مَحْذُوفُ اللّامِ، كَأَنّهُ تَثْنِيَةُ كفء، من كفأت الإناء، أو إذا كفء بِمَعْنَى كَفْءٍ؟! ثُمّ سُهّلَتْ الْهَمْزَةُ، وَأُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى الْفَاءِ، كَمَا يُقَالُ: الْخَبْءُ وَالْخَبُ «1» ، وَفِي الْحَدِيثِ: أَنّ أَهْلَ الْحَاضِرِ مِنْ دَوْسٍ كَانُوا يتراؤنه فِي الثّنِيّةِ، وَفِي سَوْطِهِ كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلّقِ «2» ، وَذَكَرَهُ الْمُبَرّدُ فَقَالَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ: جَعَلُوا يَنْظُرُونَ إلَى الْجَبَلِ، وَهُوَ يَهْتِفُ مِنْ شِدّةِ الضّيَاءِ وَالنّورِ، وَرَوَى، أَبُو الزّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمّا قَالَ طُفَيْلٌ لِلنّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- إن

_ (1) يقول ابن الحاجب فى باب تخفيف الهمزة المتحركة الساكن ما قبلها: «والمتحركة إن كان قبلها ساكن، وهو واو أو ياء زائدتان لغير الإلحاق قلبت إليها، وأدغمت فيها كخطية، ومقروة، وأفيس ... وإن كان حرفا صحيحا أو معتلا غير ذلك نقلت حركتها إليه، وحذفت نحو: مسلة وخب وشى وسو» ص 32 ح 3 شرح الشافية، ويقول الرضى: اعلم أنه إذا وقف على المتحركة المتطرفة، فإما أن يوقف على مذهب أهل التحقيق، أو على مذهب أهل التخفيف، فالأول مضى حكمه مستوفى فى باب الوقف، وأما على مذهب أهل التخفيف فإنه تخفف الهمزة أولا؛ لأن حالة الوصل متقدمة على حالة الوقف، ونقل الهمزة حاصل حالة الوصل، فتخفف على ما هو حق التخفيف من النقل والحذف فى نحو الخبء والقلب والإدغام فى نحو: برئ ومقروء، فيبقى الخب بتحريك الباء كالدم، ثم يوقف عليه بالسكون المحض، والروم أو الإشمام أو التضعيف» ص 43 ح 3 شرح الشافية. (2) هذا كلام رواه الطبرى وأبو الفرج الأصبهانى عن طريق ابن الكلبى، فتأمل الطريق. وحادث مثل هذا كان يدعو إلى أن تتواتر عن الناس أخباره، لا أن يروى هكذا كوسوسة الشيطان تحصره الملائكة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دَوْسًا غَلَبَ عَلَيْهَا الزّنَى وَالرّبَا، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ، قُلْنَا: هَلَكَتْ دَوْسٌ، حَتّى قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللهُمّ اهد دوسا «1» . الأعشى وواليته وَحَمْزَةُ وَالشّرَفُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ حَدِيثَ الْأَعْشَى «2» وَقَصِيدَتَهُ إلَى آخِرِهَا، فَلَمّا كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَكّةَ لَقِيَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: إلَى أَيْنَ يَا أَبَا بِصَيْرِ؟ الْحَدِيثَ، وَذَكَرَ تَحْرِيمَهُ الْخَمْرَ، وَتَحْرِيمَهُ الزّنَى، وَقَوْلُ الْأَعْشَى: أَمّا الْخَمْر فَفِي النّاسِ مِنْهَا عُلَالَاتٌ وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ هِشَامٍ: كَانَ الْقَائِلُ لِلْأَعْشَى هَذِهِ الْمَقَالَةُ أَبُو جهل. قالها فى دار عتبة ابن رَبِيعَةَ، وَكَانَ نَازِلًا عِنْدَهُ، قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذِهِ غَفْلَةٌ مِنْ ابْنِ هِشَامٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ، فَإِنّ النّاسَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنّ الْخَمْرَ لَمْ يَنْزِلْ تَحْرِيمُهَا إلّا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ مَضَتْ بَدْرٌ وَأُحُدٌ «3» ، وَحُرّمَتْ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَهِيَ من آخر ما نزل، وفى

_ (1) رواه الشيخان (2) كان أبوه قيس يدعى: قتيل الجوع؛ لأنه دخل غارا، فوقعت صخرة، فسدت الغار، فمات جوعا ص 83 سمط اللالى، وفى طبقات الشعراء لابن قتيبة أن رحلته كانت فى صلح الحديبية، وهذا يوافق ما ذهب إليه السهيلى، وما ذكر عن تحريم الخمر، وما ورد فى القصيدة ونسبه فى الأغانى: مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلِ بْنِ شَرَاحيل بن عوف، ابن سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الحصن الخ وما بين قوسين فى السيرة زدته عن الأغانى. كان الأعشى يلقب بصناجة العرب، لأنه- كما يقول صاحب الأغانى- كان يغنى فى شعره. (3) تظاهرت عدة أحاديث تؤيد هذا الرأى، وفى البخارى بسنده عن جابر قال: «صبح أناس غداة أحد الخمر، فقتلوا من يومهم شهداء، وذلك قبل تحريمها»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصّحِيحَيْنِ مِنْ ذَلِكَ قِصّةُ حَمْزَةَ حِينَ شَرِبَهَا، وَغَنّتْهُ الْقَيْنَتَانِ: أَلَا يَا حَمْزَ، لِلشّرُفِ «1» النّوَاءِ، فبقر خواصر الشارفين، واجتبّ أسنمتهما.

_ (1) الحديث كما قال. وخلاصته أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان قد أعطى عليا شارفا- والشارف من الإبل الناقة التى قد أسنت- من غنائم بدر غير شارف آخر كان لعلى نصيبا من غنائم بدر، وذهب على لبعض شأنه، والشارفان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار، فلما عاد على وجدهما، وقد قطعت أسنمتهما، وبقرت خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، فبكى على، وعرف أن فاعل ذلك هو عمه حمزة الذى كان مع جماعة من الأنصار يشربون الخمر، فسكر، وغنته جاريتان شعرا- سيأتى بعد- فقام وفعل بالشارفين ما تقدم ذكره، فذهب على يشكو النبى «ص» فذهب النبى «ص» إلى البيت الذى فيه حمزة، وطفق يلومه، فراح يصعد النظر فى رسول الله «ص» عدة مرات، ثم قال حمزة: هل أنتم إلا عبيد لأبى، فعرف الرسول «ص» أنه قد ثمل- أى غشاه السكر- فنكص على عقبيه القهقرى، وقد غنت الجاريتان حمزة بما يأتى: ألا يا حمز الشرف النواء ... وهن معقلات بالفناء ضع السكين فى اللبات منها ... وضر جهن حمزة بالدماء وعجل من أطايبها لشرب ... قديدا من طبيخ أو شواء وقد أراد الذى أمر القينتين أن تغنيا هذا بعث همة حمزة- لما عرف من كرمه- لنحر الناقتين. والنواء بكسر النون جمع ناوية، وهى الناقة السمينة. والشرب بكسر الشين وسكون الراء جمع شارب، والفناء بكسر الفاء: جانب الدار التى كانوا فيها، وضرج: لطخ، القديد: الاحم المطبوخ. وفى معجم الشعراء للمرزبانى أن هذا الشعر لعبد الله بن السائب بن أبى السائب المخزومى، ولكنه غير أنصارى. والقهقرى: المشى إلى خلف، وهذه حكمة عظيمة من الرسول «ص» ، إذ خشى ازدياد عبث حمزة فى حال سكره، فينتقل من القول إلى الفعل. وعند ابن أبى شيبة أن الرسول «ص» أغرم حمزة ثمن الناقتين. وقد روى البخارى الحديث فى باب الخمس، وغنائم بدر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: هَلْ أَنْتُمْ إلّا عَبِيدٌ لِآبَائِي، وَهُوَ ثَمِلٌ. الْحَدِيثُ بِطُولِهِ. فَإِنْ صَحّ خَبَرُ الْأَعْشَى، وَمَا ذُكِرَ لَهُ فِي الْخَمْرِ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا بِمَكّةَ، وَإِنّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَيَكُونُ الْقَائِلُ لَهُ: أَمَا عَلِمْت أَنّهُ يُحَرّمُ الْخَمْرَ، مِنْ الْمُنَافِقِينَ، أَوْ مِنْ الْيَهُودِ، فَاَللهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْقَصِيدَةِ مَا يَدُلّ عَلَى هَذَا قَوْلِهِ: فَإِنّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْرِبَ موعدا، وقد ألفيت القالى رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قال: لقى الأغشى عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ فِي بِلَادِ قَيْسٍ، وَهُوَ مُقْبِلٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ لَهُ أَنّهُ يُحَرّمُ الْخَمْرَ، فَرَجَعَ، فَهَذَا أَوْلَى بِالصّوَابِ، وَقَوْلُ الْأَعْشَى: أَتَرَوّى مِنْهَا هَذَا الْعَامَ، ثُمّ أَعُودُ فَأَسْلَمَ لَا يُخْرِجُهُ عن الكفر بإجماع، قال الإسفراينى فِي عَقِيدَتِهِ: إذَا قَالَ الْمُؤْمِنُ سَأُكَفّرُ: غَدًا أَوْ بَعْدَ غَد، فَهُوَ كَافِرٌ لِحِينِهِ بِإِجْمَاعِ، وإذا قال الكافر: سأو من غَدًا، أَوْ بَعْدُ فَهُوَ عَلَى كُفْرِهِ، لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ الْكُفْرِ إلّا إيمَانَهُ إذَا آمَنَ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ. وَقَوْلُهُ: أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاك لَيْلَةَ أَرْمَدَا، لَمْ يَنْصِبْ لَيْلَةً عَلَى الظّرْفِ؛ لِأَنّ ذَلِكَ يُفْسِدُ مَعْنَى الْبَيْتِ، وَلَكِنْ أَرَادَ الْمَصْدَرَ فَحَذَفَهُ، وَالْمَعْنَى: اغتماض ليلة أرمد، فحذف المضاف إليه اللّيْلَةِ، وَأَقَامَهَا مَقَامَهُ، فَصَارَ إعْرَابُهَا كَإِعْرَابِهِ «1» ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْبَيْتُ: لَيْلُك بِالْكَافِ، وَمَعْنَاهُ: غَمْضُ أرمد، وقيل: بل أرمد على هذه

_ (1) قال الفارسى: أراد: اغتماض ليلة أرمد، وليس بظرف، ونسب الاغتماض إلى الليل، كما قال عز وجل: «بل مكر الليل والنهار» ص 540 سمط اللالى للبكرى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرّوَايَةِ مِنْ صِفّةِ اللّيْلِ، أَيْ حَالٌ مِنْهُ عَلَى الْمَجَازِ، كَمَا تَقُولُ: لَيْلُك سَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: تناسيت قبل اليوم خلة مهددا. مهدد: فعلل مِنْ الْمَهْدِ، وَلَوْلَا قِيَامُ الدّلِيلِ عَلَى أَنّ الْمِيمَ أَصْلِيّةٌ لَحَكَمْنَا بِأَنّهُ مُفْعِلٍ؛ لِأَنّ الْكَلِمَةَ الرّبَاعِيّةَ إذَا كَانَ أَوّلُهَا مِيمًا أَوْ هَمْزَةً، فَحَمَلَهَا عَلَى الزّيَادَةِ، إلّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهَا أَصْلِيّةٌ، وَالدّلِيلُ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ ظُهُورُ التّضْعِيفِ فِي الدّالِ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ الْمِيمُ زَائِدَةً لَمَا ظَهَرَ التّضْعِيفُ، وَلَقُلْت فِيهِ: مَهَدّ كَمَا تَقُولُ: مَرَدّ وَمَكَرّ وَمَفَرّ فِي كُلّ مَا وَزْنُهُ مَفْعَل مِنْ الْمُضَاعَفِ، وَإِنّمَا الدّالُ فِي مُهَدّدٌ ضُوعِفَتْ لِيَلْحَقَ بِبِنَاءِ جَعْفَرٍ «1»

_ (1) يقول أبو عثمان المازنى فى التصريف فى باب الإلحاق المطرد فى الأسماء والأفعال: «أما المطرد الذى لا ينكسر، فأن يكون موضع اللام من الثلاثة مكررا للالحاق مثل مهدد وقردد وعندد» ص 47 ويقول ابن جنى فى المنصف شرح التصريف: «اعلم أنك إذا استوفيت ثلاثة أحرف من الأصول ثم تكررت اللام قضيت بزيادتها، وذلك نحو قردد وجلبب فالدال والباء الأخيرتان زائدتان؛ لأنهما قد تكررتا، ولو كان موضع الدال الأخيرة حرف غير الدال لكانت الكلمة رباعية» ص 47 وفى ض 141 يقول أبو عثمان المازنى: «ومهدد الميم فيه أصل؛ لأنها لو كانت زائدة لكانت مهدا: «بفتح الميم والهاء وتضعيف الدال» لأن مفعلا: «بفتح الميم وسكون الفاء وفتح العين» من المضاعف يحئ مدغما نحو مرد ومسد» . ويشرح ابن جنى هذا بقوله: «فظهور الدالين يدل على أنه فعلل بمنزلة قردد فإن قال قائل فقد قالوا: محبب فبينوا وهو مفعل- فما تنكر أن يكون مهدد أيضا مفعلا من الهد؟ قيل محبب شاذ لا يقاس عليه، وقياسه محب كمرد ومسد ثم بين أن محبب علم، والأعلام تغير كثيرا عما عليه أكثر الأسماء، ولهذا جاز فى محبب إظهار التضعيف» ثم قال: فإن قال قائل فإن مهدد اسم علم، وهو اسم امرأة، لما تنكر أن يكون مهدد مثل محبب، إذ هو علم مثله؟ ثم أجاب هو عن-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: إذَا خِلْت حِرْبَاءُ الظّهِيرَةِ أَصْيَدَا. وَالْأَصْيَدُ: الْمَائِلُ الْعُنُقِ. وَلَمّا كَانَتْ الْحِرْبَاءُ تَدُورُ بِوَجْهِهَا مَعَ الشّمْسِ كَيْفَمَا دَارَتْ، كَانَتْ فِي وَسَطِ السّمَاءِ فِي أَوّلِ الزّوَالِ، كَالْأَصِيدِ، وَذَلِكَ أَحَرّ مَا تَكُونُ الرّمْضَاءُ. يَصِفُ نَاقَتَهُ بِالنّشَاطِ، وَقُوّةِ المشى فى ذلك الوقت. وقوله: خنافا إلينا. فِي الْعَيْن: خَنِفَتْ النّاقَةُ تَخْنِفُ بِيَدَيْهَا فِي السّيْرِ، إذَا مَالَتْ بِهِمَا نَشَاطًا، وَنَاقَةٌ خَنُوفٌ قَالَ الرّاجِزُ. إنّ الشّوَاءَ وَالنّسِيلَ وَالرّغُفْ ... وَالْقَيْنَةَ الْحَسْنَاءَ، وَالْكَأْسَ الْأُنُفْ لِلظّاعِنِينَ الخيل، والخيل خنف «1»

_ - هذا بقوله: إن محبب مفعل من الحب، أما مهدد فليس فيها دليل يدل على أنها من الهد، دون المهد، فيقضى بأنه مفعل، انظر ص 41، 47، 141 من كتاب المنصف لابن جنى بشرحه التصريف للمازنى، انظر أيضا ص 58 ح 2 الخصائص وص 14، 57، 63، 64 من شرح شافية ابن الحاجب ج 1 (1) الرجز للقيط بن زرارة، وفى اللسان: النشيل، وقطف بدلا من النسيل وخنف، وللضاربين الهام بدلا من: الظاعنين الخيل. والشواء: لحم مشوى. والنشيل على رواية اللسان: ما طبخ من اللحم بغير توابل يخرج من المرق، وينشل. ويقال أيضا، نشل اللحم: أخذ بيده عضوا، فتناول ما عليه من اللحم بفية وهو النشيل، واللحم الذى يؤخذ قبل النضج، والقينة: الجارية المغنية، الكأس الأنف: هى التى لم يشرب بها قبل، والقطف: جمع قطوف، وهى التى تسئ السير

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْله: لَيّنًا غَيْرَ أَحْرَدَا «1» أَيْ: تَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حَرَدٍ فِي يَدَيْهَا، أَيْ اعْوِجَاجٌ، وَالنّجَيْرُ وَصَرْخَدُ بَلَدَانِ، وَأَهْلُ النّجَيْرِ أَوّلُ مَنْ ارْتَدّ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ أَهْلِ دَبّا «2» وَكَانَ أَهْل دُبّا قَدْ حَاصَرَهُمْ حُذَيْفَةُ بْنُ أُسَيْدٍ، وَحَاصَرَ أَهْلَ النّجَيْرِ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ، حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ. وَأَمّا صَرْخَدُ فَبَلَدٌ طَيّبُ الْأَعْنَابِ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الْخَمْرُ الصّرْخَدِيّةُ. وَفِي الْأَمَالِي: وَلَذّ كَطَعْمِ الصّرخدى تركته «3»

_ (1) البيت فى اللسان فى مادة: خنف. (2) بفتح الدال على وزن فعل مع القصر: سوق من أسواق العرب بعمان، ومدينة عظيمة مشهورة بعمان كانت قصبتها، وبضم مع تشديد الباء من نواحى البصرة فيها أنهار وقرى، والدبا بالتعريف: موضع بظهر الحيرة معروف، وفى هامش نسخة من معجم ما استعجم: «دبا: إحدى فرضتى العرب يجتمع فيها تجار أهل الهند والسند. والصين وأهل المشرق والمغرب» (3) تمام البيت: «بأرض العدا من خشية الحدثان» وبعده: ومبدلى الشحناء بينى وبينه ... دعوت وقد طال السرى، فدعانى لذ: يعنى النوم، والصرخدى: العسل كذا قال أبو المياس، والعدا: الأعداء، الحدثان: ما يحدث من الأمور. وقال أبو بكر: اللذ: اللذيذ يعنى النوم والصرخدى: الخمر، وقوله: ومبدلى الشحناء، يعنى: كلبا وذلك أن الرجل إذا تحير فى الليل، فلم يدر أين البيوت نبح، فتسمعه الكلاب، فتنبح، فيقصد أصواتها. ص 210 ج 1 أمالى القالى ط 2 ولم ينسبهما إلى أحد. وهما فى حيوان الجاحظ ص 121 ح 1. تحت عنوان: وقال آخر يصف كلبا، والبيت الأول فى اللسان رواه فى مادة: لذ، وصرخد، وقال. قال ابن برى: البيت الراعى، وعجزه: دفعته. عشية خمس القوم والعين عاشقة، أراد أنه لما دخل ديار أعدائه لم ينم حذارا لهم. وبهذه الرواية الأخيرة رواه اللسان فى مادة صرخد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: وَآلَيْت لَا آوِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ، وَلَا مِنْ وَجَى «1» ، أَيْ: لَا أَرْقِ لَهَا، يُقَالُ: آوَيْت لِلضّعِيفِ إيّة وَمَأْوِيَة «2» إذَا رَقّتْ لَهُ كَبِدُك. وَقَوْلُهُ: أَغَارَ لَعَمْرِي فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا، الْمَعْرُوفُ فِي اللّغَةِ: غَارَ وَأَنْجَدَ، وَقَدْ أَنْشَدُوا هَذَا الْبَيْتَ: لَعَمْرِي غَارَ فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا. وَالْغَوْرُ: مَا انْخَفَضَ مِنْ الْأَرْضِ، وَالنّجْدُ: مَا ارْتَفَعَ مِنْهَا، وَإِنّمَا تَرَكُوا الْقِيَاسَ فِي الْغَوْرِ، وَلَمْ يَأْتِ عَلَى أَفْعَلَ إلّا قَلِيلًا، وَكَانَ قِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَنْجَدَ، وَأَتْهَمَ؛ لِأَنّهُ مِنْ أُمّ الْغَوْرِ، فَقَدْ هَبَطَ وَنَزَلَ، فَصَارَ مِنْ بَابِ غَارَ الْمَاءُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَدْت: أَشْرَفَ عَلَى الْغَوْرِ، قُلْت: أَغَارَ، ولا يكون خارجا عن القياس «3»

_ وقال: صرحد: موضع نسب إليه الشراب فى قول الراعى، ثم روى البيت بالرواية الأخيرة. ولذ كطعم الصرخدى طرحته ... عشية خمس القوم والقوم عاشقة وفى المراصد: صرخد: قلعة ملاصقة لبلد حوران حصينة وولاية واسعة حسنة، وينسب إلى صرخد الخمر الجيد. وقد وصفها أبو الفداء فى التقويم وصفا دقيقا، ومن قاله أن من شرقيها يسلك الإنسان طريقا إلى العراق يتطلب من السائر عشرة أيام ليصل إلى بغداد. (1) فى الأغانى: فاليت لا ارثى» والأغانى حفى كما فى السيرة، وفى تجريد الأغانى: وجى كما فى الروض. وهناك فى الأغانى مغايرة أخرى هينة لما هنا. (2) فى القاموس: أوى له كروى أوية، وإية ومأوية، ومأواة: رق. (3) وفى الأغانى عن مصيره: «فبلغ خبره قريشا، فرصداه على طريقه، وقالوا: هذا صناجة العرب ما مدح أحدا قط إلا رفع من قدره، فلما ورد عليهم، قالوا له: أين أردت يا أبا بصير قال: أردت صاحبكم هذا لأسلم، قالوا: إنه ينهاك عن خلال ويحرمها عليك وكلها بك رافق ولك موافق، قال: وما هن؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَطَاءُ الْيَوْمِ مَانِعَهُ غَدًا. مَعْنَاهُ عَلَى رَفْعِ الْعَطَاءِ وَنَصْبِ مَانِعٍ، أَيْ: لَيْسَ العطاء الذى يعطيه اليوم ما نعاله غَدًا مِنْ أَنْ يُعْطِيَهُ، فَالْهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمَمْدُوحِ، فَلَوْ كَانَتْ عَائِدَةً عَلَى الْعَطَاءِ لَقَالَ: وَلَيْسَ عَطَاءُ الْيَوْمِ مَانِعَهُ هُوَ، بِإِبْرَازِ الضّمِيرِ الْفَاعِلِ، لِأَنّ الصّفَةَ إذَا جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ بَرَزَ الضّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ بِخِلَافِ الْفِعْلِ، وَذَلِكَ لِسِرّ بَيّنّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَمْ يَذْكُرْهُ النّاسُ، وَلَوْ نُصِبَ الْعَطَاءُ لَجَازَ عَلَى إضْمَارِ الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إظْهَارُهُ، لِأَنّهُ مِنْ بَابِ اشْتِغَالِ الْفِعْلِ عَنْ الْمَفْعُولِ بِضَمِيرِهِ، وَيَكُونُ اسْمُ لَيْسَ عَلَى هَذَا مُضْمَرًا فِيهَا عَائِدًا عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

_ - فقال أبو سفيان بن حرب: الزنا، قال: لقد تركنى الزنا، وما تركته، ثم ماذا؟ قال: القمار، قال: لعلى إن لقيته أن أصيب منه عوضا عن القمار، ثم ماذا؟ قالوا: الربا. قال: ما دنت ولا أدنت، ثم ماذا؟ قالوا: الخمر، قال: أوه، أرجع إلى صبابة قد بقيت لى فى المهراس، فأشربها فقال له أبو سفيان: هل لك فى خير مما هممت به؟ قال: وما هو؟ قال: نحن، وهو الان فى هدنة، فتأخذ مائة من الإبل، وترجع إلى بلدك سنتك هذه، وننظر ما يصير إليه أمرنا، فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفا، وإن ظهر علينا أتيته» ورجع بعد أن أخذ مائة بعير. ورواية الأغانى تتفق وما قيل عن تحريم الخمر، وما روى فى بعض الأحاديث عن زمن تحريمها. وعن مصير الأعشى يقول الأغانى: فلما كان بقاع منفوخة رمى به بعيره فقتله» ورواية الأغانى قريبة جدا من رواية ابن قتيبة فى طبقات الشعراء غور كل شىء: قعره وعمقه وبعده، وقال الفراء: أغار بمعنى: غار. ويقول ابن منظور. وقد روى بيت أعشى مخروم النصف: غار لعمرى فى البلاد وأنجدا. وقال الجوهرى: غار يغور غورا، أى: أتى الغور، ولا يقال: أغار. وقال الأصمعى عن معنى أغار فى بيت الأعشى: أسرع، وأنجد: أى ارتفع، ولم يرد فى البيت: أتى الغور، ولا نجدا، قال: وليس عند الأصمعى فى إتيان الغور إلا غار. وانظر مادة غور، ففيها تفصيل أكثر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْله: فَانْكَحَنْ أَوْ تَأَبّدَا. يُرِيدُ: أَوْ تَرَهّبَ؛ لِأَنّ الرّاهِبَ أَبَدًا عَزَبٌ فَقِيلَ لَهُ: مُتَأَبّدًا اُشْتُقّ مِنْ لَفْظِ الْأَبَدِ. وَقَوْلُهُ: فَاَللهَ فَاعْبُدَا، وَقَفَ عَلَى النّونِ الْخَفِيفَةِ بِالْأَلِفِ، وَكَذَلِكَ فَانْكَحَنْ أَوْ تَأَبّدَا، وَلِذَلِكَ كَتَبْت فِي الْخَطّ بِأَلْفِ، لِأَنّ الْوُقْفَ عَلَيْهَا بِالْأَلِفِ، وَقَدْ قِيلَ فِي مِثْلِ هَذَا: إنّهُ لَمْ يَرُدّ النّونَ الْخَفِيفَةَ، ونما خَاطَبَ الْوَاحِد بِخِطَابِ الِاثْنَيْنِ، وَزَعَمُوا أَنّهُ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ: فَإِنْ تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفّانَ أَزْدَجِرُ ... وَإِنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضًا مُمَنّعًا «1» وَأَنْشَدُوا أَيْضًا فِي هَذَا الْمَعْنَى: وَقُلْت لِصَاحِبِي: لَا تَحْبِسَانَا ... بِنَزْعِ أُصُولِهَا واجتثّ شيحا «2»

_ (1) البيت لسويد بن كراع العكلى، وكان سويد قد هجا به عبد الله ابن دارم، فاستعدوا عليه سعيد بن عثمان، فأراد ضربه، فقال سويد قصيدة أولها: تقول ابنة العوفى ليلى ألا ترى ... إلى ابن كراع لا يزال مفزعا مخافة هذين الأميرين سهدت ... رقادى وغشتنى بياضا مفزعا وهذا يدل على أنه خاطب اثنين لا واحدا. بدليل قوله أيضا. فإن أنتما أحكمتمانى فازجرا ... أراهط تؤذينى من الناس رضعا (2) فى رواية: واجدز أى: اجتز، والبيت من أبيات المضرس بن ربعى الفقعسى الأسدى، وهى: وضيف جاءنا والليل داج ... وريح القر تحفز منه روحا ونسبه الجوهرى ليزيد بن الطثرية نقلا عن الكسائى، ولكن ابن بروى فى أمالية على الصحاح يؤكد أنه لمضرس، وفى رواية: فقلت لصاحبى لا تحبسنى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَا يُمْكِنُ إرَادَةُ النّونِ الْخَفِيفَةِ فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ، لِأَنّهَا لَا تَكُونُ أَلِفًا. إلّا فِي الْوَقْفِ، وَهَذَا الْفِعْلُ قَدْ اتّصَلَ بِهِ الضّمِيرُ، فَلَا يَصِحّ اعْتِقَادُ الْوُقْفِ عَلَيْهِ دُونَ الضّمِيرِ، وَحُكِيَ أَنّ الْحَجّاجِ قَالَ: يَا حَرَسِي اضْرِبَا عُنُقَهُ، وَقَدْ يُمْكِنُ فِيهِ حَمْلُ الْوَصْلِ عَلَى الْوَقْفِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُ: اضْرِبْ أَنْتَ وَصَاحِبُك: وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ إنّ الْخِطَابَ لِمَالِكِ وَحْدَهُ حَمْلًا عَلَى هَذَا الْبَابِ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ تعالى: (سائِقٌ وَشَهِيدٌ) وَفِي الْقَصِيدَةِ زِيَادَةٌ لَمْ تَقَعْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ وَهِيَ قَوْلُهُ فِي وَصْفِ النّاقَةِ: فَأَمّا إذَا مَا أَدْلَجَتْ، فَتَرَى لَهَا ... رَقِيبَيْنِ نَجْمًا لَا يَغِيبُ وَفَرْقَدَا وَقَعَ هَذَا الْبَيْتُ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَيّنًا غَيْرَ أَحْرَدَا وَقَوْلُهُ فِي صِفّةِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَغَارَ لَعَمْرِي فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا. وَبَعْدَهُ: بِهِ أَنْقَذَ اللهُ الْأَنَامَ مِنْ الْعَمَى ... وَمَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَرِيعُ إلَى هُدَى حَدِيثُ الْإِرَاشِيّ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الْإِرَاشِيّ الّذِي قَدِمَ مَكّةَ، وَاسْتَعْدَى عَلَى أَبِي جَهْلٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: هُوَ مِنْ إرَاشَ، وَهُوَ ابْنُ الْغَوْثِ أَوْ ابْنُ عمرو «1» ، ابن الْغَوْثِ بْنِ نَبْت بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ، وَهُوَ وَالِدُ أَنْمَارٍ الّذِي وَلَدَ بَحِيلَةَ وَخَثْعَمَ. وَإِرَاشَةَ الّذِي ذَكَرَ ابن هشام: بطن من خثعم، وإراشة

_ (1) فى جمهرة ابن حزم: إراش بن عمرو بن الغوث الخ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَذْكُورَةٌ فِي الْعَمَالِيقِ فِي نَسَبِ فِرْعَوْنَ صَاحِبِ مِصْرَ، وَفِي بَلِيّ أَيْضًا بَنُو إرَاشَةَ «1» ، وَقَوْلُهُ: مِنْ [رَجُلٍ] يُؤَدّينِي عَلَى أَبِي الْحَكَمِ أَيْ: يعيننى على أخذ حقى منه، وَهُوَ مِنْ الْأَدَاةِ الّتِي تُوَصّلُ الْإِنْسَانَ إلَى مَا يُرِيدُ، كَأَدَاةِ الْحَرْبِ، وَأَدَاةِ الصّانِعِ، فَالْحَاكِمُ يُؤَدّي الْخَصْمَ، أَيْ يُوَصّلُهُ إلَى مَطْلَبِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنّ الْهَمْزَةَ بَدَلٌ مِنْ عَيْنٍ، وَيُؤَدّي وَبَعْدِي بِمَعْنَى وَاحِدٍ، أَيْ: يُزِيلُ الْعُدْوَانَ، وَالْعَدَاءَ وَهُوَ: الظّلْمُ، كَمَا تَقُولُ: هُوَ يُشْكِيك أَيْ: يُزِيلُ شَكْوَاك، وَفِي حَدِيثِ خَبّابٍ: شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرّ الرّمْضَاءِ، فَلَمْ يُشْكِنَا مَعْنَاهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: لَمْ يَرْفَعْ شَكَوَانَا وَلَمْ يُزِلْهَا. وَقَوْلُهُ: فَخَرَجَ إلَيْهِ، وَمَا فِي وَجْهِهِ رَائِحَةٌ، أَيْ: بَقِيّةُ رُوحٍ، فَكَانَ مَعْنَاهُ: رُوحٌ بَاقِيَةٌ، فَلِذَلِكَ جَاءَ بِهِ عَلَى وَزْنِ فَاعِلِهِ، وَالدّلِيلُ عَلَى أَنّهُ أَرَادَ مَعْنَى الرّوحِ وَإِنْ جَاءَ بِهِ عَلَى بِنَاءِ فَاعِلَة قَوْلُ الْإِرَاشِيّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: خَرَجَ إلَيّ، وَمَا عِنْدَهُ رُوحُهُ. مُصَارَعَةُ رُكَانَةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ رُكَانَةَ وَمُصَارَعَتَهُ لِلنّبِيّ- صَلَّى الله عليه وسلم- «2»

_ (1) وفى الاشتقاق: ومن بنى عنز إراشة. (2) قصة المصارعة مشهورة لركانة لكن جاء من وجه آخر أنه يزيد ابن ركانة. وفى حديث المصارعة اضطراب. ولقد قال الترمذى عن حديث المصارعة الذى أخرجه هو وأبو داود من رواية أبى الحسن العسقلانى عن أبى جعفر بن محمد بن ركانة عن أبيه: غريب، وليس إسناده بقائم. وحديث الشجرة التى طلب الرسول «ص» مشهيا لا يسانده هدى القرآن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ تَقَدّمَ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي الْأَشَدّيْنِ الْجُمَحِيّ، وَلَعَلّهُمَا أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا صَارَعَا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد تَقَدّمَ التّعْرِيفُ بِأَبِي الْأَشَدّيْنِ، وَبِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ؛ وَرُكَانَةُ هَذَا هُوَ: ابْنُ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَتُوُفّيَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ الّذِي طَلّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتّةَ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نِيّتِهِ، فَقَالَ: إنّمَا أَرَدْت وَاحِدَةً، فَرَدّهَا عَلَيْهِ «1» ، وَمِنْ حَدِيثِهِ عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنّهُ قَالَ: إنّ لِكُلّ

_ (1) روى أبو داود فى سننه عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة ألبتة، فأخبر النبى «ص» بذلك، وقال: والله ما أردت إلا واحدة، فقال النبى «ص» والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه رسول الله «ص» فطلقها الثانية فى زمن عمر، والثالثة فى زمن عثمان» وفى جامع الترمذى عن عبد الله ابن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أنه طلق امرأته ألبتة، فأتى رسول الله «ص» فقال له: ما أردت؟ قال واحدة، قال: آلله، قال: آلله. قال: هو على ما أردت، قال الترمذى: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسألت محمدا- يعنى البخارى- عن هذا الحديث؟ فقال: فيه اضطراب. فتارة يقول: طلقها ثلاثا وتارة يقول: واحدة، وتارة يقول: ألبتة، وقال أحمد: وطرقه كلها ضعيفة. أقول: إن القرآن يفرض أن يكون الطلاق بشروطه المذكورة فى الكتاب، مرة بعد مرة حتى يبلغ ثلاثا، وبعدها لا تحل حتى تنكح زوجا آخر. ولا يصح إبقاع الطلاق مطلقا إلا بعد القيام بما فرض الله من وعظ وهجر فى المضاجع وضرب يقصد به التأديب، ثم تحكيم مؤمنين خبيرين بالحكومه، فإن لم يصل معها إلى غاية تقيم البيت على مودة ورحمة، وتمكنهما من إقامة حدود الله، تربص بها حتى تطهر مما يأتيها كل شهر، ثم بعد هذا يوقع الطلاق مرة واحدة قبل أن يمسها وكذلك فى المرة الثانية-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ هَذَا الدّينِ الْحِيَاءُ «1» ، وَلِابْنِهِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ صُحْبَةٌ أَيْضًا، وَيُرْوَى عَنْ يزيد بْنِ رُكَانَةَ ابْنِهِ عَلِيّ، وَكَانَ عَلِيّ قَدْ أَعْطَى مِنْ الْأَيْدِ وَالْقُوّةِ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ، نَزَعَ فِي ذَلِكَ إلَى جَدّ رُكَانَةَ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ ذَكَرَهَا الْفَاكِهِيّ، مِنْهَا: خَبَرُهُ مَعَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مِنْ أَشَدّ الْعَرَبِ، فَصَارَعَهُ يَوْمًا، فَصَرَعَهُ عَلِيّ صَرْعَةً لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، ثُمّ حَمَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى فَرَسٍ جَمُوحٍ لَا يَطْلِقُ، فَعَلِمَ عَلِيّ مَا يُرَادُ بِهِ، فَلَمّا جَمَحَ بِهِ الْفَرَسُ ضَمّ عَلَيْهِ فَخِذَيْهِ ضَمّةً نَفَقَ مِنْهَا الْفَرَسُ، وَذُكِرَ عَنْهُ أَيْضًا أَنّهُ تَأَبّطَ رِجْلَيْنِ أَيّدَيْنِ، ثُمّ جَرَى بِهِمَا، وَهُمَا تَحْتَ إبْطَيْهِ حَتّى صَاحَا: الْمَوْتَ الْمَوْتَ، فَأَطْلَقَهُمَا. وَفْدُ نَصَارَى الْحَبَشَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قُدُومَ وَفْدِ النّصَارَى مِنْ الْحَبَشَةِ وَإِيمَانَهُمْ، وَمَا أَنَزَلَ اللهُ فِيهِمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ النّصَارَى، وَلَا سَمّاهُمْ هُوَ سُبْحَانَهُ بِهَذَا الِاسْمِ، وَإِنّمَا حَكَى قَوْلَهُمْ الّذِي قَالُوهُ حِينَ عَرَفُوا بِأَنْفُسِهِمْ، ثُمّ شَهِدَ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ، وَذَكَرَ أَنّهُ أَثَابَهُمْ الْجَنّةَ، وَإِذَا كَانُوا هكذا

_ - ثم الأخيرة أمام عدلين فى كل مرة. ولنتدبر سورة الطلاق، وآيات الطلاق فى سورة البقرة نجد القرآن يهدينا إلى أن الله لم يشرع إيقاع الثلاث جملة واحدة ألبتة. وحسبنا قوله سبحانه: (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) فإن العرب فى لغتها لا تعقل وقوع المرتين إلا متعاقبتين، وثمت أدلة أخرى، وحسبنا ما ذكرناه. (1) رواه ابن ماجة عن أنس وابن عباس كما ذكر السيوطى فى الجامع الصغير وقال عنه: ضعيف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلَيْسُوا بِنَصَارَى، هُمْ مِنْ أُمّةِ مُحَمّدٍ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَإِنّمَا عُرِفَ النّصَارَى بِهَذَا الِاسْمِ، لِأَنّ مَبْدَأَ دِينِهِمْ كَانَ مِنْ نَاصِرَةَ قَرْيَةٍ بِالشّامِ، فَاشْتُقّ اسْمُهُمْ مِنْهُمْ، كَمَا اُشْتُقّ اسْمُ الْيَهُودِ مِنْ يَهُودَ بْنِ يَعْقُوبَ، ثُمّ لَا يُقَالُ لِمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ: يَهُودِيّ اسْمُ الْإِسْلَامِ أَوْلَى بِهِمْ جَمِيعًا مِنْ. ذَلِكَ النّسَبِ «1» . عَنْ غُلَامِ الْمَبِيعَةِ وَصُهَيْبٍ وَأَبِي فُكَيْهَةَ: فَصْلٌ: ذَكَرَ أَنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يجلس إلى مبيعة

_ (1) هدى القرآن يؤكد أن كل رسول دعا إلى الإسلام، لأنه هو دين الله الذى به أرسلوا جميعا، ويقول الدكتور بوست فى قاموسه عن يهود: «أطلقت هذه الكلمة أولا على بنى يهوذا تمييزا لهم عن الأسباط العشرة الذين سموا: إسرائيل إلى أن تشتت الأسباط أولا، وأسر يهوذا ثانيا، فمن ثم دعى جميع نسل يعقوب يهودا، وفى أيام المسيح والرسل انقسم كل العالم إلى يهود وأمم» وقد روى البيهقى حديث هؤلاء فى دلائل النبوة وأعلام الرسالة. هذا وقد ذكر النسائى أن آيات سورة المائدة (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ) قد نزلت فى حق النجاشى، بينما يروى الطبرانى أنها فى حق كرابين أى: فلاحين، جاؤا مع جعفر بن أبى طالب ص 86 ج 2 تفسير ابن كثير. وهذا الاختلاف يحتم علينا ألا نعتمد كثيرا على ما روى من أسباب النزول. وذكر الإمام أحمد وابن جرير، وابن أبى حاتم فيما نزل فى حق المستضعفين أن الذى مر على الرسول. «ص» هو الأقرع ابن حابس التميمى وعيينة بن حصن، فطلبوا منه أن يبعد المستضعفين عنه، وأن يقعد معهم متى شاء حين يفرغون منه، فأجابهم إلى طلبهم، ولكن قال ابن كثير عنه: إنه حديث غريب، لأن الاية مكية. والأقرع وعيينة، أنما أسلما بعد الهجرة يزمن طويل، وروى الحاكم غير هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غُلَامِ «1» . الْمَبِيعَةِ: مَفْعَلَة مِثْلَ الْمَعِيشَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُلَة بِضَمّ الْعَيْنِ- وَهُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ، وَأَمّا قَوْلُهُمْ: سِلْعَةٌ مَبِيعَةٌ فَمَفْعُولَةٌ، حُذِفَتْ الْوَاوُ مِنْهَا فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ حِينَ سَكّنُوا الْيَاءَ اسْتِثْقَالًا لِلضّمّةِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَخْفَشِ إنّ الْيَاءَ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ الزّائِدَةِ فى مبيوعة، ووزنها عنده: مفولة بِحَذْفِ الْعَيْنِ، وَلِلْكَلَامِ عَلَى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا. وَذَكَرَ صُهَيْبًا وَأَبَا فُكَيْهَةَ، وَسَنَذْكُرُ اسْمَ أَبِي فُكَيْهَةَ، وَالتّعْرِيفُ بِهِ فِيمَا بَعْدُ لِأَنّهُ بَدْرِيّ، وَكَذَلِكَ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ، وَنَقْتَصِرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى ذِكْرِ اسْمِهِ وَهُوَ: يسار مولى عبد الدار «2» .

_ (1) هناك خلاف حول اسم هذا الغلام وحول الذين افتروا قالة السوء، فعن قتادة، أن اسمه يعيش، وعن ابن عباس أن اسمه بلعام، وكان المشركون يرون رسول الله حين يدخل عليه، ويخرج من عنده، فقالوا هذه الفرية، وقال الضحاك: هو سلمان الفارسى ولكن الاية مكية، وسلمان إنما أسلم بالمدينة، وروى عن عبد الله بن مسلم أنه كان له غلامان روميان بقرآن كتابا لهما بلسانهما، فكان النبى (ص) يمر بهما، فيسمع منهما، فقال المشركون ما قالوا. وروى الزهرى عن ابن المسيب أن الذى بهت الرسول «ص» بهذه القالة الكاذبة رجل كان يكتب الوحى للرسول «ص» ثم ارتد بعد ذلك. وهى أقوال يضرب بعضها بعضا. ولقد رد الله على الفربة ردا هو الحق الذى يزهق الباطل، فلنتدبره. (2) قيل إنه: مولى صفوان بن أمية. ويقال إن أصله من الأزد، وقيل إن اسمه أفلح بن يسار، وإن كان ينسب إلى الأشعريين.

سبب نزول سورة الكوثر

[سبب نُزُولُ سُورَةِ الْكَوْثَر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السّهْمِيّ- فِيمَا بَلَغَنِي- إذَا ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: دَعُوهُ، فَإِنّمَا هُوَ رَجُلٌ أَبْتَرُ، لَا عقب له، لو مات لا نقطع ذِكْرُهُ، وَاسْتَرَحْتُمْ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ: (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَك من الدنيا وما فيها. والكوثر: العظيم. [الكوثر فى الشعر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلَابِيّ: وَصَاحِبُ مَلْحُوبٍ فُجِعْنَا بِيَوْمِهِ ... وَعِنْدَ الرّدَاعِ بَيْتُ آخِرَ كَوْثَرِ يَقُولُ: عَظِيمٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَصَاحِبُ ملحوب: عوف ابن الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، مَاتَ بِمَلْحُوبِ. وقوله: عند الرّدَاعِ بَيْتُ آخِرَ كَوْثَرِ: يَعْنِي شُرَيْحَ بْنَ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، مَاتَ بِالرّدَاعِ. وَكَوْثَرٌ: أَرَادَ الْكَثِيرَ، وَلَفْظُهُ مُشْتَقّ مِنْ لَفْظِ الْكَثِيرِ. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: وَأَنْتَ كَثِيرٌ يَا بْنَ مَرْوَانَ طَيّبٌ ... وَكَانَ أَبُوك ابْنُ العقائل كوثر وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي عَائِذٍ الْهُذَلِيّ يَصِفُ حِمَارَ وَحْشٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نزول: (وقالوا لولا أنزل عليه ملك)

يُحَامِي الْحَقِيقَ إذَا مَا احْتَدَمْنَ ... وحَمْحَمْنَ فِي كَوْثَرٍ كَالْجِلَالْ يَعْنِي بِالْكَوْثَرِ: الْغُبَارَ الْكَثِيرَ، شَبّهَهُ لِكَثْرَتِهِ عَلَيْهِ بِالْجِلَالِ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرٍو- قال ابن هشام: هو جعفر ابن عمرو بن أميّة الضّمْرِيّ- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْكَوْثَرُ الّذِي أَعْطَاك اللهُ؟ قَالَ: نَهْرٌ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إلَى أَيْلَةَ، آنِيَتُهُ كَعَدَدِ نُجُومِ السّمَاءِ، تَرِدُهُ طُيُورٌ لَهَا كَأَعْنَاقِ الْإِبِلِ. قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: إنها يا رسول الله لنا عمة، قَالَ: آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ سَمِعْت فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ غَيْرِهِ أَنّهُ قَالَ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَا يَظْمَأُ أَبَدًا» . [نُزُولُ: (وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَدَعَا رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْمَهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَكَلّمَهُمْ، فَأَبْلَغَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُ زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالنّضْرُ بن الحارث، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَأُبَيّ بْنُ خَلَفٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ: لَوْ جُعِلَ مَعَك يَا مُحَمّدُ مَلَكٌ يُحَدّثُ عَنْك النّاسَ وَيُرَى مَعَك! فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: (وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ، وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ، وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا، وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) الأنعام: 8، 9. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نزول: (ولقد استهزئ برسل من قبلك)

[نزول: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَرّ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم- فيما بلغنى- بالوليد بن الْمُغِيرَةِ، وَأُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَبِأَبِي جَهْلِ بْنِ هشام، فغمزوه وهمزوه، واستهزؤا بِهِ، فَغَاظَهُ ذَلِكَ: فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ، فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) الأنبياء: 41. [ذكر الإسراء والمعراج] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ: ثُمّ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ إيلِيَاء، وَقَدْ فَشَا الْإِسْلَامُ بِمَكّةَ فِي قُرَيْشٍ، وَفِي الْقَبَائِلِ كُلّهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَانَ مِنْ الْحَدِيثِ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ مَسْرَاهُ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، وَعَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، وَابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأُمّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، مَا اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، كُلّ يُحَدّثُ عَنْهُ بَعْضَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْرِهِ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَكَانَ فِي مَسْرَاهُ، وَمَا ذُكِرَ عَنْهُ بَلَاءٌ وَتَمْحِيصٌ، وَأَمْرٌ من أمر الله فِي قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

راوية ابن مسعود

وَهُدًى وَرَحْمَةٌ وَثَبَاتٌ لِمَنْ آمَنَ وَصَدّقَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى يَقِينٍ، فأسرى به كَيْفَ شَاءَ، لِيُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ مَا أَرَادَ، حَتّى عَايَنَ مَا عَايَنَ مِنْ أَمْرِهِ وَسُلْطَانِهِ الْعَظِيمِ، وَقُدْرَتِهِ الّتِي يَصْنَعُ بِهَا مَا يُرِيدُ. [راوية ابن مسعود] فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ- فِيمَا بَلَغَنِي- عَنْهُ- يَقُولُ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْبُرَاقِ- وَهِيَ الدّابّةُ الّتِي كَانَتْ تُحْمَلُ عَلَيْهَا الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، تَضَعُ حَافِرَهَا فِي مُنْتَهَى طَرْفِهَا- فَحُمِلَ عَلَيْهَا، ثُمّ خَرَجَ بِهِ صَاحِبُهُ، يَرَى الْآيَاتِ فِيمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتّى انْتَهَى إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَوَجَدَ فِيهِ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ وَمُوسَى وَعِيسَى فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ جُمِعُوا لَهُ، فَصَلّى بِهِمْ. ثُمّ أُتِيَ بِثَلَاثَةِ آنِيَةٍ، إنَاءٌ فِيهِ لَبَنٌ، وَإِنَاءٌ فِيهِ خَمْرٌ، وَإِنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ قَالَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ حِينَ عُرِضَتْ عَلَيّ: إنْ أَخَذَ الْمَاءَ، غَرِقَ وَغَرِقَتْ أُمّتُهُ، وَإِنْ أَخَذَ الْخَمْرَ غَوَى، وَغَوَتْ أُمّتُهُ، وَإِنْ أَخَذَ اللّبَنَ هُدِيَ، وَهُدِيَتْ أُمّتُهُ. قَالَ: فَأَخَذْت إنَاءَ اللّبَنِ، فَشَرِبْت مِنْهُ، فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ: هُدِيت وهديت أمتك يا محمد. [حديث الحسن] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثْت عَنْ الْحَسَنِ أَنّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ، إذْ جَاءَنِي جِبْرِيلُ، فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْت فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَعُدْت إلَى مَضْجَعِي، فَجَاءَنِي الثّانِيَةَ فَهَمَزَنِي بقدمه، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث قتادة

فجلست فلم أر شيئا، فعدت إلى مضجعي، فَجَاءَنِي الثّالِثَةَ فَهَمَزَنِي بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْتُ، فَأَخَذَ بِعَضُدِي، فقمت معه فخرج إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا دَابّةٌ أَبْيَضُ، بَيْنَ الْبَغْلِ- وَالْحِمَارِ- فِي فَخِذَيْهِ جَنَاحَانِ يَحْفِزُ بِهِمَا رِجْلَيْهِ، يَضَعُ يَدَهُ فِي مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَحَمَلَنِي عليه، ثم خرج معى لا يفوتى ولا أفوته. [حديث قتادة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَحُدّثْت عَنْ قَتَادَةَ أَنّهُ قَالَ: حُدّثْت أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: لَمّا دَنَوْتُ مِنْهُ؛ لِأَرْكَبَهُ شَمَسَ، فَوَضَعَ جِبْرِيلُ يَدَهُ عَلَى مَعْرَفَتِهِ، ثُمّ قَالَ: أَلَا تَسْتَحِي يَا بُرَاقُ مِمّا تَصْنَعُ، فو الله مَا رَكِبَك عَبْدٌ لِلّهِ قَبْلَ مُحَمّدٍ أَكْرَمُ على الله مِنْهُ. قَالَ: فَاسْتَحْيَا حَتّى ارْفَضّ عَرَقًا، ثُمّ قرّ حتى ركبته. [من حديث الحسن] قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَمَضَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ مَعَهُ، حَتّى انْتَهَى بِهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَوَجَدَ فِيهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمّهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَصَلّى بِهِمْ، ثُمّ أُتِيَ بِإِنَاءَيْنِ، فِي أَحَدِهِمَا: خَمْرٌ، وَفِي الْآخَرِ: لَبَنٌ. قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَاءَ اللّبَنِ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَتَرَكَ إنَاءَ الْخَمْرِ. قَالَ: فَقَالَ: لَهُ جِبْرِيلُ: هُدِيت لِلْفِطْرَةِ، وَهُدِيَتْ أُمّتُك يَا مُحَمّدُ، وَحُرّمَتْ عَلَيْكُمْ الْخَمْرُ، ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَى مَكّةَ، فَلَمّا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَصْبَحَ غَدَا عَلَى قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ. فَقَالَ أَكْثَرُ النّاسِ: هَذَا وَاَللهِ الْإِمْرُ الْبَيّنُ، وَاَللهِ إنّ الْعِيرَ لَتُطْرَدُ شَهْرًا مِنْ مَكّةَ إلَى الشّامِ مُدْبِرَةً، وَشَهْرًا مُقْبِلَةً، أَفَيَذْهَبُ ذَلِكَ مُحَمّدٌ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَرْجِعُ إلَى مَكّةَ! قَالَ: فَارْتَدّ كَثِيرٌ مِمّنْ كَانَ أَسْلَمَ، وَذَهَبَ النّاسُ إلى أبى بكر، فَقَالُوا لَهُ: هَلْ لَك يَا أَبَا بَكْرٍ فِي صَاحِبِك، يَزْعُمُ أَنّهُ قَدْ جَاءَ هَذِهِ اللّيْلَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَصَلّى فِيهِ، وَرَجَعَ إلَى مَكّةَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ: إنّكُمْ تَكْذِبُونَ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: بَلَى، هَا هُوَ ذَاكَ فِي الْمَسْجِدِ يُحَدّثُ بِهِ النّاسَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاَللهِ لَئِنْ كَانَ قَالَهُ لَقَدْ صَدَقَ، فما يعجبكم من ذلك؟! فو الله إنه ليخبرنى أنّ الخبر ليأتيه مِنْ السّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَأُصَدّقُهُ، فَهَذَا أَبْعَدُ مِمّا تَعْجَبُونَ مِنْهُ، ثُمّ أَقْبَلَ حَتّى انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يَا نَبِيّ اللهِ. أَحَدّثْتَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَنّك أتيت الْمَقْدِسِ هَذِهِ اللّيْلَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا نَبِيّ اللهِ، فَصِفْهُ لِي، فَإِنّي قَدْ جِئْته- قَالَ الْحَسَنُ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَرُفِعَ لِي حَتّى نَظَرْتُ إلَيْهِ- فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصِفُهُ لِأَبِي بَكْرٍ: وَيَقُول أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ، أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللهِ، كَلَمّا وَصَفَ لَهُ مِنْهُ شَيْئًا، قَالَ: صَدَقْتَ، أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ الله، حتى انْتَهَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي بَكْرٍ: وَأَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقُ، فَيَوْمَئِذٍ سَمّاهُ الصّدّيقَ. قَالَ الْحَسَنُ: وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيمَنْ ارْتَدّ عَنْ إسْلَامِهِ لِذَلِكَ: (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً» الإسراء: 60. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الإسراء رؤيا

فَهَذَا حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ مَسْرَى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَمَا دَخَلَ فِيهِ من حديث قتادة. [الإسراء رؤيا] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ آلِ أَبِي بَكْرٍ: أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَتْ تَقُولُ: مَا فُقِدَ جَسَدُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنْ الله أسرى بروحه. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ: أَنّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْرَى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: كانت رؤيا من الله تعالى صادقة. فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا، لِقَوْلِ الْحَسَنِ: إنّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ، قَوْلُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) الإسراء: 60. وَلِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِي الْخَبَرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ إذْ قَالَ لِابْنِهِ: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) الصافات: 102. ثُمّ مَضَى عَلَى ذَلِكَ. فَعَرَفْتُ أَنّ الْوَحْيَ مِنْ اللهِ يَأْتِي الْأَنْبِيَاءَ أَيْقَاظًا وَنِيَامًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- يَقُولُ: تَنَامُ عَيْنَايَ، وَقَلْبِي يَقْظَانُ. وَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ قَدْ جَاءَهُ، وَعَايَنَ فِيهِ مَا عَايَنَ، مِنْ أَمْرِ اللهِ، عَلَى أَيّ حَالَيْهِ كَانَ: نَائِمًا، أو يقظان، كلّ ذلك حقّ وصدق. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصفات التى وصف بها النبى بعض الرسل

[الصفات التى وصف بها النبى بعض الرسل] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ الزّهْرِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَصَفَ لِأَصْحَابِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى حِينَ رَآهُمْ فِي تِلْكَ اللّيْلَةِ، فَقَالَ: أَمّا إبراهيم، فلم أَرَ رَجُلًا أَشَبَهَ بِصَاحِبِكُمْ، وَلَا صَاحِبُكُمْ أَشَبَهَ بِهِ مِنْهُ، وَأَمّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ أَقْنَى كَأَنّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَأَمّا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، فَرَجُلٌ أَحْمَرُ، بَيْنَ الْقَصِيرِ وَالطّوِيلِ، سَبْطُ الشّعَرِ، كَثِيرُ خِيلَانِ الْوَجْهِ، كَأَنّهُ خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ، تَخَالُ رَأْسَهُ يَقْطُرُ مَاءً، وَلَيْسَ بِهِ مَاءٌ، أَشْبَهُ رِجَالِكُمْ بِهِ عروة بن مسعود الثقفى قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَكَانَتْ صِفَةُ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا- ذَكَرَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ، إذَا نَعَتَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال-: لَمْ يَكُنْ بِالطّوِيلِ الْمُمّغِطِ، وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدّدِ. وَكَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا السّبِطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلًا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهّمِ وَلَا الْمُكَلْثَمِ وَكَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش الكتد، دقيق المسربة أجرد، شئن الكفّين والقدمين، إذا مثى تَقَلّعَ، كَأَنّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النّبُوّةِ، وَهُوَ صلى الله وَسَلّمَ خَاتَمُ النّبِيّينَ، أَجْوَدُ النّاسِ كَفّا، وَأَجْرَأُ النّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النّاسِ لَهْجَةً، وَأَوْفَى النّاسِ ذِمّةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث أم هانئ عن الإسراء

مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ أَحَبّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مثله، صلى الله عليه وسلم [حديث أم هانئ عن الإسراء] قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ- فِيمَا بَلَغَنِي- عَنْ أُمّ هَانِئِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَاسْمُهَا: هِنْدٌ- فِي مَسْرَى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، أَنّهَا كَانَتْ تَقُولُ: مَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا وهو فى بيتى، نائم عِنْدِي تِلْكَ اللّيْلَةَ فِي بَيْتِي، فَصَلّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، ثُمّ نَامَ وَنِمْنَا، فَلَمّا كَانَ قُبَيْلَ الْفَجْرِ أَهَبّنَا رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَلَمّا صَلّى الصّبْحَ، وَصَلّيْنَا مَعَهُ، قَالَ: يَا أُمّ هَانِئٍ، لَقَدْ صَلّيْتُ مَعَكُمْ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ كَمَا رَأَيْتِ بِهَذَا الْوَادِي، ثُمّ جِئْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلّيْت فِيهِ، ثُمّ قَدْ صَلّيْت صَلَاةَ الْغَدَاةِ مَعَكُمْ الْآنَ كَمَا تَرَيْنَ، ثُمّ قال لِيَخْرُجَ، فَأَخَذْتُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ، فَتَكَشّفَ عَنْ بَطْنِهِ كَأَنّهُ قُبْطِيّةٌ مَطْوِيّةٌ، فَقُلْت لَهُ: يَا نَبِيّ اللهِ، لَا تُحَدّثْ بِهَذَا النّاسَ، فَيُكَذّبُوك وَيُؤْذُوك، قَالَ: وَاَللهِ لأحدثنهموه. قَالَتْ: فَقُلْت لِجَارِيَةِ لِي حَبَشِيّةٍ: وَيْحَك اتْبَعِي رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حَتّى تَسْمَعِي مَا يَقُولُ لِلنّاسِ، وَمَا يَقُولُونَ لَهُ. فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى النّاسِ أَخْبَرَهُمْ، فَعَجِبُوا وَقَالُوا: مَا آيَةُ ذَلِكَ يَا مُحَمّدُ؟ فَإِنّا لَمْ نَسْمَعْ بِمِثْلِ هَذَا قَطّ، قَالَ: آيَةُ ذَلِكَ أَنّي مَرَرْت بِعِيرِ بَنِي فُلَانٍ بِوَادِي كَذَا وَكَذَا، فَأَنْفَرَهُمْ حِسّ الدّابّةِ، فَنَدّ لَهُمْ بَعِيرٌ، فَدَلَلْتُهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَا مُوَجّهٌ إلَى الشّامِ. ثُمّ أَقْبَلْتُ حَتّى إذَا كُنْتُ بِضَجَنَانَ مَرَرْتُ بِعِيرِ بَنِي فُلَانٍ، فَوَجَدْتُ الْقَوْمَ نِيَامًا، وَلَهُمْ إنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ قَدْ غَطّوْا عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بشىء فكشفت غطاءه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان، وآية ذلك أن عيرهم الان تصوب مِنْ الْبَيْضَاءِ، ثَنِيّةِ التّنْعِيمِ يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ، عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ، إحْدَاهُمَا سَوْدَاءُ، وَالْأُخْرَى بَرْقَاءُ. قَالَتْ: فَابْتَدَرَ الْقَوْمُ الثّنِيّةَ، فَلَمْ يَلْقَهُمْ أَوّلُ مِنْ الْجَمَلِ كَمَا وَصَفَ لَهُمْ، وَسَأَلُوهُمْ عَنْ الْإِنَاءِ، فأخبروهم أنهم وضعوه مملوآ مَاءً ثُمّ غَطّوْهُ، وَأَنّهُمْ هَبّوا فَوَجَدُوهُ مُغَطّى كَمَا غَطّوْهُ، وَلَمْ يَجِدُوا فِيهِ مَاءً. وَسَأَلُوا الْآخَرِينَ وَهُمْ بِمَكّةَ، فَقَالُوا: صَدَقَ وَاَللهِ، لَقَدْ أنفرنا فى الوادى الذى ذكره، وندّلنا بَعِيرٌ، فَسَمِعْنَا صَوْتَ رَجُلٍ يَدْعُونَا إلَيْهِ، حَتّى أخذناه. ـــــــــــــــــــــــــــــ الأبتر والكوثر: فصل: وذكر قول العاصى بْنِ وَائِلٍ: إنّ مُحَمّدًا أَبْتَرُ إذَا مَاتَ انْقَطَعَ ذِكْرُهُ، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ قَوْلَهُ مِنْ سُورَةِ الْكَوْثَرِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسّرِينَ. وَقِيلَ: إنّ أَبَا جَهْلٍ هُوَ الذى قال ذلك. وقد قيل: كعب ابن الْأَشْرَفِ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ أَنْ تَكُونَ سُورَةُ الْكَوْثَرِ مَدَنِيّةً، وَقَدْ رَوَى يُونُسُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْجُعْفِيّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ، قَالَ: كَانَ الْقَاسِمُ ابْنُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ بَلَغَ أَنْ يَرْكَبَ الدّابّةَ، وَيَسِيرَ عَلَى النّجِيبَةِ، فَلَمّا قَبَضَهُ اللهُ، قَالَ الْعَاصِي: أَصْبَحَ مُحَمّدٌ أَبْتَرُ مِنْ ابْنِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ» عوضا يَا مُحَمّدُ مِنْ مُصِيبَتِك بِالْقَاسِمِ: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» وَلَمْ يَقُلْ: إنّ شَانِئَك أَبْتَرُ «1» يَتَضَمّنُ اخْتِصَاصَهُ بِهَذَا الْوَصْفِ، لِأَنّ هُوَ فِي مِثْلِ هَذَا

_ (1) فى الكلام نقص لعله: «فقوله: هو الأبتر» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَوْضِعِ تُعْطِي الِاخْتِصَاصَ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إنّ زَيْدًا فَاسِقٌ، فَلَا يَكُونُ مَخْصُوصًا بِهَذَا الْوَصْفِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِذَا قُلْت: إنّ زَيْدًا هُوَ الْفَاسِقُ، فَمَعْنَاهُ: هُوَ الْفَاسِقُ الّذِي زَعَمَتْ «1» ، فَدَلّ عَلَى أَنّ بِالْحَضْرَةِ مَنْ يَزْعُمُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا قَالَ الْجُرْجَانِيّ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنّ هُوَ تُعْطِي الِاخْتِصَاصَ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) لَمّا كَانَ الْعِبَادُ «2» يُتَوَهّمُونَ أَنّ غَيْرَ اللهِ قَدْ يُغْنِي، قَالَ: هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى، أَيْ: لَا غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا» إذْ كَانُوا قَدْ يَتَوَهّمُونَ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ ما توهمه النّمْرُودُ حِينَ قَالَ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، أَيْ: أَنَا أَقْتُلُ مَنْ شِئْت، وَأَسْتَحْيِي مَنْ شِئْت، فَقَالَ عَزّ وَجَلّ: وَأَنّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا أَيْ: لَا غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) «3» أَيْ: هُوَ الرّبّ لَا غَيْرُهُ، إذْ كَانُوا قَدْ اتّخَذُوا أَرْبَابًا مِنْ دُونِهِ، مِنْهَا: الشّعْرَى، فَلَمّا قَالَ: وَإِنّهُ خَلَقَ الزّوْجَيْنِ، وَأَنّهُ أَهْلَكَ عَادًا اسْتَغْنَى الْكَلَامُ عَنْ هُوَ الّتِي تُعْطِي معنى الاختصاص، لأنه فصل لَمْ يَدَعْهُ أَحَدٌ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ أَيْ: لَا أَنْتَ. وَالْأَبْتَرُ: الّذِي لَا عَقِبَ لَهُ يَتْبَعُهُ، فعدمه كالبتر الذى هو عدم

_ (1) فى الأصل: التى. (2) التعبير الدقيق: بعض العبيد. (3) هذه الايات من سورة النجم وترتيبها: (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا. وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى، وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى. وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى، وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) النجم 44- 49. وأقنى: أعطى المال المتخذ قنية. والشعرى: كوكب خلف الجوزاء أشد ضياء من الغميصا وفى القاموس: الشعرى: العبور، والشعرى: الغميصاء أختا سهيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذّنْبِ، فَإِذَا مَا قُلْت هَذَا، وَنَظَرْت إلَى الْعَاصِي، وَكَانَ ذَا وَلَدٍ وَعَقِبٍ، وَوَلَدُهُ عَمْرٌو وَهِشَامٌ ابْنَا الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ لَهُ الْبَتْرُ، وَانْقِطَاعُ الْوَلَدِ، وَهُوَ ذُو وَلَدٍ وَنَسْلٍ، وَنَفْيُهُ عَنْ نَبِيّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ» الْأَحْزَابُ الْآيَة: 40. فَالْجَوَابُ: أَنّ الْعَاصِيَ- وَإِنْ كَانَ ذَا وَلَدٍ- فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَلَيْسُوا بِأَتْبَاعِ لَهُ، لِأَنّ الْإِسْلَامَ قَدْ حَجَزَهُمْ عَنْهُ، فَلَا يَرِثُهُمْ وَلَا يَرِثُونَهُ، وَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمّدٍ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَأَزْوَاجُهُ أُمّهَاتُهُمْ، وَهُوَ أَبٌ لهم. كما قرأ: أبىّ ابن كَعْبٍ: «وَأَزْوَاجُهُ أُمّهَاتُهُمْ، وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ «1» ، وَالنّبِيّ أَوْلَى بِهِمْ» كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ، فَهُمْ وَجَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ أَتْبَاعُ النّبِيّ فِي الدّنْيَا، وَأَتْبَاعُهُ فِي الْآخِرَةِ إلَى حَوْضِهِ، وَهَذَا مَعْنَى الْكَوْثَرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الدّنْيَا لِكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ فِيهَا، ليغذى

_ (1) لا يتصور مسلم أن قوله: «وهو أب لهم» آية من القرآن، لأنها ليست فى المصحف. وما ليس فى المصحف فلا يعده مسلم قرآنا أبا كان راويه. والحديث الذى رواه البخارى حول الاية: ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به فى الدنيا والاخرة. اقرؤا إن شئتم: (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فأبما مؤمن ترك ما لا فليرثه عصبته من كانوا، وإن ترك دينا أو ضياعا فليأتنى، فأنا مولاه، ولم ترد تلك القراءة عن طريق صحيح، والعجيب أن تسند هذه القراءة إلى أبى بن كعب وابن عباس، وأنها تروى عن معاوية ومجاهد وعكرمة والحسن!! تدبر هذه الأسماء المحشودة وراء «وهو أب لهم» والله يَقُولُ: (مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) ففى القراءة مخالفة صريحة للاية المحكمة، ثم هى توحى كغيرها من القراآت المفتراة بأن المصحف الذى بأيدينا ينقص بعض آيات أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم. ومحاولة التأويل، أو الدفاع عن هذه القراآت محاولة يكيد بها الشيطان، ويمكر ضد القرآن، ومساندة لرواة مجهولين دسوا، وكتب يحاول بعض الناس أن يرفعوها فوق القرآن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَرْوَاحَهُمْ بِمَا فِيهِ حَيَاتُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ، وَكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ فِي الْآخِرَةِ لِيَسْقِيَهُمْ مِنْ حَوْضِهِ مَا فِيهِ الْحَيَاةُ الْبَاقِيَةُ، وَعَدُوّ اللهِ الْعَاصِي عَلَى هَذَا هُوَ الْأَبْتَرُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، إذْ قَدْ انْقَطَعَ ذَنَبُهُ وَأَتْبَاعُهُ، وَصَارُوا تَبَعًا لِمُحَمّدِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِذَلِكَ قُوبِلَ تَعْيِيرُهُ لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَتْرِ بِمَا هُوَ ضِدّهُ مِنْ الْكَوْثَرِ؛ فَإِنّ الْكَثْرَةَ تُضَادّ مَعْنَى الْقِلّةِ، وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِ اللّعِينِ: إنّا أَعْطَيْنَاك الْحَوْضَ الّذِي مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا لَمْ يَكُنْ رَدّا عَلَيْهِ، وَلَا مُشَاكِلًا لِجَوَابِهِ، وَلَكِنْ جَاءَ بِاسْمِ يَتَضَمّنُ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ؛ وَالْعَدَدَ الْجَمّ الْغَفِيرَ الْمُضَادّ لِمَعْنَى الْبَتْرِ، وَأَنّ ذَلِكَ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِسَبَبِ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ الّذِي أَعْطَاهُ، فَلَا يَخْتَصّ لَفْظُ الْكَوْثَرِ بِالْحَوْضِ، بَلْ يَجْمَعُ هَذَا الْمَعْنَى كُلّهُ، وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النّجُومِ «1» ، وَيُقَال: هَذِهِ الصّفَةُ فِي الدّنْيَا: عُلَمَاءُ الْأُمّةِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَمِنْ بَعْدِهِمْ، فَقَدْ قَالَ: أَصْحَابِي كَالنّجُومِ «2» ، وَهُمْ يَرْوُونَ العلم عنه، ويؤدونه

_ (1) فى حديث متفق عليه: «حوضى مسيرة شهر، وزواياه سواء، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء من يشرب منها فلا يظمأ أبدا» . كما وردت مسألة الكيزان هذه فى روايتين عند مسلم، إحداهما عن أبى هريرة، والأخرى عن أنس. ولكن لنذكر مع هذا حديثا آخر: «قال رسول الله «ص» : «إنى فرطكم على الحوض، من مر على شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن على أقوام أعرفهم، ويعرفوننى، ثم يحال بينى وبينهم، فأقول إنهم منى، فيقال: إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدى» متفق عليه. (2) فى حديث رواه رزين: «أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وقد قال عنه المحدث الفاضل الشيخ محمد ناصر الألبانى: «حديث باطل، وإسناده واه جدا» . ص 219 ج 3 مشكاة المصابيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى من بعدهم، كما تروى الْآنِيّةُ فِي الْحَوْضِ، وَتَسْقِي الْوَارِدَةُ عَلَيْهِ: تَقُولُ: رَوَيْت الْمَاءَ، أَيْ: اسْتَقَيْته كَمَا تَقُولُ: رَوَيْت الْعِلْمَ، وَكِلَاهُمَا فِيهِ حَيَاةٌ، وَمِنْهُ قِيلَ لِمَنْ رَوَى عِلْمًا أَوْ شِعْرًا: رَاوِيَةً تَشْبِيهًا بِالْمَزَادَةِ أَوْ الدّابّةِ الّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا الْمَاءُ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ عَلّامَةٍ وَنَسّابَةٍ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ أَنّهَا تَنْزُو فِي أَكُفّ الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي الْآنِيّةَ، وَحَصْبَاءُ الْحَوْضِ: اللّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتِ «1» ، وَيُقَابِلُهُمَا فِي الدّنْيَا الْحِكَمُ الْمَأْثُورَةُ عَنْهُ، أَلّا تَرَى أَنّ اللّؤْلُؤَ فِي عِلْمِ التّعْبِيرِ حِكَمٌ وَفَوَائِدُ عِلْمٍ، وَفِي صِفَةِ الْحَوْضِ لَهُ الْمِسْكُ، أَيْ: حَمْأَتُهُ «2» وَيُقَابِلُهُ فِي الدّنْيَا: طِيبُ الثّنَاءِ عَلَى الْعُلَمَاءِ، وَأَتْبَاعِ النّبِيّ الْأَتْقِيَاءِ، كَمَا أَنّ الْمِسْكَ، فِي: عِلْمِ التّعْبِيرِ ثَنَاءٌ حَسَنٌ، وَعِلْمٌ التّعْبِيرِ مِنْ عِلْمِ النّبُوءَةِ مُقْتَبَسٌ. وَذَكَرَ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ الطّيْرَ الّتِي تَرُدّهُ كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ «3» ، وَيُقَابِلُهُ مِنْ صِفَةِ الْعِلْمِ فِي الدّنْيَا وُرُودُ الطّالِبِينَ مِنْ كُلّ صُقْعٍ «4» وَقُطْرٍ عَلَى حَضْرَةِ الْعِلْمِ وَانْتِيَابِهِمْ إيّاهَا فِي زَمَنِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَعْدَهُ، فَتَأَمّلْ صِفَةَ الْكَوْثَرِ مَعْقُولَةٌ فِي الدّنْيَا، مَحْسُوسَةٌ فِي الْآخِرَةِ مدركة

_ (1) فى حديث رواه النسائى: حصباؤه اللؤلؤ والياقوت (2) كذا بالأصل، والحمأة: الطين الأسود، وفى حديث رواه البخارى عن الكوثر: «فإذا طينه مسك أذفر» . وفى حديث رواه أحمد: «فضربت بيدى فى ترابه، فإذا مسك أذفر» ، وفى حديث آخر: «وضرب بيده إلى أرضه، فأخرج من طينه المسك» . (3) البخت: نوع من الإبل طويلة الأعناق، وقد ذكرت فى حديث رواه الترمذى، وصححه الحاكم، وفيه: أو أعناق الجزر، جمع جزور: البعير. (4) ناحية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِالْعِيَانِ- هُنَالِكَ يُبَيّنُ لَك إعْجَازَ التّنْزِيلِ وَمُطَابَقَةَ السّورَةِ- لِسَبَبِ- نُزُولِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ فُضَيْل: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) أَيْ: تَوَاضَعْ لِمَنْ أَعْطَاك الْكَوْثَرَ بِالصّلَاةِ لَهُ، فَإِنّ الْكَثْرَةَ فِي الدّنْيَا تَقْتَضِي فِي أَكْثَرِ الْخَلْقِ الْكِبْرَ: وَتَحْدُو إلَى الْفَخْرِ والمحيرية، فَلِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ طَأْطَأَ رَأْسَهُ عَام الْفَتْحِ حِينَ رَأَى كَثْرَةَ أَتْبَاعِهِ، وَهُوَ عَلَى الرّاحِلَةِ حَتّى أَلْصَقَ عُثْنُونَهُ «1» بِالرّحْلِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبّهِ، وَكَذَلِكَ أَمَرَهُ بِالنّحْرِ شُكْرًا لَهُ، وَرَفَعَ الْيَدَيْنِ إلَى النّحْرِ «2» فِي الصّلَاةِ عِنْدَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ الّتِي عِنْدَهَا يَنْحَرُ، وَإِلَيْهَا يَهْدِي مَعْنَاهُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ. النّحْرُ الْمَأْمُورُ بِهِ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الصّلَاةِ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ إلَى النّحْرِ، كَمَا أَنّ الْقِبْلَةَ مَحْجُوجَةٌ مُصَلّى إلَيْهَا، فَكَذَلِكَ يَنْحَرُ عِنْدَهَا، وَيُشَارُ إلَى النّحْرِ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهَا، وَإِلَى هَذَا الْتَفَتَ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ قَالَ: مَنْ صَلّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: «قُلْ: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ] الْأَنْعَامُ 162، 163 فَقَرَنَ بَيْنَ الصّلَاةِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَالنّسُكِ إلَيْهَا، كَمَا قَرَنَ بَيْنَهُمَا حِينَ قَالَ: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» وَذَكَرَ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ: كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ «3» وَقَدْ جَاءَ فِيهِ أَيْضًا فِي الصّحِيحِ «كما بين جرباء وأذرح «4» » وبينهما

_ (1) العثنون: ما نبت على الذق وتحته سفلا. (2) النحر: أعلى المصدر. (3) من حديث رواه الطبرانى وابن حبان. وأيلة: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلى الشام. وأيلة: موضع برضوى. (4) جرباء- وفى الأصل: حرباء موضع من أعمال عمان بالبلقاء من أرض الشام. وهما واردتان فى حديث متفق عليه. وجرباء تقصر وتمد، والقصر أولى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ، وَفِي الصّحِيحِ أَيْضًا فِي صِفَتِهِ: كَمَا بَيْنَ عَدَنِ أَبْيَنَ إلَى عَمّانَ، وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُ أَبْيَنَ، وَأَنّهُ ابْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَيْمَنَ بْنِ حِمْيَرَ، وَأَنّ عَدَنَ سُمّيَتْ بِرَجُلِ مِنْ حَمِيرَ عَدَنَ بِهَا، أَيْ: أَقَامَ، وَتَقَدّمَ أَيْضًا مَا قَالَهُ الطّبَرِيّ أَنّ عَدَنَ وَأَبْيَنَ هُمَا ابْنَا عَدْنَانَ أَخَوَا مَعَدّ، وَأَمّا عَمّانَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ، فَهِيَ بِالشّامِ قُرْبُ دِمَشْقَ، سُمّيَتْ بِعَمّانَ بْنِ لُوطِ بْنِ هَارَانَ، كَانَ سَكَنَهَا- فِيمَا ذَكَرُوا- وَأَمّا عُمَانُ بِضَمّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، فَهُوَ بِالْيَمَنِ سُمّيَتْ بِعُمَانَ بْنِ سِنَانٍ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ- فِيمَا ذَكَرُوا- وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَا يُعْرَفُ فِي وَلَدِ إبْرَاهِيمَ لِصُلْبِهِ مِنْ اسْمِهِ سِنَانٍ. وَفِي صِفَةِ الْحَوْضِ أَيْضًا كَمَا بَيْنَ الْكُوفَةِ وَمَكّةَ، وَكَمَا بَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةِ، وَهَذِهِ كُلّهَا رِوَايَاتٌ مُتَقَارِبَةُ الْمَعَانِي، وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَافَاتُ بَعْضُهَا أَبْعَدُ مِنْ بَعْضٍ، فَكَذَلِكَ الْحَوْضُ أَيْضًا لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَزَوَايَا وَأَرْكَانٌ، فَيَكُونُ اخْتِلَافُ هَذِهِ الْمَسَافَاتِ الّتِي فِي الْحَدِيث عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ جَعَلَنَا اللهُ مِنْ الْوَارِدِينَ عَلَيْهِ، وَلَا أَظْمَأَ أَكْبَادَنَا فِي الْآخِرَةِ إلَيْهِ. وَمِمّا جَاءَ فِي مَعْنَى الْكَوْثَرِ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ- قَالَتْ: الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنّةِ، لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ إلّا سَمِعَ خَرِيرَ ذَلِكَ النّهَرِ، وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فى السيرة من رواية يونس، وراوه الدّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ الشّعْبِيّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «إن اللهَ أَعْطَانِي نَهَرًا يُقَالُ لَهُ الْكَوْثَرُ لَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنْ أُمّتِي أَنْ يَسْمَعَ خَرِيرَ ذَلِكَ الْكَوْثَرِ إلّا سَمِعَهُ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَدْخِلِي أُصْبُعَيْك فِي أُذُنَيْك وَشِدّي، فَاَلّذِي تَسْمَعِينَ فِيهِمَا مِنْ خَرِيرِ الكوثر «1» » وروى

_ (1) حديث ابن أبى نجيح منقطع، وحديث الدار قطنى مرفوع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- قَالَ لِعَلِيّ: «وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّك لَذَائِدٌ عَنْ حَوْضِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَذُودُ عَنْهُ كُفّارَ الْأُمَمِ، كَمَا تُذَادُ الْإِبِلُ الضّالّةُ عَنْ الْمَاءِ بعصامن عَوْسَجٍ «1» » إلّا أَنّ هَذَا الْحَدِيثَ يَرْوِيهِ حَرَامُ بْن عُثْمَانَ عَنْ ابْنَيْ جَابِرٍ، وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ بِثِقَةِ، وَأَغْلَظَ فِيهِ الشّافِعِيّ الْقَوْلَ، وَأَمّا قَوْلُهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ: وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي، فَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَاهُ أَقْوَالٌ، وَيُفَسّرُهُ عِنْدِي الْحَدِيثُ الْآخَرُ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إنّي لَأَنْظُرُ إلَى حَوْضِي الْآنَ «2» مِنْ مَقَامِي هَذَا» فَتَأَمّلْهُ. اسْتِشْهَادُ ابْنِ هِشَامٍ عَلَى مَعْنَى الْكَوْثَرِ: وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الِاسْتِشْهَادِ عَلَى مَعْنَى الْكَوْثَرِ قَوْلَ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ: وَصَاحِبُ مَلْحُوبٍ فُجِعْنَا بِيَوْمِهِ ... وَعِنْدَ الرّدَاعِ بَيْتُ آخِرِ كَوْثَرِ وَبِالْفَوْرَةِ الْحَرّابِ ذُو الْفَضْلِ عَامِرٌ ... فَنِعْمَ ضِيَاءُ الطّارِقِ الْمُتَنَوّر «3» يَعْنِي عَامِرَ بْنَ مَالِكٍ مُلَاعِبَ الْأَسِنَةِ، وَهُوَ عَمّ لَبِيدٍ، وَسَنَذْكُرُ: لِمَ سُمّيَ مُلَاعِبَ الْأَسِنَةِ إذَا جَاءَ ذِكْرُهُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وصاحب ملحوب: عوف

_ (1) شجر من شجر الشوك له ثمر مدور، كأنه خرز العقيق «المعجم الوسيط» (2) عجيب من السهيلى أن يعتد بمثل هذه الداهيات التى أنف أصحاب الصحيح من ذكرها!! (3) بيت الكميت الذى فى السيرة فى الاشتقاق واللسان، وفيه: الخلائف مكان: العقائل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن الْأَحْوَصِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ. وَاَلّذِي عِنْدَ الرّدَاعِ: شُرَيْح بْنُ الْأَحْوَصِ فِي قَوْله، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ حِبّانُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَالِكِ بن جعفر بن كلاب. والرّادع: مِنْ أَرْضِ الْيَمَامَةِ. وَمَلْحُوبٌ: مَفْعُولٌ مِنْ لَحَبْت الْعُودَ، إذَا قَشّرْته، فَكَأَنّ هَذَا الْمَوْضِعَ سُمّيَ مَلْحُوبًا، لِأَنّهُ لَا أَكَمٌ فِيهِ وَلَا شَجَرٌ. ذَكَرَ حَدِيثَ الْمُسْتَهْزِئِينَ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا أَنَزَلَ اللهُ فِيهِمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ» الاية الأنبياء: 41. فقال فيها: استهزىء بِرُسُلِ ثُمّ قَالَ: فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ، ولم يقل: استهزؤا، ثُمّ قَالَ: مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ وَلَمْ يقل: يسخرون. ولابدّ فِي حِكْمَةٍ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ الْبَلَاغَة وتنزيل الكلام منازله، فقوله: استهزىء بِرُسُلِ، أَيْ: أُسْمِعُوا مِنْ الْكَلَامِ الّذِي يُسَمّى اسْتِهْزَاءً مَا سَاءَهُمْ تَأْنِيسًا لَهُ، لِيَتَأَسّى بِمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الرّسُلِ، وَإِنّمَا سُمّيَ اسْتِهْزَاءً إذَا كَانَ مَسْمُوعًا، وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِينَ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: «أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ» الْبَقَرَةُ: 67. وَأَمّا السّخْرُ وَالسّخْرَى، فَقَدْ يَكُونُ فِي النّفْسِ غَيْرُ مَسْمُوعٍ، وَلِذَلِكَ تَقُولُ: سَخِرْت مِنْهُ، كَمَا تَقُولُ: عَجِبْت مِنْهُ إلّا أَنّ الْعُجْبَ لَا يَخْتَصّ بِالْمَعْنَى الْمَذْمُومِ، كَمَا يَخْتَصّ السّخْرُ، وَفِي التّنْزِيلِ خَبَرًا عَنْ نُوحٍ: «إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا، فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ، كَما تَسْخَرُونَ» هود: 28 ولم يقل: نستهزىء بِكَمْ كَمَا تَسْتَهْزِئُونَ؛ لِأَنّ الِاسْتِهْزَاءَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْأَنْبِيَاءِ، إنّمَا هُوَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِينَ كَمَا قَدّمْنَا مِنْ قَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ، فَالنّبِيّ يَسْخَرُ: أَيْ، يَعْجَبُ مِنْ كُفْرِ مَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَسْخَرُ بِهِ، وَمَنْ سُخْرِ عُقُولِهِمْ. فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ» ، قُلْنَا: الْعَرَبُ تُسَمّي الْجَزَاءَ عَلَى الْفِعْلِ بِاسْمِ الفعل كما قال تعالى: (نسوا الله فنسنيهم) وَهُوَ مَجَازٌ حَسَنٌ «1» وَأَمّا الِاسْتِهْزَاءُ الّذِي كُنّا بِصَدَدِهِ، فَهُوَ الْمُسَمّى اسْتِهْزَاءُ حَقِيقَةٍ، وَلَا يَرْضَى بِهِ إلّا جَهُولٌ. ثُمّ قَالَ سُبْحَانَهُ: (فَحَاقَ بِالّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) أَيْ حَاقَ بِهِمْ مِنْ الْوَعِيدِ الْمُبَلّغِ لَهُمْ على ألسنة لرسل ما كانوا يستهزؤن بِهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَنَزَلَتْ كُلّ كَلِمَةٍ مَنْزِلَهَا، وَلَمْ يَحْسُنْ فِي حُكْمِ الْبَلَاغَةِ وَضْعُ وَاحِدَةٍ مَكَانَ الْأُخْرَى. وَذَكَرَ أَيْضًا قَوْله سُبْحَانَهُ: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ ملكا لجعلناه رجلا) أَيْ: لَوْ جَعَلْنَا الرّسُولَ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يَكُنْ إلّا عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ، وَلَدَخَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ اللّبْسِ فِيهِ مَا دَخَلَ فِي أَمْرِ مُحَمّدٍ وَقَوْلُهُ: لَبِسْنَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْأَمْرَ كُلّهُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، فَهُوَ يُعْمِي مَنْ شَاءَ عَنْ الْحَقّ، وَيَفْتَحُ بَصِيرَةَ مَنْ شَاءَ، وَقَوْلُهُ: مَا يَلْبَسُونَ، مَعْنَاهُ: يَلْبَسُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ، لِأَنّ أَكْثَرَهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنّهُ الْحَقّ، وَلَكِنْ جَحَدُوا بِهَا، وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ، فَجَعَلُوا، يَلْبَسُونَ أَيْ يَلْبَسُ، بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَيَلْبَسُونَ عَلَى أَهْلِيهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ، أَيْ: يَخْلِطُونَ عَلَيْهِمْ بِالْبَاطِلِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: لبست عليهم

_ (1) سبق التعليق على مثل هذا. والنسيان هنا حقيقة لا مجاز، لأن أصل النسيان- كما يقول ابن الأثير: الترك. ويقول ابن فارس فى معجمه عن أصل المادة إنها أصلان: أحدهما يدل على إغفال الشىء، والثانى: على ترك الشىء، فيكون المعنى: تركوا الله فتركهم، هذا لأن دعوى المجاز فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته وأفعاله دعوى تجمع بين الحماقة والجرأة والقول على الله بغير علم. ولا سيما وأنه لم يرد عن خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم شىء من هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَمْرَ أَلْبِسُهُ، أَيْ: سَتَرْته وَخَلَطْته، وَمِنْ لُبْسِ الثّيَابِ: لَبِسْت أَلْبَسُ، لِأَنّهُ فِي مَعْنَى كَسِيت، وفى مقابلة عربت، فَجَاءَ عَلَى وَزْنِهِ، وَالْآخَرُ فِي مَعْنَى: خَلَطْت أَوْ سَتَرْت، فَجَاءَ عَلَى وَزْنِهِ. شَرْحُ مَا فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مِنْ الْمُشْكِلِ اتّفَقَتْ الرّوَاةُ عَلَى تَسْمِيَتِهِ إسْرَاءً، وَلَمْ يُسَمّهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ: سُرًى، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ اللّغَةِ قَدْ قَالُوا: سَرَى وَأَسْرَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ، فَدَلّ عَلَى أَنّ أَهْلَ اللّغَةِ لَمْ يُحَقّقُوا الْعَبّارَةَ، وَذَلِكَ أَنّ القرّاء لم يختلفوا فى العلاوة من قوله: (سبحان الذى أسرى بعبده) وَلَمْ يَقُلْ: سَرَى، وَقَالَ: وَاللّيْلِ إِذَا يَسْرِ، وَلَمْ يَقُلْ: يَسْرِي، فَدَلّ عَلَى أَنّ السّرَى مِنْ سَرَيْت إذَا سِرْت لَيْلًا، وَهِيَ مُؤَنّثَةٌ «1» تَقُولُ: طَالَتْ سُرَاك اللّيْلَةَ، وَالْإِسْرَاءُ مُتَعَدّ فِي الْمَعْنَى، وَلَكِنْ حُذِفَ مَفْعُولُهُ كَثِيرًا حَتّى ظَنّ أَهْلُ اللّغَةِ أَنّهُمَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ، لَمّا رَأَوْهُمَا غَيْرَ مُتَعَدّيَيْنِ إلَى مَفْعُولٍ فِي اللّفْظِ، وَإِنّمَا أَسْرَى بِعَبْدِهِ، أَيْ: جَعَلَ الْبُرَاق يَسْرِي، كَمَا تَقُولُ: أَمَضَيْته، أَيْ: جَعَلْته يَمْضِي، لَكِنْ كَثُرَ حَذْفُ الْمَفْعُولِ لَقُوّةِ الدّلَالَةِ عَلَيْهِ، أَوْ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذِكْرِهِ، إذْ الْمَقْصُودُ بِالْخَبَرِ ذِكْرُ مُحَمّدٍ، لَا ذِكْرُ الدّابّةِ الّتِي سَارَتْ بِهِ، وَجَازَ فِي قِصّةِ لُوطٍ عَلَيْهِ السّلَامُ. أَنْ يُقَالَ له: فأسر بأهلك: أَيْ فَاسْرِ بِهِمْ، وَأَنْ يَقْرَأَ فَأَسْرِ بِأَهْلِك بِالْقِطْعِ، أَيْ: فَأَسْرِ بِهِمْ مَا يَتَحَمّلُونَ عَلَيْهِ مِنْ دَابّةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَلَمْ يُتَصَوّرْ ذَلِكَ فِي السّرَى بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ سَرَى بِعَبْدِهِ بوجه

_ (1) فى اللسان أنها تذكر وتؤنث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ الْوُجُوهِ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ تَأْتِ التّلَاوَةُ إلّا بِوَجْهِ وَاحِدٍ فِي هَذِهِ الْقِصّةِ فَتَدَبّرْهُ. وَكَذَلِكَ تَسَامَحَ النّحْوِيّونَ أَيْضًا فِي الْبَاءِ وَالْهَمْزَةِ، وَجَعَلُوهُمَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ فِي حُكْمِ التّعْدِيَةِ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ أَصْلًا لَجَازَ فِي: أَمْرَضْته أَنْ تَقُولَ: مَرِضْت بِهِ، وَفِي أَسْقَمْته: أَنْ تَقُولَ: سَقِمْت بِهِ، وَفِي أَعْمَيْته أَنْ تَقُولَ: عَمِيت بِهِ قِيَاسًا عَلَيّ: أَذْهَبْته وَأَذْهَبْت بِهِ، وَيَأْبَى اللهُ ذَلِكَ وَالْعَالِمُونَ؛ فَإِنّمَا الْبَاءُ تُعْطِي مَعَ التّعْدِيَةِ طَرَفًا مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي الْفِعْلِ، وَلَا تُعْطِيهِ الْهَمْزَةَ، فَإِذَا قُلْت: أَقْعَدْته، فَمَعْنَاهُ: جَعَلْته يَقْعُدُ، وَلَكِنّك شَارَكْته فِي الْقُعُودِ، فَجَذَبْته بِيَدِك إلَى الْأَرْضِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا بُدّ مِنْ طَرَفٍ مِنْ الْمُشَارَكَةِ إذَا قَعَدْت بِهِ، وَدَخَلْت بِهِ، وَذَهَبْت بِهِ بِخِلَافِ أَدْخَلْته وَأَذْهَبْته. فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ ذَهَبَ الله بنورهم، وذهب بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ» وَيَتَعَالَى- سُبْحَانَهُ- عَنْ أَنْ يوصف بالذهاب، ويضاف إلَيْهِ طَرَفٌ مِنْهُ، وَإِنّمَا مَعْنَاهُ: أَذَهَبَ نُورَهُمْ وَسَمْعَهُمْ. قُلْنَا: فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا: أَنّ النّورَ وَالسّمْعَ وَالْبَصَرَ كَانَ بِيَدِهِ سُبْحَانَهُ، وَقَدْ قَالَ: بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهَذَا: مِنْ الْخَيْرِ الّذِي بِيَدِهِ، وَإِذَا كَانَ بِيَدِهِ، فَجَائِزٌ أَنْ يُقَالَ ذَهَبَ بِهِ عَلَى الْمَعْنَى الّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَعَلَيْهِ يَنْبَنِي ذَلِكَ الْمَعْنَى الْآخَرُ الّذِي فِي قَوْلِهِ: ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ مَجَازًا كَانَ أَوْ حَقِيقَةً، أَلَا تَرَى أَنّهُ لَمّا ذَكَرَ الرّجْسَ كَيْفَ قَالَ: «لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ» الْأَحْزَابُ: 33. وَلَمْ يَقُلْ يُذْهِبُ بِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ: «وَيُذْهِبَ عنكم رجز الشّيطان» الأنفال: 11 تعليما لِعِبَادِهِ حُسْنَ الْأَدَبِ مَعَهُ، حَتّى لَا يُضَافُ إلَى الْقُدّوسِ سُبْحَانَهُ- لَفْظًا وَمَعْنًى شَيْءٌ مِنْ الْأَرْجَاسِ، وَإِنْ كَانَتْ خَلْقًا لَهُ وَمِلْكًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلَا يُقَالُ: هِيَ بِيَدِهِ عَلَى الْخُصُوصِ، تَحْسِينًا لِلْعِبَارَةِ وَتَنْزِيهًا لَهُ، وَفِي مِثْلِ النّورِ وَالسّمْعِ وَالْبَصَرِ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: هِيَ بِيَدِهِ، فَحَسُنَ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَال: ذَهَبَ بِهِ، وَأَمّا أَسْرَى بِعَبْدِهِ، فَإِنّ دُخُولَ الْبَاءِ فِيهِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِنّهُ فِعْلٌ يَتَعَدّى إلَى مَفْعُولٍ، وَذَلِكَ الْمَفْعُولُ الْمُسَرّى هُوَ الّذِي سَرَى بالعبد فشاد كه بِالسّرَى، كَمَا قَدّمْنَا فِي قَعَدْت بِهِ أَنّهُ يُعْطَى الْمُشَارَكَةُ فِي الْفِعْلِ، أَوْ فِي طَرَفٍ منه، فتأمله «1» .

_ (1) علق ابن القيم على قوله سبحانه: «أسرى بعبده» فقال: «فى قوله تعالى: (أسرى بعبده) دون بعث بعبده، وأرسل به ما يفيد مصاحبته له فى مسراه فإن الباء هنا للمصاحبة كهى فى قوله: هاجر بأهله، وسافر بغلامه، وليست للتعدية فإن أسرى بتعدى بنفسه، يقال: سرى به، وأسراه، وهذا لأن ذلك السرى كان أعظم أسفاره- صلى الله عليه وسلم- والسفر يعتمد الصاحب، ولهذا كان- صلى الله عليه وسلم- إذا سافر يقول: اهم؟؟؟ أنت الصاحب فى السفر. فإن قيل: فهذا المعنى يفهم من الفعل الثلاثى لو قيل: سرى بعبده، فما فائدة الجمع بين الهمزة والباء، ففيه أجوبة» ثم رفض ما أجاب به غيره ثم قال: «والجواب الصحيح أن الثلاثى المتعدى بالباء يفهم منه شيئان أحدهما: صدور الفعل من فاعله: الثانى: مصاحبته لما دخلت عليه الباء. فإذا قلت: سريت بزيد، وسافرت به كنت قد وجد منك السرى والسفر مصاحبا لزيد فيه. وأما المتعدى بالهمزة، فيقتضى إيقاع الفعل بالمفعول فقط، كقوله تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم» . ونظائره فإذا قرن هذا المتعدى بالهمزة بالباء أفاد إيقاع الفعل على المفعول مع المصاحبة المفهومة من الباء، ولو أتى فيه بالثلاثى فهم منه معنى المشاركة فى مصدره، وهو ممتنع فتأمله» ص 203 ح 3 بدائع الفوائد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أكان الإسراء يقظة أم مناما: فصل: ونقدم بَيْنَ يَدَيْ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ: هَلْ كَانَ الْإِسْرَاءُ فِي يَقَظَةٍ بِجَسَدِهِ، أَوْ كَانَ فِي نُوُمِهِ بِرُوحِهِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها» الزّمَرُ: 43 وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ عَائِشَةَ وَمُعَاوِيَةَ أَنّهَا كَانَتْ رُؤْيَا حَقّ، وَأَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ تَفْقِدْ بَدَنَهُ، وَإِنّمَا عُرِجَ بِرُوحِهِ تِلْكَ اللّيْلَةَ، وَيَحْتَجّ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: «وَمَا جَعَلْنَا الرّؤْيَا الّتِي أربناك إِلّا فِتْنَةً لِلنّاسِ» الْإِسْرَاءُ 60. وَلَمْ يَقُلْ: الرّؤْيَةَ، وَإِنّمَا يُسَمّى رُؤْيَا مَا كَانَ فِي النّوُمِ فِي عُرْفِ اللّغَةِ، وَيَحْتَجّونَ أَيْضًا بِحَدِيثِ الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ أَنّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أن يوحى إليه، وهو قائم فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَوّلُهُمْ: أَيّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ هَذَا، وَهُوَ خَيْرُهُمْ، فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ فَكَانَ تِلْكَ اللّيْلَةَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى، فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ السّلَامُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ، وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلّمُوهُ، حَتّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ. الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَاسْتَيْقَظَ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهَذَا نَصّ لَا إشْكَالَ فِيهِ أَنّهَا كَانَتْ رُؤْيَا صَادِقَةً، وَقَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الثّانِي: قَدْ تَكُونُ الرّؤْيَا بِمَعْنَى الرّؤْيَةِ فِي الْيَقَظَةِ، وَأَنْشَدُوا لِلرّاعِي يَصِفُ صَائِدًا:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَبّرَ لِلرّؤْيَا، وَهَشّ فُؤَادُهُ ... وَبَشّرَ قَلْبًا كَانَ جَمّا بَلَابِلُهُ «1» قَالُوا: وَفِي الْآيَةِ بَيَانُ أَنّهَا كَانَتْ فِي الْيَقَظَةِ، لِأَنّهُ قَالَ: «وَمَا جَعَلْنَا الرّؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلّا فِتْنَةً للناس» وَلَوْ كَانَتْ رُؤْيَا نَوْمٍ مَا افْتَتَنَ بِهَا النّاسُ حَتّى ارْتَدّ كَثِيرٌ مِمّنْ أَسْلَمَ، وَقَالَ الْكُفّار: يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّهُ أَتَى بَيْت الْمَقْدِسِ، وَرَجَعَ إلَى مَكّةَ لَيْلَتَهُ، وَالْعِيرُ تَطْرُدُ إلَيْهَا شَهْرًا مُقْبِلَةً وَشَهْرًا مُدْبِرَةً، وَلَوْ كَانَتْ رُؤْيَا نَوْمٍ، لَمْ يَسْتَبْعِدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا، فَمَعْلُومٌ أَنّ النّائِمَ قَدْ يَرَى نَفْسَهُ فِي السّمَاءِ، وَفِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَلَا يُسْتَبْعَدُ مِنْهُ ذَلِكَ واحتج هؤلاء أيضا بشر به الْمَاءَ مِنْ الْإِنَاءِ الّذِي كَانَ مُغَطّى عِنْدَ الْقَوْمِ، وَوَجَدُوهُ حِينَ أَصْبَحَ لَا مَاء فِيهِ، وَبِإِرْشَادِهِ لِلّذِينَ نَدّ بَعِيرُهُمْ حِين أَنْفَرَهُمْ حِسّ الدّابّةِ، وَهُوَ الْبُرَاقُ حَتّى دَلّهُمْ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرَ أهل مكة بأمارة ذلك، حتى ذكر الْغِرَارَتَيْنِ السّوْدَاء وَالْبَرْقَاءِ «2» كَمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ: أَنّهُ وَعَدَ قُرَيْشًا بِقُدُومِ الْعِيرِ الّتِي أَرْشَدَهُمْ إلَى الْبَعِيرِ، وَشَرِبَ إنَاءَهُمْ، وأنهم سيقدمون ويخبرون بذلك،

_ (1) البلابل: شدة الهم والوسواس فى الصدر. والراعى هو: عبيد بن حصين ابن معاوية من بنى نمير، يكنى أبا جندل أو أبا نوح شاعر إسلامى، وهم أهل بيت وسؤدد. وسمى الراعى لقوله: ضعيف العصا بادى العروق تخاله ... عليها إذا ما أمحل الناس إصبعا حذا إبل إن تتبع الريح مرة ... يدعها ويخف الصوت حتى تربعا لها أمرها حتى إذا ما تبوأت ... لأخفاقها مرعى تبوأ مضجعا (2) اجتمع فيها سواد وبياض. وفى الرواية أنها بيضاء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ مَتَى يَقْدُمُونَ؟ فَقَالَ: يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَلَمّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ، وَلَمْ يَقْدُمُوا، حَتّى كَرَبَتْ الشّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ، فَدَعَا اللهَ فَحَبَسَ الشّمْسَ حَتّى قَدِمُوا كَمَا وَصَفَ، قَالَ: وَلَمْ يَحْبِسْ الشّمْسَ إلّا لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَلِيُوشَعَ بْنِ نُونٍ «1» وَهَذَا كُلّهُ لَا يَكُونُ إلّا يَقَظَةً، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ، مِنْهُمْ: شَيْخُنَا القاضى أبو بكر [ابن الْعَرَبِيّ] رَحِمَهُ اللهُ إلَى تَصْدِيقِ الْمَقَالَتَيْنِ، وَتَصْحِيحِ الْحَدِيثَيْنِ، وَأَنّ الْإِسْرَاءَ كَانَ مَرّتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: كَانَ فِي نُوُمِهِ وَتَوْطِئَةً لَهُ وَتَيْسِيرًا عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ بَدْءُ نُبُوّتِهِ الرّؤْيَا الصّادِقَةُ، لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ أَمْرُ النّبُوّةِ فَإِنّهُ عَظِيمٌ تَضْعُفُ عَنْهُ الْقُوَى الْبَشَرِيّةُ، وَكَذَلِكَ الْإِسْرَاءُ سَهّلَهُ عَلِيّه بِالرّؤْيَا؛ لِأَنّ هو له عَظِيمٌ، فَجَاءَهُ فِي الْيَقَظَةِ عَلَى تَوْطِئَةٍ وَتَقْدِمَةٍ، رِفْقًا مِنْ اللهِ بِعَبْدِهِ وَتَسْهِيلًا عَلَيْهِ، وَرَأَيْت الْمُهَلّبَ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيّ قَدْ حَكَى هَذَا الْقَوْلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَأَنّهُمْ قَالُوا: كَانَ الْإِسْرَاءُ مَرّتَيْنِ: مَرّةً فِي نُوُمِهِ، وَمَرّةً فِي يَقَظَتِهِ بِبَدَنِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

_ (1) هو فتى موسى- كما يقال- ونبى بنى إسرائيل بعده، واسمه عند النكتابيين: يشوع، وسفره يقع بعد سفر التثنية من العهد القديم، وهم يروون أن يوشع حاصر أريحا، فلما غربت الشمس، أو كادت تغرب، ويدخل عليهم السبت الذى جعل عليهم، وشرع لهم قال لها: إنك مأمورة، وأنا مأمور اللهم احبسها على: فحبسها الله حتى تمكن من فتح البلد، وزادوا فقالوا: وأمر القمر، فوقف عن الطلوع. ثم يروى ابن كثير حديثا عن الإمام أحمد: «إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالى سار إلى بيت المقدس» فكيف إذن حبست للنبى صلى الله عليه وسلم؟ وفى مسلم حديث يفيد أن الله حبس الشمس لنبى غزا. لكنه لم يصرح فيه باسم يوشع انظر ص 323 ج 1 البداية والنهاية لابن كثير ج 1 ص 1348.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الّذِي يَصِحّ، وبه تتفق معانى الأخيار، أَلَا تَرَى أَنّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الّذِي قَدّمْنَا ذِكْرَهُ: أَتَاهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنّ الْإِسْرَاءَ كَانَ بَعْدَ النّبُوّةِ، وَحَيْنَ فُرِضَتْ الصّلَاةُ «1» كَمَا قَدّمْنَا فِي الْجُزْءِ قَبْلَ هَذَا، وَقِيلَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِعَامِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَارْتَدّ كَثِيرٌ مِمّنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ، وَرُوَاةُ الْحَدِيثَيْنِ حُفّاظٌ، فَلَا يَسْتَقِيمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرّوَايَتَيْنِ إلّا أَنْ يَكُونَ الْإِسْرَاءُ مَرّتَيْنِ، وَكَذَلِكَ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنّهُ لَقِيَ إبْرَاهِيمَ فِي السّمَاءِ السادسة وموسى فى السابغة، وَفِي أَكْثَرِ الرّوَايَاتِ الصّحِيحَةِ أَنّهُ رَأَى إبْرَاهِيمَ عند البيت المعمور فى السماء السابغة، وَلَقِيَ مُوسَى فِي السّادِسَةِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ أُتِيَ بِثَلَاثَةِ آنِيّةٍ، أَحَدُهَا مَاءٌ فَقَالَ قَائِلٌ: إنْ أَخَذَ الْمَاءَ غَرِقَ، وَغَرِقَتْ أُمّتُهُ، وَفِي إحْدَى رِوَايَاتِ الْبُخَارِيّ فِي الْجَامِعِ الصّحِيحِ: أَنّهُ أُتِيَ بِإِنَاءِ فِيهِ عَسَلٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَاءَ وَالرّوَاةُ أَثَبَاتٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَى تَكْذِيبِ بَعْضِهِمْ وَلَا تَوْهِينِهِمْ، فَدَلّ عَلَى صِحّةِ الْقَوْلِ بِأَنّهُ كَانَ مَرّتَيْنِ، وَعَادَ الِاخْتِلَافُ إلَى أَنّهُ كَانَ كُلّهُ حَقّا، وَلَكِنْ فِي حَالَتَيْنِ وَوَقْتَيْنِ مَعَ مَا يَشْهَدُ لَهُ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، فَإِنّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: «ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى) ثُمّ قَالَ: (مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى) النّجْمُ: 8، 11 فَهَذَا نَحْوُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ قَوْلِهِ: فِيمَا يَرَاهُ قَلْبُهُ، وَعَيْنُهُ نَائِمَةٌ «2» وَالْفُؤَادُ: هُوَ الْقَلْبُ، ثم قال: «أَفَتُمارُونَهُ عَلى

_ (1) بل الثابت من آيات القرآن أن الصلاة كانت مفروضة قبل الإسراء. (2) فى البخارى: باب: كان النبى «ص» تنام عينه، ولا ينام قلبه، رواه سعيد بن ميناه عن جابر عن النبى «ص» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يَرى) وَلَمْ يَقُلْ: مَا قَدْ رَأَى، فَدَلّ عَلَى أَنّ ثَمّ رُؤْيَةٌ أُخْرَى بَعْدَ هَذِهِ، ثُمّ قال: (ولقد رآه نزلة أخرى) أَيْ: فِي نَزْلَةٍ نَزَلَهَا جِبْرِيلُ إلَيْهِ مَرّةً، فَرَآهُ فِي صُورَتِهِ الّتِي هُوَ عَلَيْهَا (عِنْدَ سدرة المنتهى، إذ يغشى السّدرة ما يغشى) قَالَ: يَغْشَاهَا فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَنْتَثِرُ مِنْهَا الْيَاقُوتُ، وَثَمَرُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ «1» ثم قال: (ما زاغَ الْبَصَرُ) وَلَمْ يَقُلْ: الْفُؤَادُ، كَمَا قَالَ فِي الّتِي قَبْلَ هَذِهِ، فَدَلّ عَلَى أَنّهَا رُؤْيَةُ عَيْنٍ وَبَصَرٍ فِي النّزْلَةِ الْأُخْرَى، ثُمّ قَالَ: (لَقَدْ رأى من آيات ربّه الكبرى) «2» ، وَإِذَا كَانَتْ رُؤْيَةَ عَيْنٍ؛ فَهِيَ مِنْ الْآيَاتِ الْكُبْرَى، وَمِنْ أَعْظَمِ الْبَرَاهِينِ وَالْعِبَرِ، وَصَارَتْ الرّؤْيَا الْأُولَى بِالْإِضَافَةِ إلَى الْأُخْرَى لَيْسَتْ مِنْ الْكِبْرِ؛ لِأَنّ مَا يَرَاهُ الْعَبْدُ فِي مَنَامِهِ دُونَ مَا يَرَاهُ فِي يَقَظَتِهِ لَا مَحَالَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ إنّهُ رَأَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى نَهَرَيْنِ ظَاهِرَيْنِ، وَنَهَرَيْنِ بَاطِنِينَ، وَأَخْبَرَهُ جِبْرِيل أَنّ الظّاهِرَيْنِ: النّيلُ وَالْفُرَاتُ، وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ أَنَس أَنّهُ رَأَى هَذَيْنِ النّهَرَيْنِ فِي السّمَاءِ الدّنْيَا، وَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: هُمَا النّيلُ وَالْفُرَاتُ، أَصُلْهُمَا وَعُنْصُرُهُمَا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَأَى فِي حَالِ الْيَقَظَةِ مَنْبَعَهُمَا، وَرَأَى فِي الْمَرّةِ الْأُولَى النّهَرَيْنِ دُونَ أَنْ يَرَى أَصْلَهُمَا وَاَللهُ أَعْلَمُ. فَقَدْ جَاءَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ) الْمُؤْمِنُونَ: 18 أَنّهُمَا النّيلُ وَالْفُرَاتُ أُنْزِلَا مِنْ الجنة

_ (1) قرية كانت من قرى المدينة، وليست هجر البحرين، وكانت تعمل بها القلال تأخذ الواحدة منها مزادة من الماء، سمّيت قلة لأنها ترفع وتحمل. (2) الايات السابقة كلها من سورة النجم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ أَسْفَلِ دَرَجَةٍ مِنْهَا عَلَى جُنَاح جِبْرِيل، فأودعهما بطون الجبال «1» ثم إن

_ (1) مما أومن به أنه من الخير تخطئة حديث يرويه راو يخالف المحكم الصريح من كتاب الله، والواقع المحس بكل نوع من الإحساس، فهذا أفضل من أن نحتفى بشأن حديث ينتج عنه تكذيب القرآن، وتكذيب الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ورمى الإسلام بأنه عفن وخرافة، والإسلام هو الحق والنور والحياة، وأرجو أن يكون قولى واضحا: «الحديث الذى يخالف المحكم الصريح من القرآن، والواقع المشهود الملموس المحس» وقد أكد القرآن الإسراء، وآياته المحكمة تقطع به وحددت مكان الإسراء، ومن لمس جانب هذا الحق بأثارة من شك، فقد أثم إثما عظيما وباء بخسران مبين، وقارىء القرآن عن الإسراء لا يرتاب فى شىء، فإن هو عرج على بعض الأحاديث، وبعضها مخالف لبعض ربما أثارته نزعة من ريبة، لهذا يجب علينا أن نستمع إلى ما يصادق القرآن منها، ونضرب صفحا عن الأخرى، تدبر أمر النيل والفرات، وأين هما، ثم اقرأ ما ورد فى بعض الأحاديث عنهما نجد شيئا لا يمكن تصديقه إلا بضروب بعيدة من خرف التأويل، ألا يكفى أن نتدير قوله تعالى: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) كلام يملأ القلب والعقل والشعور نورا وهداية وبصرا وإيمانا وتسبيحا لله الذى فعل بعبده ذلك. هذا وقد عرض السهيلى أمورا منها: رأى القائلين بأن الإسراء كان مرتين مرة فى نومه، ومرة فى يقظته. وإليك عرض الإمام ابن القيم لهذا: «قال موسى ابن عقبة عن الزهرى: عرج بروح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس، وإلى السماء قبل خروجه إلى المدينة بسنة ... وكان الإسراء مرة واحدة، وقيل: مرتين، مرة يقظة، ومرة مناما، وأرباب هذا القول كأنهم أرادوا أن يجمعوا بين حديث شريك، وقوله: ثم استيقظت، وبين سائر الروايات، ومنهم من قال: بل كان هذا مرتين، مرة قبل الوحى لقوله فى حديث شريك: وذلك قبل أن يوحى إليه، ومرة بعد-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ - الوحى كما دلت عليه سائر الأحاديث. ومنهم من قال: بل ثلاث مرات، مرة قبل الوحى، ومرتين بعده، وكل هذا خبط، وهذه طريقة ضعفاء الظاهرية من أرباب النقل الذين إذا رأوا فى القصة لفظة تخالف سياق بعض الروايات جعلوها مرة أخرى، فكلما اختلفت عليهم الروايات عددوا الوقائع. والصواب الذى عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة. ويا عجبا لهؤلاء الذين زعموا أنه مرارا كيف ساغ لهم أن يظنوا أنه فى كل مرة تفرض عليه الصلاة خمسين، ثم يتردد بين ربه وبين موسى، حتى تصير خمسا، ثم يقول: أمضيت فريضتى، وخففت عن عبادى، ثم يعيدها فى المرة الثانية إلى خمسين، ثم يحطها عشرا عشرا؟! وقد غلط الحفاظ شريكا فى ألفاظ من حديث الإسراء، ومسلم أورد المسند منه، ثم قال: فقدم وأخر، وزاد ونقص، ولم يسرد الحديث، وأجاد رحمه الله» ص 130 ح 2 زاد المعاد ط السنة المحمدية. وعن المعراج يقظة أو مناما يقول الإمام الجليل أيضا: «وقد نقل عن ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية أنهما قالا: إنما كان الإسراء بروحه، ولم يفقد جسده. ونقل عن الحسن البصرى نحو ذلك، ولكن ينبغى أن يعلم الفرق بين أن يقال: كان الإسراء مناما، وبين أن يقال: كان بروحه دون جسده، وبينهما فرق عظيم، وعائشة ومعاوية لم يقولا: كان مناما، وإنما قالا: أسرى بروحه، ولم يفقد جسده. وفرق بين الأمرين، فإن ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم فى الصور المحسوسة، فيرى كأنه قد عرج به إلى السماء، أو ذهب به إلى مكة وأقطار الأرض، وروحه لم تصعد، ولم تذهب، وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال. والذين قالوا: عرج برسول الله- صلى الله عليه وسلم- طائفتان، طائفة قالت: عرج بروحه وبدنه، وطائفة قالت: عرج بروحه، ولم يفقد بدنه، وهؤلاء لم يريدوا أن المعراج كان مناما، وإنما أرادوا أن الروح ذاتها أسرى بها، وعرج بها حقيقة، وباشرت من جنس ما تباشر بعد المفارقة، وكان حالها فى ذلك كحالها بعد المفارقة فى صعودها إلى السماوات سماء سماء، حتى ينتهى بها-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ - إلى السماء السابغة، فتقف بين يدى الله عز وجل، فيأمر فيها بما يشاء، ثم تنزل إلى الأرض. والذى كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء أكمل مما يحصل للروح عند المفارقة، ومعلوم أن هذا أمر فوق ما يراه النائم، لكن لما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى مقام خرق العوائد.. عرج بذات روحه المقدسة حقيقة من غير إماتة، ومن سواه لا ينال بذات روحه الصعود إلى السماء إلا بعد الموت والمفارقة» ص 128 المصدر السابق، وهو تأويل جيد للامام الجليل. ويقول الإمام الشوكانى: «وقد اختلف أهل العلم: هل كان الإسراء بجسده مع روحه، أو بروحه فقط؟ فذهب معظم السلف والخلف إلى الأول، وذهب إلى الثانى طائفة من أهل العلم، منهم: عائشة ومعاوية والحسن وابن إسحاق، وحكاه ابن جرير عن حذيفة بن اليمان، وذهبت طائفة إلى التفصيل، فقالوا: كان الإسراء بجسده يقظة إلى بيت المقدس» وإلى السماء بالروح، واستدلوا على هذا التفصيل بقوله: إلى المسجد الأقصى، فجعله غاية للاسراء بذاته، فلو كان الإسراء من بيت المقدس إلى السماء وقع بذاته لذكره، والذى دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من أن الإسراء بجسده وروحه يقظة إلى بيت المقدس، ثم إلى السماوات، ولا حاجة إلى التأويل، ص 199 ح 2 فتح القدير ط مصطفى البابى الحلبى. ولو أن الشوكانى قال: بعض الأحاديث الصحيحة، لكان أوفق لأن بعض الأحاديث الصحيحة أيضا تدل على أنه كان بروحه. تاريخ الإسراء: كما يتحدث الإمام الشوكانى عن تاريخ الإسراء بقوله: «وقد اختلف أيضا فى تاريخ الإسراء، فروى أن ذلك كان قبل الهجرة إلى المدينة بسنة، وروى أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام، ووجه ذلك أن خديجة صلت مع النبى صلى الله عليه وسلم، وقد ماتت قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بثلاث، وقيل بأربع، ولم تفرض الصلاة إلا ليلة الإسراء، وقد استدل بهذا ابن عبد البر على ذلك، وقد اختلفت الرواية عن الزهرى. وممن قال: بأن-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ - الإسراء كان قبل الهجرة بسنة الزهرى فى رواية عنه، وكذلك الحربى، فإنه قال: أسرى بالنبى صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة. وقال ابن القاسم فى تاريخه: كان الإسراء بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من أهل السير قال يمثل هذا. وروى عن الزهرى أنه أسرى به قبل مبعثه بسبعة أعوام، وروى عنه أنه قال: كان قبل مبعثه بخمس سنين، وروى يونس عن عروة عن عائشة أنها قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة» ص 200 المصدر السابق. وأقول: سبق أن بينت أن القرآن يؤكد أن الصلاة فرضت فى بداية مبعثه صلى الله عليه وسلم. وقد تحدث السهيلى عن قوله سبحانه (ثم دنا فتدلى) الخ وإليك رأى السلف فى هذا ينقله الإمام ابن القيم أيضا، وأنا أنقله عنه من المصدر السابق: «وأما قوله تعالى فى سورة النجم (ثم دنا فتدلى) فهو غير الدنو والتدلى فى قصة الإسراء، فإن الذى فى سورة النجم هو: دنو جبريل وتدليه، كما قالت عائشة وابن مسعود، والسياق يدل عليه، فإنه قال: (علمه شديد القوى) وهو جبريل: (ذو مرة فاستوى، وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى) فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى، وهو ذو المرة- أى القوة- وهو الذى استوى بالأفق الأعلى، وهو الذى دنا فتدلى، فكان محمد- صلى الله عليه وسلم- قدر قاب قوسين أو أدنى، فأما الدنو والتدلى الذى فى حديث الإسراء، فذلك صريح فى أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه، ولا تعرض فى سورة النجم لذلك، بل فيها أنه رآه نزلة آخرى عند سدرة المنتهى. وهذا هو جبريل رآه محمد- صلى الله عليه وسلم- على صورته مرتين مرة فى الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى» ص 127 المصدر السابق. وبهذا يسقط استدلال السهيلى بأن الإسراء كان مرتين. وعن مسألة رؤية النبى صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء والمعراج يقول الإمام ابن القيم أيضا: «واختلف الصحابة: هل رأى ربه تلك اليلة أم لا؟ فصح-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ - عن ابن عباس أنه رأى ربه، وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده، وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك، وقالا: إن قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) إنما هو جبريل، وصح عن أبى ذر أنه سأله: هل رأيت ربك، فقال: نور أنى أراه أى حال بينى وبين رؤيته النور، كما قال فى لفظ آخر: رأيت نورا، وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمى اتفاق الصحابة على أنه لم يره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: وليس قول ابن عباس إنه رآه مناقضا لهذا، ولا قوله: رآه بفؤاده، وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربى تبارك وتعالى، ولكن لم يكن هذا فى الإسراء، ولكن كان فى المدينة لما احتبس فى صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة فى منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمد، وقال: نعم رآه حقا، فإن رؤيا الأنبياء حق، ولا بد. ولكن لم يقل أحمد: إنه رآه بعينى رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك، فقد وهم عليه، ولكن قال مرة: رآه، ومرة قال: رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان؛ وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعينى رأسه؟ وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك، وأما قول ابن عباس إنه رآه بفؤاده مرتين، فإن كان استناده إلى قوله تعالى: (ما كذب الفؤاد ما رأى) ثم قال: (ولقد رآه نزلة أخرى) - والظاهر أنه مستنده- فقد صح عنه- صلى الله عليه وسلم- أن هذا المرئى جبريل، رآه مرتين فى صورته التى خلق عليها، وقول ابن عباس هذا هو مستند الإمام أحمد فى قوله: رآه بفؤاده، والله أعلم» ص 27 المصدر السابق. وقد يقال: رأى آخر هو أن الإسراء به صلى الله عليه وسلم كان بجسده وروحه، أما المعراج فكان بروحه كما شرح الإمام ابن القيم، بدليل ما ورد فى بعض الروايات. فرواية شريك لا يذكر فيها الإسراء مطلقا. وفى رواية عن أنس أيضا: «بينا أنا نائم إذ جاء جبريل عليه السلام، فوكز بين كتفى، فقمت إلى شجرة فيها كوكرى الطير، فقعد فى أحدهما، وقعدت فى الاخر، فسمت وارتفعت حتى سدت الخافقين، وأنا أقلب طرفى، ولو شئت أن أمس السماء لمست، ... هذه أيضا لم يأت فيها ذكر للإسراء إلى المسجد الأقصى، ولا للبراق. وفى رواية-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ - أنس عن مالك بن صعصعة يقول: «بينما أنا فى الحطيم- وربما قال قتادة فى الحجر مضطجعا- إذ أتانى آت، فجعل يقول لصاحبه: الأوسط بين الثلاثة، قال: فأتانى، فقد ما بين هذه إلى هذه أى من ثغرة نحره إلى مشعرته. أو من قصته إلى مشعرته، ولم يأت كذلك ذكر الإسراء، وفى رواية أخرى: فرج سقف بينى، وأنا بمكة، فنزل جبريل، ففرج صدرى، ثم غسله من ماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا، فأفرغها فى صدرى ثم أطبقه، ثم أخذ بيدى فعرج بى إلى السماء ... لعل هذه الروايات تعين على إثبات هذا الرأى الأخير، وهو أن المعراج شىء، والإسراء شىء آخر، وأن أن المعراج كان بالروح، وهذه هى الرؤيا التى أراه الله، أما الإسراء، فكان بجسده وروحه. هذا وقد أجريت بعض مقارنات بين الروايات المختلفة عن بعض الأمور التى وردت فى قصة، وإليك بعضها: المكان الذى كان منه الإسراء: سنغفل التعبير بما يأتى: «ورد فى رواية» ، وورد فى رواية أخرى للاختصار، وإليك ما ورد عن مكان الإسراء: المسجد الحرام، فرج عن سقف بيته، وهو فى مكة. بيت أم هانىء. وقد جاءت هذه الرواية بصورة توكيد، وذلك إذ تقول أم هانىء «ما أسرى برسول الله «ص» إلا وهو فى بيتى نائم عندى» . وبعض الروايات أغفلت ذكر المكان. البراق أو ما حمل عليه: بعض الروايات أغفلت ذكره. دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل- أتى به مسرجا ملجما، فاستصعب، قهره جبريل، فارفض عرقه. حمل على البراق، فأوثق الدابة، أو قال: الفرس. شجرة فيها كوكرى الطير، فقعد فى أحدهما، وقعد جبريل فى الاخر، فسمت وارتفعت حتى سادت الخافقين. ينفى حذيفة بن اليمان أنه ربطه، وإنما سخره له الله. سمى فرسا، وراح يصفها النبى لأبى بكر، لأن أبا بكر كان قد رآها من قبل،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ - شق الصدر: كان قبل الوحى، وقد جاءه ثلاثة نفر، وهو نائم فى المسجد الحرام، فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه، ولا ينام قلبه، فلم يكلموه، حتى احتملوه، فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق ما بين نحره إلى لبته الخ. أتاه ثلاثة، فشق أحدهم من ثغرة نحره إلى مشعرته، أو من قصته إلى شعرته.. جاء جبريل ومكيال، فشق بطنه. فرج سقف بيته، وهو بمكة فنزل جبريل، ففرج صدره، ثم غسله من ماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا، فأفرغها فى صدره «ص» ثم أطبقه صلاته ليلة الإسراء: صلى ركعتين فى بيت المقدس. صلى بطيبة وبطور سيناء وبيت لحم، حيث ولد عيسى وصلى فى بيت المقدس، حيث جمع له الأنبياء عليهم السلام، فقدمه جبريل، حتى أمهم، يقسم حذيفة بن اليمان أنه ما صلى فى المسجد الأقصى، ولا دخله هو وجبريل، وأنهما ما زايلا البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء، صلى فى بيت المقدس حيث اجتمع ناس كثيرون، ثم أذن مؤذن، فأقيمت الصلاة، ويروى الحديث أن النبى «ص» قال: فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا، فأخذ بيدى جبريل عليه السلام، فقدمنى فصليت بهم، فلما انصرفت، قال جبريل: يا محمد أتدرى من صلى خلفك؟ قال: قلت: لا، قال: صلى خلفك كل نبى، بعثه الله عز وجل. بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء، فأمهم تلك الليلة. صلى فى بيت المقدس، وصلى النبيون أجمعون معه. صلى فى بيت المقدس، كما صلى فى البيت المعمور. هبط إلى بيت المقدس، وهبط معه الأنبياء، فصلى بهم. كانت صلاته بالأنبياء فى السماء، وكانت صلاته أول دخوله إلى بيت المقدس. الانية التى شرب منها: أتى بها بعد صلاته ركعتين فى بيت المقدس قبل العروج. وهما: خمر ولبن، وأسند إلى الرسول «ص» اختيار اللبن. عرض عليه خمر وماء ولبن عند بيت المقدس. عرضت عليه الانية فى السماء بعد أن رفع إلى البيت المعمور. وكانت آنيته آنية خمر ولبن وعسل. إناء من لبن وإناء عسل بين يدى-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ - شيخ متكىء، وهو الذى قال لجبريل: اختار صاحبك الفطرة. بعد انصرافه من بيت المقدس أتى له بقدحين من لبن وعسل. جىء له بكأس من عسل ولبن، وهو فى المسجد. بعد خروجه من بيت المقدس جىء له بإناء فيه ماء، فشرب يسيرا، وبإناء فيه لبن فشرب حتى روى، وبإناء فيه خمر فلم يشرب. الأنبياء الذين لقيهم فى السموات: سأذكر ما ورد فى عدة روايات فى الرواية الأولى: فى السماء الأولى آدم وعنصرا النيل والفرات والكوثر، وفى الثانية إدريس ولم يذكر من فى الثالثة، وفى الرابعة: هارون، ومن فى الخامسة لم يحفظ الراوى اسمه، وفى السادسة: إبراهيم، وفى السابعة موسى. فى الرواية الثانية آدم فى السماء الأولى، وفى الثانية: يحيى وعيسى. وفى الثالثة: يوسف، وفى الرابعة إدريس، وفى الخامسة: هارون، وفى السادسة: موسى، وفى السابعة: إبراهيم وهو مستند إلى البيت المعمور. وفى الرواية الثالثة: فتح له باب من أبواب السماء، فرأى النور الأعظم، وإذا دون الحجاب: رفرف الدر والياقوت، وأوحى إلى الرسول «ص» ما شاء الله أن يوحى. ولم يذكر شيئا عن النبيين. وفى الرواية الرابعة: فى السماء الأولى: آدم فى الأولى، وفى الثانية: عيسى ويحيى وفى الثالثة يوسف، وفى الرابعة: هارون، وفى الخامسة إدريس، وفى السادسة: موسى، وفى السابعة إبراهيم. وفى الرواية الخامسة: آدم فى الأولى، فى الثانية عيسى وابن خالته يحيى، فى الثالثة: يوسف. فى السماء الرابعة: إدريس، فى الخامسة: هارون، فى السادسة: موسى، فى السابعة: إبراهيم. والكوثر فوق السابعة: وفى الرواية السادسة: فى الأولى: آدم، فى الثانية: عيسى ويحيى، فى الثالثة: يوسف. فى الرابعة: إدريس، فى الخامسة: هارون. فى السادسة: موسى، فى السابعة: إبراهيم. وعند سدرة المنتهى فوق ذلك وجد أربعة الأنهار منها: النيل والفرات، ثم رفع إلى البيت المعمور. -. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ - وفى الرواية السابعة: فى الأولى: آدم، ثم عرج إلى السماء الثانية، وذكر أنه وجد فى السماوات إدريس وموسى وعيسى، ولكن لم يثبت منازلهم، وذكر أنه وجد إبراهيم فى السادسة وفى الرواية الثامنة: كالرواية السابقة. وفى الرواية التاسعة: وجد ملكا يقال له: إسماعيل، وهو صاحب السماء الدنيا، ووجد فى السماء الأولى آدم وفى الثانية: يوسف، وفى الثالثة: يحيى وعيسى، وفى الرابعة: إدريس، وفى الخامسة: هارون، وفى السادسة: موسى، وفى السابعة: إبراهيم. وفى الرواية العاشرة: فى الأولى: آدم، وفى الثانية: عيسى ويحيى. فى الثالثة: يوسف، فى الرابعة: إدريس: فى الخامسة: هارون. فى السادسة: موسى يبكى. فى السابعة: إبراهيم. الأنهار: فى السماء الدنيا نهران، هما: عنصرا النيل والفرات، كما وجد الكوثر: فوق ظهر السماء السابعة عند سدرة المنتهى: أربعة أنهار، اثنان باطنان والاخران: النيل والفرات. الكوثر: ينشق من عين تخرج من سدرة المنتهى التى فوق السماء السابعة، وهناك أيضا نهر يسمى الرحمة اغتسل فيه النبى «ص» فغفر له كل ذنب، أنهار أولها: رحمة الله، والثانى: نعمة الله، والثالث: سقاهم ربهم شرابا طهورا. بهذا العرض يتجلى لنا وجود ما لا يمكن أن يوصف إلا بالتضاد أو التناقض، ولا يمكن أن يتصور مسلم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأتى بمثل هذا التناقض، أو يحكم على الشىء بالنفى، وبالإثبات فى آن واحد. الإسراء حق، لأنه من إخبار القرآن، فلنحرص على عدم التوسع فى ذكر الروايات التى يناقض بعضها بعضا، أو يحكم عليه الواقع المشهود المحسوس بأنه وضع خيال. وليحذر المتهوكون الظن بأننا نضرب صفحا عن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما نضرب صفحا عن أحاديث الرواة الذين يخطئون ساهين، أو يتعمدون الخطأ ماكرين. ألا ترون إلى المفسر السلفى الجليل الإمام ابن كثير كيف يقول عن شريك بن عبد الله بن أبى نمر الذى أخرج له البخارى حديث-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - اللهَ سُبْحَانَهُ سَيَرْفَعُهُمَا، وَيَذْهَبُ بِهِمَا عِنْدَ رَفْعِ الْقُرْآنِ وَذَهَابِ الْإِيمَانِ، فَلَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْض خَيْر، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) وَفِي حَدِيثٍ مُسْنَدٍ ذَكَرَهُ النّحَاسُ فِي الْمَعَانِي بأتم من هذا فاختصرته، وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْمُعَلّمِ لِلْمَازَرِيّ قَوْلٌ رَابِعٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ قَالَ: كَانَ الْإِسْرَاءُ بِجَسَدِهِ فِي الْيَقَظَةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَكَانَتْ رُؤْيَا عَيْنٍ، ثُمّ أُسْرِيَ بِرُوحِهِ إلَى فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، وَلِذَلِكَ شَنّعَ الْكُفّارُ قَوْلَهُ: وَأَتَيْت بَيْتَ الْمَقْدِسِ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ، وَلَمْ يُشَنّعُوا قوله فيما سوى ذلك «1» .

_ - الإسراء فى كتاب التوحيد: «إن شريك. اضطرب فى هذا الحديث، وساء حفظه، ولم يضبطه» ويقول عن روايات حديث الإسراء: «وإن اختلفت عبارات الرواة فى أدائه، أو زاد بعضهم فيه، أو نقص منه، فإن الخطأ جائز على من عدا الأنبياء عليهم السلام، ومن جعل من الناس كل رواية خالفت الأخرى مرة على حدة، فأثبت إسراآت متعددة، فقد أبعد، وأغرب، وهرب إلى غير مهرب، ولم يتحصل على مطلب، وقد صرح بعضهم من المتأخرين بأنه عليه السلام أسرى به مرة من مكة إلى بيت المقدس فقط، ومرة من مكة إلى السماء فقط، ومرة إلى بيت المقدس، ومنه إلى السماء، وفرح بهذا المسلك، وأنه قد ظفر بشىء يخلص به من الإشكالات، وهذا بعيد جدا، انظر تفسير سورة الإسراء من تفسير ابن كثير، ولعلنا ندرك أنه ما دفع هؤلاء إلى هذا إلا التناقض البادى بين روايات حديث الإسراء، وإلا إيمانهم بأن كل هذه المتناقضات تنتسب حقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أنا فأومن أن الرسول لا يقول إلا حقا وصدقا، ولا يمكن أن يصيبه النسيان الماكر، وهو يقص علينا آية من آيات ربه الكبرى. وما عرضت نفسى لغضب الناس إلا اتقاء لغضب الله، فإن يك هذا الظن منى صوابا فمن الله، وإلا فمنى، والله الهادى إلى ما يحبه ويرضاه. (1) هذا رأى سديد، وهو بعض ما ذهب إليه الإمام ابن القيم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شِمَاسُ الْبُرَاقِ: فَصْلٌ: وَمِمّا يُسْأَلُ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شِمَاسُ الْبُرَاقِ حِينَ رَكِبَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَمَا تَسْتَحْيِي يَا بُرَاقُ، فَمَا رَكِبَك عَبْدٌ الله قَبْلَ مُحَمّدٍ هُوَ أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَقَدْ قِيلَ: فِي نُفْرَتِهِ مَا قَالَهُ ابْنُ بَطّالٍ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصّحِيحِ، قَالَ: كَانَ ذَلِكَ لِبُعْدِ عَهْدِ الْبُرَاقِ بِالْأَنْبِيَاءِ، وَطُولِ الْفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمّدٍ عَلَيْهِمَا السّلَامُ، وَرَوَى غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَبَبًا آخَرَ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: قَالَ جِبْرِيلُ لِمُحَمّدِ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ شَمَسَ بِهِ الْبُرَاقُ: لَعَلّك يَا مُحَمّدُ مَسِسْت الصّفْرَاءَ الْيَوْمَ، فَأَخْبَرَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ مَا مَسّهَا إلّا أَنّهُ مَرّ بِهَا، فَقَالَ: تَبّا لِمَنْ يَعْبُدَك مِنْ دُونِ اللهِ، وَمَا مَسّهَا إلّا لِذَلِكَ، وَذَكَرَ هَذِهِ الرّوَايَةَ أَبُو سَعِيدٍ النّيْسَابُورِيّ فِي شَرَفِ الْمُصْطَفَى، فَاَللهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ الصّفْرَاءِ فِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ، وَأَنّهَا كَانَتْ صَنَمًا بَعْضُهُ مِنْ ذَهَبٍ فَكَسُرّهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْفَتْحِ، وَفِي الْحَدِيثِ الّذِي خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ «1» مِنْ طَرِيقِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيّ «2» أَنّهُ- عليه السلام- حين انتهى

_ (1) يقول ابن الأثير فى اللباب إنها نسبة إلى مدينة قديمة على طرف نهر بلخ الذى يقال له جيحون، والناس مختلفون فى كيفية هذه النسبة، بعضهم يقول بفتح التاء وبعضهم بضمها، وبعضهم بكسرها. والمتداول على لسان أهل تلك المدينة: بفتح التاء وكسر الميم، والذى كنا نعرفه فيه قديما كسر التاء والميم جميعا، والذى يقوله المنفوقون، وأهل المعرفة بضم التاء والميم، وبعض هذا فى المراصد. (2) قيل اسمه عامر: وبريدة لقب، وفى الصحيحين أنه غزا مع النبى «ص» ست عشرة غزوة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ جِبْرِيلُ: بِإِصْبَعِهِ إلَى الصخرة، فحرقها فَشَدّ بِهَا الْبُرَاقَ «1» ، وَصَلّى، وَأَنّ حُذَيْفَةَ أَنْكَرَ هَذِهِ الرّوَايَةَ، وَقَالَ: لَمْ يَفِرّ مِنْهُ وَقَدْ سَخّرَهُ لَهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ «2» ، وَفِي هَذَا مِنْ الْفِقْهِ عَلَى رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ: التّنْبِيه عَلَى الْأَخْذِ بِالْحَزْمِ مَعَ صِحّة التّوَكّل، وَأَنّ الْإِيمَانَ بِالْقَدَرِ كَمَا- رُوِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبّهٍ- لَا يَمْنَعُ الْحَازِمُ مِنْ تُوقِي الْمَهَالِك. قَالَ وَهْب: وَجَدَتْهُ فِي سَبْعِينَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ

_ (1) رواه أبو بكر البزار، وقال: لا نعلم رواه عن الزبير بن جنادة إلا أبو نميلة، ولا نعلم هذا الحديث إلا عن بريدة. وقد رواه الترمذى فى التفسير من جامعه عن يعقوب بن إبراهيم. وقال: غريب. (2) فى الأصل: لم أيفر منه. وفى حديث حذيفة هذا تعبير محكم المعنى، فقد سمع زر بن حبيش- بحدث عن ليلة الإسراء، فقال له: ما اسمك يا أصلع؟! فأنا أعرف وجهك، ولا أدرى ما اسمك؟ قال زر: أنا زر ابن حبيش، فقال له حذيفة: فما علمك بِأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلّى فيه ليلتئذ، أى: فى بيت المقدس؟ فقال زر: القرآن يخبرنى بذلك، فقال حذيفة كلمته الرائعة التى تشع بنور الحق العظيم: من تكلم بالقرآن أفلح، ثم طلب من زر أن يقرأ، فقرأ: سبحان الذى أسرى، فقال حذيفة: يا أصلع!! هل تجد صلى فيه؟ فقال زر: لا: فقال حذيفة: والله ما صلى فيه رسول الله «ص» ليلتئذ، ولو صلى فيه لكتبت عليكم صلاة فيه، كما كتب عليكم صلاة فى البيت العتيق. والله ما زايلا البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء، فرأيا الجنة والنار، ووعد الاخرة أجمع، ثم عادا عودهما على بدئهما، قال زر: ثم ضحك حتى رأيت نواجذه قال حذيفة: ويحدثون أنه ربطه لا يفر منه، وإنما سخره له عالم الغيب والشهادة. وقد روى حديث حذيفة هذا الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسى، والترمذى والنسائى، وقال الترمذى: حسن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهِ الْقَدِيمَةِ «1» ، وَهَذَا نَحْوٌ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَيّدْهَا وَتَوَكّلْ» «2» فَإِيمَانُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنّهُ قَدْ سُخّرَ لَهُ كَإِيمَانِهِ بِقَدَرِ اللهِ وَعِلْمِهِ بِأَنّهُ سَبَقَ فِي عِلْمِ الْكِتَابِ مَا سَبَقَ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ يَتَزَوّدُ فِي أَسْفَارِهِ وَيَعُدّ السّلَاحَ فِي حُرُوبِهِ، حَتّى لَقَدْ ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ. وَرَبْطُهُ لِلْبُرَاقِ فِي حَلْقَةِ الْبَابِ مِنْ هَذَا الْفَنّ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ بُرَيْدَةَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ، وَغَيْرِهِمَا أَعْنِي رَبْطَهُ لِلْبُرَاقِ فِي الْحَلْقَةِ الّتِي كَانَتْ تَرْبُطُهُ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ، غَيْرَ أَنّ الْحَدِيثَ يَرْوِيهِ دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبّرِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. مَعْنَى قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ: مَنْ مَعَك مَعْنَى قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ: مَنْ مَعَك وَمِمّا يُسْأَلُ عَنْهُ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ فِي كُلّ سَمَاءٍ لِجِبْرِيلَ: مَنْ مَعَك، فَيَقُولُ: مُحَمّدٌ، فَيَقُولُونَ: أَوَقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ فَيَقُولُ: نَعَمْ هَكَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ فِي الصّحَاحِ، وَمَعْنَى سُؤَالِهِمْ عَنْ الْبَعْثِ إلَيْهِ فِيمَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَيْ: قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ إلَى السّمَاءِ، كَمَا قَدْ وَجَدُوا فِي الْعِلْمِ أَنّهُ سَيُعْرَجُ بِهِ، وَلَوْ أَرَادُوا بَعْثَهُ إلَى الْخَلْقِ، لَقَالُوا: أَوَقَدْ بُعِثَ، وَلَمْ يَقُولُوا إلَيْهِ، مَعَ أَنّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَخْفَى عَنْ الْمَلَائِكَةِ بَعْثُهُ إلَى الْخَلْقِ، فَلَا يَعْلَمُونَ بِهِ إلَى لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، وَفِي الْحَدِيثِ الّذِي تَقَدّمَ فِي هَذَا الْكِتَابِ بَيَانٌ أَيْضًا حِينَ ذَكَرَ تَسْبِيحَ مَلَائِكَةِ السّمَاءِ السّابِعَةِ، ثُمّ تَسْبِيحُ مَلَائِكَةِ كُلّ سَمَاءٍ، ثُمّ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: مِمّ سَبّحْتُمْ حَتّى يَنْتَهِي السّؤَالُ إلَى مَلَائِكَةِ السّمَاءِ السّابِعَةِ، فيقولون: قضى ربّنا فى خلفه

_ (1) ياويل التفسير من مخترعات وهب (2) فى الجامع الصغير للسيوطى: «اعقلها وتوكل» وراه الترمذى عن أنس وهو ضعيف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَذَا، ثُمّ يَنْتَهِي الْخَبَرُ إلَى سَمَاءِ الدّنْيَا- الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، وَفِي هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ عَلِمَتْ بِنُبُوّةِ مُحَمّدٍ- صَلَّى الله عليه وسلم- حين نبّىء، وَإِنّمَا قَالَتْ: أَوَقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ، أَيْ قَدْ بُعِثَ إلَيْهِ بِالْبُرَاقِ كَمَا تَقَدّمَ عَلَى أَنّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنّ مَلَائِكَةَ سَمَاءِ الدّنْيَا قَالَتْ لِجِبْرِيلَ: أَوَقَدْ بُعِثَ، كَمَا وَقَعَ فِي السّيرَةِ وَلَيْسَ فِي أَوّلِ الْحَدِيثِ: إلَيْهِ، هَذَا إنّمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الرّؤْيَا الّتِي رَآهَا بِقَلْبِهِ، كَمَا قَدّمْنَا، وَأَنّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ، وَفِي هَذَا قُوّةٌ لِمَا تَقَدّمَ مِنْ أَنّ الْإِسْرَاءَ كَانَ رُؤْيَا، ثُمّ كَانَ رُؤْيَةً؛ وَلِذَلِكَ لَمْ نَجِدْ فِي رِوَايَةٍ مِنْ الرّوَايَاتِ أَنّ الْمَلَائِكَةَ قَالُوا: أَوَقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ إلّا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ، فَاَللهُ أَعْلَمُ. بَابُ الْحَفَظَةِ: وَذَكَرَ بَابَ الْحَفَظَةِ، وَأَنّ عَلَيْهِ مَلَكًا يُقَالُ لَهُ: إسْمَاعِيلُ، وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُهُ فِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ، وَفِيهِ أَنّ تَحْتَ يَدِهِ سَبْعُونَ أَلْفِ مَلَكٍ تَحْتَ يَدِ كُلّ مَلَكٍ سَبْعُونَ أَلْفِ «1» مَلَكٍ، هَكَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ مَلَكٍ هَكَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ، وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ أَيْضًا.

_ (1) أخرجه البيهقى فى كتاب دلائل النبوة وأوله يخالف الروايات الأخرى «فبينما أنا نائم عشاء فى المسجد الحرام، إذ أتانى آت، فأيقظنى، فاستيقظت، فلم أر شيئا، فإذا أنا بكهيئة خيال، فأتبعته بصرى؛ حتى خرجت من المسجد الحرام الخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَقَالَ: لَوْ غُطّيَتْ بِوَرَقَةِ مِنْ وَرَقِهَا هَذِهِ الْأُمّةُ لَغَطّتْهُمْ، وَفِي صِفَتِهَا مِنْ رِوَايَةِ الْجَمِيعِ: فَإِذَا ثَمَرُهَا كَقِلَالِ هَجَرَ، وَفِي حَدِيثِ الْقِلّتَيْنِ مِنْ كِتَابِ الطّهَارَةِ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْج «1» : إذَا كَانَ الْمَاءُ قِلّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ «2» قَالُوا: وَالْقِلّتَانِ مِنْهَا تِسْعَانِ خَمْسمِائَةِ رِطْلٍ، قَالَ التّرْمِذِيّ: وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ سَلّامٍ قَالَ عَنْ بَعْضِ السّلَفِ: إنّهَا سُمّيَتْ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، لِأَنّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ يَنْتَهِي بِهِ إلَيْهَا، فَتُصَلّي عَلَيْهِ هُنَالِكَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرّبُونَ. قَالَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ عِلّيّينَ. آدَم فِي سَمَاءِ الدّنْيَا وَالْأَسْوِدَةُ الّتِي رَآهَا: فَصْلٌ: وَفِيهِ أَنّهُ رَأَى آدَم فِي سَمَاءِ الدّنْيَا، وَعَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَنْ شِمَالِهِ أَسْوِدَةٌ، وَأَنّ جِبْرِيلَ أَعْلَمَهُ أَنّ الْأَسْوِدَةَ الّتِي عَنْ يَمِينِهِ هُمْ: أَصْحَابُ الْيَمِينِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ: تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرّيّتِهِ، فَإِذَا نَظَرَ إلَى الّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذَا، فَقِيلَ: كَيْفَ رَأَى عَنْ يَمِينِهِ أَرْوَاحَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَلَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ إلّا نَفَرٌ قَلِيلٌ، وَلَعَلّهُ لَمْ يَكُنْ مات

_ (1) هو عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ القرشى الأموى مولاهم المكى أبو الوليد، ويقال: أبو خالد، وهو من تابعى التابعين توفى سنة 150 وقيل غير ذلك. (2) تكلمنا عنه من قبل، وأقول: ورد فى نيل الأوطار للامام الشوكانى: «وأما التقييد بقلال هجر، فلم يثبت مرفوعا إلا من رواية المغيرة بن صقلاب عند ابن عدى، وهو منكر الحديث. قال النفيل: لم يكن مؤتمنا على الحديث، وقال ابن عدى: لا يتابع على عامة حديثه» ص 31 ح 1 ط عثمان خليفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تِلْكَ اللّيْلَةَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْضِي أَنّهُمْ كَانُوا جَمَاعَةً. فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْإِسْرَاءُ رُؤْيَا بِقَلْبِهِ، فَتَأْوِيلُهَا أَنّ ذَلِكَ سَيَكُونُ، وَإِنْ كَانَتْ رُؤْيَا عَيْنٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ وَغَيْرُهُ بِمَعْنَاهُ: أَنّ ذَلِكَ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ رَآهَا هُنَالِكَ، لِأَنّ اللهَ تَعَالَى يَتَوَفّى الْخَلْقَ فِي مَنَامِهِمْ، كَمَا قَالَ فِي التّنْزِيلِ: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها الزّمَرُ 43 فَصَعِدَ بِالْأَرْوَاحِ إلَى هُنَالِكَ، فَرَآهَا ثُمّ أُعِيدَتْ إلَى أَجْسَادِهَا. وَجَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ الّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُدّثّرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ 39: 40. قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هُمْ الْأَطْفَالُ الّذِينَ مَاتُوا صِغَارًا، وَلِذَلِكَ سَأَلُوا المجرمين: (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) لِأَنّهُمْ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِكُفْرِ الْكَافِرِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصّحِيحِ أَنّ أَطْفَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي كِفَالَةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قال لِجِبْرِيلَ حِينَ رَآهُمْ فِي الرّوْضَةِ مَعَ إبْرَاهِيمَ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: أَوْلَادُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَمُوتُونَ صِغَارًا، فَقَالَ لَهُ: وَأَوْلَادُ الْكَافِرِينَ، قَالَ: وَأَوْلَادُ الْكَافِرِين. خَرّجَهُ الْبُخَارِيّ فِي الْحَدِيثِ الطّوِيلِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ، وَخَرّجَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَقَالَ فِيهِ: أَوْلَادُ النّاسِ، فَهُوَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوّلِ نَصّ، وَفِي الثّانِي عُمُومٌ، وَقَدْ رُوِيَ فِي أَطْفَالِ الْكَافِرِينَ أَنّهُمْ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنّةِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الّذِي رَآهُ عَنْ يَمِينِ آدَم مِنْ نَسَمِ ذُرّيّتِهِ أَرْوَاحُ هَؤُلَاءِ، وَفِي هَذَا مَا يَدْفَعُ تَشْعِيبَ هَذَا السّؤَالِ وَالِاعْتِرَاضِ مِنْهُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ حُكْمِ الْمَاءِ: فَصْلٌ: وَفِيهِ شُرْبُهُ مِنْ إنَاءِ الْقَوْمِ، وَهُوَ مُغَطّى، وَالْمَاءُ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْلَكُ وَالنّاسُ شُرَكَاءُ فِيهِ، وَفِي النّارِ وَالْكَلَأِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، لَكِنْ الْمُسْتَقَى إذَا أَحْرَزَهُ فِي وِعَائِهِ، فَقَدْ مَلَكَهُ، فَكَيْفَ اسْتَبَاحَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُرْبَهُ وَهُوَ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ، وَأَمْلَاكُ الْكُفّارِ لَمْ تَكُنْ أُبِيحَتْ يَوْمئِذٍ، وَلَا دِمَاؤُهُمْ. فَالْجَوَابُ أَنّ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيّةِ كَانَ فِي عُرْفِ الْعَادَةِ عِنْدَهُمْ إبَاحَةُ الرّسُلِ لَابْنِ السّبِيلِ فَضْلًا عَنْ الْمَاءِ، وَكَانُوا يَعْهَدُونَ بِذَلِكَ إلَى رِعَائِهِمْ، وَيَشْتَرِطُونَهُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ عَقْدِ إجَارَتِهِمْ: أَلّا يَمْنَعُوا الرّسُلَ، وَهُوَ اللّبَنُ مِنْ أَحَدٍ مَرّ بِهِمْ، وَلِلْحُكْمِ فِي الْعُرْفِ فِي الشّرِيعَةِ أُصُولٌ تَشْهَدُ لَهُ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَخَرّجَ حَدِيثَ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ، وَفِيهِ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوف. عَنْ دُخُولِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَصِفَةُ الْأَنْبِيَاءِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِيهِ أَنّهُ دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَوَجَدَ فِيهِ نَفَرًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، فَصَلّى بِهِمْ، وَفِي حَدِيثِ التّرْمِذِيّ الّذِي قَدّمْنَاهُ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ صَلّى بِهِمْ، وَقَالَ: مَا زَالَ مِنْ ظَهْرِ الْبُرَاقِ، حَتّى رَأَى الْجَنّةَ وَالنّارَ، وَمَا وَعَدَهُ اللهُ تَعَالَى، ثُمّ عَادَ إلَى الْأَرْضِ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ، وَرِوَايَةُ مَنْ أَثْبَتَ مُقَدّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ نَفَى، وَذَكَرَ فِيهِ صِفَةَ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَالَ فِي عِيسَى: كَأَنّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ مَاءً وَلَيْسَ بِهِ مَاءٌ، وَكَأَنّهُ خَرَجَ مِنْ دِيمَاس وَالدّيمَاسُ: الحمّام،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَصْلُهُ: دِمَاسٌ وَيُجْمَعُ عَلَى دَمَامِيسَ، وَقَدْ قِيلَ فِي جَمْعِهِ: دَيَامِيسُ «1» ، وَمِثْلُهُ: قِيرَاطٌ وَدِينَارٌ وَدِيبَاجٌ، الْأَصْلُ فِيهَا كُلّهَا: التّضْعِيفُ، ثُمّ قُلِبَ الْحَرْفُ الْمُدْغَمُ يَاءً، فَلَمّا جَمَعُوا وَصَغّرُوا، رَدّوهُ إلَى أَصْلِهِ، فَقَالُوا: قَرَارِيطُ وَدَنَانِيرُ: [وَقُرَيْرِيطٌ وَدُنَيْنِيرٌ] «2» ، غَيْرَ أَنّهُمْ لَمْ يَقُولُوا: دَنَانِيرُ وَلَا قَيَارِيط، كَمَا قالوا: دياميس، وقالوا: دبابيج وديابيج «3» ، وَأَصْلُ الدّمْسِ: التّغْطِيَةُ وَمِنْهُ لَيْلٌ دَامِسٌ، وَفِي هَذِهِ الصّفّةِ مِنْ صِفَاتِ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ إشَارَةٌ إلَى الرّيّ وَالْخِصْبِ الّذِي يَكُونُ فِي أَيّامِهِ إذْ أُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ فِي صِفَةِ مُوسَى أَنّهُ آدَم طُوَالٌ، وَلِوَصْفِهِ إيّاهُ بِالْأَدْمَةِ أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، قَالَهُ الطّبَرِيّ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ قَالَ: فِي خُرُوجِ يَدِهِ بَيْضَاءَ آيَةٌ فِي أَنْ خَرَجَتْ بَيْضَاءَ مُخَالِفًا لَوْنُهَا لِسَائِرِ لَوْنِ جَسَدِهِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ بَيْنَ عَلَى الْأَدْمَةِ الّتِي هِيَ خِلَافُ الْبَيَاضِ «4» . وَذَكَرَ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ: لَمْ أَرَ رَجُلًا أَشَبَهَ بِصَاحِبِكُمْ وَلَا صَاحِبُكُمْ أَشَبَهَ به منه،

_ (1) فى اللسان «إن فتحت الدال جمع على دياميس مثل شيطان وشياطين، وإن كسرتها جمعت على دماميس» (2) زيادة يقتضيها السباق. (3) فى اللسان مادة دنر: «قال أبو منصور: دينار وقيراط وديباج أصلها أعجمية، غير أن العرب تكلمت بها قديما، فصارت عربية» . (4) الذى فى الطبرى فى تفسير الاية: «ذكر أن موسى عليه السلام كان رجلا آدم، فأدخل يده فى جيبه، ثم أخرجها بيضاء من غير سوء من غير برص مثل الثلج، ثم ردها، فخرجت كما كانت على لونه» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَعْنِي: نَفْسَهُ، وَفِي آخِرِ هَذَا الْكَلَامِ إشْكَالٌ مِنْ أَجْلِ أَنْ أَشَبَهَ مَنْصُوبٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَكِنْ إذَا فَهِمْت مَعْنَاهُ، عَرَفْت إعْرَابَهُ، وَمَعْنَاهُ: لَمْ أَرَ رَجُلًا أَشَبَهَ بِصَاحِبِكُمْ وَلَا صَاحِبُكُمْ بِهِ مِنْهُ «1» ، ثُمّ كَرّرَ أَشَبَهَ تَوْكِيدًا فَصَارَتْ لَغْوًا كَالْمُقْحَمِ وَصَاحِبُكُمْ مَعْطُوفٌ عَلَى الضّمِيرِ الّذِي فِي أَشَبَهَ الْأَوّلِ الّذِي هُوَ نَعْتٌ لِرَجُلِ، وَحَسُنَ الْعَطْفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَكّدْ بِهُوَ، كَمَا حَسُنَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا مِنْ أَجْلِ الْفَصْلِ بِلَا النّافِيَةِ، وَلَوْ أُسْقِطَ مِنْ الْكَلَامِ أَشَبَهَ الثّانِي، لَكَانَ حَسَنًا جِدّا، وَلَوْ أَخّرَ صَاحِبُكُمْ فَقَالَ: وَلَا أَشَبَهَ بِهِ صَاحِبُكُمْ مِنْهُ لَجَازَ، وَيَكُونُ فَاعِلًا بِأَشْبَهَ الثّانِيَةِ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ: مَا رَأَيْت رَجُلًا أَحْسَنَ فِي عَيْنِهِ الْكُحْلُ مِنْ زَيْدٍ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَذْرَاءُ لَمْ تَفْتَرِعْهَا أَيْدِي النّحَاةِ «2» ، بَعْدُ وَلَمْ يَشْفِ مِنْهَا مُتَقَدّمٌ مِنْهُمْ، وَلَا مُتَأَخّرٌ ممّن رأينا كلامه فيها وقد أملينا هى غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ فِيهَا تَحْقِيقًا شَافِيًا. صِفَةُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ في صفة- النبي- صلى الله عليه وسلم- مِمّا نَعَتَهُ بِهِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ بالطويل الممغط بالغين المعجمة،

_ (1) رواية مسلم «أشبه الناس به صاحبكم- يعنى نفسه» . (2) هى مسألة مفصلة فى كتب النحو عن عمل أفعل التفضيل ورفعه للاسم الظاهر، فانظر لها مثلا ص 106 ح 2 من شرح التصريح على التوضيح، ص 46 ح 3 من حاشية الصبان على شرح الأشمونى ط 1305 هـ ص 252 ح 3 النحو الوافى للأستاذ عباس حسن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَذَكَرَ الْأَوْصَافَ إلَى آخِرِهَا وَقَدْ شَرَحَهَا أَبُو عُبَيْدٍ، فَقَالَ عَنْ الْأَصْمَعِيّ، وَالْكِسَائِيّ وَأَبِي عَمْرٍو وَغَيْرِ وَاحِدٍ: قَوْلُهُ: لَيْسَ بِالطّوِيلِ الْمُمّعِطِ أَيْ: لَيْسَ بِالْبَائِنِ الطّوِيلِ، وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدّدِ «1» يَعْنِي: الّذِي تَرَدّدَ خَلْقُهُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَهُوَ مُجْتَمَعٌ لَيْسَ بِسَبْطِ الْخَلْقِ يَقُولُ: فَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ رَبْعَةٌ بَيْنَ الرّجُلَيْنِ، وَهَكَذَا صِفَتُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: ضَرَبَ اللّحْمُ بَيْنَ الرّجُلَيْنِ. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ بِالْمُطَهّمِ، قَالَ الْأَصْمَعِيّ: هُوَ التّامّ كُلّ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ، فَهُوَ بَارِعُ الْجَمَالِ، وَقَالَ غَيْرُ الْأَصْمَعِيّ الْمُكَلْثَمُ الْمُدَوّرُ الْوَجْهُ، يَقُولُ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنّهُ مَسْنُونٌ، وَقَوْله: مُشْرَبٌ يَعْنِي الّذِي أُشْرِبَ حُمْرَةً، وَالْأَدْعَجُ الْعَيْنُ: الشّدِيدُ سَوَادِ الْعَيْنِ قَالَ الْأَصْمَعِيّ: الدّعْجَةُ: هِيَ السّوَادُ، وَالْجَلِيلُ الْمُشَاشُ: الْعَظِيمُ الْعِظَامِ مِثْلَ الرّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ، وَقَوْلُهُ: الْكَتَدُ هُوَ: الْكَاهِلُ، وَمَا يَلِيهِ مِنْ جَسَدِهِ، وَقَوْلُهُ شَثْنُ الْكَفّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ يَعْنِي: أَنّهُمَا إلَى الْغِلَظِ. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ بِالسّبْطِ وَلَا الْجَعْدِ الْقَطَطِ، فَالْقَطَطُ: الشّدِيدُ الْجُعُودَةُ مِثْلُ شُعُورِ الْحَبَشَةِ، وَوَقَعَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِأَبِي عُبَيْدٍ التّامّ كُلّ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ. يَقُول: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنّهُ بَارِعُ الْجَمَالِ، فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ، أَعْنِي: لَيْسَ كَذَلِكَ مُخِلّةً بِالشّرْحِ، وَقَدْ وَجَدْته فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ بِإِسْقَاطِ: يَقُولُ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَى نص ذكرناه آنفا

_ (1) وردت هذه الأوصاف فى حديث رواه الترمذى وإسناده ضعيف.

قصة المعراج

[قِصّةُ الْمِعْرَاجِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لَمّا فَرَغْتُ مِمّا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ- وَلَمْ أَرَ شَيْئًا قَطّ أَحْسَنَ مِنْهُ- وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه عن الأصمعي، والذي في غريب الحديث من تلك الزيادة وهم وقع في الكتاب، والله أعلم. وأما ما رواه الترمذي عن الأصمعى فى شرح المطهم قال: هو البادن: الكثير اللحم، ذكره عن أبى جعفر، عن الأصمعى، وذكر عنه في الممغط نحو ما قدمناه، قال: وسمعت أعرابيا يقول تمغط في نشابة أي: مدها، وفي كتاب العين: مغطت الشيء إذا مددته، وقال فى باب العين المهملة معطت «1» الشيء إذا مددته، كما قال في العين المعجمة، فعلى هذا يقال فيه ممغط وممغط، ووزنه منفعل، واندغمت النون في الميم، كما اندغمت في محوته فامحى لما أمن التباسه بالمضاعف، ولم يدغموا النون في الميم في شاه زنماء، ولا في غنم لئلا يلتبس بالمضاعف، لو قالوا: أزماء وغما، وقد ذكرنا قبل ما وهم فيه الترمذي من تفسير زر الحجلة حيث قال: يقال إنه بيض له، حيث تكلمنا على خاتم النبوة وصفته، واختلاف الرواية فيه والحمد لله.

_ (1) كذلك يقول اللسان.

الّذِي يَمُدّ إلَيْهِ مَيّتُكُمْ عَيْنَيْهِ إذَا حُضِرَ، فَأَصْعَدَنِي صَاحِبِي فِيهِ، حَتّى انْتَهَى بِي إلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ السّمَاءِ، يُقَالُ لَهُ: بَابُ الْحَفَظَةِ، عَلَيْهِ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، يُقَالُ لَهُ: إسْمَاعِيلُ، تَحْتَ يَدَيْهِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَلَكٍ، تَحْتَ يَدَيْ كُلّ مَلَكٍ مِنْهُمْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَلَكٍ- قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ حَدّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّك إلّا هُوَ- فَلَمّا دُخِلَ بِي، قَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قال: هذا محمد. قال: أو قد بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا لِي بِخَيْرِ: وقاله. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: تَلَقّتْنِي الْمَلَائِكَةُ حِينَ دَخَلْت السّمَاءَ الدّنْيَا، فَلَمْ يَلْقَنِي مَلَكٌ إلّا ضَاحِكًا مُسْتَبْشِرًا، يَقُولُ خَيْرًا وَيَدْعُو بِهِ، حَتّى لَقِيَنِي مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا، وَدَعَا بِمِثْلِ مَا دَعَوْا بِهِ، إلّا أَنّهُ لَمْ يَضْحَكْ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ مِنْ الْبِشْرِ مِثْلَ مَا رَأَيْت مِنْ غَيْرِهِ، فَقُلْت لِجِبْرِيلَ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا الْمَلَكُ الّذِي قَالَ لِي كَمَا قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ وَلَمْ يَضْحَكْ إلَيّ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ مِنْ الْبِشْرِ مِثْلَ الّذِي رَأَيْتُ مِنْهُمْ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ: أَمَا إنّهُ لَوْ ضَحِكَ إلَى أَحَدٍ كَانَ قَبْلَك، أَوْ كَانَ ضَاحِكًا إلَى أَحَدٍ بَعْدَك، لَضَحِكَ إلَيْك، وَلَكِنّهُ لَا يَضْحَكُ، هَذَا مَالِكٌ خَازِنُ النّارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْت لِجِبْرِيلَ، وَهُوَ مِنْ اللهِ تَعَالَى بِالْمَكَانِ الّذِي وُصِفَ لَكُمْ (مُطَاعٍ ثَمّ أَمِينٍ) : أَلَا تَأْمُرُهُ أَنْ يُرِيَنِي النّارَ؟ فَقَالَ: بَلَى، يَا مَالِكُ، أَرِ مُحَمّدًا النّارَ. قَالَ: فَكَشَفَ عَنْهَا غِطَاءَهَا، فَفَارَتْ، وَارْتَفَعَتْ، حَتّى ظَنَنْت: لَتَأْخُذَنّ مَا أَرَى. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَقُلْت لِجِبْرِيلَ: يَا جِبْرِيلُ، مُرْهُ، فَلْيَرُدّهَا إلَى مكانها. قال: فأمره، فقال لها: اخسبى، فَرَجَعَتْ إلَى مَكَانِهَا الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ. فَمَا شَبّهْتُ رُجُوعَهَا إلّا وُقُوعَ الظّلّ. حَتّى إذَا دَخَلَتْ مِنْ حَيْثُ خَرَجَتْ رَدّ عَلَيْهَا غِطَاءَهَا. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ فِي حَدِيثِهِ: أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- قال: لَمّا دَخَلْتُ السّمَاءَ الدّنْيَا، رَأَيْت بِهَا رَجُلًا جَالِسًا تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ، فَيَقُولُ لِبَعْضِهَا، إذَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَيُسَرّ بِهِ، وَيَقُولُ: رُوحٌ طَيّبَةٌ خَرَجَتْ مِنْ جَسَدٍ طَيّبٍ، وَيَقُولُ لِبَعْضِهَا إذَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ: أُفّ، وَيَعْبِسُ بِوَجْهِهِ وَيَقُولُ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ خَرَجَتْ مِنْ جَسَدٍ خَبِيثٍ. قَالَ: قُلْت: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَبُوك آدَمُ، تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرّيّتِهِ، فَإِذَا مَرّتْ بِهِ رُوحُ الْمُؤْمِنِ مِنْهُمْ سُرّ بِهَا: وَقَالَ رُوحٌ طَيّبَةٌ خَرَجَتْ مِنْ جَسَدٍ طَيّبٍ. وَإِذَا مَرّتْ بَهْ رُوحُ الْكَافِرِ مِنْهُمْ أَفّفَ مِنْهَا، وَكَرِهَهَا، وَسَاءَ ذَلِكَ، وَقَالَ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ خَرَجَتْ مِنْ جَسَدٍ خَبِيثٍ. قَالَ ثُمّ رَأَيْت رِجَالًا لَهُمْ مَشَافِرُ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ، فِي أَيْدِيهمْ قِطَعٌ مِنْ نَارٍ كَالْأَفْهَارِ، يَقْذِفُونَهَا فِي أَفْوَاهِهِمْ، فَتَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ. فَقُلْت: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ أَمْوَالِ اليتامى ظلما. قَالَ: ثُمّ رَأَيْت رِجَالًا لَهُمْ بُطُونٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا قَطّ بِسَبِيلِ آلِ فِرْعَوْنَ، يَمُرّونَ عَلَيْهِمْ كَالْإِبِلِ الْمَهْيُومَةِ حِينَ يُعْرَضُونَ عَلَى النّارِ، يَطَئُونَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَتَحَوّلُوا مِنْ مَكَانِهِمْ ذَلِكَ قَالَ قُلْت: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جبريل؟ قال هؤلاء أكلة الربا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ: ثُمّ رَأَيْت رِجَالًا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ ثَمِينٌ طَيّبٌ، إلَى جَنْبِهِ لَحْمٌ غَثّ مُنْتِنٌ، يَأْكُلُونَ مِنْ الْغَثّ الْمُنْتِنِ، وَيَتْرُكُونَ السّمِينَ الطّيّبَ. قَالَ: قُلْت: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الّذِينَ يَتْرُكُونَ مَا أَحَلّ اللهُ لَهُمْ مِنْ النّسَاءِ، وَيَذْهَبُونَ إلَى مَا حَرّمَ اللهُ عليهم منهنّ. قَالَ: ثُمّ رَأَيْت نِسَاءً مُعَلّقَاتٍ بِثُدِيّهِنّ، فَقُلْت: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ اللّاتِي أَدْخَلْنَ عَلَى الرّجَالِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ: اشْتَدّ غَضَبُ اللهِ عَلَى امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَأَكَلَ حَرَائِبَهُمْ، وَاطّلَعَ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ. عود إلى حديث الخدرى: ثُمّ رَجَعَ إلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: ثُمّ أَصْعَدَنِي إلَى السّمَاءِ الثّانِيَةِ، فَإِذَا فِيهَا ابْنَا الْخَالَةِ: عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى، بْنُ زَكَرِيّا، قَالَ: ثُمّ أَصْعَدَنِي إلَى السّمَاءِ الثّالِثَةِ، فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ صُورَتُهُ كَصُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قَالَ: قُلْت: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَخُوك يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ. قَالَ: ثُمّ أَصْعَدَنِي إلَى السّمَاءِ الرّابِعَةِ، فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ فَسَأَلْته: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: هَذَا إدْرِيسُ- قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيّا- قَالَ: ثُمّ أصعدنى إلى السماء الخامسة فإذا فيها كهل أبيض الرأس واللّحية، عظيم العثلون، لم أر كهلا أَجْمَلَ مِنْهُ، قَالَ قُلْت: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْمُحَبّبُ فِي قَوْمِهِ هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: ثُمّ أَصْعَدَنِي إلَى السّمَاءِ السّادِسَةِ، فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ أَقْنَى كَأَنّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ؛ فَقُلْت لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَخُوك مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ. ثُمّ أَصْعَدَنِي إلَى السّمَاءِ السّابِعَةِ، فَإِذَا فِيهَا كَهْلٌ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيّ إلَى بَابِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، يَدْخُلُهُ كُلّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَا يَرْجِعُونَ فِيهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. لَمْ أَرَ رَجُلًا أَشَبَهَ بِصَاحِبِكُمْ، وَلَا صَاحِبُكُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنْهُ، قَالَ: قُلْت: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَبُوك إبْرَاهِيمُ. قَالَ: ثُمّ دَخَلَ بِي الْجَنّةَ، فَرَأَيْتُ فِيهَا جَارِيَةً لَعْسَاءَ، فَسَأَلْتهَا: لِمَنْ أَنْتِ؟ وَقَدْ أَعْجَبَتْنِي حِينَ رَأَيْتُهَا، فَقَالَتْ: لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَبَشّرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ النّبِيّ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي: أَنّ جِبْرِيلَ لَمْ يَصْعَدْ بِهِ إلَى سَمَاءٍ مِنْ السّمَوَاتِ إلّا قَالُوا لَهُ حِينَ يَسْتَأْذِنُ فِي دُخُولِهَا: مَنْ هَذَا يا جبريل؟ فيقول: محمد، فيقولون: أو قد بُعِثَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُونَ: حَيّاهُ اللهُ مِنْ أَخ وَصَاحِبٍ، حَتّى انْتَهَى بِهِ إلَى السّمَاءِ السّابِعَةِ، ثُمّ انْتَهَى بِهِ إلَى رَبّهِ، فَفَرَضَ عليه خمسين صلاة فى كلّ يوم. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: فَأَقْبَلْت رَاجِعًا، فَلَمّا مَرَرْت بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَنِعْمَ الصّاحِبُ كَانَ لَكُمْ، سَأَلَنِي كَمْ فُرِضَ عَلَيْك مِنْ الصّلَاةِ؟ فَقُلْت خَمْسِينَ صَلَاةً كُلّ يَوْمٍ؛ فَقَالَ: إنّ الصّلَاةَ ثَقِيلَةٌ، وَإِنّ أُمّتَك ضَعِيفَةٌ، فَارْجِعْ إلَى رَبّك، فَاسْأَلْهُ أَنْ يخفّف عنك وعن أمتك. فرجعت فسألت رَبّي أَنْ يُخَفّفَ عَنّي، وَعَنْ أُمّتِي، فَوَضَعَ عَنّي عَشْرًا. ثُمّ انْصَرَفْت فَمَرَرْت عَلَى مُوسَى فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، فَرَجَعْت فَسَأَلْت رَبّي، فَوَضَعَ عَنّي عَشْرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثُمّ انْصَرَفْت، فَمَرَرْت عَلَى مُوسَى، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، فَرَجَعْت فَسَأَلْته فَوَضَعَ عَنّي عَشْرًا، ثُمّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، كُلّمَا رَجَعْت إلَيْهِ، قَالَ: فَارْجِعْ فَاسْأَلْ، حَتّى انْتَهَيْتُ إلَى أَنْ وَضَعَ ذَلِكَ عَنّي، إلّا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. ثُمّ رَجَعْت إلَى مُوسَى، فَقَالَ لِي مِثْلَ، ذَلِكَ، فَقُلْت: قَدْ رَاجَعْتُ رَبّي وَسَأَلْته، حَتّى اسْتَحْيَيْتُ منه، فما أنا بفاعل رواه البيهقى فى كتاب دلائل النبوة وابن جرير وابن أبى حاتم. فَمَنْ أَدّاهُنّ مِنْكُمْ إيمَانًا بِهِنّ، وَاحْتِسَابًا لَهُنّ، كان له أجر خمسين صلاة مكتوبة. رواه وفى الحديث غرابة ونكارة. ـــــــــــــــــــــــــــــ رؤية النبي ربه: فَصْلٌ: وَقَدْ تَكَلّمَ الْعُلَمَاءُ فِي رُؤْيَةِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبّهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، فَرَوَى مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا أَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ رَآهُ، وَقَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنّ مُحَمّدًا رَأَى رَبّهُ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، وَاحْتَجّتْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ الْأَنْعَامَ: 103 وَفِي مُصَنّفِ التّرْمِذِي عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنّهُ رَآهُ، قَالَ كَعْبٌ: إنّ اللهَ قَسّمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُوسَى وَمُحَمّدٍ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرّ قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ رَأَيْت رَبّك؟ قَالَ: رَأَيْت نُورًا، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ أَنّهُ قَالَ: نُورًا أَنّى أَرَاهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ شَافٍ أَنّهُ رَآهُ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيّ أَنّهُ قَالَ: رَآهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ، وَفِي تَفْسِيرِ النّقّاشِ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ أَنّهُ سُئِلَ: هَلْ رَأَى مُحَمّدٌ رَبّهُ، فَقَالَ: رَآهُ رَآهُ رَآهُ حَتّى انْقَطَعَ صَوْتُهُ، وَفِي تَفْسِيرِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَبْدِ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزّهْرِيّ وَذَكَرَ إنكار عائشة أنه رآه، فقال لزهرى: لَيْسَتْ عَائِشَةُ أَعْلَمَ عِنْدَنَا مِنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ سَلَامٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنّهُ كَانَ إذْ ذُكِرَ إنْكَارُ عَائِشَةَ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَبّهُ يَشْتَدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ رَآهُ؟ رَوَى يُونُسُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: سَأَلَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَةَ: هَلْ رَأَى مُحَمّدٌ رَبّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ أَنّ ابْنَ عُمَرَ أَرْسَلَ إلَى ابْنِ عَبّاسٍ يَسْأَلُهُ: هَلْ رَأَى مُحَمّدٌ رَبّهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ رَآهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكَيْفَ رَآهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ كَلَامًا كَرِهْت أَنْ أُورِدَهُ بِلَفْظِهِ لِمَا يُوهِمُ مِنْ التّشْبِيهِ، وَلَوْ صَحّ لَكَانَ لَهُ تَأْوِيلٌ وَاَللهُ أَعْلَمُ، والمتحصل مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- أَنّهُ رَآهُ لَا عَلَى أَكْمَلِ مَا تَكُونُ الرّؤْيَةُ عَلَى نَحْوِ مَا يَرَاهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ عِنْدَ الْكَرَامَةِ الْعُظْمَى وَالنّعِيمِ الْأَكْبَرِ، وَلَكِنْ دُونَ ذَلِكَ، وإلى هذا يومى قوله: رأيت نورا ونورا أَنّى أَرَاهُ فِي الرّؤْيَةِ الْأُخْرَى وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَأَمّا الدّنُوّ وَالتّدَلّي فَهُمَا خَبَرٌ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَعْضِ الْمُفَسّرِينَ، وَقِيلَ إنّ الّذِي تَدَلّى هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ تَدَلّى إلَى مُحَمّدٍ حَتّى دَنَا مِنْهُ وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ أَيْضًا، وَفِي الْجَامِعِ الصّحِيحِ فِي إحْدَى الرّوَايَاتِ مِنْهُ: فَتَدَلّى الْجَبّارُ، وَهَذَا مَعَ صِحّةِ نَقْلِهِ لَا يَكَادُ أَحَدٌ مِنْ المفسرين يذكره لا ستحالة ظَاهِرِهِ، أَوْ لِلْغَفْلَةِ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَلَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ؛ لِأَنّ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ إنْ كَانَ رُؤْيَا رَآهَا بِقَلْبِهِ وَعَيْنُهُ نَائِمَةٌ- كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فَلَا إشْكَالَ فِيمَا يَرَاهُ فِي نَوْمِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فَقَدْ رَآهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَوَضَعَ كَفّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، حَتّى وَجَدَ بَرْدَهَا بين ثدييه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَوَاهُ التّرْمِذِيّ «1» مِنْ طَرِيقِ مُعَاذٍ فِي حَدِيثٍ طويل، ولما كانت هذه رؤيا

_ (1) الحديث كما رواه أحمد بسنده عن ابن عباس أن رسول الله «ص» قال: أتانى ربى الليلة فى أحسن صورة- أحسبه يعنى فى النوم- فقال: يا محمد أتدرى فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت لا، فوضع يده بين كتفى حتى وجدت بردها بين ثديى- أو قال نحرى فعلمت- فى السموات والأرض، ثم قال: يا محمد هل تدرى فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: نعم يختصمون فى الكفارات والدرجات. قال: وما الكفارات؟ قال: قلت المكث فى المساجد بعد الصلوات، والمشى على الأقدام إلى الجماعات، وإبلاغ الوضوء فى المكاره، من فعل ذلك عاش بخير. ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه. وقال: قل يا محمد إذا صليت. اللهم إنى أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضنى إليك غير مفتون. قال: والدرجات: بذل الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام، ورواه أحمد أيضا بسنده عن معاذ قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة من صلاة الصبح، حتى كدنا نتراءى قرن الشمس، فخرج- صلى الله عليه وسلم- سريعا فثوب بالصلاة، فصلى، وتجوز فى صلاته، فلما سلم، قال- صلى الله عليه وسلم- كما أنتم، ثم أقبل إلينا فقال: إنى قمت من الليل، فصليت ما قدر لى، فنعست فى صلاتى حتى استيقظت، فإذا أنا بربى عز وجل فى أحسن صورة» الخ ولكنه قال فى هذه الرواية: فتجلى لى كل شىء وعرفت، بدلا من: فعلمت ما فى السموات الأرض. وشتان ما هما فى الدلالة. وعن الدرجات قال فيها: لين الكلام بدلا من إفشاء السلام. أما الدعاء ففى رواية معاذ أن الله قال له: سل، قلت: اللهم إنى أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين وأن تغفر لى، وترحمنى، وإذا أردت فتنة بقوم فتوفنى غير مفتون، وأسألك حبك، وحب من يحبك وحب عمل يقربنى إلى حبك، أما فى رواية ابن عباس، فقد ورد أن الله هو الذى طلب منه أن يقول هذا، وعلمه إياه. هذا والحديث رواه الترمذى من حديث جهضم بن عبد الله . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . اليمامى، وقال: حسن صحيح، وهو فى السنن من طرق. ويقول ابن كثير: وهو حديث المنام المشهور، ومن جعله يقظة، فقد غلط. وما أعظم فقه أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها فيما رواه أحمد بسنده عن عامر، قال: أتى مسروق عائشة، فقال: يا أم المؤمنين: هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم- ربه عز وجل؟ قالت سبحان الله لقد قف شعرى لما قلت. أين أنت من ثلاث من حدثكهن، فقد كذب. من حدثك أن محمدا رأى ربه، فقد كذب، ثم قرأت: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) ومن أخبرك أنه يعلم ما فى غد، فقد كذب. ثم قرأت: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) الاية. ومن أخبرك أن محمدا قد كتم، فقد كذب، ثم قرأت: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ولكنه رأى جبريل فى صورته مرتين» وتدبر ما رواه أحمد بسنده عن مسروق قال: «كنت عند عائشة، فقالت: أليس الله يقول: (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ- وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) فقالت: أنا أول هذه الأمة، سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عنها، فقال: إنما ذاك جبريل. لم يره فى صورته التى خلق عليها إلا مرتين، رآه منهبطا من السماء إلى الأرض سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض» وأخرجاه فى الصحيحين من حديث الشعبى به. ولمسلم فى الرؤية طريقان بلفظين عن أبى ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: نورانى أراه. والأخر: رأيت نورا. وقد حكى الخلال فى علله أن الإمام أحمد سئل عن هذا الحديث، فقال: ما زلت منكرا له، وما أدرى ما وجهه.. ويقول الأئمة: إن عائشة سألت عن الرؤية بعد الإسراء، ولم يثبت لها النبى الرؤية، ومن قال: إنه خاطبها على قدر عقلها، أو حاول تخطئتها فيما ذهبت إليه كابن خزيمة فى كتاب التوحيد، فإنه هو المخطىء. وقد ثبت فى صحيح مسلم عن أبى هريرة أنه قال فى قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) قال: رأى جبريل عليه السلام. وحسبنا هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَمْ يُنْكِرْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا اسْتَبْشَعَهَا، وَقَدْ بَيّنّا آنِفًا أَنّ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ كَانَ رُؤْيَا ثُمّ كَانَ يَقَظَةً فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ فَتَدَلّى الْجَبّارُ فِي الْمَرّةِ الّتِي كَانَ فِيهَا غَيْرَ نَائِمٍ، وَكَانَ الْإِسْرَاءُ بِجَسَدِهِ، فَيُقَالُ فِيهِ مِنْ التّأْوِيلِ مَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: يَنْزِلُ رَبّنَا كُلّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدّنْيَا، فَلَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْهُ فِي بَابِ التّأْوِيلِ، فَلَا نَكَارَةَ فِيهِ كَانَ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَى تَمَامِ هَذَا الْمَعْنَى فِي شَرْحِ مَا تَضَمّنَهُ لَفْظُ الْقَوْسَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: قَابَ قَوْسَيْنِ فِي جُزْءٍ أَمْلَيْنَاهُ فِي شَرْحِ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، تَضَمّنَ لَطَائِفَ مِنْ مَعْنَى التّقْدِيسِ وَالتّسْبِيحِ، فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ وَأَمْلَيْنَا أَيْضًا فِي مَعْنَى رُؤْيَةِ الرّبّ سُبْحَانَهُ فِي الْمَنَامِ، وَفِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ مَسْأَلَةً لِقِنَاعِ الْحَقِيقَةِ فِي ذَلِكَ كَاشِفَةً فَمَنْ أَرَادَ فَهْمَ الرّؤْيَةِ وَالرّؤْيَا فَلْيَنْظُرْهَا هُنَالِكَ، وَيُقَوّي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَعْنَى إضَافَةِ التّدَلّي إلَى الرّبّ سُبْحَانَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيّ مَا رَوَاهُ ابْنُ سُنْجُرَ مُسْنَدًا إلَى شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: لَمّا صَعِدَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى السّمَاءِ، فَأَوْحَى إلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، فَلَمّا أَحَسّ جِبْرِيلُ بدنوّ الرّبّ خرّ ساجد، فَلَمْ يَزَلْ يُسَبّحُ سُبْحَانَ رَبّ الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ حَتّى قَضَى اللهُ إلَى عَبْدِهِ مَا قَضَى، قَالَ: ثُمّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَرَأَيْته فِي خَلْقِهِ الّذِي خُلِقَ عَلَيْهِ مَنْظُومًا أَجْنِحَتُهُ بِالزّبَرْجَدِ وَاللّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ، فَخُيّلَ إلَيّ أَنّ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ قَدْ سَدّ الْأُفُقَيْنِ، وَكُنْت لَا أَرَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ إلّا عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَكُنْت أَكْثَرَ مَا أَرَاهُ عَلَى صُورَةِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ، وَكَانَ أَحْيَانًا لَا يَرَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ إلّا كَمَا يَرَى الرّجُلُ صَاحِبَهُ من وراء الغربال «1» .

_ (1) حديث متهافت. أما رؤيته صلى الله عليه وسلم لجبريل على صورة دحية، فقد ورد فى روايات صحيحة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِقَاؤُهُ لِلنّبِيّينَ: فَصْلٌ: وَمِمّا سُئِلَ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ، وَتَكَلّمَ فِيهِ لِقَاؤُهُ لِآدَمَ فِي السّمَاءِ الدّنْيَا، وَلِإِبْرَاهِيمَ فِي السّمَاءِ السّابِعَةِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ الّذِينَ لَقِيَهُمْ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ السّمَاءَيْنِ، وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالسّمَاءِ الّتِي رَآهُ فِيهَا: وَسُؤَالٌ آخَرُ فِي اخْتِصَاصِ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ بِاللّقَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ رَأَى الْأَنْبِيَاءَ كُلّهُمْ، فَمَا الْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ بِالذّكْرِ؟ وَقَدْ تَكَلّمَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيّ عَلَى هَذَا السّؤَالِ، فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، وَمَغْزَى كَلَامِهِ الّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَنّ الْأَنْبِيَاءَ لَمّا عَلِمُوا بِقُدُومِهِ عَلَيْهِمْ ابْتَدَرُوا إلَى لِقَائِهِ ابْتِدَارَ أَهْلِ الْغَائِبِ لِلْغَائِبِ الْقَادِمِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْرَعَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْطَأَ. إلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، وَاَلّذِي أَقُولُ فِي هَذَا: إنّ مَأْخَذَ فَهْمِهِ مِنْ عِلْمِ التّعْبِيرِ، فَإِنّهُ مِنْ عِلْمِ النّبُوءَةِ، وَأَهْلُ التّعْبِيرِ يَقُولُونَ: مَنْ رَأَى نَبِيّا بِعَيْنِهِ فِي الْمَنَامِ، فَإِنّ رُؤْيَاهُ تُؤْذِنُ بِمَا يُشْبِهُ حَالَ ذَلِكَ النّبِيّ مِنْ شِدّةٍ أَوْ رَخَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الّتِي أُخْبِرَ بِهَا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْقُرْآنِ، وَالْحَدِيثِ، وَحَدِيثُ الْإِسْرَاءِ كَانَ بِمَكّةَ وَهِيَ حَرَمُ اللهِ وَأَمْنُهُ وَقُطّانُهَا جِيرَانُ اللهِ، لِأَنّ فِيهَا بَيْتَهُ، فَأَوّلُ مَا رَأَى عَلَيْهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ آدَمُ الّذِي كَانَ فِي أَمْنِ اللهِ وَجِوَارِهِ، فَأَخْرَجَهُ عَدُوّهُ إبْلِيسُ مِنْهَا، وَهَذِهِ الْقِصّةُ تُشْبِهُهَا الْحَالَةُ الْأُولَى مِنْ أَحْوَالِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَخْرَجَهُ أَعْدَاؤُهُ مِنْ حَرَمِ اللهِ وَجِوَارِ بَيْتِهِ، فَكَرَبَهُ ذَلِكَ وَغَمّهُ. وَأَشْبَهَتْ قِصّتُهُ فِي هَذَا قِصّةَ آدَمَ، مَعَ أَنّ آدَمَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرّيّتِهِ الْبَرّ وَالْفَاجِرِ مِنْهُمْ، فَكَانَ فِي السّمَاءِ الدّنْيَا بِحَيْثُ يَرَى الْفَرِيقَيْنِ، لِأَنّ أَرْوَاحَ أَهْلِ الشّقَاءِ لَا تَلِجُ فِي السّمَاءِ، وَلَا تُفَتّحُ لَهُمْ أَبْوَابُهَا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى، ثُمّ رَأَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي الثّانِيَةِ عِيسَى وَيَحْيَى وَهُمَا الْمُمْتَحَنَانِ بِالْيَهُودِ، أَمَا عِيسَى فَكَذّبَتْهُ الْيَهُودُ وَآذَتْهُ، وَهَمّوا بِقَتْلِهِ فَرَفَعَهُ اللهُ، وَأَمّا يَحْيَى فَقَتَلُوهُ، وَرَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ انْتِقَالِهِ إلَى الْمَدِينَةِ صَارَ إلَى حَالَةٍ ثَانِيَةٍ مِنْ الِامْتِحَانِ، وَكَانَتْ مِحْنَتُهُ فِيهَا بِالْيَهُودِ، آذَوْهُ وَظَاهَرُوا عَلَيْهِ وَهَمّوا بِإِلْقَاءِ الصّخْرَةِ عَلَيْهِ، لِيَقْتُلُوهُ فَنَجّاهُ اللهُ تَعَالَى كَمَا نَجّى عِيسَى مِنْهُمْ، ثُمّ سَمّوهُ فِي الشّاةِ، فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ الْأَكْلَةُ تُعَاوِدُهُ، حَتّى قَطَعَتْ أَبْهَرَهُ «1» كَمَا قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَهَكَذَا فَعَلُوا بِابْنَيْ الْخَالَةِ: عِيسَى وَيَحْيَى، لِأَنّ أُمّ يَحْيَى أَشْيَاعُ بِنْتُ عِمْرَانَ أُخْتُ مَرْيَمَ، أُمّهُمَا: حَنّةُ. وَأَمّا لِقَاؤُهُ لِيُوسُفَ فِي السّمَاءِ الثّالِثَةِ، فَإِنّهُ يُؤْذِنُ بِحَالَةِ ثَالِثَةٍ تُشْبِهُ حَالَ يوسف، وذلك بأن يوسف ظفر بإخوته بعد ما أَخْرَجُوهُ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانَيْهِمْ فَصَفَحَ عَنْهُمْ، وَقَالَ لا تثريب عليكم الْآيَةَ، وَكَذَلِك نَبِيّنَا- عَلَيْهِ السّلَامُ أَسَرَ يَوْمَ بَدْرٍ جُمْلَةً مِنْ أَقَارِبِهِ الّذِينَ أَخْرَجُوهُ فِيهِمْ عَمّهُ الْعَبّاسُ، وَابْنُ عَمّهِ عَقِيلٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَ فِدَاءَهُ، ثُمّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَامَ الْفَتْحِ فَجَمَعَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: أَقُولُ مَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، ثُمّ لِقَاؤُهُ لِإِدْرِيسَ فِي السّمَاءِ الرّابِعَةِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الّذِي سَمّاهُ اللهُ مَكَانًا عَلِيّا، وَإِدْرِيسُ أَوّلُ مَنْ آتَاهُ اللهُ الْخَطّ بِالْقَلَمِ، فَكَانَ ذَلِكَ مُؤْذِنًا بِحَالَةِ رَابِعَةٍ، وَهِيَ عُلُوّ شَأْنِهِ- عَلَيْهِ السّلَامُ- حَتّى أَخَافَ الْمُلُوكَ وَكَتَبَ إلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ إلَى طَاعَتِهِ، حَتّى قَالَ أَبُو سُفْيَانَ، وَهُوَ عِنْدَ مَلِكِ الرّومِ، حِين جَاءَهُ كِتَابٌ لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَرَأَى ما رأى من خوف هرقل:

_ (1) الأبهر: الظهر وعرق فيه، ووريد العنق والأكحل. وقد ذكر قصة الشاة المسمومة البخارى وغيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ «1» ، حَتّى أَصْبَحَ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ، وَكُتِبَ عَنْهُ بِالْقَلَمِ إلَى جَمِيعِ مُلُوكِ الْأَرْضِ، فَمِنْهُمْ مَنْ اتّبَعَهُ عَلَى دِينِهِ كَالنّجَاشِيّ، وَمَلِكِ عُمَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ هَادَنَهُ، وَأَهْدَى إلَيْهِ وَأَتْحَفَهُ كَهِرَقْلَ وَالْمُقَوْقَسِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَعَصّى عَلَيْهِ، فَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَهَذَا مَقَامٌ عَلِيّ، وَخَطّ بِالْقَلَمِ كَنَحْوِ مَا أُوتِيَ إدْرِيسُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَلِقَاؤُهُ فِي السّمَاءِ الْخَامِسَةِ لِهَارُونَ الْمُحَبّبِ فِي قَوْمِهِ يُؤْذِنُ بِحُبّ قُرَيْشٍ، وَجَمِيعِ الْعَرَبِ لَهُ بَعْدَ بُغْضِهِمْ فِيهِ، وَلِقَاؤُهُ فِي السّمَاءِ السّادِسَةِ لِمُوسَى يُؤْذِنُ بِحَالَةِ تُشْبِهُ حَالَةَ مُوسَى حِينَ أَمَرَ بِغَزْوِ الشّامِ فَظَهَرَ عَلَى الْجَبَابِرَةِ الّذِينَ كَانُوا فِيهَا، وَأَدْخَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ الْبَلَدَ الّذِي خَرَجُوا مِنْهُ بَعْدَ إهْلَاكِ عَدُوّهِمْ، وَكَذَلِك غَزَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبُوكَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ، وَظَهَرَ عَلَى صَاحِبِ دَوْمَةَ حَتّى صَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ بَعْد أَنْ أُتِيَ بِهِ أَسِيرًا، وَافْتَتَحَ مَكّةَ، وَدَخَلَ أَصْحَابُهُ الْبَلَدَ الّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، ثُمّ لِقَاؤُهُ فِي السّمَاءِ السّابِعَةِ لِإِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- لِحِكْمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنّهُ رَآهُ عِنْدَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَيْهِ وَالْبَيْتُ الْمَعْمُورُ حِيَالَ مَكّةَ، وَإِلَيْهِ تَحُجّ الْمَلَائِكَةُ، كَمَا أَنّ إبْرَاهِيمَ هُوَ الّذِي بَنَى الْكَعْبَةَ، وَأَذّنَ فِي النّاسِ بِالْحَجّ إلَيْهَا وَالْحِكْمَةُ الثّانِيَةُ أَنّ آخِرَ أَحْوَالِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجّهُ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَحَجّ مَعَهُ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَرُؤْيَةُ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ أَهْلِ التّأْوِيلِ تُؤْذِنُ بِالْحَجّ، لِأَنّهُ الدّاعِي إلَيْهِ وَالرّافِعُ لِقَوَاعِدِ الْكَعْبَةِ الْمَحْجُوبَةِ، فَقَدْ انْتَظَمَ فِي هَذَا الكلام الجواب عن

_ (1) أى كثر وارتفع شأنه يعنى النبى صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكر أبى كبشة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السّؤَالَيْنِ الْمُتَقَدّمَيْنِ، أَحَدُهُمَا: السّؤَالُ عَنْ تَخْصِيصِ هَؤُلَاءِ بِالذّكْرِ، وَالْآخَرُ: السّؤَالُ عَنْ تَخْصِيصِهِمْ بِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ مِنْ السّمَاءِ الدّنْيَا إلَى السّابِعَةِ، وَكَانَ الْحَزْمُ تَرْكَ التّكَلّفِ لِتَأْوِيلِ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصّ عَنْ السّلَفِ، وَلَكِنْ عَارَضَ هَذَا الْغَرَضُ مَا يَجِبُ مِنْ التّفْكِيرِ فِي حِكْمَةِ اللهِ، وَالتّدَبّرِ لِآيَاتِ اللهِ، وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَقَدْ رُوِيَ أَنّ تَفَكّرَ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَة «1» مَا لَمْ يَكُنْ النّظَرُ وَالتّفْكِيرُ مُجَرّدًا مِنْ مُلَاحَظَةِ الْكِتَابِ وَالسّنّةِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْعَرَبِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْكِتَابِ وَالسّنّةِ بِغَيْرِ عِلْمٍ عَصَمَنَا اللهُ- تَعَالَى- مِنْ ذَلِكَ «2» ، وَجَعَلَنَا مِنْ الْمُمْتَثِلِينَ لِأَمْرِهِ حَيْثُ يَقُولُ: فاعتبروا يا أولى الأبصار وليدّبروا آياته، وليتذكّر أولو الألباب، وَلَوْلَا إسْرَاعُ النّاسِ إلَى إنْكَارِ مَا جَهِلُوهُ، وَغِلَظُ الطّبَاعِ عَنْ فَهْمِ كَثِيرٍ مِنْ الْحِكْمَةِ لَأَبْدَيْنَا مِنْ سِرّ هَذَا السّؤَالِ، وَكَشَفْنَا عَنْ الْحِكْمَةِ فِي هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْمَرَاتِبِ أَكْثَرَ مِمّا كَشَفْنَا «3» . الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ، وَأَنّهُ يَدْخُلُهُ كُلّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ رَوَى ابْنُ سُنْجُرَ عَنْ عَلِيّ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ بَيْتٌ فى السماء السابعة

_ (1) التفكير نفسه فى خلق السموات والأرض وغيرهما من أجل أنواع العبادة، فكيف نجعل التفكير شيئا والعبادة شيئا آخر؟ وهذا يدل على ضعف الحديث. (2) هذه رائعة من السهيلى، فلنتدبرها باحتفال تستحقه (3) والحق أنه لم يكشف، وإنما اعتسف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال له: الضّراح، واسم السماء السابعة: عربيا «1» ، رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ إلَى وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ لَهُ نُورٌ يملأ ما بين عربياء وَجَرِيبَاءَ وَجَرِيبَا، وَهِيَ الْأَرْضُ السّابِعَةُ» ، وَذَكَرَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ: الْبَيْتُ الْمَعْمُورِ يَدْخُلُهُ كُلّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ دحية عِنْدَ كُلّ دِحْيَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو التّيّاحِ [يَزِيدُ الضّبَعِيّ] قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قُلْت مَا الدّحْيَةُ؟ قَالَ: الرّئِيسُ. وَرَوَى ابْنُ سُنْجُرَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي السّمَاءِ السّابِعَةِ بَيْتٌ يُقَالُ لَهُ: الْمَعْمُورُ بِحِيَالِ مَكّةَ، وَفِي السّمَاءِ السّابِعَةِ نَهَرٌ يُقَالُ لَهُ الْحَيَوَانُ «3» يَدْخُلُهُ جِبْرِيلُ كُلّ يَوْمٍ فَيَنْغَمِسُ فِيهِ انْغِمَاسَةً، ثُمّ يَخْرُجُ فَيَنْتَفِضُ انْتِفَاضَةً، يَخِرّ عَنْهُ سَبْعُونَ أَلْفَ قَطْرَةٍ، يَخْلُقُ اللهُ مِنْ كُلّ قَطْرَةٍ مَلَكًا وَيُؤْمَرُونَ أَنْ يَأْتُوا الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ وَيُصَلّوا فِيهِ فَيَفْعَلُونَ ثُمّ يَخْرُجُونَ فَلَا يَعُودُونَ إلَيْهِ أَبَدًا، [وَ] يُوَلّى عَلَيْهِمْ أَحَدُهُمْ يُؤْمَرُ أَنْ يَقِفَ بِهِمْ مِنْ السّمَاءِ موقفا يسبّحون الله [فيه]

_ (1) فى القاموس واللسان والنهاية لابن الأثير أن اسم السماء السابعة: عروباء (2) فى اللسان: الجرباء: السماء سميت بذلك لما فيها من الكواكب، وقيل: سميت بذلك لموضع المجرة كأنها جربت بالنجوم. وقيل: الجرباء من السماء: الناحية التى لا يدور فيها فلك الشمس والقمر.. والجرباء والملساء: السماء الدنيا.. وأرض جرباء ممحلة وقحوطة لا شىء فيها، وفى القاموس عن الجرباء أنها قرية بجنب أذرح، ثم قال: وغلط من قال: بينهما ثلاثة أيام، وإنما الوهم من رواة الحديث من إسقاط زيادة ذكرها الدار قطنى، وهى: ما بين ناحيتى حوض كما بين المدينة وجرباء وأذرح. (3) فى ابن أبى حاتم: «وفى السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلَى أَنْ تَقُومَ السّاعَةُ» «1» فَرْضُ الصّلَاةِ: فَصْلٌ: وَأَمّا فَرْضُ الصّلَاةِ عَلَيْهِ هُنَالِكَ، فَفِيهِ التّنْبِيهُ عَلَى فَضْلِهَا، حَيْثُ لَمْ تُفْرَضْ إلّا فِي الْحَضْرَةِ «2» الْمُقَدّسَةِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَتْ الطّهَارَةُ مِنْ شَأْنِهَا، وَمِنْ شَرَائِطِ أَدَائِهَا، وَالتّنْبِيهِ عَلَى أَنّهَا مُنَاجَاةُ الرّبّ، وَأَنّ الرّبّ تَعَالَى مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى الْمُصَلّي يُنَاجِيهِ يَقُولُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، أَثْنَى عَلَيّ عبدى «3» إلى آخر

_ (1) الحديث أخرجه ابن أبى حاتم، وقد تكلم عنه ابن كثير، فقال: «هذا حديث غريب جدا تفرد به روح بن جناح، هذا وهو القرشى الأموى مولاهم أبو سعيد الدمشقى، وقد أنكر عليه هذا الحديث جماعة من الحفاظ، منهم: الجوزجانى والعقبلى والحاكم أبو عبد الله النيسابورى وغيرهم، وقال الحاكم: لا أصل له من حديث أبى هريرة، ولا سعيد، ولا الزهرى» تفسير سورة الطور. (2) سبق بيان أن آيات القرآن تؤكد أن الصلاة كانت مفروضة قبل هذا، وإلا وجب القول بأن الإسراء كان فى عقب المبعث مباشرة. هذا، ولا يجوز أن نقول «الحضرة المقدسة» فإنه لا يعد تعبيرا إسلاميا، ولكنه تعبير صوفى قديم ولم يرد فى قرآن أو حديث، ولم يجر على لسان صحابى أو تابعى، ولا يجوز أن تنسب إلى الله سبحانه إلا ما نسب هو- جل شأنه- إلى نفسه. (3) من حديث رواه مسلم والنسائى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهى خداج- ثلاثا- غير تمام فقيل لأبى هريرة: إنا نكون خلف الإمام، فقال اقرأ بها فى نفسك، فإنى سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله- عز وجل- قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين. ولعبدى ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدنى عبدى، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله أثنى على عبدى، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السّورَةِ، وَهَذَا مُشَاكِلٌ لِفَرْضِهَا عَلَيْهِ فِي السّمَاءِ السّابِعَةِ حَيْثُ سَمِعَ كَلَامَ الرّبّ، وَنَاجَاهُ، وَلَمْ يُعْرَجْ بِهِ حَتّى طُهّرَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ كَمَا يَتَطَهّرُ الْمُصَلّي لِلصّلَاةِ، وَأُخْرِجَ عَنْ الدّنْيَا بِجِسْمِهِ، كَمَا يَخْرُجُ الْمُصَلّي عَنْ الدّنْيَا بِقَلْبِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ كُلّ شَيْءٍ إلّا مُنَاجَاةُ رَبّهِ وَتَوَجّهُهُ إلَى قِبْلَتِهِ فِي ذَلِكَ الْحِينِ، وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَرُفِعَ إلَى السّمَاءِ كَمَا يَرْفَعُ الْمُصَلّي يَدَيْهِ إلَى جِهَةِ السّمَاءِ إشَارَةً إلَى الْقِبْلَةِ الْعُلْيَا فَهِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، وَإِلَى جِهَةِ عَرْشِ مَنْ يُنَاجِيهِ وَيُصَلّي لَهُ سُبْحَانَهُ. فَرْضُ الصّلَوَاتِ خَمْسِينَ فَصْلٌ وَأَمّا فَرْضُ الصّلَوَاتِ خَمْسِينَ ثُمّ حَطّ مِنْهَا عَشْرًا بَعْدَ عَشْرٍ إلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا أَنّهَا حُطّتْ خَمْسًا بَعْدَ خَمْسٍ، وَقَدْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرّوَايَتَيْنِ لِدُخُولِ الْخَمْسِ فِي الْعَشْرِ، فَقَدْ تكلم فى هذا النقص من الفريضة:

_ - فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجدنى عبدى، وقال مرة: فوض إلى عبدى فإذا قال: إياك نعبد، وإياك نستعين قال: هذا بينى وبين عبدى، ولعبدى ما سأل، فإذا قال: اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غير المغضوب عليهم، ولا الضالين، قال الله: هذا لعبدى، ولعبدى ما سأل، وقال الترمذى: هذا حديث حسن. أقول: إن القرآن يفرض على كل مسلم إذا قرئ القرآن أن يستمع وينصت، وعلى هذا يجب على المأموم- خلافا لما فى الحديث- ألا يقرأ بالفاتحة فى نفسه، وهو يسمع القرآن من الإمام، لأن الله يقول: (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ، وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف: 204. والقول بأن الأمر موجه إلى من يكونون فى غير الصلاة قول على الله بغير علم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَهُوَ نَسْخٌ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مِنْ بَابِ نَسْخِ الْعِبَادَةِ قَبْلَ الْعَمَلِ بِهَا، وَأَنْكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ النّحّاسُ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْبِنَاءُ عَلَى أَصْلِهِ وَمَذْهَبِهِ فِي أَنّ الْعِبَادَةَ لَا يَجُوزُ نَسْخُهَا قَبْلَ الْعَمَلِ بِهَا، لِأَنّ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنْ الْبَدَاءِ، وَالْبَدَاءُ مُحَالٌ عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ. الثّانِي: أَنّ الْعِبَادَةَ إنْ جَازَ نَسْخُهَا قَبْلَ الْعَمَلِ بِهَا عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ، فَلَيْسَ يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ نَسْخُهَا قَبْلَ هُبُوطِهَا إلَى الْأَرْضِ وَوُصُولِهَا إلَى الْمُخَاطَبِينَ: قَالَ: وَإِنّمَا ادّعَى النّسْخَ فِي هَذِهِ الصّلَوَاتِ الْمَوْضُوعَةِ عَنْ مُحَمّدٍ وَأُمّتِهِ الْقَاشَانِيّ، لِيُصَحّحَ بِذَلِكَ مَذْهَبَهُ فِي أَنّ الْبَيَانَ لَا يَتَأَخّرُ، ثُمّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: إنّمَا هِيَ شَفَاعَةٌ شَفَعَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأُمّتِهِ وَمُرَاجَعَةٌ رَاجَعَهَا رَبّهُ، لِيُخَفّفَ عَنْ أُمّتِهِ، وَلَا يُسَمّى مِثْلُ هَذَا نَسْخًا. قَالَ الْمُؤَلّفُ: أَمّا مَذْهَبُهُ فِي أَنّ الْعِبَادَةَ لَا تُنْسَخُ قَبْلَ الْعَمَلِ بِهَا، وَأَنّ ذَلِكَ بَدَاءٌ فَلَيْسَ بِصَحِيحِ، لِأَنّ حَقِيقَةَ الْبَدَاءِ أَنْ يَبْدُوَ لِلْآمِرِ رَأْيٌ يَتَبَيّنُ لَهُ الصّوَابُ فِيهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ تَبَيّنَهُ، وَهَذَا مُحَالٌ فِي حَقّ مَنْ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ بِعِلْمِ قَدِيمٍ «1» ، وَلَيْسَ النّسْخُ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ إنّمَا النسخ تبديل حكم بحكم، والكلّ

_ (1) فى اللسان: «البداء: استصواب شىء علم بعد أن لم يعلم، وذلك على الله غير جائز» ويقول الشهرستانى فى الملل والنحل: «والبداء له معان: البداء فى العلم، وهو أن يظهر لة صواب على خلاف ما أراد وحكم، والبداء فى الأمر، وهو أن يأمر بشىء، ثم يأمر بعده بخلاف ذلك» قال هذا وهو يتحدث عن المختار بن عبيد الثقفى أحد زعماء فرق الشيعة الأوائل، ثم قال: «وإنما صار المختار إلى اختيار القول بالبداء، لأنه كان يدعى علم ما يحدث من الأحوال إما بوحى يوحى إليه، وإما برسالة من قبل الإمام، فكان إذا وجد أصحابه بكون شىء، وحدوث حادثة، فإن وافق كونه قوله جعله دليلا-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ وَمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ، كَنَسْخِهِ الْمَرَضَ بِالصّحّةِ، وَالصّحّةِ بِالْمَرَضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَيْضًا بِأَنّ الْعَبْدَ الْمَأْمُورَ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَوَجّهِ الْأَمْرِ إلَيْهِ ثَلَاثُ عِبَادَاتٍ: الْفِعْلُ الّذِي أُمِرَ بِهِ، وَالْعَزْمُ عَلَى الِامْتِثَالِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَمْرِ، وَاعْتِقَادُ الْوُجُوبِ إنْ كَانَ وَاجِبًا فَإِنْ نُسِخَ الْحُكْمُ قَبْلَ الْفِعْلِ، فَقَدْ حَصَلَتْ فَائِدَتَانِ: الْعَزْمُ وَاعْتِقَادُ الْوُجُوبِ. وَعَلِمَ اللهُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَصَحّ امْتِحَانُهُ له واختياره إيّاهُ، وَأَوْقَعَ الْجَزَاءَ عَلَى حَسَبِ مَا عَلِمَ مِنْ نِيّتِهِ، وَإِنّمَا الّذِي لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْأَمْرِ قَبْلَ نُزُولِهِ، وَقَبْلَ عِلْمِ الْمُخَاطَبِ بِهِ، وَاَلّذِي ذَكَرَ النّحّاسُ مِنْ نَسْخِ الْعِبَادَةِ بَعْدَ الْعَمَلِ بِهَا، فَلَيْسَ هُوَ حَقِيقَةَ النّسْخِ، لِأَنّ الْعِبَادَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا قَدْ مَضَتْ، وَإِنّمَا جَاءَ الخطاب بالنهى عن مثلها لَا عَنْهَا، وَقَوْلُنَا فِي الْخَمْسِ وَالْأَرْبَعِينَ صَلَاةً الْمَوْضُوعَةِ عَنْ مُحَمّدٍ وَأُمّتِهِ أَحَدُ وَجْهَيْنِ، إمّا أَنْ يَكُونَ نُسِخَ مَا وَجَبَ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَدَائِهَا وَرُفِعَ عَنْهُ اسْتِمْرَارُ الْعَزْمِ وَاعْتِقَادُ الْوُجُوبِ، وَهَذَا قَدْ قَدّمْنَا أَنّهُ نَسْخٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَنُسِخَ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ التّبْلِيغِ، فَقَدْ كَانَ فِي كُلّ مَرّةٍ عَازِمًا عَلَى تَبْلِيغِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَقَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ: إنّمَا كَانَ شَافِعًا وَمُرَاجِعًا يَنْفِي النّسْخَ فَإِنّ النّسْخَ قَدْ يَكُونُ عَنْ سَبَبٍ مَعْلُومٍ، فَشَفَاعَتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِأُمّتِهِ كَانَتْ سَبَبًا لِلنّسْخِ لَا مُبْطِلَةً لِحَقِيقَتِهِ،

_ - على صدق دعواه، وإن لم يوافق قال: قد بدا لربكم، وكان لا يفرق بين النسخ والبداء» ص 237 ح 1 الملل والنحل للشهرستانى ط مكتبة الحسين التجارية فالبداء إذن أسطورة ملعونة، ومحال نسبتها إلى الله سبحانه ولا يجوز وصف علم الله بأنه قديم، كما لا يجوز وصف الله بهذه الصفة كما سبق بيانه. كما أنه لا يجوز أن يقال عن آية فى القرآن إنها منسوخة، فكل آية فى القرآن هى حق لا ريب فيه، وكل آية فيه يجب أن نؤمن بأنها غير منسوخة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَكِنّ الْمَنْسُوخَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ التّبْلِيغِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ قَبْلَ النّسْخِ وَحُكْمِ الصّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي خَاصّتِهِ، وَأَمّا أُمّتُهُ فَلَمْ يُنْسَخْ عَنْهُمْ حُكْمٌ إذْ لَا يُتَصَوّرُ نَسْخُ الْحُكْمِ قَبْلَ بُلُوغِهِ إلَى الْمَأْمُورِ، كَمَا قَدّمْنَا، وَهَذَا كُلّهُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَدِيثِ. وَالْوَجْهُ الثّانِي أَنْ يَكُونَ هَذَا خَبَرًا لَا تَعَبّدًا، وَإِذَا كَانَ خَبَرًا لَمْ يَدْخُلْهُ النّسْخُ، وَمَعْنَى الْخَبَرِ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَخْبَرَهُ رَبّهُ أَنّ عَلَى أُمّتِهِ خَمْسِينَ صَلَاةً، وَمَعْنَاهُ: أَنّهَا خَمْسُونَ فِي اللّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَكَذَلِك قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَتَأَوّلَهُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أَنّهَا خَمْسُونَ بِالْفِعْلِ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُ رَبّهُ حَتّى بَيّنَ لَهُ أَنّهَا خَمْسُونَ فِي الثّوَابِ لا بالعمل. فإن قيل: فما معنى نقصها عَشْرًا بَعْدَ عَشْرٍ؟ قُلْنَا: لَيْسَ كُلّ الْخَلْقِ يَحْضُرُ قَلْبُهُ فِي الصّلَاةِ مِنْ أَوّلِهَا إلَى آخِرِهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنّهُ يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا مَا حَضَرَ قَلْبُهُ فِيهَا، وَأَنّ الْعَبْدَ يُصَلّي الصّلَاةَ، فَيُكْتَبُ لَهُ نِصْفُهَا رُبُعُهَا حَتّى انْتَهَى إلَى عُشْرِهَا، وَوَقَفَ، فَهِيَ خَمْسٌ فِي حَقّ مَنْ كُتِبَ لَهُ عُشْرُهَا، وَعَشْرٌ فِي حَقّ مَنْ كُتِبَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَخَمْسُونَ فِي حَقّ مَنْ كَمُلَتْ صَلَاتُهُ وَأَدّاهَا بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَمَامِ خُشُوعِهَا وَكَمَالِ سُجُودِهَا وَرُكُوعِهَا. أَوْصَافٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يَلْقَهُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إلّا ضَاحِكًا مُسْتَبْشِرًا إلّا مَالِكًا خَازِنَ جَهَنّمَ، وَذَلِكَ أَنّهُ لَمْ يَضْحَكْ لِأَحَدِ قَبْلَهُ، وَلَا هُوَ ضَاحِكٌ لِأَحَدِ، وَمِصْدَاقُ هَذَا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ التّحْرِيمَ: 6 وَهُمْ مُوكَلُونَ بِغَضَبِ اللهِ تَعَالَى، فَالْغَضَبُ لَا يُزَايِلُهُمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبَدًا، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعَارَضَةٌ لِلْحَدِيثِ الّذِي فِي صِفَةِ مِيكَائِيلَ أَنّهُ مَا ضَحِكَ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ جَهَنّمَ، وَكَذَلِكَ يُعَارِضُهُ مَا خَرّجَ الدّار قطنىّ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تَبَسّمَ فِي الصّلَاةِ، فَلَمّا انْصَرَفَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَأَيْت مِيكَائِيلَ رَاجِعًا مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ، عَلَى جَنَاحَيْهِ الْغُبَارُ فَضَحِكَ إلَيّ، فَتَبَسّمْت إلَيْه، وَإِذَا صَحّ الْحَدِيثَانِ، فَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ النّارَ إلَى هَذِهِ الْمُدّةِ الّتِي ضَحِكَ فِيهَا لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَكُونُ الْحَدِيثُ عَامّا يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، أَوْ يَكُونُ الْحَدِيثُ الْأَوّلُ حَدّثَ بِهِ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ ثُمّ حَدّثَ بَعْدُ بِمَا حَدّثَ بِهِ مِنْ ضَحِكِهِ إلَيْهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ وَلَمْ يَرَ مَالِكًا عَلَى الصّورَةِ الّتِي يَرَاهُ عَلَيْهَا الْمُعَذّبُونَ فِي الْآخِرَةِ، وَلَوْ رَآهُ عَلَى تِلْكَ الصّورَةِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ. أَكَلَةُ الرّبَا فِي رُؤْيَا الْمِعْرَاجِ: وَذَكَرَ أَكَلَةَ الرّبَا وَأَنّهُمْ بِسَبِيلِ آلِ فِرْعَوْنَ يَمُرّونَ عَلَيْهِمْ كَالْإِبِلِ الْمَهْيُومَةِ، وَهِيَ الْعِطَاشُ، وَالْهُيَامُ: شِدّةُ الْعَطَشِ، وَكَانَ قِيَاسُ هَذَا الْوَصْفِ أَلّا يُقَالَ فِيهِ مَهْيُومَةٌ، كَمَا لَا يُقَالُ مَعْطُوشَةٌ، إنّمَا يُقَالُ هَائِمٌ وَهَيْمَانُ، وَقَدْ يُقَالُ: هَيُومٌ وَيُجْمَعُ عَلَى هِيمٍ، وَوَزْنُهُ فُعْلٌ بِالضّمّ لَكِنْ كُسِرَ مِنْ أَجْلِ الْيَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ الْوَاقِعَةَ: 55 وَلَكِنْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَهْيُومَةٌ، كَأَنّهُ شَيْءٌ فُعِلَ بِهَا كَالْمَحْمُومَةِ وَالْمَجْنُونَةِ وَكَالْمَنْهُومِ، وَهُوَ الّذِي لَا يَشْبَعُ وَكَانَ قِيَاسُ الْيَاءِ أَنْ تَعْتَلّ، فَيُقَالَ: مَهِيمَةٌ، كَمَا يُقَالُ: مَبِيعَةٌ فِي مَعْنَى مَبْيُوعَةٍ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَكِنْ صَحّتْ الْيَاءُ، لِأَنّهَا فِي مَعْنَى الْهَيُومَةِ كَمَا صَحّتْ الْوَاوُ فِي عُورٍ لِأَنّهُ فِي مَعْنَى أَعْوَرَ، كَمَا صَحّتْ فِي اجْتَوَرُوا لِأَنّهُ فِي مَعْنَى: تَجَاوَرُوا، وَإِنّمَا رَآهُمْ مُنْتَفِخَةً بُطُونُهُمْ؛ لِأَنّ الْعُقُوبَةَ مُشَاكِلَةٌ لِلذّنْبِ، فَآكِلُ الرّبَا يَرْبُو بَطْنُهُ، كَمَا أَرَادَ أَنْ يَرْبُوَ مَالُهُ بِأَكْلِ مَا حُرّمَ عَلَيْهِ، فَمُحِقَتْ الْبَرَكَةُ مِنْ مَالِهِ، وَجُعِلَتْ نَفْخًا فِي بَطْنِهِ، حَتّى يَقُومَ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنْ الْمَسّ، وَإِنّمَا جُعِلُوا بِطَرِيقِ آلِ فِرْعَوْنَ يَمُرّونَ عَلَيْهِمْ غُدُوّا وَعَشِيّا لِأَنّ آلَ فِرْعَوْنَ هُمْ أَشَدّ النّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ غَافِرَ: 46. فَخُصّوا بِسَبِيلِهِمْ، لِيُعْلَمَ أَنّ الّذِينَ هُمْ أَشَدّ النّاسِ عَذَابًا يَطَئُونَهُمْ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفّارِ، وَهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْقِيَامَ، وَمَعْنَى كَوْنِهِمْ فِي طَرِيقِ جَهَنّمَ بِحَيْثُ يَمُرّ بِالْكُفّارِ عَلَيْهِمْ، أَنّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَوْقَفَ أَمْرَهُمْ بَيْنَ أَنْ يَنْتَهُوا، فَيَكُونَ خَيْرًا لَهُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَعُودُوا وَيُصِرّوا، فَيُدْخِلَهُمْ النّارَ، وَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ هُوَ فِي طَرِيقِ النّارِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ الْبَقَرَةَ: 275. إلَى آخِرِ الْآيَةِ وَفِي بَعْضِ الْمُسْنَدَاتِ أَنّهُ رَأَى بُطُونَهُمْ كَالْبُيُوتِ، يَعْنِي: أَكَلَةَ الرّبَا، وَفِيهَا حَيّاتٌ تُرَى خَارِجَ الْبُطُونِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْأَحْوَالُ الّتِي وَصَفَهَا عَنْ أَكَلَةِ الرّبَا إنْ كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ حالهم فى الاخرة، فال فِرْعَوْنُ فِي الْآخِرَةِ قَدْ أُدْخِلُوا أَشَدّ الْعَذَابِ، وَإِنّمَا يُعْرَضُونَ عَلَى النّارِ غُدُوّا وَعَشِيّا فِي الْبَرْزَخِ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْحَالُ الّتِي رَآهُمْ عَلَيْهَا فِي الْبَرْزَخِ، فَأَيّ بُطُونٍ لَهُمْ، وَقَدْ صَارُوا عِظَامًا وَرُفَاتًا، وَمُزّقُوا كُلّ مُمَزّقٍ فَالْجَوَابُ أَنّهُ إنّمَا رَآهُمْ فِي الْبَرْزَخِ، لِأَنّهُ حَدِيثٌ عَمّا رَأَى، وَهَذِهِ الْحَالُ هِيَ حَالُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَرْوَاحِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَفِيهَا تَصْحِيحٌ لِمَنْ قَالَ: الْأَرْوَاحُ أَجْسَادٌ لَطِيفَةٌ قَابِلَةٌ لِلنّعِيمِ وَالْعَذَابِ، فَيَخْلُقُ اللهُ فِي تِلْكَ الْأَرْوَاحِ مِنْ الْآلَامِ مَا يجده من انتفخ بطنه حتى وطىء بِالْأَقْدَامِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ مِنْ قِيَامٍ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُمْ أَشَدّ عَذَابًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَلَكِنْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُمْ يَطَؤُهُمْ آلُ فِرْعَوْنَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْكُفّارِ الّذِينَ لَمْ يَأْكُلُوا الرّبَا مَا دَامُوا فِي الْبَرْزَخِ إلَى أَنْ يَقُومُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنْ الْمَسّ، ثُمّ يُنَادِي مُنَادِي اللهِ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ غَافِرَ: 46 وَكَذَلِكَ مَا رَأَى مِنْ النّسَاءِ الْمُعَلّقَاتِ بِثُدِيّهِنّ «1» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأَى أَرْوَاحَهُنّ، وَقَدْ خُلِقَ فِيهَا مِنْ الْآلَامِ مَا يَجِدُهُ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُثّلَتْ لَهُ حَالُهُنّ فِي الْآخِرَةِ، وَذَكَرَ الّذِينَ يَدْعُونَ مَا أَحَلّ اللهُ مِنْ نِسَائِهِمْ، وَيَأْتُونَ مَا حُرّمَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا نَصّ عَلَى تَحْرِيمِ إتْيَانِ النّسَاءِ فِي أَعْجَازِهِنّ، وَقَدْ قَامَ الدّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسّنّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَوَاضِعَ الّتِي يَقُومُ مِنْهَا التّحْرِيمُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَمِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرْنَا مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ: هُوَ الْكُفْرُ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: هى الّلوطيّة الصغرى، وأما الْإِجْمَاعُ، فَإِنّ الْمَرْأَةَ تُرَدّ بِدَاءِ الْفَرْجِ، وَلَوْ جَازَ وَطْؤُهَا فِي الْمَسْلَكِ الْآخَرِ مَا أَجْمَعُوا عَلَى رَدّهَا بِدَاءِ الْفَرْجِ، وَقَدْ مَهّدْنَا الْأَدِلّةَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُفْرَدَةً فِي غَيْرِ هَذَا الإملاء بما فيه شفاء والحمد لله

_ (1) لم يخرجه أحد من أصحاب الصحيح، وفى بعض رواياته غرابة ونكارة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْوَلَدُ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ: وَقَوْلُهُ: فَأَكَلَ حَرَائِبَهُمْ: الْحَرِيبَةُ: الْمَالُ، وَهُوَ مِنْ الْحَرْبِ، وَهُوَ السّلَبُ، يُرِيدُ أَنّ الْوَلَدَ إذَا كَانَ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ نُسِبَ إلَى الّذِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَيَأْكُلُ مِنْ مَالِهِ صَغِيرًا، وَيَنْظُرُ إلَى بَنَاتِهِ مِنْ غَيْرِ أُمّهِ وَإِلَى أَخَوَاتِهِ، وَلَسْنَ بِعَمّاتِ لَهُ، وَإِلَى أُمّهِ وَلَيْسَتْ بِجَدّةِ لَهُ، وَهَذَا فَسَادٌ كَبِيرٌ، وَإِنّمَا قُدّمَ ذِكْرُ الْأَكْلِ مِنْ حَرِيبَتِهِ وَمَالِهِ قَبْلَ الِاطّلَاعِ عَلَى عَوْرَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ الِاطّلَاعُ عَلَى الْعَوْرَاتِ أَشْنَعَ، لِأَنّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ أَوّلُ مِنْ حَالِ صِغَرِهِ، ثُمّ قَدْ يَبْلُغُ حَدّ الاطلاع على عوراته، أولا يَبْلُغُ، وَأَيْضًا فَإِنّ الْأُمّ أَرْضَعَتْهُ بِلِبَانِهَا، وَلَمْ تَدْفَعْهُ إلَى مُرْضِعَةٍ كَانَ الزّوْجُ أَبًا لَهُ مِنْ الرّضَاعَةِ، وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الِابْنِ مِنْ الرّضَاعَةِ، وَفِي ذَلِكَ نُقْصَانٌ مِنْ الشّنَاعَةِ، فَإِنْ بَلَغَ الصّبِيّ، وَتَابَتْ الْأُمّ، وَأَعْلَمَتْهُ أَنّهُ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ لِيَسْتَعِفّ عَنْ مِيرَاثِهِمْ، وَيَكُفّ عَنْ الِاطّلَاعِ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ، أَوْ عَلِمَ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ حَالٍ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ شَرّ الثّلَاثَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي ابْنِ الزّنَا، وَقَدْ تُؤُوّلَ حَدِيثُ شَرّ الثّلَاثَةِ عَلَى وُجُوهٍ، هَذَا أَقْرَبُهَا إلَى الصّوَابِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَكَلَ حَرَائِبَهُمْ، وَاطّلَعَ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا عَنْ عَمْدٍ وَقَصْدٍ فَهُوَ شَرّ النّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَأَكْلُهُ وَاطّلَاعُهُ شَرّ عَمَلٍ، وَأَبَوَاهُ حِينَ زَنَيَا فَارَقَا ذَلِكَ الْعَمَلَ الْخَبِيثَ لِحِينِهِمَا وَالِابْنُ فِي عَمَلٍ خَبِيثٍ مِنْ مَنْشَئِهِ إلَى وَفَاتِهِ،، فَعَمَلُهُ شَرّ عَمَلٍ. حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُحِلّ الْحَرَامَ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفِقْهِ أَيْضًا أَنّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلّ حَرَامًا، وَذَلِكَ أَنّ الْوَلَدَ فِي حُكْمِ الشّرِيعَةِ لِلْفِرَاشِ إلّا أَنْ يُنْفَى بِاللّعَانِ، فَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَذَا، وَعَلِمَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْوَلَدُ عِنْدَ بُلُوغِهِ خِلَافَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ لَمْ يَحِلّ لَهُ بِهَذَا الْحُكْمِ مَا حَرّمَ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ أَكْلِ الْحَرَائِبِ وَالِاطّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ، وَفِي هَذَا رَدّ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ قَوْلِهِ: إنّ حُكْمَ الْحَاكِمِ قَدْ يُحِلّ مَا يَعْلَمُ أَنّهُ حَرَامٌ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنّهُ طَلّقَ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنّهُ لَمْ يُطَلّقْ فَيَقْبَلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمَا فَيُطَلّقَ الْمَرْأَةَ عَلَى الرّجُلِ، فَإِذَا بَانَتْ مِنْهُ كَانَ لِأَحَدِ الشّاهِدَيْنِ أَنْ يَنْكِحَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنّهُ قَدْ شَهِدَ زُورًا، لَمْ يَقُلْ أَبُو حَنِيفَةَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي الْأَمْوَالِ لِقَوْلِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ «إنّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيّ، وَلَعَلّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجّتِهِ مِنْ صَاحِبِهِ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءِ مِنْ حَقّ أَخِيهِ، فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النّارِ «1» » فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ الّذِي تَقَدّمَ رَدّ لِمَذْهَبِهِ، وَلَا حُجّةَ لَهُ فِي أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْأَمْوَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أحدهما: أن أَنّ الْقِيَاسَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَقِيَاسُ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ، الثّانِي: أَنّهُ قَالَ مِنْ حَقّ أَخِيهِ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ مَالِ أَخِيهِ، وَهَذَا لَفْظٌ يَعُمّ الْحُقُوقَ كُلّهَا قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَعِنْدِي أَنّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ: إنّمَا بَنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَصْلِهِ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ، فَإِنّهُ

_ (1) رواه الجماعة. ومعنى ألحن: أبلغ كما وقع فى الصحيحين أى: أحسن إيرادا للكلام، ولابد من تقدير محذوف لتصحيح معناه. وهو أى وهو كاذب، ويسمى هذا عند علماء الأصول: دلالة اقتضاء، لأن اللفظ الظاهر المذكور يقتضى هذا المحذوف، وقد يكون معناه: أعرف بالحجة، وأقطن لها من غيره ويقال: لحنت لفلان إذا قلت له قولا يفهمه، ويخفى على غيره لأنك تميله بالتورية عن الواضح المفهوم، فاللحن: الميل عن جهة الاستقامة، يقال: لحن فلان فى كلامه: إذا مال عن صحيح المنطق. وفى رواية «ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضى بنحو مما أسمع»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عِنْدَهُ لَازِمٌ فَإِذَا أُكْرِهَ الرّجُلُ عَلَى الطّلَاقِ، وَقُلْنَا يَلْزَمُ الطّلَاقُ لَهُ، فَقَدْ حُرّمَتْ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ، وَإِذَا حُرّمَتْ عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يَنْكِحَهَا مَنْ شَاءَ فَالْإِثْمُ إنّمَا تَعَلّقَ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ بِالشّهَادَةِ دُونَ النّكَاحِ، وَقَدْ خَالَفَهُ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ، وَقَوْلُهُمْ يُعَضّدُهُ الْأَثَرُ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَضّدُهُ النّظَرُ، وَالْخَوْضُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَصُدّنَا عَمّا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ. مَكَانُ إدْرِيسَ فَصْلٌ: وَذِكْرُهُ لِإِدْرِيسَ فِي السّمَاءِ الرّابِعَةِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) مَرْيَمَ، مَعَ أَنّهُ قَدْ رَأَى مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ فِي مَكَانٍ أَعْلَى مِنْ مَكَانِ إدْرِيسَ فَذَلِكَ وَاَللهُ أَعْلَمُ لِمَا ذُكِرَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنّ إدْرِيسَ خُصّ مِنْ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ رُفِعَ قَبْلَ وَفَاتِهِ إلَى السّمَاءِ الرّابِعَةِ، وَرَفَعَهُ مَلَكٌ كَانَ صَدِيقًا لَهُ، وَهُوَ الْمَلَكُ الْمُوَكّلُ بِالشّمْسِ فِيمَا ذُكِرَ، وَكَانَ إدْرِيسُ سَأَلَهُ أَنْ يُرِيَهُ الْجَنّةَ، فَأَذِنَ لَهُ اللهُ فِي ذَلِكَ، فَلَمّا كَانَ فِي السّمَاءِ الرّابِعَةِ رَآهُ هُنَالِكَ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَعَجِبَ، وَقَالَ أُمِرْت أَنْ أَقْبِضَ رُوحَ أَدَرِيسَ السّاعَةَ فِي السّمَاءِ الرّابِعَةِ، فَقَبَضَهُ هُنَالِكَ، فَرَفْعُهُ حَيّا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الْعَلِيّ خَاصّ له دون الأنبياء «1» .

_ (1) يقول ابن كثير عن هذا: «وقد روى ابن جرير ههنا أثرا غريبا عجيبا» ثم ذكر الأثر بطوله، بخرقه المشئوم، وكذبه الملعون، ثم قال بعده: «هذا من أخبار كعب الأحبار الإسرائيليات، وفى بعضه نكارة والله أعلم» تفسير الاية من سورة مريم. أما المكان العلى فقد ذكر الحسن وغيره أنه الجنة. ولنحذر من موبقات كعب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَوْلُ الْأَنْبِيَاءِ فِي كُلّ سَمَاءٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مِنْ قَوْلِ الْأَنْبِيَاءِ لَهُ فِي كُلّ سَمَاءٍ: مرحبا بالأخ الصالح، وقول آدم وابراهيم: بِالِابْنِ الصّالِحِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوّلِ هَذَا الْكِتَابِ حُجّةً لِمَنْ قَالَ: إنّ إدْرِيسَ لَيْسَ بِجَدّ لِنُوحِ، وَلَا هُوَ مِنْ آبَاءِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَنّهُ قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصّالِحِ، وَلَمْ يَقُلْ: بِالِابْنِ الصّالِحِ خَرَافَةُ طَلَبِ مُوسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أُمّةِ أَحْمَدَ: وَأَمّا اعْتِنَاءُ مُوسَى- عَلَيْهِ السّلَامُ- بِهَذِهِ الْأُمّةِ وَإِلْحَاحُهُ عَلَى نَبِيّهَا أَنْ يَشْفَعَ لَهَا، وَيَسْأَلَ التّخْفِيفَ عَنْهَا، فَلِقَوْلِهِ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- حِينَ قُضِيَ إلَيْهِ الْأَمْرُ بِجَانِبِ الْغَرْبِيّ، وَرَأَى صِفَاتِ أُمّةِ مُحَمّدٍ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي الْأَلْوَاحِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: إنّي أَجِدُ فِي الْأَلْوَاحِ أُمّةً صِفَتُهُمْ كَذَا، اللهُمّ اجْعَلْهُمْ أُمّتِي، فَيُقَالُ لَهُ: تِلْكَ أُمّةُ أَحْمَدَ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ «1» ، فَكَانَ إشْفَاقُهُ عَلَيْهِمْ وَاعْتِنَاؤُهُ بِأَمْرِهِمْ كَمَا يُعْتِنِي بِالْقَوْمِ مَنْ هو منهم، لقوله: اللهم اجعلنى منهم، والله أعلم.

_ (1) هو مشهور، ولكن شهرة الباطل الماكر، والضلالة اللئيمة، وقد أخرجه أبو نعيم فى الدلائل، ولم يخرجه أحد من أصحاب الصحيح. وكيف يطلب موسى من الله أن تكون هذه الأمة التى ستأتى بعده بقرون أمة له؟ وكيف نصدق أو كيف يستقيم القول بأنه أعطى خصلتى الرسالة والتكليم بعد هذه المناقشة، على حين كان هو رسولا مكلما قبل أن تنزل الألواح عليه. فقد ورد فى ختام الحديث. أن موسى قال: «يا رب فاجعلنى من أمة أحمد، فأعطى عند ذلك خصلتين، فقال: (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي، فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) إنها خرافة ظاهرها ينزع إلى تمجيد النبي «ص» وباطنها- بهته بالكذب والخرف الأحمق»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَعْضُ مَا رَأَى: وَمِمّا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مِمّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي مسند الحارث ابن أَبِي أُسَامَةَ أَنّهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- نَادَاهُ مُنَادٍ، وَهُوَ عَلَى ظَهْرِ الْبُرَاقِ: يَا مُحَمّدُ، فَلَمْ يَعْرُجْ عَلَيْهِ، ثُمّ نَادَاهُ آخَرُ: يَا مُحَمّدُ يَا مُحَمّدُ ثَلَاثًا، فَلَمْ يَعْرُجْ عَلَيْهِ، ثُمّ لقيته لمرأة عَلَيْهَا مِنْ كُلّ زِينَةٍ نَاشِرَةٌ يَدَيْهَا، تَقُولُ: يَا مُحَمّدُ يَا مُحَمّدُ، حَتّى تَغَشّتْهُ، فَلَمْ يَعْرُجْ عَلَيْهَا، ثُمّ سَأَلَ جِبْرِيلَ عَمّا رَأَى، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: أَمَا الْمُنَادِي الْأَوّلُ، فَدَاعِي الْيَهُودِ لَوْ أَجَبْته لَتَهَوّدَتْ أُمّتُك، وَأَمّا الْآخَرُ فَدَاعِي النّصَارَى، وَلَوْ أَجَبْته لَتَنَصّرَتْ أُمّتُك، وَأَمّا الْمَرْأَةُ الّتِي كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كُلّ زِينَةٍ، فَإِنّهَا الدّنْيَا لَوْ أَجَبْتهَا لَآثَرْت الدّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ «1» .

_ (1) وردت فى حديث رواه البيهقى فى الدلائل بسنده إلى أبى سعيد الخدرى وابن جرير. ورواه ابن أبى حاتم بسياق طويل كما يقول ابن كثير- حسن أنيق أجود مما ساقه غيره على غرابته وما فيه من النكارة.

تم بحمد الله الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع ان شاء الله وأوله: كفاية الله أمر المستهزئين

فهرس الجزء الثالث من الروض الأنف

فهرس الجزء الثالث من الروض الأنف الرقم الموضوع 6 ابتداء فرض الصلاة «س» 7 أول من أسلم «س» 9 إسلام زيد بن حارثة «س» 10 إسلام أبى بكر 11 فرض الصلاة 12 لا نسخ فى القرآن «س» 13 الوضوء 14 جبريل يؤم الرسول «س» 15 أول من آمن 16 إسلام زيد 19 إسلام أبى بكر 22 من أسلموا على يد أبى بكر «س» 27 إسلام أبى عبيدة وسعيد بن زيد 29 إسلام سعد. وابن عوف والنحام 31 ابن مسعود ومسعود القارى 33 تصحيح نسب أبى حذيفة 34 عميس 35 تصحيح فى نسب بنى عدى 37 إسلام عامر بن فهيرة 38 عامر بن الطفيل «ش» الرقم الموضوع 39 تفسير ونحو: اصدع بما تؤمر «ن، ل» 39 حول ما المصدرية والذى ن، ل» 42 مبادأة رسول الله «ص» «س» 43 صلاة الرسول وصحبه فى الشعاب «س» 43 عداوة الشرك للرسول «ص» 46 مناصرة أبى طالب للرسول «ص» 49 مباداة رسول الله 50 أبو البخترى 52 لو وضعوا الشمس فى يمينى 54 عرض قريش على أبى طالب 56 شرح شعر لأبى طالب 61 موقف الوليد بن المغيرة من القرآن «س» 63 أبو طالب يفخر بأبن أخيه «س» 63 لامية أبى طالب «س» 69 شرح ابن هشام لبعض القصيدة «س» 70 ذكره صلى الله عليه وسلم بنتشر «س» س- سيرة. ش- شرح. وما ليس أمامه شىء أو أمامه راء فهو من الروض و «ن ل» مسائل نحوية ولغة

الرقم الموضوع 71 أبو قيس بن الأسلت ونسبه «س» 72 قصيدة ابن الأسلت «س» 74 داحس والغبراء «س» 76 حرب حاطب «س» 77 حكيم بن أمية ينهى عن عداوة الرسول «س» 77 موقف الوليد من القرآن «س» 80 ذرنى ومن خلقت وحيدا 82 شرح لامية أبى طالب 82 قلب الواو تاء «ن. ل» 84 وسوم الإبل 84 حول الصفة المشبهة «ن. ل» 87 حديث أم زرع «ش» 88 الودع والودع. 89 من شرح لامية أبى طالب 94 حسن ذا أدبا «ن. ل» 95 عود إلى شرح اللامية «ن. ل» 102 برىء وبراء وما يشبههما 103 الاستسقاء 107 ابن الأسلت وقصيدته 112 حرب داحس 116 حرب حاطب 116 مالقيه الرسول «س» 118 إسلام حمزة «س» 120 الرسول «ص» وعتبة «س» 122 بين النبى «ص» وبين قريش «س» الرقم الموضوع 131 حول سورة الكهف «س» 143 أول من جهر بالقرآن «س» 144 ما لقى رسول الله «ص» «س» 145 المدثر والنذير والعريان 147 تقديم المفعول على الفعل 148 الرئى وعتبة بن ربيعة 150 إسلام حمزة 152 طلبهم الايات 154 عبد الله بن أبى أمية 154 هم أبى جهل بالقاء الحجر 156 أرأيت «ن. ل» 157 الأساطير وشىء عن الفرس 161 عن الكهف والفرقان 162 لم قدم الحمد على الكتاب؟ 163 شرح شواهد شعرية 164 الرقيم وأهل الكهف 164 إعراب أحصى «ن. ل» 165 عن الكهف مرة أخرى 169 واو الثمانية «ن. ل» 171 آية الاستشقاء 172 ولبثوا فى كهفهم 174 السنة والعام «ن. ل» 177 ذو القرنين 181 حكم التسمى بأسماء النبيين 183 الروح والنفس 188 الروح سبب الحياة

191 الإنسان روح وجسد 191 النفس 192 ابن هرمة 194 خزنة جهنم 195 بهته «ص» بأن بشرا يعلمه 196 المستمعون لتلاوة النبى «س» 199 العدوان على المستضعفين «س» 199 تعذيب بلال وعتقه «س» 200 من عتقاء أبى بكر «س» 201 بين أبى بكر وأبيه «س» 201 تعذيب عمار «س» 202 فتنة المعذبين «س» 202 رفض تسليم الوليد بن الوليد «س» 203 الهجرة الأولى إلى الحبشة «س» 205 المهاجرون إلى الحبشة «س» 213 من شعر الهجرة الحبشية «س» 215 حول آيات من القرآن «س» 218 حكم المكره على الكفر والمعصية 220 آل ياسر 221 زنيرة وغيرها 221 أم عميس 222 عن بلال 222 عن الهجرة إلى الحبشة 222 النجاشى وعثمان ورقية 225 رؤيا ورقية ولدى العاص 226 أمة بنت خالد وأبوها الرقم الموضوع 227 عبد شمس 228 عمار لم يهاجر إلى الحبشة 229 حول بنى الحارث بن قيس 229 حول بنى زهرة وطليب بن عبيد 230 عن شعر الهجرة الحبشية ونحوياته «ن. ل» 232 حول أن المصدرية «ن. ل» 237 حول لام التعجب 238 من معانى شعر ابن مظعون 239 أنساب 241 أم سلمة 243 قريش تطلب المهاجرين «س» 243 النور الذى كان على قبر النجاشى «س» 246 حوار بين النجاشى وبين المهاجرين «س» 248 المهاجرون وانتصار النجاشى «س» 249 تملك النجاشى على الحبشة «س» 252 قريش تطلب المهاجرين 253 عمارة بن الوليد بن المغيرة 255 حول حديث المهاجرين مع النجاشى 257 إضافة العين إلى الله 258 معنى ان عيسى كلمة الله وروحه 258 من هدى السلف فى الصفات «ش» 259 كلمة «حضرة» ونسبتها إلى الله «ش»

الرقم الموضوع 260 أصحمة النجاشى 261 من فقه حديث الهجرة الحبشية 261 الصلاة على النجاشى 262 حكم الصلاة على الغائب 264 إسلام عمر «س» 271 عن إسلام عمر وحديث خباب «س» 282 خبر الصحيفة القرشية «س» 282 موقف أبى لهب «س» 283 بائية أبى طالب «س» 284 من جهالة أبى جهل «س» 285 مالقى رسول الله من قومه «س» 285 أبو لهب وامرأته «س» 287 أمية بن خلف «س» 288 العاص بن وائل «س» 288 أبو جهل «س» 289 النضر بن الحارث «س» 290 ابن الزهرى والأخنس «س» 292 ما نزل فى حق الوليد بن المغيرة وأبى بن خلف وعقبة بن أبى معيط «س» 294 ما نزل فى حق من اعترضوا طواف الرسول «س» 294 ما قيل فى حق أبى جهل «س» 295 قصة ابن أم مكتوم «س» 296 حديث صحيفة قريش «س» الرقم الموضوع 297 كمال المصحف وتمامه «ش» 298 بعض ما قيل عن الصحيفة «ش» 299 تفسير بائية أبى طالب 300 لا التى للنبرئة «ن. ل» 301 عود إلى شرح البائية 304 مسد أم جميل 308 عن الجيد والعنق «ن. ل» 309 غلو فى الوصف بالحسن 312 الفهر 313 حول خباب وقولهم مذمم 313 سد الذرائع 314 إنما الأعمال بالنيات «ش» 315 شرح ابن تيمية لسد الذرائع «ش» 316 عن النضر ورستم 317 ابن الزبعرى وعزير «1» 319 حصب جهنم 320 عما نزل فى حق الأخنس 320 عن النسب على غير قياس «ش» 321 الزنيم «ر، ش» 322 تفسير سورة «الكافرون» 324 عن كلمة «ما» «ن. ل» 327 الزقوم 328 حديث ابن أم مكتوم 330 العائدون من الحبشة «س» 333 قصة ابن مظعون مع الوليد «س»

_ (1) ذكرت خطأ فى العنوان (عزيز)

الرقم الموضوع 334 أبو سلمة فى جوار أبى طالب «س» 336 أبو بكر يرد جوار ابن الدغنة «س» 338 نقض الصحيفة «س» 344 قصة الغرانيق «ش ر» 349 كل شىء ما خلا الله باطل 352 أبو بكر وابن الدغنة 353 عن الشعب ونقض الصحيفة 356 شرح دالية أبى طالب 356 النسب على غير قياس «ش» 357 عود إلى الدالية «ر» 362 شعر حسان فى مطعم وهشام 364 إسلام الطفيل «س» 368 قصة الأعشى 370 ذلة أبى جهل والإراشى «س» 372 ركانة ومصارعته «س» 373 قدوم وفد النصارى من الحبشة «س» 376 حول حديث الطفيل الدوسى «ر» 377 خبء وخب «ش» 378 دالية الأعشى وحمزة والشرف «ر» 380 عود إلى دالية الأعشى 384 أغار وأنجد «ن. ل» 386 حول الوقف على النون الخفيفة «ن. ل» 388 مصارعة ركانة 390 وفد نصارى الحبشة الرقم الموضوع 391 عن غلام المبيعة وصهيب وأبى فكيهة 393 سبب نزول الكوثر «س» 393 الكوثر فى الشعر «س» 394 وقالوا لولا نزل عليه ملك «س» 395 ولقد استهزىء برسل من قبلك «س» 395 الإسراء والمعراج «س» 401 حديث أم هانئ عن الإسراء «س» 402 الأبتر والكوثر «ر» 409 استشهاد ابن هشام على معنى الكوثر «ر» 410 ذكر حديث المستهزئين «ر» 412 شَرْحُ مَا فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مِنْ الْمُشْكِلِ «ر» 415 أكان الإسراء يقظة أم مناما «ر» 417 أكان الإسراء مرتين «ر» 420 حول الإسراء والمعراج «ش» 422 رأى الشوكانى «ش» 423 رأى ابن القيم «ش» 425 موازنات بين الروايات «ش» 430 شماس البراق «ر» 422 قول الملائكة: من معك؟ 433 باب الحفظة «ر» 434 آدَم فِي سَمَاءِ الدّنْيَا وَالْأَسْوِدَةُ الّتِي رَآهَا «ر» 436 من حكم الماء (ر)

الرقم الموضوع 436 عن دخول بيت المقدس وصفة الأنبياء «ر» 438 صفة النبى صلى الله عليه وسلم 440 قصة المعراج «س» 445 رؤية النبى ربه «ر» 450 لقاؤه للنبيين «ر» 453 البيت المعمور «ر» 454 فرض الصلاة «ر» 456 فرض الصلوات الخمس «ر» الرقم الموضوع 459 أوصاف من الملائكة «ر» 460 أكلة الربا فى رؤيا المعراج «ر» 463 الولد لغير رشدة «ر» 463 حكم الحاكم لا يحل الحرام «ر» 465 مكان إدريس «ر» 466 قول الأنبياء فى كل سماء «ر» 466 خَرَافَةُ طَلَبِ مُوسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أُمّةِ أحمد «ر» 467 بعض ما رأى

بعون الله وجميل توفيقه قد تم طبع الجزء الثالث من كتاب الروض الأنف

الجزء الرابع

الجزء الرابع مقدّمة بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأئمة المهتدين. «وبعد» فهذا هو الجزء الرابع من السيرة وشرحها «الروض الأنف» للامام السهيلى والله وحده أسأل أن يعين على تمامه. عبد الرحمن الوكيل

كفاية الله أمر المستهزئين

[كِفَايَةُ اللهِ أَمْرَ الْمُسْتَهْزِئِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عَلَى أَمْرِ اللهِ تَعَالَى صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُؤَدّيًا إلَى قَوْمِهِ النّصِيحَةَ عَلَى مَا يَلْقَى مِنْهُمْ مِنْ التّكْذِيبِ وَالْأَذَى وَالِاسْتِهْزَاءِ. وَكَانَ عُظَمَاءُ الْمُسْتَهْزِئِينَ- كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ خَمْسَةَ نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَكَانُوا ذوى أسنان وشرف فى قومهم. مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ: الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ أَبُو زَمَعَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- قَدْ دَعَا عَلَيْهِ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُ مِنْ أَذَاهُ وَاسْتِهْزَائِهِ بِهِ، فَقَالَ: اللهُمّ أَعْمِ بَصَرَهُ وَأَثْكِلْهُ وَلَدَهُ. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابن زُهْرَةَ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ: الْوَلِيدُ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ابن مخزوم. ومن بني سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ: الْعَاصُ بْنُ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ. قال ابن هشام: الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ سُعَيْد بن سهم. وَمِنْ بَنِي خُزَاعَةَ: الْحَارِثُ بْنُ الطّلَاطِلَةِ بْنِ عمرو بن الحارث بن عبد عمرو ابن لُؤَيّ بْنِ مَلَكَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الوليد وأبو أزيهر

فَلَمّا تَمَادَوْا فِي الشّرّ، وَأَكْثَرُوا بِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الِاسْتِهْزَاءَ، أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ الحجر: 93- 95. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فحدَّثنى يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، فَقَامَ، وَقَامَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إلَى جَنْبِهِ فَمَرّ بَهْ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ، فَرَمَى فِي وَجْهِهِ بِوَرَقَةِ خَضْرَاءَ، فَعَمِيَ، وَمَرّ بَهْ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، فَأَشَارَ إلَى بطنه، فاستسقى فَمَاتَ مِنْهُ حَبَنًا. وَمَرّ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَأَشَارَ إلَى أَثَرِ جُرْحٍ بِأَسْفَلِ كَعْبِ رِجْلِهِ، كَانَ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِك بِسِنِينَ، وَهُوَ يَجُرّ سَبَلَهُ، وَذَلِكَ أَنّهُ مَرّ بِرَجُلِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ، فَتَعَلّقَ سَهْمٌ مِنْ نَبْلِهِ بِإِزَارِهِ، فَخَدَشَ فِي رِجْلِهِ ذَلِك الْخَدْشَ، وَلَيْسَ بِشَيْءِ، فَانْتَقَضَ بِهِ، فَقَتَلَهُ. وَمَرّ بَهْ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، فَأَشَارَ إلَى أَخْمَصِ رِجْلِهِ، وَخَرَجَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ يُرِيدُ الطّائِفَ، فَرَبَضَ بِهِ عَلَى شُبَارِقَةٍ، فَدَخَلَتْ فِي أَخْمَصِ رجله شوكة، فقتلته ومرّ به الحارث ابن الطّلَاطِلَةِ، فَأَشَارَ إلَى رَأْسِهِ، فَامْتَخَضَ قَيْحًا فَقَتَلَهُ. [الوليد وأبو أزيهر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا حَضَرَتْ الْوَلِيدَ الْوَفَاةُ دَعَا بَنِيهِ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً: هِشَامَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَقَالَ لَهُمْ: أَيْ بَنِيّ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أُوصِيكُمْ بِثَلَاثِ، فَلَا تُضَيّعُوا فِيهِنّ: دَمِي فِي خُزَاعَةَ، فَلَا تَطُلّنّهُ، وَاَللهِ إنّي لَأَعْلَمُ أَنّهُمْ منه برآء، ولكنى أَخْشَى أَنْ تُسَبّوا بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ، وَرِبَايَ فِي ثَقِيفٍ، فَلَا تَدَعُوهُ حَتّى تَأْخُذُوهُ، وَعُقْرِي عِنْدَ أَبِي أُزَيْهِرٍ، فَلَا يَفُوتَنّكُمْ بِهِ. وَكَانَ أَبُو أُزَيْهِرٍ قَدْ زَوّجَهُ بِنْتًا، ثُمّ أَمْسَكَهَا عنه فلم يدخلها عليه حتى مات. فَلَمّا هَلَكَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَثَبَتْ بَنُو مَخْزُومٍ عَلَى خُزَاعَةَ يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ عَقْلَ الْوَلِيدِ، وَقَالُوا: إنّمَا قَتَلَهُ سَهْمُ صَاحِبِكُمْ- وَكَانَ لِبَنِي كَعْبٍ حِلْفٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ- فَأَبَتْ عَلَيْهِمْ خُزَاعَةُ ذَلِكَ، حَتّى تَقَاوَلُوا أَشْعَارًا، وَغَلُظَ بَيْنَهُمْ الْأَمْرُ- وَكَانَ الّذِي أَصَابَ الْوَلِيدَ سَهْمُهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ خُزَاعَةَ- فَقَالَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن عمر ابن مَخْزُومٍ: إنّي زَعِيمٌ أَنْ تَسِيرُوا، فَتَهْرُبُوا ... وَأَنْ تَتْرُكُوا الظَّهران تَعْوِي ثَعَالِبُهُ وَأَنْ تَتْرُكُوا مَاءً بِجِزْعَةِ أَطْرِقَا ... وَأَنْ تَسْأَلُوا: أَيّ الْأَرَاكِ أَطَايِبُهُ؟ فَإِنّا أَنَاسٌ لَا تُطَلّ دِمَاؤُنَا ... وَلَا يَتَعَالَى صَاعِدًا مَنْ نُحَارِبُهُ وَكَانَتْ الظّهْرَانُ وَالْأَرَاكُ مَنَازِلَ بنى كعب، من خزاعة. فأجابه الجون ابن أَبِي الْجَوْنِ، أَخُو بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرِو الخزاعىّ، فقال: والله لا نؤتى الوليد ظلامة ... ولمّا قروا يَوْمًا تَزُولُ كَواكِبُهْ وَيُصْرَعُ مِنْكُمْ مُسْمِنٌ بَعْدَ مُسْمِنٍ ... وَتُفْتَحُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَسْرًا مَشَارِبُهْ إذَا مَا أَكَلْتُمْ خُبْزَكُمْ وَخَزِيرَكُمْ ... فَكُلّكُمْ بَاكِي الْوَلِيدِ ونادبه ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثُمّ إنّ النّاسَ تَرَادّوا وَعَرَفُوا أَنّمَا يَخْشَى الْقَوْمُ السّبّةَ، فَأَعْطَتْهُمْ خُزَاعَةُ بَعْضَ الْعَقْلِ، وَانْصَرَفُوا عَنْ بَعْضٍ. فَلَمّا اصْطَلَحَ الْقَوْمُ قَالَ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ: وَقَائِلَةٍ لَمّا اصْطَلَحْنَا تَعَجّبًا ... لِمَا قَدْ حَمَلْنَا لِلْوَلِيدِ وَقَائِلِ أَلَمْ تُقْسِمُوا تُؤْتُوا الْوَلِيدَ ظُلَامَةً ... وَلَمّا تَرَوْا يَوْمًا كَثِيرَ الْبَلَابِلِ فَنَحْنُ خَلَطْنَا الْحَرْبَ بِالسّلْمِ فَاسْتَوَتْ ... فَأَمّ هَوَاهُ آمِنًا كُلّ رَاحِلِ ثُمّ لَمْ يَنْتَهِ الْجَوْنُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ حَتّى افْتَخَرَ بِقَتْلِ الْوَلِيدِ، وَذَكَرَ أَنّهُمْ أَصَابُوهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا. فلحق بالوليد وبولده وَقَوْمِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا حَذّرَهُ، فَقَالَ الْجَوْنُ بن أبى الجون: أَلَا زَعَمَ الْمُغِيرَةُ أَنّ كَعْبًا ... بِمَكّةَ مِنْهُمْ قَدْرٌ كَثِيرُ فَلَا تَفْخَرْ مُغِيرَةُ أَنْ تَرَاهَا ... بِهَا يَمْشِي الْمُعَلْهَجُ وَالْمَهِيرُ بِهَا آبَاؤُنَا، وَبِهَا وُلِدْنَا ... كَمَا أَرْسَى بِمَثْبَتِهِ ثَبِيرُ وَمَا قَالَ المغيرة ذلك إلّا ... لِيَعْلَمَ شَأْنَنَا أَوْ يَسْتَثِيرُ فَإِنّ دَمَ الْوَلِيدِ يُطَلّ إنّا ... نَطُلّ دِمَاءً أَنْتَ بِهَا خبير كساه الفاتك المميمون سمهما ... زعافا وهو ممتلىء بَهِيرُ فَخَرّ بِبَطْنِ مَكّةَ مُسْلَحِبّا ... كَأَنّهُ عِنْدَ وَجْبَتِهِ بَعِيرُ سَيَكْفِينِي مِطَالَ أَبِي هِشَامٍ ... صِغَارٌ جَعْدَةُ الْأَوْبَارِ خُورُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا منها بيتا واحدا أقذع فيه ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثورة لمقتل أبى أزيهر

[ثورة لمقتل أبى أزيهر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ عَدَا هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى أَبِي أُزَيْهِرٍ، وَهُوَ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ، وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ بنت أُزَيْهِرٍ، وَكَانَ أَبُو أُزَيْهِرٍ رَجُلًا شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ- فَقَتَلَهُ بِعُقْرِ الْوَلِيدِ الّذِي كَانَ عِنْدَهُ، لِوَصِيّةِ أَبِيهِ إيّاهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- إلى الْمَدِينَةِ وَمَضَى بَدْرٌ، وَأُصِيبَ بَهْ مَنْ أُصِيبَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ؛ فَخَرَجَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، فَجَمَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وأبو سفيان بذى المجاز، فقال الناس: أخفر أَبُو سُفْيَانَ فِي صِهْرِهِ، فَهُوَ ثَائِرٌ بِهِ، فَلَمّا سَمِعَ أَبُو سُفْيَانَ بِاَلّذِي صَنَعَ ابْنُهُ يَزِيدُ- وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ رَجُلًا حَلِيمًا مُنْكَرًا، يُحِبّ قَوْمَهُ حُبّا شَدِيدًا- انْحَطّ سَرِيعًا إلَى مَكّةَ، وَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ قُرَيْشٍ حَدَثٌ فِي أَبِي أُزَيْهِرٍ، فَأَتَى ابْنَهُ وَهُوَ فِي الْحَدِيدِ، فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَالْمُطَيّبِينَ، فَأَخَذَ الرّمْحَ مِنْ يَدِهِ، ثُمّ ضَرَبَ بِهِ عَلَى رَأْسِهِ ضَرْبَةً هَدّهُ مِنْهَا، ثُمّ قَالَ لَهُ؛ قَبّحَك اللهُ! أَتُرِيدُ أَنْ تَضْرِبَ قُرَيْشًا بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ فِي رَجُلٍ مِنْ دَوْسٍ. سَنُؤْتِيهِمْ الْعَقْلَ إنْ قَبِلُوهُ، وَأَطْفَأَ ذَلِك الْأَمْرَ. فَانْبَعَثَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرّضُ فِي دَمِ أَبِي أُزَيْهِرٍ، وَيُعَيّرُ أَبَا سُفْيَانَ خُفْرَتَهُ وَيُجْبِنُهُ، فقال: غَدَا أَهْلُ ضَوْجَيْ ذِي الْمَجَازِ كِلَيْهِمَا ... وَجَارَ ابن حرب بالغمّس مَا يَغْدُو وَلَمْ يَمْنَعْ الْعَيْرُ الضّرُوطُ ذِمَارَهُ ... وَمَا مَنَعَتْ مَخْزَاةَ وَالِدِهَا هِنْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

آية الربا من البقرة

كَسَاكَ هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ ثِيَابَهُ ... فَأَبْلِ وَأَخْلِفْ مِثْلَهَا جُدُدًا بَعْدُ قَضَى وَطَرًا مِنْهُ فَأَصْبَحَ مَاجِدًا ... وَأَصْبَحْتَ رَخْوًا مَا تُخِبّ وَمَا تَعْدُو فَلَوْ أَنّ أَشْيَاخًا بِبَدْرٍ تَشَاهَدُوا ... لَبَلّ نِعَالَ الْقَوْمِ مُعْتَبِطٌ وَرْدُ فَلَمّا بَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ قَوْلُ حَسّانَ قَالَ: يُرِيدُ حَسّانُ أَنْ يَضْرِبَ بَعْضَنَا بِبَعْضِ فِي رَجُلٍ مِنْ دَوْسٍ! بِئْسَ والله ما ظنّ! [آية الربا من البقرة] وَلَمّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطّائِفِ كَلّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بن الوليد فِي رِبَا الْوَلِيدِ، الّذِي كَانَ فِي ثَقِيفٍ، لِمَا كَانَ أَبُوهُ أَوْصَاهُ بِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ مِنْ تَحْرِيمِ مَا بَقِيَ مِنْ الرّبَا بِأَيْدِي النّاسِ نَزَلْنَ فِي ذَلِكَ مِنْ طلب خالد الرّبا: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) البقرة: 278 إلى آخر القصة فيها. [الهمّ بأخذ ثأر أبى أزيهر] وَلَمْ يَكُنْ فِي أَبِي أُزَيْهِرٍ ثَأْرٌ نَعْلَمُهُ، حَتّى حَجَزَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ النّاسِ، إلّا أَنّ ضِرَارَ بْنَ الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ الْفِهْرِيّ خَرَجَ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى أَرْضِ دَوْسٍ، فَنَزَلُوا عَلَى امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا أُمّ غَيْلَانَ، مَوْلَاةٌ لِدَوْسٍ، وَكَانَتْ تَمْشُطُ النّسَاءَ، وَتُجَهّزُ الْعَرَائِسَ، فَأَرَادَتْ دَوْسٌ قَتْلَهُمْ بِأَبِي أُزَيْهِرٍ، فَقَامَتْ دُونَهُمْ أُمّ غَيْلَانَ وَنِسْوَةٌ مَعَهَا، حَتّى مَنَعَتْهُمْ، فَقَالَ ضرار بن الخطاب فى ذلك: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عمل أم غيلان

جَزَى اللهُ عَنّا أُمّ غَيْلَانَ صَالِحًا ... وَنِسْوَتَهَا إذْ هُنّ شُعْثٌ عَوَاطِلُ فَهُنّ دَفَعْنَ الْمَوْتَ بَعْدَ اقْتِرَابِهِ ... وَقَدْ بَرَزَتْ لِلثّائِرِينَ الْمَقَاتِلُ دَعَتْ دَعْوَةً دَوْسًا فَسَالَتْ شِعَابُهَا ... بعزّ وأدّتها الشّرَاج الْقَوَابِل وَعَمْرًا جًزًاهُ اللهُ خَيْرًا فَمَا وَنَى ... وَمَا بَردَتْ مِنْهُ لَدَيّ الْمَفَاصِل فَجَرّدْتُ سَيْفِي ثُمّ قُمْتُ بِنَصْلِهِ ... وَعَنْ أَيّ نَفْس بَعْدَ نفسى أقاتل [عمل أم غيلان] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ الّتِي قَامَتْ دُونَ ضِرَارٍ أُمّ جَمِيلٍ، وَيُقَال: أُمّ غَيْلَانَ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أُمّ غيلان قامت مع أمّ حميل فيمن قام دونه. فَلَمّا قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ أَتَتْهُ أُمّ جَمِيلٍ، وَهِيَ تُرَى أَنّهُ أَخُوهُ: فَلَمّا انْتَسَبَتْ لَهُ عَرَفَ الْقِصّةَ، فَقَالَ: إنّي لَسْتُ بِأَخِيهِ إلّا فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ غَازٍ، وَقَدْ عَرَفْتُ مِنّتَك عَلَيْه، فَأَعْطَاهَا عَلَى أَنّهَا ابْنَةُ سَبِيلٍ. قَالَ الرّاوِي: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ ضِرَارٌ لَحِقَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلَ يضر به بعرض الرمح، ويقول: انج يابن الْخَطّابِ لَا أَقْتُلُك، فَكَانَ عُمَرُ يَعْرِفُهَا لَهُ بعد إسلامه. [من المؤذين لرسول الله] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ النّفَرُ الّذِينَ يُؤْذُونَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته أَبَا لَهَبٍ، وَالْحَكَمَ بْنَ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ، وعقبة بن أبى معيط، وعدىّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما عاناه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبى طالب وخديجة

ابن حَمْرَاءَ الثّقَفِيّ، وَابْنَ الْأَصْدَاءِ الْهُذَلِيّ، وَكَانُوا جِيرَانَهُ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- يَطْرَحُ عَلَيْهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَحِمَ الشّاةِ وَهُوَ يُصَلّي، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَطْرَحُهَا فِي بُرْمَتِهِ إذَا نُصِبَتْ لَهُ. حَتّى اتّخَذَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حِجْرًا يَسْتَتِرُ بِهِ مِنْهُمْ إذَا صَلّى، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَرَحُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْأَذَى، كَمَا حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الله بن عروة ابن الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، يَخْرُجُ بِهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الْعُودِ، فَيَقِفُ بِهِ عَلَى بَابِهِ، ثُمّ يَقُولُ: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَيّ جِوَارٍ هَذَا! ثم يلقيه فى الطريق. [ما عاناه الرسول صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ وَخَدِيجَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَا طَالِبٍ هَلَكَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَصَائِبُ بِهُلْكِ خَدِيجَةَ، وَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ، يَشْكُو إلَيْهَا، وَبِهُلْكِ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ لَهُ عَضُدًا وَحِرْزًا فِي أَمْرِهِ، وَمَنَعَةً وَنَاصِرًا عَلَى قَوْمِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ إلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ. فَلَمّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ، نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَذَى مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ، حَتّى اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، فَنَثَرَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ: لَمّا نَثَرَ ذَلِك السّفِيهُ عَلَى رَأْسَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك التراب ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما حدث بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أبى طالب والمشركين

دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ وَالتّرَابُ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَامَتْ إلَيْهِ إحْدَى بَنَاتِهِ، فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ عَنْهُ التّرَابَ وَهِيَ تَبْكِي، ورسول الله صلى عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَهَا: لَا تَبْكِي يَا بُنَيّةِ، فَإِنّ اللهَ مَانِعٌ أَبَاك. قَالَ: وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ: مَا نَالَتْ مِنّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أكرهه، حتى مات أبو طالب. [ما حدث بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أبى طالب والمشركين] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا اشْتَكَى أَبُو طَالِبٍ، وَبَلَغَ قُرَيْشًا ثِقَلُهُ، قَالَتْ قُرَيْشٌ بَعْضُهَا لِبَعْضِ: إنّ حَمْزَةَ وَعُمَرَ، قَدْ أَسْلَمَا وَقَدْ فَشَا أَمْرُ مُحَمّدٍ فِي قَبَائِلِ قُرَيْشٍ كُلّهَا، فَانْطَلِقُوا بِنَا إلَى أَبِي طَالِبٍ، فَلْيَأْخُذْ لَنَا عَلَى ابْنِ أَخِيهِ، وَلْيُعْطِهِ مِنّا، وَاَللهِ مَا نَأْمَنُ أَنْ يَبْتَزّونَا أَمْرَنَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: مَشَوْا إلَى أَبِي طَالِبٍ فَكَلّمُوهُ، وَهُمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِ: عتبة ابن رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فِي رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ، إنّك مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، وَقَدْ حَضَرَك مَا تَرَى، وَتَخَوّفْنَا عَلَيْك، وَقَدْ عَلِمْتَ الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيك، فادعُه، فَخُذْ لَهُ مِنّا، وَخُذْ لَنَا مِنْهُ، لِيَكُفّ عَنّا، وَنَكُفّ عَنْهُ، وَلِيَدَعَنَا وَدِينَنَا، وَنَدَعَهُ وَدِينَهُ، فبعث إليه أبو طالب، فجاءه فقال: يابن أَخِي: هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ قَوْمِك، قَدْ اجْتَمَعُوا لَك، ليعطوك، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الرسول يرجو أن يسلم أبو طالب

وَلِيَأْخُذُوا مِنْك. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تُعْطُونِيهَا تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ، وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: نَعَمْ وَأَبِيك، وَعَشْرَ كَلِمَاتٍ، قَالَ: تَقُولُونَ: لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ. قَالَ: فَصَفّقُوا بِأَيْدِيهِمْ، ثُمّ قَالُوا: أَتُرِيدُ يَا مُحَمّدُ أَنْ تَجْعَلَ الْآلِهَةَ إلَهًا وَاحِدًا، إنّ أَمْرَك لَعَجَبٌ: ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: إنّهُ وَاَللهِ مَا هَذَا الرّجُلُ بِمُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِمّا تُرِيدُونَ فَانْطَلِقُوا، وَامْضُوا عَلَى دِينِ آبَائِكُمْ، حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بينكم وبينه. قال: ثم تفرّقوا. [الرسول يرجو أن يسلم أبو طالب] فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَاَللهِ يَا ابْنَ أَخِي، مَا رأيتك سألتهم شططا؛ فَلَمّا قَالَهَا أَبُو طَالِبٍ طَمِعَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِي إسْلَامِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ: أَيْ عَمّ، فَأَنْتَ فَقُلْهَا، أَسْتَحِلّ لَك بِهَا الشّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَلَمّا رَأَى حِرْصَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، قال: يابن أَخِي، وَاَللهِ لَوْلَا مَخَافَةُ السّبّةِ عَلَيْك، وَعَلَى بَنِي أَبِيك مِنْ بَعْدِي، وَأَنْ تَظُنّ قُرَيْشٌ إنى قلتها جزعا من الموت لقتلها، لَا أَقُولُهَا إلّا لِأَسُرّك بِهَا. قَالَ: فَلَمّا تَقَارَبَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ الْمَوْتُ، قَالَ: نَظَرَ الْعَبّاسُ إلَيْهِ يُحَرّكُ شَفَتَيْهِ، قَالَ: فَأَصْغَى إلَيْهِ بأذنه، قال: فقال يابن أَخِي، وَاَللهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ الّتِي أَمَرْته أَنْ يَقُولَهَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ أَسْمَع. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فيمن طلبوا العهد على الرسول عند أبى طالب

[مَا نَزَلَ فِيمَنْ طَلَبُوا الْعَهْدَ عَلَى الرّسُولِ عند أبى طالب] قَالَ: وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي الرّهْطِ الّذِينَ كَانُوا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، وَقَالَ لهم ما قال، وردّوا عليه ما وردّوا: «ص. وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ. إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرادُ. مَا سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) يَعْنُونَ النّصَارَى، لِقَوْلِهِمْ: (إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) - (إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ) ثُمّ هَلَكَ أَبُو طالب. ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْ الْمُسْتَهْزِئِينَ وَمِلْكَانَ فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الّذِينَ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الحجر: 95 وذكر فيهم الحارث بن الطّلاطلة «1» ، والطّلاطلة: أمّه، قاله أَبُو الْوَلِيدِ الْوَقَشِيّ، وَالطّلَاطِلَةُ فِي اللّغَةِ: الدّاهِيَةُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كُلّ دَاءٍ عُضَالٍ فَهُوَ: طُلَاطِلَةٌ، وَذُكِرَ فِي نَسَبِهِ عَبْدُ عَمْرٍو بْنُ مِلْكَانَ بِالضّبْطَيْنِ جَمِيعًا، وَفِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ الْحَافِظِ أَبِي بَحْرٍ، قَالَ: قَدْ تَقَدّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ النّحْوِيّ أَنّ النّاسَ لَيْسَ فيهم ملكان بفتح الميم واللام إلّا مَلَكَانُ بْنُ جَرْمِ بْنِ زَبّانَ بْنِ حُلْوَانِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ، وَمَلَكَانُ بن عباد بن عياض ابن عُقْبَةَ بْنِ السّكُونِ بْنِ أَشْرَسَ، وَإِخْوَةُ عَدِيّ هم: تجيب عرفوا بأمهم

_ (1) هو فى تفسير ابن كثير: ابن غيطلة، وغيطلة أمه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تُجِيبَ بِنْتِ دُهْمِ بْنِ ثَوْبَانَ، وَهُمْ مِنْ كِنْدَةَ، وَكُلّ مَنْ فِي النّاسِ وَغَيْرِهِمَا مِلْكَانُ مَكْسُورُ الْمِيمِ سَاكِنُ اللّامِ، وَقَالَ مَشَايِخُ خُزَاعَةَ: فِي خُزَاعَةَ مَلَكَانُ «1» بِفَتْحِ الْمِيمِ، قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ: مَلَكَانُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حارثة بن ثعلبة ابن عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ حَبِيبٍ كَاَلّذِي يَخْرُجُ مِنْ عِبَارَتِهِ: أَنّ الّذِي فِي خُزَاعَةَ إنّمَا هُوَ مِلْكَانُ بْنُ أَفْصَى مِثْلُ مِلْكَانَ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ مِنْ الرّبَابِ الّذِينَ مِنْهُمْ ذُو الرّمّةِ الشّاعِرُ، وَمِثْلُ مِلْكَانَ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ مِنْ الرّبَابِ أَيْضًا رَهْطُ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّورى. وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ الْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ يَغُوثَ الزّهْرِيّ رَوَى أَنّهُ لَمّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَحَنَا ظَهْرَ الْأَسْوَدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَالِي خَالِي «2» ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: خَلّ عَنْك، ثم حناه حتى قتله، ذكره الدّارقطنى:

_ (1) ضبط أبو على القالى نقلا عن ابن الأنبارى ملكان بن حزم بن زبان بفتح الميم وسكون اللام فى ص 190 ح 2 وفى ص 209 ح 3 قال: كل ما فى العرب: ملكان «بكسر الميم مع سكون اللام، إلا ملكان «بفتح الميم وسكون اللام» بن جرم بن ربان بالجيم والراء فى جرم وبالراء فى ربان. وقال البكرى فى التنبيه على أوهام القالى فى أماليه: «الذى فى جرم بن ربان هو: ملكان بفتح اللام والميم، وليس هو بإسكان اللام كما أورده، وكذلك ملكان بن عباد ابن عياض بن عقبة بن السكون، وهذا باب واسع، والذى ذكر منه أبو على برض «قليل» من عد، وغيض من فيض» ص 116 التنبيه ط 2 (2) هو ابن خال النبى صلى الله عليه وسلم لا خاله، وقد اضطربت الروايات فى مصيره، وحداهن ما ذكر ابن إسحاق فى السيرة، والثانية هذه التى نقلها السهيلى عن الدارقطنى، وهى عند ابن أبى حاتم والبلاذرى عن عكرمة، وأنه حنا ظهره حتى احقوقف صدره، أى انحنى، وأخرى أنه خرج من عند أهله حتى فأصابته-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَدِيثُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ وَفَاةَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقَوْلَهُ لِبَنِيهِ: وَعُقْرِى عِنْدَ أَبِي أُزَيْهِرٍ الدّوْسِيّ لَا تَدَعُوهُ «1» الْعُقْرُ: دِيَةُ الْفَرْجِ الْمَغْصُوبِ، وَأَصْلُهُ فِي الْبِكْرِ مِنْ أَجْلِ التّدْمِيَةِ، وَمِنْهُ عَقَرَ السّرْجُ الْفَرَسَ: إذَا أَدْمَاهُ، وَبَيْضَةُ الْعُقْرِ مِنْهُ؛ لِأَنّهُمْ كَانُوا يَقِيسُونَ الْبِكْرَ بِالْبَيْضَةِ «2» ، لِيَعْرِفُوا بُكُورَتَهَا، وَقِيلَ: عُقْرٌ بِضَمّ الْعَيْنِ، لِأَنّهُ بِمَعْنَى بُضْعٍ. عَنْ مَقْتَلِ أَبِي أُزَيْهِرٍ وَمَوْقِفِ دَوْسٍ: وَذَكَرَ قَتْلَ هِشَامِ بْنِ الْوَلِيدِ لِأَبِي أُزَيْهِرٍ وَخَبَرَ أُمّ غَيْلَانَ مَعَ ضِرَارٍ حِينَ أَجَارَتْهُ، وَمِنْ تَمَامِ الْخَبَرِ: أَنّ دَوْسًا لَمّا بَلَغَهَا مَقْتَلُ أَبِي أُزَيْهِرٍ الدّوْسِيّ، وَثَبَتْ عَلَى رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا عِنْدَهُمْ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ بُجَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ أَخَا الزّبَيْرِ، وَأَرَادُوا قَتْلَ ضِرَارِ بْنِ الْخَطّابِ، فَأَجَارَتْهُ أُمّ غَيْلَانَ وَابْنُهَا عَوْفٌ، قَالَ ضِرَارٌ: لَقَدْ أَدْخَلَتْنِي بَيْنَ دِرْعِهَا وَبَدَنِهَا، حَتّى إنّي لَأَجِدُ تَسْبِيدَ رُكَبِهَا، وَالتّسْبِيدُ: مَوْضِعُ الحلْق مِنْ الشّعْرِ، وَكَانَ الّذِي قَتَلَ بُجَيْرًا صَبِيحُ بْنُ سَعْدٍ أَوْ مَلِيحُ ابن سَعْدٍ جَدّ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأُمّهِ؛ لِأَنّ أُمّهُ أميمة بنت مليح أو صبيح.

_ - السموم، حتى صار حبشيا، فلم يعرفه أهله، فصار يطوف بشعاب مكة، حتى مات عطشا، وأخرى أنه عطش، فشرب حتى انشق بطنه، وأخرى. وأخرى. فهل يسكن قلب إلى مثل هذه المضطربات؟ (1) الذى فى السيرة: فلا يفوتنكم. (2) فى القاموس عن العقر أنه استبراء المرأة، لينظر أبكر هى أم غير بكر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن أطرقا ومن أحكامه أن: فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَفِيهِ: وَأَنْ تَتْرُكُوا مَاءً بِجِزْعَةِ أَطْرِقَا وَالْجِزْعَةُ وَالْجَزْعُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَهُوَ مُعْظَمُ الْوَادِي، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيّ: هُوَ مَا انْثَنَى؟؟؟ مِنْهُ، وَأَطْرِقَا اسْمُ عَلَمٍ لِمَوْضِعِ سُمّيَ بِفِعْلِ الْأَمْرِ لِلِاثْنَيْنِ، فَهُوَ مَحْكِيّ لَا يُعْرَبُ، وَقِيلَ: إنّ أَصْلَ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ أَنّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مَرّوا بِهَا خَائِفِينَ، فَسَمِعَ أَحَدُهُمْ صَوْتًا، فَقَالَ لِصَاحِبَيْهِ: أَطْرِقَا، أَيْ: أَنْصِتَا، حَتّى نَرَى مَا هَذَا الصّوْتُ، فَسُمّيَ الْمَكَانُ بِأَطْرِقَا «1» ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ شِعْرَ الْجَوْنِ بْنِ أَبِي الْجَوْنِ، وَفِيهِ: أَلَمْ تُقْسِمُوا تُؤْتُوا الْوَلِيدَ ظُلَامَةً أَرَادَ: أن تؤتوا، ومعناه: أن لا توتوا كَمَا جَاءَ فِي التّنْزِيلِ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) النّسَاءَ: 176 فِي قَوْلِ طَائِفَةٍ، وَمَعْنَاهُ عِنْدِي: كَرِهَ لَكُمْ أَنْ تَضِلّوا «2» ، وَقَدْ قَدّمْنَا فى الجزء قبل هذا كلام على أن، ومقتضاها وشيئا من

_ (1) هو كما ذكر فى مراصد الاطلاع، وفيه أن أطرقا موضع بنواحى مكة من منازل خزاعة وهذيل. (2) يقول البيضاوى فى تفسير الآية: «أى يبين الله لكم ضلالكم الذى من شأنكم إذا خليتم وطباعكم لتحترزوا عنه، وتتحروا خلافه، أو يبين لكم الحق والصواب كراهة أن تضلوا، وقيل: لئلا تضلوا، فحذف لا، وهو قول الكوفيين»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَسْرَارِهَا فِيهِ غُنْيَةٌ، وَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ مَحْمُولًا على معناها فَالنّصْبُ جَائِزٌ، وَالرّفْعُ جَائِزٌ أَيْضًا، كَمَا أَنْشَدُوا: أَلَا أَيّهَذَا الزّاجِرِي أَحْضُرَ الْوَغَى «1» بِنَصْبِ: أحضُرَ وَرَفْعِهِ، وَأَنْشَدَ سِيبَوْيه: وَنَهْنَهَتْ نَفْسِي بَعْدَمَا كِدْت أَفْعَلَهُ «2» يُرِيدُ: أَنْ أفعلَه، وَإِذَا رَفَعْت فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَمْ يُذْهِبْ الرّفْعُ مَعْنَى أَنْ فقد

_ (1) البيت من معلقة طرفة بن العبد البكرى، وبقيته: وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى وبعده: فإن كنت لا تسطيع دفع منيتى ... فذرنى أبادرها بما ملكت يدى والبيت من شواهد سيبويه فى الكتاب ص 452 ج 1، ويستدل به الكوفيون على أن أن الناصبة تعمل فى غير المواضع المعدودة، ودليلهم: أن الشاعر عطف عليه قوله: وأن أشهد. ومنع البصريون ذلك بأن عوامل الأفعال ضعيفة لا تعمل مع الحذف، وإذا حذفت ارتفع الفعل. وقالوا: إن رواية البيت عندهم إنما هى بالرفع. انظر ص 83 ج 1 خزانة الأدب ص 338 شرح شواهد ابن عقيل للشيخ عبد المنعم الجرجاوى ط 1914، ص 452 ج 1 الكتاب لسيبويه (2) هو من شواهد سيبويه. وقد نسبه إلى عامر بن جوين الطائى، وأوله: فلم ار مثلها خباسة واحد وقد عقب عليه سيبويه بقوله: «حمله على أن؛ لأن الشعر قد يستعملون أن ههنا مضطرين كثيرا» ص 155 ج 1 الكتاب لسيبويه، وقال عنه اللسان: هو لعمرو بن جوين، أو امرىء القيس، وفيه: واجد بدلا من: واحد ونقل عن سيبويه ما قاله. والخباسة: المغنم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَكَى سِيبَوَيْهِ: مُرْهُ يَحْفِرُهَا «1» ، وَقَدّرَهُ تَقْدِيرَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ الْحَالَ أَيْ: مُرْهُ حَافِرًا لَهَا، وَالثّانِي: أَنْ يُرِيدَ: مُرْهُ أَنْ يَحْفِرَهَا، وَارْتَفَعَ الْفِعْلُ لَمّا ذَهَبَتْ أَنْ مِنْ اللّفْظِ، وَبَيّنَ اين جِنّيّ الْفَرْقَ بَيْنَ التّقْدِيرَيْنِ، وَقَالَ: إذَا نَوَيْت أَنْ فَالْفِعْلُ مُسْتَقْبَلٌ، وَإِذَا لَمْ تَنْوِهَا فَالْفِعْلُ حاضر، وههنا مَسْأَلَةٌ مِنْ الْعَرَبِ ذَكَرَهَا الطّبَرِيّ، قَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ تَوَجّهَ فِي أَمْرٍ: تَصْنَعُ مَاذَا وَتَفْعَلُ؟ مَاذَا عَلَى تَقْدِيرِ: تُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ مَاذَا، فَإِذَا قَالُوا: تُرِيدُ مَاذَا لَمْ يَكُنْ إلّا رَفْعًا، لِأَنّ الْمَعْنَى الّذِي يَجْلِبُ مَعْنَى أَنْ النّاصِبَةِ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ: تُرِيدُ؛ إذْ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ تَقُولَ: تُرِيدُ أَنْ تُرِيدَ مَاذَا، يَعْنِي: أَنّ الْإِرَادَةَ لَا تُرَادُ. شِعْرُ الْجَوْنِ: وَذَكَرَ شِعْرَ الْجَوْنِ أَيْضًا، وَفِيهِ: بِهَا يمشى المعلهج والمهير المهير: ابن للهورة الْحُرّةِ وَالْمُعَلْهَجُ: الْمُتَرَدّدُ فِي الْإِمَاءِ «2» كَأَنّهُ مَنْحُوتٌ من

_ (1) ورد قوله هذا فى ص 451 وما بعدها ج 1 الكتاب لسيبويه، وهو من شواهده المذكورة تحت باب: «هذا باب من الجزاء ينجزم فيه الفعل إذا كان جوابا لأمر أو نهى أو استفهام أو تمن أو عرض» (2) فى شرح السيرة لأبى ذر الخشنى: «المهير: الصحيح النسب، يريد أن أمه حرة بمهر، والمعلهج: المطعون عليه فى فيه، وهو الأحمق أيضا، وفى اللسان: المعلهج أن يؤخذ الجلد فيقدم إلى النار حتى يلين، فيمضغ، ويبلع، وكان ذلك من مأكل القوم فى المجاعات.. والمعلهج: الذى ولدهن جنسين مختلفين، والذى ليس بخالص النسب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَصْلَيْنِ: مِنْ الْعِلْجِ لِأَنّ الْأَمَةَ: عِلْجَةٌ، وَمِنْ اللهج «1» ، كأن واطىء الْأَمَةِ قَدْ لَهِجَ بِهَا، فَنَحَتَ لَفْظَ الْمُعَلْهَجِ مِنْ هَذَيْنِ اللّفْظَيْنِ. وَفِيهِ: كَمَا أَرْسَى بِمَثْبَتِهِ ثَبِيرُ كَذَا صَحّتْ الرّوَايَةُ فِي أَرْسَى بِالتّخْفِيفِ وَهُوَ زِحَافٌ دَاخِلٌ عَلَى زِحَافٍ؛ لِأَنّ تَسْكِينَ اللّامِ مِنْ مُفَاعَلَتَنْ فِي الْوَافِرِ زِحَافٌ، وَلَكِنّهُ حَسَنٌ كَثِيرٌ، فَلَمّا كَثُرَ شَبّهَهُ هَذَا الشّاعِرُ بِمَفَاعِيلَ؛ لِأَنّهُ عَلَى وَزْنِهِ، وَمَفَاعِيلُنْ يَحْسُنُ حَذْفُ الْيَاءِ مِنْهَا فِي الطّوِيلِ، فَيَصِيرُ فَعُولُنْ مَفَاعِلُنْ فَلِذَلِكَ أَدْخَلَ هَذَا الشّاعِرُ الزّحَافَ عَلَى مُفَاعَلْتُنْ لأنه بعد السكون فى وزن مفاعلين الّتِي تُحْذَفُ يَاؤُهَا حَذْفًا مُسْتَحْسَنًا، فَتَدَبّرْهُ، فَإِنّهُ مَلِيحٌ فِي عِلْمِ الْعَرُوضِ «2» . مِنْ أَسْوَاقِ الْعَرَبِ: فصل: وأنشد لحسّان بن ثابت:

_ (1) من معانى العلج: الرجل من كفار العجم. واللهج: الولوع بالشىء. ولهج به إذا أغرى به، فثابر عليه، ومن معانى القصيدة كما ذكر الخشنى. أرسى: استقر وثبت، والزعاف: الذى فيه السم، والبهير من البهر وهو انقطاع النفس، والمسلحب: الممد؟؟؟ وبالهاء المهملة ذكره صاحب كتاب العين لا غير. وعند وجبه: أى سقطته والخور: العزيزات اللبن (2) سبق الكلام عن هذه المصطلحات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غَدَا أَهْلُ ضَوْجَيْ ذِي الْمَجَازِ بِسُحْرَةِ «1» ضَوْجُ الْوَادِي: جَانِبُهُ، وَذُو الْمَجَازِ: سُوقٌ عِنْدَ عَرَفَةَ كَانَتْ الْعَرَبُ إذَا حَجّتْ أَقَامَتْ بِسُوقِ عُكَاظٍ شَهْرَ شَوّالٍ، ثُمّ تَنْتَقِلُ إلَى سُوقِ مِجَنّةَ «2» فَتُقِيمُ فِيهِ عِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، ثُمّ تَنْتَقِلُ إلَى سُوقِ ذِي الْمَجَازِ «3» فَتُقِيمُ فِيهِ إلَى أَيّامِ الْحَجّ، وَكَانُوا يَتَفَاخَرُونَ فِي سُوقِ عُكَاظٍ شَهْرَ شَوّالٍ إذَا اجْتَمَعُوا، وَيُقَالُ: عَكَظَ الرّجُلُ صَاحِبَهُ إذَا فَاخَرَهُ وَغَلَبَهُ بِالْمُفَاخَرَةِ، فسميت عكاظ لذلك «4» .

_ (1) السحرة: السحر الأعلى. والبيت فى النسخ التى بين يدى، وفى شرح السيرة للخشنى: غدا أهل ضوجى ذى المجاز كليهما. (2) فى المراصد عن مجنة: اسم سوق للعرب كانت فى الجاهلية، قيل: بمر الظهران. قرب جبل يقال له: الأصفر كانت به تقوم العشر الأواخر من ذى القعدة، وقبلها من أوله عكاظ، وقيل مجنة: بلد على أميال من مكة، وقيل: جبيل بجنب طفيل، وهو لبنى الديل. ويقول ياقوت فى معجمه: وإياه أراد بلال حين كان يتمثل: ألا ليت شعرى هل أبين ليلة ... بواد، وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مجنة ... وهل يبدون لى شامة وطفيل (3) ذو المجاز: موضع سوق بعرفه على ناحية كبكب عن يمين الإمام على فرسخ. كانت به تقوم فى الجاهلية ثمانية أيام، وقيل: هو ماء من أصل كبكب لهذيل خلف عرفة. وكبكب جبل خلف عرفات مشرف عليه، قيل هو الجبل الأحمر الذى يجعله الواقف بعرفة فى ظهره. (4) فى القاموس. عكظه يعكظه: حبسه وعركه، وتهره ورد عليه فخره، وكغراب: سوق بصحراء بين نخلة والطائف، كانت تقوم هلال ذى القعدة، وتستمر عشرين يوما. وتجتمع قبائل العرب، فيتعاكظون، أى يتفاخرون ويتناشدون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ: لَبَلّ نِعَالَ الْقَوْمِ مُعْتَبِطٌ وَرْدُ يَعْنِي: الدّمَ الْعَبِيطَ «1» . مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي الرّبَا فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي الرّبَا الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَقَدْ قَدّمْنَا فِي حَدِيثِ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا تُنْفِقُوا فِيهَا رِبَا وَلَا مَهْرَ بَغِيّ، وَأَنّ فِي ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى قِدَمِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِمْ فِي شرع إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ، أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ «2» وَذَلِكَ أَنّهُ مِنْ أَقْبَحِ الْأَعْمَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ هَدْمِ جَانِبِ الْمُرُوءَةِ، وَإِيثَارِ الْحِرْصِ مَعَ بُعْدِ الْأَمَلِ، وَنِسْيَانِ بَغْتَةِ الْأَجَلِ، وَتَرْكِ التّوْسِعَةِ وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ، وَمَنْ تَأَمّلَ أَبْوَابَ الرّبَا لَاحَ لَهُ شَرّ التّحْرِيمِ مِنْ جِهَةِ الْجَشَعِ الْمَانِعِ مِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَالذّرِيعَةِ إلَى تَرْكِ الْقَرْضِ، وَمَا فِيهِ، وَفِي التّوْسِعَةِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَلِذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَهُ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ «3» الْبَقَرَةَ: 279. غَضَبًا مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ، ولهذه النّكتة

_ (1) الخالص الطرى. (2) ورد فى الإصحاح الثانى والعشرين من سفر الخروج أحد أسفار العهد القديم الذى بيد اليهود والمسيحيين: «إن أقرضت فضة لشعبى الفقير الذى عندك فلا تكون له كالمرابى لا تصنعوا عليه ربا» رقم 26. (3) يقول الإمام ابن القيم حول هذه الآية: «لم يجىء هذا الوعيد فى كبيرة سوى الربا، وقطع الطريق، والسعى فى الأرض بالفساد، لأن كل واحد منهما مفسد فى الأرض، قاطع الطريق على الناس. هذا بقهره لهم؛ وتسلطه عليهم، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَتْ عَائِشَةُ لِأَمّ مَحَبّةَ مَوْلَاةِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: أَبْلِغِي زَيْدًا تَعْنِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنْ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ ذَكَرَتْ لَهَا عَنْهُ مَسْأَلَةً مِنْ الْبُيُوعِ تُشْبِهُ الرّبَا، فَقَالَتْ: أَبْطَلَ جِهَادَهُ، وَلَمْ تَقُلْ صَلَاتَهُ وَلَا صِيَامَهُ، لِأَنّ السّيّئَاتِ لَا تُحْبِطُ الْحَسَنَاتِ، وَلَكِنْ خَصّتْ الْجِهَادَ بِالْإِبْطَالِ، لِأَنّهُ حَرْبٌ لِأَعْدَاءِ اللهِ، وَآكِلُ الرّبَا قَدْ أُذِنَ بِحَرْبِ مِنْ اللهِ، فَهُوَ ضِدّهُ، وَلَا يَجْتَمِعُ الضّدّانِ، وَهَذَا مَعْنَى ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطّالٍ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُدَوّنَةِ، لَكِنّ إسْنَادَهَا إلَى عَائِشَةَ ضَعِيفٌ. وَفَاةُ أَبِي طَالِبٍ وَوَصِيّتُهُ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ وَفَاةَ أَبِي طَالِبٍ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ، وَفِيهَا قَالَ الْعَبّاسُ: وَاَللهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ الّتِي أَمَرْته بِهَا، فَقَالَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم: لم أسمع.

_ - وهذا بامتناعه من تفريج كرباتهم إلا بتحميلهم كربات أشد منها، فأخبر عن قطاع الطريق بأنهم يحاربون الله ورسوله، وآذن هؤلاء إن لم يتركوا الربا بحربه وحرب رسوله» التفسير القيم لا بن القيم ص 172 ط السنة المحمدية 1368، 1949. وقد ورد حديث «لعن رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكَلَ الربا، وموكله وشاهديه، وكاتبه الخ» وقد رواه أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجة. جنبنا الله لعنته. من معانى قصيدة ضرار بن الخطاب: الشعث: المتغيرات الشعور، العواطل: اللائى لا حلى لهن. الشعاب: جمع شعبة، وهو مسيل الماء فى الحرة، والقوابل: التى تقابل بعضها بعضا، الشراج: جمع شرج وهو مسيل الماء من الحرة إلى السهل. الونى: الضعف والفتور، ونصل السيف: حده. «عن شرح السيرة لأبى ذر والقاموس» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ الْمُؤَلّفُ: شَهَادَةُ الْعَبّاسِ لِأَبِي طَالِبٍ لَوْ أداها بعد ما أَسْلَمَ، لَكَانَتْ مَقْبُولَةً، وَلَمْ يُرَدّ بِقَوْلِهِ لَمْ أَسْمَعْ، لِأَنّ الشّاهِدَ الْعَدْلَ إذَا قَالَ: سَمِعْت، وَقَالَ مَنْ هُوَ أَعْدَلُ مِنْهُ: لَمْ أَسْمَعْ أُخِذَ بِقَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ السّمَاعَ، لِأَنّ عَدَمَ السّمَاعِ يَحْتَمِلُ أَسْبَابًا مَنَعَتْ الشّاهِدَ مِنْ السّمْعِ، وَلَكِنّ الْعَبّاسَ شَهِدَ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ مَعَ أَنّ الصّحِيحَ مِنْ الْأَثَرِ، قَدْ أَثْبَتَ لِأَبِي طَالِبٍ الْوَفَاةَ عَلَى الْكُفْرِ وَالشّرْكِ «1» وَأَثْبَتَ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِ: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ التّوْبَةَ: 113 وَثَبَتَ فِي الصّحِيحِ أَيْضًا أَنّ الْعَبّاسَ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُك وَيَنْصُرُك، وَيَغْضَبُ لَك، فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَجَدْته فِي غَمَرَاتٍ مِنْ النّارِ، فَأَخْرَجْته إلَى ضَحْضَاحٍ» وَفِي الصّحِيحِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ، أَنّهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- قَالَ: لَعَلّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ النّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ بِالْقُمْقُمِ، وَهِيَ مُشْكِلَةٌ «2» ، وَقَالَ بَعْضُ أهل العلم:

_ (1) أخرج الإمام أحمد بسنده عن ابن المسيب عن أبيه قال: «لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبى- ص- وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أمية. فقال: أى عَمّ، قُلْ: لَا إلَهَ إلّا اللهُ كَلِمَةً أحاج لك بها عند الله عز وجل. فقال أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ: يا أبا طالب أَتَرْغَبُ عَنْ مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؟ فَقَالَ: أَنَا على ملة عبد المطلب، فقال النبى- ص- لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) قال: ونزلت فيه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وقد أخرجه البخارى ومسلم. (2) لأن المرجل: قدر من نحاس، والقمقم أيضا: ما يسخن فيه الماء من تحاس وغيره. ويكون ضيق الرأس، ويقول ابن الأثير فى النهاية تعليقا على هذه-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْقُمْقُمُ: هُوَ الْبُسْرُ الْأَخْضَرُ يُطْبَخُ فِي الْمِرْجَلِ اسْتِعْجَالًا لِنُضْجِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ أَهْلُ الْحَاجَةِ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ زِيَادَةٌ، وَهِيَ أَنّهُ قَالَ: يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ حَتّى يَسِيلَ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَمِنْ بَابِ النّظَرِ فِي حِكْمَةِ اللهِ، وَمُشَاكَلَةِ الْجَزَاءِ لِلْعَمَلِ أَنّ أَبَا طَالِبٍ كان مع رسول الله بجملته متحزّبا لَهُ، إلّا أَنّهُ مُثَبّتٌ لِقَدَمَيْهِ عَلَى مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، حَتّى قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ: أَنَا عَلَى مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَسُلّطَ الْعَذَابُ عَلَى قدميه خاصّة لتثبيته إياها عَلَى مِلّةِ آبَائِهِ، ثَبّتَنَا اللهُ عَلَى الصّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ التّوْبَةَ: 13 وَقَدْ اسْتَغْفَرَ عَلَيْهِ السّلَامُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: اللهُمّ اغْفِرْ لِقَوْمِي، فَإِنّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَذَلِكَ حِينَ جَرَحَ الْمُشْرِكُونَ وَجْهَهُ وَقَتَلُوا عَمّهُ. وَكَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا يَصِحّ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي عَمّهِ نَاسِخَةً لِاسْتِغْفَارِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، لِأَنّ وَفَاةَ عَمّهِ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِمَكّةَ، وَلَا يَنْسَخُ الْمُتَقَدّمُ الْمُتَأَخّرَ، وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا السّؤَالِ بِأَجْوِبَةِ: أَنْ قِيلَ: اسْتِغْفَارُهُ لِقَوْمِهِ مَشْرُوطٌ بِتَوْبَتِهِمْ مِنْ الشّرْكِ، كَأَنّهُ أَرَادَ الدّعَاءَ لَهُمْ بِالتّوْبَةِ حَتّى يُغْفَرَ لَهُمْ وَيُقَوّي هَذَا الْقَوْلَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى: اللهُمّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ، رَوَاهَا عَنْهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْكِتَابِ بِهَذَا اللّفْظِ، وقيل مغفرة تصرف عنهم عقوبة الدنيا من المسخ والخسف، ونحو ذلك، ووجه

_ - الرواية: «هكذا روى، ورواه بعضهم: كما يغلى المرجل والقمقم وهو أبين إن ساعدته صحة الرواية» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ تَأَخّرَ نُزُولُهَا، فَنَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ نَاسِخَةً لِلِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ، فَيَكُونُ سَبَبُ نُزُولِهَا مُتَقَدّمًا، وَنُزُولُهَا مُتَأَخّرًا لَا سِيّمَا، وَهِيَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ وَبَرَاءَةُ، مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، فَتَكُونُ عَلَى هَذَا نَاسِخَةً للاستغفارين جَمِيعًا، وَفِي الصّحِيحِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ، فَقَالَ: يَا عَمّ قُلْ: لَا إلَهَ إلّا اللهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَك بِهَا عِنْدَ اللهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ وَابْنُ أَبِي أُمَيّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَقَالَ: أَنَا عَلَى مِلّةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ مَاتَ عَلَى الشّرْكِ، وَوَجَدْت فِي بَعْضِ كُتُبِ الْمَسْعُودِيّ اخْتِلَافًا فِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأَنّهُ قَدْ قَالَ فِيهِ: مَاتَ مُسْلِمًا لِمَا رَأَى مِنْ الدّلَائِلِ عَلَى نُبُوّةِ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلِمَ أَنّهُ لَا يُبْعَثُ إلّا بِالتّوْحِيدِ «1» ، فَاَللهُ أَعْلَمُ، غَيْرَ أَنّ فِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ، وَفِي كِتَابِ النّسَوِيّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- قَالَ لِفَاطِمَةَ، وَقَدْ عَزّتْ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ عَنْ مَيّتِهِمْ: لَعَلّك بَلَغْت مَعَهُمْ الْكُدَى، وَيُرْوَى الْكُرَى بِالرّاءِ، يَعْنِي: الْقُبُورَ، فَقَالَتْ: لَا، فَقَالَ: لَوْ كُنْت مَعَهُمْ الْكُدَى «2» أَوْ كَمَا قَالَ، ما رأيت

_ (1) النبى- صلى الله عليه وسلم- نفسه لم يكن يعلم شيئا عن نبوته قبل المبعث ندبر قول ربنا سبحانه: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) وقوله: (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) . (2) الرواية لو بلغت معهم الكدى، أو: لو بلغتها معهم. وقد ورد تفسير الكدى بالقبور عن ربيعة بن سيف من تابعى أهل مصر، وفيه مقال لا يقدح فى حسن الإسناد، وفى الرواية أن الرسول «ص» حين سأل فاطمة عن ذلك أنها قالت له: معاذ الله، وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر. رواه أبو داود والنسائى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْجَنّةَ، حَتّى يَرَاهَا جَدّ أَبِيك، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ حَتّى يَدْخُلَهَا جَدّ أَبِيك، وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: مَا دَخَلْت الْجَنّةَ، وَفِي قَوْلِهِ: جَدّ أَبِيك، وَلَمْ يَقُلْ: جَدّك يَعْنِي: أَبَاهُ تَوْطِئَةً لِلْحَدِيثِ الضّعِيفِ الّذِي قَدّمْنَا ذِكْرَهُ أَنّ اللهَ أَحْيَا أُمّهُ وَأَبَاهُ، وَآمَنَا بِهِ، فَاَللهُ أَعْلَمُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ تَخْوِيفَهَا بِقَوْلِهِ، حَتّى يَدْخُلَهَا جَدّ أَبِيك، فَتَتَوَهّمُ أَنّهُ الْجَدّ الْكَافِرُ، وَمِنْ جُدُودِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: إسْمَاعِيلُ وَإِبْرَاهِيمُ، لِأَنّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ حَقّ، وَبُلُوغُهَا مَعَهُمْ الْكُدَى لَا يُوجِبُ خُلُودًا فِي النّارِ، فَهَذَا مِنْ لَطِيفِ الْكِنَايَةِ فافهمه، وحكى عن هشام ابن السّائِبِ أَوْ ابْنِهِ أَنّهُ قَالَ: لَمّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَمَعَ إلَيْهِ وُجُوهَ قُرَيْشٍ، فَأَوْصَاهُمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَنْتُمْ صَفْوَةُ اللهِ مِنْ خَلْقِهِ، وَقَلْبُ الْعَرَبِ، فِيكُمْ السّيّدُ الْمُطَاعُ، وَفِيكُمْ الْمُقَدّمُ الشّجَاعُ، وَالْوَاسِعُ الْبَاعِ، وَاعْلَمُوا أَنّكُمْ لَمْ تَتْرُكُوا لِلْعَرَبِ فِي الْمَآثِرِ نَصِيبًا إلّا أَحْرَزْتُمُوهُ، وَلَا شَرَفًا إلّا أَدْرَكْتُمُوهُ، فَلَكُمْ بِذَلِكُمْ عَلَى النّاسِ الْفَضِيلَةُ وَلَهُمْ بِهِ إلَيْكُمْ الْوَسِيلَةُ، وَالنّاسُ لَكُمْ حِزْبٌ، وَعَلَى حَرْبِكُمْ أَلْبٌ، وَإِنّي أُوصِيكُمْ بِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبَنِيّةِ «1» ، فَإِنّ فِيهَا مَرْضَاةً لِلرّبّ، وَقِوَامًا لِلْمَعَاشِ، وَثَبَاتًا لِلْوَطْأَةِ، صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَلَا تَقْطَعُوهَا، فَإِنّ فِي صِلَةِ الرّحِمِ مَنْسَأَةً فِي الْأَجَلِ، وَسَعَةً فِي الْعَدَدِ، وَاتْرُكُوا الْبَغْيَ وَالْعُقُوقَ، فَفِيهِمَا هَلَكَةُ الْقُرُونِ قَبْلَكُمْ، أَجِيبُوا الدّاعِيَ، وَأَعْطُوا السّائِلَ، فَإِنّ فِيهِمَا شَرَفَ الْحَيَاةِ وللمات، عَلَيْكُمْ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، فَإِنّ فِيهِمَا مَحَبّةً فِي الْخَاصّ، وَمَكْرُمَةً فِي الْعَامّ، وَإِنّي أوصيكم بمحمد خيرا، فإنه الأمين

_ (1) البنية: الكعبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي قُرَيْشٍ، وَالصّدّيقُ فِي الْعَرَبِ، وَهُوَ الْجَامِعُ لِكُلّ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، وَقَدْ جَاءَ بِأَمْرِ قَبِلَهُ الْجَنَانُ، وَأَنْكَرَهُ اللّسَانُ مَخَافَةَ الشّنَآنِ، وَأَيْمُ اللهِ كَأَنّي أَنْظُرُ إلَى صَعَالِيكِ «1» الْعَرَبِ، وَأَهْلِ الْبِرّ فِي الْأَطْرَافِ والمستضعفين مِنْ النّاسِ، قَدْ أَجَابُوا دَعْوَتَهُ، وَصَدّقُوا كَلِمَتَهُ وَعَظّمُوا أَمْرَهُ، فَخَاضَ بِهِمْ غَمَرَاتِ الْمَوْتِ، فَصَارَتْ رُؤَسَاءُ قُرَيْشٍ وَصَنَادِيدُهَا أَذْنَابًا وَدُورُهَا خَرَابًا، وَضُعَفَاؤُهَا أَرْبَابًا، وَإِذَا أَعْظَمُهُمْ عَلَيْهِ، أَحْوَجُهُمْ إلَيْهِ، وَأَبْعَدُهُمْ مِنْهُ، أَحْظَاهُمْ عِنْدَهُ، قَدْ مَحَضَتْهُ الْعَرَبُ وِدَادَهَا، وَأَصْفَتْ لَهُ فُؤَادَهَا، وَأَعْطَتْهُ قِيَادَهَا، دُونَكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ابْنَ أَبِيكُمْ، كُونُوا لَهُ وُلَاةً وَلِحِزْبِهِ حُمَاةً، وَاَللهِ لَا يَسْلُكُ أَحَدٌ مِنْكُمْ سَبِيلَهُ إلّا رَشَدَ، وَلَا يَأْخُذُ أَحَدٌ بِهَدْيِهِ إلّا سَعِدَ، وَلَوْ كَانَ لِنَفْسِي مُدّةٌ، وَلِأَجَلِي تَأْخِيرٌ، لَكَفَفْت عَنْهُ الهزاهز «2» ، ولدافعت غنه الدّوَاهِيَ، ثُمّ هَلَكَ: تَفْسِيرُ الْمَشْيِ فِي سُورَةِ ص: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِمْ: أَنِ امْشُوا، وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التّفْسِيرِ أَنّ قَوْلَهُمْ: امْشُوا مِنْ الْمَشَاءِ، لَا مِنْ الْمَشْيِ وَالْمَشَاءُ: نَمَاءُ الْمَالِ وَزِيَادَتُهُ، يُقَالُ مَشَى الرّجُلُ، وَأَمْشَى: إذَا نَمَا مَالُهُ قَالَ الشّاعِرُ: وَكُلّ فَتَى وَإِنْ أمشى وأثرى ... ستخلجه عن الدّنيا منون «3»

_ (1) جمع: صعلوك: الفقير. (2) الهزاهز: الفتن يهتز فيها الناس. وفى الأصل: عند الهزاهز وهو خطأ (3) البيت للنابغة الذبيانى، وبعده: وكل فتى بما عملت يداه ... وما أجرت عوامله رهين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ الرّاجِزُ: وَالشّاةُ لَا تَمْشِي عَلَى الْهَمَلّعِ «1» أَيْ: لَا تَكْثُرُ، وَالْهَمَلّعُ: الذّئْبُ، وَقَالَهُ الْخَطّابِيّ فِي مَعْنَى الْآيَةِ، كَأَنّهُمْ أَرَادُوا أَنّ الْمَشَاءَ وَالْبَرَكَةَ فِي صَبْرِهِمْ عَلَى آلِهَتِهِمْ، وَحَمْلِهَا عَلَى الْمَشْيِ أَظْهَرُ فِي اللّغَةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. تَتَابُعُ المصائب بموت خديجة: وَذَكَرَ تَتَابُعَ الْمَصَائِبِ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَوْتِ خَدِيجَةَ ثُمّ بِمَوْتِ عَمّهِ، وَذَكَرَ الزّبَيْرُ فِي حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ، وَهِيَ فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ: تَكْرَهِينَ ما أرى منك يا خديجة،

_ (1) الرجز غير منسوب فى اللسان إلى أحد فى مادتى هملع، ومادة مشى، وهو فى هذه هكذا: مثلى لا تحسن قولا فعفعى ... العير لا يمشى مع الهملع لا تأمرينى ببنات أسفع يعنى الغنم، وأسفع: اسم كبش وفى مادة هملع: لا تأمرينى ببنات أسفع ... فالشاة لا تمشى مع الهملع والهملع والسملع: الذئب الخفيف، وقوله لا تمشى مع الهملع، أى: لا تكثر مع الذئب.

الرسول يسعى إلى الطائف

[الرسول يسعى إلى الطائف] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَذَى مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ مِنْهُ فِي حَيَاةِ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الطّائِفِ، يَلْتَمِسُ النّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ، وَالْمَنَعَةَ بِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَرَجَاءَ أَنْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ اللهِ عَزّ وَجَلّ، فخرج إليهم وحده. [موقف ثقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم] قال ابن إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، قَالَ: لَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الطّائِفِ، عَمَدَ إلَى نَفَرٍ مِنْ ثَقِيفٍ، هُمْ يَوْمَئِذٍ سَادَةُ ثَقِيفٍ وَأَشْرَافُهُمْ، وَهُمْ إخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ يَالَيْل بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ، وَحَبِيبُ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يجعل الله فى الكره خيرا أشعرت أَنّ اللهَ قَدْ أَعْلَمَنِي أَنّهُ سَيُزَوّجُنِي مَعَك فِي الْجَنّةِ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ، وَكُلْثُومَ أُخْتَ مُوسَى، وَآسِيَةَ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ، فَقَالَتْ. اللهُ أَعْلَمَك بِهَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: بِالرّفَاءِ وَالْبَنِينَ، وَذُكِرَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَطْعَمَ خديجة من عنب الجنة «1» ؟.

_ (1) ليس لهذا سند صحيح

عُقْدَةَ بْنِ غِيرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ، وَعِنْدَ أَحَدِهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي جُمَحٍ، فَجَلَسَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ، وَكَلّمَهُمْ بِمَا جَاءَهُمْ لَهُ مِنْ نُصْرَتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالْقِيَامِ مَعَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ مِنْ قَوْمِهِ؛ فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمْ: هُوَ يَمْرُطُ ثِيَابَ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَ اللهُ أَرْسَلَك؛ وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَا وَجَدَ اللهُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرَك! وَقَالَ الثّالِثُ: وَاَللهِ لَا أُكَلّمُك أَبَدًا. لَئِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنْ اللهِ كَمَا تَقُولُ، لَأَنْتَ أَعْظَمُ خَطَرًا مِنْ أَنْ أَرُدّ عَلَيْك الْكَلَامَ، وَلَئِنْ كُنْت تَكْذِبُ عَلَى اللهِ، مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُكَلّمَك. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَقَدْ يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ- فِيمَا ذُكِرَ لِي-: إذَا فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنّي، وَكَرِهَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قَوْمَهُ عَنْهُ، فَيُذْئِرَهُمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ هشام: قال عبيد بن الأبرص: وَلَقَدْ أَتَانِي عَنْ تَمِيمٍ أَنّهُمْ ... ذَئِرُوا لِقَتْلَى عامر وتعصّبوا فلم يفعلوا، وأغروا به سفاءهم وَعَبِيدَهُمْ، يَسُبّونَهُ وَيَصِيحُونَ بِهِ، حَتّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النّاسُ، وَأَلْجَئُوهُ إلَى حَائِطٍ لِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهُمَا فِيهِ، وَرَجَعَ عَنْهُ مِنْ سُفَهَاءِ ثَقِيفٍ مَنْ كَانَ يَتْبَعُهُ، فَعَمَدَ إلَى ظِلّ حَبَلَةٍ مِنْ عِنَبٍ، فَجَلَسَ فِيهِ. وَابْنَا رَبِيعَةَ يَنْظُرَانِ إلَيْهِ، وَيَرَيَانِ مَا لَقِيَ مِنْ سُفَهَاءِ أَهْلِ الطّائِفِ، وَقَدْ لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما ذكر لِي- الْمَرْأَةَ الّتِي مِنْ بَنِي جُمَحٍ، فَقَالَ لها: ماذا لقينا من أحمائك؟ فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: فِيمَا ذُكِرَ لِي: اللهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ ولا قوّة إلا بك. قَالَ: فَلَمّا رَآهُ ابْنَا رَبِيعَةَ، عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ، وَمَا لَقِيَ، تَحَرّكَتْ لَهُ رَحِمُهُمَا فَدَعَوْا غُلَامًا لَهُمَا نَصْرَانِيّا، يُقَالُ لَهُ عَدّاسٌ فَقَالَا لَهُ: خذ قطفا من الْعِنَبِ، فَضَعْهُ فِي هَذَا الطّبَقِ، ثُمّ اذْهَبْ بِهِ إلَى ذَلِكَ الرّجُلِ، فَقُلْ لَهُ يَأْكُلُ مِنْهُ. فَفَعَلَ عَدّاسٌ، ثُمّ أَقْبَلَ بِهِ حَتّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ قَالَ لَهُ: كُلْ، فَلَمّا وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ يَدَهُ، قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، ثُمّ أَكَلَ، فَنَظَرَ عَدّاسٌ فِي وَجْهِهِ، ثُمّ قَالَ: وَاَللهِ إنّ هَذَا الْكَلَامَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ هَذِهِ الْبِلَادِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَمِنْ أَهْلِ أَيّ الْبِلَادِ أَنْتَ يَا عَدّاسُ، وَمَا دِينُك؟ قَالَ: نَصْرَانِيّ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ قَرْيَةِ الرّجُلِ الصّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتّى؟ فَقَالَ لَهُ عَدّاسٌ: وَمَا يُدْرِيك مَا يُونُسُ بْنُ مَتّى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ أَخِي، كَانَ نَبِيّا وَأَنَا نَبِيّ، فَأَكَبّ عَدّاسٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبّلُ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ. قَالَ: يَقُولُ ابْنَا رَبِيعَةَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَمّا غُلَامُك فَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْك. فَلَمّا جَاءَهُمَا عَدّاسٌ، قَالَا لَهُ: وَيْلَك يا عدّاس! ما لك تُقَبّلُ رَأْسَ هَذَا الرّجُلِ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ؟ قَالَ: يَا سَيّدِي مَا فِي الْأَرْضِ شَيْءٌ خَيْرٌ مِنْ هَذَا، لَقَدْ أَخْبَرَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر جن نصيبين

بِأَمْرِ مَا يَعْلَمُهُ إلّا نَبِيّ، قَالَا لَهُ: وَيْحَك يَا عَدّاسُ، لَا يَصْرِفَنّك عَنْ دِينِك، فإنّ دينك خير من دينه. [أمر جن نصيبين] قَالَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- انْصَرَفَ مِنْ الطّائِفِ رَاجِعًا إلَى مكة، حين يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ، حَتّى إذَا كَانَ بِنَخْلَةَ قَامَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ يُصَلّي، فَمَرّ بِهِ النّفَرُ مِنْ الْجِنّ الّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُمْ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ جِنّ أَهْلِ نَصِيبِينَ فَاسْتَمَعُوا لَهُ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلّوْا إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، قَدْ آمَنُوا وَأَجَابُوا إلَى مَا سَمِعُوا. فَقَصّ اللهُ خَبَرَهُمْ عَلَيْهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ اللهُ عَزّ وَجَلّ وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ مِنْ خَبَرِهِمْ فِي هَذِهِ السّورَةِ. [عَرْضُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ، وَقَوْمُهُ أَشَدّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ وَفِرَاقِ دِينِهِ، إلا قليلا مستضعفين، ممن آمن به. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ فِي الْمَوَاسِمِ، إذَا كَانَتْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ

عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُوهُمْ إلَى اللهِ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنّهُ نَبِيّ مُرْسَلٌ، وَيَسْأَلُهُمْ أَنْ يُصَدّقُوهُ وَيَمْنَعُوهُ حتى يبين عن اللهُ مَا بَعَثَهُ بِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مِنْ أَصْحَابِنَا، مَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ زيد بن أسلم عن رَبِيعَةَ بْنِ عَبّادٍ الدّيلِيّ أَوْ مَنْ حَدّثَهُ أَبُو الزّنَادِ عَنْهُ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: رَبِيعَةُ ابن عَبّادٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: سَمِعْت رَبِيعَةَ بْنَ عَبّادٍ، يُحَدّثُهُ أَبِي، قَالَ: إنّي لَغُلَامٌ شَابّ مَعَ أَبِي بِمِنًى، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقِفُ عَلَى مَنَازِلِ الْقَبَائِلِ مِنْ الْعَرَبِ، فَيَقُولُ: يَا بَنِي فُلَانٍ، إنّي رَسُولُ اللهِ إلَيْكُمْ، يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَخْلَعُوا مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْدَادِ، وَأَنْ تُؤْمِنُوا بِي، وَتُصَدّقُوا بِي، وَتَمْنَعُونِي، حَتّى أُبَيّنَ عَنْ اللهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ. قَالَ: وَخَلْفَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ وَضِيءٌ، لَهُ غَدِيرَتَانِ عَلَيْهِ حُلّةٌ عَدَنِيّةٌ، فَإِذَا فَرَغَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم من قوله، وَمَا دَعَا إلَيْهِ، قَالَ ذَلِكَ الرّجُلُ: يَا بَنِي فُلَانٍ، إنّ هَذَا إنّمَا يَدْعُوكُمْ أَنْ تَسْلُخُوا اللّاتَ وَالْعُزّى مِنْ أَعْنَاقِكُمْ، وَحَلْفَاءَكُمْ مِنْ الجنّ من بنى مالك ابن أُقَيْشٍ، إلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْبِدْعَةِ وَالضّلَالَةِ، فَلَا تُطِيعُوهُ، وَلَا تَسْمَعُوا مِنْهُ. قَالَ: فَقُلْت لِأَبِي: يَا أَبَتِ، مَنْ هَذَا الّذِي يَتْبَعُهُ وَيَرُدّ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ؟ قَالَ: هَذَا عَمّهُ عَبْدُ الْعُزّى بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَبُو لهب. قال ابن هشام: قال النابغة: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

العرض على بنى كلب

كَأَنّك مِنْ جِمَالِ بَنِي أُقَيْشٍ ... يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ: أَنّهُ أَتَى كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَفِيهِمْ سَيّدٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: مُلَيْحٌ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فأبوا عليه. [العرض على بنى كلب] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنّهُ أَتَى كَلْبًا فِي مَنَازِلِهِمْ، إلَى بَطْنٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَبْدِ اللهِ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، حَتّى إنّهُ لَيَقُولُ لَهُمْ: يَا بَنِي عَبْدِ اللهِ، إنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ أَحْسَنَ اسْمَ أَبِيكُمْ، فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عليهم. [العرض على بنى حنيفة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتَى بَنِي حَنِيفَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ أَقْبَحَ عَلَيْهِ رَدّا منهم. [العرض عَلَى بَنِي عَامِرٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ أَنّهُ أَتَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ- يُقَالُ لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عرض على العرب فى المواسم

بَيْحَرَةُ بْنُ فِرَاسٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فِرَاسُ بن عبد الله بن سلمة بن قشير ابن كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ: وَاَللهِ، لَوْ أَنّي أَخَذْت هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ، لَأَكَلْتُ بِهِ الْعَرَبَ، ثُمّ قَالَ: أَرَأَيْتَ إن نحن تابعناك على أمرك، ثم أَظْهَرَك اللهُ عَلَى مَنْ خَالَفَك، أَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِك؟ قَالَ: الْأَمْرُ إلَى اللهِ يضعه حيث يشاء، قال: فقال له: أفنهدف نَحُورُنَا لِلْعَرَبِ دُونَك، فَإِذَا أَظْهَرَك اللهُ كَانَ الْأَمْرُ لِغَيْرِنَا! لَا حَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِك، فَأَبَوْا عَلَيْهِ. فَلَمّا صَدَرَ النّاسُ رَجَعَتْ بَنُو عَامِرٍ إلَى شَيْخٍ لَهُمْ، قَدْ كَانَتْ أَدْرَكَتْهُ السّنّ، حَتّى لَا يَقْدِرَ أَنْ يُوَافِيَ مَعَهُمْ الْمَوَاسِمَ، فَكَانُوا إذَا رَجَعُوا إلَيْهِ حَدّثُوهُ بِمَا يَكُونُ فِي ذَلِك الْمَوْسِمِ، فَلَمّا قَدِمُوا عَلَيْهِ ذَلِك الْعَامَ سَأَلَهُمْ عَمّا كَانَ فِي مَوْسِمِهِمْ، فَقَالُوا: جَاءَنَا فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِيّ، يَدْعُونَا إلَى أَنْ نَمْنَعَهُ وَنَقُومَ مَعَهُ، وَنَخْرُجَ بِهِ إلَى بِلَادِنَا. قَالَ: فَوَضَعَ الشّيْخُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ ثُمّ قَالَ: يَا بَنِي عَامِرٍ، هَلْ لَهَا مِنْ تَلَافٍ، هَلْ لِذُنَابَاهَا مِنْ مَطْلَبٍ، وَاَلّذِي نَفْسُ فُلَانٍ بِيَدِهِ، مَا تَقَوّلَهَا إسْمَاعِيلِيّ قَطّ، وَإِنّهَا لَحَقّ، فَأَيْنَ رَأْيُكُمْ كَانَ عَنْكُمْ. [عرض عَلَى الْعَرَبِ فِي الْمَوَاسِمِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ، كُلّمَا اجْتَمَعَ لَهُ النّاسُ بِالْمَوْسِمِ أَتَاهُمْ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إلَى اللهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، وَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللهِ مِنْ الْهُدَى وَالرّحْمَةِ، وَهُوَ لا يسمع ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث سويد بن صامت

يقادم يَقْدَمُ مَكّةَ مِنْ الْعَرَبِ، لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ، إلّا تَصَدّى لَهُ، فَدَعَاهُ إلَى اللهِ، وَعَرَضَ عليه ما عنده. [حديث سويد بن صامت] قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ، ثُمّ الظّفَرِيّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: قَدِمَ سُوَيْدُ بْنُ صَامِتٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، مَكّةَ حَاجّا أو معتمرا، وَكَانَ سُوَيْدُ إنّمَا يُسَمّيهِ قَوْمُهُ فِيهِمْ: الْكَامِلَ، لِجَلَدِهِ وَشِعْرِهِ وَشَرَفِهِ وَنَسَبِهِ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ: أَلَا رُبّ مَنْ تَدْعُو صَدِيقًا وَلَوْ تَرَى ... مَقَالَتَهُ بِالْغَيْبِ سَاءَك مَا يَفْرِي مَقَالَتُهُ كَالشّهْدِ مَا كَانَ شَاهِدًا ... وَبِالْغَيْبِ مَأْثُورٌ عَلَى ثُغْرَةِ النّحْر يَسُرّك بَادِيهِ وَتَحْتَ أَدِيَمِهِ ... نَمِيمَةُ غِشّ تَبْتَرِي عَقَبَ الظّهْرِ تُبِينُ لَك الْعَيْنَانِ مَا هُوَ كَاتِمٌ ... مِنْ الْغِلّ وَالْبَغْضَاءِ بِالنّظَرِ الشّزْرِ فَرِشْنِي بخير طَالَمَا قَدْ بَرَيْتنِي ... وَخَيْرُ الْمَوَالِي مَنْ يَرِيشُ وَلَا يَبْرِي وَهُوَ الّذِي يَقُولُ: وَنَافَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، ثُمّ أَحَدَ بَنِي زِعْبِ بْنِ مَالِكٍ مِئَةَ نَاقَةٍ، إلَى كَاهِنَةٍ مِنْ كُهّانِ الْعَرَبِ، فَقَضَتْ لَهُ. فانصرف عنها هو والسّلمىّ ليس معهما غيرهما، فَلَمّا فَرّقَتْ بَيْنَهُمَا الطّرِيقُ، قَالَ: مَالِي، يَا أَخَا بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ: أَبْعَثُ إلَيْك بِهِ؛ قَالَ: فَمَنْ لِي بِذَلِكَ إذَا فُتّنِي بِهِ؟ قال: أنا، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ: كَلّا، وَاَلّذِي نَفْسُ سُوَيْدٍ بِيَدِهِ، لَا تفارقنّى حتى أوتى بمال، فَاِتّخَذَا فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، ثُمّ أَوْثَقَهُ رِبَاطًا ثُمّ انْطَلَقَ بِهِ إلَى دَارِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتّى بَعَثَتْ إلَيْهِ سُلَيْمٌ بِاَلّذِي لَهُ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ: لَا تَحْسَبَنّي يَا بْنَ زِعْبِ بْنِ مَالِكٍ ... كَمَنْ كُنْتَ تُرْدِي بِالْغُيُوبِ وَتَخْتِلُ تَحَوّلْت قِرْنًا إذْ صُرِعْتَ بِعِزّةٍ ... كَذَلِكَ إِنّ الْحَازِمَ الْمُتَحَوّلُ ضَرَبْتُ بِهِ إِبْطَ الشّمَالِ فَلَمْ يَزَلْ ... عَلَى كُلّ حَال خَدّه هُوَ أَسْفَلُ فِي أَشْعَارٍ كَثِيرَةٍ كَانَ يَقُولُهَا. فَتَصَدّى لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ، فَدَعَاهُ إلَى اللهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ سُوَيْدٌ: فَلَعَلّ الّذِي مَعَك مِثْلُ الّذِي مَعِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَمَا الّذِي مَعَك؟ قَالَ مَجَلّةُ لُقْمَانَ- يَعْنِي حِكْمَةَ لُقْمَانَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: اعْرِضْهَا عَلَيّ فَعَرَضَهَا عليه، فقال له: إن هذا الكلام حَسَنٌ، وَاَلّذِي مَعِي أَفَضْلُ مِنْ هَذَا، قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيّ، هُوَ هُدًى وَنُورٌ. فَتَلَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقُرْآنَ، وَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ، وَقَالَ: إنّ هَذَا لَقَوْلٌ حَسَنٌ. ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى قَوْمِهِ، فَلَمْ يلبث أن قتلته الخزرج، فإن كَانَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ لَيَقُولُونَ: إنّا لَنَرَاهُ قَدْ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ. وَكَانَ قَتْلُهُ قَبْلَ يوم بعاث. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام إياس بن معاذ وقصة أبى الحيسر

[إسْلَامُ إيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ وَقِصّةُ أَبِي الْحَيْسَرِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرحمن بن عمرو بن سعد ابن مُعَاذٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ: لَمّا قَدِمَ أَبُو الْحَيْسَرِ، أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ، مَكّةَ وَمَعَهُ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فِيهِمْ إيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ، يَلْتَمِسُونَ الْحِلْفَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى قَوْمِهِمْ مِنْ الْخَزْرَجِ، سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَأَتَاهُمْ فَجَلَسَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ لَكُمْ فِي خَيْرٍ مِمّا جِئْتُمْ لَهُ؟ فَقَالُوا لَهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللهِ بَعَثَنِي إلَى الْعِبَادِ، أَدْعُوهُمْ إلَى أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْزَلَ عَلَيّ الْكِتَابَ. قَالَ: ثُمّ ذَكَرَ لَهُمْ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ. قَالَ: فقال إياس ابن مُعَاذٍ، وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا: أَيْ قَوْمِ، هَذَا وَاَللهِ خَيْرٌ مِمّا جِئْتُمْ لَهُ. قَالَ: فَيَأْخُذُ أَبُو الْحَيْسَرِ، أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ، حَفْنَةً مِنْ تُرَابِ الْبَطْحَاءِ، فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَ إيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ، وَقَالَ: دَعْنَا مِنْك، فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا. قَالَ: فَصَمَتَ إيَاسٌ، وَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُمْ، وَانْصَرَفُوا إلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ. قَالَ: ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ إيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْ هَلَكَ. قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: أَنّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَهُ يُهَلّلُ اللهَ تَعَالَى وَيُكَبّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُسَبّحُهُ حَتّى مَاتَ، فَمَا كَانُوا يَشُكّونَ أَنْ قَدْ مَاتَ مُسْلِمًا، لَقَدْ كَانَ اشتشعر الْإِسْلَامَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، حِينَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما سمع. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الرسول مع نفر من الخزرج عند العقبة

[الرسول مع نفر مِنْ الْخَزْرَجِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا أَرَادَ اللهُ عَزّ وَجَلّ إظْهَارَ دِينِهِ، وَإِعْزَازَ نَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَإِنْجَازَ مَوْعِدِهِ لَهُ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْمَوْسِمِ الّذِي لَقِيَهُ فِيهِ النّفَرُ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي كُلّ مَوْسِمٍ. فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا مِنْ الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللهُ بِهِمْ خَيْرًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: لَمّا لَقِيَهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لَهُمْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَفَرٌ مِنْ الْخَزْرَجِ، قَالَ: أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَفَلَا تَجْلِسُونَ أُكَلّمُكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. فَجَلَسُوا مَعَهُ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الإسلام، وتلا عليهم القرآن. وكان مما صنع الله لهم به فِي الْإِسْلَامِ، أَنّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ، وَكَانُوا هُمْ أهل شرك وأصحاب أوثان، وكانوا قد عزّوهم بِبِلَادِهِمْ، فَكَانُوا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ قَالُوا لهم: إن نبيّا مبعوث الآن، قد أَظَلّ زَمَانُهُ، نَتّبِعُهُ فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ. فَلَمّا كَلّمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُولَئِكَ النّفَرَ، وَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: يَا قَوْمِ، تَعْلَمُوا وَاَللهِ إنّهُ لَلنّبِيّ الّذِي تَوَعّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ، فَلَا تَسْبِقُنّكُمْ إلَيْهِ. فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ، بِأَنْ صَدّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَقَالُوا: إنّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا، وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسماء الخزرجيين الذين التقوا بالرسول عند العقبة

وَالشّرّ مَا بَيْنَهُمْ، فَعَسَى أَنْ يَجْمَعَهُمْ اللهُ بِك، فَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ، فَنَدْعُوهُمْ إلَى أَمْرِك، وَتَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الّذِي أَجَبْنَاك إلَيْهِ مِنْ هَذَا الدّينِ، فَإِنْ يَجْمَعْهُمْ اللهُ عَلَيْهِ فَلَا رَجُلَ أَعَزّ مِنْك. ثُمّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ، وَقَدْ آمنوا وصدّقوا. [أسماء الْخَزْرَجِيّينَ الّذِينَ الْتَقَوْا بِالرّسُولِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهُمْ- فِيمَا ذُكِرَ لِي: سِتّةُ نَفَرٍ مِنْ الْخَزْرَجِ، مِنْهُمْ مِنْ بَنِي النّجّارِ- وَهُوَ تَيْمُ اللهِ- ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ: أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وهو أبو أمامة، وعوف بن الحارث ابن رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَعَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْد بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ ابن مَالِكِ بْنِ النّجّارِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جشم بن الخزرج: رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَامِرُ بْنُ الْأَزْرَقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ ابن جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ: قطبة ابن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم بْنِ سَوَادِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ، وَلَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ: غَنْمٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كعب بن غنم بن كعب بن سلمة: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ. وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: جَابِرُ بن عبد الله ابن رِئَابِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ. فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ إلَى قَوْمِهِمْ ذَكَرُوا لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ حَتّى فَشَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلّا وَفِيهَا ذِكْرٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطّائِفِ وَسَنَذْكُرُ السّبَبَ فِي تَسْمِيَتِهَا بِالطّائِفِ، وَأَنّ الدّمّونَ!! رَجُلٌ مِنْ الصّدِفِ مِنْ حَضْرَمَوْتَ نَزَلَهَا، فَقَالَ لِأَهْلِهَا. أَلَا أَبْنِي لَكُمْ حَائِطًا يُطِيفُ بِبَلْدَتِكُمْ فَبَنَاهُ، فَسُمّيَتْ: الطّائِفَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمّا سَنَذْكُرُهُ. وَقَوْلُهُ: فَيُذْئِرَهَا عَلَيْهِ، قَدْ فَسّرَهُ ابْنُ هِشَامٍ، وَأَنْشَدَ: ذَئِرُوا لِقَتْلَى عَامِرٍ وَتَعَصّبُوا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي الْحَدِيثِ لَمّا نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَرْبِ النّسَاءِ قَالَ: ذئير النّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنّ، وَفَسّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِالنّشُوزِ عَلَى الْأَزْوَاجِ، وَأَنْشَدَ الْبَيْتَ الّذِي أَنْشَدَهُ ابْنُ هِشَامٍ، وَمَعْنَى كَلَامِهِمَا وَاحِدٌ. وَذَكَرَ مَا لَقِيَ مِنْ أَشْرَافِ ثَقِيفٍ، وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ زِيَادَةً فِي الْحَدِيثِ حِينَ أَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ، قَالَ: وَكَانَ يَمْشِي بَيْنَ سِمَاطَيْنِ مِنْهُمْ، فَكُلّمَا نَقَلُوا قَدَمًا، رَجَمُوا عَرَاقِيبَهُ بِالْحِجَارَةِ، حَتّى اخْتَضَبَ نَعْلَاهُ بِالدّمَاءِ، وَذَكَرَ التّيْمِيّ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عُقْبَةَ، وَزَادَ قَالَ: كَانَ إذَا أَذْلَقَتْهُ «1» الْحِجَارَةُ، قَعَدَ إلَى الْأَرْضِ، فَيَأْخُذُونَ بِعَضُدَيْهِ «2» ، فَيُقِيمُونَهُ فَإِذَا مَشَى رَجَمُوهُ، وَهُمْ يَضْحَكُونَ حَتّى انْتَهَى إلَى الْمَوْضِعِ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ حَائِطِ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَلَسَ إلَى ظِلّ حَبَلَةٍ، وَالْحَبَلَةُ الْكَرْمَةُ، اُشْتُقّ اسْمُهَا مِنْ الْحَبَلِ، لِأَنّهَا تَحْمِلُ بِالْعِنَبِ، وَلِذَلِكَ فُتِحَ حَمْلُ الشّجَرَةِ وَالنّخْلَةِ، فَقِيلَ: حَمْلٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ تَشْبِيهًا بِحَمْلِ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ: حَمْلٌ بِالْكَسْرِ تَشْبِيهًا بِالْحَمْلِ الّذِي عَلَى الظّهْرِ «3» ، وَمَنْ قَالَ فِي الْكَرْمَةِ حَبْلَةً بِسُكُونِ الْبَاءِ، فَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ،

_ (1) فى النهاية لابن الأثير: «فى حديث ما عز: فلما أذلقته الحجارة جمر وفر، أى بلغب منه منتهى الجهد حتى قلق» . (2) فيها أربع لغات: كسر الضاد وضمها وسكونها مع فتح العين، وبضم العين مع سكون الضاد (3) فى إصلاح المنطق لابن السكيت: الحمل- بفتح الحاء- ما كان فى بطن، أو على رأس شجرة، وجمعه أحمال، والحمل- بكسر الحاء- ما حمل على ظهر أو رأس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ كَيْسَانَ فِي نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ «1» ، إنّهُ بَيْعُ الْعِنَبِ قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ التّمْرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي الْأَرَضِينَ الّتِي اُفْتُتِحَتْ فِي زَمَانِهِ- وَقَدْ قِيلَ لَهُ: قَسّمْهَا عَلَى الّذِينَ افْتَتَحُوهَا- فَقَالَ: وَاَللهِ لَأَدَعَنّهَا حَتّى يُجَاهِدَ بِهَا حَبَلُ الْحَبَلَةِ، يُرِيدُ: أَوْلَادَهَا فِي الْبُطُونِ. ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، وَالْقَوْلُ الّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَقَعَ فِي كِتَابِ الْأَلْفَاظِ لِيَعْقُوبَ وَإِنّمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ دُخُولُ الْهَاءِ فِي الْحَبَلَةِ، حَتّى قَالُوا فِيهِ أَقْوَالًا كُلّهَا هَبَاءٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنّمَا قَالَ الْحَبَلَةَ لِأَنّهَا بَهِيمَةٌ أَوْ جَنِينَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: دَخَلَتْ لِلْجَمَاعَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لِلْمُبَالَغَةِ، وَهَذَا كُلّهُ يَنْعَكِسُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: حَبَلَ الْحَبَلَةِ، فَإِنّهُ لَمْ تَدْخُلْ التّاءُ إلّا فِي أَحَدِ اللّفْظَيْنِ دُونَ الثّانِي، وَتَبْطُلُ أَيْضًا عَلَى مَنْ قَالَ أَرَادَ: مَعْنَى الْبَهِيمَةِ بِحَدِيثِ عُمَرَ الْمُتَقَدّمِ، وَإِنّمَا النّكْتَةُ فِي ذلك أن الحبل مادام حَبَلًا لَا يُدْرَى: أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى، لَمْ يُسَمّ حَبَلًا، فَإِذَا كَانَتْ أُنْثَى، وَبَلَغَتْ حَدّ الْحَمْلِ، فَحَبَلَتْ فَذَاكَ الْحَبَلُ هُوَ الّذِي نَهَى عَنْ بَيْعِهِ، وَالْأَوّلُ قَدْ عُلِمَتْ أُنُوثَتُهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، فَعَبّرَ عَنْهُ بِالْحَبَلَةِ، وَصَارَ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْجَنِينَةِ التى كانت حبلا لا يعرف ماهى، ثُمّ عُرِفَ بَعْدَ الْوَضْعِ، وَكَذَلِكَ فِي الْآدَمِيّينَ، فَإِذًا لَا يُقَالُ لَهَا: حَبَلَةٌ إلّا بَعْدَ المعرفة بأنها أنثى،

_ (1) فى القاموس: الحبلة- بضم الحاء- الكرم أو أصل من أصوله، والحبل محركة: شجر العنب، وربما سكن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَعِنْدَ ذِكْرِ الْحَبَلِ الثّانِي لِأَنّ هَذِهِ الْأُنْثَى قَبْلَ أَنْ تَحْبَلَ، وَهِيَ صَغِيرَةٌ: رِخْلَى، وَتُسَمّى أَيْضًا حَائِلًا وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، وَقَدْ زَالَ عَنْهَا اسْمُ الْحَبَلِ فَإِذَا حَبَلَتْ، وَذَكّرَ حَبَلَهَا وَازْدَوَجَ ذَكّرَهُ مَعَ الْحَالَةِ الْأُولَى الّتِي كَانَتْ فِيهَا حَبَلًا فَرّقَ بَيْنَ اللّفْظَيْنِ بِتَاءِ التّأْنِيثِ، وَخُصّ اللّفْظُ الّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأُنْثَى بِالتّاءِ دُونَ اللّفْظ الّذِي لَا يُدْرَى مَا هُوَ: أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى، وَقَدْ كَانَ الْمَعْنَى قَرِيبًا وَالْمَأْخَذُ سَهْلًا لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْإِطَالَةِ لَوْلَا مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ تَخْلِيطِهِمْ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْكَلَامِ الْفَصِيحِ الْبَلِيغِ الّذِي لَا يَقْدِرُ قَدْرَهُ فِي الْبَلَاغَةِ إلّا عَالِمٌ بِجَوْهَرِ الْكَلَامِ. نُورُ اللهِ وَوَجْهُهُ فَصْلٌ: وَذَكَرَ دُعَاءَهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- عِنْدَ الشّدّةِ، وَقَوْلُهُ: اللهُمّ إنّي أَشْكُو إلَيْك ضَعْفَ قُوّتِي وَقِلّةَ حِيلَتِي إلَى آخِرِ الدّعَاءِ، وَفِيهِ: أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الْكَرِيمِ الّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ الظّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيُسْأَلُ عَنْ النّورِ هُنَا، وَمَعْنَى الْوَجْهِ، وَإِشْرَاقِ الظّلُمَاتِ، أَمَا الْوَجْهُ إذَا جَاءَ ذِكْرُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسّنّةِ، فَهُوَ يَنْقَسِمُ فِي الذّكْرِ إلَى مَوْطِنَيْنِ: مَوْطِنِ تَقَرّبٍ وَاسْتِرْضَاءٍ بِعَمَلِ، كَقَوْلِهِ تعالى: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وكقوله: إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى فَالْمَطْلُوبُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ: رِضَاهُ وَقَبُولُهُ لِلْعَمَلِ، وَإِقْبَالُهُ عَلَى الْعَبْدِ الْعَامِلِ، وَأَصْلُهُ أَنّ مَنْ رَضِيَ عَنْك، أَقْبَلَ عَلَيْك، وَمَنْ غَضِبَ عَلَيْك أَعْرَضَ عَنْك، وَلَمْ يُرِك وَجْهَهُ، فَأَفَادَ قَوْلُهُ: بِوَجْهِك هَاهُنَا مَعْنَى الرّضَى وَالْقَبُولِ، وَالْإِقْبَالِ، وَلَيْسَ بِصِلَةِ فِي الْكَلَامِ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِأَنّ قَوْلَهُ ذَلِكَ هُرَاءٌ مِنْ الْقَوْلِ، وَمَعْنَى الصّلَةِ عِنْدَهُ: أَنّهَا كَلِمَةٌ لَا تُفِيدُ إلّا تأكيدا للكلام،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ غَلُظَ طَبْعُهُ وَبَعُدَ بِالْعُجْمَةِ عَنْ فَهْمِ الْبَلَاغَةِ قَلْبُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ هُوَ وَمَنْ قَلّدَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ الرّحْمَنَ: 27 أَيْ يَبْقَى رَبّك، وَكُلّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلّا وَجْهَهُ، أَيْ: إلّا إيّاهُ، فَعَلَى هَذَا قَدْ خَلَا ذِكْرُ، الْوَجْهِ مِنْ حِكْمَةٍ، وَكَيْفَ تَخْلُو كَلِمَةٌ مِنْهُ مِنْ الْحِكْمَةِ، وَهُوَ الكتاب الحكيم، ولكن هذا هو الموطن للثانى مِنْ مَوَاطِنِ ذِكْرِ الْوَجْهِ، وَالْمَعْنَى بِهِ مَا ظَهَرَ إلَى الْقُلُوبِ وَالْبَصَائِرِ مِنْ أَوْصَافِ جَلَالِهِ ومجده، والوجه لغة ما ظهر من الشىء مَعْقُولًا كَانَ أَوْ مَحْسُوسًا، تَقُولُ: هَذَا وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ، وَوَجْهُ الْحَدِيثِ، أَيْ: الظّاهِرُ إلَى رَأْيِك مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الثّوْبُ مَا ظَهَرَ إلَى بَصَرِك مِنْهُ، وَالْبَصَائِرُ لَا تُحِيطُ بِأَوْصَافِ جَلَالِهِ، وَمَا يَظْهَرُ لَهَا مِنْ ذَلِكَ أَقَلّ مِمّا يَغِيبُ عَنْهَا، وَهُوَ الظّاهِرُ وَالْبَاطِنُ- تَعَالَى وَجَلّ- وَكَذَلِكَ فِي الْجَنّةِ نَظَرُ أَهْلِهَا إلَى وَجْهِهِ سُبْحَانَهُ إنّمَا هُوَ نَظَرٌ إلَى مَا يَرَوْنَ مِنْ ظَاهِرِ جَلَالِهِ إلَيْهِمْ عِنْدَ تَجَلّيهِ، وَرَفْعِ الْحِجَابِ دُونَهُمْ، وَمَا لَا يُدْرِكُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَلَالِ أَكْثَرُ مِمّا أَدْرَكُوا. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ الرّحْمَنَ: 26، 27 لَمّا كَانَتْ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَدْ أَظَهَرَتْ مِنْ قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، مَا أَظَهَرَتْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنّ فَنَاءَهَا لَا يُغَيّرُ مَا عُلِمَ مِنْ سُلْطَانِهِ وَظَهَرَ إلَى الْبَصَائِرِ مِنْ جَلَالِهِ، فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْجَلَالُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا، وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ فَنَائِهَا كَمَا كَانَ فِي الْقِدَمِ، فَهُوَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ: تَجَلّلَ بِالْبَهَاءِ وَأَكْرَمَ مَنْ شَاءَ بِالنّظَرِ إلَى وَجْهِهِ أَمّا الْأَشْعَرِيّ فَذَهَبَ فِي مَعْنَى الْوَجْهِ إلَى مَا ذَهَبَ فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعَيْنِ وَالْيَدِ، وَأَنّهَا صِفَاتٌ لِلّهِ تَعَالَى لَمْ تُعْلَمْ مِنْ جِهَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْعُقُولِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الشّرْعِ الْمَنْقُولِ، وَهَذِهِ عُجْمَةٌ أَيْضًا فَإِنّهُ نَزَلَ بِلِسَانِ عَرَبِيّ مُبِينٍ، فَقَدْ فَهِمَتْهُ الْعَرَبُ لَمّا نَزَلَ بِلِسَانِهَا، وَلَيْسَ فِي لُغَتِهَا أَنّ الْوَجْهَ صِفَةٌ وَلَا إشْكَالَ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْهُمْ، وَلَا عَلَى الْكَافِرِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيِ الّتِي، اُحْتِيجَ آخِرَ الزّمَانِ إلى الكلام فيها مَعَ الْعُجْمَانِ، لِأَنّ الْمُؤْمِنَ لَمْ يَخْشَ عَلَى عَقِيدَتِهِ شَكّا وَلَا تَشْبِيهًا، فَلَمْ يَسْتَفْسِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ رَسُولَ اللهِ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَلَا سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ الّتِي هِيَ الْيَوْمَ مُشْكِلَةٌ عِنْدَ عَوَامّ النّاسِ «1» ، وَلَا الْكَافِرُ فِي ذَلِكَ

_ (1) كلامه هنا جيد، ولقد سأل الصحابة عن المحيض، والأنفال واليتامى، والقتال فى الشهر الحرام، وعن الخمر والميسر، وعما ينفقون، وعن غير ذلك كما بين كتاب الله، والمتدبر لما أثبته القرآن من أسئلتهم لا يجد من بينها سؤالا عن عين الله أو وجهه أو يديه مما يؤكد أنهم آمنوا بأن لله سبحانه كل هذا الذى ذكر فى القرآن، وأنهم آمنوا بأن ما يضاف إلى الخلاق لا يمكن أن يكون مشبها لما يضاف إلى المخلوق، لأن الله يقول (ليس كمثله شىء) ولأن العقل الصحيح يحيل ذلك أما الأشعرى فهو على بن إسماعيل بن إسحاق وكنيته أبو الحسن ولد بالبصرة سنة 270 هـ. أو 260 هـ. وقد أقام على دين المعتزلة قرابة أربعين عاما، ثم غاب عن الناس مدة خمسة عشر يوما، ثم خرج إلى المسجد الجامع بالبصرة، فصعد على منبره ونادى بصوت جهورى: أنا فلان بن فلان، اشهدوا على أنى كنت على غير دين الإسلام، وأنى قد أسلمت الساعة. وأنى تائب مما كنت أقول بالاعتزال، ثم نول، ومضى يؤلف الكتب ضد المعتزلة والرافضة والجهمية والخوارج، ولكن كان لا يزال يعانى مسا من الاعتزال بدا فى تأويله لبعض الصفات فكان مذهبه مزيجا من آراء المعتزلة وآراء المحدثين، ثم انتهى به الأمر إلى تأييد مذهب أهل السنة فى الصفات. وإليك ما انتهى إليه أمره فى أمر الصفات الإلهية: «إن كثيرا من الزائغين عن الحق من المعتزلة، وأهل القدر مالت بهم-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ - أهواؤهم إلى تقليد رؤسائهم، ومن مضى من أسلافهم، فتأولوا من القرآن على آرائهم تأويلا لم ينزل الله به سلطانا، ولا أوضح به برهانا، ولا نقلوه عن رسول رب العالمين، ولا عن السلف المتقدمين، فخالفوا روايات الصحابة عليهم السلام عن نبى الله صلوات الله عليه وسلامه فى رؤية الله عز وجل بالأبصار، ودفعوا أن يكون لله وجه مع قوله عز وجل: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ وأنكروا أن يكون له يدان مع قوله: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وأنكروا أن يكون له عين مع قوله تَجْرِي بِأَعْيُنِنا، وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي وبعد أن أصدر حكمه على مؤولة الصفات ومعطلتها بالزيغ قال: «فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة. فعرفرنا قولكم الذى به تقولون وديانتكم التى بها تدينون، قيل له، قولنا الذى نقوله به، وديانتنا التى ندين بها: التمسك بكتاب ربنا عز وجل وبسنة نبينا «ص» ، وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، ثم فصل معتقده تفصيلا واضحا، ورد فى قوة على مؤولة الصفات، وإليك بعض ما قاله: «فمن سألنا، فقال: أتقولون: إن لله سبحانه وجها؟ قيل له نقول ذلك خلافا لما قاله المبتدعون. وقد دل على ذلك قول الله عز وجل: (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) وإن سئلنا: أتقولون إن لله يدين؟ قيل نقول ذلك، وقد دل عليه قوله عز وجل: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) وقال عز وجل: (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) وقال عز وجل: (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) الخ. وقد ذكر كل هذا فى كتابه الإبانة تحت هذا العنوان «باب الكلام فى الوجه والعينين والبصر واليدين» كما فصل معتقده فى كتابه (مقالات الإسلاميين، وقد ورد معتقده فى كتاب الإبانة من ص 7 إلى ص 41 وهو مطبوع سنة 1348. أما فى مقالات الإسلاميين فقد ورد فى ص 320 وما بعدها ح 1 من طبع النهضة. وانظر أيضا تبيين كذب المفترى فيما نسب إلى الإمام أبى الحسن الأشعرى للامام ابن عساكر فقد فصل ما ذكره الأشعرى فى الإبانة، وانظر كتابى «الصفات الإلهية» فقد استقصيت فيه القول عن الصفات عن-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الزّمَانِ لَمْ يَتَعَلّقْ بِهَا فِي مَعْرِضِ الْمُنَاقَضَةِ وَالْمُجَادَلَةِ، كَمَا فَعَلُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكُمْ

_ - أكثر أئمة الأشاعرة كالباقلانى والجوينى وابن فورك والرازى والغزالى. هذا وقد فصل الإمام الجليل ابن القيم آراء المؤولة والمعطلة فى الصفات كتابه الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ط السلفية سنة 1348 وإليك بعض ما ذكره باختصار «وجه الرب جل جلاله حيث ورد فى الكتاب والسنة، فليس بمجاز بل على حقيقته، واختلف المعطلون فى جهة التجوز فى هذا فقالت طائفة: لفظ الوجه زائد، والتقدير: ويبقى ربك ... وقالت فرقة أخرى منهم الوجه بمعنى الذات، وهذا قول أولئك وإن اختلفوا فى التعبير عنه، وقالت فرقة: ثوابه، وجزاؤه، فجعله هؤلاء مخلوقا منفصلا، قالوا: لأن المراد هو الثواب، وهذه أقوال نعوذ بوجه الله العظيم من أن يجعلنا من أهلها» ثم ذكر الإمام ابن القيم مارد به عثمان بن سعيد الدارمى على بشر المريسى فقال: «لما فرغ المريسى من إنكار اليدين ونفيهما عن الله أقبل قبل وجه الله ذى الجلال والإكرام، لينفيه عنه، كما نفى عنه اليدين، فلم يدع غاية فى إنكار وجه الله ذى الجلال والإكرام والجحود به حتى ادعى أن وجه الله الذى وصفه بأنه ذو الجلال والإكرام مخلوق، لأنه ادعى أنه أعمال مخلوقه يتوجه بها إليه، وثواب وإنعام مخلوق يثيب به العامل، وزعم أنه قبلة الله، وقبلة الله لا شك مخلوقة» ثم ذكر بالتفصيل مارد به الدارمى على المريسى لإثبات أن لله وجها حقيقة لا مجازا بستة وعشرين وجها منها: أن الصحابة رضى الله عنهم والتابعين وجميع أهل السنة والحديث والأئمة الأربعة وأهل الاستقامة من أتباعهم متفقون على أن المؤمنين يرون وجه ربهم فى الجنة، وهى الزيادة التى فسر بها النبى «ص» والصحابة: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) فروى مسلم فى صحيحه بإسناده عن النبى «ص» فى قوله: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) قال: النظر إلى وجه الله تعالى، فمن أنكر حقيقة الوجه، لم يكن للنظر عنده حقيقة ولا سيما إذا أنكر الوجه والعلو فيعود النظر عنده إلى خيال مجرد ص 174 وما بعدها ح 2 الصواعق المرسلة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الْأَنْبِيَاءَ: 98 وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ: يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّ اللهَ مَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمّ يُثْبِتُ لَهُ وَجْهًا وَيَدَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَدَلّ عَلَى أَنّهُمْ لَمْ يَرَوْا فِي الْآيَةِ إشْكَالًا، وَتَلَقّوْا مَعَانِيَهَا عَلَى غَيْرِ التّشْبِيهِ، وَعَرَفُوا مِنْ سَمَانَةِ الْكَلَامِ، وَمَلَاحَةِ الِاسْتِعَارَةِ أَنّهُ مُعْجِزٌ، فَلَمْ يَتَعَاطَوْا لَهُ مُعَارَضَةً، وَلَا تَوَهّمُوا فِيهِ مُنَاقَضَةً، وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي مَعْنَى الْيَدَيْنِ وَالْعَيْنِ مَسْأَلَةً بَدِيعَةً جِدّا، فَلْتُنْظَرْ هُنَالِكَ. وَأَمّا النّورُ فَعِبَارَةٌ عَنْ الظّهُورِ وَانْكِشَافِ الْحَقَائِقِ الْإِلَهِيّةِ، وَبِهِ أَشْرَقَتْ الظّلُمَاتُ، أَيْ أَشْرَقَتْ مَحَالّهَا وَهِيَ الْقُلُوبُ الّتِي كَانَتْ فِيهَا ظُلُمَاتُ الْجَهَالَةِ وَالشّكُوكِ، فَاسْتَنَارَتْ الْقُلُوبُ بِنُورِ اللهِ، وَقَدْ قَالَ الْمُفَسّرُونَ فى قوله تعالى: مَثَلُ نُورِهِ أَيْ: مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبٍ فِي الْمُؤْمِنِ كَمِشْكَاةِ، فَهُوَ إذًا نُورُ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ: الْمُجْلِي لِكُلّ ظُلْمَةٍ وَشَكّ، قَالَ كَعْبٌ: الْمِشْكَاةُ مَثَلٌ لِفَهْمِهِ، وَالْمِصْبَاحُ مَثَلٌ لِلِسَانِهِ، وَالزّجَاجَةُ: مَثَلٌ لِصَدْرِهِ، أَوْ لِقَلْبِهِ أَيْ: قَلْبِ مُحَمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك، وَلَوْ قَالَ: بِنُورِك لَحَسُنَ، وَلَكِنْ تَوَسّلَ إلَيْهِ بِمَا أَوْدَعَ قَلْبَهُ مِنْ نُورِهِ، فَتَوَسّلَ إلَى نِعْمَتِهِ بِنِعْمَتِهِ وَإِلَى فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَقَدْ تَكُونُ الظّلُمَاتُ هَاهُنَا أَيْضًا الظّلُمَاتِ الْمَحْسُوسَةَ وَإِشْرَاقُهَا جَلَالَتُهَا عَلَى خَالِقِهَا، وَكَذَلِكَ الْأَنْوَارُ الْمَحْسُوسَةُ، الْكُلّ دَالّ عَلَيْهِ فَهُوَ نُورُ النّورِ، أَيْ: مَظْهَرُهُ مُنَوّرُ الظّلُمَاتِ، أَيْ جَاعِلُهَا نُورًا فِي حُكْمِ الدلالة عليه سبحانه وتعالى «1» .

_ (1) الله نور: رد الإمام ابن القيم على من زعم أن هذا الاسم مجاز فى كتابه-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ - «الصواعق» ردا عظيما، وإليك بعض ما ذكره «إن النور جاء فى أسمائه تعالى، وهذا الاسم مما تلقته الأمة بالقبول، وأثبتوه فى أسمائه الحسنى ... ومحال أن يسمى نفسه نورا، وليس له نور ولا صفة النور ثابتة له، كما أن من المستحيل أن يكون عليما قديرا سميعا بصيرا، ولا علم له ولا قدرة بل صحة هذه الأسماء عليه مستلزمة لثبوت معانيها له، وانتفاء حقائقها عنه مستلزم لنفيها عنه، والثانى باطل قطعا فتعين الأول» ثم يقول: «إن النبى «ص» لما سأله أبو ذر هل رأيت ربك، قال: «نور أنى أراه» رواه مسلم فى صحيحه، وفى الحديث قولان: أحدهما: أن معناه: ثم نور، أى: فهناك نور منعنى رؤيته، ويدل على هذا المعنى شيئان أحدهما: قوله فى اللفظ الآخر فى الحديث. رأيت نورا، فهذا النور الذى رآه، هو الذى حال بينه وبين رؤية الذات. الثانى: قوله فى حديث أبى موسى: «إن الله لا ينام، ولا ينبغى له أن ينام، يخفض القسط، ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه، لأحزقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» رواه مسلم فى صحيحه.. المعنى الثانى فى الحديث أنه سبحانه نور، فلا يمكننى رؤيته، لأن نوره الذى لو كشف الحجاب عنه لاحترقت السموات والأرض وما بينهما مانع من رؤيته، فان كان المراد هو المعنى الثانى، فظاهر، وإن كان الأول فلا ريب أنه إذا كان نور الحجاب مانعا من ذاته، فنور ذاته سبحانه أعظم من نور الحجاب، بل الحجاب إنما استنار بنوره، فإن نور السموات إذا كان من نور وجهه- كما قال عبد الله بن مسعود- فنور الحجاب الذى فوق السموات أولى أن يكون من نوره، وهل يعقل أن يكون النور حجاب من ليس له نور؟! هذا أبين المحال، وعلى هذا، فلا تناقض بين قوله: «ص» : رأيت نورا، وبين قوله: «نور أنى أراه» فإن المنفى مكافحة الرؤية للذات المقدسة، والمثبت: رؤية ما ظهر من نور الذات» ثم يقول: «ما ثبت فى الصحيحين عن ابن عباس أن النبى «ص» كان يقول إذا قام من الليل: «اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض» الحديث وهو يقتضى أن كونه-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ - نور السموات والأرض مغاير لكونه رب السموات والأرض، ومعلوم أن إصلاحه السموات والأرض بالأنوار وهدايته لمن فيها هى ربوبيته، فدل على أن معنى كونه نور السموات والأرض أمر وراء ربوبيتهما» ثم ذكر ما نقله ابن فورك عن مذهب الأشعرى فى هذا، فقال: «إن المشهور من مذهبه- يعنى مذهب الأشعرى- بأن الله سبحانه نور لا كالأنوار حقيقة لا بمعنى أنه هاد، وعلى ذلك نص- أى الأشعرى- فى كتاب التوحيد فى باب مفرد لذلك تكلم فيه على المعتزلة، إذ تأولوا ذلك على معنى أنه هاد، فقال: إن سأل عن الله عز وجل أنور هو؟ قيل له: كلامك يحتمل وجهين إن كنت تريد أنه نور يتجزأ يجوز عليه الزيادة والنقصان، فلا وهذه صفة النور المخلوق، وإن كنت تريد معنى ما قاله الله سبحانه: (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فالله سبحانه نور السموات والأرض على ما قال، فإن قال: فما معنى قولك: نور؟ قيل له: قد أخبرناك ما معنى النور المخلوق، وما معنى النور الخالق، وهو سبحانه الذى ليس كمثله شىء، ومن تعدى أن يقول: الله نور، فقد تعدى إلى غير سبيل المؤمنين، لأن الله لم يكن يسمى نفسه لعباده بما ليس هو به، فإن قال لا أعرف النور إلا هذا النور المضىء المتجزىء، قيل له: فإن: كان لا يكون نور إلا كذلك، فكذلك لا يكون شيئا إلا وحكمه حكم ذلك الشىء، ثم قال ابن فورك: فإذا قال الله عز وجل: إنى نور، قلت: أنا هو نور على ما قال سبحانه وتعالى، وقلت أنت ليس هو نورا، فمن المثبت له على الحقيقة: أنا أو أنت؟ وكيف يتبين الحق فيه إلا من جهة ما أخبر الله سبحانه، والدافع لما قال الله كافر بالله» ثم ذكر ابن القيم ما يأتى: «وقال أبو بكر بن العربى: قد اختلف الناس بعد معرفتهم بالنور على ستة أقوال، الأول: معناه: هاد، قاله ابن عباس، والثانى معناه: منور، قاله ابن مسعود.:. والثالث، مزين، وهو يرجع إلى معنى منور قاله أبى بن كعب، الرابع: أنه ظاهر، الخامس: ذو النور. السادس: أنه نور لا كالأنوار، قاله أبو الحسن الأشعرى قال: وقالت المعتزلة: لا يقال له نور إلا بإضافة، قال: الصحيح عندنا أنه نور، لا كالأنوار، لأنه حقيقة، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَبَرُ عَدّاسٍ فَصْلٌ: وَذَكَرَ خَبَرَ عَدّاسٍ غُلَامِ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ حِينَ جَاءَ بِالْقِطْفِ مِنْ عِنْدِهِمَا إلَى آخِرِ الْقِصّةِ، وَفِيهِ قَبُولُ هَدِيّةِ الْمُشْرِكِ، وَأَنْ لَا يَتَوَرّعَ عَنْ طَعَامِهِ، وَسَيَأْتِي اسْتِقْصَاءُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَزَادَ التّيْمِيّ فِيهَا أَنّ عَدّاسًا حِينَ سَمِعَهُ يَذْكُرُ يُونُسَ بْنَ مَتّى قَالَ: وَاَللهِ لَقَدْ خَرَجْت مِنْهَا يَعْنِي: نِينَوَى «1» ، وَمَا فِيهَا عَشَرَةٌ يَعْرِفُونَ: مَا مَتّى، فَمِنْ أَيْنَ عَرَفْت أَنْتَ مَتّى، وَأَنْتَ أُمّيّ، وَفِي أُمّةٍ أُمّيّةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم-: هو أَخِي، كَانَ نَبِيّا، وَأَنَا نَبِيّ، وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنّ عَدّاسًا لَمّا أَرَادَ سَيّدَاهُ الْخُرُوجَ إلَى بَدْرٍ أَمَرَاهُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُمَا فَقَالَ لَهُمَا: أَقِتَالَ ذَلِكَ الرّجُلِ الّذِي رَأَيْته بِحَائِطِكُمَا تُرِيدَانِ، وَاَللهِ مَا تَقُومُ لَهُ الْجِبَالُ، فَقَالَا لَهُ: وَيْحَك يا عدّاس: قد سحرك بلسانه، وعند مَا لَقِيَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَهْلِ الطّائِفِ، مَا لَقِيَ، وَدَعَا بِالدّعَاءِ «2» الْمُتَقَدّمِ، نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ وَمَعَهُ مَلَكُ الْجِبَالِ كَمَا رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدّثَنِي عُرْوَةُ أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدّثَتْهُ أَنّهَا قَالَتْ لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: هَلْ أَتَى عَلَيْك يَوْمٌ كان أشدّ

_ والعدول عن الحقيقة إلى أنه هاد ومنور، وما أشبه ذلك هو مجاز من غير دليل لا يصح» ثم ضعف ما نقل عن ابن عباس، لأنه منقطع- راجع الجزء الثانى من الصواعق المرسلة من ص 188 إلى ص 205. (1) تروى بضم النون أيضا والفتح أشهر «الخشنى» . (2) لم يخرج حديث هذا الدعاء سوى الطبرانى عن عبد الله بن جعفر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْك مِنْ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيت مِنْ قَوْمِك، وَكَانَ أَشَدّ مَا لَقِيت مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إذْ عَرَضْت نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلَى مَا أَرَدْت، فَانْطَلَقْت عَلَى وَجْهِي، وَأَنَا مَهْمُومٌ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثّعَالِبِ «1» ، فَرَفَعْت رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةِ قَدْ أَظَلّتْنِي، فَنَظَرْت فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إنّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِك لَك، وَمَا رَدّوا عَلَيْك، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْك مَلَكَ الْجِبَالِ، لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْت فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلّمَ عَلَيّ فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ ذَلِكَ لَك، إنْ شِئْت أَطْبَقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ، وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. هَكَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ: ابْنُ عَبْدِ كُلَالٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا نَسَبَهُ ابْنُ إسْحَاقَ. جِنّ نَصِيبِينَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ وَفْدِ جِنّ نَصِيبِينَ، وَمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ، وَقَدْ أَمْلَيْنَا أَوّلَ الْمَبْعَثَيْنِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ طَرَفًا مِنْ أَخْبَارِهِمْ وَبَيّنّا هُنَالِكَ أَسَمَاءَهُمْ، وَنَصِيبِينُ مَدِينَةٌ بِالشّامِ أَثْنَى عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رُوِيَ أَنّهُ قَالَ: رُفِعَتْ إلَيّ نَصِيبِينُ حَتّى رَأَيْتهَا فَدَعَوْت اللهَ أَنْ يَعْذُبَ نَهْرُهَا، وَيَنْضُرَ شَجَرُهَا، وَيَطِيبَ ثَمَرُهَا أَوْ قَالَ: وَيَكْثُرَ ثَمَرُهَا، وَتَقَدّمَ فِي أَسْمَائِهِمْ مَا ذَكَرَهُ، ابْنُ دُرَيْدٍ. قَالَ: هُمْ: مُنَشّي وَمَاشِي وَشَاصِر وَمَاصِر وَالْأَحْقَب، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى

_ (1) هى ميقات أهل نجد تلقاء مكة على يوم وليلة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَسْمِيَةِ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَمَامَ أَسْمَائِهِمْ فِيمَا تَقَدّمَ، وَفِي الصّحِيحِ أَنّ الّذِي أَذِنَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجِنّ لَيْلَةَ الْجِنّ شَجَرَةٌ، وَأَنّهُمْ سَأَلُوهُ الزّادَ، فَقَالَ: كُلّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي يَدِ أَحَدِهِمْ. أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلّ بَعْرٍ عَلَفٌ لِدَوَابّهِمْ. زَادَ ابْنُ سَلَامٍ فِي تَفْسِيرِهِ أَنّ الْبَعْرَ يَعُودُ خَضِرًا لِدَوَابّهِمْ، ثُمّ نَهَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُسْتَنْجَى بِالْعَظْمِ وَالرّوْثِ، وَقَالَ: إنّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنّ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ كَمَا قَدّمْنَاهُ: «كُلّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ» ، وَلَفْظُهُ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ: «كُلّ عَظْمٍ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ» ، وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ تَدُلّ عَلَى مَعْنَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي الْجِنّ الْمُؤْمِنِينَ، وَالرّوَايَةُ الْأُخْرَى فِي حَقّ الشّيَاطِينِ مِنْهُمْ، وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ تُعَضّدُهُ الْأَحَادِيثُ إلّا أَنّا نَكْرَهُ الْإِطَالَةَ، وَفِي هَذَا رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنّ الْجِنّ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، وَتَأَوّلُوا قَوْلَهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ إنّ الشّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: صِنْفٌ عَلَى صُوَرِ الْحَيّاتِ، وَصِنْفٌ عَلَى صُوَرِ الْكِلَابِ سُودٌ وَصِنْفٌ رِيحٌ طَيّارَةٌ أَوْ قال: هفّافة ذووا أَجْنِحَةٍ، وَزَادَ بَعْضُ الرّوَاةِ فِي الْحَدِيثِ: وَصِنْفٌ يَخْلُونَ وَيَظْعَنُونَ، وَهُمْ السّعَالِي، وَلَعَلّ هَذَا الصّنْفَ الطّيّارَ هُوَ الّذِي لَا يَأْكُلُ، وَلَا يَشْرَبُ إنْ صَحّ الْقَوْلُ الْمُتَقَدّمُ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَرَوَيْنَا فِي حَدِيثٍ سَمِعْته يُقْرَأُ عَلَى الشّيْخِ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيّ بِسَنَدِهِ إلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَمْشِي إذْ جَاءَتْ حَيّةٌ، فَقَامَتْ إلَى جَنْبِهِ، وَأَدْنَتْ فَاهَا مِنْ أُذُنِهِ، وَكَانَتْ تُنَاجِيهِ، أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ فَانْصَرَفَتْ، قَالَ جَابِرٌ: فَسَأَلْته، فَأَخْبَرَنِي أَنّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ، وَأَنّهُ قَالَ لَهُ: مُرْ أُمّتَك لَا يَسْتَنْجُوا بِالرّوْثِ، وَلَا بِالرّمّةِ، فَإِنّ اللهَ جَعَلَ لَنَا فِي ذَلِكَ رِزْقًا. ذِكْرُ عرضه نَفْسِهِ عَلَى الْقَبَائِلِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ عَرْضَهُ نَفْسَهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْقَبَائِلِ، لِيُؤْمِنُوا بِهِ، وَلِيَنْصُرُوهُ قَبِيلَةً قَبِيلَةً، فَذَكَرَ بَنِي حَنِيفَةَ، وَاسْمُ حَنِيفَةَ: أُثَالُ بْنُ لُجَيْمٍ، وَلُجَيْمٌ: تَصْغِيرُ اللّجَمِ، وَهِيَ دُوَيْبّةٌ، قَالَ قُطْرُبٌ، وَأَنْشَدَ: لَهَا ذنب مثل ذيل العرو ... س إلى سبة مِثْلُ جُحْرِ اللّجَمْ ابْنُ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَسُمّيَ حَنِيفَةَ لِحَنَفِ كَانَ فِي رِجْلَيْهِ، وَقِيلَ: بَلْ حَنِيفَةُ أُمّهُمْ، وَهِيَ بِنْتُ كَاهِلِ بْنِ أَسَدٍ عُرِفُوا بِهَا، وَهُمْ أَهْلُ الْيَمَامَةِ، وَأَصْحَابُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ، وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ سَبَبَ نُزُولِهِمْ الْيَمَامَةَ وَأَوّلَ مَنْ نَزَلَهَا مِنْهُمْ. وَذَكَرَ بَيْحَرَةَ بْنَ فِرَاسٍ الْعَامِرِيّ، وَقَوْلَهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَنُهْدِفُ نُحُورَنَا، لِلْعَرَبِ دُونَك. نُهْدِفُ أَيْ: نَجْعَلُهَا هَدَفًا لِسِهَامِهِمْ، وَالْهَدَفُ: الْغَرَضُ. وَذَكَرَ قَوْلَ الشّيْخِ: هَلْ لَهَا مِنْ تَلَافٍ، أَيْ: تدارك، وهو تفاعل من مِنْ: تَلَافَيْتُهُمْ، وَهَلْ لِذُنَابَاهَا مِنْ مُطّلَبٍ: مَثَلٌ ضرب لمسافاته مِنْهَا، وَأَصْلُهُ: مِنْ ذُنَابَيْ الطّائِرِ: إذَا أَفْلَتَ مِنْ الْحِبَالَةِ، فَطَلَبْت الْأَخْذَ بِذُنَابَاهُ، وَقَالَ: مَا تَقَوّلَهَا إسْمَاعِيلِيّ قَطّ أَيْ: مَا ادّعَى النّبُوّةَ كاذبا أحد من بنى إسماعيل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عرضه نَفْسِهِ عَلَى كِنْدَةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ عَرْضَهُ نَفْسَهُ على كندة، وهم بنور ثَوْرِ بْنِ مُرّةَ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ميسع بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كُهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ «1» عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ بَيْنَ النّسّابِينَ فِي كِنْدَةَ، وَسُمّيَ كِنْدَةَ لِأَنّهُ كَنَدَ أَبَاهُ، أَيْ عَقّهُ «2» ، وَسَمّى ابْنَهُ مُرْتِعًا لِأَنّهُ كَانَ يَجْعَلُ لِمَنْ أَتَاهُ مِنْ قومه مرتعا، فهم بنو مرتع ابن ثَوْرٍ، وَقَدْ قِيلَ إنّ ثَوْرًا هُوَ مُرْتِعٌ، وَكِنْدَةُ أَبُوهُ «3» . فِي هَذَا الْكِتَابِ تَتِمّةٌ لِفَائِدَتِهِ فَصْلٌ: وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ مَا لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِمّا رَأَيْت إمْلَاءَ بَعْضِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ تَتِمّةً لِفَائِدَتِهِ. ذَكَرَ قَاسِمُ بن ثابت والخطابى عرضه

_ (1) نسب ثور فى جمهرة ابن حزم هكذا: وهؤلاء بنو كندة، وهو ثور ابن عُفَيْر بْنِ عَدِيّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُرّةَ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ يشجب بن عريب ابن زيد بن كهلان بن سبأ ص 394، 399 وهو فى قلائد الجمان للقلقشندى أبى العباس أحمد بن على ص 71 كما فى الجمهرة. (2) فى الاشتقاق لابن دريد: ومن قبائل زيد بن كهلان: كندة، وهو كندى، واسمه: ثور وكندة من قولهم: كند نعمة الله عز وجل، أى كفرها، ومن قول الله جل ثناؤه: إن الإنسان لربه لكنود ص 362 وقال صاحب حماة، وسمى كندة لأنه كند أباه أى كفر نعمته ص 71 قلائد الجمان. (3) فى جمهرة ابن حزم «ولد كندة بن عفير: معاوية وأشرس» ثم يقول: من بطون كندة: معاوية ووهب وبدار والرائش بطون كبار، وهم بنو الحارث ابن معاوية بن ثور بن مرتع، وهو عمرو بن معاوية بن كندة» ص 399 وعلى هذا يكون مرتع هو ابن ابن كندة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَفْسَهُ عَلَى بَنِي ذُهْلِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، ثُمّ عَلَى بَنِي شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَذَكَرَ الْخَطّابِيّ وَقَاسِمٌ «1» جَمِيعًا مَا كَانَ مِنْ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ دَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ الذّهْلِيّ زَادَ قَاسِمٌ تَكْمِلَةَ الْحَدِيثِ فَرَأَيْنَا أَنْ نَذْكُرَ زِيَادَةَ قَاسِمٍ، فَإِنّهَا مِمّا تَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ قَالَ: ثُمّ دَفَعْنَا إلَى مَجْلِسٍ آخَرَ عَلَيْهِمْ السّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَتَقَدّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَسَلّمَ قَالَ عَلِيّ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُقَدّمًا فِي كُلّ خَيْرٍ، فَقَالَ مِمّنْ الْقَوْمُ، فَقَالُوا: مِنْ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، هَؤُلَاءِ غُرَرٌ فِي قَوْمِهِمْ، وَفِيهِمْ مَفْرُوقُ بن عمرو وهانىء بْنُ قَبِيصَةَ، وَمُثَنّى بْنُ حَارِثَةَ، وَالنّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ؛ وَكَانَ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو قَدْ غَلَبَهُمْ جَمَالًا وَلِسَانًا «2» وَكَانَتْ لَهُ غَدِيرَتَانِ تَسْقُطَانِ عَلَى تَرِيبَتَيْهِ «3» ، وَكَانَ أَدْنَى الْقَوْمِ مَجْلِسًا مِنْ أَبِي بكر، فقال له أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ الْعَدَدُ فِيكُمْ؟ قَالَ لَهُ مَفْرُوقٌ إنّا لَنَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ، وَلَنْ تُغْلَبَ أَلْفٌ مِنْ قِلّة فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ المنعة

_ (1) ذكر الزرقانى فى شرحه على المواهب ص 309 ج 1 شرح المواهب أن هذا الحديث أخرجه الحاكم وأبو نعيم والبيهقى بإسناد حسن عن ابن عباس. واقرأ فى الأمالى صفحتى 284 ج 2، ص 25 ج 3 الأمالى ج 2 وفى حاشية الاشتقاق بقلم الأستاذ عبد السلام هارون: «بخط مغلطاى: دغفل هذا لقى النبى عليه السلام، وهو ابن ثلاث وستين سنة قاله البخارى. وقال: لا يعرف له إدراك النبى عليه السلام وتابعه على القول جماعة منهم: ابن حبان والزهرى وابن سعد وابن أبى حاتم، والعسكرى» ص 351 الاشتقاق. (2) انظر الاشتقاق ص 358، وفيه عن هانىء: وكان شرفيا عظيم القدر. وكان نصرانيا، وأدرك الإسلام فلم يسلم، ومات بالكوفة. (3) التريبة: واحدة الترائب، وهى عظام الصدر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِيكُمْ؟ فَقَالَ مَفْرُوقٌ: عَلَيْنَا الْجَهْدُ، وَلِكُلّ قَوْمٍ جد، فقال أبو بكر: كيف الحزب بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَدُوّكُمْ؟ فَقَالَ مَفْرُوقٌ: إنّا لَأَشَدّ مَا نَكُون غَضَبًا لَحِينَ نَلْقَى، وَإِنّا لَأَشَدّ مَا نَكُونُ لِقَاءً حِينَ نَغْضَبُ، وَإِنّا لَنُؤْثِرُ الْجِيَادَ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَالسّلَاحَ عَلَى اللّقَاحِ «1» ، وَالنّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُدِيلُنَا مَرّةً وَيُدِيلُ عَلَيْنَا، لعلك أخو قريش؟ فقال أبكر أو قد بَلَغَكُمْ أَنّهُ رَسُولُ اللهِ، فَهَا هُوَ ذَا، فَقَالَ مَفْرُوقٌ: قَدْ بَلَغَنَا أَنّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ، فَإِلَى مَ تَدْعُو إلَيْهِ يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَتَقَدّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَدْعُو إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنّي رَسُولُ اللهِ، وَإِلَى أَنْ تُؤْوُونِي، وَتَنْصُرُونِي، فَإِنّ قُرَيْشًا قَدْ ظَاهَرَتْ عَلَى أَمْرِ اللهِ، وَكَذّبَتْ رَسُولَهُ، وَاسْتَغْنَتْ بِالْبَاطِلِ عَنْ الْحَقّ وَاَللهُ هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ، فَقَالَ مَفْرُوقٌ: وَإِلَى مَ تَدْعُو أَيْضًا يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَتَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ، نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ، وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ الْأَنْعَامَ: 151 فَقَالَ مفروق: وإلى مم تَدْعُو أَيْضًا يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فتلا رسول الله- صلى الله عليه سلم- (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ، وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النّحْلَ: 90 فَقَالَ مَفْرُوقٌ: دَعَوْت وَاَللهِ يَا أَخَا قُرَيْشٍ إلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ، وَاَللهِ لَقَدْ أَفِكَ قَوْمٌ كَذّبُوك، وَظَاهَرُوا عليك، وكأنه أراد أن يشركه

_ (1) اللقاح: الإبل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الكلام هانىء بن قبيصة، فقال: وهذا هانىء بن قبيصة شيخنا، وصاحب ديننا، فقال هانىء: قَدْ سَمِعْت مَقَالَتَك يَا أَخَا قُرَيْشٍ، وَإِنّي أَرَى أَنّ تَرْكَنَا دِينَنَا وَاتّبَاعَنَا إيّاكَ عَلَى دِينِك لِمَجْلِسِ جَلَسْته إلَيْنَا لَيْسَ لَهُ أَوّلٌ وَلَا آخِرُ زَلّةٌ فِي الرّأْيِ، وَقِلّةُ نَظَرٍ فِي الْعَاقِبَةِ، وَإِنّمَا تَكُونُ الزّلّةُ مَعَ الْعَجَلَةِ، وَمِنْ وَرَائِنَا قَوْمٌ نَكْرَهُ أَنْ نَعْقِدَ عَلَيْهِمْ عَقْدًا، وَلَكِنْ تَرْجِعُ وَنَرْجِعُ وَتَنْظُرُ وَنَنْظُرُ، وَكَأَنّهُ أَحَبّ أَنْ يَشْرَكَهُ فِي الْكَلَامِ الْمُثَنّى، فَقَالَ: وَهَذَا الْمُثَنّى بْنُ حَارِثَةَ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ حَرْبِنَا، فَقَالَ الْمُثَنّى: قَدْ سَمِعْت مَقَالَتَك يَا أَخَا قريش، والجواب: هو جواب هانىء بْنِ قَبِيصَةَ فِي تَرْكِنَا دِينَنَا، وَاتّبَاعِنَا إيّاكَ لِمَجْلِسِ جَلَسْته إلَيْنَا لَيْسَ لَهُ أَوّلٌ وَلَا آخِرُ، وَإِنّا إنّمَا نَزَلْنَا بَيْنَ صَرَيَانِ الْيَمَامَةِ وَالسّمَاوَةِ «1» ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَانِ الصّرَيَانِ؟ فَقَالَ أَنْهَارُ كِسْرَى، وَمِيَاهُ الْعَرَبِ، فَأَمّا مَا كَانَ مِنْ أَنْهَارِ كِسْرَى، فَذَنْبُ صَاحِبَيْهِ غَيْرُ مَغْفُورٍ، وَعُذْرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَمّا مَا كَانَ مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ، فَذَنْبُهُ مَغْفُورٌ وَعُذْرُهُ مَقْبُولٌ، وَإِنّمَا نَزَلْنَا عَلَى عَهْدٍ أَخَذَهُ عَلَيْنَا كِسْرَى أَنْ لَا نُحْدِثَ حَدَثًا وَلَا نُؤْوِيَ مُحْدِثًا، وَإِنّي أَرَى هَذَا

_ (1) فى النهاية لابن الأثير «وإنما نزلنا الصريين» وهو الصواب، ثم قال اليمامة والسمامة» وقال عن المصرى: وهو الماء المجتمع، وذكرها مرة أخرى فى مادة صير «وفى حديث عرضه على القبائل: قال له المثنى بن حارثة: إنا نزلنا بين صيرين: اليمامة والسمامة. فقال رسول الله ص» : وما هذان الصيران؟ فقال: مياء العرب، وأنهار كسرى. الصير: الماء الذى يحضره الناس، وقد صار القوم يصيرون إذا حضروا الماء. ويروى: بين صيرتين وهى فعلة منه، ويروى بين صريين تثنية صرىء وقد تقدم النهاية مادة صرى وصير لابن الأثير. والصواب: السمادة، وهى بادية بين الكوفة والسماء. أدماءة لكلب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَمْرَ الّذِي تَدْعُونَا إلَيْهِ هُوَ مِمّا تَكْرَهُهُ الْمُلُوكُ، فَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ نُؤْوِيَك وَنَنْصُرَك مِمّا يَلِي مِيَاهَ الْعَرَبِ، فَعَلْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَسَأْتُمْ فِي الرّدّ، إذْ أَفْصَحْتُمْ بِالصّدْقِ، وَإِنّ دِينَ اللهِ لَنْ يَنْصُرَهُ إلّا مَنْ حَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ أَرَأَيْتُمْ إنْ لَمْ تَلْبَثُوا إلّا قَلِيلًا حَتّى يُورِثَكُمْ اللهُ أَرْضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَيُفْرِشَكُمْ نِسَاءَهُمْ، أَتُسَبّحُونَ اللهَ وَتُقَدّسُونَهُ، فَقَالَ النّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ: اللهُمّ لَك ذَا، فَتَلَا رسول الله- صَلَّى الله عليه وسلم: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً ثُمّ نَهَضَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَ بِيَدَيّ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ يَا أَبَا حُسْنٍ أَيّةُ أَخْلَاقٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ، مَا أَشْرَفَهَا بِهَا يَدْفَعُ اللهُ بَأْسَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَبِهَا يَتَحَاجَزُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ قَالَ: ثُمّ دَفَعْنَا إلَى مَجْلِسِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فَمَا نَهَضْنَا حَتّى بَايَعُوا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا صُدَقَاءَ صُبَرَاءَ، وَرَوَى فِي حَدِيثٍ مُسْنَدٍ إلَى طَارِقٍ، قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرّتَيْنِ: رَأَيْته بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ، يَقُولُ: يَا أَيّهَا النّاسُ قُولُوا: لَا إلَهَ إلّا اللهُ تُفْلِحُوا، وَخَلْفَهُ رَجُلٌ لَهُ غَدِيرَتَانِ يَرْجُمُهُ بِالْحِجَارَةِ، حَتّى أَدْمَى كَعْبَيْهِ، يَقُولُ: يَا أَيّهَا النّاسُ لَا تَسْمَعُوا مِنْهُ، فَإِنّهُ كَذّابٌ، فَسَأَلْت عَنْهُ، فَقِيلَ: هُوَ غُلَامُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، قُلْت وَمَنْ الرّجُلُ يَرْجُمُهُ؟ فَقِيلَ لِي: هُوَ عَمّهُ عَبْدُ الْعُزّى أَبُو لَهَبٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. خَرّجَهُ الدّارَقُطْنِيّ، وَوَقَعَ أَيْضًا فِي السّيرَةِ مِنْ رِوَايَةِ يونس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حديث سويد بن صامت: فَصْلٌ: ذَكَرَ حَدِيثَ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ وَشِعْرَهُ، وَفِي الشّعْرِ: وَبِالْغَيْبِ مَأْثُورٌ عَلَى ثُغْرَةِ النّحْر يَعْنِي السّيْفَ، وَمَأْثُورٌ: مِنْ الْأَثْرِ وَهُوَ: فِرِنْدُ «1» السّيْفِ، وَيُقَالُ فِيهِ: أَثر وإِثر. قَالَ الشّاعِرُ: جَلَاهَا الصّيْعَلُونَ فَأَخْلَصُوهَا ... خِفَاقًا كُلّهَا يَتْقِي بِأَثْرِ «2» أَرَادَ: يَتّقِي، وَسُوَيْدٌ: هُوَ: الْكَامِلُ، وَهُوَ ابْنُ الصّلت بن حوط

_ (1) جوهر السيف ووشيه والسيف نفسه. (2) البيت أنشده عيسى بن عمر لخفاف بن ندبة. وقبل البيت: ولم أر قبلهم حيا لقاحا ... أقاموا بين قاصية وحجر رماح مثقف حملت نصالا ... يلحن كأنهن نجوم بدر انظر ص 125 ج 2 الأمالى للقالى ط 2، ص 752 سمط اللآلى للقالى والمعنى: إذا نظر الناظر إليها اتصل شعاعها بعينه، فلم يتمكن من النظر إليها فذلك اتقاؤها بأثرها والأصمعى لا يعرف فى الأثر إلا الفتح يقال: سيف مأثور أى فى متنه أثر، وقيل هو الذى يقال إنه يعمله الجن، وليس من الأثر الذى هو الفرند. قال ابن سيدة: وعندى أن المأثور مفعول لا فعل له كما ذهب إليه أبو على فى المفئود الذى هو الجبان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن حَبِيبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ «1» وَأُمّهُ لَيْلَى بِنْتُ عَمْرٍو النّجّارِيّةُ أُخْتُ سَلْمَى بِنْتِ عَمْرِو [بْنِ زَيْدِ بْنِ لَبِيَدِ بْنِ خِدَاشِ بْنِ عَامِرِ ابن غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ [تَيْمِ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ] أُمّ عبد المطلب ابن هَاشِمٍ، فَسُوَيْدٌ هَذَا ابْنُ خَالَةِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَبِنْتُ سُوَيْدٍ هِيَ أُمّ عَاتِكَةَ أُخْتُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ امْرَأَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، فَهُوَ جَدّهَا لِأُمّهَا وَاسْمُ أُمّهَا: زَيْنَبُ، وَقِيلَ: جَلِيسَةُ بِنْتُ سُوَيْدٍ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ «2» . ذِكْرُ مَجَلّةِ لُقْمَانَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَجَلّةَ لُقْمَانَ، وَهِيَ الصّحِيفَةُ، وَكَأَنّهَا مَفْعَلَةٌ مِنْ الْجَلَالِ وَالْجَلَالَةِ، أَمّا الْجَلَالَةُ فَمِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ، وَالْجَلَالُ مِنْ صِفَةِ اللهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُقَالَ فِي المخلوق جلال وجلالة وأنشد:

_ (1) نسبه فى جمهرة ابن حزم هكذا: «سويد بن الصامت بن خالد بن عطية ابن خوط بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الأوسى، وقد تقدم نسبه فى السيرة كما ذكر ابن حزم، ولكن فيها حوط بالحاء المهملة، وفى الإصابة: سويد بن الصامت بن خالد بن عقبة الأوسى ذكره ابن شاهين وقال: شك فى إسلامه، وقال أبو عمر: أنا أشك فيه كما شك غيرى.. ويعلق ابن حجر على ما روى ابن إسحاق بقوله: فإن صح ما قالوا لم يعد فى الصحابة لأنه لم يلق النبى «ص» مؤمنا. (2) يقول الخشنى فى شرح السيرة ص 117 عن بنى زعب إنها بفتح الزاى وضمها وكسرها والعين المهملة. وزغب بالزاء المكسورة والغين المعجمة قيده الدارقطنى، وذكر أن الطبرى حكاه كذلك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلاذا جَلَالٍ هِبْنَهُ لِجَلَالَة ... وَلَا ذَا ضَيَاعٍ هُنّ يَتْرُكْنَ لِلْفَقْرِ «1» وَلُقْمَانُ كَانَ نُوبِيّا مِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ وَهُوَ لُقْمَانُ بْنُ عَنْقَاءَ بْنِ سُرُور «2» فِيمَا ذَكَرُوا وَابْنُهُ الّذِي ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ هُوَ ثَأْرَانُ فِيمَا ذَكَرَ الزّجّاجُ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِلُقْمَانَ بْنِ عَادٍ الْحِمْيَرِيّ. ذِكْرُ قُدُومِ أَبِي الْحَيْسَرِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قُدُومَ أَبِي الْحَيْسَرِ أَنَسِ بْنِ رافع بن يطلب الحلف، وذلك

_ (1) البيت لهدبة بن خشرم بن كرز: بن حجر بن أبى حية الكاهن صاحب العزى وسادنها أحد بنى سعد هذيم من قضاعة. وهدبة: شاعر إسلامى يكنى أيا عمير: وقبل البيت: رأيت أخا الدنيا، وإن كان خافضا ... أخاسفر يسرى به، وهو لا يدرى وللأرض كم من صالح قد تكمأت ... عليه فوارته بكماعة القفر ويروى البيت الأول هكذا: ألا يالقوم للنوائب والدهر ... وللحر يأتى حتفه وهو لا يدرى انظر ص 246 ح 1 الأمالى للقالى ط 2؛ ص 556، 639 سمط اللآلى للبكرى ومرجع السهيلى فى هذا هو الأمالى، ورأى الأصمعى أن الجلال لا يقال إلا فى الله عز وجل، وقال أبو حاتم وقد يقال: ويعقب البكرى فى السمط على رأى القالى فى كلمة مجلة بفتح الجيم: إنما هو مجلة- بكسر الجيم. قال أبو عبيدة: كل كتاب عند العرب مجلة بكسر الجيم، وقد روى غيره فيه الفتح (2) فى تفسير ابن كثير: سدوس، وفيه يذكر أن الأكثرين من السلف على أن لقمان كان عبدا صالحا من غير نبوة. وفيه وفى غيره تفصيلات كثيرة عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بسبب لحرب الّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَهِيَ حَرْبُ بُعَاثٍ الْمَذْكُورَةُ، وَلَهُمْ فِيهَا أَيّامٌ مَشْهُورَةٌ هَلَكَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ صَنَادِيدِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ، وَبُعَاثٌ اسْمُ أَرْضٍ بِهَا عُرِفَتْ «1» . بَدْءُ إسْلَامِ الْأَنْصَارِ وَلَمْ يكن الأنصار اسما لهم فى الجاهلية، ختى سَمّاهُمْ اللهُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُمْ: بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَالْخَزْرَجُ: الرّيحُ الْبَارِدَةُ «2» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ الْجَنُوبُ خَاصّةً، وَدُخُولُ الْأَلِفِ وَاللّامِ فِي الْأَوْسِ عَلَى حَدّ دُخُولِهَا فِي التّيْمِ جَمْعُ: تَيْمِيّ وَهُوَ مِنْ بَابِ: رُومِيّ وَرُومٍ، لِأَنّ الْأَوْسَ هِيَ الْعَطِيّةُ أَوْ الْعِوَضُ، وَمِثْلُ هَذَا إذَا كَانَ عَلَمًا لَا يَدْخُلُهُ الْأَلِفُ وَاللّامُ، أَلَا تَرَى أَنّ كُلّ أَوْسٍ فِي الْعَرَبِ غَيْرُ هَذَا، فَإِنّهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ كَأَوْسِ بن حارثة الطّائىّ وغيره

_ (1) يقول الخشنى «ويروى هنا: بغاث بالغين المعجمة أيضا، ويصرف ولا يصرف، ويقول البكرى فى معجم ما استعجم «ذكر عن الخليل: بغاث ولم يسمع من غيره» هذا ويقال إن القبائل التى عرض نفسه عليها أيام المواسم هى بنو عامر وغسان وبنو فزارة، وبنو مرة وبنو حنيفة، وبنو سليم، وبنو عبس، وبنو نصر، وثعلبة بن عكابة، وكندة، وكلب، وبنو الحارث بن كعب، وبنو عذرة وقيس ابن الخطيم، وأبو الحيسر أنس بن أبى رافع «هكذا فى إمتاع الأسماع لتقى الدين أحمد بن على لمقريزى ح 1 ط 1941 ص 30، وفيه أنه بدأ بكندة، ثم أتى كلبا ثم بنى حنيفة، ثم بنى عامر. (2) فى الاشتقاق لابن دريد: الخزرج: الريح العاصف ص 437.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَذَلِكَ، أَوْسٌ «1» وَأُوَيْسٌ: الذّئْبُ قَالَ الرّاجِزُ: يَا لَيْتَ شِعْرِي عَنْهُ وَالْأَمْرُ عَمَمْ ... مَا فَعَلَ الْيَوْمَ أَوَيْسٌ بِالْغَنَمْ «2» وَأَبُوهُمْ «3» حَارِثَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ [بْنِ عَمْرِو مُزَيْقِيَاءَ بْنِ عَامِرٍ مَاءِ السّمَاءِ بن حارثة الغطريف بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَزْدِيّ] ، وَهُوَ أَيْضًا: والدخزاعة عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَأُمّهُمْ «4» : قَيْلَةُ بِنْتُ كَاهِلِ بْنِ عُذْرَةَ قُضَاعِيّةٌ وَيُقَالُ: هِيَ بِنْتُ جَفْنَةَ، واسمه غلبة؟؟؟ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَقِيلَ: بِنْتُ سَيْعِ «5» ابن الْهَوْنِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ، قَالَهُ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي كِتَابِ أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ. وَالْأَنْصَارُ: جَمْعُ نَاصِرٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ فِي جمع فاعل «6» ، ولكن على

_ (1) أوس بن حارثة بن لأم رأس طيىء، عاش- كما قيل- مائتى سنة، وهناك أوس بن حجر الشاعر الجاهلى، وأوس بن حذيفة من فرسان ثقيف الذى أدرك الإسلام وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم، وأوس بن المعلى، وأوس مغراء وأوس مناة الحنيك من خثعم، ولكن هناك الأوس من صعب بن همان. (2) البيت للهذلى، وهو فى اللسان: يا ليت شعرى عنك، والأمر أمم ... ما فعل اليوم أويس فى الغنم (3) أى والد الأوس والخزرج. (4) أى أم الأوس والخزرج، ونسبها فى جمهرة ابن حزم هكذا. «قيلة بنت الأرمم بن عمرو بن جفنة بن عمرو مزيقياء» ص 312 ط 1 والزيادة التى زدتها من الجمهرة. (5) اسمه فى نسب قريش. ييثع. (6) إذا كان فاعل وصفا دالا على غريزة وسجية أو أمر فطرى فإنه يجمع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَقْدِيرِ حَذْفِ الْأَلِفِ مِنْ نَاصِرٍ، لِأَنّهَا زَائِدَةٌ، فَالِاسْمُ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِهَا: ثُلَاثِيّ وَالثّلَاثِيّ يُجْمَعُ عَلَى أَفْعَالٍ، وَقَدْ قَالُوا فِي نَحْوِهِ صَاحِبٌ وَأَصْحَابٌ وَشَاهِدٌ وَأَشْهَادٌ. وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلنّفَرِ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ أَنْتُمْ أَيْ مِنْ حُلَفَائِهِمْ، وَالْمَوْلَى يَجْمَعُ: الْحَلِيفَ وَابْنَ الْعَمّ وَالْمُعْتَقَ وَالْمُعْتِقَ لِأَنّهُ مَفْعَلٌ مِنْ الْوِلَايَةِ، وَجَاءَ عَلَى وَزْنِ مَفْعَلٍ، لِأَنّهُ مَفْزَعٌ وَمَلْجَأٌ لِوَلِيّهِ فَجَاءَ عَلَى وَزْنِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ. وَذَكَرَ النّفَرَ الْقَادِمِينَ فِي الْعَامِ الثّانِي الّذِينَ بَايَعُوهُ بَيْعَةَ النّسَاءِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى بَيْعَةَ النّسَاءِ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً الْمُمْتَحِنَةَ 431 الْآيَةَ، فَأَرَادَ بِبَيْعَةِ النّسَاءِ أَنّهُمْ لَمْ يُبَايِعُوهُ عَلَى الْقِتَالِ، وَكَانَتْ مُبَايَعَتُهُ لِلنّسَاءِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِنّ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَإِذَا أَقْرَرْنَ بِأَلْسِنَتِهِنّ قَالَ: قَدْ بَايَعْتُكُنّ، وَمَا مَسّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ فِي مُبَايَعَةٍ «1» كَذَلِكَ قَالَتْ

_ على فعلاء مثل شاعر وشعراء، وعاقل وعقلاء، وكذلك إذا كان دالا على ما يشبه الغريزة والسجية فى طول بقائها مثل صالح وصلحاء، وإذا كان فاعل دالا على وصف يدل على آفة طارئة من ألم أو عيب، أو نقص، أو موت جمع على فعلى مثل هالك وهلكى. (1) فى حديث رواه البخارى عن عائشة أنها قالت: «ولا والله ما مست يده يد امرأة فى المبايعة قط، ما يبايعهن إلا بقوله: قد بايعتكن على ذلك» وفى حديث آخر رواه أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجة من حديث سفيان ابن عيينة، والنسائى أيضا من حديث الثورى ومالك بن أنس كلهم عن محمد

بيعة العقبة الأولى

[بيعة العقبة الأولى] حَتّى إذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ وَافَى الْمَوْسِمَ مِنْ الْأَنْصَارِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَلَقَوْهُ بِالْعَقَبَةِ؛ وَهِيَ الْعَقَبَةُ الْأُولَى، فَبَايَعُوا رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ، وَذَلِكَ قبل أن تفترض عليهم الحرب. منهم من بنى النجّار، ثم بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بن عدس ابن عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ؛ وَعَوْفٌ، وَمُعَاذٌ، ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وهما ابنا عفراء. ـــــــــــــــــــــــــــــ عَائِشَةُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّهُنّ كُنّ يَأْخُذْنَ بِيَدِهِ فِي الْبَيْعَةِ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَامِرٍ الشّعْبِيّ، ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ سَلَامٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالْأَوّلُ أَصَحّ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُقْرِي النّقّاشُ فِي صِفَةِ بَيْعَةِ النّسَاءِ وَجْهًا ثَالِثًا أَوْرَدَ فِيهِ آثَارًا، وَهُوَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَغْمِسُ يَدَهُ فِي إنَاءٍ وَتَغْمِسُ الْمَرْأَةُ يَدَهَا فِيهِ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَقْدًا لِلْبَيْعَةِ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْمَشْهُورِ، وَلَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِالثّبْتِ، غَيْرَ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ أَيْضًا قَدْ ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ يونس عن أبان ابن أَبِي صَالِحٍ، وَذَكَرَ أَنْسَابَ الّذِينَ بَايَعُوهُ، وَسَنُعِيدُهُ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ وَغَزَاةِ بَدْرٍ، وَهُنَاكَ يَقَعُ التّنْبِيهُ عَلَى مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِعَوْنِ اللهِ.

_ ابن المنكدر، وقال الترمذى: حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث محمد ابن المنكدر. فى هذا الحديث ورد «قلنا يا رسول الله: ألا تصافحنا؟ قال إنى لا أصافح النساء، إنما قولى لامرأة واحدة قولى لمائة امرأة» .

وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرٍ: رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ ابن زُرَيْقٍ، وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ. قَالَ ابن هشام: ذكوان، مهاجرىّ أنصارىّ. وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ الْقَوَاقِلُ: عُبَادَةُ بْنُ الصامت بن قيس بن أصرم ابن فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ؛ وَأَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَزْمَةَ ابن أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَمّارَةَ، مِنْ بَنِي غصينة، من بلىّ، حليف لهم. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا قِيلَ لَهُمْ: الْقَوَاقِلُ، لِأَنّهُمْ كَانُوا إذَا اسْتَجَارَ بِهِمْ الرّجُلُ دَفَعُوا لَهُ سَهْمًا، وَقَالُوا لَهُ: قَوْقِلْ بِهِ بِيَثْرِبَ حَيْثُ شِئْت. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقَوْقَلَةُ: ضَرْبٌ من المشى. وقال ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي العجلان بن زيد بن غنم بن سالم: الْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضَلَةَ بْنِ مَالِكِ ابن العجلان. ومن بني سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جشم ابن الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَلِمَةَ: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ ابن نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ. وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ بْنِ عَمْرِو بن غنم بن سواد. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رجال العقبة من الأوس

[رِجَالُ الْعَقَبَةِ مِنْ الْأَوْسِ] وَشَهِدَهَا مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عمرو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ، وَاسْمُهُ مَالِكٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: التّيّهَانُ: يُخَفّفُ وَيُثَقّلُ، كَقَوْلِهِ مَيْتٌ وَمَيّتٌ. [رِجَالُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى مِنْ بَنِي عَمْرٍو] وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: عويم بن ساعدة. [بيعة الْعَقَبَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أبى حبيب، عن (أبى) مرثد ابن عَبْدِ اللهِ الْيَزَنِيّ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ الصّنَابِحِيّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، قَالَ: كُنْت فِيمَنْ حَضَرَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى، وَكُنّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَبَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الْحَرْبُ، عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاَللهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانِ نَفْتَرِيهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ. فإن وفيتم فلكم الجنة. وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمر كم إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ إنْ شَاءَ عَذّبَ وإن شاء غفر. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عَائِذِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مصعب بن عمير ووفد العقبة

الْخَوْلَانِيّ أَبِي إدْرِيسَ أَنّ عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ حَدّثَهُ أَنّهُ قَالَ: بَايَعَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاَللهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانِ نَفْتَرِيهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك فَأُخِذْتُمْ بِحَدّهِ فِي الدّنْيَا، فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ، وَإِنْ سُتِرْتُمْ عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَأَمْرُكُمْ إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، إنْ شَاءَ عَذّبَ، وإن شاء غفر. [مصعب بن عمير ووفد الْعَقَبَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَهُمْ الْقُرْآنَ، وَيُعَلّمَهُمْ الْإِسْلَامَ، وَيُفَقّهَهُمْ فِي الدّينِ، فَكَانَ يُسَمّى الْمُقْرِئَ بِالْمَدِينَةِ: مُصْعَبٌ وَكَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ، أَبِي أُمَامَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّهُ كان يصلى بهم، وذلك أن الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَؤُمّهُ بَعْضٌ. أَوّلُ جُمُعَةٍ أَقِيمَتْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْت قَائِدَ أَبِي، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير

كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، حِينَ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَكُنْتُ إذَا خَرَجْتُ بِهِ إلَى الْجُمُعَةِ، فَسَمِعَ الْأَذَانَ بِهَا صَلّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ، أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ. قَالَ: فَمَكَثَ حِينًا عَلَى ذَلِكَ: لَا يَسْمَعُ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ إلّا صَلّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. قَالَ: فَقُلْت فِي نَفْسِي: وَاَللهِ إنّ هذا بى لعجز، ألا أسأله ماله إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلّى عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ؟ قَالَ: فَخَرَجْت بِهِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ كَمَا كُنْت أَخْرُجُ، فَلَمّا سَمِعَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ. قال: فقلت له: يا أبت، مالك إذَا سَمِعْتَ الْأَذَانَ لِلْجُمُعَةِ صَلّيْت عَلَى أَبِي أمامة؟ قال: أَيْ بُنَيّ، كَانَ أَوّلَ مَنْ جَمّعَ بِنَا بِالْمَدِينَةِ فِي هَزْمِ النّبِيتِ، مِنْ حَرّةِ بَنِي بَيَاضَةَ، يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ، قَالَ قُلْت: وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلا. [إسْلَامُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ بن معيقب، وعبد الله ابن أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ بِمُصْعَبِ ابن عُمَيْرٍ يُرِيدُ بِهِ دَارَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَدَارَ بَنِي ظَفَرٍ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ ابن النّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عبد الأشهل ابن خَالَةِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَدَخَلَ بِهِ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي ظَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ ظَفَرٍ: كَعْبُ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالك ابن الْأَوْسِ- قَالَا: عَلَى بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ مَرَقٍ، فَجَلَسَا فِي الْحَائِطِ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمّنْ أَسْلَمَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حضير، يَوْمَئِذٍ سَيّدَا قَوْمِهِمَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَكِلَاهُمَا مُشْرِكٌ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، فَلَمّا سَمِعَا به ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لِأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ: لا أبالك، انْطَلِقْ إلَى هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ اللّذَيْنِ قَدْ أَتَيَا دَارَيْنَا لِيُسَفّهَا ضُعَفَاءَنَا، فَازْجُرْهُمَا وَانْهَهُمَا عَنْ أَنْ يَأْتِيَا دَارَيْنَا، فَإِنّهُ لَوْلَا أَنّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنّي حَيْثُ قَدْ عَلِمْت كَفَيْتُك ذَلِكَ، هُوَ ابْنُ خَالَتِي، وَلَا أَجِدُ عَلَيْهِ مُقَدّمًا، قَالَ: فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ حَرْبَتَهُ ثُمّ أَقْبَلَ إلَيْهِمَا، فَلَمّا رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: هَذَا سَيّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَك، فَاصْدُقْ اللهَ فِيهِ، قَالَ مُصْعَبٌ: إنْ يَجْلِسْ أُكَلّمْهُ. قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتّمًا، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمَا إلَيْنَا تُسَفّهَانِ ضُعَفَاءَنَا؟ اعْتَزِلَانَا إنْ كَانَتْ لَكُمَا بِأَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ، فَقَالَ له مصعب: أو تجلس فَتَسْمَعَ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْته كُفّ عَنْك مَا تَكْرَهُ؟ قَالَ: أَنْصَفْتَ، ثُمّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ إلَيْهِمَا، فَكَلّمَهُ مُصْعَبٌ بِالْإِسْلَامِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ؛ فَقَالَا: فِيمَا يُذْكَرُ عَنْهُمَا: وَاَللهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلّمَ فِي إشْرَاقِهِ وَتَسَهّلِهِ، ثُمّ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَجْمَلَهُ! كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدّينِ؟ قَالَا لَهُ: تَغْتَسِلُ فَتَطّهّرُ وَتُطَهّرُ ثَوْبَيْك، ثُمّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقّ، ثُمّ تُصَلّي. فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهّرَ ثَوْبَيْهِ، وَتَشَهّدَ شَهَادَةَ الْحَقّ، ثُمّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ قَالَ لَهُمَا: إنّ وَرَائِي رَجُلًا إن انبعكما لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ؛ وَسَأُرْسِلُهُ إلَيْكُمَا الْآنَ، سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ وَانْصَرَفَ إلَى سَعْدٍ وَقَوْمِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُقْبِلًا، قَالَ: أَحْلِفُ بِاَللهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أُسَيْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ، فَلَمّا وَقَفَ عَلَى النّادِي قَالَ لَهُ سعد: ما فعلت؟ قال: كلّمت الرجلين، فو الله مَا رَأَيْت بِهِمَا بَأْسًا، وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا فَقَالَا: نَفْعَلُ مَا أَحْبَبْتَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَقَدْ حُدّثْت أَنّ بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنّهُ ابْنُ خَالَتِك، لِيُخْفِرُوكَ قَالَ: فَقَامَ سَعْدٌ مُغْضَبًا مُبَادِرًا، تَخَوّفًا لِلّذِي ذُكِرَ له من بنى حارثة، فأخذ الحربة من يده، ثُمّ قَالَ: وَاَللهِ مَا أَرَاك أَغْنَيْت شَيْئًا، ثم خرج إليهما؛ فلما رآها سَعْدٌ مُطْمَئِنّيْنِ، عَرَفَ سَعْدٌ أَنّ أُسَيْدًا إنّمَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتّمًا، ثُمّ قَالَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ: يَا أبا أمامة، لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَك مِنْ الْقَرَابَةِ مَا رُمْت هَذَا مِنّي، أَتَغْشَانَا فِي دَارَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ- وَقَدْ قَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَيْ مُصْعَبُ، جَاءَك وَاَللهِ سَيّدُ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ، إنْ يَتّبِعْك لَا يَتَخَلّفُ عَنْك مِنْهُمْ اثْنَانِ- قَالَ: فَقَالَ لَهُ مصعب: أو تقعد فَتَسْمَعَ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا وَرَغِبْت فِيهِ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْته عَزَلْنَا عَنْك مَا تَكْرَهُ؟ قَالَ سَعْدٌ، أَنْصَفْت ثُمّ رَكَزَ الْحَرْبَةَ وَجَلَسَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، قَالَا: فَعَرَفْنَا وَاَللهِ فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْل أَنْ يَتَكَلّمَ، لِإِشْرَاقِهِ وَتَسَهّلِهِ؛ ثُمّ قَالَ لَهُمَا: كَيْفَ تَصْنَعُونَ إذَا أَنْتُمْ أَسْلَمْتُمْ وَدَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدّينِ؟ قَالَا: تَغْتَسِلُ فَتَطّهّرُ وَتُطَهّرُ ثَوْبَيْك، ثُمّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقّ، ثُمّ تُصَلّي رَكْعَتَيْنِ، قَالَ. فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهّرَ ثَوْبَيْهِ، وَتَشَهّدَ شَهَادَةَ الْحَقّ، ثُمّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ، فَأَقْبَلَ عَامِدًا إلَى نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ. قَالَ: فَلَمّا رَآهُ قَوْمُهُ مُقْبِلًا، قَالُوا: نَحْلِفُ بِاَللهِ لَقَدْ رَجَعَ إلَيْكُمْ سَعْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ، فَلَمّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، كَيْفَ تعلمون أمرى فيكم؟ قالوا: سيدنا وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا، وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً؛ قَالَ: فَإِنّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيّ حَرَامٌ حَتّى تُؤْمِنُوا بالله وبرسوله. قالا: فو الله مَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلّا مُسْلِمًا وَمُسْلِمَةً، وَرَجَعَ أَسْعَدُ وَمُصْعَبٌ إلَى مَنْزِلِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ يَدْعُو النّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ، حَتّى لَمْ تَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ، إلّا مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَخَطْمَةَ وَوَائِلٍ وَوَاقِفٍ، وَتِلْكَ أَوْسُ اللهِ، وَهُمْ مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ؛ وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ فِيهِمْ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ، وَهُوَ صَيْفِيّ، وَكَانَ شاعرا لهم قائدا يستمعون منه ويطيعون، فوقف بهم عن الإسلام، فلم يزل على ذلك حَتّى هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ، وَقَالَ فِيمَا رَأَى مِنْ الْإِسْلَامِ، وَمَا اخْتَلَفَ النّاسُ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ: أَرَبّ النّاسِ أَشْيَاءُ أَلَمّتْ ... يُلَفّ الصّعْبُ مِنْهَا بِالذّلُولِ أَرَبّ النّاسِ أَمّا إذْ ضَلِلْنَا ... فَيَسّرْنَا لِمَعْرُوفِ السّبِيلِ فَلَوْلَا رَبّنَا كُنّا يَهُودًا ... وَمَا دِينُ الْيَهُودِ بِذِي شُكُولِ وَلَوْلَا رَبّنَا كُنّا نَصَارَى ... مَعَ الرّهْبَانِ فِي جَبَلِ الْجَلِيلِ وَلَكِنّا خُلِقْنَا إذْ خُلِقْنَا ... حَنِيفًا دِينُنَا عَنْ كُلّ جِيلِ نَسُوقُ الْهَدْيَ تَرْسُفُ مُذْعِنَاتٍ ... مُكَشّفَةَ الْمَنَاكِبِ فِي الْجُلُولِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ: فَلَوْلَا رَبّنَا، وَقَوْلَهُ: لَوْلَا رَبّنَا، وَقَوْلَهُ: مُكَشّفَةَ الْمَنَاكِبِ فِي الْجُلُولِ، رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، أَوْ مِنْ خُزَاعَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر العقبة الثانية

[أَمْرُ الْعَقَبَةِ الثّانِيَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رَجَعَ إلَى مَكّةَ، وخرج من خرج من الأنصار الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمَوْسِمِ مَعَ حَجّاجِ قَوْمِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ، حَتّى قَدِمُوا مَكّةَ، فَوَاعَدُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَقَبَةَ، مِنْ أَوْسَطِ أَيّامِ التّشْرِيقِ، حِينَ أَرَادَ اللهُ بِهِمْ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَالنّصْرِ لِنَبِيّهِ، وَإِعْزَازِ الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله. [البراء بن معرور وصلاة الْكَعْبَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ كعب بن مالك بن أبي كعب بن الْقَيْنِ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، أَنّ أَخَاهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ، حَدّثَهُ أَنّ أَبَاهُ كَعْبًا حَدّثَهُ، وَكَانَ كَعْبٌ مِمّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا، قَالَ: خَرَجْنَا فِي حُجّاجِ قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ صَلّيْنَا وَفَقِهْنَا، وَمَعَنَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، سَيّدُنَا وَكَبِيرُنَا، فَلَمّا وَجّهْنَا لِسَفَرِنَا، وَخَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ، قَالَ الْبَرَاءُ لَنَا: يَا هَؤُلَاءِ، إنّي قَدْ رَأَيْت رَأْيًا، فو الله مَا أَدْرِي، أَتُوَافِقُونَنِي عَلَيْهِ، أَمْ لَا؟ قَالَ: قلنا: وما ذاك؟ قَدْ رَأَيْت أَنْ لَا أَدَعَ هَذِهِ الْبَنِيّةَ مِنّي بِظَهْرٍ، يَعْنِي: الْكَعْبَةَ، وَأَنْ أُصَلّيَ إلَيْهَا. قَالَ: فَقُلْنَا، وَاَللهِ مَا بَلَغَنَا أَنّ نَبِيّنَا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي إلّا إلَى الشّامِ، وَمَا نُرِيدُ أَنْ نُخَالِفَهُ. قَالَ: فَقَالَ: إنّي لَمُصَلّ إلَيْهَا قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: لَكِنّا لَا نَفْعَلُ. قَالَ: فَكُنّا إذَا حَضَرَتْ الصّلَاةُ صَلّيْنَا إلَى الشّامِ، وَصَلّى إلَى الْكَعْبَةِ، حَتّى قَدِمْنَا مَكّةَ. قَالَ: وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كُنّا عِبْنَا عَلَيْهِ مَا صَنَعَ، وَأَبَى إلّا الْإِقَامَةَ عَلَى ذَلِكَ. فَلَمّا قَدِمْنَا مَكّةَ قَالَ لِي: يَا ابْنَ أَخِي، انْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى نَسْأَلَهُ عَمّا صَنَعْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، فَإِنّهُ وَاَللهِ لَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ خِلَافِكُمْ إيّايَ فِيهِ. قَالَ: فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنّا لَا نَعْرِفُهُ، وَلَمْ نَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَقِينَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكّةَ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هل تعرفانه؟ فقلتا: لَا؛ قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفَانِ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ عَمّهُ؟ قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ- قَالَ: وَقَدْ كُنّا نَعْرِفُ الْعَبّاسَ، كَانَ لَا يَزَالُ يَقْدَمُ عَلَيْنَا تَاجِرًا- قَالَ: فَإِذَا دَخَلْتُمَا الْمَسْجِدَ فَهُوَ الرّجُلُ الْجَالِسُ مَعَ الْعَبّاسِ. قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا الْعَبّاسُ جَالِسٌ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم جالس معه، فسلّمنا ثم جلسنا إلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبّاسِ: هَلْ تَعْرِفُ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ يَا أَبَا الْفَضْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، سَيّدُ قَوْمِهِ، وَهَذَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ. قال: فو الله مَا أَنْسَى قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم: الشاعر؟ قال: نعم. فقال الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ: يَا نَبِيّ اللهِ، إنّي خَرَجْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، وَقَدْ هَدَانِي اللهُ لِلْإِسْلَامِ، فَرَأَيْت أَنْ لَا أَجْعَلَ هَذِهِ الْبَنِيّةَ مِنّي بِظَهْرٍ، فَصَلّيْت إلَيْهَا، وَقَدْ خَالَفَنِي أَصْحَابِي فِي ذَلِكَ، حَتّى وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَمَاذَا تَرَى يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: قَدْ كُنْت عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْت عَلَيْهَا. قَالَ: فَرَجَعَ الْبَرَاءُ إلَى قِبْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَصَلّى مَعَنَا إلَى الشّامِ. قَالَ: وَأَهْلُهُ يَزْعُمُونَ أَنّهُ صَلّى إلَى الْكَعْبَةِ حَتّى مَاتَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا، نَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام عبد الله بن عمرو بن حرام

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَوْنُ بْنُ أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ: وَمِنّا الْمُصَلّي أَوّلَ النّاسِ مُقْبِلًا ... عَلَى كَعْبَةِ الرّحْمَنِ بَيْنَ الْمَشَاعِرِ يَعْنِي الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. [إسْلَامُ عبد الله بن عمرو بن حرام] قال ابن إسحاق: حدثني معبد بن كعب، أَنّ أَخَاهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ حَدّثَهُ أن أباه كعب بن مالك حدثه، قَالَ كَعْبٌ: ثُمّ خَرَجْنَا إلَى الْحَجّ، وَوَاعَدْنَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْعَقَبَةِ مِنْ أَوْسَطِ أَيّامِ التّشْرِيقِ. قَالَ فَلَمّا فَرَغْنَا مِنْ الْحَجّ، وَكَانَتْ اللّيْلَةُ الّتِي وَاعَدْنَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهَا، وَمَعَنَا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جَابِرٌ، سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا، أَخَذْنَاهُ مَعَنَا، وَكُنّا نَكْتُمُ مَنْ مَعَنَا مِنْ قَوْمِنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمْرَنَا، فَكَلّمْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا جَابِرٍ، إنّك سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا، وَإِنّا نَرْغَبُ بِك عَمّا أَنْتَ فِيهِ أَنْ تَكُونَ حَطَبًا لِلنّارِ غَدًا، ثُمّ دَعَوْنَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبَرْنَاهُ بِمِيعَادِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّانَا الْعَقَبَةَ. قَالَ: فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَنَا الْعَقَبَةَ، وَكَانَ نَقِيبًا. [أمرأتان فى البيعة] قَالَ: فَنِمْنَا تَلِك اللّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا، حَتّى إذَا مَضَى ثُلُثُ اللّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمَعَادِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، نَتَسَلّلُ تَسَلّلَ الْقَطَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

العباس والأنصار

مُسْتَخْفِينَ، حَتّى اجْتَمَعْنَا فِي الشّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِنَا نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ، أُمّ عُمَارَةَ، إحْدَى نساء بنى مازن ابن النّجّارِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ، وَهِيَ أُمّ منيع. [العباس والأنصار] قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا فِي الشّعْبِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى جَاءَنَا وَمَعَهُ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، إلّا أَنّهُ أَحَبّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ وَيَتَوَثّقَ لَهُ. فَلَمّا جَلَسَ كَانَ أَوّلَ مُتَكَلّمٍ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ- قَالَ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ إنّمَا يُسَمّونَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ، الْخَزْرَجَ، خَزْرَجَهَا وَأَوْسَهَا-: إنّ مُحَمّدًا مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا؛ مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ، فَهُوَ فِي عِزّ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ، وَإِنّهُ قَدْ أبى إلا الابحياز إلَيْكُمْ، وَاللّحُوقَ بِكُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ، وَمَانِعُوهُ مِمّنْ خَالَفَهُ، فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمّلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه فى عزّ ومنعة من قومه وبلده. قَالَ، فَقُلْنَا لَهُ، قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْت، فَتَكَلّمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَخُذْ لِنَفْسِك وَلِرَبّك مَا أَحْبَبْت. [عَهْدُ الرّسُولِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ على الأنصار] قَالَ، فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَتَلَا الْقُرْآنَ، وَدَعَا إلَى اللهِ وَرَغّبَ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمّ قَال، أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسماء النقباء الاثنى عشر وتمام خبر العقبة

قَالَ، فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ، ثُمّ قال، نعم، والذى بعثك بالحقّ، لَنَمْنَعَنّك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا فَبَايِعْنَا يَا رسول الله، فنحن والله أهل الْحُرُوبِ، وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا [عَنْ كَابِرٍ] . قَالَ، فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ، وَالْبَرَاءُ يُكَلّمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرّجَالِ حِبَالًا، وَإِنّا قَاطِعُوهَا- يَعْنِي الْيَهُودَ- فَهَلْ عَسَيْتَ إنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ، ثُمّ أَظْهَرَك اللهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى قَوْمِك وَتَدَعَنَا؟ قَالَ: فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، ثُمّ قَالَ: بَلْ الدّمَ الدّمَ، وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنّي، أُحَارِبُ مَنْ حاربتم، وأسالم من سالمتم.. قال ابن هشام. ويقال: الهدم الهدم: أَيْ ذِمّتِي ذِمّتُكُمْ وَحُرْمَتِي حُرْمَتُكُمْ. قَالَ كَعْبُ: وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْرِجُوا إلَيّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، لِيَكُونُوا عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا فِيهِمْ. فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، تِسْعَةً مِنْ الْخَزْرَجِ، وَثَلَاثَةً مِنْ الْأَوْسِ. [أَسَمَاءُ النّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتَمَامُ خبر العقبة] [النقباء من الخزرج] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِنْ الْخَزْرَجِ- فِيمَا حَدّثَنَا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ-: أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَهُوَ: تيم الله بن ثعلبة عمرو بن الخزرج [بن حارثة] ، وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زهير بن مالك بن ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمرئ القيس بن مالك بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الخزرج بن الحارث ابن الْخَزْرَجِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك [الأغر] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث ابن الْخَزْرَجِ، وَرَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج؛ وَالْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غنم بن كعب بن سلمة ابن سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَعَبْدُ الله ابن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ابن سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَعُبَادَةُ ابن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عوف ابن عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ، أَخُو سَالِمِ بن عوف بن عمرو بن عوف ابن الْخَزْرَجِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي خُزَيْمَةَ ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بن كعب بن الخزرج، والمنذر ابن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبدودّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ- قَالَ ابْنُ هشام: ويقال: ابن خنيش. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النقباء من الأوس

[النقباء من الأوس] وَمِنْ الْأَوْسِ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ [بْنَ جشم بن الحارث بن الخزرج ابن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة، وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بن كعب بن النحاط بن كعب بن حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ امْرِئِ القيس [بن ثعلبة بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ] بْنِ مَالِكِ بْنِ الأوس [ابن حارثة] ورفاعة ابن عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زُبَيْرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عمرو ابن عوف بن مالك بن الأوس. [شعر كعب بن مالك عن النقباء] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعُدّونَ فِيهِمْ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيّهَانِ، وَلَا يَعُدّونَ رِفَاعَةَ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَذْكُرُهُمْ، فِيمَا أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ: أَبْلِغْ أُبَيّا أَنّهُ قال رَأْيُهُ ... وَحَانَ غَدَاةَ الشّعْبِ وَالْحَيْنُ وَاقِعُ أَبَى اللهُ مَا مَنّتْك نَفْسُك إنّهُ ... بِمِرْصَادِ أَمْرِ النّاسِ رَاءٍ وَسَامِعُ وَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ أَنْ قَدْ بَدَا لَنَا ... بِأَحْمَدَ نُورٌ مِنْ هُدَى اللهِ سَاطِعُ فَلَا تَرْغَبَنْ فِي حَشْدِ أَمْرٍ تُرِيدُهُ ... وَأَلّبْ وَجَمّعْ كُلّ مَا أَنْتَ جَامِعُ وَدُونَك فَاعْلُمْ أَنّ نَقْضَ عُهُودِنَا ... أَبَاهُ عَلَيْك الرّهط حين تبايعوا أَبَاهُ الْبَرَاءُ وَابْنُ عَمْرٍو كِلَاهُمَا ... وَأَسْعَدُ يَأْبَاهُ عليك ورافع ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما قاله العباس بن عبادة للخزرج قبل المبايعة

وَسَعْدٌ أَبَاهُ السّاعِدِيّ وَمُنْذِرٌ ... لِأَنْفِك إنْ حَاوَلْت ذَلِكَ جَادِعُ وَمَا ابْنُ رَبِيعٍ إنْ تَنَاوَلْت عَهْدَهُ ... بِمُسْلِمِهِ لَا يَطْمَعَنْ ثَمّ طَامِعُ وَأَيْضًا فَلَا يُعْطِيكَهُ ابْنُ رَوَاحَةَ ... وَإِخْفَارُهُ مِنْ دُونِهِ السّمّ نَاقِعُ وَفَاءً بِهِ وَالْقَوْقَلِيّ بْنُ صَامِتٍ ... بِمَنْدُوحَةِ عَمّا تُحَاوِلُ يَافِعُ أَبُو هَيْثَمٍ أَيْضًا وَفِيّ بِمِثْلِهَا ... وَفَاءً بِمَا أَعْطَى مِنْ الْعَهْدِ خَانِعُ وَمَا ابْنُ حُضَيْرٍ إنْ أَرَدْت بِمَطْمَعِ ... فَهَلْ أَنْتَ عَنْ أُحْمُوقَةِ الْغَيّ نَازِعُ؟ وَسَعْدٌ أَخُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَإِنّهُ ... ضَرُوحٌ لِمَا حاولت م الأمر مَانِعُ أُولَاكَ نُجُومٌ لَا يُغِبّكَ مِنْهُمْ ... عَلَيْك بِنَحْسٍ فِي دُجَى اللّيْلِ طَالِعُ فَذَكَرَ كَعْبٌ فيهم أبا الهيثم بن التّيهّان، ولم بذكر رفاعة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِلنّقَبَاءِ: أَنْتُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ بما فيهم كفلاء، ككفالة الحواريّين لعيسى بن مَرْيَمَ، وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي- يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ- قالوا: نعم. [ما قاله العباس بن عبادة للخزرج قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ الْقَوْمَ لَمّا اجْتَمَعُوا لِبَيْعَةِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ الْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ الْأَنْصَارِيّ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ، هَلْ تَدْرُونَ عَلَامَ تُبَايِعُونَ هَذَا الرّجُلَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: إنّكُمْ تُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ مِنْ النّاسِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ إذَا نُهِكَتْ أَمْوَالُكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أول صحابى ضرب على يد الرسول فى بيعة العقبة الثانية

مُصِيبَةً، وَأَشْرَافُكُمْ قَتْلًا أَسْلَمْتُمُوهُ، فَمِنْ الْآنَ، فَهُوَ وَاَللهِ- إنْ فَعَلْتُمْ خِزْيُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ عَلَى نَهْكَةِ الْأَمْوَالِ، وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ، فَخُذُوهُ، فَهُوَ وَاَللهِ خَيْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالُوا: فَإِنّا نَأْخُذُهُ عَلَى مُصِيبَةِ الْأَمْوَالِ، وَقَتْلِ الْأَشْرَافِ، فَمَا لَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ إنْ نَحْنُ وفّينا؟ قَالَ: الْجَنّةُ. قَالُوا: اُبْسُطْ يَدَك، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعُوهُ. وَأَمّا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ فَقَالَ: وَاَللهِ مَا قَالَ ذَلِك الْعَبّاسُ إلّا لِيَشُدّ الْعَقْدَ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَعْنَاقِهِمْ. وَأَمّا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: مَا قَالَ ذَلِكَ الْعَبّاسُ إلّا لِيُؤَخّرَ الْقَوْمَ تَلِك اللّيْلَةَ، رَجَاءَ أَنْ يحضرها عبد الله بن أبىّ بن سَلُولَ، فَيَكُونَ أَقْوَى لِأَمْرِ الْقَوْمِ. فَاَللهُ أَعْلَمُ أىّ ذلك كان. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَلُولُ: امْرَأَةٌ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهِيَ أُمّ أُبَيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ. [أول صحابى ضَرَبَ عَلَى يَدِ الرّسُولِ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثّانِيَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَنُو النّجّارِ يَزْعُمُونَ أَنّ أَبَا أُمَامَةَ، أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ، كَانَ أَوّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِهِ، وَبَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَقُولُونَ: بَلْ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشيطان وبيعة العقبة

قال ابن إسحاق: قال الزهرى: حدثنى مَعْبَدُ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، فَحَدّثَنِي فِي حَدِيثِهِ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ أَوّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، ثم بايع بعد القوم. [الشيطان وبيعة العقبة] فَلَمّا بَايَعَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَخَ الشّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْعَقَبَةِ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ سَمِعْتُهُ قَطّ: يَا أَهْلَ الْجُبَاجِبِ- وَالْجُبَاجِبُ: الْمَنَازِلُ- هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمّمٍ وَالصّبَاةُ مَعَهُ، قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا أَزَبّ العقبة، هذا ابن أزبب- قال: ابن هشام: ويقال ابن أزيب استمع أَيْ عَدُوّ اللهِ، أَمَا وَاَللهِ لَأَفْرُغَنّ لَك. [الرسول لا يستجيب لطلب الحرب من الأنصار] قَالَ: ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارفضّوا إلى رحالكم. قال فَقَالَ لَهُ الْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ: وَاَللهِ الّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ: إنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنّ عَلَى أَهْلِ مِنًى غَدًا بِأَسْيَافِنَا؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لم نُؤْمَرْ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ ارْجِعُوا إلَى رِحَالِكُمْ. قَالَ: فَرَجَعْنَا إلَى مَضَاجِعِنَا، فَنِمْنَا عَلَيْهَا حَتّى أَصْبَحْنَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مجادلة جلة قريش للأنصار فى شأن البيعة

[مجادلة جلة قريش للأنصار فى شأن البيعة] فَلَمّا أَصْبَحْنَا غَدَتْ عَلَيْنَا جُلّةُ قُرَيْشٍ، حَتّى جاؤنا فِي مَنَازِلِنَا، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ، إنّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ إلَى صَاحِبِنَا هَذَا تَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، وَتُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِنَا، وَإِنّهُ وَاَللهِ مَا مِنْ حَيّ مِنْ الْعَرَبِ أَبْغَضُ إلَيْنَا، أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، مِنْكُمْ. قَالَ: فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِنَا يَحْلِفُونَ بِاَللهِ مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، وَمَا عَلِمْنَاهُ. قَالَ: وَقَدْ صَدَقُوا، لَمْ يَعْلَمُوهُ. قَالَ: وَبَعْضُنَا يَنْظُرُ إلَى بَعْضٍ. قَالَ: ثُمّ قَامَ الْقَوْمُ، وَفِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ، وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ لَهُ جَدِيدَانِ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ كَلِمَةً- كَأَنّي أُرِيدُ أَنْ أَشْرَكَ الْقَوْمَ بِهَا فِيمَا قَالُوا-: يَا أَبَا جَابِرٍ، أَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتّخِذَ، وَأَنْت سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ؟ قَالَ: فَسَمِعَهَا الْحَارِثُ، فَخَلَعَهُمَا مِنْ رِجْلَيْهِ ثُمّ رَمَى بِهِمَا إلَيّ، وَقَالَ: وَاَللهِ لِتَنْتَعِلَنّهُمَا. قَالَ: يَقُولُ: أَبُو جَابِرٍ: مَهْ، أَحْفَظْتَ وَاَللهِ الْفَتَى، فَارْدُدْ إلَيْهِ نَعْلَيْهِ. قَالَ: قُلْت لا: وَاَللهِ لَا أَرُدّهُمَا، فَأْلٌ وَاَللهِ صَالِحٌ، لَئِنْ صدق الفأل لأسلبنّه. قال ابن إسحاق: وحدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّهُمْ أَتَوْا عبد الله بن أبىّ بن سَلُولَ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ كَعْبٌ من القول، فقال لهم: إنّ هَذَا الْأَمْرَ جَسِيمٌ، مَا كَانَ قَوْمِي لِيَتَفَوّتُوا عَلَيّ بِمِثْلِ هَذَا، وَمَا عَلِمْته كَانَ. قال: فانصرفوا عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قريش تطلب الأنصار وتأسر سعد بن عبادة

[قريش تطلب الأنصار وتأسر سعد بن عبادة] قال: ونفر الناس من مِنًى، فَتَنَطّسَ الْقَوْمُ الْخَبَرَ، فَوَجَدُوهُ قَدْ كَانَ، وَخَرَجُوا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، فَأَدْرَكُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بِأَذَاخِرَ، وَالْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو، أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكِلَاهُمَا كَانَ نَقِيبًا. فَأَمّا الْمُنْذِرُ فَأَعْجَزَ الْقَوْمَ، وَأَمّا سَعْدٌ فَأَخَذُوهُ، فَرَبَطُوا يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ بِنِسْعِ رَحْلِهِ، ثُمّ أَقْبَلُوا بِهِ حَتّى أَدْخَلُوهُ مَكّةَ يَضْرِبُونَهُ، وَيَجْذِبُونَهُ، بِجُمّتِهِ، وَكَانَ ذَا شَعَرٍ كَثِيرٍ. [خَلَاصُ سعد بن عبادة] قال سعد: فو الله إنّي لَفِي أَيْدِيهمْ إذْ طَلَعَ عَلَيّ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ رَجُلٌ وَضِيءٌ أَبْيَضُ، شَعْشَاعٌ، حلو من الرجال قال ابن هشام: الطويل الحسن قال رؤبة: يمطوه من شعشاع غير مودن. يعنى عنق البعير غير قصير يقول مودن اليد أى: ناقص اليد يمطوه من السير شعشاع: حلو من الرجال. قال: قلت فِي نَفْسِي: إنْ يَكُ عِنْدَ أَحَد مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ، فَعِنْدَ هَذَا، قَالَ فَلَمّا دَنَا مِنّي رَفَعَ يَدَهُ فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً. قَالَ: قلت فى نفسى، لا والله ما عندهم بعد هذا من خير قال: فو الله إنّي لَفِي أَيْدِيهِمْ يَسْحَبُونَنِي إذْ أَوَى لِي رَجُلٌ مِمّنْ كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: وَيْحَك! أَمَا بَيْنَك وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ جِوَارٌ وَلَا عَهْدٌ؟ قَالَ: قُلْت: بَلَى، وَاَللهِ لَقَدْ كُنْت أجير لجبير بن مطعم ابن عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ تِجَارَةً، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادى، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وللحارث ابن حرب بن أميّة بن عبد شمش بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، قَالَ: وَيْحَك! فَاهْتِفْ بِاسْمِ الرّجُلَيْنِ، وَاذْكُرْ مَا بَيْنَك وَبَيْنَهُمَا. قَالَ. فَفَعَلْت، وَخَرَجَ ذَلِك الرّجُلُ إلَيْهِمَا، فَوَجَدَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: إنّ رَجُلًا مِنْ الخزرج الآن يضرب بالأبطح ليهتف بِكُمَا، وَيَذْكُرُ أَنّ بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمَا، جِوَارًا، قَالَا: من هُوَ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَا: صَدَقَ وَاَللهِ، إنْ كَانَ لَيُجِيرُ لَنَا تِجَارَنَا، وَيَمْنَعُهُمْ أن يظلموا ببلده: قال: فجاآ فَخَلّصَا سَعْدًا مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَانْطَلَقَ. وَكَانَ الّذِي لكم سعدا، سهيل بْنُ عَمْرٍو، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الرّجُلُ الّذِي أَوَى إلَيْهِ، أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْهِجْرَةِ بيتين، قالهما ضرار ابن الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فهر: تَدَارَكْتَ سَعْدًا عَنْوَةً فَأَخَذْتَهُ ... وَكَانَ شِفَاءً لَوْ تَدَارَكْتَ مُنْذِرَا وَلَوْ نِلْتُهُ طُلّتْ هُنَاكَ جِرَاحُهُ ... وَكَانَتْ حَرِيّا أَنْ يُهَانَ وَيُهْدَرَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: وَكَانَ حَقِيقًا أَنْ يُهَانَ وَيُهْدَرَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فيهما فقال، لَسْتَ إلَى سَعْدٍ وَلَا الْمَرْءِ مُنْذِرٍ ... إذَا مَا مَطَايَا الْقَوْمِ أَصْبَحْنَ ضُمّرا فَلَوْلَا أَبُو وَهْبٍ لَمَرّتْ قَصَائِدٌ ... عَلَى شَرَفِ الْبَرْقَاءِ يَهْوِينَ حسّرا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَتَفْخُرُ بِالْكَتّانِ لَمّا لَبِسْتَهُ ... وَقَدْ تَلْبَسُ الْأَنْبَاطُ رَيْطًا مُقَصّرَا فَلَا تَكُ كَالْوَسْنَانِ يَحْلُمُ أَنّهُ ... بقرية كسرى أو بقرية قيصر وَلَا تَكُ كَالثّكْلَى وَكَانَتْ بِمَعْزِلٍ ... عَنْ الثّكْلِ لَوْ كَانَ الْفُؤَادُ تَفَكّرَا وَلَا تَكُ كَالشّاةِ الّتِي كَانَ حَتْفُهَا ... بِحَفْرِ ذِرَاعَيْهَا فَلَمْ تَرْضَ مَحْفَرَا وَلَا تَكُ كَالْعَاوِي فأقبل نخره ... وَلَمْ يَخْشَهُ سَهْمًا مِنْ النّبْلِ مُضْمَرَا فَإِنّا وَمَنْ يُهْدِي الْقَصَائِدَ نَحْوَنَا ... كَمُسْتَبْضِعٍ تَمْرًا إلَى أهل خيبرا ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ فِي أَنْسَابِ الْمُبَايِعِينَ لَهُ فِي الْعَقَبَةِ الأولى فى بنى سلمة منهم: سادرة ابن تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ، وَتَزِيدُ بِتَاءِ مَنْقُوطَةٍ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ فَوْقُ، وَلَا يُعْرَفُ فِي الْعَرَبِ تَزِيدُ إلّا هَذَا، وَتَزِيدُ بْنُ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ، وَهُمْ الّذِينَ تُنْسَبُ إلَيْهِمْ الثّيَابُ التّزِيدِيّةُ، وَأَمّا سَلِمَةُ بِكَسْرِ اللّامِ، فَهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ سُمّيَ بِالسّلِمَةِ وَاحِدَةِ السّلَامِ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ، قَالَ الشّاعِرُ: ذَاكَ خَلِيلِي وَذُو يُعَاتِبُنِي ... يَرْمِي وَرَائِي بِالسّهْمِ وَالسّلِمَةِ «1» وَفِي جُعْفِيّ: سَلِمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ دُهْلِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ جُعْفِيّ وَفِي جُهَيْنَةَ سلمة

_ (1) فى اللسان: أنشد أبو عبيد فى السلمة: ذاك خليلى وزد يعاتبنى ... يرمى ورائى بامسهم وامسلمة وأراد: والسلمة، وهى من لغات حمير قال ابن برى هو: البجير بن عفة الطائى، قال: وصوابه: وإن مولاى ذد يعاتبنى ... لا احنة عنده، ولا جرمة ينصرنى منك غير معتذر ... يرمى ورائى بامسهم وامسلمه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن نَصْرِ بْنِ غَطَفَانَ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ النّسّابَةُ «1» وفى الصّحَابَةِ عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ أَبُو بُرَيْدَةَ الْجَرْمِيّ الّذِي أَمّ قَوْمَهُ، وَهُوَ ابْنُ سِتّ سِنِينَ أَوْ سَبْعٍ، وَفِي الرّوَاةِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلِمَةَ وَيُنْسَبُ إلَى بَنِي سَلِمَةَ هَؤُلَاءِ سَلَمِيّ بِالْفَتْحِ، كَمَا يُنْسَبُ إلَى بَنِي سَلَمَةَ، وَهُمْ بَطْنَانِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ يُقَالُ لَهُمْ: السّلَمَاتُ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمْ سَلَمَةُ الْخَيْرِ، وَلِلْآخَرِ سَلَمَةُ الشّرّ ابْنَا قَصِيرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَأَمّا بَنُو سَلِيمَةَ بِيَاءِ فَفِي دَوْسٍ، وَهُمْ بَنُو سَلِيمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ فَهْمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دَوْسٍ، وَسَلِيمَةُ هَذَا هُوَ أَخُو جَذِيمَةَ الْأَبْرَشِ، وَهُوَ الّذِي قَتَلَ أَخَاهُ مَالِكًا بِسَهْمِ «2» قَتْلَ خَطَأٍ، وَيُقَالُ فِي النّسَبِ إلَيْهِ: سَلَمِيّ أَيْضًا وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَدْ قِيلَ: سُلَيْمِيّ كَمَا قِيلَ فِي عُمَيْرَةَ عُمَيْرِيّ. وَذَكَرَ بَنِي جِدَارَةَ مِنْ بَنِي النّجّارِ، وَجِدَارَةُ وَخُدَارَةُ: أخوان، وغيره

_ (1) فى القاموس: «وبنو سلمة بطن من الأنصار، وابن كهلاء فى بجيلة، وابن الحارث فى كندة، وابن عمرو بن ذهل وابن غطفان بن قيس، وعميرة بن خفاف بن سلمة، وعبد الله بن سلمة البدرى الأحدى، وعمرو بن سلمة الهمدانى، وعبد الله بن سلمة المرادى وأخطأ الجوهرى فى قوله: وليس سلمة فى العرب غير بطن الأنصار» وذكر أيضا فى الصحابة سلمة بن حنظلة السحيمى وابن قيس الجرمى. (2) فى الاشتقاق: وسليمة الذى رمى أباه بسهم، فقتله وله يقول مالك. أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رمانى ويروى: استد. وفى مادة سدد فى اللسان يذكر ابن برى أنه رآه فى شعر عقيل بن علفة يقول فى ابنه عملس حين رماه بسهم، ونسبه الجاحظ فى البيان والتبيين ص 231 ح 3 إلى معد بن أوس انظر ص 497، 543 الاشتقاق لابن دريد «ط» السنة المحمدية ص 268.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَقُولُ فِي جِدَارَةَ: خُدَارَةَ بِالْخَاءِ الْمَضْمُومَةِ، وَهَكَذَا قَيّدَهُ أَبُو عَمْرٍو، كَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي الِاشْتِقَاقِ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصّوَابِ لِأَنّهُ أَخُو خُدْرَةَ «1» وَكَثِيرًا مَا يَجْعَلُونَ أَسْمَاءَ الْإِخْوَةِ مُشْتَقّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ. وَذَكَرَ الْقَوَاقِلَ وَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكٍ، وَذَكَرَ تَسْمِيَتَهُمْ الْقَوَاقِلَ، وَأَنّ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ إذَا أَجَارُوا أَحَدًا: قَوْقِلْ حَيْثُ شِئْت، وَفِي الْأَنْصَارِ: الْقَوَاقِلُ وَالْجَعَادِرُ «2» وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ الْأَوْسِ، وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِمَا: وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى، أَمّا الْجَعَادِرُ فَكَانُوا إذَا أَجَارُوا أحدا أعطوه سهما، وقالوا له: جعدربه حَيْثُ شِئْت، كَمَا كَانَتْ الْقَوَاقِلُ «3» تَفْعَلُ، وَهُمْ بَنُو زَيْدِ، بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ ضُبَيْعَةَ [بْنِ زَيْدٍ] يُقَالُ لَهُمْ كَسْرُ الذّهَبِ، وَهُمَا جَمِيعًا مِنْ الْأَوْسِ. قَالَ الشّاعِرُ: فَإِنّ لَنَا بَيْن الْجَوَارِي وَلِيدَةً ... مُقَابَلَةً بَيْنَ الْجَعَادِرِ «4» وَالْكَسْرِ مَتَى تَدْعُ فِي الزّيْدَيْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ ... وَزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو تَأْتِهَا عِزّةُ الْخَفْرِ وَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيّهَانِ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ، وَلَا نَسَبَهُ فِي أَهْلِ الْعَقَبَةِ الثّانِيَةِ، وَلَا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ التّيهان، واسم التيهان أيضا مالك

_ (1) انظر ص 455 الاشتقاق ط السنة المحمدية. (2) فى الاشتقاق: «ومرة، وهم الجعادرة» ص 437 وقد جلعهم ابن دريد بطنا من الأوس وكذلك ابن حزم ص 325 أما القواقل، فهم من الخزرج. (3) القوقلة عند ابن دريد: التغلغل فى الشىء والدخول فيه ص 456. (4) الجعادرة هم بنو مرة بن مالك بن الأوس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بْنُ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَمِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زَعْوَنِ «1» ، بْنِ جُشَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْأَنْصَارِيّ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ كَانَ أَحَدَ النّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمّ شَهِدَ بَدْرًا، وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وَفَاتِهِ، فَأَصَحّ مَا قِيلَ فِيهِ إنّهُ شَهِدَ مَعَ عَلِيّ صِفّينَ «2» ، وَقُتِلَ فِيهَا رَحِمَهُ اللهُ، وَأَحْسَبُ ابْنَ إسْحَاقَ وَابْنَ هِشَامٍ تَرَكَا نَسَبَهُ عَلَى جَلَالَتِهِ فِي الْأَنْصَارِ وَشُهُودِهِ هَذِهِ الْمَشَاهِدَ كُلّهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِاخْتِلَافِ فِيهِ، فَقَدْ وَجَدْت فِي شِعْرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ حِينَ أَضَافَ أَبُو الْهَيْثَمِ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَنْزِلِهِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَذَبَحَ لَهُمْ عَنَاقًا «3» وَأَتَاهُمْ بِقِنْوِ مِنْ رُطَبٍ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ فِي ذَلِكَ: فَلَمْ أَرَ كَالْإِسْلَامِ عِزّا لأهله ... ولا مثل أضياف لأراشىّ معشرا فجعله إرَشِيّا كَمَا تَرَى، وَالْإِرَاشِيّ مَنْسُوبٌ إلَى إرَاشَةَ فِي خُزَاعَةَ، أَوْ إلَى إرَاشِ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ فَاَللهُ أَعْلَمُ: أَهُوَ أَنْصَارِيّ بِالْحِلْفِ أَمْ بِالنّسَبِ الْمَذْكُورِ، قَبْلَ هَذَا، وَنَقَلْته مِنْ قَوْلِ أَبِي عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ، وَقَدْ قِيلَ: إنه

_ (1) فى الاصل: زعون والتصويب من الإصابة ونسبه فيها كما فى الروض وفى الإصابة: والروايات عن أبى الهيثم كلها فيها نظر، وليست تأتى من وجه يثبت. (2) وهذا ساقه أبو بشر الدولابى من طريق صالح بن الوجيه، وعبد الرحمن بن بديل وآخرون. وصفين أرض فوق بالس بمقدار نصف مرحلة، وهما غربى الفرات بها كانت الوقعة بين على ومعاوية رضى الله عنهما، وبالس هى أول مدن الشام من العراق وهى فرضة الفرات لأهل الشام. (3) العناق: الأنثى من ولد المعز

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَلَوِيّ مِنْ بَنِي إرَاشَةَ بْنِ فَارَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ بَلِيّ، وَالْهَيْثَمُ فِي اللّغَةِ: فَرْخُ [النّسْرِ، أَوْ] الْعُقَابِ، وَالْهَيْثَمُ أَيْضًا ضَرْبٌ مِنْ الْعُشْبِ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَبِهِ سُمّيَ الرّجُلُ هَيْثَمًا أَوْ بِالْمَعْنَى الْأَوّلِ وَأَنْشَدَ: رَعَتْ بِقَرَانِ الْحَزْنِ رَوْضًا مُنَوّرًا ... عَمِيمًا مِنْ الظّلّاعِ وَالْهَيْثَمِ الْجَعْدِ ذَكَرَ بَيْعَتَهُمْ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ أَلّا يَسْرِقُوا، وَلَا يَزْنُوا إلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ خَبَرًا عَنْ بَيْعَةِ النساء: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ أَنّهُ الْوَلَدُ تَنْسُبُهُ إلَى بَعْلِهَا، وَلَيْسَ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمَرْأَةِ فِيمَا دُونَ الْوَطْءِ كَالْقُبْلَةِ وَالْجَسّةِ وَنَحْوِهَا، وَالْأَوّلُ يُشْبِهُ أَنْ يُبَايِعَ عَلَيْهِ الرّجَالُ، وَكَذَلِكَ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ أنه النّوح، وهذا أيضا ليس مِنْ شَأْنِ الرّجَالِ، فَدَلّ عَلَى ضَعْفِ قَوْلِ مَنْ خَصّهُ بِالنّوْحِ، وَخَصّ الْبُهْتَانَ بِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِالرّجُلِ، وَلَيْسَ مِنْهُ، وَقِيلَ: يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنّ يَعْنِي: الْكَذِبَ وَعَيْبَ النّاسِ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ، وَأَرْجُلِهِنّ يَعْنِي: الْمَشْيَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوفٍ، أَيْ: فِي خَيْرٍ تَأْمُرُهُنّ بِهِ، وَالْمَعْرُوفُ: اسْمٌ جَامِعٌ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَمَا عُرِفَ حُسْنُهُ وَلَمْ تُنْكِرْهُ الْقُلُوبُ، وَهَذَا مَعْنَى يَعُمّ الرّجَالَ وَالنّسَاءَ، وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فِيمَا أَخَذَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَيْهِنّ: أَنْ قَالَ: وَلَا تَغْشُشْنَ أَزْوَاجَكُنّ، قَالَتْ: إحْدَاهُنّ وَمَا غِشّ أَزْوَاجِنَا فَقَالَ: أَنْ تَأْخُذِي مِنْ مَالِهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَتُحَابِي بِهِ غَيْرَهُ «1» . هِجْرَةُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ فَصْلٌ: وَذَكَرَ هِجْرَةَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهُوَ الْمُقْرِئُ، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ سُمّيَ بِهَذَا، أَعْنِي الْمُقْرِئَ يُكَنّى أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهِ مِنْ أَنْعَمِ قُرَيْشٍ عَيْشًا وَأَعْطَرِهِمْ، وَكَانَتْ أُمّهُ شَدِيدَةَ الْكَلَفِ بِهِ، وَكَانَ يَبِيتُ وَقَعْبُ الْحَيْسِ «2» عِنْدَ رَأْسِهِ، يَسْتَيْقِظُ فَيَأْكُلُ، فَلَمّا أَسْلَمَ أَصَابَهُ مِنْ الشّدّةِ مَا غَيّرَ لَوْنَهُ وَأَذْهَبَ لَحْمَهُ، وَنَهَكَتْ جِسْمَهُ حَتّى كَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ إلَيْهِ، وَعَلَيْهِ فَرْوَةٌ قَدْ رَفَعَهَا، فَيَبْكِي لِمَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْ نِعْمَتِهِ، وَحَلَفَتْ أُمّهُ حِينَ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ أَلّا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ وَلَا تَسْتَظِلّ بِظِلّ حَتّى يَرْجِعَ إلَيْهَا، فَكَانَتْ تَقِفُ لِلشّمْسِ حَتّى تَسْقُطَ مَغْشِيّا عَلَيْهَا، وَكَانَ بَنُوهَا يَحْشُونَ فَاهَا بِشِجَارِ «3» ، وَهُوَ عُودٌ فَيَصُبّونَ فِيهِ الْحَسَاءَ لِئَلّا تَمُوتَ، وَسَنَذْكُرُ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا عِنْدَ ذِكْرِهِ فِي الْبَدْرِيّينَ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُهُ، فَيَقُولُ: مَا رَأَيْت بِمَكّةَ أَحْسَنَ لَمّةً، وَلَا أَرَقّ حُلّةً وَلَا أَنْعَمَ نِعْمَةً مِنْ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ. وَذَكَرَ أَيْضًا بِإِسْنَادِ لَهُ، قال: كان

_ (1) فى حديث رواه أحمد بسنده عن سلمى بنت قيس إحدى خالات الرسول صلى الله عليه وسلم. (2) القعب: القدح الضخم الجافى، والحيس: تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا، ثم يندر منه نواه، وربما جعل فيه سويق. (3) أصله: عود يجعل فى فم الجدى لئلا يرضع. وحديث بكاء الرسول «ص» حين كان يرى مصعبا رواه الترمذى بسند فيه ضعف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ فَتَى مَكّةَ شَبَابًا وَجَمَالًا وَسِنّا وَكَانَ أَبَوَاهُ يُحِبّانِهِ، وَكَانَتْ أُمّهُ تَكْسُوهُ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنْ الثّيَابِ، وَكَانَ أَعْطَرَ أَهْلِ مَكّةَ يَلْبَسُ الْحَضْرَمِيّ مِنْ النّعَالِ «1» وَذَكَرَ أَنّ مَنْزَلَهُ كَانَ على أسعدين زُرَارَةَ، مَنْزَلٌ بِفَتْحِ الزّايِ، وَكَذَلِكَ كُلّ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ مَنْزَلِ فُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ، فَهُوَ بِالْفَتْحِ، لِأَنّهُ أَرَادَ الْمَصْدَرَ، وَلَمْ يُرِدْ الْمَكَانَ، وَكَذَا قَيّدَهُ الشّيْخُ أَبُو بَحْرٍ بِفَتْحِ الزّايِ، وَأَمّا أُمّ قَيْسِ بِنْتُ مُحْصِنٍ الْمَذْكُورَةُ فِي هِجْرَةِ بَنِي أَسَدٍ، فَاسْمُهَا آمِنَةُ وَهِيَ أُخْتُ عُكّاشَةَ، وَهِيَ الّتِي ذُكِرَتْ فِي الْمُوَطّأِ وَأَنّهَا أَتَتْ بِابْنِ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطّعَامَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَوّلَ جُمُعَةٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَوّلَ مَنْ جَمّعَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ، وذكر غيره أن أَنّ أَوّلَ مَنْ جَمّعَ بِهِمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، لِأَنّهُ أَوّلُ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، ثُمّ قَدِمَ بَعْدَهُ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ مَنْ جَمّعَ فى الجاهلية بمكة فحطب وَذَكَرَ وَبَشّرَ بِمَبْعَثِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَضّ عَلَى اتّبَاعِهِ، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيّ «2» وَيُقَالُ: أَنّهُ أَوّلُ مَنْ سَمّى الْعَرُوبَةَ الْجُمُعَةَ، وَمَعْنَى الْعَرُوبَةِ الرّحْمَةُ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَجْتَمِعُ إلَيْهِ فيها فيما حكى الزبير ابن بَكّارٍ، فَيَخْطُبُهُمْ، فَيَقُولُ: أَمّا بَعْدُ فَاعْلَمُوا وَتَعَلّمُوا إنما الأرض لله مهاد،

_ (1) نسبة إلى حضرموت، وهى نعال ملسنة. (2) وسبق تعليقى على ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجبال أوتاد، والسماء بناء، والنجوم سملا «1» ، ثُمّ يَأْمُرُهُمْ بِصِلَةِ الرّحِمِ، وَيُبَشّرُهُمْ بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» ، وَيَقُولُ: حَرَمُكُمْ يَا قَوْمُ عَظّمُوهُ، فَسَيَكُونُ لَهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ نَبِيّ كَرِيمٌ، ثُمّ يَقُولُ فِي شِعْرٍ ذَكَرَهُ: عَلَى غَفْلَةٍ يَأْتِي النّبِيّ مُحَمّدٌ ... فَيُخْبِرُ أَخْبَارًا صَدُوقٌ خَبِيرُهَا صُرُوفٌ رَأَيْنَاهَا تُقَلّبُ أَهْلَهَا ... لَهَا عَقْدٌ مَا يَسْتَحِيلُ مَرِيرُهَا ثُمّ يَقُولُ: يَا ليتني شاهد فحواء دعوته ... إذا قريش تبغي الحقّ خذلانا «3» وأما أَوّلُ مَنْ جَمّعَ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَنْ ذَكَرْنَا. نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّهُ جَمّعَ بِهِمْ أَبُو أُمَامَةَ عِنْدَ هَزْمِ النّبِيتِ فِي بَقِيعٍ يُقَال لَهُ بَقِيعُ الْخَضِمَاتِ. بَقِيعٌ بِالْبَاءِ وَجَدْته فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ، وكذلك

_ (1) هكذا بالأصل، ولم أهتد إلى صوابها. (2) النبى نفسه لم يكن حتى ليلة المبعث يعرف شيئا عن نبوته. يجوز أن نفهم على فرض صحة النقل- أنه كان يبشرهم بمبعث نبى، ويقول عنه الجاحظ «ومن الخطباء القدماء: كعب بن لؤى، وكان يخطب على العرب عامة، ويحض كنانة على البر، فلما مات أكبروا موته، فلم تزل كنانة تؤرخ بموت كعب إلى عام الفيل» ص 35 ج 1 البيان والتبيين بتحقيق عبد السلام هارون. (3) فى الأصل. فجواء، وهو خطأ. وللكلمة روايتان إحداهما: فحواء أى: معنى، ونجواه، والمد للضرورة وهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف أى دعوته السر. وقد سبق التعليق على البيت فى الجزء الأول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَجَدْته فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ من أسماد الْبُقَعِ أَنّهُ نَقِيعٌ بِالنّونِ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ النّونِ وَالْقَافِ «1» ، وَقَالَ: هَزْمُ النّبِيتِ: جَبَلٌ عَلَى يريد مِنْ الْمَدِينَةِ، وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ: أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ حَمَى غَرَزَ النّقِيعِ قَالَ الْخَطّابِيّ: النّقِيعُ: الْقَاعُ، وَالْغَرَزُ شِبْهُ الثّمَامِ» وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَمَعْنَى الْخَضِمَاتِ مِنْ الْخَضْمِ، وَهُوَ الْأَكْلُ بِالْفَمِ كُلّهِ، وَالْقَضْمُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ، وَيُقَالُ: هُوَ أَكْلُ الْيَابِسِ، وَالْخَضْمُ: أَكْلُ الرّطَبِ، فَكَأَنّهُ جَمْعُ خَضِمَةٍ، وَهِيَ الْمَاشِيَةُ الّتِي تَخْضَمُ، فَكَأَنّهُ سُمّيَ بِذَاكَ لِخَضْبِ كَانَ فِيهِ، وَأَمّا الْبَقِيعُ بِالْبَاءِ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْهُ بِكَثِيرِ، وَأَمّا بَقِيعُ الْخَبْجَبَةِ بِخَاءِ وَجِيمٍ وَبَاءَيْنِ، فَجَاءَ ذِكْرُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ «3» : وَالْخَبْجَبَةُ: شَجَرَةٌ عُرِفَ بِهَا. الْجُمُعَةُ: فَصْلٌ: وَتَجْمِيعُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْجُمُعَةَ وَتَسْمِيَتُهُمْ إيّاهَا بِهَذَا الِاسْمِ وَكَانَتْ تُسَمّى الْعَرُوبَةَ- كَانَ عَنْ هِدَايَةٍ مِنْ اللهِ تعالى لهم

_ (1) يقول الخشنى فى شرح السيرة عن نقيع الخضمات: «وقع فى الرواية هنا بالباء والنون، والصواب بالنون، وهو موضع يستنقع فيه الماء، والنقيع: البئر» ص 118. وهو فى معجم ياقوت: نقيع. وكذلك صاحب المراصد. (2) فى القاموس عن الغرز: ضرب من الثمام أو نباته كنبات الإذخر من شر المرعى. (3) رواه فى باب الركاز بسنده عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وخلاصته أن المقداد وجد ببقيع الخبجبة حجرا وجد به عدة دنانير، وأن النبى دعا له بالبركة فيها بعد أن علم أنه لم يهو إلى الحجر بيديه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِهَا، ثُمّ نَزَلَتْ سُورَةُ الْجُمُعَةِ بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَاسْتَقَرّ فَرْضُهَا وَاسْتَمَرّ حُكْمُهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ: أَضَلّتْهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى، وَهَدَاكُمْ اللهُ إلَيْهِ. ذَكَرَ الْكَشّيّ، وَهُوَ عَبْدُ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: نا عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: جَمّعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، وَقَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْجُمُعَةُ، وَهُمْ الّذِينَ سَمّوْا الْجُمُعَةَ، قَالَ الْأَنْصَارُ: لِلْيَهُودِ يَوْمَ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كُلّ سَبْعَةِ أَيّامٍ، وَلِلنّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَهَلُمّ، فَلْنَجْعَلْ يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ، وَنَذْكُرُ اللهَ، وَنُصَلّي وَنَشْكُرُ، أَوْ كَمَا قَالُوا، فَقَالُوا: يَوْمُ السّبْتِ لِلْيَهُودِ، وَيَوْمُ الْأَحَدِ لِلنّصَارَى، فَاجْعَلُوا يَوْمَ الْعَرُوبَةِ، كَانُوا يُسَمّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ، فَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَصَلّى بِهِمْ يَوْمَئِذٍ رَكْعَتَيْنِ، فَذَكّرَهُمْ، فَسَمّوْا الْجُمُعَةَ حِينَ اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فَذَبَحَ لَهُمْ شَاةً فَتَغَدّوْا وَتَعَشّوْا مِنْ شَاةٍ، وَذَلِكَ لِقِلّتِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ- عَزّ وَجَلّ- فِي ذَلِكَ: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ الْجُمُعَةَ: 9. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَمَعَ تَوْفِيقِ اللهِ لَهُمْ إلَيْهِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ إذْنٍ مِنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُمْ، فَقَدْ رَوَى الدّارَقُطْنِيّ عن عثمان ابن أَحْمَدَ بْنِ السّمّاكِ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ غَالِبِ الْبَاهِلِيّ، قَالَ: نا مُحَمّدُ ابن عَبْدِ اللهِ أَبُو زَيْدٍ الْمَدَنِيّ، قَالَ: نا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، قَالَ: حَدّثَنِي مَالِكٌ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: أَذِنَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ: رَسُولُ- اللهِ صَلَّى اللَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه سلم- أَنْ يُجَمّعَ بِمَكّةَ، وَلَا يُبْدِيَ لَهُمْ، فَكَتَبَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَمّا بَعْدُ: فَانْظُرْ الْيَوْمَ الّذِي تَجْهَرُ فِيهِ الْيَهُودُ بِالزّبُورِ لِسَبْتِهِمْ، فَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، فَإِذَا مَالَ النّهَارُ عَنْ شَطْرِهِ عِنْدَ الزّوَالِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَتَقَرّبُوا إلَى اللهِ بِرَكْعَتَيْنِ قَالَ: فَأَوّلُ مَنْ جَمّعَ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، فَجَمّعَ عِنْدَ الزّوَالِ مِنْ الظّهْرِ، وَأَظْهَرَ ذَلِكَ، وَمَعْنَى قَوْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَضَلّتْهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى، وَهَدَاكُمْ اللهُ إلَيْهِ فِيمَا ذَكَرَ أَهْلُ العلم أن اليهود أمروا ليوم مِنْ الْأُسْبُوعِ، يُعَظّمُونَ اللهَ فِيهِ، وَيَتَفَرّغُونَ لِعِبَادَتِهِ، فَاخْتَارُوا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ السّبْتَ فَأُلْزِمُوهُ فِي شَرْعِهِمْ، كَذَلِكَ النّصَارَى أُمِرُوا عَلَى لِسَانِ عِيسَى ليوم مِنْ الْأُسْبُوعِ، فَاخْتَارُوا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ الْأَحَدَ، فَأُلْزِمُوهُ شَرْعًا لَهُمْ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَكَانَ الْيَهُودُ إنّمَا اخْتَارُوا السّبْتَ، لِأَنّهُمْ اعْتَقَدُوهُ الْيَوْمَ السّابِعَ، ثم زادوا الكفرهم أَنّ اللهَ اسْتَرَاحَ فِيهِ، تَعَالَى اللهُ عَنْ قَوْلِهِمْ، لِأَنّ بَدْءَ الْخَلْقِ عِنْدَهُمْ الْأَحَدُ، وَآخِرَ الستة لأيام الّتِي خَلَقَ اللهُ فِيهَا الْخَلْقَ الْجُمُعَةُ، وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ النّصَارَى، فَاخْتَارُوا الْأَحَدَ، لِأَنّهُ أَوّلُ الْأَيّامِ فِي زَعْمِهِمْ، وَقَدْ شَهِدَ الرّسُولُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْفَرِيقَيْنِ بِإِضْلَالِ الْيَوْمِ، وَقَالَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنّ اللهَ خَلَقَ التّرْبَةَ يَوْمَ السّبْتِ، فَبَيّنَ أَنّ أَوّلَ الْأَيّامِ الّتِي خَلَقَ اللهُ فِيهَا الْخَلْقَ السّبْتَ، وَآخِرَ الْأَيّامِ السّتّةِ إذًا الْخَمِيسُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِيمَا ذَكَرَ عَنْهُ الطّبَرِيّ، وَفِي الْأَثَرِ أَنّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سُمّيَ الْجُمُعَةَ، لِأَنّهُ جَمَعَ فِيهِ خَلْقَ آدَمَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَلْمَانَ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ قَدّمْنَا فِي حَدِيثِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْكَشّيّ أَنّ الْأَنْصَارَ سَمّوْهُ جُمُعَةً لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ، فَهَدَاهُمْ اللهُ إلَى التّسْمِيَةِ، وَهَدَاهُمْ إلَى اخْتِيَارِ الْيَوْمِ، وَمُوَافَقَةُ الْحِكْمَةِ أَنّ اللهَ تَعَالَى لَمّا بَدَأَ فِيهِ خَلْقَ أَبِينَا آدَمَ، وَجَعَلَ فِيهِ بَدْءَ هَذَا الْجِنْسِ، وَهُوَ الْبَشَرُ، وَجَعَلَ فِيهِ أَيْضًا فَنَاءَهُمْ وَانْقِضَاءَهُمْ إذْ فِيهِ تَقُومُ السّاعَةُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ ذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ، لِأَنّهُ تَذْكِرَةٌ بِالْمَبْدَأِ، وَتَذْكِرَةٌ بِالْمَعَادِ، وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ الْجُمُعَةَ: 9 وَخَصّ الْبَيْعَ لِأَنّهُ يَوْمٌ يُذْكَرُ بِالْيَوْمِ الّذِي لَا بَيْعَ فِيهِ وَلَا خُلّةَ مَعَ أَنّهُ وِتْرٌ لِلْأَيّامِ الّتِي قَبْلَهُ فِي الْأَصَحّ مِنْ الْقَوْلِ، وَاَللهُ يُحِبّ الْوِتْرَ، لِأَنّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ فَكَانَ مِنْ هُدَى اللهِ لِهَذِهِ الْأُمّةِ أَنْ أُلْهِمُوا إلَيْهِ ثُمّ أُقِرّوا عَلَيْهِ لِمَا وَافَقُوا الْحِكْمَةَ فِيهِ، فَهُمْ الْآخِرُونَ السّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ، كَمَا أَنّ الْيَوْمَ الّذِي اخْتَارُوهُ سَابِقٌ لِمَا اخْتَارَتْهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى، وَمُتَقَدّمٌ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ يَقْرَأُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ السّجْدَةِ فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ الْبَطِينُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ كِلَاهُمَا عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَوَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ ذَكَرَهُ الْبَزّارُ، وَرَوَاهُ التّرْمِذِيّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ لَهُ عَنْ الْأَحْوَصِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَعَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فيه من ذكر السنة الْأَيّامِ وَاتّبَاعِهَا بِذِكْرِ خَلْقِ آدَمَ مِنْ طِينٍ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ تَنْبِيهًا مِنْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَى الْحِكْمَةِ، وَتَذْكِرَةً لِلْقُلُوبِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بهذه الموعظة «1» .

_ (1) أخرج البخارى ومسلم من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام ابن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم إن هذا يومهم الذى فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع. اليهود غدا، والنصارى بعد غد» لفظ البخارى، وفى لفظ لمسلم: أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة. نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضى بينهم قبل الخلائق» والمسلم لا يطمئن قلبه فيما يتعلق بالعبادة إلا لما نقل نقلا صحيحا يغمر القلب بالسكينة: والروح بالولاء له، ولن تطمئن نفس مسلم إلى أن الجمعة كانت صلاة ابتدعها الأنصار من عندهم. والقارئ المتدبر لآية الجمعة فى سورة الجمعة يؤمن أن صلاة الجمعة مفروضة من عند الله، لا من عند الأنصار، ولا من عند النبى «ص» فالنبى لا يفرض أمرا، وإنما الذى يفرض هو ربنا سبحانه وتعالى. اما زعم اليهود عن السبت، فقد ورد عندهم فى سفر التكوين ما يأتى: «فأكملت السموات والأرض، وكل جندها، وفرغ الله فى اليوم السابع من عمله الذى عمل، فاستراح فى اليوم السابع من جميع عمله الذى عمل، وبارك الله اليوم السابع، وقدسه، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذى عمل الله خالقا» الإصحاح الثانى الفقرات: 1، 2، 3، والقرآن الكريم يدفع زورهم هذا بأنه بهتان أثيم. وتدبر قول الله سبحانه (ولقد خلقنا السماوات والأرض، وما بينهما فى ستة أيام، وما مسنا من لغوب) ق: 28 واللغوب: النعب والاعياء، هكذا اليهود لا يسكن حقدهم إلا أن يسبوا الله جل جلاله. ثم تدبر عن أيام الخلق هذه الآية البينة: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، وَتَجْعَلُونَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا قِرَاءَتُهُ: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ فِي الرّكْعَةِ الثّانِيَةِ، فَلِمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ السّعْيِ وَشُكْرِ اللهِ لَهُمْ عَلَيْهِ يَقُولُ: وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً مَعَ مَا فِي أَوّلِهَا مِنْ ذِكْرِ بَدْءِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، وَأَنّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ شَيْئًا مَذْكُورًا، وَقَدْ قَالَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ فَنَبّهَ بِقِرَاءَتِهِ إيّاهَا عَلَى التّأَهّبِ لِلسّعْيِ الْمَشْكُورِ عَلَيْهِ وَاَللهُ أَعْلَمُ، أَلَا تَرَى أَنّهُ كَانَ كَثِيرًا مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الجمعة أيضا بهل أتاك حديث الغاشية، وذلك أن فيها: لِسَعْيِها راضِيَةٌ كَمَا فِي سُورَةِ الْجُمُعَةِ، فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ فَاسْتَحَبّ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الثانية ما فيه

_ لَهُ أَنْداداً، ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها، وَبارَكَ فِيها، وَقَدَّرَ فِيها: أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، سَواءً لِلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ، وَهِيَ دُخانٌ، فَقالَ لَها، وَلِلْأَرْضِ: ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ، فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ، وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها، وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ فصلت: 9- 12 هذا هو الهدى الذى يتلألأ فيه الحق، يشرق منه نور الله. وأما حديث أبى هريرة «أخذ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بيدى، فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق فى آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة فيما بين العصر إلى الليل» أما هذا فقد رواه مسلم والنسائى فى كتابيهما من حديث ابن جريج، وهو- كما قيل- من غرائب الصحيح، وقد علله البخارى فى التاريخ، فقال رواه بعضهم عن أبى هريرة رضى الله عنه عن كعب الأحبار!! وهنا تتجلى لنا حكمة الهداية الإلهية فى قوله سبحانه: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ، وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً الكهف: 51 فلا يجوز لمسلم أن يقول عن خلق السموات والأرض شيئا غير ما قال الله سبحانه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رِضَاهُمْ بِسَعْيِهِمْ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي السّورَةِ الْأُولَى. لَفْظُ الْجُمُعَةِ: وَلَفْظُ الْجُمُعَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ، كَمَا قَدّمْنَا وَكَانَ عَلَى وَزْنِ فُعْلَةٍ وَفُعُلَةٍ لِأَنّهُ فِي مَعْنَى قُرْبَةٍ، وَقُرُبَةٍ وَالْعَرَبُ تَأْتِي بِلَفْظِ الْكَلِمَةِ عَلَى وَزْنِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا، وَقَالُوا: عُمْرَةٌ، فَاشْتَقّوا اسْمَهَا مِنْ عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَبَنَوْهُ عَلَى فُعْلَةٍ لِأَنّهَا وُصْلَةٌ وَقُرْبَةٌ إلَى اللهِ، وَلِهَذَا الْأَصْلِ فُرُوعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَنَظَائِرُ لِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ يُفِيتُنَا تَتَبّعُهُ عَمّا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ، وَفِيمَا قَدّمْنَاهُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ لَمْحَةٍ دَالّةٍ، وَقَالُوا فِي الْجُمُعَةِ جَمّعَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ كَمَا قَالُوا عَيّدَ إذَا شَهِدَ الْعِيدَ، وَعَرّفَ إذَا شَهِدَ عَرَفَةَ، وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ إلّا جَمَعَ بِالتّخْفِيفِ، وَفِي الْبُخَارِيّ: أَوّلُ مَنْ عَرّفَ بِالْبَصْرَةِ: ابْنُ عَبّاسٍ، وَالتّعْرِيفُ إنّمَا هُوَ بِعَرَفَاتِ، فَكَيْفَ بِالْبَصْرَةِ، وَلَكِنْ مَعْنَاهُ أَنّهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إذَا صَلّى الْعَصْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَخَذَ فِي الدّعَاءِ وَالذّكْرِ وَالضّرَاعَةِ إلَى اللهِ تَعَالَى إلَى غُرُوبِ الشّمْسِ، كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ عَرَفَةَ «1» . أَيّامَ الْأُسْبُوعِ: وَلَيْسَ فِي تَسْمِيَتِهِ هَذِهِ الْأَيّامَ وَالِاثْنَيْنِ إلَى الْخَمِيسِ مَا يَشُدّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنّ أَوّلَ الْأُسْبُوعِ: الْأَحَدُ وَسَابِعَهَا السّبْتُ، كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ لِأَنّهَا تَسْمِيَةٌ طَارِئَةٌ، وَإِنّمَا كَانَتْ أَسَمَاؤُهَا فِي اللّغَةِ الْقَدِيمَةِ شِيَارَ وَأَوّلَ وَأَهْوَنَ وَجُبَارَ وَدُبَارَ وَمُؤْنِسَ وَالْعَرُوبَةَ «2» ، وَأَسْمَاؤُهَا بالسريانية قَبْلَ هذا

_ (1) وفيها أيضا جمعه إذ ذهبوا بها إلى صفة اليوم أنه يجمع الناس كما يقال رجل همزة لمزة ضحكة. (2) سبق الكلام عنها: وقد جمعها الشاعر فى قوله: أؤمل أن أعيش وأن يومى ... بأول، أو بأهون أو جبار أو التالى: دبار، فإن أفته ... فؤنس أو عروبة أو شيار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبُو جَادّ هَوّزَ حَطّي إلَى آخِرِهَا، وَلَوْ كَانَ اللهُ تَعَالَى ذَكَرَهَا فِي الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقّةِ مِنْ الْعَدَدِ، لَقُلْنَا: هِيَ تَسْمِيَةٌ صَادِقَةٌ عَلَى الْمُسَمّى بِهَا، وَلَكِنّهُ لَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا إلّا الْجُمُعَةُ وَالسّبْتُ «1» ، وَلَيْسَا مِنْ الْمُشْتَقّةِ مِنْ الْعَدَدِ، وَلَمْ يُسَمّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ إلَى سَائِرِهَا إلّا حَاكِيًا لِلُغَةِ قَوْمِهِ لَا مُبْتَدِئًا لِتَسْمِيَتِهَا، وَلَعَلّ قَوْمَهُ أَنْ يَكُونُوا أَخَذُوا مَعَانِيَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُجَاوِرِينَ لَهُمْ، فَأَلْقَوْا عَلَيْهَا هَذِهِ الْأَسْمَاءَ اتّبَاعًا لَهُمْ، وَإِلّا فَقَدْ قَدّمْنَا مَا وَرَدَ فِي الصّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنّ اللهَ خَلَقَ التّرْبَةَ يَوْمَ السّبْتِ وَالْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ، الْحَدِيثَ، وَالْعَجَبُ مِنْ الطّبَرِيّ عَلَى تَبَحّرِهِ فِي الْعِلْمِ كَيْفَ خَالَفَ مقتضى

_ أراد: فبمؤنس، وترك صرفه على اللغة القديمة، وإن شئت جعلته على لغة من رأى ترك صرف ما ينصرف ... قال أبو موسى الحامض: قلت لأبى العباس: هذا الشعر موضوع، قال: لم؟ قلت: لأن مؤنسا وجبارا ودبارا وشيارا تنصرف، وقد ترك صرفها، فقال: هذا جائز فى الكلام فكيف فى الشعر؟ .. وقال اللحانى: كان أبو زياد وأبو الجراح يقولان: مضت الجمعة بما فيها، فيوحدان ويؤنثان، وكانا يقولان: مضى السبت بما فيه فيوحدان ويذكران، وكذلك الأحد، ثم اختلفا فيما بعد، فكان أبو زياد يقول: مضى الاثنان بما فيه وكذلك يفعل فى الثلاثاء والأربعاء والخميس. أما أبو الجراح فكان يقول: مضى الاثنان بما فيهما، ومضى الثلاثاء بما فيهن، ومضى الأربعاء بما فيهن، ومضى الخميس بما فيهن، فيجمع ويؤنث يخرج ذلك مخرج العدد. اللسان مادة جمع وعرب. (1) ورد ذكر الجمعة مرة واحدة فى القرآن فى سورة الجمعة الآية رقم 9، أما السبت فذكر ست مرات فى القرآن فى البقرة والنساء والأعراف والنحل، وجاء الفعل: يسبتون مرة واحدة فى الأعراف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الحديث، وأعنق فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ إسْحَاقَ وَغَيْرِهِ، وَمَالَ إلَى قَوْلِ الْيَهُودِ فِي أَنّ الْأَحَدَ هُوَ الْأَوّلُ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ سَادِسٌ لَا وِتْرٌ وَإِنّمَا الْوِتْرُ فِي قَوْلِهِمْ يَوْمُ السّبْتِ مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَضَلّتْهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى، وَهَدَاكُمْ اللهُ إلَيْهِ، وَمَا احْتَجّ بِهِ بالطبرى «1» مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ، فَلَيْسَ فِي الصّحّةِ كَاَلّذِي قَدّمْنَاهُ، وَقَدْ يُمْكِنُ فِيهِ التّأْوِيلُ أَيْضًا، فَقِفْ بِقَلْبِك عَلَى حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى فِي تَعَبّدِ الْخَلْقِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التّذْكِرَةِ بِإِنْشَاءِ هَذَا الْجِنْسِ وَمَبْدَئِهِ، كَمَا قَدّمْنَا، وَلِمَا فِيهِ أيضا من النذكرة بِأَحَدِيّةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَانْفِرَادِهِ قَبْلَ الْخَلْقِ بِنَفْسِهِ، فَإِنّك إذَا كُنْت فِي الْجُمُعَةِ، وَتَفَكّرْت فِي كل جمعة قبل حَتّى يَتَرَقّى وَهْمُك إلَى الْجُمُعَةِ الّتِي خُلِقَ فِيهَا أَبُوك آدَمُ ثُمّ فَكّرْت فِي الْأَيّامِ الستة التى قبل يوم الجمعة،

_ (1) اختلاف لا طائل تحته. ولنتدبر معا ما ذكرت به من قبل من قول الله سبحانه (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) هذا وقد ورد فى سفر التكوين أول أسفار التوراة كما يقول النصارى واليهود، أن الله خلق الليل والنهار فى اليوم الأول، وخلق السماء فى اليوم الثانى، وخلق الأرض بنباتها وشجرها فى اليوم الثالث، وخلق أنوار السماء ونجومها فى اليوم الرابع، وخلق ما فى البحر من زحافات، وما فى الأرض من طير، وكل ذوات الأنفس الحية- ما عدا الإنسان- فى اليوم الخامس، ثم عمل وحوش الأرض وبهائمها ودباباتها، ثم قال «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى البهائم، وعلى كل الأرض، وعلى جميع الدبابات التى تدب على الأرض، فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكر وأنثى خلقهم، كل هذا فى اليوم السادس، ثم يقول السفر «وفرغ الله فى اليوم السابع من عمله الذى عمل» فلنتدبر ما يروى لنا من غير القرآن، فقد يكون من هذه الأسفار ونحن لا ندرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَجَدْت فِي كُلّ يَوْمٍ مِنْهَا جِنْسًا مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ مَوْجُودًا إلَى السّبْتِ، ثُمّ انْقَطَعَ وَهْمُك فَلَمْ تَجِدْ فِي الْجُمُعَةِ الّتِي تَلِي ذَلِكَ السّبْتَ وُجُودًا إلّا لِلْوَاحِدِ الصّمَدِ الْوِتْرِ، فَقَدْ ذَكّرَتْ الْجُمُعَةُ مَنْ تَفَكّرَ بِوَحْدَانِيّةِ اللهِ وَأَوّلِيّتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُؤَكّدَ فِي هَذَا الْيَوْمِ تَوْحِيدُ الْقَلْبِ لِلرّبّ بِالذّكْرِ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ الجمعة. وَأَنْ يَتَأَكّدَ ذَلِكَ الذّكْرُ بِالْعَمَلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مُشَاكِلًا لِمَعْنَى التّوْحِيدِ، فَيَكُونَ الِاجْتِمَاعُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ، وَإِلَى إمَامٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمّةِ، وَيَخْطُبُ ذَلِكَ الْإِمَامُ، فَيُذَكّرُ بِوَحْدَانِيّةِ اللهِ تَعَالَى وَبِلِقَائِهِ، فَيُشَاكِلُ الْفِعْلُ الْقَوْلَ، وَالْقَوْلُ الْمُعْتَقَدَ، فَتَأَمّلْ هَذِهِ الْأَغْرَاضَ بِقَلْبِك، فَإِنّهَا تَذْكِرَةٌ بِالْحَقّ، وَقَدْ زِدْنَا عَلَى مَا شَرَطْنَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ مَعَانِيَ لَمْ تَكُنْ هُنَالِكَ، وَعُدْنَا بِهَا، وَلَكِنّ الْكَلَامَ يَفْتَحُ بَعْضُهُ بَابَ بَعْضٍ، وَيَحْدُو الْمُتَكَلّمَ قَصْدَ الْبَيَانِ إلَى الْإِطَالَةِ، وَلَا بَأْسَ بِالزّيَادَةِ مِنْ الْخَيْرِ، وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ. إسْلَامُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَسَمِعَ أَهْلُ مَكّةَ هَاتِفًا يَهْتِفُ، وَيَقُولُ قَبْلَ إسْلَامِ سَعْدٍ: فَإِنْ يُسْلِمْ السّعْدَانِ يُصْبِحْ مُحَمّدٌ ... بِمَكّةَ لَا يَخْشَى خِلَافَ الْمُخَالِفِ فَحَسِبُوا أَنّهُ يُرِيدُ بِالسّعْدَيْنِ: الْقَبِيلَتَيْنِ سَعْدَ هُذَيْمٍ مِنْ قُضَاعَةَ، وَسَعْدَ بْنَ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، حَتّى سمعوه يقول:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَيَا سَعْدَ سَعْدَ الْأَوْسِ كُنْ أَنْتَ نَاصِرًا ... وَيَا سَعْدَ سَعْدَ الْخَزْرَجِينَ الْغَطَارِفِ أَجِيبَا إلَى دَاعِي الْهُدَى، وَتَمَنّيَا ... عَلَى اللهِ فِي الْفِرْدَوْسِ مُنْيَةَ عَارِفِ «1» فَعَلِمُوا حِينَئِذٍ أَنّهُ يُرِيدُ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. هَلْ يَغْتَسِلُ الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ؟ وَذَكَرَ فِيهِ اغْتِسَالَهُمَا حِينَ أَسْلَمَا بِأَمْرِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لَهُمَا بِذَلِكَ، فَذَلِكَ السّنّةُ فِي كُلّ كَافِرٍ يُسْلِمُ، ثُمّ اُخْتُلِفَ فِي نِيّةِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ بِاغْتِسَالِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْجَنَابَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْوِي التّعَبّدَ، وَلَا حُكْمَ لِلْجَنَابَةِ فِي حَقّهِ، لِأَنّ مَعْنَى الْأَمْرِ بِهِ اسْتِبَاحَةُ الصّلَاةِ، وَالْكَافِرُ لَا يُصَلّي، وَإِنْ كَانَ مُخَاطَبًا فِي أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ، وَلَكِنّهُ أَمْرٌ مَشْرُوطٌ بِالْإِيمَانِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْإِيمَانُ- وَهُوَ الشّرْطُ الْأَوّلُ- فَأَجْدِرْ بِأَنْ يَكُونَ- الشّرْطُ الثّانِي- وَهُوَ الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ غَيْرَ مُقَيّدٍ بِشَيْءِ، فَإِذَا أَسْلَمَ هَدَمَ الْإِسْلَامُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ صَلَاةٍ مَضَتْ، وَإِذَا سَقَطَتْ الصلوات سقطت عنه شُرُوطُهَا، وَاسْتَأْنَفَ الْأَحْكَامَ الشّرْعِيّةَ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ الصّلَوَاتُ من حين يسلم بشروط

_ (1) هذا الصائح أو الهاتف هو أحد الشعراء، ولهذا يقول ابن حجر فى فتح البارى عن السعدين «وإياهما أراد الشاعر بقوله» ثم روى البيت: فإن يسلم ص 97 فتح البارى ح 7 وبعد البيت الأخير: فإن ثواب الله للطالب الهدى ... جنان من الفردوس ذات رفارف وقد رواه البخارى فى التاريخ الأوسط ولكن لم يخرجه فى الصحيح

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَدَائِهَا مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ مِنْ جَنَابَةٍ، إذَا أَجْنَبَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ صِحّةِ الصّلَاةِ، وَرَأَيْت لِبَعْضِ الْمُتَأَخّرِينَ أَنّ اغتساله سنّة لا فريضة وَلَيْسَ عِنْدِي بِالْبَيّنِ لِأَنّ اللهَ سبحانه يقول: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ التّوْبَةَ: 28 وَحُكْمُ النّجَاسَةِ إنّمَا يُرْفَعُ بِالطّهَارَةِ وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِمْ بِالتّنْجِيسِ لِمَوْضِعِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنّهُ قَدْ عَلّقَ الْحُكْمَ بِصِفَةِ الشّرْكِ وَالْحُكْمُ الْمُعَلّلُ بِالصّفَةِ مُرْتَبِطٌ بِهَا فَإِذَا ارْتَفَعَ حُكْمُ الشّرْكِ بِالْإِيمَانِ لَمْ يَبْقَ لِلْجَنَابَةِ حُكْمٌ كَمَا إذَا كَانَ الْمُسْلِمُ جُنُبًا، ثُمّ بَالَ فَالطّهُورُ مِنْ الْجَنَابَةِ، يَرْفَعُ عَنْهُ حُكْمَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَهُوَ حَدَثُ الْوُضُوءِ، لِأَنّ الطّهَارَةَ الصّغْرَى دَاخِلَةٌ فِي الْكُبْرَى، وَتَطَهّرُهُ مِنْ تَنْجِيسِ الشّرْكِ بِإِيمَانِهِ هُوَ أَيْضًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الطّهْرِ مِنْ الْجَنَابَةِ، الطّهَارَةُ الْكُبْرَى، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُغْنِيَةً عَنْهَا، كَمَا كَانَتْ الطّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ مُغْنِيَةً عَنْ الطّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ، إذ لَيْسَتْ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الطّهَارَاتِ مُزِيلَةً لِعَيْنِ نَجَاسَةٍ فِيهَا، فَيَنْبَغِي بَعْدَ هَذَا أَنّ أَمْرَهُ بِالِاغْتِسَالِ تَعَبّدٌ، وَالْحُكْمُ بِأَنّهُ غَيْرُ فَرْضٍ تَحَكّمٌ وَاَللهُ أَعْلَمُ، غَيْرَ أَنّ التّرْمِذِيّ خَرّجَ حَدِيثَ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ حِينَ أَسْلَمَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ. قَالَ التّرْمِذِيّ: وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبّونَ لِلْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَيَغْسِلَ ثِيَابَهُ، فَقَالَ: يَسْتَحِبّونَ، وَجَعَلَهَا مَسْأَلَةَ اسْتِحْبَابٍ. مِنْ شَرْحِ شِعْرِ ابْنِ الْأَسْلَتِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ أَبِي قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ، وَفِيهِ قَوْلُهُ: وَلَوْلَا رَبّنَا كُنّا يَهُودًا ... وَمَا دِينُ الْيَهُودِ بِذِي شُكُول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَرَادَ جَمْعَ: شَكْلٍ، وَشَكْلُ الشّيْءِ- بِالْفَتْحِ «1» - هُوَ مِثْلُهُ، وَالشّكْلُ بِالْكَسْرِ الدّلّ وَالْحُسْنُ، فَكَأَنّهُ أَرَادَ أَنّ دِينَ الْيَهُودِ بِدْعٌ، فَلَيْسَ لَهُ شُكُولُ أَيْ: لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْحَقَائِقِ، وَلَا مَثِيلَ يَعْضُدُهُ مِنْ الْأَمْرِ الْمَعْرُوفِ الْمَقْبُولِ، وَقَدْ قَالَ الطّائِيّ: وَقُلْت: أَخِي، قَالُوا: أَخٌ مِنْ قَرَابَةٍ ... فَقُلْت لَهُمْ: إنّ الشّكُولَ أَقَارِبُ قَرِيبِي فِي رَأْيِي وَدِينِي وَمَذْهَبِي ... وَإِنْ بَاعَدَتْنَا فِي الْخُطُوبِ الْمَنَاسِبُ وَقَالَ فِيهِ: مَعَ الرّهْبَانِ فِي جَبَلِ الْجَلِيلِ. الْجَلِيلُ بِالْجِيمِ الثّمَامُ، وَهَذَا الْجَبَلُ مِنْ جِبَالِ الشّامِ مَعْرُوفٌ بِهَذَا الِاسْمِ «2» . ذِكْرُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، وَصَلَاتِهِ إلَى الْقِبْلَةِ ذَكَرَ حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ حَجّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مَعَ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، فَكَانُوا يُصَلّونَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانَ الْبَرَاءُ يصلى إلى الكعبة

_ (1) فى القاموس أنه يكسر أيضا. (2) فى المراصد: جبل الجليل: فى ساحل الشام ممتد إلى قرب مصر. قيل هو جبل يقبل من الحجاز، فما كان بفلسطين فهو جبل الحمل، وما كان بالأردن فهو جبل الجليل، وهو بدمشق: لبنان وبحمص: سنير. وفى قاموس الدكتور بوست: أن الجليل كانت القسم الشمالى لفلسطين، ويحدها من الشمال نهر القاسمية، ومن الشرق: الأردن وبحر الجليل، ومن الجنوب: السامرة، ومن الغرب فينيقية الممتدة من الكوامل إلى صور، وكانت الجليل قسمين العليا ويسكنها السوريون والفينيقيون، والعرب، والسفلى، فكانت بقرب بحر طبرية، وكان يسكنها أسباط بسا كروزبولون وغيرهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحَدِيثَ- إلَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ كُنْت عَلَى قِبْلَةٍ لَوْ صبرت لميها فِقْهُ قَوْلِهِ: لَوْ صَبَرْت عَلَيْهَا: أَنّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ مَا قَدْ صَلّى؛ لِأَنّهُ كَانَ مُتَأَوّلًا. قِبْلَةُ الرّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَفِي الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُصَلّي بِمَكّةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَا صَلّى إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلّا مُذْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا أو ستة عشر شهرا «1» ، فعلى هذا

_ (1) روى البخارى بسنده عن البراء رضى الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى إلى بيت المقدس سنة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه، فمر على أهل المسجد، وهم راكعون، قال: أشهد بالله: لقد صليت مع النبى- صلى الله عليه وسلم- قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكان الذى قد مات على القبلة، قبل أن تحول قبل البيت رجالا قتلوا لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ. أقول: لعل الراوى يريد أنه بهذا الجزء من الآية اطمأن كل امرئ مسلم إلى هذا المعنى، أو لعله أراد الآية كلها، إذ لا يعقل تأخر جزء من آية هذا شأنه وارتباطه الوثيق بما قبله عن جزئه الأول المتمم لمعناه!! وقد انفرد البخارى به من هذا الوجه، ورواه مسلم من وجه آخر وورد فى البخارى أيضا «بينا الناس يصلون الصبح فى مسجد قباء إذ جاء جاء فقال: أنزل الله على النبى قرآنا أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة» وأخرجه مسلم أيضا. وإليك ما قاله ابن كثير فى تفسيره «وقد جاء فى هذا الباب أحاديث كثيرة، وحاصل الأمر أنه قد كان رسول الله- صلى الله

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَكُونُ فِي الْقِبْلَةِ نَسْخَانِ نَسْخُ سُنّةٍ بِسُنّةِ، وَنَسْخُ سُنّةٍ بِقُرْآنِ، وَقَدْ بَيّنَ حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ مَنْشَأَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إذَا صَلّى بِمَكّةَ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَمّا كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ يَتَحَرّى الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا لَمْ يَبِنْ تَوَجّهُهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِلنّاسِ، حَتّى خَرَجَ مِنْ مَكّةَ وَاَللهُ أَعْلَمُ. قَالَ اللهُ تَعَالَى لَهُ فِي الْآيَةِ النّاسِخَةِ: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ

_ عليه وسلم- أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس، فكان يصلى بين الركنين، وهو مستقبل صخرة بيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما، فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس؛ قاله ابن عباس والجمهور، ثم اختلف هؤلاء، هل كان الأمر به بالقرآن، أو بغيره؟ على قولين، وحكى القرطبى فى تفسيره.. أن التوجه إلى بيت المقدس كان باجتهاده عليه السلام، والمقصود أن التوجه إلى بيت المقدس بعد مقدمه- صلى الله عليه وسلم- المدينة، واستمر الأمر على ذلك بضعة عشر شهرا، وكان يكثر الدعاء والابتهال أن يوجه إلى الكعبة التى هى قبلة إبراهيم عليه السلام، فأجيب إلى ذلك وأمر بالتوجه إلى البيت العتيق، فخطب رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- النّاسَ، فأعلمهم بذلك، وكان أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر، كما تقدم فى الصحيحين من رواية البراء، ووقع عند النسائى من رواية أبى سعيد بن المعلى أنها الظهر ... وذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم أن تحويل القبلة نزل على رسول الله، وقد صلى ركعتين من الظهر، وذلك فى مسجد بنى سلمة، فسمى مسجد القبلتين: وفى حديث نويلة بنت مسلم أنهم جاءهم الخبر بذلك، وهم فى صلاة الظهر، قال: فتحولت الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمرى، وأما أهل قباء، فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم الثانى كما جاء فى الصحيحين، وهى محاولة للجمع بين التى تروى أنها صلاة العصر، وبين التى تروى أنها صلاة الصبح..

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الْبَقَرَةَ: 150 أَيْ: مِنْ أَيّ جِهَةٍ جِئْت إلَى الصّلَاةِ، وَخَرَجْت إلَيْهَا فَاسْتَقْبِلْ الْكَعْبَةَ كُنْت مُسْتَدْبِرًا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ، لِأَنّهُ كَانَ بِمَكّةَ يَتَحَرّى فِي اسْتِقْبَالِهِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَنْ تَكُونَ الْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَدَبّرْ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ وَقَالَ لِأُمّتِهِ: وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَلَمْ يَقُلْ: حَيْثُمَا خَرَجْتُمْ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ إمَامَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ يَخْرُجُ إلَيْهِمْ إلَى كُلّ صَلَاةٍ لِيُصَلّيَ بِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ إذْ كَانَ الْإِمَامُ الْمُقْتَدَى بِهِ فَأَفَادَ ذِكْرُ الْخُرُوجِ فِي خَاصّتِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَلَمْ يَكُنْ حُكْمُ غَيْرِهِ هَكَذَا، يَقْتَضِي الْخُرُوجَ، وَلَا سِيّمَا النّسَاءُ، وَمَنْ لَا جَمَاعَةَ عَلَيْهِ، وَكَرّرَ الْبَارِي تَعَالَى الْأَمْرَ بِالتّوَجّهِ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فِي ثَلَاثِ آيَاتٍ، لِأَنّ الْمُنْكِرِينَ لِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، كَانُوا ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ مِنْ النّاسِ الْيَهُودُ، لِأَنّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِالنّسْخِ فِي أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ، وَأَهْلُ الرّيْبِ وَالنّفَاقِ اشْتَدّ إنْكَارُهُمْ لَهُ أَنّهُ كَانَ أَوّلَ نَسْخٍ نَزَلَ، وَكُفّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا: نَدِمَ مُحَمّدٌ عَلَى فِرَاقِ دِينِنَا فَسَيَرْجِعُ إليه كما رجع إلى قِبْلَتَنَا، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَحْتَجّونَ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّهُ يَدْعُونَا إلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَقَدْ فَارَقَ قِبْلَةَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَآثَرَ عَلَيْهَا قِبْلَةَ الْيَهُودِ، فَقَالَ اللهُ لَهُ حِينَ أَمَرَهُ بِالصّلَاةِ إلَى الْكَعْبَةِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ الْبَقَرَةَ: 150 عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، أَيْ: لَكِنْ الّذِينَ ظَلَمُوا منهم لا يرجعون ولا يهتدون «1»

_ (1) يرى بعض المفسرين أنه غير منقطع، لأن هذا لا يرد فى الكلام البليغ الفصيح. يقول البيضاوى عن الاستثناء هنا «إلا الذين ظلموا منهم استثناء من الناس، أى لئلا يكون لأحد من الناس حجة إلا للمعاندين منهم فإنهم يقولون

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ الْبَقَرَةَ: 147 أَيْ: مِنْ الّذِينَ شَكّوا وَامْتَرَوْا، وَمَعْنَى: الْحَقّ مِنْ رَبّك أَيْ الّذِي أَمَرْتُك بِهِ مِنْ التّوَجّهِ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ، هُوَ الْحَقّ الّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَك فَلَا تَمْتَرِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ الْبَقَرَةَ: 144 وَقَالَ: وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْبَقَرَةَ: 146 أَيْ يَكْتُمُونَ مَا عَلِمُوا مِنْ أَنّ الْكَعْبَةَ هِيَ قِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ السّنْجَرِيّ فِي كِتَابِ النّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لَهُ وَهُوَ فِي رِوَايَتِنَا عَنْهُ بِسَنَدِ رَفِيعٍ حَدّثَنَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيّ قَالَ: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَيّوبَ الْبَزّارُ، قَالَ: أَنَا أَبُو عَلِيّ بْنُ شَاذَانَ قَالَ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْفَقِيهُ النجّار أحمد بن

_ ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه، وحبا لبلده، أو: بداله فرجع إلى قبلة آبائه، ويوشك أن يرجع إلى دينهم، وسمى هذه حجة كقوله تعالى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ لأنهم يسوقون مساقها وقيل: الحجة بمعنى الاحتجاج، وقيل: الاستثناء للمبالغة فى نفى الحجة رأسا ... وقرئ (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) على أنه استئناف بحرف التنبيه» : وفى تفسير الجلالين: «إلا الذين ظلموا منهم بالعناد، فإنهم يقولون: ما تحول إليها إلا ميلا إلى دين آبائه، والاستثناء متصل، والمعنى: لا يكون لأحد عليكم كلام إلا كلام هؤلاء» ويقول ابن كثير «إلا الذين ظلموا منهم يعنى: مشركى قريش، ووجه بعضهم حجة الظلمة- وهى داحضة- أن قالوا: هذا الرجل يزعم أنه على دين إبراهيم، فإن كان توجهه إلى بيت المقدس على ملة إبراهيم، فلم رجع عنه؟ والجواب: أن الله تعالى اختار له التوجه إلى البيت المقدس أولا لما له تعالى فى ذلك من الحكمة، فأطاع ربه تعالى فى ذلك، ثم صرفه إلى قبلة إبراهيم، وهى الكعبة، فامتثل أمر الله فى ذلك أيضا»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سُلَيْمَانَ عَنْهُ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قال: نا عنبسة عن يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يُعَظّمُ إيلِيَاءَ كَمَا يُعَظّمُهَا أَهْلُ بَيْتِهِ، قَالَ: فَسِرْت مَعَهُ، وَهُوَ وَلِيّ عَهْدٍ، قَالَ: وَمَعَهُ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ سُلَيْمَانُ: وَهُوَ جَالِسٌ فِيهِ: وَاَللهِ إنّ فِي هَذِهِ الْقِبْلَةِ الّتِي صَلّى إلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ وَالنّصَارَى لَعَجَبًا، قَالَ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ: أَمَا وَاَللهِ إنّي لَأَقْرَأُ الْكِتَابَ الّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَى مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَقْرَأُ التّوْرَاةَ، فَلَمْ يَجِدْهَا الْيَهُودُ فِي الْكِتَابِ الّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ تَابُوتُ السّكِينَةِ كَانَ عَلَى الصّخْرَةِ، فَلَمّا غَضِبَ اللهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ رَفَعَهُ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُمْ إلَى الصّخْرَةِ عَنْ مُشَاوَرَةٍ مِنْهُمْ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا أَنّ يَهُودِيّا خَاصَمَ أَبَا الْعَالِيَةِ فِي الْقِبْلَةِ، فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: إنّ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ يُصَلّي عِنْدَ الصّخْرَةِ، وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، فَكَانَتْ الْكَعْبَةُ قِبْلَةً، وَكَانَتْ الصّخْرَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ الْيَهُودِيّ: بَيْنِي وَبَيْنَك مَسْجِدُ صَالِحٍ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: فَإِنّي صَلّيْت فِي مَسْجِدِ صَالِحٍ وَقِبْلَتُهُ الْكَعْبَةُ، وَأَخْبَرَ أَبُو الْعَالِيَةِ أَنّهُ رَأَى مَسْجِدَ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَقِبْلَتُهُ الْكَعْبَةُ، وَرُوِيَ أَيْضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يَقُولُ لِجِبْرِيلَ: وَدِدْت أَنّ اللهَ حَوّلَنِي عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ، فَيَقُولُ لَهُ جِبْرِيلُ: إنّمَا أَنَا عَبْدٌ مَأْمُورٌ، وَرَوَى غَيْرُهُ أَنّهُ كَانَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ إذَا عَرَجَ إلَى السّمَاءِ حِرْصًا عَلَى أَنْ يَأْمُرَهُ بِالتّوَجّهِ إلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ الآية: البقرة 144.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أم عمارة وأم ضيع فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الْأُخْرَى: وَذَكَرَ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ، وَذَكَرَ عِدّةَ أَصْحَابِ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ، وَأَنّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، وَهُمَا: أُمّ عُمَارَةَ وَهِيَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ امْرَأَةُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ شَهِدَتْ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ وَبَيْعَةَ الرّضْوَانِ، وَشَهِدَتْ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وَبَاشَرَتْ الْقِتَالَ بِنَفْسِهَا، وَشَارَكَتْ ابْنَهَا عَبْدَ اللهِ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ، فَقُطِعَتْ يَدُهَا، وجرحت اثنا عَشَرَ جُرْحًا، ثُمّ عَاشَتْ بَعْدَ ذَلِكَ دَهْرًا، وَكَانَ النّاسُ يَأْتُونَهَا بِمَرْضَاهُمْ، لِتَسْتَشْفِي لَهُمْ، فَتَمْسَحُ بِيَدِهَا الشّلّاءِ عَلَى الْعَلِيلِ، وَتَدْعُو لَهُ، فَقَلّ ما مسحت بيدها ذا عاهة إلّا برىء «1» . وَالْأُخْرَى: أَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرٍو أُمّ مَنِيعٍ، وَقَدْ رَفَعَ فِي نَسَبِهَا وَنَسَبِ الْأُخْرَى ابْنُ إسْحَاقَ، وَيُرْوَى أَنّ أُمّ عُمَارَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَرَى كُلّ شَيْءٍ إلّا لِلرّجَالِ، وَمَا أَرَى لِلنّسَاءِ شَيْئًا، فأنزل الله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ «2» الآية.

_ (1) المسلم يدين بأن الشفاء بيد الله وحده. ندبر ما قص الله عن إبراهيم من قوله: (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) وليس من أسباب الشفاء أن تمسح امرأة بيدها جسم إنسان، ولكن من أسبابه الدعاء، وما أحل الله من دواء يصفه الطبيب. (2) المشهور- كما روى الإمام أحمد والنسائى وابن جرير- أن أم سلمة رضى الله عنها هى التى قالت للنبى «ص» : ما لنا لا نذكر فى القرآن، كما يذكر الرجال؟ فنزلت الآية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَوْلُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ: وَذَكَرَ قَوْلَ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْبَيْعَةِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ قَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، فَقَالَ: نُبَايِعُك عَلَى أَنْ نَمْنَعَك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا، أَرَادَ: نِسَاءَنَا، وَالْعَرَبُ تُكَنّي عَنْ الْمَرْأَةِ بِالْإِزَارِ، وَتُكَنّي أَيْضًا بِالْإِزَارِ عَنْ النّفْسِ، وَتَجْعَلُ الثّوْبَ عِبَارَةً عَنْ لَابِسِهِ كَمَا قَالَ: رَمَوْهَا بِأَثْوَابِ خِفَافٍ فَلَا تَرَى ... لَهَا شَبَهًا إلّا النّعَامَ الْمُنَفّرَا «1» أَيْ: بِأَبْدَانِ خِفَافٍ، فَقَوْلُهُ مِمّا نَمْنَعُ أُزُرَنَا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَقَدْ قَالَ الْفَارِسِيّ فِي قَوْلِ الرّجُلِ الّذِي كَتَبَ إلَى عُمَرَ مِنْ الْغَزْوِ يُذَكّرُهُ بِأَهْلِهِ: أَلَا أَبْلِغْ أَبَا حَفْصٍ رَسُولًا ... فِدَى لَك مِنْ أَخِي ثِقَةٍ إزَارِي قَالَ: الْإِزَارُ: كِنَايَةٌ عَنْ الْأَهْلِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْإِغْرَاءِ أَيْ: احْفَظْ إزَارِي، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْإِزَارُ فِي هَذَا الْبَيْتِ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَعْنَاهُ فِدَا لَك نَفْسِي، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَرْضِيّ فِي الْعَرَبِيّةِ، وَاَلّذِي قَالَهُ الْفَارِسِيّ بَعِيدٌ عَنْ الصّوَابِ، لِأَنّهُ أَضْمَرَ الْمُبْتَدَأَ، وَأَضْمَرَ الْفِعْلَ النّاصِبَ لِلْإِزَارِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لِبُعْدِهِ، عَنْهُ، وَبُعْدُ الْبَيْتِ مَا يَدُلّ عَلَى صِحّةِ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ: قَلَائِصَنَا هَدَاك اللهُ مَهْلًا ... شغلنا عنكم زمن الحصار «2»

_ (1) البيت لليلى الأخيلية ص 922 سمط اللآلى. (2) أصل القصة أن نفيلة الأكبر الأشجعى- وكنيته أبو المنهال- كتب إلى عمر أبياتا من الشعر يشير فيها إلى رجل كان واليا على مدينتهم يخرج الجوارى. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى سلع عند خروج أزواجهن إلى الغزو، فيعقلهن، ويقول: لا يمشى فى العقال إلا الحصان، فربما وقعت، فتكشفت، وكان اسم هذا الرجل جعدة بن عبد الله السلمى، فقال ما ذكر السهيلى وبعدهما: فما قلص وجدن معقلات ... قفا سلع بمختلف النجار قلائص من بنى كعب بن عمرو ... وأسلم أو جهينة أو غفار يعقلهن جعدة من سليم ... غوى يبتغى سقط العذارى يعقلهن أبيض شيظمى ... وبئس معقل الذود الخيار وفى وفاء الوفاء للسمهودى: «من بنى سعد بن بكر، أو أسلم» بدلا مما ذكر فى البيت الثالث: وكنى بالقلاص عن النساء، ونصبها على الإغراء، فلما وقف عمر- رضى الله عنه- على الأبيات عزله، وسأله عن ذلك الأمر، فاعترف، فجلده مائة معقولا، وأطرده إلى الشام، ثم سئل فيه، فأخرجه من الشام، ولم يأذن له فى دخول المدينة، ثم سئل فيه أن يدخل ليجمع، فكان إذا رآه عمر توعده، فقال: أكل الدهر جعدة مستحق ... أبا حفص لشتم أو وعيد فما أنا بالبرىء براه عذر ... ولا بالخالع الرسن الشرود وقول جعدة: فدا لك الخ: أى أهلى ونفسى. وقال الجرمى: يريد بالإزار ههنا: المرأة. والقصة مشهورة، وقد رويت لغيره، ورواها الآمدى فقال عن جعدة: كان غزلا صاحب نساء يحدثهن ويضحكهن، ويمازحهن، فكن يجتمعن عنده، فيأخذ المرأة فيعقلها، ثم يأمرها أن تمشى فتتعثر، فتقع، فتنكشف، فيتاضحكن من ذلك إلخ وقد ذكر ابن حجر ترجمته فى الإصابة فى القسم الثالث فيمن أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يرد أنه رأى النبى صلى الله عليه وآله وسلم. ونفيلة فى الإصابة: بقيلة الأكبر الأشجعى من بنى بكر ابن أشجع، وهو بقاف مصغر، ذكره الآمدى فى حرف الموحدة. وقال الزبير ابن بكار: سمت العتبى يصحفه، فيقول: نفيلة، وقد شهد نفيلة أو بقيلة القادسية مع عمر. أنظر اللسان مادة أزر، والإصابة ترجمة بقيلة، وجعدة ح 1

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَنَصَبَ قَلَائِصَنَا بِالْإِضْمَارِ الّذِي جَعَلَهُ الْفَارِسِيّ نَاصِبًا لِلْإِزَارِ. تَرْجَمَةُ الْبَرَاءِ: وَالْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ يُكَنّى أبا بشر يابنه بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ، وَهُوَ الّذِي أَكَلَ مَعَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الشّاةِ الْمَسْمُومَةِ «1» ، فَمَاتَ وَمَعْرُورٌ اسْمُ أَبِيهِ، مَعْنَاهُ: مَقْصُودٌ يُقَالُ: عَرّهُ وَاعْتَرّهُ إذَا قَصَدَ «2» ، وَالْبَرَاءُ هَذَا مِمّنْ صَلّى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرِهِ «3» بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَبّرَ أَرْبَعًا، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الصّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ، وَقَدْ رُوِيَتْ مِنْ سِتّ طُرُقٍ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَذَكَرَهَا كُلّهَا أَبُو عُمَرَ فِي التّمْهِيدِ، وَزَادَ ثَلَاثَ طُرُقٍ لَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ حَنْبَلٍ، فَهِيَ إذًا تُرْوَى مِنْ- تِسْعِ طُرُقٍ أَعْنِي أن- تسعة من الصحابة روؤا صَلَاتَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَى الْقَبْرِ، فَمِنْهُمْ ابْنُ عباس، وأنس ابن مَالِكٍ وَبُرَيْدَةُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَأَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ، وَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ، وَأَصَحّهَا إسْنَادًا حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمُبَايِعِينَ لَهُ: بَلْ الدّمَ الدّمَ وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْهَدَمَ بِفَتْحِ الدال. قال ابن قتيبة: كانت

_ (1) شهد بشر العقبة وبدرا وما بعدها، ومات بعد خيبر. (2) فى اللسان: عره يعره عرا واعتره، واعتر به: إذا أتاه، فطلب معروفه. (3) هذا لأنه مات- كما قيل- قبل قدوم النبى «ص» بشهر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْعَرَبُ تَقُولُ عِنْدَ عَقْدِ الْحِلْفِ وَالْجِوَارِ: دَمِي دَمُك وَهَدْمِي هَدْمُك، أَيْ: مَا هَدَمْت مِنْ الدّمَاءِ، هَدَمْته أَنَا، وَيُقَالُ أَيْضًا: بَلْ اللّدَمَ اللّدَمَ وَالْهَدَمَ الْهَدَمَ، وَأَنْشَد: ثُمّ الْحَقِي. بِهَدَمِي وَلَدَمِي فَاللّدَمُ: جَمْعُ لَادِمٍ، وَهُمْ أَهْلُهُ الّذِينَ يَلْتَدِمُونَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ، وَهُوَ مِنْ لَدَمْت صَدْرَهُ: إذَا ضَرَبْته. وَالْهَدَمُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُرْمَةُ، وَإِنّمَا كَنّى عَنْ حُرْمَةِ الرّجُلِ وَأَهْلِهِ بِالْهَدَمِ، لِأَنّهُمْ كَانُوا أَهْلَ نُجْعَةٍ وَارْتِحَالٍ، وَلَهُمْ بُيُوتٌ يَسْتَخِفّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِهِمْ، فَكُلّمَا ظَعَنُوا هَدَمُوهَا، وَالْهَدَمُ بِمَعْنَى الْمَهْدُومِ كَالْقَبَضِ بِمَعْنَى الْمَقْبُوضِ، ثُمّ جَعَلُوا الْهَدَمَ وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَهْدُومُ عِبَارَةً عَمّا حَوَى، ثُمّ قَالَ: هَدَمِي هَدَمُك أَيْ: رِحْلَتِي مَعَ رِحْلَتِك أَيْ لَا أَظْعَنُ وَأَدَعُك وَأَنْشَدَ يَعْقُوبُ: تَمْضِي إذَا زُجِرَتْ عَنْ سَوْأَةٍ قُدُمًا ... كأنها هدم فى الجفر منقاض «1»

_ (1) إذا حركت دال الهدم، فهى القبر، فيكون المعنى: أقبر حيث تقبرون، وقيل: هو المنزل: أى منزلكم: منزلى، وبالفتح أيضا والسكون: إهدار دم القتيل، فيكون المعنى: إن طلب دمكم، فقد طلب دمى وإن أهدر دمكم، فقد أهدر دمى لاستحكام الألفة. وفسرها ابن الأعرابى عند التحريك بقوله: إن ظلمتم فقد ظلمت، فسر أبو عبيدة: اللدم اللدم والهدم الهدم بقوله: حرمتى مع حرمتكم، وبيتى مع بيتكم، وفسر الحقى بهدمى ولدمى بقوله: بأصلى وموضعى، وفسر أبو الهيثم: الدم الدم الخ بقوله إن قتلنى إنسان طلبت بدمى كما تطلب بدم وليك، ومن هدم لى عزا وشرفا فقد هدمه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من ولى النقياء: فَصْلٌ: وَذَكَرَ الِاثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، وَشِعْرَ كَعْبٍ فِيهِمْ إلَى آخِرِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُشْكِلُ، وَإِنّمَا جَعَلَهُمْ عَلَيْهِ السّلَامُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا اقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قَوْمِ مُوسَى وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَدْ سَمّيْنَا أُولَئِكَ النّقَبَاءَ بِأَسْمَائِهِمْ «1» فِي كِتَابِ التعريف والإعلام، فلينظر هنالك.

_ منك، وكل من قتل ولي، فقد قتل وليك، ومن أراد هدمك، فقد قصدنى بذلك. وقال الأزهرى: ومن رواه الهدم الهدم والهذم بسكون الذال- فهو على قول الحليف: تطلب بدمى، وأنا أطلب بدمك، وما هدمت من الدماء هدمت أى: ما عفوت عنه، وأهدرته، فقد عفوت عنه، وتركته. وقال الفراء: عن دخول أل على الهدم والدم واللدم: «العرب تدخل الألف واللام اللتين للتعريف على الأسم، فتقومان مقام الإضافة كقول الله عز وجل: (فَأَمَّا مَنْ طَغى، وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) .. أى: الجحيم مأواه، أما الزجاج فقدرها بقوله فإن الجحيم هى المأوى له. وقال ابن الأثير فى رواية الدم الدم: هو أن يهدر دم القتيل المعنى: إن طلب دمكم، فقد طلب دمى. ويرى ابن الأعرابى فى اللدم أنها الحرم جمع لادم فالمعنى: حرمكم: حرمى. ويقول أبو عبيدة: اللدم: الحرم. جمع لادم سمى نساء الرجل وحرمه لدما لأنهن يلتدمن عليه إذا مات ... واللدم: ضرب المرأة صدرها وقيل: اللطم والضرب بشىء ثقيل انظر اللسان والنهاية لابن الأثير فى مادتى: لدم وهدم (1) فى نسب عبد الله بن رواحة، زدت ثعلبة، والأغر من الجمهرة لأبن حزم ص 344 ط 1 ومن الإصابة: لقب امرؤ القيس بأنه الأغر وفى نسب سعد بن عبادة يقول الخشنى ص 119 ابن حزيمة بدلا من خزيمة وقال: بالحاء المهمله المفتوحة والزاء المكسورة هو الصواب كذا قيده الدارقطنى. وورد كذلك فى ص 269 من المجد لمحمد بن حبيب: وفى نسب رافع بن مالك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَرُوِيَ عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: قَالَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حِين قَدِمَ عَلَيْهِمْ النّقَبَاءُ: لَا يَغْضَبَنّ أَحَدُكُمْ فَإِنّي أَفْعَلُ مَا أُومَر، وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ إلَى جَنْبِهِ يُشِيرُ إلَيْهِمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَرُوِيَ فِي الْمُعَيْطِيّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنّهُ رَوَى حَدِيثَ النّقَبَاءِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ مَالِكٌ: وَكُنْت أَعْجَبُ كَيْفَ جَاءَ هَذَا رَجُلَانِ مِنْ قَبِيلَةٍ، وَرَجُلٌ مِنْ أُخْرَى حَتّى حُدّثْت بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَنّ جِبْرِيلَ هُوَ الّذِي وَلّاهُمْ، وَأَشَارَ على النبى- صلى الله عليه وسلم- بهم.

_ ابن العجلان زادت جمهرة ابن حزم بعد زريق: بن عامر بن زريق، وفى نسب رفاعة ابن زنير، وهى فى الإصابة والجمهرة: زر ص 314 وفى إمتاع الأسماع: زنبر وفى بعض نسخ السيرة: زبير، وقد اختلف فى اسمه فقيل، بشير وقيل مروان وقيل يشير، وكنيته: أبو لبابة وسقطت. مالك التى قبل: ابن الأوس من الإصابة، كما سقط من نسبه فى الجمهرة بن عمرو، عوف. ومازدته فى السيرة من الأنساب أخذته من كتاب المجد لابن حبيب ص 268 وما بعدها. وإليك ما شرح به الخشنى بعض كلمات قصيدة كعب بن مالك: فال رأيه: بطل. فلا ترعين أى لاتبعين، ألب: جمع. جادع: قاطع، إخفاره: نقض عهده، نافع: ثابت، بمندوحة: بمتسع، يافع: موضع مرتفع، ومن رواه: باقع فمعناه: بعيد وهو مأخوذ من بقع الأرض، وخانع: مقر متذلل. ضروح: مانع ودافع عن نفسه من قولهم: ضرحت الدابة برجلها إذا ضربتها. وهنالك بين القصيدة فى ابن هشام وبينها فى المجد بعض اختلافات يسيرة. ففى البيت الثالث: أضالنا أى أضاء لنا بدلا من: بدالنا. ولا ترعين بدلا من: لا ترغبن. ولا تطمعنك المطامع بدلا من: لا يطمعن ثم طامع. ومن ألحيه خانع بدلا من: العهد خانع. وم الأمر صانع بدلا من م الأمر مانع. وإن يغبك بدلا من: لا يغبك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تفسير بعض ما وقع فى وَجَدْته وَذَكَرَ أَنّ الشّيْطَانَ صَرَخَ مِنْ رَأْسِ الْعَقَبَةِ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ. قَالَ الشّيْخُ أَبُو بَحْرٍ: هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُمّهَاتِ، وَأَصْلَحْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ: بِأَبْعَدِ، قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْإِصْلَاحِ، لِأَنّ وَصْفَ الصّوْتِ بِالنّفَاذِ صَحِيحٌ هُوَ أَفْصَحُ مِنْ وَصْفِهِ بِالْبُعْدِ، وَقَدْ مَضَى فِي حَدِيثِ عُمَرَ مَعَ الْكَاهِنِ، قَالَ: لَقَدْ سَمِعْت مِنْ صَوْتِ الْعِجْلِ صَوْتًا مَا سَمِعْت أَنْفَذَ مِنْهُ، وَفِي الصّحِيحِ: أَنّ اللهَ تَعَالَى يَحْشُرُ الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَرْدَحٍ «1» وَاحِدٍ، فَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ وَيُسْمِعُهُمْ الدّاعِي وَكَذَلِكَ وَجَدْته فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ: بِأَنْفَذِ صَوْتٍ كَمَا كَانَ فِي الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ: يَا أَهْلَ الْجَبَاجِبِ، يَعْنِي: مَنَازِلَ مِنَى، وَأَصْلُهُ: أَنّ الْأَوْعِيَةَ مِنْ الْأَدَمِ كَالزّبِيلِ وَنَحْوِهِ يُسَمّى: جَبْجَبَةً، فَجُعِلَ الْخِيَامُ وَالْمَنَازِلُ لِأَهْلِهَا كَالْأَوْعِيَةِ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ صَرَخَ إبْلِيسُ: يَا أَهْلَ الْجَبَاجِبِ، هَذَا أَزَبّ الْعَقَبَةِ، هَذَا ابْنُ أَزْيَبَ. قَالَ ابن هشام: ويقال: ابن أزيب كَذَا تَقَيّدَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَزَبّ الْعَقَبَةِ وَقَالَ ابْنُ مَاكُولَا: أُمّ كُرْزِ بِنْتُ الْأَزَبّ بْنِ عَمْرِو بْنِ بَكِيلٍ مِنْ هَمْدَانَ جَدّةُ الْعَبّاسِ، أُمّ أُمّهِ: سِيلَة، وَقَالَ: لَا يُعْرَفُ الْأَزَبّ فِي الْأَسْمَاءِ إلّا هَذَا، وَأَزَبّ الْعَقَبَةِ، وَهُوَ اسْمُ شَيْطَانٍ، وَوَقَعَ فِي هَذِهِ النّسْخَةِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ إزْبُ الْعَقَبَةِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الزّايِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزّبَيْرِ مَا يشهد له

_ (1) صردح وصرداح: المكان المستوى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حِينَ رَأَى رَجُلًا طُولُهُ شِبْرَانِ عَلَى بَرْدَعَةِ رَحْلِهِ [فَأَخَذَ السّوْطَ فَأَتَاهُ] ، فَقَالَ: مَا أَنْتَ؟ فَقَالَ أَزَبّ، قَالَ: وَمَا أَزَبّ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ؛ فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِعُودِ السّوْطِ، حَتّى بَاصَ، أَيْ هَرَبَ، وَقَالَ يَعْقُوبُ فِي الْأَلْفَاظِ: الْأَزَبّ: الْقَصِيرُ. وَحَدِيثُ ابْنِ الزّبَيْرِ ذَكَرَهُ الْعُتْبِيّ فِي الْغَرِيبِ، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ اللّفْظَيْنِ أَصَحّ؟ وَابْنُ أَزْيَبَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعْيَلًا مِنْ الْإِزْبِ «1» أَيْضًا، وَالْأَزْيَبُ: الْبَخِيلُ، وَأَزْيَبُ: اسْمُ رِيحٍ مِنْ الرّيَاحِ الْأَرْبَعِ «2» ، وَالْأَزْيَبُ الْفَزَعُ أَيْضًا «3» ، وَالْأَزْيَبُ: الرّجُلُ الْمُتَقَارِبُ الْمَشْيِ «4» ، وَهُوَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ، قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ أَزْيَبَ مِنْ هَذَا أَيْضًا، وَأَمّا الْبَخِيلُ فَأَزْيَبُ عَلَى وَزْنِ فَعْيَلٍ لِأَنّ يَعْقُوبَ حَكَى فِي الْأَلْفَاظِ: امْرَأَةٌ أزيبة «5»

_ (1) الإزب فى اللسان فى مادة أزب فتكون على وزن فعل: ومعناها اللئيم والدقيق المفاصل الضاوى يكون ضئيلا. والإزب من الرجال: القصير الغليظ والقصير الذميم؟؟؟. وقد جعل اللسان أزب فى ماده أزب، وقال عن الإزب فى الحديث: هو الشيطان اسمه؛ أزب العقبة، وهو الحية أما عن الأزب فى مادة زبب، فهو الكثير الشعر (2) جعلها القاموس واللسان وابن فارس فى معجمه فى مادة زيب فتكون على وزن أفعل، وقال عنها إنها الجنوب فى لغة هذيل: أو هى الريح النكباء التى تجرى بين الصبا والجنوب. (3) فى مادة زيب فى القاموس واللسان فوزنها: أفعل. (4) هى كالتى قبلها فى المادة والوزن. (5) جعلها اللسان فى مادة زيب وهى إزيبة فتكون: إفعلة بكسر الهمزة وسكون الفاء وفتح العين وتضعيف اللام مع فتح، وهكذا ضبطها اللسان والقاموس، وفى معجم مقاييس اللغة لابن فارس: «وقال الخليل: الإزب: الدقيق المفاصل، ويقال هو البخيل» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَوْ كَانَ عَنْ وَزْنِ أَفْعَلَ فِي الْمُذَكّرِ لَقِيلَ فِي الْمُؤَنّثِ زَيْبَا إلّا أَنّ فَعْيَلًا فِي أَبْنِيَةِ الْأَسْمَاءِ عَزِيزٌ، وَقَدْ قَالُوا فِي ضَهْيَاءَ، وَهِيَ الّتِي لَا تَحِيضُ مِنْ النّسَاءِ، فَعْلَى جَعَلُوا الْهَمْزَةَ زَائِدَةً وَهِيَ عِنْدِي فَعْيَلٌ لِأَنّ الْهَمْزَةَ فِي قِرَاءَةِ عَاصِمٍ لَامُ الْفِعْلِ فى قوله تعالى يُضاهِؤُنَ وَالضّهْيَأُ مِنْ هَذَا لِأَنّهَا تُضَاهِي الرّجُلَ أَيْ: تُشْبِهُهُ وَيُقَالُ فِيهِ: ضَهْيَاءُ «1» بِالْمَدّ، فَلَا إشْكَالَ فِيهَا أَنّهَا لِلتّأْنِيثِ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ ضاهيت بالياء، وقد يجوز

_ (1) فى اللسان «وضهيأ: فعلا الهمزة زائدة كما زيدت فى. شمأل، وغرقى البيض، قال: ولا تعلم الهمزة زيدت غير أول إلا فى هذه الأسماء، ويجوز أن تكون الضهيأ بوزن الضهيع. فعيلا، وإن كانت لا نظير لها فى الكلام، فقد قالوا: كنهيل- شجر عظام- ولا نظير له. قال ابن سيدة: الضهيا والضهياء على فعلاء ... وقال بعضهم الضهياء ممدود التى لا تحيض وهى حبلى. قال ابن جنى: امرأة ضهيأة وزنها: فعلأه لقولهم فى معناها: ضهياء.. وأجاز أبو إسحاق فى همزة: ضهيأة أن تكون أصلا، وتكون الياء هى الزائدة، فعلى هذا تكون الكلمة: فعيلة، وذهب فى ذلك مذهبا من الاشتقاق حسنا لولا شىء اعترضه، وذلك أنه قال: يقال: ضاهيت زيدا وضاهأت زيدا بالياء والهمزة، قال: والضهيأة هى التى لا تحيض، وقيل هى التى لا ثدى لها، قال فيكون ضهيأة: فعيلة من ضاهأت. وقال ابن جنى عن هذا إنه حسن إلا أنه ليس فى الكلام فعيل بفتح الفاء إنما فعيل بكسرها نحو حذيم، وطريم، وغرين «القاطع، والطريم العسل أو السحاب الكثيف، والغرين أو الغرين: الطين يحمله السيل، وغير ذلك، ولم يأت الفتح فى هذا الفن ثبتا، إنما حكاه قوم شاذا ... وحكى أبو عمرو: امرأة ضهيأة وضهيأه بالتاء والهاء التى لا تطمث ... وهذا يقتضى أن يكون الضهيا مقصورا. وقال غيره الظهواء من النساء التى لم تنهد.. والضهيا مقصور: الأرض التى لا تنبت «وحكى الجوهرى أن الضهياء ممدود شجر، واحدته: ضهيأه»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنْ يَكُونَ أَزْيَبَ وَأَزْيَبَةُ مِثْلَ أَرْمَلَ وَأَرْمَلَةَ فَلَا يَكُونَ فَعْيَلًا. وَرَوَى أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ لَمّا بُويِعَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنَى صَرَخَ الشّيْطَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا أَبُو لُبَيْنَى «1» قَدْ أَنْذَرَ بِكُمْ، فَتَفَرّقُوا. تَذْكِيرُ فَعِيلٍ وَتَأْنِيثُهَا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ حِينَ رَمَى بِنَعْلَيْهِ إلَى جَابِرٍ: قَالَ: وَكَانَ عَلَيْهِ نَعْلَانِ جَدِيدَانِ، وَالنّعْلُ: مُؤَنّثَةٌ، وَلَكِنْ لَا يُقَالُ: جَدِيدَةٌ فِي الْفَصِيحِ مِنْ الْكَلَامِ، وَإِنّمَا يقال: ملحفة جديد لأنها فى معنى مجدودة أَيْ: مَقْطُوعَةٍ، فَهِيَ مِنْ بَابِ كَفّ خَضِيبٌ، وَامْرَأَةٌ قَتِيلٌ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَمَنْ قَالَ جَدِيدَةً، فَإِنّمَا أَرَادَ مَعْنَى حَدِيثَةٍ، أَرَادَ سِيبَوَيْهِ أَنّ حَدِيثَةً، بِمَعْنَى حَادِثَةٍ وَكُلّ فَعِيلٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ يدخله التاء فى المؤنث «2»

_ (1) هى- كما فى القاموس اسم ابنة إبليس لعنه الله تعالى ... وأبو لبين: الذكر. (2) فى إصلاح المنطق لأبى يوسف يعقوب بن السكيت ما يأتى: «تقول: هذه ملحفة جديد، وهذه ملحفة خلق؛ ولا تقل: جديدة، ولا خلقة، وإنما قيل جديد بغير هاء؛ لأنها فى تأويل مجدودة أى: مقطوعة حين قطعها الحائك ... وإذا كان فعيل نعتا لمؤنث، وهو فى تأويل مفعول، كان بغير هاء نحو: لحية دهين، لأنها فى تأويل مدهونة، وكف خضيب، لأنها فى تأويل مخضوبة، وملحفة غسيل وامراة لديغ، ودابة كسير، وركية دفين إذا اندفن بعضها، وركايا دفن، وتقول: هذا فرس جواد بهم، وهذه فرس جواد بهم، ... وعين كحيل، وناقة بقير إذا شق بطنها عن ولدها، وامرأة لعين وجريح وقتيل، فإذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ أَلْقَابِ الطّوِيلِ: وَذَكَرَ قَوْلَ سَعْدٍ حِينَ أَسَرَتْهُ قُرَيْشٌ: فَأَتَانِي رَجُلٌ وَضِيءٌ شَعْشَاعٌ. وَالشّعْشَعُ وَالشّعْشَعَانِيّ وَالشّعْشَعَانُ» : الطّوِيلُ مِنْ الرّجَالِ، وَكَذَلِكَ السّلْهَبُ والصّقعب

_ لم تذكر المرأة قلت: هذه قتيلة بنى فلان، وكذلك: مررت بقتيلة، وقد تأتى فعيلة بالهاء، وهى فى تأويل مفعول بها تخرج مخرج الأسماء، ولا يذهب بها مذهب النعوت، نحو: النطحية والذبيحة والفريسة وأكيلة السبع والجنيبة والعليقة، وهما البعير يوجهه الرجل مع القوم يمتارون، فيعطيهم دراهم، ليمتازوا له معهم عليه ... والسريبة من الغنم، والعليقه: الداهية والفريقة التمر والحلبة جميعا تجعل للنفساء» وذكر ابن السكيت غيرها كالنقيعة والنخيسة والقطيبة والتريكة والنجيرة والبسيسة والرجيعة ص 377 ط دار المعارف 1949 م وفى أدب الكاتب لابن قتيبة «وما كان على فعيل نعنا للمؤنث، وهو فى تأويل مفعول كان بغير هاء نحو: كف خضيب وملحفة غسيل، وربما جاء بالهاء يذهب بها مذهب النعوت نحو النطيحة والذبيحة والفريسة، وأكيلة السبع ... وتقول: هذه ذبيحتك، وذلك أنك لم ترد أن تخبر أنها قد ذبحت ألا ترى أنك تقول: هذا وهى حية، وإنما هى بمنزلة: ضحية، وكذلك شاة رمى، وتقول بئس الرمية الأرنب، إنما يريد: بئس الشىء مما يرمى الأرنب، فهذا بمنزلة الذبيحة فاذا لم يجز فيه مفعول، فهو بالهاء نحو: مريضة وكبيرة وصغيرة وطريقة، وجاءت أشياء شاذة قالوا: ناقة سديس وريح خريق، وكتيبة حصيف، وإن كان فعيل فى تأويل فاعل كان مؤنثه بالهاء نحو رحيمة وعليمة وكريمة» ص 289 ط أولى 1355 هـ (1) الزيارة من القاموس. والرجز الذى وردت فيه كلمة «شعشاع» هو لرؤبة انظر ديوان رؤبة ص 162 طبع برلين، ص 120 شرح السيرة للخشنى. وقد شرحه بما يأتى: «يمطوه: يمده، يعنى: طول عنق البعير، وعير مودن أى قصير ويروى: غير ... وكذلك وقع فى رجز رؤبة، ووقع هنا بالعين مهملة» ص 120.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالشّوْقَبُ وَ [الشّرْعَبُ] وَالشّرْجَبُ وَالْخِبَقّ وَالشّوْذَبُ الطّوِيلُ مَعَ رِقّةٍ فِي أَسْمَاءٍ كَثِيرَةٍ. مَعَانِي الْكَلِمَاتِ: وَقَوْلُهُ أَوَى إلَيْهِ رَجُلٌ أَيْ رَقّ لَهُ، يُقَالُ أَوَى إيّهْ [وَأَوْيَةً] مَأْوِيَةً. وَقَوْلُهُ فَتَنَطّسَ الْقَوْمُ الْخَبَرَ أَيْ: أَكْثَرُوا الْبَحْثَ عَنْهُ، وَالتّنَطّسُ، تَدْقِيقُ النّظَرِ. قَالَ الرّاجِزُ: [رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ] وَقَدْ أَكُونُ عِنْدَهَا نِقْرِيسًا ... طِبّا بِأَدْوَاءِ النّسَا نِطّيسًا «1» وَذَكَرَ قَوْلَ ضِرَارِ بْنِ الْخَطّابِ: وَكَانَ شفاء وتداركت مُنْذِرًا وَضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ: وَضِرَارٌ كَانَ شَاعِرَ قُرَيْشٍ وَفَارِسَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي قُرَيْشٍ أَشْعَرَ مِنْهُ، [عَبْدُ اللهِ] ثُمّ ابْنُ الزّبَعْرَى بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ، وَكَانَ جَدّهُ مِرْدَاسٌ رَئِيسَ بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ يَسِيرُ فِيهِمْ بِالْمِرْبَاعِ، وَهُوَ رُبُعُ الْغَنِيمَةِ، وَكَانَ أَبُوهُ أَيّامَ الْفُجّارِ رَئِيسَ بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ أسلم ضرار عام الفتح.

_ (1) الرجز لرؤبة بن العجاج يمدح به أبان بن الوليد البجلى. ورواية الديوان هكذا: وقد أكون مرة نطيسا ... يخبء أدواء الصبا نقريسا ص 70 الديوان طبع برلين. ورواه الخشنى فى شرح السيرة كما رواه السهيلى ولكنه ذكر الصبا بدلا من النسا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَوْلَ قَصِيدَةِ حَسّانَ: وَذَكَرَ قَوْلَ حَسّانَ يُجِيبُهُ: لَسْت إلَى عَمْرٍو «1» وَلَا الْمَرْءِ مُنْذِرٍ ... إذَ مَا مَطَايَا الْقَوْمِ أَصْبَحْنَ ضُمّرَا يَعْنِي بِعَمْرِو عَمْرَو بْنَ خُنَيْسٍ وَالِدَ الْمُنْذِرِ. يَقُولُ: لَسْت إلَيْهِ وَلَا إلَى ابْنِهِ الْمُنْذِرِ أَيْ: أَنْتَ أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو هَذَا يُقَالُ لَهُ: أَعْنَقَ لِيَمُوتَ «2» ، هُوَ أَحَدُ النّقَبَاءِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فى المواخاة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- آخَى بَيْنَهُ، وَبَيْنَ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْوَاقِدِيّ مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: إنّمَا آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُلَيْبِ بْنِ عَمْرٍو «3» . قَالَ: وَكَيْفَ يُوَاخِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي ذَرّ، وَالْمُوَاخَاةُ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ، وَأَبُو ذَرّ كَانَ إذْ ذَاكَ غَائِبًا عَنْ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَقْدَمْ إلّا بَعْدَ بَدْرٍ، وَقَدْ قَطَعَتْ بَدْرٌ الْمُوَاخَاةَ وَنَسَخَهَا قوله سبحانه: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ [فِي كِتابِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] الْأَنْفَالَ: 75 وَلِلْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثٌ وَاحِدٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، يَرْوِيهِ عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عباس ابن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ الْمُنْذِرِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ عَنْ السّهْوِ قَبْلَ التّسْلِيمِ، وعبد المهيمن ضعيف. وقول حسان:

_ (1) الذى فى السيرة: لست إلى سعد. (2) فى الإصابة «وكان يلقب بالمعنق ليموت، وقال موسى بن عقبة فى مغازيه «وهو الذى يقال له أعنق ليموت» . (3) وقيل هو: ابن عمير، أمه: أروى بنت عبد المطلب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَا تَكُ كَالشّاةِ الّتِي كَانَ حَتْفُهَا ... بِحَفْرِ ذراعيها، فلم تَرْضَ مُحْفَرَا تَقُولُهُ الْعَرَبُ فِي مَثَلٍ قَدِيمٍ فِيمَنْ أَثَارَ عَلَى نَفْسِهِ شَرّا كَالْبَاحِثِ عَنْ الْمُدْيَةِ «1» وَأَنْشَدَ أَبُو عُثْمَانَ [الْجَاحِظُ] عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ؟؟؟. [لِلْفَرَزْدَقِ] : وَكَانَ يُجِيرُ النّاسَ مِنْ سَيْفِ مَالِكٍ ... فَأَصْبَحَ يَبْغِي نَفْسَهُ مَنْ يُجِيرُهَا وَكَانَ كَعَنْزِ السّوءِ قَامَتْ بِظِلْفِهَا ... إلَى مُدْيَةٍ تَحْتَ التراب تثيرها

_ (1) قال البحترى فى خماسته: «يروى عن بعض العرب أنه أصاب نعجة» . فأراد ذبحها، ولم يكن معه شىء يذبحها به، فبينا هو يفكر فى ذلك، وأى ذلك يصنع إذ حفرت النعجة بأظلافها الأرض، فأبرزت عن سكين كانت مندفنة فى التراب، فذبحها بها، وضرب العرب بها المثل والبيتان بعدهما: ستعلم عبد القيس إن زال ملكها ... على أى حال يستمر مريرها وهما فى البيان والتبيين ص 159 ج 3 للجاحظ بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون، وأنشدهما أيضا فى كتابه الحيوان، وهما أيضا فى ديوان الفرزدق ص 249. ومن معانى قصيدة حسان كما بين الخشنى: البرقاء: موضع. حسر: معيية. الربط: الملاحف البيض، واحدتها: ربطة. الأنباط: قوم من العجم. والوسنان النائم. كسرى: ملك الفرس، وقيصر: ملك الروم. الثكلى: المرأة الفاقدة؟؟؟ ولدها. والنحر: الصدر.

قصة صنم عمرو بن الجموح

[قصة صنم عمرو بن الجموح] فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ بِهَا، وَفِي قَوْمِهِمْ بَقَايَا مِنْ شُيُوخٍ لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ مِنْ الشّرْكِ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ ابن كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ، وَكَانَ ابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَبَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ سَيّدًا مِنْ سَادَاتِ بَنِي سَلَمَةَ، وَشَرِيفًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَكَانَ قَدْ اتّخَذَ فِي دَارِهِ صَنَمًا مِنْ خَشَبٍ، يُقَالُ لَهُ: مَنَاةُ، كَمَا كَانَتْ الْأَشْرَافُ يَصْنَعُونَ، تَتّخِذُهُ إلَهًا تُعَظّمُهُ وَتُطَهّرُهُ، فَلَمّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلَمَةَ: مُعَاذُ بْنُ جبل، وابنه معاذ بن عمرو، فِي فِتْيَانٍ مِنْهُمْ مِمّنْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ، كَانُوا يُدْلِجُونَ بِاللّيْلِ عَلَى صَنَمِ عَمْرٍو ذَلِكَ، فَيَحْمِلُونَهُ فَيَطْرَحُونَهُ فِي بَعْضِ حُفَرِ بَنِي سَلَمَةَ، وَفِيهَا عِذَرُ النّاسِ، مُنَكّسًا عَلَى رَأْسِهِ، فَإِذَا أَصْبَحَ عَمْرٌو، قَالَ: وَيْلَكُمْ! مَنْ عَدَا عَلَى آلِهَتِنَا هَذِهِ اللّيْلَةَ؟ قَالَ: ثُمّ يَغْدُو يَلْتَمِسُهُ، حَتّى إذَا وَجَدَهُ غَسَلَهُ وَطَهّرَهُ وَطَيّبَهُ، ثُمّ قَالَ: أَمَا وَاَللهِ لَوْ أَعْلَمُ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكَ لَأُخْزِيَنّهُ. فَإِذَا أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو، عدووا عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَغْدُو فَيَجِدُهُ فِي مِثْلِ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْأَذَى، فيغسله ويطهّره ويطيّبه، ثم يغدون عَلَيْهِ إذَا أَمْسَى، فَيَفْعَلُونَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. فلما أكثروا عليه، استخرجه من حيث ألقوه يوما، فغسله وطهّره وَطَيّبَهُ، ثُمّ جَاءَ بِسَيْفِهِ فَعَلّقَهُ عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: إنّي وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ مَنْ يَصْنَعُ بِك مَا تَرَى، فَإِنْ كَانَ فِيك خَيْرٌ فَامْتَنِعْ، فَهَذَا السّيْفُ مَعَك. فَلَمّا أَمْسَى وَنَامَ عمرو، غدوا عَلَيْهِ، فَأَخَذُوا السّيْفَ مِنْ عُنُقِهِ، ثُمّ أَخَذُوا كَلْبًا مَيّتًا فَقَرَنُوهُ بِهِ بِحَبْلِ، ثُمّ أَلْقَوْهُ فى بئر من آبار ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام عمرو بن الجموح

سَلَمَةَ، فِيهَا عِذَرٌ مِنْ عِذَرِ النّاسِ، ثُمّ غَدَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فَلَمْ يَجِدْهُ فِي مكانه الذى كان به. [إسلام عمرو بن الجموح] فَخَرَجَ يَتْبَعُهُ حَتّى وَجَدَهُ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ مُنَكّسًا مَقْرُونًا بِكَلْبِ مَيّتٍ، فَلَمّا رَآهُ وَأَبْصَرَ شأنه، وكلّمه من أسلم من قَوْمِهِ، فَأَسْلَمَ بِرَحْمَةِ اللهِ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ. فَقَالَ حِينَ أَسْلَمَ، وَعَرَفَ مِنْ اللهِ مَا عَرَفَ، وَهُوَ يَذْكُرُ صَنَمَهُ ذَلِكَ وَمَا أَبْصَرَ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَشْكُرُ اللهَ تَعَالَى الّذِي أَنْقَذَهُ مِمّا كَانَ فِيهِ مِنْ الْعَمَى وَالضّلَالَةِ: وَاَللهِ لَوْ كُنْتَ إلَهًا لَمْ تَكُنْ ... أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بئر فى قرن أفّ لماقاك إلَهًا مُسْتَدَنْ ... الْآنَ فَتّشْنَاك عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ الْحَمْدُ لِلّهِ الْعَلِيّ ذِي المِنَنْ ... الْوَاهِبِ الرّزّاقِ دَيّانِ الدّيَنْ هُوَ الّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ ... أَكُونَ فِي ظُلْمَةِ قَبْرٍ مُرْتَهَنْ بِأَحْمَدَ المهدى النبىّ المرتهن [شُرُوطُ الْبَيْعَةِ فِي الْعَقَبَةِ الْأَخِيرَةِ] قَالَ ابْنُ إسحاق: وكان فى بيعة الحرب، حين أذن الله لرسوله فِي الْقِتَالِ شُرُوطًا سِوَى شَرْطِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى، كَانَتْ الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ، وَذَلِك أَنّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْحَرْبِ، فَلَمّا أَذِنَ اللهُ لَهُ فِيهَا، وَبَايَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَقَبَةِ الأخيرة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسماء من شهد العقبة

عَلَى حَرْبِ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، أَخَذَ لِنَفْسِهِ وَاشْتَرَطَ عَلَى الْقَوْمِ لِرَبّهِ، وَجَعَلَ لَهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِذَلِك الْجَنّةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عُبَادَةُ بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أَبِيهِ الْوَلِيدِ، عَنْ جَدّهِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، وَكَانَ أَحَدَ النّقَبَاءِ، قَالَ: بَايَعَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الْحَرْبِ- وَكَانَ عُبَادَةُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الّذِينَ بَايَعُوهُ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى عَلَى بَيْعَةِ النّسَاءِ- عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي عُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ بِالْحَقّ أَيْنَمَا كُنّا، لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. [أَسَمَاءُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وهذه تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَبَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا مِنْ الْأَوْسِ والخزرج، وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين. شهدها من الأوس ابن حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ابْنِ جُشَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالك بن الأوس أسيد ابن حُضَيْرِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ، نَقِيبٌ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا. وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيّهَانِ، وَاسْمُهُ مَالِكٌ، شَهِدَ بَدْرًا. وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ زِغْبَةَ بْن زَعُورَاءَ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ، شَهِدَ بَدْرًا، ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. وَيُقَالُ: ابْنُ زَعَوْرَاءَ بفتح العين. قال ابن إسحاق: ومن بنى حارثة ابن الحارث بن الخزرج بن عمرو ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعِ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُشَمَ بْنِ حَارِثَةَ. وأبو بردة بن نيار، واسمه هانىء بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان ابن غَنَمِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ هُمَيْمِ بْنِ كَاهِلِ بن ذهل بن دهنى بن بلىّ بن عمرو بن الحاف ابن قضاعة، حليف لهم، شهد بدرا ونهير [أو بهير] بْنُ الْهَيْثَمِ، مِنْ بَنِي نَابِي بْنِ مَجْدَعَةَ بن حارثة ثلاثة نفر. وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَالِكِ بْنِ الأوس: سعد بن خيثمة بن الحارث ابن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا، فَقُتِلَ بِهِ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهِيدًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنَسَبَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي بَنِي عَمْرِو بن عوف، وهو من بنى غنم ابن السّلْمِ، لِأَنّهُ رُبّمَا كَانَتْ دَعْوَةُ الرّجُلِ فِي الْقَوْمِ، وَيَكُونُ فِيهِمْ فَيُنْسَبُ إلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرَ بن زيد بن أميّة بن زيد ابن مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرٍو، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ بن أمية بن البرك- واسم البرك: امرؤ القيس بن ثعلبة بن عمرو شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا أَمِيرًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرّمَاةِ؛ وَيُقَالُ: أُمَيّةُ بْنُ الْبَرْكِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ [حَارِثَةَ] ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن ضبيعة [بن حرام] لَهُمْ مِنْ بَلِيّ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَمَشَاهِدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّهَا، قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أبى بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، شَهِدَ بدرا وأحدا والخندق خمسة نفر. فجيع من شهد العبقة من الأوس أحد عشر رجلا. وَشَهِدَهَا مِنْ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّارِ، وَهُوَ تَيْمُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ: أَبُو أَيّوبَ، وَهُوَ خَالِدُ بن زيد بن كليب بن ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا، مَاتَ بِأَرْضِ الرّومِ غَازِيًا فى زمن معاوية ابن أَبِي سُفْيَانَ. وَمُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مالك ابن النّجّارِ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ، وَأَخُوهُ: عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ بِهِ شَهِيدًا، وَهُوَ الّذِي قَتَلَ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ لِعَفْرَاءَ- وَيُقَالُ: رِفَاعَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَعُمَارَةُ بْنُ حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو ابن عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ. شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا، قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بكر الصدّيق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، نَقِيبٌ، مَاتَ قَبْلَ بَدْرٍ وَمَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يا بنى، وهو أبو أمامة. ستة نفر. وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ- وَمَبْذُولٌ: عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ: سَهْلُ بْنُ عَتِيكِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من شهدها من بلحارث بن الخزرج

ابن نُعْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرٍو، شهد بدرا. رجل. ومن بنى عمرو ابن مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حُدَيْلَةُ: بِنْتُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مالك بن غضب ابن جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ- أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ المنذر بن حرام بن عمرو ابن زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالك، شَهِدَ بَدْرًا. وَأَبُو طَلْحَةَ، وَهُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو ابن مالك، شهد بدرا. رجلان. وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ: قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ، وَاسْمُ أَبِي صَعْصَعَةَ: عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ، شَهِدَ بَدْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَهُ على الساقة يومئذ. وعمرو بن غزيّة ابن عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ. رَجُلَانِ. فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ بَنِي النّجّارِ أحد عشر رجلا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ غُزَيّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَنْسَاءَ، هَذَا الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، إنّمَا هُوَ غُزَيّةُ بْنُ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ. [مَنْ شَهِدَهَا مِنْ بَلْحارثِ بْنِ الْخَزْرَجِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَلْحارثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: سَعْدُ بن الربيع بن عمرو ابن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك [الأغر] بن ثعلبة بن كعب بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مالك بن امرئ القيس بن مالك [الأغر] ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ، شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ [بْنِ ثَعْلَبَةَ] بْنِ امْرِئِ القيس بن عمرو بن امرئ القيس ابن مالك [الأغر] بن ثعلبة بن كعب بن الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَمَشَاهِدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّهَا، إلّا الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهُ، وَقُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ شَهِيدًا أَمِيرًا لِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَبَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثعلبة بن الجلاس بن زيد بن مالك [الأغر] بن ثعلبة ابن كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ، أَبُو النّعْمَانِ ابن بشير شهد بَدْرًا. وَعَبْدُ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ ربه بْنِ زَيْدِ [مَنَاةِ] بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ [بن حارثة] شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ الّذِي أُرِيَ النّدَاءَ لِلصّلَاةِ، فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ. وَخَلّادُ بْنُ سُوِيدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امرئ القيس بن مالك [الأغر] بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث [ابن الْخَزْرَجِ] شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَقُتِلَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ شَهِيدًا، طُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحَى مِنْ أُطُمٍ مِنْ أُطَامِهَا فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما يَذْكُرُونَ- إنّ لَهُ لَأَجْرَ شَهِيدَيْنِ. وَعُقْبَةُ بْنُ عمرو ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ أَسِيرَةَ بْنِ عُسَيْرة بْنِ جَدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ [بْنِ الْخَزْرَجِ] وَهُوَ أَبُو مَسْعُودٍ وَكَانَ أَحْدَثَ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ سِنّا، مَاتَ فِي أَيّامِ مُعَاوِيَةَ، لَمْ يَشْهَدْ بدرا سبعة نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غضب ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ: زِيَادُ بْنُ لَبِيَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ ابن أُمَيّةَ بْنِ بَيَاضَةَ، شَهِدَ بَدْرًا. وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَذْفَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ، شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويقال ودفة. قال ابن إسحاق: وخالد بن قيس بن مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ، شهد بدرا. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِر بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بن غضب ابن جشم بن الخزرج: رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق، نَقِيبٌ. وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قِيسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ [بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حارثة] ، وَكَانَ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مَعَهُ بِمَكّةَ وَهَاجَرَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ؛ شَهِدَ بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا. وَعَبّادُ بْنُ قيس ابن عَامِرِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ، شَهِدَ بَدْرًا. وَالْحَارِثُ بْنُ قِيسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ، وَهُوَ أَبُو خَالِدٍ شَهِدَ بَدْرًا. أَرْبَعَةُ نفر. ومن بني سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ؛ ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بن غنم، نقيب، وهو الذى تزعم بَنُو سَلَمَةَ أَنّهُ كَانَ أَوّلَ مَنْ ضَرَبَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَرَطَ لَهُ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ، ثُمّ تُوُفّيَ قَبْلَ مَقْدِمِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ. وَابْنُهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَق، وَمَاتَ بِخَيْبَرٍ مِنْ أَكْلَةٍ أَكَلَهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ الشّاةِ الّتِي سُمّ فِيهَا- وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَيْنَ سَأَلَ بنى سلمة: مَنْ سَيّدُكُمْ يَا بَنِي سَلَمَةَ؟ فَقَالُوا: الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ، عَلَى بُخْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَيّ دَاءٍ أَكْبَرُ مِنْ الْبُخْلِ! سَيّدُ بَنِي سَلَمَةَ الْأَبْيَضُ الْجَعْدُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ. وَسِنَانُ بْنُ صَيْفَى بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بن عبيد، شهد بدرا، والطّفيل بن النّعمان خنساء بن سنان ابن عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا. ومعقل بن المنذر بن سرح ابن خُنَاسِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بَدْرًا. ويزيد بن المنذر بن سرح ابن خُنَاسِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ شَهِدَ بَدْرًا. وَمَسْعُودُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سُبَيْع بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَالضّحّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، شَهِدَ بدرا، ويزيد بن خدام أو [بن حرام أو خدارة] بن سبيع بن خنساء ابن سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَجُبَارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانَ بْنِ عُبَيْدٍ [بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سلمة] ، شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: جَبّارُ بن صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خُنَاسٍ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالطّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سنان بن عبيد [وهو ابن عم الطّفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان] ، شهد بدرا. أحد عشر رجلا. وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ سواد: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب. رجل. وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: سُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بن حديدة ابن عَمْرِو بْنِ غَنْمٍ، شَهِدَ بَدْرًا. وَقُطْبَةُ بْنُ عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم، شهد بدرا. ويزيد بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غَنْمٍ، وَهُوَ أَبُو الْمُنْذِرِ، شَهِدَ بَدْرًا. وَأَبُو الْيَسَرِ، وَاسْمُهُ: كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بن عمرو بن غَنْمِ [بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سلمة] ، شَهِدَ بَدْرًا. وَصَيْفِيّ بْنُ سَوَادِ بْنِ عَبّادِ بن عمرو بن غنم. خمسة نفر. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: صَيْفِيّ بْنُ أَسْوَدَ بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ، وَلَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ: غَنْمٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي نَابِي بْنِ عَمْرِو بن سواد بن غنم بن كعب ابن سَلَمَةَ: ثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَة بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي، شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ بِالْخَنْدَقِ شَهِيدًا. وَعَمْرُو بْنُ غَنَمَة بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي، وَعَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي، شَهِدَ بَدْرًا. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ. وَخَالِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بن نابى. خَمْسَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حرام بن كعب بن غنم بن كعب بْنِ سَلَمَةَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَابْنُهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَمَعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الجموح بن زيد بْنِ حَرَامٍ، شَهِدَ بَدْرًا. وَثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ- والجذع: ثعلبة بن زيد بن الحارث ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن حَرَامٍ- شَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ بِالطّائِفِ شَهِيدًا. وَعُمَيْرُ بن الحارث بن ثعلبة. ابن زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ، شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ لَبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَدِيجُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ أَوْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الفرافر [أو القراقر] حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلِ بن عمرو بن أوس بن عائذ ابن عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُدَيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدٍ، وَيُقَالُ: أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، وكان فى بنى سلمة، شَهِدَ بَدْرًا، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا وَمَاتَ بِعِمْوَاسَ، عَامَ الطّاعُونِ بِالشّامِ، فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَإِنّمَا ادّعَتْهُ بَنُو سَلَمَةَ أَنّهُ كَانَ أَخَا سَهْلِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ الْجَدّ بْنِ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ لِأُمّهِ. سَبْعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوْسٌ: ابْنُ عَبّادِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أدىّ ابن سعد. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ ابن عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عُبَادَةُ بْنُ الصامت بن قيس بن أصرم ابن فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ، أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعِجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ مِمّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ فَأَقَامَ مَعَهُ بِهَا فَكَانَ يُقَال لَهُ: مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ وَقُتِلَ يَوْمَ أحد شهيدا. وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو ابن عَمّارَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ مِنْ بلىّ. وعمرو بن الحارث بن لبدة ابن عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ: أَرْبَعَةُ نَفَرٍ، وَهُمْ الْقَوَاقِلُ. وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بن الخزرج، وهم بنو الحبلي- قال ابن هشام: الحبلي: سالم بن غنم بن عوف، وَإِنّمَا سُمّيَ: الْحُبُلِيّ- لِعِظَمِ بَطْنِهِ: رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ، شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَبُو الْوَلِيدِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَال: رِفَاعَةُ: ابْنُ مَالِكٍ، وَمَالِكٌ: ابْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كِلْدَةَ بن الجعد بن هلال بن الحارث ابن عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفان بن سعد ابن قِيسِ بْنِ عَيْلان، حَلِيفٌ لَهُمْ، شَهِدَ بَدْرًا، وَكَانَ مِمّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرًا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: مُهَاجِرِيّ أَنْصَارِيّ. قَالَ ابن هشام: رجلان. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كعب بن الخزرج: سعد بن عبادة ابن دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي خُزَيْمَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ، نَقِيبٌ؛ وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْس بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زيد ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ، نَقِيبٌ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا، وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الّذِي كَانَ يُقَال لَهُ: أَعْنَقَ ليموت. رجلان. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ، يُزْعِمُونَ أَنّهُمَا قَدْ بَايَعَتَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُصَافِحُ النّسَاءَ، إنّمَا كَانَ يَأْخُذُ عَلَيْهِنّ، فَإِذَا أَقْرَرْنَ، قال: اذهبن فقد بايعتكن. وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ: نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بن عمرو بن غنم بن مازن [بن النّجّار] ، وَهِيَ أُمّ عِمَارَةَ، كَانَتْ شَهِدَتْ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدَتْ مَعَهَا أُخْتُهَا. وَزَوْجُهَا زَيْدُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ كَعْبٍ. وَابْنَاهَا: حَبِيبُ بْنُ زَيْدِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ، وَابْنُهَا حَبِيبٌ الّذِي أَخَذَهُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابُ الْحَنَفِيّ، صَاحِبُ الْيَمَامَةِ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ: أَتَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَفَتَشْهَدُ أَنّي رَسُولُ اللهِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَسْمَعُ، فَجَعَلَ يُقَطّعُهُ عُضْوًا عُضْوًا حَتّى مَاتَ فِي يَدِهِ، لَا يَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ، إذَا ذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم آمَنَ بِهِ وَصَلّى عَلَيْهِ، وَإِذَا ذُكِرَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ قَالَ لَا أَسْمَعُ- فَخَرَجَتْ إلَى الْيَمَامَةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَبَاشَرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نزول الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى القتال

الْحَرْبَ بِنَفْسِهَا. حَتّى قَتَلَ اللهُ مُسَيْلِمَةَ، وَرَجَعَتْ وَبِهَا اثْنَا عَشَرَ جُرْحًا، مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهَا مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صعصعة. ومن بنى سلمة: أُمّ مَنِيعٍ؛ وَاسْمُهَا: أَسَمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عدىّ بن نابى ابن عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ. [نُزُولُ الْأَمْرِ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْقِتَالِ] بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ. قال: حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هِشَامٍ، قَالَ: حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يوذن لَهُ فِي الْحَرْبِ وَلَمْ تُحَلّلْ لَهُ الدّمَاءُ، إنّمَا يُؤْمَرُ بِالدّعَاءِ إلَى اللهِ وَالصّبْرِ عَلَى الْأَذَى، وَالصّفْحِ عَنْ الْجَاهِلِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اضْطَهَدَتْ مَنْ اتّبَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى فَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَنَفَوْهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ، فَهُمْ مِنْ بَيْنِ مَفْتُونٍ فِي دِينِهِ، وَمِنْ بَيْنِ مُعَذّبٍ فِي أَيْدِيهِمْ، وَبَيْنِ هَارِبٍ فِي الْبِلَادِ فِرَارًا مِنْهُمْ، مِنْهُمْ مَنْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ بِالْمَدِينَةِ، وَفِي كُلّ وَجْهٌ؛ فَلَمّا عَتَتْ قُرَيْشٌ عَلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَرَدّوا عَلَيْهِ مَا أَرَادَهُمْ بِهِ مِنْ الْكَرَامَةِ، وَكَذّبُوا نَبِيّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَعَذّبُوا وَنَفَوْا مَنْ عَبَدَهُ وَوَحّدَهُ وَصَدّقَ نَبِيّهُ، وَاعْتَصَمَ بِدِينِهِ، أَذِنَ اللهُ عَزّ وَجَلّ لِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فى القتال والانتصار ممن ظلمهم وبنى عَلَيْهِمْ، فَكَانَتْ أَوّلُ آيَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الإذن لمسلمى مكة بالهجرة

أُنْزِلَتْ فِي إذْنِهِ لَهُ فِي الْحَرْبِ، وَإِحْلَالِهِ لَهُ الدّمَاءَ وَالْقِتَالَ، لِمَنْ بَغَى عَلَيْهِمْ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ العلماء، قول الله تبارك وتعالى أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ، وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ: أَيْ أتى إنّمَا أَحْلَلْت لَهُمْ الْقِتَالَ لِأَنّهُمْ ظُلِمُوا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَنْبٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النّاسِ، إلّا أَنّ يَعْبُدُوا اللهَ، وَأَنّهُمْ إذَا ظَهَرُوا وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن الْمُنْكَرِ، يَعْنِي النّبِيّ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، ثُمّ أَنَزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ: أَيْ: حَتّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ: وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ: أَيْ حَتّى يعبد الله، لا بعبد معه غيره. [الإذن لِمُسْلِمِي مَكّةَ بِالْهِجْرَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا أَذِنَ اللهُ تَعَالَى لَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْحَرْبِ، وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنّصْرَةِ لَهُ وَلِمَنْ اتّبَعَهُ، وَأَوَى إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنْ مَعَهُ بِمَكّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إلَيْهَا، وَاللّحُوقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المهاجرون إلى المدينة

بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَقَالَ: إنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا. فَخَرَجُوا أَرْسَالًا، وَأَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبّهُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكّةَ، وَالْهِجْرَةِ إلى المدينة. [المهاجرون إلَى الْمَدِينَةِ] [هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجُهُ، وَحَدِيثُهَا عَمّا لَقِيَا] فَكَانَ أَوّلُ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ الله بن عمر بن مخزوم، وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ، هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَيْعَةِ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ بِسَنَةٍ، وَكَانَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مكة مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَلَمّا آذَتْهُ قُرَيْشٌ وَبَلَغَهُ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ، خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الله ابن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَدّتِهِ أُمّ سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: لَمّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، ثُمّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ، فَلَمّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا هَذِهِ نَفْسُك غَلَبْتنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْت صَاحِبَتَك هَذِهِ؟ عَلَامَ نَتْرُكُك تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ؟ قَالَتْ: فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ. قَالَتْ: وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: لَا والله، لا نترك ابننا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عندها إذا نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا. قَالَتْ: فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلَمَةَ بَيْنَهُمْ حَتّى خَلَعُوا يَدَهُ، وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ. قَالَتْ: فَفَرّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي. قَالَتْ: فَكُنْت أَخْرُجُ كُلّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ، فَمَا أَزَالُ أَبْكِي، حَتّى أَمْسَى سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتّى مَرّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَرَأَى مَا بِي فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ: أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ، فَرّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا! قَالَتْ: فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِك إنْ شِئْت. قَالَتْ: وَرَدّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إلَيّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي. قَالَتْ: فَارْتَحَلْت بَعِيرِي ثُمّ أَخَذْت ابْنِي فوضعته فى حجرى، ثم خرجت أريد زوحى بِالْمَدِينَةِ. قَالَتْ: وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ. قَالَتْ: فَقُلْت: أَتَبَلّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتّى أَقْدَمَ عَلَيّ زَوْجِي، حَتّى إذَا كُنْت بِالتّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ فَقَالَ لِي: إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ؟ قَالَتْ: فَقُلْت: أريد زوجى بالمدينة. قال: أو ما مَعَك أَحَدٌ؟ قَالَتْ: فَقُلْت: لَا وَاَللهِ، إلّا الله وبنىّ هذا. قال: والله مالك مِنْ مَتْرَكٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ مَعِي يهوى بى، فو الله مَا صَحِبْت رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطّ، أَرَى أَنّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ، كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمّ اسْتَأْخَرَ عَنّي، حَتّى إذَا نَزَلْت اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطّ عَنْهُ، ثُمّ قيّده فى الشجرة، ثم تنحّى إلى شجرة، فاضطجع تحتها، فاذا دنا الرّواح، قام إلى بعيرى فقدّمه فرحله، ثم استأخر عنى، وَقَالَ: ارْكَبِي. فَإِذَا رَكِبْت وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ، فَقَادَهُ، حَتّى يَنْزِلَ بِي. فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمّا نَظَرَ إلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ، قَالَ: زَوْجُك ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هجرة عامر وزوجه وهجرة بنى جحش

فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ- وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا- فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى مَكّةَ. قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَا رَأَيْت صَاحِبًا قَطّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَة. [هِجْرَةُ عَامِرٍ وَزَوْجُهُ وَهِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ كَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ: عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، مَعَهُ امرأته ليلى بنت أبى حثمة ابن غَانِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ. ثُمّ عَبْدُ الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خزيمة، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، احْتَمَلَ بأهله وبأخيه عبد ابن جَحْشٍ، وَهُوَ أَبُو أَحْمَدَ- وَكَانَ أَبُو أَحْمَدَ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ، وَكَانَ يَطُوفُ مَكّةَ، أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا، بِغَيْرِ قَائِدٍ، وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ الفرعة بنت أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَكَانَتْ أُمّهُ أُمَيْمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ- فَغُلّقَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ هِجْرَةً، فَمَرّ بِهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَالْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَهِيَ دَارُ أَبَانَ بن عثمان الْيَوْمَ الّتِي بِالرّدْمِ، وَهُمْ مُصْعِدُونَ إلَى أَعَلَى مَكّةَ، فَنَظَرَ إلَيْهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا يَبَابًا لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ، فَلَمّا رَآهَا كَذَلِكَ تَنَفّسَ الصّعَدَاءَ، ثُمّ قَالَ: وَكُلّ دَارٍ وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهَا ... يَوْمًا سَتُدْرِكُهَا النّكْبَاءُ وَالُحُوبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال ابن هشام: وهذا البيت لأبى دؤاد الإيادى فى قصيدة له. والحوب: التوجع. قال ابن إسحاق: ثم قال عتبة: أَصْبَحَتْ: دَارُ بَنِي جَحْشٍ خَلَاءً مِنْ أَهْلِهَا! فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَمَا تَبْكِي عَلَيْهِ مِنْ قُلّ بْنِ قُلّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ الْقُلّ: الْوَاحِدُ. قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ: كُلّ بَنِي حرة مصيرهم ... قل وإن أكثرت من العدد قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ: هَذَا عَمَلُ ابْنِ أَخِي هَذَا، فَرّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتّتْ أَمْرَنَا وَقَطَعَ بَيْنَنَا فَكَانَ مَنْزِلُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عبد الأسد، وعامر بن ربيعة، وعبد الله بن جحش، وَأَخِيهِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ، عَلَى مُبْشَرِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زُنْبُر بقُباءٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، ثُمّ قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ أرسالا، وكان بنو غنم بن دُودَانَ أَهْلَ إسْلَامٍ، قَدْ أَوْعَبُوا إلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هجرة رجالهم ونسلؤهم: عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ، وَأَخُوهُ أَبُو أَحْمَدَ ابن جَحْشٍ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، وَشُجَاعٌ، وَعُقْبَةٌ، ابْنَا وهب وأربد ابن جميرة. قال ابن هشام: ويقال ابن حميرة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمُنْقِذُ بْنُ نُبَاتَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، وَقَيْسُ بْنُ جَابِرٍ، وَعَمْرُو بْنُ مِحْصَنٍ، وَمَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، وَصَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَثَقْفُ بْنُ عَمْرٍو، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ، وَالزّبَيْرُ بْنُ عبيد، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَتَمّامُ بْنُ عُبَيْدَةَ، وَسَخْبَرَةُ بْنُ عُبَيْدَةَ، وَمُحَمّدُ بن عبد الله بن جحش. وَمِنْ نِسَائِهِمْ: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَأُمّ حَبِيبٍ بِنْتُ جَحْشٍ، وَجُذَامَةُ بِنْتُ جَنْدَلٍ، وَأُمّ قَيْسٍ بِنْتُ مُحْصَنٍ، وَأُمّ حَبِيبٍ بِنْتُ ثُمَامَةَ، وَآمِنَةُ [أو أميمة] بِنْتُ رُقَيْشٍ، وَسَخْبَرَةُ بِنْتُ تَمِيمٍ، وحَمْنةُ بِنْتُ جحش. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وهو يذكر هجرة بنى أسد ابن خُزَيْمَة مِنْ قَوْمِهِ إلَى اللهِ تَعَالَى وَإِلَى رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَإِيعَابُهُمْ فِي ذَلِكَ حين دعوا إلى الهجرة: وَلَوْ حَلَفَتْ بَيْنَ الصّفَا أُمّ أَحُمَد ... وَمَرْوَتِهَا بِاَللهِ بَرّتْ يَمِينُهَا لَنَحْنُ الْأُلَى كُنّا بِهَا، ثُمّ لَمْ نَزَلْ ... بِمَكّةَ حَتّى عَادَ غَثّا سَمِينُهَا بِهَا خَيّمَتْ غَنْمُ بْنُ دُودَانَ وَابْتَنَتْ ... وَمَا إنْ غَدَتْ غَنْمُ وَخَفّ قَطِينُهَا إلَى اللهِ تَغْدُو بَيْنَ مَثْنَى وَوَاحِدٍ ... وَدِينُ رَسُولِ اللهِ بِالْحَقّ دِينُهَا وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ أَيْضًا: لَمّا رَأَتْنِي أُمّ أَحْمَدَ غَادِيًا ... بِذِمّةِ مَنْ أَخْشَى بِغَيْبٍ وَأَرْهَبُ تَقُولُ: فَإِمّا كُنْتَ لَا بُدّ فَاعِلًا ... فَيَمّمْ بِنَا الْبُلْدَانَ ولتَنْأَ يَثْرِبَ فَقُلْت لَهَا: بَلْ يَثْرِبُ الْيَوْمَ وَجْهُنَا ... وَمَا يَشإِ الرّحْمَنُ فَالْعَبْدُ يَرْكَبُ إلَى اللهِ وَجْهِي وَالرّسُولِ وَمَنْ يُقِمْ ... إلَى اللهِ يَوْمًا وَجْهَهُ لَا يُخَيّبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَكَمْ قَدْ تَرَكْنَا مِنْ حَمِيمٍ مُنَاصِحٍ ... وَنَاصِحَةٍ تَبْكِي بِدَمْعٍ وَتَنْدُبُ تَرَى أَنّ وِتْرًا نَأْيُنَا عَنْ بِلَادِنَا ... وَنَحْنُ نَرَى أَنّ الرّغَائِبَ نَطْلُبُ دَعَوْت بَنِي غَنْمٍ لِحَقْنِ دِمَائِهِمْ ... وَلِلْحَقّ لَمّا لَاحَ لِلنّاسِ مَلْحَبُ أَجَابُوا بِحَمْدِ اللهِ لَمّا دَعَاهُمْ ... إلَى الْحَقّ دَاعٍ وَالنّجَاحُ فَأَوْعَبُوا وَكُنّا وَأَصْحَابًا لَنَا فَارَقُوا الْهُدَى ... أَعَانُوا عَلَيْنَا بِالسّلَاحِ وأجْلَبوا كَفَوْجَيْنِ: أَمّا مِنْهُمَا فَمُوَفّقٌ ... عَلَى الْحَقّ مَهْدِيّ، وَفَوْجٌ مُعَذّبُ طَغَوْا وَتَمَنّوْا كِذْبَةً وَأَزَلّهُمْ ... عَنْ الْحَقّ إبْلِيسُ فَخَابُوا وَخُيّبُوا وَرِعْنَا إلَى قَوْلِ النّبِيّ مُحَمّدٍ ... فَطَابَ وُلَاةُ الْحَقّ مِنّا وطُيّبوا نَمُتّ بِأَرْحَامٍ إلَيْهِمْ قَرِيبَةٍ ... وَلَا قُرْبَ بِالْأَرْحَامِ إذْ لَا نُقَرّبُ فَأَيّ ابْنِ أُخْتٍ بَعْدَنَا يَأْمَنَنّكُمْ ... وَأَيّةُ صِهْرٍ بَعْدَ صِهْرِي تُرْقَبُ سَتَعْلَمُ يَوْمًا أَيّنَا إذْ تُزَايِلُوا ... وَزُيّلَ أَمْرُ النّاس للحقّ أصوب قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «وَلْتَنْأَ يَثْرِبَ» ، وَقَوْلُهُ «إذْ لَا نَقْرَبُ» ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: «إذْ» إذَا، كَقَوْلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ: «إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ أَبُو النّجْمِ الْعِجْلِيّ: ثُمّ جَزَاهُ اللهُ عَنّا إذْ جَزَى ... جَنّاتِ عَدْنٍ فى العلالىّ والعلا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَصَنَمُهُ: فَصْلٌ فِي إسْلَامِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَذَكَرَ صَنَمَهُ الّذِي كَانَ يَعْبُدُهُ، وَاسْمُهُ مَنَاةُ، وَزْنُهُ فَعْلَةٌ مِنْ مَنَيْت الدّمَ وَغَيْرَهُ: إذَا صَبَبْته، لِأَنّ الدّمَاءَ كَانَتْ تُمْنَى عِنْدَهُ تَقَرّبًا إلَيْهِ، وَمِنْهُ سُمّيَتْ الْأَصْنَامُ الدّمَى، وَفِي الْحَدِيثِ: لَا وَالدّمَى لَا أَرَى بِمَا تَقُولُ بَأْسًا، وَكَذَلِكَ مَنَاةُ الطّاغِيَةُ الّتِي كَانُوا يُهِلّونَ إلَيْهَا بِقُدَيْدٍ وَالْحَظّ مِنْ مِنْ هَذَا الْمَطْلَعِ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى النجم، مِنْ الْفَائِدَةِ جَعَلَهَا ثَالِثَةً لِلّاتِ وَالْعُزّى، وَأُخْرَى بِالْإِضَافَةِ إلَى مَنَاةَ الّتِي كَانَ يَعْبُدُهَا عَمْرُو ابن الْجَمُوحِ وَغَيْرُهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَهُمَا مَنَاتَانِ، وَإِحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى بِالْإِضَافَةِ إلَى صَاحِبَتِهَا. وَقَوْلُهُ: الْآنَ فَتّشْنَاك عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ الْغَبَنُ فِي الرّأْيِ يُقَالُ غَبِنَ رَأْيَهُ كَمَا يُقَالُ سَفِهَ نَفْسَهُ، فنصبوا، لأن المعنى: خسر نفسه، وأو بقها وَأَفْسَدَ رَأْيَهُ وَنَحْوُ هَذَا. وَقَوْلُهُ إلَهًا مُسْتَدَنْ «1» مِنْ السّدَانَةِ، وَهِيَ خِدْمَةُ الْبَيْتِ وَتَعْظِيمُهُ. وَقَوْلُهُ دَيّانُ الدّيَنْ: الدّيَنُ جَمْعُ دِينَةٍ، وَهِيَ الْعَادَةُ، وَيُقَالُ لَهَا دِينٌ أَيْضًا، وَقَالَ ابْنُ الطّثَرِيّةِ، واسمه يزيد «2» :

_ (1) ولهذا فسرها الخشنى بقوله: مستذل مستعبد. (2) اختلف فى نسبه، فهو عند أبى عمرو والشيبانى: أبو المكشوح يزيد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَرَى سَبْعَةً يَسْعَوْنَ لِلْوَصْلِ كُلّهُمْ ... لَهُ عِنْدَ لَيْلَى دِينَةٌ يَسْتَدِينُهَا فَأَلْقَيْت سَهْمِي بَيْنَهُمْ حِينَ أَوْخَشُوا ... فَمَا صَارَ لِي فِي الْقَسْمِ إلّا ثمينها «1» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالدّينِ: الْأَدْيَانَ أَيْ هُوَ دَيّانُ أَهْلِ الْأَدْيَانِ، وَلَكِنْ جَمَعَهَا عَلَى الدّيَنِ، لِأَنّهَا مِلَلٌ وَنِحَلٌ، كَمَا قَالُوا فِي جَمْعِ: الْحُرّةِ: حَرَائِرَ، لِأَنّهُنّ فِي مَعْنَى الْكَرَائِمِ وَالْعَقَائِلِ، وَكَذَلِكَ مَرَائِرُ الشّجَرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَاحِدَةُ مُرّةً، وَلَكِنّهَا فِي مَعْنَى فَعِيلَةٍ، لِأَنّهَا عَسِيرَةٌ فِي الذّوْقِ، وَشَدِيدَةٌ عَلَى الْأَكْلِ، وَكَرِيهَةٌ إلَيْهِ. تَفْسِيرُ بَعْضِ الْأَنْسَابِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ تَسْمِيَةَ مَنْ حَضَرَ الْعَقَبَةَ، وَذَكَرَ أَنْسَابَهُمْ إلّا

_ ابن سلمة بن سمرة بْنِ سَلَمَةَ الْخَيْرِ بْنِ قُشَيْرِ بْنِ كَعْبِ بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وقيل: إنه يزيد بن المنتشر بن سلمة، وذكر ابن الكلبى أنه يزيد بن الصمة أحد بنى سلمة الخير بن قشير، وذكر البصريون أنه من ولد الأعور بن قشير. يقول عنه أبو الحسن على بن عبد الله الطوسى: «كان ابن الطثرية شاعرا مطبوعا عاقلا فصيحا كامل الأدب وافر المروءة لا يعاب، ولا يطعن عليه» والطثرية أمه، وهى من بنى طثر بن عنز بن وائل. وقد ضبطها ابن خلكان بفتح الطاء وسكون الثاء، وضبط فى القاموس واللسان بفتح الثاء: وهو من شعراء الحماسة لأبى تمام والبيت الثانى فى اللسان فى مادة ثمن. (1) أوخش القوم: ردوا والسهام فى الربابة مرة أخرى، والثمين: جزء من الثمانية، وفى اللسان: وسطهم بدلا من: بينهم لأن فعله غالبا يجمع على فعل، مثل غرفة وغرف ومدية ومدى، وأما فعائل فمقيس فى كل رباعى- اسم أوصفة- مؤنث لفظيا أو معنويا ثالثة مده سواء أكانت ألفا أم ياء أم واوا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيّهَانِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ، وَمَا قِيلَ فِي نَسَبِهِ فِي ذِكْرِ الْعَقَبَةِ الْأُولَى «1» . وَذَكَرَ قُطْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، وَالْقُطْبَةُ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاحِدَةُ الْقُطَبِ، وَهِيَ شَوْكَةٌ «2» . مُدَحْرَجَةٌ فِيهَا ثَلَاثُ شُوَيْكَاتٍ، وَهِيَ تُشْبِهُ حَسَكَ السّعْدَانِ، وَقَدْ بَانَ بِنَعْتِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ أَنّهُ الّذِي نُسَمّيهِ بِبِلَادِنَا حِمّصَ الْأَمِيرِ. وَالْقُطْبَةُ: طَرَفُ النّصْلِ. وَذَكَرَ ذَكْوَانَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ، وَنَسَبَهُ إلَى عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمَ، وَالْغَضْبُ فِي اللّغَةِ: الشّدِيدُ الْحُمْرَةِ «3» ، وَجُشَمُ مَعْدُولٌ عَنْ جَاشِمٍ، وَهُوَ مِنْ جَشِمْت الْأَمْرَ [تَكَلّفْته عَلَى مَشَقّةٍ] كَمَا عَدَلُوا عمر عن عامر «4» وقد أملينا جزآ فِي أَسْرَارِ مَا يَنْصَرِفُ، وَمَا لَا يَنْصَرِفُ

_ (1) مازدته فى السيرة من نسب معن بن عدى وغيره من الإصابة. (2) القطبة ضرب من النبات يذهب حبالا على الأرض طولا، وله زهرة صفراء، وشوكته إذا أحصد ويبس يشق على الناس أن يطئوها، مدحرجة كأنها حصاة. والحسك: نبات له ثمرة خشنة تتعلق بأصواف الغنم وأوبار الإبل، ومنه حسك السعدان، والسعدان: نبت من أفضل مراعى الإبل، ومنه: مرعى، ولا كالسعدان، وله شوك تشبه به حلمة الثدى. وهذا المثل يضرب للشىء بفضل على أقرانه (3) فى الاشتقاق: الغضب: الأحمر الغليظ، والغضبة الصخرة الخشنة ص 461. (4) فى الاشتقاق: ومن قولهم: جشمت إليك هذا الأمر، أى: تحملت ثقلة، وجشم البعير: صدره وكلكه» ص 252.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شَرَحْنَا فِيهِ فَائِدَةَ الْعَدْلِ عَنْ فَاعِلٍ إلَى فُعَلَ، وَمَا حَقِيقَةُ الْعَدْلِ وَالْمَقْصُودُ بِهِ، وَلِمَ لَمْ يُعْدَلْ عَنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، وَلِمَ لَمْ يَكُنْ إلّا فِي الصّفَاتِ وَلِمَ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصّفَاتِ إلّا فِي مِثْلِ عَامِرٍ وَزَافِرٍ وَقَاثِمٍ «1» ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِكٍ وَصَالِحٍ وَسَالِمٍ، وَلِمَ خُصّ فُعَلُ هَذَا الْبِنَاءُ بِالْعَدْلِ إلَيْهِ، وَهَلْ عُدِلَ إلَى بِنَاءٍ غَيْرِهِ، أَمْ لَا وَلَمْ مُنِعَ الْخَفْضُ وَالتّنْوِينُ إذَا كَانَ مَعْدُولًا إلَى هَذَا الْبِنَاءِ، فَمَنْ اشْتَاقَ إلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَسْرَارِ فَلْيَنْظُرْهَا هُنَالِكَ، فَإِنّ ابْنَ جِنّيّ قَدْ حَامَ فِي كِتَابِ الْخَصَائِصِ عَلَى بَعْضِهَا، فَمَا وَرَدَ، وَصَأْصَأَ فَمَا فَقّحَ «2» . وَذَكَرَ فِي بنى بياضة عمرو بن وذفة بذال معجمة، وقال ابن هشام: ودفة بدال مهملة، وهو الأصح، والودفة: المرّوضة النّاعِمَةُ سُمّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنّهَا تَقْطُرُ مَاءً مِنْ نِعْمَتِهَا، وَالْأُدَافُ الذّكَرُ، وَأَصْلُهُ: وُدَافٌ، سُمّيَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَطْرُ الْمَاءِ وَالْمَنِيّ مِنْهُ «3» ، وَيُقَالُ لِلرّوْضَةِ النّاعمة: الدّقرى، وعمرو بن

_ (1) قثم- فى القاموس- الكثير العطاء معدول عن قاثم، والجموع للخير والعيال، وزفر: الأسد والشجاع، والبحر والنهر الكثير الماء، الذى يحمل الأثقال، أى: القوى على حمل القرب، والجمل الضخم، والكتيبة إلخ. (2) فقح الجرو، فتح عينيه أول ما يفتح، وهو صغير، وصأصأ الجرو: حاول النظر ولما تنفتح عيناه، ويقال: فقحنا، وصأصأتم: أبصرنا الحق، ولم تبصروه. (3) العبارة مضطربة ولعلها: لقطر الماء ... الخ. وفى القاموس عن وداف: «وكغراب: الذكر لما يدف منه من المنى وغيره» وفى اللسان: «والأداف: الذكر القطراشه الهمزة فيه: بدل من الواو، وهو مما لزم فيه البدل، إذ لم تسمعهم قالوا: وداف. وفى الحديث: فى الأداف الدية يعنى الذكر، قال ابن الأثير:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَدْفَةَ هَذَا هُوَ الْبَيَاضِيّ الّذِي رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ الصّلَاةِ، وَلَمْ يُسَمّهِ، وَفِي الْأَنْصَارِ [مِنْ قَبَائِلِ الْخَزْرَجِ] بَنُو النّجّارِ، وَهُمْ تَيْمُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ، سُمّيَ النّجّارَ فِيمَا ذَكَرُوا لِأَنّهُ نَجَرَ وَجْهَ رَجُلٍ بِقَدُومِ وَقِيلَ: كَانَ نَجّارًا، وَثَعْلَبَةُ فِي الْعَرَبِ كَثِيرٌ فِي الرّجَالِ، وَقَلّ مَا يُسَمّونَ بِثَعْلَبِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْقِيَاسَ كَمَا يُسَمّونَ بِنَمِرِ وَسَبُعٍ وَذِئْبٍ «1» ، وَلَكِنْ الثّعْلَبُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ، إذْ يُقَالُ ثَعْلَبُ الرّمْحِ، وَثَعْلَبُ الْحَوْضِ «2» ، وَهُوَ مَخْرَجُ الْمَاءِ مِنْهُ، وَفِي الْحَدِيثِ حَتّى قَامَ أَبُو لُبَابَةَ يَسُدّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِرِدَائِهِ «3» ، فَكَأَنّهُمْ عَدَلُوا عَنْ النسمية

_ سماه بما يقطر منيا مجازا» وفى اللسان عن الودفة: الودفة- بسكون الدال- الوديفة: الروضة الناضرة المتخيلة، وقال أبو حازم: الودفة بفتح الدال: الروضة الخضراء من نبت. (1) يقول ابن دريد عن مذاهب العرب فى التسمية: «ومنها أن الرجل كان يخرج من منزله وامرأته تمحض، فيسمى ابنه بأول ما يلقاه من ذلك، نحو: ثعلب وثعلبة، وضب وضبة، وخزر وضبيعة، وكلب وكليب، وحمار وقرد وخنزير ... وكذلك أيضا تسمى بأول ما يسنح أو يبرح لها من الطير نحو: غراب وصرد وما أشبه ذلك» ص 6 الاشتقاق، ولم أجد فيه سوى بطن واحد من قبائل قضاعة سمى بثعلب بينما وجدت ثمانية عشر سموا بثعلبة وهناك اثنان وعشرون صحابيا كلهم تسمى باسم ثعلبة. (2) ثعلب الرمح: طرفه الداخل فى جبة السنان (3) فى النهاية لابن الأثير «فى حديث الاستسقاء: اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة يسد تعلب مريده بإزاره. المربد: موضع يجفف فيه التمر، وثعلبة ثقبه الذى يسيل منه ماء المطر» وفى مكان آخر يقول: يعنى موضع ثمره. أنظر مادتى ثعلب وربد فى النهاية. وفى الروض: يشد ثعلب وهو خطأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِثَعْلَبِ لِهَذَا الِاشْتِرَاكِ، مَعَ أَنّ الثّعْلَبَةَ أَحْمَى لِأَدْرَاصِهَا «1» وَأَغْيَرُ عَلَى أَجْرَائِهَا مِنْ الثّعْلَبِ. وَذَكَرَ قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لِبَنِي سَلِمَةَ مَنْ سَيّدُكُمْ؟ فَقَالُوا جَدّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى بُخْلٍ فِيهِ، فَقَالَ: وَأَيّ دَاءٍ أَكْبَرُ مِنْ الْبُخْلِ؟! بَلْ سَيّدُكُمْ الْأَبْيَضُ الْجَعْدُ: بِشْرُ بْنُ الْبَرَاء، وَرُوِيَ عَنْ الزّهْرِيّ وَعَامِرٍ الشّعْبِيّ أَنّهُمَا قَالَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: بَلْ سَيّدُكُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوح، وَقَالَ شَاعِرُ الْأَنْصَارِ فِي ذَلِكَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ، وَالْحَقّ قَوْلُهُ ... لِمَنْ قَالَ مِنّا مَنْ تَعُدّونَ سَيّدَا فَقَالُوا لَهُ: جَدّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى الّتِي ... نُبَخّلُهُ فِيهَا، وَمَا كَانَ أَسْوَدَا فَسَوّدَ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ لِجُودِهِ ... وَحُقّ لعمرو عندنا أَنْ يُسَوّدَا ذَكَرَ خَدِيجَ بْنَ سَلَامَةَ الْبَلَوِيّ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ خَدِيجَ بْنَ سَلَامَةَ الْبَلَوِيّ، وَهُوَ: خَدِيجٌ بِخَاءِ مَنْقُوطَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَدَالٍ مَكْسُورَةٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ الطّبَرِيّ، وَقَالَ: شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، وَقَالَ: يُكَنّى أَبَا رَشِيدٍ: وَذَكَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَنَسَبَهُ إلَى أُدَيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ أَخِي سَلِمَةَ، وقد

_ (1) أدراص جمع درص بفتح الدال وكسرها: ولد القنفذ والأرنب واليربوع والفأرة والهرة ونحوها، وبالكسر جنين الأتان. والجمع أيضا درصة ودرصان، ودروص وأدرص. والجرو مثلثة- أى بكسر الجيم وفتحها وضمها- صغير كل شىء حتى الحنظل والبطيخ ونحوه ج أجر وجراء وولد الكلب والأسد ج أجر وأجرية وأجراء وجراء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انقرض عَقِبُ أُدَيّ، وَآخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَقَدْ يُقَالُ فِي أُدَيّ أَيْضًا: أُذُنٌ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ. وَذَكَرَ أَنّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ مَاتَ فِي طَاعُونِ عَمْوَاسٍ، هَكَذَا تَقَيّدَ فِي النّسْخَةِ عَمْوَاسٌ بِسُكُونِ الْمِيمِ «1» ، وَقَالَ فِيهِ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ مِنْ أَسْمَاءِ الْبُقَعِ: عَمَوَاسٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالشّامِ عُرِفَ الطّاعُونُ بِهَا لِأَنّهُ مِنْهَا بَدَأَ وَقِيلَ: إنّمَا سُمّيَ: طَاعُونَ عَمْوَاسٍ لِأَنّهُ عَمّ وَآسَى أَيْ جَعَلَ بَعْضَ النّاسِ أُسْوَةَ بَعْضٍ. وَذَكَرَ يَزِيدَ بْنَ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَزْمَةَ بِسُكُونِ الزّايِ كَذَا قَالَ فِيهِ ابْنُ إسْحَاقَ وَابْنُ الْكَلْبِيّ، وَقَالَ الطّبَرِيّ فِيهِ خَزَمَةَ بِتَحْرِيكِ الزّايِ، وَهُوَ بَلَوِيّ مِنْ بَنِي عَمّارَةَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَلَا يُعْرَفُ عَمّارَةُ فِي الْعَرَبِ إلّا هَذَا، كَمَا لَا يُعْرَفُ عِمَارَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ إلّا أُبَيّ بْنُ عِمَارَةَ الّذِي يَرْوِي حَدِيثًا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفّيْنِ، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ عُمَارَةُ بِضَمّ الْعَيْنِ، وَأَمّا سِوَى هَذَيْنِ فَعُمَارَةُ بِالضّمّ، غَيْرَ أَنّ الدّارَقُطْنِيّ ذَكَرَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ فِي نَسَبِ قُضَاعَةَ: قَالَ مُدْرِكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقَمْقَامُ بْنِ عِمَارَةَ بْنِ ذُوَيْدِ بْنِ مَالِكٍ. وفى النساء عمارة

_ (1) فى المراصد: رواه الزمخشرى بكسر أوله وكسر ثانيه، وغيره بفتح أوله وثانيه: كورة من فلسطين قرب بيت المقدس وكانت عمواس قصبتها قديما، وهى ضيعة جليلة على ستة أميال من بيت المقدس، منها كان ابتداء الطاعون المنسوب إليها فى زمن عمر. قيل: مات فيه خمسة وعشرون ألفا» وفى ياقوت أن عمواس بكسر العين وسكون الميم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِنْتُ نَافِعٍ، وَهِيَ أُمّ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرّزّاقِ، وَفِي الْأَنْصَارِ خَزَمَةُ سِوَى هَذَا الْمَذْكُورِ بِفَتْحِ الزّايِ كَثِيرٌ. وَذَكَرَ بَنِي الْحُبْلَى وَالنّسَبُ إلَيْهِ حُبُلِيّ بِضَمّ الْحَاءِ وَالْبَاءِ قَالَهُ سِيبَوَيْهِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسِ، النّسَبِ، وَتَوَهّمَ بَعْضُ مَنْ أَلّفَ فِي الْعَرَبِيّةِ أَنّ سِيبَوَيْهِ قَالَ فِيهِ: حُبَلِيّ بِفَتْحِ الْبَاءِ لِمَا ذَكَرَهُ مَعَ جُذَمِيّ فِي النّسَبِ إلَى جَذِيمَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ سِيبَوَيْهِ مَعَهُ، لِأَنّهُ عَلَى وَزْنِهِ، وَلَكِنْ لِأَنّهُ شَاذّ مِثْلُهُ فِي الْقِيَاسِ الّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ سِيبَوَيْهِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالضّمّ، ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيّ الْقَالِي فِي الْبَارِعِ، وَقَالَ هَكَذَا تَقَيّدَ فِي النّسَخِ الصّحِيحَةِ مِنْ سِيبَوَيْهِ، وَحَسْبُك مِنْ هَذَا أَنّ جَمِيعَ الْمُحَدّثِينَ يَقُولُونَ: أَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِيّ بِضَمّتَيْنِ، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، فَدَلّ هَذَا كُلّهُ عَلَى غَلَطِ مَنْ نَسَبَ إلَى سِيبَوَيْهِ أَنّهُ فَتَحَ الْبَاءَ «1» . مَتَى أَسْلَمَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ هِجْرَةَ أُمّ سَلَمَةَ وَصُحْبَةَ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ لها، وهو يومئذ

_ (1) فى القاموس: «الحبلى» بضم الحاء وسكون الباء وفتح اللام، لقب سالم بن غنم بن عوف لعظم بطنه من ولده: بنو الحبلى بطن من الأنصار، وهو حبلى بضم الحاء وسكون الباء- وبضمتين، وكجهنى» وفى اللباب لابن الأثير الحبلى بضم الحاء والباء ونقل عن السمعانى، وذكر سيبويه النحوى: الحبلى بفتح الباء وقال: هو منسوب إلى بنى الحبلى. وقال: الحبلى بضم الحاء وسكون الباء وإمالة اللام لقب سالم بن غنم بن عوف ابن الخزرج بن حارثة قال ابن الكلبى: إنما سمى الحبلى لعظم بطنه. وانظر ص 459 الاشتقاق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَى كُفْرِهِ، وَإِنّمَا أَسْلَمَ عُثْمَانُ فِي هُدْنَةِ الحديبية «1» ، وهاجر قبل الفتح مع خالد ابن الْوَلِيدِ، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ إخْوَتُهُ مُسَافِعٌ، وَكِلَابٌ وَالْحَارِثُ، وَأَبُوهُمْ وَعَمّهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ قُتِلَ أَيْضًا يَوْمَ أُحُدٍ كَافِرًا وَبِيَدِهِ كَانَتْ مَفَاتِيحُ الْكَعْبَةِ وَدَفَعَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِلَى ابْنِ عَمّهِ شَيْبَةَ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ جَدّ بَنِي شَيْبَةَ حَجَبَةِ الْكَعْبَةِ، وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ جَدّهِمْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى، وَقُتِلَ عُثْمَانُ رَحِمَهُ اللهُ شَهِيدًا بِأَجْنَادِينَ فِي أَوّلِ خِلَافَةِ عُمَرَ. هِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ: وَذَكَرَ هِجْرَةَ بَنِي جَحْشٍ، وَهُمْ: عَبْدُ اللهِ وَأَبُو أَحْمَدَ وَاسْمُهُ: عَبْدٌ، وَقَدْ كَانَ أَخُوهُمْ عُبَيْدُ اللهِ أَسْلَمَ ثُمّ تَنَصّرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَنَزَلَتْ فِيهَا فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها الْأَحْزَابَ وَأُمّ حَبِيبِ بِنْتُ جَحْشٍ الّتِي كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ الّتِي كَانَتْ تَحْتَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ أَيْضًا، وَقَدْ رُوِيَ أَنّ زَيْنَبَ اُسْتُحِيضَتْ أَيْضًا، وَوَقَعَ فِي الْمُوَطّأِ أَنّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَلَمْ تَكُ قَطّ زَيْنَبُ عِنْدَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ وَالْغَلَطُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ، وَإِنّمَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرّحْمَنِ أُخْتُهَا أُمّ حبيب،

_ (1) بتخفيف الياء الثانية مع فتحها، وقيل: أهل المدينة يثقلونها، وأهل العراق يخففونها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيُقَالُ فِيهَا أُمّ حَبِيبَةَ، غَيْرَ أَنّ شَيْخَنَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمّدَ بْنَ نَجَاحٍ، أَخْبَرَنِي أَنّ أُمّ حَبِيبٍ كَانَ اسْمُهَا: زَيْنَبَ فَهُمَا زَيْنَبَانِ غَلَبَتْ عَلَى إحْدَاهُمَا الْكُنْيَةُ، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأِ وَهْمٌ وَلَا غَلَطٌ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَكَانَ اسْمُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: بَرّةَ فَسَمّاهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبَ، وَكَذَلِكَ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمّ سلمة ربيبته عليه السلام، كان اسمها برة، فَسَمّاهَا زَيْنَبَ كَأَنّهُ كَرِهَ أَنْ تُزَكّيَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِهَذَا الِاسْمِ، وَكَانَ اسْمُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ: بُرّةَ بِضَمّ الْبَاءِ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ غَيّرْت اسْمَ أَبِي، فَإِنّ الْبُرّةَ صَغِيرَةٌ، فَقِيلَ: أن رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: لَوْ أَبُوك مُسْلِمًا لَسَمّيْته بِاسْمِ مِنْ أَسْمَائِنَا أَهْلِ الْبَيْتِ، وَلَكِنّي قَدْ سَمّيْته جَحْشًا وَالْجَحْشُ أَكْبَرُ مِنْ الْبُرّةِ. ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْنَدًا فِي كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ أَبُو الْحَسَنِ الدّارَقُطْنِيّ. الشّعْرُ الّذِي تَمَثّلَ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ: فَصْلٌ: ذَكَرَ الْبَيْتَ الّذِي تَمَثّلَ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ مَرّ بِدَارِ بَنِي جَحْشٍ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَكُلّ بَيْتٍ وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ ... يَوْمًا سَتُدْرِكُهُ النّكْبَاءُ والحوب كل امرىء بِلِقَاءِ الْمَوْتِ مُرْتَهَنٌ ... كَأَنّهُ غَرَضٌ لِلْمَوْتِ مَنْصُوبُ وَالشّعْرُ لِأَبِي دُؤَادٍ الْإِيَادِيّ وَاسْمُهُ: حَنْظَلَةُ بْنُ شَرْقِيّ، وَقِيلَ جَارِيَةُ بْنُ الْحَجّاجِ ذَكَرَ دَارَ بنى جحش، وَأَنّهَا عِنْدَ دَارِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بِالرّدْمِ، والرّدم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حفر ردم بِالْقَتْلَى فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَسُمّيَ: الرّدْمَ، وَذَلِكَ فِي حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ بَنِي جُمَحَ، وَبَيْنَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، وَكَانَتْ الدّبَرَةُ فِيهَا عَلَى بنى الحارث، ولذلك قلّ عددهم، فهم أفل قُرَيْشٍ عَدَدًا. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ شِعْرَ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جحش وفيه: إلَى اللهِ وَجْهِي وَالرّسُولِ وَمَنْ يُقِمْ ... إلَى اللهِ يَوْمًا وَجْهَهُ لَا يُخَيّبْ هَكَذَا يُرْوَى بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى الإفواء، وَلَوْ رُوِيَ بِالرّفْعِ لَجَازَ عَلَى الضّرُورَةِ وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ: فَلَا يُخَيّبُ بِإِضْمَارِ الْفَاءِ فِي مَذْهَبِ أَبِي الْعَبّاسِ، وَفِي مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ: يَجُوزُ أَيْضًا لَا عَلَى إضْمَارِ الْفَاءِ، وَلَكِنْ عَلَى نِيّةِ التّقْدِيمِ لِلْفِعْلِ عَلَى الشّرْطِ كَمَا أَنْشَدُوا: إنّك إنْ يُصْرَعْ أَخُوك تُصْرَعُ «1» وَهُوَ مَعَ إنْ أَحْسَنُ، لِأَنّ التّقْدِيرَ إنّك تُصْرَعُ إنْ يُصْرَعْ أَخُوك، وَأَنْشَدُوا أَيْضًا: مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللهُ يشكره «2»

_ (1) البيت لجرير بن عبد الله البجيلى، وقد سبق. وهو فى كتاب سيبويه ص 436 ح 1 ط أولى والشاهد- فيه كما يقول السيرافى- على مذهب سيبويه: تقديم تصرع فى النية، وتضمنه الجواب فى المعنى. والتقدير: إنك تصرع إن يصرع أخوك، وهذا من ضرورة الشعرا لأن حرف الشرط قد جزم الأول، فحكم أن يجزم الآخر وهو عند المبرد على حذف الفاء. والأقرع من بنى تميم. (2) هو من شواهد سيبويه أيضا فى الكتاب ص 435 ح 1 ط 1

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَى هَذَا التّقْدِيرِ، وَفِي الشّعْرِ أَيْضًا: وَلَا قُرْبَ بِالْأَرْحَامِ إذْ لَا تُقَرّبُ وَتَأَوّلَ ابْنُ هِشَامٍ إذْ هُنَا بِمَعْنَى: إذَا وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنّ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ لَا يَحْسُنُ بَعْدَ إذَا مَعَ حَرْفِ النّفْيِ، وَإِنّمَا يَحْسُنُ بَعْدَ إذْ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَلَوْ قُلْت: سَآتِيك إذَا تَقُولُ كَذَا، كَانَ قَبِيحًا إذَا أَخّرْتهَا، أَوْ قَدّمْت الْفِعْلَ لِمَا فِي إذَا مِنْ مَعْنَى الشّرْطِ، وَإِنّمَا يَحْسُنُ هَذَا فِي حُرُوفِ الشّرْطِ مَعَ لَفْظِ الْمَاضِي، تَقُولُ: سَآتِيك إنْ قَامَ زَيْدٌ وَإِذَا قَامَ زَيْدٌ، وَيَقْبُحُ: سَآتِيك إنْ يَقُمْ زَيْدٌ لِأَنّ حَرْفَ الشّرْطِ إذَا أُخّرَ أُلْغِيَ، وَإِذَا أُلْغِيَ لَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ الْمُعْرَبُ بَعْدَهُ، غَيْرَ أَنّهُ حَسُنَ فِي كَيْفَ نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ، ويبسطه فى السماء كيف يشاء لِسِرّ بَدِيعٍ لَعَلّنَا نَذْكُرُهُ إنْ وَجَدْنَا لِشَفْرَتِنَا مَحَزّا، وَيَحْسُنُ الْفِعْلُ الْمُسْتَقْبَلُ مَعَ إذَا بَعْدَ القسم كقوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الشّرْطِ فِيهِ، فَهَذَا وَجْهٌ، وَالْوَجْهُ الثّانِي: أَنّ إذْ بِمَعْنَى إذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْكَلَامِ، وَلَا حَكَاهُ ثَبْتٌ، وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ قَوْلِ رُؤْبَةَ لَيْسَ عَلَى مَا ظَنّ إنّمَا مَعْنَاهُ: ثُمّ جَزَاهُ اللهُ رَبّي إن جزى، أى من أجل أن نفسى وَجَزَى عَنّي، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ففاعل جَزَى: مُضْمَرٌ عَائِدٌ عَلَى الرّجُلِ الْمَمْدُوحِ، وَإِذْ بِمَعْنَى أَنْ الْمَفْتُوحَةِ كَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ

_ والشاهد فيه: حذف الفاء من الجواب ضرورة، والتقدير: فالله يشكره وفى الكتاب: يشكرها، وزعم الأصمعى أن النحويين غيروه، وأن الرواية: من يفعل الخير، فالرحمن يشكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي سَوَادِ الْكِتَابِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ وَغَفَلَ النّسَوِيّ عَمّا فِي الْكِتَابِ مِنْ هَذَا، وَجَعَلَ الْفِعْلَ الْمُسْتَقْبَلَ الّذِي بَعْدَ لَنْ عَامِلًا فِي الظّرْفِ الْمَاضِي، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: سَآتِيك الْيَوْمَ أَمْسِ، وَهَذَا هُرَاءٌ مِنْ الْقَوْلِ، وَغَفْلَةٌ عَمّا فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ: هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ فَإِنْ جَوّزَ وُقُوعَ الْمُسْتَقْبَلِ فِي الظّرْفِ الْمَاضِي عَلَى أَصْلِهِ الْفَاسِدِ، فَكَيْفَ يَعْمَلُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ فِيمَا قَبْلَهَا لَا سِيّمَا مَعَ السّينِ، وهو قبيح أن تقول: غدا سآتيك، فكيف إن قُلْت: غَدًا فَسَآتِيك، فَكَيْفَ إنْ زِدْت عَلَى هَذَا وَقُلْت: أَمْسِ فَسَآتِيك، وَإِذْ عَلَى أَصْلِهِ بِمَنْزِلَةِ أَمْسِ، فَهَذِهِ فَضَائِحُ لَا غِطَاءَ عَلَيْهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ الْوَجْهُ فِي قَوْلِهِ سبحانه وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا وكذلك: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ أَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ بِمَعْنَى إذَا الّتِي تُعْطِي الِاسْتِقْبَالَ؟ قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ تَكُونُ بِمَعْنَى إذَا، وَإِذَا لَا يَقَعُ بَعْدَهَا الابتداء والخبر، وقد قال سبحانه: إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ وإنما التقدير: ولو ترى فدمهم وَحُزْنَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَعْدَ وُقُوفِهِمْ عَلَى النّارِ، فَإِذْ ظَرْفٌ مَاضٍ عَلَى أَصْلِهِ، وَلَكِنْ بِالْإِضَافَةِ إلَى حُزْنِهِمْ وَنَدَامَتِهِمْ، فَالْحُزْنُ وَالنّدَامَةُ وَاقِعَانِ بعد المعاينة والتوقيف، فقد صار وقف التّوْقِيفِ مَاضِيًا بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَهُ، وَاَلّذِي بَعْدَهُ هُوَ مَفْعُولُ تَرَى، وَهَذَا نَحْوٌ مِمّا يُتَوَهّمُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها فَيُتَوَهّمُ أَنّ إذَا هَاهُنَا بِمَعْنَى إذْ، لِأَنّهُ حَدِيثٌ قَدْ مَضَى، وَلَيْسَ كَمَا يُتَوَهّمُ، بَلْ هِيَ عَلَى بَابِهَا، وَالْفِعْلُ بَعْدَهَا مُسْتَقْبَلٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى الِانْطِلَاقِ، لِأَنّهُ بَعْدَهُ، وَالِانْطِلَاقُ قَبْلَهُ، وَلَوْلَا حَتّى، مَا جَازَ أَنْ يُقَالَ إلّا انْطَلَقَا إذْ رَكِبَا، وَلَكِنّ مَعْنَى الْغَايَةِ فِي حَتّى دَلّ عَلَى أَنّ الرّكُوبَ كَانَ بَعْدَ الِانْطِلَاقِ وَإِذَا كَانَ بَعْدَهُ، فَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُنَا الْحُزْنُ، وَسُوءُ الْحَالِ الّذِي هُوَ مَفْعُولٌ لِتَرَى، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَذْكُورٍ فِي اللفظ، فهو بعد وقت الوقوف، فوقت الْوُقُوفُ مَاضٍ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ بدمن حَذْفٍ، فَكَذَلِكَ نُقَدّرُ حَذْفًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ونحوه لأنها وإن كانت بمعنى أن، فلابد لَهَا مِنْ تَعَلّقٍ، كَأَنّهُ قَالَ: جُزِيتُمْ بِهَذَا مِنْ أَجْلِ أَنْ ظَلَمْتُمْ، أَوْ مِنْ أَجْلِ أَنْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ضَلّوا. وَذَكَرَ فِي نِسَاءِ بَنِي جَحْشٍ: جُذَامَةَ بِنْتَ جَنْدَلٍ، وَأَحْسَبُهُ أَرَادَ جُذَامَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ مِحْصَنٍ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ الرّضَاعِ فِي الْمُوَطّأِ، وَقَالَ فِيهَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزّارُ: جُذَامَةُ بِالذّالِ الْمَنْقُوطَةِ هَكَذَا ذَكَرَ عَنْهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجّاجِ، وَالْمَعْرُوفُ: جُدَامَةُ بِالدّالِ «1» ، وَقَدْ يُقَالُ فِيهَا جُدّامَةُ بالتشديد،

_ (1) فى القاموس: «وجدامة كثمامة بنت وهب، وبنت جندل، وبنت الحارث صحا بيات وهى ما يستخرج من السنبل بالخشب. وفى الإصابة عن جدامة بنت جندل بعد أن ذكر ما قاله ابن إسحاق عنها: وذكر الطبرى فى الذيل أنها هى بنت وهب ... وقال ابن سعد: كانت تحت أنيس بن قتادة الأنصارى. كما جاء فى الإصابة عن جدامة بنت وهب الأسدية: ويقال بالخاء المعجمة روت عن النبى «ص» فى رضاع الحامل، روت عنها أم المؤمنين عائشة، أخرج حديثها فى الموطأ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْجُدَامَةُ قَصَبُ الزّرْعِ، وَأَمْلَى عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ، وَكَتَبْت عَنْهُ بِخَطّ يَدِي قَالَ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبّارِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الْبَرْمَكِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ زَكَرِيّا بْنِ حِبَوَيْهِ عَنْ أَبِي عُمَرَ الزّاهِدِ الْمُطَرّزِ قَالَ: الْجُدّامَةُ: بِتَشْدِيدِ الدّالِ طَرَفُ السّعَفَةِ وَبِهِ سُمّيَتْ الْمَرْأَةُ، وَكَانَتْ جُدَامَةُ بِنْتُ وَهْبٍ تَحْتَ أُنَيْسِ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ وَأَمّا جُدَامَةُ بِنْتُ جَنْدَلٍ، فَلَا تُعْرَفُ فِي آلِ جَحْشٍ الْأَسَدِيّينَ، وَلَا فِي غَيْرِهِمْ، وَلَعَلّهُ وَهْمٌ وَقَعَ فِي الْكِتَابِ، وَأَنّهَا بِنْتُ وهب بن محصن بنت أخى عكّاشة ابن مِحْصَنٍ، كَمَا قَدّمْنَا وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ فِي بَنِي أَسَدٍ ثَقْفَ بْنَ عَمْرٍو، وَيُقَالُ فِيهِ: ثِقَافٌ شَهِدَ هُوَ وَأَخُوهُ مِدْلَاجٌ [أَوْ مُدْلِجٌ] بَدْرًا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ قَتَلَهُ أُسَيْرُ [بْنُ رِزَامٍ] الْيَهُودِيّ «1» . وَذَكَرَ فِيهِمْ أُمّ حَبِيبِ بِنْتَ ثُمَامَةَ، وَهِيَ مِمّا أَغْفَلَهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِهِ، وَأَغْفَلَ أَيْضًا ذِكْرَ ثُمَامِ بْنِ عُبَيْدَةَ «2» ، وَهُوَ مِمّنْ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هذه الجملة المذكورين من بنى أسد.

_ ولفظه: عن جدامة الأسدية أنها سمعت النبى «ص» يقول: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة.. الحديث، وفى بعض طرقه عند مسلم: عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة بن وهب قالت: حضرت عند النبى «ص» فى أناس، وهو يقول: فذكر الحديث ... وأورده ابن مندة بلفظ الموطأ فى جدامة ابن جندل. (1) ويقول الواقدى عن مدلاج إنه شهد المشاهد كلها، ومات سنة خمسين، وتبعه ابن عبد البر فى ذلك «الإصابة» أما ثقف، فكما قال. (2) ترجم ابن حجر لأم حبيب فى سطرين فقط، ولم يترجم لثمام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَرْبَدَ بْنَ جُمَيْرَةَ الْأَسَدِيّ بِالْجِيمِ، وَقَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ: حُمَيْرَةُ بِالْحَاءِ، وَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ الْبَكّائِيّ وَابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ فِيهِ ابْنُ حُمَيّرٍ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، كَأَنّهُ تَصْغِيرُ حِمَارٍ. وَذَكَرَ فِيهِمْ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، وَلَمْ يَرْفَعْ نَسَبَهُ، وَهُوَ ابْنُ نَضْلَةَ بن عبد الله ابن مُرّةَ بْنِ غَنْمِ «1» بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ [بْنِ خُزَيْمَةَ] قُتِلَ فِي غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ شَهِيدًا «2» ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَكَانَ يُعْرَفُ بِالْأَخْرَمِ، وَيُلَقّبُ: فُهَيْرَةَ، وَقَالَ فِيهِ مُوسَى بْنُ عقبة مُحْرِزِ بْنِ وَهْبٍ، وَلَمْ يَقُلْ ابْنَ نَضْلَةَ. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَيْضًا يَزِيدَ بْنَ رُقَيْشٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ: أَرْبَدُ وَلَا يَصِحّ، وَهُوَ ابْنُ رُقَيْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمَرَ بْنِ كُبَيْرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ، وَذَكَرَ فِيهِمْ رَبِيعَةَ بْنَ أَكْثَمَ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ وَهُوَ ابْنُ أكثم بن سخبرة بن عمرو ابن نُفَيْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ يُكَنّى: أَبَا يَزِيدَ، وَكَانَ قَصِيرًا دَحْدَحًا قُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ بِالنّطَاةِ قَتَلَهُ الْحَارِثُ اليهودى «3» .

_ (1) فى الإصابة بن مرة بن كثير بن غنم، وفى إمتاع الأسماع مرة بن كبير ابن غنم. (2) ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر. خرج إليه النبى «ص» فى طلب عيينة بن حصن قال حسان: كَانُوا بِدَارٍ؟؟؟ نَاعِمِينَ فَبُدّلُوا ... أَيّامَ ذِي قَرَدٍ وجوه عباد (3) نطاة: اسم لأرض خيبر، وقيل حصن بخيبر أو عين بها يسقى بعض تخيل قراها، وهى وبئة، وفى القاموس تطلق أيضا على حمى خيبر. وبالألف واللام: الشمروخ.

هجرة عمر وقصة عياش معه

[هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصّةُ عَيّاشٍ مَعَهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيّ حَتّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ. فَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عن عبد الله ابن عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، قَالَ: اتّعَدْتُ، لَمّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ، أَنَا وعيّاش بن أبى ربيعة [واسمه: عمرو ويلقب ذا الرمحين] ، وهشام ابن الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السّهْمِيّ التّناضِبَ مِنْ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَوْقَ سَرِفٍ، وَقُلْنَا: أَيّنَا لَمْ يُصْبِحْ عِنْدَهَا فَقَدْ حُبِسَ فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ. قَالَ: فأصبحت أنا وعيّاش ابن أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَ التّنَاضُبِ، وَحُبِسَ عَنّا هِشَامٌ، وفتن فافتتن. فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَزَلْنَا فِي بَنِي عَمْرِو بن عوف بقباء، وخرج أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ إلَى عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ ابْنَ عَمّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمّهِمَا، حَتّى قَدِمَا عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ، فَكَلّمَاهُ وَقَالَا: إنّ أُمّك قَدْ نَذَرَتْ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهَا مُشْطٌ حَتّى تَرَاك، وَلَا تَسْتَظِلّ مِنْ شَمْسٍ حَتّى تَرَاك، فَرَقّ لَهَا، فَقُلْت لَهُ: يَا عَيّاشُ، إنّهُ وَاَللهِ إنْ يُرِيدَك الْقَوْمُ إلّا لِيَفْتِنُوك عَنْ دِينِك فَاحْذَرْهُمْ، فوالله لو قد آذى أمّك القمل لا متشطت، وَلَوْ قَدْ اشْتَدّ عَلَيْهَا حَرّ مَكّةَ لَاسْتَظَلّتْ. قَالَ: فَقَالَ: أَبَرّ قَسَمَ أُمّي، وَلِي هُنَالِكَ مَالٌ فَآخُذُهُ. قَالَ: فَقُلْت: وَاَللهِ إنّك لَتَعْلَمُ أَنّي لَمِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا، فَلَك نِصْفُ مَالِي وَلَا تَذْهَبْ مَعَهُمَا. قَالَ: فَأَبَى عَلَيّ إلّا أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمَا؛ فَلَمّا أَبَى إلّا ذَلِكَ؛ قَالَ: قُلْت لَهُ: أَمّا إذْ قَدْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْت، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ، فَإِنّهَا نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ ذَلُولٌ فَالْزَمْ ظَهْرَهَا، فَإِنْ رَابَك مِنْ الْقَوْمِ رَيْبٌ، فَانْجُ عَلَيْهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كتاب عمر إلى هشام بن العاصى

فَخَرَجَ عَلَيْهَا مَعَهُمَا، حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطّرِيقِ، قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: يَا ابْنَ أَخِي، وَاَللهِ لَقَدْ اسْتَغْلَظْتُ بَعِيرِي هَذَا، أَفَلَا تُعْقِبَنِي عَلَى نَاقَتِك هَذِهِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَأَنَاخَ، وَأَنَاخَا لِيَتَحَوّلَ عَلَيْهَا، فَلَمّا اسْتَوَوْا بِالْأَرْضِ عَدَوْا عَلَيْهِ، فَأَوْثَقَاهُ وَرَبَطَاهُ، ثُمّ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ، وَفَتَنَاهُ فَافْتُتِنَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بِهِ بَعْضُ آلِ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَنّهُمَا حَيْنَ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ دَخَلَا بِهِ نَهَارًا مُوثَقًا، ثُمّ قَالَا: يَا أَهْلَ مَكّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ، كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا. [كِتَابُ عُمَرَ إلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: فَكُنّا نَقُولُ: مَا اللهُ بِقَابِلٍ مِمّنْ اُفْتُتِنَ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَلَا تَوْبَةً، قَوْمٌ عَرَفُوا اللهَ، ثُمّ رَجَعُوا إلَى الْكُفْرِ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ! قَالَ: وَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ. فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ، وَفِي قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ الزمر: 53. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: فَكَتَبْتهَا بِيَدِي فِي صحيفة، وبعثت بها إلى هشام ابن الْعَاصِي قَالَ: فَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِي: فَلَمّا أتتنى جعلت أقرؤها بذى طوى، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الوليد بن الوليد وعياش وهشام

صعّد بِهَا فِيهِ وَأُصَوّبُ وَلَا أَفْهَمُهَا، حَتّى قُلْت اللهُمّ فَهّمْنِيهَا. قَالَ: فَأَلْقَى اللهُ تَعَالَى فِي قَلْبِي أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا، وَفِيمَا كُنّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا. قَالَ: فَرَجَعْت إلَى بَعِيرِي، فَجَلَسْت عَلَيْهِ، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- وهو بالمدينة. [الوليد بن الوليد وعياش وَهِشَامٍ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ، وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ: مَنْ لِي بِعَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامِ بْنِ الْعَاصِي؟ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: أَنَا لَك يَا رَسُولَ اللهِ بِهِمَا، فَخَرَجَ إلَى مَكّةَ، فَقَدِمَهَا مُسْتَخْفِيًا، فَلَقِيَ امْرَأَةً تَحْمِلُ طَعَامًا، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ اللهِ؟ قَالَتْ: أُرِيدُ هَذَيْنِ الْمَحْبُوسَيْنِ- تَعْنِيهِمَا- فَتَبِعَهَا حَتّى عَرَفَ مَوْضِعَهُمَا، وَكَانَا مَحْبُوسَيْنِ. فِي بَيْتٍ لَا سَقْفَ لَهُ؛ فَلَمّا أَمْسَى تَسَوّرَ عَلَيْهِمَا، ثُمّ أَخَذَ مَرْوَةَ. فَوَضَعَهَا تَحْتَ قَيْدَيْهِمَا، ثُمّ ضَرَبَهُمَا بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُمَا فَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِهِ: «ذُو الْمَرْوَةِ» لِذَلِكَ، ثُمّ حَمَلَهُمَا عَلَى بَعِيرِهِ، وَسَاقَ بِهِمَا، فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ، فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ إلّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ ... وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقَيْتِ ثُمّ قَدِمَ بِهِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة. [منازل المهاجرين بالمدينة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حَيْنَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَقَوْمِهِ، وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَمْرٌو وعبد الله ابنا سراقة ابن المعتمر وخنيس بن حذافة السّهمىّ- وَكَانَ صِهْرَهُ عَلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ بِنْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عُمَر، فَخَلَفَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَهُ- وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عمرو ابن نُفَيْلٍ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التّمِيمِيّ، حَلِيفٌ لَهُمْ؛ وَخَوْلِيّ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ، وَمَالِكُ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ حَلِيفَانِ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو خَوْلِيّ: مِنْ بَنِي عَجِلِ بْنِ لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ ابن بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَنُو البكير أربعتهم: إياس بن البكير، وعاقل ابن الْبُكَيْرِ، وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وحلفاؤهم من بنى سعد ابن ليث، على رفاعة ابن عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بن عوف بقُباءٍ، وَقَدْ كَانَ مَنْزِلُ عَيّاشِ بْنِ أَبِي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة. ثُمّ تَتَابَعَ الْمُهَاجِرُونَ، فَنَزَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ، وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ أَخِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بالسّنح. قال ابن هشام: ويقال: يساف فيما أخبرنى عنه ابن إسحاق. وَيُقَالُ: بَلْ نَزَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ على أسعد بن زرارة، أخي بني النجار. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذُكِرَ لِي عَنْ أَبِي عثمان النّهدىّ، أنه قال: بلغنى أن أَنّ صُهَيْبًا حَيْنَ أَرَادَ الْهِجْرَةَ قَالَ لَهُ كُفّارُ قُرَيْشٍ: أَتَيْتنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُك عِنْدَنَا، وَبَلَغْت الّذِي بَلَغْت، ثُمّ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ بِمَالِك وَنَفْسِك، وَاَللهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ: أَرَأَيْتُمْ إنْ جَعَلْت لَكُمْ مَالِي أَتُخْلُونَ سَبِيلِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنّي جَعَلْت لَكُمْ مَالِي. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَبِحَ صهيب ربح صهيب. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

منزل حمزة وزيد وأبى مرثد وابنه وأنسة وأبى كبشة

[مَنْزِلُ حَمْزَةَ وَزَيْدٍ وَأَبِي مَرْثَدٍ وَابْنِهِ وَأَنَسَةَ وأبى كبشة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَزَلَ حَمْزَةُ بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو مَرْثَدٍ كَنّازُ بْنُ حِصْنٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ، ابْنُ حُصَيْنٍ- وَابْنُهُ مَرْثَدٌ الْغَنَوِيّانِ، حَلِيفَا حمزة ابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأَنَسَةُ، وَأَبُو كَبْشَةَ، مَوْلِيّا رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ، أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ: وَيُقَال: بَلْ نَزَلُوا عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ؛ وَيُقَالُ. بَلْ نَزَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ عَلَى أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ، أَخِي بَنِي النجّار. كلّ ذلك يقال: وَنَزَلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِب، وَأَخُوهُ الطّفيل بن الحارث، والحصين ابن الْحَارِثِ؛ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حُرَيْمِلَةَ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ، وَطُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيّ، وَخَبّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَمَةَ، أخى بلعجلان بقباء وَنَزَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ أَخِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فِي دَارِ بَلْحَارِثِ بْنِ الخزرج. وَنَزَلَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَأَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، عَلَى مُنْذِرِ بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بالعصبة، دار بنى جحجبى. وَنَزَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذِ ابن النّعْمَانِ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فِي دَارِ بنى عبد الأشهل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خبر الندوة وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم

وَنَزَلَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سالم مولى أبى حذيفة سائبة، لثبيتة [أو نبيتة] بنت يعار بن زيد بن عبيد بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، سيبته فَانْقَطَعَ إلَى أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَتَبَنّاهُ، فَقِيلَ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَيُقَالُ: كَانَتْ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يَعَارَ تَحْتَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ فَأَعْتَقَتْ سَالِمًا سَائِبَةً. فَقِيلَ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَزَلَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ عَلَى عبّاد بن بشرا بْنِ وَقْشٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فِي دار عبد الأشهل. وَنَزَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ عَلَى أَوْسِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَخِي حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي دَارِ بَنِي النّجّارِ، فَلِذَلِكَ كَانَ حَسّانٌ يحبّ عثمان ويبكيه حين قتل. وَكَانَ يُقَالُ: نَزَلَ الْأَعْزَابُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ عَزَبًا، فالله أعلم أىّ ذلك كان. [خبر الندوة وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم] وَأَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ بَعْدَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَتَخَلّفْ مَعَهُ بِمَكّةَ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلّا مَنْ حُبِسَ أَوْ فُتِنَ، إلّا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ الصّدّيق رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا مَا يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْهِجْرَةِ، فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: لَا تَعْجَلْ لَعَلّ اللهَ يَجْعَلُ لَك صَاحِبًا، فَيَطْمَعُ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يكونه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الملأ من قريش يتشاورن فى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم

[الملأ من قريش يتشاورن فِي أَمْرِ الرّسُولِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد صَارَتْ لَهُ شِيعَةٌ وَأَصْحَابٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ بَلَدِهِمْ، وَرَأَوْا خُرُوجَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهِمْ، عَرَفُوا أَنّهُمْ قَدْ نَزَلُوا دَارًا، وَأَصَابُوا مِنْهُمْ مَنَعَةً، فَحَذِرُوا خُرُوجَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ، وَعَرَفُوا أَنّهُمْ قَدْ أَجَمَعَ لِحَرْبِهِمْ. فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النّدْوَةِ- وَهِيَ دَارُ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ الّتِي كَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تَقْضِي أَمْرًا إلّا فِيهَا- يَتَشَاوَرُونَ فِيهَا مَا يَصْنَعُونَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَيْنَ خَافُوهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مجاهد بن جبر أَبِي الْحَجّاجِ، وَغَيْرِهِ مِمّنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ عبد الله ابن عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمّا أَجَمَعُوا لِذَلِكَ، وَاتّعَدُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِي دَارِ النّدْوَةِ لِيَتَشَاوَرُوا فِيهَا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- غَدَوْا فِي الْيَوْمِ الّذِي اتّعَدُوا لَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يُسَمّى يَوْمَ الرّحمة، فاعترضهم إبليس فى هيئة شيخ جليل، عليه بَتْلَةٌ، فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الدّارِ، فَلَمّا رَأَوْهُ وَاقِفًا عَلَى بَابِهَا، قَالُوا: مَنْ الشّيْخُ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ سَمِعَ بِاَلّذِي اتّعَدْتُمْ لَهُ، فَحَضَرَ مَعَكُمْ لِيَسْمَعَ مَا تَقُولُونَ، وَعَسَى أَنْ لَا يُعْدِمَكُمْ مِنْهُ رَأْيًا وَنُصْحًا، قَالُوا: أَجَلْ، فَادْخُلْ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ، وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهَا أَشْرَافُ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بن حرب. ومن ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف: طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ: وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: أَبُو الْبَخْتَرِيّ بن هشام، وزمعة بن الأسود ابن الْمُطّلِبِ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَام. وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ: نُبَيْهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ، وَمِنْ بَنِي جُمَحٍ: أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ وَغَيْرُهُمْ مِمّنْ لَا يُعَدّ مِنْ قُرَيْشٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إنّ هَذَا الرّجُلَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، فَإِنّا وَاَللهِ مَا نَأْمَنُهُ عَلَى الْوُثُوبِ عَلَيْنَا فِيمَنْ قَدْ اتّبَعَهُ مِنْ غَيْرِنَا، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا. قَالَ: فَتَشَاوَرُوا ثُمّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: احْبِسُوهُ فِي الْحَدِيدِ، وَأَغْلِقُوا عَلَيْهِ بَابًا، ثُمّ تَرَبّصُوا بِهِ مَا أَصَابَ أَشْبَاهَهُ مِنْ الشّعَرَاءِ الّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ، زُهَيْرًا وَالنّابِغَةَ، وَمَنْ مَضَى مِنْهُمْ، مِنْ هَذَا الْمَوْتِ، حَتّى يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ، فَقَالَ الشّيْخُ النّجْدِيّ: لَا وَاَللهِ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ. وَاَللهِ لَئِنْ حَبَسْتُمُوهُ كَمَا تَقُولُونَ لَيَخْرُجَنّ أَمْرُهُ من وراء الباب الذى أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم، فينزعوه من أيديكم، ثم يُكَاثِرُوكُمْ بِهِ، حَتّى يَغْلِبُوكُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، فَانْظُرُوا فِي غَيْرِهِ، فَتَشَاوَرُوا. ثُمّ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: نُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَنَنْفِيهِ مِنْ بِلَادِنَا، فَإِذَا أُخْرِجَ عَنّا فو الله مَا نُبَالِي أَيْنَ ذَهَبَ، وَلَا حَيْثُ وَقَعَ، إذَا غَابَ عَنّا وَفَرَغْنَا مِنْهُ، فَأَصْلَحْنَا أَمْرَنَا وَأَلْفَتْنَا كَمَا كَانَتْ. فَقَالَ الشّيْخُ النّجْدِيّ: لَا وَاَللهِ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، أَلَمْ تَرَوْا حُسْنَ حَدِيثِهِ، وَحَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ، وَغَلَبَتِهِ عَلَى قُلُوبِ الرّجَالِ بِمَا يَأْتِي بِهِ، وَاَللهِ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ مَا أَمِنْتُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مما يقال عن ليلة الهجرة

أَنْ يَحِلّ عَلَى حَيّ مِنْ الْعَرَبِ، فَيَغْلِبَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَدِيثِهِ حَتّى يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ، ثُمّ يَسِيرُ بِهِمْ إلَيْكُمْ، حَتّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ فِي بِلَادِكُمْ، فَيَأْخُذَ أَمْرَكُمْ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمّ يَفْعَلَ بِكَمْ مَا أَرَادَ، دَبّرُوا فِيهِ رَأْيًا غَيْرَ هَذَا. قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَهْلِ ابن هِشَامٍ: وَاَللهِ إنّ لِي فِيهِ لَرَأْيًا مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ، قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلّ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابّا جَلِيدًا نَسِيبًا وَسِيطًا فِينَا، ثُمّ نُعْطِي كُلّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمّ يَعْمِدُوا إلَيْهِ، فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَيَقْتُلُوهُ، فَنَسْتَرِيحَ مِنْهُ. فَإِنّهُمْ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَفَرّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ جَمِيعًا، فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ جَمِيعًا، فَرَضُوا مِنّا بِالْعَقْلِ، فَعَقَلْنَاهُ لَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ الشّيْخُ النّجْدِيّ: الْقَوْلُ مَا قَالَ الرّجُلُ، هَذَا الرّأْيُ الّذِي لَا رَأْيَ غَيْرُهُ، فَتَفَرّقَ الْقَوْمُ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْمِعُونَ له. [مما يقال عن ليلة الهجرة] فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ: لَا تَبِتْ هَذِهِ اللّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِك الّذِي كُنْت تَبِيتُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمّا كَانَتْ عَتَمَةٌ مِنْ اللّيْلِ اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ يَرْصُدُونَهُ مَتَى يَنَامُ فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ، فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَهُمْ، قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: نم على فراشى وتسجّ ببردى هذا الحضرمىّ الْأَخْضَرِ، فَنَمْ فِيهِ، فَإِنّهُ لَنْ يَخْلُصَ إلَيْك شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنَامُ فِي بُرْدِهِ ذَلِكَ إذَا نَامَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ: لَمّا اجْتَمَعُوا لَهُ، وَفِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ وَهُمْ عَلَى بَابِهِ: إنّ مُحَمّدًا يَزْعُمُ أَنّكُمْ إنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ، كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، ثُمّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، فَجُعِلَتْ لَكُمْ جِنَانٌ كَجِنَانِ الْأُرْدُنّ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ لَهُ فِيكُمْ ذَبْحٌ، ثُمّ بُعِثْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، ثُمّ جُعِلَتْ لَكُمْ نَارٌ تُحْرَقُونَ فِيهَا. قَالَ: وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ، ثُمّ قَالَ أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ، أَنْتَ أَحَدُهُمْ. وَأَخَذَ اللهُ تَعَالَى عَلَى أَبْصَارِهِمْ عَنْهُ فَلَا يَرَوْنَهُ، فَجَعَلَ ينثر ذلك التراب على رؤسهم، وهو يتلو هؤلاء لآيات مِنْ يس: يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ.. إلَى قَوْلِهِ: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ حَتّى فَرَغَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مِنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ، فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ، فَقَالَ: مَا تَنْتَظِرُونَ هَاهُنَا؟ قَالُوا: مُحَمّدًا، قَالَ: خَيّبَكُمْ اللهُ! قَدْ وَاَللهِ خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمّدٌ، ثُمّ مَا تَرَكَ مِنْكُمْ رَجُلًا إلّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، أَفَمَا تَرَوْنَ مَا بِكُمْ؟ قَالَ: فَوَضَعَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَإِذَا عَلَيْهِ تُرَابٌ، ثُمّ جَعَلُوا يَتَطَلّعُونَ، فَيَرَوْنَ عَلِيّا عَلَى الْفِرَاشِ مُتَسَجّيًا بِبُرْدِ رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فيقولون: وَاَللهِ إنّ هَذَا لَمُحَمّدٌ نَائِمًا، عَلَيْهِ بُرْدُهُ. فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتّى أَصْبَحُوا فَقَامَ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ الْفِرَاشِ فَقَالُوا: وَاَللهِ لقد كان صدقنا الذى حدثنا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الآيات التى نزلت فى تربص المشركين بالنبى

[الآيات التى نزلت فى تربص المشركين بالنبى] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّا أَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَمَا كَانُوا أَجْمَعُوا لَهُ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ، وَقَوْلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ. قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَنُونُ: الْمَوْتُ. وَرَيْبُ الْمَنُونِ: مَا يريب ويعرض مِنْهَا. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الهُذَليّ: أَمِنْ الْمَنُونِ وَرَيْبِهَا تَتَوَجّعُ ... وَالدّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَذِنَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم عند ذلك فى الهجرة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَجُلًا ذَا مَالٍ، فَكَانَ حَيْنَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: لَا تَعْجَلْ، لَعَلّ اللهَ يَجِدُ لَك صَاحِبًا، قَدْ طَمِعَ بِأَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنما يَعْنِي نَفْسَهُ، حَيْنَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَابْتَاعَ رَاحِلَتَيْنِ، فَاحْتَبَسَهُمَا فِي دَارِهِ، يَعْلِفُهُمَا إعْدَادًا لِذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهجرة إلى المدينة

[الهجرة إلَى الْمَدِينَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنّهَا قَالَتْ: كَانَ لَا يخطىء رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يَأْتِيَ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيْ النّهَارِ، إمّا بُكْرَةً، وَإِمّا عَشِيّةً، حَتّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الّذِي أُذِنَ فِيهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْهِجْرَةِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ مَكّةَ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَيْ قَوْمِهِ، أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْهَاجِرَةِ، فِي سَاعَةٍ كَانَ لَا يَأْتِي فِيهَا. قَالَتْ: فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: مَا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذِهِ السّاعَةَ إلّا لِأَمْرٍ حَدَثَ. قَالَتْ: فَلَمّا دَخَلَ، تَأَخّرَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إلّا أَنَا وَأُخْتِي أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرِجْ عَنّي مَنْ عِنْدَك: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّمَا هُمَا ابْنَتَايَ، وَمَا ذَاكَ؟ فِدَاك أَبِي وَأُمّي! فَقَالَ: إنّ اللهَ قَدْ أَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ وَالْهِجْرَةِ. قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، الصّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَالَ: الصحبة. قالت: فو الله مَا شَعُرْت قَطّ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنّ أَحَدًا يَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ، حَتّى رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي يَوْمئِذٍ، ثُمّ قَالَ: يَا نَبِيّ اللهِ، إنّ هَاتَيْنِ رَاحِلَتَانِ قَدْ كُنْت أَعْدَدْتهمَا لِهَذَا. فَاسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللهِ بْنَ أَرْقَطِ- رَجُلًا من بنى الدّيل بن بكر [وهو من بنى عبد بن عدى- هاديا خرّيتا- والخريت: الماهر بالهداية قد غمس حلفا فى آل العاصى بن وائل السّهمى- عن البخارى] ، وَكَانَتْ أُمّهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ مُشْرِكًا- يَدُلّهُمَا عَلَى الطّرِيقِ، فَدَفَعَا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الذين كانوا يعلمون بالهجرة

[الذين كانوا يعلمون بالهجرة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمْ يَعْلَمْ فِيمَا بَلَغَنِي، بِخُرُوجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُ، حَيْنَ خَرَجَ، إلّا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، وَآلُ أَبِي بَكْرٍ. أَمَا عَلِيّ فَإِنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- أَخْبَرَهُ بِخُرُوجِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَخَلّفَ بَعْدَهُ بِمَكّةَ، حَتّى يُؤَدّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَدَائِعَ، الّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنّاسِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسَ بِمَكّة أَحَدٌ عِنْدَهُ شَيْءٌ يُخْشَى عَلَيْهِ إلّا وَضَعَهُ عِنْدَهُ، لِمَا يُعْلَمُ مِنْ صِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم. [الرّسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْغَارِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخُرُوجَ، أَتَى أَبَا بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، فَخَرَجَا مِنْ خَوْخَةٍ لِأَبِي بَكْرٍ فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ، ثم عمدا إلَى غَارٍ بِثَوْرٍ- جَبَلٍ بِأَسْفَلِ مَكّةَ- فَدَخَلَاهُ، وَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَسَمّعَ لَهُمَا مَا يَقُولُ النّاسُ فِيهِمَا نَهَارَهُ، ثُمّ يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى بِمَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْخَبَرِ، وَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَاهُ أَنْ يَرْعَى غَنَمَهُ نَهَارَهُ، ثُمّ يُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا، يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى فِي الْغَارِ. وَكَانَتْ أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ تَأْتِيهِمَا مِنْ الطّعَامِ إذَا أَمْسَتْ بِمَا يصلحهما. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الذين قاموا بشئون الرسول فى الغار

الْبَصْرِيّ قَالَ: انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ إلَى الْغَارِ لَيْلًا، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَبْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتلمس الْغَارَ، لِيَنْظُرَ أَفِيهِ سَبُعٌ أَوْ حَيّةٌ، يَقِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ. [الذين قاموا بشئون الرسول فى الغار] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْغَارِ ثَلَاثًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ فِيهِ حين فقدوه مائة نَاقَةٍ، لِمَنْ يَرُدّهُ عَلَيْهِمْ. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَكُونُ فِي قُرَيْشٍ نَهَارَهُ مَعَهُمْ، يَسْمَعُ مَا يَأْتَمِرُونَ بِهِ، وَمَا يَقُولُونَ فِي شَأْنِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، ثُمّ يَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَى فيخبرهما الخير. وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رضى الله عنه، يرعى فى رعيان أَهْلِ مَكّةَ، فَإِذَا أَمْسَى أَرَاحَ عَلَيْهِمَا غَنَمَ أَبِي بَكْرٍ، فَاحْتَلَبَا وَذَبَحَا، فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ غَدَا مِنْ عِنْدِهِمَا إلَى مَكّةَ، اتّبَعَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ أَثَرَهُ بِالْغَنَمِ حَتّى يُعَفّي عَلَيْهِ، حَتّى إذَا مَضَتْ الثّلَاثُ، وَسَكَنَ عَنْهُمَا النّاسُ أَتَاهُمَا صَاحِبُهُمَا الّذِي اسْتَأْجَرَاهُ بِبَعِيرَيْهِمَا وَبَعِيرٍ لَهُ، وَأَتَتْهُمَا أَسَمَاءُ بِنْتُ أَبِي بكر رضى الله عنهما بِسُفْرَتِهِمَا، وَنَسِيَتْ أَنْ تَجْعَلَ لَهَا عِصَامًا فَلَمّا ارْتَحَلَا ذَهَبَتْ لِتُعَلّقَ السّفْرَةَ، فَإِذَا لَيْسَ لَهَا عِصَامٌ، فَتَحِلّ نِطَاقَهَا فَتَجْعَلُهُ عِصَامًا، ثُمّ عَلّقَتْهَا به. [لم سميت أسماء بذات النطاقين] فَكَانَ يُقَالُ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: ذَاتُ النّطَاقِ، لِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: ذَاتُ النّطَاقَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

راحلة النبى صلى الله عليه وسلم

وَتَفْسِيرُهُ: أَنّهَا لَمّا أَرَادَتْ أَنْ تُعَلّقَ السّفْرَةَ شقّت نطاقهما باثنين، فعلّقت السفرة بواحد، وانتطقت بالآخر. [راحلة النبى صلى الله عليه وسلم] قال ابن إسْحَاقَ: فَلَمّا قَرّبَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، الرّاحِلَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدّمَ لَهُ أَفَضْلَهُمَا، ثُمّ قَالَ: اركب، فداك أبى وأمى؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّي لَا أَرْكَبُ بَعِيرًا لَيْسَ لِي، قَالَ: فَهِيَ لَك يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ مَا الثّمَنُ الّذِي ابْتَعْتهَا بِهِ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: قَدْ أَخَذْتهَا بِهِ، قَالَ: هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللهِ. فَرَكِبَا وَانْطَلَقَا. وَأَرْدَفَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَاهُ خلفه، ليخدمهما فى الطريق. [أبو جهل يضرب أسماء بنت أبى بكر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحُدّثْت عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنّهَا قَالَتْ: لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إلَيْهِمْ؛ فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوك يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: قُلْت: لَا أَدْرِي وَاَللهِ أَيْنَ أَبِي. قَالَتْ: فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ، وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا، فَلَطَمَ خدّى لطمة طرح منها قرطى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خبر الجنى الذى تغنى بمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم

[خبر الجنى الذى تغنى بمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم] قَالَتْ: ثُمّ انْصَرَفُوا. فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَمَا نَدْرِي أَيْنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ مِنْ أَسْفَلِ مَكّةَ، يَتَغَنّى بِأَبْيَاتٍ مِنْ شَعَرِ غِنَاءِ الْعَرَبِ، وَإِنّ النّاسَ لَيَتْبَعُونَهُ، يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَمَا يَرَوْنَهُ، حَتّى خَرَجَ مِنْ أَعَلَى مَكّةَ وَهُوَ يَقُولُ: جَزَى اللهُ رَبّ النّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حَلّا خَيْمَتَيْ أُمّ مَعْبَدِ هُمَا نَزَلَا بِالْبِرّ ثُمّ تَرَوّحَا ... فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمّدِ لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد [نَسَبُ أُمّ مَعْبَدٍ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمّ مَعْبَدٍ بِنْتُ كَعْبٍ، امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ، من خزاعة. وقوله «حَلّا خَيْمَتَيْ» و «هُمَا نَزَلَا بِالْبَرّ ثُمّ تَرَوّحَا» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: فَلَمّا سَمِعْنَا قَوْلَهُ عَرَفْنَا حَيْثُ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَأَنّ وَجْهَهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَرْبَعَةً: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَرْقَطَ دليلهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

آل أبى بكر بعد هجرته

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أريقط. [آل أبى بكر بعد هجرته] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ أَنّ أَبَاهُ عَبّادًا حَدّثَهُ عَنْ جَدّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلّهُ، وَمَعَهُ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتّةُ آلَافٍ، فَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدّي أَبُو قُحَافَةَ، وقد ذهب بصره، فقال: والله إنى لأراه قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ. قَالَتْ: قُلْت: كَلّا يَا أَبَتِ! إنّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْرًا كَثِيرًا. قَالَتْ: فَأَخَذْت أَحْجَارًا فَوَضَعْتهَا فِي كُوّةٍ فِي الْبَيْتِ الّذِي كَانَ أَبِي يَضَعُ مَالَهُ فِيهَا، ثُمّ وَضَعْت عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمّ أَخَذْت بِيَدِهِ، فَقُلْت: يَا أَبَتِ، ضَعْ يَدَك عَلَى هَذَا الْمَالِ. قَالَتْ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ. إذَا كَانَ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَفِي هَذَا بَلَاغٌ لَكُمْ. وَلَا وَاَللهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا وَلَكِنّي أردت أن أسكن الشيخ بذلك. [خبر سراقة بن مالك] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ حَدّثَهُ. عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمّهِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، قَالَ. لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكّةَ مُهَاجِرًا إلَى المدينة، جعلت قريش فيه مائة نَاقَةٍ لِمَنْ رَدّهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي نَادِي قَوْمِي إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مِنّا، حَتّى وَقَفَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: وَاَللهِ لَقَدْ رَأَيْت رَكْبَهُ ثَلَاثَةً مَرّوا عَلَيّ آنِفًا، إنّي لَأَرَاهُمْ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ: فَأَوْمَأْت إلَيْهِ بِعَيْنِي: أن اسكت ثم قلت قليلا، إنّمَا هُمْ بَنُو فُلَانٍ، يَبْتَغُونَ ضَالّةً لَهُمْ، قَالَ: لَعَلّهُ: ثُمّ سَكَتَ. قَالَ ثُمّ مَكَثْت ثُمّ قُمْت فَدَخَلْت بَيْتِي، ثُمّ أَمَرْت بِفَرَسِي، فَقُيّدَ لِي إلَى بَطْنِ الْوَادِي، وَأَمَرْت بِسِلَاحِي، فَأُخْرِجَ لِي مِنْ دُبُرِ حُجْرَتِي، ثُمّ أَخَذْت قداحى التى أستقسم بها، ثم انقطلقت، فَلَبِسْت لَأْمَتِي ثُمّ أَخَرَجْت قِدَاحِي، فَاسْتَقْسَمْت بِهَا؛ فَخَرَجَ السّهْمُ الّذِي أَكْرَهُ «لَا يَضُرّهُ» قَالَ: وَكُنْت أَرْجُو أَنْ أَرُدّهُ عَلَى قُرَيْشٍ، فَآخُذَ المائة النّاقَةِ. قَالَ: فَرَكِبْت عَلَى أَثَرِهِ، فَبَيْنَمَا فَرَسِي يَشْتَدّ بِي عَثَرَ بِي، فَسَقَطْت عَنْهُ. قَالَ: فَقُلْت: مَا هَذَا؟ قَالَ ثُمّ أَخَرَجْت قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْت بِهَا فَخَرَجَ السّهْمُ الّذِي أَكْرَهُ «لَا يَضُرّهُ» . قَالَ: فَأَبَيْت إلّا أَنْ أَتّبِعَهُ. قَالَ: فَرَكِبْت فِي أَثَرِهِ، فَبَيْنَا فَرَسِي يَشْتَدّ بِي، عَثَرَ بِي، فَسَقَطْت عَنْهُ. قَالَ: فَقُلْت: مَا هَذَا؟، قَالَ: ثُمّ أَخَرَجْت قِدَاحِي فَاسْتَقْسَمْت بِهَا فَخَرَجَ السّهْمُ الّذِي أَكْرَهُ «لَا يَضُرّهُ» قَالَ: فَأَبَيْت إلّا أَنْ أَتّبِعَهُ، فَرَكِبْت فِي أَثَرِهِ. فَلَمّا بَدَا لِي الْقَوْمُ وَرَأَيْتهمْ، عَثَرَ بِي فَرَسِي، فَذَهَبَتْ يَدَاهُ فِي الْأَرْضِ، وَسَقَطْت عَنْهُ، ثُمّ انْتَزَعَ يَدَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ، وَتَبِعَهُمَا دُخَانٌ كَالْإِعْصَارِ. قَالَ: فَعَرَفْت حَيْنَ رَأَيْت ذَلِكَ أَنّهُ قَدْ مُنِعَ مِنّي، وَأَنّهُ ظَاهِرٌ. قَالَ: فَنَادَيْت الْقَوْمَ: فَقُلْت: أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ: اُنْظُرُونِي أكلمكم، فو الله لا أريبكم، ولا يأتيكم منى شىء تكرهونه. قال: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: قُلْ لَهُ: وَمَا تَبْتَغِي مِنّا؟ قَالَ فَقَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: قُلْت: تَكْتُبُ لِي كِتَابًا يَكُونُ آيَةً بَيْنِي وَبَيْنَك. قَالَ: اُكْتُبْ لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَكَتَبَ لِي كِتَابًا فِي عَظْمٍ، أَوْ فِي رُقْعَةٍ، أَوْ فِي خَزَفَةٍ، ثُمّ أَلْقَاهُ إلَيّ، فَأَخَذَتْهُ، فَجَعَلْته فِي كِنَانَتِي، ثُمّ رَجَعْت، فَسَكَتّ فَلَمْ أَذْكُرْ شَيْئًا مِمّا كَانَ حَتّى إذَا كَانَ فَتْحُ مَكّةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ وَالطّائِفِ، خَرَجْت وَمَعِي الْكِتَابَ لَأَلْقَاهُ، فَلَقِيته بِالْجِعْرَانَةِ. قَالَ: فدخلت فى كتيبة من مِنْ خَيْلِ الْأَنْصَارِ. قَالَ: فَجَعَلُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرّمَاحِ وَيَقُولُونَ: إلَيْك إلَيْك، مَاذَا تُرِيدُ؟ قَالَ: فَدَنَوْت مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَاَللهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى سَاقِهِ فِي غَرْزِهِ كَأَنّهَا جُمّارَةٌ. قَالَ: فَرَفَعْت يَدِي بِالْكِتَابِ، ثُمّ قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا كِتَابُك لِي، أَنَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ؛ قال: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرّ، ادْنُهْ. قَالَ: فَدَنَوْت مِنْهُ، فَأَسْلَمْت. ثُمّ تَذَكّرْت شَيْئًا أَسْأَلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَمَا أَذْكُرُهُ، إلّا أَنّي قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، الضّالّةُ مِنْ الْإِبِلِ تَغْشَى حِيَاضِي، وَقَدْ مَلَأْتهَا لِإِبِلِي، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي أَنْ أَسْقِيَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فِي كُلّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرّى أَجْرٌ. قَالَ: ثُمّ رَجَعْت إلَى قَوْمِي، فَسُقْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقتى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بن مالك بن جعشم. ـــــــــــــــــــــــــــــ هِجْرَةُ عُمَرَ وَعَيّاشٍ ذَكَرَ فِيهَا تَوَاعُدَهُمْ التّنَاضِبَ بِكَسْرِ الضّادِ، كَأَنّهُ جَمْعُ تَنْضُبٍ [وَاحِدَتُهُ تَنْضُبَةٌ] وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الشّجَرِ، تَأْلَفُهُ الْحِرْبَاءُ. قَالَ الشّاعِرُ: إنّي أُتِيحَ لَهُ حِرْبَاءُ تَنْضُبَةٍ ... لَا يُرْسِلُ السّاقَ إلّا مُمْسِكًا سَاقَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيُقَالُ لِثَمَرِهِ الْمُمَتّعُ وَهُوَ فُنَعْلِلٌ أُدْغِمَتْ النّونُ فِي الْمِيمِ وَظَاهِرُ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ: أَنّهُ فَعْلُلٌ وَأَنّهُ مِمّا لَحِقَتْهُ الزّيَادَةُ بِالتّضْعِيفِ، وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ يُقَوّيهِ أَنّ مِثْلَهُ الْهُنْدَلِعُ» ، وَهُوَ نَبْتٌ وَتُتّخَذُ مِنْ هَذَا الشّجَرِ الْقِسِيّ كَمَا تُتّخَذُ مِنْ النّبْعِ وَالشّوْطِ وَالشّرْيَانِ وَالسّرَاءِ وَالْأَشْكَلِ، وَدُخَانِ التّنْضُبِ، ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي النّبَاتِ. وَقَالَ الْجَعْدِيّ: كَأَنّ الْغُبَارَ الّذِي غَادَرَتْ ... ضُحَيّا دَوَاخِنُ مِنْ تَنْضُبِ شَبّهَ الْغُبَارَ بِدُخَانِ التّنْضُبِ لِبَيَاضِهِ. وَقَالَ آخر [عقيل بن علقة المرّى] :

_ (1) اسم بقلة، ويقول ابن جنى فى المنصف إن الأسماء الخماسية تجىء على أربعة أمثلة وخامس لم يذكره سيبويه «فعلل وفعلل وفعللل وفعلل ... والخامس الذى لم يذكره سيبويه فعللل، وهو هندلع، وقالوا: هو اسم بقلة، ومن ادعى ذلك احتاج أن يدل على أن النون من الأصل» ص 30 ح 1. وفى شرح الشافية عن أوزان الاسم الخماسى: «وزاد محمد بن السرى فى الخماسى خامسا، وهو الهندلع لبقلة، والحق: الحكم بزيادة النون لأنه إذا تردد الحرف بين الأصالة والزيادة والوزنان باعتبارهما نادران فالأولى: الحكم بالزيادة لكثرة ذى الزيادة كما يجىء، ولو جاز أن يكون هندلع فعلللا لجاز أن يكون كنهبل فعلا وذلك خرق لا يرقع فتكثر الأصول» ص 49 ح 1.. والكنهبل بفتح الباء وضمها: شجر عظام وهو من العضاه ويقول سيبويه إن النون فيه زائدة لأنه ليس فى الكلام على مثال سفرجل بضم الجيم. ويقول الخشنى: «التناضب بضم الضاد. يقال: هو اسم موضع، ومن رواه بالكسر، فهو جمع تنضب، وهو شجر واحدته: تنضبة، وقيده الوقشى؛ التناضب بكسر الضاد» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهَلْ أَشْهَدَنْ خَيْلًا كَأَنّ غُبَارَهَا ... بِأَسْفَلَ عَلْكَدّ دَوَاخِنُ تَنْضُبِ وَأَضَاةُ بَنِي غِفَارٍ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكّةَ، وَالْأَضَاةُ الْغَدِيرُ، كَأَنّهَا مَقْلُوبٌ مِنْ وَضْأَةٍ عَلَى وَزْنِ فَعْلَةٍ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْوَضَاءَةِ بِالْمَدّ وَهِيَ النّظَافَةُ، لِأَنّ الْمَاءَ يُنَظّفُ، وَجَمْعُ الْأَضَاةِ إضَاءٌ وَقَالَ النّابِغَةُ [فِي صِفَةِ الدّرُوعِ] : عُلِينَ بِكَدْيَوْنٍ وَأُبْطِنّ كُرّةً ... وَهُنّ إضَاءٌ صَافِيَاتُ الْغَلَائِلِ [وَأَضَيَاتٌ، وَأَضَوَاتٌ وَأَضًا وَإِضُونَ] . وَهَذَا الْجَمْعُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَقْلُوبٍ، فَتَكُونَ الْهَمْزَةُ بَدَلًا مِنْ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ فِي وِضَاءٍ، وَقِيَاسُ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ تَقْتَضِي الْهَمْزَ عَلَى أَصْلِ الِاشْتِقَاقِ، وَيَكُونُ الْوَاحِدُ مَقْلُوبًا لِأَنّ الْوَاوَ الْمَفْتُوحَةَ لَا تُهْمَزُ، مَعَ أَنّ لَامَ الْفِعْلِ غَيْرُ هَمْزَةٍ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ مَحْمُولًا عَلَى الْوَاحِدِ فَيَكُونَ مَقْلُوبًا مِثْلَهُ «1» ، وَيُقَالُ أَضَاءَةٌ بِالْمَدّ، وَقَدْ يُجْمَعُ أَضَاةٌ عَلَى إضِينَ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَنْشَدَ: مَحَافِرُ كَأَسْرِيَةِ الْإِضِينَا الْأَسْرِيَةُ: جَمْعُ سَرِيّ، وَهُوَ الْجَدْوَلُ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: السّعيد.

_ (1) ومثلها: إساد فى: وساد وإشاح، فى وشاح. وإعاء فى وعاء. وفى اللسان: «قال أبو الحسن: هذا الذى حكيته من حمل أضاء على الواو بدليل: أضوات حكاية جميع أهل اللغة، وقد حمله سيبويه على الياء، قال: ولا وجه له عندى البتة لقولهم أضوات وعدم ما يستدل به على أنه من الياء. قال والذى أوجه كلامه عليه أن تكون أضاه قلعة من قولهم: آض يئيض على القلب، لأن بعض الغدير يرجع إلى بعض، ولا سيما إذا صفقته الريح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَوْلُ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ نُزُولَ الْآيَةِ: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الزّمَرَ 53 الآية فى المستضعفين بمكة، وقول هشام ابن الْعَاصِ: فَفَاجَأَتْنِي وَأَنَا بِذِي طُوَى. طُوَى «1» : مَقْصُورٌ مَوْضِعٌ بِأَسْفَلَ مَكّةَ، ذُكِرَ أَنّ آدَمَ لَمّا أُهْبِطَ إلَى الْهِنْدِ، وَمَشَى إلَى مَكّةَ، وَجَعَلَ الْمَلَائِكَةُ، تَنْتَظِرُهُ بِذِي طُوَى، وَأَنّهُمْ قَالُوا لَهُ: يا آدم مازلنا نَنْتَظِرُك هَاهُنَا مُنْذُ أَلْفَيْ سَنَةٍ «2» ، وَرُوِيَ أَنّ آدَمَ كَانَ إذَا أَتَى الْبَيْتَ خَلَعَ نَعْلَيْهِ بِذِي طُوَى، وَأَمّا ذُو طُوَاءٍ بِالْمَدّ، فَمَوْضِعٌ آخَرُ بَيْنَ مَكّةَ وَالطّائِفِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ، وَأَمّا طُوَى بِضَمّ الطّاءِ وَالْقَصْرِ الْمَذْكُورُ فِي التّنْزِيلِ، فَهُوَ بِالشّامِ اسْمٌ لِلْوَادِي الْمُقَدّسِ، وَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ بِاسْمِ لَهُ، وَإِنّمَا هُوَ مِنْ صِفَةِ التّقْدِيسِ، أَيْ: الْمُقَدّسِ مَرّتَيْنِ. نُزُولُ طَلْحَةَ وَصُهَيْبٍ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إسَافٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ نزول طلحة وصهيب على خبيب بن إساف وَيُقَالُ فِيهِ يَسَافٌ بِيَاءِ مَفْتُوحَةٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْكِتَابِ، وَهُوَ إسَافُ بْنُ عِنَبَةَ، وَلَمْ يكن

_ (1) مثلثلة الطاء وتنون ولا تنون. فمن نونه فهو اسم للوادى أو الجبل، وهو مذكر اسمى بمذكر على فعل كحطم وصرد ومن لم ينونه جعله معدولا عن طاو، أو باعتباره اسما للبقعة. وقرأ بن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب الحضرمى: طوى غير منون، وقرأها الكسائى وعاصم وحمزة وابن عامر: طوى منونا فى السورتين. ويقول ابن الأثير: وذو طوى: موضع عند باب مكة. (2) كلامه لا مسند له.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حِينَ نُزُولِ الْمُهَاجِرِينَ عَلَيْهِ مُسْلِمًا فِي قَوْلُ الْوَاقِدِيّ بَلْ تَأَخّرَ إسْلَامُهُ، حَتّى خَرَجَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى بَدْرٍ، قَالَ خُبَيْبٌ: فَخَرَجْت مَعَهُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي، وَقُلْنَا لَهُ: نَكْرَهُ أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لَا نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُمَا؟ فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: ارْجِعَا، فَإِنّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكِ. وَخُبَيْبٌ هُوَ الّذِي خُلّفَ عَلَى بِنْتِ خَارِجَةَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ، وَاسْمُهَا: حَبِيبَةُ، وَهِيَ الّتِي يَقُولُ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ وَفَاتِهِ: ذُو بَطْنٍ بِنْتُ خَارِجَةَ أَرَاهَا جَارِيَةً «1» ، وَهِيَ: بِنْتُ خَارِجَةَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ «2» ، وَالْجَارِيَةُ: أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، مَاتَ خُبَيْبٌ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَهُوَ جَدّ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، الّذِي يَرْوِي عَنْهُ مَالِكٌ فِي مُوَطّئِهِ. أَبُو كَبْشَةَ وَذَكَرَ أَنَسَةَ وَأَبَا كَبْشَةَ فِي الّذِينَ نَزَلُوا عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ، فَأَمّا أَنَسَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ مِنْ مَوْلِدِي السّرَاةِ، وَيُكَنّى: أَبَا مَسْرُوحٍ، وَقِيلَ: أَبَا مِشْرَحٍ شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كلّها مع رسول الله

_ (1) فى الإصابة: ما أظنها إلا أنثى. غير أن إيمان أبى بكر، وتدبره العظيم للقرآن يمنعان من أن نظن بأبى بكر مثل هذا فالقرآن يقول عن الله سبحانه فى أمور الغيب التى يعلمها: وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ. (2) فى الإصابة: بنت خارجة بن زيد أو بنت زيد بن خارجة. وفى ترجمته هو ذكر: زيد بن خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مالك بن امرىء القيس ابن ثعلبة بن كعب بن الخزرج.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبُو كَبْشَةَ اسْمُهُ: سُلَيْمٌ يُقَالُ إنّهُ مِنْ فَارِسَ، وَيُقَالُ: مِنْ مَوْلِدِي أَرْضِ دَوْسٍ، شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فِي الْيَوْمِ الّذِي وُلِدَ فِيهِ عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ، وَأَمّا الّذِي كَانَتْ كُفّارُ قُرَيْشٍ تَذْكُرُهُ وَتَنْسُبُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ إلَيْهِ، وَتَقُولُ: قَالَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ وَفَعَلَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ، فَقِيلَ فِيهِ أَقْوَالٌ: قِيلَ: إنّهَا كُنْيَةُ أَبِيهِ لِأُمّهِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وقيل: كنية أبيه من مِنْ الرّضَاعَةِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَقِيلَ: إنّ سَلْمَى أُخْتَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ كَانَ يُكَنّى أَبُوهَا أَبَا كَبْشَةَ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ لَبِيَدٍ، وَأَشْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلّهَا عِنْدَ النّاسِ أَنّهُمْ شَبّهُوهُ بِرَجُلِ كَانَ يَعْبُدُ الشّعْرَى وَحْدَهُ دُونَ الْعَرَبِ، فَنَسَبُوهُ إلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ دِينِ قَوْمِهِ «1» . وَذَكَرَ الدّارَقُطْنِيّ اسْمَ أَبِي كَبْشَةَ هَذَا فى المؤتلف والمختلف، فقال: اسمه وجز ابن غَالِبٍ، وَهُوَ خُزَاعِيّ «2» ، وَهُوَ مِنْ بَنِي غُبْشَانَ «3» .

_ (1) سبق هذا، وقد نقلته عن صاحب نسب قريش، وقد ذكر ابن حيب فى كتابه المحبر أن وهبا جد النبى «ص» لأمه كان يكنى أبا كبشة، وكذلك عمرو ابن زيد البخارى، وهو أبو سلمى أم عبد المطلب، وكذلك وجز بن غالب، وهو جد النبى «ص» من قبل أمه أم وهب بن عبد مناف، وكذلك غبشان بن عمرو ابن لؤى وهو الذى كان يعبد الشعرى، وكذلك حاضن الرسول «ص» الحارث ابن عبد العزى ص 129. (2) يقول ابن دريد، فى الاشتقاق وهو يتحدث عن خزاعة «ومنهم: أبو قيلة، وهو وجز بن غالب، وفد إلى النبى صلى الله عليه وسلم» ص 480. (3) فى الأصل: وغمشان، وهو خطأ. أبو غبشان: خزاعى كان يلى سدانة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ نُزُولَهُمْ بِقُبَاءَ، وَهُوَ مَسْكَنُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ يُمَدّ وَيُقْصَرُ وَيُؤَنّثُ وَيُذَكّرُ، وَيُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ، وَأَنْشَدَ أَبُو حَاتِمٍ فِي صَرْفِهِ: وَلَأَبْغِيَنّكُمْ قُبًا [وَ] عَوَارِضًا ... وَلَأُقْبِلَنّ الْخَيْلَ لَابَةَ ضَرْغَدِ «1» وَكَذَلِكَ أَنْشَدَهُ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ قُبًا بِضَمّ الْقَافِ و [فَتْحِ] الْبَاءِ وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيّةِ تَصْحِيفٌ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِنّمَا هُوَ كَمَا أَنْشَدَهُ سِيبَوَيْهِ: قُنًا وَعَوَارِضَا، لِأَنّ قُنًا جَبَلٌ عِنْدَ عَوَارِضَ يُقَالُ لَهُ، وَلِجَبَلِ آخر معه قنوان «2» ،

_ الكعبة قبل قريش، فاجتمع مع قصى فى شرب بالطائف، فأسكره قصى ثم اشترى المفاتيح منه بزق خمر، وأشهد عليه، ودفعها لابنه عبد الدار وطير به إلى مكة، فأفاق أبو غبشان أندم من الكسعى، فضربت به الأمثال فى الحمق والندم، وخسارة الصفقة «القاموس» وقد سبق رأى ابن هشام فيه. (1) أنشده سيبويه مرتين فى صفحتى 82، 109 من الجزء الأول من كتابه، ونسبه لعامر بن الطفيل ورواه مرة بالفاء ومرة بالواو فى لأبغينكم. وقد اشتشهد به على نصب قنا وعوارض مع إسقاط حرف الجر ضرورة لأنهما مكانان مختصان لا ينتصبان انتصاب الظرف، وهما بمنزلة ذهبت الشام فى الشذوذ والحذف. والشاعر يريد: بقنا وعوارض ولكنه شبهه بدخلت البيت، وقلب الظهر والبطن. (2) فى المراصد عن عوارض: جبل ببلاد طىء وقيل: هو لبنى أسد، وقيل: قنا وعوارض جبلان لبنى فزارة وقيل: جبل أسود فى أعلى دار طىء وناحية دار فزارة. وقيل عن قنوين إنهما جبلان تلقاء الحاجر لبنى مرة. وقيل وهما عوارض وقنا، سميا قنوين كعادتهم فى تثنية الشىء ومقارنه كالعمرين والقمرين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قُبَاءَ مَسَافَاتٌ وَبِلَادٌ، فَلَا يَصِحّ أَنْ يُقْرَنَ قُبَاءٌ الّذِي عِنْدَ الْمَدِينَةِ مَعَ عَوَارِضَ وَقِنْوَيْنِ، وَكَذَا قَالَ الْبَكْرِيّ فِي مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ وَأَنْشَدَ: [لِمَعْقِلِ بْنِ ضِرَارِ بْنِ سِنَانٍ الْمُلَقّبِ بِالشّمّاخِ] . كَأَنّهَا لَمّا بَدَا عُوَارِضُ ... وَاللّيْلُ بَيْنَ قَنَوَيْنِ رَابِضُ «1» وَقُبَاءُ: مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَبْوِ، وَهُوَ الضّمّ وَالْجَمْعُ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ: الْقَوَابِي: هُنّ اللّوَاتِي يَجْمَعْنَ الْعُصْفُرَ وَاحِدَتُهُنّ: قَابِيَةٌ. قَالَ: وَأَهْلُ الْعَرَبِيّةِ يُسَمّونَ الضّمّةَ مِنْ الْحَرَكَاتِ قَبْوًا «2» ، وَأَمّا قَوْلُهُمْ: لَا وَاَلّذِي أَخْرَجَ قوبا من مِنْ قَابِيَةٍ يَعْنُونَ: الْفَرْخَ مِنْ الْبَيْضَةِ «3» فَمَنْ قال فيه: قابية بتقديم الباء، فهو

_ (1) ذكره اللسان فى مادة ربض، وفى مادة جله ونسبه فى هذه إلى الشماخ. ورواه فى جله هكذا: كأنها وقد بدا عوارض ... بجلة الوادى قطا نواهض ورواه فى ربض كما فى الروض وزاد ما وصفته بين قوسين والجلة: ما استقبلك من حروف الوادى. (2) فى اللسان: «أهل المدينة يقولون للضمة: قبوة ... والقبوة: الضم، قال الخليل: نبرة مقبوة أى: مضمومة» . (3) فى اللسان: «قاب الطائر بيضته، أى: فلقها، فانقابت البيضة وتقويت بمعنى، والقائبة والقابة: البيضة، والقوب بالضم الفرخ.. وسمى الفرخ: قوبا لانقياب البيضة عنه. ويقال قابة وقوب بمعنى: قائبة وقوب» قال: وفى حديث عمر: أنه نهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج، وقال: إنكم إن اعتمرتم فى أشهر الحج رأيتموها مجزئة من حجكم، ففرغ حجكم، وكانت قائبة من قوب. ضرب هذا مثلا لجلاء مكة من المعتمرين سائر السنة، والمعنى: أن الفرخ إذا فارق بيضته لم يعد إليها، وكذا إذا اعتمروا فى أشهر الحج لم يعودوا إلى مكة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْقَبْوُ الّذِي يُقَدّمُ، وَمَنْ قَالَ فِيهِ: قَابِيَةٌ، فَهُوَ مِنْ لَفْظِ الْقُوبِ لِأَنّهَا تَتَقَوّبُ عَنْهُ، أَيْ تَتَقَشّرُ قَالَ الْكُمَيْتُ يَصِفُ النّسَاءَ: لَهُنّ وَلِلْمَشِيبِ وَمَنْ عَلَاهُ ... مِنْ الْأَمْثَالِ قَابِيَةٌ وُقُوبٌ «1» وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: فَكَانَتْ قَابِيَةَ قُوبٍ «2» عَامَهَا، يَعْنِي: الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ، وَقَدْ ذَكَرَ أَنّ قُبَاءَ اسْمُ بِئْرٍ عُرِفَتْ الْقَرْيَةُ بِهَا. سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فَصْلٌ: وَذَكَرَ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ الّذِي كَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ قَدْ تَبَنّاهُ كَمَا تَبَنّى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْدًا، وَكَانَ سَائِبَةً أَيْ: لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدِ، وَذَكَرَ الْمَرْأَةَ الّتِي أَعْتَقَتْهُ سَائِبَةً، وَهِيَ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يَعَارٍ، وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِهَا بُثَيْنَةُ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ، وَذَكَرَ عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهَا: بِنْتُ تَعَارٍ «3» ، وَقَالَ ابْنُ شَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ: اسْمُهَا سَلْمَى [وَقَالَ ابْنُ حِبّانَ: يُقَالُ لَهَا: لَيْلَمَةُ] وَيُقَالُ فِي اسْمِهَا أَيْضًا: عَمْرَةُ، وَقَدْ أبطل التّسييب فِي الْعِتْقِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَجَعَلُوا الْوَلَاءَ لِكُلّ مَنْ أَعْتَقَ أَخْذًا بِحَدِيثِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَحَمْلًا لَهُ على العموم، ولما روى أيضا عن مَسْعُودٍ أَنّهُ قَالَ: لَا سَائِبَةَ فِي الْإِسْلَامِ،

_ (1) رواه اللسان فى مادة قوب ولم يروه فى قبو. وفيه: قائبة وقوب» . مثل هرب النساء من الشيوخ بهرب القوب- وهو الفرخ- من القائبة، وهى البيضة، فقال: لا ترجع الحسناء إلى الشيخ كما لا يرجع الفرخ إلى البيضة» (2) فى النهاية لابن الأثير: فكانت قائبة قوب عامها» ثم فسره بما نقله اللسان عنه. (3) وقيل: فاطمة بنت يعار، وفى اسم سالم خلاف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَرَأَى مَالِكٌ مِيرَاثَ السّائِبَةِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَرَ وَلَاءَهُ لِمَنْ سَيّبَهُ، فَكَانَ لِلتّسْيِيبِ وَالْعِتْقِ عِنْدَهُ حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَسَالِمٌ هَذَا هُوَ الّذِي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ أَنْ تُرْضِعَهُ لِيَحْرُمَ عَلَيْهَا، فأرضعته وهود ذُو لِحْيَةٍ «1» : فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ثَدْيِهَا، فَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ أَنّهَا حَلَبَتْ لَهُ فِي مِسْعَطٍ «2» وَشَرِبَ اللبن، ذكر ذلك محمد بن حبيب.

_ (1) عند مسلم من طريق القاسم عن عائشة أن سالما كان مع أبى حذيفة، فأتت سهلة بنت سهيل بن عمرو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن سالما بلغ ما يبلغ الرجال، وأنه يدخل على، وأظن فى نفس أبى حذيفة من ذلك شيئا، فقال: أرضعيه تحرمى عليه، ورواه مالك فى الموطأ عن الزهرى عن عروة: وأخرجه البخارى من طريق الليث عن الزهرى موصولا. لكن أيصدق حكم الرضاعة على من هو فى مثل سنه، والقرآن يقول: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ ويخبر أن حمل الطفل وفصاله ثلاثون شهرا؟ فهل يمكن أن يسمى رضيعا رجل فى مثل من أبى حذيفة وله لحية؟ هذا وقد روى البخارى ومسلم والنسائى والترمذى من طريق مسروق عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رفعه خذوا القرآن من أربعة من ابن مسعود وسالم مولى أبى حذيفة، وأبى بن كعب، ومعاذ بن جبل. وكان أبو حذيفة يرى أنه ابنه، فأنكحه ابنة أخته فاطمة بنت الوليد بن عتبة. فلما أنزل الله: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ رد كل أحد تبنى ابنا من أولئك إلى أبيه ومن لم يعرف أبوه رد إلى مواليه. أخرجه مالك فى الموطأ عن الزهرى عن عروة بهذا، وفيه قصة إرضاعه. (2) ويحكى أيضا بضم الميم والعين وسكون السين وهو آنية السعوط تعليق على منازل المهاجرين: يقول الخشنى عن خباب مولى عتبة أى يروى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اجْتِمَاعُ قُرَيْشٍ لِلتّشَاوُرِ فِي أَمْرِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِيهِ تَمَثّلَ إبْلِيسَ- حِينَ أَتَاهُمْ- فِي صُورَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ وَانْتِسَابِهِ إلَى أَهْلِ نَجْدٍ. قَوْلُهُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ يَقُولُ: جَلّ الرّجُلُ وَجَلّتْ الْمَرْأَةُ إذَا أَسَنّتْ، قَالَ الشّاعِرُ: وَمَا حَظّهَا أَنْ قِيلَ عَزّتْ وَجَلّتْ وَيُقَالُ مِنْهُ: جَلَلْت يَا رَجُلُ بِفَتْحِ اللّامِ، وَقِيَاسُهُ جَلَلْت لِأَنّ اسْمَ الْفَاعِلِ مِنْهُ: جَلِيلٌ، وَلَكِنْ تَرَكُوا الضّمّ فِي الْمُضَاعَفِ كُلّهِ اسْتِثْقَالًا لَهُ مَعَ التّضْعِيفِ إلّا فِي لَبُبْت، فَأَنْت لَبِيبٌ، حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ بِالضّمّ عَلَى الأصل «1» .

_ أيضا بحاء مهملة مضمومة وباء مخففة وقول ابن هشام: ونزل الأعزاب. صوابه: كما قال الوقشى: الأعراب، ص 125 شرح السيرة لأبى ذر الخشنى ولعلها: الأعزاب، لأن جمع عزب أعزاب «القاموس» . (1) فى مسند قصة الهجرة ذكر مجاهد بن جبر فى خلاصة تذهيب الكمال للحافظ صفى الدين أحمد بن عبد الله الخزرجى الأنصارى ط أولى: مجاهد بن جبر بإسكان الموحدة. للخشنى وفى بعض نسخ السيرة: جبير، وخبير، ويقول الخشنى والصحيح: جبير ص 126. وفى اللسان عن لبب وقد لببت- بضم الباء الأولى- ألب- بفتح اللام- ولببت بكسر الباء الأولى تلب بفتح اللام. وفى التهذيب حكى: لببت بالضم، وهو نادر لا نظير له فى المضاعف الحديث أخرجه البخارى فى أبواب الاستسقاء. باب ما قيل فى الزلازل والآيات بسنده عن نافع عن ابن عمر قال: قال: اللهم بارك لنا فى شامنا وفى يمننا، قال: قالوا: وفى نجدنا، فقال: قال: اللهم بارك لنا فى شامنا وفى يمننا. قال: قالوا: وفى نجدنا. قال: قال: هنالك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان» . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وقال القابسى: سقط ذكر النبى «ص» من النسخ، ولا بد منه، لأن مثله لا يقال بالرأى: وأخرجه البخارى فى كتاب الفتن. وقد صرح فيه بذكر النبى «ص» وقوله: فأظنه قال فى الثالثة: هنالك الزلازل الخ وأخرجه الترمذى. وفى مجمع الزوائد. فقال رجل: وفى شرقنا يا رسول الله بدلا من: وفى نجدنا وأنه قال فى المرة الثانية: اللهم بارك لنا فى شامنا، وفى يمننا إن من هناك يطلع قرن الشيطان، وبه تسعة أعشار الكفر، وبه الداء العضال» رواه الطبرانى فى الأوسط واللفظ له: وأحمد ولفظه أن رسول الله «ص» قال اللهم بارك لنا فى شامنا ويمننا مرتين، فقال رجل وفى مشرقنا يا رسول الله، فقال رسول الله «ص» من هناك يطلع قرن الشيطان، وبه تسعة أعشار الشرك ... ويقول الخطابى فى بيان المراد من نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجد بادية العراق ونواحيها، وهى مشرق أهل المدينة، وأصل النجد: ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور، فإنه ما انخفض منها وتهامة. كلها من الغور، ومكة من تهامة» أقول. ومثل هذه الأحاديث لا يجوز أخذها على إطلاقها بل لا يجوز مطلقا أن نستعملها استعمال أولئك الذين أوغروا فى الصدور الأحقاد، وأرثوا العصبية المقيتة الحمقاء بسببها. فسبوا كل نجد، وذموا كل عراقى. وما أجمل ما يقول العلامة الهندى الشيخ محمد بشير السهسوانى «ومن عاب الساكن بالسكنى والإقامة فى مثل تلك البلاد، فقد عاب جمهور الأمة وسبهم وآذاهم بغير ما اكتسبوا، وقد داول الله تعالى الأيام بين البقاع والبلاد كما داولها بين الناس والعباد.. قال تعالى: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وكم من بلد قد فتحت، وصارت من خير بلاد المسلمين بعد أن كانت فى أيدى الفراعنة والمشركين والفلاسفة والصابئين والكفرة من المجوس، وأهل الكتابين، بل الخربة التى كانت بها قبور المشركين صارت مسجدا هو أفضل مساجد المسلمين بعد المسجد الحرام ودفن بها أفضل المرسلين، وسادات المؤمنين» ص 544 ط صيانة الإنسان. ولو حملنا ما روى على هوى الحاملين للأحقاد لقلنا عن المدينة بحماقة العصبية إنها دار فتنة فقد ورد فى حديث متفق عليه: أنه «ص» أشرف على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَإِنّمَا قَالَ لَهُمْ: إنّي مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ السّيرَةِ، لِأَنّهُمْ قَالُوا: لَا يَدْخُلَنّ مَعَكُمْ فِي الْمُشَاوَرَةِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ لِأَنّ هَوَاهُمْ مَعَ مُحَمّدٍ، فَلِذَلِكَ تَمَثّلَ لَهُمْ فِي صُورَةِ شَيْخٍ نَجْدِيّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي خَبَرِ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ أَنّهُ تَمَثّلَ فِي صُورَةِ شَيْخٍ نَجْدِيّ أَيْضًا، حِينَ حَكّمُوا رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في أَمْرِ الرّكْنِ: مَنْ يَرْفَعُهُ، فَصَاحَ الشّيْخُ النّجْدِيّ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: أَقَدْ رَضِيتُمْ أَنْ يَلِيَهُ هَذَا الْغُلَامُ دُونَ أَشْرَافِكُمْ وَذَوِي أَسْنَانِكُمْ، فَإِنْ صَحّ هَذَا الْخَبَرُ فَلِمَعْنًى آخَرَ تَمَثّلَ نَجْدِيّا، وَذَلِكَ أَنّ نَجْدًا مِنْهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشّيْطَانِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قِيلَ لَهُ: وَفِي نَجْدِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هُنَالِكَ الزّلَازِلُ وَالْفِتَنُ، وَمِنْهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشّيْطَان، فَلَمْ يُبَارِكْ عَلَيْهَا، كَمَا بَارَكَ عَلَى الْيَمَنِ وَالشّامِ وَغَيْرِهَا، وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ أَنّهُ نَظَرَ إلَى الْمَشْرِقِ، فَقَالَ: إنّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشّيْطَانِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّهُ حِينَ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ، وَوَقَفَ عِنْدَ بَابِ عَائِشَةَ، وَنَظَرَ إلَى الْمَشْرِقِ فَقَالَهُ، وَفِي وُقُوفُهُ عِنْدَ بَابِ عَائِشَةَ نَاظِرًا إلَى الْمَشْرِقِ يُحَذّرُ مِنْ الْفِتَنِ، وَفَكّرَ فِي خُرُوجِهَا إلَى الْمَشْرِقِ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتْنَةِ تُفْهَمُ مِنْ الْإِشَارَةِ وَاضْمُمْ إلَى هَذَا قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ ذَكَرَ نُزُولَ الْفِتَنِ: أَيْقِظُوا صَوَاحِبَ الْحُجَرِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ تَشَاوُرَهُمْ فِي أَمْرِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنّ بعضهم أشار بأن

_ أطم «حصن عال أو بناء مرتفع» من آطام المدينة، فقال: هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا. قال فإنى لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع المطر. فلنحذر هوى الشيطان، وفتنة العصبية!!.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يُحْبَسَ فِي بَيْتٍ، وَبَعْضَهُمْ بِإِخْرَاجِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ من بين أظهرهم ونفيه، ولم يسمّ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ ابْنُ سَلَامٍ: الّذِي أشار بحبسه هو أبو البخترىّ ابن هِشَامٍ، وَاَلّذِي أَشَارَ بِإِخْرَاجِهِ وَنَفْيِهِ هُوَ أَبُو الْأَسْوَدِ رَبِيعَةُ بْنُ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، وَقَوْلُ أَبِي جَهْلٍ: نَسِيبًا وَسِيطًا، هُوَ مِنْ السّطَةِ فِي الْعَشِيرَةِ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي بَابِ تَزْوِيجِهِ خَدِيجَةَ مَعْنَى الْوَسِيطِ، وَأَيْنَ يَكُونُ مَدْحًا. وَأَمّا قَوْلُهُ عَلَى بَابِهِ يَتَطَلّعُونَ، فَيَرَوْنَ عَلِيّا وَعَلَيْهِ بُرْدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَظُنّونَهُ إيّاهُ، فَلَمْ يَزَالُوا قِيَامًا حَتّى أَصْبَحُوا، فَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التّفْسِيرِ السّبَبَ الْمَانِعَ لَهُمْ مِنْ التّقَحّمِ عَلَيْهِ فِي الدار مع قصر الجدار، وأنهم إنما جاؤا لِقَتْلِهِ، فَذَكَرَ فِي الْخَبَرِ أَنّهُمْ هَمّوا بِالْوُلُوجِ عَلَيْهِ، فَصَاحَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الدّارِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: وَاَللهِ إنّهَا لَلسّبّةُ فِي الْعَرَبِ أَنْ يُتَحَدّثَ عَنّا أَنّا تَسَوّرْنَا الْحِيطَانَ عَلَى بَنَاتِ الْعَمّ، وَهَتَكْنَا سِتْرَ حُرْمَتِنَا، فَهَذَا هُوَ الّذِي أَقَامَهُمْ بِالْبَابِ حَتّى أَصْبَحُوا يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ، ثُمّ طُمِسَتْ أَبْصَارُهُمْ عَنْهُ حِينَ خَرَجَ، وَفِي قِرَاءَةِ الْآيَاتِ الْأُوَلِ مِنْ سُورَةِ: يس «1» مِنْ الْفِقْهِ التّذْكِرَةُ بِقِرَاءَةِ الْخَائِفِينَ لَهَا اقْتِدَاءً بِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَقَدْ رَوَى الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِكْرِ فَضْلِ يس أَنّهَا إنْ قَرَأَهَا خَائِفٌ أَمِنَ، أَوْ جَائِعٌ شَبِعَ أَوْ عَارٍ كُسِيَ، أَوْ عَاطِشٌ سُقِيَ حَتّى ذَكَرَ خلالا كثيرة «2» .

_ (1) تقرأ هكذا: ياسين وهى مثل حم «حاميم» وطه «وطاها» ، فهى ليست اسما للنبى «ص» وإنما هى مثل غيرها مما ذكرت من أوائل السور. (2) لم يرو هذا أحد من أصحاب الصحيح. ولو أن التلاوة لهذه السورة تعطى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ، وَشَرَحَ ابْنُ هِشَامٍ رَيْبَ الْمَنُونِ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ: أَمِنْ الْمَنُونِ وَرَيْبِهِ تَتَفَجّعُ وَالْمَنُونُ يُذَكّرُ وَيُؤَنّثُ، فَمَنْ جَعَلَهَا عِبَارَةً عَنْ الْمَنِيّةِ أَوْ حَوَادِثِ الدّهْرِ أَنّثَ، وَمَنْ جَعَلَهَا عِبَارَةً عَنْ الدّهْرِ ذَكّرَ، وَرَيْبُ الْمَنُونِ مَا يَرِيبُك مِنْ تَغَيّرِ الْأَحْوَالِ فِيهِ، سُمّيَتْ الْمَنُونَ لِنَزْعِهَا مِنَنَ الْأَشْيَاءِ أَيْ: قُوَاهَا، وَقِيلَ: بَلْ سُمّيَتْ مَنُونًا لِقَطْعِهَا دُونَ الْآمَالِ مِنْ قَوْلِهِمْ: حبل مُنَيْنٌ أَيْ: مَقْطُوعٌ، وَفِي التّنْزِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ أَيْ غَيْرُ مَقْطُوعٍ. إذْنُ اللهِ سُبْحَانَهُ لِنَبِيّهِ بِالْهِجْرَةِ ذَكَرَ فِيهِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَى بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ فِي الظّهِيرَةِ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَفِي الْبَيْتِ أَنَا وَأُخْتِي أَسْمَاءُ فَقَالَ أَخْرِجْ مَنْ مَعَك، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنّمَا هُمَا بِنْتَايَ يَا رَسُولَ اللهِ. وَقَالَ فِي جَامِعِ الْبُخَارِيّ: إنّمَا هُمْ أَهْلُك يَا رَسُولَ اللهِ، وَذَلِكَ أَنّ عَائِشَةَ قد كان أبوها أنكحها منه قَبْلِ «1» ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أُمّهَا أُمّ رومان

_ كل هذا الذى ذكر لكان باعة القرآن على المقابر أولى الناس فى الدنيا والآخرة هناء ورخاء وعزة وكرامة. إن التلاوة بلا تدبر لا تغنى شيئا. (1) أخرج البخارى بسنده عن هشام عن أبيه قال: توفيت خديجة قبل مخرج النبى «ص» إلى المدينة بثلاث سنين فلبث سنتين، أو قريبا من ذلك،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِنْتِ عَامِرِ بْنِ عُوَيْمِرٍ، وَيُقَالُ فِي اسْمِ أَبِيهَا: رَوْمَانُ بِفَتْحِ الرّاءِ أَيْضًا، فَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ ثَابِتٍ اخْتَصَرْته: إنّ أَبَا بَكْرٍ حِينَ هَاجَرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلّفَ بَنَاتِهِ بِمَكّةَ، فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَأَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ، وَأَرْسَلَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدَ الله بْنَ أُرَيْقِطٍ [الدّيلِيّ] «1» ، وَأَرْسَلَ مَعَهُمْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَاشْتَرَوْا بِهَا ظَفَرًا بِقُدَيْدٍ، ثُمّ قَدِمُوا مَكّةَ فَخَرَجُوا بِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمْعَةَ، وَبِفَاطِمَةَ وَبِأُمّ كُلْثُومٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وخرجت أمى معهم ومع طلحة ابن عُبَيْدِ اللهِ مُصْطَحِبِينَ، فَلَمّا كُنّا بِقُدَيْدٍ نَفَرَ الْبَعِيرُ الّذِي كُنْت عَلَيْهِ أَنَا وَأُمّي: أُمّ رُومَانَ فِي مِحَفّةٍ، فَجَعَلَتْ أُمّي تُنَادِي: وَابُنَيّتَاهُ واعروساه!! وفى رواية

_ ونكح عائشة، وهى بنت ست سنين؛ ثم بنى بها وهى بنت تسع سنين» وفى الحديث إشكال. وقد ذكر الحافظ فى الفتح رفعا لهذا الإشكال إذ قال: إن مراده من قوله فى الحديث: فلبث سنتين أو قريبا من ذلك.. المراد أنه لم يدخل على أحد من النساء، ثم دخل على سودة قبل أن يهاجر، ثم بنى بعائشة بعد أن هاجر، فكأن ذكر سودة سقط على بعض رواته. ويقول الماوردى: الفقهاء يقولون: تزوج عائشة قبل سودة، والمحدثون يقولون: تزوج سودة قبل عائشة. وقد يجمع بينهما بأنه عقد على عائشة، ولم يدخل بها، ودخل بسودة ص 179 ح 7 فتح البارى. (1) هكذا ضبطه الحافظ فى الفتح. وقال: وقيل بضم الدال وكسر ثانيه مهموز، وهو ابن الديل بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وقيل: من بنى عدى ابن عمرو بن خزاعة. وفى رواية الأموى عن ابن إسحاق: ابن أريقد، وعند موسى بن عقبة: أريقه لكن بالطاء وعند ابن سعد: أريقط وعن مالك اسمه: أرقيط. وفى شرح السيرة لأبى ذر أنه الليثى عبد الله بن أريقط

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَفِيهِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْت قَائِلًا يَقُولُ- وَلَا أَرَى أَحَدًا- أَلْقَى خِطَامَهُ، فَأَلْقَيْته مِنْ يَدِي، فَقَامَ الْبَعِيرُ يَسْتَدِيرُ بِهِ، كَأَنّ إنْسَانًا تَحْتَهُ يُمْسِكُهُ، حَتّى هَبَطَ الْبَعِيرُ مِنْ الثّنِيّةِ، فَسَلّمَ اللهُ، فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- وهو يا بنى الْمَسْجِدَ وَأَبْيَاتًا لَهُ، فَنَزَلْت مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَنَزَلَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ فِي بَيْتِهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَلَا تَبْنِي بِأَهْلِك يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: لَوْلَا الصّدَاقُ، قَالَتْ: فَدَفَعَ إلَيْهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيّةً، وَنَشّا، وَالنّشّ: عُشْرُونَ دِرْهَمًا وَذَكَرْت الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الزّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. لِمَ اشْتَرَيْت الرّاحِلَةَ: وَفِي حَدِيثِ ابْنِ إسْحَاقَ أن أبا بكر كان قَدْ أَعَدّ رَاحِلَتَيْنِ، فَقَدّمَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَةً، وَهِيَ أَفَضْلُهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّي لَا أَرْكَبُ بَعِيرًا لَيْسَ لِي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ لَك يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِالثّمَنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بِالثّمَنِ يَا رَسُولَ اللهِ فَرَكِبَهَا، فَسُئِلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. لِمَ لَمْ يَقْبَلْهَا إلّا بِالثّمَنِ، وَقَدْ أَنْفَقَ أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا فَقَبِلَ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ أَمَنّ عَلَيّ فِي أَهْلٍ وَمَالٍ مِنْ أَبِي بَكْرٍ «1» ، وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ حِينَ بنى

_ (1) فى رواية للبخارى: إن من أمن الناس على فى صحبته وماله أبا بكر وفى رواية أخرى إن أمن الناس على فى صحبته وماله أبو بكر. وقد قيل: إن الرفع خطأ لأنه اسم إن. وقيل: إن وجه الرفع بتقدير ضمير الشأن أى أنه الجار والمجرور بعده خبر مقدم، وأبو بكر مبتدأ مؤخر، أو على أن مجموع الكنية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِعَائِشَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيّةً وَنَشّا، فَلَمْ يَأْبَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْمَسْئُولُ إنّمَا ذَلِكَ لِتَكُونَ هِجْرَتُهُ إلَى اللهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ رَغْبَةً مِنْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي اسْتِكْمَالِ فَضْلِ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ عَلَى أَتَمّ أَحْوَالِهِمَا، وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ حَدّثَنِي بِهَذَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الْفَقِيهِ الزّاهِدِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ اللّوّانِ رَحِمَهُ اللهُ. ذَكَرَ ابْنُ إسحاق في غير رواية ابن هشام وذكر ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام: أَنّ النّاقَةَ الّتِي ابْتَاعَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ هِيَ: نَاقَتُهُ الّتِي تُسَمّى بِالْجَدْعَاءِ، وَهِيَ غَيْرُ الْعَضْبَاءِ الّتِي جَاءَ فِيهَا الْحَدِيثُ حِينَ ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةَ صَالِحٍ، وَأَنّهَا تُحْشَرُ مَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَأَنْتَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْعَضْبَاءِ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: لَا. ابْنَتِي فَاطِمَةُ تُحْشَرُ عَلَى الْعَضْبَاءِ، وَأُحْشَرُ أَنَا عَلَى الْبُرَاقِ، وَيُحْشَرُ هذا على ناقة من نوق

_ اسم فلا يعرب ما وقع فيها من الأداة أو إن بمعنى نعم، أو إن من زائدة على رأى الكسائى. وأمن أفعل تفضيل من المن بمعنى العطاء والبذل، بمعنى أن أبذل الناس لنفسه وماله. لا من المنة التى تفسد الصنيحة، ولكن يشرحه الداودى على أنه من المنة وتقديره لو كان يتجه لأحد الامتنان على نبى الله، لتوجه له. وفى رواية ابن عباس: ليس أحد من الناس آمن على فى نفسه وماله من أبى بكر. ووجود من باعتبارها غير زائده يفيد أن لغيره مشاركة ما فى الأفضلية، ولكنه المقدم. ويؤيد هذا ما وراه الترمذى: «ما لأحد عندنا يد إلا كافأناه عليها، ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة» وهذا يدل على ثبوت منة للغير، إلا أن لأبى بكر رجحانا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْجَنّةِ وَأَشَارَ إلَى بِلَالٍ «1» . وَذَكَرَ أَذَانَهُ فِي الْمَوْقِفِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ يَرْوِيهِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ مَجْهُولٌ عِنْدَهُمْ. وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَضْبَاءِ، وَلَيْسَتْ بِالْجَدْعَاءِ، فَهَذَا مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ: إنّهَا غَيْرُ الْجَدْعَاءِ، وَهُوَ الصّحِيحُ، لِأَنّهَا غُنِمَتْ، وَأُخِذَ صَاحِبُهَا الْعَقِيلِيّ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتنِي يَا مُحَمّدُ، وَأَخَذْت سَابِقَةَ الْحَاجّ، يَعْنِي: الْعَضْبَاءَ، فَقَالَ: أَخَذْتُك بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِك. بكاء الفرح مِنْ أَبِي بَكْرٍ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا يَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ حَتّى رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ يَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ. قَالَتْ ذَلِكَ لِصِغَرِ سِنّهَا، وَأَنّهَا لَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ بِذَلِكَ قَبْلُ، وَقَدْ تَطَرّقَتْ الشّعَرَاءُ لِهَذَا الْمَعْنَى،

_ (1) الروايات الصحيحة فى كتب السنة المعتبرة تخالف ما ذكر هنا عن هذا النوع من الحشر. هذا وقد ذكر الواقدى أن الناقة التى أخذها رسول الله «ص» هى القصواء، وأنها كانت من نعم بنى قشير. ويذكر ابن إسحاق أنها الجدعاء، وأنها من إبل بنى الحريش وكذلك روى ابن حبان من طريق هشام عن أبيه. هذا وما رواه ابن إسحاق عن الهجرة عمن لا يتهم عن عروة قد ورد فى البخارى ما هو قريب منه. ولم يرد فى البخارى وغيره قصة الندوة. ولا رمى التراب فى الوجوه. ورواية البخارى هنا هى الرواية التى تسكن إليها النفس، ولا يتوجه بها سؤال لماذا لم يقتحم الراغبون فى قتله عليه الباب؟، وليس فيها خرافة تشكل الشيطان بصورة شيخ نجدى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَأَخَذَتْهُ اسْتِحْسَانًا لَهُ، فَقَالَ الطّائِيّ يَصِفُ السّحَابَ: دُهْمٌ إذَا وَكَفَتْ فِي رَوْضِهِ طَفِقَتْ ... عُيُونُ أَزْهَارِهَا تَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ وَقَالَ أَبُو الطّيّبِ، وَزَادَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى: فَلَا تُنْكِرْنَ لَهَا صَرْعَةً ... فَمِنْ فَرَحِ النّفْسِ مَا يَقْتُلُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَدّثِينَ: وَرَدَ الْكِتَابُ مِنْ الْحَبِيبِ بِأَنّهُ ... سَيَزُورُنِي فَاسْتَعْبَرَتْ أَجْفَانِي غَلَبَ السّرُورُ عَلَيّ حَتّى إنّهُ ... مِنْ فَرْطِ مَا قَدْ سَرّنِي أَبْكَانِي يَا عَيْنُ صَارَ الدّمْعُ عِنْدَك عَادَةً ... تَبْكِينَ فِي فَرَحٍ وَفِي أَحْزَانِ مَكّةُ وَالْمَدِينَةُ: فَصْلٌ: وَمِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ خَرَجَ مِنْ مَكّةَ، وَوَقَفَ عَلَى الْحَزْوَرَةِ «1» ، وَنَظَرَ إلَى الْبَيْتِ، فَقَالَ: وَاَللهِ إنّك لَأَحَبّ أَرْضِ اللهِ إلَيّ، وَإِنّك لَأَحَبّ أَرْضِ اللهِ إلَى اللهِ، وَلَوْلَا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت «2» برويه الزّهرىّ عن أبى سلمة

_ (1) الحزورة كانت سوق مكة، وأدخلت فى المسجد لما زيد، وباب الحزورة معروف من أبواب المسجد الحرام. وعن ابن الأثير فى النهاية أنها موضع بمكة عند باب الخياطين، وهو بوزن قسورة. وعن الشافى: الناس يشددون الحزورة، والحديبية، وهما مخففتان. (2) أخرجه أحمد والنسائى والترمذى، وقال: حديث حسن صحيح وأخرجه أبو حاتم بن حبان فى التقاسيم والأنواع، وسعيد بن منصور فى سننه وذكره رزين عن الموطأ، ولكنه ليس فى موطأ يحى بن يحيى، وأخرجه أحمد فى المسند

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْحَمْرَاءِ يَرْفَعُهُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ: عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ مِنْ أَصَحّ مَا يُحْتَجّ بِهِ فِي تَفْضِيلِ مَكّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ مَرْفُوعًا: إنّ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ «1» فَإِذَا كَانَتْ الْأَعْمَالُ تَبَعًا لِلصّلَاةِ، فَكُلّ حَسَنَةٍ تعمل فى الحرام، فَهِيَ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا مَنْصُوصًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عليه وسلم قال: من حَجّ مَاشِيًا كُتِبَ لَهُ بِكُلّ خُطْوَةٍ سَبْعُمِائَةِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ، قِيلَ: وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ: الْحَسَنَةُ فِيهِ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ [قَالَ عَطَاءٌ: وَلَا أَحْسَبُ السّيّئَةَ إلّا مِثْلَهَا] أَسْنَدَهُ الْبَزّارُ «2» . حَدِيثُ الْغَارِ وَهُوَ غَارٌ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، وَهُوَ الْجَبَلُ الّذِي ذَكَرَهُ فِي تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ، وَأَنّهَا حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ، وَهُوَ وَهْمٌ فِي الْحَدِيثِ، لِأَنّ ثَوْرًا مِنْ جِبَالِ مَكّةَ، وَإِنّمَا لَفْظُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَى كَذَا، كَانَ الْمُحَدّثُ قَدْ نَسِيَ اسْمَ الْمَكَانِ، فَكَنّى عنه بكذا «3» .

_ (1) فى رواية لابن ماجة، والعدد مختلف فى روايات الحديث المختلفة. (2) لا يتعلق ثواب الحج بمشى أو ركوب وإنما يتعلق بما وقر فى القلب المؤمن. وهو يأتى بأركانه، فكم من رجل حج ماشيا، ولم ينل غير مشقة مشيه، وكم من رجل حج راكبا له بكل نامة حسنة وحسنات. (3) الحديث أخرجه الشيخان، وقد رواه مسلم بلفظ: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، والبخارى بلفظ: المدينة حرم ما بين عاير إلى كذا. وأبو داود. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بلفظ: المدينة حرام ما بين عاير إلى ثور.. وعاير جبل كبير مشهور فى قبلة لمدينة بقرب ذى الحليفة ميقات المدينة وقيل غير ذلك. وأما ثور فليس المقصود به جبل ثور الذى هو من جبال مكة، وإنما هو جبل صغير خلف أحد وقد استشكل العلماء الحديث ظنا منهم أنه ليس بالمدينة ثور، ولهذا ذكر فى أكثر الروايات عند البخارى: من عاير إلى كذا، وفى بعضها: من عير إلى كذا، ولم يبين النهاية، فكأنه يرى أن ذكر ثور وهم، فأسقطه، وترك بعض الرواة موضع ثور بياضا، ليتبين الوهم، وضرب آخرون عليه، وقال المازرى نقل بعض أهل العلم: أن ذكر ثور هنا، وهم من الراوى، لأن ثورا بمكة، والصحيح: إلى أحد. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: إن الحديث أصله من عير إلى أحد. وقد روى الطبرانى الحديث: ما بين عير وأحد حرام حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وقال الحازمى: الرواية الصحيحة: ما بين عير إلى أحد. وقيل إلى ثور، وليس له معنى. وقال ابن قدامة: يحتمل أن المراد تحريم قدر ما بين ثور وعير اللذين بمكة.. وقد قال البيهقى: بلغنى عن أبى عبيد أنه قال فى كتاب الجبال: بلغنى أن بالمدينة جبلا يقال له: ثور. ونقل المجد فى ترجمة عير عن نصر أن ثورا جبل عند أحد. وقدرد الجمال المطرى فى تاريخه على من أنكر وجود ثور، وقال: إنه خلف أحد من شماليه صغير مدور. وقال الأقشهرى: وقد استقصينا من أهل المدينة خبر جبل يقال له: ثور عندهم. فوجدنا ذلك اسم جبل صغير خلف جبل أحد يعرفه القدماء دون المحدثين من أهل المدينة. وقال أبو العباس بن تيمية: ثور جبل فى ناحية أحد، وهو غير جبل ثور الذى بمكة. ويقول المحب الطبرى إن المحدث ابن مزروع البصرى أخبرء أن حذاء أحد عن يساره جبلا صغيرا يقال له ثور، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه، لطوائف من العرب العارفين تلك المواضع ... وتواردت أخبارهم على تصديق بعضهم بعضا. أنظر ص 64 ح 1 وفاء الوفا للسمهودى ص 1326 وص 620 وما بعدها القرى للمحب الطبرى ص 1948.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ فِيمَا شَرَحَ مِنْ الْحَدِيثِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمّا دَخَلَهُ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ أَنْبَتَ اللهُ عَلَى بَابِهِ الرّاءَةَ: قَالَ قَاسِمٌ: وَهِيَ شَجَرَةٌ مَعْرُوفَةٌ، فَحَجَبَتْ عَنْ الْغَارِ أَعْيُنَ الْكُفّارِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الرّاءَةُ: مِنْ أَغْلَاثِ الشّجَرِ، وَتَكُونُ مِثْلَ قَامَةِ الْإِنْسَانِ، وَلَهَا خِيطَانٌ، وَزَهْرٌ أَبْيَضُ تُحْشَى بِهِ الْمَخَادّ، فَيَكُونُ كَالرّيشِ لِخِفّتِهِ وَلِينِهِ، لِأَنّهُ كَالْقُطْنِ أَنْشَدَ: تَرَى وَدَكَ الشّرِيفِ عَلَى لِحَاهُمْ ... كَمِثْلِ الرّاءِ لَبّدَهُ الصّقِيعُ وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ: أَنّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ الْعَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ عَلَى وَجْهِ الْغَارِ، وأرسل حمامتين وحشيتين، فَوَقَعَتَا عَلَى وَجْهِ الْغَارِ، وَأَنّ ذَلِكَ مِمّا صَدّ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُ، وَأَنّ حَمَامَ الْحَرَمِ مِنْ نَسْلِ تَيْنِك الْحَمَامَتَيْنِ، وَرُوِيَ أَنّ أَبَا بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ دَخَلَهُ وَتَقَدّمَ إلَى دُخُولِهِ- قَبْلَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَقِيَهُ بِنَفْسِهِ، رَأَى فِيهِ جُحْرًا فَأَلْقَمَهُ عَقِبَهُ، لِئَلّا يَخْرُجَ مِنْهُ مَا يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الصّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ: قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إلَى قَدَمِهِ لَرَآنَا، فَقَالَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَا ظَنّك بِاثْنَيْنِ، اللهُ ثَالِثُهُما «1» ، وَرُوِيَ أَيْضًا أنهم لما عمى عليهم الأثر جاؤا بالقافة، فجعلوا

_ (1) أخرجه البخارى فى صحيحه ومسلم والترمذى وأحمد. أورد هنا كلمة موجزة عن الهجرة: قال صلى الله عليه وسلم: «رأيت فى المنام أنى أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلى إلى أنها اليمامة، أو. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . هجر، فإذا هى المدينة» رواه الشيخان ولكن ورد فى البيهقى أنها هجر أو يثرب، ولم يذكر اليمامة. كما أخرج الترمذى والحاكم أنه «ص» قال: إن الله أوحى إلى: أى هؤلاء الثلاثة نزلت هى دار هجرتك: المدينة. أو البحرين، أو قنسرين. وزاد الحاكم: فاختار المدينة. وصححه الحاكم، وأقره الذهبى فى التلخيص. أما فى الميزان، فورد أنه حديث منكر ما أقدم الترمذى على تحسينه، بل قال: غريب. متى خرج النبى من مكة: يحزم بعض الرواة ومنهم ابن إسحاق أنه خرج أول يوم من ربيع الأول وأنه قدم المدينة لاثنتى عشرة خلت من ربيع الأول. أى بعد بيعة العقبة بشهرين وبضعة عشر يوما، أما الحاكم فيذكر أن خروجه كان بعدها بثلاثة أشهر أو قريبا منها. كما يؤكد تواتر الأخبار أنه خرج يوم الإثنين وأن دخوله المدينة كان يوم الإثنين. وقيل إنه خرج فى صفر، وقدم المدينة فى ربيع. وقبل. كان خروجه من مكة يوم الخميس. وقول ابن إسحاق هو المشهور مدة مقامه بمكة: فى البخارى عن ابن عباس أنه مكث بها ثلاث عشرة سنة. وفى مسلم وعن ابن عباس أيضا خمس عشرة سنة، وابن حجر يصحح رواية البخارى. وعن عروة أنه مكث بمكة عشر سنين، ورواه أحمد عن ابن عباس والبخارى فى باب الوفاة عنه وعن عائشة أيضا. وقد ورد فى بعض نسخ مسلم بيت أبى قيس صرمة: ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجّةً يُذَكّرُ لو يلقى صديقا مواتيا وهذا يخالف ذاك. العنكبوت والحمامتان والشجرة: لم يرد لها ذكر فيما روى من حديث صحيح ولهذا لم ترد فى واحد من الكتب الستة وتدبر هذه الآية الكريمة إِلَّا تَنْصُرُوهُ، فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ، إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها، وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى، وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أهنا حمامة أو عنكبوت، أو شجرة، أم هنا سكينة وجنود لم يروا؟ الآية الكبرى هنا هى أن الله صرف قلوبهم، وجعل على أبصارهم غشاوة، ... تدبرها جيدا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يققون الْأَثَرَ، حَتّى انْتَهَوْا إلَى بَابِ الْغَارِ، وَقَدْ أَنْبَتَ اللهُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْحَدِيثِ قبل هذا، فعند ما رَأَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْقَافَةَ اشتد حزنه

_ القاصون الأثر أولو خبرة ودراية تامة بقص الأثر، ولقد أدت بهم الأدلة إلى المثول أمام باب الغار، ويشعر بهم النبى «ص» وأبو بكر. ويقول أبو بكر لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. وتدبر قوله تحت قدميه لنرى أنهم كانوا قيد خطوة أو نصفها من باب الغار.. ويقول الرسول «ص» مجيبا صاحبه مذكرا يحفظ الله سبحانه: ما ظنك يا أبا بكر باثنين، الله ثالثهما. كما روى البخارى- وتدبر مع الحديث قوله سبحانه: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ. هذا هو القهر الأعظم الذى لا يغلبه قهر آخر، ولا تقف أمام سلطانه الأعظم قوى ولا قدر فلماذا تصرف القلب عن تدبر جلال الآية الكبرى هنا من صرف الله عنه قلوبهم وأعينهم وأسماعهم وإحساساتهم، إلى رواية واهية تصور حمامة وعنكبوتا. سل نفسك.. كيف لم يبصروه والواقع المحسوس الملموس المشهود يؤكد أنه هنا؟ لم لم ينظر أحدهم تحت قدميه، وكل شىء يؤكد أن المنشود العظيم فى الغار؟ والرغبة الملحة فى النفس تدفع الى استنباء الرمل والحصى والصخر والجبل عن منشودهم. والرمل والحصى وكل شىء تحت العين وصوبها يملأ حتى عقل الغبى؟؟؟ بفهم هذه الدلالة البينة الواضحة المستمدة من أدلة لا يمكن أن يصرف الإنسان عنها نزعة من شك. الدلالة التى تشبه فى وضوحها وضوح أن الواحد نصف الإثنين كانت الدلالة، وكانت الأدلة حينئذ لا نحتمل سوى شىء واحد هو أن محمدا «ص» فى الغار. فلم لم ينظروا؟ ليست الحمامتان ولا العنكبوت ... إنما هو هذا السلطان الأعظم الذى يصرف القلوب، ويصرف الأبصار والأسماع عما تريد وتحب وإن كان منها قيد شعرة. إنما هو القهر الإلهى الأكبر والجبروت الأسمى الذى لا يدع لأحد قدرة تقف لحظة أمامه، وهو جل شأنه يريد ذلك. ولو أن نصا ثابتا تحدث عن الحمامتين والعنكبوت ما انصرف عنه الفكر ولا القلم، فالله قادر سبحانه على أعظم وأعظم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: إنْ قُتِلْت فَإِنّمَا، أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ قُتِلْت أَنْت هَلَكَتْ الْأُمّةُ، فَعِنْدَهَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: لَا تَحْزَنْ إنّ اللهَ مَعَنَا، أَلَا تَرَى كَيْفَ قَالَ: لَا تَحْزَنْ، وَلَمْ يَقُلْ لَا تَخَفْ؟! لِأَنّ حُزْنَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَغَلَهُ عَنْ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلِأَنّهُ أَيْضًا رَأَى مَا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النّصَبِ، وَكَوْنَهُ فِي ضِيقَةِ الْغَارِ مَعَ فُرْقَةِ الْأَهْلِ، وَوَحْشَةِ الْغُرْبَةِ، وَكَانَ أَرَقّ النّاسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْفَقَهُمْ عَلَيْهِ، فَحَزِنَ لِذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّهُ قَالَ: نَظَرْت إلَى قَدَمَيْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ، وَقَدْ تَفَطّرَتَا دَمًا، فَاسْتَبْكَيْت، وَعَلِمْت أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يَكُنْ تَعَوّدَ الْحِفَاءَ وَالْجَفْوَةَ «1» ، وَأَمّا الْخَوْفُ فَقَدْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْيَقِينِ بِوَعْدِ اللهِ بِالنّصْرِ لِنَبِيّهِ. مَا يُسَكّنُ خَوْفَهُ، وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التّفْسِيرِ: يُرِيدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَأَمّا الرّسُولُ فَقَدْ كَانَتْ السّكِينَةُ عَلَيْهِ «2» ، وقوله: وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها الْهَاءُ فِي أَيّدَهُ رَاجِعَةٌ عَلَى النّبِيّ، وَالْجُنُودُ: الملائكة أنزلهم عَلَيْهِ فِي الْغَارِ، فَبَشّرُوهُ بِالنّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِ، فَأَيّدَهُ ذَلِكَ، وَقَوّاهُ عَلَى الصّبْرِ [و] قِيلَ أيده

_ (1) ليس لهذا من سند صحيح. وعند ابن حبان أنهما ركبا حتى أتيا الغار، فتواريا. (2) يقول ابن كثير فى تفسير الآية: «أى تأييده ونصره عليه. أى على الرسول «ص» فى أشهر القولين. وقيل على أبى بكر، وروى عن ابن عباس وغيره، قالوا: لأن الرسول «ص» لم تزل معه سكينة، وهذا لا ينافى تجدد سكينة خاصة بتلك الحال، ولهذا قال: وأيده بجنود لم تروها» يقصد ابن كثير أن عود الضمير فى قوله «أيده» يؤكد عود الضمير على النبى «ص» فى قوله «عليه»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِجُنُودِ لَمْ تَرَوْهَا، يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ وَحُنَيْنٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مَشَاهِدِهِ، وَقَدْ قِيلَ: الْهَاءُ رَاجِعَةٌ عَلَى النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا وأبو بكر تبع له، فَدَخَلَ فِي حُكْمِ السّكِينَةِ بِالْمَعْنَى، وَكَانَ فِي مُصْحَفِ حَفْصَةَ «1» : فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ: إن حزن أبى بكر كان عند ما رأى بعض الكفار يبول عند الغار،

_ (1) لا يصح أبدا إطلاق مثل هذه التعبيرات، فالقرآن الذى نزله الله على محمد «ص» هو هو الذى نتلوه الآن فى المصحف، وكل حديث يوحى بأن المصحف فيه نقص يجب رفضه، واعتباره فرية لعينة. والذين يؤمنون بأن فى المصحف نقصا كبيرا هم الرافضة، وقد حاجنى أحد قضاة الشيعة فى قطر عربى، فبهت أهل السنة بأن كتبهم هى التى تروى أن فى القرآن نقصا، وذكرنى ببعض ما جاء فى بعض الأحاديث!! وأهل السنة بالمعنى الخاص الذين يؤكدون بسلوكهم ومعتقدهم أنهم أهل السنة لا يمكن أن ينسبوا إلى المصحف هذا الزور، ولا أن بصموه بهذا البهتان. أما الرافضة، فإليك ما رووه فى كتابهم الكافى للكلينى- وهو يعادل البخارى عند غيرهم «عن جابر- أى الجعفى- قال: سمعت أبا جعفر يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه- كما أنزله الله- إلا على بن أبى طالب، والأئمة من بعده، وعن أبى بصير قال: دخلت على أبى عبد الله ... إلى أن قال له أبو عبد الله: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام.. قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات. والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد» ص 54، 57 من كتاب الكافى للكلينى ط 1278. ولقد كان أحبار النصارى من الأسبانيين يحتجون على ابن حزم بدعوى الرافضة تحريف القرآن، فكان يقول: «إن الروافض ليسوا من المسلمين» ح 2 ص 78 الفصل «وانظر ص 8 من مقدمة محب الدين الخطيب للمنتقى للذهبى وهو مختصر منهاج السنة النبوية للامام ابن تيمية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَأَشْفَقَ أَنْ يَكُونُوا قَدْ رَأَوْهُمَا، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَحْزَنْ، فَإِنّهُمْ لَوْ رَأَوْنَا لَمْ يَسْتَقْبِلُونَا بِفُرُوجِهِمْ عِنْدَ الْبَوْلِ، وَلَا تَشَاغَلُوا بِشَيْءِ عَنْ أَخْذِنَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ «1» . الرّدّ عَلَى الرّافِضَةِ فِيمَا بَهَتُوا بِهِ أَبَا بَكْرٍ: فَصْلٌ: وَزَعَمَتْ الرّافِضَةُ «2» أَنّ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ لِأَبِي بَكْرٍ لَا تَحْزَنْ غَضّا مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَذَمّا لَهُ؛ فَإِنّ حُزْنَهُ ذَلِكَ: إنْ كَانَ طَاعَةً فَالرّسُولُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا يَنْهَى عَنْ الطّاعَةِ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا أَنّهُ مَعْصِيَةٌ، فَيُقَالُ لَهُمْ عَلَى جِهَةِ الْجَدَلِ: قَدْ قَالَ اللهُ لِمُحَمّدِ عَلَيْهِ السّلَامُ: فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ يس: 76 وَقَالَ: وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ آلُ عِمْرَانَ: 176 وَقَالَ لِمُوسَى: خُذْها وَلا تَخَفْ طَه: 21 وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ لِلُوطِ. لَا تَخَفْ، وَلَا تَحْزَنْ، فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنّ الْأَنْبِيَاءَ حِينَ قِيلَ لَهُمْ هَذَا كَانُوا فِي حَالِ مَعْصِيَةٍ، فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَنَقَضْتُمْ أَصْلَكُمْ فِي وُجُوبِ الْعِصْمَةِ لِلْإِمَامِ الْمَعْصُومِ فِي زَعْمِكُمْ، فَإِنّ الْأَنْبِيَاءَ هُمْ الْأَئِمّةُ الْمَعْصُومُونَ بِإِجْمَاعِ، وَإِنّمَا قَوْلُهُ: لَا تَحْزَنْ، وَقَوْلُ اللهِ لِمُحَمّدِ: لَا يحزنك،

_ (1) هذا بعض ما يقال، والله أعلم بحقيقته، والمفروض تدبر ما ذكر فى القرآن عن النبى «ص» وعن صاحبه، وهما فى الغار وكيف أن الكفر الغليظ الكنود، وتحت إمرته المال والسلاح والسلطة والقدرة لم تستطع الوصول الى من فى الغار وهى تعربد كالأبالسة على بابه؟! (2) هم الشيعة الدين رفضوا إمامة زيد بن يحيى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ لِأَنْبِيَائِهِ مِثْلَ هَذَا تَسْكِينٌ لِجَأْشِهِمْ «1» وَتَبْشِيرٌ لَهُمْ وَتَأْنِيسٌ عَلَى جِهَةِ النّهْيِ الّذِي زَعَمُوا، ولكن كما قال سبحانه: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا «2» فُصّلَتْ: 30 وَهَذَا الْقَوْلُ إنّمَا يُقَالُ لَهُمْ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ، وَلَيْسَ إذْ ذَاكَ أَمْرٌ بِطَاعَةِ وَلَا نَهْيٌ عَنْ مَعْصِيَةٍ. وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ التّحْقِيقِ، وهو أن النهى عن الفعل لا يقضى كَوْنَ الْمَنْهِيّ فِيهِ، فَقَدْ نَهَى اللهُ نَبِيّهُ عَنْ أَشْيَاءَ، وَنَهَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ أَنّهُمْ كَانُوا فَاعِلِينَ لِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ فِي حَالِ النّهْيِ، لِأَنّ فِعْلَ النّهْيِ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لِأَبِي بَكْرٍ: لَا تَحْزَنْ، لَوْ كَانَ الْحُزْنُ كَمَا زَعَمُوا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَا ادّعَوْا مِنْ الْغَضّ، وَأَمّا مَا ذَكَرْنَاهُ نَحْنُ مِنْ حُزْنِهِ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ طَاعَةً، فَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ الرّسُولُ عَلَيْهِ السّلَامُ إلّا رِفْقًا بِهِ وَتَبْشِيرًا له لا كراهية لعمله، وَإِذَا نَظَرْت الْمَعَانِيَ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ لَا بِعَيْنِ الشّهْوَةِ وَالتّعَصّبِ لِلْمَذَاهِبِ لَاحَتْ الْحَقَائِقُ، وَاتّضَحَتْ الطّرَائِقُ وَاَللهُ الْمُوَفّقُ لِلصّوَابِ. مَعِيّةُ اللهِ مَعَ رَسُولِهِ وَصَاحِبِهِ: وَانْتَبِهْ أَيّهَا الْعَبْدُ الْمَأْمُورُ بِتَدَبّرِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا التّوْبَةُ: 40 كَيْفَ كَانَ معهما بالمعنى، وباللفظ، أما المعنى

_ (1) الجأش: رواع القلب اذا اضطرت عند الفزع، ونفس الإنسان جمعه، جشوش «القاموس» . (2) والآية فى حق الذين قالوا ربنا الله، ثم استقاموا. فهى فى حق خير فئة مؤمنة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَكَانَ مَعَهُمَا بِالنّصْرِ وَالْإِرْفَادِ «1» وَالْهِدَايَةِ وَالْإِرْشَادِ، وَأَمّا اللّفْظُ فَإِنّ اسْمَ اللهِ تَعَالَى كَانَ يُذْكَرُ إذَا ذُكِرَ رَسُولُهُ، وَإِذَا دُعِيَ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْ فَعَلَ رَسُولُ اللهِ، ثُمّ كَانَ لِصَاحِبِهِ كَذَلِكَ يُقَالُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ، وَفَعَلَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ، فَكَانَ يَذْكُرُ مَعَهُمَا، بِالرّسَالَةِ وَبِالْخِلَافَةِ، ثُمّ ارْتَفَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَلَا يَكُونُ. حَدِيثُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْكِنَانِي ثُمّ الْمُدْلِجِيّ أَحَدِ بَنِي مُدْلِجِ بْنِ مُرّةَ بْنِ نميم بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَهُ حِينَ بَذَلَتْ قُرَيْشٌ مِائَةَ نَاقَةٍ لِمَنْ رَدّ عَلَيْهِمْ مُحَمّدًا عَلَيْهِ السّلَامُ، وأن سرافة اسْتَقْسَمَ بِالْأَزْلَامِ، فَخَرَجَ السّهْمُ الّذِي يَكْرَهُ، وَهُوَ الّذِي كَانَ فِيهِ مَكْتُوبًا لَا تَضُرّهُ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ، وَأَنّ قَوَائِمَ فَرَسِهِ حِينَ قَرُبَ مِنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاخَتْ فِي الْأَرْضِ، وَتَبِعَهَا عُثَانٌ، وَهُوَ: الدّخَانُ وَجَمْعُهُ: عَوَاثِنُ. وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ أَبَا جَهْلٍ لَامَهُ حِينَ رَجَعَ بِلَا شَيْءٍ، فَقَالَ وَكَانَ شَاعِرًا: أَبَا حَكَمٍ وَاَللهِ لَوْ كُنْت شَاهِدًا ... لِأَمْرِ جَوَادِي إذْ تَسُوخُ قَوَائِمُهْ عَلِمْت وَلَمْ تَشْكُكْ بِأَنّ مُحَمّدًا ... رَسُولٌ بِبُرْهَانِ فَمَنْ ذَا يُقَاوِمُهْ؟! عَلَيْك بِكَفّ الْقَوْمِ عَنْهُ، فَإِنّنِي ... أَرَى أَمْرَهُ يَوْمًا سَتَبْدُو مَعَالِمُهْ بِأَمْرِ يَوَدّ النّاسُ فِيهِ بِأَسْرِهِمْ ... بِأَنّ جَمِيعَ النّاسِ طرّا يسالمه

_ (1) الإعانة والإعطاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ قَدّمْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَ ذِكْرِ كِسْرَى مَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حِينَ أُتِيَ بِتَاجِ كِسْرَى، وَسِوَارَيْهِ وَمِنْطَقَتِهِ، وَأَنّهُ دَعَا بِسُرَاقَةَ، وَكَانَ أَزَبّ الذّرَاعَيْنِ «1» ، فَحَلّاهُ حِلْيَةَ كِسْرَى، وَقَالَ لَهُ: ارْفَعْ يَدَيْك، وَقُلْ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي سَلَبَ هَذَا كِسْرَى الْمَلِكَ الّذِي كَانَ يَزْعُمُ أَنّهُ رَبّ النّاسِ وَكَسَاهَا أَعْرَابِيّا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ «2» . فَقَالَ ذَلِكَ سُرَاقَةُ، وَإِنّمَا فَعَلَهَا عُمَرُ لِأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ قَدْ بَشّرَ بِهَا سُرَاقَةَ حِينَ أَسْلَمَ، وَأَخْبَرَهُ أَنّ اللهَ سَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بِلَادَ فَارِسٍ، وَيُغَنّمُهُ مُلْكَ كِسْرَى، فَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ سُرَاقَةُ فِي نَفْسِهِ، وَقَالَ: أَكِسْرَى مَلِكُ الْمُلُوكِ؟! فَأَخْبَرَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّ حِلْيَتَهُ سَتُجْعَلُ عَلَيْهِ تَحْقِيقًا لِلْوَعْدِ، وَإِنْ كَانَ أَعْرَابِيّا بَوّالًا عَلَى عَقِبَيْهِ، وَلَكِنّ اللهَ يُعِزّ بِالْإِسْلَامِ أَهْلَهُ، وَيُسْبِغُ عَلَى مُحَمّدٍ وَأُمّتِهِ نِعْمَتَهُ وَفَضْلَهُ. وَفِي السّيَرِ مِنْ رِوَايَةُ يُونُسَ شِعْرٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قِصّةِ الْغَارِ: قَالَ النّبِيّ وَلَمْ يَزَلْ يُوَقّرُنِي ... وَنَحْنُ فِي سدف من ظلمة الغار «3»

_ (1) التزبب فى الإنسان: كثرة الشعر وطوله. (2) فى رواية: كسرى بن هرمز. وقصة سراقة فى البخارى. ولكن ليس فى روايته مسألة السوارين، إنما فيها أنه قال بعد أن حدث لفرسه ما حدث والتقى برسول اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- «فَقُلْتُ لَهُ: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآنى، ولم يسألانى إلا أن قال: اخف عنا، فسألته أن يكتب لى كتاب أمن. فأمر عامر بن فهيرة، فكتب فى رقعة من أديم» . (3) سدف بفتح السين: الظلمة والليل وسواده، وبضمها: جمع سدفة: الظلمة والقطعة من الليل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَا تَخْشَ شَيْئًا؛ فَإِنّ اللهَ ثَالِثُنَا ... وَقَدْ تَوَكّلَ لِي مِنْهُ بِإِظْهَارِ وَإِنّمَا كَيْدُ مَنْ تَخْشَى بَوَادِرَهُ ... كَيْدُ الشّيَاطِينَ كَادَتْهُ لِكُفّارِ وَاَللهُ مُهْلِكُهُمْ طَرّا بِمَا كَسَبُوا ... وَجَاعِلُ الْمُنْتَهَى مِنْهُمْ إلَى النّارِ وَأَنْتَ مُرْتَحِلٌ عَنْهُمْ وَتَارِكُهُمْ ... إمّا غدوّا وَإِمّا مُدْلِجٌ سَارِي وَهَاجِرٌ أَرْضَهُمْ حَتّى يَكُونَ لَنَا ... قَوْمٌ عَلَيْهِمْ ذَوُو عِزّ وَأَنْصَارِ حَتّى إذَا اللّيْلُ وَارَتْنَا جَوَانِبُهُ ... وَسَدّ مِنْ دُونِ مَنْ تَخْشَى بِأَسْتَارِ سَارَ الْأُرَيْقِطُ يَهْدِينَا وَأَيْنُقُهُ ... يَنْعَبْنَ بِالْقَرْمِ نَعْبًا تَحْتَ أَكْوَارِ يَعْسِفْنَ عَرْضَ الثّنايا بعد أطولها ... وكلّ سهب رقاق التّراب مَوّارِ حَتّى إذَا قُلْت: قَدْ أَنْجَدْنَ عَارِضَهَا ... مِنْ مُدْلِجٍ فَارِسٍ فِي مَنْصِبٍ وَارِ يُرْدِي بِهِ مُشْرِفَ الْأَقْطَارِ مُعْتَزَمٌ ... كَالسّيدِ ذِي اللّبْدَةِ الْمُسْتَأْسِدِ الضّارِي فَقَالَ: كُرّوا فَقُلْت: إنّ كَرّتَنَا ... من دونهالك نَصْرُ الْخَالِقِ الْبَارِي أَنْ يَخْسِفَ الْأَرْضَ بِالْأَحْوَى وَفَارِسِهِ ... فَانْظُرْ إلَى أَرْبُعٍ فِي الْأَرْضِ غُوّارِ فَهِيلَ لَمّا رَأَى أَرْسَاغَ مَقْرَبِهِ ... قَدْ سُخْنَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَحْفِرْ بِمِحْفَارِ فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ تُطْلِقُوا فَرَسِي ... وَتَأْخُذُوا مَوْثِقِي فِي نُصْحِ أَسْرَارِ وَأَصْرِفُ الْحَيّ عَنْكُمْ إنْ لَقِيتُهُمْ ... وَأَنْ أُعَوّرَ مِنْهُمْ عَيْنَ عُوّارِ فَادْعُوَا الّذِي هُوَ عَنْكُمْ كَفّ عَوْرَتَنَا ... يُطْلِقْ جَوَادِي وَأَنْتُمْ خير أبرار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَالَ قَوْلًا رَسُولُ اللهِ مُبْتَهِلًا ... يَا رَبّ إنْ كَانَ مِنْهُ غَيْرُ إخْفَارِ فَنَجّهِ سَالِمًا مِنْ شَرّ دَعْوَتِنَا ... وَمُهْرَهُ مُطْلَقًا مِنْ كَلْمِ آثَارِ فَأَظْهَرَ اللهُ إذْ يَدْعُو حَوَافِرَهُ ... وَفَازَ فَارِسُهُ مِنْ هَوْلِ أَخْطَارِ «1» حَدِيثُ أُمّ مَعْبَدٍ وَذَكَرَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ خَفِيَ عَلَيْهَا، وَعَلَى مَنْ مَعَهَا أَمْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَدْرُوا أين توجه، حتى أنى رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ، وَلَا يَرَوْنَهُ، فَمَرّ عَلَى مَكّةَ وَالنّاسُ يَتّبِعُونَهُ وَهُوَ يُنْشِدُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ: جَزَى اللهُ رَبّ النّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حَلّا خَيْمَتَيْ أُمّ مَعْبَدِ هُمَا نَزَلَا بِالْبِرّ ثُمّ تَرَحّلَا «2» ... فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمّدِ لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَقَامَ فَتَاتِهِمْ ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد فيالقصىّ مازوى اللهُ عَنْكُمْ ... بِهِ مِنْ فِعَالٍ لَا يُجَازِي وَسُوْدُدِ سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنّكُمْ إنْ تَسْأَلُوا الشّاةَ تَشْهَدْ دَعَاهَا بِشَاةِ حَائِلٍ فَتَحَلّبَتْ ... لَهُ بِصَرِيحِ ضَرّةُ الشّاةِ مُزْبِدِ فَغَادَرَهَا رَهْنًا لَدَيْهَا بِحَالِبِ ... يُرَدّدُهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمّ مورد

_ (1) فى القصيدة صنعة لا تدل على العصر المنسوبة اليه. وليس فيها روح ايمان أبى بكر. ولهذا لم ترو فى كتب السنة المعتبرة. (2) فى السيرة: تروحا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيُرْوَى أَنّ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ لَمّا بَلَغَهُ شِعْرُ الْجِنّيّ، وَمَا هَتَفَ بِهِ فِي مَكّةَ قال يجيبه: لقد خاب قوم غاب عَنّهُمْ نَبِيّهُمْ ... وَقَدْ سُرّ مَنْ يَسْرِي إلَيْهِمْ وَيَغْتَدِي تَرَحّلَ عَنْ قَوْمٍ فَضَلّتْ عُقُولُهُمْ ... وَحَلّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورِ مُجَدّدِ هَدَاهُمْ بِهِ بَعْدَ الضّلَالَةِ رَبّهُمْ ... وَأَرْشَدَهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الْحَقّ يَرْشُدْ وهل يستوى ضلّال قوم تسفّهوا ... عما يتهم هاد بها كل مهتد «1»

_ (1) قصة أم معبد ضعيفة السند، وقد أخرجها البغوى وابن شاهين وابن السكن وابن مندة والطبرانى والحاكم والبيهقى وأبو نعيم من طريق حزام بن هشام ابن حبيش بن خالد عن أبيه عن جده، وبعضها فى تاريخ الطبرى «أنظر ص 466 ح 1 الخصائص للسيوطى دار الكتب الحديثة وص 380 ح 2 الطبرى ط دار المعارف» . والقصيدة مروية بروايات مختلفة فمنها: جزى الله خيرا والجزاء بكفه ... رفيقين قالا خيمتى أم معبد هما رحلا بالحق وانتزلا به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد فما حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَبَرّ وَأَوْفَى ذمة من محمد وأكسى لبرد الحال قبل ابتذاله ... وأعطى لرأس السانح المتجدد ولم يصرح فى رواية البغوى ومن ذكرتهم بعده بذكر الجنى وإنما قيل فى روايتهم «فأصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه» ولكن غرام الرواة بالجن جعلهم يغرمون بذكرهم وراء كل شأن عجيب!! رواية البيت فى وفاء الوفا وفى الاكتفاء للكلاعى هكذا: وهل يستوى ضلال قوم تسكعوا ... عمى وهداة يهتدون يمهتد وفى شرح السيرة للخشنى: وهل يستوى ضلال قوم تشفهوا ... وهاد به نال الهدى كل مهتدى وفى المواهب: الشطرة الثانية هكذا: عمى وهداة يهتدون بمهتدى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَقَدْ نَزَلَتْ مِنْهُ إلَى أَهْلِ يَثْرِبِ ... رِكَابُ هُدًى حَلّتْ عَلَيْهِمْ بِأَسْعَدِ نَبِيّ يَرَى مَا لَا يَرَى النّاسُ حَوْلَهُ ... وَيَتْلُو كِتَابَ اللهِ فى كل مشهد «1»

_ (1) وفى رواية أخرى: مسجد. ولما فى حديث أم معبد من أسلوب أدبى ممتاز أحببت نقله وقد ذكر السهيلى باختصار «روى ابن حبيش بن خالد عن أبيه عن جده أن رسول الله «ص» حين خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر ومولى أبى بكر: عامر ابن فهيرة، ودليلهما الليثى: عبد الله بن الأريقط مروا على خيمتى أم معبد الخزاعية، وكانت برزة جلدة تحتبى بفناء القبة، ثم تسقى، وتطعم، فسألوها لحما وتمرا، ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئا وكان القوم مرملين مشتين- ويروى: مسنتين فنظر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى شاة فى كسر الخيمة، فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم. فقال: هل بها من لبن؟ قالت هى أجهد من ذلك. قال أتأذنين لى أن أحلبها، قالت: بأبى أنت وأمى إن رأيت بها فاحلبها، فدعا بها رسول الله- ص- فمسح بيده ضرعها، وسمى الله ودعالها فى شاتها، فتفاجت عليه، ودرت واجترت، ودعا بإناء يربض الرمط، فحلب فيه ثجا حتى علاه لبنها- وفى رواية: حتى علته الرغوة، أو حتى علاه البهاء- ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم- صلى الله عليه وسلم- ثم أراضوا، ثم حلب فيه ثانية بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها ثم بايعها- يعنى على الإسلام، ثم ارتحلوا عنها، فما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزلى، لا نقى يهن، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا يا أم معبد، والشاة عازب حيال، ولا حلوب فى البيت؟، قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، وقال: صفيه لى يا أم معبد، قالت: رأيته رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه حسن الخلق، لم تعبد ثجلة- أو نحلة- ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، فى عينيه دعج، وفى أشفاره عطف أو غطف- والشك من أبى محمد بن مسلم- ويروى: وطف، وفى صورته صحل، وفى عنقه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ سطع، وفى لحيته كثاثة أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر، إن صمت، فعليه الوقار، وإن تكلم سما، وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فصل لا نزر، ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظمن- أو، ربعة خرزات نظم تحدرن لا بائن من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصنا بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال: أنصتوا له، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا معتد. قال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش الذى ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا، نقلت الحديث من شرح السيرة لأبى ذر الخشنى ص 126 وما بعدها، مراجعا على ص 466 ح 1 الخصائص للسيوطى ط دار الكتب الحديثة وص 139 ح 2 زاد المعاد لأبن القيم إليك شرح أبى ذر لمفردات الحديث: برزة المرأة التى طعنت فى السن فهى تبرز للرجال، ولا تحتجب عنهم، جلدة: جزلة وصفها بالجزالة. مرملين: أرمل الرجل: إذا نفذ زاده فى سفر أو حضر. مشتين: أى داخلين فى زمن الشتاء، ومن رواه: مسنتين، فمعناه: دخلوا فى سنة الجدب والقحط. وكسر البيت جانبه، يقال بكسر الكاف وفتحها. والجهد: المشقة والضعف. تفاجت: أى فتحت رجليها للحلب. يربض الرهط: يبالغ فى ربهم ويثقلهم حتى يلصقهم بالأرض، يقال ربضت الدابة وغيرها، وأربضتها أى جعلنها تلصق بالأرض، والرهط: ما بين الثلاثة إلى العشرة. ثجا: أى سائلا، والماء الثجاج: السائل. علاه البهاء: بريق الرغوة ولمعانها أراضوا: كرروا الشرب حتى بالغوا فى الرى يقال: أراض الوادى: إذا كثر ماؤه، واستنقع. وكذلك الحوض، وفى بعض الروايات: ثم أراضوا عللا بعد نهل. ذكر ذلك ابن قتيبة، والنهل: الشرب الثانى. غادره: تركه، ومنه سمى الغدير، لأن السيل غادره، أى تركه. عجاف: ضعاف. تشاركن هزلا، أى تساوين فى الضعف و (يتساوكن هزلى) : يتمايلن من شدة ضعفهن. غارب: بعيد المرعى. حيال: جمع حائل، وهى التى لم تحمل، ولا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . حلوب: يعنى: شاة تحلب، وقد تكون الحلوب واحدا، وقد يكون جمعا. ظاهر الوضاءة: الوضاءة: حسن الوجه. ونظافته، ومنه اشتقاق الوضوء. أبلج للوجه: مشرق الوجه، يقال تبلج الصبح إذا أشرق وأنار. لم يعبه نحله: يعنى: ضعفه وصغره، وهو من الجسم الناحل، وهو القليل اللحم. ولم يزر: لم يقصر، والصقل والصقلة: جلدة الخاصرة، تريد: أنه ناعم الجسم، ضاهر الخاصرة، وهو من الأوصاف الحسنة. وفى بعض روايات هذا الحديث: لم تعبه ثجلة. ولم يزر به صعلة، فالثجلة: عظم البطن، يقال: بطن أثجل إذا كان عظيما، والصعلة صغر الرأس، ومنه يقال للنعام: صعل. وسيم «الحسن والوضاءة الثابتة. وقسيم: كأن كل عضو من وجهه أخذ قسمة من الجمال» . الدعج: شدة سواد العين. «الأشفار: أهداب العين» فى أشفاره عطف أو غطف، ويروى: وطف الوطف: طول شعر أشفار العين، وقال صاحب كتاب العين: الغطف بالغين المعجمة مثل الوطف، وأما العطف بالعين المهملة، فلا معنى له هنا، وقد فسره بعضهم، فقال: هو أن تطول أشفار العين حتى تنعطف. صحل: الصحل: البحح، يريد: أنه ليس بحاد الصوت. فى عنقه سطع: أى: إشراف وطول، يقال: عنق سطعاء إذا أشرفت وطالت، فى لحيته كثاثة: الكثاثة: دقة نبات شعر اللحية مع استدارة فيها. أزج أقرن: الزجج: دقة شعر الحاجبين مع طولها، والقرن: أن يتصل ما بينهما بالشعر علاه البهاء: البهاء هنا: حسن الظاهر. فصل لا نزر ولا هذر: الفصل: الكلام البين، والنزر: الكلام القليل، والهذر: الكلام الكثير. وأرادت أن كلامه ليس بقليل، فينسب إلى العى، ولا بكثير فينسب إلى التزيد. لا بائن من طول: طوله ليس بمفرط لا تقتحمه عين: أى: لا تحتقره، يقال رأيت فلانا فاقتحمته عينى، أى: احتقرته أنضر الثلاثة: أى: أنعم الثلاثة من النضرة، وهو النعيم. محفود: مخدوم، والحفدة: الخدمة، ويقال: حفدت الرجل: إذا خدمته، محشود: محفوف به. قال ابن طريف: يقال: حشدت الرجل إذا أطفت به، واستشهد بلفظة محشود من هذا الحديث، ولا معتد: أى غير ظالم «أحورا أكحل: الحور بياض العين الواضح، والكحل: سواد أشفار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ ... فَتَصْدِيقُهُ فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الْغَدِ لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةَ جَدّهِ ... بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدُ اللهَ يَسْعَدْ وَزَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ أَنّ قُرَيْشًا لَمّا سَمِعَتْ الْهَاتِفَ مِنْ الْجِنّ أَرْسَلُوا إلَى أُمّ مَعْبَدٍ، وَهِيَ بِخَيْمَتِهَا، فَقَالُوا: هَلْ مَرّ بِك مُحَمّدٌ الّذِي مِنْ حِلْيَتِهِ كَذَا، فَقَالَتْ: لَا أَدْرِي مَا تَقُولُونَ، وَإِنّمَا ضَافَنِي حَالِبُ الشّاةِ الْحَائِلِ، وَكَانُوا أَرْبَعَةً رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ التّعْرِيفُ بِهِ وَطَرَفٌ مِنْ ذِكْرِ فَضَائِلِهِ فِي هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ، وَالرّابِعُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ اللّيْثِيّ وَلَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ مُسْلِمًا، وَلَا وَجَدْنَا مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ أَنّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ أَنّهُمْ اسْتَأْجَرُوهُ، وَكَانَ هَادِيًا خِرّيتًا، وَالْخِرّيتُ: الْمَاهِرُ بِالطّرِيقِ الّذِي يَهْتَدِي بِمِثْلِ خَرْتِ الْإِبْرَةِ، وَيُقَالُ لَهُ: الْخَوْتَعُ أَيْضًا قَالَ الرّاجِزُ: يَضِلّ فِيهَا الْخَوْتَعُ الْمُشَهّرُ نَسَبُ أُمّ مَعْبَدٍ وَزَوْجِهَا: وَأَمّا أُمّ مَعْبَدٍ الّتِي مَرّ بِخَيْمَتِهَا، فَاسْمُهَا: عَاتِكَةُ بِنْتُ خَالِدٍ إحْدَى بنى

_ العين كأنها مكحلة. خرزات: حبات اللؤلؤ ونحوه. النظم: العقد المنظوم. يتحدرن: إذا انفرط العقد فى العنق، فأخذت الحبات تنزل واحدة بعد واحدة أربعة: وسط فى الطول. وقد وردت عدة أحاديث فى صفاته الجسمية متفق عليها بين البخارى ومسلم، فانظرها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَعْبٍ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهِيَ أُخْتُ حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ، وَلَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَيُقَالُ لَهُ الْأَشْعَرُ، وَأَخُوهَا: حُبَيْشُ بْنُ خَالِدٍ سَيَأْتِي ذِكْرُهُ وَالْخِلَافُ فِي اسْمِهِ وَخَالِدٌ الْأَشْعَرُ أَبُوهُمَا، هُوَ: ابْنُ خنيف بْنِ مُنْقِذِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَصْرَم بْنِ ضُبَيْسِ بْنِ حَرَامِ بْنِ حُبْشِيّةِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ أَبُو خُزَاعَةَ «1» . وَزَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يُقَالُ إنّ لَهُ رِوَايَةً أَيْضًا عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم- توفي فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» ، وَلَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَكَانَ مَنْزِلُ أُمّ مَعْبَدٍ بِقُدَيْدٍ، وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُهَا بِأَلْفَاظِ مُخْتَلِفَةٍ مُتَقَارِبَةِ الْمَعَانِي، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَتَقَصّى شَرْحَ أَلْفَاظِهِ، وَفِيهِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قال لِأُمّ مَعْبَدٍ: وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ، فَطَلَبُوا لَبَنًا أَوْ لَحْمًا يَشْتَرُونَهُ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهَا شَيْئًا، فَنَظَرَ إلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ خَلّفَهَا الْجَهْدُ عَنْ الْغَنَمِ، فَسَأَلَهَا: هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ فَقَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلِبَهَا، فَقَالَتْ بِأَبِي أَنْت وَأُمّي، إنْ رَأَيْت بِهَا حَلْبًا فَاحْلِبْهَا، فَدَعَا بِالشّاةِ، فَاعْتَقَلَهَا، وَمَسَحَ ضَرْعَهَا، فَتَفَاجّتْ وَدَرّتْ وَاجْتَرّتْ، وَدَعَا بِإِنَاءِ يُرْبِضُ الرّهْطَ أَيْ: يُشْبِعُ الْجَمَاعَةَ حَتّى يُرْبَضُوا، فَحَلَبَ فِيهِ حَتّى مَلَأَهُ، وَسَقَى الْقَوْمَ حَتّى رُوُوا ثُمّ شَرِبَ آخِرُهُمْ، ثُمّ حَلَبَ فِيهِ مَرّةً أُخْرَى عَلَلًا بَعْدَ نَهْلٍ، ثُمّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا، وَذَهَبُوا، فَجَاءَ أَبُو معبد، وكان غائبا

_ (1) نسب أبيهما فى الإصابة: خالد بن سعد بن منقذ بن ربيعة فانظرها بن أصرم بن خبيس بمعجمة ثم مثناة ثم موحدة ثم مهملة ابن حرام الخ. (2) أنظر الإصابة ترجمة رقم 1050

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلَمّا رَأَى اللّبَنَ قَالَ: مَا هَذَا يَا أُمّ مَعْبَدٍ أَنّى لَك هَذَا وَالشّاءُ عَازِبٌ حِيَالٌ، وَلَا حَلُوبَةَ بِالْبَيْتِ، فَقَالَتْ: لَا وَاَللهِ، إلّا أَنّهُ مَرّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ، فَقَالَ: صِفِيهِ يَا أُمّ مَعْبَدٍ، فَوَصَفَتْهُ بِمَا ذَكَرَ الْقُتَبِيّ وَغَيْرُهُ فِي الْحَدِيثِ، وَمِمّا ذَكَرَهُ الْقُتَبِيّ: فَشَرِبُوا حَتّى أَرَاضُوا جَعَلَهُ الْقُتَبِيّ مِنْ اسْتَرَاضَ الْوَادِي: إذَا اسْتَنْقَعَ وَمِنْ الرّوْضَةِ وَهِيَ بَقِيّةُ الماء فى الحوض وأنشد: وروضة سقيت فيها نِضْوِي «1» وَرَوَاهُ الْهَرَوِيّ حَتّى آرَضُوا عَلَى وَزْنِ آمَنُوا، أَيْ ضَرَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ إلَى الْأَرْضِ مِنْ الرّيّ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّ آلَ أَبِي مَعْبَدٍ كَانُوا يُؤَرّخُونَ بِذَلِكَ، الْيَوْمَ، وَيُسَمّونَهُ: يَوْمَ الرّجُلِ الْمُبَارَكِ، يَقُولُونَ فَعَلْنَا كَيْتُ وَكَيْتُ قَبْلَ أن يأتينا الرجل المبارك، أو بعد ما جَاءَ الرّجُلُ الْمُبَارَكُ، ثُمّ إنّهَا أَتَتْ الْمَدِينَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا شَاءَ اللهُ، وَمَعَهَا ابْنٌ صَغِيرٌ قَدْ بَلَغَ السّعْيَ فَمَرّ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُكَلّمُ النّاسَ. عَلَى الْمِنْبَرِ فَانْطَلَقَ إلَى أُمّهِ يَشْتَدّ، فَقَالَ لَهَا يَا أُمّتَاهُ إنّي رَأَيْت الْيَوْمَ الرّجُلَ الْمُبَارَكَ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا بُنَيّ وَيْحَك هُوَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.

_ (1) في اللسان: نضوتى وهى أنثى البعير المهزول. قال ابن برى: وأنشد أبو عمرو فى نوادره وذكر أنه لهمان السعدى: وروضة فى الحوض قد سقيتها ... نضوى وأرض قد أبت طويتها وأراض الحوض غطى أسفله الماء، استراض تبطح فيه الماء على وجهه، واستراض الوادى استنقع فيه الماء، قال: وكأن الروضة سميت روضة لاستراضة الماء فيها.

طريق الهجرة

[طريق الهجرة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا خَرَجَ بِهِمَا دَلِيلُهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَرْقَطَ، سَلَكَ بِهِمَا أَسْفَلَ مَكّةَ، ثُمّ مَضَى بِهِمَا عَلَى السّاحِلِ، حَتّى عَارَضَ الطّرِيقَ أَسْفَلَ مِنْ عُسْفَانَ، ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا عَلَى أَسْفَلِ أَمَجَ، ثُمّ اسْتَجَازَ بِهِمَا، حَتّى عَارَضَ بِهِمَا الطّرِيقَ، بَعْدَ أَنْ أَجَازَ قُدَيْدًا، ثُمّ أَجَازَ بِهِمَا مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ، فَسَلَكَ بِهِمَا الْخَرّارَ، ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا ثَنِيّةَ الْمَرّةِ، ثُمّ سَلَكَ بِهِمَا لِقْفا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: لَفْتَا. قَالَ مَعْقِلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الهذلى: نزيما محلبا من أهل لفت ... لخىّ بين أثلة والنّجام قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ. أَجَازَ بِهِمَا مَدْلَجَةَ لقف ثم استبطن بهما مدلجة مجاج- وَيُقَالُ: مِجَاجٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- ثُمّ سلك بهما مرجح مجاج، ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمِمّا يُسْأَلُ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يقال: هل استمرت تلك القبركة فِي شَاةِ أُمّ مَعْبَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَمْ عَادَتْ إلَى حَالِهَا؟ وَفِي الْخَبَرِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حُبَيْشٍ الْكَعْبِيّ، قَالَ: أَنَا رَأَيْت تِلْكَ الشّاةَ وَإِنّهَا لَتَأْدِمُ أُمّ مَعْبَدٍ وَجَمِيعَ صِرْمِهَا، أَيْ: أَهْلِ ذَلِكَ الْمَاءِ، وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا مِنْ الْغَرِيبِ فِي وَصْفِ الشّاةِ: قَالَ مَا كَانَ فِيهَا بُصْرَةٌ وَهِيَ النّقَطُ مِنْ اللبن تبصر بالعين.

النزول بقباء

ثُمّ تَبَطّنَ بِهِمَا مَرْجِحَ مِنْ ذِي الْغَضْوَيْنِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْعُضْوَيْنِ- ثُمّ بَطْنَ ذِي كَشْرٍ، ثُمّ أَخَذَ بِهِمَا عَلَى الْجَدَاجِدِ، ثم على الأجرد، ثم سلك بهماذا سَلَمٍ، مِنْ بَطْنِ أَعْدَاءِ مَدْلِجَة تِعْهِنِ، ثُمّ عَلَى الْعَبَابِيدِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْعَبَابِيبُ، وَيُقَالُ: الْعِثْيَانَةَ. يُرِيدُ: الْعَبَابِيبَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَجَازَ بِهِمَا الْفَاجّةَ، وَيُقَالُ: الْقَاحّةُ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ هَبَطَ بِهِمَا الْعَرْجَ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهِمَا بَعْضُ ظَهْرِهِمْ، فَحَمَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، يُقَالُ لَهُ: أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ، عَلَى جَمَلٍ لَهُ- يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الرّدّاءِ- إلَى الْمَدِينَةِ، وَبَعَثَ مَعَهُ غُلَامًا له، يقال له: مسعود بن هنيدة، ثم خَرَجَ بِهِمَا دَلِيلُهُمَا مِنْ الْعَرَجِ، فَسَلَكَ بِهِمَا ثَنِيّةَ الْعَائِرِ، عَنْ يَمِينِ رَكُوبَةٍ- وَيُقَالُ: ثَنِيّةُ الْغَائِرِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- حَتّى هَبَطَ بِهِمَا بَطْنَ رِئْمٍ، ثُمّ قَدِمَ بِهِمَا قُبَاءٍ، عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ يَوْمَ الاثنين، حين اشتد الضحاء، وكادت الشمس تعتدل. [النزول بقباء] قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ سَاعِدَةَ، قَالَ: حَدّثَنِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالُوا: لَمّا سَمِعْنَا بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنازل التى نزلت بقباء

وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ، وَتَوَكّفْنَا قُدُومَهُ، كُنّا نَخْرُجُ إذَا صَلّيْنَا الصّبْحَ، إلَى ظَاهِرِ حَرّتِنَا نَنْتَظِرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فو الله مَا نَبْرَحُ حَتّى تَغْلِبَنَا الشّمْسُ عَلَى الظّلَالِ فَإِذَا لَمْ نَجِدْ ظِلّا دَخَلْنَا، وَذَلِكَ فِي أَيّامٍ حَارّةٍ. حَتّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَلَسْنَا كَمَا كُنّا نَجْلِسُ، حَتّى إذَا لَمْ يَبْقَ ظِلّ دَخَلْنَا بُيُوتَنَا، وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ دَخَلْنَا الْبُيُوتَ، فَكَانَ أَوّلُ مَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، وَقَدْ رَأَى مَا كُنّا نَصْنَعُ، وَأَنّا نَنْتَظِرُ قُدُومَ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- عَلَيْنَا، فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا بَنِي قيبلة، هَذَا جَدّكُمْ قَدْ جَاءَ. قَالَ: فَخَرَجْنَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو فِي ظِلّ نَخْلَةٍ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي مِثْلِ سِنّهِ، وَأَكْثَرُنَا لَمْ يَكُنْ رَأَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ ذَلِكَ، وَرَكِبَهُ النّاسُ وَمَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، حَتّى زَالَ الظّلّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام أَبُو بَكْرٍ فَأَظَلّهُ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفْنَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ. [المنازل التى نزلت بقباء] قال ابْنُ إسْحَاقَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ، أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، ثُمّ أَحَدِ بَنِي عُبَيْدٍ: وَيُقَالُ: بَلْ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ. وَيَقُولُ مَنْ يَذْكُرُ أَنّهُ نَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ: إنّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِ كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ جَلَسَ لِلنّاسِ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ. وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ عَزَبًا لَا أَهْلَ لَهُ، وَكَانَ منزل العزّاب مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، فَمِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سهيل بن حنيف وامرأة مسلمة

هُنَالِكَ يُقَالُ: نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ، وَكَانَ يُقَالُ لِبَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثمةَ: بَيْتُ العزّاب. فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ، كُلّا قَدْ سمعنا. وَنَزَلَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ، أَحَدِ بَنِي الْحَارِثِ بن الْخَزْرَجَ بِالسّنْحِ. وَيَقُولُ قَائِلٌ: كَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، أَخِي بنى الحارث بن الخزرج. وَأَقَامَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ بِمَكّةَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَأَيّامِهَا، حَتّى أَدّى عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَدَائِعَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنّاسِ، حَتّى إذَا فَرَغَ مِنْهَا لَحِقَ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَنَزَلَ مَعَهُ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ هِدْمٍ. [سهيل بن حنيف وامرأة مسلمة] فَكَانَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَإِنّمَا كَانَتْ إقَامَتُهُ بقُباءٍ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ يَقُولُ: كَانَتْ بقُباءٍ امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا، مُسْلِمَةٌ. قَالَ: فَرَأَيْت إنْسَانًا يَأْتِيهَا مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ، فَيَضْرِبُ عَلَيْهَا بَابَهَا، فَتَخْرَجُ إلَيْهِ فَيُعْطِيَهَا شَيْئًا مَعَهُ فتأخذه. قال: فاستربت بشأنه، فقلت لها: يا أمة الله، من هذا الرجل الذى يضرب عليك بابك كلّ ليلة، فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أَدْرِي مَا هُوَ، وَأَنْتِ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ لَا زَوْجَ لَك؟ قَالَتْ: هَذَا سَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ وَاهِبٍ، قد عَرَفَ أَنّي امْرَأَةٌ لَا أَحَدَ لِي، فَإِذَا أَمْسَى عَدَا عَلَى أَوْثَانِ قَوْمِهِ فَكَسّرَهَا، ثُمّ جَاءَنِي بِهَا، فَقَالَ: احْتَطِبِي بِهَذَا، فَكَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَأْثُرُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، حَتّى هَلَكَ عِنْدَهُ بِالْعِرَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بناء مسجد قباء

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي هَذَا، مِنْ حَدِيثِ علىّ رضى الله عنه، هند ابن سَعْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، رَضِيَ اللهُ عنه. [بِنَاءُ مَسْجِدِ قُبَاءٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بقُباءٍ، فى بنى عمرو ابن عوف، يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعام ويوم الخميس وأسّس مسجده. ثُمّ أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يُزْعِمُونَ أَنّهُ مَكَثَ فِيهِمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ. فَأَدْرَكَتْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَصَلّاهَا فِي الْمَسْجِدِ الّذِي فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَادِي رَانُونَاءَ، فَكَانَتْ أَوّلَ جُمُعَةٍ صلاها بالمدينة. [القبائل تعترضه لينزل عِنْدَهَا] فَأَتَاهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سالم ابن عَوْفٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ. أَقِمْ عِنْدَنَا فِي الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ؛ قَالَ: خَلّوا سَبِيلَهَا، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ، لِنَاقَتِهِ: فَخَلّوا سَبِيلهَا، فَانْطَلَقَتْ حَتّى إذَا وَازَنَتْ دَارَ بَنِي بَيّاضَةَ، تَلَقّاهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو، فِي رِجَالٍ من بنى بياضة فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: هَلُمّ إلَيْنَا، إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ؛ قَالَ: خَلّوا سَبِيلَهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ، فَخَلّوْا سَبِيلَهَا. فَانْطَلَقَتْ، حَتّى إذَا مَرّتْ بِدَارِ بَنِي سَاعِدَةَ، اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي ساعدة، فقالوا: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مبرك الناقة بدار بنى مالك بن النجار

يَا رَسُولَ اللهِ، هَلُمّ إلَيْنَا إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ؛ قَالَ: خَلّوا سَبِيلَهَا، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ، فخلوا سبيلها، فانطلقت، حتى إذا وازنت دار بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رواحة، فى رجال من بنى الحارث ابن الْخَزْرَجِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلُمّ إلَيْنَا إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ، قَالَ: خَلّوا سَبِيلَهَا، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ، فَخَلّوْا سَبِيلَهَا. فَانْطَلَقَتْ، حَتّى إذَا مَرّتْ بِدَارِ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ، وَهُمْ أَخْوَالُهُ دِنْيَا- أُمّ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، سَلْمَى بِنْتُ عَمْرٍو، إحْدَى نِسَائِهِمْ- اعْتَرَضَهُ سَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ، وأبو سليط أسيرة ابن أَبِي خَارِجَةَ، فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلُمّ إلَى أَخْوَالِك، إلَى الْعَدَدِ وَالْعِدّةِ وَالْمَنَعَةِ؛ قَالَ: خَلّوا سَبِيلَهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ، فَخَلّوْا سَبِيلَهَا، فَانْطَلَقَتْ. [مبرك الناقة بِدَارِ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ] حَتّى إذَا أَتَتْ دَارَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، بَرَكَتْ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ مِرْبَدٌ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بَنِي النّجّارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَهُمَا فِي حِجْرِ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ، سَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو. فَلَمّا بَرَكَتْ- وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهَا- لَمْ يَنْزِلْ، وَثَبَتَ فَسَارَتْ غَيْرَ بِعِيدٍ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لَا يَثْنِيهَا بِهِ، ثُمّ الْتَفَتَتْ إلَى خَلْفِهَا فَرَجَعَتْ إلَى مَبْرَكِهَا أَوّلَ مَرّةٍ، فَبَرَكَتْ فِيهِ، ثُمّ تحلحلت ورزمت ووضعت جرانها، فَنَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاحْتَمَلَ أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ رَحْلَهُ، فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المسجد والمسكن

عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَسَأَلَ عَنْ الْمِرْبَدِ لِمَنْ هُوَ؟ فَقَالَ لَهُ مَعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ: هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو، وَهُمَا يتيمان لى، وسأرضيهما منه، فاتخذه مسجدا. [المسجد والمسكن] قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم أن يا بنى مَسْجِدًا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَبِي أَيّوبَ حَتّى بَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسَاكِنَهُ، فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُرَغّبَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَمَلِ فِيهِ، فَعَمِلَ فِيهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَدَأَبُوا فِيهِ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنّبِيّ يَعْمَلُ ... لَذَاكَ مِنّا الْعَمَلُ الْمُضَلّلُ وَارْتَجَزَ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ يَبْنُونَهُ يَقُولُونَ: لَا عَيْشَ إلّا عَيْشَ الْآخِرَهْ ... اللهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا كَلَامٌ وَلَيْسَ بِرَجَزٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عيش إلا عيش الآخره، اللهم ارحم المهاجرين والأنصار. [عمار والفئة الباغية] قَالَ: فَدَخَلَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَقَدْ أَثْقَلُوهُ باللّبن، فقال: يا رسول الله، قتلونى، يحملون علىّ ما لا يحملون. قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسلم: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ارتجاز على

فَرَأَيْت رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ينفض وفرته بيده، كان رَجُلًا جَعْدًا، وَهُوَ يَقُولُ: وَيْحَ ابْنَ سُمَيّةَ، لَيْسُوا بِاَلّذِينَ يَقْتُلُونَك، إنّمَا تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ. [ارتجاز على] وَارْتَجَزَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمئِذٍ: لَا يَسْتَوِي مَنْ يَعْمُرُ الْمَسَاجِدَا ... يَدْأَبُ فِيهِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمَنْ يُرَى عَنْ الْغُبَارِ حَائِدًا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَأَلْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ، عَنْ هَذَا الرّجَزِ، فَقَالُوا: بَلَغَنَا أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ارْتَجَزَ بِهِ، فَلَا يُدْرَى: أَهُوَ قَائِلُهُ أم غيره. [مشادة عمار] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَخَذَهَا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ بِهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَلَمّا أَكْثَرَ، ظَنّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ إنّمَا يُعَرّضُ بِهِ، فِيمَا حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكّائِي، عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَقَدْ سَمّى ابْنُ إسحاق الرجل. [الرسول صلى الله عليه وسلم يوصى بِعَمّارٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ ما تقول منذ اليوم يابن سُمَيّةَ، وَاَللهِ إنّي لَأُرَانِي سَأَعْرِضُ هَذِهِ الْعَصَا لِأَنْفِك. قَالَ: وَفِي يَدِهِ عَصًا. قَالَ: فَغَضِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إضافة بناء أول مسجد إلى عمار

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ قَالَ: مَا لَهُمْ وَلِعَمّارٍ، يَدْعُوهُمْ إلَى الْجَنّةِ، وَيَدْعُونَهُ إلَى النّارِ، إنّ عَمّارًا جِلْدَةٌ مَا بَيْنَ عَيْنِيّ وَأَنْفِي، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ من الرجل فلم يستبق فاجتنبوه. [إضافة بناء أول مسجد إلى عمار] قال ابن هشام: وذكر سفيان بن عيينة عَنْ زَكَرِيّا، عَنْ الشّعْبِيّ، قَالَ: إنّ أَوّلَ من بنى مسجدا عمّار بن ياسر. [الرسول صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ أَبِي أيوب] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ، حَتّى بُنِيَ لَهُ مَسْجِدُهُ وَمَسَاكِنُهُ، ثُمّ انْتَقَلَ إلَى مَسَاكِنِهِ مِنْ بَيْتِ أَبِي أَيّوبَ، رَحْمَةُ اللهُ عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ اليَزَنيّ، عَنْ أَبِي رُهْمٍ السّمَاعِيّ، قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو أَيّوبَ، قَالَ: لَمّا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، نَزَلَ فِي السّفْلِ، وَأَنَا وَأُمّ أَيّوبَ فِي الْعُلْوِ، فَقُلْت لَهُ: يَا نَبِيّ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، إنّي لَأَكْرَهُ وَأُعْظِمُ أَنْ أَكُونَ فَوْقَك، وَتَكُونَ تَحْتِي، فَاظْهَرْ أَنْتَ فَكُنْ فِي الْعُلْوِ، وَنَنْزِلَ نَحْنُ فَنَكُونَ فِي السّفْلِ، فَقَالَ: يَا أَبَا أَيّوبَ، إنّ أَرْفَقَ بِنَا وَبِمَنْ يَغْشَانَا، أَنْ نَكُونَ فِي سُفْلِ البيت. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تلاحق المهاجرين

قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُفْلِهِ، وَكُنّا فَوْقَهُ فِي الْمَسْكَنِ، فلقد انكسر حبّ لنا فيه ماء فقمت أنا وأمّ أيوب بقطيفة لنا، مالنا لِحَافٌ غَيْرَهَا، نُنَشّفُ بِهَا الْمَاءَ، تَخَوّفًا أَنْ يَقْطُرَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ شَيْءٌ فَيُؤْذِيَهُ. قَالَ: وَكُنّا نَصْنَعُ لَهُ الْعَشَاءَ، ثُمّ نَبْعَثُ بِهِ إلَيْهِ، فَإِذَا رَدّ عَلَيْنَا فَضْلَهُ تَيَمّمْت أَنَا وَأُمّ أَيّوبَ مَوْضِعَ يَدِهِ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نَبْتَغِي بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ، حَتّى بَعَثْنَا إلَيْهِ لَيْلَةً بِعَشَائِهِ وَقَدْ جَعَلْنَا لَهُ بَصَلًا أَوْ ثُومًا، فَرَدّهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ أرليده فِيهِ أَثَرًا قَالَ: فَجِئْتُهُ فَزِعًا، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي رَدَدْتَ عَشَاءَك، وَلَمْ أَرَ فِيهِ مَوْضِعَ يَدِك، وَكُنْتَ إذَا رَدَدْته عَلَيْنَا، تَيَمّمْت أَنَا وَأُمّ أَيّوبَ مَوْضِعَ يَدِك، نَبْتَغِي بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ؛ قَالَ: إنّي وَجَدْت فِيهِ رِيحَ هَذِهِ الشّجَرَةِ، وَأَنَا رَجُلٌ أُنَاجِي، فَأَمّا أَنْتُمْ فَكُلُوهُ. قَالَ: فَأَكَلْنَاهُ، وَلَمْ نَصْنَعْ له تلك الشجرة بعد. [تلاحق المهاجرين] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَلَاحَقَ الْمُهَاجِرُونَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَبْقَ بِمَكّةَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، إلّا مَفْتُونٌ أَوْ مَحْبُوسٌ، وَلَمْ يُوعَبْ أَهْلُ هِجْرَةٍ مِنْ مَكّةَ بِأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَإِلَى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا أَهْلُ دور مسمّون: بنو مظعون من جُمَحٍ؛ وَبَنُو جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، حُلَفَاءُ بَنِي أُمَيّةَ؛ وَبَنُو الْبُكَيْرِ، مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، حُلَفَاءُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنّ دُورَهُمْ غُلّقَتْ بِمَكّةَ هِجْرَةً، لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصة أبى سفيان مع بنى جحش

[قصة أبى سفيان مع بنى جحش] وَلَمّا خَرَجَ بَنُو جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ مِنْ دَارِهِمْ، عَدَا عَلَيْهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَبَاعَهَا مِنْ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، أَخِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ؛ فَلَمّا بَلَغَ بَنِي جَحْشٍ. مَا صَنَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِدَارِهِمْ، ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أَلَا تَرْضَى يَا عَبْدَ اللهِ أَنْ يُعْطِيَك اللهُ بِهَا دَارًا خَيْرًا مِنْهَا فِي الْجَنّةِ؟ قَالَ: بَلَى؛ قَالَ: فذلك لك. فَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ كَلّمَهُ أَبُو أَحْمَدَ فِي دَارِهِمْ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؛ فَقَالَ النّاسُ لِأَبِي أَحْمَدَ: يَا أَبَا أَحْمَدَ، إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْرَهُ أَنْ تَرْجِعُوا فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِكُمْ أُصِيبَ مِنْكُمْ فِي اللهِ عَزّ وَجَلّ، فَأَمْسَكَ عَنْ كَلَامِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ: أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنْ ... أَمْرٍ عَوَاقِبُهُ نَدَامَهْ دَارُ ابْنِ عَمّك بِعْتهَا ... تَقْضِي بِهَا عَنْك الْغَرَامَهْ وَحَلِيفُكُمْ بِاَللهِ رَبّ ... النّاسِ مُجْتَهَدُ الْقَسَامَهْ اذْهَبْ بِهَا، اذهب بها ... طوّفتها طَوْقَ الْحَمَامَهْ [انْتِشَار الْإِسْلَامَ وَمَنْ بَقِيَ عَلَى شِرْكِهِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ إذْ قَدِمَهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوّلِ، إلَى صَفَرٍ مِنْ السّنَةِ الدّاخِلَةِ، حَتّى بُنِيَ لَهُ فِيهَا مَسْجِدُهُ وَمَسَاكِنُهُ وَاسْتَجْمَعَ لَهُ إسْلَامُ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الخطبة الأولى

الْأَنْصَارِ إلّا أَسْلَمَ أَهْلُهَا، إلّا مَا كَانَ مِنْ خَطْمَةَ، وَوَاقِفٍ، وَوَائِلٍ، وَأُمَيّةَ، وَتِلْكَ أَوْسُ اللهِ، وَهُمْ حَيّ مِنْ الْأَوْسِ، فَإِنّهُمْ أَقَامُوا على شركهم. [الخطبة الأولى] وَكَانَتْ أَوّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ- نَعُوذُ بِاَللهِ أَنْ نَقُولَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ- أَنّهُ قَامَ فِيهِمْ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمّ قَالَ: أَمّا بَعْدُ، أَيّهَا النّاسُ، فَقَدّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ تَعَلّمُنّ وَاَللهِ لَيُصْعَقَنّ أَحَدُكُمْ، ثُمّ لَيَدَعَنّ غَنَمَهُ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ، ثُمّ لَيَقُولَنّ لَهُ رَبّهُ، وَلَيْسَ لَهُ تَرْجُمَانٌ وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ: أَلَمْ يَأْتِك رَسُولِي فَبَلّغَك، وَآتَيْتُك مَالًا وأفضلت عليك؟ فما قدّمت لنفسك؟ فلينظرنّ يمينالا وشمالا فلا يرى شيئا، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم فمن استطاع أن يقى وجهه من النار ولو بشقّ من تمرة فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيّبَةٍ، فَإِنّ بها تجزى الحسنة عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. [الخطبة الثانية] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النّاسَ مَرّةً أُخْرَى، فَقَالَ: إنّ الْحَمْدَ لِلّهِ، أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ بِاَللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. إنّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَبَارَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كتاب الموادعة لليهود

وَتَعَالَى، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيّنَهُ اللهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ، وَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النّاسِ، إنّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ، أَحِبّوا، مَا أَحَبّ اللهُ، أَحِبّوا اللهَ مِنْ كُلّ قُلُوبِكُمْ، وَلَا تَمَلّوا كَلَامَ اللهِ وَذِكْرَهُ، وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ فَإِنّهُ مِنْ كُلّ مَا يَخْلُقُ اللهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي، قَدْ سَمّاهُ اللهُ خِيرَتَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ، ومصطفاه من العباد، الصالح الحديث، ومن كلّ ما أوتى الناس من الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، فَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتّقُوهُ حَقّ تُقَاتِهِ، وَاصْدُقُوا اللهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ، وَتَحَابّوا بِرُوحِ اللهِ بَيْنَكُمْ، إنّ اللهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ، وَالسّلَامُ عليكم. [كتاب الموادعة لليهود] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَادَعَ فِيهِ يَهُودَ وَعَاهَدَهُمْ، وَأَقَرّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَشَرَطَ لَهُمْ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ، فَلَحِقَ بِهِمْ، وَجَاهَدَ مَعَهُمْ، إنّهُمْ أُمّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النّاسِ، الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ على ربعتهم يتعاقلون، بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛ وبنو عوف عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، كُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو سَاعِدَةَ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ المؤمنين، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَبَنُو الْحَارِثِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو جُشَمٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلِهِمْ الْأُولَى، وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو النّجّارِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو النّبِيتِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو الْأَوْسِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا بَيْنَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمُفْرَحُ: الْمُثْقَلُ بِالدّيْنِ وَالْكَثِيرُ الْعِيَالِ. قَالَ الشّاعِرُ: إذَا أَنْتَ لَمْ تَبْرَحْ تُؤَدّي أَمَانَةً ... وَتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْك الْوَدَائِعُ وَأَنْ لَا يُحَالِفَ مُؤْمِنٌ مَوْلَى مُؤْمِنٍ دُونَهُ؛ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتّقِينَ عَلَى مَنْ بَغَى مِنْهُمْ، أَوْ ابْتَغَى دَسِيعَةَ ظُلْمٍ، أَوْ إثْمٍ، أَوْ عُدْوَانٍ، أَوْ فَسَادٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَإِنّ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعًا، وَلَوْ كَانَ وَلَدَ أَحَدِهِمْ؛ وَلَا يَقْتُلُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنًا فِي كَافِرٍ، وَلَا يَنْصُرُ كَافِرًا عَلَى مُؤْمِنٍ، وَإِنّ ذِمّةَ اللهِ وَاحِدَةٌ، يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالى بعض دُونَ النّاسِ، وَإِنّهُ مَنْ تَبِعَنَا مِنْ يَهُودَ فَإِنّ لَهُ النّصْرَ وَالْأُسْوَةَ، غَيْرَ مَظْلُومِينَ وَلَا مُتَنَاصَرِينَ عَلَيْهِمْ؛ وَإِنّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَاحِدَةٌ، لَا يُسَالَمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، إلّا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ، وَإِنّ كُلّ غَازِيَةٍ غَزَتْ مَعَنَا يعقب بعضها بعضا، وإن المؤمنين يبىء بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا نَالَ دِمَاءَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتّقِينَ عَلَى أَحْسَنِ هدى وأقومه؛ وإنه لا يجير مشرك ما لا لقريش، ولا نفسا، وَلَا يَحُولُ دُونَهُ عَلَى مُؤْمِنٍ، وَإِنّهُ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيّنَةٍ فَإِنّهُ قَوَدٌ بِهِ إلّا أَنْ يَرْضَى وَلِيّ الْمَقْتُولِ، وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ كَافّةٌ، وَلَا يَحِلّ لَهُمْ إلّا قِيَامٌ عَلَيْهِ، وَإِنّهُ لَا يَحِلّ لِمُؤْمِنٍ أَقَرّ بِمَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ، وَآمَنَ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثًا، وَلَا يُؤْوِيهِ؛ وَأَنّهُ مَنْ نَصَرَهُ أَوْ آوَاهُ فَإِنّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللهِ وَغَضَبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَإِنّكُمْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَإِلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا مُحَارَبِينَ، وَإِنّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ، وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ، مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ، إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ، فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي النّجّار مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي الْحَارِثِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وإن ليهود بنى ساعدة مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي جُشَمٍ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي الْأَوْسِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بنى عوف، وَإِنّ لِيَهُودِ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ، فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَإِنّ جَفْنَةَ بَطْنٌ مِنْ ثَعْلَبَةَ كَأَنْفُسِهِمْ؛ وَإِنّ لِبَنِي الشّطِيبَةِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَإِنّ البّرّدون الإثم، وإن موالى ثعلبة كأنفسهم؛ إن بِطَانَةَ يَهُودَ كَأَنْفُسِهِمْ؛ وَإِنّهُ لَا يَخْرَجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا بِإِذْنِ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَإِنّهُ لَا يُنْحَجَزُ عَلَى ثَأْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جُرْحٌ، وَإِنّهُ مَنْ فَتَكَ فَبِنَفْسِهِ فَتَكَ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ، إلّا مِنْ ظَلَمَ، وَإِنّ اللهَ عَلَى أبرّ هذا، وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبرّدون الْإِثْمِ، وَإِنّهُ لَمْ يَأْثَمْ امْرُؤٌ بِحَلِيفِهِ، وَإِنّ النّصْرَ لِلْمَظْلُومِ، وَإِنّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ماداموا مُحَارَبِينَ، وَإِنّ يَثْرِبَ حَرَامٌ جَوْفُهَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ، وَإِنّ الْجَارَ كَالنّفْسِ غَيْرَ مُضَارّ وَلَا آثِمٌ، وَإِنّهُ لَا تُجَارُ حُرْمَةٌ إلّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا، وَإِنّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ، فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَإِلَى محمد رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنّ اللهَ عَلَى أَتْقَى مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ، وَإِنّهُ لَا تُجَارُ قُرَيْشٌ وَلَا مَنْ نَصَرَهَا، وَإِنّ بَيْنَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ، وَإِذَا دُعُوا إلَى صُلْحٍ يُصَالِحُونَهُ ويلبسونه، فانهم يصلحونه وَيَلْبَسُونَهُ، وَإِنّهُمْ إذَا دُعُوا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنّهُ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، إلّا مَنْ حَارَبَ فِي الدّينِ، عَلَى كُلّ أُنَاسٍ حِصّتُهُمْ مِنْ جَانِبِهِمْ الّذِي قِبَلَهُمْ، وَإِنّ يَهُودَ الْأَوْسِ، مَوَالِيَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ، عَلَى مِثْلِ مَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ، مَعَ الْبِرّ الْمَحْضِ، مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مَعَ الْبِرّ الْمُحْسِنُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنّ الْبِرّ دُونَ الْإِثْمِ، لَا يَكْسِبُ كَاسِبٌ إلّا عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنّ اللهَ عَلَى أَصْدَقِ مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ، وَإِنّهُ لَا يَحُولُ هَذَا الْكِتَابُ دُونَ ظَالِمٍ وَآثِمٍ، وَإِنّهُ مَنْ خَرَجَ آمِنٌ، وَمَنْ قَعَدَ آمِنٌ بِالْمَدِينَةِ، إلّا مَنْ ظَلَمَ أَوْ أَثِمَ، وَإِنّ اللهَ جَارٌ لِمَنْ بَرّ وَاتّقَى، وَمُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

[الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَآخَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أصحابه من المهاجرين وَالْأَنْصَارِ، فَقَالَ- فِيمَا بَلَغَنَا، وَنَعُوذُ بِاَللهِ أَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُقَلْ: تَآخَوْا فِي اللهِ أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ، ثُمّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: هَذَا أَخِي فَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامَ الْمُتّقِينَ، وَرَسُولَ رَبّ الْعَالَمِينَ، الّذِي لَيْسَ لَهُ خَطِيرٌ وَلَا نَظِيرٌ مِنْ الْعِبَادِ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَخَوَيْنِ، وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَسَدُ اللهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَعَمّ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وزيد ابن حَارِثَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخَوَيْنِ، وَإِلَيْهِ أَوْصَى حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ حَيْنَ حَضَرَهُ الْقِتَالُ إنْ حَدَثَ بِهِ حَادِثُ الْمَوْتِ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذُو الْجَنَاحَيْنِ، الطّيّارُ فِي الْجَنّةِ، وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، أَخَوَيْنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمئِذٍ غَائِبًا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَخَارِجَةُ بْنُ زُهَيْرٍ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، أَخَوَيْنِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَعِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَخَوَيْنِ؛ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْجَرّاحِ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، أَخَوَيْنِ. وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، أَخَوَيْنِ. والزبير ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن الْعَوّامِ، وَسَلَامَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، أَخَوَيْنِ. وَيُقَالُ: بَلْ الزّبَيْرُ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، حَلِيفُ، بَنِي زُهْرَةَ، أحوين، وعثمان ابن عَفّانَ، وَأَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَخُو بَنِي النّجّارِ، أَخَوَيْنِ. وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، وكعب بن مالك، أخو بنى سلمة، أحوين. وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبىّ بن كعب، أَخُو بَنِي النّجّارِ: أَخَوَيْنِ؛ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، وَأَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَنِي النّجّارِ: أَخَوَيْنِ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: أَخَوَيْنِ. وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، أَخُو بَنِي عَبْدِ عَبْسٍ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: أَخَوَيْنِ وَيُقَالُ: ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، خَطِيبُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ: أَخَوَيْنِ. وَأَبُو ذَرّ، وَهُوَ بُرَيْرُ بن جنادة الغفارىّ والمنذر ابن عَمْرٍو، الْمُعْنِقُ لِيَمُوتَ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ: أَخَوَيْنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: أَبُو ذرّ: جندب ابن جُنَادَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، حَلِيفُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، أَخَوَيْنِ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيّ، وَأَبُو الدّرْدَاءِ، عُوَيْمِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، أَخَوَيْنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُوَيْمِرُ بْنُ عَامِرٍ، وَيُقَالُ: عُوَيْمِرُ بْنُ زَيْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بلال يوصى بديوانه لأبى رويحة

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبِلَالٌ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، مُؤَذّنُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو رُوَيْحَةَ، عَبْدُ اللهِ بن عبد الرحمن الخثعمى، ثم أحد الفزع، أخوين. فهؤلاء من سُمّيَ لَنَا، مِمّنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ. [بِلَالٌ يُوصِي بِدِيوَانِهِ لِأَبِي رُوَيْحَةَ] فَلَمّا دَوّنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ الدّوَاوِينَ بِالشّامِ، وَكَانَ بِلَالٌ قَدْ خَرَجَ إلَى الشّامِ، فَأَقَامَ بِهَا مُجَاهِدًا، فَقَالَ عُمَرُ لِبِلَالٍ: إلَى مَنْ تَجْعَلُ دِيوَانَك يَا بِلَالُ؟ قَالَ: مَعَ أَبِي رُوَيْحَةَ، لَا أُفَارِقُهُ أَبَدًا، لِلْأُخُوّةِ الّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنِي، فَضَمّ إلَيْهِ، وَضُمّ دِيوَانُ الْحَبَشَةِ إلَى خَثْعَمَ، لِمَكَانِ بِلَالٍ مِنْهُمْ، فَهُوَ فِي خَثْعَمَ إلَى هذا اليوم بالشام. [أبو أمامة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَلَكَ فِي تِلْكَ الْأَشْهُرِ أبو أمامة، أسعد بن زرارة، والمسجد يا بنى، أخذته الذبحة أو الشهقة. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ: أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: بئس الميت أبو أمامة، ليهود ومنافقوا الْعَرَبِ يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ نَبِيّا لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهُ، وَلَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي وَلَا لِصَاحِبِي مِنْ الله شيئا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ: أَنّهُ لَمّا مَاتَ أَبُو أُمَامَةَ، أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، اجْتَمَعَتْ بَنُو النّجّارِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ نَقِيبَهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ هَذَا قَدْ كَانَ مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، فَاجْعَلْ مِنّا رَجُلًا مَكَانَهُ يُقِيمُ مِنْ أَمْرِنَا مَا كَانَ يُقِيمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم: أَنْتُمْ أَخْوَالِي، وَأَنَا بِمَا فِيكُمْ، وَأَنَا نَقِيبُكُمْ، وَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَخُصّ بِهَا بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ. فَكَانَ مِنْ فَضْلِ بَنِي النّجّارِ الّذِي يَعُدّونَ عَلَى قَوْمِهِمْ، أَنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نقيبهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ بِلَادٌ فِي طَرِيقِ الْهِجْرَةِ: وَذَكَرَ أَنّ دَلِيلَهُمَا سَلَكَ بِهِمَا عُسْفَانَ. قَالَ الْمُؤَلّفُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ كَثِيرٍ أَنّهُ قَالَ: سُمّيَ عُسْفَانَ لِتَعَسّفِ السّيُولِ فِيهِ، وَسُئِلَ عَنْ الْأَبْوَاءِ «1» الّذِي فِيهِ قَبْرُ آمِنَةَ أُمّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِمَ سُمّيَ الْأَبْوَاءَ؟ فقال: لأن السيول تتبوّءه أَيْ: تَحِلّ بِهِ، وَبِعُسْفَانَ فِيمَا رُوِيَ كَانَ مَسْكَنُ الْجُذَمَاءِ، وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْمُسْنَدَاتِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرّ بِعْسْفَانَ وَبِهِ الْجُذَمَاءُ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ وَلَمْ يَنْظُرْ الْيَهَم، وَقَالَ: إنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْعِلَلِ يعدى

_ (1) عسفان: قيل منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة، وقيل: عسفان بين المسجدين، وهى من مكة على مرحلتين، وقيل: هو قرية جامعة على ستة وثلاثين ميلا من مكة، وهى حد تهامة. والأبواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلى المدينة ثلاثة وعشرون ميلا، وقيل: جبل عن يمين آوه ويمين المصعد إلى مكة من المدينة «المراصد» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَهُوَ هَذَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ مِنْ رِوَايَتِي، لِأَنّهُ فِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْن أَبِي أُسَامَةَ، وَقَدْ تَقَدّمَ اتّصَالُ سَنَدِي بِهِ، وَكُنْت رَأَيْته قَبْلُ فِي مُسْنَدِ وَكِيعِ بْنِ الْجَرّاحِ، وَلَيْسَ لى فِيهِ إسْنَادٌ. فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّ دَلِيلَهُمْ سَلَكَ بهم أمجا ثُمّ ثَنِيّةَ الْمُرّةِ، كَذَا وَجَدْته مُخَفّفَ الرّاءِ مُقَيّدًا، كَأَنّهُ مُسَهّلُ الْهَمْزَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ. وَذَكَرَ لَقْفًا بِفَتْحِ اللّامِ مُقَيّدًا فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ: لَفْتًا، وَاسْتَشْهَدَ ابن هشام يقول مَعْقِلِ [بْنِ خُوَيْلِدٍ] الْهُذَلِيّ: نَزِيعًا مُحْلَبًا مِنْ أهل لفت ... لحىّ بين أثلة فالنّجام «1» وَأَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ: لِفْتٌ بِكَسْرِ اللّامِ أَلْفَيْته فِي شِعْرِ مَعْقِلٍ هَذَا فِي أَشْعَارِ هُذَيْلٍ فِي نُسْخَتِي، وَهِيَ نُسْخَةٌ صَحِيحَةٌ جِدّا، وَكَذَلِكَ أَلْفَاهُ مَنْ وَثِقْته وَكَلّفْته أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ لِي فِي شعر معقل هذا فى أشعار

_ (1) النزيع: الغريب والبعيد أو من أمه سبية أو الشريف. والمحلب: المعين من غير قومك. وقد رواه اللسان فى مادة حلب: صريح محلب من أهل نجد ... إلخ. وفى المراصد عن لفت: قيده القاضى عياض على ثلاثة أوجه: بفتح اللام وسكون الفاء ولفت بالتحريك، وبكسر اللام وسكون الفاء وهى ثنية بين مكة والمدينة قيل: هى ثنية جبل قديد وستأتى والبيت والذى بعده فى معجم البكرى فى مادة لفت «صريخا محليا» وقد ضبطها بكسر اللام وفتحها فقط مع سكون الفاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هُذَيْلٍ مَكْسُورُ اللّامِ فِي نُسْخَةِ أَبِي عَلِيّ الْقَالِيّ الْمَقْرُوءَةِ عَلَى الزّيَادِيّ، ثُمّ عَلَى الْأَحْوَلِ، ثُمّ قَرَأْتهَا عَلَى ابْنِ دُرَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ، وَفِيهَا صَرِيحًا مُحْلِبًا، وَكَذَلِكَ كَانَ الضّبْطُ فِي هذا الكتاب قديما، حتى ضبطته بِالْفَتْحِ عَنْ الْقَاضِي، وَعَلَى مَا وَقَعَ فِي غَيْرِهَا. انْتَهَى كَلَامُ أَبِي بَحْرٍ. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيّ: لَفْتًا، فَقَيّدَهُ بِكَسْرِ اللّامِ كما ذكر أبو بحر وأنشد قبله: لغمرك مَا خَشِيت، وَقَدْ بَلَغْنَا ... جِبَالَ الْجَوْزِ مِنْ بَلَدٍ تَهَامِ صَرِيحًا مُحْلِبًا الْبَيْتُ. وَذَكَرَ الْمَوَاضِعَ التى سلك عليها، وذكر فيها مجاج بِكَسْرِ الْمِيمِ وَجِيمَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ فِيهَا: مَجَاجٌ بِالْفَتْحِ، وَقَدْ أَلْفَيْت شَاهِدًا لِرِوَايَةِ ابن إسحاق فى لقف، وفيه ذكر مجاح بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَ الْجِيمِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمّدِ ابن عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ: لَعَنَ اللهُ بَطْنَ لقف مسيلا ... ومجاحا وَمَا أُحِبّ مَجَاحًا لَقِيت نَاقَتِي بِهِ، وَبِلِقْفٍ ... بَلَدًا مُجْدِبًا وَأَرْضًا شَحَاحًا هَكَذَا ذَكَرَهُ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَلِقْفٌ آخَرُ غَيْرُ لَفْتٍ فِيمَا قَالَ الْبَكْرِيّ. وَذَكَرَ مُرَجّحَ بتقديم الْجِيمِ عَلَى الْحَاءِ، وَذَكَرَ مُدْلِجَةَ تِعْهِنَ «1» بِكَسْرِ التاء

_ (1) فى النهاية لابن الأثير: قال أبو عبيد: إنما هو الجد وهو البئر الجيدة المواضع من الكلأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْهَاءِ، وَالتّاءُ فِيهِ أَصْلِيّةٌ عَلَى قِيَاسِ النّحْوِ فَوَزْنُهُ فِعْلِلٌ إلّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ مِنْ اشْتِقَاقٍ عَلَى زِيَادَةِ التّاءِ، أَوْ تَصِحّ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ تُعْهِنُ بِضَمّ التّاءِ، فَإِنْ صَحّتْ فَالتّاءُ زَائِدَةٌ، كُسِرَتْ أَوْ ضُمّتْ «1» وَبِتِعْهِنَ صَخْرَةٌ، يُقَالُ لَهَا: أُمّ عِقْيٍ عُرِفَتْ بِامْرَأَةِ كَانَتْ تَسْكُنُ هُنَاكَ، فَمَرّ بِهَا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَسْقَاهَا فَلَمْ تَسْقِهِ، فَدَعَا عَلَيْهَا فَمُسِخَتْ صَخْرَةً، فَهِيَ تِلْكَ الصّخْرَةُ فِيمَا يَذْكُرُونَ. وَذَكَرَ الْجَدَاجِدَ بِجِيمَيْنِ وَدَالَيْنِ كَأَنّهَا جَمْعُ جُدْجُدٍ، وَأَحْسَبُهَا آبَارًا فَفِي، الْحَدِيثِ: أَتَيْنَا عَلَى بِئْرِ جُدْجُدٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الصّوَابُ: بِئْرٌ جُدّ أَيْ قَدِيمَةٌ، وَقَالَ الْهَرَوِيّ عَنْ الْيَزِيدِيّ: وَقَدْ يُقَالُ: بِئْرٌ جُدْجُدٍ قَالَ: وَهُوَ كَمَا يُقَالُ فِي الْكُمّ كُمْكُمٌ وَفِي الرّفّ رَفْرَفٌ. وَذَكَرَ الْعَبَابِيدَ كَأَنّهُ جَمْعُ عَبّادٍ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ الْعَبَابِيبُ، كَأَنّهَا جَمْعُ: عُبَابٍ مِنْ عَبَبْت الْمَاءَ عَبّا، فَكَأَنّهَا- وَاَللهُ أَعْلَمُ- مِيَاهٌ تُعَبّ عُبَابًا أَوْ تُعَبّ عَبّا. وَذَكَرَ الْفَاجّةَ بِفَاءِ وَجِيمٍ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ: الْقَاحّةُ بِالْقَافِ والحاء «2» .

_ (1) فى المراصد: ضبط تعهن: بكسر أوله وهائه وتسكين العين وآخره نون اسم عين ماء على ثلاثة أميال من السقيا بين مكة والمدينة. وفى معجم البلدان روى بفتح أوله كسر هائه وبضم أوله. (2) هى- كما قال ابن هشام- فى المراصد، وأنها على ثلاث مراحل من المدينة قبل السقيا، وقيل: موضع بين الجحفة وقديد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قِصّةُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ: وَذَكَرَ قُدُومَهُمْ عَلَى أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ، وَهُوَ أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَجَرٍ الْأَسْلَمِيّ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ: ابْنُ حَجَرٍ، وَهُوَ قَوْلُ الدّارَقُطْنِيّ، وَالْمَعْرُوفُ، ابْنُ حُجْرٍ بِضَمّ الْحَاءِ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي الْمَبْعَثِ ذِكْرُ مَنْ اسْمُهُ حُجْرٌ «1» فِي أَنْسَابِ قُرَيْشٍ، وَمَنْ يُسَمّى: حُجْرًا مِنْ غَيْرِهِمْ بِسُكُونِ الْجِيمِ، وَمَنْ يُسَمّى الْحِجْرَ بِكَسْرِ الْحَاءِ، فَانْظُرْهُ هُنَالِكَ عِنْدَ ذِكْرِ خَدِيجَةَ وَأُمّهَا، وَلَا يُخْتَلَفُ فِي أوس بن ابن حُجْرٍ أَنّهُ بِفَتْحَتَيْنِ. وَذَكَرَ أَنّ أَوْسًا حَمَلَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على حمل لَهُ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الرّدّاءِ، وَفِي رِوَايَةِ يونس بن بكير عن ابن إسحق يُقَالُ لَهُ: الرّدّاحُ، وَفِي الْخَطّابِيّ أَنّهُ قَالَ لِغُلَامِهِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مَسْعُودُ بْنُ هُنَيْدَةَ: اُسْلُكْ بِهِمْ الْمَخَارِقَ بِالْقَافِ، قَالَ: وَالصّحِيحُ الْمَخَارِمَ، يَعْنِي: مَخَارِمَ الطّرِيقِ، وَفِي النّسَوِيّ أَنّ مَسْعُودًا هَذَا قَالَ: فَكُنْت آخُذُ بِهِمْ أَخْفَاءَ الطّرِيقِ. وَفِقْهُ هَذَا أَنّهُمْ كَانُوا خَائِفِينَ، فَلِذَلِكَ كَانَ يَأْخُذُ بهم إخفاء الطريق ومخارقه، وذكر

_ (1) فى الاشتقاق: أوس بن حجر بفتح الحاء والجيم، وفيه أيضا: «وقد سمت العرب حجرا وحجرا، وحجيرا» ص 207. وفى القاموس: «حجر بالضم وبضمتين: والد امرىء القيس وجده الأعلى وابن ربيعة، وابن عدى وابن النعمان وابن يزيد صحابيون، وابن العنبس: تابعى وبالتحريك والد أوس الصحابى، ووالد الجاهل الشاعر، ووالد أنس المحدث، أوهما بالفتح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النّسَوِيّ فِي حَدِيثِ مَسْعُودٍ هَذَا: أَنّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهُ: ائْتِ أَبَا تَمِيمٍ، فَقُلْ لَهُ: يَحْمِلُنِي عَلَى بَعِيرٍ وَيَبْعَثُ إلَيْنَا بِزَادِ، وَدَلِيلٍ يَدُلّنَا، فَفِي هَذَا أَنّ أَوْسًا كَانَ يُكَنّى أَبَا تَمِيمٍ، وَأَنّ مَسْعُودًا هَذَا قَدْ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَفِظَ عَنْهُ حَدِيثًا فِي الْخَمْسِ وَحَدِيثًا فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ ذَكَرَهُ النّسَوِيّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، غَيْرَ أَنّهُ قَالَ فِي مَسْعُودٍ هَذَا: غُلَامُ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيّ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدْ قِيلَ فِي أَوْسٍ هَذَا إنّ اسْمَهُ تَمِيمٌ، وَيُكَنّى أَبَا أَوْسٍ فَاَللهُ أَعْلَمُ «1» . وَرُوِيَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِمَسْعُودِ حِينَ انْصَرَفَ إلَى سَيّدِهِ مرسيدك أَنْ يَسِمَ الْإِبِلَ فِي أَعْنَاقِهَا قَيْدَ الْفَرَسِ «2» ، فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ سِمَتُهُمْ فِي إبِلِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي شَرْحِ قَصِيدَةِ أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: مُوَسّمَةُ الْأَعْضَادِ أَسْمَاءَ السّمَاتِ كَالْعِرَاضِ وَالْخِبَاطِ وَالْهِلَالِ، وَذَكَرْنَا قَيْدَ الْفَرَسِ، وَأَنّهُ سِمَةٌ فِي أعناقها، وقول الراجز:

_ (1) قصة أوس لم يروها أحد من أصحاب الكتب السنة، فالذين رووها هم البغوى وابن السكن وابن مندة أو الطبرانى. وقصة مسعود بن هنيدة عند الحاكم فى الأكليل. واسم أوس يتردد فى الإصابة تميم بن أوس بن حجر أنى أوس الأسلمى وبين أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَجَرٍ الْأَسْلَمِيّ ويكنى: أبا تميم وربما ينسب إلى جده فقيل: أوس بن حجر وفيه عمن روى عنهم أنه لقى النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وهما متوجهان إلى المدينة بقحد وات بين الجحفة وهرشى، وهما على جمل، فحملهما على فحل له من إبله. وأوس من أهل العرج. وقال ابن حبان والطبرانى: له صحبة، ولم يخرج حديثه. (2) صورة هذه السمة: حلقتان بينهما مدة «مفردات ابن الأثير واللسان» وذكر الجوهرى أنها سمة تكون فى عنق البعير على صورة القيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كُومٌ عَلَى أَعْنَاقِهَا قَيْدُ الْفَرَسْ ... تَنْجُو إذَا اللّيْلُ تَدَانَى وَالْتَبَسْ مَتَى قَدِمَ الرّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ؟ كَانَ قُدُومُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ، وَفِي شَهْرِ أَيْلُولَ مِنْ شُهُورِ الْعَجَمِ، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ قَدِمَهَا لِثَمَانِ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ، وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيّ: خَرَجَ مِنْ الْغَارِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَوّلَ يَوْمٍ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ، ودخل المدينة يوم الجمعة لثنتى عشرة منه، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ أَوْسَطَ أَيّامِ التّشْرِيقِ «1» . كُلْثُومُ بْنُ الْهِدْمِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ نُزُولَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على كُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ، وَكُلْثُومٌ هَذَا كُنْيَتُهُ أَبُو قيس، وهو كلثوم بن الهدم ابن امرىء الْقَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ «2» ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا مَاتَ بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ بِيَسِيرِ، هُوَ أَوّلُ مَنْ مَاتَ مِنْ الْأَنْصَارِ بَعْدَ قُدُومِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ مَاتَ بَعْدَهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بِأَيّامِ، وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَأَنّهُ كَانَ يُقَالُ لِبَيْتِهِ: بَيْتُ الْعُزّابِ هَكَذَا رُوِيَ، وَصَوَابُهُ: الأعزب؛ لأنه

_ (1) فى الفتح: ليلة وحول تاريخ دخوله المدينة يدور خلاف شديد. انظر ص 350 وما بعدها ح 1 شرح المواهب للزرقانى. (2) فى جمهرة ابن حزم يرد بعد الحارث بن زيد ما يأتى: بن عبيد بن زيد إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جَمْعُ عَزَبٍ، يُقَالُ: رَجُلٌ عَزَبٌ، وَامْرَأَةٌ عَزَبّ، وَقَدْ قِيلَ: امْرَأَةٌ عَزَبَةٌ بِالتّاءِ «1» . تَأْسِيسُ مَسْجِدِ قُبَاءٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَأْسِيسَ مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسّسَهُ لِبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، ثُمّ انْتَقَلَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَسّسَهُ، كَانَ هُوَ أَوّلَ مَنْ وَضَعَ حَجَرًا فِي قِبْلَتِهِ، ثُمّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِحَجَرِ فَوَضَعَهُ، ثُمّ جَاءَ عُمَرُ بِحَجَرِ فَوَضَعَهُ إلَى حَجَرِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمّ أَخَذَ النّاسُ فِي الْبُنْيَانِ. فِي الْخَطّابِيّ عَنْ الشّمُوسِ بِنْتِ النّعْمَانِ [بْنِ عامر ابن مُجْمِعٍ الْأَنْصَارِيّةِ] قَالَتْ: كَانَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ قُبَاءٍ يَأْتِي بِالْحَجَرِ قَدْ صَهَرَهُ إلَى بَطْنِهِ، فَيَضَعُهُ فَيَأْتِي الرّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يُقِلّهُ فَلَا يَسْتَطِيعُ حَتّى يَأْمُرَهُ أَنْ يَدَعَهُ وَيَأْخُذَ غَيْرَهُ. يُقَالُ: صَهَرَهُ وَأَصْهَرَهُ إذَا أَلْصَقَهُ بِالشّيْءِ، وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الصّهْرِ فِي الْقَرَابَةِ «2» ، وَهَذَا الْمَسْجِدُ أَوّلُ مَسْجِدٍ بُنِيَ فِي الْإِسْلَامِ، وَفِي أَهْلِهِ نَزَلَتْ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا التّوْبَةُ: 108 فَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الّذِي أُسّسَ عَلَى التّقْوَى، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَسْجِدِ الّذِي أُسّسَ عَلَى التّقْوَى، فَقَالَ: هُوَ

_ (1) فى اللسان: رجل عزب ومعذابة لا أهل له، ونظيره: مطرابة. ومطواعة. وامرأة عزبة وعزب: لا زوج لها ... والجمع أعزاب والعزاب الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء. (2) فى رواية أخرى: فبصره إلى بطنه: أى أضافه وأماله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَسْجِدِي هَذَا، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ: وَفِي الْآخَرِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ قَالَ لِبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ حِينَ نَزَلَتْ: «لَمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التّقوى» مَا الطّهُورُ الّذِي أَثْنَى اللهُ بِهِ عَلَيْكُمْ؟ فَذَكَرُوا لَهُ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ بَعْدَ الِاسْتِجْمَارِ بِالْحَجَرِ، فقال: هوذا كم فَعَلَيْكُمُوهُ» «1» وَلَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ تَعَارُضٌ كِلَاهُمَا أُسّسَ عَلَى التّقْوَى، غَيْرَ أَنّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: مِنْ أول يوم يَقْتَضِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ لِأَنّ تَأْسِيسَهُ كَانَ فِي أَوّلِ يَوْمٍ مِنْ حُلُولِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَارُ مُعْجِزَتِهِ وَالْبَلَدُ الّذِي هُوَ مُهَاجَرُهُ. التّارِيخُ الْعَرَبِيّ: وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ وَقَدْ عُلِمَ أَنّهُ لَيْسَ أَوّلَ الْأَيّامِ كُلّهَا، وَلَا أَضَافَهُ إلَى شَيْءٍ فِي اللّفْظِ الظّاهِرِ [فَتَعَيّنَ أَنّهُ أُضِيفَ إلَى شَيْءٍ مُضْمَرٍ] فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ صِحّةُ مَا اتّفَقَ عَلَيْهِ الصّحَابَةُ مَعَ عُمَرَ حِينَ شَاوَرَهُمْ فِي التّارِيخِ، فَاتّفَقَ رَأْيُهُمْ أَنْ يَكُونَ التّارِيخُ مِنْ عَامِ الْهِجْرَةِ لِأَنّهُ الْوَقْتُ الّذِي عَزّ فِيهِ الْإِسْلَامُ، وَاَلّذِي أُمّرَ فِيهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَسّسَ الْمَسَاجِدَ. وَعَبَدَ اللهَ آمِنًا كَمَا يُحِبّ «2» ، فَوَافَقَ رَأْيَهُمْ هَذَا ظَاهِرُ التّنْزِيلِ، وَفَهِمْنَا الْآنَ بفعلهم أن قوله

_ (1) ورد هذا فى روايات بينها وبين بعضها خلاف فى الطبرانى وأحمد وابن خزيمة. وقد أخرج عبد الرزاق والبخارى عن عروة وابن عائذ عن ابن عباس: الذى بنى فيهم المسجد الذى أسس على التقوى هم بنو عمرو بن عوف. ولكن ورد فى مسلم وأحمد والترمذى عن أبى سعيد الخدرى أنه مسجد المدينة، وبهذا جرم الإمام مالك. (2) نقل الحافظ فى الفتح عبارة السهيلى، فقال: «وأفاد السهيلى أن الصحابة اخذوا التاريخ بالهجرة من قوله تعالى لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ لأن من. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المعلوم أنه ليس أول الأيام مطلقا، فتبين أنه أضيف إلى شىء مضمر، وهو أول الزمن الذى عز فيه الإسلام، وعبد فيه النبى «ص» ربه آمنا، وابتدأ بناء المسجد، فوافق رأى الصحابة ابتداء التاريخ من ذلك اليوم، وفهمنا من فعلهم أن قوله تعالى من أول يوم أنه أول أيام التاريخ الإسلامى. كذا قال- يعنى السهيلى» ويعقب الحافظ على هذا بقوله: «والمتبادر أن معنى قوله من أول يوم أى دخل فيه النبى «ص» وأصحابه المدينة، والله أعلم» . ويقول ابن المنير: «كلام السهيلى تكلف وتعسف وخروج عن تقدير الأقدمين، فإنهم قدروه: من تأسيس أول يوم فكأنه قيل: من أول يوم وقع فيه التأسيس وهذا تقدير تقتضيه العربية» ص 353 ج 1 المواهب. وعن أمر التاريخ روى الحاكم فى الإكليل عن الزهرى أن النبى «ص» هو الذى أمر بالتاريخ وهو بقباء. والحديث معضل والمشهور خلافه. وأخرج أبو نعيم الفضل بن دكين فى تاريخه ومن طريقه الحاكم من طريق الشعبى أن أبا موسى كتب إلى عمر إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم، أرخ بالمبعث، وبعضهم: بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها أو بالمحرم، لأنه منصرف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه، وذلك سنة سبع عشرة، وقيل كما روى ابن خيثمة عن ابن سيرين سنة سبع عشرة. وقيل: ست عشرة فى ربيع الأول ... والذى يفهم من مجموع الآثار أن الذى أشار بالمحرم عمر وعثمان وعلى ... وقيل: إن أول من أرخ يعلى بن أمية حين كان باليمن حكاه مغلطاى، ورواه أحمد بإسناد صحيح عن يعلى لكن فيه انقطاع بين عمرو بن دينار ويعلى. ويقول الزرقانى: «ولم يؤرخوا بالمولد ولا بالمبعث، لأن وقتهما لا يخلو من نزاع من حيث الاختلاف فيهما، ولا بالوفاة النبوية لما يقع فى تذكره من الأسف والتألم على فراقه ص 214 ح 7 فتح البارى وص 352 ح 1 شرح المواهب وأقول من يتدبر كلمة عمر رضى الله عنه فى وصف الهجرة يعرف لماذا اختاروا التاريخ بالهجرة دون غيره، وعن التاريخ العربى انظر كتاب المحبر لمحمد بن حيلب ص 5 ط الهند.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سُبْحَانَهُ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ أَنّ ذَلِكَ الْيَوْمَ هو أول أيام التاريخ الذى يورّخ بِهِ الْآنَ، فَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذُوا هَذَا مِنْ الْآيَةِ، فَهُوَ الظّنّ بِأَفْهَامِهِمْ، فَهُمْ أَعْلَمُ النّاسِ بِكِتَابِ اللهِ وَتَأْوِيلِهِ، وَأَفْهَمُهُمْ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ إشَارَاتٍ وَإِفْصَاحٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَنْ رَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ، فَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَكُونُوا وَأَشَارَ إلَى صِحّتِهِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ، إذْ لَا يُعْقَلُ قَوْلُ الْقَائِلِ: فَعَلْته أَوّلَ يَوْمٍ إلّا بِإِضَافَةِ إلَى عَامٍ مَعْلُومٍ أَوْ شَهْرٍ مَعْلُومٍ، أَوْ تَارِيخٍ مَعْلُومٍ، وَلَيْسَ هَاهُنَا إضَافَةٌ فِي الْمَعْنَى إلّا إلَى هَذَا التّارِيخِ الْمَعْلُومِ لِعَدَمِ الْقَرَائِنِ الدّالّةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ قَرِينَةِ لَفْظٍ أَوْ قَرِينَةِ حَالٍ فَتَدَبّرْهُ فَفِيهِ مُعْتَبَرٌ لِمَنْ اذّكّرَ وَعِلْمٌ لِمَنْ رَأَى بِعَيْنِ فُؤَادِهِ وَاسْتَبْصَرَ وَالْحَمْدُ لِلّهِ. مِنْ وَدُخُولُهَا عَلَى الزّمَانِ: وَلَيْسَ يَحْتَاجُ فِي قَوْلِهِ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ إلَى إضْمَارٍ كَمَا قَرّرَهُ بَعْضُ النّحَاةِ: مِنْ تَأْسِيسِ أَوّلِ يَوْمٍ، فِرَارًا مِنْ دُخُولِ مِنْ عَلَى الزّمَانِ، وَلَوْ لَفَظَ بِالتّأْسِيسِ لَكَانَ مَعْنَاهُ مِنْ وَقْتِ تَأْسِيسِ أَوّلِ يَوْمٍ، فَإِضْمَارُهُ لِلتّأْسِيسِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا، وَمِنْ تَدْخُلُ عَلَى الزّمَانِ، وَغَيْرِهِ، فَفِي التّنْزِيلِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَالْقَبْلُ وَالْبَعْدُ زَمَانٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: مَا مِنْ دَابّةٍ إلّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ «1» يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تَطْلُعُ الشّمْسُ إلَى أَنْ تَغْرُبَ، وَفِي شعر النابغة [فى وصف سيوف] :

_ (1) يروى: مسيخة أى مصغية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تُوُرّثْنَ مِنْ أَزْمَانِ يَوْمِ حَلِيمَةَ ... إلَى الْيَوْمِ قد جرّ بن كلّ التّجارب «1»

_ (1) جاء فى مغنى اللبيب عن من ما يأتى تأتى على خمسة عشر وجها أحدها: ابتداء الغاية، وهو الغالب عليها حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه، وتقع لهذا المعنى فى غير الزمان نحو: من المسجد الحرام. إنه من سليمان قال الكوفيون والأخفش والمبرد وابن درستويه: وفى الزمان أيضا بدليل: من أول يوم، وفى الحديث: فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة. وقال النابغة: تخيرن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جربن كل التجارب وقيل: التقدير من مضى أزمان يوم حليمة، ومن تأسيس أول يوم، ورده السهيلى بأنه لو قيل هكذا لاحتيج إلى تقدير الزمان» وعلق الأمير فى حاشيته على هذا بقوله: «الظاهر أنه لا رد وأنه لا مانع من جعله نفس المضى» والتأسيس مبدأ كما تجعل الدار مبدأ للخروج، ولا حاجة لتقدير زمن، ثم معنى ابتداء الخروج مثلا من الدار أنه أول ما تحقق نشأ منها وكذا ابتداء العلم من زيد فى قولك أخذت العلم من زيد، وليس بلازم أن الخروج مثلا أمر ممتد له مبدأ لما أنه يقال: خرجت من الدار بمجرد مفارقته لها، وكذلك الابتداء فى إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة أى نداء ناشئا من يوم الجمعة، وأما من أول يوم، فالمراد بالتأسيس فيه: الوضع والبناء لا خصوص وضع الأساس الذى لا يمتد، وتوقف الرضى فى معنى الابتداء فى الآيتين، وقال: الظاهر أنها بمعنى فى، ونيابة حروف الجر بعضها عن بعض غير عزيزة، ثم قال: الظاهر مذهب الكوفيين، وأنها تأتى للابتداء فى الزمان إذ لا مانع من قولك صمت من أول الشهره إلى آخره. ونمت من أول الليل إلى آخره» وأقول إن من تفيد ابتداء الغاية المكانية باتفاق من البصريين والكوفيين، بدليل أن الغاية تنتهى بعدها. ويرى الكوفيون والأخفش والمبرد وابن درستويه وبعض البصريين أنها تفيد أيضا ابتداء الغاية الزمانية. والشاهد ما ذكر والحديث المروى فى البخارى: فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة، وقول بعض العرب الذى رواه الأخفش فى المعانى: من الآن إلى الغد:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [تقد السّلوقىّ المضاعف نسجه ... ويوقدون بِالصّفّاحِ نَارَ الْحُبَاحِبِ] وَبَيْنَ مِنْ الدّاخِلَةِ عَلَى الزّمَانِ، وَبَيْنَ مُنْذُ فَرْقٌ بَدِيعٌ قَدْ بَيّنّاهُ فى شرح آية الوصية «1» .

_ والبيت للنابغة الذبيانى كما قال من قصيدته التى مدح بها النعمان وأولها: كلينى لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطىء الكواكب والرواية المشهورة: تخيرن بدلا من تورثن. والشاهد فى البيت قوله: من أزمان حيث جاءت من هنا لابتداء الغاية أى المسافة فى الزمان، وقد أجاب البصريون القائلون بأنها لابتدء الغاية فى المكان فقط عن هذا بقولهم إن فى البيت حذف مضاف: أى من استقرار زمان يوم حليمة ورد عليهم بأن الأصل عدم الحذف. ويوم حليمة نسبة إلى حليمة بنت الحارث بن أبى شمر ملك غسان ولخم، وكان أبوها وجه جيشا إلى المنذر بن ماء السماء، فأخرجت لهم طيبا فطيبتهم، فقالوا ما يوم حليمة بسر. يضرب مثلا فى كل أمر متعالم مشهور. وقال المبرد: هو أشهر أيام العرب. وفى هذا اليوم قتل المنذر، وقيل قتل فى يوم عين أباغ وهو يوم وقعة بين غسان ولخم أيضا «أنظر مجمع الأمثال رقم 3814 ح 1 السنة المحمدية والتصريح على التوضيح لابن هشام والأزهرى ص 7 ح 2 ط مصطفى محمد، ص 205 شرح شواهد ابن عقيل للشيخ عبد المنعم الجرجاوى ص 1914 م ص 13 ح 2 من مغنى اللبيب لأبى محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن عبد الله بن هشام ط 1328 هـ» . (1) أنظر معنى منذ ومذ فى مغنى اللبيب تحت المادة، وفى نوادر أبى زيد: «منذ ومذ لابتداء الغاية فى الزمان، ومن لابتداء الغاية فى سائر الأشياء والزمان وإن انفرد بمنذ ومذ، فالأصل فيه أن تدخل عليه من» ص 21»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَحَلْحَلَ وَتَلَحْلَحَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ لِقَاءَ كُلّ قَبِيلَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ لَهُ يَقُولُونَ: هَلُمّ إلَيْنَا يَا رَسُولَ اللهِ إلَى الْعَدَدِ وَالْعُدّةِ، فَيَقُولُ: خَلّوا سَبِيلَهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ حَتّى بَرَكَتْ بِمَوْضِعِ مَسْجِدِهِ، وَقَالَ تَحَلْحَلَتْ وَرَزَمَتْ وَأَلْقَتْ بِجِرَانِهَا أَيْ: بِعُنُقِهَا، وَفَسّرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ عَلَى تَلَحْلَحَ أَيْ: لَزِمَ مَكَانَهُ، وَلَمْ يَبْرَحْ، وَأَنْشَدَ: أُنَاسٌ إذَا قِيلَ انْفِرُوا قَدْ أَتَيْتُمْ ... أَقَامُوا عَلَى أَثْقَالِهِمْ وَتَلَحْلَحُوا قَالَ: وَأَمّا تَحَلْحَلَ بِتَقْدِيمِ الْحَاءِ عَلَى اللّامِ فَمَعْنَاهُ: زَالَ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَهَذَا الّذِي قَالَهُ قَوِيّ مِنْ جِهَةِ الِاشْتِقَاقِ، فَإِنّ التّلَحْلُحَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ لَحِحَتْ عَيْنُهُ: إذَا الْتَصَقَتْ، وهو ابن عمّى لحّا «1» .

_ (1) فى اللسان «لححت عينه تلحح لححا بإظهار التضعيف، وهو أحد الأحرف التى أخرجت على الأصل من هذا الضرب منبهة على أصلها ودليلا على أولية حالها، والإدغام لغة» وفى إصلاح المنطق لابن السكيت: «كل ما كان على فعلت ساكنة التاء من ذوات التضعيف، فهو مدغم نحو: صمت المرأة وأشباهه إلا أحرفا جاءت نوادر فى إظهار التضعيف، وهى: لححت عينه: إذا النصقت، ومنه قيل: هو ابن عمى لحا، وهو ابن عم لح ولح. وقد مششت الدابة وصككت، وقد ضبب البلد: إذا كثر ضبابه، وقد ألل السقاء: إذا تغيرت ريحه، وقد قطط شعره» ص 242 إصلاح المنطق لابن السكيت ط المعارف وفى اللسان: «وهو ابن عم لح فى النكرة بالكسرة لأنه نعت للعم، وابن عمى لحا فى المعرفة أى: لازق النسب من ذلك، ونصب لحا على الحال، لأن ما قبله معرفة، والواحد والاثنان والجميع والمؤنث فى هذا سواء بمنزلة الواحد. وقال اللحيانى: هما ابنا عم لح ولحا وهما ابنا خالة، ولا يقال: هما ابنا خال لحا، ولا ابنا عمة لحا لأنهما

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا التّحَلْحُلُ: فَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْحَلّ وَالِانْحِلَالِ بَيّنٌ، لِأَنّهُ انْفِكَاكُ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ، وَلَكِنّ الرّوَايَةَ فِي سِيرَةِ ابْنِ إسْحَاقَ: تَحَلْحَلَتْ بِتَقْدِيمِ الْحَاءِ عَلَى اللّامِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْنَى إلّا أَنْ يَكُونَ مَقْلُوبًا مِنْ تَلَحْلَحَتْ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: لُصِقَتْ بِمَوْضِعِهَا، وَأَقَامَتْ عَلَى الْمَعْنَى الّذِي فَسّرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي تَلَحْلَحَتْ. وَأَمّا قَوْلُهُ: وَرَزَمَتْ فَيُقَالُ: رَزَمَتْ النّاقَةُ رُزُومًا إذَا أَقَامَتْ مِنْ الْكَلَالِ وَنُوقٌ رَزْمَى، وَأَمّا أَرْزَمَتْ بِالْأَلِفِ، فَمَعْنَاهُ: رَغَتْ، وَرَجَعَتْ فِي رُغَائِهَا، وَيُقَالُ مِنْهُ: أَرْزَمَ الرّعْدُ، وَأَرْزَمْت الرّيحُ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَفِي غَيْرِ هَذِهِ السّيرَةِ: أَنّهَا لَمّا أَلْقَتْ بِجِرَانِهَا فِي دَارِ بَنِي النّجّارِ جَعَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، وَهُوَ جَبّارُ بْنُ صَخْرٍ يَنْخُسُهَا رَجَاءَ أَنْ تَقُومَ فَتَبْرُكَ فِي دَارِ بَنِي سَلِمَةَ، فَلَمْ تَفْعَلْ. الْمِرْبَدُ وَصَاحِبَاهُ: وَقَوْلُهُ كَانَ الْمَسْجِدُ مِرْبَدًا. الْمِرْبَدُ وَالْجَرِينُ [وَالْجُرْنُ وَالْمِجْرَنُ] وَالْمِسْطَحُ «1» وَهُوَ بِالْفَارِسِيّةِ: مِشْطَاحٌ وَالْجُوخَارُ وَالْبَيْدَرُ وَالْأَنْدَرُ لُغَاتٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ لِلْمَوْضِعِ الّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الزّرْعُ وَالتّمْرُ لِلتّيْبِيسِ، وَأَنْشَدَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمِسْطَحِ [لِتَمِيمِ بن مقبل] :

_ مفترقان، إذ هما رجل وامرأة، وإذا لم يكن ابن العم لحا، وكان رجلا من العشيرة قلت: هو ابن عم الكلالة، وابن عم كلالة، هذا والبيت الذى أنشده بن قتيبة هو لابن مقبل وروايته فى اللسان: بحى إذا قيل: اظعنوا ... إلخ. (1) المسطح تكسر ميمه وتفتح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَرَى الْأَمْعَزَ الْمَحْزُوّ فِيهِ كَأَنّهُ ... مِنْ الْحَرّ فِي نَحْرِ الظّهِيرَةِ مِسْطَحُ «1» قَالَ: وَالْمَحْزُوّ مِنْ: حزؤت الشّيْءَ: إذَا أَظْهَرْته. وَالْمِسْطَحُ هُوَ بِالْفَارِسِيّةِ: مِشْطَحٌ، وَأَمّا الْمِسْطَحُ الّذِي، هُوَ عُودُ الْخِبَاءِ فَعَرَبِيّةٌ. وَذَكَرَ أَنّ ذَلِكَ الْمِرْبَدَ كَانَ لِسَهْلِ وَسُهَيْلٍ ابنى عمرو يتيمين فى حجر معاذ بن عَفْرَاءَ وَلَمْ يَعْرِفْهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَا يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ «2» وَهُمَا ابْنَا رَافِعِ بْنِ عمرو بن أبى عمرو بن عبيد ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ شَهِدَ سُهَيْلٌ مِنْهُمَا بَدْرًا، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ يَشْهَدُ سَهْلٌ بَدْرًا، وَشَهِدَ غَيْرَهَا وَمَاتَ قَبْلَ أَخِيهِ سُهَيْلٍ. حَوْلَ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ بُنْيَانَ الْمَسْجِدِ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ، وَفِي الصّحِيحِ أَنّهُ قَالَ: يَا بَنِي النّجّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ «3» [هَذَا] حِينَ أَرَادَ أَنْ يتخذه مسجدا، [فقالوا: لا، والله

_ (1) روايته فى اللسان: إذا الأمعز المحزو آض كأنه ... من الحر فى حد الظهيرة مسطح وقد ذكره اللسان لبيان أن المسطح معناه: حصير يسف من خوص الدوم لا أن المسطح هو البيدر. والأمعز: الأرض الحزنة الغليظة ذات الحجارة أو المكان الصلب الكثير الحصى وقد فسر الأصمعى المربد بقوله: كل شىء حبست فيه الإبل أو الغنم، وبه سمى مربد البصرة، لأنه كان موضع سوق الإبل. (2) فى رواية أبى ذر وحده: سعد بن زرارة، وفى رواية الباقين: أسعد، وهو الوجه: لأن أخاه سعدا تأخر إسلامه. وحكى الزبير أنهما كانا فى حجر أبى أيوب. (3) فى رواية للبخارى: ثامنونى حائطكم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلّا إلَى اللهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصّحِيحِ أَيْضًا: «ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: بَلْ نَهَبُهُ لَك يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمّ بَنَاهُ مَسْجِدًا] ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِفِقْهِ، وَهُوَ أَنّ الْبَائِعَ أَوْلَى بِتَسْمِيَةِ الثّمَنِ الّذِي يَطْلُبُهُ، قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ نَخْلٌ وَخِرَبٌ وَمَقَابِرُ مُشْرِكِينَ، فَأَمَرَ بِالْقُبُورِ فَنُبِشَتْ وَبِالْخِرَبِ «1» فَسُوّيَتْ، وَبِالنّخْلِ فَقُطِعَتْ. وَيُرْوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَخْلٌ وَحَرْثٌ مَكَانَ قَوْلِهِ: وَخِرَبٌ، وَرُوِيَ عَنْ الشّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْأَنْصَارِيّةِ قَالَتْ: كَانَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بَنَى الْمَسْجِدَ يَؤُمّهُ جِبْرِيلُ إلَى الْكَعْبَةِ وَيُقِيمُ له القبلة.

_ (1) بكسر الخاء وفتح الراء، وقال الخطابى: أكثر الرواة بالفتح، ثم الكسر، وحدثناه الخيام بالكسر ثم الفتح، ثم حكى احتمالات منها: الخرب: بضم أوله وسكون ثانيه، وهى الخروق المستديرة فى الأرض، والجرف بكسر الجيم وفتح الراء: ما تجرفه السيول وتأكله من الأرض، والحدب: المرتفع من الأرض بفتح الحاء والدال. قال: وهذا لائق بقوله: فسويت لأنه إنما يسوى المكان المحدوب وكذا الذى جرفته السيول، وأما الخراب، فيا بنى ويعمر دون أن يصلح ويسوى ... ورد الحافظ فى الفتح عليه: وما المانع من تسوية الخراب بأن يزال ما بقى منه، ويسوى أرضه، ولا ينبغى الالتفات إلى هذه الاحتمالات مع توجيه الرواية الصحيحة. «ص 203 ح 7 فتح البارى ط 1348. وفى بعض الروايات عن معمر عن الزّهْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أمر أبا بكر أن يعطيهما ثمنه وقال غير معمر: أعطاهما عشرة دنانير، وعند الزبير أن أبا أيوب أرضاهما عن ثمنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ الرّجُلِ لِعَمّارِ: قَدْ سَمِعْت ما تقول يابن سُمَيّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ سَمّى ابْنُ إسْحَاقَ الرّجُلَ، وَكَرِهَ ابْنُ هِشَامٍ أَنّ يُسَمّيَهُ كَيْ لَا يُذْكَرَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكْرُوهِ، فَلَا يَنْبَغِي إذًا الْبَحْثُ عَلَى اسْمِهِ. سُمَيّةُ أُمّ عَمّارٍ: وَسُمَيّةُ: أُمّ عَمّارٍ وَقَدْ تَقَدّمَ التّعْرِيفُ بِهَا فِي الْهِجْرَةِ الْأُولَى وَنَبّهْنَا عَلَى غَلَطِ ابْنِ قُتَيْبَةَ فِيهَا فَإِنّهُ جَعَلَهَا وَسُمَيّةَ أُمّ زِيَادٍ وَاحِدَةً وَسُمَيّةُ أُمّ زِيَادٍ كَانَتْ لِلْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ الْمُتَطَبّبِ، وَالْأُولَى: مَوْلَاةٌ لِبَنِي مَخْزُومٍ وَهِيَ سُمَيّةُ بِنْتُ خِبَاط «1» ، كَمَا تَقَدّمَ، وَكَانَ أَهْدَى سُمَيّةَ إلَى الْحَرْثِ رَجُلٌ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ: يُقَالُ لَهُ أَبُو جَبْرٍ، وَذَلِكَ أَنّهُ عَالَجَهُ مِنْ دَاءٍ كَانَ بِهِ فَبَرِئَ، فَوَهَبَهَا لَهُ، وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِي جَبْرٍ لِمَلِكِ مِنْ مُلُوكِ الْفُرْسِ وَفَدَ عَلَيْهِ أَبُو جَبْرٍ، فَأَهْدَاهَا إلَيْهِ الْمَلِكُ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ «2» ، وَفِي جَامِعِ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ أَنّ عَمّارًا كَانَ يَنْقُلُ فى بنيان المسجد لبنتين، لبنة

_ (1) فى الإصابة: سمية بنت خباط بمعجمة مضمومة، وموحدة ثقيلة، ويقال: بمثناة- أى ياء- تحتانية، وعند الفاكهى: سمية بنت خبط بفتح أوله بغير ألف كانت سابعة سبعة فى الإسلام. وما يذكره السهيلى ذكره أبو عمر. أما سمية أم زياد فذكرها ابن حجر فى القسم الثالث، او قال: ولم يرد ما يدل على أنها رأت النبى «ص» وأنها ولدت للحارث بن كلدة التى كان يطؤها بملك اليمين: نافعا ونفيعا. فانتفى منه لأنه رآه أسود، ثم وهبها لزوجته، فزوجتها عبدا روميا لها، فولدت له زيادا فأعتقته صفية زوجة الحارث. (2) فى الإصابة أن الكوى اليشكرى سبى سمية من الروم، ثم وهبها للحارث ابن كلدة ووهم ابن قتيبة هذا هو فى كتابه المعارف ص 76 ط 1300 هـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْهُ، وَلَبِنَةً عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنّاسُ يَنْقُلُونَ لَبِنَةً وَاحِدَةً، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلنّاسِ أَجْرٌ وَلَك، أَجْرَانِ، وَآخِرُ زَادِك مِنْ الدّنْيَا شَرْبَةُ لَبَنٍ، وَتَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ فَلَمّا قُتِلَ يَوْمَ صِفّينَ دَخَلَ عَمْرٌو عَلَى مُعَاوِيَةَ فَزِعًا، فَقَالَ: قُتِلَ عَمّارٌ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَاذَا؟ فَقَالَ عَمْرٌو: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ دُحِضْت فِي بَوْلِك «1» ، أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إنّمَا قَتَلَهُ من أخرجه «2» ؟!

_ (1) زلقت. (2) وروى البيهقى فى الدلائل هذا الحديث عن عبد الرحمن السلمى أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول لأبيه عمرو: قد قتلنا هذا الرجل، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه ما قال، قال: أى رجل؟ قال: عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بنى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْجِدَ فكنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين لبنتين إلخ وهذا يقتضى أن هذا البناء كان فى الخامسة من الهجرة أو بعدها، لأن عمرا أسلم فى الخامسة!! ويقول الإمام ابن تيمية تعليقا على حديث: تقتلك الفئة الباغية «تكلم فيه بعضهم، وبعضا تأوله على أن الباغى: الطالب، وهذا لا شىء، وأما السلف كأبى حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم، فيقولون لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية، فإن الله لم يأمر بقتالها ابتداء، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما، ثم: إن بغت إحداهما قوتلت، ولهذا كان هذا القتال عند أحمد ومالك قتال فتنة؛ وأبو حنيفة يقول: لا يجوز قتال البغاة حتى يبدؤا بقتال الإمام، وهؤلاء لم يبدؤا» وفى مكان آخر يقول: «كان على ومعاوية رضى الله عنهما أطلب لكب الدماء من أكثر المقتتلين، لكن غلبا فيما وقع، والفتنة إذا ثارت عجز الحكماء عن إطفاء نارها، وكان فى العسكرين مثل الأشتر النخعى، وهاشم بن عتبة المرقال، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وأبى الأعور السلمى، ونحوهم من المحرضين على القتال. قوم ينتصرون لعثمان غاية الانتصار، وقوم ينفرون عنه، وقوم ينتصرون لعلى، وقوم ينفرون عنه،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إضَافَةُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ إلَى عَمّارٍ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي عَمّارٍ، وَهُوَ: أَوّلُ مَنْ بَنَى لِلّهِ مَسْجِدًا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَيُقَالُ: كَيْفَ أَضَافَ إلَى عَمّارٍ بُنْيَانَ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ بَنَاهُ مَعَهُ النّاسُ؟ فَيَقُولُ إنّمَا عَنَى بِهَذَا الْحَدِيثِ مَسْجِدَ قُبَاءٍ، لِأَنّ عَمّارًا هُوَ الّذِي أَشَارَ عَلَى النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبُنْيَانِهِ، وَهُوَ جَمَعَ الْحِجَارَةَ لَهُ، فَلَمّا أَسّسَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَتَمّ بُنْيَانَهُ عَمّارٌ. أَطْوَارُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ: كَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْهُ: وَبُنِيَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسُقِفَ بِالْجَرِيدِ وَجُعِلَتْ قِبْلَتُهُ مِنْ اللّبِنِ، وَيُقَالُ: بَلْ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْضُودَةٍ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَجُعِلَتْ عمده من جذوع

_ وقتال الفتنة مثل قتال الجاهلية لا تنضبط مقاصد أهله واعتقاداتهم» ص 263 ولقد حاول ملك الروم استغلال معركة صفين، فحشد جيوشا كثيرة وحاول الاقتراب من الحدود الإسلامية، فكتب إليه معاوية رضى الله عنه: «والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك، لأصطلحن أنا وابن عمى عليك، ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت» فجبن ملك الروم ح 8 ص 189 البداية والنهاية لابن كثير. ويقول الأستاذ محب الخطيب: «وكان معاوية يعرف من نفسه أنه لم يكن منه البغى فى حرب صفين لأنه لم يردها، ولم يبتدئها، ولم يأت لها إلا بعد أن خرج على من الكوفة، وضرب معسكره فى النخيلة ليسير إلى الشام، ولذلك لما قتل عمار قال معاوية: إنما قتله من أخرجه» انظر ص 251. ص 263 من كتاب المنتقى للامام الذهبى الذى اختصر فيه كتاب منهاج السنة للامام ابن تيمية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النّخْلِ، فَنُخِرَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَجَرّدَهَا، فَلَمّا كَانَ عُثْمَانُ بَنَاهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ بِالْقَصّةِ وَسَقَفَهُ بِالسّاجِ «1» ، وَجَعَلَ قِبْلَتَهُ مِنْ الْحِجَارَةِ، فَلَمّا كَانَتْ أَيّامُ بَنِي الْعَبّاسِ بَنَاهُ مُحَمّدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْمُتَسَمّي بِالْمَهْدِيّ، وَوَسّعَهُ وَزَادَ فِيهِ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتّينَ وَمِائَةٍ، ثُمّ زَادَ فِيهِ الْمَأْمُونُ بْنُ الرّشِيدِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ، وأثقن بُنْيَانَهُ، وَنَقَشَ فِيهِ: هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ الْمَأْمُونُ فِي كَلَامٍ كَثِيرٍ كَرِهْت الْإِطَالَةَ بِذِكْرِهِ، ثُمّ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنّ أَحَدًا غَيّرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا أَحْدَثَ فِيهِ عَمَلًا. بُيُوتُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَمّا بُيُوتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَكَانَتْ تِسْعَةً، بَعْضُهَا مِنْ جَرِيدٍ مُطَيّنٍ «2» بِالطّينِ وَسَقْفُهَا جَرِيدٌ، وَبَعْضُهَا مِنْ حِجَارَةٍ مَرْضُومَةٍ، بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، مُسَقّفَةٌ بِالْجَرِيدِ أَيْضًا. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ «3» : كُنْت أدخل بيوت النبى

_ (1) القصة: الجص لغة حجازية، وتقصيص الدار: تجصيصها والساج: ضرب من الشجر يعظم جدا، ويذهب طولا وعرضا، وله ورق كبير، يتغطى الرجل بورقة منه فيقيه المطر، واحدته: ساجة «المعجم الوسيط» ورواية الصحيحين عن القبلة: «فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه الحجارة» وعضادتا الباب: خشبتان منصوبتان مثبتتان فى الحائط على جانبيه ويقال إن معنى صف للنخل قبلة له: جعلها سوارى فى جهة القبلة، ليسقف عليها، كما فى الصحيح من أن عمده كانت خشب النخل. (2) ينكر بعضهم هذه اللغة، ويقول، طانه من باب باع، فهو مطين بفتح فكسر. (3) ذكر فى إعلام الساجد لمحمد بن عبد الله الزركشى أنه: الحسن البصرى وذكر أنه نقله عن السهيلى. انظر ص 224.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَأَنَا غُلَامٌ مُرَاهِقٌ، فَأَنَالُ السّقْفَ بِيَدِي، وَكَانَتْ حُجَرُهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- أَكْسِيَةٌ مِنْ شَعْرٍ مَرْبُوطَةٌ فِي خَشَبٍ عَرْعَرٍ «1» وَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيّ أَنّ بَابَهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- كَانَ يُقْرَعُ بِالْأَظَافِرِ، أَيْ لَا حِلَقَ لَهُ، وَلَمّا تُوُفّيَ أَزْوَاجُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ خُلِطَتْ الْبُيُوتُ وَالْحُجَرُ بِالْمَسْجِدِ، وَذَلِكَ فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمّا وَرَدَ كِتَابُهُ بِذَلِكَ ضَجّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالْبُكَاءِ، كَيَوْمِ وَفَاتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَكَانَ سَرِيرُهُ خَشَبَاتٌ مَشْدُودَةٌ بِاللّيفِ، بِيعَتْ زَمَنَ بَنِي أُمَيّةَ، فَاشْتَرَاهَا رَجُلٌ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ بُيُوتَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ إذَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ، فَهِيَ إضَافَةُ مِلْكٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ وَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى أَزْوَاجِهِ كَقَوْلِهِ: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ فَلَيْسَتْ بِإِضَافَةِ مِلْكٍ، وَذَلِكَ أَنّ مَا كَانَ مِلْكًا لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَلَيْسَ بِمَوْرُوثِ عَنْهُ «2» .

_ (1) جنس أشجار وجنبات من فصيلة الصنوبريات. فيه أنواع تصلح للأخراج وللنزبين أنواعه كثيرة «المعجم الوسيط» وفى القاموس أنه شجر السرو فارسية. (2) وعن المسجد والبيوت روى عن النوار بنت مالك أم زيد بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة قبل أن يقدم رسول الله «ص» يصلى بالناس الصلوات الخمس، ويجمع بهم فى مسجد بناه فى مربد سهل وسهيل ابنى رافع ابن أبى عمرو بن عايد بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النجار قالت: فأنظر إلى رسول الله «ص» لما قدم صلى بهم فى ذلك المسجد وبناه، فهو مسجده اليوم. ووقع فى رواية عطاف بن خالد عند ابن عايد أنه «ص» صلى فيه- وهو عريش- اثنى عشر يوما، ثم بناه، وسقفه وسيأتى ما يشهد له. وروى أحمد عن طلحة بن على قال: جئت إلى النبى «ص» وأصحابه يبنون. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المسجد، قال: فكأنه لم يعجبه عملهم، قال: فأخذت المسحات، فخلطت بها الطين، فكأنه أعجبه أخذى المسحاة وعملى، فقال: دعوا الحنفى والطين، فإنه من أصنعكم للطين. وفى كتاب رزين أن الصحابة لما كثروا قالوا: يا رسول الله لو زيد فيه، ففعل، فرفعوا أساسه قريبا من ثلاثة أذرع بالحجارة وجعلوا طوله مما يلى القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، وكذا فى العرض. وكان مربعا. وفى حديث حصار عثمان يأتى قول عثمان: أنشدكم بالله الذى لا إله إلا هو. أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يبتاع مربد بنى فلان غفر الله له، فابتعته بعشرين ألفا، أو خمسة وعشرين ألفا، فأتيت النبى «ص» فقلت: قد ابتعته، فقال: جعله فى مسجدنا، وأجره لك؟ قالوا: اللهم نعم، هذا وقد ورد فى ذرع المسجد هذا عدة روايات: فهو سبعون ذراعا فى ستين أو يزيد «الذراع المقصود ذراع الآدمى» ، أو هو مائة ذراع فى مائة وأنه مربع، أو هو: أقل من مائة، وقيل إنه بناه أو لا أقل من مائة فى مائه ثم بناه وزاد عليه مثله فى الدور، وليس المراد هنا فى هذه الرواية مثله فى الأذرع لأنه كان حتى نهاية القرن التاسع الهجرى لا يبلغ مائة وخمسين ذراعا والرواية الأولى بالقبول أنه كان سبعين فى ستين. الصفة: هى- كما قال ابن حجر- مكان فى مؤخر المسجد مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له، ولا أهل، وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر. وعن ابن سعد أن أهل الصفة كانوا أناسا فقراء لا منازل لهم. فكانوا ينامون فى المسجد لا مأوى لهم غيره، وقريب من هذا فى البخارى. الزيادات فى المسجد: روى البخارى وأبو داود عن نافع أن عبد الله ابن عمر أخبره أن المسجد كان على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا، وزاد فيه عمر، وبناه على بنائه فى عهد رسول الله «ص» باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبا، ثم غيره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج. زيادة عمر: فى الحديث السابق ورد أن عمر زاد فيه، وقد روى أحمد عن نافع أن عمر «رض» زاد فى المسجد من الأسطوانة إلى المقصورة، وقال عمر: لولا أنى سمعت رسول الله «ص» يقول: ينبغى أن نزيد فى المسجد ما زدت فى المسجد شيئا. وذكر ابن سعد أنه لما كثر المسلمون فى عهد عمر رضى الله عنه- وضاق بهم المسجد، اشترى عمر ما حول المسجد من الدور إلا دار العباس بن عبد المطلب وحجر أمهات المؤمنين. ولكن العباس تصدق بداره، فقبلها عمر، وأدخلها فى المسجد- وروى البيهقى نحوه فى كتاب الرجعة عن أبى هريرة. وحسبنا هذا زيادة عثمان: لما ولى عثمان كلمه الناس أن يزيد فى مسجدهم، وشكوا إليه صفة يوم الجمعة حتى إنهم ليصلون فى الرحاب. فشاور عثمان أهل الرأى، فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه وفى البخارى ومسلم عن عبيد الله الخولانى أنه سمع عثمان عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول «ص» إنكم قد أكثر ثم، وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بنى مسجد الله بنى الله له فى الجنة مثله، وفى مسلم أنه أراد بناء المسجد، فكره الناس ذلك، وأحبوا أن يدعه على هيئته. وقد روى أن عثمان بدأ بهذا فى شهر ربيع الأول من سنة تسع وعشرين وأنه فرع منه حين دخلت السنة لهلال المحرم سنة ثلاثين، أو قبل أن يقتل بأربع سنين ويروى أن القصة «الجص» كانت تحمل إلى عثمان، وهو يا بنى مسجد رسول الله- ص- من بطن نخل، وأنه كان يقوم على رجليه، والعمال يعملون فيه، حتى تأتى الصلاة، فيصلى بهم، وربما نام ثم رجع، وربما نام فى المسجد. وعن خارجة بن زيد قال: هدم عثمان بن عفان المسجد، وزاد فى قبلته، ولم يزد فى شرقيه، وزاد فى غربيه قدر أسطوانه، وبناه بالحجارة المنقوشة والقصة وعسب النخل والجريد وبيضه بالقصة، وقدر زيد بن ثابت أساطينه، فجعلها على قدر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ النخل، وجعل فيه طبقانا مما يلى المشرق والمغرب، وزاد فيه إلى الشام خمسين ذراعا.. وهناك عدة روايات أخرى بعضها يقارب هذه والآخر يباعدها زيادة الوليد بن عبد الملك: نقل رزين أن المسجد بعد أن زاد فيه عثمان «رضى الله عنه لم يزد فيه على ولا معاوية رضى الله عنهما، ولا يزيد ولا مروان ولا ابنه عبد الملك شيئا، حتى كان الوليد بن عبد الملك وكان عمر بن عبد العزيز عامله على المدينة، ومكة، فبعث الوليد إلى عمر بن عبد العزيز بمال، وقال له: من باعك، فأعطه ثمنه، ومن أبى فاهدم عليه، وأعطه المال، فان أبى أن يأخذه فاصرفه إلى الفقراء. وقد روى أن عمر اشترى ما حول المسجد من المشرق والمغرب والشام، وأنه أراد ابتياع بيت حفصة رضى الله عنها، فأرسل إلى رجال من آل عمر، وانتهى الأمر إلى هدم البيت لإدخاله فى المسجد، وإلى إعطائهم طريقا إلى المسجد تنتهى إلى الأسطوانة، مع توسعتها. وكانت قبل ذلك ضيقة قدر ما يمر الرجل منحرفا. هذا وتجمع أخبار المؤرخين على أن حجر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم أدخلت فى المسجد بأمر الوليد، ويقول عطاء الخراسانى: حضرت كتاب الوليد يقرأ يأمر بإدخال حجر أزواج النبى «ص» فما رأيت يوما كان أكثر باكيا من ذلك اليوم. قال عطاء: فسمعت سعيد بن المسيب يقول: والله لوددت أنهم تركوها على حالها. ويقول عبد الله بن زيد الهذلى أنه رأى بيوت أزواج النبى «ص» حين هدمها عمر كانت باللبن ولها حجر من جريد مطرود بالطين عددت تسعة أبيات بحجراتها. وكانت الحجرات شرقى المسجد وقبليه، خارجة من المسجد مديرة به إلا من الغرب، وهذا الرأى يخالف ما ذكر السهيلى من أنها أدخلت فى زمن عبد الملك. كما أدخل فيه عمر دور عبد الرحمن بن عوف الثلاث التى يقال لها: القرابين ويقال إن الوليد طلب من ملك الروم أن يعينه بعمال وفسيفساء، فبعث إليه بأحمال منها، وبعدد من العمال. قيل كانوا ثمانين: أربعين من الروم وأربعين من القبط.، كما قيل إنه بعث إليه بعدة ألوف من الذهب، وبأحمال من سلاسل القناديل. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ويقال إن عمر هدمه سنة إحدى وتسعين هـ وأن البناء كان بالحجارة المنقوشة، وقصة بطن نخل وعمله بالفسيفساء وهى ألوان من الخرز يركب فى حيطان الببوت والمرمر، وعمل سقفه بالساج، وماء الذهب، وجعل عمد المسجد من حجارة حشوها عمد الحديد والرصاص، ويقال إن عمر لما صار إلى جدار القبلة دعا مشيخة من أهل المدينة من قريش والأنصار والعرب والموالى، فجعل لا ينزع حجرا إلا وضع مكانه حجرا، فكانت زيادة الوليد من المشرق إلى المغرب ست أساطين، وزاد إلى الشام من الأسطوانة المربعة التى فى القبر أربع عشرة أسطوانة. ومكث فى بنائه ثلاث سنين. كما روى أن عمل القبط كان مقدم المسجد، وكانت الروم تعمل ما خرج من المسجد جوانبه ومؤخره، فقال سعيد بن المسيب عن القبط: عمل هؤلاء أحكم. ويروى أن عثمان مات وليس فى المسجد شرفات ولا محراب، وأن أول من أحدث المحراب والشرفات عمر بن عبد العزيز، وأنه هو الذى عمل الميازيب التى من الرصاص، ولكن روى من طريق آخر أن الذى عمل الشرفات هو عبد الواحد بن عبد الله وهو وال على المدينة سنة أربع ومائة. وعمر توفى سنة 101 ولما احترق المسجد جددت له شرفات سنة 767 فى أيام الأشرف شعبان بن حسين بن محمد صاحب مصر. أما مناراته «مآذنه» فأحدثها عمر أيضا ويشهد لهذا ما رواه ابن إسحاق وأبو داود والبيهقى أن امرأة من بنى النجار قالت: كانت بيتى من أطول بيت حول المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر كل غداة، فيأتى بسحر، فيجلس على البيت، لينظر إلى الفجر، فإذا رأى تمطى، ثم قال: اللهم إنى أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك، قالت: ثم يؤذن. القبر: حين رزىء المسلمون بموت النبى عليه الصلاة والسلام اختلفوا فى مكان دفنه، ثم روى لهم أنه يدفن حيث مات، فاهتدوا، وكان أبو عبيدة يضرح- والضرح هو الشق فى وسطه القبر- وأبو طلحة يلحد- واللحد: الشق يعمل فى جانب القبر، فيميل عن وسطه- فقال الصحابة: نستخير ربنا، ونبعث إليهما، فأيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما، فسبق أبو طلحة، فلحدوا للنبى كما ورد فى مسند أحمد وسنن ابن ماجة وغيرهما. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فلما دفن فى حجرة السيدة عائشة حيث مات قالت ابنته فاطمة: أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله «ص» التراب، وسكت أنس عن جوابها رعاية لها، ولسان حاله يقول: لم تطب أنفسنا بذلك إلا لأنا قهرنا على فعله امتثالا لأمره. وقد روى البخارى فى موضعين من الجنائز، وفى المغازى، ومسلم فى الصلاة أن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى لم يقم منه- أو توفى فيه: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. لولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشى- أو خشى- أن يتخذ قبره مسجدا» ولم يجلس أحد على قبره صلى الله عليه وسلم ولم يصل إليه، ولا عليه، لأنه قال- كما روى مسلم: «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها أو عليها، وروى مسلم أنه قال هذا فى مرضه الذى مات منه قبل موته بخمس وأنه قال: «فلا تتخذوا القبور مساجد، فانى أنهاكم عن ذلك» ولم يزره رجل ولا امرأة، ولم يعلق عليه قنديل ولا غيره، لأن الواقع كان يمنع الرجال من ذلك، أفكان يستطيع أحد أن يقتحم على عائشة بيتها؟ ثم إن ابن عباس روى لهم ما يأتى: «لعن رسول الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج «رواه الخمسة إلا بن ماجة، كما روى لهم أبو هريرة ما يأتى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لأن يجلس أحدكم على جمرة، فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر» ، ولم يجصص قبره عليه الصلاة والسلام، ولم يكتب عليه شىء، لأن جابرا روى لهم: «نهى النبى صلى الله عليه وسلم- أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يا بنى عليه، رواه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود والترمذى وصححه، ولفظه: «نهى أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يا بنى عليها، وأن توطأ» وفى لفظ النسائى: «ونهى أن يا بنى على القبر، أو يزاد عليه، أو يجصص، أو يكتب عليه» . ولم يستطع أحد أن يقيم له ضريحا، أو يعلى من قبره، لأنهم كانوا يعلمون . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ما قاله على لأبى الهياج الأسدى «أبعثك على ما بعثنى عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا تدع تمثالا إلا طمسته. ولا قبرا مشرفا إلا سويته» رواه الجماعة إلا البخارى وابن ماجة. وكان هديهم هذا، فقد روى مسلم أن فضالة بن عبيد أمر بقبر فسوى، ثم قال: سمعت رسول الله «ص» يأمر بتسويتها. ولقد روى ابن سعد فى طبقاته بسنده عن مالك بن أنس: قسم بيت عائشة بأثنين: «قسم كان فيه القبر، وقسم كان تكون فيه عائشة، وبينهما حائط فكانت عائشة ربما دخلت حيث القبر فضلا، فلما دفن عمر لم تدخله إلا وهى جامعة عليها ثيابها» كما روى أن عمر هو أول من بنى جدارا على بيت النبى «ص» . وورد أن هذا الجدار كان قصيرا ثم بناه عبد الله بن الزبير. وروى البخارى فى صحيحه من حديث هشام بن عروة عن أبيه: لما سقط عنهم الحائط- يعنى حائط حجرة النبى «ص» فى زمان الوليد بن عبد الملك بن مروان أخذوا فى بنائه فقيدت لهم قدم، ففزعوا، وظنوا أنها قدم النبى «ص» فما وجدوا أحدا يعلم ذلك، حتى قال لهم عروة: لا والله ما هى قدم النبى «ص» ما هى إلا قدم عمر ولما أدخل عمر بن عبد العزيز حجرات أزواج النبى «ص» فى المسجد نازله عروة منازلة شديدة كيلا يجعل قبر النبى «ص» فى المسجد، فأبى وقال: كتاب أمير المؤمنين لا بد من إنفاذه، ولكنه جعل حجرة السيدة عائشة مثلثة الشكل محددة حتى لا يتأتى لأحد أن يصلى إلى جهة القبر الكريم مع استقبال القبلة.. ثم جدث ما جدث، واقترف الناس ما اقترفوا من عبادة للقبر. لهذا يجب العمل على إفراد القبر عن المسجد اهتداء بهدى الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم- فليس من تكريم النبى- صلى الله عليه وسلم- أن يعبد قبره من دون الله، أو أن يتمسح به، أو يستجار به، أو. أو ... مما يحاول اقترافه عبدة الشياطين. وما أجمل ما قاله الإمام الشوكانى وهو يشرح حديث النهى عن رفع القبور. «ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولا أوليا: القبب والمشاهد المعمورة على القبور. وأيضا هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن النبى «ص» فاعل ذلك ... وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكى لها الإسلام. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . منها: اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك، قظنوا أنها قادرة على جلب النفع، ودفع الضر، فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج، وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليها الرحال، وتمسحوا بها، واستغاثوا، وبالجملة أنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله، ويغار حمية للدين الحنيف لا عالما، ولا متعلما، ولا أميرا، ولا وزيرا ولا ملكا، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا، فاذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولى الفلانى تلعثم وتلكلأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثانى اثنين أو ثالث ثلاثة. فيا علماء الدين، ويا ملوك المسلمين: أى رزء للاسلام أشد من الكفر؟! وأى بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله؟! وأى مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة؟ وأى منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا؟! لقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادى ولو نارا نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ فى رماد أفيسمع المسلمون من رجل لا يستطيع أحد أن ينال من علمه وفقهه وإخلاصه؟؟ وإنه ليروى أن الوليد لما قدم حاجا جعل يطوف فى المسجد، وينظر إليه. ويصيح بعمر هاهنا، ومعه أبان بن عثمان: فلما استنفد الوليد النظر إلى المسجد التفت إلى أبان، وقال: أين بناؤنا من بنائكم؟ قال أبان: إنا بنيناه بنيان المساجد وبنيثموه بناء الكنائس ص 370 السمهودى ح 1 وصف المسجد فى القرن السادس: وقد ورد للمسجد وصف دقيق من كاتب مراكشى عاش فى القرن السادس الهجرى ننقله بنصه عن كتابه «الاستبصار. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فى عجائب الأمصار» : «ومسجد النبى «ص» مستطيل غير مربع يزيد طوله على عرضه مائة ذراع، وسماء المسجد منقوشة مدهونة محفورة مذهبة كلها على عتب منقوشة على أعمدة خرز أسود بعضه على بعض ملبسة بالجيار، وهو ليس على أقواس إلا ما كان إلى الصحن، فانه أقواس معقودة وجوهها منزولة بالفسيفساء على أعمدة من خرز ملبسة بالجيار والأعمدة التى إلى صحن المسجد هى أقصر من التى عليها سماء المسجد، وتلك الأقواس التى إلى صحن المسجد مغلقة بشرا جيب الساج، مقدم المسجد خمس بلاطات معترضة، ومؤخره مثل ذلك، ومجنبة المسجد الشرق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حُبّ حَبّابٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ أُمّ أَيّوبَ، وَقَوْلَهَا: انْكَسَرَ حُبّ لَنَا. الْحُبّ جَرّةٌ كَبِيرَةٌ، جَمْعُهُ [أُحْبٌ وَحِبَابٌ] حِبَبَةٌ مِثْلُ جُحْرٍ وَجِحَرَةٌ [وَأَجْحَارٌ وَجُحْرٌ] وَكَأَنّهُ أَخَذَ لَفْظَهُ مِنْ حِبَابِ الماأ أَوْ مِنْ حَبَبِهِ، وَحَبَابِهِ بِالْأَلِفِ: تَرَافُعُهُ. قَالَ الشّاعِرُ: كَأَنّ صَلَا جَهِيزَةَ حِينَ تَمْشِي ... حَبَابَ الماء يتّبع الحبابا «1»

_ نشر دار الكتاب الحديثة، والنصوص التى نقلتها عن الحجرات نقل أكثرها الإمام ابن تيمية عن كتاب أخبار المدينة لأبى زيد عمر بن شبة النميرى، وانظر كتاب القرى للمحب الطبرى ص 629 ط الحلبى. وأما السرير الذى تحدث عنه السهيلى، فقد ورد فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها: إنما كان فراش رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي ينام عليه أدما- أى: جلدا- حشوه: ليف» وكذلك رواه الترمذى. وورد أنه نام على حصير أثر فى جنبه «أحمد وابن ماجة والترمذى، والحاكم» وروى ابن حبان أنه كان لرسول الله «ص» سرير مرمل- بضم الميم وفتح الراء وتشديد الميم المفتوحة- بالبردى، وعليه كساأ أسود محشو بالبردى والبردى نبات يعمل منه الحصر. والمعنى: أن قوائم السرير موصولة مغطاة بما نسج من نبات البردى. وفى حديث عمر أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا هو جالس على رمال سرير وفى روآية: على رمال حصير. والرمال: ما رمل أى نسج. (1) البيت فى اللسان فى مادة حبب غير منسوب إلى أحد وفيه قامت بدلا من. تمشى، وفيه الحبب: حبب الماء وهو تكسره وهو الحباب ... وقبل حباب الماء موجه الذى يتبع بعضه بعضا ... وقال الأصمعى: حباب الماء الطرائق التى فى الماء كأنها الوشى» والصلا: العجيزة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْحَبَبُ بِغَيْرِ أَلِفٍ نُفّاخَاتٌ بِيضٌ صِغَارٌ تَكُونُ عَلَى وَجْهِ الشّرَابِ قَالَهُ ابْنُ ثَابِتٍ «1» . الثّومُ: وَذَكَرَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِأُمّ أَيّوبَ- حِينَ رَدّ عَلَيْهَا الثّرِيدَ مِنْ أَجْلِ الثّومِ: أَنَا رجل أناحى، وَرَوَى غَيْرُهُ حَدِيثَ أُمّ أَيّوبَ، وَقَالَ فِيهِ: إن الملائكة تتأذى بما يتأذى به الإنس «2» . وَرُوِيَ أَنّ خُصَيْفَ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ رَأَيْت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الْمَنَامِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ: الْحَدِيثُ الّذِي تَرْوِيهِ عَنْك أُمّ أَيّوبَ أَنّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذّى بِمَا يَتَأَذّى بِهِ الْإِنْسُ أَصَحِيحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. مَصِيرُ مَنْزِلِ أَبِي أَيّوبَ وَمَنْزِلُ أَبِي أَيّوبَ الّذِي نَزَلَ فِيهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَصِيرُ بَعْدَهُ إلَى أَفْلَحَ مَوْلَى أبى أيوب، فاشتراه منه بعد ما خرب، وتثلّمت حيطانه

_ (1) فى اللسان عن الحباب- بالألف- أنها النفاخات والفقاقيع التى تطفو على وجه الماء كأنها القوارير. وحبب الأسنان: تنضدها. (2) ورد حديث أبى أيوب فى مسلم وفيه أن أبا أيوب سأل رسول الله «ص» : أحرام هو؟ قال: لا، ولكن أكرهه من أجل ريحه. قال أبو أيوب: فانى أكره ما كرهت. وعن جابر أن النبى «ص» قال: من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو قال: فليعتزل مسجدنا، أو ليقعد فى بيته، وإن النبى «ص» أتى بقدر فيه خضرات من بقول، فوجد لها ريحا، فقال قربوها إلى بعض أصحابه وقال: كل فانى أناجى من لا تناجى» متفق عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ بَعْدَ حِيلَةٍ احْتَالَهَا عَلَيْهِ الْمُغِيرَةُ ذَكَرَهَا الزّبَيْرُ، ثُمّ أَصْلَحَ الْمُغِيرَةُ مَا وَهَى مِنْهُ، وَتَصَدّقَ بِهِ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ فُقَرَاءِ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ أَفْلَحَ يَقُولُ لِلْمُغِيرَةِ: خَدَعْتنِي، فَيَقُولُ لَهُ الْمُغِيرَةُ: لَا أَفْلَحَ مَنْ نَدِمَ. هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ «1» مِنْ قِصّةِ أَبِي سُفْيَانَ مَعَ بَنِي جَحْشٍ وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ لِأَبِي سُفْيَانَ: دَارُ ابْنِ عَمّك بِعْتهَا ... تَقْضِي بِهَا عَنْك الْغَرَامَهْ اذْهَبْ بِهَا اذْهَبْ بِهَا ... طُوّقْتَهَا طَوْقَ الْحَمَامَهْ أَبُو أَحْمَدَ هَذَا اسْمُهُ عَبْدٌ، وَقِيلَ: ثُمَامَةُ، وَالْأَوّلُ أَصَحّ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ الْفَارِعَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَبِهَذَا السّبَبِ تَطَرّقَ أَبُو سُفْيَانَ إلَى بَيْعِ دَارِ بَنِي جَحْشٍ إذْ كَانَتْ بِنْتُهُ فِيهِمْ. مَاتَ أَبُو أَحْمَدَ بَعْدَ أُخْتِهِ زَيْنَبَ أم المؤمنين فى خلافة عمر. وَقَوْلُهُ لِأَبِي سُفْيَانَ طُوّقْتَهَا طَوْقَ الْحَمَامَهْ مُنْتَزَعٌ من قول النبى- صلى الله

_ (1) ذكر ابن إسحاق أن بيت أبى أيوب بناه تبع الأول لما مر بالمدينة للنبى «ص» ينزله إذا قدم المدينة!! فتداول البيت الملاك إلى أن صار لأبى أيوب!! وهى ولا شك خرافة حين يقال إن تبعا بناها للنبى «ص» فما كان تبع إلها حتى يعرف الغيب، أو ما كان تبع يعرف ما لم يعرفه النبى نفسه حتى ليلة الوحى.. ويقال إن الملك المظفر شهاب الدين غازى بن الملك العادل سيف الدين بكر بن أيوب بن شادى اشترى عرصة دار أبى أيوب، وبناها مدرسة لتدريس المذاهب الأربعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ «1» وَقَالَ طَوْقَ الْحَمَامَهْ، لِأَنّ طَوْقَهَا لَا يُفَارِقُهَا، وَلَا تُلْقِيهِ عَنْ نَفْسِهَا أَبَدًا، كَمَا يَفْعَلُ مَنْ لَبِسَ طَوْقًا مِنْ الْآدَمِيّينَ، فَفِي هَذَا الْبَيْتِ مِنْ السّمَانَةِ وَحَلَاوَةِ الْإِشَارَةِ وَمَلَاحَةِ الِاسْتِعَارَةِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَفِي قَوْلِهِ: طَوْقَ الْحَمَامَةِ رَدّ عَلَى مَنْ تَأَوّلَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: طُوّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ أَنّهُ مِنْ الطّاقَةِ، لَا مِنْ الطّوْقِ فِي الْعُنُقِ، وَقَالَهُ الْخَطّابِيّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، مَعَ أَنّ الْبُخَارِيّ قَدْ رَوَاهُ، فَقَالَ فِي بَعْضِ رِوَايَتِهِ لَهُ: خُسِفَ بِهِ إلَى سَبْعِ أَرَضِينَ «2» ، وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ جَاءَ بِهِ إسْطَامًا فِي عُنُقِهِ، وَالْأَسْطَامُ كَالْحِلَقِ مِنْ الْحَدِيدِ، وَسِطَامُ السّيْفِ. حَدّهُ «3» . الْخُطْبَةُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِيهَا يَقُولُ اللهُ عَزّ وَجَلّ لِعَبْدِهِ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْك، فَمَاذَا قَدّمْت، وَفِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ زِيَادَةٌ، وَهِيَ: أَلَمْ أوتك مالا، وجعلتك ترباع وَتَدْسَعُ؟ وَفَسّرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ، فَقَالَ: هُوَ مَثَلٌ، وأصله: أن الرئيس من العرب كان

_ (1) متفق عليه. (2) فسرها ابن الأثير فى النهاية بما يأتى: أى يخسف الله به الأرض فتصير القطعة المغصوبة فى عنقه كالطوق، وقيل: هو أن يطوق حملها يوم القيامة، أى يكلف، فيكون من طوق التكليف لا من طوق التقليد. (3) سطام أو إسطام: الحديدة التى تحرك بها النار وتسعر «النهاية لابن الأثير» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يرباع قَوْمَهُ أَيْ: يَأْخُذُ الْمِرْبَاعَ إذَا غَزَا وَيَدْسَعُ: أى يعطى ويدافع مِنْ الْمَالِ لِمَنْ شَاءَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ ضَخْمُ الدّسِيعَةِ «1» . الْحُبّ: وَذَكَرَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الثّانِيَةَ، وَفِيهَا: أَحِبّوا اللهَ مِنْ كُلّ قُلُوبِكُمْ، يُرِيدُ أَنْ يَسْتَغْرِقَ حُبّ اللهِ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْقَلْبِ، فَيَكُونُ ذِكْرُهُ وَعَمَلُهُ خَارِجًا مِنْ قَلْبِهِ خَالِصًا لِلّهِ، وَإِضَافَةُ الْحُبّ إلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ عَبْدِهِ مَجَازٌ حَسَنٌ لِأَنّ حَقِيقَةَ الْمَحَبّةِ: إرَادَةٌ يُقَارِنُهَا اسْتِدْعَاءٌ لِلْمَحْبُوبِ إمّا بِالطّبْعِ، وَإِمّا بِالشّرْعِ، وَقَدْ كَشَفْنَا مَعْنَاهَا بِغَايَةِ الْبَيَانِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنّ اللهَ [تَعَالَى] جَمِيلٌ يُحِبّ الْجَمَالَ «2» ونبهنا هنا لك عَلَى تَقْصِيرِ أَبِي الْمَعَالِي رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرْحِ الْمَحَبّةِ فِي كِتَابِ الْإِرَادَةِ مِنْ كِتَابِ الشامل فلتنظر هنا لك «3» .

_ (1) أصل الدسع: الدفع. وضخم الدسيعة: واسع العطية، ومعنى ألم أجعلك إلخ- كما فى النهاية لابن الأثير: ألم أجعلك رئيسا مطاعا، لأن الملك كان يأخذ الرباع من الغنيمة فى الجاهلية دون أصحابه. (2) رواه مسلم والترمذى والطبرانى فى الكبير والحاكم فى مستدركه. (3) أحسن من تكلم عن الحب هو الإمام ابن القيم فى كتابيه «روضة المحبين» وكتاب «مدارج السالكين» وفى هذا الأخير يقول الإمام الجليل إن الكلام عن الحب معلق بطرفين: «محبة العبد لربه، وطرف محبة الرب لعبده. والناس فى إثبات ذلك ونفيه أربعة أقسام: فأهل يحبهم الله ويحبونه على إثبات الطرفين، وأن محبة العبد لربه فوق كل محبة تقدر، ولا نسبة لسائر المحاب إليها، وهى حقيقة: لا إله إلا الله، وكذلك عندهم محبة الرب لأوليائه وأنبيائه ورسله صفة زائدة على رحمته وإحسانه، وعطائه، فإن ذلك أثر المحبة وموجبها،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فإنه لما أحبهم كان نصيبهم من رحمته وإحسانه وبره أتم نصيب. والجهمية المعطلة عكس هؤلاء، فانه عندهم لا يحب ولا يحب، ولم يمكناهم تكذيب النصوص، فأولوا نصوص محبة العباد له على محبة طاعته وعبادته. والازدياد من الأعمال؛ لينالوا بها الثواب، وإن أطلقوا عليهم بها لفظ المحبة، فلما ينالون به من الثواب والأجر والثواب المنفصل عندهم: هو المحبوب لذاته، والرب تعالى محبوب لغيره حب الوسائل. وأولوا نصوص محبته لهم باحسانه إليهم، وإعطائهم الثواب، وربما أولوها بثنائه عليهم، ومدحه لهم، ونحو ذلك. وربما أولوها بارادته لذلك. فتارة يؤلونها بالمفعول المنفصل، وتارة يؤلونها بنفس الإرادة. ويقولون: الإرادة إن تعلقت بتخصيص العبد بالأحوال والمقامات العلية، سميت محبة، وإن تعلقت بالعقوبة والانتقام سميت غضبا. وإن تعلقت بعموم الإحسان والإنعام الخاص سميت برا، وإن تعلقت بايصاله فى خفاء من حيث لا يشعر أولا يحتسب سميت: لطفا، وهى واحدة، ولها أسماء وأحكام باعتبار متعلقاتها. ومن جعل محبته للعبد ثناءه عليه ومدحه له. ردها إلى صفة الكلام، فهى عنده من صفات الذات، لا من صفات الأفعال، والفعل عنده نفس المفعول، فلم يقم بذات الرب محبة لعبده ولا لأنبيائه، ورسله ألبتة. ومن ردها إلى صفة الإرادة جعلها من صفات الذات باعتبار أصل الإرادة، ومن صفات الأفعال باعتبار تعلقها. ولما رأى هؤلاأ أن المحبة إرادة، وأن الإرادة لا تتعلق إلا بالمحدث المقدور. والقديم ويستحيل أن يراد أنكروا محبة العباد، والملائكة والأنبياء والرسل له. وقالوا: لا معنى إلا إرادة التقرب إليه، والتعظيم له، وإرادة عبادته، فأنكروا خاصة الإلهية، وخاصة العبودية، واعتقدوا أن هذا من موجبات التوحيد والتنزيه، فعندهم لا يتم التوحيد والتنزيه، إلا بجحد حقيقة الإلهية، وجحد حقيقة العبودية. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وجميع طرق الأدلة: عقلا، ونقلا، وفطرت وقياسا واعتبارا ... تدل على إثبات محبة العبد لربه، والرب لعبده.. ثم قال إن من أنكروا المحبة: «قد أنكروا خاصة الخلق والأمر، والغاية التى وجدوا لأجلها، فان الخلق والأمر والثواب والعقاب إنما نشأ عن المحبة، ولأجلها، وهى الحق الذى به خلقت السماوات والأرض، وهى الحق الذى تضمنه الأمر والنهى، وهى سر التأليه، وتوحيدها، هو: شهادة أن لا إله إلا الله ... والقرآن والسنة مملوآن بذكر من يحبه الله سبحانه، من عباده المؤمنين. وذكر ما يحبه من أعمالهم وأقوالهم وأخلاقهم كقوله تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ آل عمران: 146 وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آل عمران 134، 148. وكم فى السنة: أحب الأعمال إلى الله كذا كذا فلو بطلت مسألة المحبة لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان، ولتعطلت منازل السير إلى الله، فانها روح مقام ومنزلة وعمل، والمحبة حقيقة العبودية ... فمنكر هذه المسألة ومعطلها من القلوب معطل لذلك كله، وحجابه أكشف الحجب، وقلبه أقسى القلوب، وأبعدها عن الله، وهو منكر لخلة إبراهيم عليه السلام، فان الخلة كمال المحبة» ص 18 إلى ص 27 باختصار ح 3 ط السنة المحمدية. وبالنصوص القرآنية يثبت لنا أن الحب ليس هو الإرادة، وإنما هو صفة أخرى. والذين ينكرون حب الله لعباده. وحب العباد لله. قوم عيونهم وأفكارهم مشدودة إلى صفات البشر بكل ما لهذه الصفات البشرية من خصائص، وظنوا- خاضعين فى هذا لأفكار غير عربية وغير إسلامية أنهم إن وصفوا الله بهذه الصفات التى بها وصف الله نفسه. أو أضافوا إليه من الأفعال والأسماء ما أضافه إلى نفسه.. ظنوا أنهم إن فعلوا ذلك أسندوا إلى الله ما يسندونه من لوازم هذه الصفات فى بشريتها إلى البشر، زعموا أن من لوازم الحب اللهف والقلق والخوف والشوق والفقر، والشعور بالنقص فنفوا عن الله صفة أنه يحب أو أنه استوى، أو ... لأن هذه الصفات تستلزم ما يستحيل إطلاقه على الله. وهذا الظن قصور وتقصير. وإفراط فى المادية، واستغراق فى الذهول عن الحقيقة، فان الصفة. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تستمد قيمتها من موصوفها. بل إن الصفات تتغير وتتباين لوازمها تبعا لتباين الموصوفات فى الخلق أنفسهم، فغضبى ليس عين غضبك وحبى ليس عين حبك. وحبنا ليس حب الآخرين. فما بالنا بصفات الخالق؟؟ فكيف نسند إلى صفات الخلاق ما نسنده إلى صفات البشر من الوازم وخصائص؟ وكيف نظن أن حب الله مثل حب خلقه! حتى نحمل عليه ما نحمله عليهم؟ وكيف نجرؤ على أن نجرد صفات الله من معانيها، أو ننفيها عنه ونحن مستعبدون لظنون وأوهام ضرب الشيطان بها أفكار غيرنا وقلوبهم فأعماهم وأضلهم عن سواء السبيل؟ وكيف نسوى بين صفتين، لم يجعل الله إحداهما عين الأخرى، كيف نسوى بين الإرادة والمحبة، والله يقول: قُلْ: مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً الأحزاب: 17 قُلْ: فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا، أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً الفتح: 11 إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ، أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ الزمر: 38 وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها، فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً الإسراء: 16 وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ، فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً المائدة: 41 إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً يس: 23 أو يمكن أن نضع الحب مكان الإرادة فى هذه الآية؟ لقد تكرر إسناد الحب إلى الله فى القرآن إثباتا قرابة عشرين مرة، وفى كل مرة يتعلق الحب بصفة فى العيد تجعله من خير العباد الذين يستحقون هذه المحبة الإلهية، فهو جل شأنه يحب المحسنين، والتوابين والمتطهرين، والمتقين والصابرين، والمتوكلين، والمقسطين والمطهرين والذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص، والأذلة على المؤمنين الأعزة على الكافرين، والذين يحبونه، ويتبعون نبيه، وهو لا يحب المعتدين، ولا يحب الفساد ولا المفسدين، ولا يحب الكفار الأثيم ولا يحب الظالمين، ولا يحب من كان مختالا فخورا ولا يحب المسرفين، ولا يحب الخائنين، ولا يحب المستكبرين، ولا يحب كل خوان فخور، ولا يحب الفرحين، ولا يحب الكافرين، هكذا يثبت الله حبه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ شَرْحِ الْخُطْبَةِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا تَمَلّوا كَلَامَ اللهِ وَذِكْرَهُ، فَإِنّهُ مِنْ كُلّ مَا يَخْلُقُ اللهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي. الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَائِدَةً عَلَى كَلَامِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَلَكِنّهَا ضَمِيرُ الْأَمْرِ وَالْحَدِيثِ، فَكَأَنّهُ قَالَ: إنّ الْحَدِيثَ مِنْ كُلّ مَا يَخْلُقُ اللهُ يَخْتَارُ، فَالْأَعْمَالُ إذًا كُلّهَا مِنْ خَلْقِ اللهِ قَدْ اخْتَارَ مِنْهَا مَا شَاءَ قَالَ سُبْحَانَهُ: [وَرَبُّكَ] يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَيَخْتارُ الْقَصَصُ: 68، وَقَوْلُهُ: قَدْ سَمّاهُ خِيرَتَهُ من الأعمال، يعنى: الذّكْرَ، وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَيَخْتَارُ، فَقَدْ اخْتَارَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ. وَقَوْلُهُ: وَالْمُصْطَفَى مِنْ عِبَادِه، أَيْ: وَسُمّيَ الْمُصْطَفَى مِنْ عِبَادِهِ بِقَوْلِهِ: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ الْحَجّ: 75 وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمُصْطَفَى مِنْ عِبَادِهِ أَيْ: الْعَمَلُ الّذِي اصْطَفَاهُ مِنْهُمْ وَاخْتَارَهُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، فَلَا تَكُونُ مِنْ عَلَى هَذَا لِلتّبْعِيضِ، إنّمَا تَكُونُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، لِأَنّهُ عَمَلٌ اسْتَخْرَجَهُ مِنْهُمْ بِتَوْفِيقِهِ إيّاهُمْ. وَالتّأْوِيلُ الْأَوّلُ أَقْرَبُ مَأْخَذًا والله أعلم بما أراد رسوله.

_ لقوم، وينفيه عن آخرين، وبهذا الإثبات والنفى، تأكد ثبوت هذه الصفة الإلهية له سبحانه. فلنؤمن بأن الله يحب، ولنقل إن الله يحب، ولنسعد بأن الله يحب، ولنشعر بروح وريحان حين نذكر ونقرأ ونقول: إن الله يحب، ولن تلمس خاطرة من فكرة مهما كان شأنها فى الصغر أو الكبر أن حب الله يشبه حب خلقه. إلا إذا كان ثمة إنسان يجعل الله بعض خلقه!! وجل جلال الله سبحانه أن نشبهه بشى، أو ننفى عنه ما أثبته لنفسه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ فِي أَوّلِ الْخُطْبَةِ «1» إنّ الْحَمْدَ لِلّهِ أَحْمَدُهُ هَكَذَا بِرَفْعِ الدّالِ مِنْ قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلّهِ وَجَدْته مُقَيّدًا مُصَحّحًا عَلَيْهِ، وَإِعْرَابُهُ لَيْسَ عَلَى الْحِكَايَةِ، وَلَكِنْ عَلَى إضْمَارِ الْأَمْرِ كَأَنّهُ قَالَ: إنّ الْأَمْرَ الّذِي أَذْكُرُهُ، وَحَذَفَ الْهَاءَ الْعَائِدَةَ عَلَى الْأَمْرِ كَيْ لَا يُقَدّمَ شَيْئًا فِي اللّفْظِ مِنْ الْأَسْمَاءِ عَلَى قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلّهِ، وَلَيْسَ تَقْدِيمُ إنّ فِي اللّفْظِ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الْأَسْمَاءِ، لِأَنّهَا حَرْفٌ مُؤَكّدٌ لِمَا بَعْدَهُ مَعَ مَا فِي اللّفْظِ مِنْ التّحَرّي لِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَالتّيَمّنِ بِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَكَانَتْ خُطْبَتُهُ فِي تِلْكَ الْأَيّامِ عَلَى جِذْعٍ، فَلَمّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ «2» ، وَصَنَعَهُ لَهُ عَبْدٌ لِامْرَأَةِ مِنْ الْأَنْصَارِ اسْمُهُ بَاقُومٌ «3» خار الجذع خوار

_ (1) روى أبو داود عن الخطبة الثانية ما يأتى: عن ابن مسعود رضى الله عنه أن النبى إذا تشهد قال: الحمد لله ... الحديث إلى قوله لا شريك له. وقد صحح النووى إسناد هذا الحديث فى شرحه لمسلم. هذا ويرى الحسن البصرى، وداود الظاهرى، والجوينى والشوكانى أن الخطبة مندوبة، وليست بواجبة. (2) شجر، الواحدة: طرفة، وقال سيبويه: الطرفاء واحد وجمع. ويصفها المعجم الوسيط بقوله جنس جنبات وجنيبات للتزيين من الفصيلة الطرفاوية، ومنها: الأثل، وفى الصحيحين عن سهل بن سعد أنه صنع له من أثل الغابة، ويقول الزرقانى فى المواهب: وهو شجر كالطرفاء لا شوك له، وخشبه جيد، يعمل منه القصاع والأوانى، والغابة: موضع بالعوالى (3) واختلف فى اسم صانعه، ففى الصحيح أنه ميمون مولى امرأة من الأنصار، وقيل: مولى سعد بن عبادة، فكأنه فى الأصل مولى امرأته، ونسب إلى سعد مجازا- وقد اختلف أيضا فى اسم امرأة سعد- وروى أبو نعيم أن صانعه باقوم الرومى مولى سعيد بن العاص، أو باقول، أو صباح، أو قبيصة، أو مينا، أو صالح أو كلاب، وكلاهما مولى العباس، أو إبراهيم، أو تميم الدارى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النّاقَةِ الْخَلُوجِ، حَتّى نَزَلَ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَالْتَزَمَهُ، وَقَالَ: لَوْ لَمْ أَلْتَزِمْهُ مَا زَالَ يَخُورُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمّ دَفَنَهُ، وَإِنّمَا دَفَنَهُ، لِأَنّهُ قَدْ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُؤْمِنِ لَحُبّهِ وَحَنِينِهِ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا يُنْظَرُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ الْآيَةُ، وَإِلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي النّخْلَةِ: مَثَلُهَا كَمَثَلِ الْمُؤْمِنِ، وَحَدِيثُ خُوَارِ الْجِذْعِ وَحَنِينِهِ مَنْقُولٌ نَقْلَ التّوَاتُرِ لِكَثْرَةِ مَنْ شَاهَدَ خُوَارَهُ مِنْ الْخَلْقِ وَكُلّهُمْ نَقَلَ ذَلِكَ، أَوْ سَمِعَهُ من غيره فلم ينكره «1» .

_ كما ورد فى أبى داود. ويقول الحافظ فى الفتح: وليس فى جميع الروايات التى سمى فيها النجار شىء قوى السند سوى الحديث الذى رواه أبو داود عن ابن عمر لكن لم يصرح فيه بأن صانعه تميم. وأشبه الأقوال بالصواب بأنه ميمون لكونه من طريق سهل بن سعد ... وكان المنبر ذا ثلاث درجات، وزاد فيه مروان ست درجات لما كثر الناس، ولما احترق المسجد سنة 654 جدد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين منبرا، ثم أرسل الظاهر بيبرس بعد عشر سنين منبرا، فأزيل منبر المظفر، ولم يزل منبر بيبرس إلى سنة 820، ثم أرسل المؤيد شيخ منبرا، فبقى سنة 867، فأرسل الظاهر خشقدم منبرا. (1) يقول القاضى عياض فى الشفاء عن حديث حنين الجذع: حديث حنين الجذع مشهور منتشر، والخبر به متواتر، أخرجه أهل الصحيح، ورواه من الصحابة بضعة عشر، منهم أبى بن كعب وجابر وأنس وابن عمر وابن عباس وسهل بن سعد وأبو سعيد الخدرى وبريدة وأم سلمة والمطلب بن أبى وداعة» وقد أخرج البخارى الحديث فى علامات النبوة، والترمذى فى الصلاة عن عن نافع عن ابن عمر، ورواه أحمد من رواية أبى جناب وهو ضعيف عن أبيه أبى حية عن ابن عمر، ورواه ابن ماجة وأبو يعلى الموصلى وغيرهما من رواية حماد بن مسلمه عن ثابت عن أنس، ورواه الترمذى وصححه وأبو يعلى وابن خزيمة والطبرانى والحاكم وصححه، وقال على شرط مسلم يلزمه إخراجه من رواية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِ شَرَطَ لَهُمْ فِيهِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ، وَأَمّنَهُمْ فِيهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَكَانَتْ أَرْضُ يَثْرِبَ لَهُمْ قَبْلَ نُزُولِ الْأَنْصَارِ بِهَا، فَلَمّا كَانَ سَيْلُ الْعَرِمِ، وَتَفَرّقَتْ سَبَأٌ نَزَلَتْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ بِأَمْرِ طَرِيفَةَ الْكَاهِنَةِ، وأمر

_ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عن أنس، ورواه الطبرانى من رواية الحسن عن أنس، ورواه أحمد بن منيع والطبرانى وغيرهما من رواية حماد ابن سلمة عن عمار بن أبى عامر عن ابن عباس. ورواه أحمد والدارمى وأبو يعلى وابن ماجة وغيرهم من رواية الطفيل بن أبى بن كعب عن أبيه، ورواه الدارمى من رواية أبى حازم عن سهل بن سعد، ورواه أبو محمد الحسن بن على الجوهرى من رواية عبد العزيز بن رواد عن نافع عن تميم الدارى. وقال الحافظ فى الفتح: «حنين الجذع وانشقاق القمر نقل كل منهما نقلا مستفيضا يفيد القطع عند من يطلع على طرق الحديث دون غيرهم ممن لا ممارسة فى الله، والله أعلم» وقال البيهقى: «قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التى حملها الخلف ورووها عن السلف رواية الأخبار الخاصة كالتكليف» أقول: زالت آية الجذع، وبقيت آية الله الكبرى التى من بها على محمد صلى الله عليه وسلم، وهى القرآن، ومن يتدبر القرآن يجده هاديا إلى الأدلة التى بها تثبت نبوة عبده وخاتم أنبيائه، وذكر فيه من آياته الكبرى ما ذكر. والله يمن على عبده بما شاء. والناقة الخلوج: التى اختلج ولدها أى انتزع منها. وحديث النخلة فى الجامع الصغير: «مثل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منها من شىء نفعك» وقال عنه رواه الطبرانى عن ابن عمر!!

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عِمْرَانَ بْنِ عَامِرٍ، فَإِنّهُ كَانَ كَاهِنًا أَيْضًا وَبِمَا سَجَعَتْ بِهِ لِكُلّ قَبِيلَةٍ مِنْ سَبَأٍ، فَسَجَعَتْ لِبَنِي حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ. وَهُمْ الْأَوْسُ والخزرج أن ينزلوا بثرب ذَاتَ النّخْلِ فَنَزَلُوهَا عَلَى يَهُودَ وَحَالَفُوهُمْ وَأَقَامُوا مَعَهُمْ، فَكَانَتْ الدّارُ وَاحِدَةً. مَتَى دَخَلَ الْيَهُودُ يَثْرِبَ؟: وَالسّبَبُ فِي كَوْنِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ، وَهِيَ وَسَطَ أَرْضِ الْعَرَبِ مَعَ أَنّ الْيَهُودَ أَصْلُهُمْ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ أَنّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ تُغِيرُ عَلَيْهِمْ الْعَمَالِيقُ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَكَانَتْ مَنَازِلُهُمْ يَثْرِبَ وَالْجُحْفَةَ إلَى مَكّةَ، فَشَكَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ ذَلِكَ إلَى مُوسَى، فَوَجّهَ إلَيْهِمْ جَيْشًا، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ، وَلَا يُبْقُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، فَفَعَلُوا وَتَرَكُوا مِنْهُمْ ابْنَ مَلِكٍ لَهُمْ كَانَ غُلَامًا حَسَنًا، فَرَقّوا لَهُ، وَيُقَالُ لِلْمَلِكِ: الْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ فِيمَا ذَكَرَ الزّبَيْرُ ثُمّ رجعوا إلى الشام وموسى قدمات، فَقَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لَهُمْ: قَدْ عَصَيْتُمْ وَخَالَفْتُمْ، فلا نؤويكم، فَقَالُوا: نَرْجِعُ إلَى الْبِلَادِ الّتِي غَلَبْنَا عَلَيْهَا فَنَكُونُ بِهَا، فَرَجَعُوا إلَى يَثْرِبَ، فَاسْتَوْطَنُوهَا وَتَنَاسَلُوا بِهَا إلَى أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ بَعْدَ سَيْلِ الْعَرِمِ. هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ الْمَعْرُوفِ: بِكِتَابِ الْأَغَانِي، وَإِنْ كَانَ الزّبَيْرُ قَدْ ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ، وَلَا أَحْسَبُ هَذَا صَحِيحًا لِبُعْدِ عُمْرِ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ، وَاَلّذِي قَالَ غَيْرُهُ إنّ طَائِفَةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ لَحِقَتْ بِأَرْضِ الْحِجَازِ حِينَ دَوّخَ بُخْتُ نَصّرَ الْبَابِلِيّ فِي بِلَادهمْ، وَجَاسَ خِلَالَ دِيَارِهِمْ، فَحِينَئِذٍ لَحِقَ مَنْ لَحِقَ مِنْهُمْ بِالْحِجَازِ كَقُرَيْظَةَ وَالنّضِيرِ، وَسَكَنُوا خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةَ، وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ وَاَللهُ أَعْلَمُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اسْمُ يَثْرِبَ وَأَمّا يَثْرِبُ فَاسْمُ رَجُلٍ نَزَلَ بِهَا أَوّلَ مِنْ الْعَمَالِيقِ فَعُرِفَتْ بِاسْمِهِ، وَهُوَ يَثْرِبُ بْنُ قاين بْن عِبِيلِ بْنِ مهلايل بْنِ عَوَصِ بْنِ عِمْلَاقِ بْنِ لَاوَذِ بْنِ إرَمَ، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ اخْتِلَافٌ وَبَنُو عِبِيلٍ هُمْ الّذِينَ سَكَنُوا الْجُحْفَةَ فَأَجْحَفَتْ بِهِمْ السّيُولُ وَبِذَلِكَ سُمّيَتْ الْجُحْفَةَ «1» ، فَلَمّا احْتَلّهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَرِهَ لَهَا هَذَا الِاسْمَ أَعْنِي: يَثْرِبَ لِمَا فِيهِ مِنْ لَفْظِ التّثْرِيبِ، وَسَمّاهَا طِيبَةَ وَالْمَدِينَةَ. فَإِنْ قُلْت: وَكَيْفَ كَرِهَ اسْمًا ذَكَرَهَا اللهُ فِي الْقُرْآنِ بِهِ، وَهُوَ الْمُقْتَدِي بِكِتَابِ اللهِ، وَأَهْلٌ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ تَسْمِيَةِ اللهِ؟ قُلْنَا إنّ اللهَ- سُبْحَانَهُ- إنّمَا ذَكَرَهَا بِهَذَا الِاسْمِ حَاكِيًا عَنْ الْمُنَافِقِينَ؛ إذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقامَ لَكُمْ؟ فَنَبّهَهُ بِمَا حَكَى عَنْهُمْ أَنّهُمْ قَدْ رَغِبُوا عَنْ اسْمٍ سَمّاهَا اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَأَبَوْا إلّا مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي جَاهِلِيّتِهِمْ، وَاَللهُ سُبْحَانَهُ قَدْ سَمّاهَا: الْمَدِينَةَ، فَقَالَ غَيْرَ حَاكٍ عَنْ أَحَدٍ: مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ [يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ] التوبة 120، وفى الخبر عن كعب الأخبار قَالَ: إنّا نَجِدُ فِي التّوْرَاةِ يَقُولُ اللهُ لِلْمَدِينَةِ يَا طَابَةُ يَا طَيْبَةُ يَا مِسْكِينَةُ لَا تَقْبَلِي الْكُنُوزَ أَرْفَعْ أَجَاجِيرَكِ عَلَى أَجَاجِيرِ «2» القرى، وقد روى هذا الحديث عن

_ (1) أجحف به: ذهب به، وكان اسم الجحفة: مهيعة «معجم البكرى، المراصد، القاموس» (2) أجاجير: جمع إجار، وهو السطح الذى ليس حواليه ما يرد الساقط عنه، والأناجير جمع أيضا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَرْفَعُهُ، وَرُوِيَ أَيْضًا أَنّ لَهَا فِي التّوْرَاةِ أَحَدَ عَشَرَ اسْمًا: الْمَدِينَةُ وَطَابَةُ وَطِيبَةُ وَالْمِسْكِينَةُ وَالْجَابِرَةُ وَالْمُحِبّةُ وَالْمَحْبُوبَةُ وَالْقَاصِمَةُ وَالْمَجْبُورَةُ وَالْعَذْرَاءُ وَالْمَرْحُومَةُ «1» ، وَرُوِيَ فِي مَعْنَى قوله: وَقُلْ رَبِ

_ (1) فى تسميتها روى مسلم عن جابر بن سمرة قال: كان الناس يقولون: يثرب والمدينة، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن الله عز وجل سماها: طابة. وعن زيد بن ثابت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: إنها طيبة، وإنها تنفى الخبت، كما تنفى النار خبث الفضة «مسلم أيضا» وعن أحمد: من سمى المدينة، فليستغفر الله عز وجل، هى طابة، هى طابة وقال الأزهرى: كره ذكر الثرب، لأنه فساد فى لسان العرب ويرى ابن فارس وقطرب أن المدينة من دان إذا أطاع، فتكون الميم زائدة، وقيل من مدن بالمكان إذا أقام به، فتكون الميم أصلية وجمعها مدن بضم الدال وإسكانها ومدائن وترك الهمزة أفصح، والنسب إلى المدينة مدنى، وإلى مدينة المنصور مدينى، وإلى مدائن كسرى: مدائنى وقيل: مدنى إذا نسبت الرجل والثوب. أما الطير فمدينى. والطاب والطيب لغتان بمعنى. وحديث كعب رواه ابن زبالة وما أضعفه. وقد ذكرت لها أسماء أخرى منهما: طيبة بتشديد الياء، والمطيبة بتشديد الياء مع فتحها، والدار والهذراء- لشدة حرارتها-، والحبيية، ومدخل صدق، ودار السنة، ودار الهجرة، والبلاط، والإيمان، ويندر، ويندد والبحرة والبحيرة. وقد غالى السمهودى فذكر لها أكثر من تسعين اسما «راجع ص 232 إعلام الساجد ص 7 وفاء الوفا للسمهودى، ص 620 القرى للمحب الطبرى. وقد اختلف فى يثرب- كما قال ابن دقيق العيد فى شرح الإمام-: هل هو اسم يرادف المدينة، أو هو اسم لقطر محدود، والمدينة فى ناحية منه؟ وعن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ [وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ] الْإِسْرَاءُ: 80 أنها المدينة، وأن مُخْرَجَ صِدْقٍ مكّة وسُلْطاناً نَصِيراً الْأَنْصَارُ. تَفْسِيرُ عَلَى رِبْعَاتِهِمْ: وَفِي الْكِتَابِ: بَنُو فُلَانٍ عَلَى رِبْعَاتِهِمْ. هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خالد [بن عُقَيْلٍ الْأَبْلِيّ] عَنْ الزّهْرِيّ وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الله ابن صَالِحٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، فَقَالَ: رِبَاعَتِهِمْ. الْأَلِفُ بَعْدَ الْبَاءِ، ثُمّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُقَالُ: فُلَانٌ عَلَى رِبَاعِهِ قَوْمُهُ إذَا كَانَ نَقِيبَهُمْ وَوَافِدَهُمْ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَكَسْرُ الرّاءِ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، لِأَنّهَا وِلَايَةٌ، وَإِنْ جَعَلَ الرّبَاعَةَ مَصْدَرًا فَالْقِيَاسُ فَتْحُ الرّاءِ، أَيْ عَلَى شَأْنِهِمْ وَعَادَتِهِمْ مِنْ أَحْكَامِ الدّيَاتِ وَالدّمَاءِ «1» يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الأولى: جمع: معقلة ومعقلة من العقل

_ أبى عبيد: يثرب اسم أرض، ومدينة الرسول فى ناحية منها،. وقيل: أرض وقعت المدينة فى ناحية منها أو أن يثرب اسم للمدينة، هكذا ورد فى الكشاف. وقال ابن عطية: يثرب قطر محدود، والمدينة فى طرف منه، وقد غالى السمهودى، فجمع لها أكثر من تسعين اسما. وانظر ص 109 وما بعدها ح 1 وفاء الوفاء فى سكناها وما ذكر فى سبب نزول اليهود بها وبيان منازلهم. (1) فى النهاية لابن الأثير: يقال القوم على رباعتهم، ورباعهم أى: على استقامتهم، يريد: أنهم على أمرهم الذى كانوا عليه، ورباعة الرجل: شأنه وحاله التى هو رابع عليها، أى: ثابت مقيم. وعند الخشنى: الربعة والرباعه الحال التى جاء الإسلام، وهم عليها، ويقال: فلان يقوم برباعة أهله، إذا كان يقوم بأمرهم وشأنهم ص 125

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُوَ الدّيَةُ «1» . مِنْ كَلِمَاتِ الْكِتَابِ: وَقَالَ فِي الْكِتَابِ: وَأَلّا يُتْرَكَ مُفْرَحٌ، وَفَسّرَهُ ابْنُ هِشَامٍ كَمَا فَسّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّهُ الّذِي أَثْقَلَهُ الدّيْنُ، وَأَنْشَدَ الْبَيْتَ الّذِي أَنْشَدَهُ أَبُو عُبَيْدٍ «2» . إذَا أَنْتَ لَمْ تَبْرَحْ تُؤَدّي أَمَانَةً ... وَتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْك الْوَدَائِعُ أَيْ: أَثْقَلَتْك يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَفْعَالِ السّلْبِ، أَيْ سَلَبَتْك الْفَرَحَ، كَمَا قِيلَ: أَقْسَطَ الرّجُلُ إذَا عَدَلَ، أَيْ: أَزَالَ الْقِسْطَ، وَهُوَ الِاعْوِجَاجُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ مُبْدَلَةً مِنْ بَاءٍ، فَيَكُونُ مِنْ الْبَرْحِ وَهُوَ الشّدّةُ، تَقُولُ: لَقِيت مِنْ فُلَانٍ بَرْحًا أَيْ: شِدّةً، وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ رِوَايَةً أُخْرَى مُفْرَجٌ بِالْجِيمِ، وَذَكَرَ فِي مَعْنَاهُ أَقْوَالًا، مِنْهَا أَنّهُ الّذِي لَا دِيوَانَ لَهُ، وَمِنْهَا: أَنّهُ الْقَتِيلُ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ لَا يُدْرَى مَنْ قَتَلَهُ، وَمِنْهَا أَنّهُ فِي مَعْنَى الْمُقْرَحِ بِالْحَاءِ أَيْ:

_ (1) يقال: بنو فلان على معاقلهم التى كانوا عليها، أى: مراتبهم وحالاتهم، وسميت دية القتيل: عقلا، لإن القاتل كان إذا قتل قتيلا جمع الدية من الإبل، فعقلها بفناء أولياء المقتول، أى شدها فى عقلها، ليسلمها إليهم، ويقبضوها منه، فسميت الدية: عقلا بالمصدر، يقال. عقل البعير يعقله عقلا، وجمعها عقول، والعاقلة: هى العصبة والأقارب من قبل الأب الذين يعطون دية قتيل الخطأ. وهى صفة جماعة عاقلة، وأصلها اسم فاعلة من العقل، وهى من الصفات الغالبة انظر مادة عقل فى النهاية لابن الأثير. (2) فى اللسان أبو عبيدة، ونسبه لبيهسى العذرى، وقبله: إذا أنت أكثرت الأخلاء صادفت ... بهم حاجة بعض الذى أنت مانع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَقَدْ أَثْقَلَهُ الدّيْنُ، أَوْ نَحْوَ «1» هَذَا فَيُقْضَى عَنْهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَفِيهِ: وَلَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ، أَيْ: لَا يُوبِقُ، وَيُهْلِكُ إلّا نَفْسَهُ، يُقَالُ وَتِغَ الرّجُلُ، وَأَوْتَغَهُ غَيْرُهُ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ يُبِيءُ هُوَ مِنْ الْبَوَاءِ، أَيْ: الْمُسَاوَاةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ مُهَلْهَلٍ حِينَ قَتَلَ ابْنًا لِلْحَارِثِ بن عباد: بؤ بشسع نعل كليب «2» . وقوله: إن البرّدون الْإِثْمِ، أَيْ: إنّ الْبِرّ وَالْوَفَاءَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَاجِزًا عَنْ الْإِثْمِ. وَقَوْلُهُ: وَإِنّ اللهَ عَلَى أَتْقَى مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ، أَيْ: إنّ اللهَ وَحِزْبَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الرّضَى بِهِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: إنّمَا كَتَبَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الْكِتَابَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الْجِزْيَةُ،

_ (1) وفى اللسان عن أبى عبيد: أن المفرج هو الذى يسلم، ولا يوالى أحدا فاذا جنى جناية، كانت جنايته على بيت المال، لأنه لا عاقلة له. (2) حين نشب الشر استعرت الحرب بين بكر وتغلب أربعين سنة، وكان الحارث ابن عباد البكرى قد اعتزل القوم، فلما استحر القتل فى بكر، اجتمعوا إليه وقالوا: قد فنى قومك فأرسل الحارث إلى مهلهل أخى كليب بجيرا ابنه يناشده السلام، فقد أدرك وتره من بكر، فلما عرف المهلهل أن بجيرا هو ابن الحارث ابن عباد قتله قائلا: بؤ بشسع نعل كليب، فلما علم أبوه الحارث بهذا خرج يقاتل المهلهل وبنى تغلب ثائرا ببجير ابنه، وأنشأ يقول: قربا مربط النعامة منى ... إن بيع الكريم بالشسع غالى قربا مربط النعامة منى ... لقحت حرب وائل عن حيال لم أكن من جناتها. علم الله ... وإنى بشرها اليوم صالى ويروى: بحرها. والنعامة: فرس الحارث، وكانت هزيمة تغلب على يد الحارث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَإِذْ كَانَ الْإِسْلَامُ ضَعِيفًا. قَالَ: وَكَانَ لِلْيَهُودِ إذْ ذَاكَ نَصِيبٌ فِي الْمَغْنَمِ إذَا قَاتَلُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ النّفَقَةَ مَعَهُمْ فِي الْحُرُوبِ. الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الصّحَابَةِ فَصْلٌ الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الصّحَابَةِ: آخَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَصْحَابِهِ حِينَ نَزَلُوا الْمَدِينَةَ، لِيُذْهِبَ عَنْهُمْ وَحْشَةَ الْغُرْبَةِ وَيُؤْنِسَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ، وَيَشُدّ أَزْرَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضِ، فَلَمّا عَزّ الْإِسْلَامُ وَاجْتَمَعَ الشّمْلُ، وذهبت الوحشة أنزل الله سبحانه: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ الْأَنْفَالُ 75 أَعْنِي فِي الْمِيرَاثِ «1» ، ثُمّ جعل المؤمنين كلهم إخوة

_ (1) من أين جاء بهذا، وليس فى آيات الميراث شىء من هذا؟، هذا وقد أنكر الإمام ابن تيمية رضى الله عنه فى منهاج السنة النبوية المؤاخاة بين المهاجرين والمهاجرين. وأقول: إنه ينكر هذه المؤاخاة بمعناها الخاص المعروف، وإلا فالمسلم من أول يوم هو أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. ولنتدبر ما ذكر الله فى أول سورة الحشر عما فعل الأنصار باخوتهم المهاجرين، ففى هدى الله هداية الحق والنور المبين لا فى كلام السهيلى أو غيره ويقول الإمام ابن القيم: «وقد قيل: إنه آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية، واتخذ فيها عليا أخا لنفسه. والثابت الأول. يعنى المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار- والمهاجرون كانوا مستغنين بأخوة الإسلام، وأخوة الدار، وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة بخلاف المهاجرين مع الأنصار، ولو آخى بين المهاجرين، كان أحق الناس بأخوته أحب الخلق إليه، ورفيقه فى الهجرة، وأنيسه فى الغار، وأفضل الصحابة، وأكرمهم عليه: أبو بكر الصديق، وقد قال: لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا، لا تخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام أفضل، «الصحيحان

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ يعنى فى التّوادّ وشمول الدعوة. وذكر مؤاخاة بَيْنَ أَبِي ذَرّ وَالسّنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَدْ ذَكَرْنَا إنْكَارَ الْوَاقِدِيّ لِذَلِكَ فِي آخِرِ حَدِيثِ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ. نَسَبَ أَبِي الدّرْدَاءِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مُؤَاخَاةَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدّرْدَاءِ، وَأَبُو الدّرْدَاءِ اسْمُهُ عويمر ابن عَامِرٍ، وَقِيلَ عُوَيْمِرُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَقِيلَ: عُوَيْمِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ أُمَيّةَ مِنْ بَلْحَارِثِ «1» بن الخزرج، أمه: تحبّة بنت واقد بْنِ عَمْرِو بْنِ الْإِطَنَابَةِ، وَامْرَأَتُهُ: أُمّ الدّرْدَاءِ، اسْمُهَا: خَيْرَةُ بِنْتُ أَبِي حَدْرَدٍ، وَأُمّ الدّرْدَاءِ الصّغْرَى، اسْمُهَا: جُمَانَةُ، مَاتَ أَبُو الدّرْدَاءِ بِدِمَشْقَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ «2» .

_ من حديث أنس» وفى لفظ «ولكن أخى وصاحبى» وهذه الأخوة فى الإسلام وإن كانت عامة كما قال: وددت أن قد رأينا إخواننا؟ قالوا: ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابى، وإخوانى: قوم يأتون من بعدى يؤمنون بى، ولم يرونى رواه مسلم. فللصديق من هذه الأخوة أعلى مراتبها، كما له من الصحبة أعلى مراتبها، فالصحابة لهم الأخوة ومزية الصحبة ولأتباعهم الأخوة والصحبة. ص 176 ح 2 زاد المعاد ط السنة المحمدية. (1) «اختلف فى اسم أبيه، فقيل: عامر أو مالك أو ثعلبة أو عبد الله أو زيد، وأبوه: ابن قيس بن أمية بن عامر بن عدى بن كعب بن الخزرج الأنصارى الخزرجى» الإصابة (2) قيل مات لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وقال ابن عبد البر إنه مات بعد صفين، والأصح عند أصحاب الحديث أنه مات فى خلافة عثمان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَسَبُ الْفَزَعِ فَصْلٌ وَذَكَرَ مُؤَاخَاةَ أَبِي رُوَيْحَةَ وَبِلَالٍ، وَسَمّاهُ: عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ، وَقَالَ: هُوَ أَحَدُ الْفَزَعِ «1» ، لَمْ يُبَيّنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَالْفَزَعُ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ، هُوَ ابْنُ شَهْرَانَ بْنِ عِفْرِسِ بْنِ حُلْفِ بْنِ أَفْتَلَ، وَأَفْتَلُ هُوَ خَثْعَمٌ. وَقَدْ تَقَدّمَ فِي أول الكتاب: لم سمى خثعم وَهُوَ ابْنُ أَنْمَارٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ خِلَافُ النّسّابِينَ فِيمَا بَعْدَ أَنْمَارٍ. وَالْفَزَعُ هَذَا بِفَتْحِ الزّايِ، وَأَمّا الْفَزْعُ بِسُكُونِهَا، فَهُوَ الْفَزْعُ بْنُ عَبْدِ الله ابن رَبِيعَةَ [بْنِ جَنْدَلٍ] ، وَكَذَلِكَ الْفَزْعُ فِي خُزَاعَةَ، وَفِي كَلْبٍ هُمَا سَاكِنَانِ أَيْضًا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ: الْفَزَعُ بِفَتْحِ الزّايِ: رَجُلٌ يَرْوِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَذُكِرَ آخَرُ فِي الرّوَاةِ أَيْضًا بِفَتْحِ الزّايِ يَرْوِي حَدِيثًا فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْوِي أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَدَ لِأَبِي رُوَيْحَةَ الْخَثْعَمِيّ لِوَاءً عَامَ الْفَتْحِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ: مَنْ دَخَلَ تَحْتَ لِوَاءِ أَبِي رُوَيْحَةَ، فَهُوَ آمِنٌ. مُؤَاخَاةُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بُلْتُعَةَ فَصْلٌ: وَذَكَرَ مُؤَاخَاةَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بُلْتُعَةَ «2» وَعُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ،

_ (1) ويروى بالقاف كما ذكر الخشنى. (2) نسب حاطب فى الإصابة: حاطب بن أبى بلتعة بن عمر بن عمير بن سلمة ابن صعب بن سهل اللخمى.

خبر الأذان

[خبر الأذان] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ إخْوَانُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُ الْأَنْصَارِ، اسْتَحْكَمَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ، فَقَامَتْ الصّلَاةُ، وَفُرِضَتْ الزّكَاةُ وَالصّيَامُ، وَقَامَتْ الْحُدُودُ، وَفُرِضَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَتَبَوّأَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ هم الذين تبوّؤا الدّارَ وَالْإِيمَانَ. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا إنّمَا يَجْتَمِعُ النّاسُ إلَيْهِ لِلصّلَاةِ لِحِينِ مَوَاقِيتِهَا، بِغَيْرِ دَعْوَةٍ فَهَمّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا أَنْ يَجْعَلَ بُوقًا كَبُوقِ يَهُودَ الّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ لِصَلَاتِهِمْ، ثُمّ كَرِهَهُ، ثُمّ أَمَرَ بِالنّاقُوسِ، فَنُحِتَ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلْمُسْلِمَيْنِ لِلصّلَاةِ. [رؤيا عبد الله بن زيد] فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إذْ رَأَى عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عبد رَبّهِ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، النّدَاءَ، فَأَتَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّهُ طَافَ بِي هذه الليلة طائف: مرّبى رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْت لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، أَتَبِيعُ هذا النّاقوس؟ قال: ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ فِي حَاطِبٍ: حَلِيفُ بَنِي أَسَدٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ عَبْدًا لِعُبَيْدِ اللهِ بْنِ حُمَيْدِ ابن زُهَيْرِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَقِيلَ: كَانَ مِنْ مَذْحِجَ، وَالْأَشْهَرُ: أَنّهُ مِنْ لَخْمِ بْنِ عَدِيّ، وَاسْمُ أَبِي بُلْتُعَةَ عَمْرُو بْنُ أَشَدّ بْنِ مُعَاذٍ. وَالْبُلْتُعَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ تَبَلْتَعَ الرّجُلُ إذَا تَظَرّفَ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الغريب المصنف.

رؤيا عمر فى الأذان

وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعوا بِهِ إلَى الصّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلّك عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْت: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيّ عَلَى الصّلَاةِ، حَيّ عَلَى الصّلَاةِ، حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إله إلا الله. فَلَمّا أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ: إنّهَا لَرُؤْيَا حَقّ، إنْ شَاءَ اللهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ، فَلْيُؤَذّنْ بِهَا، فَإِنّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك. فَلَمّا أَذّنَ بِهَا بِلَالٌ سَمِعَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَجُرّ رِدَاءَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا نَبِيّ اللهِ، وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ، لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ الّذِي رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِلّهِ الْحَمْدُ على ذلك. [رؤيا عمر فى الأذان] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ اللّيْثِيّ يَقُولُ: ائْتَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالنّاقُوسِ لِلِاجْتِمَاعِ لِلصّلَاةِ، فَبَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَشَبَتَيْنِ لِلنّاقُوسِ، إذْ رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي الْمَنَامِ: لَا تَجْعَلُوا النّاقُوسَ، بَلْ أَذّنُوا لِلصّلَاةِ، فَذَهَبَ عُمَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما كان يقوله بلال فى الفجر

إلَى النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُخْبِرَهُ بِاَلّذِي رَأَى، وَقَدْ جَاءَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَحْيُ بِذَلِكَ، فَمَا رَاعَ عُمَرُ إلّا بِلَالٌ يُؤَذّنُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ: قَدْ سَبَقَك بِذَلِكَ الْوَحْيُ. [مَا كَانَ يَقُولُهُ بِلَالٌ فى الفجر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النّجّارِ، قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذّنُ عَلَيْهِ لِلْفَجْرِ كُلّ غَدَاةٍ، فَيَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ يَنْتَظِرُ الْفَجْرَ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطّى، ثُمّ قَالَ: اللهُمّ إنّي أَحَمْدُك وَأَسْتَعِينُك عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى دِينِك. قَالَتْ: وَاَللهِ مَا عَلِمْته كَانَ يَتْرُكُهَا لَيْلَةً وَاحِدَةً [أبو قيس بن أبى أنس] قال ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا اطْمَأَنّتْ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَارُهُ، وَأَظْهَرَ اللهُ بِهَا دِينَهُ، وَسَرّهُ بِمَا جَمَعَ إلَيْهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ، قَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ، أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو قَيْسٍ، صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسِ بْنُ صِرْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَجُلًا قَدْ تَرَهّبَ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَلَبِسَ الْمُسُوحَ، وَفَارَقَ الْأَوْثَانَ، وَاغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَتَطَهّرَ مِنْ الْحَائِضِ مِنْ النّسَاءِ، وَهَمّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بِالنّصْرَانِيّةِ، ثُمّ أَمْسَكَ عَنْهَا، وَدَخَلَ بَيْتًا لَهُ، فَاِتّخَذَهُ مَسْجِدًا لَا تَدْخُلُهُ عَلَيْهِ فِيهِ طَامِثٌ وَلَا جُنُبٌ، وَقَالَ: أَعْبُدُ رَبّ إبْرَاهِيمَ، حَيْنَ فَارَقَ الْأَوْثَانَ وَكَرِهَهَا، حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَكَانَ قَوّالًا بِالْحَقّ مُعَظّمًا لِلّهِ عَزّ وَجَلّ فِي جَاهِلِيّتِهِ، يَقُولُ أَشْعَارًا فِي ذَلِكَ حِسَانًا- وَهُوَ الّذِي يَقُولُ: يَقُولُ أَبُو قَيْسٍ وَأَصْبَحَ غَادِيًا: ... أَلَا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ وَصَاتَى فَافْعَلُوا فَأُوصِيكُمْ بِاَللهِ وَالْبِرّ وَالتّقَى ... وَأَعْرَاضِكُمْ وَالْبِرّ بِاَللهِ أَوّلُ وَإِنْ قَوْمُكُمْ سَادُوا فَلَا تَحْسُدُنّهُمْ ... وَإِنْ كُنْتُمْ أَهْلَ الرّيَاسَةِ فَاعْدِلُوا وَإِنْ نَزَلَتْ إحْدَى الدّوَاهِي بِقَوْمِكُمْ ... فَأَنْفُسَكُمْ دُونَ الْعَشِيرَةِ فَاجْعَلُوا وَإِنْ نَابَ غُرْمٌ فَادِحٌ فَارْفُقُوهُمْ ... وَمَا حَمّلُوكُمْ فِي الْمُلِمّاتِ فَاحْمِلُوا وَإِنْ أَنْتُمْ أَمْعَرْتُمْ فَتَعَفّفُوا ... وَإِنْ كَانَ فَضْلُ الْخَيْرِ فِيكُمْ فَأَفْضِلُوا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: وَإِنْ ناب أمر فادح فارفدوهم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَة أَيْضًا: سَبّحُوا اللهَ شَرْقَ كُلّ صَبَاحٍ ... طَلَعَتْ شَمْسُهُ وَكُلّ هِلَالِ عَالِمَ السّرّ وَالْبَيَانِ لَدَيْنَا ... لَيْسَ مَا قَالَ رَبّنَا بِضَلَالِ وَلَهُ الطّيْرُ تَسْتَرِيدُ وَتَأْوِي ... فِي وُكُورٍ مِنْ آمِنَاتِ الْجِبَالِ وَلَهُ الْوَحْشُ بِالْفَلَاةِ تَرَاهَا ... فِي حِقَافٍ وَفِي ظلال الرّمال ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَلَهُ هَوّدَتْ يَهُودُ وَدَانَتْ ... كُلّ دِينٍ إذَا ذَكَرْتَ عُضَالِ وَلَهُ شَمّسَ النّصَارَى وَقَامُوا ... كُلّ عِيدٍ لِرَبّهِمْ وَاحْتِفَالِ وَلَهُ الرّاهِبُ الْحَبِيسُ تَرَاهُ ... رَهْنَ بُوْسٍ وَكَانَ نَاعِمَ بَالِ يَا بَنِيّ الْأَرْحَامَ لَا تَقْطَعُوهَا ... وَصِلُوهَا قَصِيرَةً مِنْ طِوَالِ وَاتّقُوا اللهَ فِي ضِعَافِ الْيَتَامَى ... رُبّمَا يُسْتَحَلّ غَيْرُ الْحَلَالِ وَاعْلَمُوا أَنّ لِلْيَتِيمِ وَلِيّا ... عَالِمًا يَهْتَدِي بِغَيْرِ السّؤَالِ ثُمّ مَالَ الْيَتِيمِ لَا تَأْكُلُوهُ ... إنّ مَالَ الْيَتِيمِ يَرْعَاهُ وَالِي يَا بَنِيّ، التّخُومَ لَا تَخْزِلُوهَا ... إنّ خَزْلَ التّخُومِ ذُو عُقّالِ يَا بَنِيّ الْأَيّامَ لَا تَأْمَنُوهَا ... وَاحْذَرُوا مَكْرَهَا وَمَرّ اللّيَالِي وَاعْلَمُوا أَنّ مَرّهَا لنفاد الخلق ... مَا كَانَ مِنْ جَدِيدٍ وَبَالِي وَاجْمَعُوا أَمْرَكُمْ على البرّ والتّقوى ... وترك الخنا وأخذ الحلال وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ أَيْضًا، يَذْكُرُ مَا أَكْرَمَهُمْ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَمَا خَصّهُمْ اللهُ بِهِ مِنْ نُزُولِ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ: ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجّةً ... يُذَكّرُ لَوْ يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فلم ير من يؤوى وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا فَلَمّا أَتَانَا أَظْهَرَ اللهُ دِينَهُ ... فَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بطِيبةَ رَاضِيَا وَأَلْفَى صِدّيقًا وَاطْمَأَنّتْ بِهِ النّوَى ... وَكَانَ لَهُ عَوْنًا مِنْ اللهِ بَادِيَا يَقُصّ لَنَا مَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ ... وَمَا قَالَ مُوسَى إذْ أَجَابَ الْمُنَادِيَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ وَاحِدًا ... قَرِيبًا وَلَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ نَائِيَا بَذَلْنَا لَهُ الْأَمْوَالَ مِنْ حِلّ مَالِنَا ... وَأَنْفُسَنَا عِنْدَ الْوَغَى والتّآسِيا وَنَعْلَمُ أَنّ اللهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَنَعْلَمُ أَنّ اللهَ أَفْضَلُ هَادِيَا نُعَادِي الّذِي عَادَى مِنْ النّاسِ كلّهُم ... جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُصَافِيَا أَقُولُ إذَا أَدْعُوك فِي كُلّ بيعة: ... تباركت قدأ كثرت لِاسْمِك دَاعِيَا أَقُولُ إذَا جَاوَزْتُ أَرْضًا مَخُوفَةً ... حَنانَيْكَ لَا تُظْهِرْ عَلَيّ الْأَعَادِيَا فَطَأْ مُعْرِضًا إنّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ ... وَإِنّك لَا تُبْقِي لِنَفْسِك باقيا فو الله مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتّقِي ... إذَا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللهُ وَاقِيَا وَلَا تَحْفِلُ النّخْلُ الْمُعِيمَةُ رَبّهَا ... إذَا أَصْبَحَتْ رِيّا وَأَصْبَحَ ثاويا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبَيْتُ الّذِي أَوّلُهُ: فَطَأْ مُعْرِضًا إنّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ وَالْبَيْتُ الّذِي يَلِيهِ: فو الله مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتّقِي لِأَفْنُونَ التّغْلِبِيّ، وَهُوَ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرٍ، فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأعداء من يهود

[الْأَعْدَاءُ مِنْ يَهُودَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَصَبَتْ عِنْدَ ذَلِكَ أَحْبَارُ يَهُودَ- لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الْعَدَاوَةَ، بَغْيًا وَحَسَدًا وَضِغْنًا، لِمَا خَصّ اللهُ تَعَالَى بِهِ الْعَرَبَ مِنْ أَخْذِهِ رَسُولَهُ مِنْهُمْ، وَانْضَافَ إلَيْهِمْ رِجَالٌ مِنْ الأوس والخزرج، ممن كان على عَلَى جَاهِلِيّتِهِ فَكَانُوا أَهْلَ نِفَاقٍ عَلَى دِينِ آبَائِهِمْ مِنْ الشّرْكِ وَالتّكْذِيبِ بِالْبَعْثِ، إلّا أَنّ الْإِسْلَامَ قَهَرَهُمْ بِظُهُورِهِ وَاجْتِمَاعِ قَوْمِهِمْ عَلَيْهِ، فَظَهَرُوا بِالْإِسْلَامِ، وَاِتّخَذُوهُ جُنّةً مِنْ الْقَتْلِ وَنَافَقُوا فِي السّرّ، وَكَانَ هَوَاهُمْ مَعَ يَهُودَ، لِتَكْذِيبِهِمْ النّبِيّ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَجُحُودِهِمْ الْإِسْلَامَ. وَكَانَتْ أحبار يهودهم الّذِينَ يَسْأَلُونَ- رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَيَتَعَنّتُونَهُ، وَيَأْتُونَهُ بِاللّبْسِ، لِيَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ، فَكَانَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ فِيهِمْ فِيمَا يَسْأَلُونَ عَنْهُ، إلّا قَلِيلًا مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ كان المسلمون يسألون عنها. [من يهود بنى النضير] منهم: حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَأَخَوَاهُ أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، وَجُدَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَسَلّامُ بْنُ مُشْكِمٍ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَسَلّامُ بن أبى الحقيق، أَبُو رَافِعٍ الْأَعْوَرُ، وَهُوَ الّذِي قَتَلَهُ أَصْحَابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر- وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَعَمْرُو بن جحّاش، وكعب ابن الأشرف، وهو من طيىء، ثُمّ أَحَدُ بَنِي نَبْهَانَ، وَأُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ، وَالْحَجّاجُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الأشرف، وَكَرْدَمُ بْنُ قَيْسٍ، حَلِيفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من يهود بنى ثعلبة

كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي النّضِيرِ. [من يهود بنى ثعلبة] وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ ابْنُ الفِطْيَوْن: عَبْدُ اللهِ بْنُ صُورِيّا الْأَعْوَرُ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجَازِ فِي زَمَانِهِ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالتّوْرَاةِ مِنْهُ؛ وَابْنُ صَلُوبا، ومخيريق، وكان حبرهم، أسلم. [من يهود بنى قينقاع] وَمِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ: زَيْدُ بْنُ اللّصِيت- وَيُقَالُ: ابْنُ اللّصَيت- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَسَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ سَيْحَانَ، وَعُزَيْزُ بْنُ أبى عزيز، وعبد الله ابن صَيْفٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ابْنُ ضَيْفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ، وَرِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَفِنْحَاصُ، وَأَشْيَعُ، وَنُعْمَانُ بْنُ أضَا، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيّ، وَشَأْسُ ابن قَيْسٍ، وَزَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ، وَنُعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَسُكَيْنُ بْنُ أَبِي سُكَيْنٍ، وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَبِي أَوْفَى، أَبُو أَنَسٍ، وَمَحْمُودُ بن دحية، ومالك ابن صَيْفٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ابْنُ ضَيْفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَعْبُ بْنُ رَاشِدٍ، وَعَازِرٌ، وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَخَالِدٌ وَأَزَارُ بْنُ أَبِي أَزَارٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: آزِرُ بْنُ آزِرُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرَافِعُ بْنُ حَارِثَةَ، وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَرَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من يهود بنى قريظة

وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامِ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ حَبْرَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ، وَكَانَ اسْمُهُ الْحُصَيْنُ، فَلَمّا أَسْلَمَ سَمّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدَ اللهِ. فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ. [من يهود بنى قريظة] وَمِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ: الزّبَيْرُ بْنُ بَاطَا بْنُ وَهْبٍ، وَعَزّالُ بْنُ شَمْوِيلٍ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَهُوَ صَاحِبُ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ الّذِي نُقِضَ عَامَ الْأَحْزَابِ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ، وَجَبَلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُكَيْنَةَ، وَالنّحّامُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَرْدَمُ ابن كَعْبٍ، وَوَهْبُ بْنُ زَيْدٍ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نافع، وأبو نافع، وعدىّ ابن زَيْدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، وَكَرْدَمُ بْنُ زَيْدٍ، وأسامة بن حبيب، ورافع ابن رُمَيْلَةَ، وَجَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ، وَوَهْبُ بْنُ يهوذا، فهؤلاء من بنى قريظة. [من يهود بنى زريق] وَمِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، وَهُوَ الّذِي أَخَذَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن نسائه. [من يهود بنى حارثة] ومن يهود بنى حارثة: كنانة بن صوريا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من يهود بنى عمرو

[من يهود بنى عمرو] وَمِنْ يَهُودِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: قَرْدَمُ بن عمرو. [من يهود بنى النجار] وَمِنْ يَهُودِ بَنِي النّجّارِ: سِلْسِلَةُ بْنُ بَرْهَامَ. فَهَؤُلَاءِ أَحْبَارُ الْيَهُودِ، أَهْلُ الشّرُورِ وَالْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَأَصْحَابِهِ، وَأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةِ، وَالنّصْبُ لِأَمْرِ الْإِسْلَامِ الشّرُورَ لِيُطْفِئُوهُ، إلّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ ومخيريق. [إسْلَامُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، كَمَا حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِهِ عَنْهُ، وَعَنْ إسْلَامِهِ حَيْنَ أَسْلَمَ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا، قَالَ: لَمّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرَفْتُ صِفَتَهُ وَاسْمَهُ وَزَمَانَهُ الّذِي كُنّا نَتَوَكّفُ لَهُ، فَكُنْت مُسِرّا لِذَلِكَ، صَامِتًا عَلَيْهِ، حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمّا نَزَلَ بقُباءٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ، وَأَنَا فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي أَعَمَلُ فِيهَا، وَعَمّتِي خَالِدَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ تَحْتِي جَالِسَةٌ، فَلَمّا سَمِعْتُ الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَبّرْتُ، فَقَالَتْ لِي عَمّتِي، حَيْنَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِي: خَيّبَك اللهُ، وَاَللهِ لَوْ كنت سمعت بموسى ابن عمران قادما مازدت، قَالَ: فَقُلْت لَهَا: أَيْ عَمّةُ، هُوَ وَاَللهِ أخو موسى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن عمران، وعلى دينه، بعث بما بعث به. قَالَ: فَقَالَتْ: أَيْ ابْنَ أَخِي، أَهُوَ النّبِيّ الّذِي كُنّا نُخْبَرُ أَنّهُ يُبْعَثُ مَعَ نَفْسِ السّاعَةِ؟ قَالَ: فَقُلْت لَهَا: نَعَمْ. قَالَ: فَقَالَتْ: فَذَاكَ إذًا. قَالَ: ثُمّ خَرَجْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمْتُ، ثُمّ رَجَعْتُ إلَى أَهْلِ بَيْتِي، فَأَمَرْتُهُمْ فَأَسْلَمُوا. قَالَ: وَكَتَمْتُ إسْلَامِي مِنْ يَهُودَ، ثُمّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ يَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ وَإِنّي أُحِبّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِك، وَتُغَيّبَنِي عَنْهُمْ، ثُمّ تَسْأَلُهُمْ عَنّي، حَتّى يُخْبِرُوك كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ، قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَإِنّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ بَهَتُونِي وَعَابُونِي. قَالَ: فَأَدْخَلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَكَلّمُوهُ وَسَاءَلُوهُ، ثُمّ قَالَ لَهُمْ: أَيّ رَجُلٍ الْحُصَيْنُ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيّدُنَا وَابْنُ سَيّدِنَا، وَحَبْرُنَا وَعَالِمُنَا. قَالَ: فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ، خَرَجْتُ عَلَيْهِمْ، فَقُلْت لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتّقُوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فو الله إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ إنّهُ لَرَسُولُ اللهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ، فَإِنّي أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَأُومِنُ بِهِ وَأُصَدّقُهُ وَأَعْرِفُهُ، فَقَالُوا: كَذَبْت ثُمّ وَقَعُوا بِي، قَالَ: فَقُلْت لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَمْ أُخْبِرْك يَا رَسُولَ اللهِ أَنّهُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ، أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ! قَالَ: فَأَظْهَرْت إسْلَامِي وَإِسْلَامُ أَهْلِ بَيْتِي، وأسلمت علىَّ خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَحَسُنَ إسْلَامُهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث مخيريق

[حديث مخيريق] قال ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ مُخَيْرِيقٍ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا، وَكَانَ رَجُلًا غَنِيّا كَثِيرَ الْأَمْوَالِ مِنْ النّخْلِ، وَكَانَ يَعْرِفُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصِفَتِهِ، وَمَا يَجِدُ فِي عِلْمِهِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ إلْفُ دِينِهِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ، حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السّبْتِ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَاَللهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقّ. قَالُوا: إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ؛ قَالَ: لَا سَبْتَ لَكُمْ. ثُمّ أَخَذَ سِلَاحَهُ، فَخَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُحُدٍ، وَعَهِدَ إلَى مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ: إنْ قُتِلْتُ هَذَا الْيَوْمَ، فَأَمْوَالِي لِمُحَمّدٍ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يَصْنَعُ فِيهَا مَا أَرَاهُ اللهُ. فَلَمّا اقْتَتَلَ النّاسُ قَاتَلَ حَتّى قُتِلَ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- يَقُولُ: مُخَيْرِيقُ خير يهود. وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمْوَالَهُ، فَعَامّةُ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا. [شَهَادَةٌ عَنْ صَفِيّةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: حُدّثْت عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ أَنّهَا قَالَتْ: كنت أحبّ ولد أَبِي إلَيْهِ، وَإِلَى عَمّي أَبِي يَاسِرٍ، لَمْ أَلْقَهُمَا قَطّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا إلّا أَخَذَانِي دُونَهُ. قَالَتْ: فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَنَزَلَ قُبَاءَ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، غَدَا عَلَيْهِ أَبِي، حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَعَمّي: أَبُو يَاسِرِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من اجتمع إلى يهود من منافقى الأنصار

أَخْطَبَ، مُغَلّسَيْنِ. قَالَتْ: فَلَمْ يَرْجِعَا حَتّى كَانَا مَعَ غُرُوبِ الشّمْسِ. قَالَتْ: فَأَتَيَا كَالّيْنِ كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى. قَالَتْ: فَهَشِشْتُ إلَيْهِمَا كَمَا كنت أصنع، فو الله مَا الْتَفَتَ إلَيّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، مَعَ مَا بِهِمَا مِنْ الْغَمّ. قَالَتْ: وَسَمِعْت عَمّي أَبَا يَاسِرٍ، وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي: حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاَللهِ؛ قَالَ: أَتَعْرِفُهُ: وَتُثْبِتُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا فِي نَفْسِك مِنْهُ؟ قَالَ: عَدَاوَتُهُ وَاَللهِ مَا بَقِيتُ. [مِنْ اجْتَمَعَ إلَى يَهُودَ مِنْ مُنَافِقِي الْأَنْصَارِ] [منافقو بنى عمرو] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّنْ انْضَافَ إلَى يَهُودَ، مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. مِنْ الْأَوْسِ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ؛ ثُمّ مِنْ بَنِي لَوْذَانِ بْنِ عمرو بن عوف: زوىّ بن الحارث. [منافقو حبيب] ومن بنى حبيب بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: جُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بن الصامت، وأخوه الحارث بن سويد. [من نفاق جُلَاسَ] وَجُلَاسُ الّذِي قَالَ- وَكَانَ مِمّنْ تَخَلّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ- لَئِنْ كَانَ هَذَا الرّجُلُ صَادِقًا لَنَحْنُ شَرّ مِنْ الْحُمُرِ. فَرَفَعَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مِنْ قَوْلِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، أَحَدُهُمْ، وَكَانَ فِي حِجْرِ جُلَاسَ، خَلَفَ جُلَاسَ عَلَى أُمّهِ بَعْدَ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ: وَاَللهِ يَا جُلَاسُ، إنّك لَأَحَبّ النّاسِ إلَيّ، وَأَحْسَنُهُمْ عِنْدِي يَدًا، وَأَعَزّهُمْ عَلَيّ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَلَقَدْ قُلْتَ مَقَالَةً لَئِنْ رَفَعْتُهَا عليك لأفضحنّك، ولئن صمتّ عليها ليهلكنّ دِينِي، وَلَإِحْدَاهُمَا أَيْسَرُ عَلَيّ مِنْ الْأُخْرَى. ثُمّ مَشَى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر له ما قال جلاس، فخلف جُلَاسُ بِاَللهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ كَذَبَ عَلَيّ عُمَيْرٌ، وَمَا قُلْتُ ما قال عمير ابن سَعْدٍ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ، وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا، وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ، وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ التوبة: 74. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَلِيمُ: الْمُوجِعُ. قَالَ ذُو الرّمّةِ يَصِفُ إبِلًا: وَتَرْفَعُ مِنْ صُدُورِ شَمَرْدَلَاتٍ ... يَصُكّ وُجُوهَهَا وَهَجٌ أَلِيمُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنّهُ تَابَ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، حَتّى عُرِفَ مِنْهُ الْخَيْرُ والإسلام. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ارتداد الحارث بن سويد وغدره

[ارتداد الحارث بن سويد وغدره] وَأَخُوهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ، الّذِي قَتَلَ الْمُجَذّرَ بن ذياد البلوىّ، وقيس ابن زَيْدٍ، أَحَدَ بَنِي ضُبَيْعَةَ، يَوْمَ أُحُدٍ. خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مُنَافِقًا، فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ عَدَا عَلَيْهِمَا، فَقَتَلَهُمَا ثُمّ لَحِقَ بِقُرَيْشٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ صَامِتٍ فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أحد طلب الحارث ابن سُوَيْدٍ غُرّةَ الْمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ، لِيَقْتُلهُ بِأَبِيهِ، فَقَتَلَهُ وَحْدَهُ، وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: وَالدّلِيلُ عَلَى أَنّهُ لَمْ يَقْتُلْ قَيْسَ بْنَ زَيْدٍ، أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ صَامِتٍ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ غِيلَةً، فِي غَيْرِ حَرْبٍ، رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ قبل يوم بعاث. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- قَدْ أَمَرَ عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر بِهِ، فَفَاتَهُ، فَكَانَ بِمَكّةَ، ثُمّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ جُلَاسَ يَطْلُبُ التّوْبَةَ، لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ- فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ-: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ، وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ آل عمران: 86 إلى آخر القصة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

منافقو بنى ضبيعة

[منافقو بنى ضبيعة] وَمِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: بِجَادُ ابن عثمان بن عامر. [منافقو بنى لوذان] وَمِنْ بَنِي لَوْذَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ، وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- فيما بَلَغَنِي: مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الشّيْطَانِ، فَلْيَنْظُرْ إلَى نَبْتَلَ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ رَجُلًا جسيما أدلم، ثَائِرَ شَعْرِ الرّأْسِ أَحْمَرَ الْعَيْنَيْنِ، أَسْفَعَ الْخَدّيْنِ، وَكَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَدّثُ إلَيْهِ فَيَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمّ يَنْقُلُ حَدِيثَهُ إلَى الْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ الّذِي قَالَ: إنّمَا مُحَمّدٌ أُذُنٌ، مَنْ حَدّثَهُ شَيْئًا صَدّقَهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ: هُوَ أُذُنٌ، قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ، يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ رِجَالِ بَلْعِجْلَانَ أَنّهُ حُدّثَ: أَنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ إنّهُ يَجْلِسُ إلَيْك رَجُلٌ أدلم، ثَائِرُ شَعْرِ الرّأْسِ، أَسْفَعُ الْخَدّيْنِ أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ، كأنهما قدران من صفر، كبده أغلظ من كبد الحمار، ينقل حديثك إلى المنافقين، فاحذره. وَكَانَتْ تِلْكَ صِفّةُ نَبْتَلِ بْنِ الْحَارِثِ، فِيمَا يذكرون. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

منافقو بنى ضبيعة

[منافقو بنى ضبيعة] وَمِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ: أَبُو حَبِيبَةَ بْنُ الْأَزْعَرِ، وَكَانَ مِمّنْ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ، وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَهُمَا اللّذَانِ عَاهَدَا اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصّدّقَنّ وَلَنَكُونَنّ مِنْ الصّالِحِينَ، إلَخْ الْقِصّةِ. وَمُعَتّبٌ الّذِي قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ، يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. وَهُوَ الّذِي قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: كَانَ مُحَمّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا لَا يَأْمَنُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْغَائِطِ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ. [مُعَتّبٌ وَابْنَا حَاطِبٍ بَدْرِيّونَ وَلَيْسُوا مُنَافِقِينَ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَثَعْلَبَةُ وَالْحَارِثُ ابْنَا حَاطِبٍ، وَهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَلَيْسُوا مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِيمَا ذَكَرَ لِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ ثَعْلَبَةَ وَالْحَارِثَ فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ فِي أَسْمَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبّادُ بْنُ حُنَيْفٍ، أَخُو سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ؛ وَبَحْزَجُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى ثعلبة

وَهُمْ مِمّنْ كَانَ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ، وَعَمْرُو بن خذام، وعبد الله بن نبتل. [من بنى ثعلبة] وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: جَارِيَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ الْعَطّافِ، وَابْنَاهُ: زَيْدٌ وَمُجَمّعٌ، ابْنَا جَارِيَةَ، وَهُمْ مِمّنْ اتّخَذَ مَسْجِدَ الضّرَارِ. وَكَانَ مُجَمّعٌ غُلَامًا حَدَثًا قَدْ جَمَعَ مِنْ الْقُرْآنِ أَكْثَرَهُ، وَكَانَ يُصَلّي بِهِمْ فِيهِ، ثم إنه لما أخرب المسجد، وذهب رجال من بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، كَانُوا يُصَلّونَ بِبَنِي عمرو ابن عَوْفٍ فِي مَسْجِدِهِمْ، وَكَانَ زَمَانُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، كُلّمَ فِي مُجَمّعٍ لِيُصَلّيَ بِهِمْ؛ فَقَالَ: لا، أو ليس بِإِمَامِ الْمُنَافِقِينَ فِي مَسْجِدِ الضّرَارِ؟ فَقَالَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاَللهِ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ، مَا عَلِمْت بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَلَكِنّي كُنْت غُلَامًا قَارِئًا لِلْقُرْآنِ، وَكَانُوا لَا قُرْآنَ مَعَهُمْ، فَقَدّمُونِي أُصَلّي بِهِمْ، وَمَا أَرَى أَمْرَهُمْ، إلّا عَلَى أَحْسَنِ مَا ذَكَرُوا. فَزَعَمُوا أن عمر تركه فصلى بقومه. [مِنْ بَنِي أُمَيّةَ] وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ: وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ مِمّنْ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ، وَهُوَ الّذِي قَالَ: إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ... إلى آخر القصة. [من بنى عبيد] وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ: خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ، وَهُوَ الّذِي أُخْرِجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى النبيت

مَسْجِدُ الضّرَارِ مِنْ دَارِهِ؛ وَبِشْرٌ وَرَافِعٌ، ابْنَا زيد. [من بنى النبيت] وَمِنْ بَنِي النّبِيتِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النّبِيتُ: عمرو بن مالك بن الأوس- قال ابن إسْحَاقَ: ثُمّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالك ابن الْأَوْسِ: مِرْبَعُ بْنُ قَيْظِيّ، وَهُوَ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم حين أَجَازَ فِي حَائِطِهِ وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامِدٌ إلَى أُحُد: لَا أُحِلّ لَك يَا مُحَمّدُ، إنْ كُنْتَ نَبِيّا، أَنْ تَمُرّ فِي حَائِطِي، وَأَخَذَ فِي يَدِهِ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ، ثُمّ قَالَ: وَاَللهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّي لَا أُصِيبُ بِهَذَا التّرَابِ غَيْرَك لَرَمَيْتُك بِهِ، فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ، فَهَذَا الْأَعْمَى، أَعْمَى الْقَلْبِ، أَعْمَى الْبَصِيرَةِ، فَضَرَبَهُ سَعْدُ بْنُ زيد، أخو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بِالْقَوْسِ فَشَجّهُ؛ وَأَخُوهُ أَوْسُ عن قَيْظِيّ، وَهُوَ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ، فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَرْجِعْ إلَيْهَا. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَوْرَةٌ، أَيْ مُعْوَرَةٌ لِلْعَدُوّ وَضَائِعَةٌ؛ وَجَمْعُهَا: عَوْرَاتٌ قَالَ النّابِغَةُ الذّبْيَانِيّ: مَتَى تَلْقَهُمْ لَا تَلْقَ لِلْبَيْتِ عَوْرَةً ... ولا الجار مخروما وَلَا الْأَمْرَ ضَائِعًا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى ظفر

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَالْعَوْرَةُ (أَيْضًا) : عورة الرجل، وهى حرمته. والعورة (أيضا) السّوءة. [من بنى ظفر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي ظَفَرٍ، وَاسْمُ ظَفَرٍ: كَعْبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ حَاطِبُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ رَافِعٍ، وَكَانَ شَيْخًا جَسِيمًا قَدْ عَسَا فِي جَاهِلِيّتِهِ وَكَانَ لَهُ ابْنٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَاتُ، فَحُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنّهُ اجْتَمَعَ إلَيْهِ مَنْ بِهَا مِنْ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ أَبْشِرْ يابن حَاطِبٍ بِالْجَنّةِ. قَالَ فَنَجَمَ نِفَاقُهُ حِينَئِذٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ أَبُوهُ أَجَلْ جَنّةٌ وَاَللهِ مِنْ حَرْمَلٍ، غَرَرْتُمْ وَاَللهِ هَذَا الْمِسْكِينُ مِنْ نَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبُشَيْرُ بْنُ أُبَيْرِقٍ، وَهُوَ أَبُو طُعْمَةَ، سَارِقُ الدّرْعَيْنِ، الّذِي أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً وقزمان: حليف لهم. قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَقُولُ: إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّار. فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا حَتّى قَتَلَ بِضْعَةَ نَفَرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَاتُ، فَحُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ، فَقَالَ لَهُ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: أَبْشِرْ يَا قُزْمَانُ، فَقَدْ أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى عبد الأشهل

وَقَدْ أَصَابَك مَا تَرَى فِي اللهِ: قَالَ: بماذا أبشر، فو الله مَا قَاتَلْت إلّا حَمِيّةً عَنْ قَوْمِي؛ فَلَمّا اشْتَدّتْ بِهِ جِرَاحَاتُهُ وَآذَتْهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَقَطَعَ بِهِ رَوَاهِشَ يَدِهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ. [من بنى عبد الأشهل] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ يَعْلَمُ، إلّا أَنّ الضّحّاكَ بْنَ ثَابِتٍ، أَحَدِ بَنِي كَعْبٍ، رَهْطِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ، قَدْ كَانَ يُتّهَمُ بِالنّفَاقِ وَحُبّ يَهُودَ. قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ: من ملبغ الضّحّاكَ أَنّ عُرُوقَهُ ... أَعْيَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ أَنْ تَتَمَجّدَا أَتُحِبّ يُهْدَانَ الْحِجَازِ وَدِينَهُمْ ... كِبْدَ الْحِمَارِ، وَلَا تُحِبّ مُحَمّدًا دِينًا لَعَمْرِي لَا يُوَافِقُ دِينَنَا ... مَا اسْتَنّ آلٌ فِي الْفَضَاءِ وَخَوّدَا وَكَانَ جُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ قَبْلَ توبته- فيما بلغنى- ومعتّب ابن قُشَيْرٍ، وَرَافِعُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِشْرٌ، وَكَانُوا يُدْعَوْنَ بِالْإِسْلَامِ، فَدَعَاهُمْ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي خُصُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَوْهُمْ إلَى الْكُهّانِ، حُكّامُ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً» .. إلى آخر القصة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من الخزرج

[من الخزرج] وَمِنْ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّارِ: رَافِعُ بْنُ وَدِيعَةَ، وَزَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَمْرُو بْنُ قيس، وقيس بن عمرو بن سهل. [من بنى جشم] وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ: الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ: يَا مُحَمّدُ، ائْذَنْ لِي، وَلَا تَفْتِنّي. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي، وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ... إلَى آخِرِ القصة. [مِنْ بَنِي عَوْفٍ] وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ بْنِ سَلُول، وَكَانَ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ وَإِلَيْهِ يَجْتَمِعُونَ، وَهُوَ الّذِي قَالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ. وَفِي قَوْلِهِ ذَلِكَ، نَزَلَتْ سُورَةُ الْمُنَافِقِينَ بِأَسْرِهَا. وَفِيهِ وَفِي وَدِيعَةَ- رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَوْفٍ- وَمَالِكِ بن أبى قوفل، وَسُوَيْدٍ، وَدَاعِسٌ، وَهُمْ مِنْ رَهْطِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُولٍ؛ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُولٍ. فَهَؤُلَاءِ النّفَرُ مِنْ قَوْمِهِ الّذِينَ كَانُوا يَدُسّونَ إلَى بَنِي النّضِيرِ حَيْنَ حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: إن اثبتوا، فو الله لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أحدا أَبَدًا، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنّكُمْ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من أسلم من أحبار يهود نفاقا

كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ، ثُمّ الْقِصّةُ مِنْ السّورَةِ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ. [مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ نِفَاقًا] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّنْ تَعَوّذَ بِالْإِسْلَامِ، وَدَخَلَ فِيهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَهُ وَهُوَ مُنَافِقٌ، مِنْ أحبار يهود: [من بنى قينقاع] مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ: سَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَزَيْدُ بن اللّصيت، ونعمان بن أوفى ابن عَمْرٍو، وَعُثْمَانُ بْنُ أَوْفَى. وَزَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ، الّذِي قَاتَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَهُوَ الّذِي قَالَ، حَيْنَ ضَلّتْ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّهُ يَأْتِيهِ خَبَرُ السّمَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَهُ الْخَبَرُ بِمَا قَالَ عَدُوّ اللهِ فِي رَحْلِهِ، وَدَلّ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَسُولَهُ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى نَاقَتِهِ «إنّ قَائِلًا قَالَ: يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّهُ يَأْتِيهِ خَبَرُ السّمَاءِ، وَلَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ؟ وَإِنّي وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ إلّا مَا عَلّمَنِي اللهُ، وَقَدْ دَلّنِي اللهُ عَلَيْهَا، فَهِيَ فِي هَذَا الشّعْبِ، قَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا، فَذَهَبَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَدُوهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طرد المنافقين من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم

عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَكَمَا وَصَفَ» وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ الرّسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنَا- حَيْنَ مَاتَ: قَدْ مَاتَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ؛ وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ، وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حين هَبّتْ عَلَيْهِ الرّيحُ، وَهُوَ قَافِلٌ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَاشْتَدّتْ عَلَيْهِ حَتّى أَشْفَقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا؛ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَخَافُوا، فَإِنّمَا هَبّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفّارِ. فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الّذِي هَبّتْ فِيهِ الرّيحُ وَسِلْسِلَةَ بْنَ بِرْهامٍ. وَكِنَانَةَ بْنَ صُورِيّا. [طَرْدُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ مَسْجِدِ الرّسُولِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ] وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَحْضُرُونَ الْمَسْجِدَ فَيَسْتَمِعُونَ أَحَادِيثَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسْخَرُونَ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِدِينِهِمْ، فَاجْتَمَعَ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ مِنْهُمْ نَاسٌ فَرَآهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَدّثُونَ بَيْنَهُمْ، خَافِضِي أَصْوَاتَهُمْ، قَدْ لَصِقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَأَمَرَ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأُخْرِجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا عَنِيفًا، فَقَامَ أَبُو أَيّوبَ، خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ، إلَى عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، أَحَدِ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ- كَانَ صَاحِبَ آلِهَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ فَأَخَذَ بِرِجْلِهِ فَسَحَبَهُ، حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَتُخْرِجُنِي يَا أَبَا أَيّوبَ مِنْ مِرْبَدِ بَنِي ثَعْلَبَة، ثُمّ أَقْبَلَ أَبُو أَيّوبَ أَيْضًا إلَى رَافِعِ بْنِ وَدِيعَةَ، أَحَدِ بَنِي النّجّارِ فَلَبّبَهُ بِرِدَائِهِ ثمَ نَتَرَهُ نَتْرًا شَدِيدًا، وَلَطَمَ وَجْهَهُ، ثُمّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَأَبُو أَيّوبَ يَقُولُ لَهُ: أُفّ لَك مُنَافِقًا خَبِيثًا: أَدْرَاجَك يَا مُنَافِقُ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن هِشَامٍ: أَيْ ارْجِعْ مِنْ الطّرِيقِ الّتِي جِئْت مِنْهَا. قَالَ الشّاعِرُ: فَوَلّى وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ ... وَقَدْ بَاءَ بِالظّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمّ وَقَامَ عِمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ رَجُلًا طَوِيلَ اللّحْيَةِ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَادَهُ بِهَا قَوْدًا عَنِيفًا حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، ثُمّ جَمَعَ عِمَارَةُ يَدَيْهِ فَلَدَمَهُ بِهِمَا فِي صَدْرِهِ لَدْمَةً خَرّ مِنْهَا. قَالَ: يَقُولُ: خَدَشْتَنِي يَا عمارة؛ قال: أَبْعَدَك اللهُ يَا مُنَافِقُ، فَمَا أَعَدّ اللهُ لَك مِنْ الْعَذَابِ أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا تَقْرَبَنّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اللّدْمُ: الضّرْبُ بِبَطْنِ الْكَفّ. قَالَ تَمِيمُ بْنُ أُبَيّ بْنِ مُقْبِلٍ: وَلِلْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِهِ ... لَدْمَ الْوَلِيدِ وَرَاءَ الْغَيْبِ بِالْحَجَرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْغَيْبُ: مَا انْخَفَضَ مِنْ الْأَرْضِ. وَالْأَبْهَرُ: عِرْقُ الْقَلْبِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَامَ أَبُو مُحَمّدٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّجّارِ، كَانَ بَدْرِيّا، وَأَبُو مُحَمّدٍ مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ ابن مَالِكِ بْنِ النّجّارِ إلَى قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ، وَكَانَ قَيْسٌ غُلَامًا شَابّا، وَكَانَ لَا يُعْلَمُ فِي الْمُنَافِقِينَ شَابّ غَيْرُهُ، فَجَعَلَ يَدْفَعُ فِي قَفَاهُ حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل من البقرة فى المنافقين ويهود

وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَلْخُدْرَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ، رَهْطِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ، حَيْنَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِإِخْرَاجِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ ذَا جُمّةٍ، فَأَخَذَ بِجُمّتِهِ فَسَحَبَهُ بِهَا سَحْبًا عَنِيفًا، عَلَى مَا مَرّ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ، حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ. قَالَ: يَقُولُ المنافق: لقد أغلظت يابن الْحَارِثِ؛ فَقَالَ لَهُ؛ إنّك أَهْلٌ لِذَلِكَ، أَيْ عَدُوّ اللهِ لَمّا أَنْزَلَ اللهُ فِيك، فَلَا تَقْرَبَنّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَإِنّك نَجِسٌ. وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى أَخِيهِ زُوَيّ بْنِ الْحَارِثِ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا عَنِيفًا، وَأَفّفَ مِنْهُ، وَقَالَ: غَلَبَ عَلَيْك الشّيْطَانُ وَأَمْرُهُ. فَهَؤُلَاءِ مَنْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ يَوْمئِذٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَأَمّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِهِمْ. [مَا نَزَلَ مِنْ الْبَقَرَةِ فِي الْمُنَافِقِينَ وَيَهُودَ] [ما نزل فى الأحبار] ففى هؤلاء من أحبار يهود، والمنافقين من الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، نَزَلَ صَدْرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إلَى المائة مِنْهَا- فِيمَا بَلَغَنِي- وَاَللهُ أَعْلَمُ. يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ: الم ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ، أَيْ لَا شَكّ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَةَ الْهُذَلِيّ: فَقَالُوا عَهِدْنَا الْقَوْمَ قَدْ حَصَرُوا بِهِ ... فَلَا رَيْبَ أَنْ قَدْ كَانَ ثَمّ لَحِيمُ وهذا البيت فى قصيدة له، وارّيب (أَيْضًا) : الرّيبَةُ. قَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ الْهُذَلِيّ: كأننى أريبه بِرَيْبٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ: كَأَنّنِي أَرَبْته بِرَيْبٍ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَهُوَ ابْنُ أَخِي أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ. هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، أَيْ الّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنْ اللهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنْ الْهُدَى، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ بِالتّصْدِيقِ بِمَا جَاءَهُمْ مِنْهُ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أَيْ يُقِيمُونَ الصّلَاةَ بِفَرْضِهَا، وَيُؤْتَوْنَ الزّكَاةَ احْتِسَابًا لَهَا: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، أَيْ يُصَدّقُونَك بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَمَا جَاءَ بِهِ مَنْ قَبْلُك مِنْ الْمُرْسَلِينَ، لَا يُفَرّقُونَ بينهم، ولا يجحدون ما جاؤهم بِهِ مِنْ رَبّهِمْ. وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أَيْ بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان، أى هؤلاء الذين بزعمون أنهم آمنوا بما كَانَ مِنْ قَبْلِك، وَبِمَا جَاءَك مِنْ رَبّك أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ، أَيْ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبّهِمْ وَاسْتِقَامَةٍ عَلَى مَا جَاءَهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَيْ الّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طلبوا ونجوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى منافقى الأوس والخزرج

مِنْ شَرّ مَا مِنْهُ هَرَبُوا. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، أَيْ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْك، وَإِنْ قَالُوا إنّا قَدْ آمَنّا بِمَا جَاءَنَا قَبْلَك سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَيْ أَنّهُمْ قَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ ذكرك، وجحدوا ما أخذ عليهم من الْمِيثَاقُ لَك، فَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَك وَبِمَا عِنْدَهُمْ، مِمّا جَاءَهُمْ بِهِ غَيْرُك، فَكَيْفَ يَسْتَمِعُونَ مِنْك إنْذَارًا أَوْ تَحْذِيرًا، وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِك. خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ أَيْ عَنْ الْهُدَى أَنْ يُصِيبُوهُ أَبَدًا، يَعْنِي بِمَا كَذّبُوك بِهِ مِنْ الْحَقّ الّذِي جَاءَك مِنْ رَبّك حَتّى يُؤْمِنُوا بِهِ، وَإِنْ آمَنُوا بِكُلّ مَا كَانَ قَبْلَك، وَلَهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِك عَذَابٌ عَظِيمٌ. فَهَذَا فِي الْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ، فِيمَا كَذّبُوا بِهِ مِنْ الْحَقّ بَعْدَ مُعْرِفَتِهِ. [مَا نَزَلَ فِي مُنَافِقِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ] وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَمَنْ كَانَ عَلَى أَمْرِهِمْ. يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، أَيْ شَكّ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً، أَيْ شَكّا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَيْ إنّمَا نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ، قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ، أَلا إِنَّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير بن هشام لبعض الغريب

هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لَا يَعْلَمُونَ. وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا، وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ مِنْ يَهُودَ، الّذِينَ يَأْمُرُونَهُمْ بِالتّكْذِيبِ بِالْحَقّ، وَخِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ الرّسُولُ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ، أَيْ إنّا عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ عليه. إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ: أى إنما نستهزىء بالقوم، ونلعب بهم. يقول الله عَزّ وَجَلّ: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ. [تفسير بن هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ يَعْمَهُونَ: يَحَارُونَ. تَقُولُ الْعَرَبُ: رَجُلٌ عَمِهٌ وَعَامِهٌ: أَيْ حَيَرَانُ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ يَصِفُ بَلَدًا: أَعْمَى الْهُدَى بِالْجَاهِلِينَ الْعُمّهِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. فَالْعُمّهُ: جَمْعُ عَامِهٍ؛ وَأَمّا عَمِهٌ، فَجَمْعُهُ: عَمِهُونَ. وَالْمَرْأَةُ: عَمِهَةٌ وَعَمْهَاءُ. أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى: أَيْ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا، فَقَالَ تَعَالَى كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لَا يُبْصِرُونَ أَيْ لَا يُبْصِرُونَ الْحَقّ وَيَقُولُونَ بِهِ حَتّى إذَا خَرَجُوا بِهِ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ أَطْفَئُوهُ بِكُفْرِهِمْ بِهِ وَنِفَاقِهِمْ فِيهِ، فَتَرَكَهُمْ اللهُ فِي ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ هُدًى، وَلَا يَسْتَقِيمُونَ عَلَى حَقّ: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَا يَرْجِعُونَ: أَيْ لَا يَرْجِعُونَ إلَى الْهُدَى، صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ عَنْ الْخَيْرِ، لَا يَرْجِعُونَ إلَى خَيْرٍ وَلَا يُصِيبُونَ نَجَاةً مَا كَانُوا على ماهم عَلَيْهِ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ، وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الصّيّبُ: الْمَطَرُ، وَهُوَ مِنْ صَابَ يَصُوبُ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ: السّيّدُ، مَنْ سَادَ يَسُودُ، وَالْمَيّتُ: مَنْ مَاتَ يَمُوتُ؛ وَجَمْعُهُ: صَيَائِبُ. قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدَةَ، أَحَدُ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ: كَأَنّهُمْ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ ... صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنّ دَبِيبُ وَفِيهَا: فَلَا تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمّرٍ ... سَقَتْكَ رَوَايَا المزن حيث تصوب وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَيْ هُمْ مِنْ ظُلْمَةِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْحَذَرِ مِنْ الْقَتْلِ، مِنْ الّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالتّخَوّفِ لَكُمْ، عَلَى مِثْلِ مَا وُصِفَ، مِنْ الّذِي هُوَ (فِي) ظُلْمَةِ الصّيّبِ، يَجْعَلُ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنِيهِ مِنْ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ. يَقُولُ: وَاَللهُ مُنْزِلُ ذَلِكَ بِهِمْ مِنْ النّقْمَةِ، أَيْ هُوَ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ: أَيْ لِشِدّةِ ضَوْءِ الْحَقّ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ، وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا، أَيْ يَعْرِفُونَ الْحَقّ وَيَتَكَلّمُونَ بِهِ، فَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ بِهِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ، فَإِذَا ارْتَكَسُوا مِنْهُ فِي الْكُفْرِ قَامُوا مُتَحَيّرِينَ. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ أَيْ لِمَا تَرَكُوا مِنْ الْحَقّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. ثُمّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، مِنْ الْكُفّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، أَيْ وَحّدُوا رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً، وَالسَّماءَ بِناءً، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ، فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هشام لبعض الغريب] قال ابن هشام: الأمثال، واحدهم ندّ. قال لعبيد بْنُ رَبِيعَةَ: أَحْمَدُ اللهَ فَلَا نِدّ لَهُ ... بيديه الخير ماشاء فعل وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَيْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللهِ غَيْرَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ الّتِي لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرّ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنّهُ لَا رَبّ لَكُمْ يَرْزُقكُمْ غَيْرُهُ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ الّذِي يَدْعُوكُمْ إلَيْهِ الرّسُولُ مِنْ تَوْحِيدِهِ هُوَ الْحَقّ لَا شَكّ فِيهِ. وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا أَيْ فِي شَكّ مِمّا جَاءَكُمْ بِهِ، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أى من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَقَدْ تَبَيّنَ لَكُمْ الْحَقّ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَيْ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ. ثُمّ رَغّبَهُمْ وَحَذّرَهُمْ نُقْضَ الْمِيثَاقِ الّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ لِنَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا جَاءَهُمْ، وَذَكَرَ لَهُمْ بَدْءَ خَلْقِهِمْ حَيْنَ خَلَقَهُمْ، وَشَأْنَ أَبِيهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَأَمْرَهُ، وَكَيْفَ صَنَعَ بِهِ حَيْنَ خَالَفَ عَنْ طَاعَتِهِ، ثُمّ قَالَ: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ لِلْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ أَيْ بَلَائِي عِنْدَكُمْ وَعِنْدَ آبَائِكُمْ، لَمّا كان نجاها بِهِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي الّذِي أَخَذْت فِي أَعْنَاقِكُمْ لِنَبِيّي أَحْمَدَ إذَا جَاءَكُمْ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أُنْجِزْ لَكُمْ مَا وَعَدْتُكُمْ عَلَى تَصْدِيقِهِ وَاتّبَاعِهِ بِوَضْعِ مَا كَانَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ الّتِي كَانَتْ فِي أَعْنَاقِكُمْ بِذُنُوبِكُمْ الّتِي كَانَتْ مِنْ أَحْدَاثِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ أَيْ أَنْ أُنْزِلَ بِكُمْ مَا أَنَزَلْت بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ آبَائِكُمْ مِنْ النّقْمَاتِ الّتِي قَدْ عَرَفْتُمْ، مِنْ الْمَسْخِ وَغَيْرِهِ وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ، وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَعِنْدَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ فِيهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِكُمْ وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ. وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ، وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَيْ لَا تَكْتُمُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنْ الْمُعْرِفَةِ بِرَسُولِي وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدَكُمْ فِيمَا تَعْلَمُونَ مِنْ الْكُتُبِ الّتِي بِأَيْدِيكُمْ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ أَيْ أَتَنْهَوْنَ النّاسَ عَنْ الْكُفْرِ بِمَا عِنْدَكُمْ مِنْ النّبُوّةِ وَالْعَهْدِ مِنْ التّوْرَاةِ وَتَتْرُكُونَ أَنَفْسَكُمْ، أَيْ وَأَنْتُمْ تَكْفُرُونَ بِمَا فِيهَا مِنْ عَهْدِي إلَيْكُمْ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِي وَتَنْقُضُونَ مِيثَاقِي، وَتَجْحَدُونَ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابِي. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

ثُمّ عَدّدَ عَلَيْهِمْ أَحْدَاثَهُمْ، فَذَكَرَ لَهُمْ الْعِجْلَ وَمَا صَنَعُوا فِيهِ، وَتَوْبَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِقَالَتَهُ إيّاهُمْ، ثُمّ قَوْلَهُمْ: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً. [تَفْسِيرُ ابْنِ هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: جَهْرَةً، أَيْ ظَاهِرًا لَنَا لَا شَيْءَ يَسْتُرهُ عَنّا. قَالَ أَبُو الْأَخْزَرِ الْحَمَانِيّ، وَاسْمُهُ قتيبة: يَجْهَرُ أَجْوَافَ الْمِيَاهِ السّدُم وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. يَجْهَرُ: يَقُولُ: يُظْهِرُ الْمَاءَ وَيَكْشِفُ عَنْهُ مَا يَسْتُرُهُ مِنْ الرّمْلِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْذَ الصّاعِقَةِ إيّاهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ لِغِرّتِهِمْ، ثُمّ إحْيَاءَهُ إيّاهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، وَتَظْلِيلَهُ عَلَيْهِمْ الْغَمَامَ، وَإِنْزَالَهُ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسّلْوَى، وَقَوْلُهُ لهم: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ، أَيْ قُولُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ أَحُطّ بِهِ ذُنُوبَكُمْ عَنْكُمْ؛ وَتَبْدِيلَهُمْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ اسْتِهْزَاءً بِأَمْرِهِ، وَإِقَالَتَهُ إيّاهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ هُزْئِهِمْ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الغريب] تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هِشَامٍ: الْمَنّ: شَيْءٌ كَانَ يَسْقُطُ فِي السّحَرِ على شجرهم، فيجتنبونه حُلْوًا مِثْلَ الْعَسَلِ، فَيَشْرَبُونَهُ وَيَأْكُلُونَهُ. قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: لَوْ أُطْعِمُوا الْمَنّ وَالسّلْوَى مَكَانَهُمْ ... مَا أَبْصَرَ النّاسُ طُعْمًا فِيهُمُ نجعا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالسّلْوَى: طَيْرٌ؛ وَاحِدَتُهَا: سَلْوَاةٌ؛ وَيُقَالُ: إنّهَا السّمَانِيّ، وَيُقَالُ لِلْعَسَلِ (أَيْضًا) : السّلْوَى. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ الْهُذَلِيّ: وَقَاسَمَهَا بِاَللهِ حَقّا لَأَنْتُمْ ... أَلَذّ مِنْ السّلْوَى إذَا مَا نَشُورُهَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَحِطّةٌ: أَيْ حُطّ عَنّا ذُنُوبَنَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ تَبْدِيلِهِمْ ذَلِكَ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التّوْءَمَةِ بِنْتِ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، عَنْ أَبِي هريرة ومن لا أنّهم، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ: دَخَلُوا الْبَابَ الّذِي أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْهُ سُجّدًا يَزْحَفُونَ، وَهُمْ يَقُولُونَ حِنْطٌ فِي شَعِيرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: حِنْطَةٌ فِي شَعِيرَةٍ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاسْتِسْقَاءَ مُوسَى لِقَوْمِهِ، وَأَمْرَهُ (إيّاهُ) أَنْ يَضْرِبَ بعصاه الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ لَهُمْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشَرَةَ عَيْنًا، لِكُلّ سِبْطٍ عَيْنٌ يَشْرَبُونَ مِنْهَا، قَدْ عَلِمَ كُلّ سِبْطٍ عَيْنَهُ الّتِي مِنْهَا يَشْرَبُ؛ وَقَوْلَهُمْ لِمُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ: لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ، فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفُوَمُ: الْحِنْطَةُ. قَالَ أُمَيّةُ بْنُ الصّلْتِ الثّقَفِيّ: فَوْقَ شِيزَى مِثْلِ الْجَوَابِي عَلَيْهَا ... قطع كالوذبل فِي نِقْيِ فُومِ [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الغريب] قال ابن هِشَامٍ: الْوَذِيلُ: قِطَعُ الْفِضّةِ وَالْفُوَمُ: الْقَمْحُ؛ وَاحِدَتُهُ: فُومَةٌ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَعَدَسِها وَبَصَلِها، قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ. اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمْ يَفْعَلُوا. وَرَفْعَهُ الطّورَ فَوْقَهُمْ لِيَأْخُذُوا مَا أُوتُوا؛ وَالْمَسْخَ الّذِي كَانَ فِيهِمْ، إذْ جَعَلَهُمْ قِرَدَةً بِأَحْدَاثِهِمْ، وَالْبَقَرَةَ الّتِي أَرَاهُمْ اللهُ عَزّ وَجَلّ بِهَا الْعِبْرَةَ فِي الْقَتِيلِ الّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، حَتّى بَيّنَ اللهُ لَهُمْ أَمْرَهُ، بَعْدَ التّرَدّدِ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ فِي صِفّةِ الْبَقَرَةِ؛ وَقَسْوَةَ قُلُوبِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتّى كَانَتْ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَةً. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أَيْ وَإِنّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَأَلْيَنُ مِنْ قُلُوبِكُمْ عَمّا تَدْعُونَ إلَيْهِ مِنْ الْحَقّ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. ثم قال لمحمد عليه الصلاة والسلام وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يُؤَيّسُهُمْ مِنْهُمْ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَلَيْسَ قَوْلُهُ يَسْمَعُونَ التّوْرَاةَ، أَنّ كُلّهُمْ قَدْ سَمِعَهَا، وَلَكِنّهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ، أَيْ خَاصّةٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: قَالُوا لِمُوسَى: يَا مُوسَى، قَدْ حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رُؤْيَةِ اللهِ، فَأَسْمِعْنَا كَلَامَهُ حَيْنَ يُكَلّمُك، فَطَلَبَ ذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ رَبّهِ، فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ، مُرْهُمْ فَلْيَطّهّرُوا، أَوْ لِيُطَهّرُوا ثِيَابَهُمْ، وَلْيَصُومُوا، فَفَعَلُوا. ثُمّ خَرَجَ بِهِمْ حَتّى أَتَى بِهِمْ الطّورَ؛ فَلَمّا غَشِيَهُمْ الْغَمَامُ أَمَرَهُمْ مُوسَى فَوَقَعُوا سُجّدًا، وَكَلّمَهُ رَبّهُ، فَسَمِعُوا كَلَامَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يأمرهم ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

وَيَنْهَاهُمْ، حَتّى عَقَلُوا عَنْهُ مَا سَمِعُوا، ثُمّ انْصَرَفَ بِهِمْ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، فَلَمّا جَاءَهُمْ حَرّفَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَقَالُوا، حَيْنَ قَالَ مُوسَى لِبَنِي إسْرَائِيلَ: إنّ اللهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ ذَلِكَ الْفَرِيقُ الّذِي ذَكَرَ اللهُ عَزّ وَجَلّ: إنّمَا قَالَ كَذَا وَكَذَا، خِلَافًا لِمَا قَالَ اللهُ لَهُمْ، فَهُمْ الّذِينَ عَنَى اللهُ عَزّ وَجَلّ لِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا، أَيْ بِصَاحِبِكُمْ رَسُولِ اللهِ، وَلَكِنّهُ إلَيْكُمْ خَاصّةً. وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا: لَا تُحَدّثُوا الْعَرَبَ بِهَذَا، فَإِنّكُمْ قَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ فِيهِمْ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا، وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ، أَيْ تُقِرّونَ بِأَنّهُ نَبِيّ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّهُ قَدْ أُخِذَ لَهُ الْمِيثَاقُ عَلَيْكُمْ بِاتّبَاعِهِ، وَهُوَ يُخْبِرُكُمْ أَنّهُ النّبِيّ الّذِي كُنّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُ فِي كِتَابِنَا؛ اجْحَدُوهُ وَلَا تُقِرّوا لَهُمْ بِهِ. يَقُولُ اللهُ عَزّ وَجَلّ: أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ، وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ] الغريب قال ابن هِشَامٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: إلّا أَمَانِيّ: إلّا قراءة، لأن الأمىّ: الذى يقرأ ولا يكتب. يقول: لا يعلمون الكتاب إلا (أنهم) يقرؤنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دعوى اليهود قلة العذاب فى الآخرة ورد الله عليهم

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَيُونُسَ أَنّهُمَا تَأَوّلَا ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ فِي قَوْلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ، حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ النّحْوِيّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ الْعَرَبَ تَقُولُ: تَمَنّى، فِي مَعْنَى قَرَأَ. وَفِي كِتَابِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ. قَالَ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ: تَمَنّى كِتَابَ اللهِ أَوّلَ لَيْلِهِ ... وَآخِرَهُ وَافَى حِمَامُ الْمَقَادِرِ وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا: تَمَنّى كِتَابَ اللهِ فِي اللّيْلِ خَالِيًا ... تَمَنّيَ دَاوُدَ الزّبُورَ عَلَى رِسْلِ وَوَاحِدَةُ الْأَمَانِيّ: أُمْنِيّةٌ. وَالْأَمَانِيّ (أَيْضًا) : أَنْ يَتَمَنّى الرّجُلُ الْمَالَ أَوْ غَيْرَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ: أَيْ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ وَلَا يَدْرُونَ مَا فِيهِ، وَهُمْ يَجْحَدُونَ نُبُوّتَك بِالظّنّ. وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً، قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. [دَعْوَى الْيَهُودَ قِلّةَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ وَرَدّ اللهِ عَلَيْهِمْ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَوْلًى لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: فدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْمَدِينَةَ وَالْيَهُودُ تَقُولُ: إنّمَا مُدّةُ الدّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ، وَإِنّمَا يُعَذّبُ اللهُ النّاسَ فِي النّارِ بِكُلّ أَلْفِ سَنَةٍ مِنْ أَيّامِ الدّنْيَا يَوْمًا وَاحِدًا فِي النّارِ مِنْ أَيّامِ الْآخِرَةِ، وَإِنّمَا هِيَ سَبْعَةُ أَيّامٍ ثُمّ يَنْقَطِعُ الْعَذَابُ. فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً. قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ أى من عمل بمثل أعمالكم، وَكَفَرَ بِمِثْلِ مَا كَفَرْتُمْ بِهِ، يُحِيطُ كُفْرُهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ اللهِ مِنْ حَسَنَةٍ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أَيْ خُلْدٌ أَبَدًا. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ: أَيْ مَنْ آمَنَ بِمَا كَفَرْتُمْ بِهِ، وَعَمِلَ بِمَا تَرَكْتُمْ مِنْ دِينِهِ، فَلَهُمْ الْجَنّةُ خَالِدِينَ فِيهَا، يُخْبِرُهُمْ أَنّ الثّوَابَ بِالْخَيْرِ وَالشّرّ مُقِيمٌ عَلَى أَهْلِهِ أَبَدًا، لَا انْقِطَاعَ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ اللهُ عَزّ وَجَلّ يُؤَنّبُهُمْ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ أَيْ مِيثَاقَكُمْ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ، وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ أَيْ تَرَكْتُمْ ذَلِكَ كُلّهُ لَيْسَ بِالتّنَقّصِ. وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

[تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: تَسْفِكُونَ: تَصُبّونَ. تَقُولُ الْعَرَبُ: سَفَكَ دَمَهُ، أَيْ صَبّهُ، وَسَفَكَ الزّقّ، أَيْ هَرَاقَهُ. قَالَ الشّاعِرُ: وَكُنّا إذَا مَا الضّيْفُ حَلّ بِأَرْضِنَا ... سَفَكْنَا دِمَاءَ الْبُدْنِ فِي تُرْبَةِ الْحَالِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي «بِالْحَالِ» : الطّينِ الّذِي يُخَالِطُهُ الرّمْلُ، وَهُوَ الّذِي تَقُولُ لَهُ الْعَرَبُ: السّهْلَةُ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: أَنّ جِبْرِيلَ لَمّا قَالَ فِرْعَوْنُ: آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ أَخَذَ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ وَحَمَأَتِهِ فَضَرَبَ بِهِ وَجْهَ فِرْعَوْنَ. (وَالْحَالُ: مِثْلُ الْحَمْأَةِ) . قَالَ ابن إسحاق: وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنّ هَذَا حَقّ مِنْ مِيثَاقِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ، وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ، تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ أَيْ أَهْلَ الشّرْكِ، حَتّى يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ مَعَهُمْ، وَيُخْرِجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ مَعَهُمْ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فِي دِينِكُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ: فِي كِتَابِكُمْ إِخْراجُهُمْ، أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ، (أَيْ) أَتُفَادُونَهُمْ مُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، وَتُخْرِجُونَهُمْ كُفّارًا بِذَلِكَ. فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بِالْآخِرَةِ، فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ فَأَنّبَهُمْ اللهُ عَزّ وَجَلّ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ، وَقَدْ حَرّمَ عَلَيْهِمْ فِي التّوْرَاةِ سَفْكَ دِمَائِهِمْ، وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِدَاءَ أَسْرَاهُمْ. فَكَانُوا فَرِيقَيْنِ، مِنْهُمْ بَنُو قَيْنُقَاعَ وَلَفّهُمْ، حُلَفَاءُ الْخَزْرَجِ، والنّضير وقريظة وَلَفّهُمْ، حُلَفَاءُ الْأَوْسِ. فَكَانُوا إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَرْبٌ خَرَجَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ مَعَ الْخَزْرَجِ وَخَرَجَتْ النّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَعَ الْأَوْسِ يُظَاهِرُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ حُلَفَاءَهُ عَلَى إخْوَانِهِ، حَتّى يَتَسَافَكُوا دِمَاءَهُمْ بَيْنَهُمْ وَبِأَيْدِيهِمْ التّوْرَاةُ يَعْرِفُونَ فيها ما عليهم ومالهم، وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَهْلُ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ. لَا يَعْرِفُونَ جَنّةً وَلَا نَارًا، وَلَا بَعْثًا وَلَا قِيَامَةً، وَلَا كِتَابًا، وَلَا حَلَالًا وَلَا حَرَامًا، فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا افْتَدَوْا أُسَارَاهُمْ تَصْدِيقًا لِمَا فِي التّوْرَاةِ، وَأَخَذَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَفْتَدِي بَنُو قَيْنُقَاعَ مَنْ كَانَ مِنْ أسراهم فى أيدى الأوس وتفتدى النّضير وفريظة مَا فِي أَيَدِي الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ وَيُطِلّونَ مَا أصابوا من الدماء، وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم، مُظَاهَرَةً لِأَهْلِ الشّرْكِ عَلَيْهِمْ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لَهُمْ حَيْنَ أَنّبَهُمْ بِذَلِكَ: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ، أَيْ تُفَادِيهِ بِحُكْمِ التّوْرَاةِ وَتَقْتُلُهُ، وَفِي حُكْمِ التّوْرَاةِ أَنْ لَا تَفْعَلَ، تَقْتُلُهُ وَتُخْرِجُهُ مِنْ دَارِهِ وَتُظَاهِرُ عَلَيْهِ مَنْ يُشْرِكُ بِاَللهِ، وَيَعْبُدُ الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ، ابْتِغَاءَ عَرَضِ الدّنْيَا. فَفِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ مَعَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ- فِيمَا بَلَغَنِي- نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بِالرُّسُلِ، وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ، أَيْ الْآيَاتُ الّتِي وُضِعَتْ عَلَى يَدَيْهِ، مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَخَلْقِهِ مِنْ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ، ثُمّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ، وَالْخَبَرِ بِكَثِيرٍ مِنْ الْغُيُوبِ مِمّا يَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ، وَمَا رَدّ عَلَيْهِمْ مِنْ التّوْرَاةِ مَعَ الْإِنْجِيلِ، الّذِي أَحْدَثَ اللهُ إلَيْهِ. ثُمّ ذَكَرَ كُفْرَهُمْ بِذَلِكَ كُلّهِ، فَقَالَ: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ، فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ، ثُمّ قَالَ تَعَالَى: وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ: فِي أَكِنّةٍ. يَقُولُ اللهُ عَزّ وَجَلّ: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ. وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالَ: قَالُوا: فِينَا وَاَللهِ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ، كُنّا قَدْ عَلَوْنَاهُمْ ظَهْرًا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَكَانُوا يَقُولُونَ لَنَا: إنّ نَبِيّا يُبْعَثُ الْآنَ نَتّبِعُهُ قَدْ أَظَلّ زَمَانَهُ، نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ. فَلَمّا بَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ فَاتّبَعْنَاهُ كَفَرُوا بِهِ. يَقُولُ اللهُ: فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ. بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، أَيْ أَنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِهِمْ: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ، وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

[تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هشام: فباؤا بِغَضَبٍ: أَيْ اعْتَرَفُوا بِهِ وَاحْتَمَلُوهُ. قَالَ أَعْشَى بنى قيس بن ثعلبة: أصالحكم حتى تبوؤا بِمِثْلِهَا ... كَصَرْخَةِ حُبْلَى يَسّرَتْهَا قَبِيلُهَا (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَسّرَتْهَا: أَجَلَسَتْهَا لِلْوِلَادَةِ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَالْغَضَبُ عَلَى الْغَضَبِ لِغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا كَانُوا ضَيّعُوا مِنْ التّوْرَاةِ، وَهِيَ مَعَهُمْ، وَغَضَبٌ بِكُفْرِهِمْ بِهَذَا النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي أَحْدَثَ اللهُ إلَيْهِمْ. ثُمّ أَنّبَهُمْ بِرَفْعِ الطّورِ عَلَيْهِمْ، وَاِتّخَاذِهِمْ الْعِجْلَ إلَهًا دُونَ رَبّهِمْ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِمُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ، فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَيْ اُدْعُوا بِالْمَوْتِ عَلَى أَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَكْذَبُ عِنْدَ اللهِ، فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَقُولُ اللهُ جلّ ثناؤه لنبيّه عليه الصلاة والسلام: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، أَيْ بِعِلْمِهِمْ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِك، وَالْكُفْرِ بِذَلِكَ، فَيُقَالُ: لَوْ تَمَنّوْهُ يَوْمَ قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَهُودِيّ إلّا مَاتَ. ثُمّ ذَكَرَ رَغْبَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَطُولَ الْعُمْرِ، فَقَالَ تَعَالَى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ الْيَهُودَ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سؤال اليهود الرسول، وإجابته لهم عليه الصلاة والسلام

يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ، أى ما هو بِمُنْجِيهِ مِنْ الْعَذَابِ، وَذَلِكَ أَنّ الْمُشْرِكَ لَا يَرْجُو بَعْثًا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهُوَ يُحِبّ طُولَ الحياة، وأن اليهودىّ قد عرف ماله فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخِزْيِ بِمَا ضَيّعَ مِمّا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ. ثُمّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ. [سُؤَالُ الْيَهُودِ الرّسُولَ، وإجابته لهم عليه الصلاة والسلام] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ (عَبْدِ) الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكّيّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيّ: أَنّ نَفَرًا مِنْ أحبار يهود جاؤا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ، أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعٍ نَسْأَلُك عَنْهُنّ، فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ اتّبَعْنَاك وَصَدّقْنَاك وَآمَنّا بِك. قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللهِ وَمِيثَاقُهُ لَئِنْ أَنَا أَخْبَرْتُكُمْ بِذَلِكَ لَتُصَدّقُنّنِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَاسْأَلُوا عَمّا بَدَا لَكُمْ، قَالُوا فَأَخْبِرْنَا كَيْفَ يُشْبِهُ الْوَلَدُ أُمّهُ، وَإِنّمَا النّطْفَةُ مِنْ الرّجُلِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُنْشِدُكُمْ بِاَللهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّ نُطْفَةَ الرّجُلِ بَيْضَاءُ غَلِيظَةٌ، وَنُطْفَةَ الْمَرْأَةِ صَفْرَاءُ رَقِيقَةٌ، فَأَيّتُهُمَا عَلَتْ صَاحِبَتَهَا كَانَ لَهَا الشّبَهُ؟ قَالُوا: اللهُمّ نَعَمْ. قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا كَيْفَ نَوْمُك؟ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاَللهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّ نَوْمَ الّذِي تَزْعُمُونَ أَنّي لَسْتُ بِهِ تَنَامُ عَيْنُهُ وَقَلْبُهُ يَقْظَانُ؟ فَقَالُوا: اللهُمّ نَعَمْ، قَالَ: فَكَذَلِك نَوْمِي، تَنَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إنكار اليهود نبوة داود عليه السلام ورد الله عليهم

عَيْنِيّ وَقَلْبِي يَقْظَانُ. قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا عَمّا حَرّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاَللهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّهُ كَانَ أَحَبّ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلَيْهِ أَلْبَانَ الْإِبِلِ وَلُحُومَهَا، وَأَنّهُ اشْتَكَى شَكْوَى، فَعَافَاهُ اللهُ مِنْهَا، فَحَرّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَحَبّ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلَيْهِ شُكْرًا لِلّهِ، فَحَرّمَ عَلَى نَفْسِهِ لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا؟ قَالُوا: اللهُمّ نَعَمْ. قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا عَنْ الرّوحِ؟ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاَللهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُونَهُ جِبْرِيلُ، وَهُوَ الّذِي يَأْتِينِي؟ قَالُوا: اللهُمّ نَعَمْ، وَلَكِنّهُ يَا مُحَمّدُ لَنَا عَدُوّ، وَهُوَ مَلَكٌ، إنّمَا يَأْتِي بِالشّدّةِ وَبِسَفْكِ الدّمَاءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاتّبَعْنَاك، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ، أَيْ السّحْرُ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ. [إنْكَارُ الْيَهُودِ نُبُوّةَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَرَدّ اللهِ عَلَيْهِمْ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- فيما بلغنى- ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كتابه صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر

لَمّا ذَكَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ فِي الْمُرْسَلِينَ، قَالَ بَعْضُ أَحْبَارِهِمْ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمّدٍ، يَزْعُمُ أَنّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ كَانَ نَبِيّا، وَاَللهِ مَا كَانَ إلّا سَاحِرًا. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا، أَيْ بِاتّبَاعِهِمْ السّحْرَ وَعَمَلِهِمْ بِهِ. وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: الّذِي حَرّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ زَائِدَتَا الْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَانِ وَالشّحْمَ، إلّا مَا كَانَ عَلَى الظّهْرِ، فَإِنّ ذَلِكَ كَانَ يُقَرّبُ لِلْقُرْبَانِ، فَتَأْكُلَهُ النّارُ. [كِتَابُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ، فِيمَا حَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، صَاحِبِ مُوسَى وَأَخِيهِ، وَالْمُصَدّقُ لِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى: أَلَا إنّ اللهَ قَدْ قَالَ لَكُمْ يَا مَعْشَرَ أَهْلِ التّوْرَاةِ، وَإِنّكُمْ لَتَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ، تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً، سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

السُّجُودِ، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً. وَإِنّي أَنْشُدُكُمْ بِاَللهِ، وَأَنْشُدُكُمْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ، وَأَنْشُدُكُمْ بِاَلّذِي أَطْعَمَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ أَسْبَاطِكُمْ الْمَنّ وَالسّلْوَى، وَأَنْشُدُكُمْ بِاَلّذِي أَيْبَسَ الْبَحْرَ لِآبَائِكُمْ حَتّى أَنَجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ، إلّا أَخْبَرْتُمُونِي: هَلْ تَجِدُونَ فِيمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمُحَمّدٍ؟ فَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ فَلَا كُرْهَ عَلَيْكُمْ. قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ- فَأَدْعُوكُمْ إلَى اللهِ وَإِلَى نَبِيّهِ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ] قال ابن هِشَامٍ: شَطْؤُهُ: فِرَاخُهُ، وَوَاحِدَتُهُ: شِطْأَةٌ. تَقُولُ الْعَرَبُ: قَدْ أَشْطَأَ الزّرْعُ إذَا أَخْرَجَ فِرَاخَهُ. وَآزَرَهُ: عَاوَنَهُ، فَصَارَ الّذِي قَبْلَهُ مِثْلَ الْأُمّهَاتِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حُجْرٍ الْكِنْدِيّ: بمَحْنِيَةٍ قَدْ آزَرَ الضّالّ نَبْتُهَا ... مَجَرّ جُيُوشٍ غَانِمِينَ وَخُيّبِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ حُمَيْدُ بن مالك الأرقط، أحد بنى ربيعة ابن مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ: زَرْعًا وَقَضْبًا مُؤْزَرَ النّبات ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى أبى ياسر وأخيه

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. وَسُوقُهُ غَيْرُ مَهْمُوزٍ جَمْعُ سَاقٍ، لِسَاقِ الشّجَرَةِ. [مَا نَزَلَ فِي أَبِي يَاسِرٍ وَأَخِيهِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، بِخَاصّةٍ مِنْ الْأَحْبَارِ وَكُفّارِ يَهُودَ، الّذِي كَانُوا يسئلونه وَيَتَعَنّتُونَهُ لِيَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ- فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رِئَابٍ- أَنّ أَبَا يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ مَرّ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم، وهو يتلوا فَاتِحَةَ الْبَقَرَةِ: الم ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ، فأتى أَخَاهُ حُيَيّ بْنَ أَخْطَبَ فِي رِجَالٍ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ: تَعْلَمُوا وَاَللهِ، لَقَدْ سَمِعْت مُحَمّدًا يَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ: الم ذلِكَ الْكِتابُ، فَقَالُوا: أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَمَشَى حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ فِي أُولَئِكَ النّفَرِ مِنْ يَهُودَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمّدُ، أَلَمْ يُذْكَرْ لَنَا أَنّك تَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ إلَيْك: الم ذلِكَ الْكِتابُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ سلم: بَلَى، قَالُوا: أَجَاءَك بِهَا جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: لَقَدْ بَعَثَ اللهُ قَبْلَك أَنْبِيَاءَ، مَا نَعْلَمُهُ بَيّنَ لِنَبِيّ مِنْهُمْ مَا مُدّةُ مُلْكِهِ، وَمَا أَكْلُ أُمّتِهِ غَيْرَك، فَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ، وَاللّامُ ثَلَاثُونَ، وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ، فَهَذِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً، أَفَتَدْخُلُونَ فِي دِينٍ إنّمَا مُدّةُ مُلْكِهِ وَأَكْلُ أُمّتِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً؟ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا مُحَمّدُ، هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ مَاذَا؟ قَالَ: المص. قَالَ: هَذِهِ وَاَللهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ، الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ، وَاللّامُ ثَلَاثُونَ، وَالْمِيمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أربعون، والصاد تسعون، فهذه إحدى وستّون ومائة سَنَةٍ، هَلْ مَعَ هَذَا يَا مُحَمّدُ غَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ الر قَالَ: هَذِهِ وَاَللهِ أَثْقَلُ وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان، فهذه إحدى وثلاثون ومائتان، هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ: نَعَمْ المر. قَالَ: هَذِهِ وَاَللهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ، الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ، وَاللّامُ ثَلَاثُونَ، وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ، وَالرّاءُ مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتا سَنَةٍ، ثُمّ قَالَ: لَقَدْ لُبّسَ عَلَيْنَا أَمْرُك يَا مُحَمّدُ، حَتّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا أُعْطِيت أَمْ كَثِيرًا؟ ثُمّ قَامُوا عَنْهُ، فَقَالَ أَبُو يَاسِرٍ لِأَخِيهِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَحْبَارِ: مَا يُدْرِيكُمْ لَعَلّهُ قَدْ جُمِعَ هَذَا كُلّهُ لِمُحَمّدٍ، إحْدَى وَسَبْعُونَ، وَإِحْدَى وَسِتّونَ ومائة، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبع مائة وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، فَقَالُوا: لَقَدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أمره. فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ، وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ سَمِعْت مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ: أَنّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ إنّمَا أُنْزِلْنَ فِي أَهْلِ نَجْرَانَ، حَيْنَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يسألونه عن عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنّهُ قَدْ سَمِعَ: أَنّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ إنّمَا أُنْزِلْنَ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ، وَلَمْ يُفَسّرْ ذَلِكَ لِي. فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذلك كان. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كفر اليهود به صلى الله عليه وسلم بعد استفتاحهم به وما نزل فى ذلك

[كُفْرُ الْيَهُودِ بِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ اسْتِفْتَاحِهِمْ بِهِ وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ يَهُودَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، فَلَمّا بَعَثَهُ اللهُ مِنْ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ، وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ. فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بن جبل، وبشر ابن الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتّقُوا اللهَ وَأَسْلِمُوا، فَقَدْ كُنْتُمْ تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك، ونخبروننا أَنّهُ مَبْعُوثٌ، وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفّتِهِ، فَقَالَ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ، أَحَدُ بَنِي النّضِيرِ: مَا جَاءَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ، وَمَا هُوَ بِاَلّذِي كُنّا نَذْكُرُهُ لَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ. عَلَى الْكافِرِينَ. [مَا نَزَلَ فى نكر ان مالك بْنِ الصّيْفِ الْعَهْدَ إلَيْهِمْ بِالنّبِيّ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الصّيْفِ، حَيْنَ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ لَهُمْ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ لَهُ مِنْ الْمِيثَاقِ، وَمَا عَهِدَ اللهُ إلَيْهِمْ فِيهِ: وَاَللهِ مَا عُهِدَ إلَيْنَا فِي مُحَمّدٍ عَهْدٌ، وَمَا أُخِذَ لَهُ عَلَيْنَا مِنْ مِيثَاقٍ. فَأَنْزَلَ اللهُ فيه: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى قول أبى صلوبا"ما جئتنا بشىء نعرفه"

أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. [مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي صَلُوبا «مَا جِئْتنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ» ] وَقَالَ أَبُو صَلُوبا الْفَطْيُونِيّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمّدُ، مَا جِئْتَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ، وَمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْك مِنْ آيَةٍ فَنَتّبِعَك لَهَا. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ. [مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ وَوَهْبٍ] وَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَوَهْبُ بْنُ زَيْدٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمّدُ، ائْتِنَا بِكِتَابٍ تُنَزّلُهُ عَلَيْنَا مِنْ السّمَاءِ نَقْرَؤُهُ، وَفَجّرْ لَنَا أَنَهَارًا نَتّبِعْك وَنُصَدّقْك. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ، وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ. [تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: سَوَاءُ السّبِيلِ: وَسَطُ السّبِيلِ. قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ: يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النّبِيّ وَرَهْطِهِ ... بَعْدَ الْمُغَيّبِ فِي سَوَاءِ الْمُلْحَدِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى صد حيى وأخيه الناس عن الإسلام

[مَا نَزَلَ فِي صَدّ حُيَيّ وَأَخِيهِ النّاسَ عَنْ الْإِسْلَامِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ وَأَخُوهُ أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، مِنْ أَشَدّ يَهُودَ لِلْعَرَبِ حَسَدًا، إذْ خَصّهُمْ اللهُ تَعَالَى بِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَكَانَا جَاهِدَيْنِ فِي رَدّ النّاسِ عَنْ الْإِسْلَامِ بِمَا اسْتَطَاعَا. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمَا: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ، فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. [تَنَازُعُ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى عند الرسول صلى الله عليه وسلم] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا قَدِمَ أَهْلُ نَجْرَانَ مِنْ النّصَارَى عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَتْهُمْ أَحْبَارُ يَهُودَ، فَتَنَازَعُوا عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَكَفَرَ بِعِيسَى وَبِالْإِنْجِيلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ النّصَارَى لِلْيَهُودِ: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَجَحَدَ نُبُوّةَ مُوسَى وَكَفَرَ بِالتّوْرَاةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ، وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ، كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ، فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، أَيْ كُلّ يَتْلُو فِي كِتَابِهِ تَصْدِيقَ مَا كَفَرَ بِهِ، أَيْ يَكْفُرُ الْيَهُودُ بِعِيسَى، وَعِنْدَهُمْ التّوْرَاةُ فِيهَا مَا أَخَذَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى طلب ابن حريملة أن يكلمه الله

اللهُ عَلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ بِالتّصْدِيقِ بِعِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ، وَفِي الْإِنْجِيلِ مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ، مِنْ تَصْدِيقِ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ التّوْرَاةِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَكُلّ يَكْفُرُ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ. [مَا نَزَلَ فِي طَلَبِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ أَنْ يُكَلّمَهُ اللهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمّدُ، إنْ كُنْت رَسُولًا مِنْ اللهِ كَمَا تَقُولُ، فَقُلْ لِلّهِ فَلْيُكَلّمْنَا حَتّى نَسْمَعَ كَلَامَهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَقالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ، أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ، تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ، قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. [مَا نَزَلَ فِي سُؤَالِ ابْنِ صُورِيّا لِلنّبِيّ عليه الصلا والسلام بِأَنْ يَتَهَوّدَ] وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ صُورِيّا الْأَعْوَرُ الْفَطْيُونِيّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الْهُدَى إلّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فاتبعنا يا محمد تهد، وَقَالَتْ النّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْن صُورِيّا وَمَا قَالَتْ النّصَارَى: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا، قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. ثُمّ الْقِصّةَ إلَى قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ، لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ، وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقالة اليهود عند صرف القبلة إلى الكعبة

[مَقَالَةُ الْيَهُودِ عِنْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ عَنْ الشّامِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَصُرِفَتْ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَالْحَجّاجُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ ابن أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ، مَا وَلّاك عَنْ قِبْلَتِك الّتِي كُنْت عَلَيْهَا، وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنّك عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ؟ ارْجِعْ إلَى قِبْلَتِك الّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا نَتّبِعْك وَنُصَدّقْك، وَإِنّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِتْنَتَهُ عَنْ دِينِهِ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها، قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ، يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً. وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ أَيْ ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ أَيْ مِنْ الْفِتَنِ: أَيْ الّذِينَ ثَبّتَ اللهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ أَيْ إيمَانَكُمْ بِالْقِبْلَةِ الْأُولَى، وَتَصْدِيقَكُمْ نَبِيّكُمْ، وَاتّبَاعَكُمْ إيّاهُ إلَى الْقِبْلَةِ الْآخِرَةِ، وَطَاعَتَكُمْ نَبِيّكُمْ فِيهَا: أَيْ لَيُعْطِيَنّكُمْ أَجْرَهُمَا جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض العريب

تَرْضاها، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لبعض العريب] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَطْرَهُ: نَحْوَهُ وَقَصْدَهُ. قَالَ عمرو بن أحمر الباهلى- وباهلة ابن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان- يصف ناقة له. تَعْدُو بِنَا شَطْرَ جَمْعٍ وَهِيَ عَاقِدَةٌ ... قَدْ كارَبَ الْعَقْدُ مِنْ إيفَادِهَا الْحَقَبَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ قَيْسُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيّ يَصِفُ نَاقَتَهُ: إنّ النّعُوسَ بِهَا دَاءٌ مُخَامِرُهَا ... فَشَطْرَهَا نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ مَحْسُورُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالنّعُوسُ: نَاقَتُهُ، وَكَانَ بِهَا دَاءٌ فَنَظَرَ إلَيْهَا نَظَرَ حَسِيرٍ، مِنْ قَوْلِهِ: وَهُوَ حَسِيرٌ. وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ. وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ، وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ، وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كتمانهم ما فى التوراة من الحق

قال ابن إسحاق: إلى قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. [كِتْمَانُهُمْ ما فى التوراة من الحق] وَسَأَلَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، نَفَرًا مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ عَنْ بَعْضِ مَا فِي التّوْرَاةِ، فَكَتَمُوهُمْ إيّاهُ، وَأَبَوْا أَنْ يُخْبِرُوهُمْ عَنْهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. [جوابهم للنبى عليه الصلاة والسلام حين دعاهم إلى الإسلام] قَالَ: وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْيَهُودَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَغّبَهُمْ فِيهِ، وَحَذّرَهُمْ عَذَابَ اللهِ وَنِقْمَتَهُ؛ فَقَالَ لَهُ رَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ: بَلْ نَتْبَعُ يَا مُحَمّدُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، فَهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ وَخَيْرًا مِنّا. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا، أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جمعهم فى سوق بنى قينقاع

[جمعهم فى سوق بنى قينقاع] وَلَمّا أَصَابَ اللهُ عَزّ وَجَلّ قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَهُودَ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، حَيْنَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللهُ بِمِثْلِ مَا أَصَابَ بِهِ قُرَيْشًا، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمّدُ، لَا يَغِرّنّك مِنْ نَفْسِك أَنّك قَتَلْت نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ، كَانُوا أَغْمَارًا لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ، إنّك وَاَللهِ لَوْ قَاتَلْتنَا لَعَرَفْت أَنّا نَحْنُ النّاسُ، وَأَنّك لَمْ تَلْقَ مِثْلَنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ. قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا، فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأُخْرى كافِرَةٌ، يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ، وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ آل عمران: 12، 13. [دخوله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس] قَالَ: وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بيت المدارس عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ يَهُودَ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ، فَقَالَ لَهُ النّعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَالْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ: عَلَى أَيّ دِينٍ أَنْتَ يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ: عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ، قَالَا: فَإِنّ إبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيّا؛ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: فَهَلُمّ إلَى التّوْرَاةِ، فهى بيننا وبينكم، فأبيا عليه. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمَا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اختلاف اليهود والنصارى فى إبراهيم عليه السلام

إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ، وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ. [اخْتِلَافُ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى فِي إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ] وَقَالَ أَحْبَارُ يَهُودَ وَنَصَارَى نَجْرَانَ، حَيْنَ اجْتَمَعُوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فَتَنَازَعُوا، فَقَالَتْ الْأَحْبَارُ: مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ إلّا يَهُودِيّا، وَقَالَتْ النّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ: مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ إلّا نَصْرَانِيّا. فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ: يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ. هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا، وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ. [مَا نَزَلَ فِيمَا هَمّ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ غَدْوَةً وَالْكُفْرِ عَشِيّةً] وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَيْفٍ، وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَالَوْا نُؤْمِنْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ غُدْوَةً، وَنَكْفُرْ بِهِ عَشِيّةً، حَتّى نَلْبِسَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ لَعَلّهُمْ يَصْنَعُونَ كَمَا نَصْنَعُ، وَيَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ، وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى قول أبى رافع والنجرانى"أتريد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى"

أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. [مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي رَافِعٍ وَالنّجْرَانِيّ «أَتُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَك كَمَا تَعْبُدُ النّصَارَى عِيسَى» ] وقال أبو رافع القرظىّ، حين اجتمعت الأحبار من يهود، وَالنّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَدَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ: أَتُرِيدُ مِنّا يَا مُحَمّدُ أَنْ نَعْبُدَك كَمَا تعبد النصارى عيسى بن مَرْيَمَ؟ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ نَصْرَانِيّ، يقال له: الرّبّيس، (ويروى: الريس، والرئيس) : أو ذاك تُرِيدُ مِنّا يَا مُحَمّدُ وَإِلَيْهِ تَدْعُونَا؟ أَوْ كَمَا قَالَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ أَعْبُدَ غَيْرَ اللهِ أَوْ آمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ، فَمَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي اللهُ، وَلَا أَمَرَنِي؛ أَوْ كَمَا قَالَ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ، ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ، وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الرّبّانِيّونَ: الْعُلَمَاءُ الْفُقَهَاءُ السّادَةُ، واحدهم: ربانىّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قَالَ الشّاعِرُ: لَوْ كُنْت مُرْتَهَنًا فِي الْقَوْسِ أَفْتَنَنِي ... مِنْهَا الْكَلَامُ وَرَبّانِيّ أَحْبَارِ [تَفْسِيرُ ابْنِ هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: الْقَوْسُ: صَوْمَعَةُ الرّاهِبِ. وَأَفْتَنَنِي، لُغَةُ تَمِيمٍ. وفتننى، لغة قيس. قال جرير: لَا وَصْلَ إذْ صَرَمَتْ هِنْدٌ وَلَوْ وَقَفَتْ ... لَاسْتَنْزَلَتْنِي وَذَا الْمِسْحَيْنِ فِي الْقَوْسِ أَيْ صَوْمَعَةَ الرّاهِبِ. وَالرّبّانِيّ: مُشْتَقّ مِنْ الرّبّ، وَهُوَ السّيّدُ. وَفِي كِتَابِ اللهِ: فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً، أَيْ سَيّدَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. [مَا نَزَلَ فِي أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ ذَكَرَ مَا أَخَذَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ الْمِيثَاقِ بِتَصْدِيقِهِ إذْ هُوَ جَاءَهُمْ، وَإِقْرَارَهُمْ، فَقَالَ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ، ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ، قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا، قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ إلى آخر القصة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سعيهم فى الوقيعة بين الأنصار

[سعيهم فى الوقيعة بين الأنصار] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَرّ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا، عَظِيمَ الْكُفْرِ شَدِيدَ الضّغَنِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ، عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ. فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ، يَتَحَدّثُونَ فِيهِ، فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، بَعْدَ الّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيّةِ فَقَالَ: قَدْ اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلَادِ، لَا وَاَللهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ. فَأَمَرَ فَتًى شَابّا مِنْ يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: اعْمِدْ إلَيْهِمْ، فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمّ اُذْكُرْ يَوْمَ بُعَاثَ وَمَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنْ الْأَشْعَارِ. [شَيْءٌ عَنْ يَوْمِ بُعَاثَ] وَكَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا اقْتَتَلَتْ فِيهِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَكَانَ الظّفْرُ فيه يومئذ للأوس على الْخَزْرَجِ، وَكَانَ عَلَى الْأَوْسِ يَوْمئِذٍ حُضَيْرُ بْنُ سِمَاكٍ الْأَشْهَلِيّ، أَبُو أُسَيْدِ بْنُ حُضَيْرٍ؛ وَعَلَى الخزرج عمرو بن النّعمان البياضىّ، فقاتلا جَمِيعًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ: عَلَى أَنْ قَدْ فُجِعْتُ بِذِي خفاظ ... فَعَاوَدَنِي لَهُ حُزْنٌ رَصِينُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

فَإِمّا تَقْتُلُوهُ فَإِنّ عَمْرًا ... أَعَضّ بِرَأْسِهِ عَضْبٌ سَنِينُ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَحَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثَ أَطْوَلُ مِمّا ذَكَرْتُ، وَإِنّمَا مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْت مِنْ الْقَطْعِ. [تَفْسِيرُ ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: سَنِينُ: مَسْنُونٌ، مِنْ سَنّهُ، إذَا شَحَذَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَفَعَلَ. فَتَكَلّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى توائب رَجُلَانِ مِنْ الْحَيّيْنِ عَلَى الرّكْبِ، أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ، مِنْ الْأَوْسِ، وَجَبّارُ بْنُ صَخْرٍ، أَحَدُ بَنِي سَلَمَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ، فَتَقَاوَلَا ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنْ شِئْتُمْ رَدَدْنَاهَا الْآنَ جَذَعَةً، فَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، وَقَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا، مَوْعِدُكُمْ الظّاهِرَةُ- وَالظّاهِرَةُ: الْحرّةُ- السّلَاحَ السّلَاحَ. فَخَرَجُوا إلَيْهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى جَاءَهُمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اللهَ اللهَ، أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللهُ لِلْإِسْلَامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ، وَأَلّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنّهَا نَزْغَةٌ مِنْ الشّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوّهِمْ، فَبَكَوْا وَعَانَقَ الرّجَالُ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، قَدْ أَطْفَأَ اللهُ عَنْهُمْ كَيْدَ عَدُوّ اللهِ شَأْسِ بْنِ قَيّسْ. فأنزل الله تعالى فى شأس ابن قَيْسٍ وَمَا صَنَعَ: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى قولهم: "ما آمن إلا شرارنا"

وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى مَا تَعْمَلُونَ. قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً، وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. وَأَنْزَلَ اللهُ فِي أَوْسِ بْنِ قَيْظِيّ وَجَبّارِ بْنِ صَخْرٍ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِنْ قَوْمِهِمَا الّذِينَ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا عَمّا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ شَأْسٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ، وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. [مَا نَزَلَ فِي قولهم: «مَا آمَنَ إلّا شِرَارُنَا» ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ، وَأُسَيْدُ ابن سَعْيَةَ، وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودَ مَعَهُمْ، فَآمَنُوا وَصَدّقُوا وَرَغِبُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَرَسَخُوا فِيهِ، قَالَتْ أَحْبَارُ يَهُودَ، أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْهُمْ: مَا آمَنَ بِمُحَمّدٍ وَلَا اتّبَعَهُ إلّا شِرَارُنَا، وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَخْيَارِنَا مَا تَرَكُوا دِينَ آبَائِهِمْ وَذَهَبُوا إلَى غَيْرِهِ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَيْسُوا سَواءً، مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

[تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: آنَاءَ اللّيْلِ: سَاعَاتِ اللّيْلِ، وَوَاحِدُهَا: إنْيٌ. قَالَ الْمُتَنَخّلُ الْهُذَلِيّ، وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ عُوَيْمِرٍ، يَرْثِي أُثَيْلَةَ ابْنَهُ: حُلْوٌ وَمُرّ كَعَطْفِ الْقِدْحِ شِيمَتُهُ ... فِي كُلّ إنْيٍ قَضَاهُ اللّيْلُ يَنْتَعِلُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ لَبِيدُ بن ربيعة يصف حمار وحش: يُطَرّبُ آنَاءَ النّهَارِ كَأَنّهُ ... غَوِيّ سَقَاهُ فِي التّجَارِ نَدِيمُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَيُقَالُ: إنًى مَقْصُورٌ فِيمَا أَخْبَرَنِي يُونُسُ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ، وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. [مَا نَزَلَ فِي نَهْيِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مُبَاطَنَةِ اليهود] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُوَاصِلُونَ رِجَالًا مِنْ الْيَهُودِ، لِمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ يَنْهَاهُمْ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ، لَا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ. هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ، وَلا يُحِبُّونَكُمْ، وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ، أَيْ تُؤْمِنُونَ بِكِتَابِكُمْ، وَبِمَا مَضَى مِنْ الْكُتُبِ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِكِتَابِكُمْ، فَأَنْتُمْ كُنْتُمْ أَحَقّ بِالْبَغْضَاءِ لَهُمْ مِنْهُمْ لَكُمْ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا، وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما كان بين أبى بكر وفنحاص

عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ، قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. [مَا كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَفِنْحَاصٍ] وَدَخَلَ أبو بكر الصدّيق بيت المدارس عَلَى يَهُودَ، فَوَجَدَ مِنْهُمْ نَاسًا كَثِيرًا قَدْ اجْتَمَعُوا إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ فِنْحَاصُ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ، وَمَعَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِهِمْ، يُقَالُ لَهُ: أَشْيَعُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِفِنْحَاصٍ: وَيْحَك يَا فَنُحَاصُ! اتّقِ اللهَ وَأَسْلِمْ، فو الله إنّك لَتَعْلَمُ أَنّ مُحَمّدًا لَرَسُولُ اللهِ، قَدْ جَاءَكُمْ بِالْحَقّ مِنْ عِنْدِهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فى التوراة والإنجيل، فقال فنحاص لِأَبِي بَكْرٍ: وَاَللهِ يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا بِنَا إلَى اللهِ مِنْ فَقْرٍ، وَإِنّهُ إلَيْنَا لَفَقِيرٌ، وَمَا نَتَضَرّعُ إلَيْهِ كَمَا يَتَضَرّعُ إلَيْنَا، وَإِنّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاءُ، وَمَا هُوَ عَنّا بِغَنِيّ، وَلَوْ كَانَ عَنّا غَنِيّا مَا اسْتَقْرَضَنَا أَمْوَالَنَا، كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ، يَنْهَاكُمْ عَنْ الرّبَا وَيُعْطِينَاهُ، وَلَوْ كَانَ عَنّا غَنِيّا مَا أَعْطَانَا الرّبَا. قَالَ فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ، فَضَرَبَ وَجْهَ فِنْحَاصَ ضَرْبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا الْعَهْدُ الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، لَضَرَبْتُ رَأْسَك، أَيْ عَدُوّ اللهِ. قَالَ: فَذَهَبَ فِنْحَاصُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا مُحَمّدُ اُنْظُرْ مَا صَنَعَ بِي صَاحِبُك، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بَكْرٍ: مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ عَدُوّ اللهِ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا، إنّهُ زَعَمَ أَنّ اللهَ فَقِيرٌ وَأَنّهُمْ أَغْنِيَاءُ، فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ غَضِبْتُ لِلّهِ مِمّا قَالَ، وَضَرَبْتُ وَجْهَهُ. فَجَحَدَ ذَلِكَ فِنْحَاصُ، وَقَالَ: مَا قُلْتُ ذَلِكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيمَا قَالَ فِنْحَاصُ رَدّا عَلَيْهِ، وَتَصْدِيقًا لِأَبِي بَكْرٍ: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمرهم المؤمنين بالبخل

وَنَحْنُ أَغْنِياءُ، سَنَكْتُبُ مَا قالُوا، وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ. وَنَزَلَ فِي أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَمَا بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَضَبِ: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً. وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. ثُمّ قَالَ فِيمَا قَالَ فِنْحَاصُ وَالْأَحْبَارُ مَعَهُ مِنْ يَهُودَ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ، فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ، وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا، فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ. لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يَعْنِي فِنْحَاصَ، وَأَشْيَعَ وَأَشْبَاهَهُمَا مِنْ الْأَحْبَارِ، الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا يُصِيبُونَ مِنْ الدّنْيَا عَلَى مَا زَيّنُوا لِلنّاسِ مِنْ الضّلَالَةِ، وَيُحِبّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، أَنْ يَقُولَ النّاسُ: عُلَمَاءُ، وَلَيْسُوا بِأَهْلِ عِلْمٍ، لَمْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَى هُدًى وَلَا حَقّ، وَيُحِبّونَ أَنْ يَقُولَ النّاسُ قَدْ فَعَلُوا. [أمرهم المؤمنين بالبخل] قال ابن إسحاق: وَكَانَ كَرْدَمُ بْنُ قَيْسٍ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَأُسَامَةُ بْنُ حَبِيبٍ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو، وَحُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَرِفَاعَةُ بْن زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ، يَأْتُونَ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانُوا يُخَالِطُونَهُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جحدهم الحق

يَنْتَصِحُونَ لَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، فَيَقُولُونَ لَهُمْ: لَا تُنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ فَإِنّا نَخْشَى عَلَيْكُمْ الْفَقْرَ فِي ذَهَابِهَا، وَلَا تُسَارِعُوا فِي النّفَقَةِ فَإِنّكُمْ لَا تَدْرُونَ عَلَامَ يَكُونُ. فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أَيْ مِنْ التّوْرَاةِ، الّتِي فِيهَا تَصْدِيقُ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً. وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ، وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ... إلَى قَوْلِهِ: وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً. [جحدهم الحق] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ، إذَا كَلّمَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوَى لِسَانَهُ، وَقَالَ: أَرْعِنَا سَمْعَك يَا مُحَمّدُ، حَتّى نُفْهِمَك، ثُمّ طَعَنَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَابَهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ، وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا، وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً* مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ، وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا، (أَيْ رَاعِنَا سَمْعَك) لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَطَعْناً فِي الدِّينِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا. وَكَلّمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُؤَسَاءَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ، منهم: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

عبد الله بن صوريا الأعور، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يهود، اتقوا الله وأسلموا، فو الله إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّ الّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ لَحَقّ، قَالُوا: مَا نَعْرِفُ ذَلِكَ يَا مُحَمّدُ: فَجَحَدُوا مَا عَرَفُوا، وَأَصَرّوا عَلَى الْكُفْرِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها، أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا. [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الغريب] قال ابن هِشَامٍ: نَطْمِسَ: نَمْسَحَهَا فَنُسَوّيهَا، فَلَا يُرَى فِيهَا عَيْنٌ وَلَا أَنْفٌ وَلَا فَمٌ، وَلَا شَيْءٌ مِمّا يُرَى فِي الْوَجْهِ، وَكَذَلِكَ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ. الْمَطْمُوسُ الْعَيْنُ: الّذِي لَيْسَ بَيْنَ جَفْنَيْهِ شِقّ. وَيُقَالُ طَمَسْت الْكِتَابَ وَالْأَثَرَ، فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ. قَالَ الْأَخْطَلُ، وَاسْمُهُ الْغَوْثُ بْنُ هُبَيْرَةَ بْنِ الصّلْتِ التّغْلِبِيّ، يَصِفُ إبِلًا كَلّفَهَا مَا ذَكَرَ: وتَكْلِيفُناها كُلّ طَامِسَةٍ الصّوَى ... شَطُونٍ تَرَى حِرْبَاءَهَا يَتَمَلْمَلُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاحِدَةُ الصّوَى: صُوّةٌ. وَالصّوَى: الْأَعْلَامُ الّتِي يُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى الطّرُقِ وَالْمِيَاهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَقُولُ: مُسِحَتْ فَاسْتَوَتْ بِالْأَرْضِ، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ نَاتِئٌ.. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النفر الذين حزبوا الأحزاب

[النّفَرُ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَبَنْي قُرَيْظَةَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَسِلَامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، أَبُو رَافِعٍ، وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ ابن أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَبُو عَمّارٍ، وَوَحْوَحُ بْنُ عَامِرٍ، وهوذة بن قيس. فأما وحوح، وأبو عمّار، وهوذة، فمن بَنِي وَائِلٍ، وَكَانَ سَائِرُهُمْ مِنْ بَنِي النّضِيرِ. فلما قدمو عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا: هَؤُلَاءِ أَحْبَارُ يَهُودَ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوّلِ، فَسَلُوهُمْ: دِينُكُمْ خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمّدٍ؟ فَسَأَلُوهُمْ، فَقَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ من دينه، وأنتم أهدى منه وممن اتباعه. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ. [تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: الْجِبْتُ (عِنْدَ الْعَرَبِ) : مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَالطّاغُوتُ: كُلّ مَا أضلّ عن الحقّ. وَجَمْعُ الطّاغُوتِ: طَوَاغِيتُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَنّهُ قَالَ: الْجِبْتُ: السّحَرُ؛ وَالطّاغُوتُ: الشّيْطَانُ: وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إنكارهم التنزيل

اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. [إنكارهم التنزيل] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ سُكَيْنٌ وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ: يَا مُحَمّدُ، مَا نَعْلَمُ أَنّ اللهَ أَنْزَلَ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ مُوسَى. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ، وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً. وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ، وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً. رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً. وَدَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: أَمَا وَاَللهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّي رَسُولٌ مِنْ اللهِ إلَيْكُمْ؛ قَالُوا: مَا نعلمه، وما نشهد عليه. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ، وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اجتماعهم على طرح الصخرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

[اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى طَرْحِ الصّخْرَةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ الْعَامِرِيّيْنِ اللّذَيْنِ قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ. فَلَمّا خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ قَالُوا: لَنْ تَجِدُوا مُحَمّدًا أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ، فَمَنْ رَجُلٌ يَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ، فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحَنَا مِنْهُ؟ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ جَحّاشِ بْنِ كَعْبٍ: أَنَا، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ، وَفِيمَا أَرَادَ هُوَ وقومه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. [ادّعَاؤُهُمْ أَنّهُمْ أَحِبّاءُ الله] وَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُعْمَانُ بْنُ أَضَاءَ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيّ، فَكَلّمُوهُ وَكَلّمَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَدَعَاهُمْ إلَى اللهِ، وَحَذّرَهُمْ نِقْمَتَهُ؛ فَقَالُوا: مَا تُخَوّفُنَا يَا مُحَمّدُ، نَحْنُ وَاَللهِ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ، كَقَوْلِ النّصَارَى. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ، وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إنكارهم نزول كتاب بعد موسى عليه السلام

[إنْكَارُهُمْ نُزُولَ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَهُودَ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَغّبَهُمْ فِيهِ، وَحَذّرَهُمْ غَيْرَ اللهِ وَعُقُوبَتَهُ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، وَكَفَرُوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ وهب: يا معشر يهود، اتّقوا الله، فو الله إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ رَسُولُ اللهِ، وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ، وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا: مَا قُلْنَا لَكُمْ هَذَا قَطّ، وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى، وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا بَعْدَهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. ثُمّ قَصّ عَلَيْهِمْ خَبَرَ مُوسَى وَمَا لَقِيَ مِنْهُمْ، وَانْتِقَاضَهُمْ عَلَيْهِ، وَمَا رَدّوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللهِ حَتّى تَاهُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً عُقُوبَةً. [رُجُوعُهُمْ إلَى النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُكْمِ الرّجْمِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ أَنّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، يُحَدّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ، أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدّثَهُمْ: أَنّ أَحْبَارَ يهود اجتمعوا فى بيت المدارس حَيْنَ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ زَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةٍ مِنْ يَهُودَ قَدْ أَحْصَنَتْ، فَقَالُوا: ابْعَثُوا بِهَذَا الرّجُلِ وَهَذِهِ الْمَرْأَةِ إلَى مُحَمّدٍ، فَسَلُوهُ كَيْفَ الْحُكْمُ فِيهِمَا، وَوَلّوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْحُكْمَ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ عَمِلَ فِيهِمَا بِعَمَلِكُمْ مِنْ التّجْبِيَةِ- وَالتّجْبِيَةُ: الْجَلْدُ بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ مَطْلِيّ بِقَارٍ، ثُمّ تُسَوّدُ وُجُوهُهُمَا، ثُمّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ، وَتُجْعَلُ وُجُوهُهُمَا مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِ الْحِمَارَيْنِ- فَاتّبِعُوهُ، فَإِنّمَا هُوَ مَلَكٌ، وَصَدّقُوهُ، وَإِنْ هُوَ حَكَمَ فِيهِمَا بِالرّجْمِ فَإِنّهُ نَبِيّ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ أَنْ يَسْلُبَكُمُوهُ. فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ، هَذَا رَجُلٌ قَدْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةٍ قَدْ أَحْصَنَتْ، فَاحْكُمْ فِيهِمَا، فَقَدْ وَلّيْنَاك الْحُكْمَ فِيهِمَا. فَمَشَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَتَى أَحْبَارَهُمْ فِي بيت المدارس فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَخْرِجُوا إلَيّ عُلَمَاءَكُمْ، فَأُخْرِجَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ صُورِيّا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ: أَنّهُمْ قَدْ أَخَرَجُوا إلَيْهِ يَوْمئِذٍ مَعَ ابْنِ صُورِيّا، أَبَا يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، وَوَهْبَ بْنَ يهوذا، فقالوا هؤلاء علماؤنا. فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حَصّلَ أَمْرَهُمْ، إلَى أَنْ قَالُوا لِعَبْدِ اللهِ بن صوريا: هذا من أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِنْ قَوْلِهِ: «وَحَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ- إلَى أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ» مِنْ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الّذِي قَبْلَهُ. فَخَلَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَكَانَ غُلَامًا شَابّا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا فَأَلَظّ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم المسألة، يقول له: يابن صُورِيّا، أَنْشُدُك اللهَ وَأُذَكّرُك بِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُ أَنّ اللهَ حَكَمَ فِيمَنْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِالرّجْمِ فِي التّوْرَاةِ؟ قَالَ اللهُمّ نَعَمْ، أَمَا وَاَللهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إنّهُمْ لَيَعْرِفُونَ أَنّك لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَلَكِنّهُمْ يَحْسُدُونَك. قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ فِي بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ. ثُمّ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ صُورِيّا، وَجَحَدَ نُبُوّةَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا: آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ، وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ أَيْ: الّذِينَ بَعَثُوا مِنْهُمْ مَنْ بَعَثُوا وَتَخَلّفُوا، وَأَمَرُوهُمْ بِمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ تَحْرِيفِ الْحُكْمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ. ثُمّ قَالَ: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ، يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ، وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ، أَيْ الرّجْمَ فَاحْذَرُوا إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ طلحة بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِرَجْمِهِمَا، فَرُجِمَا بِبَابِ مَسْجِدِهِ، فَلَمّا وَجَدَ الْيَهُودِيّ مَسّ الْحِجَارَةِ قَامَ إلَى صَاحِبَتِهِ، فَجَنَأَ عَلَيْهَا، يَقِيهَا مسّ الحجارة، حتى قتلا جميعا. قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ مِمّا صَنَعَ اللهُ لِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تَحْقِيقِ الزّنَا مِنْهُمَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كيسان، عن نافع مولى عبد الله ابن عمر عن عبد الله بن عمر، لَمّا حَكّمُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمَا، دَعَاهُمْ بِالتّوْرَاةِ، وَجَلَسَ حَبْرٌ مِنْهُمْ يَتْلُوهَا، وَقَدْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرّجْمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ظلمهم فى الدية

قَالَ: فَضَرَبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ يَدَ الْحَبْرِ، ثُمّ قَالَ: هَذِهِ يَا نَبِيّ اللهِ آيَةُ الرّجْمِ، يَأْبَى أَنْ يَتْلُوَهَا عَلَيْك، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْحَكُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ! مَا دَعَاكُمْ إلَى تَرْكِ حُكْمِ اللهِ وَهُوَ بِأَيْدِيكُمْ؟ قَالَ: فَقَالُوا: أَمَا وَاَللهِ إنّهُ قَدْ كَانَ فِينَا يُعْمَلُ بِهِ، حَتّى زَنَى رَجُلٌ مِنّا بَعْدَ إحْصَانِهِ، مِنْ بُيُوتِ الْمُلُوكِ وَأَهْلِ الشّرَفِ، فَمَنَعَهُ الْمُلْكُ مِنْ الرّجْمِ، ثُمّ زَنَى رَجُلٌ بَعْدَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَرْجُمَهُ، فَقَالُوا: لَا وَاَللهِ، حَتّى تَرْجُمَ فُلَانًا، فَلَمّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ اجْتَمَعُوا فَأَصْلَحُوا أَمْرَهُمْ عَلَى التّجْبِيَةِ، وَأَمَاتُوا ذِكْرَ الرّجْمِ وَالْعَمَلَ بِهِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأنا أوّل من أحيى أَمْرَ اللهِ وَكِتَابَهُ وَعَمِلَ بِهِ، ثُمّ أَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ. قَالَ عَبْدُ الله بن عمر: فكنت فيمن رجمهما. [ظلمهم فى الدية] قال ابن إسحاق: وحدثني دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ الْآيَاتِ مِنْ الْمَائِدَةِ الّتِي قَالَ اللهُ فِيهَا: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ، وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً* وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إنّمَا أُنْزِلَتْ فِي الدّيَةِ بَيْن بَنِي النّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَذَلِكَ أَنّ قَتْلَى بَنِي النّضِيرِ، وَكَانَ لَهُمْ شَرَفٌ، يُؤَدّونَ الدّيَةَ كَامِلَةً، وَأَنّ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا يُؤَدّونَ نِصْفَ الدّيَةِ، فَتَحَاكَمُوا فِي ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللهُ ذَلِكَ فِيهِمْ، فَحَمَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْحَقّ فِي ذَلِكَ، فَجَعَلَ الدّيَةَ سَوَاءً. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصدهم الفتنة برسول الله صلى الله عليه وسلم

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كان. [قصدهم الفتنة بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ] قَالَ ابن إسحاق: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَابْنُ صَلُوبَا، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ صُورِيّا، وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إلَى مُحَمّدٍ، لَعَلّنَا نَفْتِنَهُ عَنْ دِينِهِ، فَإِنّمَا هُوَ بَشَرٌ، فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمّدُ، إنّك قَدْ عَرَفْت أَنّا أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَتُهُمْ، وَأَنّا إنْ اتّبَعْنَاك اتّبَعَتْك يَهُودُ، وَلَمْ يُخَالِفُونَا، وَأَنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَعْضِ قَوْمِنَا خُصُومَةٌ، أَفَنُحَاكِمُهُمْ إلَيْك فَتَقْضِيَ لَنَا عَلَيْهِمْ، وَنُؤْمِنُ بِك وَنُصَدّقُك، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ. فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ، وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ. أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. [جحودهم نبوة عيسى عليه السلام] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَرٌ مِنْهُمْ: أَبُو يَاسِرِ ابن أَخْطَبَ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ، وَعَازِرُ بْنُ أبى عازر، وخالد، وزيد، وإزار ابن أبى إزار، وأشبع، فَسَأَلُوهُ عَمّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ الرّسُلِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا، وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ادعاؤهم أنهم على الحق

وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. فَلَمّا ذكر عيسى بن مَرْيَمَ جَحَدُوا نُبُوّتَهُ، وَقَالُوا: لَا نُؤْمِنُ بِعِيسَى بن مَرْيَمَ وَلَا بِمَنْ آمَنَ بِهِ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ؛ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ. [ادعاؤهم أنهم على الحق] وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن حارثة، وسلّام بن مشكم، ومالك بن الصّيف، وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ، أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنّك عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ، وَتُؤْمِنُ بِمَا عِنْدَنَا مِنْ التّوْرَاةِ، وَتَشْهَدُ أَنّهَا مِنْ اللهِ حَقّ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنّكُمْ أَحْدَثْتُمْ وَجَحَدْتُمْ مَا فِيهَا مِمّا أَخَذَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْمِيثَاقِ فِيهَا، وَكَتَمْتُمْ مِنْهَا مَا أُمِرْتُمْ أَنْ تُبَيّنُوهُ لِلنّاسِ، فَبَرِئْتُ مِنْ إحْدَاثِكُمْ؛ قَالُوا فَإِنّا نَأْخُذُ بِمَا فِي أَيْدِينَا، فَإِنّا عَلَى الْهُدَى وَالْحَقّ، وَلَا نُؤْمِنُ بِك، وَلَا نَتّبِعُك، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً، فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ. [إشراكهم بالله] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّحّامُ بْنُ زَيْدٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نهيه تعالى للمؤمنين عن موادتهم

وَقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمّدُ، أَمَا تَعْلَمُ مَعَ اللهِ إلَهًا غَيْرَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُ لَا إلَهَ إلّا هُوَ، بِذَلِكَ بُعِثْت، وَإِلَى ذَلِكَ أَدْعُو. فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ وَفِي قَوْلِهِمْ: قُلْ: أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً، قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ، أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى، قُلْ لَا أَشْهَدُ، قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ، وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ، الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. [نهيه تعالى للمؤمنين عن موادتهم] وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ، وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ قَدْ أَظْهَرَا الْإِسْلَامَ وَنَافَقَا فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُوَادّونَهُمَا. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمَا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ... إلَى قَوْلِهِ: وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا، وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ. [سُؤَالُهُمْ عَنْ قِيَامِ السّاعَةِ] وَقَالَ جَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٌ، لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مُحَمّدُ، أَخْبِرْنَا، مَتَى تَقُومُ السّاعَةُ إنْ كُنْتَ نَبِيّا كَمَا تقول؟ فأنزل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير بن هشام لبعض الغريب

الله تعالى فيهما يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها، قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي، لَا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ، ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً، يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها، قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. [تفسير بن هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَيّانَ مُرْسَاهَا: مَتَى مُرْسَاهَا. قَالَ قَيْسُ بْنُ الْحُدَادِيّةِ الْخُزَاعِيّ: فَجِئْتُ وَمُخْفَى السّرّ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ... لِأَسْأَلَهَا أَيّانَ مَنْ سَارَ رَاجِعُ؟ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَمُرْسَاهَا: مُنْتَهَاهَا، وَجَمْعُهُ: مَرَاسٍ. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ الْأَسْدِيّ: وَالْمُصِيبِينَ بَابَ مَا أَخْطَأَ النّا ... سُ وَمُرْسَى قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا البيت فى قصيدة له ومرسى السفينة: حتى تَنْتَهِي. وَحَفِيّ عَنْهَا- عَلَى التّقْدِيمِ وَالتّأْخِيرِ- يَقُولُ: يَسْأَلُونَك عَنْهَا كَأَنّك حَفِيّ بِهِمْ، فَتُخْبِرَهُمْ بِمَا لَا تُخْبِرُ بِهِ غَيْرَهُمْ. وَالْحَفِيّ: الْبَرّ الْمُتَعَهّدُ. وَفِي كِتَابِ اللهِ: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا. وَجَمْعُهُ: أَحْفِيَاءُ. وَقَالَ أُعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثعلبة: فإن تسألى عنى فياربّ سَائِلٍ ... حَفِيّ عَنْ الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْحَفِيّ أَيْضًا: الْمُسْتَحْفِي عَنْ عِلْمِ الشّيْءِ، الْمُبَالِغِ فِي طَلَبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ادعاؤهم أن عزيرا ابن الله

[ادعاؤهم أن عزيرا ابن الله] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى أَبُو أَنَسٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ دِحْيَةَ، وشأس بن قيس، ومالك، ابن الصّيْفِ، فَقَالُوا لَهُ: كَيْفَ نَتّبِعُك وَقَدْ تَرَكْت قِبْلَتَنَا، وَأَنْتَ لَا تَزْعُمُ أَنّ عُزَيْرًا ابْنُ اللهِ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ، قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هشام لبعض الغريب] قال ابن هشام: يضاهون: أَيْ يُشَاكِلُ قَوْلُهُمْ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا، نَحْوَ أَنْ تُحَدّثَ بِحَدِيثٍ، فَيُحَدّثَ آخَرُ بِمِثْلِهِ، فَهُوَ يضاهيك. [طلبهم كتابا من السماء] قال ابن إسحاق: وأنى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَحْمُودُ بْنُ سَيْحَانَ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَضَاءَ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو، وَعُزَيْرُ بْنُ أَبِي عُزَيْرٍ، وَسَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ، فَقَالُوا: أَحَقّ يَا مُحَمّدُ أَنّ هَذَا الّذِي جِئْتَ بِهِ لَحَقّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَإِنّا لَا نَرَاهُ مُتّسِقًا كَمَا تَتّسِقُ التّوْرَاةُ؟ فقال: لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاَللهِ إنّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أَنّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ. تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بمثله ما جاؤا به؛ فقالوا عند ذلك، وهم جميع: فنحاص، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ صُورِيّا، وَابْنُ صَلُوبَا، وَكِنَانَةُ بن الربيع ابن أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَشْيَعُ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَشَمْويِلُ بن زيد، وجبل بن عمرو ابن سُكَيْنَةَ: يَا مُحَمّدُ، أَمَا يُعَلّمُك هَذَا إنْسٌ وَلَا جِنّ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاَللهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَإِنّي لَرَسُولُ اللهِ، تَجِدُونَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ؛ فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ، فَإِنّ اللهَ يَصْنَعُ لِرَسُولِهِ إذا بعثه ما يشاء ويقدر منه على ما أَرَادَ، فَأَنْزِلْ عَلَيْنَا كِتَابًا مِنْ السّمَاءِ نَقْرَؤُهُ وَنَعْرِفُهُ، وَإِلّا جِئْنَاك بِمِثْلِ مَا تَأْتِي بِهِ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَفِيمَا قَالُوا: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً. [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: الظّهِيرُ: الْعَوْنُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ: تَظَاهَرُوا عَلَيْهِ، أَيْ تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ. قَالَ الشّاعِرُ: يَا سمىّ النبىّ أصبحت للدّي ... ن قَوّامًا وَلِلْإِمَامِ ظَهِيرَا أَيْ عَوْنًا؛ وَجَمْعُهُ: ظُهَرَاءُ. [سُؤَالُهُمْ لَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، وَأَبُو رَافِعٍ وَأَشْيَعُ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ، لِعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ حَيْن أَسْلَمَ: مَا تَكُونُ النّبُوّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تهجمهم على ذات الله وغضب الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك

فى العرب ولكنّ صاحبك ملك. ثم جاؤا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَصّ عَلَيْهِمْ مَا جَاءَهُ مِنْ اللهِ تَعَالَى فِيهِ، مِمّا كَانَ قَصّ عَلَى قُرَيْشٍ، وَهُمْ كَانُوا مِمّنْ أَمَرَ قُرَيْشًا أَنْ يَسْأَلُوا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، حَيْنَ بَعَثُوا إلَيْهِمْ النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ. [تهجمهم على ذات الله وغضب الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثْت عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنّهُ قَالَ: أَتَى رَهْطٌ مِنْ يَهُودَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ، هَذَا اللهُ خَلَقَ، الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى اُنْتُقِعَ لَوْنُهُ، ثُمّ سَاوَرَهُمْ غَضَبًا لِرَبّهِ. قَالَ: فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَسَكّنَهُ، فَقَالَ: خَفّضْ عَلَيْك يَا مُحَمّدُ، وَجَاءَهُ مِنْ اللهِ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ عنه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ. قَالَ: فَلَمّا تَلَاهَا عَلَيْهِمْ، قَالُوا: فَصِفْ لَنَا يَا مُحَمّدُ كَيْفَ خَلْقُهُ؟ كَيْفَ ذِرَاعُهُ؟ كَيْفَ عَضُدُهُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشَدّ مِنْ غَضَبِهِ الْأَوّلِ، وَسَاوَرَهُمْ. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ أَوّلَ مَرّةٍ، وَجَاءَهُ مِنْ اللهِ تَعَالَى بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَالسَّماواتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، مَوْلَى بنى تيم، عن أبى سلمة ابن عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول «يُوشِكُ النّاسُ أَنْ يَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ حَتّى يَقُولَ قَائِلُهُمْ: هَذَا اللهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ثُمّ لِيَتْفُلْ الرّجُلُ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلِيَسْتَعِذْ بِاَللهِ مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ» . [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الغريب] قال ابن هِشَامٍ: الصّمَدُ: الّذِي يُصْمَدُ إلَيْهِ، وَيُفْزَعُ إلَيْهِ، قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ مَعْبَدِ بْنِ نَضْلَةَ تَبْكِي عَمْرَو بْنَ مَسْعُودٍ، وَخَالِدَ بْنَ نَضْلَةَ، عَمّيْهَا الْأَسَدِيّيْنِ، وَهُمَا اللّذَانِ قَتَلَ النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ اللّخْمِيّ، وَبَنَى الْغَرِيّيْنِ اللّذَيْنِ بِالْكُوفَةِ عَلَيْهِمَا: أَلَا بَكَرَ النّاعِي بِخَيْرَيْ بَنِي أَسَدْ ... بِعَمْرِو بْنِ مسعود وبالسيّد الصّمد ـــــــــــــــــــــــــــــ بَدْءُ الْأَذَانِ ذِكْرُ حَدِيثِ «1» عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ، هَكَذَا ذكره،

_ (1) قال الترمذى: لا نعرف له عن النبى- ص- شيئا يصح إلا هذا الحديث، وكذا قال ابن عدى، وخطأ الحافظ فى الإصابة من قال ذلك وذكر أنه جمع له ستة أو سبعة أحاديث فى جزء مفرد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَكْثَرُ النّسّابِ يَقُولُونَ: زَيْدُ بْنُ عَبْدِ رَبّهِ، وَثَعْلَبَةُ أَخُو زَيْدٍ ذَكَرَ حَدِيثَهُ عِنْدَمَا شَاوَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فِي الْأَذَانِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَاقُوسٌ كَنَاقُوسِ النّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بُوقٌ كَبُوقِ الْيَهُودِ، وَفِي غَيْرِ السّيرَةِ أَنّهُمْ ذَكَرُوا الشّبّورَ، وَهُوَ الْبُوقُ. قَالَ الْأَصْمَعِيّ لِلْمُفَضّلِ، وَقَدْ نَازَعَهُ فِي مَعْنَى بَيْتٍ مِنْ الشّعْرِ، فَرَفَعَ الْمُفَضّلُ صَوْتَهُ، فَقَالَ الْأَصْمَعِيّ لَوْ نَفَخْت فِي الشّبّورِ مَا نَفَعَك، تَكَلّمْ كَلَامَ النّمْلِ وَأَصِبْ!!. وَذَكَرُوا أَيْضًا الْقُنْعَ وَهُوَ الْقَرْنُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ تَصْحِيفٌ إنّمَا هُوَ الْقُبْعُ وَالْقُنْعُ أَوْلَى بِالصّوَابِ «1» ، لِأَنّهُ مِنْ أَقْنَعَ صَوْتَهُ إذَا رَفَعَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُوقِدُ نَارًا، وَنَرْفَعُهَا، فَإِذَا رَآهَا النّاسُ أَقْبَلُوا إلَى الصّلَاةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نَبْعَثُ رَجُلًا يُنَادِي بالصلاة، فبينماهم فِي ذَلِكَ أُرِيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ

_ (1) يذكر ابن الأثير أنها رويت بالباء والتاء والثاء والنون، وأشهرها وأكثرها: النون. قال الخطابى: سألت عنه غير واحد من أهل اللغة، فلم يثبتوا لى على شىء واحد- ثم ذكر مثل ما قاله السهيلى فى اشتقاقه- ويقول الزمخشرى: أو لأن أطرافه أقنعت إلى داخله، أى عطفت، وقال الخطابى عن القبع إنه سمى بهذا لأنه يقبع فم صاحبه، أى يستره، أو من قبعت الجوالق والجراب إذا ثنيت أطرافه إلى داخل. وقيل: القشع من قثع فى الأرض: إذا ذهب، وقيل: القثع، وهو دود يكون فى الخشب. قال الخطابى: ومدار هذا الحرف على هشيم، وكان كثير اللحن والتحريف على جلالة محله فى الحديث هذا ويقول الدكتور بوست عن البوق عند اليهود «آلة موسيقية على هيئة القرن كانوا يصوتون بها فى الأعياد، وعند إعطاء علامة الحرب، وما أشبه، وكانت أبواق الكهنة من الفضة» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرّؤيا الّتِي ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ، فَلَمّا أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَرَهُ أَنْ يُلْقِيَهَا عَلَى بِلَالٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا رَأَيْتهَا، وَأَنَا كُنْت أُحِبّهَا لِنَفْسِي، فَقَالَ: لِيُؤَذّن بِلَالٌ، وَلِتُقِمْ أَنْتَ، فَفِي هَذَا مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ أَنْ يُؤَذّنَ الرّجُلُ، وَيُقِيمَ غَيْرُهُ وَهُوَ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الصّدَئِيّ حِينَ قَالَ لَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَذّنَ فَهُوَ أَحَقّ أَنْ يُقِيمَ «1» ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ إلّا أَنّهُ يَدُورُ عَلَى عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ الْأَفْرِيقِيّ وَهُوَ ضَعِيفٌ «2» ، وَالْأَوّلُ أَصَحّ مِنْهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَتَزْعُمُ الْأَنْصَارُ أَنّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ حِينَ رَأَى النّدَاءَ كَانَ مَرِيضًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى الله عليه وسلم-

_ (1) عن زياد بن الحارث الصدائى قال قال رسول الله «ص» يا أخا صداء أذن، قال: فأذنت، وذلك حين أضاء الفجر، قال: فلما توضأ رسول الله «ص» قام إلى الصلاة، فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله «ص» يقيم أخو صداء فإن من أذن فهو يقيم. رواه الخمسة إلا النسائى واللفظ لأحمد. (2) وثقه يحيى بن سعيد القطان، قال أحمد: حديثه منكر. قال يعقوب ابن شيبة: رجل صالح من الآمرين بالمعروف، وقال ابن عدى: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، قال البخارى: هو مقارب الحديث مات سنة 156 هـ خلاصة تذهيب الكمال. وقال الترمذى عن هذا الحديث: إنما نعرفه من حديث الإفريقى، وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره. وقال أحمد: لا أكتب حديث الإفريقى. قال: ورأيت محمد بن إسماعيل يقوى أمره، ويقول: هو مقارب الحديث، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم وكان سفيان الثورى يعظمه نيل الأوطار ح 2 ص 56 ط عثمان خليفة. وهناك تناقض بين نقل الخزرجى فى التذهيب، وبين ما فى نيل الأوطار فى حكم يحيى بن سعيد. وحديث «فأقام هو، وأذن بلال» فى إسناده محمد ابن عمر الرافعى، وهو ضعيف ضعفه القطان وابن نمير ويحيى بن معين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِالْأَذَانِ، وَقَدْ تَكَلّمَتْ الْعُلَمَاءُ فِي الْحِكْمَةِ الّتِي خَصّتْ الْأَذَانَ بِأَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي نَوْمِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَنْ وَحْيٍ مِنْ اللهِ لِنَبِيّهِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَالْأَحْكَامِ الشّرْعِيّةِ، وَفِي قول النبي- صلى الله عليه وسلم- له: إنّهَا لَرُؤْيَا حَقّ، ثُمّ بَنَى حُكْمَ الْأَذَانِ عَلَيْهَا، وَهَلْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ وَحْيٍ مِنْ اللهِ لَهُ، أَمْ لَا؟ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ قَوْلَهُ ذَلِكَ كَانَ عَنْ وَحْيٍ، وَتَكَلّمُوا: لِمَ لَمْ يُؤَذّنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَهَلْ أَذّنَ قَطّ مَرّةً مِنْ عُمْرِهِ دَهْرَهُ أَمْ لَا؟. فَأَمّا الحكمة فى تخصيص الأذان برؤيا رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ عَنْ وَحْيٍ فَلِأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُرِيَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَأُسْمِعَهُ مُشَاهَدَةً فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ «1» ، وَهَذَا أَقْوَى مِنْ الْوَحْيِ، فَلَمّا تَأَخّرَ فَرْضُ الْأَذَانِ إلَى الْمَدِينَةِ، وَأَرَادُوا إعْلَامَ النّاسِ بِوَقْتِ الصّلَاةِ تَلَبّثَ الْوَحْيُ حَتّى رَأَى عَبْدُ اللهِ الرّؤْيَا، فَوَافَقَتْ مَا رَأَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَلِذَلِكَ قَالَ: إنّهَا لَرُؤْيَا حَقّ إنْ شَاءَ اللهُ، وَعَلِمَ حِينَئِذٍ أَنّ مُرَادَ الْحَقّ بِمَا رَآهُ فِي السّمَاءِ، أَنْ يَكُونَ سُنّةً فِي الْأَرْضِ «2» ، وَقَوّى ذلك عنده موافقة رؤيا عمر للأنصارى

_ (1) رواه البزار فى مسنده، وفى إسناده: زياد بن المنذر الهمدانى أو النهدى أبو الجارود الأعمى الكوفى رأس الجارودية مبتدع ضال. كذبه ابن معين. وقال عنه كذاب عدو الله واتهمه ابن حبان بالوضع. وقال الذهبى وابن كثير: هذا الحديث من وضعه، فكيف يستند السهيلى إلى حديث مثل هذا؟ وفى هذا الحديث يزعم أن النبى صعد إلى ما فوق السماء بالبراق. (2) كل هذا يبنيه على بيت عنكبوت. يتمثل فى صورة حديث لعن الله مفتريه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَعَ أَنّ السّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ واقتضت الحكمة لإلهية أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ عَلَى لِسَانِ غَيْرِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، لِمَا فِيهِ مِنْ التّنْوِيهِ مِنْ اللهِ لِعَبْدِهِ، وَالرّفْعِ لِذِكْرِهِ، فَلِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ لِسَانِهِ أَنْوَهُ بِهِ وَأَفْخَمُ لِشَأْنِهِ، وَهَذَا مَعْنًى بَيّنٌ فَإِنّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ فَمِنْ رَفْعِ ذِكْرِهِ أَنْ أَشَادَ بِهِ عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: وَمَنْ رَوَى أَنّهُ أُرِيَ النّدَاءَ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، قُلْنَا: هُوَ فِي مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزّارُ. حَدّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْإِشْبِيلِيّ سَمَاعًا وَإِجَازَةً عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ عَنْ أَبِي عُمَرَ النّمِرِيّ بِإِسْنَادِهِ إلَى الْبَزّارِ، قَالَ الْبَزّارُ: نا مُحَمّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَخْلَدٍ، نا أَبِي عَنْ زِيَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ، عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: لَمّا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَلّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَابّةِ يُقَالُ لَهَا الْبُرَاقُ، فَذَهَبَ يَرْكَبُهَا، فاستصعبت، فقال لها جبريل: اسكنى فو الله مَا رَكِبَك عَبْدٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ مِنْ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَرَكِبَهَا حَتّى انْتَهَى إلَى الْحِجَابِ الّذِي يَلِي الرّحْمَنَ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ، إذْ خَرَجَ مَلَكٌ مِنْ الْحِجَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ إنّي لَأَقْرَبُ الْخَلْقِ مَكَانًا، وَإِنّ هَذَا الْمَلَكَ مَا رَأَيْته مُنْذُ خُلِقْت قَبْلَ سَاعَتِي هَذِهِ، فَقَالَ؟ الْمَلَكُ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ قَالَ فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ صَدَقَ عَبْدِي أَنَا أَكْبَرُ أَنَا أَكْبَرُ، ثُمّ قَالَ الْمَلَكُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ صَدَقَ عَبْدِي أَنَا اللهُ لَا إلَهَ إلّا أَنَا، قَالَ: فَقَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَلَكُ: أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ. قَالَ: فَقِيلَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ صَدَقَ عَبْدِي أَنَا أَرْسَلْت مُحَمّدًا، قَالَ الْمَلَكُ حَيّ عَلَى الصّلَاةِ، حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ، ثُمّ قَالَ الْمَلَكُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، قَالَ: فَقِيلَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عَبْدِي أَنَا أَكْبَرُ أَنَا أَكْبَرُ، ثُمّ قَالَ: لَا إلَهَ إلّا اللهُ، قَالَ: فَقِيلَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عَبْدِي أَنَا لَا إلَهَ إلّا أَنَا، قَالَ: ثُمّ أَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدّمَهُ فَأَمّ أَهْلَ السّمَاءِ، فِيهِمْ آدَمُ وَنُوحٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ: يَوْمَئِذٍ أَكْمَلَ اللهُ لِمُحَمّدِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشّرَفَ عَلَى أَهْلِ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَأَخْلَقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا لِمَا يُعَضّدُهُ وَيُشَاكِلُهُ مِنْ أَحَادِيثِ الْإِسْرَاءِ فَبِمَجْمُوعِهَا يَحْصُلُ أَنّ مَعَانِيَ الصّلَاةِ كُلّهَا وَأَكْثَرَهَا، قَدْ جَمَعَهَا ذَلِكَ الْحَدِيثُ، أَعْنِي الْإِسْرَاءَ، لِأَنّ اللهَ- سُبْحَانَهُ- رَفَعَ الصّلَاةَ الّتِي هِيَ مُنَاجَاةٌ عَنْ أَنْ تُفْرَضَ فِي الْأَرْضِ، لَكِنْ بِالْحَضْرَةِ الْمُقَدّسَةِ الْمُطَهّرَةِ، وَعِنْدَ الْكَعْبَةِ الْعُلْيَا، وَهِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْ هَذَا الْغَرَضِ، وَنُبَذًا مِنْ هَذَا الْمَقْصِدِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَيَنْضَافُ إلَيْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْأَذَانِ الّذِي تَضَمّنَهُ حَدِيثُ الْبَزّارِ مَعَ مَا رُوِيَ أَيْضًا أَنّهُ مَرّ وَهُوَ عَلَى الْبُرَاقِ بِمَلَائِكَةِ قِيَامٍ، وَمَلَائِكَةٍ رُكُوعٍ، وَمَلَائِكَةٍ سُجُودٍ وَمَلَائِكَةٍ جُلُوسٍ، وَالْكُلّ يُصَلّونَ لِلّهِ، فَجُمِعَتْ لَهُ هَذِهِ الْأَحْوَالُ فِي صَلَاتِهِ، وَحِينَ مَثَلَ بِالْمَقَامِ الْأَعْلَى، وَدَنَا فَتَدَلّى أُلْهِمَ أَنْ يَقُولَ: التّحِيّاتُ لِلّهِ إلَى قَوْلِهِ: الصّلَوَاتُ لِلّهِ، فَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ: السّلَامُ عَلَيْك أَيّهَا النّبِيّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ السّلَامُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصّالِحِينَ، فَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ، فَجَمَعَ ذَلِكَ لَهُ فِي تَشَهّدِهِ. وَانْظُرْ بِقَلْبِك كَيْفَ شُرِعَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ وَلِأُمّتِهِ أَنْ يَقُولُوا تِسْعَ مَرّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللّيْلَةِ فِي تِسْعِ جَلَسَاتٍ فِي الصّلَوَاتِ الْخَمْسِ بَعْدَ ذِكْرِ التّحِيّاتِ: السّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصّالِحِينَ، فَيُحَيّونَ وَيُحَيّونَ تَحِيّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيّبَةً، وَمِنْ قَوْلِهِ: السّلَامُ عَلَيْنَا كَمَا قِيلَ لَهُمْ، فَسَلّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَمِنْ ثَمّ قَالَ: الطّيّبَاتُ الْمُبَارَكَاتُ، كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبّاسٍ فِي التّشَهّدِ اُنْظُرْ إلَى هَذَا كُلّهِ كَيْفَ حَيّا وَحُيّيَ تِسْعَ مَرّاتٍ، حَيّتْهُ مَلَائِكَةُ كُلّ سَمَاءٍ، وَحَيّاهُمْ، ثُمّ مَلَائِكَةُ الْكُرْسِيّ، ثُمّ مَلَائِكَةُ الْعَرْشِ، فَهَذِهِ تِسْعٌ، فَجُعِلَ التّشَهّدُ فِي الصّلَوَاتِ عَلَى عَدَدِ تِلْكَ الْمَرّاتِ الّتِي سَلّمَ فِيهَا وَسُلّمَ عَلَيْهِ، وَكُلّهَا تَحِيّاتٌ لِلّهِ، أَيْ: مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةٌ طَيّبَةٌ، هَذَا إلَى نُكَتٍ ذَكَرْنَاهَا فِي شَرْحِ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِذَا جَمَعْت بَعْضَ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَى بَعْضٍ عَرَفْت جُمْلَةً مِنْ أَسْرَارِ الصّلَاةِ وَفَوَائِدِهَا الْجَلِيّةِ دُونَ الْخَفِيّةِ، وَأَمّا بَقِيّةُ أَسْرَارِهَا وَمَا تَضَمّنَتْهُ أَحَادِيثُ الْإِسْرَاءِ مِنْ أَنْوَارِهَا، وَمَا فِي الْأَذَانِ مِنْ لَطَائِفُ الْمَعَانِي وَالْحِكَمِ، فِي افْتِتَاحِهِ بِالتّكْبِيرِ وَخَتْمِهِ بِالتّكْبِيرِ مَعَ التّكْرَارِ، وَقَوْلِ: لَا إلَهَ إلّا اللهُ فِي آخِرِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ فِي أَوّلِهِ، وَمَا تَحْتَ هَذَا كُلّهِ مِنْ الْحِكَمِ الْإِلَهِيّةِ الّتِي تَمْلَأُ الصّدُورَ هَيْبَةً وَتُنَوّرُ الْقُلُوبَ بِنُورِ الْمَحَبّةِ، وَكَذَلِكَ مَا تَضَمّنَتْهُ الصّلَاةُ فِي شَفْعِهَا وَوِتْرِهَا وَالتّكْبِيرِ فِي أَرْكَانِهَا، وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي افْتِتَاحِهَا، وَتَخْصِيصِ الْبُقْعَةِ الْمُكَرّمَةِ بِالتّوَجّهِ إلَيْهَا، مَعَ فَوَائِدِ الْوُضُوءِ مِنْ الْأَحْدَاثِ لَهَا، فَإِنّ فِي ذَلِكَ كُلّهِ مِنْ فَوَائِدِ الْحِكْمَةِ، وَلَطَائِفِ الْمَعْرِفَةِ مَا يَزِيدُ فِي ثَلْجِ الصّدُورِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيُكَحّلُ عَيْنَ الْبَصِيرَةِ بِالضّيَاءِ وَالنّورِ، وَنَعُوذُ بِاَللهِ أَنْ نَنْزِعَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزَعِ فَلْسَفِيّ أَوْ مَقَالَةِ بِدْعِيّ، أَوْ رَأْيٍ مُجَرّدٍ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيّ، وَلَكِنْ بِتَلْوِيحَاتِ مِنْ الشّرِيعَةِ، وَإِشَارَاتٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسّنّةِ يُعَضّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيُنَادِي بَعْضُهَا بِتَصْدِيقِ بَعْضٍ: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّسَاءُ 82. لَكِنْ أَضْرَبْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ عَنْ بَثّ هَذِهِ الْأَسْرَارِ، فَإِنّ ذَلِكَ يَخْرُجُ عَنْ الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ، وَيَشْغَلُ عَمّا صَمَدْنَا إلَيْهِ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ، وَوَعَدْنَا بِهِ النّاظِرَ فِيهِ مِنْ شَرْحِ لُغَاتٍ وَأَنْسَابٍ وَآدَابٍ، وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ. وَقَدْ عَرَفْت رُؤْيَا عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ وَكَيْفِيّتَهَا بِرِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ تُعْرَفْ كَيْفِيّةُ رُؤْيَا عُمَرَ حِينَ أُرِيَ النّدَاءَ، وَقَدْ قَالَ: قَدْ رَأَيْت مِثْلَ الّذِي رَأَى، لَكِنْ فِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بَيَانٌ لَهَا. رَوَى الْحَارِثُ [بْنُ أَبِي أُسَامَةَ] فِي مُسْنَدِهِ «1» أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَوّلُ مَنْ أَذّنَ بِالصّلَاةِ جِبْرِيلُ أَذّنَ بِهَا فِي سَمَاءِ الدّنْيَا فَسَمِعَهُ عُمَرُ وَبِلَالٌ فَسَبَقَ عُمَرُ بِلَالًا إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لِبِلَالِ: سَبَقَك بِهَا عُمَر، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ عُمَرَ سَمِعَ ذَلِكَ فِي الْيَقَظَةِ، وَكَذَلِكَ رُؤْيَا عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الْأَذَانِ رَآهَا، وَهُوَ بَيْنَ النّائِمِ وَالْيَقْظَانِ: قَالَ: وَلَوْ شِئْت لقلت: كنت يقظانا «2» .

_ (1) رواه بسند واه عن كثير الحضرمى. (2) فى رواية معاذ بن جبل عند الإمام أحمد: ولو قلت: إنى لم أكن نائما لصدقت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَصْلٌ: وَأَمّا قَوْلُ السّائِلِ: هَلْ أَذّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ قَطّ، فَقَدْ رَوَى التّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيقٍ يَدُورُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الرّمّاحِ «1» يَرْفَعُهُ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ «2» أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أَذّنَ فِي سَفَرٍ، وَصَلّى بِأَصْحَابِهِ، وَهُمْ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ، السّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلّةُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ، فَنَزَعَ بَعْضُ النّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ إلَى أَنّهُ أَذّنَ بِنَفْسِهِ، وَأَسْنَدَهُ الدّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِ التّرْمِذِيّ إلّا أنه لم يذكر عمر بن الرماخ، وَوَافَقَهُ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ إسْنَادٍ وَمَتْنٍ، لَكِنّهُ قال فيه:

_ - وهذا للنفس أن تلح فى معرفة كيف كان ينادى للصلاة قبل الهجرة؟ يجزم ابن المنذر بأنه عليه الصلاة والسلام كان يصلى بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة إلى أن وقع التشاور فى ذلك. ولكن توجد بعض الأحاديث عند الطبرانى والدارقطنى وغيرهما تدل على أنه شرع فى مكة. غير أن رجال السند يضعفون هذه الأحاديث. على أن الحرية الرحيبة التى من بها الله على نبيه وأصحابه فى المدينة توحى بأن الحاجة إلى الإعلام بالصلاة راحت تلح على النفوس، وكانت القسوة الباغية من قريش تكبتها فى النفس، ولا تدع لها قبل الهجرة بابا تنطلق منه. (1) هو ابن ميمون بن بحر بن سعد الرماح البلخى أبو على أو سعد هو الرماح، فنسبه إلى جده الأعلى قاضى بلخ المتوفى سنة 171 روى له الترمذى، ووثقه ابن معين وأبو داود (2) الحديث عند الترمذى والدارقطنى من حديث يعلى بن مرة بن وهب الثقفى ممن بايع تحت الشجرة، فسبق السهيلى حفظه، أو سبق مستمليه قلمه، لأنه كان ضريرا «الزرقانى على المواهب ص 380 ح 1 وقال الترمذى عن الحديث: غريب تفرد به عمر بن الرماح، ولا يعرف إلا من حديثه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَامَ الْمُؤَذّنُ، فَأَذّنَ، وَلَمْ يَقُلْ: أَذّنَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُتّصِلُ يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَلِ الْمُحْتَمَلِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. حَدِيثُ صِرْمَةَ بْنِ أَبِي أَنَس وَاسْمُ أَبِي أَنَسٍ: قَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عمرو بن غنم» ابن عَدِيّ بْنِ النّجّارِ الْأَنْصَارِيّ، وَهُوَ الّذِي أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ، وَفِي عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ البقرة: 187 إلى قوله: وَعَفا عَنْكُمْ فَهَذِهِ فِي عُمَرَ، ثُمّ قَالَ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا إلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَهَذِهِ فِي صِرْمَةَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ «2» ، وَذَلِكَ أَنّ إتْيَانَ النّسَاءِ لَيْلًا فى رمضان

_ (1) فى الإصابة: عامر بن غانم. وفيه أيضا: صرمة بن أنس، ويقال: ابن أبى أنس، ويقال: ابن قيس وكنيته: أبو قيس. وفى حرف القاف يقول قيس بن صرمة، وقيل: صرمة بن مالك أبو صرمة. وقيل: قيس بن أنس أبو صرمة. وفرق ابن حبان بين قيس بن مالك وقيس بن صرمة، فقال فى كل منهما له صحبته. وفى جمهرة ابن حزم عن بنى عدى بن النجار «منهم: صِرْمَةَ بْنِ أَبِي أَنَس، وَاسْمُ أَبِي أَنَسٍ: قَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النجار أسلم، وهو شيخ كبير، وكان قد رفض الأوثان فى الجاهلية، وعمه: أنس بن صرمة الشاعر، وهو الذى يقول «ثوى فى قريش بضع عشرة حجة ... الخ» ص 330 ط أولى. (2) ورد مثل هذا فى حديث رواه أحمد وأبو داود والحاكم من طريق عبد الرحمن بن أبى ليلى، ولكن هذا لم يسمع من معاذ، ورواية البخارى على اختصارها عظيمة هنا، فقد روى بسنده عن أبى إسحاق قال: سمعت البراء «رضى» لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَانَ مُحَرّمًا عَلَيْهِمْ فِي أَوّلِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ النّوْمِ، وَكَذَلِكَ الْأَكْلُ وَالشّرْبُ كَانَ مُحَرّمًا عَلَيْهِمْ بَعْدَ النّوْمِ «1» فَأَمّا عُمَرُ، فَأَرَادَ امْرَأَتَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَتْ لَهُ: إنّي قَدْ نِمْت، فَقَالَ: كَذَبْت ثُمّ وَقَعَ عَلَيْهَا، وَأَمّا صِرْمَةُ فَإِنّهُ عَمِلَ فِي حَائِطِهِ وَهُوَ صَائِمٌ، فَجَاءَ اللّيْلُ وَقَدْ جَهَدَهُ الْكَلَالُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ بِطَعَامِ كَانَتْ قَدْ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَوَجَدَتْهُ قَدْ نَامَ، فَقَالَتْ لَهُ: الْخَيْبَةُ لَك حُرّمَ عَلَيْك الطّعَامُ وَالشّرَابُ فَبَاتَ صَائِمًا، وَأَصْبَحَ إلَى حَائِطِهِ يَعْمَلُ فِيهِ، فَمَرّ بِهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو طَلِيحٌ قَدْ جَهَدَهُ الْعَطَشُ مَعَ مَا بِهِ مِنْ الْجُوعِ وَالنّصَبِ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فأخبره بقصته فرقّ له عَلَيْهِ السّلَامُ، وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى الرّخْصَةَ، وَجَاءَ بِالْفَرَجِ. بَدَأَ بِقِصّةِ عُمَرَ لِفَضْلِهِ، فقال: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ثم بصرمة فقال: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا قَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِ الصّوفِيّةِ: هَذِهِ الْعِنَايَةُ مِنْ اللهِ أَخْطَأَ عُمَرُ خَطِيئَةً فَرُحِمَتْ الْأُمّةُ بِسَبَبِهَا «2» .

_ - يخونون أنفسهم، فأنزل الله تعالى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ، فَتابَ عَلَيْكُمْ الآية. (1) وقيل: كان إلى صلاة العشاء، أو ينام. (2) الرواية الصحيحة عند البخارى «وكان رجال يخونون أنفسهم» فهى ليست خطيئة، ولا خطأ عمر وحده، وإن صح الحديث الذى ينسب إلى عمر هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَنْ شَرَحَ شِعْرَهُ: وَذَكَرَ مِنْ شِعْرِ صِرْمَةَ: فَأُوصِيكُمْ بِاَللهِ وَالْبِرّ وَالتّقَى ... وَأَعْرَاضِكُمْ وَالْبِرّ بِاَللهِ أَوّلُ بِرَفْعِ الْبِرّ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَأَوّلُ خَبَرٌ لَهُ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ فِي الظّاهِرِ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الظّرُوفِ الْمَبْنِيّةِ عَلَى الضّمّ أَنْ تَكُونَ خَبَرَ الْمُبْتَدَإِ، لَا تَقُولُ: الصّلَاةُ، قَبْلَ إلّا أَنْ تَقُولَ: قَبْلَ كَذَا، وَلَا الْخُرُوجُ بَعْدَ إلّا أَنْ تَقُولَ: بَعْدَ كَذَا، وَذَلِكَ لِسِرّ دَقِيقٍ قَدْ حَوّمَ عَلَيْهِمَا ابْنُ جِنّي «1» فَلَمْ يُصِبْ الْمُفَصّلَ، وَاَلّذِي مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَنّ هَذِهِ الْغَايَاتِ إنّمَا تَعْمَلُ فِيهَا الْأَفْعَالُ الْمَلْفُوظُ بِهَا لِأَنّهَا غَايَاتٌ لِأَفْعَالِ مُتَقَدّمَةٍ، فَإِذَا لَمْ تَأْتِ بِفِعْلِ يَعْمَلُ فِيهَا، لَمْ تَكُنْ غَايَةً لِشَيْءِ مَذْكُورٍ، وَصَارَ الْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَوِيّا، وَهُوَ: الِاسْتِقْرَارُ، وَهِيَ مُضَافَةٌ فِي الْمَعْنَى إلَى شَيْءٍ، وَالشّيْءُ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْنَوِيّ، لَا لَفْظِيّ، فَلَا يَدُلّ الْعَامِلُ الْمَعْنَوِيّ عَلَى مَعْنَوِيّ آخَرَ، إنّمَا يَدُلّ عَلَيْهِ الظّاهِرُ اللّفْظِيّ، فَتَأَمّلْهُ، فَالضّمّةُ فِي أَوّلُ عَلَى هَذَا حَرَكَةُ إعْرَابٍ، لَا حَرَكَةُ بِنَاءٍ، وَلَوْ قَالَ: ابْدَأْ بِالْبِرّ أَوّلُ لَكَانَتْ حَرَكَةَ بِنَاءٍ، لَكِنّ مَنْ رَوَاهُ: وَالْبِرّ بِاَللهِ أَوّلُ بِخَفْضِ الرّاءِ مِنْ الْبِرّ فَأَوّلُ حِينَئِذٍ ظَرْفٌ مَبْنِيّ عَلَى الضّمّ يَعْمَلُ فِيهِ: أُوصِيكُمْ وَفِيهِ: وَإِنْ أَنْتُمْ أَمْعَرْتُمُ فَتَعَفّفُوا، الإمعار: الفقر «2» .

_ (1) أنظر ص 362 ح 2 الخصائص لابن جنى. (2) فى رواية- كما ذكر الخشنى- أمعزتم: أى أصابتكم شدة، من قولهم رجل ماعز ومعز أى شديد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمِنْ شِعْرِهِ: سَبّحُوا اللهَ شَرْقَ كُلّ صَبَاحٍ ... طَلَعَتْ شَمْسُهُ وَكُلّ هِلَالِ الشّرْقُ: طُلُوعُ الشّمْسِ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهَا أَيْضًا، وَكَذَلِكَ الشّرَقُ بِفَتْحِ الرّاءِ وَكُلّ هِلَالٍ بِالنّصْبِ عَلَى الظّرْفِ، أَيْ: وَقْتَ كُلّ هِلَالٍ، وَلَوْ قُلْت فِي مِثْلِ هَذَا: وَكُلّ قَمَرٍ عَلَى الظّرْفِ، لَمْ يَجُزْ، لِأَنّ الْهِلَالَ قَدْ أُجْرِيَ مَجْرَى الْمَصَادِرِ فِي قَوْلِهِمْ: اللّيْلَةُ الْهِلَالُ؛ فَلِذَلِكَ صَحّ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِأَنّ الْمَصَادِرَ قَدْ تَكُونُ ظُرُوفًا لَمَعَانٍ وَأَسْرَارٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعًا لِذِكْرِهَا، وَلَوْ خُفِضَتْ وَكُلّ هِلَالٍ عَطْفًا عَلَى صَبَاحٍ، لَمْ يَجُزْ لِأَنّ الشّرْقَ لَا يُضَافُ إلَى الْهِلَالِ كَمَا يُضَافُ إلَى الصّبَاحِ. وَفِيهِ: وَلَهُ شَمْسُ النّصَارَى يعنى دين الشّماسة «1» ، وَهُمْ الرّهْبَانُ لِأَنّهُمْ يُشَمّسُونَ أَنْفُسَهُمْ، يُرِيدُونَ تَعْذِيبَ النّفُوسِ بِذَلِكَ فِي زَعْمِهِمْ. وَفِيهِ: يَا بَنِي الْأَرْحَامَ لَا تَقْطَعُوهَا بِنَصْبِ الْأَرْحَامِ، وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ الرّفْعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلنّهْيِ. وَقَوْلُهُ: وصلوها قصيرة من طوال

_ (1) الشماس: خادم الكنيسة، ومرتبته دون القسيس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِيهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ ما نعيده ههنا بِحَوْلِ اللهِ، وَأَمْلَيْنَا أَيْضًا فِي مَعْنَى الرّحِمِ وَاشْتِقَاقِ الْأُمّ لِإِضَافَةِ الرّحِمِ إلَيْهَا، وَوَضْعِهَا فِيهِ عِنْدَ خَلْقِ آدَمَ وَحَوّاءَ، وَكَوْنِ الْأُمّ أَعْظَمَ حَظّا فِي الْبِرّ مِنْ الْأَبِ، مَعَ أَنّهَا فِي الْمِيرَاثِ دُونَهُ أَسْرَارًا بَدِيعَةً، وَمَعَانِيَ لَطِيفَةً أَوْدَعْنَاهَا كِتَابَ الْفَرَائِضِ وَشَرْحَ آيَاتِ الْوَصِيّةِ، فَلْتُنْظَرْ هُنَالِكَ. وَأَمّا قَوْلُهُ: قَصِيرَةً مِنْ طِوَالِ، فَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ: صِلُوا قِصَرَهَا مِنْ طِوَلِكُمْ، أَيْ: كُونُوا أَنْتُمْ طِوَالًا بِالصّلَةِ وَالْبِرّ إنْ قَصُرَتْ هِيَ، وَفِي الْحَدِيثِ: [أَنّهُ قَالَ لِأَزْوَاجِهِ] : أَسْرَعُكُنّ لُحُوقًا بِي: أَطْوَلُكُنّ يَدًا [فَاجْتَمَعْنَ يَتَطَاوَلْنَ، فَطَالَتْهُنّ سَوْدَةُ، فَمَاتَتْ زَيْنَبُ أَوَلَهُنّ] أَرَادَ الطّوال بِالصّدَقَةِ وَالْبِرّ، فَكَانَتْ تِلْكَ صِفَةَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ «1» . وَالتّأْوِيلُ الْآخَرُ: أَنْ يُرِيدَ مَدْحًا لِقَوْمِهِ بِأَنّ أَرْحَامَهُمْ قَصِيرَةُ النّسَبِ، وَلَكِنّهَا مِنْ قَوْمٍ طِوَالٍ كَمَا قَالَ: أُحِبّ مِنْ النّسْوَانِ كُلّ طَوِيلَةٍ ... لَهَا نَسَبٌ فِي الصّالِحِينَ قَصِيرُ وَقَالَ الطّائِيّ: أَنْتُمْ بَنُو النّسَبِ الْقَصِيرِ وَطُولُكُمْ ... بَادٍ عَلَى الْكُبَرَاءِ وَالْأَشْرَافِ وَالنّسَبُ الْقَصِيرُ: أَنْ يَقُولَ: أنا ابن فلان فيعرف، وتلك: صفة

_ (1) المعنى فى الحديث: أمدكن يدا بالعطاء من الطول، فظننه من الطول، وكانت زينب تعمل بيدها وتتصدق به. النهاية لابن الأثير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَشْرَافِ، وَمَنْ لَيْسَ بِشَرِيفِ لَا يُعْرَفُ حَتّى يَأْتِيَ بِنِسْبَةِ طَوِيلَةٍ يَبْلُغُ بِهَا رَأْسَ الْقَبِيلَةِ. وَقَدْ قَالَ رُؤْبَةُ: قَالَ لِي النّسّابَةُ: مَنْ أَنْتَ انْتَسِبْ، فَقُلْت: رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ، فَقَالَ: قَصّرْت وَعُرِفْت. وَقَوْلُهُ: إنّ خَزْلَ التّخُومِ ذُو عُقّالِ التّخُومُ: جَمْعُ: تَخُومَةٍ، وَمَنْ قَالَ: تَخِمَ فِي الْوَاحِدِ، قَالَ فِي الْجَمْعِ تُخُومٌ بِضَمّ التّاءِ «1» ، وَأَرَادَ بِهَا الْأَرْفَ [أَوْ الْأُرْثَ] وَهِيَ الْحُدُودُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: التّخُومُ وَالتّخُومُ: حُدُودُ الْبِلَادِ وَالْقُرَى، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حُدُودِ الْأَحْقَالِ الْأَرْفَ. وَالْعُقّالُ. مَا يَمْنَعُ الرّجُلَ مِنْ الْمَشْيِ، وَيَعْقِلُهَا يُرِيدُ أَنّ الظّلْمَ يَخْلُفُ صَاحِبَهُ وَيَعْقِلُهُ عَنْ السّبَاقِ، وَيَحْبِسُهُ فِي مَضَايِقِ الِاحْتِقَاقِ. وَذَكَرَ قَصِيدَتَهُ الْيَائِيّةَ، وَقَالَ فِيهَا: فَطَأْ مُعْرِضًا. الْبَيْتُ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ لِأُفْنُونٍ التّغْلِبِيّ، وَاسْمُهُ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرِ [بْنِ ذُهْلِ بْنِ تَيْمِ بن عمرو ابن عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ تَغْلِبَ «2» ] . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَسُمّيَ أُفْنُونًا فِي قَوْلِ ابْنِ دُرَيْدٍ لِبَيْتِ قَالَهُ فيه:

_ (1) يرى الفراء أنها بضم التاء، ويرى الكسائى أنها بفتحها ويقول أبو عبيد: أصحاب العربية يقولون: هى التخوم بفتح التاء ويجعلونها واحدة، وأما أهل الشام فيقولون: التخوم يجعلونها جمعا، والواحد: تخم. وقال ابن برى تخوم وتخوم وزبور وزبور، وعذوب وعذوب- بالفتح أو الضم- فى هذه الأحرف الثلاثة. وينسب هذا البيت أيضا إلى أحيحة بن الجلاح. (2) وأفنون بضم الأول أو فتحه، وفى مؤتلف الآمدى أن اسمه: ظالم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منّيتنا الودّ يا أفنون مظنونا «1» أَوْ نَحْوَ هَذَا اللّفْظِ. وَالْأُفْنُونُ: الْغُصْنُ النّاعِمُ، وَالْأُفْنُونُ أَيْضًا الْعَجُوزُ الْفَانِيَةُ، وَأُفْنُونُ هُوَ الّذِي يَقُولُ: لَوْ أَنّنِي كُنْت مِنْ عَادٍ وَمِنْ إرَمٍ ... غَذِيّ بَهْمٍ وَلُقْمَانِ وَذِي جَدَنِ لَمَا وَقَوْا بِأَخِيهِمْ مِنْ مُهَوّلَةٍ ... أَخَا السّكُونِ وَلَا جَارُوا عَنْ السّنَنِ أَنّى جَزَوْا عَامِرًا سُوءَى بِفِعْلِهِمْ ... أَمْ كَيْفَ يَجْزُونَنِي السّوءَى مِنْ الْحَسَنِ أَمْ كَيْفَ يَنْفَعُ مَا تُعْطِي الْعَلُوقُ بِهِ ... رئمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن «2»

_ (1) فى سمط اللآلىء: منيتنا الود يا مضنون مضنونا ... أزماننا إن للشبان أفنونا وبعض الشطرة الآخيرة فى الاشتقاق لابن دريد. انظر ص 684 السمط، ص 236 الاشتقاق (2) البيت الأول فى اللسان، وفيه: «ولقمانا وذا جدن» وفى المفضليات للضبى ص 30 ح 2 ط 1324 هـ، وفى البيان والتبيين ح 2 ص 9 ط 1367 هـ «ربيت فيهم، ومن لقمان أوجدن» وعدة القصيدة فى المفضليات تسعة أبيات، ومنها فى البيان أربعة الأبيات التى ذكرها السهيلى، ومنها فى أمالى القالى البيت الثالث والرابع ص 51 ح 2 ط 2، وفى سمط اللآلى ورد قبل البيت الثالث بيتان آخران. وفى البيان والتبيين عن رئمان «أصله: الرقة والرحمة والرؤم أرق من الرؤف، فقال: «رئمان أنف، كأنها تبر ولدها بأنفها وتمنعه اللبن» ص 9 ح 2 وفى مغنى البيب لابن هشام ورد البيتان الثالث والرابع. وفيه عن العلوق: الناقة التى علق قلبها بولدها، وذلك أنه ينحر، ثم يحشى جلده تبنا، ويجعل بين يديها لتشمه، فتدر عليه، فهى تسكن إليه مرة وتنفر عنه أخرى، وهذا البيت ينشد لمن يعد بالجميل، ولا يفعله، لا نطواء قلبه على ضده» هذا وقد نقل عن الكسائى أنه يرى رفع رئمان على أنها بدل من ما، كما يرى نصبها بتعطى، وجرها على أنها بدل من الهاء، أما الأصمعى وابن الشجرى فينكران الرفع. أنظر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ فِي الْبَيْتَيْنِ: فَطَأْ مُعْرِضًا وَاَلّذِي بَعْدَهُ أَنّهُمَا لِأُفْنُونٍ التّغْلِبِيّ مَذْكُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأَخْبَارِ، وَلَهَا سَبَبٌ ذَكَرُوا أَنّ أُفْنُونًا خَرَجَ فِي رَكْبٍ، فَمَرّوا بِرَبْوَةِ تُعْرَفُ: بِالْإِلَهَةِ «1» ، وَكَانَ الْكَاهِنُ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ حَدّثَهُ أَنّهُ يَمُوتُ بِهَا، فَمَرّ بِهَا فِي ذَلِكَ الرّكْبِ، فَلَمّا أَشْرَفُوا عَلَيْهَا وَأُعْلِمَ بِاسْمِهَا، كَرِهَ الْمُرُورَ بِهَا، وَأَبَوْا أَصْحَابُهُ إلّا أَنْ يَمُرّوا بِهَا، وَقَالُوا لَهُ: لَا تَنْزِلْ عِنْدَهَا، وَلَكِنْ نَجُوزُهَا سَعْيًا، فَلَمّا دَنَا مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى حَيّةٍ، فَنَزَلَ لِيَنْظُرَ فَنَهَشَتْهُ الْحَيّةُ، فَمَاتَ، فَقَبْرُهُ هُنَالِكَ، وَقِيلَ فِي حَدِيثِهِ: إنّهُ مَرّ بِهَا لَيْلًا، فَلَمْ يَعْرِفْ بِهَا حَتّى رَبَضَ الْبَعِيرُ الّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَعَلِمَ أَنّهُ عِنْدَ الْإِلَهَةِ فَجَزَعَ، فَقِيلَ لَهُ: لَا بَأْسَ عَلَيْك، فَقَالَ فَلِمَ رَبَضَ الْبَعِيرُ، فَأَرْسَلَهَا مَثَلًا. ذَكَرَهُ يعقوب، وعند ما أَحَسّ بِالْمَوْتِ قَالَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ اللّذَيْنِ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ وَبَعْدَهُمَا: كَفَى حُزْنًا أَنْ يَرْحَلَ الرّكب غدوة ... وأترك فى جنب الإلهة ثاوبا «2» تَسْمِيَةُ الْيَهُودِ الّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآنُ ذُكِرَ فِيهِمْ جُدَيّ بْنُ أَخْطَبَ، بِالْجِيمِ، وَهُوَ أَخُو حيىّ بن أخطب،

_ - ص 40 ح 1 مغنى البيب ط 1328 والأبيات مشروحه بالتفصيل فى المفضليات، وخزانة الأدب للبغدادى. (1) الإلاهة على وزن الفعالة: قارة بالسماوة من دار كلب، وهى بين ديار تغلب والشام. (2) أنظر عن القصة ص 186 ح 1 معجم ما استعجم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا حُدَيّ بِالْحَاءِ، فَذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ فِي نَسَبِ عتيبة بن الحارث بن شهاب ابن حدىّ التميمى فارس العرب. وذكر عزيز بن أبى عزيز وَأَلْفَيْت بِخَطّ الْحَافِظِ أَبِي بَحْرٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَقُولُ عُزَيْزُ بْنُ أَبِي عُزَيْزٍ، بِزَايَيْنِ قَيّدْنَاهُ فِي الْجُزْءِ قَبْلُ. وَذَكَرَ ثَعْلَبَةَ بْنَ الْفِطْيَوْنِ وَالْفِطْيَوْنُ كَلِمَةٌ عِبْرَانِيّةٌ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلّ مِنْ وَلِيّ أَمْرِ الْيَهُودِ، وَمَلِكِهِمْ، كَمَا أَنّ النّجَاشِيّ عِبَارَةٌ عَنْ كُلّ مِنْ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، وَخَاقَانَ مَلِكِ التّرْكِ، وَقَدْ تَقَدّمَ مِنْ هَذَا الْبَابِ جُمْلَةٌ. وَذُكِرَ فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ صُورِيَا «1» الْأَعْوَرُ، وَكَانَ أَعْلَمُهُمْ بِالتّوْرَاةِ، ذَكَرَ النّقّاشُ أَنّهُ أَسْلَمَ لَمّا تَحَقّقَ مِنْ صِفَاتِ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التّوْرَاةِ، وَأَنّهُ هُوَ وَلَيْسَ فِي سِيرَةِ ابْنِ إسْحَاقَ ذِكْرُ إسْلَامِهِ. يَهُودُ الْمَدِينَةِ: فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: وَمِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَمِنْ يَهُودِ بَنِي حَارِثَةَ، وَذَكَرَ قَبَائِلَ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَإِنّمَا الْيَهُودُ بَنُو إسْرَائِيلَ، وَجُمْلَةُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ إنّمَا هُمْ [بَنُو] قُرَيْظَةَ [وَبَنُو] النّضِيرِ وَبَنُو قَيْنُقَاعِ، غَيْرَ أَنّ فِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مَنْ قَدْ تَهَوّدَ، وَكَانَ مِنْ نِسَائِهِمْ مَنْ تُنْذِرُ إذَا وَلَدَتْ إنْ عَاشَ وَلَدُهَا أَنْ تُهَوّدَهُ، لِأَنّ الْيَهُودَ عِنْدَهُمْ كَانُوا أَهْلَ عِلْمٍ وَكِتَابٍ، وفى هؤلاء

_ (1) فى الأصل: صورى؛ والتصويب من القاموس. وفيه أن عبد الله هذا أسلم ثم كفر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَبْنَاءِ الّذِينَ تَهَوّدُوا نَزَلَتْ لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ الْبَقَرَةُ: 256 حِينَ أَرَادَ آبَاؤُهُمْ إكْرَاهَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ «1» . السّحْرُ الْمَنْسُوبُ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمّا لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ، الّذِي ذَكَرَهُ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَقَالَ: هُوَ الّذِي أَخَذَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ يَعْنِي مِنْ الْأُخْذَةِ، وَهِيَ ضَرْبٌ مِنْ السّحْرِ. فِي الخبر أن القاسم بن محمد بن الْحَنَفِيّةِ، كَانَ مُؤْخَذًا عَنْ مَسْجِدِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْخُلَهُ، وَكَانَ لَبِيدٌ هَذَا قَدْ سَحَرَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ سِحْرَهُ فِي مشط ومشاطة.

_ (1) الحديث مروى عن ابن عباس: كانت المرأة تكون مقلاة فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله عز وجل: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ رواه أبو داود والنسائى جميعا عن بندار به، ومن وجوه آخر عن شعبة به نحوه، ورواه ابن أبى حاتم وابن حبان فى صحيحه. وهكذا ذكر مجاهد وسعيد بن جبير والشعبى والحسن البصرى وغيرهم. وبسند آخر روى ابن إسحاق عن ابن عباس نفسه أنها نزلت فى رجل من الأنصار من بنى سالم بن عوف يقال له: الحصينى كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلما، فقال للنبى «ص» ألا أستكرههما. فانهما قد أبيا إلا النصرانية، وقيل غير ذلك. ويقول ابن كثير فى تفسير الآية «لا تكرهوا أحدا على الدخول فى دين الإسلام، فانه بين واضح جلى دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه» ... وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية فى قوم من الأنصار، وإن كان حكمها عاما»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَرُوِيَ: مُشَاقَةٍ بِالْقَافِ، وَهِيَ مُشَاقَةُ الْكَتّانِ، وَجُفّ طَلْعَةٍ «1» ذَكَرٍ، هِيَ فُحّالُ النّخْلِ، وَهُوَ ذُكّارُهُ. وَالْجُفّ: غِلَافٌ لِلطّلْعَةِ، وَيَكُونُ لِغَيْرِهَا، وَيُقَالُ لِلْجُفّ الْقِيقَاءُ وَتُصْنَعُ مِنْهُ آنِيَةٌ يُقَالُ لَهَا: التّلَاتِلُ [جَمْعُ: تَلْتَلَةٍ] قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَفَنَهُ فِي بئرذى أروان، وأكثر أهل الحديث يقولون: ذروان تحت راعوفة البئر [أو أورعوفتها] ، وَهِيَ صَخْرَةٌ فِي أَسْفَلِهِ يَقِفُ عَلَيْهَا الْمَائِحُ «2» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عِنْدَ النّاسِ، ثَابِتٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، غَيْرَ أَنّي لَمْ أَجِدْ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ: كَمْ لَبِثَ- رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ السّحْرِ، حَتّى شُفِيَ مِنْهُ، ثُمّ وَقَعْت عَلَى الْبَيَانِ فِي جَامِعِ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ. رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ، قَالَ: سُحِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةً يُخَيّلُ إلَيْهِ أَنّهُ يَفْعَلُ الْفِعْلَ، وَهُوَ لَا يَفْعَلُهُ «3» ، وَقَدْ طَعَنَتْ الْمُعْتَزِلَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَقَالُوا لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يُسْحَرُوا، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْحَرُوا، لَجَازَ أَنْ يُجَنّوا. وَنَزَعَ بعضهم بِقَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ خَرّجَهُ أَهْلُ الصّحِيحِ، وَلَا مَطْعَنَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ النّقْلِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، لِأَنّ الْعِصْمَةَ إنّمَا وَجَبَتْ لَهُمْ فِي عُقُولِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ، وَأَمّا أَبْدَانُهُمْ، فَإِنّهُمْ يُبْتَلَوْنَ فِيهَا، ويخلص إليهم بالجراحة والضرب والسموم والقتل،

_ (1) الطلعة: القطعة من طلع النخل، والطلع: غلاف يشق الكوز ينفتح عن حب منضود، فيه مادة إخصاب النخلة (2) الراعوفة أيضا صخرة تكون على رأس البئر يقوم عليها المستقى، والمائح: المستقى. (3) أليس التخيل تخليطا أو اختلاطا عقليا؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْأُخْذَةُ الّتِي أُخِذَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ هَذَا الْفَنّ، إنّمَا كَانَتْ فى بعض جوارحه دون بعض «1» . وأما قوله سبحانه: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فإنه قد روى أنه كان

_ (1) نعرض هنا بعض روايات الحديث. روى الإمام أحمد بسنده عن زيد ابن أرقم قال: سحر النبى- صلى الله عليه وسلم- رجل من اليهود، فاشتكى لذلك أياما، قال: فجاءه جبريل فقال: إن رجلا من اليهود سحرك، وعقد لك عقدا فى بئر كذا وكذا، فأرسل إليها من يجىء بها، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فاستخرجها، فجاءه بها، فحللها، قال: فقام رسول الله «ص» كأنما نشط من عقال، فما ذكر ذلك اليهودى، ولا رآه فى وجهه حتى مات. ورواه النسائى عن هناد عن أبى معاوية محمد بن حازم الضرير. ويثبت الحديث أن رسول الله «ص» اشتكى أياما لكن لم يذكر ما اشتكى منه، ولا تحدث عن المشط والمشاطة ولا شىء مما ورد. ويقول ابن الأثير عن التعبير بكأنما نشط من عقال أن التعبير بنشط ليس بصحيح، والصواب: أنشط يقال: نشطت العقدة إذا عقدتها، وأنشطتها وانتشطتها: إذا حللتها.. أقول: وهذا التعبير يؤكد أن ما أصاب النبى «ص» كان يشمل كل جسده. أما البخارى فيروى بسنده عن عائشة قالت: كان رسول الله «ص» سحر حتى كان يرى أنه يأتى النساء، ولا يأتيهن. قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر، إذا كان كذا. فقال يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتانى فيما استفتيته فيه. أتانى رجلان فقعد أحدهما عند رأسى، والآخر عند رجلى، فقال الذى عند رأسى للآخر. ما بال الرجل؟ قال مطبوب «المطبوب: المسحور» قال: ومن طبه؟ قال لبيد بن أعصم، رجل من بنى زريق حليف اليهود، وكان منافقا، قال: وفيم؟ قال: فى مشط ومشاطة. قال: وأين؟ قال: فى جف طلعة ذكر تحت رعوفة فى بئر ذروان. قالت: فأتى البئر، حتى استخرجه. فقال: هذه البئر التى أريتها، وكأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رؤس الشياطين، قال فاستخرج، فقلت: -. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . - أفلا تنشرت، فقال: أما الله فقد شفانى، وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا» ، وأسنده من حديث عيسى بن يونس وأبى ضمرة أنس بن عياض، وأبى أسامة، ويحيى القطان، وفيه قالت: حتى يخيل إليه أنه فعل الشىء، ولم يفعله، وعنده، فأمر بالبئر، فدفنت، وذكر رواية عن هشام أيضا ابن أبى الزناد، والليث بن سعد، وقد رواه مسلم من حديث أبى أسامة حماد بن أسامة، وعبد الله ابن نمير، ورواه أحمد عن عفان عن وهب عن هشام به، ورواه الإمام أحمد أيضا عن إبراهيم بن خالد عن معمر عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: لبث النبى «ص» ستة أشهر يرى أنه يأتى ولا يأتى، فاتاه ملكان، فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر: ما باله؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، وذكر تمام الحديث. وفى بعض الروايات ورد أن الرسول «ص» أرسل عليا والزبير وعمار ابن ياسر. وأنهم وجدوا فيه وترا معقودا فيه اثنا عشر عقدة مغروزة بالإبراة، فأنزل الله السورتين، افجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة. ورواية البخارى ومسلم. لم تتحدث عن جبريل، وإنما عن رجلين.، ثم هى تؤكد أنه «ص» كان مطبوبا، أى مسحورا. وأنه كان يرى أنه يأتى النساء، ولا يأتيهن، وأنه أبى الرقية: ورواية أحمد عن إبراهيم بن خالد تثبت أنه ظل ستة أشهر يرى أنه يأتى، ولا يأتى. كما تجد فى بعض روايات الحديث ما يفيد أن الرسول «ص» أرسل من يجىء بالسحر، وفى غيرها ضده. هذا والسحر- كما يقول الراغب- يقال على معان، الأول: الخداع وتخييلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعبذ بصرف الأبصار عما يفعله لخفة يد، وما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأجماع، وعلى ذلك: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ.. الثانى استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه كقوله: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ؟ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ وعلى ذلك قوله: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ. والثالث: ما يذهب إليه الأغتام، وهو اسم لفعل يزعمون أنه من قوته يغير-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ - الصور والطبائع، فيجعل الإنسان حمارا، ولا حقيقة لذلك عند المحصلين. وقد تصور من السحر تارة حسنه، فقيل: إن من البيان لسحرا، وتارة: دقة فعله «حتى قالت الأطباء: الطبيعة ساحرة، وسموا الغداء سحرا من حيث إنه يدق ويلطف تأثيره» وعند ابن فارس فى مقاييسه: «السين والحاء والراء: أصول ثلاثة متباينة، أحدها: عضو من الأعضاء، والآخر: خدع وشبهة، والثالث: وقت من الأوقات» ... ثم يقول عن السحر: «قال قوم هو إخراج الباطل فى صور الحق، ويقال: هو الخديغة» هذا معنى السحر فى اللغة التى شرفها الله، فنزل بها القرآن. ولنتدبر معا بعض ما ورد فى القرآن مما لهذا الأمر صلة وثيقة به. يقص ربنا سبحانه قول موسى للسحرة فى قوله جل شأنه: فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى: ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ، إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ يونس: 81. والمعنى واضح وضوح الحق فى القرآن. هو أن الله سبحانه يبطل السحر الذى يجىء به السحرة ضد النبوة. وتدبر ختام الآية الكريمة. ويقص الله سبحانه ما قاله المشركون عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ الظَّالِمُونَ: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً. انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ، فَضَلُّوا، فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا الإسراء: 47، 48 فبهت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه رجل مسحور هو قول الظالمين الذين ضلوا، فلا يستطيعون سبيلا! وقد ورد هذا المعنى أيضا فى سورة الفرقان: وَقالَ الظَّالِمُونَ: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً. انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا، فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا الفرقان: 8، 9. كما يقص الله سبحانه أن فرعون قد بهت موسى (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) الإسراء: 101 والعجب هنا أن فرعون على حقده وجحوده وتوحش الظلم فى أعماقه وأعماله قال اظنك، ونسمع من يؤكد أن النبى صلى الله عليه وسلم يسحره يهودى، ويظل النبى «ص» مسحورا ستة أشهر، وهو يرى الشىء عين نقيضه، وإحساسه بما يوقظ الإحساس الخامد بقوة إحساس مختلط. ماذا يدل عليه الزعم بأنه كان يرى أنه يأتى النساء، ولا يأتيهن؟ يدل على أنه قد تجرد من كل تمييز. ولهذا قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر. إذا كان-. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . - مثل هذا اليهودى القذر اليد والدين واللؤم يهيمن بدجله على خير نبى، هو خير ولى، وخير صديق، فماذا بقى من نبوة تقاوم؟ وإذا كان الله سبحانه قد قال لإبليس (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ، إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) الحجرات: 42 أفيكون لجنده عليهم سلطان؟ إن الشيخ السهيلى يزعم أن الأمر كان يتعلق بجسد النبى «ص» لا بعقله!! كيف يزعم هذا، وهو يروى عمن رووا أنه كان يرى أنه يأتى النساء، ولا يأتيهن؟ وإذا كان هذا ليس تخليطا عقليا، وغمة فكرية وشعورية، فماذا يكون التخليط، وكيف تكون الغمة الفكرية الشعورية، وكيف نقلد فرعون والظالمين فى بهت صفوة الخلق أجمعين؟ وإذا كان قد ورد فى رواية متفق عليها أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشىء، وما فعله؟ وستة أشهر؟؟ إن أجل ما يمتاز به الرسل- صلوات الله وسلامه عليهم- تلك اليقظة العقلية التى لا تغفل عن عوار فى الكفر أو الخلق أو الشعور، والتى لا يتصور مطلقا فيها التسوية بين الشىء ونقيضه، فكيف استطاع يهودى بمشط ومشاطة أن يجعل هذه اليقظة العقلية الملهمة الرائعة خرقا؟ ثم إننا لم نسمع مطلقا فيما روى- أن الرسول «ص» قد احتبس عن أصحابه ستة أشهر بسبب هذا الخرف، أو يمكن أن نظن أنه يلتقى بالناس ويخاطبهم.، ويعلمهم ويهديهم، وهو بهذا الخرف، أو بهذا الوسواس، أو بهذا الشعور النفسى المحطم، أو بهذا الحطام من بقايا رجل يختاره الله لختم النبوة، ثم يدعه ليهودى قذر يسيطر على فكره وعاطفته وتمييزه، فيرى الشىء عين نقيضه؟. إننا حين نفترض صحة الحديث، فانى أتصور الأمر كما يأتى: أصيب عليه الصلاة والسلام بمرض ما لم يمسس به نباهة عقل، ولا تألق فكر، ولا إشراق روح، ولا تسامى وعى إلى أعلى الذرى التى تكون لأفق الوعى الإنسانى، فما بالك إذا كانت تهديه أضواء النبوة، وتحلق به هدايتها؟ وأتصور أن اليهودى قام بهذا السحر، وأن الذى كان بالرسول- صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن نتصور أنه أثر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَحْرُسُ فِي الْغَزْوِ، حَتّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَأَمَرَ حُرّاسَهُ أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُ، وَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِكُمْ، فَقَدْ عَصَمَنِي اللهُ مِنْ النّاسِ «1» ، أَوْ كَمَا قَالَ. فِقْهُ حَدِيثِ السّحْرِ: وَأَمّا مَا فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ، فَإِنّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ: هَلّا تَنَشّرْت، فَقَالَ: أَمّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النّاسِ شَرّا، وَهُوَ حَدِيثٌ مُشْكِلٌ فِي ظَاهِرِهِ، وَإِنّمَا جَاءَ الْإِشْكَالُ فِيهِ مِنْ قِبَلِ الرّوَاةِ، فإنهم جعلوا جوابين

_ - من سحر اليهودى القذر، وإنما عائشة- رضى الله عنها- هى التى ربطت بين سحر اليهودى حين علمت بما فعله، وبين ما أصيب به النبى صلى الله عليه وسلم، ولا سيما وقد كان الأمر بالمدينة، وفيها اليهود الذين كانوا يصورون للناس أن لسحرهم القدرة التى لا تقاومها قدرة. أريد أن أقول شيئا آخر. ليس من الخير أن نقول سندا فيه محاولة لهدم أقوى سند فى الوجود. سند النبوة الخاتمة لخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم. وليست العصمة التامة لأحد، والله وحده هو الذى يعصمنا. (1) الذى فى الصحيحين وأحمد أن عائشة- رضى الله عنها كانت تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهر ذات ليلة، وهى إلى جنبه، قالت: فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال ليت رجلا صالحا من أصحابى يحرسنى الليلة. قالت: فبينا أنا على ذلك إذ سمعت صوت السلاح، فقال من هذا، فقال: أنا سعد ابن مالك، فقال: ما جاء بك؟ قال: جئت لأحرسك يا رسول الله، قالت: فسمعت غطيط رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نومه. وفى بعض الروايات ان أن هذا حدث ذات ليلة مقدمه المدينة على أثر هجرته إليه، وبعد أن بنى بعائشة فى السنة الثانية. أما ما رواه السهيلى فقد ورد فيما روى ابن أبى حاتم والترمذى ثم قال: وهذا حديث غريب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكلامين كلاما واحدا، وذلك أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ أَيْضًا: هَلّا اسْتَخْرَجْته، أَيْ: هَلّا اسْتَخْرَجْت السّحْرَ مِنْ الْجُفّ وَالْمُشَاطَةِ، حَتّى يُنْظَرَ إلَيْهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النّاسِ شَرّا، قَالَ ابْنُ بَطّالٍ: كَرِهَ أَنْ يُخْرِجَهُ، فَيَتَعَلّمُ مِنْهُ بَعْضُ النّاسِ، فَذَلِكَ هُوَ الشّرّ الّذِي كَرِهَهُ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشّرّ غَيْرَ هَذَا، وَذَلِكَ أَنّ السّاحِرَ كَانَ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، فَلَوْ أَظْهَرَ سِحْرَهُ لِلنّاسِ، وَأَرَاهُمْ إيّاهُ لَأَوْشَكَ أَنْ يُرِيدَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتْلَهُ، وَيَتَعَصّبَ لَهُ آخَرُونَ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَيَثُورُ شَرّ كَمَا ثَارَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ مِنْ الشّرّ مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ: هَلّا اسْتَخْرَجْته هُوَ فِي حَدِيثَيْنِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيّ جَمِيعًا، وَأَمّا جَوَابُهُ لَهَا فِي حَدِيثِ: هَلّا تَنَشّرْت: بِقَوْلِهِ أَمّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللهُ، وَجَوَابُهُ لَهَا حِينَ قَالَتْ: هَلّا اسْتَخْرَجْته: بِأَنْ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النّاسِ شَرّا، فَلَمّا جَمَعَ الرّاوِي بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ اسْتَغْلَقَ الْكَلَامُ، وَإِذَا نَظَرْت الْأَحَادِيثَ مُتَفَرّقَةً تَبَيّنْت، وَعَلَى هَذَا النّحْوِ شَرَحَ هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ بَطّالٍ. وَأَمّا الْفِقْهُ الّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ فَهُوَ إبَاحَةُ النّشْرَةِ «1» مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ: هَلّا تَنَشّرْت، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا قولها.

_ (1) النشرة: ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن أن به مسا من الجن، سميت نشرة، لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء. وقال الحسن: نشرة من السحر، وقد نشرت عنه تنشيرا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ النّشْرَةِ لِلّذِي يُؤْخَذُ عَنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ لَمْ يُنْهَ عَنْ الصّلَاحِ، إنّمَا نُهِيَ عَنْ الْفَسَادِ، وَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ. وَمِنْ النّاسِ مَنْ كَرِهَ النّشْرَةَ عَلَى الْعُمُومِ، وَنَزَعَ بِحَدِيثِ خَرّجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا: أَنّ النّشْرَةَ مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ، وَهَذَا- وَاَللهُ أَعْلَمُ- فِي النّشْرَةِ الّتِي فِيهَا الْخَوَاتِمُ وَالْعَزَائِمُ، وَمَا لَا يُفْهَمُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْعَجَمِيّةِ «1» ، وَلَوْلَا الْإِطَالَةُ الْمُخْرِجَةُ لَنَا عَنْ غَرَضِنَا لَقَدّرْنَا الرّخْصَةَ بِالْآثَارِ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ، وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ. وَكَانَتْ عُقَدُ السّحْرِ أَحَدَ عَشَرَ عُقْدَةً، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى الْمُعَوّذَتَيْنِ أَحَدَ عَشَرَ آيَةً، فَانْحَلّتْ بِكُلّ آيَةٍ عُقْدَةٌ «2» ، قَالَ تَعَالَى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ وَلَمْ يَقُلْ النّفّاثِينَ، وَإِنّمَا كَانَ الّذِي سَحَرَهُ رَجُلًا «3» وَالْجَوَابُ: أَنّ الْحَدِيثَ قَدْ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ القاضى،

_ (1) من يتأمل فيما قيل عنه إنه رقى شرعية يجد دعاء إلى الله سبحانه. فلم نسمى هذه الدعوات الطيبات نشرات أورقى؟ وللاسمين ما لهما من إيحاء غير طيب بل إيحاء يغلب أن يكون خبيثا، بل إن الكثير من الرقى هو عين الشرك. فلنقل: إن المفروض هو الدعاء، بدلا من القول: إن الرقى أو النشرات مباحة، فننزع بالناس إلى اتخاذ أحط وسائل الشرك قربا إلى الله!! (2) هذا مما روى بلا إسناد، وفى حديثه نكارة وغرابة، ورغم هذا ففى الحديث أنها أثنتا عشرة عقدة!! أما الآيات، فإحدى عشرة!!. (3) يقول بعض المفسرين قولا طيبا: المراد بالنفث فى العقد: إبطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقدة بنفث الريق ليسهل حله. ويقول الشيخ حامد الفقى رحمه الله تعليقا على تفسير ابن القيم للمعوذتين «النفث الذى يليق بعظمة بلاغة القرآن، وفخامة أسلوبه: هو نفث المفسدين سمومهم بالكذب والغيبة والنميمة وقالة السوء، فى عقد الصلات بين الناس، حتى يفكوا عرى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ أَنّ زَيْنَبَ الْيَهُودِيّةَ أَعَانَتْ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ عَلَى ذَلِكَ السّحْرِ، مَعَ أَنّ الْأُخْذَةَ فِي الْغَالِبِ مِنْ عَمَلِ النّسَاءِ وَكَيْدِهِنّ. إسْلَامُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ سَلَامٌ هُوَ بِتَخْفِيفِ اللّامِ، وَلَا يُوجَدُ مَنْ اسْمُهُ سَلَامٌ بِالتّخْفِيفِ فِي الْمُسْلِمِينَ لِأَنّ السّلَامَ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ، فَيُقَالُ عَبْدُ السّلَامِ، وَيُقَالُ سَلّامٌ بِالتّشْدِيدِ، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَإِنّمَا سَلَامٌ بِالتّخْفِيفِ فِي الْيَهُودِ، وَهُوَ وَالِدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ مِنْهُمْ. ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ عَمّتِهِ خَالِدَةَ أَهُوَ النبى لذى كُنّا نُخْبَرُ أَنّهُ يُبْعَثُ مَعَ نَفَسِ السّاعَةِ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنّي لَأَجِدُ نَفَسَ السّاعَةِ بَيْنَ كَتِفِي، وَفِي مَعْنَى قَوْلِهِ: نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ وَمَنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ طَالِبِهِ، فَنَفَسُ الطّالِبِ بين كفتيه «1» ، وكأن النّفس فى هذا الحديث

_ - الزوجية والمودة والرحمة وغيرها، وشر وضرر هذا فى الناس أكثر جدا من شر من يقولون: إنهم سحرة» ص 571 التفسير ألقيم ط 1. وقيل عن تأنيث النفاثات أن المراد: النفوس: أقول: وهذا هو الأوفق، وليعم كل نافث ونافثة. (1) فسر ابن الأثير القول بقوله: أى بعثت وقد حان قيام الساعة وقرب.. فأطلق النفس على القرب، وقيل معناه أنه جعل للساعة نفسا كنفس الإنسان، أراد: أنى بعثت فى وقت قريب منها أحس فيه بنفسها كما يحس بنفس الإنسان إذا قرب منه، يعنى: بعثت فى وقت بانت أشراطها فيه، وظهرت علاماتها، ويروى فى نسم الساعة. وفى الترمذى «بعثت فى نفس الساعة، فسبقتها، كما سبقت هذه، وأشار بأصبعه السبابة والوسطى» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عِبَارَةٌ عَنْ الْفِتَنِ الْمُؤْذِنَةِ بِقِيَامِ السّاعَةِ، وَكَانَ بَدْؤُهَا حِينَ وَلّى أُمّتَهُ ظَهْرَهُ خَارِجًا مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانِيهِمْ إلَى اللهِ تَعَالَى، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: وَأَنَا أَمَانٌ لِأُمّتِي، فَإِذَا ذَهَبْت أَتَى أُمّتِي مَا يُوعَدُون، فَكَانَتْ بَعْدَهُ الْفِتْنَةُ ثُمّ الْهَرْجُ «1» الْمُتّصِلُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَنَحْوٌ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: بُعِثْت أَنَا وَالسّاعَةُ كَهَاتَيْنِ «2» ، يَعْنِي السّبّابَةَ وَالْوُسْطَى، وَهُوَ حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَابْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ كُلّهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ سَبَقْتهَا بِمَا سَبَقَتْ هَذِهِ هَذِهِ، يَعْنِي: الْوُسْطَى وَالسّبّابَةَ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ: إنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي. وَرَوَاهُ أَيْضًا: أَبُو جُبَيْرَةَ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِئْت أَنَا وَالسّاعَةُ كَهَاتَيْنِ سَبَقْتهَا كَمَا سَبَقَتْ هَذِهِ هَذِهِ فِي نَفَسٍ مِنْ السّاعَةِ، أَوْ فِي نَفَسِ السّاعَةِ، خَرّجَهَا الطّبَرِيّ بِجَمِيعِ أَسَانِيدِهَا، وَبَعْضُهَا فِي الصّحِيحَيْنِ، وَفِي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ عَلَى بَعْضٍ. وَخَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ قَدْ ذَكَرَ إسْلَامَهَا، وَهِيَ مِمّا أَغْفَلَهُ أَبُو عُمَرَ فى كتاب الصحابة، وقد استدر كناها عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ الِاسْتِدْرَاكَاتِ الّتِي أَلْحَقْنَاهَا بِكِتَابِهِ. وَذَكَرَ حَدِيثَ مُخَيْرِيقٍ، وَقَالَ فِيهِ: مُخَيْرِيقٌ خَيْرُ يَهُودَ، وَمُخَيْرِيقٌ مُسْلِمٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي مُسْلِمٍ: هُوَ خَيْرُ النّصَارَى، وَلَا خَيْرَ الْيَهُودِ، لِأَنّ أَفْعَلَ مِنْ كَذَا إذَا أُضِيفَ فَهُوَ بَعْضِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: وكيف جاز هذا؟ قلنا:

_ (1) الهرج: القتل. (2) متفق عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِأَنّهُ قَالَ خَيْرُ يَهُودَ، وَلَمْ يَقُلْ خَيْرُ الْيَهُودِ، وَيَهُودُ اسْمُ عَلَمٍ كَثَمُودَ، يُقَالُ: إنّهُمْ نسبوا إلى يهوذ بْنِ يَعْقُوبَ، ثُمّ عُرّبَتْ الذّالُ دَالًا، فَإِذَا قُلْت: الْيَهُودُ بِالْأَلِفِ وَاللّامِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ النّسَبَ وَالدّينَ الّذِي هُوَ الْيَهُودِيّةُ «1» ، أَمّا النّسَبُ فَعَلَى حَدّ قَوْلِهِمْ التّيْمُ فِي التّيْمِيّينَ وَأَمّا الدّينُ فَعَلَى حَدّ قَوْلِك: النّصَارَى وَالْمَجُوسُ أَعْنِي: أَنّهَا صِفَةٌ، لَا أَنّهَا نَسَبٌ إلَى أَب. وَفِي الْقُرْآنِ لَفْظٌ ثَالِثٌ، لَا يُتَصَوّرُ فِيهِ إلّا مَعْنًى وَاحِدٌ، وَهُوَ الدّينُ دُونَ النّسَبِ، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: وَقالُوا: كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى الْبَقَرَةُ: 135. بِحَذْفِ الْيَاءِ، وَلَمْ يَقُلْ: كُونُوا يَهُودَ لِأَنّهُ أَرَادَ التّهَوّدَ، وَهُوَ التّدَيّنُ بِدِينِهِمْ، وَلَوْ قَالَ: كُونُوا يَهُودًا بِالتّدَيّنِ، لَجَازَ أَيْضًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدّمَيْنِ، وَلَوْ قِيلَ لِقَوْمِ مِنْ الْعَرَبِ: كُونُوا يَهُودَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، لَكَانَ مُحَالًا، لِأَنّ تَبْدِيلَ النّسَبِ حَقِيقَةً مُحَالٌ، وَقَدْ قِيلَ فِي هُودٍ: جَمْعُ هَائِدٍ «2» ، وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا قُلْنَاهُ، فَلْتَعْرِفْ الْفَرَقَ بَيْنَ قَوْلِك هُودًا بِغَيْرِ يَاءٍ، وَيَهُودًا بِالْيَاءِ وَالتّنْوِينِ، وَيَهُودَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، فَإِنّهَا تَفْرِقَةٌ حَسَنَةٌ صَحِيحَةٌ وَاَللهُ أَعْلَمُ وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إلا اثْنَانِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: لَوْ اتّبَعَنِي عَشْرَةٌ مِنْ الْيَهُودِ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ يَهُودِيّ إلّا اتّبَعَنِي «3» . رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَسَمِعَ كعب الأحبار

_ (1) ليس دينا إلهيا، إنما هو من افتراء شهوات حاخاميم اليهود وأحبارهم. (2) تاب ورجع إلى الحق، وقد مثلوها فى الجمع بحائل وعائط من النوق مفرد حول وعوط. (3) فى الجامع الصغير للسيوطى «لو آمن بى عشرة من اليهود، لآمن بى اليهود» وذكر أن البخارى خرجه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدّثُ، فَقَالَ لَهُ: إنّمَا الْحَدِيثُ: اثْنَا عَشَرَ مِنْ الْيَهُودِ، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي القرآن (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) فَسَكَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: أَبُو هُرَيْرَةَ أَصْدَقُ مِنْ كَعْبٍ. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ كِلَاهُمَا: (صَدَقَ) ؛ لِأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّمَا أَرَادَ: لَوْ اتّبَعَنِي عَشْرَةٌ مِنْ الْيَهُودِ بَعْدَ هَذَيْنِ اللّذَيْنِ قَدْ أسلما. ذكر المنافقين فصل: وذكر نبتلا مِنْ الْمُنَافِقِينَ، قَالَ: وَكَانَ أَدْلَمَ، وَالْأَدْلَمُ الْأَسْوَدُ الطّوِيلُ مِنْ كُلّ شَيْءٍ. وَقِيلَ لِجَمَاعَةِ النّمْلِ: دَيْلَمٌ، لِسَوَادِهِمْ مِنْ كِتَابِ الْعَيْنِ. وَذَكَرَ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ، وَقَتْلَهُ لِلْمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ. وَاسْمُ الْمُجَذّرِ: عَبْدُ اللهِ، وَالْمُجَذّرُ: الْغَلِيظُ الْخُلُقِ «1» . وَذَكَرَ أَنّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِي الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ وَارْتِدَادِهِ: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ آلُ عِمْرَانَ: 86 فَقِيلَ: إنّ هَذِهِ الْآيَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى سَبَبِهَا مَخْصُوصَةٌ بِمَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللهِ أَنّهُ لَا يَهْدِيهِ مِنْ كُفْرِهِ، وَلَا يَتُوبُ عَلَيْهِ مِنْ ظُلْمِهِ، وَإِلّا فَالتّوْبَةُ مَفْرُوضَةٌ، وَقَدْ تَابَ قَوْمٌ بَعْدَ ارْتِدَادِهِمْ، فَقُبِلَتْ تَوْبَتُهُمْ. وَقِيلَ لَيْسَ فِيهَا نَفْيٌ لِقَبُولِ التّوْبَةِ، فَإِنّهُ قَالَ: كَيْفَ يَهْدِي اللهُ، وَلَمْ يَقُلْ لَا يَهْدِي اللهُ، عَلَى أَنّهُ قَدْ قَالَ فِي آخِرِهَا: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الْخُصُوصِ، كَمَا قَدّمْنَا أَوْ إلَى مَعْنَى الْهِدَايَةِ فِي الظّلْمَةِ الّتِي عِنْدَ الصراط بالنور

_ (1) فى الاشتقاق لابن دريد: رجل مجذر: قصير متقارب الخلق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التام يوم القيامة، فان ذلك مننف عَمّنْ مَاتَ غَيْرَ تَائِبٍ مِنْ كُفْرِهِ وَظُلْمِهِ. وَاَللهُ أَعْلَمُ «1» . ذَكَرَ حَدِيثَ بَشِيرِ «2» بْنِ أُبَيْرِقٍ سَارِقُ الدّرْعَيْنِ وَذَكَرَ أَنّ اللهَ أَنْزَلَ فِيهِ: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ النّسَاءُ: 17 الْآيَةُ: وَكَانَ مِنْ قِصّةِ الدّرْعَيْنِ، وَقِصّةِ بَشِيرٍ أَنّ بَنِي أُبَيْرِقٍ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ بَشِيرٌ وَمُبَشّرٌ وَبِشْرٌ «3» نَقَبُوا مَشْرُبَةً «4» أَوْ نَقَبَهَا بَشِيرٌ وَحْدَهُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَكَانَتْ الْمَشْرُبَةُ لِرِفَاعَةِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَرَقُوا أَدْرَاعًا لَهُ، وَطَعَامًا فَعَثَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَجَاءَ ابْنُ أَخِيهِ قَتَادَةُ بن النّعمان يشكو بهم إلى رسول

_ (1) روى النسائى والحاكم وابن حبان وابن جرير عن ابن عباس قال: كان رجل من الأنصار أسلم، ثم ارتد، ولحق بالشرك، ثم ندم، فأرسل إلى قومه: أن سلوا لى رسول الله: هل لى من توبة، فنزلت: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ.. الآية، فأرسل إليه قومه، فأسلم. وأخرج عبد الرزاق أنها نزلت فى حق الحارث ابن سويد، وأنه حسن إسلامه بعد ارتداده. وأذكر هنا معانى بعض ما تركه السهيلى من شرح السيرة للخشنى. الشمردلات: الإبل الطوال. والوهج: شدة الحر. بجاد بن عثمان: بالنون والباء، وقيده الدارقطنى بالباء ... ثائر شعر الرأس: مرتفعه. أسفع: السفعة: حمرة تضرب إلى سواد. (2) قيده الدارقطنى بضم الباء. وفى السيرة بفتحها. (3) فى الأصل بشير وهو خطأ. وفى تفسير الطبرى ضبط بشير بضم الباء ويقول الخشنى: وقع هنا بشير، بفتح الباء، وقال الدارقطنى: إنما هو بشير بضم الباء. (4) بضم الراء وفتحها: الغرفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ هَؤُلَاءِ عَمَدُوا إلَى أَهْلِ بَيْتٍ هُمْ أَهْلُ صَلَاحٍ وَدِينٍ، فَأَبَنُوهُمْ بِالسّرِقَةِ، وَرَمَوْهُمْ بِهَا مِنْ غَيْرِ بَيّنَةٍ، وَجَعَلَ يُجَادِلُ عَنْهُمْ حَتّى غَضِبَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَتَادَةَ وَرِفَاعَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ النّسَاءُ 107 الْآيَةُ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً النّسَاءُ 112 وَكَانَ الْبَرِيءُ الّذِي رَمَوْهُ بِالسّرِقَةِ لَبِيدُ بْنُ سَهْلٍ: قَالُوا: مَا سَرَقْنَاهُ، وَإِنّمَا سَرَقَهُ لبيد ابن سَهْلٍ، فَبَرّأَهُ اللهُ، فَلَمّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ مَا أَنْزَلَ، هَرَبَ ابْنُ أُبَيْرِقٍ السّارِقُ إلَى مَكّةَ، وَنَزَلَ عَلَى سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ «1» ، فَقَالَ فِيهَا حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ بَيْتًا، يُعَرّضُ فِيهِ بِهَا، فَقَالَتْ: إنّمَا أَهْدَيْت لِي شِعْرَ حَسّانَ، وَأَخَذَتْ رَحْلَهُ، فَطَرَحَتْهُ خَارِجَ الْمَنْزِلِ «2» ، وَقَالَتْ: حَلَقْت وَسَلَقْت وَخَرَقْت «3» إنْ بِتّ فِي مَنْزِلِي لَيْلَةً سَوْدَاءَ، فَهَرَبَ إلَى خَيْبَرَ، ثُمّ إنّهُ نَقَبَ بَيْتًا ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَسَقَطَ الْحَائِطُ عَلَيْهِ فَمَاتَ. ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِكَثِيرِ من ألفاظه التّرمذىّ، وذكره

_ (1) فى تفسير الطبرى: بنت سعد بن سهيل، وفى تفسير ابن كثير: بنت سعد بن سمية. (2) فى تفسير الطبرى، فوضعته على رأسها، ثم خرجت فرمته بالأبطح. (3) الحالقة: التى تحلق شعرها عند المصيبة. وهى فى الأصل: حلفت وفيها ورد من حديث أنه لعن من النساء الحالقة والسالقة والخارقة. وفى اللسان فى مادة حلق: وفى حديث ليس منا من سلق أو حلق أو خرق، أى ليس من سنتنا رفع الصوت فى المصائب ولا حلق الشعر، ولا خرق الثياب ... وسلافة تدعو على نفسها بهذه الأشياء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْكَشّيّ وَالطّبَرِيّ بِأَلْفَاظِ مُخْتَلِفَةٍ، وَذَكَرَ قِصّةَ مَوْتِهِ يَحْيَى بْنُ سَلّامٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَوَقَعَ اسْمُهُ فِي أَكْثَرِ التّفَاسِيرِ: طُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ «1» وَفِي كُتُبِ الْحَدِيثِ: بَشِيرُ بْنُ أُبَيْرِقٍ، وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْهُ: بَشِيرُ أَبُو طُعْمَةَ فَلَيْسَ طُعْمَةُ إذًا اسْمًا لَهُ، وَإِنّمَا هُوَ أَبُو طُعْمَةَ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذِهِ الرّوَايَةِ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ أَيْضًا أَنّ الْحَائِطَ الّذِي سقط عليه كان بالطائف لا يخيبر، كَمَا قَالَ ابْنُ سَلّامٍ، وَأَنّ أَهْلَ الطّائِفِ قَالُوا حِينَئِذٍ: مَا فَارَقَ مُحَمّدًا مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ فِيهِ خَيْرٌ. وَالْأَبْيَاتُ الّتِي رَمَى بِهَا حَسّانُ الْمَرْأَةَ، وَهِيَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عوف، وقد تقدم اسمها: وما سَارِقُ الدّرْعَيْنِ إذْ كُنْت ذَاكِرًا ... بِذِي كَرَمٍ مِنْ الرّجَالِ أُوَادِعُهْ وَقَدْ أَنَزَلَتْهُ بِنْتُ سَعْدٍ فأصبحت ... ينازعها جارستها وَتُنَازِعُهْ ظَنَنْتُمْ بِأَنْ يَخْفَى الّذِي قَدْ صَنَعْتُمْ ... وَفِيكُمْ نَبِيّ عِنْدَهُ الْوَحْيُ وَاضِعُهْ وَقَعَ هَذَا الْبَيْتُ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ «2» . وَذَكَرَ الشّعْرَ وَالْخَبَرَ بِطُولِهِ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْهُ.

_ (1) هو كذلك فى تفسير الطبرى. (2) فى سيبويه ص 242 ح 1 ط 1 «وفينا نبى» ويقول شارح شواهده: الشاهد فيه جرى قوله واضعه على النبى «ص» مع إعادة الضمير على الوحى، وهو لا يحتمل القلب كما تقدم فى الباب، وقد رد عليه هذا التقدير وجعل الضمير عائدا على الذى قد صنعتم على تقدير: وفينا نبى واضع ما قد صنعتم، لا على الوحى كما قدره والحجة لسيبويه أن رده على الوحى أولى لأنه يريد: يضع فينا ما يوحى إليه، فينبئنا بصنيعكم على الحقيقة، وإذا رد الضمير على الذى كان التقدير: واضع الذى صنعتم-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَصْلٌ: وَأَنْشَدَ ابْنُ هِشَامٍ: لَدَمُ الْوَلِيدِ وَرَاءَ الغيب بالحجر والبيت لتميم بن أبى ابن مقبل، واللّدم: الضرب، والغيب: العاثر مِنْ الْأَرْضِ. بَابٌ إخْرَاجُ الْمُنَافِقِينَ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي بَابِ إخْرَاجِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَبَا مُحَمّدٍ، وَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّجّارِ، وَلَمْ يُعَرّفْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَهُوَ: أبو محمد مسعود ابن أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ «1» ، يُعَدّ فِي الشّامِيّينَ، وَهُوَ الّذِي زَعَمَ أَنّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ، فَقَالَ عُبَادَةُ: كَذَبَ أَبُو مُحَمّدٍ، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الْبَدْرِيّينَ عِنْدَ الْوَاقِدِيّ وطائفة، ولم يذكره ابن إسحاق فيهم.

_ - مطلقا دون ربطه بالوحى الذى هو أكشف لحقيقته، والوضع هنا النشر والبث» أقول: وما أظن حسانا ينطق بالبيت الثانى، فهو لا يتفق مع أدب الصحابة وهو قذف لم تقم عليه بينة. (1) فى الإصابة: مسعود بن أوس بن أصرم بن زيد الخ. وقال ابن عبد البر أدخل الواقدى وابن عمارة بين أوس وأصرم زيدا آخر. وفى جمهرة ابن حزم ص 229 كما فى الروض. ويقول جعفر المستغفرى: أبو محمد الذى كذبه عبادة فى وجوب الوتر اسمه: مسعود بن زيد بن سبيع. هذا وقد وهم ابن عبد البر فزعم أن ابن إسحاق لم يذكره فى البدريين، وهو قد ذكره فيمن شهدها من بنى زيد بن ثعلبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي الْمُنَافِقِينَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي الْمُنَافِقِينَ وَالْأَحْبَارِ وَمِنْ يَهُودَ مِنْ صَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ هِشَامٍ عَلَى الرّيْبِ بِمَعْنَى الرّيبَةِ بِقَوْلِ خَالِدِ بْنِ زُهَيْرِ ابْنِ أُخْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ، وَاسْمُ أَبِي ذُؤَيْبٍ: خُوَيْلِدُ بْنُ خَالِدٍ، وَالرّجَزُ الذى استشهد ببيت منه: يا قوم مالى وَأَبَا ذُؤَيْب ... كُنْت إذَا أَتَيْته مِنْ غَيْبِ يَشُمّ عَطْفِي وَيَمَسّ ثَوْبِي ... كَأَنّنِي أَرَبْته بِرَيْب وَكَانَ أَبُو ذُؤَيْبٍ قَدْ اتّهَمَهُ بِامْرَأَتِهِ، فَلِذَلِكَ، قَالَ هَذَا. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاَلّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَاةَ، وَأَغْفَلَ التّلَاوَةَ: وَإِنّمَا هُوَ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ الْبَقَرَةُ: 3. وَكَذَلِكَ وَجَدْته مُنَبّهًا عَلَيْهِ فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ: وَفِي الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ أَقْوَالٌ، مِنْهَا أَنّ الغيب ههنا ما بعد الموت من أمور الآخرة، ومنها: أن الغيب: القدر، ومنها قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنّ الْغَيْبَ الْقَلْبُ، أَيْ يُؤْمِنُونَ بِقُلُوبِهِمْ، وَقِيلَ: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، أَيْ بِاَللهِ عَزّ وَجَلّ، وَأَحْسَنُ مَا فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلُ الرّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، أَيْ: يُؤْمِنُونَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، أَيْ: لَيْسُوا كَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ إذَا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا وَيَكْفُرُونَ إذَا غَابُوا عَنْهُمْ، وَيَدُلّ عَلَى صِحّةِ هَذَا التّأْوِيلِ: بِسِيَاقَةِ الْكَلَامُ، مَعَ قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ فَلَا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ بِالْغَيْبِ إلّا تَأْوِيلًا وَاحِدًا، فَإِلَيْهِ يُرَدّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ. وقوله سبحانه: لا ريب فيه، وَقَدْ ارْتَابَ فِيهِ كَثِيرٌ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ النّاسِ، قِيلَ: هُوَ عَلَى الْخُصُوصِ فِي الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ لَا رَيْبَ فِيهِ عِنْدَ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنّ التّبْرِئَةَ تُعْطِي الْعُمُومَ، وَأَصَحّ مِنْهُ: أَنّ الْكَلَامَ ظَاهِرُهُ الْخَبَرُ، وَمَعْنَاهُ: النّهْيُ، أَيْ: لَا تَرْتَابُوا، وَهَذَا النّهْيُ عَامّ لَا يُخَصّصُ، وَأَدَقّ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا مَحْضًا عَنْ الْقُرْآنِ، أَيْ: لَيْسَ فِيهِ مَا يَرِيبُ، تَقُولُ: رَابَنِي مِنْك كَذَا وَكَذَا، إذَا رَأَيْت مَا تُنْكِرُ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا تُنْكِرُهُ الْعُقُولُ. وَالرّيْبُ، وَإِنْ كَانَ مَصْدَرًا فَقَدْ يُعَبّرُ بِهِ عَنْ الشّيْءِ الّذِي يَرِيبُ، كَمَا يُعَبّرُ بِالضّيْفِ عَنْ الضّائِفِ، وَبِالطّيْفِ عَنْ الْخَيَالِ الطّائِفِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ فَهَذَا خَبَرٌ، لِأَنّ النّهْيَ لَا يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الصّفَةِ. وَقَوْلُهُ: لَا رَيْبَ فِيهِ فِي مَوْضِعِ الصّفَةِ لِيَوْمِ، وَالْحَيَاةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَرِيبُك، لِأَنّ مَنْ قَدَرَ عَلَى البدءة، فَهُوَ عَلَى الْإِعَادَةِ أَقْدَرُ، وَلَيْسَ الرّيْبُ بِمَعْنَى الشّكّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، لِأَنّك تَقُولُ: رَابَنِي منك رَائِبٌ، وَلَا تَقُولُ شَكّنِي، بَلْ تَقُولُ: ارْتَبْت كَمَا تَقُولُ شَكَكْت، فَالِارْتِيَابُ: قَرِيبٌ مِنْ الشّكّ «1» . وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ سُبْحَانَهُ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وأصل المرض: الضعف

_ (1) يقول الراغب فى مفرداته: الشك: اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما. والريب: أن تتوهم بالشىء أمرا، فينكشف عما تتوهمه ويقول الإمام ابن تيمية فى كتابه مقدمة فى أصول التفسير ص 16 «ومن قال لا ريب: لا شك، فهذا تقريب، وإلا فالريب فيه اضطراب وحركة كما قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فكما أن اليقين ضمن السكون والطمأنينة، فالريب ضده» ط السلفية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفُتُورُ الْأَعْضَاءِ، وَهُوَ هَاهُنَا ضَعْفُ الْيَقِينِ، وَفُتُورُ الْقَلْبِ عَنْ كَدّ النّظَرِ، وَعَطَفَ: فَزَادَهُمْ اللهُ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ لَا يُعْطَفُ عَلَى الِاسْمِ، وَلَا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، لَوْ قُلْت: فِي الدّارِ زَيْدٌ، فَأَعْطَيْته دِرْهَمًا لَمْ يَجُزْ، وَلَكِنْ لَمّا كَانَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ كَمَعْنَى مَرِضَتْ، قُلُوبُهُمْ صَحّ عَطْفُ الْفِعْلِ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: يَا بَنِي إسرائيل، وَوَهِمَ فِي التّلَاوَةِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، كَمَا وَهِمَ فِي أَوّلِ السّورَةِ. وَبَنُو إسْرَائِيلَ: هُمْ بَنُو يَعْقُوبَ، وَكَانَ يُسَمّى: إسْرَائِيلَ، أَيْ سَرِيّ اللهِ «1» لَكِنْ لَمْ يُذْكَرُوا فِي الْقِرَاءَةِ إلّا أُضِيفُوا إلَى إسْرَائِيلَ، وَلَمْ يُسَمّوْا فِيهِ: بَنُو يَعْقُوبَ، وَمَتَى، ذُكِرَ إبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ لَمْ يُسَمّ إسْرَائِيلُ، وَذَلِكَ لِحِكْمَةِ فُرْقَانِيّةٍ، وَهُوَ أن القوم لما خوطبوا بعبادة الله، وذكّروا بِدِينِ أَسْلَافِهِمْ مَوْعِظَةً لَهُمْ، وَتَنْبِيهًا مِنْ غَفْلَتِهِمْ سُمّوا بِالِاسْمِ الّذِي فِيهِ تَذْكِرَةٌ بِاَللهِ، فَإِنّ إسرائيل اسم مضاف إلى

_ (1) فى قاموس الدكتور بوست أن معنى إسرائيل هو: الأمير المجاهد مع الله، ثم أطلق هذا اللقب على جميع ذرية يعقوب إلى حين انفصال عشرة الأسباط عن بيت داود وتحيزهم مملكة وحدها، فأطلق عليها مملكة إسرائيل تمييزا لها عن مملكة يهوذا. والعجيب الغريب أن الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التكوين بقص أن الله لقب يعقوب بإسرائيل بعد أن صارع الله- وهو فى صورة إنسان- يعقوب «ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه، فانخلع حق فخذ يعقوب فى مصارعته معه، وقال: أطلقنى. لأنه قد طلع الفجر، فقال: لا أطلقك إن لم تباركنى، فقال له: ما اسمك؟ فقال: يعقوب، فقال: لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب. بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت» فقرات 26- 29 أولا يعرف الله اسم يعقوب؟ أو يبلغ العدوان على الله هذا الحد؟.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهِ تَعَالَى فِي التّأْوِيلِ. أَلَا تَرَى: كَيْفَ نَبّهَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ دَعَا إلَى الْإِسْلَامِ قَوْمًا، يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا بَنِي عَبْدِ اللهِ، إنّ اللهَ قَدْ حَسّنَ اسْمَ أَبِيكُمْ يُحَرّضُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ اسْمُهُمْ مِنْ الْعُبُودِيّةِ لِلّهِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: يَا بَنِي إسْرَائِيلَ إنّمَا وَرَدَ فِي مَعْرِضِ التّذْكِرَةِ لَهُمْ بِدِينِ أَبِيهِمْ، وَعُبُودِيّتِهِ لِلّهِ، فَكَانَ ذِكْرُهُمْ بِهَذَا الِاسْمِ أَلْيَقَ بِمَقَامِ التّذْكِرَةِ وَالتّحْرِيضِ مِنْ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَا بَنِي يَعْقُوبَ، وَلَمّا ذَكَرَ مَوْهِبَتَهُ لِإِبْرَاهِيمَ وَتَبْشِيرَهُ بِإِسْحَاقِ، ثُمّ يَعْقُوبَ كَانَ لَفْظُ يَعْقُوبَ أَوْلَى بِذَلِكَ الْمَقَامِ، لِأَنّهَا مَوْهِبَةٌ بِعَقِبِ أُخْرَى، وَبُشْرَى عَقّبَ بِهَا بُشْرَى وَإِنْ كَانَ اسْمُ يَعْقُوبَ عِبْرَانِيّا، وَلَكِنّ لَفْظَهُ مُوَافِقٌ لِلْعَرَبِيّ فِي الْعَقِبِ وَالتّعْقِيبِ «1» ، فَانْظُرْ مُشَاكَلَةَ الِاسْمَيْنِ لِلْمَقَامَيْنِ، فَإِنّهُ مِنْ بَابِ النّظَرِ فِي إعْجَازِ الْقُرْآنِ وَبَلَاغَةِ أَلْفَاظِهِ وَتَنْزِيلِ الْكَلَامِ فِي مَنَازِلِهِ اللّائِقَةِ بِهِ. حَدِيثُ أَبِي يَاسِرٍ بْنِ أَخْطَبَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ أَبِي يَاسِرٍ بْنِ أَخْطَبَ وَأَخِيهِ حيى بن أخطب حين سمعا المص «2» وَنَحْوَهَا مِنْ الْحُرُوفِ، وَأَنّهُمْ أَخَذُوا تَأْوِيلَهَا مِنْ حُرُوفِ أَبِجَدّ إلَى قَوْلِهِ: لَعَلّهُ قَدْ جُمِعَ لِمُحَمّدِ وَأُمّتِهِ هَذَا كُلّهُ: قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذَا

_ (1) فى الإصحاح الخامس والعشرين من سفر التكوين عن عيسو بن إسحاق وأمهما تلدهما: «وبعد ذلك خرج أخوه، ويده قابضة بعقب عيسو، فدعى اسمه: يعقوب» . (2) تقرأ هكذا: ألف لام ميم صاد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْقَوْلُ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ، وَمَا تَأَوّلُوهُ مِنْ مَعَانِي هَذِهِ الْحُرُوفِ مُحْتَمَلٌ، حَتّى الْآنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَعْضِ مَا دَلّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحُرُوفُ الْمُقَطّعَةُ، فَإِنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُكَذّبْهُمْ فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا صَدّقَهُمْ «1» . وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: لَا تُصَدّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلَا تُكَذّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنّا بِاَللهِ وَبِرَسُولِهِ «2» ، وَإِذَا كَانَ فِي حَدّ الِاحْتِمَالِ وَجَبَ أَنْ يُفْحَصَ عَنْهُ فِي الشّرِيعَةِ هَلْ يُشِيرُ إلَى صِحّتِهِ كِتَابٌ أَوْ سُنّةٌ، فَوَجَدْنَا فِي التّنْزِيلِ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وَوَجَدْنَا فِي حَدِيثِ زَمْلٍ الْخُزَاعِيّ حِينَ قَصّ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رُؤْيَا، وَقَالَ فِيهَا: رَأَيْتُك يَا رَسُولَ اللهِ عَلَى مِنْبَرٍ لَهُ سَبْعُ دَرَجَاتٍ، وَإِلَى جَنْبِهِ نَاقَةٌ عَجْفَاءُ، كَأَنّك تَبْعَثُهَا، فَفَسّرَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النّاقَةَ بِقِيَامِ السّاعَةِ الّتِي أُنْذِرَ بِهَا، وَقَالَ فِي الْمِنْبَرِ: وَدَرَجَاتِهِ الدّنْيَا: سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ بُعِثْت فِي آخِرِهَا أَلْفًا، وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفَ الْإِسْنَادِ، فَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبّاسٍ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ، أَنّهُ قَالَ: الدّنْيَا سَبْعَةُ أَيّامٍ كُلّ يَوْمٍ أَلْفُ سَنَةٍ، وَبُعِثَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْهَا. وَقَدْ مَضَتْ مِنْهُ سُنُونَ، أَوْ قَالَ: مِئُونَ، وَصَحّحَ أَبُو جَعْفَرٍ الطّبَرِيّ هَذَا الْأَصْلَ، وَعَضّدَهُ بِآثَارِ، وَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- بعثت أنا والساعة

_ (1) كلام يهود خرف وشعبذة، فكيف يصدق. هذا والحروف المقطعة التى افتتحت بها السور أربعة عشر حرفا بحذف المكرر منها يجمعها قولك: «نص حكيم قاطع له سر» وهى نصف الحروف عددا، وتشتمل على أصناف أجناس الحروف. (2) هذا إذا كان لا يخالف نصا صحيحا أو عقلا صريحا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَهَاتَيْنِ «1» ، وَإِنّمَا سَبَقْتهَا بِمَا سَبَقَتْ هَذِهِ هَذِهِ، يَعْنِي: الْوُسْطَى وَالسّبّابَةَ، وَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صَحّحَهَا وَأَوْرَدَ مِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَنْ يُعْجِزَ اللهَ أَنْ يُؤَخّرَ هَذِهِ الْأُمّةَ نِصْفَ يَوْمٍ، يَعْنِي: خَمْسَمِائَةِ عَامٍ، وَقَدْ خَرّجَ، هَذَا الْحَدِيثَ الْأَخِيرَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا. قَالَ الطّبَرِيّ: وَهَذَا فِي مَعْنَى مَا قَبْلَهُ يَشْهَدُ لَهُ وَيُبَيّنُهُ فَإِنّ الْوُسْطَى تَزِيدُ عَلَى السّبّابَةِ بِنِصْفِ سُبْعِ أُصْبُعٍ، كَمَا أَنّ نِصْفَ يَوْمٍ مِنْ سَبْعَةٍ نِصْفُ سُبْعٍ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَقَدْ مَضَتْ الْخَمْسُمِائَةِ مِنْ وَفَاتِهِ إلَى الْيَوْمِ بِنَيّفِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: لَنْ يُعْجِزَ اللهَ أَنْ يُؤَخّرَ هَذِهِ الْأُمّةَ نِصْفَ يَوْمٍ مَا يَنْفِي الزّيَادَةَ عَلَى النّصْفِ، وَلَا فِي قَوْلِهِ: بُعِثْت أَنَا وَالسّاعَةَ كَهَاتِينَ مَا يَقْطَعُ بِهِ عَلَى صِحّةِ تَأْوِيلِهِ، فَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ غَيْرُ هَذَا، وَهُوَ أَنْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السّاعَةِ نَبِيّ غَيْرُهُ، وَلَا شَرْعٌ غَيْرُ شَرْعِهِ مَعَ التّقْرِيبِ لِحِينِهَا، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ وَلَكِنْ إذَا قُلْنَا: إنّهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- بُعِثَ فى الألف الآخر بعد ما مَضَتْ مِنْهُ سُنُونَ، وَنَظَرْنَا بَعْدُ إلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطّعَةِ فِي أَوَائِلِ السّوَرِ، وَجَدْنَاهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا يَجْمَعُهَا: قَوْلُك أَلَمْ يَسْطَعْ نَصّ حَقّ كُرِهَ ثُمّ نَأْخُذُ الْعَدَدَ عَلَى حِسَابِ أَبِي جاد، فنجد: ق مائة، و: رمائتين، و: س ثَلَاثَمِائَةٍ، فَهَذِهِ سِتّمِائَةٍ، و: ع سبعين، و: ص ستين، فهذه سبعمائة

_ (1) متفق عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَثَلَاثُونَ، و: ن خَمْسِينَ، و: ك عِشْرِينَ، فَهَذِهِ ثَمَانُمِائَةٍ، و: م أَرْبَعِينَ، و: ل ثَلَاثِينَ، فَهَذِهِ ثَمَانُمِائَةٍ وَسَبْعُونَ، و: ي عَشْرَةٌ، و: ط تسعة، و: اواحد، فَهَذِهِ ثَمَانُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ، و: ح ثَمَانِيَةٌ، و: هـ خَمْسَةٌ، فَهَذِهِ تِسْعُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ، وَلَمْ يُسَمّ اللهُ سُبْحَانَهُ فِي أَوَائِلِ السّوَرِ إلّا هَذِهِ الْحُرُوفَ، فَلَيْسَ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَعْضِ مُقْتَضَيَاتِهَا وَبَعْضِ فَوَائِدِهَا الْإِشَارَةُ إلَى هَذَا الْعَدَدِ مِنْ السّنِينَ لِمَا قَدّمْنَاهُ فِي حَدِيثِ الْأَلْفِ السّابِعِ الّذِي بُعِثَ فِيهِ عَلَيْهِ السّلَامُ، غَيْرَ أَنّ الْحِسَابَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَبْعَثِهِ، أَوْ مِنْ وَفَاتِهِ، أَوْ مِنْ هِجْرَتِهِ، وَكُلّ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا، وَلَكِنْ لَا تَأْتِيكُمْ إلّا بَغْتَةً «1» ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّ الْمُتَوَكّلَ الْعَبّاسِيّ سَأَلَ جَعْفَرَ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْقَاضِي، وَهُوَ عَبّاسِيّ أَيْضًا: عَمّا بَقِيَ مِنْ الدّنْيَا، فَحَدّثَهُ بِحَدِيثِ يَرْفَعُهُ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: إنْ أَحْسَنَتْ أُمّتِي، فَبَقَاؤُهَا يَوْمٌ مِنْ أَيّامِ الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ أَلْفُ سَنَةٍ، وَإِنْ أَسَاءَتْ، فَنِصْفُ يوم، ففى هذا الحديث نتميم لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدّمِ وَبَيَانٌ لَهُ؛ إذْ قَدْ انْقَضَتْ الْخَمْسُمِائَةِ، وَالْأُمّةُ بَاقِيَةٌ وَالْحَمْدُ لِلّهِ «2» . مَعَانِي الْحُرُوفِ فِي أَوَائِلِ السّوَرِ: فَصْلٌ: وَلِهَذِهِ الْحُرُوفِ فِي أَوَائِلِ السّوَرِ مَعَانٍ جَمّةٌ وَفَوَائِدُ لَطِيفَةٌ، وَمَا كَانَ اللهُ تَعَالَى لِيُنَزّلَ فِي الْكِتَابِ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَا لِيُخَاطِبَ نَبِيّهُ وَذَوِي ألباب

_ (1) هذا من قول الله، وهى تضرب كل ما ذكر السهيلى عن دلالة الحروف العددية، وتدمغه بأنه خرف يهودى وقد كذب الواقع ما خرفوا به: (2) كيف يجعل من حجته الأساطير والكيد المحموم من أحقاد اليهود؟!

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ صَحْبِهِ بِمَا لَا يَفْهَمُونَ، وَقَدْ أَنْزَلَهُ بَيَانًا لِلنّاسِ، وَشِفَاءً لِمَا فِي الصّدُورِ، فَفِي تَخْصِيصِهِ هَذِهِ الْحُرُوفَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ بِالذّكْرِ دُونَ غَيْرِهَا حِكْمَةٌ بَلْ حِكَمٌ، وَفِي إنْزَالِهَا مُقَطّعَةً عَلَى هَيْئَةِ التّهَجّي فَوَائِدُ عِلْمِيّةٌ وَفِقْهِيّةٌ، وَفِي تَخْصِيصِهِ إيّاهَا بِأَوَائِلِ السّوَرِ، وَفِي أَنْ كَانَتْ فِي بَعْضِ السّوَرِ، دُونَ بَعْضٍ فَوَائِدُ أَيْضًا، وَفِي اقْتِرَانِ الْأَلِفِ بِاللّامِ، وَتَقَدّمِهَا عَلَيْهَا مَعَانٍ وَفَوَائِدُ، وَفِي إرْدَافِ الْأَلِفِ وَاللّامِ بِالْمِيمِ تَارَةً، وَبِالرّاءِ أُخْرَى، وَلَا تُوجَدُ الْأَلِفُ، وَاللّامُ فِي أَوَائِلِ السّوَرِ، إلّا هَكَذَا مَعَ تَكَرّرِهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَرّةً فَوَائِدُ أَيْضًا، وَفِي إنْزَالِ الْكَافِ قَبْلَ الْهَاءِ، وَالْهَاءِ قَبْلَ الْيَاءِ ثُمّ الْعَيْنُ ثم الصاد من كهيعص «1» مَعَانٍ أَكْثَرُهَا تُنَبّهُ عَلَيْهَا آيَاتٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَتُبَيّنُ الْمُرَادَ بِهَا لِمَنْ تَدَبّرَهَا. وَالتّدَبّرُ وَالتّذَكّرُ وَاجِبٌ عَلَى أُولِي الْأَلْبَابِ، وَالْخَوْضُ فِي إيرَادِ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَالْقَصْدُ لِإِيضَاحِ مَا لَاحَ لِي عِنْدَ الْفِكْرِ وَالنّظَرِ فِيهَا، مَعَ إيرَادِ الشّوَاهِدِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كِتَابٍ وَأَثَر وَعَرَبِيّةٍ وَنَظَرٍ يُخْرِجُنَا عَنْ مَقْصُودِ الْكِتَابِ وَيَنْأَى بِنَا عَنْ مَوْضُوعِهِ وَالْمُرَادِ بِهِ، وَيَقْتَضِي إفْرَادَ جُزْءٍ أَشْرَحُ مَا أَمْكَنَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَعَلّهُ أَنْ يَكُونَ، إنْ سَاعَدَ الْقَدَرُ؛ وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ، وَهُوَ وَلِيّ التّوْفِيقِ، لَا شَرِيكَ لَهُ. ذِكْرُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ، وَمَا قَالَتْهُ جَمَاعَةُ يَهُودَ حِينَ قَالُوا: يَا مُحَمّدُ مَا وَلّاك عَنْ قِبْلَتِك، وَهُمْ السّفَهَاءُ «2» مِنْ النّاسِ، فِيهِمْ نزلت هذه الآية.

_ (1) تقرأ هكذا: كاف ها يا عيين صاد. (2) يرى الزجاج أن السفهاء هم المشركون، ويرى مجاهد أنهم أحبار اليهود،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ: سَيَقُولُ بِلَفْظِ الِاسْتِقْبَالِ لِتَقَدّمِ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ بِأَنّهُمْ سَيَقُولُونَ ذَلِكَ، أَيْ: لَمْ آمُرْكُمْ بِتَحْوِيلِهَا إلّا وَقَدْ عَلِمْت أَنْ سَيَقُولُونَ مَا قَالُوهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ، قِصّةَ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فَوَائِدُ فِي مَعْنَى تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، فَلْتُنْظَرْ هُنَالِكَ «1» وَأَنْشَدَ فِي تَفْسِيرِ الشّطْرِ بَيْتَ ابْنِ أَحْمَرَ: تَعْدُو بِنَا شَطْرَ جَمْعٍ وَهِيَ عَاقِدَةٌ ... قَدْ قَارَبَ الْعِقْدَ مِنْ إيفَادِهَا الْحَقَبَا وَأَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ مَا هَذَا نَصّهُ. قَالَ مِنْ إيفَادِهَا: مِنْ إشْرَافِهَا، كَذَا قَالَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَرْقِيّ، وَقَالَ كَارَبَ مَوْضِعَ قَارَبَ، وَوَقَعَ فِي شعر ابن أحمر: تعدو بِنَا عُرْضَ جَمْعٍ وَهِيَ مُوقِدَةٌ ... قَدْ قَارَبَ الْغَرْضُ مِنْ إيفَادِهَا الْحَقَبَا تَعْدُو: مِنْ الْعَدْوِ بِنَا وَبِرَحْلِي: يَعْنِي غُلَامَهُ. عُرْضَ جَمْعٍ: يَعْنِي مَكّةَ، وَعَرْضُ أَحَبّ إلَيّ، وَعُرْضُ: كَثْرَةُ النّاسِ، عن الأصمعى، وموفدة، أى:

_ - ويرى السدى أنهم المنافقون. ويقول ابن كثير قولة حق: والآية عامة فى هؤلاء كلهم. وفى البخارى أنه صلى ستة عشر شهرا أر سبعة عشر شهرا، وكذلك فى مسلم وعند ابن أبى حاتم. ويحكى القرطبى فى تفسيره عن عكرمة وأبى العالية والحسن البصرى أن التوجه إلى بيت المقدس كان باجتهاده عليه السلام، ويرى ابن عباس وغيره أن التوجه كان بأمر الله. وقد سبق ذكر شىء عن هذا. (1) يقول البيضاوى: وفائدة تقديم الإخبار به: توطين النفس وإعداد الجواب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُشْرِفَةٌ. أَوْفَدَ: إذَا أَشْرَفَ، وَرَوَى غَيْرُهُ: وَهِيَ عَاقِدَةٌ، يُرِيدُ عُنُقَهَا لَاوِيَتَهَا «1» وَالْغَرْضُ: الْبِطَانُ وَهُوَ حِزَامُ الرّحْلِ. مِنْ إيفَادِهَا، أَيْ إشْرَافِهَا، وَقَدْ اقْتَادَتْ: نَصَبَتْ عُنُقَهَا وَعَصَرَتْ بِذَنَبِهَا وَتَخَامَصَتْ بِبَطْنِهَا فَقَرُبَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرْضِ وَالْحَقَبِ مِنْ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ. هُنَا انْتَهَى مَا كَتَبَهُ الشّيْخُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ وَأَوْرَدْته وَقَبْلَ الْبَيْتِ: أَنْشَأْت أَسْأَلُهُ عَنْ حَالِ رُفْقَتِهِ ... فَقَالَ: حَيّ فَإِنّ الرّكْبَ قَدْ نَصَبَا «2» مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي بَنِي قَيْنُقَاعِ فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ فِي بَنِي قَيْنُقَاعِ، وَقَوْلَهُمْ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ حَارَبْتنَا، لَعَلِمْت أَنّا نَحْنُ النّاسُ: قُلْ: لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ إلَى قوله: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ فَمَنْ قَرَأَهُ: يَرَوْنَهُمْ بِالْيَاءِ، فَمَعْنَاهُ أَنّ الْكُفّارَ يَرَوْنَ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا أَقَلّ مِنْهُمْ لَمّا كَثّرَهُمْ بِالْمَلَائِكَةِ. فَإِنْ قِيلَ: وَكَيْفَ وَهُوَ يَقُولُ فِي آيَةٍ أُخْرَى: وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ قيل: كان هذا قبل القتال عند ما حزر الكفار المؤمنين، فرأوهم

_ (1) فى اللسان: ناقة عاقد: تعقد بذنبها عند اللقاح، وظبى عاقد: واضع عنقه على عجزه قد عطفه للنوم. وفى شرح السيرة لأبى ذر الخشنى: ناقة عاقد: إذا عقدت ذنبها بين فخذيها فى أول ما تحمل. (2) فى اللسان: أنشأت أسأله ما بال رفقته ... حى الحمول، فإن الركب قد ذهب وحى: حث ودعاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَلِيلًا، فَتَجَاسَرُوا عَلَيْهِمْ ثُمّ أَمَدّهُمْ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ، فَرَأَوْهُمْ، كَثِيرًا فَانْهَزَمُوا، وَقِيلَ: إنّ الْهَاءَ فِي يَرَوْنَهُمْ عَائِدَةٌ عَلَى الْكُفّارِ، وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ رَأَوْهُمْ مِثْلَيْهِمْ، وَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِمْ، فَقَلّلَهُمْ فِي عُيُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمّا مَنْ قَرَأَهَا بِالتّاءِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْيَهُودِ، أَيْ تَرَوْنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيْ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَانُوا أَلْفًا، فَانْخَذَلَ عَنْهُمْ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ بِبَنِي زُهْرَةَ، فَصَارُوا سَبْعَمِائَةٍ أَوْ نَحْوَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ، أَيْ: تَرَوْنَ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَيْهِمْ، حِينَ أَمَدّهُمْ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ فَيَعُودُ الْكَلَامُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوّلِ الّذِي قَدّمْنَاهُ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ. وَفِي الْآيَةِ تَخْلِيطٌ عَنْ الْفَرّاءِ أَضَرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِ «1» ، وَجُلّ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مَذْكُورٌ فِي التّفَاسِيرِ بِأَلْفَاظِ مُخْتَلِفَةٍ. وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الرّبّانِيّينَ أَنّهُمْ الْعُلَمَاءُ الْفُقَهَاءُ السّادَةُ وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: الرّبّانِيّونَ الّذِينَ يُرَبّونَ النّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ، وَقِيلَ نُسِبُوا إلَى عِلْمِ الرّبّ وَالْفِقْهِ فِيمَا أَنْزَلَ وَزِيدَتْ فِيهِ الْأَلِفُ وَالنّونُ لتفخيم الاسم، وأنشد ابن هشام:

_ (1) ذكر الفراء هذا فى كتابه معانى القرآن ص 194 ح 1 ط دار الكتب. وقد خطأ القرطبى الفراء فى قوله إن معنى أحتاج إلى مثله أنك محتاج إليه وإلى مثله قال القرطبى عن هذا إنه بعيد غير معروف فى اللغة. هذا وقد قرأ نافع ويعقوب: ترونهم. والباقون بالياء. وإذا كان الخطاب لليهود، فيحتمل أن تكون الإشارة إلى وقائع أخرى حدثت لبنى إسرائيل مثل قصة طالوت مع جالوت ... وقيل: إن الرائين والمرئيين هم المقاتلون فى سبيل الله فالمعنى أنهم يرون أنفسهم مثلى ما هم عليه عددا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَوْ كُنْت مُرْتَهَنًا فِي الْقَوْسِ أَفْتَنَنِي ... مِنْهَا الْكَلَامُ وَرَبّانِيّ أَحْبَارِ وَقَالَ: الْقَوْسُ: الصّوْمَعَةُ، وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: أَنَا بِالْقَوْسِ وَأَنْتَ بِالْقَرْقُوسِ «1» ، فَكَيْفَ نَجْتَمِعُ؟ وَقَالَ فِي أَفَتْنَنِي: هِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَفَرّقَ سِيبَوَيْهِ بَيْنَ فَتَنْته وَأَفْتَنْتُهُ، وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الْخَلِيلِ، قَالَ أَفْتَنْتُهُ: صَيّرْته مُفْتَتِنًا أَوْ نَحْوَ هَذَا، وَفَتَنْته، جَعَلْت فِيهِ فِتْنَةً «2» ، كَمَا تَقُولُ: كَحّلْته جَعَلْت فِي عَيْنَيْهِ كُحْلًا، وَمَآلُ هَذَا الْفَرْقِ إلَى أَنّ فِتْنَتَهُ صَرَفَتْهُ، فَجَاءَ عَلَى وَزْنِهِ، لِأَنّ الْمَفْتُونَ مَصْرُوفٌ عَنْ حَقّ، وَأَفْتَنْتُهُ بِمَعْنَى أَضْلَلْته وَأَغْوَيْته، فَجَاءَ عَلَى وَزْنِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ، وَأَمّا فَتَنْت الْحَدِيدَةَ فِي النّارِ، فَعَلَى وَزْنِ فَعَلْت، لَا غَيْرَ؛ لِأَنّهَا فِي مَعْنَى: خَبِرْتهَا، وَبَلَوْتهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ «3» .

_ (1) القرقوس: القاع الأملس الغليظ الأجرد الذى ليس عليه شىء ... وقد سبق الكلام عن هذا فى الجزء الأول. ويرى سيبويه أن العرب زادوا ألفا ونونا فى الربانى، لأنهم أرادوا تخصيصه بعلم الرب دون غيره، كأن معناه صاحب علم بالرب دون غيره من العلوم، وهو كما يقال: رجل شعرانى ولحيانى ورقبانى إذا خص بكثرة الشعر وطول اللحية، وغلظ الرقبة، فاذا نسبوا إلى الشعر قالوا: شعرى، وإلى الرقبة قالوا: رقبى، وإلى اللحية: لحيى. أقول: وأحسن ما قيل فى تعريفه. العالم العامل المعلم. (2) وفى اللسان أيضا: فتن الرجل بالمرأة، وافتتن، وأهل الحجاز يقولون: فتنته المرأة إذا ولهته وأحبها وأهل نجد يقولون: أفتنته. وعند الخشنى: فتن لغة قيس، وأفتن لغة تميم. ومرتهنا وتروى: مرتهبا. (3) فى مفردات الراغب الأصفهانى: أصل الفتن: إدخال الذهب فى النار لتظهر جودته من رداءته. وفى معجم ابن فارس عن مادة الكلمة أنها تدل على ابتلاء واختبار ... وفتنت الذهب بالنار: إذا امتحنته ... وأنكر الأصمعى: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَفْسِيرُ آنَاءِ اللّيْلِ: فَصْلٌ وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي تَفْسِيرِ آنَاءِ اللّيْلِ، قَالَ: وَاحِدُ الْآنَاءِ إنْيٌ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الْهُذَلِيّ «1» ، ثُمّ أَغْرَبَ بِمَا حَدّثَهُ بِهِ يُونُسُ، فَقَالَ: وَيُقَالُ إنّي فِيمَا حَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، وَهَذَا الّذِي قَالَهُ آخِرًا هُوَ لُغَةُ الْقُرْآنِ، قَالَ اللهُ تعالى: (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) . ذِكْرُ جُمَلٍ مِنْ الْآيَاتِ الْمُنَزّلَةِ فِي قَصَصِ الْأَحْبَارِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ جُمَلًا مِنْ الْآيَاتِ الْمُنَزّلَةِ فِي قَصَصِ الْأَحْبَارِ وَمَسَائِلُهُمْ كُلّهَا وَاضِحَةٌ، وَالتّكَلّمُ عَلَيْهَا يَخْرُجُ عَنْ غَرَضِ الْكِتَابِ إلَى تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَفِي جُمْلَتِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى أَيَّانَ مُرْساها وَقَالَ الْفَرّاءُ فِي أَيّانَ: هِيَ كَلِمَتَانِ، جُعِلَتْ وَاحِدَةً، وَالْأَصْلُ: أَيْ آنَ، وَالْآنُ وَالْأَوَانُ بِمَعْنًى واحد، كما يقال: راح ورياح، وأنشد:

_ - أفتن. هذا وبيت جرير الذى فى السيرة هو هكذ فى اللسان: لا وصل إذ صرفت هند ولو وقفت ... لاستفتنتنى وذا المسحين فى القوس وبعده: قد كنت تربا لنا يا هند فاعتبرى ... ماذا يريبك من شيبى وتقويسى (1) لبيت المتنخل رواية أخرى فى اللسان هى: السالك الثغر مخشيا موارده ... بكل إنى قضاء الليل ينتعل ورواية السيرة وردت فى اللسان، وفيها مرته بدلا من شيمته، وسبق بيان إنى وشيمته: طبيعته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نشاوى تساقوا بِالرّيَاحِ الْمُفَلْفَلِ «1» وَقَدْ ذَكَرَ الْهَرَوِيّ فِي أَيّانَ وَجْهًا آخَرَ، قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ: أَيْوَانَ فَانْدَغَمَتْ الْيَاءُ فِي الْوَاوِ مِثْلَ قِيَامٍ. وَذَكَرَ آيَةَ التّيهِ وَحَبْسِ بَنِي إسْرَائِيلَ فِيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً عُقُوبَةً مِنْ اللهِ تَعَالَى لِمُخَالَفَتِهِمْ أَمْرِهِ حِينَ فَزِعُوا مِنْ الْجَبّارِينَ لِعِظَمِ أَجْسَامِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ رَجُلَانِ وَهُمَا يُوشَعُ بْنُ نُونٍ مِنْ سَبْطِ يُوسُفَ، وَكَالِبُ بْنُ يُوفِيَا مِنْ سبط يامين «2» ادْخُلُوا

_ (1) البيت فى اللسان لامرئ القيس فى مادة ريح وفى مادة أين قال: أنشد أبو القمقام، وشطرته الأولى: ورواية الشطرة الثانية فى المقامات بشرح الزوزنى: كأن مكالى الجواء عدية صبحن سلافا من رحيق مفلفل. والراح والرياح بفتح الراء: الخمر، وقد أنشد اللسان البيت فى ريح، وأين. وبقية كلام الفراء أن الآن حرف بنى على الألف واللام، ولم يخلعا منه. وترك على مذهب الصفة، لأنه صفة فى المعنى واللفظ. ويرى أن الآن أصلها الأوان، فحذفت منها الألف، وغيرت واوها إلى الألف. (2) بين القرآن القصة بجلاء لكن لم يرد فيه اسم يوشع وكالب لكن ورد ذكرهما فى أسفار العهد القديم. ويقول الدكتور بوست عن يوشع إنه خليفة موسى، وهو ابن نون من سبط أفرايم ولد فى مصر، وكان أولا خادم موسى، واسمه فى الأصل: هو شع ... وكان هو وكالب الرجلين اللذين تكلما بالحق بخصوص البلاد التى تجسسوها. وانظر سفر الخروج والعدد. وكالب عندهم هو ابن يفنة- بفتح الياء وضم الفاء وتضعيف النون مع فتح القنزى أحد الجواسيس الإثنى عشر الذين أرسلهم موسى إلى أرض كنعان. ويجب أن نأخذ ما يقصه علينا بنو إسرائيل بحذر بالغ، ونقد بصير. وحسبنا قصص القرآن الكريم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ فَلَمّا عَصَوْهُمَا دَعَا عَلَيْهِمْ مُوسَى، فَتَاهُوا، أَيّ تَحَيّرُوا، وَكَانُوا سِتّمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَتَاهُوا فِي ستّة فراسخ من مِنْ الْأَرْضِ، يَمْشُونَ النّهَارَ كُلّهُ، ثُمّ يُمْسُونَ حيث أصبحوا، ويصبحون حيث أمسوا. وفى تلك السّنِينَ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسّلْوَى، لِأَنّهُمْ شُغِلُوا عَنْ الْمَعَاشِ بِالتّيهِ فِي الْأَرْضِ، وَأُبْقِيَتْ عَلَيْهِمْ ثِيَابُهُمْ لَا تَخْلَقُ، وَلَا تَتّسِخُ، وَتَطُولُ مَعَ الصّغِيرِ، إذَا طَالَ، وَفِيهَا اسْتَسْقَى لَهُمْ مُوسَى، فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ حَجَرًا مِنْ الطّورِ، فَيَضْرِبُهُ بِعَصَاهُ، فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، وَفِيهَا ظَلّلَ عَلَيْهِمْ الْغَمَامَ لِأَنّهُمْ كَانُوا فِي الْبَرِيّةِ، فَظُلّلُوا مِنْ الشّمْسِ، وَذَلِكَ أَنّ مُوسَى كَانَ نَدِمَ حِينَ دَعَا عَلَيْهِمْ لِمَا رَأَى مِنْ جَهْدِهِمْ وَحَيْرَتِهِمْ فِي التّيهِ، فَكَانَ يَدْعُو اللهَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ؛ لِئَلّا يَهْلِكُوا فِي التّيهِ جُوعًا أَوْ عُرْيًا أَوْ عَطَشًا، فَلَمّا آسى عليهم قال الله له: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ أى: الذين فَسَقُوا أَيْ: خَرَجُوا عَنْ أَمْرِك. وَمَاتَ فِي أَيّامِ التّيهِ جَمِيعُ كِبَارِهِمْ إلّا يُوشَعُ وَكَالِبٌ فَمَا دَخَلَ الْأَرْضَ عَلَى الْجَبّارِينَ إلّا خُلُوفُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ، وَقِيلَ: إنّ مُوسَى مَاتَ فِي تِلْكَ السّنِينَ أَيْضًا وَلَمْ يَشْهَدْ الْفَتْحَ مَعَ يُوشَعَ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ مَعَ يُوشَعَ حِينَ افْتَتَحَهَا «1» .

_ (1) أصل قصة التيه فى القرآن. أما هذه التفصيلات، فعن أسفار بنى إسرائيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذِكْرُ الْمَرْجُومَةِ مِنْ الْيَهُودِ فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْمَرْجُومَةَ مِنْ الْيَهُودِ، وَأَنّ صَاحِبَهَا الّذِي رُجِمَ مَعَهَا حَنَا عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ «1» لِيَقِيَهَا الْحِجَارَةَ. حَنَا بِالْحَاءِ تَقَيّدَ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ،

_ (1) يقول الدكتور بوست فى قاموسه عن الرجم فى العهد القديم «نوع من أنواع العقاب كان كثير الاستعمال لمقاصة المجرمين الأشقياء حتى إذا لم يذكر نوع القصاص فالغالب أنه الرجم، فكان يرجم المجرمون وعبدة الأصنام ومدلسو البيت ومرتكبوا الفحشاء والمتمردون من البنين، فيخرج بالمجرم إلى خارج المدينة، وحسب زعم البعض كان يربط، وأول من يبدأ برجمه الشهود، والأرجح أنهم كانوا ينزعون ثيابهم لكى يتمكنوا من إجراء العمل بقوة ونشاط» مادة رجم وقد ورد فى سفر التثنية من العهد القديم ما يأتى: «إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل، فوجدها رجل فى المدينة واضطجع معها، فأخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة، وارجموهما بالحجارة حتى يموتا الفتاة من أجل أنها لم تصرخ فى المدينة، والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبه» إصحاح 22 فقرة 32- 34. كما ورد فى الإصحاح المتمم للعشرين من سفر اللاويين من العهد القديم ما يأتى: «وإذا زنى رجل مع امرأة، فإذا زنى مع امرأة قريبة، فانه يقتل الزانى والزانية، وإذا اضطجع رجل مع امرأة أبيه، فقد كشف عورة أبيه، إنهما يقتلان كلاهما، دمهما عليهما، وإذا اضطجع رجل مع كنته- والكنة امرأة الإبن أو الأخ- فانهما يقتلان كلاهما، قد فعلا فاحشة دمهما عليهما، وإذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعلا كلاهما رجسا إنهما يقتلان دمهما عليهما، وإذا اتخذ رجل امرأة وأمها، فذلك رذيلة بالنار يحرقونه وإياهما لكيلا يكون رذيلة بينكم» وفيه أيضا أن المرأة التى تزعم أن فيها جانا يجب أن ترجم بالحجارة وكذلك الرجل ... أما الرجم فحكمه لم يرد فى القرآن والزعم بأنه كان ثم نسخ لفظه وبقى حكمه دعوى بلا بينة، والقرآن حين ذكر حد الزنى فى سورة النور لم يفرق بين محصن وغير محصن بل جاء بالوصف، ورتب-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَذَلِكَ فِي الْمُوَطّأِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى، فَجَعَلَ يَحْنَى عَلَيْهَا، وَفِي الرّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ: جَنَأَ بِالْجِيمِ وَالْهَمْزِ، وَعَلَى هَذِهِ الرّوَايَةِ فَسّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْجَنَاءُ: الِانْحِنَاءُ «1» ، قَالَ الشّاعِرُ عَوْفُ بْنُ مُحَلّمٍ: وَبَدّلَتْنِي بِالشّطَاطِ الْجَنَا ... وَكُنْت كَالصّعْدَةِ تَحْتَ السّنَانِ «2» وَفِي حُنُوّهِ عَلَيْهَا مِنْ الْفِقْهِ: أَنّهُمَا لَمْ يَكُونَا فِي حُفْرَتَيْنِ، كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي سُنّةٍ الرّجْمِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَحِمَهُ اللهُ، أنه

_ - عليه العقوبة، (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ولكن ورد فى بعض الأحاديث أنه حدث رجم. (1) فى القاموس: جنأ عليه كجعل وخرج جنوآ، وجنأ: أكب كأجنأ، وجانأ، وتجانأ. وفى النهاية لابن الأثير: أجنأ يجنىء إجناء، وفى رواية أخرى: فلقد رأيته: يجانىء عليها مفاعلة من جانأ يجانىء. (2) أول القصيدة: يا ابن الذى دان له المشرقان ... طرا، وقد دان له المغربان إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعى إلى ترجمان وبدلتنى بالشطاط الجنا ... وكنت كالصعدة تحت السنان وعدة القصيدة فى أمالى القالى: عشرة أبيات، وسببها أن عوفا دخل على عبد الله بن طاهر، فسلم عليه عبد الله، فلم يسمع، فأعلم بذلك. فزعموا أنه ارتجل هذه القصيدة.. وعوف يكنى أبا محلم أو أبا المنهال، وهو شاعر مجيد من شعراء الدولة الهاشمية. والشطاط: حسن القوام والاعتدال، والصعد: الفتاة المستوية انظر ص 50 ح 1 الأمالى ط 2 و 198 سمط اللالى للبكرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَفَرَ لِشُرَاحَةَ بِنْتِ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيّةِ حِينَ رَجَمَهَا. وَأَمّا الْأَحَادِيثُ فَأَكْثَرُهَا عَلَى تَرْكِ الْحَفْرِ لِلْمَرْجُومِ، وَاسْمُ هَذِهِ الْمَرْجُومَةِ: بُسْرَةُ فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفِي قِصّتِهِمَا أَنْزَلَ اللهُ: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ الْآيَةُ إلَى قَوْلِهِ: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، يَعْنِي مُحَمّدًا، وَمَنْ حَكَمَ بِالرّجْمِ قَبْلَهُ، لِأَنّهُ حَكَمَ بِالرّجْمِ لِأُولَئِكَ الْيَهُودِ الّذِينَ تَحَاكَمُوا إلَيْهِ، والربانيون. يَعْنِي: عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَامٍ وَابْنَ صورى مِنْ الْأَحْبَارِ بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ، لِأَنّهُمْ حَفِظُوا أَنّ الرّجْمَ فِي التّوْرَاةِ، لَكِنّهُمْ بَدّلُوا وَغَيّرُوا، وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ؛ لِأَنّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ عَلَى الْيَهُودِ إلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَحَكَمَ بِالرّجْمِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا يُبَيّنُ لَك أَنّ الرّجْمَ فِي الْقُرْآنِ، وَعَلَى هَذَا فَسّرَهُ مَالِكٌ فِيمَا بَلَغَنِي، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لِلرّجُلَيْنِ: لَأَحْكُمَنّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، فَحَكَمَ بِالرّجْمِ، كَمَا فِي الْكِتَابِ الْمُنَزّلِ عَلَى مُوسَى وَعَلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ أَقْوَالٌ غير هذا، والصحيح ما ذكرنا «1» .

_ (1) روى البخارى ومسلم ومالك وغيرهم أن اليهود جاؤا إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما تجدون فى التوراة فى شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم، ويجلدون، قال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة، فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع فاذا آية الرجم، فقالوا صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بِهِمَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فرجما، فرأيت الرجل يحنى على المرأة يقيها الحجارة» هذا لفظ البخارى. ونستطيع أن نفهم من هذا أن رسول الله «ص» إنما رجع إلى حكم التوراة، لأنه لم يكن قد نزل حكم-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ هِشَامٍ فِي تَفْسِيرِ الْجَهْرَةِ بِقَوْلِ أَبِي الْأَخْزَرِ الْحِمّانِيّ، وَاسْمُهُ: قُتَيْبَةُ، وَحِمّانُ هُوَ ابْنُ كَعْبِ «1» بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَجْهَرُ أَفْوَاهَ الْمِيَاهِ السّدُمِ يُقَالُ: مَاءٌ سِدَامٌ إذَا غَطّاهُ الرّمْلُ، وَجَمْعُهُ: سُدّمٌ، وَجَمْعُهُ عَلَى سَدُمٍ غَرِيبٌ، وَيُقَالُ أَيْضًا سِدَامٌ وَأَسْدَامٌ «2» وَنَحْوٌ مِنْ قَوْلِهِ يَجْهَرُ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي أَبِيهَا. وَاجْتَهَرَ لهم عين الرّواء «3» ، وأنشد فى تفسير الفوم وأنه البرّ:

_ - الزنا، وإلا لبادرهم ببيان حكم الله الذى فى القرآن قبل أن يسألهم عن حكم الله الذى فى التوراة التى يهيمن عليها القرآن. وكل روايات الحديث توحى بهذا المعنى وقصر وصف الربانيين على ابن سلام وابن صورى، وقصر وصف المسلمين على ما قصره عليه. كل هذا لا دليل عليه. فلم لا يعمم معنى الآية، فيتناول كل أنبياء بنى إسرائيل الذين حكموا بالتوراة من بعد موسى، وكل الربانيين؟! ثم أين آية الرجم فى القرآن حتى يصدق ما ذهب إليه السهيلى؟ (1) فى اللباب لابن الأثير: حمان، وهى قبيلة من تميم، وهو حمان ابن عبد العزيز بن كعب الخ بزيادة عبد العزيز عما فى الروض. (2) فى اللسان: ماء سدم- بفتح السين والدال- وسدم- بفتح فكسر- وسدم- بضم فضم- وسدوم- بضم السين والدال- مندفق، والجمع: أسدام وسدام بكسر السين فى هذه، وقد قيل الواحد والجمع فى ذلك سواء. والرجز فى السيرة: يجهر أجواف. (3) فى النهاية لابن الأثير «اجتهر دفن الرواء هو بالفتح والمد: الماء الكثير، وقيل: العذب الذى فيه الواردين رى» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَوْقَ شِيزَى مِثْلَ الْجَوَابِي عَلَيْهَا ... قِطَعٌ كَالْوَذِيلِ فِي نِقْيِ فُوَمِ الشّيزَى: خَشَبٌ أَسْوَدُ تُصْنَعُ مِنْهُ الْجِفَانُ [مُفْرَدُهَا: جَفْنَةُ، وَهِيَ الْقَصْعَةُ، وَالْجَوَابِي: جَمْعُ جَابِيَةٍ: الْحَوْضُ يُجْبَى فِيهِ الْمَاءُ لِلْإِبِلِ] ، وَالْوَذِيلُ: جَمْعُ وَذِيلَةٍ وَهِيَ السّبِيكَةُ مِنْ الْفِضّةِ. قال الشاعر: وتريك وجها كالوذيلة لَا رَيّانَ مُمْتَلِئٌ ولا جهم ومنه قول عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ: أَمَا وَاَللهِ لَقَدْ أَلْفَيْت أَمْرَك، وَهُوَ أَشَدّ انْفِضَاحًا مِنْ حَقّ الكهول. كذاك رَوَاهُ الْهَرَوِيّ، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَةَ: الْكَهْدَلُ، فَمَا زِلْت أَرُمّهُ بِوَذَائِلِهِ، وَأَصْلُهُ، بِوَصَائِلِهِ، حَتّى تَرَكْته عَلَى مِثْلِ فَلْكَةِ الْمَدْرِ. حَقّ الْكُهُولِ: بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ، وَكَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيّ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ الزّاهِدُ فِي كِتَابِ الْيَاقُوتِ، كَمَا وَقَعَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْقُتَبِيّ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ الْقَزّازِ فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ، قَالَ: الْكَهْدَلُ: الْعَنْكَبُوتُ، وَقِيلَ فِي الْكُهُولِ إنّهُ ثَدْيُ الْعَجُوزِ، وَفِي الْعَيْنِ: الْوَذِيلَةِ: الْمِرْآةُ «1» ، وَقِيلَ فِي الْفُومِ: إنّهُ الثّومُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَاحْتَجّ بِأَنّهُ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: وَثُومِهَا، وَلَا حُجّةَ فِي هَذَا لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي النّبَاتِ: أَنّ الثّومَ، هُوَ الْبُرّ،

_ (1) فى النهاية لابن الأثير عن الكهول: رواها الأزهرى بفتح الكاف وضم الهاء، وقال: هى العنكبوت، ورواها الخطابى والزمخشرى بسكون الهاء وفتح الكاف والواو، وقالا: هى العنكبوت.. وقال القتيبى: أما حق الكهدل، فلم أسمع فيه شيئا ممن يوثق بعلمه، بلغنى أنه بيت العنكبوت، ويقال: إنه ثدى العجوز، وقيل: العجوز نفسها، وحقها: ثديها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَنّهُ يُقَالُ بِالْفَاءِ وَبِالثّاءِ، وَمِنْ الشّاهِدِ عَلَى الفوم وأنه البرّ قول أبى أحيحة ابن الجلاح، وقيل هو لأبى محجن الثّققىّ: قَدْ كُنْت أَغْنَى النّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا ... سَكَنَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومِ «1» وَأَنْشَدَ فِي بَعْضِ مَا فَسّرَ بَيْتَ الْأَخْطَلِ، قَالَ: وَهُوَ الْغَوْثُ بن هبيرة ابن الصّلْتِ «2» ، يُكَنّى أَبَا مَالِكٍ، وَالْمَعْرُوفُ: غِيَاثُ بْنُ الغوث بن هبيرة ابن الصّلْتِ، وَسُمّيَ: الْأَخْطَلَ لِقَوْلِهِ: لَعَمْرُك إنّنِي وَابْنَيْ جُعَيْلٍ ... وَأُمّهِمَا لَاسْتَارٌ لَئِيمُ كُلّ أَرْبَعَةٍ إسْتَارٌ «3» قِيلَ: إنّ كَعْبَ بْنَ جُعَيْلٍ قَالَ لَهُ فى خبر جرى بينهما،

_ (1) نسبه الأخفش إلى أبى محجن، وروايته فى اللسان هكذا: قد كنت أحسبنى كأغنى واحد ... نزل المدينة عن زراعة فوم (2) الأخطل فى سمط اللآلى: غياث بن غوث، وفى ديوانه برواية السكرى: غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو بن سيحان بن العذولس بن عمرو بن مالك بن جشم بن بكر بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ تغلب، وفى الأغانى ابن الطارقة، ويقال: ابن السحيان بن عمرو بن العذولس. وعن المدائنى: غوث بن مسلمة بن طارقة انظر ص 44 من السمط. (3) وقيل الإستار: رابع أربعة. وقيل هو معرب عن الفارسية، وأصله جهار، ويجمع أساتير، وقال أبو حاتم: ثلاثة أساتر.. ويقول ابن قتيبة عن الأخطل: وسمى الأخطل، من الخطل، وهو استرخاء الأذنين.. قال شارحه ابن السيد: لا أعلم أحدا ذكر أن الأخطل كان طويل الأذنين مسترخيهما، والمعروف أنه لقب الأخطل لبذاءته وسلاطة لسانه، وذلك أن ابنى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْأَخْطَلُ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ يُقَرْزِمُ، أَيْ: كَمَا يَبْتَدِي «1» يَقُولُ: قُبّحَ ذَاكَ الْوَجْهُ غِبّ الْحُمّهِ «2» ... فَقَالَ الْأَخْطَلُ، وَلَمْ يَكُنْ وَفَعَلَ كَعْبُ بْنُ جُعَيْلٍ أمّه «3» فقال جعيل؛ إنك لأخطل «4»

_ جعيل احتكما إليه مع أمهما، فقال البيت الذى ذكره السهيلى؛ فقيل: إنه لأخطل فلزمه هذا اللقب. (1) القرزمة: أن يقول الشعر فى أول أمره قبل أن يستحكم طبعه، وتقوى قريحته. (2) فى الأغانى: شاهد هذا الوجه الخ، وفى خزانة الأدب ويل لهذا الوجه (3) فى الأغانى: بدل «وفعل» كلمة يقبح ذكرها وقد استبدلها السهيلى، ولهذا قال: ولم يكن يعنى أن الأخطل ذكرها صريحة. (4) الخبر بطوله فى الأغانى ص 28 ح 8 ط لبنان، وانظر خزانة البغدادى ص 308 وما بعدها ح 1 طبع دار العصور.

تم بحمد الله الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس ان شاء الله وأوله: ذكر نصاري نجران وما أنزل الله فيهم

فهرس الجزء الرابع من الروض الأنف

فهرس الجزء الرابع من الروض الأنف الرقم الموضوع 5 المقدمة 7 كفاية الله أمر المستهزئين «س» 8 الوليد وأبو أزيهر «س» 11 ثورة لمقتل أبى أزيهر «س» 12 آية الربا من البقرة «س» 13 الهم بأخذ ثأر أبا أزيهر «س» 13 عمل أم غيلان «س» 13 من المؤذين لرسول الله «س» 14 ما عاناه الرسول ص بعد وفاة أبى طالب وخديجة «س» 15 ما حدث بين النبى «ص» وبين أبى طالب والمشركين «س» 16 الرسول يرجو أن يسلم أبو طالب» 17 مَا نَزَلَ فِيمَنْ طَلَبُوا الْعَهْدَ عَلَى الرّسُولِ عند أبى طالب «س» 17 عن المستهزئين وملكان 19 حديث الوليد بن المغيرة 19 عن مقتل أبى أزيهر وموقف درس 20 عن أطوقا ومن أحكامه أن 22 شعر الجون 23 من أسواق العرب 25 ما أنزل الله فى الربا 26 وفاة أبى طالب ووصيته 31 تفسير المشى فى سورة ص 32 تتابع المصائب بموت خديجة 33 الرسول يسعى إلى الطائف «س» 33 موقف ثقيف من الرسول ص «س» 36 أمرجن نصيبين «س» 36 عرض رسول الله ص نفسه على القبائل «س» 38 العرض على بنى كلب «س» 38 العرض على بنى حنيفة «س» 38 العرض على بنى عامر «س» 39 عرض على العرب فى المواسم «س» 40 حديث سويد بن صامت «س» 42 إسْلَامُ إيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ وَقِصّةُ أَبِي الْحَيْسَرِ «س» 43 الرسول مع نفر من الخزرج عند العقبة «س»

44 أسماء الخزرجين الذين التقوا بالرسول عند العقبة «س» 45 خروج النبى ص إلى الطائف 48 نور الله ووجهه 56 خبر عداس 57 جن نصيبين 59 ذكر عرض نفسه على القبائل 60 عرض نفسه على كندة 60 فى هذا الكتاب تتمة لفائدته 65 حديث سويد بن صامت 66 ذكر مجلة لقمان 67 ذكر قدوم أبى الحيسر 68 بدء إسلام الأنصار 71 بيعة العقبة الأولى «س» 73 رجال العقبة من الأوس «س» 73 رجال العقبة الأولى من بنى عمرو «س» 73 بيعة العقبة «س» 74 مصعب بن عمير ووفد العقبة «س» 74 أول جمعة أقيمت بالمدينة «س» 75 إسلام سعد بن معاذ وأسيد ابن حضير «س» 81 إسلام عبد الله بن عمرو ابن حزام «س» 81 أمرأتان فى البيعة «س» 82 العباس والأنصار «س» 82 عَهْدُ الرّسُولِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ عَلَى الْأَنْصَارِ «س» 83 أَسَمَاءُ النّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتَمَامُ خَبَرِ الْعَقَبَةِ «س» 83 النقباء من العقبة «س» 85 النقباء من الأوس «س» 85 شعر كعب بن مالك عن النقباء «س» 86 ما قاله العباس بن عبادة للخزرج قبل المبايعة «س» 87 أول صحابى ضَرَبَ عَلَى يَدِ الرّسُولِ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثانية «س» 88 الشيطان وبيعة العقبة «س» 88 الرسول لا يستجيب الطلب الحرب من الأنصار «س» 89 مجادلة جلة قريش للأنصار فى شأن البيعة «س» 90 قريش تطلب الأنصار وتأسر سعد بن عبادة «س» 90 خلاص سعد بن عبادة «س» 97 هجرة مصعب بن عمير 98 أول جمعة 99 نقيع الخضمات 100 الجمعة 106 لفظ الجمعة 106 أيام الأسبوع

109 إسلام سعد بن معاذ وأسيد ابن حضير 110 هل يغتسل الكافر إذا أسلم 111 من شرح شعر أبن الأسلت 112 ذِكْرُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، وَصَلَاتِهِ إلَى الْقِبْلَةِ 113 قبلة الرسول ص 118 أُمّ عُمَارَةَ وَأُمّ مَنِيعٍ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الأخرى 119 قول البراء بن معرور 121 ترجمة البراء 121 والهدم الهدم 123 من ولى النقباء 125 تفسير بعض ما وقع فى وجدته 128 تذكير فعيل وتأنيثها 129 من ألقاب الطويل 130 معانى الكلمات 131 حول قصيدة حسان 133 قصة صنم عمرو بن الجموح «س» 134 اسلام عمرو بن الجموح «س» 134 شروط البيعة فى العقبة الأخيرة «س» 135 أسماء من شهد العقبة «س» 138 من شهدها من بلحارث ابن الخزرج «س» 146 نزول الأمر لرسول الله ص فى القتال «س» 147 الإذن لمسلمى مكة بالهجرة «س» 148 المهاجرون إلى المدينة «س» 148 هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجُهُ، وَحَدِيثُهَا عَمّا لَقِيَا «س» 150 هجرة عامر وزوجه وهجرة بنى جحش «س» 154 إسلام عمرو بن الجموح وصنمه 155 تفسير بعض الأنساب 159 ذكر خديج بن سلامة البلوى 161 متى أسلم عثمان بن أبى طلحة 162 هجرة بنى جحش 163 الشعر الذى تمثل به أبو سفيان 170 هجرة عمر وقصة عياش معه «س» 171 كتاب عمر إلى هشام بن العاصى «س» 172 الوليد بن الوليد وعياش وهشام «س» 172 منازل المهاجرين بالمدينة «س» 174 مَنْزِلُ حَمْزَةَ وَزَيْدٍ وَأَبِي مَرْثَدٍ وَابْنِهِ وَأَنَسَةَ وأبى كبشه «س» 175 خبر الندوة وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم «س» 176 الملأ من قريش يتشاورون فى أمر الرسول ص «س» 178 مما يقال عن ليلة الهجرة «س» 180 الآيات التى نزلت فى تربص المشركين بالنبى «س» 181 الهجرة إلى المدينة «س»

182 الذين كانوا يعلمون بالهجرة «س» 182 الرسول ص وأبو بكر فى الغار «س» 183 الذين قاموا بشئون الرسول فى الغار «س» 183 لم سميت أسماء بذات النطاقين «س» 184 راحلة النبى ص «س» 184 أبو جهل يضرب أسماء بنت أبى بكر «س» 185 خير الجنى الذى تغنى بمقدم الرسول ص «س» 185 نسب أم معبد «س» 186 آل أبى بكر بعد هجرته «س» 186 خبر سراقة بن مالك «س» 188 هجرة عمر وعياش 191 قول هشام بن العاص 191 نزول طلحة وصهيب على خبيب بن إساف 192 أبو كبشه 196 سالم مولى أبى حذيفة 198 اجتماع قريش للتشاور فى أمر النبى ص 202 إذن الله سبحانه لنبيه بالهجرة 204 لم اشتريت الراحلة 205 ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابن هشام 206 بكاء الفرح من أبى بكر 207 مكة والمدينة 208 حديث الغار 215 الرّدّ عَلَى الرّافِضَةِ فِيمَا بَهَتُوا بِهِ أَبَا بكر 216 معية الله مع رسوله وصاحبه 217 حَدِيثُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْكِنَانِي 220 حديث أم معبد 225 نسب أم معبد وزوجها 228 طريق الهجرة «س» 229 النزول بقباء «س» 230 المنازل التى نزلت بقباء «س» 232 سهيل بن جنيف وامرأة مسلحة «س» 232 بناء مسجد قباء «س» 233 القبائل تعترضه لينزل عندها «س» 233 مبرك الناقة بدار بنى مالك ابن النجار «س» 234 المسجد والمسكن «س» 234 عمار والفئة الباغية «س» 235 ارتجاز على «س» 235 مشادة عمار «س» 235 الرسول ص يوصى بعمار «س» 236 إضافة بناء أول مسجد إلى عمار «س» 236 الرسول ص فى بيت أبى أيوب «س» 237 تلاحق المهاجرين «س»

238 قصة أبى سفيان مع بنى جحش «س» 238 انتشار الإسلام ومن بقى على شركه «س» 239 الخطبة الأولى «س» 239 الخطبة الثانية «س» 240 كتاب الموادعة لليهود «س» 244 المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار «س» 246 بلال يوصى بديوانه لأبى رويحه «س» 246 أبو أمامة «س» 247 بلاد فى طريق الهجرة 251 قصة أوس بن حجر 253 متى قدم الرسول من المدينة 253 كلثوم بن الهدم 254 تأسيس مسجد قباء 255 التاريخ العربى 257 من ودخولها على الزمان 260 تحلحل وتلحلح 261 المربد وصاحباه 262 حول بتيان المسجد 264 سمية أم عمار 266 إضافة بناء المسجد إلى عمار 266 أطوار بناء المسجد 267 بيوت النبى صلى الله عليه وسلم 278 حب حباب 279 الشوم 279 مصير منزل أبى أيوب 280 مِنْ قِصّةِ أَبِي سُفْيَانَ مَعَ بَنِي جَحْشٍ 281 الخطبة 282 الحب 286 من شرح الخطبة 289 كتاب رسول الله ص فيما بينه وبين اليهود 290 متى دخل اليهود يثرب؟ 291 اسم يثرب 293 تفسير على ربعاتهم 294 من كلمات الكتاب 296 المؤاخاة بين الصحابة 297 نسب أبى الدرداء 298 نسب الفزع 298 مواخاة حاطب بن أبى بلتعة 299 خبر الأذان «س» 299 رؤيا عبد الله بن زيد «س» 300 رؤيا عمر فى الأذان «س» 301 ما كان يقوله بلال فى الفجر «س» 301 أبو قيس بن أبى أنس «س» 305 الأعداء من يهود «س» 305 من يهود بنى النضير «س» 306 من يهود بنى ثعلبة «س» 306 من يهود بنى قينقاع «س» 307 من يهود بنى قريظة «س» 307 من يهود بنى زريق «س» 307 من يهود بنى حارثة «س»

308 من يهود بنى عمرو «س» 308 من يهود بنى النجار «س» 308 اسلام عبد الله بن سلام «س» 310 حديث مخيريق «س» 310 شهادة عن صفية «س» 111 مِنْ اجْتَمَعَ إلَى يَهُودَ مِنْ مُنَافِقِي الْأَنْصَارِ منافقو بنى عمرو «س» 311 منافقو حبيب «س» 311 من نفاق جلاس «س» 313 ارتداد الحارث بن سويد وغدره «س» 314 منافقو بنى ضبيعة «س» 314 منافقو بنى لوذان «س» 315 منافقو بنى ضبيعة «س» 315 معتب وابنا حاطب بدريون وليسوا منافقين «س» 316 من بنى ثعلبة «س» 316 من بنى أمية «س» 316 من بنى عبيد «س» 317 من بنى النبيت «س» 318 من بنى ظفر «س» 319 من عبد الأشهل «س» 320 من الخزرج «س» 320 من بنى جشم «س» 320 من بنى عوف «س» 321 من أسلم من أحبار يهود نفاقا «س» 321 من بنى قينقاع «س» 322 طَرْدُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ مَسْجِدِ الرّسُولِ صَلّى اللهُ عليه وسلم «س» 324 مَا نَزَلَ مِنْ الْبَقَرَةِ فِي الْمُنَافِقِينَ وَيَهُودَ ما نزل فى الأحبار «س» 326 ما نزل فى منافقى الأوس والخزرج «س» 327 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 335 دَعْوَى الْيَهُودَ قِلّةَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ وَرَدّ الله عليهم «س» 337 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 341 سؤال اليهود الرسول، وإجابته لهم عليه الصلاة والسلام «س» 342 إنْكَارُ الْيَهُودِ نُبُوّةَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَرَدّ الله عليهم «س» 343 كِتَابُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى يَهُودِ خيبر «س» 344 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 345 ما نزل فى أبى ياسر وأخيه «س» 347 كفر اليهود به ص بعد استفتاحهم وما نزل فى ذلك «س» 347 مَا نَزَلَ فِي نُكْرَانِ مَالِكِ بْنِ الصّيْفِ العهد اليهم بالنبى «س» 348 مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي صَلُوبا «مَا جئتنا بشىء نعرفه» «س» 348 مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ وَوَهْبٍ «س»

348 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 349 ما نزل فى صد حي وأخيه الناس عن الإسلام «س» 349 تَنَازُعُ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى عِنْدَ الرّسُولِ صَلّى اللهُ عليه وسلم «س» 350 مَا نَزَلَ فِي طَلَبِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ أَنْ يكلمه الله «س» 350 مَا نَزَلَ فِي سُؤَالِ ابْنِ صُورِيّا لِلنّبِيّ عليه الصلاة والسلام بأن يتهود «س» 351 مَقَالَةُ الْيَهُودِ عِنْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ «س» 352 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 353 كتمانهم ما فى التوراة من الحق «س» 353 جوابهم للنبى عليه الصلاة والسلام حين دعاهم إلى الإسلام «س» 354 جمعهم فى سوق بنى قينقاع «س» 354 دخوله ص بيت المدارس «س» 355 اخْتِلَافُ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى فِي إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ «س» 355 ما نزل فيماهم بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ غَدْوَةً وَالْكُفْرِ عَشِيّةً «س» 356 مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي رَافِعٍ وَالنّجْرَانِيّ «أَتُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَك كَمَا تَعْبُدُ النّصَارَى عِيسَى «س» 357 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 357 ما نزل فى أخذ الميثاق عليهم «س» 358 سعيهم فى الوقيعة بين الأنصار «س» 358 شىء عن يوم بعاث «س» 359 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 360 مَا نَزَلَ فِي قَوْلِهِمْ «مَا آمَنَ إلّا شرارنا» «س» 361 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 361 ما كان فى نهى المسلمين عن مباطنة اليهود «س» 362 ما كان بين أبى بكر وفنحاص «س» 363 أمرهم المؤمنين بالبخل 364 جحدهم الحق «س» 365 تفسير ابن هشام الغريب «س» 366 النفر الذين حزبوا الأحزاب «س» 366 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 367 أنكارهم التنزيل «س» 368 اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى طَرْحِ الصّخْرَةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ص «س» 368 أدعاؤهم أنهم أحباء الله «س» 369 إنْكَارُهُمْ نُزُولَ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ «س» 369 رجوعهم إلى النبى ص فى حكم الرحم «س» 372 ظلمهم فى الدية «س» 373 فصدهم الفتنة برسول الله ص «س» 373 جحودهم نبوة عيسى عليه السلام «س» 374 دعاؤهم أنهم على الحق «س» 374 إشراكهم بالله «س»

375 نهيه تعالى للمؤمنين عن موادتهم «س» 375 سؤالهم عن قيام الساعة «س» 376 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 377 ادعاؤهم أن عزيزا ابن الله «س» 377 طلبهم كتابا من السماء «س» 378 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 378 سؤالهم له ص عن ذى القرنين «س» 379 تهجمهم على ذات الله وغضب الرسول ص لذلك «س» 380 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 380 بدء الآذان 389 حديث صرمة بن أبى أنس 391 من شرح شعره 396 تسمية اليهود الذين نزل فيهم القرآن 397 يهود المدينة 398 السحر المنسوب إلى النبى ص 404 فقه حديث السحر 407 إسلام عبد الله بن سلام 410 ذكر المنافقين 411 ذَكَرَ حَدِيثَ بَشِيرِ بْنِ أُبَيْرِقٍ سَارِقُ الدّرْعَيْنِ 415 ذكر ما أنزل الله فى المنافقين 418 حديث أبى ياسر بن أخطب 421 معانى الحروف فى أوائل السور 422 ذكر تحويل القبلة 424 ما أنزل الله فى بنى قينقاع 427 تفسير آناء الليل 427 ذِكْرُ جُمَلٍ مِنْ الْآيَاتِ الْمُنَزّلَةِ فِي قَصَصِ الأحبار

بعون الله وجميل توفيقه قد تم طبع الجزء الرابع من كتاب الروض الأنف

الجزء الخامس

الجزء الخامس المقدمة بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأئمة المهتدين. «وبعد» فهذا هو الجزء الخامس من السيرة وشرحها «الروض الأنف» للامام السهيلى والله وحده أسأل أن يعين على تمامه؟ عبد الرحمن الوكيل

ذكر نصارى نجران وما أنزل الله فيهم

[ذكر نصاري نجران وما أنزل الله فيهم] [معنى العاقب والسيد والأسقف] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ، سِتّونَ رَاكِبًا، فِيهِمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فِي الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إلَيْهِمْ يَئُولُ أَمْرُهُمْ: الْعَاقِبُ، أَمِيرُ الْقَوْمِ وَذُو رَأْيِهِمْ، وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمْ، وَاَلّذِي لَا يُصْدِرُونَ إلّا عَنْ رَأْيِهِ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَالسّيّدُ لَهُمْ: ثِمَالُهُمْ، وَصَاحِبُ رَحْلِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ، وَاسْمُهُ: الْأَيْهَمُ، وَأَبُو حارثة ابن عَلْقَمَةَ، أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، أَسْقُفُهُمْ وَحَبْرُهُمْ وَإِمَامُهُمْ، وَصَاحِبُ مِدْرَاسِهِمْ. [مَنْزِلَةُ أَبِي حَارِثَةَ عِنْدَ مُلُوكِ الرّومِ] وَكَانَ أَبُو حَارِثَةَ قَدْ شَرُفَ فِيهِمْ، وَدَرَسَ كُتُبَهُمْ، حَتّى حَسُنَ عِلْمُهُ فِي دِينِهِمْ، فَكَانَتْ مُلُوكُ الرّومِ مِنْ النّصْرَانِيّةِ قَدْ شَرّفُوهُ وَمَوّلُوهُ وَأَخْدَمُوهُ، وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِسَ، وَبَسَطُوا عَلَيْهِ الْكَرَامَاتِ، لِمَا يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عِلْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِمْ. [السبب فى إسلام كرز بْنِ عَلْقَمَةَ] فَلَمّا رَجَعُوا إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَجْرَانَ، جَلَسَ أبو حارثة على بغلة له موجّها، وَإِلَى جَنْبِهِ أَخٌ لَهُ، يُقَالُ لَهُ: كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رؤساء نجران وإسلام ابن رئيس منهم

وَيُقَالُ: كُرْزٌ- فَعَثَرَتْ بَغْلَةُ أَبِي حَارِثَةَ، فَقَالَ كُوزٌ: تَعِسَ الْأَبْعَدُ: يُرِيدُ: رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَقَالَ لَهُ أَبُو حَارِثَةَ: بَلْ أَنْتَ تَعِسْت! فَقَالَ: وَلِمَ يَا أَخِي؟ قَالَ: وَاَللهِ إنّهُ لَلنّبِيّ الّذِي كُنّا نَنْتَظِرُ، فَقَالَ لَهُ كُوزٌ: مَا يَمْنَعُك مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا؟ قَالَ: مَا صَنَعَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ، شَرّفُونَا وَمَوّلُونَا وَأَكْرَمُونَا، وَقَدْ أَبَوْا إلّا خلافه، فلو فعلت نزعوا منّا كلّ ما تَرَى. فَأَضْمَرَ عَلَيْهَا مِنْهُ أَخُوهُ كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ، حَتّى أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ. فَهُوَ كَانَ يُحَدّثُ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا بَلَغَنِي. [رُؤَسَاءُ نجران وإسلام ابن رئيس منهم] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنّ رُؤَسَاءَ نَجْرَانَ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ كُتُبًا عِنْدَهُمْ. فَكُلّمَا مَاتَ رَئِيسٌ مِنْهُمْ، فَأَفْضَتْ الرّيَاسَةُ إلَى غَيْرِهِ، خَتَمَ عَلَى تِلْكَ الْكُتُبِ خَاتَمًا مَعَ الْخَوَاتِمِ الّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَكْسِرْهَا، فَخَرَجَ الرّئِيسُ الّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْشِي، فَعَثَرَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: تَعِسَ الْأَبْعَدُ! يُرِيدُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنّهُ نَبِيّ، وَاسْمُهُ فِي الْوَضَائِعِ، يَعْنِي.. الْكُتُبَ، فَلَمّا مَاتَ لَمْ تَكُنْ لِابْنِهِ هِمّةٌ إلّا أَنْ شَدّ فَكَسَرَ الْخَوَاتِمَ، فَوَجَدَ فِيهَا ذِكْرَ النّبِيّ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَحَجّ، وَهُوَ الذى يقول: إليك تعدو قلقا وضيتها ... معترضا فى بطها جَنِينُهَا مُخَالِفًا دِينَ النّصَارَى دِينُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صلاة النصارى إلى المشرق

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْوَضِينُ: الْحِزَامُ، حِزَامُ النّاقَةِ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: وَزَادَ فِيهِ أَهْلُ العراق: مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا فَأَمّا أَبُو عُبَيْدَةَ فأنشدناه فيه. [صلاة النصارى إلى المشرق] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ: لَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الْمَدِينَةَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ حَيْنَ صَلّى الْعَصْرَ، عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الْحِبَرَاتِ، جُبَبٌ وَأَرْدِيَةٌ، فِي جَمَالِ رِجَالِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ. قَالَ: يَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ: مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلَهُمْ، وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتُهُمْ، فَقَامُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يُصَلّونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعُوهُمْ؛ فَصَلّوْا إلى المشرق. [أسماء وفد نجران ومعتقدهم ومجادلتهم الرسول صلى الله عليه وسلم] قال ابن إسْحَاقَ: فَكَانَتْ تَسْمِيَةُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ، الّذِينَ يَئُولُ إلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ: الْعَاقِبُ، وَهُوَ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَالسّيّدُ وَهُوَ الْأَيْهَمُ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَخُو بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَأَوْسٌ، وَالْحَارِثُ، وَزَيْدٌ، وَقَيْسٌ، وَيَزِيدُ، وَنَبِيّهُ، وَخُوَيْلِدٌ، وَعَمْرو، وَخَالِدٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَيُحَنّسُ، فِي سِتّينَ رَاكِبًا، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَكَلّمَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- مِنْهُمْ أَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَالْعَاقِبُ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَالْأَيْهَمُ السّيّدُ- وَهُمْ مِنْ النّصْرَانِيّةِ عَلَى دِينِ الْمَلِكِ، مَعَ اخْتِلَافِ مَنْ أَمَرَهُمْ، يَقُولُونَ: هُوَ اللهُ، وَيَقُولُونَ: هُوَ وَلَدُ اللهِ، وَيَقُولُونَ: هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ النّصْرَانِيّةِ. فَهُمْ يَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ: «هُوَ اللهُ» بِأَنّهُ كَانَ يحيى الموتى، ويبرىء الْأَسْقَامَ، وَيُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ، وَيَخْلُقُ مِنْ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ، ثُمّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًا، وَذَلِكَ كُلّهُ بِأَمْرِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ. وَيَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ: «إنّهُ وَلَدُ اللهِ» بِأَنّهُمْ يَقُولُونَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يُعْلَمُ، وَقَدْ تَكَلّمَ فِي الْمَهْدِ، وَهَذَا لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُ. وَيَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ: «إنّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ» بِقَوْلِ اللهِ: فَعَلْنَا، وَأَمَرْنَا، وَخَلَقْنَا، وَقَضَيْنَا، فَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ إلّا فَعَلْتُ، وَقَضَيْت، وَأَمَرْت، وَخَلَقْت، وَلَكِنّهُ هُوَ وَعِيسَى وَمَرْيَمُ. فَفِي كُلّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ- فَلَمّا كَلّمَهُ الْحَبْرَانِ، قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أَسْلِمَا، قَالَا: قَدْ أَسْلَمْنَا، قَالَ: إنّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا، فَأَسْلِمَا، قَالَا: بَلَى، قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَك. قَالَ: كَذَبْتُمَا، يَمْنَعُكُمَا مِنْ الْإِسْلَامِ دُعَاؤُكُمَا لِلّهِ وَلَدًا، وَعِبَادَتُكُمَا الصّلِيبَ، وَأَكْلُكُمَا الْخِنْزِيرَ؛ قَالَا: فَمَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمّدُ؟ فَصَمَتَ عَنْهُمَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يجبهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ما نزل من آل عمران فى وفد نجران

[تفسير ما نزل من آل عمران فى وفد نجران] فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَاخْتِلَافِ أَمْرِهِمْ كُلّهِ، صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً مِنْهَا، فَقَالَ جَلّ وَعَزّ: الم اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. فَافْتَتَحَ السّورَةَ بِتَنْزِيهِ نَفْسِهِ عَمّا قَالُوا، وَتَوْحِيدِهِ إيّاهَا بِالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ، رَدّا عَلَيْهِمْ مَا ابْتَدَعُوا مِنْ الْكُفْرِ، وَجَعَلُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ، وَاحْتِجَاجًا بِقَوْلِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي صَاحِبِهِمْ، لِيُعَرّفَهُمْ بِذَلِكَ ضَلَالَتَهُمْ، فَقَالَ: الم اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ شَرِيكٌ فِي أَمْرِهِ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الْحَيّ الّذِي لَا يَمُوتُ، وَقَدْ مَاتَ عِيسَى وَصُلِبَ فِي قَوْلِهِمْ. وَالْقَيّومُ: الْقَائِمُ عَلَى مَكَانِهِ مِنْ سُلْطَانِهِ فِي خَلْقِهِ لَا يَزُولُ، وَقَدْ زَالَ عِيسَى فِي قَوْلِهِمْ عَنْ مَكَانِهِ الّذِي كَانَ بِهِ، وَذَهَبَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ. نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ، أَيْ بِالصّدْقِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ: وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ: التّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى، وَالْإِنْجِيلُ عَلَى عِيسَى، كَمَا أَنْزَلَ الْكُتُبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ: وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ، أَيْ الْفَصْلَ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْأَحْزَابُ مِنْ أَمْرِ عِيسَى وَغَيْرِهِ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ، أَيْ: أَنّ اللهَ مُنْتَقِمٌ مِمّنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ، بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا، وَمَعْرِفَتِهِ بِمَا جَاءَ مِنْهُ فِيهَا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ، أَيْ قَدْ عَلِمَ مَا يُرِيدُونَ وَمَا يَكِيدُونَ وَمَا يُضَاهُونَ بِقَوْلِهِمْ فِي عِيسَى، إذْ جَعَلُوهُ إلَهًا وَرَبّا، وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، غِرّةً بِاَللهِ، وَكُفْرًا بِهِ. هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ أَيْ: قَدْ كَانَ عيسى ممن ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صُوّرَ فِي الْأَرْحَامِ، لَا يَدْفَعُونَ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ، كَمَا صُوّرَ غَيْرُهُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ، فَكَيْفَ يَكُونُ إلَهًا، وَقَدْ كَانَ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ؟! ثُمّ قَالَ تَعَالَى إنْزَاهًا لِنَفْسِهِ، وَتَوْحِيدًا لَهَا مِمّا جَعَلُوا مَعَهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، الْعَزِيزُ فِي انْتِصَارِهِ مِمّنْ كَفَرَ بِهِ إذَا شَاءَ، الْحَكِيمُ فِي حُجّتِهِ وَعُذْرِهِ إلَى عِبَادِهِ. هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ فِيهِنّ حُجّةُ الرّبّ، وَعِصْمَةُ الْعِبَادِ، وَدَفْعُ الْخُصُومِ وَالْبَاطِلِ، لَيْسَ لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَلَا تَحْرِيفٌ عَمّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَتَأْوِيلٌ، ابْتَلَى الله فيهنّ العباد، كما ابتلاهم فى الحلال والحرام، ألّا يصرفن إلى الباطل، ولا يحرّفن عن الحقّ. يقول عَزّ وَجَلّ: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، أَيْ: مَيْلٌ عَنْ الْهُدَى فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ، أَيْ مَا تَصَرّفَ مِنْهُ، لِيُصَدّقُوا بِهِ مَا ابْتَدَعُوا وَأَحْدَثُوا؛ لِتَكُونَ لَهُمْ حُجّةٌ، وَلَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا شُبْهَة ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ، أَيْ: اللّبْسِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ. ذَلِكَ عَلَى مَا رَكِبُوا مِنْ الضّلَالَةِ فِي قَوْلِهِمْ: خَلَقْنَا وَقَضَيْنَا. يَقُولُ: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، أَيْ: الّذِي بِهِ أَرَادُوا مَا أَرَادُوا إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ وَهُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ، مِنْ رَبّ وَاحِدٍ؟! ثُمّ رَدّوا تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ عَلَى مَا عَرَفُوا مِنْ تَأْوِيلِ الْمُحَكّمَةِ الّتِي لَا تَأْوِيلَ لِأَحَدٍ فِيهَا إلّا تَأْوِيلٌ وَاحِدٌ، وَاتّسَقَ بِقَوْلِهِمْ الْكِتَابُ، وَصَدّقَ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَنَفَذَتْ بِهِ الْحُجّةُ، وظهر به العذر، وراح بِهِ الْبَاطِلَ، وَدَمَغَ بِهِ الْكُفْرَ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي مِثْلِ هَذَا: وَما يَذَّكَّرُ فِي مثل هذا إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل من القرآن فيما ابتدعته اليهود والنصارى

رَبَّنا لَا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا: أَيْ لَا تُمِلْ قُلُوبَنَا، وَإِنْ مِلْنَا بِأَحْدَاثِنَا. وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ. ثُمّ قَالَ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ بِخِلَافِ مَا قَالُوا قائِماً بِالْقِسْطِ، أَيْ بِالْعَدْلِ (فِيمَا يُرِيدُ) لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ، أَيْ: مَا أَنْتَ عَلَيْهِ يَا مُحَمّدُ: التّوْحِيدُ لِلرّبّ، وَالتّصْدِيقُ لِلرّسُلِ. وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ، أَيْ: الّذِي جَاءَك، أَيْ: أَنّ اللهَ الْوَاحِدَ الّذِي لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ. بَغْياً بَيْنَهُمْ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. فَإِنْ حَاجُّوكَ، أَيْ: بِمَا يَأْتُونَ بِهِ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْ قَوْلِهِمْ: خَلَقْنَا وَفَعَلْنَا وَأَمَرْنَا، فَإِنّمَا هِيَ شُبْهَةُ بَاطِلٍ قَدْ عَرَفُوا مَا فِيهَا مِنْ الْحَقّ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ، أَيْ وَحْدَه. وَمَنِ اتَّبَعَنِ، وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ الذين لا كتاب لهم أَأَسْلَمْتُمْ، فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ. [ما نزل من القرآن فيما ابتدعته الْيَهُودُ وَالنّصَارَى] ثُمّ جَمَعَ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ جَمِيعًا، وَذَكَرَ مَا أَحْدَثُوا وَمَا ابْتَدَعُوا، مِنْ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ إلَى قَوْلِهِ: قُلِ: اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ، أَيْ: رَبّ الْعِبَادِ، وَالْمَلِكُ الّذِي لَا يَقْضِي فِيهِمْ غَيْرُهُ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل من القرآن فى وعظ المؤمنين وتحذيرهم

وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ، أَيْ: لَا إلَهَ غَيْرُك إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أَيْ: لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا غَيْرُك بِسُلْطَانِك وَقُدْرَتِك. تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ، وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ، وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُك، وَلَا يَصْنَعُهُ إلّا أَنْتَ، أَيْ: فَإِنْ كُنْتُ سَلّطْت عِيسَى عَلَى الْأَشْيَاءِ الّتِي بِهَا يَزْعُمُونَ أَنّهُ إلَهٌ، مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ وَالْخَلْقِ لِلطّيْرِ مِنْ الطّينِ، وَالْإِخْبَارِ عَنْ الْغُيُوبِ، لِأَجْعَلَهُ بِهِ آيَةً لِلنّاسِ، وَتَصْدِيقًا لَهُ فِي نُبُوّتِهِ الّتِي بَعَثْته بِهَا إلَى قَوْمِهِ، فَإِنّ مِنْ سُلْطَانِي وَقُدْرَتِي مَا لَمْ أُعْطِهِ تمليك الملوك بأمن النّبُوّةِ، وَوَضْعَهَا حَيْثُ شِئْت، وَإِيلَاجَ اللّيْلِ فِي النّهَارِ، وَالنّهَارِ فِي اللّيْلِ، وَإِخْرَاجَ الْحَيّ مِنْ الْمَيّتِ، وَإِخْرَاجَ الْمَيّت مِنْ الْحَيّ، وَرِزْقَ مَنْ شِئْت مِنْ بَرّ أَوْ فَاجِرٍ بِغَيْرِ حِسَابٍ؛ فَكُلّ ذَلِكَ لَمْ أُسَلّطْ عِيسَى عَلَيْهِ، وَلَمْ أُمَلّكْهُ إيّاهُ، أَفَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ عِبْرَةٌ وَبَيّنَةٌ! أَنْ لَوْ كَانَ إلَهًا كَانَ ذَلِكَ كُلّهُ إلَيْهِ، وَهُوَ فِي عِلْمِهِمْ يَهْرَبُ مِنْ الْمُلُوكِ، وَيَنْتَقِلُ مِنْهُمْ فِي الْبِلَادِ، مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ. [مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فى وعظ المؤمنين وتحذيرهم] ثُمّ وَعَظَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَذّرَهُمْ، ثُمّ قَالَ: قُلْ: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ، أى: إن كَانَ هَذَا مِنْ قَوْلِكُمْ حَقّا، حُبّا لِلّهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، أَيْ: مَا مَضَى مِنْ كُفْرِكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قُلْ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ وَتَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ فَإِنْ تَوَلَّوْا، أَيْ: عَلَى كُفْرِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكافِرِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل من القرآن فى خلق عيسى

[مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي خَلْقِ عِيسَى] ثُمّ اسْتَقْبَلَ لَهُمْ أَمْرَ عِيسَى: (عَلَيْهِ السّلَامُ) ، وَكَيْفَ كَانَ بَدْءُ مَا أَرَادَ اللهُ بِهِ، فقال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ، وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ثُمّ ذَكَرَ أَمْرَ امْرَأَةِ عِمْرَانَ، وَقَوْلَهَا: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً، أَيْ: نَذَرْته فَجَعَلْته عَتِيقًا، تَعَبّدُهُ لِلّهِ، لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِشَيْءٍ مِنْ الدّنْيَا: فَتَقَبَّلْ مِنِّي، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى، أَيْ: لَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى لِمَا جَعَلْتهَا مُحَرّرًا لَك نَذِيرَةً وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ، وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ. يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ، وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً، وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا بَعْدَ أَبِيهَا وأمّها. قال ابن هشام: كفّلها: ضمّها. [آيات عن زكريا ومريم] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذَكّرَهَا بِالْيُتْمِ، ثُمّ قَصّ خَبَرَهَا وَخَبَرَ زَكَرِيّا، وَمَا دَعَا بِهِ، وَمَا أَعْطَاهُ؛ إذْ وَهَبَ لَهُ يَحْيَى ثم ذكر مريم، وقول الملائكة وطهّرك واصطفاك لَهَا يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ. يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ يقول الله عَزّ وَجَلّ: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

أَيْ: مَا كُنْت مَعَهُمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الغريب] قال ابن هِشَامٍ: أَقْلَامَهُمْ: سِهَامَهُمْ، يَعْنِي قِدَاحَهُمْ الّتِي اسْتَهَمُوا بِهَا عَلَيْهَا، فَخَرَجَ قَدَحُ زَكَرِيّا فَضَمّهَا، فِيمَا قال الحسن بن أبى الحسن البصرىّ. [دعوى كَفَالَةُ جُرَيْجٍ الرّاهِبِ لِمَرْيَمَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَفّلَهَا هَاهُنَا جُرَيْجٌ الرّاهِبُ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ نَجّارٌ، خَرَجَ السّهْمُ عَلَيْهِ بِحَمْلِهَا، فَحَمَلَهَا، وَكَانَ زَكَرِيّا قَدْ كَفّلَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَأَصَابَتْ بَنِي إسْرَائِيلَ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ، فَعَجَزَ زَكَرِيّا عَنْ حَمْلِهَا، فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهَا أَيّهُمْ يَكْفُلُهَا، فَخَرَجَ السّهْمُ عَلَى جُرَيْجٍ الرّاهِبِ بِكُفُولِهَا فَكَفَلَهَا. وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ، أَيْ: مَا كُنْت مَعَهُمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ فِيهَا. يُخْبِرُهُ بِخَفِيّ مَا كَتَمُوا مِنْهُ مِنْ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ، لِتَحْقِيقِ نُبُوّتِهِ وَالْحُجّةِ عَلَيْهِمْ بِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ مِمّا أَخْفَوْا مِنْهُ. ثُمّ قَالَ: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ: يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ: الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، أَيْ: هَكَذَا كَانَ أَمْرُهُ، لَا كَمَا تَقُولُونَ فِيهِ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ أَيْ عِنْدَ اللهِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ يُخْبِرُهُمْ بِحَالَاتِهِ الّتِي يَتَقَلّبُ فِيهَا فِي عُمْرِهِ، كَتَقَلّبِ بَنِي آدَمَ فِي أَعْمَارِهِمْ، صِغَارًا وَكِبَارًا، إلّا أَنّ اللهَ خَصّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل من القرآن فى بيان آيات عيسى عليه السلام

بِالْكَلَامِ فِي مَهْدِهِ آيَةً لِنُبُوّتِهِ، وَتَعْرِيفًا لِلْعِبَادِ بِمَوَاقِعِ قُدْرَتِهِ. قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ؟ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ، أَيْ يَصْنَعُ مَا أَرَادَ، وَيَخْلُقُ مَا يَشَاءُ مِنْ بَشَرٍ أَوْ غَيْرِ بَشَرٍ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ مِمّا يَشَاءُ وَكَيْفَ شَاءَ، فَيَكُونُ كَمَا أَرَادَ. [مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي بَيَانِ آيَاتِ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ] ثُمّ أَخْبَرَهَا بِمَا يُرِيدُ بِهِ، فَقَالَ: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ الّتِي كَانَتْ فِيهِمْ مِنْ عَهْدِ مُوسَى قَبْلَهُ وَالْإِنْجِيلَ، كِتَابًا آخَرَ أَحْدَثَهُ اللهُ عَزّ وَجَلّ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إلّا ذِكْرُهُ أَنّهُ كَائِنٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَهُ وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، أَيْ يُحَقّقُ بِهَا نُبُوّتِي، أَنّي رَسُولٌ مِنْهُ إلَيْكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ الّذِي بعثى إلَيْكُمْ، وَهُوَ رَبّي وَرَبّكُمْ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ. [تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: الْأَكْمَهَ: الّذِي يُولَدُ أَعْمَى. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ: هَرّجْتُ فَارْتَدّ ارْتِدَادَ الْأَكْمَهِ (وَجَمْعُهُ: كُمْهٌ) . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَرّجْت: صِحْت بِالْأَسَدِ، وَجَلَبْتُ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رفع عيسى عليه السلام

وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ، وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ أَنّي رَسُولُ اللهِ مِنْ اللهِ إلَيْكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ، أَيْ لِمَا سَبَقَنِي عَنْهَا وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، أَيْ أُخْبِرُكُمْ بِهِ أَنّهُ كَانَ عَلَيْكُمْ حَرَامًا فَتَرَكْتُمُوهُ، ثُمّ أُحِلّهُ لَكُمْ تَخْفِيفًا عَنْكُمْ، فَتُصِيبُونَ يُسْرَهُ وَتَخْرُجُونَ مِنْ تِبَاعَاتِهِ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ أَيْ تبريّا مِنْ الّذِينَ يَقُولُونَ فِيهِ، وَاحْتِجَاجًا لِرَبّهِ عَلَيْهِمْ، فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ، أَيْ هَذَا الّذِي قَدْ حَمَلْتُكُمْ عَلَيْهِ وَجِئْتُكُمْ بِهِ. فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ وَالْعُدْوَانَ عَلَيْهِ، قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ هَذَا قَوْلُهُمْ الّذِي أَصَابُوا بِهِ الْفَضْلَ مِنْ رَبّهِمْ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ لَا مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُحَاجّونَك فِيهِ رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ، أَيْ هَكَذَا كَانَ قَوْلُهُمْ وإيمانهم. [رَفْعُ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ] ثُمّ ذَكَرَ (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) رَفْعَهُ عِيسَى إلَيْهِ حَيْنَ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِهِ، فَقَالَ: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ. ثم أخبرهم وردّ عليهم فيما أقرّوا الميهود بِصَلْبِهِ، كَيْفَ رَفَعَهُ وَطَهّرَهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ، وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، إذْ هَمّوا مِنْك بِمَا هَمّوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

ثُمّ الْقِصّةُ؛ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ: ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمّدُ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ الْقَاطِعِ الْفَاصِلِ الْحَقّ، الّذِي لَا يُخَالِطُهُ الْبَاطِلُ، مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى، وَعَمّا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ، فَلَا تَقْبَلَنّ خَبَرًا غَيْرَهُ. إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ فَاسْتَمِعْ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، أَيْ مَا جَاءَك مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ، أَيْ قَدْ جَاءَك الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَمْتَرِيَنّ فِيهِ، وَإِنْ قَالُوا: خُلِقَ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ فَقَدْ خَلَقْتُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ أُنْثَى وَلَا ذَكَرٍ، فَكَانَ كَمَا كَانَ عِيسَى لَحْمًا وَدَمًا، وَشَعْرًا وَبَشَرًا، فَلَيْسَ خَلْقُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا قَصَصْتُ عَلَيْك مِنْ خَبَرِهِ، وَكَيْفَ كَانَ أَمْرُهُ، فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ، وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ، ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الغريب] قال ابن هِشَامٍ: قَالَ: أَبُو عُبَيْدَةَ: نَبْتَهِلْ: نَدْعُو بِاللّعْنَةِ، قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: لَا تَقْعُدَنّ وَقَدْ أَكّلْتَهَا حَطَبًا ... نَعُوذُ مِنْ شَرّهَا يَوْمًا وَنَبْتَهِلُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. يَقُولُ: نَدْعُو بِاللّعْنَةِ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: بَهَلَ اللهُ فُلَانًا، أَيْ لَعَنَهُ، وَعَلَيْهِ بَهْلَةُ اللهِ. (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ) : وَيُقَالُ: بَهْلَةُ اللهِ، أَيْ لَعْنَةُ اللهِ، وَنَبْتَهِلْ أَيْضًا: نَجْتَهِدْ، فِي الدّعَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إباؤهم الملاعنة

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: إِنَّ هَذَا الّذِي جِئْتُ بِهِ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ مِنْ أَمْرِهِ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. فَإِنْ تَوَلَّوْا، فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ. قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. فَدَعَاهُمْ إلَى النّصَفِ، وَقَطَعَ عَنْهُمْ الحجة. [إبَاؤُهُمْ الْمُلَاعَنَةَ] فَلَمّا أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ اللهِ عَنْهُ، وَالْفَصْلُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَأَمَرَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ مُلَاعَنَتِهِمْ إنْ رَدّوا ذَلِكَ عَلَيْهِ، دَعَاهُمْ إلَى ذَلِكَ؛ فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، دَعْنَا نَنْظُرْ فِي أَمْرِنَا، ثُمّ نَأْتِيك بِمَا نُرِيدُ أَنْ نَفْعَلَ فِيمَا دَعَوْتنَا إلَيْهِ. فَانْصَرَفُوا عَنْهُ، ثُمّ خَلَوْا بِالْعَاقِبِ، وَكَانَ ذَا رَأْيِهِمْ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ، مَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ: وَاَللهِ يَا مَعْشَرَ النّصَارَى لَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّ مُحَمّدًا لَنَبِيّ مُرْسَلٌ، وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم مالا عن قَوْمٌ نَبِيّا قَطّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ، وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ، وَإِنّهُ لَلِاسْتِئْصَالُ مِنْكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَبَيْتُمْ إلّا إلْفَ دِينِكُمْ، وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ فِي صَاحِبِكُمْ، فَوَادِعُوا الرّجُلَ، ثُمّ انْصَرِفُوا إلَى بِلَادِكُمْ. فأتوا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، قَدْ رَأَيْنَا أَلّا نُلَاعِنَك، وَأَنْ نَتْرُكَك عَلَى دِينِك وَنَرْجِعَ عَلَى دِينِنَا، وَلَكِنْ ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تولية أبى عبيدة أمورهم

أَصْحَابِك تَرْضَاهُ لَنَا، يَحْكُمْ بَيْنَنَا فِي أَشْيَاءَ اخْتَلَفْنَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالِنَا، فَإِنّكُمْ عِنْدَنَا رِضًا. [تَوْلِيَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ أُمُورَهُمْ] قَالَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتُونِي الْعَشِيّةَ أَبْعَثْ مَعَكُمْ الْقَوِيّ الْأَمِينَ قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ: مَا أَحْبَبْت الْإِمَارَةَ قَطّ حُبّي إيّاهَا يَوْمئِذٍ، رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ صَاحِبَهَا، فَرُحْتُ إلَى الظّهْرِ مُهَجّرًا، فَلَمّا صَلّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظّهْرَ سَلّمَ، ثُمّ نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلْت أَتَطَاوَلُ لَهُ لِيَرَانِي، فَلَمْ يَزَلْ يَلْتَمِسُ بِبَصَرِهِ حَتّى رَأَى أَبَا عبيدة ابن الْجَرّاحِ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: اُخْرُجْ مَعَهُمْ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَالَ عُمَرُ: فَذَهَبَ بِهَا أَبُو عُبَيْدَةَ. [نُبَذٌ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ] [ابن أبى وابن صيفى] قال ابن إسحاق: وقدم رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ- كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ- وَسَيّدُ أَهْلِهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ الْعَوْفِيّ ثُمّ أَحَدُ بَنِي الْحُبْلَى، لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ فِي شرفه اثْنَانِ، لَمْ تَجْتَمِعْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، غَيّرَهُ، وَمَعَهُ فِي الْأَوْسِ رَجُلٌ، هُوَ فِي قَوْمِهِ مِنْ الْأَوْسِ شَرِيفٌ مُطَاعٌ، أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ بْنِ النّعْمَانِ، أَحَدُ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ أبو حنظلة، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام ابن أبى

الغسيل يوم أحد، وَكَانَ قَدْ تَرَهّبَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الرّاهِبُ. فَشَقِيَا بِشَرَفِهِمَا وَضَرّهُمَا. [إسْلَامُ ابْنِ أُبَيّ] فَأَمّا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ فَكَانَ قَوْمُهُ قَدْ نَظَمُوا لَهُ الْخَرَزَ ليتوّجوه، ثم يملّكوه عليهم، فجاءهم اللهُ تَعَالَى بِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. فَلَمّا انْصَرَفَ قَوْمُهُ عَنْهُ إلَى الْإِسْلَامِ ضَغِنَ، وَرَأَى أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَلَبَهُ مُلْكًا. فَلَمّا رَأَى قَوْمَهُ قَدْ أَبَوْا إلّا الْإِسْلَامِ دَخَلَ فِيهِ كَارِهًا مُصِرّا عَلَى نِفَاقٍ وَضِغْنٍ. [إصْرَارُ ابْنِ صَيْفِيّ عَلَى كُفْرِهِ] وَأَمّا أَبُو عَامِرٍ فَأَبَى إلّا الْكُفْرَ وَالْفِرَاقَ لِقَوْمِهِ حِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ إلَى مَكّةَ بِبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مُفَارِقًا لِلْإِسْلَامِ وَلِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ بَعْضِ آلِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ: لَا تَقُولُوا الرّاهِبَ وَلَكِنْ قُولُوا: الْفَاسِقَ. [مَا نَالَ ابْنَ صَيْفِيّ جَزَاءَ تَعْرِيضِهِ بِالرّسُولِ صلى الله عليه وسلم] قال ابن إسحاق: وَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الحكيم، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ وَسَمِعَ، وَكَانَ رَاوِيَةً: أَنّ أَبَا عَامِرٍ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكّةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا الدّينُ الّذِي جِئْتَ بِهِ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الاحتكام إلى قيصر فى ميراثه

فَقَالَ: جِئْتُ بِالْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: فَأَنَا عَلَيْهَا؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: إنّك لَسْتَ عَلَيْهَا؛ قَالَ: بَلَى، قَالَ: إنّك أَدَخَلْتَ يَا مُحَمّدُ فِي الْحَنِيفِيّةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا، قَالَ: مَا فَعَلْتُ، وَلَكِنّي جِئْت بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيّةً؛ قَالَ: الْكَاذِبُ أَمَاتَهُ اللهُ طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا- يُعَرّض بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- أَيْ أَنّك جِئْتَ بِهَا كَذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ، فَمَنْ كَذَبَ فَفَعَلَ اللهُ تعالى ذلك به. فَكَانَ هُوَ ذَلِكَ عَدُوّ اللهِ، خَرَجَ إلَى مَكّةَ، فَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ خَرَجَ إلَى الطّائِفِ. فَلَمّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطّائِفِ لَحِقَ بِالشّامِ. فَمَاتَ بِهَا طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا. [الِاحْتِكَامُ إلَى قَيْصَرَ فِي مِيرَاثِهِ] وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، وَكِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّ، فَلَمّا مَاتَ اخْتَصَمَا فِي مِيرَاثِهِ إلَى قَيْصَرَ، صَاحِبِ الرّومِ. فَقَالَ قَيْصَرُ: يَرِثُ أَهْلُ الْمَدَرِ أَهْلَ الْمَدَرِ، وَيَرِثُ أَهْلُ الْوَبَرِ أَهْلَ الوبر، فورثه كنانة بن عبديا ليل بِالْمَدَرِ دُونَ عَلْقَمَةَ. [هِجَاءُ كَعْبٍ لِابْنِ صَيْفِيّ] فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لِأَبِي عَامِرٍ فِيمَا صَنَعَ: مَعَاذَ اللهِ مِنْ عَمَلٍ خَبِيثٍ ... كَسَعْيِك فِي الْعَشِيرَةِ عَبْدَ عَمْرٍو فَإِمّا قُلْتَ لِي شَرَفٌ وَنَخْلٌ ... فَقِدْمًا بِعْتَ إيمَانًا بِكُفْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خروج قوم ابن أبى عليه وشعره فى ذلك

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: فَإِمّا قُلْت لِي شَرَفٌ وَمَالٌ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا عَبْدُ الله بن أبىّ فأفام عَلَى شَرَفِهِ فِي قَوْمِهِ مُتَرَدّدًا، حَتّى غَلَبَهُ الْإِسْلَامُ، فَدَخَلَ فِيهِ كَارِهًا. [خُرُوجُ قَوْمِ ابْنِ أُبَيّ عَلَيْهِ وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، حِبّ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ: رَكِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَعُودُهُ مِنْ شَكْوٍ أَصَابَهُ على حمار عليه إكاف، فوقه قَطِيفَةٌ فَدَكِيّةٌ مُخْتَطِمَةٌ بِحَبْلِ مِنْ لِيفٍ، وَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلْفَهُ قال: فمرّ بعبد الله بن أبىّ، وَهُوَ (فِي) ظِلّ مُزَاحِمٍ أُطُمِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُزَاحِمٌ: اسْمُ الْأُطُمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَوْلَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ. فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَذَمّمَ مِنْ أَنْ يُجَاوِزَهُ حَتّى يَنْزِلَ فَنَزَلَ فَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ قَلِيلًا فَتَلَا الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَذَكّرَ بِاَللهِ وَحَذّرَ، وَبَشّرَ وَأَنْذَرَ قَالَ: وَهُوَ زَامّ لَا يَتَكَلّمُ، حَتّى إذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَقَالَتِهِ، قَالَ: يَا هَذَا، إنّهُ لَا أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِك هَذَا إنْ كَانَ حَقّا فَاجْلِسْ فِي بَيْتِك فَمَنْ جَاءَك لَهُ فَحَدّثْهُ إياه، (و) من لم يأتك فلا تغتّه بِهِ، وَلَا تَأْتِهِ فِي مَجْلِسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غضب الرسول صلى الله عليه وسلم من كلام ابن أبى

بِمَا يَكْرَهُ مِنْهُ. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ كَانُوا عِنْدَهُ مِنْ المسلمين: بلى، فاغشنا به، وائتنا فى، مجالسنا ودورنا وبيتنا، فَهُوَ وَاَللهِ مِمّا نُحِبّ وَمِمّا أَكْرَمَنَا اللهُ بِهِ وَهَدَانَا لَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ حِينَ رَأَى مِنْ خِلَافِ قَوْمِهِ مَا رَأَى: مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاك خَصْمُك لَا تَزَلْ ... تَذِلّ وَيَصْرَعْك الّذِينَ تُصَارِعُ وَهَلْ يَنْهَضُ الْبَازِي بِغَيْرِ جَنَاحِهِ ... وَإِنْ جُذّ يَوْمًا رِيشُهُ فَهُوَ وَاقِعُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبَيْتُ الثّانِي عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. [غَضَبُ الرّسُولِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ أُبَيّ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: وَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَفِي وَجْهِهِ مَا قَالَ عَدُوّ اللهِ ابْنُ أُبَيّ، فَقَالَ: وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إنّي لَأَرَى فِي وَجْهِك شَيْئًا، لَكَأَنّك سَمِعْتَ شَيْئًا تَكْرَهُهُ؛ قَالَ: أَجَلْ ثُمّ أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ: فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُرْفُقْ بِهِ، فو الله لَقَدْ جَاءَنَا اللهُ بِك، وَإِنّا لَنَنْظِمُ لَهُ الخرز لنتوّجه، فو الله إنّهُ لَيَرَى أَنْ قَدْ سَلَبْته مُلْكًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر من اعتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

[ذِكْرُ مَنْ اعْتَلّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم] [مرض أبى بكر وعامر وبلال وحديث عائشة عنهم] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، قَدِمَهَا وَهِيَ أَوْبَأَ أَرْضِ اللهِ مِنْ الْحُمّى، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسَقَمٌ، فَصَرَفَ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَتْ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَبِلَالٍ، مَوْلَيَا أَبِي بَكْرٍ، مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَأَصَابَتْهُمْ الْحُمّى، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَعُودُهُمْ، وَذَلِكَ قبل أن يضرب علينا الحجاب، وبهم مالا يَعْلَمُهُ إلّا اللهُ مِنْ شِدّةِ الْوَعْكِ فَدَنَوْتُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَجِدُك يا أبت؟ فقال: كلّ امرىء مُصَبّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نعله قَالَتْ: فَقُلْت: وَاَللهِ مَا يَدْرِي أَبِي مَا يقول. قالت: ثم دنوت إلى عامر ابن فُهَيْرَةَ فَقُلْت لَهُ كَيْفَ تَجِدُك يَا عَامِرُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إنّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ كُلّ امْرِئٍ مُجَاهَدٌ بطوقه ... كالثّور يحمى جلده بروقه يُرِيدُ: بِطَاقَتِهِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَتْ: فَقُلْت: وَاَللهِ مَا يَدْرِي عَامِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بنقل وباء المدينة إلى مهيعة

مَا يَقُولُ! قَالَتْ وَكَانَ بِلَالٌ إذَا تَرَكَتْهُ الْحُمّى اضْطَجَعَ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ. ثُمّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ فَقَالَ: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَن لَيْلَةً ... بفجّ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجِنّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وَطُفَيْلُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَامَةٌ وَطُفَيْلٌ: جَبَلَانِ بِمَكّةَ. [دُعَاءُ الرّسُولِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَقْلِ وَبَاءِ الْمَدِينَةِ إلَى مَهْيَعَةَ] قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ، فَقُلْت: إنّهُمْ لَيَهْذُونَ وَمَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدّةِ الْحُمّى. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبّبْت إلَيْنَا مَكّةَ، أَوْ أَشَدّ، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدّهَا وَصَاعِهَا وَانْقُلْ وَبَاءَهَا إلَى مَهْيَعَةَ، ومَهْيَعَةُ: الْجُحْفَةُ. [مَا جَهَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْوَبَاءِ] قَالَ ابْنُ إسحاق: وذكر ابن شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي: أَنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابَتْهُمْ حُمّى الْمَدِينَةِ، حَتّى جَهَدُوا مَرَضًا، وَصَرَفَ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى كَانُوا مَا يُصَلّونَ إلّا وَهُمْ قُعُودٌ، قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يُصَلّونَ كَذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ: اعْلَمُوا أَنّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بدء قتال المشركين

عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ. قَالَ: فَتَجَشّمَ الْمُسْلِمُونَ الْقِيَامَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الضّعْفِ والسّقم التماس الفضل. [بَدْءُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تَهَيّأَ لِحَرْبِهِ، قَامَ فِيمَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ مِنْ جِهَادِ عَدُوّهِ، وَقِتَالِ مَنْ أَمَرَهُ اللهُ بِهِ مِمّنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى بِثَلَاثَ عشرة سنة. ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر نصاري نجران وما أنزل الله فيهم قَدْ تَقَدّمَ أَنّ نَجْرَانَ عُرِفَتْ بِنَجْرَانَ بْنِ زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وَأَمّا أَهْلُهَا فَهُمْ: بَنُو الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ مِنْ مَذْحِجَ. تَأْوِيلُ كُنْ فَيَكُونُ: ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَهُمْ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمّدُ، يَعْنُونَ عِيسَى، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ إلَى قوله: كُنْ فَيَكُونُ وَفِيهَا نُكْتَةٌ، فَإِنّ ظَاهِرَ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ: خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ، ثُمّ قَالَ لَهُ: كُنْ فَكَانَ، فَيَعْطِفُ بِلَفْظِ الْمَاضِي عَلَى الْمَاضِي، وَالْجَوَابُ: أَنّ الْفَاءَ تُعْطِي التّعْقِيبَ وَالتّسْبِيبَ، فَلَوْ قَالَ: فَكَانَ لَمْ تَدُلّ الْفَاءُ إلّا عَلَى التّسْبِيبِ، وَأَنّ الْقَوْلَ سَبَبٌ لِلْكَوْنِ، فَلَمّا جَاءَ بِلَفْظِ الْحَالِ دَلّ مَعَ التّسْبِيبِ عَلَى اسْتِعْقَابِ الْكَوْنِ لِلْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ مَهَلٍ، وَأَنّ الْأَمْرَ بَيْنَ الْكَافِ وَالنّونِ، قَالَ لَهُ: كُنْ فَإِذَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هُوَ كَائِنٌ، وَاقْتَضَى لَفْظُ فِعْلَ الْحَالِ كَوْنَهُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى: إنّ آدَمَ مَكَثَ دَهْرًا طَوِيلًا «1» ، وَهُوَ طِينٌ صَلْصَالٌ، وَقَوْلُهُ لِلشّيْءِ: كُنْ فَيَكُونُ يَقْتَضِي التّعْقِيبَ، وَقَدْ خَلَقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ، وَهِيَ سِتّةُ آلَافِ سَنَةٍ «2» ، فَأَيْنَ قَوْلُهُ. كُنْ فيكون من هذا؟ فالجواب: ما قاله أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنّ قَوْلَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ: كُنْ يَتَوَجّهُ إلَى الْمَخْلُوقِ مُطْلَقًا وَمُقَيّدًا، فَإِذَا كَانَ مُطْلَقًا كَانَ كَمَا أَرَادَ لِحِينِهِ، وَإِذَا كَانَ مُقَيّدًا بِصِفَةِ أَوْ بِزَمَانِ كَانَ كَمَا أَرَادَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ الزّمَانِ الّذِي تَقَيّدَ الْأَمْرُ بِهِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: كُنْ فِي أَلْفِ سَنَةٍ، كَانَ فِي أَلْفِ سَنَةٍ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: كُنْ فِيمَا دُونَ اللّحْظَةِ كَانَ كَذَلِكَ. تَأْوِيلُ آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ: فَصْلٌ. وَذَكَرَ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَفَسّرَ مِنْهُ كَثِيرًا، فَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ وهو مالا يَحْتَمِلُ إلّا تَأْوِيلًا وَاحِدًا، وَهُوَ عِنْدِي مِنْ أَحَكَمْت الْفَرَسَ بِحَكَمَتِهِ، أَيْ: مَنَعْته مِنْ الْعُدُولِ عن طريقه كما قال حسان:

_ (1) من أين جاء بهذا؟ (2) لم يرد بهذا حديث صحيح، ولابن كثير تفسير لقوله تَعَالَى: وَإِنّ يَوْمًا عِنْدَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مما تعدون «أى: هو تعالى لا يعجل، فإن مقدار ألف سنة عند خلقه كيوم واحد بالنسبة إلى حلمه لعلمه بأنه على الانتقام قادر، وأنه لا يفوته شىء، وإن أمهل وأنظر وأملى» وهو تفسير جميل بدفع القول بأن اليوم يساوى ستة ألاف سنة، وثمت أحاديث تدل على أنها ستة أيام بأيامنا هذه. وخير للمسلم أن يقف عند الذى ذكر فى القرآن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا أَيْ: نُلْجِمُهُ فَنَمْنَعُهُ، وَكَذَلِكَ الْآيَةُ الْمُحْكَمَةُ لَا تُتَصَرّفُ بِقَارِئِهَا التّأْوِيلَاتُ، وَلَا تَتَعَارَضُ عَلَيْهِ الِاحْتِمَالَاتُ، وَلَيْسَ مِنْ لَفْظِ الْحِكْمَةِ، لِأَنّ الْقُرْآنَ كُلّهُ حِكْمَةٌ وَعِلْمٌ. وَالْمُتَشَابِهُ يَمِيلُ بِالنّاظِرِ فِيهِ إلَى وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَطُرُقٍ متباينة، وقوله سبحانه: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هَذَا مِنْ الْحِكْمَةِ وَمِنْ الْإِحْكَامِ الّذِي هُوَ الْإِتْقَانُ، فَالْقُرْآنُ كُلّهُ مُحْكَمٌ عَلَى هَذَا، وَهُوَ كُلّهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُتَشَابِهٌ أَيْضًا، لِأَنّ بَعْضَهُ يُشْبِهُ بَعْضًا فِي بَرَاعَةِ اللّفْظِ، وَإِعْجَازِ النّظْمِ، وَجَزَالَةِ الْمَعْنَى، وَبَدَائِعِ الْحِكْمَةِ، فَكُلّهُ مُتَشَابِهٌ وَكُلّهُ مُحْكَمٌ، وَعَلَى الْمَعْنَى الْأَوّلِ: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ؛ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَهْلُ الزّيْغِ يَعْطِفُونَ الْمُتَشَابِهَ عَلَى أَهْوَائِهِمْ وَيُجَادِلُونَ بِهِ عَنْ آرَائِهِمْ، وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَرُدّونَ المتشابه إلى المحكم أخذا بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَعِلْمًا بِأَنّ الْكُلّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَلَا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا. رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ قَالَ: إذَا رَأَيْتُمْ الّذِينَ يُجَادِلُون فِيهِ، فَهُمْ أولئك فاحذروهم «1» : وللسلف فى معنى

_ (1) رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجة وأحمد ولفظ البخارى عن عائشة قالت: «تلا رسول الله «ص» هذه الآية (هُوَ الّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ محكمات) إلى قوله: (وما يذكر إلا أولوا الألباب) قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: فاذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى فاحذروهم»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُحْكَمِ وَمَعْنَى الْمُتَشَابِهِ أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ، إلّا أَنّ منهم مَنْ يَرَى الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَيَرَوْنَهُ تَمَامَ الْكَلَامِ، وَيَحْتَجّونَ بِقِرَاءَةِ ابْنِ عَبّاسٍ ويقول الرّسخون فِي الْعِلْمِ «1» ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنّ الرّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ لَا يَعْلَمُونَ التّأْوِيلَ، وَإِنْ عَلِمُوا التّفْسِيرَ. وَالتّأْوِيلَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ غَيْرَ التّفْسِيرِ، إنّمَا هُوَ عِنْدَهُمْ فِي مَعْنَى قوله سبحانه: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ «2» وطائفة

_ (1) لا يعتد بمثل هذه القراآت التى لا ترد عن طريق سند صحيح قوى. (2) التأويل: تفعيل من آل يئول إلى كذا إذا صار إليه، فالتأويل: التصيير، وأولته تأويلا: إذا صيرته إليه. وتسمى العاقبة: تأويلا، لأن الأمر يصير إليها، وتسمى حقيقة الشىء المخبر به تأويلا لأن الأمر ينتهى إليه، ومنه قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ فمجىء تأويله مجىء نفس ما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر والمعاد وتفاصيله والجنة والنار، وتسمى العلة الغائية والحكمة المطلوبة بالفعل تأويلا لأنها بيان لمقصود الفاعل، وغرضه من الفعل الذى لم يعرف الرائى له غرضه به، ومنه قول الخضر لموسى: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً. فالتأويل فى كتاب الله المراد منه: حقيقة المعنى الذى يئول إليه اللفظ، وهى الحقيقة الموجودة فى الخارج، فإن الكلام نوعان، خبر وطلب فتأويل الخبر هو الحقيقة، وتأويل الوعد والوعيد هو نفس الموعود والمتوعد به وتأويل ما أخبر الله به من صفاته العلى، وأفعاله نفس ما هو عليه سبحانه، وما هو موصوف به من الصفات العلى. وتأويل الأمر هو نفس الأفعال المأمور بها وأما التأويل فى اصطلاح أهل التفسير والسلف من أهل الفقه والحديث فمرادهم به معنى التفسير والبيان. وأما المعتزلة والجهمية وغيرهم من المتكلمين، فمرادهم بالتأويل: صرف اللفظ عن ظاهره، وهو معنى للتأويل لا يوجد فى لغة القرآن انظر ص 10 ح 1 مختصر الصواعق المرسلة للامام ابن القيم ط السلفية المكية سنة 1348 هـ وإذا كان التأويل بمعنى الحقيقة الموجودة فى الخارج وكان بالنسبة-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَرَوْنَ أَنّ قَوْلَهُ: وَالرّاسِخُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَأَنّهُمْ عَالِمُونَ بِالتّأْوِيلِ، وَيَحْتَجّونَ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ مِنْ أَثَرٍ وَنَظَرٍ، وَاَلّذِي أَرْتَضِيهِ مِنْ ذَلِكَ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ الّذِي قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَمَعْنَاهُ كُلّهُ أَنّ الكلام قدتمّ فِي قَوْلِهِ: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلّا اللهُ. والراسخون فى العلم: مبتدأ، لكن لأنقول: إنّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ. كَمَا قَالَتْ الطّائِفَةُ الْأُولَى، وَلَكِنْ نَقُولُ: إنّهُمْ يَعْلَمُونَهُ بِرَدّ الْمُتَشَابِهِ إلَى الْمُحْكَمِ، وبالاستدلال عَلَى الْخَفِيّ بِالْجَلِيّ، وَعَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِالْمُتّفَقِ عَلَيْهِ، فَتَنْفُذُ بِذَلِكَ الْحُجّةُ، وَيُزَاحُ الْبَاطِلُ، وَتَعْظُمُ دَرَجَةُ الْعَالِمِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، لِأَنّهُ يَقُولُ: آمَنْت بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّي فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ؟! وَلَمّا كَانَ الْعِلْمَانِ مُخْتَلِفَيْنِ: عِلْمُ اللهِ، وَعِلْمُ الرّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ لم يجز عطف: «الراسخون» عَلَى مَا قَبْلَهُ، فَاَللهُ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ الْعِلْمَ القديم «1»

_ - لصفات الله وأسمائه، هو نفس ما هو عليه سبحانه، وما هو موصوف به من الصفات، فإن أحدا لا يعلم شيئا من هذا، ولا يستطيعه حتى الراسخون فى العلم. أما إذا كان بمعنى التفسير والبيان، فالراسخون يعلمون، كتفسير الاستواء بعلو العلى الغفار، وإذا كان التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره بقرينة مزعومة فهو معنى باطل كأريل الاستواء بالاستيلاء، وخرج صاحب هذا التأويل فى زعمه من شنيع إلى ما هو أشد شناعة وغلظا فيها، وما فى إخبار الله عن نفسه بأنه استوى أثارة من شناعة. وإلا حكمنا على ربنا بأنه لا يحسن البيان، أو بأنه يخبر عن نفسه بما ليس لوجوده أو لمعناه حقيقة، أو يخبر عن نفسه بما فيه شناعة، وأما فى الإخبار عنه بأنه استولى ففيه ما فيه، فيه بهت الله بما لم يقله، فيه الحكم على الله بأنه غلب يوما على أمره، فالاستيلاء يفيد المغالبة، فيه الزعم بأننا أحسن بيانا من الله فى التعبير عن صفاته. ومعاذ الله جل شأنه (1) لم يرد لا فى القرآن، ولا فى الحديث الصحيح وصف علم الله بهذه الصفة التى لا توحى إلا بالعفونة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَا بِتَذَكّرِ، وَلَا بِتَفَكّرِ، وَلَا بِتَدْقِيقِ نَظَرٍ، وَلَا بِفَحْصِ عَنْ دَلِيلٍ، فَلَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ هَكَذَا إلّا اللهُ. وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ بِالْفَحْصِ عَنْ الدّلِيلِ، وَبِتَدْقِيقِ النّظَرِ وَتَسْدِيدِ الْعِبَرِ، فَهُمْ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ إسْحَاقَ فِي الْآيَةِ. احْتِجَاجُ الْقِسّيسِينَ لِلتّثْلِيثِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ احْتِجَاجَ الْأَحْبَارِ وَالْقِسّيسِينَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ بِقَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ: خَلَقْنَا وَأَمَرْنَا وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، وَقَالُوا هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ تَعَالَى اللهُ عَنْ قَوْلِهِمْ، وَهَذَا مِنْ الزّيْغِ بِالْمُتَشَابِهِ، دُونَ رَدّهِ إلَى الْمُحْكَمِ نَحْوَ قَوْلِهِ: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ و: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْعَجَبُ مِنْ ضَعْفِ عُقُولِهِمْ: كَيْفَ احْتَجّوا عَلَى مُحَمّدٍ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، لِأَنّ هَذَا اللّفْظَ الّذِي احْتَجّوا بِهِ مَجَازٌ عَرَبِيّ، وَلَيْسَ هُوَ لَفْظَ التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَأَصْلُ هَذَا الْمَجَازِ فِي الْعَرَبِيّةِ أَنّ الْكِتَابَ إذَا صَدَرَ عَنْ حَضْرَةِ مَلِكٍ كَانَتْ الْعِبَارَةُ فِيهِ عَنْ الْمَلِكِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ دَلَالَةً عَلَى أَنّهُ كَلَامُ مَلِكٍ مَتْبُوعٍ عَلَى أَمْرِهِ، وَقَوْلِهِ، فَلَمّا خَاطَبَهُمْ اللهُ تَعَالَى بِهَذَا الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَنْزَلَهُ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي الْكَلَامِ، وَجَاءَ اللّفْظُ فِيهِ عَلَى أُسْلُوبِ الْكَلَامِ الصّادِرِ عَنْ حَضْرَةِ الْمَلِكِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي غَيْرِ اللّسَانِ الْعَرَبِيّ، وَلَا يَتَطَرّقُ هَذَا الْمَجَازُ فِي حُكْمِ الْعَقْلِ إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ، إنّمَا هُوَ فِي اللّفْظِ الْمُنَزّلِ، وَلِذَلِكَ نَجِدُهُ إذَا أَخْبَرَ عَنْ قَوْلٍ قَالَهُ لِنَبِيّ قَبْلَنَا، أَوْ خَاطَبَ بِهِ غَيْرَنَا نَحْوَ قَوْلِهِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وَلَمْ يَقُلْ: خَلَقْنَا بِأَيْدِينَا، كَمَا قَالَ: مِمّا عَمِلَتْهُ أَيْدِينَا، وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ وَحْيِهِ لِمُوسَى: وَلِتُصْنَعَ عَلى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَيْنِي وَلَمْ يَقُلْ: كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا لِأَنّهُ أَخْبَرَ عَنْ قَوْلٍ قَالَهُ لَمْ يُنْزِلْهُ بِهَذَا اللّسَانِ الْعَرَبِيّ وَلَمْ يَحْكِ لَفْظًا أَنْزَلَهُ، وَإِنّمَا أَخْبَرَ عَنْ الْمَعْنَى، وَلَيْسَ الْمَجَازُ فِي الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِعَبْدِ أَنْ يَقُولَ رَبّ اغْفِرُوا، وَلَا ارْحَمُونِي، وَلَا عَلَيْكُمْ تَوَكّلْت، وَلَا إلَيْكُمْ أَنَبْت، وَلَا قَالَهَا نَبِيّ قَطّ فِي مُنَاجَاتِهِ، وَلَا نَبِيّ فِي دُعَائِهِ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُشْعِرَ قَلْبَهُ التّوْحِيدَ، حَتّى يُشَاكِلَ لَفْظُهُ عَقْدَهُ. الثّانِي: مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ سَيْرِ هَذَا الْمَجَازِ، وَأَنّ سَبَبَهُ صُدُورُ الْكَلَامِ عَنْ حَضْرَةِ الْمَلِكِ مُوَافَقَةً لِلْعَرَبِ فِي هَذَا الْأُسْلُوبِ مِنْ كَلَامِهَا، وَاخْتِصَاصِهَا بِعَادَةِ مُلُوكِهَا وَأَشْرَافِهَا، وَلَا نَنْظُرُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَبِذَلِك رُوجِعُوا، يَعْنِي: بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَاحْتَجّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ خَبَرًا عَمّنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ مِنْ الْكُفّارِ إذْ يَقُولُ: رَبِّ ارجعون، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا خَبَرٌ عَمّنْ حَضَرَتْهُ الشّيَاطِينُ، أَلَا تَرَى قَبْلَهُ: وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَنْ يحضرون، فإنما جَاءَ هَذَا حِكَايَةً عَمّنْ حَضَرَتْهُ الشّيَاطِينُ، وَحَضَرَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ وَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ فِي الْمَوْتِ مَا كَانَ يَعْتَادُهُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ رَدّ الْأَمْرِ إلَى الْمَخْلُوقِينَ، فَلِذَلِكَ خُلِطَ، فَقَالَ: رَبّ، ثُمّ قَالَ: ارْجِعُونِ «1» ، وَإِلّا فَأَنْتَ أَيّهَا الرّجُلُ الْمُجِيزُ لِهَذَا اللّفْظِ فِي مُخَاطَبَةِ الرّبّ سُبْحَانَهُ: هَلْ قُلْت قَطّ فِي دُعَائِك: ارْحَمُونِ يَا رَبّ، وَارْزُقُونِ؟! بَلْ لَوْ سَمِعْت غَيْرَك يَقُولُهَا لسطوت به، وأما قول

_ (1) سبقه إلى هذا ابن جرير الطبرى، ففيه «وإنما ابتدىء الكلام بخطاب الله جل ثناؤه، لأنهم استغاثوا به، ثم رجعوا إلى مسئلة الملائكة الرجوع والرد إلى الدنيا» ونقل عن بعض نحويى الكوفة «قيل ذلك كذلك لأنه مما جرى على وصف الله نفسه من قوله: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً فى غير مكان من القرآن، فجرى هذا على ذاك»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا، أَوْ رَأَيْنَا كَذَا، أَوْ نَرَى كَذَا، فَإِنّمَا ذَلِكَ، لِأَنّهُ قَوْلٌ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ، وَلَوْ انْفَرَدَ بِهِ لَكَانَ بِدْعَةً، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَعْظِيمًا لِنَفْسِهِ، لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الدّينِ وَالدّعَةِ. احْتِجَاجُهُمْ لِأُلُوهِيّةِ عِيسَى: وَأَمّا احْتِجَاجُ الْقِسّيسِينَ بِأَنّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيَخْلُقُ مِنْ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ، فَلَوْ تَفَكّرُوا لَأَبْصَرُوا أَنّهَا حُجّةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنّ اللهَ تَعَالَى خَصّهُ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ بِمُعْجِزَاتِ تُبْطِلُ مَقَالَةَ مَنْ كَذّبَهُ، وَتُبْطِلُ أَيْضًا مَقَالَةَ مَنْ زَعَمَ أَنّهُ إلَهٌ أَوْ ابْنُ الْإِلَهَ وَاسْتَحَالَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ غَيْرِ أَبٍ، فَكَانَ نَفَخَهُ فِي الطّينِ، فَيَكُونُ طَائِرًا حَيّا: تَنْبِيهًا لَهُمْ لَوْ عَقَلُوهُ عَلَى أَنّ مَثَلَهُ كَمَثَلِ آدَمَ خُلِقَ مِنْ طِينٍ، ثُمّ نَفَخَ فِيهِ الرّوحَ، فَكَانَ بَشَرًا حَيّا، فَنَفَخَ الرّوحَ فِي الطّائِرِ الّذِي خَلَقَهُ عِيسَى مِنْ طِينٍ لَيْسَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ، الْكُلّ فَعَلَ اللهُ، وَكَذَلِكَ إحْيَاؤُهُ لِلْمَوْتَى، وَكَلَامُهُ فِي الْمَهْدِ، كُلّ ذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ نَفْخَةِ رُوحِ الْقُدْسِ فِي جَيْبِ أُمّهِ، وَلَمْ يُخْلَقْ مِنْ مَنِيّ الرّجَالِ، فَكَانَ مَعْنَى الرّوحِ فِيهِ- عَلَيْهِ السّلَامُ- أَقْوَى مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، فَكَانَتْ مُعْجِزَاتُهُ رُوحَانِيّةً دَالّةً عَلَى قُوّةِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُوحِ الْحَيَاةِ، وَمِنْ ذَلِكَ بَقَاؤُهُ حَيّا إلَى قُرْبِ السّاعَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ أَنّ الرّوحَ الّذِي تَمَثّلَ لَهَا بَشَرًا هُوَ الرّوحُ الّذِي حَمَلَتْ بِهِ، وَهُوَ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ دَخَلَ مِنْ فِيهَا إلَى جَوْفِهَا. رَوَاهُ الْكَشِيّ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ يَرْفَعُهُ إلَى أُبَيّ «1» ، وَخُصّ بِإِبْرَاءِ الأكمه والأبرص،

_ (1) بدعة توحى إليك بأن وراءها خرفا صليبيا. فالصليبية تزعم هذا. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي تَخْصِيصِهِ بِإِبْرَاءِ هَاتَيْنِ الْآفَتَيْنِ مُشَاكَلَةٌ لِمَعْنَاهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- وَذَلِكَ أَنّ فِرْقَةً عَمِيَتْ بَصَائِرُهُمْ، فَكَذّبُوا نُبُوّتَهُ، وَهُمْ الْيَهُودُ وَطَائِفَةٌ غَلَوْا فِي تعظيمه بعد ما ابْيَضّتْ قُلُوبُهُمْ بِالْإِيمَانِ، ثُمّ أَفْسَدُوا إيمَانَهُمْ بِالْغُلُوّ، فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْأَبْرَصِ أَبْيَضَ بَيَاضًا فَاسِدًا، وَمَثَلُ الْآخَرِينَ مَثَلُ الْأَكْمَهِ الْأَعْمَى، وَقَدْ أَعْطَاهُ اللهُ مِنْ الدّلَائِلِ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ مَا يُبْطِلُ الْمَقَالَتَيْنِ «1» ، وَدَلَائِلُ الْحُدُوثِ تُثْبِتُ لَهُ الْعُبُودِيّةَ، وَتَنْفِي عَنْهُ الرّبُوبِيّةَ، وَخَصَائِصُ مُعْجِزَاتِهِ تَنْفِي عَنْ أُمّهِ الرّيبَةَ وَتُثْبِتُ لَهُ وَلَهَا النّبُوّةَ وَالصّدّيقِيّةَ، فَكَانَ فِي مَسِيحِ الْهُدَى مِنْ الْآيَاتِ مَا يُشَاكِلُ حَالَهُ، وَمَعْنَاهُ حِكْمَةٌ مِنْ اللهِ، كَمَا جَعَلَ فِي الصورة الظاهرة مِنْ مَسِيحِ الضّلَالَةِ، وَهُوَ الْأَعْوَرُ الدّجّالُ مَا يُشَاكِلُ حَالَهُ، وَيُنَاسِبُ صُورَتَهُ الْبَاطِنَةَ، عَلَى نَحْوِ مَا شَرَحْنَا وَبَيّنّا فِي إمْلَاءٍ أَمْلَيْنَاهُ عَلَى هَذِهِ النّكْتَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلّهِ. وَضَعْتهَا أُنْثَى: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ مَا نَزَلَ فِيهِمْ قَوْلَ حَنّةَ أُمّ مَرْيَمَ، وهى بنت ماثان «2»

_ - وهدى الله فى الآيات التى ذكرت المحاورة بين الروح المتمثل بشرا وبين مريم تنفى هذا المفهوم الصليبى. (1) يوجد فى العهد القديم ما يدل على أن الأبرص كان يعيش بين بنى إسرائيل منبوذا من المجتمع محكوما بنجاسته من الكهنة. اقرأ تفصيل أحكامه هو وغيره فى سفر اللاويين لا سيما الإصحاح الثالث عشر منه. (2) من أين جاء بهذه الأسماء؟ الخير أن نقف عند الحد الذى بين القرآن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التّأْوِيلِ: أَشَارَتْ إلَى مَعْنَى الْحَيْضِ أَنّ الْأُنْثَى تَحِيضُ، فَلَا تَخْدُمُ الْمَسْجِدَ، ولذلك قال: (وليس الذكر كالأنثى) لِأَنّ الذّكَرَ لَا يَحِيضُ، فَهُوَ أَبَدًا فِي خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ حَسَنَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: وَلَيْسَ الْأُنْثَى كَالذّكَرِ، لِأَنّهَا دُونَهُ، فَمَا بَالُهُ بَدَأَ بِالذّكْرِ؟ وَالْجَوَابُ: أَنّ الْأُنْثَى إنّمَا هِيَ دُونَ الذّكَرِ فِي نَظَرِ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنّهُ يَهْوَى ذكران البنين، وهم مع الأمول زِينَةُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَأَقْرَبُ إلَى فِتْنَةِ الْعَبْدِ، وَنَظَرُ الرّبّ لِلْعَبْدِ خَيْرٌ مِنْ نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ، فَلَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى عَلَى هَذَا، بَلْ الْأُنْثَى أَفْضَلُ فِي الْمَوْهِبَةِ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً فبدأ بذكرهنّ قبل الذكور، وفى الحديث: ابدؤوا بِالْإِنَاثِ، يَعْنِي: فِي الرّحْمَةِ وَإِدْخَالِ السّرُورِ عَلَى الْبَنِينَ، وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ دَخَلْت أَنَا وَهُوَ الْجَنّةَ كَهَاتَيْنِ» «1» فَتَرَتّبَ الْكَلَامُ فِي التّنْزِيلِ عَلَى حَسْبِ الْأَفْضَلِ فِي نَظَرِ اللهِ لِلْعَبْدِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ. الْمُبَاهَلَةُ فَصْلٌ: وَذَكَرَ دُعَاءَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَهْلَ نَجْرَانَ إلى المباهلة «2» ، وأنهم

_ (1) رواية مسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه» وقريب من هذه رواية الترمذى. (2) أخرج البخارى بسنده عن حذيفة رضى الله عنه قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريدان أن يلاعناه قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل فو الله لئن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من، بعدنا، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَضُوا بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ وَالصّغَارِ، وَأَنْ لَا يُلَاعِنُوهُ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنّ بَعْضَهُمْ قَالَ لِبَعْضِ: إنْ لَاعَنْتُمُوهُ، وَدَعَوْتُمْ بِاللّعْنَةِ عَلَى الْكَاذِبِ اضْطَرَمَ الْوَادِي عَلَيْكُمْ نَارًا، وَفِي تَفْسِيرِ الْكَشّيّ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: لَقَدْ تَدَلّى إلَيْهِمْ الْعَذَابُ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ بَاهَلُونِي لَاسْتُؤْصِلُوا مِنْ عَلَى جَدِيدِ الْأَرْضِ. نُكْتَةٌ: فى قوله: نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ، وَ [نِساءَنا وَنِساءَكُمْ] بَدَأَ بِالْأَبْنَاءِ وَالنّسَاءِ قَبْلَ الْأَنْفُسِ. وَالْجَوَابُ: أَنّ أَهْلَ التّفْسِيرِ قَالُوا أَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ، أَيْ لِيَدْعُ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَهَذَا نَحْوَ قَوْلُهُ: فَسَلّمُوا عَلَى أنفسكم فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، أَيْ: يُسَلّمُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَبَدَأَ بِذِكْرِ الْأَوْلَادِ الّذِينَ هُمْ فَلَذُ الْأَكْبَادِ، ثُمّ بِالنّسَاءِ الّتِي جَعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مَوَدّةً وَرَحْمَةً، ثُمّ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ دُعَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، لِأَنّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْعُو نَفْسَهُ، وَانْتَظَمَ الْكَلَامَ عَلَى الْأُسْلُوبِ الْمُعْتَادِ فِي إعْجَازِ الْقُرْآنِ. وَفِي حَدِيثِ أَهْلِ نَجْرَانَ زِيَادَةٌ كَثِيرَةٌ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ، مِنْهَا أَنّ رَاهِبَ نَجْرَانَ حِينَ رَجَعَ الْوَفْدُ وَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ رَحَلَ إلَى النّبِيّ- صَلَّى الله عليه وسلم- فسمع منه وَأَهْدَى إلَيْهِ الْقَضِيبَ وَالْقَعْبَ وَالْبُرْدَ «1» الّذِي هُوَ الآن عند خلفاء بنى العبّاس يتوارثونه.

_ - معنا إلا أمينا فقال: لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين، فاستشرف لها أصحاب رسول الله «ص» فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح، فلما قام، قال رسول الله «ص» «هذا أمين هذه الأمة» ورواه أيضا مسلم والترمذى والنسائى وابن ماجة بنحوه. ومن حديث آخر «لو خرج الذين يباهلون رسول الله «ص» لرجعوا لا يجدون مالا، ولا أهلا» البخارى والترمذى والنسائى. (1) البرد: ثوب مخطط، والقعب: القدح الضخم، والقضيب: السيف اللطيف الدقيق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سَلُولُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قِصّةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبىّ بن سَلُولَ، وَسَلُولُ: هِيَ أُمّ أُبَيّ، وَهِيَ خُزَاعِيّةٌ، وَهُوَ أُبَيّ بْنُ مَالِكٍ مِنْ بَنِي الْحُبْلَى، وَاسْمُ الْحُبْلَى: سَالِمٌ وَالنّسَبُ إلَيْهِ: حُبُلِيّ بِضَمّتَيْنِ، كَرِهُوا أَنْ يَقُولُوا: حُبْلَوِيّ أَوْ حُبُلِيّ أَوْ حُبْلَاوِيّ عَلَى قِيَاسِ النّسَبِ، لِأَنّ حُبْلَى وَسَكْرَى وَنَحْوَهُمَا إذَا كَانَا اسْمًا لِرَجُلِ، لَمْ يَجْرِ فِي الْجَمْعِ عَلَى حُكْمِ التّأْنِيثِ، وَكَذَلِكَ فَعْلَاءُ بِالْمَدّ تَقُولُ فِي جَمْعِ رَجُلٍ اسْمُهُ: سَلْمَى أَوْ وَرْقَاءُ الْوَرْقَاوُونَ وَالسّلَمُونَ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَاءِ التّأْنِيثِ، فَإِنّك تَقُولُ فِي طَلْحَةَ اسْمُ رَجُلٍ طَلَحَاتٍ، كَمَا كُنْت تَقُولُ فِي غَيْرِ الْعَلَمِيّةِ، لِأَنّ التّاءَ لَا تَكُونُ إلّا لِلتّأْنِيثِ، وَالْأَلِفُ تَكُونُ لِلتّأْنِيثِ وَغَيْرِهِ، فَلَمّا كَانَتْ أَلِفُ التّأْنِيثِ بِخِلَافِ تَاءِ التّأْنِيثِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَعْلَامِ كَانَ النّسَبُ إلَيْهَا مُخَالِفًا لِلنّسَبِ إلَى مَا فِيهِ أَلِفُ التّأْنِيثِ فِي غَيْرِ الْأَعْلَامِ، غَيْرَ أَنّ هَذَا فِي بَابِ النّسَبِ لَا يَطْرُدُ وَإِنْ اطّرَدَ الْجَمْعُ، كَمَا قَدّمْنَا، وَكَانَتْ النّكْتَةُ الّتِي خُصّ بِهَا النّسَبُ فِي بَنِي الْحُبْلَى بِمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ كَرَاهِيَتَهُمْ لِحُكْمِ التّأْنِيثِ فِيهِ لِأَنّ الْحُبْلَى وَصْفٌ لِلْمَرْأَةِ بِالْحَبَلِ، فَلَيْسَ كَرَاهِيَتُهُمْ لِبَقَاءِ حُكْمِ التّأْنِيثِ فِيمَنْ اسْمُهُ سَلْمَى مِنْ الرّجَالِ كَكَرَاهِيَتِهِمْ لِبَقَاءِ حُكْمِ التّأْنِيثِ فِيمَنْ اسْمُهُ: حُبْلَى؛ فَلِذَلِكَ غَيّرُوا النّسَبَ، حَتّى كَأَنّهُمْ نَسَبُوا إلَى حُبُلٍ والله أعلم» .

_ (1) فى اللباب لابن الأثير «الحبلى بضم الحاء المهملة والباء الموحدة. قال أبو على البغدادى فى كتاب التاريخ: فلان الحبلى منسوب إلى حى من اليمن من الأنصار يقال لهم: بنو الحبلى. وذكر سيبويه النحوى: الحبلى بفتح الباء؛ وقال: هو منسوب إلى بنى الحبلى والمشهور بهذه النسبة أبو عبد الرحمن الحبلى من تابعى أهل مصر.» ثم قال ابن الأثير: هذا نص كلام السمعانى لم أسقط منه شيئا، وهو يدل على أن أبا عبد الرحمن الحبلى من بنى الحبلى من الأنصار، وليس كذلك، إنما هو منسوب إلى بطن من المعافر، وهم أيضا من اليمن، وأما بنو-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا سَلُولُ فِي خُزَاعَةَ، وَقَدْ تَقَدّمَ عِنْدَ ذكر حبشيّة بن سلول فاسم رَجُلٍ مَصْرُوفٍ، وَأَمّا بَنُو سَلُولَ بْنِ صَعْصَعَةَ إخْوَةُ بَنِي عَامِرٍ فَهُمْ: بَنُو مُرّةَ بْنِ صَعْصَعَةَ. وَسَلُولُ: أُمّهُمْ، وَهِيَ بِنْتُ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ، فَجَمِيعُ مَا وَقَعَ لِابْنِ إسْحَاقَ فِي السّيَرِ مِنْ سَلُولَ: ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ اسْمُ رَجُلٍ مَصْرُوفٍ، وَثِنْتِيَانِ غَيْرُ مَصْرُوفَتَيْنِ، وَهُمَا اللّتَانِ ذَكَرْنَا. الْمُلْكُ فِي الْعَرَبِ وَذَكَرَ أَنّ الْأَنْصَارَ كَانُوا قَدْ نَظَمُوا الْخَرَزَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ لِيُتَوّجُوهُ وَيُمَلّكُوهُ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنّ الْأَنْصَارَ يَمَنٌ، وَقَدْ كَانَتْ الْمُلُوكُ الْمُتَوّجُونَ مِنْ الْيَمَنِ فِي آلِ قَحْطَانَ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ تَتَوّجَ مِنْهُمْ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ، وَلَمْ يُتَوّجْ مِنْ الْعَرَبِ إلّا قَحْطَانِيّ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَقِيلَ لَهُ: قَدْ تَتَوّجَ هَوْذَةُ بْنُ عَلِيّ الْحَنَفِيّ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ، وَقَالَ فيه الأعشى:

_ - الحبلى من الأنصار، فينسب إليهم عبد الله بن أبى مالك بن الحارث بن عبيد ابن مالك بن سالم الحبلى وأم أبى سلول الخزاعية» ثم قال ابن الأثير: «الحبلى: بضم الحاء وسكون الباء الموحدة وإمالة اللام، هذه اللفظة لقب سالم بن غنم ابن عوف بن الخزرج بن حارثة قال ابن الكلبى: إنما سمى الحبلى لعظم بطنه» ثم قال ابن الأثير: «قلت وهذه الترجمة أيضا لفظ السمعانى ولا شك أنه ظن أن سالم ابن غنم بن عوف هو غير الذى تقدم فى الترجمة قبلها، ولعله اشتبه عليه حيث رأى فى تلك الأولى أن الحبلى منسوب إلى حى من اليمن من الأنصار ورأى ههنا أنه لقب سالم، وهو من الأنصار، والانصار من اليمن، ولولا أنه ظن أنهما اثنان لما ترجم عليهما ترجمتين، والله أعلم» وفى القاموس عن النسب إلى بنى الحبلى «وهو حبلى بالضم وبضمتين، وكجهنى»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَنْ يَرَى هَوْذَةَ يَسْجُدُ غَيْرَ مُتّئِبٍ ... إذَا تَعَمّمَ فَوْقَ التّاجِ أَوْ وَضَعَا «1» وَفِي الْخَرَزَاتِ الّتِي بِمَعْنَى التّاجِ يَقُولُ الشّاعِرُ [لَبِيدٌ يَذْكُرُ الْحَارِثَ بْنَ أَبِي شِمْرٍ الْغَسّانِيّ] . رَعَى خَرَزَاتِ الْمُلْكِ عِشْرِينَ حَجّةً ... وَعِشْرِينَ حَتّى فَادَ وَالشّيْبُ شامل «2» وقال أبو عبيدة: لم يكن قاجا، وَإِنّمَا كَانَتْ خَرَزَاتُ تُنَظّمُ، وَكَانَ سَبَبُ تَتَوّجِ هَوْذَةَ أَنّهُ أَجَارَ لَطِيمَةً لِكَسْرَى مَنَعَهَا مِمّنْ أَرَادَهَا مِنْ الْعَرَبِ، فَلَمّا وَفَدَ عَلَيْهِ تَوَجّهَ لِذَلِكَ وَمَلّكَهُ: مُزَاحِمٌ أُطُمِهِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) البيت فى اللسان فى مادة هوذ: «من يلق هوذة يسجد غير متتب» وهذا هو الصواب. وأتأب: خزى واستحيا. (2) قبل البيت: وغسان زلت يوم جلق زلة ... لسيدها والأريحى الحلاحل وبعده: فأضحى كأحلام النيام نعيمهم ... وأى نعيم خلته لا يزايل اللسان والأمالى ص 75 ط 2 ح. ويعنى بالبيت المذكور فى الروض أنه ساش] الملك أربعين سنة، وقال يقول: مات: أما فاد يفيد: تبختر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مرّ به، وهو فى ظِلّ مُزَاحِمٍ أُطُمِهِ، وَآطَامُ الْمَدِينَةِ: سُطُوحٌ «1» ، وَلَهَا أَسْمَاءٌ، فَمِنْهَا مُزَاحِمٌ وَمِنْهَا الزّوْرَاءُ أُطُمُ بَنِي الْجِلَاحِ، وَمِنْهَا مُعْرِضٌ أُطُمُ بَنِي سَاعِدَةَ، وَمِنْهَا: فارغ أُطُمُ بَنِي حُدَيْلَةَ، وَمِنْهَا مِسْعَطٌ «2» ، وَمِنْهَا: وَاقِمٌ، وَفِي مُعْرِضٌ يَقُولُ الشّاعِرُ: وَنَحْنُ دَفَعْنَا عَنْ بُضَاعَةَ كُلّهَا ... وَنَحْنُ بَنَيْنَا مُعْرِضًا فَهُوَ مُشْرِفُ فَأَصْبَحَ مَعْمُورًا طَوِيلًا قَذَالُهُ ... وَتَخْرَبُ آطَامٌ بِهَا وَتَقَصّفُ وَبُضَاعَةُ أَرْضُ بَنِي سَاعِدَةَ، وَإِلَيْهَا تُنْسَبُ بِئْرُ بَنِي بُضَاعَةَ. وَالْأَجَشّ وَكَانَ بِقُبَاءَ، وَالْحَمِيمُ وَالنّوّاحَانِ، وَهُمَا أُطُمَانِ لِبَنِي أُنَيْفٍ وَصِرَارٍ وَكَانَ بالجوّانيّة والرّيّان والشّبعان وهو فى نمغ. وراتح والأبيض، ومنها عاصم والرّعل «3» وَكَانَ لِحَضِيرِ بْنِ سِمَاكٍ، وَمِنْهَا خَيْطٌ وَوَاسِطٌ وَحُبَيْشٌ، وَالْأَغْلَبُ وَمَنِيعٌ، فَهَذِهِ آطَامُ الْمَدِينَةِ ذَكَرَ أَكْثَرَهَا الزّبَيْرُ، وَالْأُطُمُ: اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ ائْتَطَمَ: إذَا ارْتَفَعَ وَعَلَا، يُقَال: ائْتَطَمَ عَلَيّ فُلَانٌ إذَا غَضِبَ وَانْتَفَخَ، وَالْأَطَمَاتُ: نِيرَانٌ مَعْرُوفَةٌ فِي جِبَالٍ لَا تَخْمُدُ فِيهَا، تَأْخُذُ بِأَعْنَانِ السّمَاءِ، فهى

_ (1) جمع القلة آطام، والكثرة: أطوم وأطم. والمفرد: أطمة، وهو كل بيت مربع مسطح، أو الحصن المبنى بالحجارة. (2) فى الأصل مسعط والتصويب من وفاء الوفاء وهى أطم لبنى حديلة غربى مسجد أبى بن كعب ص 374 ح 2. (3) ضبطها البكرى بفتح الراء، وكذا صاحب المراصد، وفى وفاء الوفا للسمهودى بكسر الراء، وقال: أطم بمنازل عبد الأشهل ص 312 ح 2.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبَدًا بَاقِيَةٌ، لِأَنّهَا فِي مَعَادِنِ الْكِبْرِيتِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْعُودِيّ مِنْهَا جُمْلَةً، وَذَكَرَ مَوَاضِعَهَا، وَقَوْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ: مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاك خَصْمُك لَا تَزَلْ ... تَذِلّ وَيَصْرَعْك الّذِينَ تُصَارِعُ يُقَالُ: إنّ ابْنَ أَبِي تَمَثّلَ بِهِمَا، ويقال: إنهما لخفاف بن نُدْبَةَ وَخُفَافٌ هُوَ: ابْنُ عَمْرِو بْنِ الشّرِيدِ أَحَدُ غِرْبَانِ «1» الْعَرَبِ، وَأُمّهُ. نُدْبَةَ، وَيُقَالُ فِيهَا: نَدْبَةُ، وَنُدْبَةُ، وَهُوَ سَلْمَى. وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَعُودُهُ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ زِيَادَةٌ، فِيهَا فِقْهٌ قَالَ: كَانَ سَعْدٌ قَدْ دَعَاهُ رَجُلٌ مِنْ اللّيْلِ فَخَرَجَ إلَيْهِ فَضَرَبَهُ الرّجُلُ بِسَيْفِ فَأَشْوَاهُ «2» ، فَجَاءَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ مِنْ تِلْكَ الضّرْبَةِ، وَلَامَهُ عَلَى خُرُوجِهِ لَيْلًا، وَهَذَا هُوَ مَوْضِعُ الْفِقْهِ. وَعْكُ أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ وَعَامِرٍ فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ حِينَ وعك أبو بكر، وبلال وعامر بن فهيرة، وَمَا أَجَابُوهَا بِهِ مِنْ الرّجَزِ فَيَذْكُرُ أَنّ قول عامر:

_ (1) غربان العرب: سودانهم. والأغر به فى الجاهلية: عنترة وخفاف، وأبو عمير بن الحباب، وسليك بن السلسكة. وهشام بن عقبة بن أبى معيط إلا أنه مخضرم. ومن الإسلاميين: عبد الله بن خازم، وعمير بن أبى عمير، وهمام ابن مطرف، ومنتشر بن وهب، ومطر بن أوفى، وتأبط شرا، والشنفرى وحاجز غير منسوب. (2) لم يصب منه مقتلا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَقَدْ وَجَدْت الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ «1» إنّهُ لِعَمْرِو بْنِ مَامَةَ، وَفِي هَذَا الْخَبَرِ وَمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ حَنِينِهِمْ إلَى مَكّةَ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النّفُوسُ مِنْ حُبّ الْوَطَنِ وَالْحَنِينِ إلَيْهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أُصَيْلٍ الْغِفَارِيّ «2» ، وَيُقَالُ فِيهِ: الْهُدَلِيّ أَنّهُ قَدِمَ مِنْ مَكّةَ، فَسَأَلْته عَائِشَةُ: كَيْفَ تَرَكْت مَكّةَ يَا أُصَيْلُ؟ فَقَالَ: تركتها حين ابيضّت أباطحها، وأحجن ثمامها، وأعذق إذْخِرَهَا، وَأَمْشَرَ سَلَمُهَا، فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وقال: لا تشوّقنا يَا أُصَيْلُ، وَيُرْوَى أَنّهُ قَالَ لَهُ: دَعْ الْقُلُوبَ تَقَرْ «3» وَقَدْ قَالَ الْأَوّلُ: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَن لَيْلَةً ... بِوَادِي الْخُزَامَى حَيْثُ رَبّتْنِي أَهْلِي بِلَادٌ بِهَا نِيطَتْ عَلَيّ تَمَائِمِي ... وَقُطّعْنَ عَنّي حِينَ أَدْرَكَنِي عَقْلِي وَأَمّا قَوْلُ بلال:

_ (1) الحديث فى البخارى وغيره. (2) هو ابن عبد الله أو ابن سفيان، وقيل فى نسبه الخزاعى أيضا. (3) لم يرو هذا أحد من أصحاب الكتب الستة، وإنما رواه الخطابى فى غريبه وأبو موسى فى الذيل، والجاحظ فى كتاب البيان. وأحجن الثمام: خرجت حجنته أى خوصه أو بدا ورقه، وأعذق الإذخر: خرج ثمره، وأمشر سلمها: المشرة:: شبه خوصة تخرج فى العضاة، وفى كثير من الشجر. يقال مشر الشجر، ومشر وأمشر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِفَجّ «1» وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ فَفَجّ مَوْضِعٌ خَارِجُ مَكّةَ بِهِ مُوَيْهٌ يَقُولُ فِيهِ الشّاعِرُ: مَاذَا بِفَجّ مِنْ الْإِشْرَاقِ وَالطّيبِ ... وَمِنْ جَوَارٍ نَقِيّاتٍ رَعَابِيبِ «2» وَبِفَجّ اغْتَسَلَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَالْإِذْخِرُ مِنْ نَبَاتِ مَكّةَ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ الدّينَوَرِيّ صَاحِبُ كِتَابِ النّبَاتِ: الْإِذْخِرُ فِيمَا حُكِيَ عَنْ الْأَعْرَابِ الْأُوَلِ لَهُ أَصْلٌ مُنْدَفِقٌ وَقُضْبَانٌ دِقَاقٌ، وَهُوَ ذَفِرُ الرّيحِ، وَهُوَ مِثْلُ الْأَصْلِ أَصْلِ الْكَوْلَانِ إلّا أَنّهُ أَعْرَضُ كُعُوبًا «3» ، وَلَهُ ثَمَرَةٌ كَأَنّهَا مَكَاسِحُ الْقَصَبِ «4» إلّا أَنّهَا أَرَقّ وَأَصْغَرُ. قَالَ أَبُو زِيَادٍ، الْإِذْخِرُ يُشَبّهُ فِي نَبَاتِهِ بِنَبَاتِ الْأَسَلِ الّذِي تُعْمَلُ مِنْهُ الْحُصْرُ، وَيُشْبِهُ نَبَاتُهُ الْغَرَزَ، وَالْغَرَزُ ضَرْبٌ مِنْ الثّمام، واحدته: غرزة، ويتّخذ من الغرز

_ (1) رواية البخارى وياقوت: بواد بدلا من فج، وتروى: فخ كما جاء فى اللسان والمراصد وكما روى الخشنى عن أبى حنيفة اللغوى والهمدانى فى صفة جزيرة العرب، وفى كتابه مختصر البلدان، وياقوت فى كتابه المشترك وصفا: وفى النهاية لابن الأثير، وقال عنه: «موضع عند مكة، وقيل: واد دفن به عبد الله بن عمر، وهو أيضا ماء أقطعه النبى «ص» وعظيم بن الحارث المحاربى» . (2) جارية رعبوب ورعبوبة، ورعبيب الحسنة الغضة الطويلة الحلوة الناعمة.. (3) هو البردى. وفى المحكم: نبات ينبت فى الماء مثل البردى، وهو بفتح الكاف، وقد تضم. (4) مكاسح: جمع: مكسحة المكنسة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْغَرَابِيلُ وَالْإِذْخِرُ أَرَقّ مِنْهُ، وَالْإِذْخِرُ يُطْحَنُ فَيَدْخُلُ فِي الطّيبِ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَهُوَ مِنْ الجنبة، وقلّما تنبت الأذخرة منفردة، وَقَالَ فِي الْجَلِيلِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ: إنّ أَهْلَ الْحِجَازِ يُسَمّونَ الثّمَامَ الْجَلِيلَ، وَمَعْنَى الْجَنَبَةِ الّتِي ذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو: وَهُوَ كُلّ نَبَاتٍ له أصول ثابتة، لا تذهب بذهاب فرعه فِي الْغَيْطِ، وَتُلَقّحُ فِي الْخَرِيفِ، وَلَيْسَتْ كَالشّجَرِ الّذِي يَبْقَى أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ فِي الْغَيْطِ، وَلَا كَالنّجْمِ الّذِي يَذْهَبُ فَرْعُهُ وَأَصْلُهُ، فَلَا يَعُودُ إلّا زِرّيعَتُهُ جَانِبَ النّجْمِ وَالشّجَرِ، فَسُمّيَ جَنَبَةً «1» ، وَيُقَالُ لِلْجَنَبَةِ أَيْضًا: الطّرِيفَةُ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَمِجَنّةٌ سُوقٌ مِنْ أَسْوَاقِ الْعَرَبِ بَيْنَ عُكَاظٍ وذى الْمَجَازِ، وَكُلّهَا، أَسْوَاقٌ قَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهَا. وَمَجَنّةٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَفْعَلَةً وَفَعْلَةً، فَقَدْ قَالَ سِيبَوَيْهِ: فِي الْمِجَنّ إنّ مِيمَه أَصْلِيّةٌ، وَأَنّهُ فعل، وخالفه فى ذلك الناس وَجَعَلُوهُ مِفْعَلًا، مِنْ جَنّ إذَا سَتَرَ، وَمِنْ أَسْوَاقِهِمْ أَيْضًا حُبَاشَةُ، وَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ هَذِهِ، وَأَمّا شَامَةُ وَطَفِيلُ، فَقَالَ الْخَطّابِيّ فِي كِتَابِ الْأَعْلَامِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيّ: كُنْت أَحْسَبُهُمَا جَبَلَيْنِ، حَتّى مَرَرْت بِهِمَا، وَوَقَفْت عَلَيْهِمَا فَإِذَا هُمَا عَيْنَانِ مِنْ مَاءٍ، وَيُقَوّي قَوْلَ الْخَطّابِيّ إنّهُمَا عَيْنَانِ قَوْلٌ كَثِيرٌ: وَمَا أَنْسَ م الْأَشْيَاءِ لَا أَنْسَ مَوْقِفًا ... لَنَا، وَلَهَا بِالْخَبْتِ خَبْتِ طفيل «2»

_ (1) الجنبة: عامة الشجر التى تتربل فى الصيف، أو ما كان بين الشجر والبقل. (2) من قصيدة أو لها: ألا حييا ليلى أجد رحيلى ... وآذن أصحابى غدا بقفول والقصيدة بطولها فى الأمالى، وقد ورد بيت السهيلى هكذا: تواهقن بالحجاج من بطن نخلة ... ومن عزور والخبت خبت طفيل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْخَبْتُ: مُنْخَفَضُ الْأَرْضِ. وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبّبْت إلَيْنَا مَكّةَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدّهَا وَصَاعِهَا «1» يَعْنِي الطّعَامَ الّذِي يُكَالُ بِالصّاعِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «كَيّلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» «2» ، وَشَكَا إلَيْهِ قَوْمٌ سُرْعَةَ فَنَاءِ طَعَامِهِمْ، فَقَالَ: أَتَهِيلُونَ أَمْ تَكِيلُونَ؟ فَقَالُوا: بَلْ نَهِيلُ، فَقَالَ: كَيّلُوا وَلَا تَهِيلُوا «3» وَمَنْ رَوَاهُ: قُوتُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ «4» ، فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ: تَصْغِيرُ الْأَرْغِفَةِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَزّارُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الدّرْدَاءِ، وَذَكَرَ فِي تَفْسِيرِهِ مَا قُلْنَاهُ، وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُدّ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، أَعْنِي مُدّ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: هُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ، وَالرّطْلُ: مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَالدّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبّةً وَخُمُسَانِ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَانْقُلْ حُمّاهَا: وَاجْعَلْهَا بِمَهْيَعَة، وَهِيَ الْجُحْفَةُ، كَأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يُرِدْ إبْعَادَ الْحُمّى عن جميع أرض الإسلام،

_ (1) فى مسلم: اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا فى صاعها ومدها، وحول حماها إلى الجحفة» وفى البخارى «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد. اللهم بارك لنا فى صاعنا وفى مدنا، وصححها لنا وانقل حماها إلى الجحفة» . (2) البخارى وأحمد وابن ماجة. (3) يقول ابن اثير فى النهاية: «كل شىء أرسلته إرسالا من طعام أو شراب أو رمل فقد هلته هيلا. يقال: هلت الماء، وأهلته إذا صببته وأرسلته. (4) الطبرانى وهو ضعيف وقد سئل الأوزاعى عنه فقال: صغر الأرغفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ: اُنْقُلْ حُمّاهَا، وَلَمْ يَخُصّ مَوْضِعًا، أَوْ كَانَ يَخُصّ بِلَادَ الْكُفْرِ، وَذَلِكَ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- لِأَنّهُ قَدْ نَهَى عَنْ سَبّ الْحُمّى وَلَعْنِهَا فِي حَدِيثِ أُمّ الْمُسَيّبِ «1» وَأَخْبَرَ أَنّهَا طَهُورٌ، وَأَنّهَا حَظّ كُلّ مُؤْمِنٍ من النار «2» ،

_ (1) روى مسلم فى صحيحه عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب، أو أم المسيب، فقال: «مالك تزفزفين؟ قالت الحمى، لا بارك الله فيها، فقال: لا تسبى الحمى، فانها تذهب خطايا بنى آدم كما يذهب الكير خبث الحديد» وفى رواية: ترفرفين. والمعنى متقارب. فالمقصود: الرعدة التى تحصل للمحموم. ومن البين هنا أن أم المسيب قالت: لا بارك الله فى الحمى، فهو دليل ضيق نفس وبرم بالحمى، فأريد لها اللياذ بالصبر والجلد. بدليل ما ورد. حديث رواه الطبرانى عن فاطمة الخزاعية أنها قالت: «عاد النبى «ص» امرأة من الأنصار، وهى وجعة، فقال: لها: كيف تجدينك؟ قالت: بخير، إلا أن أم ملدم قد برحت بى، فقال النبى «ص» : اصبرى، فإنها تذهب خبث ابن آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد» وأم ملدم كنية الحمى والميم الأولى مكسورة زائدة. وألدمت عليه الحمى: دامت، وبعضهم يقولها بالذال المعجمة. (2) ورد ذلك فى حديث رواه أحمد «الحمى كير من جهنم، فما أصاب المؤمن منها كان حظه من جهنم» وعند الطبرانى «الحمى من فيح جهنم وهى نصيب المؤمن من النار» وورد وصفها بأنها طهور فى حديث رواه أحمد وابن حبان والطبرانى قيل فيه إن أم ملدم- وهى الحمى استأذنت على رسول الله «ص» فأمر بها إلى أهل قباء، فأصابهم منها عنت شديد، فشكوا إلى النبى «ص» ، فقال: ما شئتم: إن شئتم دعوت الله، فكشفها عنكم، وإن شئتم أن تكونوا لكم طهورا؟ قالوا: أو تفعله؟ قال: نعم قالوا: فدعها» . وأقول: لا يتصور مسلم فى رسول الله «ص» - وهو بالمؤمنين رؤف رحيم كما وصفه الله- يطلب من الله أن ينقل مثل هذا المرض الذى يرهق، ويوهن من قوة الجماعة الإسلامية إلى بلد إسلامية أبدا. وتدبر أن الله قال له-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَجَمَعَ بَيْنَ الرّفْقِ بِأَصْحَابِهِ فَدَعَا لَهُمْ بِالشّفَاءِ مِنْهَا، وَبَيْنَ أَنْ لَا يُحَرّمُوا أَيْضًا الْأَجْرَ فِيمَا يُصِيبُوا مِنْهَا، فَلَمْ يُبْعِدْهَا كُلّ الْبُعْدِ. وَأَمّا مَهْيَعَةُ، فَقَدْ اشْتَدّ الْوَبَاءُ فِيهَا بِسَبَبِ هَذِهِ الدّعْوَةِ، حَتّى قِيلَ: إنّ الطّائِرَ يَمُرّ بِغَدِيرِ خُمّ فَيَسْقَمُ، وَغَدِيرُ خُمّ فِيهَا، وَيُقَالُ: إنّهَا، مَا وُلِدَ فِيهَا مَوْلُودٌ فَبَلَغَ الْحُلْمَ، وَهِيَ أَرْضٌ بُجْعَةٍ «1» لَا تُسْكَنُ، وَلَا يُقَامُ فِيهَا إقَامَةً دَائِمَةً فِيمَا بَلَغَنِي وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ تَحْرِيمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كُنْت أَصْطَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ بِالْوَقَاقِيصِ، وَهِيَ شِبَاكُ الطّيْرِ، فَاصْطَدْت نُهَسًا، فَأَخَذَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَصَكّ فِي قَفَايَ، ثُمّ أَرْسَلَهُ. وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَوْلَهُ عَلَيْهِ السلام: صلاة القاعد

_ - حين دعا على من آذوه: ليس لك من الأمر شىء» فكيف بمن ناصروه وعزروه؟ ولقد ورد عنه فى حديث رواه مسلم وأبو داود وابن خزيمة فى صحيحه: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم» فكيف يدعو على أهل جحفة، أو على أهل قباء؟ ما ذنب أهل البلدين؟، وهل يتفق هذا مع الخلق العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم إن هدى الإسلام يؤكد أن على الإنسان أن يسعى فى سبيل أن يشفيه الله من مرضه، وأن يضرع إلى الله بهذا فى كل أوقات مرضه. (1) النجعة: طلب الكلأ ومساقط الغيث. وما سبق عن جحفة كلام لا يصح أن يكتب، ولا أن يردد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ حِينَ رَآهُمْ يصلّون قُعُودًا مِنْ الْوَعْكِ، قَالَ فَتَجَشّمَ النّاسُ الْقِيَامَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ السّقَمِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللّفْظِ يُقَوّي مَا تَأَوّلَهُ الْخَطّابِيّ فِي صَلَاةِ الْقَاعِدِ أَنّهَا عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ، ثُمّ قَالَ الْخَطّابِيّ: إنّمَا ذَلِكَ لِلضّعِيفِ الّذِي يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ بِكُلْفَةِ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ الْبَتّةَ، فَصَلَاتُهُ مِثْلُ صَلَاةِ الْقَائِمِ، وَهَذَا كُلّهُ فِي الْفَرِيضَةِ، وَالنّافِلَةِ، وَخَالَفَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَخْصِيصِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِصَلَاةِ النّافِلَةِ فِي حَالِ الصّحّةِ، وَاحْتَجّ الْخَطّابِيّ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَفِيهِ: وَصَلَاتُهُ قَائِمًا عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، قَالَ: وَقَدْ أَجَمَعَتْ الْأُمّةُ أن لا يصلّى أحد مضطجا إلّا مِنْ مَرَضٍ، فَدَلّ عَلَى أَنّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْحَدِيثِ كُلّهِ إلّا الْمَرِيضَ الّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِكُلْفَةِ، أَوْ عَلَى الْقُعُودِ بِمَشَقّةِ، وَنَسَبَ بَعْضُ النّاسِ النّسَوِيّ إلَى التّصْحِيفِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالُوا إنّمَا هُوَ وَصَلَاتُهُ نَائِمًا عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، فَتَوَهّمَهُ النّسَوِيّ قَائِمًا، أَيْ مُضْطَجِعًا، فَتَرْجَمَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ: بَابُ صَلَاةِ النّائِمِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، فَإِنّ فِي الرّوَايَةِ الثّانِيَةِ: وَصَلَاةُ النّائِمِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَتَصَحّفُ، وَقَوْلُ الْخَطّابِيّ: أَجَمَعَتْ الْأُمّةُ عَلَى أَنّ الْمُضْطَجِعَ لَا يُصَلّي فِي حَالِ الصّحّةِ نَافِلَةً وَلَا غَيْرَهَا، وَافَقَهُ أَبُو عُمَرَ عَلَى ادّعَاءِ الْإِجْمَاعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَيْسَتْ بِمَسْأَلَةِ إجْمَاعٍ كما زعما، بل كان من السّلف من يجيز للصحيح أن يتنفّل مضطجعا، منهم الْحَسَنُ الْبَصْرِيّ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عِيسَى التّرْمِذِيّ فى مصنفه.

تاريخ الهجرة

[تَارِيخُ الْهِجْرَةِ] بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن هشام، قال: حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، حِينَ اشْتَدّ الضّحَاءُ، وَكَادَتْ الشّمْسُ تَعْتَدِلَ، لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ، وَهُوَ التّارِيخُ، (فِيمَا) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللهُ عَزّ وَجَلّ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ، وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَجُمَادَيَيْنِ، وَرَجَبًا، وَشَعْبَانَ، وَشَهْرَ رَمَضَانَ، وَشَوّالًا، وذا القعدة، وذا الحجة- وولي تلك الحجة الْمُشْرِكُونَ- وَالْمُحَرّمَ، ثُمّ خَرَجَ غَازِيًا فِي صَفَرَ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ المدينة. قال ابن هشام: واستعمل على المدينة سعد بن عبادة. [غزوة ودان] وهى أول غزواته عليه الصلاة والسلام [موادعة بنى ضمرة وَالرّجُوعُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى بَلَغَ وَدّانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ، يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِيّ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فواد عته فِيهَا بَنُو ضَمْرَةَ، وَكَانَ الّذِي وَادَعَهُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو الضّمَرِيّ، وَكَانَ سَيّدَهُمْ فى زمانه ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سرية عبيدة بن الحارث

ذَلِكَ. ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ صَفَرٍ، وَصَدْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أَوّلُ غزوة غزاها. [سَرِيّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ] وَهِيَ أَوّلُ رَايَةٍ عقدها عليه الصلاة وَالسّلَامُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ فِي سِتّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، فَسَارَ حَتّى بَلَغَ مَاءً بِالْحِجَازِ، بِأَسْفَلَ ثَنِيّةِ الْمُرّةِ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، إلّا أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ قَدْ رُمِيَ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ، فَكَانَ أَوّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ. [مَنْ فَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ] ثُمّ انصرف القوم عن القوم، وللمسلمين حامية. وَفَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو الْبَهْرَانِيّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ غزوان ابن جَابِرٍ الْمَازِنِيّ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَكِنّهُمَا خَرَجَا لِيَتَوَصّلَا بِالْكُفّارِ. وَكَانَ عَلَى الْقَوْمِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر أبى بكر فيها

أَنّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الأخيف، أحد بني معيص بن عامر بن لؤىّ بن غالب بن فهر. [شعر أبى بكر فيها] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رضى الله عنه، فى غزوة عبيدة ابن الْحَارِثِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ الله عنه: أَمِنْ طَيْفِ سَلْمَى بِالْبِطَاحِ الدّمَائِثِ ... أَرِقْتَ وَأَمْرٍ فِي الْعَشِيرَةِ حَادِثِ تَرَى مِنْ لُؤَيّ فِرْقَةً لَا يَصُدّهَا ... عَنْ الْكُفْرِ تَذْكِيرٌ وَلَا بَعْثُ بَاعِثِ رَسُولٌ أَتَاهُمْ صَادِقٌ فَتَكَذّبُوا ... عَلَيْهِ وَقَالُوا: لست فينا بما كث إذَا مَا دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْحَقّ أَدْبَرُوا ... وَهَرّوا هَرِيرَ الْمُجْحَرَاتِ اللّوَاهِثِ فَكَمْ قَدْ مَتَتْنَا فِيهِمْ بِقَرَابَةٍ ... وَتَرْكُ التّقَى شَيْءٌ لَهُمْ غَيْرُ كَارِثِ فَإِنْ يَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَعُقُوقِهِمْ ... فَمَا طَيّبَاتُ الْحِلّ مِثْلُ الْخَبَائِثِ وَإِنْ يَرْكَبُوا طُغْيَانَهُمْ وَضَلَالَهُمْ ... فَلَيْسَ عَذَابُ اللهِ عَنْهُمْ بِلَابِثِ وَنَحْنُ أَنَاسٌ مِنْ ذُؤَابَةَ غَالِبٌ ... لَنَا الْعِزّ مِنْهَا فِي الْفُرُوعِ الْأَثَائِثِ فَأُولِي بِرَبّ الرّاقِصَاتِ عَشِيّةً ... حَراجِيجُ تخدى فِي السّرِيحِ الرّثَائِثِ كَأُدْمِ ظِبَاءٍ حَوْلَ مَكّةَ عُكّفٍ ... يَرِدْنَ حِيَاضَ الْبِئْرِ ذَاتِ النّبَائِثِ لَئِنْ لَمْ يُفِيقُوا عَاجِلًا مِنْ ضَلَالِهِمْ ... وَلَسْتُ إذَا آليت قولا بحانث لتبتد رنّهم غَارَةٌ ذَاتُ مَصْدَقٍ ... تُحَرّمُ أَطْهَارَ النّسَاءِ الطّوَامِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فأجابه عبد الله بن الزبعرى السهمى فقال

تُغَادِرُ قَتْلَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَا تَرْأَفُ الْكُفّارَ رَأَفَ ابْنِ حَارِثِ فَأَبْلِغْ بَنِي سَهْمٍ لَدَيْك رِسَالَةً ... وَكُلّ كَفُورٍ يَبْتَغِي الشّرّ بَاحِثِ فَإِنْ تَشْعَثُوا عِرْضِي عَلَى سُوءِ رَأْيكُمْ ... فَإِنّي من أعراضكم غير شاعث [فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَعْرَى السّهْمِيّ فَقَالَ] أَمِنْ رَسْمِ دَارٍ أَقْفَرَتْ بِالْعَثَاعِثِ ... بَكَيْتَ بِعَيْنٍ دَمْعُهَا غَيْرُ لَابِثِ وَمِنْ عَجَبِ الْأَيّامِ وَالدّهْرُ كُلّهُ ... لَهُ عَجَبٌ مِنْ سَابِقَاتٍ وَحَادِثِ لِجَيْشٍ أَتَانَا ذِي عُرَامٍ يَقُودُهُ ... عُبَيْدَةُ يُدْعَى فِي الْهِيَاجِ ابْنَ حَارِثِ لِنَتْرُكَ أَصْنَامًا بِمَكّةَ عُكّفَا ... مَوَارِيثَ مَوْرُوثٍ كَرِيمٍ لِوَارِثِ فَلَمّا لَقِينَاهُمْ بِسُمْرِ رُدَيْنَةَ ... وَجُرْدٍ عِتَاقٍ فِي الْعَجَاجِ لَوَاهِثِ وَبِيضٍ كَأَنّ الْمِلْحَ فَوْقَ مُتُونِهَا ... بِأَيْدِي كُمَاةٍ كَاللّيُوثِ الْعَوَائِثِ نُقِيمُ بِهَا إصْعَارَ مَنْ كَانَ مَائِلًا ... وَنَشْفِي الذّحُولَ عَاجِلًا غَيْرَ لَابِثِ فَكَفَوْا عَلَى خَوْفٍ شَدِيدٍ وَهَيْبَةٍ ... وَأَعْجَبَهُمْ أَمْرٌ لَهُمْ أَمْرُ رَائِثِ وَلَوْ أَنّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا نَاحَ نِسْوَةٌ ... أَيَامَى لَهُمْ، مِنْ بَيْنِ نَسْءٍ وَطَامِثِ وَقَدْ غُودِرَتْ قَتْلَى يُخْبِرُ عَنْهُمْ ... حَفِيّ بِهِمْ أَوْ غَافِلٌ غَيْرُ بَاحِثِ فَأَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ لَدَيْكَ رسالة ... فما أنت عن أعراض فهر بما كث وَلَمّا تَجِبْ مِنّي يَمِينٌ غَلِيظَةٌ ... تُجَدّدُ حَرْبًا حَلْفَةً غَيْرَ حَانِثِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِابْنِ الزّبَعْرَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر ابن أبى وقاص فى رميته

[شِعْرُ ابْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ فى رميته تلك فيما يذكرون: أَلَا هَلْ أَتَى رَسُولَ اللهِ أَنّي ... حَمَيْتُ صَحَابَتِي بِصُدُورِ نَبْلِي أَذُودُ بِهَا أَوَائِلَهُمْ ذِيَادًا ... بِكُلّ حُزُونَةٍ وَبِكُلّ سَهْلِ فَمَا يَعْتَدّ رَامٍ فِي عَدُوّ ... بِسَهْمٍ يَا رَسُولَ اللهِ قَبْلِي وَذَلِكَ أَنّ دِينَك دِينُ صِدْقٍ ... وَذُو حَقّ أَتَيْتَ بِهِ وَعَدْلِ يُنَجّى الْمُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيُجْزَى ... بِهِ الْكُفّارُ عِنْدَ مَقَامِ مَهْلِ فَمَهْلًا قَدْ غويت فلا تعبنى ... غوىّ الحىّ ويحك يابن جَهْلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِسَعْدٍ. [أَوّلُ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لِعُبَيْدَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَتْ رَايَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ- فِيمَا بَلَغَنِي- أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْإِسْلَامِ، لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَهُ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَدِينَةِ. [سَرِيّةُ حَمْزَةَ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ] [ما جرى بين المسلمين والكفار] وَبَعَثَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كانت راية حمزة أول راية فى الإسلام وشعر حمزة فى ذلك

مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ، فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ. فَلَقِيَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ بِذَلِك السّاحِلِ فِي ثلاث مائة رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ. وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ. [كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ فى الإسلام وشعر حمزة فى ذلك] وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ: كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَذَلِكَ أَنّ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عبيدة كانا معا، فشبّه ذلك على الناس. وقد زعموا أن حمزة قد قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ أَنّ رَايَتَهُ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ حَمْزَةُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَقَدْ صَدَقَ إنْ شَاءَ اللهُ، لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إلّا حَقّا، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ. فَأَمّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا. فَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوّلُ مَنْ عُقِدَ لَهُ. فَقَالَ حَمْزَةُ فِي ذَلِكَ، فِيمَا يَزْعُمُونَ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِحَمْزَةِ رَضِيَ الله عنه: أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلتّحَلّمِ وَالْجَهْلِ ... وَلِلنّقْصِ مِنْ رَأْيِ الرّجَالِ وَلِلْعَقْلِ وَلِلرّاكِبِينَا بِالْمَظَالِمِ لَمْ نَطَأْ ... لَهُمْ حُرُمَاتٍ مِنْ سَوَامٍ وَلَا أَهْلِ كَأَنّا تَبَلْنَاهُمْ وَلَا تَبْلَ عِنْدَنَا ... لَهُمْ غَيْرُ أَمْرٍ بِالْعَفَافِ وَبِالْعَدْلِ وَأَمْرٍ بِإِسْلَامٍ فَلَا يَقْبَلُونَهُ ... وَيَنْزِلُ مِنْهُمْ مِثْلَ مَنْزِلَةِ الْهَزْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر أبى جهل فى الرد على حمزة

فَمَا بَرِحُوا حَتّى انْتَدَبْتُ لِغَارَةِ ... لَهُمْ حَيْثُ حَلّوا ابْتَغَى رَاحَةَ الْفَضْلِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ، أَوّلُ خَافِقٍ ... عَلَيْهِ لِوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لَاحَ مِنْ قَبْلِي لِوَاءٌ لَدَيْهِ النّصْرُ مِنْ ذِي كَرَامَةٍ ... إلَهٍ عَزِيزٍ فِعْلُهُ أَفَضْلُ الْفِعْلِ عَشِيّةَ سَارُوا حَاشِدِينَ وَكُلّنَا ... مَرَاجِلُهُ مِنْ غَيْظِ أَصْحَابِهِ تَغْلِي فَلَمّا تَرَاءَيْنَا أَنَاخُوا فَعَقّلُوا ... مَطَايَا وَعَقّلْنَا مُدَى غَرَضِ النّبْلِ فَقُلْنَا لَهُمْ: حَبْلُ الْإِلَهِ نَصِيرُنَا ... وَمَا لَكُمْ إلّا الضّلَالَةُ مِنْ حَبْلٍ فَثَارَ أَبُو جَهْلٍ هُنَالِكَ بَاغِيًا ... فَخَابَ وَرَدّ اللهُ كَيْدَ أَبِي جَهْلِ وَمَا نَحْنُ إلّا فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا ... وَهُمْ مِئَتَانِ بَعْدُ وَاحِدَةٍ فَضْلِ فَيَا لَلُؤَىَ لَا تُطِيعُوا غُوَاتَكُمْ ... وَفِيئُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْهَجِ السّهْلِ فَإِنّي أَخَافُ أَنْ يُصَبّ عَلَيْكُمْ ... عَذَابٌ فَتَدْعُوَا بِالنّدَامَةِ وَالثّكْلِ [شِعْرُ أَبِي جَهْلٍ فِي الرّدّ عَلَى حَمْزَةَ] فأجابه أبو جهل بن هشام، فقال: عَجِبْتُ لِأَسْبَابِ الْحَفِيظَةِ وَالْجَهْلِ ... وَلِلشّاغِبِينَ بِالْخِلَافِ وَبِالْبُطْلِ وَلِلتّارِكِينَ مَا وَجَدْنَا جُدُودَنَا ... عَلَيْهِ ذَوِي الْأَحْسَابِ وَالسّؤْدُدِ الْجَزْلِ أَتَوْنَا بِإِفْكٍ كَيْ يُضِلّوا عُقُولَنَا ... وَلَيْسَ مُضِلّا إفْكُهُمْ عَقْلَ ذِي عَقْلِ فَقُلْنَا لَهُمْ: يَا قَوْمَنَا لَا تُخَالِفُوا ... عَلَى قَوْمِكُمْ إنّ الْخِلَافَ مُدَى الْجَهْلِ فَإِنّكُمْ إنْ تَفْعَلُوا تَدْعُ نِسْوَةٌ ... لَهُنّ بَوَاكٍ بِالرّزِيّةِ وَالثّكْلِ وَإِنْ تَرْجِعُوا عَمّا فَعَلْتُمْ فَإِنّنَا ... بَنُو عَمّكُمْ أَهْلُ الحفائظ والفضل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة بواط

فَقَالُوا لَنَا: إنّا وَجَدْنَا مُحَمّدًا ... رِضًا لِذَوِي الْأَحْلَامِ مِنّا وَذِي الْعَقْلِ فَلَمّا أَبَوْا إلّا الْخِلَافَ وَزَيّنُوا ... جِمَاعَ الْأُمُورِ بِالْقَبِيحِ مِنْ الْفِعْلِ تَيَمّمْتُهُمْ بِالسّاحِلَيْنِ بِغَارَةٍ ... لِأَتْرُكَهُمْ كَالْعَصْفِ لَيْسَ بِذِي أصل فورّعنى مَجْدِيّ عَنْهُمْ وَصُحْبَتِي ... وَقَدْ وَازَرُونِي بِالسّيُوفِ وَبِالنّبْلِ لِإِلّ عَلَيْنَا وَاجِبٍ لَا نُضَيّعُهُ ... أَمِينٌ قَوَاهُ غَيْرُ مُنْتَكِثِ الْحَبْلِ فَلَوْلَا ابْنُ عَمْرٍو كُنْتُ غَادَرْتُ مِنْهُمْ ... مَلَاحِمَ لِلطّيْرِ الْعُكُوفِ بِلَا تَبْلِ وَلَكِنّهُ آلَى بِإِلّ فَقَلّصَتْ ... بِأَيْمَانِنَا حَدّ السّيُوفِ عَنْ الْقَتْلِ فَإِنْ تُبْقِنِي الْأَيّامُ أَرْجِعْ عَلَيْهِمْ ... بِبِيضٍ رِقَاقِ الْحَدّ مُحْدَثَةِ الصّقْلِ بِأَيْدِي حُمَاةٍ من لؤىّ بن غالب ... كرام المساحى فِي الْجُدُوبَةِ وَالْمَحْلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِأَبِي جهل. [غَزْوَةُ بُوَاطٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر ربيع لأوّل يُرِيدُ قُرَيْشًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى بَلَغَ بُوَاطٍ، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَلَبِثَ بِهَا بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وبعض جمادى الأولى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة العشيرة

[غزوة العشيرة] أبو سلمة على المدينة ثُمّ غَزَا قُرَيْشًا، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هشام. [الطّرِيقُ إلَى الْعَشِيرَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ، ثُمّ عَلَى فَيْفَاءِ الْخَبَارِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ بِبَطْحَاءِ ابْنِ أَزْهَرَ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ السّاقِ، فَصَلّى عِنْدَهَا. فَثَمّ مسجده صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَصُنِعَ لَهُ عِنْدَهَا طَعَامٌ، فَأَكَلَ مِنْهُ، وَأَكَلَ النّاسُ مَعَهُ، فَمَوْضِعُ أَثَافِيّ الْبُرْمَةِ مَعْلُومٌ هُنَالِكَ، وَاسْتُقِيَ لَهُ مِنْ مَاءٍ بِهِ، يُقَالُ لَهُ: الْمُشْتَرِبُ، ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَرَكَ الْخَلَائِقَ بِيَسَارِ، وَسَلَكَ شُعْبَةً يُقَالُ لَهَا: شُعْبَةُ عَبْدِ اللهِ، وَذَلِكَ اسْمُهَا الْيَوْمُ، ثُمّ صَبّ لِلْيَسَارِ حَتّى هَبَطَ يَلَيْلَ، فَنَزَلَ بِمُجْتَمَعِهِ وَمُجْتَمَعِ الضّبُوعَةِ، وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرٍ بِالضّبُوعَةِ، ثُمّ سَلَكَ الْفَرْشَ: فَرْشَ مَلَلٍ، حَتّى لَقِيَ الطّرِيقَ بِصُحَيْرَاتِ الْيَمَامِ، ثُمّ اعْتَدَلَ بِهِ الطّرِيقُ، حَتّى نَزَلَ الْعُشَيْرَةَ مِنْ بَطْن يَنْبُعَ. فَأَقَامَ بِهَا جُمَادَى الأولى وليالى من جمادى الآخرة، وادع فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تكنية على بابى تراب

[تكنية على بِأَبِي تُرَابٍ] وَفِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا قَالَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ الْمُحَارِبِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: كُنْت أَنَا وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ، فَلَمّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقَامَ بِهَا، رَأَيْنَا أُنَاسًا مِنْ بنى مدلج يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ وَفِي نَخْلٍ، فَقَالَ لِي عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، هَلْ لَك فِي أَنْ تَأْتِيَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَنَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ؟ قَالَ: قُلْت: إنْ شِئْتَ؛ قَالَ: فَجِئْنَاهُمْ، فَنَظَرْنَا إلَى عَمَلِهِمْ سَاعَةً، ثُمّ غَشِيَنَا النّوْمُ. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعَلِيّ حَتّى اضْطَجَعْنَا فِي صُورٍ مِنْ النّخْلِ، وَفِي دَقْعَاءَ من التراب فنمنا، فو الله مَا أَهَبّنَا إلّا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرّكُنَا بِرِجْلِهِ. وَقَدْ تَتَرّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدّقْعَاءِ الّتِي نِمْنَا فِيهَا، فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيّ بن أبى طالب: مالك يَا أَبَا تُرَابٍ؟ لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنْ التّرَابِ، ثُمّ قَالَ: أَلَا أُحَدّثُكُمَا بِأَشْقَى النّاسِ رَجُلَيْنِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أُحَيْمِرُ ثَمُودٍ الّذِي عَقَرَ النّاقَةَ، وَاَلّذِي يَضْرِبُك يَا عَلِيّ عَلَى هَذِهِ- وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَرْنِهِ- حَتّى يَبُلّ مِنْهَا هَذِهِ. وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا سَمّى عَلِيّا أَبَا تُرَابٍ، أَنّهُ كَانَ إذَا عَتَبَ عَلَى فَاطِمَةَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُكَلّمْهَا، وَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا تَكْرَهُهُ، إلّا أَنّهُ يَأْخُذُ تُرَابًا فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سرية سعد بن أبى وقاص

قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَى عَلَيْهِ التّرَابَ عَرَفَ أَنّهُ عاتب على فاطمة، فيقول: مالك يَا أَبَا تُرَابٍ؟ فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كان. [سرية سعد بن أبى وقاص] ذهابه إلى الخرار ورجوعه من غير حرب قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، فِي ثَمَانِيَةِ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ حَتّى بَلَغَ الْخَرّارَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ بَعْثَ سَعْدٍ هَذَا كَانَ بَعْدَ حَمْزَةَ [غَزْوَةُ سَفْوَانَ وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى] قَالَ ابن إسحاق: ولم يقم رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ إلّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ لَا تَبْلُغُ الْعَشْرَ، حَتّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في طَلَبِهِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حتى بلغ ودايا، يُقَالُ لَهُ: سَفْوَانُ، مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ، وَفَاتَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ، وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى. ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سرية عبد الله بن جحش ونزول: يسئلونك عن الشهر الحرام

[سرية عبد الله بن جحش ونزول: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ] [كتاب الرسول له] وَبُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيّ فِي رَجَبٍ، مَقْفَلَهُ مِنْ بَدْرٍ الْأُولَى، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمّ يَنْظُرَ فِيهِ، فَيَمْضِيَ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ، لا يستكره من أصحابه أحدا. وَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ مِنْ المهاجرين. ثم من بنى عبد شمس ابن عَبْدِ مَنَافٍ: أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ؛ وَمِنْ حَلْفَائِهِمْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ، وَهُوَ أَمِيرُ الْقَوْمِ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ، أَحَدُ بَنِي أَسَدِ بن خُزَيْمَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ. وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عبد مناف: عتبة ابن غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ عَامِرُ بْنُ ربيعة، حليف لهم من عنز ابن وَائِلٍ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع، أَحَدُ بَنِي تَمِيمٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ، أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: سُهَيْلُ بن بيضاء: فَلَمّا سَارَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ، فَنَظَرَ فِيهِ فَإِذَا فِيهِ: إذَا نَظَرْت فِي كِتَابِي هَذَا فَامْضِ حَتّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ، بَيْنَ مَكّةَ وَالطّائِفِ، فَتَرَصّدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الخلاف حول نسب الحضرمى

بِهَا قُرَيْشًا وَتَعَلّمْ لَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ. فَلَمّا نَظَرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ فِي الْكِتَابِ، قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً؛ ثُمّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَمْضِيَ إلَى نَخْلَةَ، أَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشًا، حَتّى آتِيَهُ مِنْهُمْ بِخَبَرِ؛ وَقَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ. فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الشّهَادَةَ وَيَرْغَبُ فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ، وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ، فَأَمّا أَنَا فَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَمَضَى وَمَضَى مَعَهُ أصحابه، لم يتخلّف عنه منهم أحد. وَسَلَكَ عَلَى الْحِجَازِ، حَتّى إذَا كَانَ بِمَعْدِنَ، فَوْقَ الْفُرُعِ، يُقَالُ لَهُ: بَحْرَانُ، أَضَلّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا، كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ. فَتَخَلّفَا عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ. وَمَضَى عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ وَبَقِيّةُ أَصْحَابِهِ حتى نزل بنخلة، قمرّت بِهِ عِيرٌ لِقُرَيْشِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا، وَتِجَارَةً من تجارة قريش، فيها عمرو ابن الحضرمى. [الخلاف حول نَسَبُ الْحَضْرَمِيّ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ الْحَضْرَمِيّ: عبد الله بن عبّاد، ويقال: مالك ابن عبّاد أَحَدُ الصّدِفِ، وَاسْمُ الصّدِفِ: عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، أحد السّكون ابن أَشْرَسَ بْنِ كِنْدَةَ، وَيُقَالُ: كِنْدِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَخُوهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمَخْزُومِيّانِ، وَالْحَكَمُ بن كيسان، مولى هشام بن المغيرة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الرسول صلى الله عليه وسلم يستنكر القتال فى الشهر الحرام

فَلَمّا رَآهُمْ الْقَوْمُ هَابُوهُمْ وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ، فَأَشْرَفَ لَهُمْ عُكّاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ، فَلَمّا رَأَوْهُ أَمِنُوا، وَقَالُوا عَمّارٌ، لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ. وَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ فِيهِمْ، وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ فَقَالَ الْقَوْمُ وَاَللهِ لَئِنْ تَرَكْتُمْ الْقَوْمَ هَذِهِ اللّيْلَةَ لَيَدْخُلُنّ الْحَرَمَ، فَلَيَمْتَنِعُنّ مِنْكُمْ بِهِ وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلُنّهُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ؛ فَتَرَدّدَ الْقَوْمُ، وَهَابُوا الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ، ثُمّ شَجّعُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ. فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التّمِيمِيّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ، واستأسر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كَيْسَانَ؛ وَأَفْلَتَ الْقَوْمَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فَأَعْجَزَهُمْ. وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ بِالْعِيرِ وَبِالْأَسِيرَيْنِ، حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ: أَنّ عَبْدَ اللهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إنّ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا غَنِمْنَا الْخُمُسَ وذلك أَنْ يَفْرِضَ اللهُ تَعَالَى الْخُمُسَ مِنْ الْمَغَانِمِ- فَعَزَلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خمس العير، وقسّم سائرها بين أصحابه. [الرسول صلى الله عليه وسلم يستنكر القتال فى الشهر الحرام] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ؛ قَالَ: مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ. فَوَقّفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ. وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؛ فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُقِطَ فى أيدى القوم، وظنّوا أنهم قد هلكوا، وعنّفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل من القرآن فى فعل ابن جحش

وَقَالَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشّهْرَ الْحَرَامَ، وَسَفَكُوا فِيهِ الدّمَ، وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَالَ، وَأَسَرُوا فِيهِ الرّجَالَ؛ فَقَالَ مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِمّنْ كَانَ بِمَكّةَ: إنّمَا أَصَابُوا ما أصابوا فى شعبان. وَقَالَتْ يَهُودُ- تَفَاءَلَ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَمْرٌو، عَمُرَتْ الْحَرْبُ؛ وَالْحَضْرَمِيّ، حَضَرَتْ الْحَرْبُ؛ وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَقَدَتْ الْحَرْبُ. فَجَعَلَ اللهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لالهم. [ما نزل من القرآن فى فعل ابن جحش] فَلَمّا أَكْثَرَ النّاسُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللهُ على رسوله صلى الله عليه وسلم: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ، فِيهِ، قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ، وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ، وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ أَيْ إنْ كُنْتُمْ قَتَلْتُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ صَدّوكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَعَ الْكُفْرِ بِهِ، وَعَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ، أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ: أَيْ قَدْ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ، حَتّى يَرُدّوهُ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إيمَانِهِ، فَذَلِكَ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا: أَيْ ثُمّ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ، غَيْرَ تَائِبِينَ وَلَا نَازِعِينَ. فَلَمّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنْ الْأَمْرِ، وَفَرّجَ اللهُ تَعَالَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الشّفَقِ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ عُثْمَانَ بْنِ عبد الله والحكم بن كَيْسَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نُفْدِيكُمُوهَا حَتّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا- يَعْنِي سعد ابن أَبِي وَقّاصٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ- فَإِنّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا، نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ. فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ، فَأُفْدَاهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم منهم. فأما الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَأَقَامَ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا. وَأَمّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فَلَحِقَ بِمَكّةَ، فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا. فَلَمّا تَجَلّى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ مَا كَانُوا فِيهِ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ، طَمِعُوا فِي الْأَجْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: أَنَطْمَعُ، أَنْ تَكُونَ لَنَا غَزْوَةٌ نُعْطَى فِيهَا أَجْرَ الْمُجَاهِدِينَ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، فَوَضَعَهُمْ اللهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَعْظَمِ الرّجَاءِ. وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا عَنْ الزّهْرِيّ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ: أَنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ قَسَمَ الْفَيْءَ حِينَ أَحَلّهُ، فَجَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ لِمَنْ أَفَاءَهُ اللهُ، وَخُمُسًا إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَوَقَعَ عَلَى مَا كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ صَنَعَ فِي تِلْكَ الْعِيرِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أَوّلُ غَنِيمَةٍ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ. وَعَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما قيل من شعر فى هذه السرية

أَوّلُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ أَوّلُ مَنْ أَسَرَ المسلمون. [ما قيل من شعر فى هذه السرية] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ عَبْدِ اللهِ ابن جحش، ويقال: بل عبد الله جَحْشٍ قَالَهَا، حِينَ قَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ أَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشّهْرَ الْحَرَامَ، وَسَفَكُوا فِيهِ الدّمَ وَأَخَذُوا فِيهِ الْمَالَ، وَأَسَرُوا فِيهِ الرّجَالَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ: تَعُدّونَ قَتْلًا فِي الْحَرَامِ عَظِيمَةً ... وَأَعْظَمُ مِنْهُ لَوْ يَرَى الرّشْدَ رَاشِدُ صُدُودُكُمْ عَمّا يَقُولُ مُحَمّدٌ ... وَكُفْرٌ بِهِ وَاَللهُ رَاءٍ وَشَاهِدُ وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْ مَسْجِدِ اللهِ أَهْلَهُ ... لِئَلّا يُرَى لِلّهِ فِي الْبَيْتِ سَاجِدُ فَإِنّا وَإِنْ عَيّرْتُمُونَا بِقَتْلِهِ ... وَأَرْجَفَ بِالْإِسْلَامِ بَاغٍ وَحَاسِدُ سَقَيْنَا مِنْ ابْنِ الْحَضْرَمِيّ رِمَاحَنَا ... بِنَخْلَةَ لَمّا أَوْقَدَ الْحَرْبَ وَاقِدُ دَمًا وَابْنُ عَبْدِ اللهِ عُثْمَانُ بَيْنَنَا ... يُنَازِعُهُ غُلّ مِنْ الْقَدّ عَانِدُ [صَرْفُ الْقِبْلَةِ إلَى الكعبة] قال ابن إسحاق: وَيُقَالُ: صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم المدينة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَارِيخُ الْهِجْرَةِ، وَغَزْوَةُ وَدّانَ ذَكَرَ قُدُومَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ، وَقَدْ قَدّمْنَا فِي بَابُ الْهِجْرَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ الْكَلْبِيّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ، وَفِي أَيّ شَهْرٍ كَانَ قُدُومُهُ مِنْ شُهُورِ الْعَجَمِ. وَذَكَرَ أَنّهُ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَجُمَادَيْنِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: وَشَهْرَيْ جُمَادَى، أَوْ يَقُولُ: وَبَقِيّةُ رَبِيعٍ وَرَبِيعًا الْآخَرَ، كَمَا قَالَ فِي سَائِرِ الشّهُورِ، وَلَكِنْ الشّهْرُ إذَا سَمّيْته بِالِاسْمِ الْعَلَمِ، لَمْ يَكُنْ ظَرْفًا، وَكَانَتْ الْإِقَامَةُ أَوْ الْعَمَلُ فِيهِ كُلّهِ إلّا أَنْ تَقُولَ شَهْرَ كَذَا، كَمَا تَقَدّمَ مِنْ كَلَامِنَا عَلَى شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَدِيثِ الْمَبْعَثِ، وَكَذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ، فَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ: جُمَادَيْنِ وَرَجَبًا مُسْتَقِيمٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ: بَقِيّةُ شَهْرِ رَبِيعٍ، فَلِأَنّ الْعَمَلَ وَالْإِقَامَةَ كَانَ فِي بَعْضِهِ: فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: بَقِيّةَ رَبِيعٍ الْأَوّلِ، لَكِنّهُ قَالَ: وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ لِيَزْدَوِجَ الْكَلَامُ وَيُشَاكِلَ مَا قَبْلَهُ، وَهَذَا كُلّهُ مِنْ فَصَاحَتِهِ رَحِمَهُ اللهُ أَوْ مِنْ فَصَاحَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ إنْ كَانَ رَوَاهُ عَلَى اللّفْظِ. وَقَوْلُهُ: وَجُمَادَيْنِ وَرَجَبًا. كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: وَالْجُمَادَيْنِ بِالْأَلِفِ وَاللّامِ، لِأَنّهُ اسْمُ عَلَمٍ، وَلَا يُثَنّى الْعَلَمُ، فَيَكُونُ مَعْرِفَةً إلّا أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللّامُ، فَتَقُولُ: الزّيْدَانِ وَالْعُمَرَانِ، لَكِنّهُ أَجْرَاهُ بِفَصَاحَتِهِ مَجْرَى أَبَانَيْنِ وَقَنَوَيْنِ، وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ اسْمٌ لِجَبَلَيْنِ، وَلَا تَدْخُلُهُ الْأَلِفُ وَاللّامُ، لِأَنّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعريفه لم يزل بالتّثنية، لأنهما أبدا امتلا زمان، فَالتّثْنِيَةُ لَازِمَةٌ لَهُمَا مَعَ الْعَلَمِيّةِ بِخِلَافِ الْآدَمِيّينَ، وَلَمّا كَانَ جُمَادَيَانِ شَهْرَيْنِ مُتَكَارِهَيْنِ جَعَلَهُمَا فِي الزّمَانِ كَأَبَانَيْنِ فِي الْمَكَانِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا كَالزّيْدَيْنِ وَالْعُمَرَيْنِ اللّذَيْنِ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ. قَالَ الْحُطَيْئَةُ: بَاتَتْ لَهُ بِكَثِيبِ جَرْبَةَ لَيْلَةً ... وَطَفَاءَ بَيْنَ جُمَادَيْنِ دَرُورُ فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ قَالُوا: السّمَاكَيْنِ فِي النّجُومِ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ، وَكَذَلِكَ السّرَطَانُ، قُلْنَا: إنّمَا كَانَ ذَلِكَ لِوُجُودِ مَعْنَى الصّفَةِ فِيهِمَا، وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْحَارِثِ، وَالْعَبّاسِ فِي الْآدَمِيّينَ، وَأَكْشَفَ سِرّ الْعَلَمِيّةِ فِي الشّهُورِ وَالْأَيّامِ وَتَقْسِيمِ أَنْوَاعِ الْعَلَمِيّةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا، وَإِنّمَا أَعْجَبَتْنِي فَصَاحَةُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ: بَقِيّةَ شَهْرِ كَذَا وَشَهْرَ كَذَا وَجُمَادَيْنِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَنَزّلَ الْأَلْفَاظَ عِنْدَ مَنَازِلِهَا عِنْدَ أَرْبَابِ اللّغَةِ الْفَاهِمِينَ لِحَقَائِقِهَا، يَرْحَمُهُ اللهُ. غَزْوَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ: وَذَكَرَ فِي غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ وَلِقَائِهِ الْمُشْرِكِينَ: وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ، هَكَذَا الرّوَايَةُ حَيْثُ وَقَعَ بِكَسْرِ الْمِيمِ. وَذَكَرَ ابْنُ مَاكُولَا فِي الْمُؤْتَلَفِ وَالْمُخْتَلَفِ عَنْ أَبِي عَبْدَةَ النّسّابَةِ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ مَكْرَزُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَكَأَنّهُ مِفْعَلٌ أَوْ مَفْعَلٌ مِنْ الْكَرِيزِ، وَهُوَ الْأَقِطُ «1» وَكَذَلِكَ ذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي الْأَخْيَفِ هَهُنَا أَنّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ، وكان ابن ماكولا وحده

_ (1) الأقط: لبن محمض يجمد حتى يستحجر ويطبخ، أو يطبخ به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَقُولُ فِي الْأَخْيَفِ مِنْ بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، وَهُوَ جَدّ الْخَشْخَاشِ التّمِيمِيّ: أخيف بضم الهمزة وفتح الخاء، وقال الدار قطنى: أَخْيَفُ كَمَا قَالُوا فِي الْأَوّلِ. شَرْحُ الْقَصِيدَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَصِيدَةِ ابْنِ الزّبَعْرَى وَأَبِي جَهْلٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ الْقَصِيدَةَ الّتِي تُعْزَى إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَنَقِيضَتُهَا لِابْنِ الزّبعرى، والزّبعرى فى اللغة السّيّىء الْخُلُقِ «1» ، يُقَالُ: رَجُلٌ زِبَعْرَى، وَامْرَأَةٌ زِبَعْرَاةَ، وَالزّبَعْرَى أَيْضًا الْبَعِيرُ الْأَزَبّ الْكَثِيرُ شَعْرِ الْأُذُنَيْنِ مَعَ قِصَرٍ، قَالَهُ الزّبَيْرُ. وَفِي هَذَا الشّعْرِ أَوْ الّذِي بَعْدَهُ ذَكَرَ الدّبّةَ وَهُوَ الْكَثِيبُ مِنْ الرّمْلِ، وَأَمّا الدّبّةُ بِضَمّ الدّالِ فَإِنّهُ يُقَالُ: جَرَى فُلَانٌ عَلَى دُبّةِ فُلَانٍ أَيْ عَلَى سُنّتِهِ وَطَرِيقَتِهِ، وَالدّبّةُ أَيْضًا ظَرْفٌ لِلزّيْتِ «2» ، قَالَ الرّاجِزُ: لِيَكُ بِالْعُنْفِ عِفَاصُ الدّبّةِ وَالدّبّةُ بِكَسْرِ الدّالِ هَيْئَةُ الدّبِيبِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُشْكِلُ معناه. وقوله: تحدى فى السّريح الرّثائث

_ (1) فى الاشتقاق: رجل زبعرى: إذا كان غليظا كثير الشعر، وامرأة زبعراة: غليظة كثيرة شعر الجسد. (2) الدبة الذى هو الموضع الكثير الرمل يضرب مثلا للدهر الشديد، يقال وقع فلان فى دبة من الرمل، لأن الجمل إذا وقع فيه تعب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السّرِيحُ: شِبْهُ النّعْلِ تَلْبَسُهُ أَخْفَافُ الْإِبِلِ، يُرِيدُ: أَنّ هَذِهِ الْإِبِلَ الْحَرَاجِيجَ، وَهِيَ الطّوَالُ تَحْدِي أى: تسرع فى سريح قدرثّ من طول السير. قال الشاعر: دومى الْأَيْدِ يَحْبِطْنَ السّرِيحَا وَذَكَرَ الْعَثَاعَثَ، وَاحِدُهَا: عَثْعَثٌ، وَهُوَ مِنْ أَكْرَمِ مَنَابِتِ الْعُشْبِ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَفِي الْعَيْنِ: الْعُثْعُثُ ظَهْرُ الْكَثِيبِ الّذِي لَا نَبَاتَ فِيهِ. وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ أَنْكَرُوا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ لِأَبِي بَكْرٍ، وَيَشْهَدُ لِصِحّةِ من أنكر أن تكون لَهُ مَا رَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَذَبَ مَنْ أَخْبَرَكُمْ أَنّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ بَيْتَ شِعْرٍ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ مُحَمّدٌ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكّلِ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ «1» . وَقَوْلُ ابْنِ الزّبَعْرَى: بَيْنَ نَسْءٍ وَطَامِثِ، وَالنّسْءُ: حَمْلُ الْمَرْأَةِ فِي أَوّلِهِ، وَالطّامِثُ مَعْرُوفٌ «2» يُقَالُ نُسِئَتْ الْمَرْأَةُ [نَسَأً] إذَا تَأَخّرَ حَيْضُهَا مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ «3» . مِنْ كِتَابِ الْعَيْنِ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: رَأْبَ «4» ابْنِ حَارِثٍ. يَعْنِي: عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ ابن عبد المطلب.

_ (1) كذلك ذكر أبو ذر الخشنى فى شرحه للسيرة. (2) الحائض. (3) فى القاموس: النسىء بالتثليث: المرأة المظنون بها الحمل كالنسوء، أو التى ظهر حملها، ونسئت المرأة: تأخر حيضها عن وقته، فرجى أنها حبلى. (4) فى السيرة: رأف من الرأفة. وإليك معانى بعض ما ترك السهيلى من-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَسْمَاءٌ مَمْنُوعَةٌ مِنْ التّنْوِينِ: وَقَوْلُ أَبِي جَهْلٍ: وَوَرّعَنِي مَجْدِي عَنْهُمْ وَصُحْبَتِي تَرَكَ صَرْفَ مَجْدِي «1» ، لِأَنّهُ عَلَمٌ، وَتَرَكَ التّنْوِينَ فِي الْمَعَارِفِ كُلّهَا أصل لا ينوّن

_ - قصيد أبى بكر وابن الزبعرى ننقله من شرح أبى ذر. الدمائث: الرمال اللينة. هروا: وثبوا كما تثب الكلاب. المحجرات: يعنى: الكلاب التى أحجرت وألجئت إلى مواضعها. اللواهث: أى التى أخرجت ألسنتها وتعبت أنفاسها، متتنا: اتصلنا. غير كارث: غير محزن. الفروع الأثايث: الكثيرة المجتمعة. أولى: أحلف وأقسم. الراقصات: يعنى الإبل، والرقص: ضرب من المشى. حراجيج. مفردها: حرجوج- وقد فسرها السهيلى- وتروى عناجيج: أى الحسان السريح: قطع جلود تربط على أخفاف الإبل مخافة أن تصيبها الحجارة. الرثايث يعنى: البالية الخلقة. أدم ظباء: السمر الظهور البيض البطون. عكف: مقيمة. النبائث: جمع نبيثة، وهى تراب يخرج من البئر إذا نقيت. تعصب الطير: تجتمع. تشعثوا: تغيروا وتفرقوا لائث: محتبس ويروى لابث؛ أى: غير ماكث. عرام: كثرة وشدة. الهياج: الحرب، سحر: رماح، وردينة: امرأة تنسب إليها الرماح. جرد: القصيرات الشعر أو السريعة. والعجاج: الغبار عوائث: مفسدات. أصعار أو أصغاء: أميل. الذحول: جمع ذحل: طلب الثار. رائث: مبطىء. أيامى: ليس لهم أزواج. حفى: كثير السؤال. شرح أبيات سعد: الحزرنة: الوعر من الأرض. سيف البحر: ساحله. العيص: موضع، وأصل العيص منبت الشجر شرح قصيدة حمزة: السوام: الإبل المرسلة فى المرعى. بتلناهم: عاديناهم. والبتل: العداوة، ويقال طلب الثأر. المراجل: جمع مرجل: القدر. (1) هو مجدى بن عمرو الجهنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُضْمَرٌ وَلَا مُبْهَمٌ، وَلَا مَا فِيهِ الْأَلِفُ وَاللّامُ وَلَا مُضَافٌ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْعَلَمِ، فَإِذَا لَمْ يُنَوّنْ فِي الشّعْرِ فَهُوَ الْأَصْلُ فِيهِ، لِأَنّ دُخُولَ التّنْوِينِ فِي الْأَسْمَاءِ إنّمَا هُوَ عَلَامَةٌ لِانْفِصَالِهَا عَنْ الْإِضَافَةِ، فَمَا لَا يُضَافُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَنْوِينٍ، وَقَدْ كَشَفْنَا سِرّ التّنْوِينِ وَامْتِنَاعَ التّنْوِينِ وَالْخَفْضَ مِمّا لا ينصرف فى مسئلة أَفْرَدْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَتَيْنَا فِيهَا بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ، وَالشّوَاهِدِ عَلَى حَذْفِ التّنْوِينِ فِي الشّعْرِ مِنْ الِاسْمِ الْعَلَمِ كَثِيرَةٌ جِدّا، فَتَأَمّلْهُ فِي أشعار ال؟؟؟ ير والمعنى؟؟؟ تجدها، وغرضنا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْأَشْعَارِ الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِ السّيرَةِ أَنْ نَشْرَحَ مِنْهَا مَا اُسْتُغْلِقَ لَفْظُهُ جِدّا، أَوْ غَمُضَ إعْرَابُهُ عَلَى شَرْطِنَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ. رِوَايَةُ شِعْرِ الْكَفَرَةِ: لَكِنّي لَا أُعْرِضُ لِشَيْءِ مِنْ أَشْعَارِ الْكَفَرَةِ الّتِي نَالُوا فِيهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلّا شِعْرَ مَنْ أَسْلَمَ وَتَابَ كَضِرَارِ وَابْنِ الزّبَعْرَى، وَقَدْ كَرِهَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِعْلَ ابْنِ إسْحَاقَ فِي إدْخَالِهِ الشّعْرَ الّذِي نِيلَ فِيهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ النّاسِ مَنْ اعْتَذَرَ عَنْهُ: قَالَ حِكَايَةَ الْكُفْرِ لَيْسَ بِكُفْرِ وَالشّعْرُ كَلَامٌ، وَلَا فَرْقَ أَنْ يُرْوَى كَلَامُ الْكَفَرَةِ وَمُحَاجّتُهُمْ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدّهُمْ عَلَيْهِ مَنْثُورًا وَبَيْنَ أَنْ يُرْوَى مَنْظُومًا، وَقَدْ حَكَى رَبّنَا سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مَقَالَاتِ الْأُمَمِ لِأَنْبِيَائِهَا، وَمَا طَعَنُوا بِهِ عَلَيْهِمْ، فَمَا ذَكَرَ مِنْ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ نَظْمًا أَوْ نَثْرًا فَإِنّمَا يُقْصَدُ بِهِ الِاعْتِبَارُ بِمَا مَضَى، وَتَذَكّرُ نِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَى الْهُدَى، وَالْإِنْقَاذِ مِنْ الْعَمَى. وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: «لأن يمتلىء جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يمتلئ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شِعْرًا» «1» وَتَأَوّلَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي الْأَشْعَارِ الّتِي هُجِيَ بِهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْكَرَتْ قَوْلَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ الشّعْرِ، وَإِذَا قُلْنَا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إلّا عَيْبُ امْتِلَاءِ الْجَوْفِ مِنْهُ. وَأَمّا رِوَايَةُ الْيَسِيرِ مِنْهُ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ، أَوْ الِاسْتِشْهَادُ عَلَى اللّغَةِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي النّهْيِ، وَقَدْ رَدّ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى مَنْ تَأَوّلَ الْحَدِيثَ فِي الشّعْرِ الّذِي هُجِيَ بِهِ الْإِسْلَامُ، وَقَالَ: رِوَايَةُ نِصْفِ بَيْتٍ مِنْ ذَلِكَ الشّعْرِ حَرَامٌ، فَكَيْفَ يَخُصّ امْتِلَاءَ الْجَوْفِ مِنْهُ بِالذّمّ، وَعَائِشَةُ أَعْلَمُ، فَإِنّ الْبَيْتَ وَالْبَيْتَيْنِ وَالْأَبْيَاتَ مِنْ تِلْكَ الْأَشْعَارِ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ الْمَنْثُورِ الّذِي ذَمّوا بِهِ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا فَرْقَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ الّذِي، قَدّمْنَاهُ ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي جامعه، وعلى القول بالإباحة، فإن للنفس تقدّر تِلْكَ الْأَشْعَارَ وَتُبْغِضُهَا وَقَائِلِيهَا فِي اللهِ، فَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا خَيْرٌ مِنْ الْخَوْضِ فِيهَا وَالتّتَبّعِ لِمَعَانِيهَا. غَزْوَةُ بُوَاطَ وَبُوَاطُ جَبَلَانِ فَرْعَانِ لِأَصْلِ، وَأَحَدُهُمَا: جَلْسِيّ، وَالْآخَرُ غَوْرِيّ، وَفِي الْجَلْسِيّ بَنُو دِينَارٍ [مَوَالِي بَنِي كُلَيْبِ بْنِ كَثِيرٍ] يُنْسَبُونَ إلَى دينار مولى عبد الملك بن مروان «2» .

_ (1) متفق عليه، ورواه أيضا أحمد وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجة (2) ما بين قوسين من معجم ما استعجم الذى نقل عنه السهيلى، وبقول البكرى عن دينار إنه كان طبيبا لعبد الملك بن مرون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَكَرَ فِيهِ اسْتِخْلَافَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- على المدينة السائب ابن مَظْعُونٍ، وَهُوَ أَخُو عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، شَهِدَ بَدْرًا فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْبَدْرِيّينَ، وَأَمّا السّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ وَهُوَ ابْنُ أَخِي هَذَا، فَشَهِدَ بَدْرًا فِي قَوْلِ جَمِيعِهِمْ إلّا ابْنَ الْكَلْبِيّ، وَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا «1» غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ يُقَالُ فِيهَا: الْعُشَيْرَةُ وَالْعُشَيْرَاءُ وَبِالسّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا الْعُسَيْرَةُ وَالْعُسَيْرَاءُ، أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللهُ، وَفِي الْبُخَارِيّ: أَنّ قَتَادَةَ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ: الْعُشَيْرُ «2» ، وَمَعْنَى الْعُسَيْرَةِ وَالْعُسَيْرَاءِ، أَنّهُ اسْمٌ مُصَغّرٌ مِنْ الْعَسْرَاءِ وَالْعُسْرَى، وَإِذَا صُغّرَ تَصْغِيرَ التّرْخِيمِ قِيلَ: عُسَيْرَةُ، وَهِيَ بَقْلَةٌ تَكُونُ أَذَنَةً أَيْ عَصِيفَةً، ثُمّ تَكُونُ سَحّاءَ، ثم يقال لها العسرى. قال الشاعر:

_ (1) كان ابن الكلبى يقول إن البدرى هو السائب بن مظعون عم السائب بن عثمان جرح السائب بن مظعون فى غزوة اليمامة، ومات من جرحه وهو ابن بضع وثلاثين سنة. (2) رواه البخارى بسنده عن أبى إسحاق: كنت إلى جنب زيد بن أرقم، فقيل له: كم غزا النبى «ص» من غزوة، قال: تسع عشرة، قيل: كم غزوت أنت معه؟ قال: سبع عشرة، قلت: فأيهم كانت أول؟ قال: العسيرة أو العشير. فذكرت لقتادة قال: العشيرة. لكن ورد فى عدة روايات أخرى أن الغزوات إحدى وعشرون، فلعله فاته اثنان لصغر سنه، أو لعله عد اثنتين واحدة. بضم قريظة إلى الأحزاب، أو ضم الطائف إلى حنين. والذى سأل قتادة هو شعبة. ورواية الترمذى: أيتهن، فيكون الخطأ فى: أيهم إما من البخارى، أو من شيخه عبد الله-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمَا مَنَعْنَاهَا الْمَاءَ إلّا ضَنَانَةً ... بِأَطْرَافِ عُسْرَى شوكها قد نخدّدا وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ كَمَعْنَى الْحَدِيثِ: «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ «1» » وَأَمّا الْعُشَيْرَةُ بِالشّينِ الْمَنْقُوطَةِ، فَوَاحِدَةُ الْعُشَرِ مُصَغّرَةٌ. وَذَكَرَ فِيهَا الضّبُوعَةَ، وَهُوَ: اسْمُ مَوْضِعٍ، وَهُوَ فَعُولَةٌ مِنْ ضَبَعَتْ الْإِبِلُ: إذَا أَمَرّتْ أَضْبَاعَهَا فِي السّيْرِ «2» وَفِي الضّبُوعَةِ نَزَلَ عِنْدَ شَجَرَةٍ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ السّاقِ، وَابْتَنَى ثُمّ مَسْجِدًا، وَاسْتَسْقَى مِنْ مَاءٍ هُنَالِكَ يُقَالُ لَهُ الْمُشَيْرِبُ كَذَلِكَ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ. وَذَكَرَ فِيهِ مَلَلًا، وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ يُقَالُ: إنّهُ إنّمَا سُمّيَ مَلَلًا؛ لِأَنّ الْمَاشِيَ إلَيْهِ مِنْ الْمَدِينَةِ لَا يَبْلُغُهُ إلّا بَعْدَ جَهْدٍ وَمَلَلٍ، وَهُوَ عَلَى عِشْرِينَ مِيلًا مِنْ الْمَدِينَةِ، أَوْ أَكْثَرُ قَلِيلًا. وَذَكَرَ الْحَلَائِقَ وَهِيَ آبَارٌ معلومة «3» . ورواها غَيْرُ أَبِي الْوَلِيدِ الْخَلَائِقَ بِخَاءِ مَنْقُوطَةٍ، وَفَسّرَهَا بعضهم:

_ - ابن محمد المسندى، أو من شيخه وهب بن جرير. ووقع فى الترمذى أن الغزوة: العشير أو العسير. وقول قتادة هو الذى اتفق عليه أهل السير. (1) فسره ابن الأثير بقوله «هو نقع البئر المباحة، أى: ليس لأحد أن يغلب عليه، ويمنع الناس منه حتى يجوزه فى إناء ويملكه» وفسر «لا يمنع فضل الماء» فقط بقوله: «هو أن يسقى الرجل أرضه، ثم تبقى من الماء بقية لا يحتاج إليها، فلا يجوز له أن يبيعها ولا يمنع منها أحدا ينتفع به. هذا إذا لم لم يكن الماء ملكه، أو على قول من يرى أن الماء لا يملك» . (2) أى اسرعت فى السير. (3) قال أبو ذر الخشنى: آبار لقريش والأنصار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جَمْعُ خَلِيقَةٍ وَهِيَ الْبِئْرُ الّتِي لَا مَاءَ فِيهَا «1» ، وَأَكْثَرُ رِوَايَاتِ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا فَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ فَرْشَ مَلَلٍ، وَالْفَرْشُ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَكَانٌ مُسْتَوٍ نَبْتُهُ الْعُرْفُطُ وَالسّيَالُ وَالسّمُرُ يَكُونُ نَحْوًا مِنْ مِيلٍ أَوْ فَرْسَخٍ، فَإِنْ أَنْبَتَ الْعُرْفُطَ وَحْدَهُ فَهُوَ وَهْطٌ، وَإِنْ أَنْبَتَ الطّلْحَ وَحْدَهُ، فَهُوَ غَوْلٌ وَجَمْعُهُ غَيْلَانُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَإِنْ أَنْبَتَ النّصِيّ وَالصّلّيَانَ، وَكَانَ نَحْوًا مِنْ مِيلَيْنِ قِيلَ لَهُ: لُمِعَةٌ. تسكنية على بأبى تراب: وذكر حديثين فى تسكنية عَلِيّ بِأَبِي تُرَابٍ، وَأَصَحّ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي جَامِعِهِ: وَهُوَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ نَائِمًا وَقَدْ تَرِبَ جَنْبُهُ، فَجَعَلَ يَحُثّ التّرَابَ عَنْ جَنْبِهِ، وَيَقُولُ: قُمْ أَبَا تُرَابٍ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ مُغَاضِبًا لِفَاطِمَةَ، وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ عَمّارٍ مُخَالِفٌ لَهُ، إلّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنّاهُ بِهَا مَرّتَيْنِ، مَرّةً فِي الْمَسْجِدِ، وَمَرّةً فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ، فَاَللهُ أَعْلَمُ. أَشْقَى النّاسِ وَذَكَرَ أَشْقَى النّاسِ قَالَ: وَهُوَ أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الذى عقر ناقة صالح واسمه:

_ (1) قال أبو ذر: والخليقة أيضا موضع فيه مزارع ونخل وقصور لقوم آل الزبير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَدَارُ بْنُ سَالِفِ وَأُمّهُ فُذَيْرَةُ وَهُوَ مِنْ التّسْعَةِ رَهْطٍ الْمَذْكُورِينَ فِي سُورَةِ النّمْلِ، وَقَدْ ذَكَرْت أَسَمَاءَهُمْ فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ. مُوَادَعَةُ بَنِي ضَمْرَةَ وَذَكَرَ مُوَادَعَتَهُ لِبَنِي ضَمْرَةَ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ كِنَانَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، وَهُمْ بَنُو غِفَارٍ وَبَنُو نُعَيْلَةَ بَنِي مُلَيْلِ «1» ، بْنِ ضَمْرَةَ، وَكَانَتْ نُسْخَةُ الْمُوَادَعَةِ فِيمَا ذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ «بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللهِ لِبَنِي ضَمْرَةَ، فَإِنّهُمْ آمِنُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَأَنّ لَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ رَامَهُمْ إلّا أَنْ يُحَارِبُوا فِي دِينِ اللهِ مَا بَلّ بَحْرٌ صُوفَةً، وَإِنّ النّبِيّ إذَا دَعَاهُمْ لِنَصْرِهِ، أَجَابُوهُ، عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ ذِمّةُ اللهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ، وَلَهُمْ النّصْرُ عَلَى مَنْ بَرّ مِنْهُمْ وَاتّقَى» سَرِيّةُ عبد الله بن جحش صحة الرواية باطناولة وَهُوَ الْمُجَدّعُ فِي اللهِ، وَسَيَأْتِي حَدِيثُهُ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ احْتِجَاجًا بِهِ عَلَى صِحّةِ الرّوَايَةِ بِالْمُنَاوَلَةِ، لِأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاوَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ كِتَابَهُ، فَفَتَحَهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ فَعَمِلَ عَلَى مَا فِيهِ. وَكَذَلِكَ الْعَالِمُ إذَا نَاوَلَ التّلْمِيذَ كِتَابًا جاز له أن يروى

_ (1) فى القاموس: مليك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْهُ مَا فِيهِ، وَهُوَ فِقَةٌ صَحِيحٌ، غَيْرَ أَنّ النّاسَ جَعَلُوا الْمُنَاوَلَةَ الْيَوْمَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصّورَةِ يَأْتِي الطّالِبُ الشّيْخَ، فَيَقُولُ: نَاوِلْنِي كُتُبَك، فَيُنَاوِلُهُ ثُمّ يُمْسِكُ مَتَاعَهُ عِنْدَهُ، ثُمّ يَنْصَرِفُ الطّالِبُ، فَيَقُولُ: حَدّثَنِي فُلَانٌ مُنَاوَلَةٌ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ لَا تَصِحّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، حَتّى يَذْهَبَ بِالْكِتَابِ مَعَهُ، وَقَدْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُحَدّثَ بِمَا فِيهِ عَنْهُ، وَمِمّنْ قَالَ بِصِحّةِ الْمُنَاوَلَةِ عَلَى الْوَجْهِ الّذِي ذَكَرْنَاهُ مَالِكُ بْنُ أنس، روى إسماعيل ابن صَالِحٍ عَنْهُ أَنّهُ أَخَرَجَ لَهُمْ كُتُبًا مَشْدُودَةً، فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبِي صَحّحْتهَا وَرَوَيْتهَا، فَارْوُوهَا عَنّي، فَقَالَ لَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ صَالِحٍ: فَنَقُولُ: حَدّثَنَا مَالِكٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَوَى قِصّةَ إسْمَاعِيلَ هَذِهِ الدّر اقطنىّ فِي كِتَابِ رُوَاةِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ. أَوْلَادُ الْحَضْرَمِيّ: وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً: عَمْرًا وَعَامِرًا وَالْعَلَاءَ، فَأَمّا الْعَلَاءُ فَمِنْ أَفَاضِلِ الصّحَابَةِ، وَأُخْتُهُمْ الصّعْبَةُ أُمّ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِيهِ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَفِيهَا يَقُولُ حِينَ فَارَقَهَا: وَإِنّي وَصَعْبَةً فِيمَا نَرَى ... بَعِيدَانِ وَالْوِدّ وِدّ قَرِيبْ فَإِنْ لَا يَكُنْ نَسَبٌ ثَاقِبٌ ... فَعِنْدَ الْفَتَاةِ جَمَالٌ وَطِيبْ فَيَالَ قُصَيّ أَلَا تَعْجَبُونَ ... إلَى الْوَبْرِ صَارَ الْغَزَالَ الرّبِيبْ وَفِي نَسَبِ بَنِي الْحَضْرَمِيّ اضْطِرَابٌ، فَقَدْ قِيلَ مَا قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَقِيلَ: هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عِمَادِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَقِيلَ ابْنُ عَيّادٍ، وَابْنُ عَبّادٍ بِالْبَاءِ، وَاَلّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ أَصَحّ، وَهُمْ مِنْ الصّدِفِ، وَيُقَالُ فِيهِ: الصّدِفُ بِكَسْرِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدّالِ، قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، وَالصّدِفُ: مَالِكُ بْنُ مُرَتّعِ بْنِ ثَوْرٍ «1» وَهُوَ كِنْدَةُ وَقَدْ قَدّمْنَا مَا قِيلَ فِي اسْمِ كِنْدَةَ وَفِي مَعْنَاهُ فِي الْمَبْعَثِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الصّدِفِ هُوَ ابْنُ سَمّالِ بْنِ دُعْمِيّ بْنِ زِيَادِ بْنِ حضر موت، وقيل فى حضر موت: إنّهُ مِنْ وَلَدِ حِمْيَرِ بْنِ سَبَأٍ، وَقِيلَ: هُوَ ابْنُ قَحْطَانَ بْنِ عَابِرٍ «2» ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. حِكْمَةُ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَذَكَرَ الشّهْرَ الْحَرَامَ، وَمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ السّرِيّةِ فِيهِ، وَأَنّهُ سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ لِمَا أَصَابُوا فِيهِ مِنْ الدّمِ، وَذَلِكَ أَنّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَانَ حُكْمًا مَعْمُولًا بِهِ مِنْ عَهْدِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَكَانَ مِنْ حُرُمَاتِ اللهِ، وَمِمّا جَعَلَهُ مَصْلَحَةً لِأَهْلِ مَكّةَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ الْمَائِدَةُ: 97 وَذَلِكَ لَمّا دَعَا إبْرَاهِيمُ لِذُرّيّتِهِ بِمَكّةَ، إذْ كَانُوا بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ أَنْ يَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنْ النّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ، فَكَانَ فِيمَا فُرِضَ عَلَى النّاسِ مِنْ حَجّ الْبَيْتِ قِوَامًا لِمَصْلَحَتِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ، ثُمّ جَعَلَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ أَرْبَعَةً: ثَلَاثَةً سَرْدًا، وواحدا فردا، وهو رجب، أما الثلاثة

_ (1) فى جمهرة ابن حزم: والصدف هم فى بنى حضرموت، وهو الصدف ابن أسلم بن زيد بن مالك بن زيد بن حضرموت الأكبر. وقال عن العلاء هو ابن عبد الله بن عبدة، بن ضماد، بن مالك. وقال أبو ذر الخشنى: عبد الله ابن عناد ص 430 جمهرة. وفى القاموس عن مرتع «وكمحسن أو محدث لقب عمرو بن معاوية بن ثور جد لامرىء القيس بن حجر، ولقب به، لأنه كان يقال له: أرتعنا فى أرضك، فيقول: قد أرتعت مكان كذا، وكذا» (2) وقيل هو ابن يقظان أخى قحطان ص 429 الجمهرة.

غزوة بدر الكبرى

[غزوة بدر الكبرى] [عير أبى سفيان] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ. ثُمّ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَمِعَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ مُقْبِلًا مِنْ الشّأْمِ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشٍ عَظِيمَةٍ، فِيهَا أَمْوَالٌ لِقُرَيْشِ وَتِجَارَةٌ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلِيَأْمَنَ الْحُجّاجُ وَارِدِينَ إلَى مَكّةَ، وَصَادِرِينِ عَنْهَا شَهْرًا قَبْلَ شَهْرِ الْحَجّ، وَشَهْرًا بَعْدَهُ قَدْرَ مَا يَصِلُ الرّاكِبُ مِنْ أَقْصَى بِلَادِ الْعَرَبِ، ثُمّ يَرْجِعُ، حِكْمَةً مِنْ اللهِ، وَأَمّا رَجَبٌ فَلِلْعُمّارِ يَأْمَنُونَ فِيهِ مُقْبِلِينَ وَرَاجِعِينَ نِصْفُ الشّهْرِ لِلْإِقْبَالِ، وَنِصْفُهُ لِلْإِيَابِ، إذْ لَا تَكُونُ الْعُمْرَةُ مِنْ أَقَاصِي بِلَادِ الْعَرَبِ كَمَا يَكُونُ الْحَجّ، أَلَا تَرَى أَنّا لَا نَعْتَمِرُ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ، فَإِذَا أَرَدْنَا عُمْرَةً فَإِنّمَا تَكُونُ مَعَ الْحَجّ، وَأَقْصَى مَنَازِلِ الْمُعْتَمِرِينَ بَيْنَ مَسِيرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانَتْ الْأَقْوَاتُ تَأْتِيهِمْ فِي الْمَوَاسِمِ، وَفِي سَائِرِ الْعَامِ تَنْقَطِعُ عَنْهُمْ ذُؤْبَانُ الْعَرَبِ وَقُطّاعُ السّبُلِ، فَكَانَ فِي رَجَبٍ أَمَانٌ لِلسّالِكِينَ إلَيْهَا مَصْلَحَةً لِأَهْلِهَا وَنَظَرًا مِنْ اللهِ لَهُمْ دَبّرَهُ وَأَبْقَاهُ مِنْ مِلّةِ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُغَيّرْ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، فَكَانَ الْقِتَالُ فِيهِ مُحَرّمًا كَذَلِكَ صَدْرًا مِنْ الْإِسْلَامِ، ثُمّ أَبَاحَتْهُ آيَةُ السّيْفِ، وَبَقِيَتْ حُرْمَةِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لَمْ تُنْسَخْ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ التّوْبَةُ: 36، فَتَعْظِيمُ حُرْمَتِهَا بَاقٍ، وَإِنْ أُبِيحَ الْقِتَالُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِيهَا حُكْمٌ ثَابِتٌ لَمْ يُنْسَخْ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي بَابِ نَسَبِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر سعد رجب، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ سَنّهُ لِلْعَرَبِ فِيمَا زَعَمُوا.

ندب المسلمين للعير وحذر أبى سفيان

تِجَارَاتِهِمْ وَفِيهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ أربعون، منهم مخرمة بن نوفل ابن أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ. [نَدْبُ الْمُسْلِمِينَ لِلْعِيرِ وَحَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ فَاجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيمَا سُقْت مِنْ حَدِيثِ بَدْرٍ، قَالُوا: لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبى سفيان مقبلا من الشّامِ، نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ وَقَالَ هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ فَاخْرُجُوا إلَيْهَا لَعَلّ اللهَ يُنْفِلُكُمُوهَا. فَانْتَدَبَ النّاسُ فَخَفّ بَعْضُهُمْ وَثَقُلَ بَعْضُهُمْ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ لَمْ يَظُنّوا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَلْقَى حَرْبًا، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنْ الْحِجَازِ يُتَحَسّسُ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُ مَنْ لَقِيَ مِنْ الرّكْبَانِ تَخَوّفًا عَلَى أَمْرِ النّاسِ. حَتّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْضِ الرّكْبَانِ: أَنّ مُحَمّدًا قَدْ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لَك وَلِعِيرِك فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ. فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بن عمرو الغفارىّ، فبعثه إلى مكة، وأمره أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا فَيَسْتَنْفِرَهُمْ إلَى أَمْوَالِهِمْ، وَيُخْبِرَهُمْ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ. فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو سَرِيعًا إلَى مَكّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب

[ذِكْرُ رُؤْيَا عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَيَزِيدُ ابْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَا: وَقَدْ رَأَتْ عاتكة بنت عبد المطلب، قَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ مَكّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ، رُؤْيَا أفزعتها. فبعثت إلى أخيها العباس ابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي، وَاَللهِ لَقَدْ رَأَيْت اللّيْلَةَ رُؤْيَا أَفْظَعَتْنِي، وَتَخَوّفْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِك مِنْهَا شَرّ وَمُصِيبَةٌ، فَاكْتُمْ عَنّي مَا أُحَدّثُك بِهِ؛ فَقَالَ لَهَا: وَمَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، حَتّى وَقَفَ بِالْأَبْطَحِ، ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صوته: ألا انفروا يا آل غدر لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ، فَأَرَى النّاسَ اجْتَمَعُوا إلَيْهِ: ثم دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنّاسُ يَتْبَعُونَهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلَهُ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمّ صرخ بمثلها: ألا انفروا يا آل غدر لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ: ثُمّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا. ثُمّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي، حَتّى إذَا كَانَتْ بِأَسْفَلِ الْجَبَلِ ارْفَضّتْ، فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ مَكّةَ، وَلَا دَارٌ إلّا دَخَلَتْهَا مِنْهَا فَلِقَةٌ؛ قَالَ الْعَبّاسُ: وَاَللهِ إنّ هَذِهِ لرؤيا، وأنت فاكتميها، ولا تذكريها لأحد. [ذيوع الرؤيا وما أحدثت بين أبى جهل والعباس] ثُمّ خَرَجَ الْعَبّاسُ، فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ لَهُ صِدّيقًا، فَذَكَرَهَا لَهُ، وَاسْتَكْتَمَهُ إيّاهَا. فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ عُتْبَةَ، فَفَشَا الْحَدِيثُ بِمَكّةَ، حَتّى تَحَدّثَتْ بِهِ قُرَيْشٌ فِي أنديتها. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ الْعَبّاسُ: فَغَدَوْت لِأَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ قُعُودٌ يَتَحَدّثُونَ بِرُؤْيَا عَاتِكَةَ، فَلَمّا رَآنِي أَبُو جَهْلٍ قَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ إذَا فَرَغْت مِنْ طَوَافِك فَأَقْبِلْ إلَيْنَا، فَلَمّا فَرَغْتُ أَقْبَلْتُ حَتّى جَلَسْتُ مَعَهُمْ، فَقَالَ لِي أَبُو جَهْلٍ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، مَتَى حَدَثَتْ فِيكُمْ هَذِهِ النّبِيّةَ؟ قَالَ: قُلْت: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: تِلْكَ الرّؤْيَا الّتِي رَأَتْ عَاتِكَةُ؛ قَالَ: فَقُلْت: وَمَا رَأَتْ؟ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ يَتَنَبّأَ رِجَالُكُمْ حَتّى تَتَنَبّأَ نِسَاؤُكُمْ، قَدْ زَعَمَتْ عَاتِكَةُ فِي رُؤْيَاهَا أَنّهُ قَالَ: انْفِرُوا فِي ثَلَاثٍ، فَسَنَتَرَبّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثّلَاثَ، فَإِنْ يَكُ حَقّا مَا تَقُولُ فَسَيَكُونُ، وَإِنْ تَمْضِ الثّلَاثُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت فى العرب. قال العبّاس: فو الله مَا كَانَ مِنّي إلَيْهِ كَبِيرٌ، إلّا أَنّي جَحَدْتُ ذَلِكَ، وَأَنْكَرْت أَنْ تَكُونَ رَأَتْ شَيْئًا: قال. ثم تفرّفنا. فَلَمّا أَمْسَيْتُ، لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عبد المطلب إلا أتتنى، فقالت: أفررتم لِهَذَا الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ فِي رِجَالِكُمْ، ثُمّ قَدْ تَنَاوَلَ النّسَاءَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ، ثُمّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَك غِيَرٌ لِشَيْءِ مِمّا سَمِعْت، قَالَ: قُلْت: قَدْ وَاَللهِ فَعَلْتُ، مَا كَانَ مِنّي إلَيْهِ مِنْ كَبِيرٍ. وَاَيْمُ اللهِ لَأَتَعَرّضَنّ له، فإن عاد لأكفينّكنّه. قالت: فَغَدَوْتُ فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ، وَأَنَا حَدِيدٌ مُغْضَبٌ أُرَى أَنّي قَدْ فَاتَنِي مِنْهُ أَمْرٌ أُحِبّ أَنْ أُدْرِكَهُ مِنْهُ. قَالَ: فدخلت المسجد فرأيته، فو الله إنّي لَأَمْشِي نَحْوَهُ أَتَعَرّضُهُ، لِيَعُودَ لِبَعْضِ مَا قَالَ فَأَقَعَ بِهِ، وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا، حَدِيدَ الْوَجْهِ، حَدِيدَ اللّسَانِ، حَدِيدَ النّظَرِ. قَالَ: إذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قريش تتجهز للخروج

الْمَسْجِدِ يَشْتَدّ. قَالَ: فَقُلْت فِي نَفْسِي: مَا لَهُ لَعَنَهُ اللهُ، أَكُلّ هَذَا فَرَقٌ مِنّي أَنْ أُشَاتِمَهُ! قَالَ: وَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ: صَوْتَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ، وَهُوَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الْوَادِي وَاقِفًا عَلَى بَعِيرِهِ، قَدْ جَدّعَ بَعِيرَهُ، وَحَوّلَ رَحْلَهُ، وَشَقّ قَمِيصَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اللّطِيمَةَ اللّطِيمَةَ، أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمّدٌ فِي أَصْحَابِهِ، لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ. قَالَ: فَشَغَلَنِي عَنْهُ وَشَغَلَهُ عنى ما جاء من الأمر. [قريش تتجهز لِلْخُرُوجِ] فَتَجَهّزَ النّاسُ سِرَاعًا، وَقَالُوا: أَيَظُنّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْ تَكُونَ كَعِيرِ ابْنِ الْحَضْرَمِيّ، كَلّا وَاَللهِ لِيَعْلَمُنّ غَيْرَ ذَلِكَ. فَكَانُوا بَيْنَ رَجُلَيْنِ، إمّا خَارِجٍ وَإِمّا بَاعِثٍ مَكَانَهُ رَجُلًا. وَأَوْعَبَتْ قريش، فلم يتخلّف من أشرافها أحد. إلا أن أَبَا لَهَبِ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَخَلّفَ، وَبَعَثَ مكانه العاصى بن هشام ابن الْمُغِيرَةِ وَكَانَ قَدْ لَاطَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ، أَفْلَسَ بِهَا، فَاسْتَأْجَرَهُ بها على أن يجزىء عَنْهُ، بَعَثَهُ فَخَرَجَ عَنْهُ، وَتَخَلّفَ أَبُو لَهَبٍ. [خروج عقبة] قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي نَجِيحٍ: أَنّ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ أَجْمَعَ الْقُعُودَ، وَكَانَ شَيْخًا جَلِيلًا جَسِيمًا ثَقِيلًا، فَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِ، بِمَجْمَرَةٍ يَحْمِلُهَا، فِيهَا نَارٌ وَمَجْمَرٌ حَتّى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما وقع بين قريش وكنانة

وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمّ قَالَ: يَا أَبَا عَلِيّ اسْتَجْمِرْ، فَإِنّمَا أَنْتَ مِنْ النّسَاءِ؛ قَالَ: قَبّحَك اللهُ وَقَبّحَ مَا جِئْتَ بِهِ، قَالَ: ثم تجهز فخرج مع الناس. [ما وقع بين قريش وكنانة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا فَرَغُوا مِنْ جَهَازِهِمْ، وَأَجْمَعُوا الْمَسِيرَ، ذَكَرُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ مِنْ الْحَرْبِ، فَقَالُوا: إنّا نَخْشَى أَنْ يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا، وَكَانَتْ الْحَرْبُ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ- كَمَا حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ- فِي ابْنٍ لِحَفْصِ بْنِ الأخيف، أحد بني معيص بن عامر بن لُؤَيّ، خَرَجَ يَبْتَغِي ضَالّةً لَهُ بِضَجْنَانَ، وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثَ فِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ، وَعَلَيْهِ حُلّةٌ لَهُ، وَكَانَ غُلَامًا وَضِيئًا نَظِيفًا، فَمَرّ بِعَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوّحِ، أَحَدِ بَنِي يَعْمُرَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَهُوَ بِضَجْنَانَ، وَهُوَ سَيّدُ بنى بكر يَوْمَئِذٍ، فَرَآهُ فَأَعْجَبَهُ؛ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: أَنَا ابْنٌ لِحَفْصِ ابْنِ الْأَخْيَفِ الْقُرَشِيّ. فَلَمّا وَلّى الْغُلَامُ، قَالَ عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ: يَا بَنِي بَكْرٍ، مَا لَكُمْ فِي فريش مِنْ دَمٍ؟ قَالُوا: بَلَى وَاَللهِ، إنّ لَنَا فِيهِمْ لَدِمَاءً؛ قَالَ مَا كَانَ رَجُلٌ لِيَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ بِرَجُلِهِ إلّا كَانَ قَدْ اسْتَوْفَى دَمَهُ: قَالَ: فَتَبِعْهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فقتله بدم كَانَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ؛ فَتَكَلّمَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ يَزِيدَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ كَانَتْ لَنَا فِيكُمْ دِمَاءٌ، فَمَا شِئْتُمْ. إن شئتم فأدّوا علينا مالنا قبلكم، ونؤدّى مالكم قِبَلَنَا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَإِنّمَا هِيَ الدّمَاءُ: رَجُلٌ بِرَجُلِ، فَتَجَافَوْا عَمّا لَكُمْ قِبَلَنَا، وَنَتَجَافَى عَمّا لَنَا قِبَلَكُمْ، فَهَانَ ذَلِكَ الْغُلَامُ عَلَى هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال مكرز بن حفص فى قتله عامرا:

الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَالُوا: صَدَقَ، رَجُلٌ بِرَجُلِ. فَلَهَوْا عَنْهُ، فَلَمْ يُطْلِبُوا بِهِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا أَخُوهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَف يَسِيرُ بِمَرّ الظّهْرَانِ، إذْ نَظَرَ إلَى عَامِرِ بْنِ يزيد بن عامر الْمُلَوّحِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، فَلَمّا رَآهُ أَقْبَلَ إلَيْهِ حَتّى أَنَاخَ بِهِ، وَعَامِرٌ مُتَوَشّحٌ سَيْفَهُ، فَعَلَاهُ مِكْرَزٌ بِسَيْفِهِ حَتّى قَتَلَهُ، ثُمّ خَاضَ بَطْنَهُ بِسَيْفِهِ، ثُمّ أَتَى بِهِ مَكّةَ، فَعَلّقَهُ مِنْ اللّيْلِ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَلَمّا أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ رَأَوْا سَيْفَ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ مُعَلّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَعَرَفُوهُ، فَقَالُوا: إنّ هَذَا لَسَيْفُ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَدَا عَلَيْهِ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَتَلَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ. فبينماهم فِي ذَلِكَ مِنْ حَرْبِهِمْ، حَجَزَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ النّاسِ؛ فَتَشَاغَلُوا بِهِ، حَتّى أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ إلَى بَدْرٍ، فَذَكَرُوا الّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بكر فخافوهم. [وَقَالَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فِي قَتْلِهِ عَامِرًا:] لَمّا رَأَيْتُ أَنّهُ هُوَ عَامِرٌ ... تَذَكّرْتُ أَشْلَاءَ الْحَبِيبِ الْمُلَحّبِ وَقُلْتُ لِنَفْسِي: إنّهُ هُوَ عَامِرٌ ... فَلَا تَرْهَبِيهِ، وَانْظُرِي أَيّ مَرْكَبِ وَأَيْقَنْتُ أَنّي إنْ أُجَلّلَهُ ضَرْبَةً ... مَتَى مَا أُصِبْهُ بِالْفَرَافِرِ يَعْطَبْ خَفَضْتُ لَهُ جَأْشِي وَأَلْقَيْتُ كَلْكَلِي ... عَلَى بَطَلٍ شَاكّي السّلَاحِ مُجَرّبِ وَلَمْ أَكُ لَمّا الْتَفّ رُوعِي وَرُوعُهُ ... عُصَارَةَ هُجُنٍ مِنْ نِسَاءٍ وَلَا أَبِ حَلَلْتُ بِهِ وِتْرِي وَلَمْ أَنْسَ ذَحْلَهُ ... إذَا مَا تَنَاسَى ذَحْلَهُ كُلّ عَيْهَبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفَرَافِرُ في غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: الرّجُلُ الْأَضْبَطُ، وَفِي هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشيطان وقريش

الْمَوْضِعِ: السّيْفُ. وَالْعَيْهَبُ: الّذِي لَا عَقْلَ لَهُ، ويقال: تيس الظباء وفحل النعام قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَيْهَبُ: الرّجُلُ الضّعِيفُ عَنْ إدْرَاكِ وتره. [الشيطان وقريش] وقال ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ لَمّا أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ ذَكَرَتْ الّذِي كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ، فَكَادَ ذَلِكَ يُثْنِيهِمْ، فَتَبَدّى لَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيّ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا لَكُمْ جَارٌ مِنْ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ مِنْ خَلْفِكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَخَرَجُوا سِرَاعًا. [خروجه صلى الله عليه وسلم] قال ابن إسحاق: وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي لَيَالٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي أَصْحَابِهِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَرَجَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ- وَاسْتَعْمَلَ عَمْرُو بْنُ أُمّ مَكْتُومٍ- وَيُقَالُ اسْمُهُ: عَبْدُ الله ابن أُمّ مَكْتُومٍ أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، عَلَى الصّلَاةِ بِالنّاسِ، ثُمّ رَدّ أَبَا لُبَابَةَ من الرّوحاء، واستعمله على المدينة. [اللواء والرايتان] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ابن عَبْدِ الدّارِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ أَبْيَضَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إبل المسلمين إلى بدر

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَمَامَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان، إحداهما مع عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، يُقَالُ لَهَا: الْعُقَابُ، والأخرى مع بعض الأنصار. [إبل المسلمين إلى بدر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ إبِلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَعِيرًا، فَاعْتَقَبُوهَا، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلىّ ابن أَبِي طَالِبٍ، وَمَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ يعتقبون بعيرا، وكان حمزة ابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَأَبُو كَبْشَةَ، وَأَنَسَةُ، مَوْلَيَا رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وعبد الرحمن ابن عَوْفٍ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَجَعَلَ عَلَى السّاقَةِ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ أَخَا بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ. وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هشام. [الطريق إلَى بَدْرٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ طَرِيقَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ، عَلَى نَقْبِ الْمَدِينَةِ، ثُمّ عَلَى الْعَقِيقِ، ثُمّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمّ عَلَى أُولَاتِ الْجَيْشِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذات الجيش. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ مَرّ عَلَى تُرْبَانَ ثم على ملل، ثم على غميس الحمام ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مِنْ مَرَيَيْنِ، ثُمّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ، ثُمّ عَلَى السّيّالَةِ، ثُمّ عَلَى فَجّ الرّوْحَاءِ، ثُمّ عَلَى شَنُوكَةَ، وَهِيَ الطّرِيقُ الْمُعْتَدِلَةُ، حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الظّبْيَةُ: عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ- لَقُوا رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ، فَسَأَلُوهُ عَنْ النّاسِ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ خَبَرًا، فَقَالَ لَهُ النّاسُ: سَلّمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: أفيكم رَسُولُ اللهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَسَلّمَ عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: إنْ كُنْتَ رَسُولَ اللهِ فَأَخْبِرْنِي عَمّا فِي بَطْنِ نَاقَتِي هَذِهِ قَالَ لَهُ سَلَمَةُ بن سلامة ابن وَقَشٍ: لَا تَسْأَلْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَأَقْبِلْ عَلَيّ فَأَنَا أُخْبِرُك عَنْ ذَلِكَ. نَزَوْتَ عَلَيْهَا، فَفِي بَطْنِهَا مِنْك سَخْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَهْ، أَفْحَشْت عَلَى الرّجُلِ، ثُمّ أَعَرَضَ عَنْ سلمة. وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سجسج، وهى بئر الرّوحاء، ثم ارتحل منها، حتى إذا كَانَ بِالْمُنْصَرَفِ، تَرَكَ طَرِيقَ مَكّةَ بِيَسَارٍ، وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى النّازِيَةِ، يُرِيدُ بَدْرًا، فَسَلَكَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا، حَتّى جَزَعَ وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ رُحْقَانُ، بَيْنَ النّازِيَةِ وَبَيْنَ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ، ثُمّ عَلَى الْمَضِيقِ، ثُمّ انْصَبّ مِنْهُ، حَتّى إذا كان قريبا من الصفراء، بعث بسبسس بن عمرو الْجُهَنِيّ، حَلِيفَ بَنِي سَاعِدَةَ، وَعَدِيّ بْنَ أَبِي الزّغْبَاءِ الْجُهَنِيّ، حَلِيفَ بَنِي النّجّارِ، إلَى بَدْرٍ يَتَحَسّسَانِ لَهُ الْأَخْبَارَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ. ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَقَدْ قَدِمَهَا. فَلَمّا اسْتَقْبَلَ الصّفْرَاءَ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، سَأَلَ عَنْ جَبَلَيْهِمَا مَا اسْمَاهُمَا؟ فَقَالُوا: يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا، هَذَا مُسْلِحٌ، وَلِلْآخَرِ: هَذَا مُخْرِئٌ وَسَأَلَ عَنْ أَهْلِهِمَا، فَقِيلَ: بَنُو النّارِ وَبَنُو ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قول أبى بكر وعمر والمقداد فى الجهاد

حُرَاقٍ، بَطْنَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَكَرِهَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُرُورُ بَيْنَهُمَا، وَتَفَاءَلَ بِأَسْمَائِهِمَا وَأَسْمَاءِ أَهْلِهِمَا. فَتَرَكَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالصّفْرَاءَ بِيَسَارِ، وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى وَادٍ يُقَالُ لَهُ: ذَفِرَانَ، فجزع فيه، ثم نزل. [قول أبى بكر وعمر والمقداد فى الجهاد] وَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ ليمنعوا عيرهم، فاستشار الناس، وأخبرهم عن قُرَيْشٍ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ. ثُمّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ، ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، امْضِ لِمَا أَرَاك اللهُ فَنَحْنُ مَعَك، وَاَللهِ لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بنو إسرائيل لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا، إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ. وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا معكما مقاتلون، فو الذى بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَك مِنْ دُونِهِ، حَتّى تَبْلُغَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خيرا، ودعا له به. [الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير الأنصار] ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشِيرُوا عَلَيّ أَيّهَا النّاس. وَإِنّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ عَدَدُ النّاسِ، وَأَنّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: إنّا بُرَاءٌ مِنْ ذِمَامِك حَتّى تَصِلَ إلَى دِيَارِنَا، فَإِذَا وَصَلْتَ إلَيْنَا، فَأَنْتَ فِي ذِمّتِنَا نَمْنَعُك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفرق أخبار قريش

صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَخَوّفُ أَلّا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نَصْرَهُ إلّا مِمّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوّهِ، وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إلَى عَدُوّ مِنْ بِلَادِهِمْ. فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَاَللهِ لَكَأَنّك تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ أَجَلْ، قال: لقد آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك، وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقّ، وَأَعْطَيْنَاك عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا، عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فَامْضِ يَا رَسُولَ الله لما أردت فنحن معك، فو الذى بَعَثَك بِالْحَقّ، لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَك، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ، صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ. لَعَلّ اللهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنُك، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ. فَسُرّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ، وَنَشّطَهُ ذَلِكَ؛ ثُمّ قَالَ: سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنّ اللهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ، وَاَللهِ لَكَأَنّي الْآنَ أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ القوم. [تفرق أَخْبَارَ قُرَيْشٍ] ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ذَفِرَانَ، فَسَلَكَ عَلَى ثنايا. يقال لها الْأَصَافِرُ؛ ثُمّ انْحَطّ مِنْهَا إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ: الدّبّةُ، وَتَرَكَ الْحَنّانَ بِيَمِينٍ، وَهُوَ كَثِيبٌ عَظِيمٌ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ، ثُمّ نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ بَدْرٍ، فَرَكِبَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الرّجُلُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال ابن إسحاق كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْن حِبّانَ: حَتّى وَقَفَ عَلَى شَيْخٍ مِنْ الْعَرَبِ، فَسَأَلَهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَعَنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَمَا بَلَغَهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ الشّيْخُ: لَا أُخْبِرُكُمَا حَتّى تُخْبِرَانِي مِمّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا أَخْبَرْتنَا أَخْبَرْنَاك، قَالَ: أَذَاكَ بِذَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ الشّيْخُ فَإِنّهُ بَلَغَنِي أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كَانَ صَدَقَ الّذِي أَخْبَرَنِي، فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، لِلْمَكَانِ الّذِي بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَبَلَغَنِي أَنّ قُرَيْشًا خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كَانَ الّذِي أَخْبَرَنِي صَدَقَنِي فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا لِلْمَكَانِ الّذِي فِيهِ قُرَيْشٌ. فَلَمّا فَرَغَ مِنْ خَبَرِهِ، قَالَ: مِمّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَحْنُ مِنْ مَاءٍ، ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ. قَالَ يَقُولُ الشّيْخُ: مَا مِنْ مَاءٍ، أَمِنْ مَاءِ الْعِرَاقِ؟ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ: ذَلِكَ الشّيْخُ سُفْيَانُ الضّمَرِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَصْحَابِهِ، فَلَمّا أَمْسَى بَعَثَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ، فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، إلَى مَاءِ بَدْرٍ، يَلْتَمِسُونَ الخبر له عليه- كما حدثنى يزيد ابن رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ- فَأَصَابُوا رَاوِيَةً لِقُرَيْشٍ فِيهَا أَسْلَمَ غُلَامُ بَنِي الْحَجّاجِ، وَعَرِيضٌ أَبُو يَسَارٍ، غُلَامُ بَنِي الْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ، فَأَتَوْا بِهِمَا فَسَأَلُوهُمَا، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ يُصَلّي، فَقَالَا: نَحْنُ سُقَاةُ قُرَيْشٍ، بَعَثُونَا نَسْقِيهِمْ مِنْ الْمَاءِ. فَكَرِهَ الْقَوْمُ خَبَرَهُمَا، وَرَجَوْا أَنْ يَكُونَا لِأَبِي سُفْيَانَ، فَضَرَبُوهُمَا. فلما أذنقوهما قَالَا: نَحْنُ لِأَبِي سُفْيَانَ، فَتَرَكُوهُمَا. وَرَكَعَ رَسُولُ الله ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صلى الله عليه وسلم وَسَجَدَ سَجْدَتَيْهِ، ثُمّ سَلّمَ، وَقَالَ إذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا، وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا، صَدَقَا وَاَللهِ إنّهُمَا لِقُرَيْشِ، أَخْبِرَانِي عَنْ قُرَيْشٍ؟ قَالَا: هُمْ وَاَللهِ وَرَاءَ هَذَا الْكَثِيبِ الّذِي تَرَى بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى- وَالْكَثِيبُ: الْعَقَنْقَلُ- فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: كَمْ الْقَوْمُ؟ قَالَا: كَثِيرٌ، قَالَ: مَا عِدّتُهُمْ؟ قَالَا: لَا نَدْرِي، قَالَ كم ينحرون كلّ يوم؟ قال: يَوْمًا تِسْعًا، وَيَوْمًا عَشْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْقَوْمُ فِيمَا بَيْنَ التسعمائة وَالْأَلْفِ. ثُمّ قَالَ لَهُمَا: فَمَنْ فِيهِمْ مِنْ أشراف قريش؟ قالا: عتبة ابن رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ، وَالنّضْرُ بْنِ الْحَارِثِ، وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَنُبَيْهُ، وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ، وَسُهَيْلُ بن عمرو، وعمرو بن عبدودّ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى النّاسِ، فَقَالَ هَذِهِ مَكّةُ قَدْ أَلْقَتْ إليكم أفلاذ كبدها. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ قَدْ مَضَيَا حَتّى نَزَلَا بَدْرًا، فَأَنَاخَا إلَى تَلّ قَرِيبٍ مِنْ الْمَاءِ، ثُمّ أَخَذَا شَنّا لَهُمَا يَسْتَقِيَانِ فِيهِ، ومَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ عَلَى الْمَاءِ. فَسَمِعَ عَدِيّ وَبَسْبَسُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ جِوَارِي الْحَاضِرِ وَهُمَا يَتَلَازَمَانِ عَلَى الْمَاءِ، وَالْمَلْزُومَةُ تَقُولُ لِصَاحِبَتِهَا: إنّمَا تَأْتِي الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ، فَأَعْمَلُ لهم، ثم أفضيك الّذِي لَك. قَالَ مَجْدِيّ: صَدَقْتِ ثُمّ خَلّصَ بَيْنَهُمَا. وَسَمِعَ ذَلِكَ عَدِيّ وَبَسْبَسُ، فَجَلَسَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نجاة أبى سفيان بالعير

عَلَى بَعِيرَيْهِمَا، ثُمّ انْطَلَقَا حَتّى أَتَيَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَأَخْبَرَاهُ بِمَا سمعا. [نجاة أبى سفيان بِالْعِيرِ] وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، حَتّى تَقَدّمَ الْعِيرَ حَذَرًا، حَتّى وَرَدَ الْمَاءَ، فَقَالَ لِمَجْدِيّ بْنِ عَمْرٍو: هَلْ أَحْسَسْت أَحَدًا، فَقَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَنْكَرَهُ، إلّا أَنّي قَدْ رَأَيْتُ رَاكِبَيْنِ قَدْ أَنَاخَا إلَى هَذَا التّلّ، ثُمّ اسْتَقَيَا فِي شَنّ لَهُمَا، ثُمّ انْطَلَقَا. فأتى أبو سفيان مناخها، فَأَخَذَ مِنْ أَبْعَارِ بَعِيرَيْهِمَا، فَفَتّهُ، فَإِذَا فِيهِ النّوَى، فَقَالَ: هَذِهِ وَاَللهِ عَلَائِفُ يَثْرِبَ. فَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ سَرِيعًا، فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ عَنْ الطّرِيقِ فَسَاحَلَ بِهَا، وَتَرَكَ بَدْرًا بِيَسَارِ، وَانْطَلَقَ حتى أسرع. [رؤيا جهيم بن الصلت] وأقبلت قُرَيْشٌ، فَلَمّا نَزَلُوا الْجُحْفَةَ، رَأَى جُهَيْمُ بْنُ الصلت ابن مخرمة ابن الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رُؤْيَا، فَقَالَ: إنّي رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النّائِمُ، وَإِنّي لَبَيْنَ النّائِمِ وَالْيَقِظَانِ. إذْ نَظَرْت إلَى رَجُلٍ قَدْ أَقْبَلَ على قرس حَتّى وَقَفَ، وَمَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ؛ ثُمّ قَالَ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَعَدّدَ رِجَالًا مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، ثُمّ رَأَيْتُهُ ضَرَبَ فِي لَبّةِ بَعِيرِهِ، ثُمّ أَرْسَلَهُ فِي الْعَسْكَرِ، فَمَا بَقِيَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ إلّا أَصَابَهُ نَضْحٌ مِنْ دَمِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كان أبو سفيان لا يريد حربا

قَالَ: فَبَلّغْت أَبَا جَهْلٍ، فَقَالَ: وَهَذَا أَيْضًا نَبِيّ آخَرُ مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ، سَيَعْلَمُ غَدًا من المقتول إن نحن التقينا. [كان أبو سفيان لا يريد حربا] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ أَنّهُ قَدْ أَحْرَزَ عِيرَهُ، أَرْسَلَ إلَى قُرَيْشٍ: إنّكُمْ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، فَقَدْ نَجّاهَا اللهُ، فَارْجِعُوا، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: وَاَللهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى نَرِدَ بَدْرًا- وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلّ عَامٍ- فَنُقِيمُ عليه ثلاثا، فننحر الجزر ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بعدها، فامضوا. [رجوع بنى زُهْرَةَ] وَقَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ الثّقَفِيّ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَهُمْ بِالْجُحْفَةِ: يَا بَنِي زُهْرَةَ، قَدْ نَجّى اللهُ لَكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَخَلّصَ لَكُمْ صَاحِبَكُمْ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، وَإِنّمَا نَفَرْتُمْ لِتَمْنَعُوهُ وَمَالَهُ، فَاجْعَلُوا لِي جُبْنَهَا وَارْجِعُوا، فَإِنّهُ لَا حَاجَةَ لَكُمْ بِأَنْ تَخْرُجُوا فِي غَيْرِ ضَيْعَةٍ، لَا مَا يَقُولُ هَذَا، يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ: فَرَجَعُوا، فَلَمْ يَشْهَدْهَا زُهْرِيّ وَاحِدٌ، أَطَاعُوهُ وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا. وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ بَطْنٌ إلّا وَقَدْ نَفَرَ مِنْهُمْ نَاسٌ، إلّا بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَرَجَعَتْ بَنُو زُهْرَةَ مَعَ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، فَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مِنْ هَاتَيْنِ الْقَبِيلَتَيْنِ أَحَدٌ، وَمَشَى الْقَوْمُ. وَكَانَ بَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

منزل المسلمين ومنزل قريش

طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- وَكَانَ فِي الْقَوْمِ- وَبَيْنَ بَعْضِ قُرَيْشٍ مُحَاوَرَةٌ، فَقَالُوا: وَاَللهِ لَقَدْ عَرَفْنَا يَا بَنِي هَاشِمٍ، وَإِنْ خَرَجْتُمْ مَعَنَا، أَنّ هَوَاكُمْ لَمَعَ. مُحَمّدٍ فَرَجَعَ طَالِبٌ إلَى مكة مع من رجع. وقال طالب بن أبى طالب: لاهمّ إمّا يَغْزُوَنّ طَالِبْ ... فِي عُصْبَةٍ مُحَالِفٌ مُحَارِبْ فِي مِقْنَبٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَانِبِ ... فَلْيَكُنْ الْمَسْلُوبُ غَيْرَ السّالِبِ وَلْيَكُنْ الْمَغْلُوبُ غَيْرَ الْغَالِبِ قَالَ ابن هشام: قوله فليكن المسلوب، وقوله: ولكن الْمَغْلُوبُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الرّوَاةِ لِلشّعْرِ. [منزل المسلمين ومنزل قريش] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتّى نَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنْ الْوَادِي، خَلْفَ الْعَقَنْقَلِ وَبَطْنِ الْوَادِي، وَهُوَ يَلَيْلُ، بَيْنَ بَدْرٍ وَبَيْنَ الْعَقَنْقَلِ، الكثيب الذى خلفه قُرَيْشٌ، وَالْقُلُبُ بِبَدْرِ فِي الْعُدْوَةِ الدّنْيَا مِنْ بَطْنِ يَلَيْلَ إلَى الْمَدِينَةِ. وَبَعَثَ اللهُ السّمَاءَ، وَكَانَ الْوَدْيُ دَهْسًا، فَأَصَابَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْهَا مَا لَبّدَ لَهُمْ الْأَرْضَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ السّيْرِ، وَأَصَابَ قُرَيْشًا مِنْهَا مَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم يبادرهم إلى الماء، حَتّى إذَا جَاءَ أَدُنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ نزل به. [مشورة الحباب] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحُدّثْت عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، أَنّهُمْ ذَكَرُوا: أَنّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بناء العريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم

الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ، وَلَا نَتَأَخّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ، فننزله، ثم نعوّر مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ، ثُمّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمّ نُقَاتِلُ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرّأْيِ. فَنَهَضَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ مَعَهُ مِنْ النّاسِ، فَسَارَ حَتّى إذَا أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ نَزَلَ عَلَيْهِ، ثُمّ أَمَرَ بالقلب فعورت، وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ فملىء مَاءً، ثُمّ قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ. [بِنَاءُ الْعَرِيشِ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ: أَنّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ: يَا نَبِيّ اللهِ، أَلَا نَبْنِي لَك عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ، وَنُعِدّ عِنْدَك رَكَائِبَك، ثُمّ نَلْقَى عَدُوّنَا، فَإِنْ أَعَزّنَا اللهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوّنَا، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى، جَلَسْت عَلَى رَكَائِبِك، فَلَحِقْت بِمَنْ وَرَاءَنَا، فَقَدْ تَخَلّفَ عَنْك أَقْوَامٌ، يَا نَبِيّ اللهِ، مَا نَحْنُ بِأَشَدّ لَك حُبّا مِنْهُمْ، وَلَوْ ظَنّوا أَنّك تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلّفُوا عَنْك، يَمْنَعُك اللهُ بِهِمْ، يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَك: فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ. ثُمّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عريش، فكان فيه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ارتحال قريش

[ارْتِحَالُ قُرَيْشٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ ارْتَحَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ، فَأَقْبَلَتْ، فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَصَوّبَ مِنْ العقنقل- وهو الكثيب الذى جاؤا مِنْهُ إلَى الْوَادِي- قَالَ: اللهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَادّك وَتُكَذّبُ رَسُولَك، اللهُمّ فَنَصْرَك الّذِي وَعَدْتنِي، اللهُمّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وَقَدْ) رَأَى عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي الْقَوْمِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ- إنْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ إنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا. وَقَدْ كَانَ خُفَافُ بْنُ أَيْمَاءَ بْنِ رَحَضَةَ الْغِفَارِيّ، أَوْ أَبُوهُ أَيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيّ، بَعَثَ إلَى قُرَيْشٍ، حِينَ مَرّوا بِهِ، ابْنَا لَهُ بِجَزَائِرِهِ أَهْدَاهَا لَهُمْ، وَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ نُمِدّكُمْ بِسِلَاحِ وَرِجَالٍ فَعَلْنَا. قَالَ: فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ مَعَ ابْنِهِ: أَنْ وَصَلَتْك رَحِمٌ، قَدْ قَضَيْت الّذِي عَلَيْك، فَلَعَمْرِي لَئِنْ كُنّا إنّمَا نُقَاتِلُ النّاسَ فَمَا بِنَا مِنْ ضَعْفٍ عَنْهُمْ، وَلَئِنْ كُنّا إنّمَا نُقَاتِلُ اللهَ، كَمَا يَزْعُمُ مُحَمّدٌ، فَمَا لأحد بالله من طاقة. فلما نَزَلَ النّاسُ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتّى وَرَدُوا حَوْضَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُمْ. فَمَا شَرِبَ مِنْهُ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ إلّا قُتِلَ، إلّا مَا كَانَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَإِنّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَمْ يُقْتَلْ، ثُمّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَسُنَ إسْلَامُهُ. فَكَانَ إذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ، قَالَ: لا والذى نجّانى من يوم بدر. قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: لَمّا اطْمَأَنّ الْقَوْمُ، بَعَثُوا عمير بن وهب الجمحىّ فقالوا: احزر، لَنَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ، قَالَ: فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ العسكر ثم رجع إليهم، فقال ثلاث مائة رَجُلٍ، يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ، وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتّى أَنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ؟ قَالَ: فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتّى أَبْعَدَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، وَلَكِنّي قَدْ رَأَيْتُ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، الْبَلَايَا تَحْمِلُ الْمَنَايَا، نَوَاضِحُ يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النّاقِعَ، قَوْمٌ لَيْسَ مَعَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إلّا سُيُوفُهُمْ، وَاَللهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ، فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَرُوا رَأْيَكُمْ. فَلَمّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النّاسِ، فَأَتَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَقَالَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، إنّك كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيّدُهَا، وَالْمُطَاعُ فِيهَا، هَلْ لَك إلَى أَنْ لَا تَزَالَ تُذْكَرُ فِيهَا بِخَيْرِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا حَكِيمُ؟ قَالَ: تَرْجِعُ بِالنّاسِ، وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِك عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيّ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، أَنْتَ عَلَيّ بِذَلِكَ، إنّمَا هُوَ حَلِيفِي، فَعَلَيّ عَقْلُهُ وَمَا أصيب من ماله، فأت ابن الحنظيّة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نسب الحنظلية

[نسب الحنظلية] قال ابن هشام: وَالْحَنْظَلِيّةُ أُمّ أَبِي جَهْلٍ، وَهِيَ أَسَمَاءُ بِنْتُ مُخَرّبَةَ، أَحَدُ بَنِي نَهْشِلْ بْنِ دَارِمِ بْنِ مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ- فَإِنّي لَا أَخْشَى أَنْ يَشْجُرَ أَمْرَ النّاسِ غَيْرُهُ، يَعْنِي أَبَا جَهْلِ بن هشام. ثم قام عتبة ابن رَبِيعَةَ خَطِيبًا، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّكُمْ وَاَللهِ مَا تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلَقّوْا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا، وَاَللهِ لَئِنْ أَصَبْتُمُوهُ لَا يَزَالُ الرّجُلُ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النّظَرَ إلَيْهِ، قَتَلَ ابْنَ عَمّهِ أَوْ ابْنَ خَالِهِ، أَوْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهِ، فَارْجِعُوا وَخَلّوا بَيْنَ مُحَمّدٍ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ أَصَابُوهُ فَذَاكَ الّذِي أَرَدْتُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ أَلْفَاكُمْ وَلَمْ تَعَرّضُوا مِنْهُ مَا تُرِيدُونَ. قَالَ حَكِيمٌ: فَانْطَلَقْتُ حتى جئت أبا جهل، فَوَجَدْته قَدْ نَثَلَ دِرْعًا لَهُ مِنْ جِرَابِهَا، فَهُوَ يُهَنّئُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُهَيّئُهَا- فَقُلْتُ له: يا أبا الحكم إنّ عُتْبَةَ أَرْسَلَنِي إلَيْك بِكَذَا وَكَذَا، لِلّذِي قَالَ، فَقَالَ: انْتَفَخَ وَاَللهِ سَحْرُهُ حِينَ رَأَى مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ، كَلّا وَاَللهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ، وَمَا بِعُتْبَةَ مَا قَالَ، وَلَكِنّهُ قَدْ رَأَى أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكَلَةُ جَزُورٍ، وَفِيهِمْ ابْنُهُ، فَقَدْ تَخَوّفَكُمْ عَلَيْهِ. ثُمّ بَعَثَ إلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ، فَقَالَ: هَذَا حَلِيفُك يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنّاسِ، وَقَدْ رَأَيْتَ ثَأْرَك بِعَيْنِك، فَقُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ، وَمَقْتَلَ أَخِيك. فَقَامَ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ فَاكْتَشَفَ ثُمّ صَرَخَ: وَاعَمْرَاه، وَاعَمْرَاه، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل الأسود المخزومى

فَحَمِيَتْ الْحَرْبُ وَحَقِبَ النّاسُ، وَاسْتَوْسَقُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشّرّ، وَأُفْسِدَ عَلَى النّاسِ الرأى الذى دعاهم إليه عتبة. فلما بلغ عُتْبَةَ قَوْلُ أَبِي جَهْلٍ «انْتَفَخَ وَاَللهِ سَحْرُهُ» ، قَالَ: سَيَعْلَمُ مُصَفّرُ اسْتِهِ مَنْ انْتَفَخَ سَحْرُهُ، أَنَا أَمْ هُوَ؟. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السّحْرُ: الرّئَةُ وَمَا حَوْلَهَا مِمّا يَعْلَقُ بِالْحُلْقُومِ مِنْ فَوْقِ السّرّةِ. وَمَا كَانَ تَحْتَ السّرّةِ، فَهُوَ الْقُصْبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: رَأَيْت عَمْرَو بْنَ لُحَيّ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ. ثُمّ الْتَمَسَ عُتْبَةُ بَيْضَةً لِيُدْخِلَهَا فِي رَأْسِهِ، فَمَا وَجَدَ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ عَلَى رَأْسِهِ بِبُرْدٍ لَهُ. [مَقْتَلُ الْأَسْوَدِ الْمَخْزُومِيّ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ خَرَجَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيّ، وَكَانَ رَجُلًا شَرِسًا سَيّئَ الْخُلُقِ، فَقَالَ: أُعَاهِدُ اللهَ لأشربن من حوضهم، أو لأهد منّه، أَوْ لَأَمُوتَنّ دُونَهُ، فَلَمّا خَرَجَ خَرَجَ إلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَلَمّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَأَطَنّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ، وَهُوَ دُونَ الْحَوْضِ، فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ تَشْخَبُ رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ، ثُمّ حَبَا إلَى الْحَوْضِ حَتّى اقتحم فيه، يريد (زَعَمَ) - أَنْ يُبِرّ يَمِينَهُ، وَأَتْبَعَهُ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ حَتّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دعاء عتبة إلى المبارزة

[دُعَاءُ عُتْبَةَ إلَى الْمُبَارَزَةِ] قَالَ: ثُمّ خَرَجَ بَعْدَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ بن ربيعة وابنه الوليد ابن عُتْبَةَ، حَتّى إذَا فَصَلَ مِنْ الصّفّ دَعَا إلَى الْمُبَارَزَةِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ فِتْيَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةٌ، وَهُمْ: عَوْفٌ، وَمُعَوّذٌ، ابْنَا الْحَارِثِ- وَأُمّهُمَا عَفْرَاءُ- وَرَجُلٌ آخَرُ يُقَالُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا رَهْطٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالُوا: مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ، ثُمّ نَادَى مُنَادِيهِمْ يَا مُحَمّدُ، أَخْرِجْ إلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ وَقُمْ يَا على، فلما قاموا دنوا مِنْهُمْ، قَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالَ عُبَيْدَةُ: عُبَيْدَةُ، وَقَالَ حَمْزَةُ: حَمْزَةُ، وَقَالَ عَلِيّ: عَلِيّ، قَالُوا: نَعَمْ، أَكْفَاءٌ كِرَامٌ. فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ، وَكَانَ أَسَنّ الْقَوْمِ، عُتْبَةَ (بْنَ) رَبِيعَةَ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ ابن رَبِيعَةَ، وَبَارَزَ عَلِيّ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ. فَأَمّا حَمْزَةُ فَلَمْ يُمْهِلْ شَيْبَةَ أَنْ قَتَلَهُ؛ وَأَمّا عَلِيّ فَلَمْ يُمْهِلْ الْوَلِيدَ أَنْ قَتَلَهُ؛ وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَيْنِ، كِلَاهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ؛ وَكَرّ حَمْزَةُ وَعَلِيّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ فَذَفّفَا عَلَيْهِ، وَاحْتَمَلَا صَاحِبَهُمَا فَحَازَاهُ إلَى أَصْحَابِهِ. قَالَ ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قَتَادَةَ: أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ لِلْفِتْيَةِ من الْأَنْصَارُ، حِينَ انْتَسَبُوا: أَكْفَاءٌ كِرَامٌ، إنّمَا نُرِيدُ قومنا. [الْتِقَاءُ الْفَرِيقَيْنِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ تَزَاحَفَ النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَقَدْ أَمَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن غزية وضرب الرسول له فى بطنه بالقدح

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَحْمِلُوا حَتّى يَأْمُرَهُمْ، وَقَالَ: إنْ اكْتَنَفَكُمْ الْقَوْمُ فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنّبْلِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرِيشِ، مَعَهُ أبو بكر الصدّيق. فَكَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَمَا حَدّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ. [ابْنُ غَزِيّةَ وَضَرْبُ الرّسُولِ لَهُ فِي بَطْنِهِ بِالْقَدَحِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حِبّانُ بْنُ وَاسِعِ بْنِ حِبّانَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَدّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي يَدِهِ قِدْحٌ يُعَدّلُ بِهِ الْقَوْمَ، فَمَرّ بِسَوَادِ بْنِ غزية، حليف بنى عدىّ ابن النّجّارِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ، سَوّادٌ؛ مُثَقّلَةٌ، وَسَوَادٌ فِي الْأَنْصَارِ غَيْرُ هَذَا، مُخَفّفٌ- وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنْ الصّفّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مُسْتَنْصِلٌ مِنْ الصّفّ- فَطُعِنَ فِي بَطْنِهِ بِالْقِدْحِ، وقال: استو ياسوّاد، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْجَعْتنِي وَقَدْ بَعَثَك اللهُ بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ، قَالَ: فَأَقِدْنِي. فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ بَطْنِهِ، وَقَالَ: اسْتَقِدْ، قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ فَقَبّلَ بَطْنَهُ: فَقَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَا سَوّادُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهَ، حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الْعَهْدِ بِك أَنْ يَمَسّ جِلْدِي جِلْدَك. فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم بخير وقال له. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مناشدة الرسول ربه النصر

[مُنَاشَدَةُ الرّسُولِ رَبّهُ النّصْرَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ عَدّلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الصفوف، ورجع إلى العريش فَدَخَلَهُ، وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَرَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُنَاشِدُ رَبّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النّصْرِ، وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ: اللهُمّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبَدْ، وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: يَا نَبِيّ اللهِ: بَعْضَ مُنَاشَدَتُك رَبّك، فَإِنّ اللهَ مُنَجّزٌ لَك مَا وَعَدَك. وَقَدْ خَفَقَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خففة وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ، ثُمّ انْتَبَهَ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَتَاك نَصْرُ اللهِ. هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسٍ يَقُودُهُ، عَلَى ثَنَايَاهُ النّقع. [أول قتيل] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ رُمِيَ مِهْجَعٌ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّاب بِسَهْمِ فَقُتِلَ، فَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمّ رُمِيَ حَارِثَةُ بْنُ سراقة، أحد بنى عدىّ ابن النّجّارِ، وَهُوَ يَشْرَبُ مِنْ الْحَوْضِ، بِسَهْمِ فَأَصَابَ نحره، فقتل. [تَحْرِيضُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ] قَالَ: ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى النّاسِ فَحَرّضَهُمْ، وَقَالَ: وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ، لَا يُقَاتِلُهُمْ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، إلّا أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنّةَ. فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، وفى يده ثمرات يَأْكُلُهُنّ: بَخْ بَخْ، أَفَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنّةَ إلّا أَنْ يَقْتُلَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رمى الرسول للمشركين بالحصباء

هَؤُلَاءِ؟ ثُمّ قَذَفَ التّمَرَاتِ مِنْ يَدِهِ وَأَخَذَ سَيْفَهُ، فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ. قَالَ ابْنُ إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أَن عَوْفَ بْنَ الْحَارِثِ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يُضْحِكُ الرّبّ مِنْ عَبْدِهِ، قَالَ: غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوّ حَاسِرًا. فَنَزَعَ دِرْعًا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَذَفَهَا، ثُمّ أخذ سيفه فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهرىّ، عن عبد الله ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيّ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ، أَنّهُ حَدّثَهُ: أَنّهُ لَمّا الْتَقَى النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، قَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: اللهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ، وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ، فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ. فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِحَ. [رَمْيُ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَ قُرَيْشًا بِهَا، ثُمّ قَالَ: شَاهَتْ الْوُجُوهُ، ثُمّ نَفَحَهُمْ بِهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: شِدّوا، فَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ، فَقَتَلَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قُتِلَ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ. فَلَمّا وَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ يَأْسِرُونَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرِيشِ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَائِمٌ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ، الّذِي فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، متوشّحا السّيْفِ، فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، يَخَافُونَ عَلَيْهِ كَرّةَ الْعَدُوّ، وَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- فِي وَجْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نهى النبى أصحابه عن قتل ناس من المشركين

سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْكَرَاهِيَةَ لِمَا يَصْنَعُ النّاسَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَاَللهِ لَكَأَنّك يَا سَعْدُ تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ الْقَوْمَ، قَالَ: أَجَلْ وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللهُ بِأَهْلِ الشّرْكِ. فَكَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ بِأَهْلِ الشّرْكِ أَحَبّ إلَيّ مِنْ اسْتِبْقَاءِ الرّجَالِ. [نَهْيُ النّبِيّ أَصْحَابَهُ عَنْ قَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ: إنّي قَدْ عَرَفْت أَنّ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أَخْرَجُوا كُرْهًا، لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِقِتَالِنَا، فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ ابن الْحَارِثِ ابْنِ أَسَدٍ فَلَا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، عَمّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَقْتُلْهُ، فَإِنّهُ إنّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا. قَالَ: فَقَالَ: أَبُو حُذَيْفَةَ: أَنَقْتُلُ آبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَتَنَا وَعَشِيرَتَنَا. وَنَتْرُكُ الْعَبّاسَ، وَاَللهِ لَئِنْ لَقِيتُهُ لَأُلْحِمَنّهُ السّيْفَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: لَأُلْجِمَنّهُ (السّيْفَ) - قَالَ: فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ لِعُمَرِ ابن الْخَطّابِ: يَا أَبَا حَفْصٍ- قَالَ عُمَرُ: وَاَللهِ إنّهُ لَأَوّلُ يَوْمٍ كَنّانِي فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي حَفْصٍ- أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسّيْفِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دعنى فلأضرب عنقه بالسيف، فو الله لَقَدْ نَافَقَ. فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَقُولُ: مَا أَنَا بِآمِنٍ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الّتِي قُلْتُ يَوْمَئِذٍ، وَلَا أَزَالُ مِنْهَا خَائِفًا، إلّا أَنْ تُكَفّرَهَا عَنّي الشّهَادَةُ. فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنّمَا نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيّ لِأَنّهُ كَانَ أَكَفّ الْقَوْمِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ، وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ، وَلَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَكَانَ مِمّنْ قَامَ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ الّتِي كَتَبَتْ قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ. فَلَقِيَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ، حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ الْمُجَذّرُ لِأَبِي الْبَخْتَرِيّ: إنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد نَهَانَا عَنْ قَتْلِك- وَمَعَ أَبِي الْبَخْتَرِيّ زَمِيلٌ لَهُ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكّةَ، وَهُوَ جُنَادَةُ بْنُ مُلَيْحَةَ بِنْتِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بن أسد؛ وَجُنَادَةُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ. وَاسْمُ أَبِي الْبَخْتَرِيّ: الْعَاصِ- قَالَ: وَزَمِيلِي؟ فَقَالَ لَهُ الْمُجَذّرُ: لَا وَاَللهِ، مَا نَحْنُ بِتَارِكِي زَمِيلِك، مَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلّا بِك وَحْدَك؛ فَقَالَ: لَا وَاَللهِ، إذَنْ لَأَمُوتَن أَنَا وَهُوَ جَمِيعًا، لَا تَتَحَدّثُ عَنّي نِسَاءُ مَكّةَ أَنّي تَرَكْت زَمِيلِي حِرْصًا عَلَى الْحَيَاةِ. فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ حِينَ نَازَلَهُ الْمُجَذّرُ، وَأَبَى إلّا الْقِتَالَ، يَرْتَجِزُ: لَنْ يُسْلِمَ ابْنُ حُرّةَ زَمِيلَهُ ... حَتّى يَمُوتَ أَوْ يَرَى سَبِيلَهُ فَاقْتَتَلَا، فَقَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ. وَقَالَ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ فِي قَتْلِهِ أَبَا الْبَخْتَرِيّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل أمية بن خلف

إمّا جَهِلْتَ أَوْ نَسِيتَ نَسَبِي ... فَأَثْبِتْ النّسْبَةَ أَنّي مَنْ بَلِيَ الطّاعِنِينَ بِرِمَاحِ الْيَزْنِيّ ... وَالضّارِبِينَ الْكَبْشَ حَتّى يَنْحَنِيَ بَشّرْ بِيُتْمِ مَنْ أَبُوهُ الْبَخْتَرِيّ ... أَوْ بَشّرْنَ بِمِثْلِهَا مِنّي بَنِي أَنَا الّذِي يُقَالُ أَصْلِي مَنْ بَلِيَ ... أَطْعَنُ بِالصّعْدَةِ حَتّى تَنْثَنِيَ وَأَعْبِطْ الْقِرْنَ بِعَضْبِ مَشْرَفِيّ ... أُرْزِمُ لِلْمَوْتِ كَإِرْزَامِ الْمَرِيّ فَلَا تَرَى مُجَذّرًا يَفْرِي فَرِيّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «الْمَرِيّ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. وَالْمَرِيّ: النّاقَةُ الّتِي يُسْتَنْزَلُ لَبَنُهَا عَلَى عُسْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ الْمُجَذّرَ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ: وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَقَدْ جَهَدْتُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْسِرَ فَآتِيك بِهِ، (فَأَبَى) إلّا أن يقاتلنى، فقاتلته فقتلته. قال ابن هشام: أبو البختري: العاص بن هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ. [مَقْتَلُ أُمَيّةَ بن خلف] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِيهِ أَيْضًا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وغيرهما، عن عبد الرحمن ابن عَوْفٍ قَالَ: كَانَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ لِي صَدِيقًا بِمَكّةَ، وَكَانَ اسْمِي عَبْدَ عَمْرٍو، فَتَسَمّيْت، حِينَ أَسْلَمْتُ، عَبْدَ الرّحْمَنِ، وَنَحْنُ بِمَكّةَ، فَكَانَ يَلْقَانِي إذْ نَحْنُ بِمَكّةَ فَيَقُولُ: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، أَرَغِبْتَ عَنْ اسْمٍ سَمّاكَهُ أَبَوَاك؟ فَأَقُولُ: نعم، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَيَقُولُ: فَإِنّي لَا أَعْرِفُ الرّحْمَنَ، فَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَك شَيْئًا أَدْعُوك بِهِ، أَمّا أَنْتَ فَلَا تجيا بنى بِاسْمِك الْأَوّلِ، وَأَمّا أَنَا فَلَا أَدْعُوك بِمَا لا أعرف، قال: فكان إذا دعائى: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، لَمْ أُجِبْهُ. قَالَ: فَقُلْت لَهُ: يَا أَبَا عَلِيّ، اجْعَلْ مَا شِئْت، قَالَ: فَأَنْتَ عَبْدُ الْإِلَهِ؛ قَالَ: فَقُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَكُنْت إذَا مَرَرْتُ بِهِ قَالَ: يَا عَبْدَ الْإِلَهِ فَأُجِيبُهُ، فَأَتَحَدّثُ مَعَهُ. حَتّى إذَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ، مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَ ابْنِهِ، عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ، آخُذُ بِيَدِهِ، وَمَعِي أَدْرَاعٌ، قَدْ اسْتَلَبْتُهَا، فَأَنَا أَحْمِلُهَا. فَلَمّا رَآنِي قَالَ لِي: يَا عَبْدَ عَمْرٍو، فَلَمْ أُجِبْهُ؛ فَقَالَ: يَا عَبْدَ الْإِلَهِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ لَك فِيّ، فَأَنَا خَيْرٌ لَك مِنْ هَذِهِ الْأَدْرَاعِ الّتِي مَعَك؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، هَا اللهِ ذَا، قَالَ: فَطَرَحْتُ الْأَدْرَاعَ مِنْ يَدِي، وَأَخَذْت بِيَدِهِ وَيَدِ ابْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطّ، أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِي اللّبَنِ؟ (قَالَ) : ثُمّ خَرَجْت أَمْشِي بِهِمَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُرِيدُ بِاللّبَنِ، أَنّ مَنْ أَسَرَنِي افْتَدَيْتُ مِنْهُ بِإِبِلِ كَثِيرَةِ اللّبَنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ لِي أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ، آخِذٌ بِأَيْدِيهِمَا: يَا عَبْدَ الْإِلَهِ، مَنْ الرّجُلُ مِنْكُمْ الْمُعْلَمُ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ فِي صَدْرِهِ؟ قَالَ: قُلْت: ذَاكَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؛ قَالَ: ذَاكَ الّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ؛ قَالَ عبد الرحمن: فو الله إنّي لَأَقُودُهُمَا إذْ رَآهُ بِلَالٌ مِعَى- وَكَانَ هُوَ الّذِي يُعَذّبُ بِلَالًا بِمَكّةَ عَلَى تَرْكِ الْإِسْلَامِ، فَيُخْرِجُهُ إلَى رَمْضَاءَ مَكّةَ إذَا حَمَيْت، فيضجعه ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شهود الملائكة وقعة بدر

عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمّ يَأْمُرُ بِالصّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ فَتُوضَعُ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمّ يَقُولُ: لَا تَزَالُ هَكَذَا أَوْ تُفَارِقَ دِينَ مُحَمّدٍ، فَيَقُولُ بِلَالٌ: أَحَدٌ أَحَدٌ. قَالَ: فَلَمّا رَآهُ، قَالَ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا. قَالَ: قُلْت: أَيْ بِلَالٌ، أَبِأَسِيرَيّ قَالَ: لَا نجوت إن نجا. قال: قلت: أتسمع يابن السّوْدَاءِ، قَالَ: لَا نَجَوْت إنْ نَجَا. قَالَ: ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَنْصَارَ اللهِ، رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا. قَالَ: فَأَحَاطُوا بِنَا حَتّى جَعَلُونَا فِي مِثْلِ الْمُسْكَةِ وَأَنَا أَذُبّ عَنْهُ. قَالَ: فَأَخْلَفَ رَجُلٌ السّيْفَ، فَضَرَبَ رِجْلَ ابْنِهِ فَوَقَعَ، وَصَاحَ أُمَيّةُ صَيْحَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطّ: قَالَ: فَقُلْت اُنْجُ بِنَفْسِك، وَلَا نُجَاءَ بِك فو الله مَا أُغْنِي عَنْك شَيْئًا. قَالَ: فَهَبِرُوهُمَا بِأَسْيَافِهِمْ، حَتّى فَرَغُوا مِنْهُمَا. قَالَ: فَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللهُ بِلَالًا، ذَهَبَتْ أَدْرَاعِي وَفَجَعَنِي بأسيرىّ. [شهود الملائكة وقعة بدر] قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، قَالَ أَقْبَلْت أَنَا وَابْنُ عَمّ لِي حَتّى أَصْعَدْنَا فِي جَبَلٍ يُشْرِفُ بِنَا عَلَى بَدْرٍ، وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ، نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدّبْرَةُ، فَنَنْتَهِبُ مَعَ مَنْ يَنْتَهِبُ. قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ فِي الْجَبَلِ، إذْ دَنَتْ مِنّا سَحَابَةٌ، فَسَمِعْنَا فيها حمحمة الخيل، فسمعت قائلا يقول: أفدم حَيْزُومُ، فَأَمّا ابْنُ عَمّي فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ، فَمَاتَ مَكَانَهُ، وَأَمّا أَنَا فَكِدْت أَهْلَكَ، ثُمّ تماسكت. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ، عَنْ بَعْضِ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ، بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ: لَوْ كُنْت الْيَوْمَ بِبَدْرِ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمْ الشّعْبَ الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ، لَا أَشُكّ فِيهِ وَلَا أَتَمَارَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ، عَنْ أَبِي دَاوُد الْمَازِنِيّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ: إنّي لَأَتّبِعُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَضْرِبَهُ، إذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرَفْتُ أَنّهُ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا قَدْ أَرْسَلُوهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عَمَائِمَ حُمْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْعَمَائِمُ: تِيجَانُ الْعَرَبِ، وَكَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا قَدْ أَرْخَوْهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ، إلّا جِبْرِيلُ فَإِنّهُ كَانَتْ عليه عمامة صفراء. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: وَلَمْ تُقَاتِلْ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ سِوَى بَدْرٍ مِنْ الْأَيّامِ، وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَيّامِ عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل أبى جهل

[مقتل أبى جهل] قال ابن إسحاق: وأفبل أَبُو جَهْلٍ يَوْمَئِذٍ يَرْتَجِزُ، وَهُوَ يُقَاتِلُ وَيَقُولُ: مَا تَنْقِمُ الْحَرْبُ الْعَوَانُ مِنّي ... بَازِلُ عَامَيْنِ حَدِيثٌ سنى لِمِثْلِ هَذَا وَلَدَتْنِي أُمّي [شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ بِبَدْرِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: أَحَدٌ أَحَدٌ. [عَوْدٌ إلَى مقتل أبى جهل] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عَدُوّهِ، أَمَرَ بِأَبِي جَهْلٍ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى. وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ، كَمَا حَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا قَدْ حَدّثَنِي ذلك، قالا: قال معاذ بن عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ: سَمِعْتُ الْقَوْمَ وَأَبُو جَهْلٍ فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحَرَجَةُ: الشّجَرُ الْمُلْتَفّ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ: أَنّهُ سَأَلَ أَعْرَابِيّا عَنْ الْحَرَجَةِ؛ فَقَالَ: هِيَ شَجَرَةٌ مِنْ الْأَشْجَارِ لا يوصل إليها- وهم يقولون: أَبُو الْحَكَمِ لَا يُخْلَصُ إلَيْهِ. قَالَ: فَلَمّا سَمِعْتُهَا جَعَلْتُهُ مِنْ شَأْنِي، فَصَمَدْت نَحْوَهُ، فَلَمّا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَضَرَبْته ضَرْبَةً أَطَنّتْ قَدَمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بنصف ساقه، فو الله مَا شَبّهْتهَا حِينَ طَاحَتْ إلّا بِالنّوَاةِ تَطِيحُ مِنْ تَحْتِ مِرْضَخَةِ النّوَى حِينَ يُضْرَبُ بِهَا. قَالَ: وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي، فَطَرَح يَدِي فَتَعَلّقَتْ بِجَلْدَةٍ مِنْ جَنْبِي، وَأَجْهَضَنِي الْقِتَالُ عَنْهُ، فَلَقَدْ قَاتَلْتُ عَامّةَ يَوْمِي، وَإِنّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي، فَلَمّا آذَتْنِي وَضَعْتُ عَلَيْهَا قَدَمِي، ثُمّ تَمَطّيْتُ بِهَا عَلَيْهَا حَتّى طَرَحْتُهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتّى كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ. ثُمّ مَرّ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عَقِيرٌ، مُعَوّذُ بْنُ عَفْرَاءَ، فَضَرَبَهُ حَتّى أَثْبَتَهُ، فَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ. وَقَاتَلَ مُعَوّذٌ حَتّى قُتِلَ، فَمَرّ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِأَبِي جَهْلٍ، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وَسَلّمَ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- فِيمَا بَلَغَنِي- اُنْظُرُوا، إنْ خَفِيَ عَلَيْكُمْ فِي الْقَتْلَى، إلَى أَثَرِ جُرْحٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَإِنّي ازْدَحَمْتُ يَوْمًا أَنَا وَهُوَ عَلَى مَأْدُبَةٍ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ، وَنَحْنُ غُلَامَانِ، وَكُنْتُ أَشَفّ مِنْهُ بِيَسِيرٍ، فَدَفَعْتُهُ فَوَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَجُحِشَ فِي إحْدَاهُمَا جَحْشًا لَمْ يَزَلْ أَثَرُهُ بِهِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَوَجَدْته بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفْتُهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ- قَالَ: وَقَدْ كَانَ ضَبَثَ بِي مَرّةً بِمَكّةَ، فَآذَانِي وَلَكَزَنِي، ثُمّ قُلْت لَهُ: هَلْ أَخْزَاك اللهُ يَا عَدُوّ اللهِ؟ قَالَ: وَبِمَاذَا أَخْزَانِي، أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، أَخْبِرْنِي لِمَنْ الدّائِرَةُ الْيَوْمَ؟ قال: قلت: لله ولرسوله. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ضَبَثَ: قَبَضَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ. قال ضابىء بْنُ الْحَارِثِ الْبُرْجُمِيّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَأَصْبَحْتُ مِمّا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ... مِنْ الْوُدّ مِثْلَ الضّابِثِ الْمَاءَ بِالْيَدِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَعَارٌ عَلَى رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، أَخْبِرْنِي لِمَنْ الدّائِرَةُ الْيَوْمَ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، أَنّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: قَالَ لِي: لَقَدْ ارْتَقَيْت مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِي الْغَنَمِ، قال: ثم احتززت رَأْسَهُ ثُمّ جِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا رَأْسُ عَدُوّ اللهِ أَبِي جَهْلٍ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آللهِ الّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ- قَالَ: وَكَانَتْ يَمِينَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ: قُلْت نَعَمْ، وَاَللهِ الّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ، ثُمّ أَلْقَيْتُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللهَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ من أهل العلم بالمغازى: أن عمر بن الْخَطّابِ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَمَرّ بِهِ: إنّي أَرَاك كَأَنّ فِي نَفْسِك شَيْئًا، أَرَاك تَظُنّ أَنّي قَتَلْتُ أَبَاك، إنّي لَوْ قَتَلْته لَمْ أَعْتَذِرْ إلَيْك مِنْ قَتْلِهِ، وَلَكِنّي قَتَلْتُ خَالِي الْعَاصِ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَأَمّا أبوك فإنى مررت وهو يبحث بحث الثور بروته فَحُدْتُ عَنْهُ، وَقَصَدَ لَهُ ابْنُ عَمّهِ عَلِيّ فقتله. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . غَزْوَةُ بَدْر وَبَدْرٌ: اسْمُ بِئْرٍ حَفَرَهَا رَجُلٌ مِنْ غِفَارٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّارِ مِنْهُمْ، اسْمُهُ: بَدْرٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ قَوْلَ مَنْ قَالَ: هُوَ بَدْرُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ يَخْلُدَ الّذِي سُمّيَتْ قُرَيْشٌ بِهِ. وَرَوَى يُونُسُ عَنْ ابْنِ أَبِي زَكَرِيّا عَنْ الشّعْبِيّ قَالَ: بَدْرٌ: اسْمُ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ بَدْرٌ. نحسس الْأَخْبَارِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَبَا سُفْيَانَ، وَأَنّهُ حِينَ دَنَا مِنْ الْحِجَازِ، كَانَ يَتَحَسّسُ الْأَخْبَارَ. التّحَسّسُ بِالْحَاءِ: أَنْ تَتَسَمّعَ الْأَخْبَارَ بِنَفْسِك، وَالتّجَسّسُ بِالْجِيمِ: هُوَ أَنْ تَفْحَصَ عَنْهَا بِغَيْرِك، وَفِي الْحَدِيثِ «لَا تَجَسّسُوا، وَلَا تَحَسّسُوا «1» . رُؤْيَا عَاتِكَةَ: وَذَكَرَ رُؤْيَا عَاتِكَةَ وَالصّارِخَ الّذِي رَأَتْهُ يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا لَغُدُرِ!! هَكَذَا هُوَ بِضَمّ الْغَيْنِ وَالدّالِ جَمْعُ غَدُورٍ، وَلَا تَصِحّ رِوَايَةُ مَنْ رواه: يا لغدر بفتح الدال مع كسرى الرّاءِ، وَلَا فَتْحِهَا، لِأَنّهُ لَا يُنَادِي وَاحِدًا، وَلِأَنّ لَامَ الِاسْتِغَاثَةِ لَا تَدْخُلُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْبِنَاءِ فِي النّدَاءِ، وَإِنّمَا يَقُولُ: يَا لَغُدُرُ انْفِرُوا وَتَحْرِيضًا لَهُمْ، أَيْ: إنْ تَخَلّفْتُمْ، فَأَنْتُمْ غُدُرٌ لِقَوْمِكُمْ وَفُتِحَتْ لَامُ الِاسْتِغَاثَةِ، لِأَنّ الْمُنَادِيَ قَدْ وَقَعَ مَوْقِعَ الِاسْمِ الْمُضْمَرِ، وَلِذَلِكَ بَنَى، فَلَمّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَامُ الِاسْتِغَاثَةِ وَهِيَ لَامُ جَرّ فُتِحَتْ كَمَا تُفْتَحُ لَامُ الْجَرّ إذا دخلت على المضمرات، ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ (1) من حديث رواه البخارى ومسلم وأبو داود ومالك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . هَذَا قَوْلُ ابْنِ السّرَاجِ، وَلِأَبِي سَعِيدٍ السّيرَافِيّ فِيهَا تَعْلِيلٌ غَيْرُ هَذَا كَرِهْنَا الْإِطَالَةَ بِذِكْرِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيّ فِي شَرْحِ يَا لَغُدُرِ إنّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ الشّيْخِ، وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِهِ، وَأَمّا أَبُو عُبَيْدَةَ، فَقَالَ فِي الْمُصَنّفِ: تَقُولُ يَا غُدُرُ، أَيْ: يَا غَادِرُ، فَإِذَا جَمَعْت قُلْت يَا آلَ غُدَرِ «1» ، وَهَكَذَا وَاَللهُ أَعْلَمُ. كَانَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَاَلّذِي تَقَدّمَ تَغْيِيرٌ. وَقَوْلُهُ، ثُمّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، سُمّيَ هَذَا الْجَبَلُ أَبَا قُبَيْسٍ بِرَجُلِ هَلَكَ فِيهِ مِنْ جُرْهُمَ اسْمُهُ قُبَيْسِ بْنِ شَالِخَ، وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُضَاضٍ، كَمَا سُمّيَ حُنَيْنٌ الّذِي كَانَتْ فِيهِ حُنَيْنٌ بِحُنَيْنِ بْنِ قَالِيَةَ بْنِ مِهْلَايِلَ «2» ، أَظُنّهُ كَانَ مِنْ الْعَمَالِيقِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ. مَعْنَى اللّيَاطِ: وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي لَهَبٍ، وَبَعْثَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامٍ، وَكَانَ لَاطَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ. لَاطَ لَهُ: أَيْ أَرْبَى لَهُ، وَكَذَلِكَ جَاءَ اللّيَاطُ مُفَسّرًا فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْخَطّابِيّ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي الْكِتَابِ الّذِي كَتَبَهُ لِثَقِيفِ: وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دِينٍ لَا رَهْنَ فِيهِ فَهُوَ لِيَاطٌ مُبَرّأٌ من الله. وقال أبو عبيد: ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ (1) فى اللسان: «يقال فى الجمع: يال غدر» . (2) هو فى سفر النكوين: مهللئيل وضبطوه فيه بفتح الميم وسكون الهاء، وفتح اللام الأولى وسكون الثانية، وهو ابن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم كما ذكر فى السفر، وفى معجم البكرى عن حنين: سمى بحنين بن قاينة بن مهلايئل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَسُمّيَ الرّبَا لِيَاطًا، لِأَنّهُ مُلْصَقٌ بِالْبَيْعِ، وَلَيْسَ بِبَيْعِ، وَقِيلَ لِلرّبَا لِيَاطًا لِأَنّهُ، لَاصِقٌ بِصَاحِبِهِ لَا يَقْضِيهِ، وَلَا يُوضَعُ عَنْهُ، وَأَصْلُ هَذَا اللفظ من اللّصوق. المجحرة وَالْأُلُوّةُ: وَعَزَمَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ عَلَى الْقُعُودِ، وأنّ عقبة بن أبى مغيط جَاءَهُ بِمِجْمَرَةِ فِيهَا نَارٌ وَمِجْمَرٌ، وَقَالَ: اسْتَجْمِرْ فَإِنّمَا أَنْتَ مِنْ النّسَاءِ. الْمِجْمَرَةُ: هِيَ الْأَدَاةُ الّتِي يُجْعَلُ فِيهَا الْبَخُورُ، وَالْمِجْمَرُ هُوَ الْبَخُورُ نَفْسُهُ، وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنّةِ مَجَامِرُهُمْ الْأُلُوّةُ «1» ، فَهَذَا جَمْعُ مِجْمَرٍ لَا مِجْمَرَةٍ، وَالْأُلُوّةُ: هِيَ الْعُودُ الرّطْبُ، وَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ أُلُوّةٌ وَأَلُوّةٌ، وَلُوّةٌ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلِيّةٌ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ فِي شِعْرِ مِكْرَزٍ: تَذَكّرْت أشلاء الحيب الْمُلَحّبِ شَرْحُ شِعْرِ مِكْرَزٍ: الْأَشْلَاءُ: أَعْضَاءٌ مُقَطّعَةٌ، وَالْمُلَحّبُ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَحّبْت اللّحْمَ إذَا قَطَعْته طُولًا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ. وَذَكَرَ فِي شِعْرِ مكرز:

_ (1) ورد هذا فى حديث متفق عليه، ويراها الأصمعى كلمة فارسية، وأبو منصور يراها هندية. وجمع ألوة: ألاوية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَتَى مَا أُجَلّلْهُ الْفُرَافِرَ يَعْطَبْ «1» وَقَدْ فَسّرَ ابْنُ هِشَامٍ الْفُرَافِرَ، وَقَالَ: هُوَ اسْمُ سَيْفٍ، وَهُوَ عِنْدِي مِنْ فَرْفَرَ اللّحْمَ إذَا قَطَعَهُ أَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَكَلْبِ طَسْمٍ وَقَدْ تَرَبّبَه ... يَعُلْهُ بِالْحَلِيبِ فِي الْغَلَس أَنْحَى عَلَيْهِ يَوْمًا يُفَرْفِرُه ... إنْ يَلِغْ فِي الدّمَاءِ يَنْتَهِسُ وَيَرْوِي: يشرشره. والعيهب الذى لا سقل لَهُ، وَيُقَالُ لِذَكْرِ النّعَمِ عَيْهَبُ «2» . مَوَاضِعُ نَزَلَ فِيهَا الرّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَذَكَرَ عِرْقَ الظّبْيَةِ، وَالظّبْيَةُ: شَجَرَةٌ شِبْهُ الْقَتَادَةَ يُسْتَظَلّ بِهَا، وَجَمْعُهَا. ظُبْيَانٌ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ السّيَالَة فِي طَرِيقِ بَدْرٍ، وَالسّيَالُ شَجَرٌ، وَيُقَالُ: هُوَ عِظَامُ السّلَمِ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ النّازِيَةَ، وَهِيَ رحسبة وَاسِعَةٌ فِيهَا عِضَاةٌ وَمُرُوجٌ «3» . وَذَكَرَ سَجْسَجًا، وَهِيَ بالرّوحاء، وسميت سجسجا، لأنها بين جبلين،

_ (1) هى فى نسخ السيرة التى بين يدى: متى ما أصبه. (2) فى شرح السيرة للخشنى: والغيهب بالغين المعجمة الغافل الناسى وبالعين الرجل الضعيف عن طلب وتره، ويروى هنا بالوجهين ص 154. (3) العضاة جمع عضاهة: أعظم الشجر أو كل ذات شوك. ومروج: جمع مرج: الموضع ترعى فيه الدواب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكُلّ شَيْءٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَهُوَ: سَجْسَجٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: إنّ هَوَاءَ الْجَنّةِ سَجْسَجٌ، أَيْ. لَا حَرّ وَلَا بَرْدٌ، وَهُوَ عِنْدِي مِنْ لَفْظِ السّجَاجِ، وَهُوَ لَبَنٌ غَيْرُ خَالِصٍ، وَذَلِكَ إذَا أكثر مرجه بِالْمَاءِ، قَالَ الشّاعِرُ: وَيَشْرَبُهَا مَزْجًا وَيَسْقِي عِيَالَهُ ... سَجَاجًا كَأَقْرَابِ الثّعَالِبِ أَوْرَقَا وَهَذَا الْقَوْلُ جَارٍ عَلَى قِيَاسِ مَنْ يَقُولُ: إنّ الثّرْثَارَةَ مِنْ لفظ: الثّرّة، ورفرقت مِنْ لَفْظِ: رَقَقْت إلَى آخِرِ الْبَابِ. وَذَكَرَ الصّفْرَاءَ، وَهِيَ وَادٍ كَبِيرٌ. أَنْسَابٌ: وَذَكَرَ بَسْبَسَ بن عمرو الجهنىّ، وعدىّ بن أبى الزّغباء حِينَ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتَحَسّسَانِ الْأَخْبَارَ عَنْ عِيرِ قُرَيْشٍ، وَفِي مُصَنّفِ أَبِي دَاوُدَ: بَسْبَسَةُ مَكَان بَسْبَسٍ وَبَعْضُ رُوَاةِ أَبِي دَاوُدَ يَقُولُ بُسْبُسَةٌ بِضَمّ الْبَاءِ: وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ «1» وَنَسَبَهُ ابْنُ إسحاق إلى جهينة، ونسبه

_ (1) فى الإصابة عن بسبسة «وهو بموحدتين مفتوحتين بينهما مهملة ساكنة ثم مهملة مفتوحة، ويقال له: بسبس بغير هاء وهو قول ابن إسحاق وغيره، شهد بدرا بأتفاق، ووقع ذكره فى صحيح مسلم من حديث أنس، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم بسبسة عينا ينظر ما صنعت عير أبى سفيان، فذكر الحديث فى وقعة بدر، وهو بموحدتين وزن فعلله، وحكى عياض أنه فى مسلم بموحدة مصغرة، ورواه أبو داود ووقع عنده بسيبسة بصيغة التصغير، وكذا قال ابن الأثير أنه رآه فى أصل ابن مندة. لكن بغير هاء، والصواب الأول» . وفى جمهرة ابن حزم: بسبس ص 415

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غَيْرُهُ إلَى ذُبْيَانَ، وَقَالَ: هُوَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ عَمْرِو ابن سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ «1» ، وَأَمّا عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغباء، واسم أبى الزغباء: سنان ابن سبيع بن ثَعْلَبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ بُذَيْلٍ، وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ بُذَيْلٌ بِالذّالِ الْمَنْقُوطَةِ غَيْرُ هَذَا، قَالَهُ الدّار قطنى، وَهُوَ بُذَيْلُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كاهل بن نصر ابن مَلَكِ بْنِ غَطَفَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ، وَجُهَيْنَةُ: وَهُوَ ابْنُ سُودِ بْنِ أَسْلُمَ بِضَمّ اللام بن الحاف بن فضاعة، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ حَلِيفِ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. التّطَيّرُ وَكَرَاهِيَةُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ: وَذَكَرَ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ مَرّ بِجَبَلَيْنِ، فَسَأَلَ عَلَى اسميهما، فقيل له: أحدهما مسلح والآخر مخرىء، فَعَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِمَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الطّيَرَةِ «2» ، الّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنْ مِنْ بَابِ كَرَاهِيَةِ

_ (1) زاد فى الإصابة بعد خرشة: «بن زيد» وبعد ذبيان: بن رشدان ابن غطفان، بن قيس بن جهينة، وفى جمهرة ابن حزم كما فى الروض، ثم ذكر بعد رشدان: ابن قيس بن جهينة، فأسقط غطفان ص 415. (2) الطيرة: ما يتشاءم به من الفأل الردىء، وقد روى أبو داود والترمذى وابن حبان فى صحيحه، وقال الترمذى: حسن صحيح: «الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك، ومامنا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل» . ومعنى: ومامنا إلا أى: ومامنا إلا وقد وقع فى قلبه شىء من ذلك، ولكن الله يذهب ذلك عن قلب كل من يتوكل عليه. وذكر البخارى أن قوله: ومامنا إلى آخره من كلام ابن مسعود مدج غير مرفوع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الِاسْمِ الْقَبِيحِ، فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ يَكْتُبُ إلَى أُمَرَائِهِ إذَا أَبَرَدْتُمْ إلَيّ بَرِيدًا فَاجْعَلُوهُ حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الِاسْمِ، ذَكَرَهُ الْبَزّارُ مِنْ طَرِيقِ بُرَيْدَةَ، وَقَدْ قَالَ فِي لِقْحَةٍ: مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ؟ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ أَنَا، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اسْمُك؟ فَقَالَ: مُرّةُ، فَقَالَ: اُقْعُدْ، حَتّى قَالَ آخِرُهُمْ: اسْمِي: يَعِيشُ، قَالَ: اُحْلُبْ. اخْتَصَرْت الْحَدِيثَ وَفِيهِ زِيَادَةٌ رَوَاهَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ: فَقَالَ: لَا أَدْرِي أَقُولُ أَمْ أَسْكُتُ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ كُنْت نَهَيْتنَا عَنْ التّطَيّرِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: مَا تَطَيّرْت، وَلَكِنّي آثَرْت الِاسْمَ الْحَسَنَ، أَوْ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ. وَقَدْ أَمْلَيْت فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْمُوَطّإِ فِي الشّؤْمِ، وَأَنّهُ إنْ كَانَ فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالدّارِ تَحْقِيقًا وَبَيَانًا شَافِيًا لِمَعْنَاهُ، وَكَشَفَا عَنْ فِقْهِهِ لَمْ أَرَ أَحَدًا- وَالْحَمْدُ لله- سبقنى إلى مثله. جبلا مسلح ومخرىء وهذان الْجَبَلَانِ لِتَسْمِيَتِهِمَا بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ سَبَب، وَهُوَ أَنّ عَبْدًا لِبَنِي غِفَارٍ كَانَ يَرْعَى بِهِمَا غَنَمًا لِسَيّدِهِ، فَرَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ عَنْ الْمَرْعَى، فَقَالَ لَهُ سَيّدُهُ: لِمَ رَجَعْت؟ فَقَالَ: إنّ هَذَا الجبل مسلح للغنم، وإن هذا الآخر مخرىء «1» ، فَسُمّيَا بِذَلِكَ. وَجَدْت ذَلِكَ بِخَطّ الشّيْخِ الْحَافِظِ فيما نقل عن الوقشىّ.

_ (1) ولكن موضع الخرء يقال له مخرأة- بفتح الميم والراء، ومخراة بدون همزة، ومخرأة- بفتح الميم وضم الراء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَرْكُ الْغُمَادِ: وَذَكَرَ قَوْلَ الْمِقْدَادِ: وَلَوْ بَلَغْت بِنَا بَرْكَ الْغُمَادِ، وَجَدْت فِي بَعْضِ كُتُبِ التّفْسِيرِ أَنّهَا مَدِينَةُ الْحَبَشَةِ «1» . تَعْوِيرُ قُلَبِ الْمُشْرِكِينَ وَذَكَرَ الْقُلَبَ الّتِي احْتَفَرَهَا الْمُشْرِكُونَ لِيَشْرَبُوا مِنْهَا، قَالَ: فَأَمَرَ بِتِلْكَ الْقُلُبِ فَعُوّرَتْ، وَهِيَ كَلِمَةٌ نَبِيلَةٌ، وَذَلِكَ أَنّ الْقَلْبَ لَمّا كَانَ عَيْنًا جَعَلَهَا كَعَيْنِ الْإِنْسَانِ، وَيُقَالُ فِي عَيْنِ الْإِنْسَانِ: عرتها فعارت، ولا يقال: غوّرتها، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْقُلُبِ عُوّرَتْ بِسُكُونِ الْوَاوِ وَلَكِنْ لَمَا رَدّ الْفِعْلَ لِمَا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ ضُمّتْ الْعَيْنُ، فَجَاءَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يقول: قول القول وبوع المتاع «2» ، وهى

_ (1) ضبطها البكرى فى معجمه فقال: «برك بكسر أوله وإسكان ثانيه، وهو فى أقاصى هجر إلا أنه منضاف إليها. هو برك الغماد الذى ورد فى الحديث الغماد بالغين المعجمة تضم وتكسر لغتان بعد ميم وألف ودال مهملة» وقال الهمدانى فى صفة جزيرة العرب ص 204 ط 1953 «وهو أقصى حجر باليمن» وقال ياقوت فى المشترك وضعا والمفترق صقعا «باب برك ثمانية مواضع بكسر الباء وسكون الراء وكاف. الأول موضع بناحية اليمن فى نصف الطريق بين مكة وزبيد» ثم ذكر باقى المواضع. وفى المراصد موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلى البحر، وقيل: بلد باليمن، وهو أقصى حجر باليمن» (2) يستشهد النحاة على هذه اللغة ببيت رؤية: ليت، وهل ينفع شيئا ليت ... ليت شبابا بوع فاشتريت وقد ورد فى كتب النحاة هكذا على حين يروى فى ديوان رؤبة باللغة الفصحى، أى: بيع بدلا من بوع-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لُغَةُ هُذَيْلِ وَبَنِيّ دُبَيْرٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَبَنِيّ فَقُعِسَ، وَبَنُو دُبَيْرٍ هُوَ تَصْغِيرُ أَدْبَرَ عَلَى التّرْخِيمِ، وَإِنْ كَانَتْ لُغَةً رَدِيئَةً، فَقَدْ حَسُنَتْ هُنَا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى لَفْظِ الْوَاوِ، إذْ لَوْ قَالُوا: عِيرَتْ فَأُمِيتَتْ الْوَاو، لَمْ يُعْرَفْ أَنّهُ مِنْ الْعَوَرِ إلّا بَعْدَ نَظَرٍ، كَمَا حَافَظُوا فِي جَمْعِ عِيدٍ عَلَى لَفْظِ الْيَاءِ فِي عِيدٍ فَقَالُوا: أَعْيَادٌ، وَتَرَكُوا الْقِيَاسَ الّذِي فِي رِيحٍ وَأَرْوَاحٍ عَلَى أَنّ أَرْيَاحًا لُغَةُ بَنِي أَسَدٍ كَيْ لَا تَذْهَبَ مِنْ اللّفْظِ الدّلَالَةُ عَلَى مَعْنَى الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَوْدَةِ، وَقِسْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَصِحّةِ الْوَاوِ فِيهِ، وَكَمَا حَافَظُوا عَلَى الضّمّةِ فِي سُبّوحٍ وَقُدّوسٍ، وَقِيَاسُهُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى فَعّولٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ كَتَنّومِ وَشَبّوطٍ «1» وَبَابِهِ، وَلَكِنْ حَافِظُوا عَلَى الضّمّتَيْنِ، لِيَسْلَمَ لَفْظُ الْقُدُسِ وَالسّبُحَاتِ وَسُبْحَانَ اللهِ يَسْتَشْعِرُ الْمُتَكَلّمُ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ مَعْنَى الْقُدُسِ، وَمَعْنَى سُبْحَانَ مِنْ أَوّلِ وَهْلَةٍ، وَلَمّا ذَكَرْنَاهُ كَثِيرَةٌ نظائر يخرجنا إيرادها عن الغرض.

_ - كما استشهد الأشمونى بقول الراجز: حوكت على نيرين إذ تحاك ... تختبط الشوك، ولا تشاك على حين يروى باللغة الفصحى: حيكت. والفعل الثلاثى المعل الوسط يجوز فى فائه ثلاثة أشياء: الكسر، الإشمام، الضم بشرط أمن اللبس. والإشمام هو الإتيان بحركة بين الضم والكسر على الفاء، بأن يؤتى بجزء من الضم قليل سابق، وجزء من الكسرة كثير لاحق. ويسمى القراء هذا: روحا، وقد قدى فى السبعة بالإشمام. قيل وغيض. وأفصح اللغات الكسر، ثم الإشمام، والضم: أردؤها. وقد أورد ابن مالك اللغات الثلاث فى ألفيته. (1) تنوم: شجرة أو حبة، والشبوط: نوع من السمك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَفْسِيرُ كَلِمَاتٍ وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي جَهْلٍ: قُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ، أَيْ: اُطْلُبْ مِنْ قُرَيْشٍ الْوَفَاءَ بِخُفْرَتِهِمْ لَك، لِأَنّهُ كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ وَجَارًا، يُقَال: خَفَرْت الرّجُلَ خُفْرَةً إذَا أَجَرْته، وَالْخَفِيرُ. الْمُجِيرُ. قَالَ [عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ] الْعِبَادِيّ. مَنْ رَأَيْت الْأَيّامَ خَلّدْنَ أَمْ مَنْ ... ذَا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُضَامَ خَفِيرُ «1» وَقَوْلُهُ: حَقِبَتْ الْحَرْبُ، يُقَالُ: حَقِبَ الْأَمْرُ إذَا اشْتَدّ، وَضَاقَتْ فِيهِ الْمَسَالِكُ، وَهُوَ مُسْتَعَارٌ مِنْ حَقِبَ الْبَعِيرُ إذَا اشتدّ عليه الحقب وهو الحرام الْأَسْفَلُ، وَرَاغَ حَتّى يَبْلُغَ ثِيلَهُ «2» ، فَضَاقَ عَلَيْهِ مَسْلَكُ الْبَوْلِ. وَقَوْلُ عُتْبَةَ فِي أَبِي جَهْلٍ: سَيَعْلَمُ مُصَفّرُ اسْتِهِ مَنْ انْتَفَخَ سَحْرُهُ. السّحْرُ وَالسّحْرُ الرّئَةُ، وَالسّحَرُ أَيْضًا بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَهُوَ قياس فى كُلّ اسْمٍ عَلَى فَعْلٍ إذَا كَانَ عَيْنُ الْفِعْلِ حَرْفَ حَلْقٍ «3» ، أَنْ يَجُوزَ فِيهِ الْفَتْحُ، فَيُقَالُ فِي الدّهْرِ: الدّهَرُ، وَفِي اللّحْمِ: اللّحَمُ، حَتّى قَالُوا فِي النّحْوِ النّحَوُ، ذَكَرَهَا ابْنُ جِنّي، وَلَمْ يَعْتَمِدُوا عَلَى هَذَا التّحْرِيكِ الّذِي مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الْحَلْقِ لَمَا كَانَ لِعِلّةِ،

_ (1) سبقت قصيدته التى منها هذا البيت فى الجزء الأول. والبيت فى الأغانى: «من رأيت المنون» ص 115 المجلد الثانى ط لبنان. (2) بالكسر وبالفتح شىء بين رجلى البعير الخلفيتين يستحى من ذكره تستطيع لمح معناه. (3) هى حروف الهجاء التى تخرج عند النطق من الحلق، وهى الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلَمْ يَقْلِبُوا الْوَاوَ مِنْ أَجْلِهِ أَلِفًا حِينَ قَالُوا: النّحَوُ وَالزّهَدُ، وَلَوْ اعْتَدّوا بِالْفَتْحَةِ، لَقَلَبُوا الْوَاو أَلِفًا، كَمَا لَمْ يَعْتَدّوا بِهَا فِي: يَهَبُ وَيَضَعُ، إذْ كَانَ الْفَتْحُ فِيهِ مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الْحَلْقِ، وَلَوْ اعْتَدّوا بِهِ، لَرَدّوا الواو فقالوا: بوضع وَيُوهَبُ، كَمَا قَالُوا: يَوْجَلُ. مَنْ قَائِلٌ أَبِي عذرها وماداء أَبِي جَهْلٍ وَقَوْلُهُ مُصَفّرُ اسْتِهِ: كَلِمَةٌ لَمْ يَخْتَرِعْهَا عُتْبَةُ، وَلَا هُوَ بِأَبِي عُذْرِهَا، قَدْ قِيلَتْ قَبْلَهُ لِقَابُوسِ بْنِ النّعْمَانِ، أَوْ لِقَابُوسِ بْنِ الْمُنْذِرِ، لِأَنّهُ كَانَ مُرَفّهًا لَا يَغْزُو فِي الْحُرُوبِ، فَقِيلَ لَهُ: مُصَفّرُ اسْتِهِ، يُرِيدُونَ: صُفْرَةَ الْخُلُوقِ وَالطّيبِ، وَقَدْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي حُذَيْفَةَ يَوْمَ الْهَبَاءَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنّ حُذَيْفَةَ كَانَ مَسْتُوهًا، فَإِذَا لَا يَصِحّ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي أَبِي جَهْلٍ مِنْ قَوْلِ عُتْبَةَ فِيهِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ: إنّهُ كَانَ مَسْتُوهًا وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَسَادَةُ الْعَرَبِ لَا تَسْتَعْمِلُ الْخُلُوقَ وَالطّيبَ إلّا فِي الدّعَةِ وَالْخَفْضِ وَتَعِيبُهُ فِي الْحَرْبِ أَشَدّ الْعَيْبِ، وَأَحْسِبُ أَنّ أَبَا جَهْلٍ لَمّا سَلِمَتْ الْعِيرُ، وَأَرَادَ أَنْ، يَنْحَرَ الْجَزُورَ، وَيَشْرَبَ الْخَمْرَ بِبَدْرِ، وَتَعْزِفَ عَلَيْهِ الْقِيَانُ بِهَا اسْتَعْمَلَ الطّيبَ أَوْ هَمّ بِهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ عُتْبَةُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الشّاعِرِ فِي بَنِي مَخْزُومٍ: وَمِنْ جَهْلٍ أَبُو جَهْلٍ أَخُوكُمْ ... غَزَا بَدْرًا بِمِجْمَرَةِ وَتَوْرِ يُرِيدُ: أَنّهُ تَبَخّرَ وَتَطَيّبَ فِي الْحَرْبِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: مُصَفّرُ اسْتِهِ «1» إنّمَا أَرَادَ مُصَفّرَ بَدَنِهِ، ولكنه قصد المبالغة فى الذّمّ فحص منه بالذكر ما يسوؤه أَنْ يَذْكُرَ. حَوْلَ سَوَادِ بَنِي غَزِيّةَ فَصْلٌ، وَذَكَرَ قِصّةَ سَوَادِ بْنِ غَزِيّةَ حِينَ مَرّ به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ أَمَامَ الصّفّ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مُسْتَنْصِلٌ. قَوْلُهُ مُسْتَنْتِلٌ أَمَامَ الصّفّ، يُقَالُ استنتلت واستنصلت وأبر نذعت وابر نتيت بِالرّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالزّايِ، هَكَذَا تَقَيّدَ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفِ، كُلّ هَذَا إذَا تَقَدّمْت. سَوَادٌ هَذَا بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ «2» ، وَكُلّ سَوَادٍ فِي الْعَرَبِ، فَكَذَلِكَ بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَفَتْحِ السّينِ، إلّا عَمْرَو بْنَ سَوَادٍ أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ مِنْ شُيُوخِ الْحَدِيثِ، وَسُوَادٌ بِضَمّ السّينِ، وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ، هو ابن مرى بن إراشة ابن قُضَاعَةَ ثُمّ مِنْ بَلِيّ حُلَفَاءِ الْأَنْصَارِ، وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ هِشَامٍ سَوّادٌ مثقلة ابن غزّية، وهو خطأ، إنّمَا الصّوَابُ مَا تَقَدّمَ، وَسَوَادٌ هَذَا هُوَ عَامِلُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى خَيْبَرَ الّذِي جَاءَهُ بِتَمْرِ جَنِيبٍ، ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطّأِ وَلَمْ يُسَمّهِ. وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ مُسْتَنْصِلٌ، مَعْنَاهُ: خَارِجٌ مِنْ الصّفّ مِنْ قولك:

_ (1) يقول أبو ذر الخشنى: «العرب تقول هذا القول للرجل الجبان، ولا تريد به التأنيث» ص 157. (2) وابن هشام يقول إن الواو مثقلة. وقد قيده بالتخفيف- كما ذكر أبو ذر الخشنى- الدار قطنى وعبد الغنى ص 157. وقول ابن هشام خطأ كما سيبين السهيلى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نصّت الرّمْحَ إذَا أَخَرَجْت ثَعْلَبَةً «1» مِنْ السّنَانِ. تَفْسِيرُ بعض مناشدتك: وذكر قول أبى بكر بَعْضَ مُنَاشَدَتُك رَبّك، فَإِنّ اللهَ مُنَجّزٌ لَك مَا وَعَدَك، رَوَاهُ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ كَذَلِكَ مُنَاشَدَتُك، وَفَسّرَهُ قَاسِمٌ فِي الدّلَائِلِ، فَقَالَ: كَذَلِكَ قَدْ يُرَادُ بِهَا مَعْنَى الْإِغْرَاءِ وَالْأَمْرِ بِالْكَفّ عَنْ الْفِعْلِ، وَأُنْشِدَ لِجَرِيرِ: [تَقُولُ وَقَدْ تَرَامَحَتْ الْمَطَايَا] ... كَذَاكَ الْقَوْلُ إنّ عَلَيْك عَيْنًا «2» أَيْ: حَسْبُك مِنْ الْقَوْلِ، فَدَعْهُ، وَفِي الْبُخَارِيّ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَنْجَشَةَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدُك سَوْقَك بِالْقَوَارِيرِ، وَأَوْرَدَهُ مَرّةً أُخْرَى فَقَالَ فِيهِ شَوْفَك «3» وَإِنّمَا دَخَلَهُ مَعْنَى النّصَبِ كَمَا دَخَلَ: عَلَيْك زَيْدًا مَعْنَى النّصَبِ، وَفِي

_ (1) الثعلب هنا: طرف الرمح الداخل فى جبة السنان. ونصل من الأضداد تدل على الإخراج والإدخال فى هذا المعنى. (2) فى الأصل لجهير والتصويب من المواهب وكذلك الشطر الأول ص 422 ح 1 المواهب: وقد خطأ الحافظ من زعم أن كذاك تصحيف لكفاك. ورواية كذاك وردت فى رواية مسلم وسنن أبى داود والترمذى. (3) روى أبو داود الطيالسى عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: كان أنجشة يحدر بالنساء، وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال، فإذا أعقب الإبل قال النبى صلى الله عليه وسلم: يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير. ورواه الشيخان مختصرا عن طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس. ورواه مسلم من طريق سليمان بن طرخان التيمى عن أنس قال: كان للنبى «ص» حاد يقال له: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دُونِك، لِأَنّك إذَا قُلْت دُونَك زَيْدًا وَهُوَ يَطْلُبُهُ فَقَدْ أَعْلَمْته بِمَكَانِهِ فَكَأَنّك قُلْت: خُذْهُ، وَمَسْأَلَةُ كَذَاكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنّك إذَا قُلْت: كَذَاكَ الْقَوْلُ أَوْ السّيْرُ، فَكَأَنّك قُلْت: كَذَاكَ أَمَرْت فَاكْفُفْ وَدَعْ، فَاصِلُ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ ظَرْفٌ بَعْدَهُ ابْتِدَاءٌ، وَهُوَ خَبَرٌ يَتَضَمّنُ مَعْنَى الْأَمْرِ أَوْ الْإِغْرَاءِ بِالشّيْءِ، أَوْ تَرْكِهِ، فَنَصَبُوا بِمَا فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ، وَحَسُنَ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَعْدِلُوا عَنْ عَامِلٍ لَفْظِيّ إلَى مَعْنَوِيّ، وَإِنّمَا عَدَلُوا عَنْ مَعْنَوِيّ إلَى مَعْنَوِيّ، وَلَوْ أَنّهُمْ حِينَ قَالُوا: دُونَك زَيْدًا يَلْفِظُونَ بِالْفِعْلِ فَيَقُولُونَ اسْتَقَرّ دُونَك زَيْدٌ، وَهُمْ يُرِيدُونَ الْإِغْرَاءَ بِهِ وَالْأَمْرَ بِأَخْذِهِ لَمَا جَازَ النّصْبُ بِوَجْهِ، لِأَنّ الْفِعْلَ ظَاهِرٌ لَفْظِيّ، فَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْمَعْنَوِيّ. مَعْنَى مُنَاشَدَةِ أَبِي بَكْرٍ فَصْلٌ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْمَعَانِي أَنْ يُقَالَ: كَيْفَ جَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَأْمُرُ رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- يالكفّ عَنْ الِاجْتِهَادِ فِي الدّعَاءِ، وَيُقَوّي رَجَاءَهُ وَيُثَبّتُهُ، وَمَقَامُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ المقام الأحمد

_ - أنجشة، فقال له النبى «ص» رويدك سوقك بالقوارير. وهناك خلاف حول شخصية أنجشة. وقد شبه النساء بالقوارير من الزجاج لأنه يسرع إليها الكسر، وكان أنجشه يحدو وينشد القريض والرجز، فلم يأمن أن يصيبهن أو يقع فى قلوبهن حداؤه، فأمره بالكف عن ذلك. وقيل أراد أن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت فى المشى واشتدت، فأزعجت الراكب، وأتعبته، فنهاه عن ذلك، لأن النساء يضعفن عن شدة الحركة، وسميت القارورة بهذا لاستقرار الشراب فيها «ابن الأثير» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيَقِينُهُ فَوْقَ يَقِينِ كُلّ أَحَدٍ، فَسَمِعْت شَيْخَنَا الْحَافِظَ «1» - رَحِمَهُ اللهُ- يَقُولُ فِي هَذَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ في مَقَامِ الْخَوْفِ، وَكَانَ صَاحِبُهُ فِي مَقَامِ الرّجَاءِ، وَكِلَا، الْمَقَامَيْنِ سَوَاءٌ فِي الْفَضْلِ، لَا يُرِيدُ «2» أَنّ النّبِيّ وَالصّدّيقَ سَوَاءٌ، وَلَكِنْ الرّجَاءُ وَالْخَوْفُ مقامان لابد للإيمان منهما، فأبوبكر كَانَ فِي تِلْكَ السّاعَةِ فِي مَقَامِ الرّجَاءِ لِلّهِ، وَالنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ مِنْ اللهِ، لِأَنّ لِلّهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ، فَخَافَ أَنْ لَا يَعْبُدَ اللهَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَهَا، فَخَوْفُهُ ذَلِكَ عِبَادَةٌ. وَأَمّا قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ، فَذَهَبَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ إلَى غَيْرِ هَذَا، وَقَالَ: إنّمَا قَالَ ذَلِكَ الصّدّيقُ مَأْوِيَةً لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَرِقّةً عَلَيْهِ، لِمَا رَأَى مِنْ نَصَبِهِ فِي الدّعَاءِ وَالتّضَرّعِ حَتّى سَقَطَ الرّدَاءُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: بَعْضَ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْ: لِمَ تُتْعِبْ نَفْسَك هَذَا التّعَبَ، وَاَللهِ قَدْ وَعَدَك بِالنّصْرِ، وَكَانَ رَقِيقَ الْقَلْبِ شَدِيدَ الْإِشْفَاقِ عَلَى النبى صلى الله عليه وسلم «3» .

_ (1) يعنى القاضى أبا بكر بن العربى. (2) يعنى شيخه ابن العربى، وهى فى الأصل: نريد، والتصويب من المواهب ص 420 ح 1. (3) القول الأول قول الصوفية، والمقام عندهم كما عرفه القشيرى فى رسالته: ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب مما يتوصل إليه بنوع تصرف، ويتحقق به بضرب تطلب، ومقاساة تكلف، فمقام كل أحد: موضع إقامته عند ذلك، وما هو مشتغل بالرياضة له، وقد عرف أبو على الدقاق الخوف بقوله: الخوف ألا تعلل نفسك بعسى وسوف. وعرفوا الرجاء بقولهم: ثفة الجود من الكريم الودود، ولهما تعريفات أخرى غير هذا. وأقول: لا يمكن أن ينفصل الرجاء عن الخوف ولا الخوف عن الرجاء أبدا فى قلب المسلم، والمسلم الحق يغمر قلبه الرجاء، والخوف معانى كل أحواله. والصوفية يشترطون على «الدرويش» أو التابع- . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . - ألا يرتقى من مقام إلى آخر ما لم يستوف أحكام ذلك المقام!! ثم قالوا: ولا يصح لأحد منازلة مقام إلا بشهود!! يعنون الشهود الإلهى!! أفيتفق هذا مع روح الإسلام؟، وكيف يعيش الإنسان فى مقام الخوف وحده؟ ولا ينتقل إلى مقام الرجاء إلا بشهود؟؟. وكيف نظن بالنبى العظيم صلى الله عليه وسلم مثل هذا الظن؟ إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدرك تماما حقيقة الموقف، وكان على بينة مما يترتب على الهزيمة والنصر، أكثر وأعظم من أبى بكر، فاتقدت مشاعره بهذا الإدراك خوفا ورجاء، أما أبو بكر فقد هبط إدراكه للأمر عن الأفق الرفيع الأسمى الذى تألق فوقة إدراك الرسول صلى الله عليه وسلم، كما شغله عن الموقف قليلا، أو شغله من الموقف حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ما قال رضى الله عنه وأرضاه. ولقد أبدع الحافظ فى الفتح، وهو يفسر قوله «ص» إن تهلك هذه العصابة لا تعبد: «وإنما قال ذلك لأنه علم أنه خاتم النبيين، فلو هلك هو ومن معه حينئذ، لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان، ولاستمر المشركون يعبدون غير الله» وهو يبين تماما كيف كان الرسول «ص» ينظر إلى الموقف.. وفى مسلم أن النبى قال هذا الكلام أيضا يوم أحد. أما المناشدة. ففى البخارى فى المغازى أن أبا بكر قال: حسبك. وفى التفسير: وقد ألححت على ربك. وفى مسلم: يا نبى الله كفاك مناشدتك ربك فانه سينجز لك ما وعدك. وقد فسر الخطابى المناشدة بقوله: لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربه من النبى «ص» فى تلك الحال، بل الحاصل للنبى على ذلك شفقته على أصحابه، وتقوية قلوبهم، لانه كان أول مشهد شهده، فبالغ فى التوجه والدعاء والابتهال، لتسكن نفوسهم عند ذلك، لأنهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة، فلما قال أبو بكر ما قال، كف عن ذلك وعلم أنه استجيب له لما وجد أبو بكر فى نفسه من القوة والطمأنينة ص 231 ح 7 فتح البارى ط عبد الرحمن محمد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جِهَادُ النّبِيّ فِي الْمَعْرَكَةِ: قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَأَمّا شِدّةُ اجْتِهَادِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَصَبُهُ فِي الدّعَاءِ فَإِنّهُ رَأَى الْمَلَائِكَةَ تَنْصَبُ فِي الْقِتَالِ وَجِبْرِيلُ عَلَى ثَنَايَاهُ الْغُبَارُ، وَأَنْصَارُ اللهِ يَخُوضُونَ غِمَارَ الْمَوْتِ. وَالْجِهَادُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: جِهَادٌ بِالسّيْفِ، وَجِهَادٌ بِالدّعَاءِ، وَمِنْ سُنّةِ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَرَاءِ الْجُنْدِ لَا يُقَاتِلُ مَعَهُمْ، فَكَانَ الْكُلّ فِي اجْتِهَادٍ وُجِدَ، وَلَمْ يَكُنْ لِيُرِيحَ نَفْسَهُ مِنْ أَحَدِ الْجِدّيْنِ وَالْجِهَادَيْنِ، وَأَنْصَارُ اللهِ وَمَلَائِكَتُهُ يَجْتَهِدُونَ، وَلَا لِيُؤْثِرَ الدّعَةَ، وَحِزْبُ اللهِ مَعَ أَعْدَائِهِ يَجْتَلِدُونَ. الْمُفَاعَلَةُ: وَقَوْلُهُ بعض مُنَاشَدَتُك رَبّك، وَالْمُفَاعَلَةُ لَا تَكُونُ إلّا مِنْ اثْنَيْنِ وَالرّبّ لَا يَنْشُدُ عَبْدَهُ، فَإِنّمَا ذَلِكَ لِأَنّهَا مُنَاجَاةٌ لِلرّبّ، وَمُحَاوَلَةٌ لِأَمْرِ يُرِيدُهُ، فَلِذَلِكَ جَاءَتْ عَلَى بِنَاءِ الْمُفَاعَلَةِ، وَلَا بُدّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ فِعْلَيْنِ لِفَاعِلَيْنِ، إمّا مُتّفِقَيْنِ فِي اللّفْظِ، وَإِمّا مُتّفِقَيْنِ فِي الْمَعْنَى، وَظَنّ أَكْثَرُ أَهْلِ اللّغَةِ أَنّهَا قَدْ تَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ نَحْوَ: عَاقَبْت الْعَبْدَ وَطَارَقْتُ النّعْلَ، وَسَافَرْت، وَعَافَاهُ اللهُ، فَنَقُولُ: أَمّا عَاقَبْت الْعَبْدَ فَهِيَ مُعَامَلَةٌ بَيْنَك وَبَيْنَهُ، عَامَلَك بِالذّنْبِ، وَعَامَلْته بِالْعُقُوبَةِ، فَأُخِذَ لَفْظُهَا مِنْ الْعُقُوبَةِ، وَوَزْنُهَا مِنْ الْمُعَاوَنَةِ، وَأَمّا طَارَقْت النّعْلَ، فَمِنْ الطّرْقِ وَهُوَ الْفَوْهُ، فَقَدْ قَوّيْتهَا وَقَوّتْك عَلَى الْمَشْيِ، فَلَفْظُهَا مِنْ الطّرْقِ، وَبِنَاؤُهَا عَلَى وَزْنِ الْمُعَاوَنَةِ وَالْمُقَاوَاةِ، فَهَذَا اتّفَاقٌ فِي الْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي اللّفْظِ، وَأَمّا سَافَرَ الرّجُلُ فَمِنْ سَفَرْت: إذَا كَشَفْت عَنْ وَجْهِك، فَقَدْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سَفَرَ لِقَوْمِ، وَسَفَرُوا لَهُ، فَهَذِهِ مُوَافَقَةٌ فِي اللّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَأَمّا الْمُعَافَاةُ، فَإِنّ السّيّدَ يُعْفِي عَبْدَهُ مِنْ بَلَاءٍ فَيُعْفِي الْعَبْدُ سَيّدَهُ مِنْ الشّكْوَى وَالْإِلْحَاحِ، فَهَذِهِ مُوَافَقَةٌ فِي اللّفْظِ، ثُمّ تُضَافُ إلَى اللهِ سُبْحَانَهُ اتّسَاعًا فِي الْكَلَامِ، وَمَجَازًا حَسَنًا. عَصَبَ وَعَصَمَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا جِبْرِيلُ عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْعُ، وَهُوَ الْغُبَارُ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّهُ قَالَ: رَأَيْته عَلَى فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ حَمْرَاءُ، وَقَدْ عَصَمَ بِثَنِيّتِهِ الْغُبَارَ؛ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: عَصَمَ وَعَصَبَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، يُقَالُ: عَصَبَ الرّيقَ بِفِيهِ، إذَا يَبِسَ وَأَنْشَدَ «1» : يَعْصِبُ فَاهُ الرّيقُ أَيّ عَصْبِ ... عَصْبَ الجباب بشفاه الوطب

_ (1) الرجز لأبى محمد الفقعسى كما فى اللسان وشرح إصلاح المنطق للتبريزى.. وفى إصلاح المنطق لابن السكيت: العصب- بفتح فسكون مصدر عصب الريق بفيه يعصب عصبا إذا يبس، وقد عصب فاه الريق. قال أبن أحمر: حتى يعصب الريق بالفم ثم روى بيت الفقعسى ثم قال: والجباب ما اجتمع على قم الوطب مثل الزبد من لبن الإبل، فالجباب للابل مثل الزبد للغنم ص 46 ط دار المعارف وانظر الأمالى ح 1 ص 27 ط 2 وسمط اللآلى ص 125 وفيه «وعصب الريق يكون من الجبن فى مواطن الحرب ومن الحصر والعى فى مواطن الجدال» وانظر نوادر أبى زيد الأنصارى ص 21 وزاد عن الجباب «وربما دهن به الأعراب» ولم ينسب البيت إلى أحد. وعصب بفتح الصاد وكسرها كما فى اللسان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَخَالَفَهُ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ، وَقَالَ: هُوَ عُصُمٌ مِنْ الْعَصِيمِ وَالْعُصْمَ، وَهِيَ كَالْبَقِيّةِ تَبْقَى فِي الْيَدِ وَغَيْرِهَا مِنْ لَطْخِ حِنّاءٍ أَوْ عَرَقٍ أَوْ شَيْءٍ يُلْصَقُ بِالْعَضُدِ، كَمَا قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ لِأُخْرَى: أَعْطِنِي عُصُمَ حِنّائِك، أَيْ ما سلتت من مِنْ حِنّائِهَا، وَقَشَرَتْهُ مِنْ يَدِهَا. حَدِيثُ عُمَيْرِ بْنِ الْحُمَامِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ عُمَيْرِ بْنِ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ حِينَ أَلْقَى التّمَرَاتِ مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ: بَخٍ بَخٍ، وَهِيَ كَلِمَةٌ، مَعْنَاهَا التّعَجّبُ، وَفِيهَا لُغَاتٌ بَخْ بِسُكُونِ الْخَاءِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ التّنْوِينِ، وَبِتَشْدِيدِهَا مُنَوّنَةً، وَغَيْرَ مُنَوّنَةً، وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيّ: أَنّ هَذِهِ الْقِصّةَ كَانَتْ أَيْضًا يَوْمَ أُحُدٍ لَكِنّهُ لَمْ يُسَمّ فِيهَا عُمَيْرًا، وَلَا غَيْرَهُ فالله أعلم. حديث عوف بن عفراء: وقول عوف بن عَفْرَاءَ: مَا يُضْحِكُ الرّبّ مِنْ عَبْدِهِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَدْ قِيلَ فِي عَوْفٍ: عَوْذٌ بالذال المنقوطة، وبقوى هَذَا الْقَوْلَ أَنّ أَخَوَيْهِ: مُعَاذٌ وَمُعَوّذٌ. ضَحِكُ الرّبّ: وَيُضْحِكُ الرّبّ، أَيْ يُرْضِيهِ غَايَةَ الرّضَى، وَحَقِيقَتُهُ أَنّهُ رِضًى مَعَهُ تَبْشِيرٌ وَإِظْهَارُ كَرَامَةٍ، وَذَلِكَ أَنّ الضّحِكَ مُضَادّ لِلْغَضَبِ، وَقَدْ يَغْضَبُ السّيّدُ، وَلَكِنّهُ يَعْفُو وَيُبْقِي الْعَتَبَ، فَإِذَا رَضِيَ، فَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الْعَفْوِ، فَإِذَا ضَحِكَ فَذَلِكَ غَايَةُ الرّضَى؛ إذْ قَدْ يَرْضَى وَلَا يُظْهِرُ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ الرّضَى، فَعَبّرَ عَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرّضَى وَإِظْهَارِهِ بِالضّحِكِ فِي حَقّ الرّبّ سُبْحَانَهُ مَجَازًا وَبَلَاغَةً، وَتَضْمِينًا لِهَذِهِ الْمَعَانِي فِي لَفْظٍ وَجِيزٍ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي طَلْحَةَ بْنِ الْبَرَاءِ: اللهُمّ الْقَ طَلْحَةَ يَضْحَكُ إلَيْك، وَتَضْحَكُ إلَيْهِ، فَمَعْنَى هَذَا: الْقَهُ لِقَاءَ مُتَحَابّيْنِ مُظْهِرَيْنِ لِمَا فِي أَنْفُسِهِمَا مِنْ رِضًى، وَمَحَبّةٍ، فَإِذَا قِيلَ: ضَحِكَ الرّبّ لِفُلَانِ، فَهِيَ كَلِمَةٌ وَجِيزَةٌ تَتَضَمّنُ رِضًى مَعَ مَحَبّةٍ وَإِظْهَارِ بِشْرٍ وَكَرَامَةٍ، لَا مَزِيدَ عَلَيْهِمَا، فَهِيَ مِنْ جَوَامِعِ الكلم التى أوتيها عليه السلام «1» .

_ (1) لا يمر بخاطر مسلم ولا فكره حين يسمع بالضحك منسوبا إلى الله سبحانه ما يمر بخاطره أو فكره حين يسمع به منسوبا إلى البشر، ولا يتصور مسلم أن صورة الضحك البشرى، وما يستلزم، وما يحدث حين يكون يمكن أن ينسب إلى الله سبحانه، فهذا ضحك البشر، وذاك ضحك الله الذى ليس كمثله شىء، ولهذا نقف عن تأويله بشىء آخر حين يصح نقلا نسبته إلى الله جل وعلا. وأصل الضحك لغة: يفيد الانكشاف والبروز، وكل من أبدى عن أمر كان مستورا. قيل: قد ضحك. كما تقول: ضحكت الأرض بالنبات إذا ظهر فيها، وانفتق عن زهره وهو لا يستلزم انبساط الوجه وتكشر الأسنان إلا حين يكون منسوبا إلى البشر، أما حين ينسب إلى الله سبحانه، فلا يستلزم شيئا مما نسب إلى الخلق، لأنه جل شأنه الخالق. هذا ولم يرد نسبة الضحك فى القرآن إلى الله سبحانه. وإنما ورد فى الحديث مثل: «يضحك الله إلى رجلين بقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة يقاتل هذا فى سبيل الله، فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل، فيقاتل فى سبيل الله، فيستشهد» البخارى ومسلم. وكقوله صلى الله عليه وسلم للأنصارى وامرأته اللذين استضافا رجلا،: «لقد ضحك الله الليلة- أو عجب من فعالكما» من حديث رواه البخارى ومسلم، وانظر ص 467 الأسماء والصفات لأبى بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقى، مطبعة السعادة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شَرْحُ كَلَامِ أَبِي الْبَخْتَرِيّ وَالْمُجَذّرُ فَصْلٌ: وَقَوْلُ أَبِي الْبَخْتَرِيّ أَنَا وَزَمِيلٌ. الزّمِيلُ: الرّدِيفُ، وَمِنْهُ: ازْدَمَلَ الرّجُلُ بِحَمْلِهِ إذَا أَلْقَاهُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنّا نَتَعَاقَبُ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةً عَلَى بَعِيرٍ، فَكَانَ عَلِيّ وَأَبُو لُبَابَةَ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا كَانَتْ عُقْبَتُهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- قَالَا لَهُ ارْكَبْ؛ وَلْنَمْشِ عَنْك يَا رَسُولَ اللهِ، فَيَقُولُ: مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ مِنّي، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا. وَقَوْلُ الْمُجَذّرِ: كَإِرْزَامِ الْمَرِيّ. الْمَرِيّ: النّاقَةُ تُمْرَى لِلْحَلَبِ، أَيْ تُمْسَحُ أَخْلَافُهَا. وَإِرْزَامُهَا: صَوْتُهَا وَهَدْرُهَا، وَقَدْ تَقَدّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَرْزَمَتْ ورزمت «1» .

_ (1) فى اللسان: رزمت الناقة ترزم وترزم بضم الزاى أو كسرها رزوما ورزاما بالضم: قامت من الإعياء والهزال فلم تتحرك فهى رازم، وأرزمت الناقة إرزاما: وهو صوت تخرجه من حلقها لا يفتح به فم، وإليك بعض معانى قصيدة المجذر: الرماح اليزنى: المنسوبة إلى ذى يزن، وهو ملك من ملوك اليمن. والكبش: رئيس القوم. والصعدة: عصا الرمح، ثم يسمى الرمح: صعدة. وأعبط: أقتل والعبط: القتل من غير سبب، والقرن: المقاوم فى الحرب. والعضب: السيف القاطع. والمشرفى: منسوب إلى المشارف وهى قرى بالشام. وفى كتاب العين أن المرى هى الناقة الغزيرة اللبن. يفرى فرى: أتى بأمر عجيب «عن أبى ذر الخشنى فى شرح السيرة» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تفسيرها اللهِ وَهَبّرُوهُ: وَقَوْلُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لِأُمَيّةِ: هَا اللهِ ذَا «1» . هَا: تَنْبِيهٌ، وَذَا إشَارَةٌ إلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إلَى الْقَسَمِ، أَيْ: هَذَا قَسْمِي، وَأُرَاهَا إشَارَةً إلَى الْمُقْسِمِ، وَخَفْضُ اسْمِ اللهِ بِحَرْفِ الْقَسَمُ أَضْمَرَهُ، وَقَامَ التّنْبِيهُ مَقَامَهُ، كَمَا يَقُومُ الِاسْتِفْهَامُ مَقَامَهُ، فَكَأَنّهُ قال: هأنذا مُقْسِمٌ، وَفَصْلٌ بِالِاسْمِ الْمُقْسَمِ بِهِ، بَيْنَ هَا وَذَا، فَعُلِمَ أَنّهُ هُوَ الْمُقْسِمُ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ أنا، وكذلك قول أبى بكر: لا ها الله ذا، وقول زهير: تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما «2»

_ (1) هى فى النسخة المطبوعة مع الروض: ها الله ذا. (2) بقيته. فاقصد بذرعك وانظر أين ينسلك. «وإذا دخلت ها على الله ففيه أربعة أوجه أكثرها: إثبات ألف ها، وحذف همزة الوصل من الله فيلتقى ساكنان: ألف ها، واللام الأولى من: الله، وكان القياس حذف الألف، لان مثل ذلك إنما يغتفر فى كلمة واحدة كالضالين، أما فى كلمتين فالواجب الحذف، نحو ذا الله وما الله، إلا أنه لم يحذف فى الأغلب ههنها ليكون كالتنبيه على كون ألف ها من تمام ذا، فان «ها الله ذا» بحذف ألف ها ربما يوهم أن الهاء عوض عن همزة الله كهرقت فى أرقت، وهياك فى إياك. والثانية وهى المتوسطة فى القلة والكثرة- ها الله ذا «بحذف ألف ها للساكنين كما فى ذا الله، وما الله، ولكونها حرفا كلا، وما وذا. والثالثة- وهى دون الثانية فى الكثرة- إثبات ألف ها، وقطع همزة الله مع كونها فى الدرج. والرابعة: حكاها أبو على- وهى أقل الجميع- هأ لله بحذف همزة الوصل وفتح ألف ها للساكنين بعد قلبها همزة، كما فى الضألين، ودأبة. قال الخليل: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَكّدَ بِالْمَصْدَرِ قَسَمَهُ الّذِي دل عليه لفظه المتقدم. وَقَوْلُهُ: هَبَرُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ مِنْ الْهَبْرَةِ وَهِيَ القطعة العظيمة من اللحم، أى فطعوه. وَذَكَرَ قَوْلَ الْغِفَارِيّ حِينَ سَمِعَ حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ فى السّحابة، وسمع قائلا يقول: افدم حَيْزُومُ. اُقْدُمْ بِضَمّ الدّالِ، أَيْ اُقْدُمْ الْخَيْلَ، وهو اسم فرس جبريل،

_ - ذا من جملة جواب القسيم، وهو خبر مبتدأ محذوف، أى الأمر ذا، أو فاعل: أى ليكونن ذا، أو لا يكون ذا، والجواب الذى يأتى بعد نفيا أو إثباتا نحو: ها الله ذا لأفعلن، أولا أفعل بدل من الأول، ولا يقاس عليه، فلا يقال: ها الله أخوك أى لأنا أخوك ونحوه. وقال الأخفش: ذا من تمام القسم، إما صفة لله، أى الله الحاضر الناظر. أو مبتدأ محذوف الخبر، أى ذا قسمى، فبعد هذا إما أن يجىء الجواب، أو يحذف مع القرينة» الرضى فى شرح كافية ابن الحاجب ج 2 ص 312 أما معنى التعبير، فقد ذكر الرضى أن معناها القسم، ثم ذكر الاختلاف حول الهاء، فقال: «وإذا حذف حرف القسم الأصلى أعنى: الباء، فإن لم يبدل منها، فالمختار النصب بفعل القسم، ويختص لفظة الله بجواز الجرمع حذف الجار بلا عوض، نحو: الكعبة لأفعلن، وتختص لفظة الله بتعويض ها، أو همزة الاستفهام من الجار وكذا يعوض من الجار فيها قطع همزة الله فى الدرج، فكأنها حذفت الدرج، ثم ردت عوضا من الحرف، وجار الله جعل هذه الأحرف بدلا من الواو، ولعل ذلك لاختصاصها بلفظة الله كالتاء، فاذا جئت بهاء التنبيه بدلا، فلا بد أن تجىء بلفظة ذا بعد للقسم به، نحو: لاها الله ذا، وإى ها الله ذا.. والظاهر أن حرف التنبيه من تمام اسم الاشارة.. قدم على لفظ المقسم به عند حذف الحرف ليكون عوضا منه» ح 2 ص 311، 312 شرح الكافية وانظر ص 213 ج 2 شرح الشافية للرضى. وقد نقلنا كلام الكافية من هامش الشافية للمحققين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُوَ فَيْعُولٌ مِنْ الْحَزْمِ، وَالْحَيْزُومُ أَيْضًا أَعْلَى الصّدْرِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا سُمّيَ بِهِ؛ لِأَنّهُ صَدْرٌ لِخَيْلِ الْمَلَائِكَةِ، وَمُتَقَدّمٌ عَلَيْهَا، وَالْحَيَاةُ أَيْضًا فَرَسٌ أُخْرَى لِجِبْرِيلَ لَا تَمَسّ شَيْئًا إلّا حَيِيَ، وَهِيَ الّتِي قَبَضَ مِنْ أَثَرِهَا السّامِرِيّ، فَأَلْقَاهَا فِي الْعِجْلِ الّذِي صَاغَهُ مِنْ ذهب، فكان له خوار، ذكره الزّجّاج «1» .

_ (1) ليس لما نقله عن الزجاج حجة وقبض السامرى بتفسير المفسرين شىء لا يسنده حديث ولا عقل.. والقرآن لم يأت بذكر لفرس: لا لجبريل فى الآية، وإنما أتى بقوله سبحانه: (فقبضت قبضة من أثر الرسول) هكذا بأداة التعريف، التى تفهمنا أنه رسول معروف، ولم يكن ثم غير هارون وموسى، كيف عرف السامرى جبريل؟ وكيف قبض القبضة؟ وكيف ينسب إلى فرس أنه يحعل كل شىء يمر عليه حيا؟ والسامرى نسبة إلى شامر. والشين فى العبرية يغلب أن تكون سينا فى العربية، وشامر معناها: حارس. واليهود والنصارى يتهمون هارون عليه السلام بأنه هو الذى صنع لهم لعجل، ففى الإصحاح الثانى والثلاثين من سفر الخروج ورد: ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ فى النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون، وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا، لأن هذا موسى الرجل الذى أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه، فقال لهم هارون: لنزعوا أقراط الذهب التى فى آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم، وأتونى بها، فنزع كل الشعب أقراط الذهب التى فى آذانهم، وأتوا بها إلى هارون، فأخذ ذلك من أيديهم، وصوره بالإزميل، وصنعه عجلا مسبوكا، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التى أصعدتك من أرض مصر، فلما نظر هارون بنى مذبحا أمامه» هذه صورة من صور تحريف الكلم عن مواضعه، فقد رفع اسم السامرى، ووضع مكانه اسم هارون. ولا يتصور إنسان سوى اليهود والنصارى ومن فى قلبه مس يهودية أو نصرانية أن نبيا عظيما كهارون يتردى فى هذه الوثنية التى أرسله الله بتدميرها!!. ولكنهم قوم يفترون على الله الكذب، وقد بهتوا سليمان بعبادة الأصنام، وداود بالزنا والقتل غيلة. وقد يكون العجل الذى جاء به السامرى عجلا حقيقيا، ويكون معنى «من» فى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَسَبُ أَبِي دَاوُدَ الْمَازِنِيّ: فَصَل: وَذَكَرَ أَبَا دَاوُدَ الْمَازِنِيّ وَقَوْلَهُ: لَقَدْ أَتْبَعْت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَسَقَطَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إلَيْهِ. اسْمُ أَبِي دَاوُدَ هَذَا عَمْرٌو، وَقِيلَ: عُمَيْرُ بْنُ عَامِرٍ «1» ، وَهَذَا هُوَ الّذِي قَتَلَ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامٍ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ فِي قَوْلِ طائفة من أَهْلِ السّيَرِ غَيْرَ ابْنِ إسْحَاقَ وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ قَتَلَهُ الْمُجَذّرُ كَمَا تَقَدّمَ. لُغَوِيّاتٌ وَقَوْلُ مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو فِي مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ: ما شبّهت رجله حين طاحت

_ - قوله سبحانه (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار) يكون معناها على البدل. ويكون المعنى أن السامرى خدع بنى إسرائيل، فأخذ منهم حليهم، ثم أخرج لهم عجلا حقيقيا بدلا من الحلى الذى أخفاه لنفسه، وهذا يتفق مع التحريق والنسف، لأن الحلى تصهر، ولا تذرى، وتظل جسدا كما هى، أو يكون السامرى قد صنع العجل بطريقة خاصة تجعله يحدث ذلك الخوار، ويكون الحلى نوعا مما يحرق ويذرى. أما القبضة التى قبضها، فقد قال فيها الشيخ عبد الوهاب النجار ما يأتى: «إنه قبض قبضة من أثر الرسول، أى تعليمه وأحكام التوحيد التى جاء بها الرسول- وهو موسى- فنبذتها، أى ألقيتها، وأهملتها، وكذلك سولت لى نفسى» وهو رأى يحق أن نفكر فيه، فكل آراء المفسرين حول هذا تعمتد على خرافة قبض السامرى من فرس جبريل!! ورأى يا بنى على أسطورة يجب أن ينبذ (1) عمير بن عامر بن مالك بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن ابن النجار «الإصابة عن ابن البرقى» وقد ذكره مسلم والنسائى والطبرى وابن الجاورد وابن السكن وأبو أحمد، كلهم ذكروه بكنيته: أبى داود» وبعضهم كناه بأبى دؤاد بتقديم الهمزة على الألف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلّا بِالنّوَاةِ تَطِيحُ مِنْ تَحْتِ الْمِرْضَخَةِ. طَاحَتْ: ذَهَبَتْ، وَلَا يَكُونُ إلّا ذَهَابَ هَلَاكٍ، وَالْمِرْضَخَةُ. كالإرزبّة «1» يدقّ بها النوى للعلف، والرّضح بِالْحَاءِ مُهْمَلَةً: كَسْرُ الْيَابِسِ، وَالرّضْخُ كَسْرُ الرّطَبِ، ووقع فى أصل الشيخ المرضحة بِالْحَاءِ وَالْخَاءِ مَعًا، وَيَدُلّ عَلَى أَنّهُ كُسِرَ لَمّا صُلِبَ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الطّائِيّ: أَتَرْضَحُنِي رَضْحَ النّوَى وَهِيَ مُصْمَتٌ ... وَيَأْكُلُنِي أَكْلَ الدّبَا وَهُوَ جائع وإنما نحتجوا «2» بِقَوْلِ الطّائِيّ، وَهُوَ حَبِيبُ بْنُ أَوْسٍ لِعِلْمِهِ، لَا لِأَنّهُ عَرَبِيّ يُحْتَجّ بِلُغَتِهِ «3» . الْغُلَامَانِ اللّذَانِ قَتَلَا أَبَا جَهْلٍ: وَذَكَرَ الْغُلَامَيْنِ اللّذَيْنِ قَتَلَا أَبَا جَهْلٍ، وَأَنّهُمَا مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الجموح

_ (1) الإرزبة أو المرزبة: عصية من حديد. (2) لعلها نحتج أو: احتجوا. (3) قال أبو النجم: بكل وأب للحصى رضاح ... ليس بمصطتر ولا فرشاح الو أب: الشديد القوى والمصطتر: الضيق، والفرشاح: المنبطح. ومن رجز أبى جهل وهو يقاتل: البازل: الذى خرج نابه وهو فى ذلك السن تكتمل قوته. والرجز يقال إنه ليس لأبى جهل وإنما تمثل به. ومن معانى حديث قتل أبى جهل: أطنت قدمه: أطارت قدمه. وأجهضنى القتال: غلبنى واشتد على.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعوّذ بن عفراء، وفى صحيح مسلم أنهما معاذ بن عَفْرَاءَ وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَعَفْرَاء هِيَ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْد بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ عَرَفَ بِهَا بَنُو عَفْرَاءَ «1» وَأَبُوهُمْ الْحَارِثُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ، وَرِوَايَةُ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، كَمَا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَأَصَحّ مِنْ هَذَا كُلّهِ حَدِيثُ أَنَسٍ حِينَ قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ أَبِي جَهْلٍ، الْحَدِيثُ، وَفِيهِ أَنّ ابْنَيْ عَفْرَاءَ قَتَلَاهُ. وَقَوْلُ أَبِي جَهْلٌ: اعْمَدْ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، وَيُرْوَى قَتَلَهُ قَوْمُهُ، أَيْ: هَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ «2» ، وَهُوَ مَعْنَى تَفْسِيرِ ابْنِ هِشَامٍ، حَيْثُ قَالَ: أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ عَارٌ، وَالْأَوّلُ: تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ [أَنْشَدَ] شَاهِدًا عَلَيْهِ: [تُقَدّمُ قَيْسٌ كُلّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ ... وَيُثْنَى عَلَيْهَا فِي الرخاء ذنوبها]

_ (1) فى جمهرة ابن حزم: ص 329 عفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن عبد بن ثعلبة بن غنم بن مالك. وفى الإصابة: عفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن سواد بن غنم، ويقال: ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْد بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنَمِ بن مالك بن النجار، وذكرها ابن حبيب فى المبايعات، وهى والدة معاذ ومعوذ وعوف بنى الحارث يقال لكل منهم ابن عفراء. وعفراء هذه لها خصيصة لا توجد لغيرها، وهى أنها تزوجت بعد الحارث البكير بن ياليل الليثى، فولدت له أربعة: إياسا وعاقلا وخالدا وعامرا، وكلهم شهدوا بدرا وكذلك إخوتهم لأمهم بنو الحارث، فالتظم من هذا أنها امرأة صحابية لها سبعة أولاد شهدوا كلهم بدرا مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم. (2) فى اللسان منسوبا إلى أبى عبيدة أن معناه: هل زاد على سيد قومه، هل كان إلا هذا.. وقال شمر: هذا استفهام، أى: أعجب من رجل قتله قومه، قال الأزهرى: كان الأصل: أأعمد من سيد فخففت إحدى الهمزتين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَعْمَدُ مِنْ قَوْمٍ كَفَاهُمْ أَخُوهُمْ ... صِدَامَ الْأَعَادِي حِينَ فُلّتْ نُيُوبُهَا «1» قَالَ الْمُؤَلّفُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَهُوَ عِنْدِي مِنْ قَوْلِهِمْ عَمِدَ الْبَعِيرُ يعمد: إذا اتفسّخ سَنَامُهُ، فَهَلَكَ، أَيْ أَهْلَكُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ قَوْلِ أَبِي جَهْلٍ هَذَا، وَمَا ذَكَرُوهُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ لِابْنِ مَسْعُودٍ: لَقَدْ ارْتَقَيْت مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِي الْغَنَمِ. مُرْتَقًى صَعْبًا يُعَارِضُ مَا وَقَعَ فِي سَيْرِ ابْنِ شِهَابٍ وَفِي مَغَازِي ابْنِ عُقْبَةَ «2» أَنّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَجَدَهُ جَالِسًا لَا يَتَحَرّكُ، وَلَا يَتَكَلّمُ فَسَلَبَهُ دِرْعَهُ، فَإِذَا فِي بَدَنِهِ نُكَتٌ سُودٌ، فَحَلّ تَسْبَغَةَ الْبَيْضَةِ «3» ، وَهُوَ لَا يَتَكَلّمُ، وَاخْتَرَطَ سَيْفُهُ يَعْنِي سَيْفَ أَبِي جَهْلٍ فَضَرَبَ بِهِ عُنُقَهُ، ثُمّ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- حين احْتَمَلَ رَأْسَهُ إلَيْهِ عَنْ تِلْكَ النّكَتِ السّودِ الّتِي رَآهَا فِي بَدَنِهِ، فَأَخْبَرَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّ الْمَلَائِكَةَ قَتَلَتْهُ، وَأَنّ تِلْكَ آثَارُ ضَرْبَاتِ الْمَلَائِكَةِ، وَرَوَى يُونُسُ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ، قَالَ: أَرَانِي الْقَاسِم بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ سَيْفَ عَبْدِ الله بن مسعود، قال: هذا سيف

_ (1) البيت منسوب إلى ابن ميادة، ونسبه الأزهرى إلى ابن مقبل، وقد زدت البيت من اللسان. ويفسره الخشنى بما يأتى منسوب إلى سراج ابن «يريد أكبر من رجل قتلتموه على سبيل التحقير منه لفعلهم به» ص 160. (2) قال عنها مالك: مغازى موسى بن عقبة أصح المغازى ص 182 ح 2 السيرة الحلبية (3) التسبغة بكسر الياء وفتحها: ما توصل به البيضة من حلق الدرع فتستر العنق، وهى تسابغ وتسبغ أيضا. والبيضة الخوذة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبِي جَهْلٍ حِينَ قَتَلَهُ فَأَخَذَهُ فَإِذَا سَيْفٌ قَصِيرٌ عَرِيضٌ فِيهِ قَبَائِعُ فِضّةٍ «1» وَحَلَقُ فِضّةٍ قَالَ أَبُو عُمَيْسٍ، فَضَرَبَ بِهِ الْقَاسِمُ عُنُقَ ثَوْرٍ فَقَطَعَهُ، وَثَلَمَ فِيهِ ثَلْمًا، فَرَأَيْت الْقَاسِمَ جَزَعَ مِنْ ثَلْمِهِ جَزَعًا شَدِيدًا. إضْمَارُ حَرْفِ الْجَرّ: وَقَوْلُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ اللهُ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ، بِالْخَفْضِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرِهِ، لِأَنّ الِاسْتِفْهَامَ عِوَضٌ مِنْ الْخَافِضِ عِنْدَهُ، وإذا كنت مخبرا قُلْت: اللهَ بِالنّصْبِ لَا يُجِيزُ الْمُبَرّدُ غَيْرَهُ، وَأَجَازَ سِيبَوَيْهِ الْخَفْضَ أَيْضًا لِأَنّهُ قَسَمٌ، وَقَدْ عَرَفَ أَنّ الْمُقْسِمَ بِهِ مَخْفُوضٌ بِالْبَاءِ أَوْ بِالْوَاوِ، وَلَا يَجُوزُ إضْمَارُ حُرُوفِ الْجَرّ إلّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ أَوْ مَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ جِدّا كَمَا رُوِيَ أَنّ رُؤْبَةَ كَانَ يَقُولُ، إذَا قِيلَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْت؟ خَيْرٌ عَافَاك اللهُ «2» . وَقَوْلُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَبِي جَهْلٍ حِينَ ذَكَرَ مُزَاحَمَتِهِ لَهُ فِي مَأْدُبَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي الْمَوْلِدِ التّعْرِيفُ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ وَذَكَرْنَا خَبَر جَفْنَتِهِ، وَسَبَبَ غِنَاهُ بعد أن كان صعلوكا بأتم بيان.

_ (1) جمع قبيعة وهى التى تكون على رأس قائم السيف أو ما تحت شاربى السيف (2) التقدير: على خير، أو بخير، ومثل هذا يقتصر فيه على السماع، ومنه قول الفرزدق: إذا قيل: أى الناس شر قبيلة ... أشارت كليب بالأكف الأصابع أى إلى كليب، ومنه قول الشاعر: وكريمة من آل قيس ألفته ... حتى تبندخ فارتقى الأعلام أى: إلى الأعلام. ويطرد إضمار حرف الجر فى ثلاثة عشر موضعا تنظر فى كتب النحو يقول ابن مالك فى ألفيته: وقد يجر بسوى رب لدى ... حذف، وبعضه يرى مطردا

خبر عكاشة بن محصن

[خبر عكاشة بن محصن] قال ابن إسحاق: وقانل عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ الْأَسَدِيّ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفِهِ حَتّى انْقَطَعَ فِي يَدِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَعْطَاهُ جِذْلًا مِنْ حَطَبٍ، فَقَالَ: قَاتِلْ بِهَذَا يَا عُكّاشَةُ، فَلَمّا أَخَذَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَزّهُ، فَعَادَ سَيْفًا فِي يَدِهِ طَوِيلَ الْقَامَةِ، شَدِيدَ الْمَتْنِ، أَبْيَضَ الْحَدِيدَةِ، فَقَاتَلَ بِهِ حَتّى فَتَحَ اللهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ ذَلِكَ السّيْفُ يُسَمّى: الْعَوْنَ. ثُمّ لَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَشْهَدُ بِهِ الْمَشَاهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قُتِلَ فِي الرّدّةِ، وَهُوَ عِنْدَهُ، قَتَلَهُ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيّ، فَقَالَ طُلَيْحَةُ فِي ذَلِكَ: فَمَا ظَنّكُمْ بِالْقَوْمِ إذْ تَقْتُلُونَهُمْ ... أَلَيْسُوا وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا بِرِجَالِ فَإِنْ تَكُ أَذَاوُدٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ ... فَلَنْ تَذْهَبُوا فِرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ نَصَبْتُ لَهُمْ صَدْرَ الْحِمَالَةِ إنّهَا ... مُعَاوِدَةٌ قِيلَ الْكُمَاةُ نَزَال فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجَلَالِ مَصُونَة ... وَيَوْمًا تَرَاهَا غَيْرَ ذَاتِ جِلَالِ عَشِيّةَ غَادَرْتُ ابْنَ أقرم ثاويا ... وعكّاشة الغنمىّ عند حجال قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حِبَالُ: ابْنُ طُلَيْحَةَ بْنِ خويلد. وابن أقرم: ثابت بن أفرم الْأَنْصَارِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَعُكّاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَدْخُلُ الْجَنّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ (م 10- لروض الأنف ج هـ) ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طرح المشركين فى القليب

أُمّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُدْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ؛ قَالَ: إنّك مِنْهُمْ، أَوْ اللهُمّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُدْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ وَبَرَدَتْ الدّعْوَةُ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيما بَلَغَنَا عَنْ أَهْلِهِ: مِنّا خَيْرُ فَارِسٍ فِي الْعَرَبِ؛ قَالُوا: وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ الْأَسَدِيّ: ذَاكَ رَجُلٌ مِنّا يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَالَ: لَيْسَ مِنْكُمْ وَلَكِنّهُ مِنّا لِلْحِلْفِ. حَدِيثٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنَادَى أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ابْنَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: أَيْنَ مَالِي يَا خَبِيثُ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: لَمْ يَبْقَ غَيْرُ شِكّةٍ ويَعْبُوبْ ... وَصَارِمٌ يَقْتُلُ ضُلّالِ الشّيبْ فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمّدٍ الدّرَاوَرْدِيّ. [طَرْحُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقَلِيبِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْقَتْلَى أَنْ يُطْرَحُوا فِي الْقَلِيبِ طُرِحُوا فِيهِ، إلّا مَا كَانَ مِنْ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَإِنّهُ انْتَفَخَ فى درعه ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَمَلَأَهَا، فَذَهَبُوا لِيُحَرّكُوهُ، فَتَزَايَلَ لَحْمُهُ، فَأَقَرّوهُ، وَأَلْقَوْا عليه ما غيّبه من التراب والحجارة. فلمّا أَلْقَاهُمْ فِي الْقَلِيبِ، وَقَفَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا؟ فإنى وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا؟ قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُكَلّمُ قَوْمًا مَوْتَى؟ فَقَالَ لَهُمْ: لَقَدْ عَلِمُوا أَنّ مَا وَعَدَهُمْ رَبّهُمْ حَقّا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَالنّاسُ يَقُولُونَ: لَقَدْ سَمِعُوا مَا قُلْت لَهُمْ، وَإِنّمَا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: لَقَدْ عَلِمُوا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حُمَيْدٌ الطّوِيلُ. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسول الله صلى الله عليه وسلم من جَوْفِ اللّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ، يَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا أُمَيّةُ بْنَ خَلَفٍ، وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، فَعَدّدَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي الْقَلِيبِ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقّا؛ فَإِنّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُنَادِي قَوْمًا قَدْ جَيّفُوا؟ قَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أنُ يُجِيبُونِي. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ، بِئْسَ عَشِيرَةُ النّبِيّ كُنْتُمْ لِنَبِيّكُمْ، كَذّبْتُمُونِي وصدّقنى الناس، وأخرجتمونى وآوانى الناس، وقاتلتمونى نصرنى النّاسُ؛ ثُمّ قَالَ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا؟ لِلْمَقَالَةِ الّتِي قَالَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فيمن ألقوا فى القليب

[شِعْرُ حَسّانَ فِيمَنْ أَلَقُوا فِي الْقَلِيبِ] قَالَ ابن إسحاق: وقال حسّان بن ثابت: عَرَفْتُ دِيَارَ زَيْنَبَ بِالْكَثِيبِ ... كَخَطّ الْوَحْيِ فِي الْوَرَقِ الْقَشِيبِ تَدَاوَلُهَا الرّيَاحُ وَكُلّ جَوْنٍ ... مِنْ الْوَسْمِيّ مُنْهَمِرٍ سَكُوبِ فَأَمْسَى رَسْمُهَا خَلَقًا وَأَمْسَتْ ... يَبَابًا بَعْدَ سَاكِنِهَا الْحَبِيبِ فَدَعْ عَنْك التّذَكّرَ كُلّ يَوْمٍ ... وَرُدّ حَرَارَةَ الصّدْرِ الْكَئِيبِ وَخَبّرَ بِاَلّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ ... بِصِدْقِ غَيْرِ إخْبَارِ الْكَذُوبِ بِمَا صَنَعَ الْمَلِيكُ غَدَاةَ بَدْرٍ ... لَنَا فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ النّصِيبِ غَدَاةَ كَأَنّ جَمْعَهُمْ حراء ... بدت أركانه جنح الغروب فلا قيناهم مِنّا بِجَمْعٍ ... كَأُسْدِ الْغَابِ مُرْدَانٍ وَشِيبِ أَمَامَ مُحَمّدٍ قَدْ وَازَرُوه ... عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي لَفْحِ الحروب بأيديهم صوارم مرهفات ... وكلّ مجرّب خاطى الْكُعُوبِ بَنُو الْأَوْسِ الْغَطَارِفُ وَازَرَتْهَا ... بَنُو النّجّارِ فِي الدّينِ الصّلِيبِ فَغَادَرْنَا أَبَا جَهْلٍ صَرِيعًا ... وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالْجَبُوبِ وَشَيْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا فِي رِجَالٍ ... ذَوِي حَسَبٍ إذَا نُسِبُوا حَسِيبِ يُنَادِيهِمْ رَسُولُ اللهِ لَمّا ... قَذَفْنَاهُمْ كَبَاكِبَ فِي الْقَلِيبِ أَلَمْ تَجِدُوا كَلَامِي كَانَ حَقّا ... وَأَمْرُ اللهِ يَأْخُذُ بِالْقُلُوبِ؟ فَمَا نَطَقُوا، وَلَوْ نَطَقُوا لَقَالُوا: ... صَدَقْتَ وَكُنْتَ ذَا رَأْيٍ مُصِيبِ! ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من نزل فيهم: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُلْقَوْا فِي القليب، أخد عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَسُحِبَ إلَى الْقَلِيبِ، فَنَظَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيما بَلَغَنِي- فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ، فَإِذَا هُوَ كَئِيبٌ قَدْ تَغَيّرَ لَوْنُهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا حُذَيْفَةَ، لَعَلّك قَدْ دَخَلَك مِنْ شَأْنِ أَبِيك شَيْءٌ؟ أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ: لَا، وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا شَكَكْتُ فِي أَبِي وَلَا فى مصرعه، ولكننى كُنْتُ أَعْرِفُ مَنْ أَبِي رَأْيًا وَحِلْمًا وَفَضْلًا، فَكُنْت أَرْجُو أَنْ يَهْدِيَهُ ذَلِكَ إلَى الْإِسْلَامِ، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت مامات عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ، بَعْدَ الّذِي كُنْتُ أَرْجُو لَهُ، أَحْزَنَنِي ذَلِكَ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْرٍ، وَقَالَ لَهُ خيرا. [من نَزَلَ فِيهِمْ: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ] وَكَانَ الْفِتْيَةُ الّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرِ، فَنَزَلَ فِيهِمْ مِنْ الْقُرْآن، فِيمَا ذُكِرَ لَنَا: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ؟ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها، فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً» فتية مسمّين. مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: الْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ ابن عبد المطّلب بن أَسَدٍ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو قَيْسِ بْنُ الفاكه بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ابن مَخْزُومٍ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بن مخزوم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر الفىء ببدر

وَمِنْ بَنِي جُمَحَ: عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جمح. وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ: الْعَاصِ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ ابْنِ سَهْمٍ. وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَانُوا أَسْلَمُوا، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ، فَلَمّا هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ آبَاؤُهُمْ وَعَشَائِرُهُمْ بِمَكّةَ وَفَتَنُوهُمْ فَافْتَتَنُوا، ثُمّ سَارُوا مَعَ قَوْمِهِمْ إلَى بَدْرٍ فأصيبوا به جميعا. [ذكر الفىء ببدر] ثُمّ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِمَا فِي الْعَسْكَرِ، مِمّا جَمَعَ النّاسُ، فَجَمَعَ، فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ، فَقَالَ مَنْ جَمَعَهُ: هُوَ لَنَا، وَقَالَ الّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْعَدُوّ وَيَطْلُبُونَهُ: وَاَللهِ لَوْلَا نَحْنُ مَا أَصَبْتُمُوهُ لَنَحْنُ شَغَلَنَا عَنْكُمْ الْقَوْمُ حَتّى أَصَبْتُمْ مَا أَصَبْتُمْ؛ وَقَالَ الّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مخافة أن يخالف إليه العدوّ: والله ما أنتم بأحقّ به منا، والله لقد رأينا أن نقتل العدوّ إذ منحنا الله تعالى أكتافه، ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه ولكنّا خِفْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرّةَ الْعَدُوّ، فَقُمْنَا دُونَهُ، فَمَا أَنْتُمْ بِأَحَقّ بِهِ مِنّا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْد الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عن سليمان بن مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ- واسمه صدىّ ابن عَجْلَانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- قَالَ: سَأَلْت عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ عَنْ الْأَنْفَالِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بعث ابن رواحة وزيد بشيرين

فَقَالَ: فِينَا أَصْحَابُ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النّفَلِ، وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللهُ مِنْ أَيْدِينَا، فَجَعَلَهُ إلَى رَسُولِهِ، فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَوَاءٍ يَقُولُ: عَلَى السّوَاءِ. قَالَ ابْنُ إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، قَالَ: حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: أَصَبْتُ سَيْفَ بَنِي عَائِذٍ الْمَخْزُومِيّينَ الّذِي يُسَمّى الْمَرْزُبَانَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ أَنْ يَرُدّوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ النّفَلِ، أَقْبَلْتُ حَتّى أَلْقَيْتُهُ فِي النّفَلِ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا سُئِلَهُ، فعرفه الأرقم ابن أَبِي الْأَرْقَمِ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَاهُ إيّاهُ. [بَعْثُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَزَيْدِ بَشِيرِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الْفَتْحِ عَبْدَ اللهِ ابْنَ رَوَاحَةَ بَشِيرًا إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ، بِمَا فَتَحَ اللهُ عَزّ وَجَلّ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السّافِلَةِ. قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: فَأَتَانَا الْخَبَرُ- حِينَ سَوّيْنَا التّرَابَ عَلَى رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وَسَلّمَ، الّتِي كَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ. كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلّفنى عليها مع عثمان- أن زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ قَدْ قَدِمَ. قَالَ: فَجِئْته وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُصَلّى قَدْ غَشِيَهُ النّاسُ، وَهُوَ يَقُولُ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَزَمَعَةُ بْنُ الأسود، وأبو البخترىّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قفول رسول الله من بدر

والعاص بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَنُبَيْهُ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ. قَالَ: قُلْت: يَا أَبَتْ، أَحَقّ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاَللهِ يَا بُنَيّ. [قُفُولُ رَسُولِ اللهِ مِنْ بَدْرٍ] ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ الْأُسَارَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِمْ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَاحْتَمَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ النّفَلَ الّذِي أُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَجَعَلَ عَلَى النّفَلِ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْن غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ؛ فَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَال: إنّهُ عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ: أَقِمْ لَهَا صُدُورَهَا يَا بَسْبَسُ ... لَيْسَ بِذِي الطّلْحِ لَهَا مُعَرّسُ وَلَا بِصَحْرَاءِ غُمَيرٍ مَحْبَسُ ... إنّ مَطَايَا الْقَوْمِ لَا تُخَيّسُ فَحَمْلُهَا عَلَى الطّرِيقِ أَكْيَسُ ... قَدْ نَصَرَ اللهُ وَفَرّ الْأَخْنَسُ ثُمّ أَقْبَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم- حتى إذَا خَرَجَ مِنْ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ نَزَلَ عَلَى كَثِيبٍ بَيْنَ الْمَضِيقِ وَبَيْنَ النّازِيَةِ- يُقَالُ لَهُ: سَيْرٌ- إلَى سَرْحَةٍ بِهِ. فَقَسَمَ هُنَالِكَ النّفَلَ الّذِي أَفَاءَ اللهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى السّوَاءِ ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى إذَا كَانَ بِالرّوْحَاءِ لفيه الْمُسْلِمُونَ يُهَنّئُونَهُ بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ- كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: مَا الّذِي تُهَنّئُونَنَا به؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل النضر وعقبة

فو الله إن لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعقّلة، فنحرناها، فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمّ قَالَ: أَيْ ابْنَ أَخِي، أُولَئِكَ الْمَلَأُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَلَأُ: الْأَشْرَافُ وَالرّؤَسَاءُ. [مَقْتَلُ النّضْرِ وَعُقْبَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى إذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصّفْرَاءِ قُتِلَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، كَمَا أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ قُتِلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عِرْقُ الظّبْيَةِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاَلّذِي أَسَرَ عُقْبَةَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلِمَةَ أَحَدُ بَنِي الْعَجْلَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ عُقْبَةُ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِ فَمَنْ لِلصّبْيَةِ يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ: النّارُ. فَقَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ الْأَنْصَارِيّ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، كَمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامَ: وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَبُو هِنْدٍ، مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبَيّاضِي بِحَمِيتٍ مَمْلُوءٍ حيسا. وقال ابْنُ هِشَامٍ: الْحَمِيتُ: الزّقّ، وَكَانَ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ، ثُمّ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلّهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وهو كَانَ حَجّامَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: إنما هو أبو هند امرؤ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَنْكِحُوهُ، وَأَنْكِحُوا إلَيْهِ، فَفَعَلُوا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ الأسارى بيوم. قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ أَنّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ابْنِ أَسَعْدَ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: قُدِمَ بِالْأُسَارَى حِينَ قُدِمَ بِهِمْ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ، فِي مَنَاحَتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوّذٍ ابْنَيْ عَفْرَاءَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنّ الْحِجَابُ. قَالَ: تَقُولُ سَوْدَةُ: وَاَللهِ إنى لعندهم إذ أنينا، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى، قَدْ أُتِيَ بِهِمْ قَالَتْ: فَرَجَعْت إلَى بَيْتِي، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِ، وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ، مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ قَالَتْ: فَلَا وَاَللهِ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْت أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ قُلْت: أَيْ أَبَا يَزِيدَ: أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ، ألا متّم كراما، فو الله مَا أَنْبَهَنِي إلّا قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْبَيْتِ: يَا سَوْدَةُ، أَعَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ تُحَرّضِينَ؟ قَالَتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بلوغ مصاب قريش إلى مكة

قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ، ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْت مَا قُلْت. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي نُبِيّهُ بْنُ وَهْبٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ. أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا. قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ وَأُمّهِ فِي الْأُسَارَى. قَالَ: فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ: مَرّ بِي أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ من الأنصار يأسرنى، فقال: شدّيدك بِهِ، فَإِنّ أُمّهُ ذَاتُ مَتَاعٍ، لَعَلّهَا تَفْدِيهِ مِنْك، قَالَ: وَكُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ، فَكَانُوا إذَا قَدّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصّونِي بِالْخُبْزِ، وَأَكَلُوا التّمْرَ، لِوَصِيّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيّاهُمْ بِنَا، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إلّا نَفَحَنِي بِهَا. قَالَ: فَأَسْتَحْيِيَ فَأَرُدّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ، فَيَرُدّهَا عَلَيّ ما يمسها. [بُلُوغُ مُصَابِ قُرَيْشٍ إلَى مَكّةَ] قَالَ ابْنُ هشام: وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ صَاحِبَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرِ بعد النّضر ابن الْحَارِثِ، فَلَمّا قَالَ أَخُوهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لِأَبِي الْيَسَرِ، وَهُوَ الّذِي أَسَرَهُ، مَا قَالَ قَالَ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ: يَا أَخِي، هَذِهِ وَصَاتُك بِي، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: إنّهُ أَخِي دُونَك. فَسَأَلَتْ أُمّهُ عَنْ أَغْلَى مَا فُدِيَ بِهِ قُرَشِيّ، فَقِيلَ لَهَا: أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فبعت بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَفَدَتْهُ بِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوّلُ مَنْ قَدِمَ مَكّةَ بِمُصَابِ قُرَيْشٍ الْحَيْسُمَانَ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْخُزَاعِيّ، فَقَالُوا: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَنُبَيّهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ، فَلَمّا جَعَلَ يُعَدّدُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ؛ قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الحجر: والله إن يعقل هذا فاسئلوه عنى؛ فقالوا: مَا فَعَلَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ؟ قَالَ: هَا هُوَ ذَاكَ جَالِسًا فِي الْحِجْرِ، وَقَدْ وَاَللهِ رَأَيْتُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ حِينَ قُتِلَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كنت غُلَامًا لِلْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَأَسْلَمَ الْعَبّاسُ وَأَسْلَمَتْ أمّ الفضل وأسلمت وكان العبّاس بهاب قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ خِلَافَهُمْ وَكَانَ يَكْتُمُ إسْلَامَهُ، وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ مُتَفَرّقٍ فِي قَوْمِهِ، وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ، فَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِي بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَكَذَلِك كَانُوا صَنَعُوا، لَمْ يَتَخَلّفْ رَجُلٌ إلّا بَعَثَ مَكَانَهُ رَجُلًا، فَلَمّا جَاءَهُ الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، كَبَتَهُ اللهُ وَأَخْزَاهُ، ووجدنا فى أنفسنا قوّة وعزّا. قَالَ: وَكُنْت رَجُلًا ضَعِيفًا، وَكُنْت أَعْمَلُ الْأَقْدَاحَ. أنحتها فى حجرة زمزم، فو الله إنّي لَجَالِسٌ فِيهَا أنْحَتُ أَقْدَاحِي، وَعِنْدِي أُمّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ، وَقَدْ سَرّنَا مَا جَاءَنَا مِنْ الْخَبَرِ، إذْ أَقْبَلَ أَبُو لَهَبٍ يَجُرّ رِجْلَيْهِ بِشَرّ، حَتّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ، فَكَانَ ظَهْرُهُ إلَى ظَهْرِي، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إذْ قال الناس: هذا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نواح قريش على قتلاهم

أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُغِيرَةُ- قَدْ قَدِمَ قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: هَلُمّ إلَيّ، فَعِنْدَك لَعَمْرِي الْخَبَرُ، قَالَ: فَجَلَسَ إلَيْهِ والناس قيام عليه، فقال: يابن أَخِي، أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النّاسِ؟ قَالَ: وَاَللهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ فمنحناهم أكتافنا يقودوننا كيف شاؤا، ويأسروننا كيف شاؤا، وايم الله مع ذلك مالمت النّاسَ، لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا، عَلَى خَيْلٍ بَلْقٍ، بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَاَللهِ مَا تُلِيقُ شَيْئًا، وَلَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَرَفَعْت طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدَيّ، ثُمّ قُلْتُ: تِلْكَ وَاَللهِ الْمَلَائِكَةُ؛ قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فضرب بها وجهى ضربة شديدة. قال: وثاورته فَاحْتَمَلَنِي فَضَرَبَ بِي الْأَرْضَ، ثُمّ بَرَكَ عَلَيّ يَضْرِبُنِي، وَكُنْت رَجُلًا ضَعِيفًا، فَقَامَتْ أُمّ الْفَضْلِ إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ، فَأَخَذَتْهُ فَضَرَبَتْهُ به ضربة فلعت فِي رَأْسِهِ شَجّةً مُنْكَرَةً، وَقَالَتْ: اسْتَضْعَفَتْهُ أَنْ غاب عنه سيده فقام، مولّيا ذليلا، فو الله مَا عَاشَ إلّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتّى رَمَاهُ اللهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَتْهُ. [نُوَاحُ قُرَيْشٍ عَلَى قَتْلَاهُمْ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن الزبير، عن أبيه عبّاد، قال: فاحت قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهُمْ، ثُمّ قَالُوا: لَا تَفْعَلُوا فَيَبْلُغُ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَيَشْمَتُوا بِكُمْ؛ وَلَا تَبْعَثُوا فِي أَسْرَاكُمْ حَتّى تَسْتَأْنُوا بِهِمْ لَا يَأْرَبُ عليكم محمد وأصحابه فى الفداء. قَالَ: وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ قَدْ أُصِيبَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ، زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَعَقِيلُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ، وَكَانَ يُحِبّ أَنْ يَبْكِيَ عَلَى بَنِيهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ سَمِعَ نَائِحَةً مِنْ اللّيْلِ، فَقَالَ لغلام له. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ: اُنْظُرْ هَلْ أُحِلّ النّحْبُ؛ هَلْ بَكَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا؟ لَعَلّي أَبْكِي عَلَى أَبِي حَكِيمَةَ، يَعْنِي زَمَعَةَ، فَإِنّ جَوْفِي قَدْ احْتَرَقَ قَالَ: فَلَمّا رَجَعَ إلَيْهِ الْغُلَامُ قَالَ: إنّمَا هِيَ امْرَأَةٌ تَبْكِي عَلَى بَعِيرٍ لَهَا أَضَلّتْهُ. قَالَ: فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الْأَسْوَدُ: أَتَبْكِي أَنْ يَضِلّ لَهَا بَعِيرٌ ... وَيَمْنَعُهَا مِنْ النّوْمِ السّهُودُ فَلَا تَبْكِي عَلَى بَكْرٍ وَلَكِنْ ... عَلَى بَدْرٍ تَقَاصَرَتْ الْجُدُودُ عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بَنِي هُصَيْصٍ ... وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبِي الْوَلِيدِ وَبَكّي إنْ بَكّيْتِ عَلَى عَقِيلٍ ... وَبَكّي حَارِثًا أَسَدَ الْأُسُودِ وَبَكّيهِمْ وَلَا تَسَمِي جَمِيعًا ... وَمَا لِأَبِي حَكِيمَةَ مِنْ نَدِيدِ أَلَا قَدْ سَادَ بَعْدَهُمْ رِجَالٌ ... وَلَوْلَا يَوْمُ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا إقْوَاءٌ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ مِنْ أَشْعَارِهِمْ، وَهِيَ عِنْدَنَا إكْفَاءٌ. وَقَدْ أَسْقَطْنَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ مَا هُوَ أَشْهَرُ مِنْ هَذَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَةَ السّهْمِيّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ لَهُ بِمَكّةَ ابْنَا كَيّسًا تَاجِرًا ذَا مَالٍ، وَكَأَنّكُمْ به قَدْ جَاءَكُمْ فِي طَلَبِ فِدَاءِ أَبِيهِ؛ فَلَمّا قالت قريش لا تعجلوا بفداء أسرائكم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه، قَالَ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ- وَهُوَ الّذِي كَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنّي: صَدَقْتُمْ، لَا تَعْجَلُوا، وَانْسَلّ مِنْ اللّيْلِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَأَخَذَ أَبَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فانطلق به. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر سهيل بن عمرو وفداؤه

[أَمْرُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَفِدَاؤُهُ] (قَالَ) : ثُمّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى، فَقَدِمَ مِكْرَزُ بن حفص ابن الْأَخْيَفِ فِي فَدَاءِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: أَسَرْتُ سُهَيْلًا فَلَا أَبْتَغِي ... أَسِيرًا بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ وَخِنْدَفُ تَعْلَمُ أَنّ الْفَتَى ... فَتَاهَا سُهَيْلٌ إذَا يُظّلَمْ ضَرَبْتُ بِذِي الشّفْرِ حَتّى انْثَنَى ... وَأَكْرَهْت نَفْسِي عَلَى ذِي الْعَلَمِ وَكَانَ سُهَيْلٌ رَجُلًا أَعْلَمَ مِنْ شَفَتِهِ السّفْلَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِمَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَنْزِعْ ثَنِيّتَيْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَيَدْلَعُ لِسَانَهُ، فَلَا يَقُومُ عَلَيْك خَطِيبًا فِي مَوْطِنٍ أَبَدًا؛ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا أُمَثّلُ بِهِ فَيُمَثّلُ اللهُ بِي وَإِنْ كُنْتُ نَبِيّا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِعُمَرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إنّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمّهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَ ذَلِكَ الْمَقَامِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللهُ تعالى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسر عمرو بن أبى سفيان وإطلاقه

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فَلَمّا قَاوَلَهُمْ فِيهِ مِكْرَزٌ وانتهى إلى رضاهم، قالوا: هات الذى لنا، قَالَ: اجْعَلُوا رِجْلِي مَكَانَ رِجْلِهِ، وَخَلّوا سَبِيلَهُ حتى يبعث إليكم بفدائه، فحلّوا سَبِيلَ سُهَيْلٍ، وَحَبَسُوا مِكْرِزًا مَكَانَهُ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ مكرز: فديت بأذواد ثمان سبافتى ... يَنَالُ الصّمِيمَ غُرْمُهَا لَا الْمُوَالَيَا رَهَنْتُ يَدَيّ وَالْمَالُ أَيْسَرُ مِنْ يَدَيّ ... عَلَيّ، وَلَكِنّي خَشِيت الْمَخَازِيَا وَقُلْتُ سُهَيْلٌ خَيْرُنَا فَاذْهَبُوا بِهِ ... لِأَبْنَائِنَا حَتّى نُدِيرُ الْأَمَانِيَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا لِمِكْرِزٍ. [أَسْرُ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَإِطْلَاقُهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَكَانَ لِبِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُمّ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِنْتُ أَبِي عَمْرٍو، وَأُخْتُ أَبِي مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو- أَسِيرًا فِي يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أَسْرَى بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: فَقِيلَ لِأَبِي سُفْيَانَ: افْدِ عَمْرًا ابْنَك، قَالَ: أَيُجْمَعُ عَلَيّ دَمِي وَمَالِي! قَتَلُوا حَنْظَلَةَ، وَأَفْدِي عَمْرًا! دَعُوهُ فِي أَيْدِيهِمْ يُمْسِكُوهُ مَا بَدَا لَهُمْ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ، مَحْبُوسٌ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسر أبى العاص بن الربيع

إذْ خَرَجَ سَعْدُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أَكّالٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمّ أَحَدُ بَنِي مُعَاوِيَةَ مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ مُرَيّةٌ لَهُ، وَكَانَ شيخا مسلما، فى غنم له النّقيع: فحرج من هنالك معتمرا، ولا يخشى الذى صنع به، لم يظنّ أنه يحبس بمكة، إنما جاء معتمرا: وقد كَانَ عَهِدَ قُرَيْشًا لَا يَعْرِضُونَ لِأَحَدٍ جَاءَ حَاجّا، أَوْ مُعْتَمِرًا إلّا بِخَيْرٍ، فَعَدَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِمَكّةَ فَحَبَسَهُ بِابْنِهِ عَمْرٍو، ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَرَهْطَ ابْنِ أَكّالٍ أَجِيبُوا دُعَاءَهُ ... تَعَاقَدْتُمْ لَا تُسْلِمُوا السّيّدَ الْكَهْلَا فَإِنّ بَنِي عَمْرٍو لِئَامٌ أَذِلّةٌ ... لَئِنْ لَمْ يَفُكّوا عَنْ أَسِيرِهِمْ الْكَبْلَا فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: لَوْ كَانَ سَعْدٌ يَوْمَ مَكّةَ مُطْلَقًا ... لَأَكْثَرَ فِيكُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْسَرَ الْقَتْلَا بِعَضْبِ حُسَامٍ أَوْ بِصَفْرَاءَ نَبْعَةٍ ... تَحِنّ إذا ما أنبضت تخفز النّبْلَا وَمَشَى بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ عَمْرَو بْنَ أَبِي سُفْيَانَ فَيَفُكّوا بِهِ صَاحِبَهُمْ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَبَعَثُوا بِهِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَخَلّى سَبِيلَ سَعْدٍ. [أَسْرُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو الْعَاصِ بن الربيع ابن عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، خَتَنُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَزَوْجُ ابْنَتِهِ زينب. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سبب زواج أبى العاص من زينب

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ خِرَاشُ بْنُ الصّمّةَ، أَحَدُ بَنِي حَرَامٍ. [سَبَبُ زَوَاجِ أَبِي الْعَاصِ مِنْ زَيْنَبَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ مِنْ رِجَالِ مَكّةَ الْمَعْدُودِينَ: مَالًا، وَأَمَانَةً، وَتِجَارَةً، وَكَانَ لِهَالَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ خَالَتَهُ. فَسَأَلَتْ خَدِيجَةَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن يُزَوّجَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُخَالِفُهَا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَزَوّجَهُ، وَكَانَتْ تَعُدّهُ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا. فلما أَكْرَمَ اللهُ رَسُولَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بنبوّته آمنت به خديجة وبناته، فصدّقنه، وَشَهِدْنَ أَنّ مَا جَاءَ بِهِ الْحَقّ، وَدِنّ بِدِينِهِ، وَثَبَتَ أَبُو الْعَاصِ عَلَى شِرْكِهِ. [سَعْيُ قُرَيْشٍ فِي تَطْلِيقِ بَنَاتِ الرّسُولِ مِنْ أَزْوَاجِهِنّ] وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ زَوّجَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ رُقَيّةَ، أَوْ أُمّ كُلْثُومٍ. فَلَمّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ، قَالُوا: إنّكُمْ قَدْ فرّغتم مُحَمّدًا مِنْ هَمّهِ، فَرُدّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ، فَاشْغَلُوهُ بِهِنّ. فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ فَقَالُوا لَهُ: فَارِقْ صَاحِبَتَك وَنَحْنُ نُزَوّجُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْتَ، قَالَ: لَا وَاَللهِ، إنّي لَا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي، وَمَا أُحِبّ أَنّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ خَيْرًا، فِيمَا بَلَغَنِي. ثُمّ مَشَوْا إلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَقَالُوا لَهُ: طَلّقْ بِنْتَ مُحَمّدٍ وَنَحْنُ نُنْكِحُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْت، فَقَالَ: إنْ زَوّجْتُمُونِي بِنْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أبو العاص عند الرسول وبعث زينب فى فدائه

أَبَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَوْ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَارَقْتُهَا. فَزَوّجُوهُ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَفَارَقَهَا، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، فَأَخْرَجَهَا اللهُ مِنْ يَدِهِ كَرَامَةً لَهَا، وَهَوَانًا لَهُ، وَخَلَفَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بَعْدَهُ. [أَبُو الْعَاصِ عِنْدَ الرّسُولِ وَبَعْثُ زَيْنَبَ فِي فِدَائِهِ] وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحِلّ بِمَكّةَ وَلَا يُحَرّمُ، مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ فَرّقَ بَيْنَ زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وَسَلّمَ حِينَ أَسْلَمَتْ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ، إلّا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُمَا، فَأَقَامَتْ مَعَهُ عَلَى إسْلَامِهَا وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ، حَتّى هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمّا صَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى بَدْرٍ، صار فيهم أبو العاص بن الربيع فَأُصِيبَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمّا بَعَثَ أَهْلُ مَكّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَقّ لَهَا رِقّةً شَدِيدَةً وَقَالَ: إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا، فَافْعَلُوا، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. فَأَطْلَقُوهُ، وَرَدّوا عَلَيْهَا الّذِي لَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خروج زينب إلى المدينة

[خروج زينب إلى المدينة] [تأهبها وإرسال الرسول رجلين ليصحباها] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ، أَوْ وَعَدَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ، أَنْ يُخَلّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إلَيْهِ، أَوْ كَانَ فِيمَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي إطْلَاقِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعْلَمُ مَا هُوَ، إلّا أَنّهُ لَمّا خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ إلَى مَكّةَ وَخُلّيَ سَبِيلُهُ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَكَانَهُ، فَقَالَ: كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ حَتّى تَمُرّ بِكُمَا زَيْنَبُ، فَتَصْحَبَاهَا حَتّى تَأْتِيَانِي بِهَا، فَخَرَجَا مَكَانَهُمَا، وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرِ أَوْ شَيْعِهِ، فَلَمّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكّةَ أَمَرَهَا بِاللّحُوقِ بِأَبِيهَا، فَخَرَجَتْ تَجَهّزَ. [هِنْدُ تُحَاوِلُ تَعْرِفَ أَمْرَ زَيْنَبَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قال: حدّثت عن زينب أنها قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا أَتَجَهّزُ بِمَكّةَ لِلّحُوقِ بِأَبِي لَقِيَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقَالَتْ: يَا بِنْتَ مُحَمّدٍ، أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنّك تُرِيدِينَ اللّحُوقَ بِأَبِيك؟ قَالَتْ: فَقُلْت: مَا أَرَدْت ذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَيْ ابْنَةَ عَمّي، لَا تَفْعَلِي، إنْ كَانَتْ لَك حَاجَةٌ بِمَتَاعِ مِمّا يَرْفُقُ بِك فِي سَفَرِك، أَوْ بِمَالٍ تَتَبَلّغِينَ بِهِ إلَى أَبِيك، فَإِنّ عِنْدِي حَاجَتَك، فَلَا تَضْطَنِي مِنّي، فَإِنّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْنَ النّسَاءِ مَا بَيْنَ الرّجَالِ. قَالَتْ: وَاَللهِ مَا أَرَاهَا قَالَتْ ذَلِكَ إلّا لِتَفْعَلَ، قَالَتْ: وَلَكِنّي خِفْتُهَا، فَأَنْكَرْتُ أَنْ أَكُونَ أُرِيدُ ذلك، وتجهزت. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما أصاب زينب من قريش عند خروجها ومشورة أبى سفيان

[مَا أَصَابَ زَيْنَبَ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ خُرُوجِهَا وَمَشُورَةُ أَبِي سُفْيَانَ] فَلَمّا فَرَغَتْ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَهَازِهَا قَدّمَ لَهَا حَمُوهَا كِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ أَخُو زَوْجِهَا بَعِيرًا، فَرَكِبَتْهُ، وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَكِنَانَتَهُ، ثُمّ خَرَجَ بِهَا نَهَارًا يَقُودُ بِهَا، وَهِيَ فِي هَوْدَجٍ لَهَا. وَتَحَدّثَ بِذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا حَتّى أَدْرَكُوهَا بِذِي طُوًى، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ سَبَقَ إلَيْهَا هَبّارُ بْنُ الأسود بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَالْفِهْرِيّ، فَرَوّعَهَا هَبّارٌ بِالرّمْحِ وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا- فِيمَا يَزْعُمُونَ- فَلَمّا رِيعَتْ طَرَحَتْ ذَا بَطْنِهَا وَبَرَكَ حَمُوهَا كِنَانَةُ، وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ، ثُمّ قَالَ: وَاَللهِ لَا يَدْنُو مِنّي رَجُلٌ إلّا وَضَعْتُ فِيهِ سَهْمًا، فَتَكَرْكَرَ النّاسُ عَنْهُ. وَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ فِي جُلّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: أَيّهَا الرّجُلُ، كُفّ عَنّا نَبْلَك حَتّى نُكَلّمَك، فَكَفّ؛ فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ إنّك لَمْ تُصِبْ، خرجت بالمرأة على رؤس النّاسِ عَلَانِيَةً، وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا، وَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا مِنْ مُحَمّدٍ، فَيَظُنّ النّاسُ إذَا خرجت بابنته إليه علانية على رؤس النّاسِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا أَنّ ذَلِكَ عَنْ ذُلّ أَصَابَنَا عَنْ مُصِيبَتِنَا الّتِي كَانَتْ، وَأَنّ ذلك منّا ضعف ووهن، ولعمرى مالنا بحبسها عن أبيها من حاجة، ومالنا فِي ذَلِكَ مِنْ ثَوْرَةٍ، وَلَكِنْ ارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ، حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ، وَتَحَدّثَ النّاسُ أَنْ قَدْ رَدَدْنَاهَا، فَسُلّهَا سِرّا، وَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا؛ قَالَ: فَفَعَلَ. فَأَقَامَتْ لَيَالِيَ، حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ خَرَجَ بِهَا لَيْلًا حَتّى أَسْلَمَهَا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَصَاحِبِهِ، فَقَدِمَا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر لأبى خيثمة فيما حدث لزينب

[شِعْرٌ لِأَبِي خَيْثَمَةَ فِيمَا حَدَثَ لِزَيْنَبَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، أو أبو خيثمة، أخو بنى سالم بن عَوْفٍ، فِي الّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ زَيْنَبَ، قال ابن هشام: هى لأبى خيثمة: أَتَانِي الّذِي لَا يَقْدُرُ النّاسُ قَدْرَهُ ... لِزَيْنَبَ فِيهِمْ مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَمِ وَإِخْرَاجُهَا لَمْ يُخْزَ فِيهَا مُحَمّدٌ ... عَلَى مَأْقِطٍ وَبَيْنَنَا عِطْرُ مَنْشَمِ وَأَمْسَى أَبُو سُفْيَانَ مِنْ حِلْفِ ضَمْضَمٍ ... وَمِنْ حَرْبِنَا فِي رَغْمِ أَنْفٍ وَمَنْدَمٍ قَرَنّا ابْنَهُ عَمْرًا وَمَوْلَى يَمِينِهِ ... بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصّلَاصِلِ مُحْكَمِ فَأَقْسَمْتُ لَا تَنْفَكّ مِنّا كَتَائِبُ ... سُرَاةُ خَمِيسٍ فِي لُهَامٍ مُسَوّمِ نَزُوعُ قُرَيْشَ الْكُفْرَ حَتّى نَعُلّهَا ... بِخَاطِمَةٍ فَوْقَ الْأُنُوفِ بِمِيسَمِ نُنَزّلُهُمْ أَكْنَافَ نَجْدٍ وَنَخْلَةٍ ... وَإِنْ يُتْهِمُوا بِالْخَيْلِ وَالرّجْلِ نُتْهِم يَدَ الدّهْرِ حَتّى لَا يُعَوّجَ سِرْبُنَا ... وَنُلْحِقُهُمْ آثَارَ عَادٍ وَجُرْهُمِ وَيَنْدَمَ قَوْمٌ لَمْ يُطِيعُوا مُحَمّدًا ... عَلَى أَمْرِهِمْ وَأَيّ حِينٍ تَنَدّم فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ إمّا لَقِيته ... لَئِنْ أَنْتَ لَمْ تُخْلِصْ سُجُودًا وَتُسْلِمْ فَأَبْشِرْ بِخِزْيٍ فِي الْحَيَاةِ مُعَجّلِ ... وَسِرْبَالِ قَارٍ خَالِدًا فِي جَهَنّمَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: وَسِرْبَالِ نَارٍ. الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ فِي مَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ، الّذِي يَعْنِي: عَامِرَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ، كَانَ فِي الْأُسَارَى، وَكَانَ حِلْفُ الْحَضْرَمِيّ إلَى حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر هند وكنانة فى خروج زينب

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ، الذى يعنى: عقبة بن عبد الحارث ابن الْحَضْرَمِيّ، فَأَمّا عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ فَقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ. [شِعْرُ هِنْدٍ وَكِنَانَةُ فِي خُرُوجِ زَيْنَبَ] وَلَمّا انْصَرَفَ الّذِينَ خَرَجُوا إلَى زَيْنَبَ لَقِيَتْهُمْ هِنْدُ بنت عتبة، فقالت لهم: أَفِي السّلْمِ أَعْيَارًا جَفَاءً وَغِلْظَةً ... وَفِي الْحَرْبِ أَشْبَاهُ النّسَاءِ الْعَوَارِكِ وَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ فِي أَمْرِ زَيْنَبَ، حين دفعها إلى الرّجلين: عَجِبْتُ لِهَبّارٍ وَأَوْبَاشِ قَوْمِهِ ... يُرِيدُونَ إخْفَارِي بِبِنْتِ مُحَمّدِ وَلَسْتُ أُبَالِي مَا حَيِيتُ عَدِيدَهُمْ ... وَمَا اسْتَجْمَعْت قَبْضًا يَدِي بِالْمُهَنّدِ [الرّسُولُ يُحِلّ دَمَ هَبّارٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بن عبد الله ابن الْأَشَجّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الدّوْسِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيّةً أَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَنَا: إنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ، أَوْ الرّجُلِ (الْآخَرِ) الّذِي سَبَقَ مَعَهُ إلَى زَيْنَبَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ سَمّى ابْنُ إسْحَاقَ الرّجُلَ فِي حَدِيثِهِ (وَقَالَ: هُوَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ) فَحَرّقُوهُمَا بِالنّارِ. قَالَ: فَلَمّا كَانَ الْغَدُ بَعَثَ إلَيْنَا، فَقَالَ: إنّي كُنْت أَمَرْتُكُمْ بِتَحْرِيقِ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ إنْ أَخَذْتُمُوهُمَا، ثُمّ رَأَيْتُ أَنّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعَذّبَ بِالنّارِ إلّا اللهُ، فَإِنْ ظَفَرْتُمْ بهما فاقتلوهما. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام أبى العاص بن الربيع

[إسلام أبى العاص بن الربيع] [استيلاء المسلمين على تجارة معه وإجارة زينب له] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بِمَكّةَ، وَأَقَامَتْ زَيْنَبُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، حِينَ فَرّقَ بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ، حَتّى إذَا كَانَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ تَاجِرًا إلَى الشّامِ، وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا، بِمَالٍ لَهُ وَأَمْوَالٍ لِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، أَبْضَعُوهَا مَعَهُ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ وَأَقْبَلَ قَافِلًا، لَقِيَتْهُ سَرِيّةٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَصَابُوا مَا مَعَهُ، وَأَعْجَزَهُمْ هَارِبًا، فَلَمّا قَدِمَتْ السّرِيّةُ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَالِهِ، أَقْبَلَ أَبُو الْعَاصِ تَحْتَ اللّيْلِ حَتّى دَخَلَ عَلَى زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وَسَلّمَ، فَاسْتَجَارَ بِهَا، فَأَجَارَتْهُ، وَجَاءَ فِي طَلَبِ مَالِهِ، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصّبْحِ- كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ ابن رومان- فكّبر وكبّر الناس معه، صرخت زينب من صفّة النّسَاءِ: أَيّهَا النّاسُ، إنّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ. قَالَ: فَلَمّا سَلّمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الصّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ، فَقَالَ: أَيّهَا النّاسِ، هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ؛ قَالَ: أَمَا وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتّى سَمِعْتُ مَا سَمِعْتُمْ، إنّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ. ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ على ابْنَتِهِ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيّةُ، أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَلَا يخلصنّ إليك، فإنك لا تحلين له. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المسلمون يردون عليه ماله ثم يسلم

[المسلمون يردون عليه ماله ثم يسلم] قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَى السّرِيّةِ الّذِينَ أَصَابُوا مَالَ أَبِي الْعَاصِ، فَقَالَ لَهُمْ: إنّ هَذَا الرّجُلَ مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا، فَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَرُدّوا عَلَيْهِ الّذِي لَهُ، فَإِنّا نُحِبّ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ اللهِ الّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ، فَأَنْتُمْ أَحَقّ بِهِ؛ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ، بَلْ نَرُدّهُ عَلَيْهِ، فَرَدّوهُ عَلَيْهِ، حَتّى إنّ الرّجُلَ لِيَأْتِيَ بِالدّلْوِ، وَيَأْتِيَ الرّجُلُ بِالشّنّةِ وَبِالْإِدَاوَةِ، حَتّى إنّ أَحَدَهُمْ لِيَأْتِيَ بِالشّظَاظِ، حَتّى رَدّوا عَلَيْهِ مَالَهُ بِأَسْرِهِ، لَا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا. ثُمّ احْتَمَلَ إلَى مَكّةَ، فَأَدّى إلَى كُلّ ذِي مَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَالَهُ، وَمَنْ كَانَ أَبْضَعَ مَعَهُ، ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ؟ قَالُوا: لَا. فَجَزَاك اللهُ خَيْرًا، فَقَدْ وَجَدْنَاك وَفِيّا كَرِيمًا قَالَ: فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَه إلّا اللهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَللهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إلّا تَخَوّفُ أن تظنّوا أنى أَرَدْت أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ، فَلَمّا أَدّاهَا اللهُ إلَيْكُمْ وَفَرَغْتُ مِنْهَا أَسْلَمْتُ. ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. [زوجته ترد إليه] قال ابن إسحاق: وحدثني دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عباس قال: رَدّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا (بَعْدَ سِتّ سِنِينَ) . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مثل من أمانة أبى العاص

[مَثَلٌ مِنْ أَمَانَةِ أَبِي الْعَاصِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ لَمّا قَدِمَ مِنْ الشّامِ وَمَعَهُ أَمْوَالُ الْمُشْرِكِينَ، قِيلَ لَهُ: هَلْ لَك أَنْ تُسْلِمَ وَتَأْخُذَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ، فَإِنّهَا أَمْوَالُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ أَبُو الْعَاصِ: بِئْسَ مَا أَبْدَأُ بِهِ إسْلَامِي أَنْ أَخُونَ أَمَانَتِي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التّنّورِيّ، عَنْ داود ابن أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشّعْبِيّ، بِنَحْوِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الْعَاصِ. [الّذِينَ أَطْلَقُوا مِنْ غَيْرِ فِدَاءٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى مِمّنْ مُنّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ فِدَاءٍ، مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع بن عبد العزّى ابن عَبْدِ شَمْسِ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ بُعِثَتْ زَيْنَبُ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بِفِدَائِهِ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: الْمُطّلِبُ ابن حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ عُمَرَ بن مخزوم، كان لبعض بنى الحارث ابن الْخَزْرَجِ، فَتَرَكَ فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى خَلّوْا سَبِيلَهُ. فَلَحِقَ بِقَوْمِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، أَبُو أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ، أَخُو بَنِي النجّار. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَصَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بن ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثمن الفداء

مَخْزُومٍ، تُرِكَ فِي أَيْدِي أَصْحَابِهِ، فَلَمّا لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فِي فِدَائِهِ أَخَذُوا عَلَيْهِ لِيَبْعَثُنّ إلَيْهِمْ بِفِدَائِهِ، فَخَلّوْا سَبِيلَهُ، فَلَمْ يَفِ لَهُمْ بِشَيْءٍ، فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ: وَمَا كَانَ صَيْفِيّ لِيُوفِيَ ذِمّةً ... قَفَا ثَعْلَبٍ أَعْيَا بِبَعْضِ الْمَوَارِدِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو عَزّةَ، عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عثمان بن أهيب بن حذافة ابن جُمَحَ، كَانَ مُحْتَاجًا ذَا بَنَاتٍ، فَكَلّمَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، لقد عرفت مالى مِنْ مَالٍ، وَإِنّي لَذُو حَاجَةٍ، وَذُو عِيَالٍ، فَامْنُنْ عَلَيّ؛ فَمَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَلّا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا. فَقَالَ أَبُو عَزّةَ فِي ذَلِكَ، يَمْدَحُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَيَذْكُرُ فَضْلَهُ فِي قَوْمِهِ: مَنْ مُبَلّغٌ عَنّي الرّسُولَ مُحَمّدًا ... بِأَنّك حَقّ وَالْمَلِيكُ حَمِيدُ وَأَنْتَ امرو تدعو إلى الْحَقّ وَالْهُدَى ... عَلَيْك مِنْ اللهِ الْعَظِيمِ شَهِيدُ وَأَنْتَ امْرُؤُ بُوّئْتَ فِينَا مَبَاءَةً ... لَهَا دَرَجَاتٌ سَهْلَةٌ وَصُعُودُ فَإِنّك مَنْ حَارَبْتَهُ لَمُحَارَبٌ ... شَقِيّ وَمَنْ سَالَمَتْهُ لَسَعِيدُ وَلَكِنْ إذَا ذُكّرْتُ بَدْرًا وأهله ... تأوّت مابى: حسرة وقعود [ثَمَنُ الْفِدَاءِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَانَ فِدَاءُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ لِلرّجُلِ، إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، إلّا مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ، فَمَنّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عليه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَبَرُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ يُقَالُ فِيهِ عُكّاشَةُ بِالتّشْدِيدِ وَالتّخْفِيفِ، وَهُوَ مَنْ عَكَشَ عَلَى الْقَوْمِ إذَا حَمَلَ عَلَيْهِمْ، قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَقَالَ غيره العكّاشة [وَالْعُكّاشُ] الْعَنْكَبُوتُ، وَأَمّا سَيْفُهُ الّذِي كَانَ جِزْلًا مِنْ حَطَبٍ، فَقَدْ قِيلَ إنّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَوَارَثًا عِنْدَ آلِ عُكّاشَةَ، وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ عُكّاشَةَ فِي السّيْفِ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابن جَحْشٍ، وَسَيَأْتِي، ذِكْرُهَا عِنْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَأَمّا قوله: فلن يذهبوا قرغا بِقَتْلِ حِبَالِ فَالْقِرْعُ أَنْ يُطَلّ الدّمُ، وَلَا يُطْلَبُ بِثَأْرِهِ، وَحِبَالُ: هُوَ ابْنُ أَخِي طُلَيْحَةَ لَا ابْنُهُ، وَهُوَ حِبَالُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ، وَمَسْلَمَةُ: أَبُوهُ هُوَ الّذِي قَتَلَ عُكّاشَةُ، اعْتَنَقَهُ مَسْلَمَةُ وَضَرَبَهُ طُلَيْحَةُ عَلَى فَرَسٍ، يُقَالُ لَهَا: اللّزَامُ، وَكَانَ ثَابِتُ عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهَا: الْمُخَبّرُ، وَقِصّتُهُ مَشْهُورَةٌ فِي أَخْبَارِ الرّدّةِ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ فِي الرّدّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجَلَالِ مَصُونَة ... وَيَوْمًا تَرَاهَا فِي ظِلَالِ عَوَالٍ إلَى آخِرِ الشّعْر. وَذَكَرَ فِي الْخَبَرِ أَنّ عُكّاشَةَ وَثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ الْبَلَوِيّ حَلِيفَيْ الْأَنْصَارِ كَانَا فِي جَيْشِ خَالِدٍ حِينَ نَهَدَ إلَى طُلَيْحَةَ، فَاسْتُقْدِمَا أَمَامَ جَيْشِ خَالِدٍ للمسلمين،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَوَقَعَا فِي خَيْلٍ لِطُلَيْحَةَ، وَهُوَ فِيهِمْ، فَاسْتُشْهِدَا مَعًا، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ بُزَاخَةَ «1» ، كَذَلِكَ قَالَ كل من ألف فى السّيَرِ إلّا سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ، فَإِنّهُ ذَكَرَ أَنّ عُكّاشَةَ قُتِلَ فِي سَرِيّةٍ بَعَثَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَنِي أَسَدٍ، وَالْأَوّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ. سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ: وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُكّاشَةَ حِينَ قَالَ: اُدْعُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهُ، ثُمّ قَامَ رجل آخر، فقال: اُدْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ «2» . هَكَذَا الْحَدِيثُ فِي الصّحَاحِ، وَزَادَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَرَدَتْ الدّعْوَةُ. وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ النّمَرِيّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يُسَمّهِمْ أَنّ الرّجُلَ الّذِي قِيلَ لَهُ: سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ كَانَ مُنَافِقًا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَدْعُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذَا لَا يَصِحّ؛ لِأَنّ فِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ خِيَارِ الْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ: ادع الله أن يجعلنى منهم، قَالَ ابْنُ بَطّالٍ مَعْنَى قَوْلِهِ: سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ، أَيْ: سَبَقَك بِهَذِهِ الصّفَةِ الّتِي هِيَ صفة السبعين ألفا، ترك التّطيرّ

_ (1) بزاخة: قال الأصمعى: هى ماء لطىء، وقال أبو عمرو الشيبانى: ماء لبنى أسد «معجم البكرى، المراصد» . (2) وهو فى البخارى ومسلم، وقد صارت الكلمة مثلا يضرب للسبق فى الأمر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَقُلْ: لَسْت مِنْهُمْ، وَلَا عَلَى أَخْلَاقِهِمْ بِحُسْنِ أَدَبِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَتَلَطّفِهِ فِي الْكَلَامِ [و] لَا سِيّمَا مَعَ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَاَلّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَنّهَا كَانَتْ سَاعَةَ إجَابَةٍ عَلِمَهَا عَلَيْهِ السّلَامُ، فَلَمّا انْقَضَتْ، قَالَ لِلرّجُلِ مَا قَالَ، يُبَيّنُ هَذَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، فَإِنّهُ قَالَ فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ عُكّاشَةَ، فَقَامَ رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني مِنْهُمْ، فَقَالَ: اللهُمّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمّ سَكَتُوا سَاعَةً يَتَحَدّثُونَ، ثُمّ قَامَ الثّالِثُ، فَقَالَ اُدْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ، وَصَاحِبَهُ، وَلَوْ قُلْت لَقُلْت، وَلَوْ قُلْت لَوَجَبَتْ، وَهِيَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وفى مسند البزار أيضا. ويقوى هذ المعنى أيضا رِوَايَةَ ابْنِ إسْحَاقَ، فَإِنّهُ زَادَ، فَقَالَ فِيهَا سبقك بها عُكّاشَةُ وَبَرَدَتْ الدّعْوَةُ، فَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرْته فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ عُكّاشَةَ، فَإِنّهُ مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْكِتَابِ. وَمِمّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِعُذْرِ، وَهُوَ مِنْ النّقَبَاءِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ سَيّدُ الْخَزْرَجِ، لِأَنّهُ نَهَشَتْهُ حَيّةٌ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ الْخُرُوجَ هَذَا قَوْلُ الْقُتَبِيّ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَلَا ابْنُ عُقْبَةَ فِي الْبَدْرِيّينَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ فِيهِمْ، مِنْهُمْ ابْنُ الْكَلْبِيّ وَجَمَاعَةٌ. نِدَاءُ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيّةٌ: وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: يَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ: الْحَدِيثُ، يَجُوزُ يَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، بِضَمّ التّاءِ وَنَصْبِ النّونِ وَبِنَصْبِهِمَا جَمِيعًا، أَمّا مَنْ يَقُولُ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جَاءَنِي زَيْدُ ابْنُ فُلَانٍ بِالتّنْوِينِ، فَهُوَ الّذِي يَقُولُ: يَا زَيْدُ ابْنُ بِضَمّ الدّالِ، وَيُكْتَبُ ابْنٌ بِالْأَلِفِ عَلَى هَذَا، وَمَنْ يَقُولُ جَاءَنِي زيد بن بِلَا تَنْوِينٍ، فَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِي النّدَاءِ يا زيد بن بِنَصْبِ الدّالِ، وَيُكْتَبُ ابْنًا بِغَيْرِ أَلِفٍ، لِأَنّهُ جَعَلَ الِابْنَ مَعَ مَا قَبْلِهِ اسْمًا وَاحِدًا، فَعَلَى هَذَا تَقُولُ يَا حَارِثَ ابْنَ عَمْرٍو فَتَكْتُبُهُ بِأَلِفِ، لِأَنّك أَرَدْت يَا حَارِثُ بِالضّمّ، لأنك لو أردت يا حارث بن بِالنّصْبِ لَمْ تُرَخّمْهُ، لِأَنّهُ قَدْ صَارَ وَسَطَ الاسم، وقد جعله سيبويه بمنزلة قولك: أمرأ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ إنْ نَوّنْت اللّامَ مِنْ أَبِي جَهْلٍ كَتَبْت الِابْنَ بِأَلِفِ، وَإِنْ لَمْ تُنَوّنْهُ كَتَبْته بِغَيْرِ أَلِفٍ. وَذَكَرَ إنْكَارَ عَائِشَةَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ: لَقَدْ سَمِعُوا مَا قُلْت، قَالَتْ: وَإِنّمَا قَالَ: لَقَدْ عَلِمُوا أَنّ الّذِي كُنْت أَقُولُ حَقّ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَعَائِشَةُ لَمْ تَحْضُرْ وَغَيْرُهَا مِمّنْ حَضَرَ أَحْفَظُ لِلَفْظِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَقَدْ قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُخَاطِبُ قَوْمًا قَدْ جَيّفُوا أَوْ أُجِيفُوا «1» ، فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونُوا فِي تِلْكَ الْحَالِ عَالِمَيْنِ، جَازَ أن يكونوا سامعين؛ إما بآذان رؤسهم إذَا قُلْنَا: إنّ الرّوحَ يُعَادُ إلَى الْجَسَدِ أَوْ إلَى بَعْضِ الْجَسَدِ عِنْدَ الْمُسَاءَلَةِ، وَهُوَ قول الأكثرين مِنْ أَهْلِ السّنّةِ، وَإِمّا بِإِذْنِ الْقَلْبِ أَوْ الرّوحِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِتَوَجّهِ السّؤَالَ إلى الروح، من غير رجوع منه إلَى الْجَسَدِ، أَوْ إلَى بَعْضِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّ عَائِشَةَ احْتَجّتْ بِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي

_ (1) أى أنتنوا، أو صاروا جيفا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْعُمْيَ أَيْ: إنّ اللهَ هُوَ الّذِي يُهْدِي وَيُوَفّقُ وَيُوصِلُ الْمَوْعِظَةَ إلَى آذَانِ الْقُلُوبِ، لَا أَنْتَ، وَجَعَلَ الْكُفّارَ أَمْوَاتًا وَصُمّا عَلَى جِهَةِ التّشْبِيهِ بِالْأَمْوَاتِ، وَبِالصّمّ، فَاَللهُ هُوَ الّذِي يَسْمَعُهُمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ، إذَا شَاءَ لَا نَبِيّهُ، وَلَا أَحَدٌ، فَإِذَا لَا تَعَلّقَ بِالْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنّهَا إنّمَا نَزَلَتْ فِي دُعَاءِ الْكُفّارِ إلَى الْإِيمَانِ. الثّانِي أَنّهُ إنّمَا نَفَى عَنْ نَبِيّهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمِسْمَعَ لَهُمْ، وَصَدَقَ اللهُ فَإِنّهُ لَا يَسْمَعُهُمْ إذَا شَاءَ إلّا هُوَ، وَيَفْعَلُ مَا شَاءَ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قدير «1» .

_ (1) ليس الأمر هنا أمر حضور السيدة عائشة القصة أو عدم حضورها، وإنما الأمر عقيدة تتعلق بعالم الغيب، ويفرض على كل معرفتها للايمان بها عن بينة. والسيدة عائشة رضى الله عنها، وإن لم تكن قد حضرت القصة، فالرواية تؤكد أنها علمت بها مشافهة عن النبى صلى الله عليه وسلم، بدليل توكيدها الكلام، وقد كانت حقا كما وصفها الإسماعيلى «كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا يزيد عليه» ولعلها سمعت هذا الحديث يردد، فسألت عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلمت منه ما قاله حينئذ، فنفت ما نفت، وأثبتت ما ثبتت والآية القرآنية التى استشهدت بها نص قاطع فى النفى الذى قالت به السيدة عائشة، وعلى فرض صحة أن الآية فيها مجاز، وأنها تنفى السماع عن الكفار المشبهين بمن فى القبور، أقول: على فرض صحة هذا، فإن هذا التفسير يؤكد صحة فهم السيدة عائشة توكيدا قويا، فلولا ثبوت أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسمع من فى القبور ما صح تشبيه الكفار بالموتى فكأن المعنى إن هؤلاء الكفار كالموتى، وأنت لا تسمع الموتى، وهم فى قبورهم فكذلك لا تستطيع إسماع هؤلاء، ولكن ماذا يقول السهيلى فى قوله سبحانه: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى، وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ فهنا موتى وصم، وقد نفى الله إسماع نبيه للصنفين، وفى هذا تصويب لفهم السيدة-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ مَعَانِي شِعْرِ حَسّانَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ وَقَالَ فِيهِ: كَخَطّ الْوَحْيِ فِي الْوَرَقِ الْقَشِيبِ الْقَشِيبُ فِي اللّغَةِ: الْجَدِيدُ، وَلَا مَعْنَى لَهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ، لِأَنّهُمْ إذَا وَصَفُوا الرّسُومَ وَشَبّهُوهَا بِالْكُتُبِ فِي الْوَرَقِ، فَإِنّمَا يَصِفُونَ الْخَطّ حِينَئِذٍ بِالدّرُوسِ وَالِامّحَاءِ، فَإِنّ ذَلِكَ أَدَلّ عَلَى عَفَاءِ الدّيَارِ وَطُمُوسِ الْآثَارِ، وَكَثْرَةُ ذَلِكَ فِي الشّعْرِ تُغْنِي عَنْ الِاسْتِشْهَادِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ مِنْهُ قَوْلُ النّابِغَةِ: [وَقَفْت فِيهَا أُصَيْلَانَا أُسَائِلُهَا ... عَيّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرّبْعِ مِنْ أَحَدِ إلّا الْأُوَارَيْ لِأَيّامًا أُبَيّنُهَا ... وَالنّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجِلْدِ «1» ] وَقَوْلُ زُهَيْرٍ: [وَقَفْت بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حجّة] فلأيا عرفت الدار بعد توهّم «2»

_ - عائشة، وإثبات أنه هو الحق، والعلم هنالا يثبت السمع من الرسول وإنما يثبت أن علمهم من الله سبحانه دون أن يسمعوا شيئا من الرسول «ص» نفسه. (1) لم يكن فى الروض غير قوله: لأياما أبينها. فرأيت ذكر البيتين ليتم المعنى. (2) لم يكن فى الروض غير الشطرة الثانية. وأصيلانا تروى: أصيلالا، أو: أصيلاكى. والأوارى: جمع آرية وهى الأحية التى تشديها الدابة. واللأى: الجهد، والنؤى: الحفيرة حول البيت والخيمة تمنع السيلى والمطر. والجلد: الأرض يصعب حفرها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ آخَرُ: وَإِلّا رُسُومُ الدّارِ قَفْرًا كَأَنّهَا ... سُطُورٌ مَحَاهَا الْبَاهِلِيّ بْنُ أَصْمَعَا وَلَكِنْ أَرَادَ حَسّانُ بِالْقَشِيبِ هَاهُنَا الّذِي خَالَطَهُ مَا يُفْسِدُهُ، إمّا مِنْ دَنَسٍ، وَإِمّا مِنْ قِدَمٍ، يُقَالُ: طَعَامٌ مُقَشّبٌ، إذَا كَانَ فِيهِ السّمّ. وَقَالَ الشّاعِرُ: [خُوَيْلِدُ بْنُ مُرّةَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ] : [به ندع الْكَمِيّ عَلَى يَدَيْهِ] ... نَحْرٌ تَخَالُهُ نَسْرًا قَشِيبَا «1» مَعْنَاهُ: مَسْمُومٌ، لِأَنّ الْقَشْبَ هُوَ السّمّ «2» قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ آخِرُ مَنْ يَخْرَجُ مِنْ النّارِ، وَفِيهِ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْقِشْبِ هُوَ: نَبَاتٌ رَطْبٌ مَسْمُومٌ يُنْصَبُ لِسِبَاعِ الطّيْرِ فِي لَحْمٍ، فَإِذَا أَكَلَتْهُ مَاتَتْ، قَالَ: وَالْعَرَبُ يُجْنِبُونَهُ ما شيتهم فِي الْمَرْعَى، كَيْ لَا تُحَطّمَهُ، فَيَفُوحُ مِنْ رِيحِهِ مَا يَقْتُلُهَا، فَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ الّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ الْقُتَبِيّ: تَخَالُهُ نَسْرًا قَشِيبًا، أَيْ: نَسْرًا أَكَلَ ذَلِكَ الْقِشْبَ فِي اللّحْمِ وَاَللهُ أَعْلَمُ، قَالَ: وَالْأَلْبُ أَيْضًا، ضَرْبٌ مِنْ الْقِشْبِ، إن وجدت ريحه سباع الطير غميت وَصَمّتْ، وَإِنْ أَكَلَتْهُ مَاتَتْ، قَالَ: وَالضّجَاجُ أَيْضًا: كلّ نبات مسموم.

_ (1) فى الأصل: فخر نخاله نسرا قشيبا. فأكملت وغيرت من اللسان. وهناك بيت قبله. ولولا نحن أرهقه صهيب ... حسام الحد مطردا خشيبا (2) وهو أيضا الخلط وسقى السم والإصابة بالمكروه المستقذر والافتراء واكتساب الحمد أو الذم والإفساد واللطخ بالشىء والتعيير وإزالة العقل وصقل السيف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى إلقأمهم فِي الْقَلِيبِ: فَصْلٌ: فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى إلْقَائِهِمْ فِي الْقَلِيبِ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ؛ قُلْنَا: كَانَ مِنْ سُنّتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي مغازبه إذَا مَرّ بِجِيفَةِ إنْسَانٍ أَمَرَ بِدَفْنِهِ لَا يَسْأَلُ عَنْهُ مُؤْمِنًا، كَانَ أَوْ كَافِرًا، هَكَذَا وقع فى السّنن للدّار قطنى، فإلقاؤهم فِي الْقَلِيبِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، غَيْرَ أَنّهُ كَرِهَ أَنْ يَشُقّ عَلَى أَصْحَابِهِ لِكَثْرَةِ جِيَفِ الْكُفّارِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِدَفْنِهِمْ، فَكَانَ جَرّهُمْ إلَى الْقَلِيبِ أَيْسَرَ عَلَيْهِمْ، وَوَافَقَ أَنّ الْقَلِيبَ حَفَرَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّار، اسْمُهُ: بَدْرٌ، فَكَانَ. فَأْلًا مُقَدّمًا لَهُمْ، وَهَذَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي بَدْرٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. عَوْدٌ إلَى شِعْرِ حَسّانَ: وَفِي شِعْرِ حَسّانَ أَيْضًا: بَنُو الْأَوْسِ الْغَطَارِفِ وَازَرَتْهَا وَلَوْ قَالَ آزَرَتْهَا بِالْهَمْزِ لَجَازَ، وكان من الأزر، وفى التنزيل (فآزره) أَيْ: شَدّ أَزْرَهُ، وَقَوّاهُ، وَلَكِنْ أَرَادَ حَسّانُ مَعْنَى الْوَزِيرِ، فَإِنّهُ سُمّيَ وَزِيرًا مِنْ الْوِزْرِ، وَهُوَ الثّقْلُ، لِأَنّهُ يَحْمِلُ عَنْ صَاحِبِهِ ثِقْلًا وَيُعِينُهُ، وَقِيلَ هُوَ مِنْ الْوِزْرِ، وَهُوَ الْمَلْجَأُ، لأن الوزير يلجأ إلى رأيه، وقد ألقيته فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ: آزَرْتهَا مُصْلَحًا بِغَيْرِ وَاوٍ إلّا أَنّ وَازَرَتْهَا وَزْنُهُ: فَاعَلْت، وَآزَرْت وَزْنُهُ أَفْعَلْت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالْجَبُوبِ مَعْنَى الْجَبُوبِ: الْجَبُوبُ اسْمٌ لِلْأَرْضِ، لِأَنّهَا تُجَبّ أَيْ تُحْفَرُ وَتَجُبّ مَنْ دُفِنَ فِيهَا، أَيْ تَقْطَعُهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى، لِأَنّهُمْ قَالُوا جَبُوبٌ مِثْلَ: صَبُورٍ وَشَكُورٍ فِي الْمُؤَنّثِ، وَلَمْ يَقُولُوا جَبُوبَةٌ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ حَلُوبَةٍ وَرَكُوبَةٍ، وَيُدْخِلُونَ فِيهَا الْأَلِفَ وَاللّامَ تَارَةً، فَيَقُولُونَ: الْجَبُوبُ، كَمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَتَارَةً يَجْعَلُونَهُ اسْمًا عَلَمًا، فَيَقُولُونَ: جَبُوبٌ، مِثْلَ شَعُوبٍ، قَالَ الشّاعِرُ: بَنَى عَلَى قَلْبِي وَعَيْنِي مَكَانَهُ ... ثَوَى بَيْنَ أَحْجَارٍ رَهِينَ جَبُوبِ وَمِنْهُ قِيلَ: جَبّانٌ وَجَبّانَةَ لِلْأَرْضِ الّتِي يُدْفَنُ فِيهَا الْمَوْتَى، فَهُوَ فَعْلَانٌ مِنْ الْجَبّ وَالْجَبُوبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ فِي مَعْنَى الْجَبّانِ، وَغَيْرُهُ يَجْعَلُهُ فَعّالًا مِنْ الْجُبْنِ. مَرّةٌ أُخْرَى شِعْرُ حَسّانَ: وَقَوْلُهُ: خَاطِي الْكُعُوبِ أَيْ مُكْتَنِزُ الْكُعُوبِ قَوِيّهَا [وَالْكُعُوبُ: عُقَدُ الْقَنَاةِ] ، وَقَوْلُ حَسّانَ: الْغَطَارِفُ، أَرَادَ: الْغَطَارِيفَ كَمَا تَقَدّمَ فِي شِعْرِ الْجُرْهُمِيّ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَطَلّ بِهَا أَمْنًا وَفِيهَا الْعَصَافِرُ أَرَادَ الْعَصَافِيرَ، وَحَذَفَ الْيَاءَ ضَرُورَةً. تَفْسِيرُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِابْنِهِ يَوْمَ بَدْرٍ أَيْنَ مَالِي يَا خَبِيثُ، فَقَالَ: لَمْ يَبْقَ إلّا شِكّةٌ «1» ويَعْبُوبْ الشّكّةُ: السّلَاحُ، وَالْيَعْبُوبُ مِنْ الْخَيْلِ: الشّدِيدُ الْجَرْي، وَيُقَالُ: الطّوِيلُ، وَالْأَوّلُ أَصَحّ، لِأَنّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ عُبَابِ الْمَاءِ، وَهُوَ شِدّةُ جَرْيِهِ، وَيُقَالُ لِلْجَدْوَلِ الْكَثِيرِ الْمَاءِ: يَعْبُوبُ، وَقَدْ كَانَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسٌ اسْمُهُ: السّكْبُ وَهُوَ مِنْ سَكَبْت الْمَاءَ «2» ، فَهَذَا يُقَوّي مَعْنَى الْيَعْبُوبِ، وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ لِأَبِيهِ بعد ما أَسْلَمَ: يَا أَبَتْ لَقَدْ أَهْدَفْت لِي يَوْمَ بدر مرارا فصدفت عنك، فقال لله لَوْ كُنْت أَهْدَفْت لِي أَنْتَ مَا صَدَفْت عنك «3» .

_ (1) فى السيرة: غير شكة. (2) يصف صاحب القاموس الفرس المنسوب إلى النبى «ص» بقوله «وكان كميتا أغر محجلا مطلق اليمنى» ويقال بفتح السين أيضا. ويقال سكب الماء فسكب هو سكوبا. (3) فى النهاية لابن الأثير يقال: «أهدف له الشىء واستهدف إذا دنا منه وانتصب له مستقبلا» وفيه ضفت بدلا من صدفت ومعناها: عدلت وملت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العرسهه وَالْعَرِيشُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَنَازُعَهُمْ فِي النّفْلِ، وَمَا احْتَجّتْ بِهِ الطّائِفَةُ الّذِينَ كَانُوا يَحْمُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرِيشِ، وَالْعَرِيشُ: كُلّ مَا أَظَلّك وَعَلَاك مِنْ فَوْقِك، فَإِنْ عَلَوْته أَنْتَ فَهُوَ عَرْشٌ لَك، لَا عريش، والعريش أيضا فيما ذكر أَبُو حَنِيفَةَ أَرْبَعُ نَخَلَاتٍ أَوْ خَمْسٌ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ. بَنُو عَابِدٍ وَبَنُو عَائِذٍ: وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي أُسَيْدٍ: وَجَدْت يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفَ بَنِي عَابِدٍ الّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَرْزُبَانُ. بَنُو عَابِدٍ فِي بَنِي مَخْزُومٍ، وَهُمْ بَنُو عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مخزوم، وَأَمّا بَنُو عَائِذٍ بِالْيَاءِ وَالذّالِ الْمُعْجَمَةِ، فَهُمْ بَنُو عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ رَهْطُ آلِ الْمُسَيّبِ، وَالْأَوّلُونَ رَهْطُ آلِ بَنِي السّائِبِ. حَوْلَ الْقَسْمِ: وَأَمّا قَوْلُهُ: فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَوَاءٍ يَقُولُ: عَلَى سَوَاءٍ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ، فَقَالَ فِيهِ: فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ فُوَاقٍ، وَفَسّرَهُ، فَقَالَ: جَعَلَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ، أَيْ فَضّلَ فِي الْقَسْمِ مَنْ رَأَى تَفْضِيلَهُ، وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ قَوْلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنّ مَعْنَى عَنْ فُوَاقٍ: السّرْعَةُ فِي الْقَسْمِ كفواق الناقة، ورواية ابْنُ إسحاق أشهر وأثبت عند أهل الحديث «1»

_ (1) فواق بضم الفاء وفتحها، وفى النهاية لابن الأثير: قسمها فى قدر فواق-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سَبَبُ نُزُولِ أَوّلِ الْأَنْفَالِ: وَفِي الْحَدِيثِ الّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ، قَالَ: قَتَلْت يَوْمَ بَدْرٍ الْعَاصِيَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي، وَأَخَذْت سَيْفَهُ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: ذُو الْكَتِيفَةِ. فَأَتَيْت بِهِ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، نَفّلْنِيهِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْعَلَهُ فِي الْقَبْضِ «1» ، فأخذنى مالا يَعْلَمُهُ إلّا اللهُ، فَقُلْت: قُتِلَ أَخِي عُمَيْرٌ وأخذ سلبى فأنزل الله يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الْآيَةَ، فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّيْفَ «2» ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَهْلُ السّيَرِ يَقُولُونَ: قَتَلَ الْعَاصِيَ بْنَ سَعِيدٍ عَلِيّ بْنُ أبي طالب رضي الله عنه.

_ - ناقة، وهو ما بين الحلبتين من الراحة.. وعن هاهنا بمنزلتها فى قولك: أعطيته عن رغبة وطيب نفس، لأن الفاعل وقت إنشاء الفعل إذا كان متصفا بذلك كان الفعل صادرا عنه لا محالة ومجاوزا له. (1) القبض بفتح القاف والباء: المقبوض. (2) رواه الإمام أحمد، وروى أيضا بسنده عن سعد بن مالك، قال: قلت يا رسول الله قد شفانى الله اليوم من المشركين، فهب لى هذا السيف فقال: إن هذا السيف لا لك، ولالى ضعه. قال: فوضعته، ثم رجعت، فقلت: عسى أن يعطى هذا السيف من لا يبلى بلائى قال: فإذا رجل يدعونى من ورائى قال: قلت قد أنزل الله فى شيئا؟ قال: كنت سألتنى السيف، وليس هو لى وإنه قد وهب لك، فهو لك، قال: وأنزل الله هذه الآية: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ، قُلِ: الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ورواه أبو داود والترمذى والنسائى. وقال الترمذى: حسن صحيح، ورواه على نحو آخر مسلم. وروى فى أسباب نزولها أشياء أخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَتَلَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، قَالَ وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلِمَةَ، وَسَلِمَةُ هَذَا بِكَسْرِ اللّامِ، وَهُوَ سَلِمَةُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدُ بَنِي الْعَجْلَانِ بَلَوِيّ بِالنّسَبِ أَنْصَارِيّ بِالْحِلْفِ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَأَمّا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَاسْمُ أَبِي مُعَيْطٍ أَبَانُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، يُقَالُ: كَانَ أُمَيّةُ، قَدْ سَاعَى «1» أَمَةً أَوْ بَغَتْ أَمَةً لَهُ، فَحَمَلَتْ بِأَبِي عَمْرٍو، فَاسْتَلْحَقَهُ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيّةِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِعُقْبَةَ حِينَ «2» قَالَ: أَأُقْتَلُ مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ صَبْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: حَنّ قِدْحٌ لَيْسَ «3» منها، يعرّض بنسبه، وذلك أن القداح فى المسير رُبّمَا جُعِلَ مَعَهَا قِدْحٌ مُسْتَعَارٌ قَدْ جُرّبَ منه الْفَلَحُ وَالْيُمْنُ فَيُسْتَعَارُ لِذَلِكَ، وَيُسَمّى. الْمَنِيحَ، فَإِذَا حُرّكَ فِي الرّبَابَةِ مَعَ الْقِدَاحِ تَمَيّزَ صَوْتُهُ لِمُخَالَفَةِ جَوْهَرِهِ جَوْهَرَ الْقِدَاحِ، فَيُقَالُ حِينَئِذٍ.. حِنّ قدح ليس

_ (1) ساعى الأمة: طلبها للبغاء، وفجر بها (2) فى النهاية لابن الأثير أنه قال ذلك للوليد بن عقبة الذى ولاه عثمان الكوفة وأعمالها (3) هو مثل يضرب إلى رجل ينتمى إلى لسب ليس منه. أو يدعى ما ليس منه فى سىء، والقدح بالكسر أحد سهام الميسر. وأبو عمرو بن امية قد تزوج امرأة ابيه زوجه إياها ابنها أبو العاص بن أمية أخوه لأبيه، وكان نكاحا ينكحه الجاهلية ص 99 نسب قريش

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْهَا، فَتَمَثّلَ عُمَرُ بِهَذَا الْمَثَلِ، يُرِيدُ أَنّ عُقْبَةَ لَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ «1» ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ حِينَئِذٍ: إنّمَا أَنْتَ يَهُودِيّ مِنْ أَهْلِ صَفّورِيَةَ «2» ، لِأَنّ الْأَمَةَ الّتِي وَلَدَتْ أَبَاهُ كَانَتْ لِيَهُودِيّ مِنْ أَهْلِ صَفّورِيَةَ، وَاسْمُهَا: تَرَنِي، قَالَهُ الْقُتَبِيّ «3» ، وَكَذَلِكَ قَالَ دَغْفَلُ بْنُ حَنْظَلَةَ النّسّابَةُ لِمُعَاوِيَةَ حِينَ سَأَلَهُ: هَلْ أَدْرَكْت عَبْدَ الْمُطّلِب؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَدْرَكْته شَيْخًا وَسِيمًا قَسِيمًا جَسِيمًا يَحُفّ بِهِ عَشَرَةٌ مِنْ بَنِيهِ كَأَنّهُمْ النّجُومُ، قَالَ: فَهَلْ رأيت أميّة ابن عَبْدِ شَمْسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ رَأَيْته أُخَيْفِشُ أُزَيْرِقُ «4» دَمِيمًا، يَقُودُهُ عَبْدُهُ ذَكْوَانُ، فَقَالَ: وَيْحَك ذَاكَ ابْنُهُ أَبُو عَمْرٍو، فَقَالَ دَغْفَلٌ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ ذَلِكَ. الطّعْنُ فِي نَسَبِ بَنِي أُمَيّةَ: قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذَا الطّعْنُ خَاصّ بِنَسَبِ عُقْبَةَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ، وَفِي نَسَبِ أُمَيّةَ نَفْسِهِ مَقَالَةٌ

_ (1) جعله ابن دريد فى الاشتقاق من رجال قريش، وكذلك المؤرخ ابن عمرو السدوسى. (2) كورة وبلدة من نواحى الأردن بالشام قرب طبرية. (3) يقال للأمة والبغى: ترنى كحبلى، وترنى وابن ترنى: ولد البغى، ويجوز أن تكون ترنى من رنيت: إذا أديم النظر إليها. يقال: إن أمية جد أبيه خرج إلى الشام، فوقع على يهودية لها زوج من صفورية فولدت ذكوان المكنى أبا عمرو، وهو والد أبى معيط على فراش اليهودى، فاستلحقه بحكم الجاهلية. (4) أخفش تصغير أخفش والخفش فساد فى العين يضعف منه نورها، ويغمض دائما من غير وجع والزرقة خضرة فى سواد العين، وقيل: هو أن يتغش سوادها بياض. وقيل: الزرق تحجيل يكون دون الأشاعر، أو بياض لا يطيف بالعظم كله، ولكن وضح فى بعضه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرى تعم حميع الْفَصِيلَةِ، وَهِيَ مَا رُوِيَ عَنْ سَفِينَةَ «1» مَوْلَى أُمّ سَلَمَةَ حِينَ قِيلَ لَهُ: إنّ بَنِي أُمَيّةَ يَزْعُمُونَ أَنّ الْخِلَافَةَ فِيهِمْ، فَقَالَ: كَذَبَتْ اسْتَاهُ بَنِي الزّرْقَاءِ، بَلْ هُمْ مُلُوكٌ، وَمِنْ شَرّ الْمُلُوكِ، فَيُقَالُ: أَنّ الزّرْقَاءَ هَذِهِ هِيَ [أُمّ] أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ «2» ، وَاسْمُهَا أَرْنَبُ، قاله الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِ الْأَمْثَالِ، قَالَ: وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيّةِ مِنْ صَوَاحِبِ الرّايَاتِ «3» . قَالَ الْمُؤَلّفُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ، وَنَهَى عَنْ الطّعْنِ فِي الْأَنْسَابِ، وَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْكَفّ عَنْ نَسَبِ بَنِي أُمَيّةَ إلا لموضع عثمان ابن عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لَكَانَ حَرًى بذلك. أَبُو هِنْدٍ الْحَجّامُ: فَصْلٌ وَذَكَرَ أَبَا هِنْدٍ الْحَجّامَ، وَأَنّهُ لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم

_ (1) وقيل: هو مولى رسول الله «ص» واسمه مهران. (2) كلمة أم غير موجودة بالأصل، والسياق يفرضها وفى نسب قريش أن أم أمية هى نفجة بنت عبيد بن رواس بْنِ كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صعصعة ص 97 وفى السدوسى أن اسمها تعجز ابنة عبيد بن رؤاس بن كلاب الخ ص 30 (3) يرى الشهرستانى أنها امرأة كان يختلف إليها النفر فى الجاهلية، وكلهم يواقعها فى طهر واحد، فإذا ولدت ألزمت الولد أحدهم وهذه تدعى: المقسمة ويرى غيره أن البغايا كن ينصبن على أبو ابهن رايات، يدخل عليها الكثير، فإذا حملت ووضعت جمعوا لها، ودعوا القافة، فيلحقونه بشبيهه. ولهذا لا يمكن تصديق ما زعمه الإصبهانى، وهو يرمى عن فارسيته التى تحاول النيل من أشراف العرب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُنْصَرَفَهُ مِنْ بَدْرٍ. أَبُو هِنْدٍ اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ، وَهُوَ مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبِيَاسِيّ، وَأَمّا طَيْبَةُ «1» الْحَجّامُ فَهُوَ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ، وَاسْمُهُ: نَافِعٌ، وَقِيلَ: دُنَيْرٍ وَقِيلَ مَيْسَرَةُ، وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا. أُسَارَى بَدْرٍ ذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا عزيز بن عمير حين مرّبه، وَهُوَ أَسِيرٌ عَلَى أَخِيهِ مُصْعَبٍ، فَقَالَ مُصْعَبٌ لِلّذِي أَسَرَهُ: اُشْدُدْ يَدَيْك «2» بِهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدْ تَقَدّمَ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ خَبَرُ إسْلَامِ مُصْعَبٍ، وَمَا كَانَتْ أُمّهُ تَصْنَعُ بِهِ، وَأَرْجَأْت التّعْرِيفَ بِهِ وَبِإِخْوَتِهِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، فَأَمّا أَبُو عَزِيزٍ، فَاسْمُهُ زُرَارَةُ، وَأُمّهُ الّتِي أَرْسَلَتْ فِي فِدَائِهِ أُمّ الْخِنَاسِ بِنْتُ مَالِكٍ الْعَامِرِيّةُ، وَهِيَ أُمّ أَخِيهِ مصعب، وأخته هند بنت عمير، وهند هى أم شيبة ابن عُثْمَانَ حَاجِبُ الْكَعْبَةِ، جَدّ بَنِي شَيْبَةَ أَسْلَمَ أَبُو عَزِيزٍ، وَرَوَى الْحَدِيثَ، وَأَسْلَمَ أَخُوهُ أَبُو الرّومِ، وَأَبُو يَزِيدَ، وَلَا خَفَاءَ بِإِسْلَامِ مُصْعَبٍ أَخِيهِ، وَغَلِطَ الزّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ، فَقَالَ: قُتِلَ أَبُو عَزِيزٍ يَوْمَ أُحُدٍ كَافِرًا، وَلَمْ يَصِحّ هَذَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبَارِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ، وَلَعَلّ المقتول بأحد كافرا أخ لهم غيره.

_ (1) الصواب: أبو طيبة، واسمه كما قال السهيلى نافع أو ميسرة وكنيته كما قدمت: أبو طيبة، وقد ثبت ذكره فى الصحيحين أنه حجم النبى صلى الله عليه وآله وسلم من حديث أنس وجابر وغيرهما. (2) فى السيرة: شديدك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَبَرُ أَبِي رَافِعٍ حِينَ قَدِمَ فَلّ قُرَيْشٍ اسْمُ أَبِي رَافِعٍ: أَسْلَمُ «1» ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ اسْمُهُ إبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ اسْمُهُ: هُرْمُزَ، وَكَانَ عَبْدًا قِبْطِيّا لِلْعَبّاسِ، فَوَهَبَهُ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمّا أَسْلَمَ الْعَبّاسُ وَبَشّرَ أَبُو رَافِعٍ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِسْلَامِهِ، فَأَعْتَقَهُ، فَكَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقِيلَ: كَانَ عَبْدًا لِبَنِي سَعِيدِ ابن الْعَاصِي، وَهُمْ عَشَرَةٌ فَأَعْتَقُوهُ إلّا خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ، فَإِنّهُ وَهَبَ حِصّتَهُ فِيهِ لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْتَقَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْأَوّلُ أَصَحّ تُوُفّيَ فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيّ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بِيَسِيرِ. أُمّ الْفَضْلِ وَضَرْبُهَا لِأَبِي لَهَبٍ: وَذَكَرَ أَبَا لَهَبٍ وَضَرْبَهُ لِأَبِي رَافِعٍ حِينَ ذَكَرَ الْمَلَائِكَةَ وَانْتِصَارَ أُمّ الْفَضْلِ لَهُ وَضَرْبَهَا لِأَبِي لَهَبٍ، وَأُمّ الْفَضْلِ هِيَ لُبَابَةُ الْكُبْرَى بِنْتُ الْحَارِثِ [بْنِ حَزْنِ ابن بُجَيْرِ بْنِ الْهُزَمِ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ] الْهِلَالِيّةُ أُخْتُ مَيْمُونَةَ، وَأُخْتُهَا لُبَابَةُ الصّغْرَى أُمّ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَلَدَتْ أُمّ الْفَضْلِ مِنْ الْعَبّاسِ سَبْعَةً نُجَبَاءَ قَالَ الشّاعِرُ: مَا وَلَدَتْ نَحِيبَةٌ مِنْ فَحْلٍ ... كَسَبْعَةِ مِنْ بَطْنِ أُمّ الفضل

_ (1) وقيل: سنان، وقيل: يسار، وقيل: صالح، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: قزمان، وقيل. يزيد، وقيل: ثابت. قال ابن عبد البر: أشهر ما قيل فى اسمه: أسلم، وقال مصعب الزبيرى: اسمه إبراهيم، ولقبه بريه، وهو تصغير إبراهيم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُمْ عَبْدُ اللهِ وَعُبَيْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ، وَالْفَضْلُ، وَمَعْبَدُ، وَقُثَمُ «1» ، وَيُقَالُ فِي السّابِعِ: كَثِيرُ بْنُ الْعَبّاسِ، وَالْأَصَحّ فِي كَثِيرٍ أَنّ أُمّهُ رُومِيّةُ، وَلَمْ تَلِدْ أُمّ الْفَضْلِ مِنْ الْعَبّاسِ إلّا مَنْ سَمّيْنَا وَأُخْتًا لَهُمْ، وَهِيَ أُمّ حَبِيبٍ، وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يونس [بن بكير] ، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ- رَآهَا وَهِيَ طِفْلَةً تَدِبّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: إنْ بَلَغْت هَذِهِ وَأَنَا حَيّ تَزَوّجْتهَا، فَقُبِضَ عَلَيْهِ السّلَامُ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ فَتَزَوّجَهَا سفيان بن الأسود

_ (1) هذا رأى محمد بن حبيب فى المحبر ص 409. وقد ذكر مصعب الزبيرى لها ستا هم الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، وقثم، ومعبد وأم حبيب. وللعباس من غيرها الحارث وأمه من هذيل، وكثير وتمام وأمهما: أم ولد، وآمنة لأم ولد، وصفية لأم ولد. والمؤرخ السدوسى يذكر له ثلاثة أولاد: وفى نهاية الأرب للقلقشندى أنه كان للعباس تسعة أولاد منهم الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم وعبد الرحمن ومعبد وأمهم لبابة ثم تمام وكثير والحارث ولم يذكر أمهم ص 143 ط 1959 لأبى العباس أحمد القلقشندى وكذلك ذكر فى كتابه قلائد الجمان ص 156. وقد زدت فى نسب لبابة ما ورد فى نسب قريش للزبيرى، وحذف من نسب قريش ص 27 للسدوسى ص 32 أما ابن دريد فى الاشتقاق فذكر أنهم أحد عشر ابنا وعد منهم من أسماؤهم: عبدان وصبح ومسهر ومعبد، والعجيب أنه لم يذكر منهم عبد الله. هذا وقد كان العباس يحمل تماما ويقول: تموا بتمام فصاروا عشره ... يا رب فاجعلهم كراما برره واجعل لهم ذكرا وأتم الثمره ويذكر ابن حبيب ص 46 فى المحبر أن قثما كان يشبه النبى، وأن العباس كان يرقصه بقوله. أيا بنى يا قثم ... أيا شبيه ذى الكرم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عَبْدِ الْأَسَدِ [بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو] الْمَخْزُومِيّ فَوَلَدَتْ لَهُ رِزْقًا وَلُبَابَةَ «1» . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ أَبَا لَهَبٍ حِينَ ضَرَبَتْهُ أُمّ الْفَضْلِ بِالْعَمُودِ عَلَى رَأْسِهِ قَامَ مُنْكَسِرًا، وَلَمْ يَلْبَثْ إلّا يَسِيرًا، حَتّى رَمَاهُ اللهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَهُ. وَذَكَرَ الطّبَرِيّ فِي كِتَابِهِ أَنّ الْعَدَسَةَ قَرْحَةٌ كَانَتْ الْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِهَا، وَيَرَوْنَ أَنّهَا تُعْدِي أَشَدّ الْعَدْوَى، فَلَمّا رُمِيَ بِهَا أَبُو لَهَبٍ، تَبَاعَدَ عَنْهُ بَنُوهُ، فَبَقِيَ ثَلَاثًا لَا تُقْرَبُ جِنَازَتُهُ، وَلَا يُدْفَنُ، فَلَمّا خَافُوا السّبّةَ دَفَعُوهُ بِعُودِ فِي حُفْرَتِهِ ثُمّ قَذَفُوهُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ بِعِيدِ حَتّى وَارَوْهُ «2» وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ لَمْ يَحْفِرُوا لَهُ، وَلَكِنْ أُسْنِدَ إلَى حَائِطٍ وَقُذِفَتْ عَلَيْهِ الْحِجَارَةُ مِنْ خَلْفِ الْحَائِطِ وَوُرِيَ «3» وَذَكَرَ أَنّ عائشة كانت إدا مرت بموضعه ذلك غطّت

_ (1) فى كتاب نسب قريش لمصعب الزبيرى ذكر أن اسم زوجها الأسود ابن سفيان بن عبد الأسد الخ. وفى الإصابة: الأسود بن سنان، وفى كتاب النسب أنها ولدت للأسود: رزقا وعبد الله. (2) نص تعبير الطبرى فى تاريخه «فلقد تركه أبناه ليلتين أو ثلاثا ما يدفنانه حتى أنتن فى بيته، وكانت قريش تنقى العدسة وعدوتها كما يتقى الناس الطاعون، حتى قال لهما رجل: ويحكما ألا تستحيان أن أباكما قد أنتن فى بيته لا تغيبانه، فقالا: إنا نخشى هذه القرحة الخ» ص 462 ح 2 الطبرى ط المعارف. وقد عرف ابن الأثير فى النهاية العدسة بقوله بثرة تشبه العدسة تخرج فى مواضع من الجسد من جنس الطاعون تقتل صاحبها غالبا. (3) نص تعبير الطبرى: «فما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يمسونه، ثم احتملوه فدفنوه بأعلى مكة إلى جدار، وقذفوا عليه بالحجارة حتى واروه» -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَجْهَهَا «1» ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ أَنّ بَعْضَ أَهْلِهِ رَآهُ فِي الْمَنَامِ فِي شَرّ رَحِيبَةٍ «2» ، وَهِيَ الْحَالَةُ، فَقَالَ: مَا لَقِيت بَعْدَكُمْ، يَعْنِي. رَاحَةً، غَيْرَ أَنّي سُقِيت فِي مِثْلِ هَذِهِ بِعِتْقِي ثُوَيْبَةَ، هَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْأُصَيْلِيّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ، قَالَ: مَا لَقِيت بَعْدَكُمْ رَاحَةً، غَيْرَ أَنّي سُقِيت فِي مِثْلِ هَذِهِ، وَأَشَارَ إلَى النّقْرَةِ بَيْنَ السّبّابَةِ وَالْإِبْهَامِ، بِعِتْقِي ثُوَيْبَةَ «3» ، وَفِي غَيْرِ الْبُخَارِيّ أَنّ الّذِي رَآهُ مِنْ أَهْلِهِ هُوَ أَخُوهُ الْعَبّاسُ، قَالَ: مَكَثْت حَوْلًا بَعْدَ مَوْتِ أَبِي لَهَبٍ لَا أَرَاهُ فِي نَوْمٍ، ثُمّ رَأَيْته فِي شَرّ حَالٍ، فَقَالَ: مَا لَقِيت بَعْدَكُمْ رَاحَةً إلّا أن العذاب يخفف عنى كلّ

_ - ص 462 ح 2. وأولاد أبى لهب هم: عتبة ومعتب أسلما يوم الفتح وثبتا يوم حنين، وأختهما درة لهما صحبة، وهى من المهاجرات، وأما عتيبة فقتله الأسد بالزرقاء من أرض الشام، وقد روى الطبرانى أنه صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح بين عتبة ومعتب يقول للناس: هذا أخواى وابنا عمى- فرحا بإسلامهما- استوهبتهما من الله، فوهبهما لى. (1) قال الزرقانى فى شرحه على المواهب اللدنية «قال البرهان: الظاهر أن ذلك لنتنه، فكأنه كان يظهر من قبره إهانة له أبدا، ويحتمل أن فعلها ذلك لكونه محل عذاب، كما فعل- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- حِينَ مَرّ بِالْحِجْرِ، فغطى وجهه بثوبه واستحث راحلته، إشارة إلى التباعد عنه» ص 452 ح 1. (2) فى رواية الشيخين: خيبة، فقد أخرجا عن عروة قال أعتق أبو لهب ثويبة، فأرضعت رسول الله «ص» فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله فى النوم بشر خيبة، فقال له: ماذا لقيت؟ قال: لم ألق بعدكم رخاء. (3) التى أرضعت النبى صلى الله عليه وسلم: قال أبو نعيم: لا أعلم أحدا أثبت إسلامها، وفى طبقات ابن سعد ما يدل على أنها لم تسلم ماتت سنة سبع مرجع النبى «ص» من خيبر. وكانت خديجة تكرمها وهى ملك أبى لهب، وسألته أن يبيعها لها فامتنع، فلما هاجر النبى «ص» أعتقها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَوْمِ اثْنَيْنِ، وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَكَانَتْ ثُوَيْبَةُ قَدْ بَشّرَتْهُ بِمَوْلِدِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: أَشَعَرْت أَنّ آمِنَةَ وَلَدَتْ غُلَامًا لِأَخِيك عَبْدِ اللهِ؟ فقال لها: اذهبى، فأنت حرّة، فنفعه ذلك «1» ، وهو فى النّارِ كَمَا نَفَعَ أَخَاهُ أَبَا طَالِبٍ ذَبّهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ أَهْوَنُ أَهْلِ النّارِ عَذَابًا، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي بَابِ أَبِي طَالِبٍ أَنّ هَذَا النّفْعَ إنّمَا هُوَ نُقْصَانٌ مِنْ الْعَذَابِ، وَإِلّا فَعَمَلُ الْكَافِرِ كُلّهُ مُحْبَطٌ بِلَا خِلَافٍ، أَيْ: لَا يَجِدُهُ «2» فِي مِيزَانِهِ، وَلَا يَدْخُلُ بِهِ جَنّةً، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصِلُ ثُوَيْبَةَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَيُتْحِفُهَا؛ لِأَنّهَا كَانَتْ أَرْضَعَتْهُ، وَأَرْضَعَتْ عَمّهُ حَمْزَةَ، وَلَمّا افْتَتَحَ مَكّةَ سَأَلَ عَنْهَا، وَعَنْ ابْنٍ لَهَا اسْمُهُ: مسروح، فأخبر أنهما قد ماتا «3» .

_ (1) هو لم يعتقها إلا بعد الهجرة، وليس للمشرك عند الله عمل فكل عمله حابط. يقول سبحانه (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) الزمر: 65 وقال: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) المائد: 5 وقال (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها، وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) هود: 15 16 هذه الآية تؤكد أن هؤلاء يوفون أعمالهم فى الدنيا، أما فى الآخرة فليس لهم من جزاء إلا النار. والاستثناء هنا لا يدع شيئا من ظن أو توهم حول هذا. كما تؤكد أن ما صنعوا فى الدنيا حابط عند الله، وأن ما عملوه كان باطلا. (2) إن نقصان العذاب ثواب ورحمة، فكيف لا يجد شيئا فى ميزانه، ثم ينال ثوابا ورحمة. (3) مات ابنها قبلها. ويقول الحافظ فى الإصابة: «ولم أقف فى شىء من الطرق على إسلام ابنها مسروح، وهو محتمل»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضُبَيْرَةَ: وَذَكَرَ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطّابِيّ عَنْ الْعَنْبَرِيّ أَنّهُ يُقَالُ فِيهِ: ضَبِيرَةُ بِالضّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَاسْمُ أَبِي ضُبَيْرَةَ: عَوْفٌ. ابْنُ الدّخْشُمِ: وَذَكَرَ مَالِكَ، بْنَ الدّخْشُمِ [بْنِ مِرْضَخَةَ] وَيُقَالُ فِيهِ: الدّخَيْشُ، وَيُقَالُ فِيهِ: ابْنُ الدّخَيْشِ «1» وَيُقَالُ: إنّهُ الّذِي سَارّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَلَمْ يُدْرَ مَا سَارّهُ بِهِ حَتّى جَهَرَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِهِ، وَهُوَ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأ، وَاَلّذِي سَارّهُ هُوَ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ «2» ، وَقَدْ بَرّأَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِكَ بْنَ الدّخْشُمِ مِنْ النّفَاقِ، حَيْثُ قَالَ: أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ أَلَيْسَ يُصَلّي؟ قَالُوا: بَلَى، فَقَالَ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأِ: أُولَئِكَ الّذِينَ نهانى الله عنهم، وقال

_ (1) جعله ابن دريد من الخزرج، أما الحافظ فى الفتح، فيقول إنه من بنى عوف بن عمرو بن عوف الأنصارى الأوسى. ملحوظة: ذكر ابن هشام عن البيت الأخير من قصيدة الأسود الدالية أن فيه إقواء. قال أبو ذر الخشنى عن هذا «هو الذى سماه إكفاء أكثر الناس من أهل القوافى يسميه: إقواء، والإقواء عندهم: اختلاف الحركات، والإكفاء: اختلاف الحروف فى القوافى» ص 163. (2) عِتْبَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَجْلَانِ بن يزيد بن غنم بن سالم ابن عوف بن عمرو بن عوف بن عوف بن الخزرج الأنصارى الخزرجى السالمى وحديثه فى الصحيحين، وأنه كان إمام قومه بنى سالم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ: فَإِنّ اللهَ قَدْ حَرّمَ عَلَى النّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلّا اللهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ. حَوْلَ شِعْرِ مِكْرَزٍ: وَذِكْرُ مِكْرَزٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي اسْمِ مِكْرَزٍ أَنّهُ يُقَالُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، وَلَكِنْ لَا يُرْوَى فِي السّيرَةِ إلّا بِالْكَسْرِ. وَقَوْلُ مكرز: فديت بأذواد ثمان سبافتي بِكَسْرِ الثّاءِ مِنْ ثِمَانٍ، لِأَنّهُ جَمْعُ ثَمِينٍ، مثل سمين وسمان «1» . أبو العاصى بن الربيع: وذكر أبا العاصى بْنَ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَاسْمُ أَبِي العاصى: لَقِيطٌ، وَقِيلَ فِيهِ: هَاشِمٌ وَقِيلَ مُهَشّمٌ» ، وَقِيلَ هَشِيمٌ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِي أَهْلِهِ زَيْنَبَ بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان بالشام تاجرا حين قالها:

_ (1) يقول الخشنى: من رواه ثمان بكسر الثاء، فمعناه، غالية الثمن، ومن رواه بفتح الثاء، فهو من العدد ص 164. (2) تقال بكسر الميم وسكون الهاء وفتح الشين، أو بضم الميم وفتح الهاء وكسر الشين الثقيلة وكان يلقب جرو البطحاء والأمين، ومن أسمائه أيضا: ياسر أو قاسم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَكَرَتْ زَيْنَبُ لَمَا يَمّمَتْ إضَمًا «1» ... فَقُلْت: سَقْيًا لِشَخْصِ يَسْكُنُ الْحَرَمَا بِنْتُ الْأَمِينِ جَزَاهَا اللهُ صَالِحَةً ... وَكُلّ بَعْلٍ سَيُثْنِي بِاَلّذِي عَلِمَا وَلَدَتْ لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَامَةَ وَعَلِيّا، مَاتَ عَلِيّ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَتَزَوّجَ أُمَامَةَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَتَزَوّجَهَا بَعْدَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ نَوْفَلٍ «2» ، وَهِيَ الّتِي جَاءَ فِيهَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الزّرَقِيّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلّي، وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ الْحَدِيثَ «3» قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ: كَانَتْ تِلْكَ الصّلَاةُ صَلَاةَ الصّبْحِ، هَكَذَا رَوَاهُ [عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ] بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ عَتّابٍ عَنْ عَمْرِو ابن سُلَيْمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ السّيرَةِ عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، فَقَالَ فِيهِ: فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الظّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ، وكان الذى أسر أبا العاصى مِنْ الْأَنْصَارِ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، ذَكَرَهُ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ، وَكَانَتْ رُقَيّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَأُمّ كُلْثُومٍ تَحْتَ عُتَيْبَةَ،

_ (1) يقول البكرى فى معجمه عن إضم: واد دون المدينة أو جبل لأشجع وجهينة أو واد لهم. وفى المراصد: ماء تطؤه الحاج بين مكة واليمامة عند السمينة، وقيل هو الوادى الذى فيه مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم الخ. (2) تزوجها على بعد موت خالتها فاطمة لوصية منها، وقد زوجها له الزبير، وتزوجها المغيرة بوصية من على ص 205 ح 2 السيرة الحلبية. (3) حديث صلاة الرسول «ص» وهو يحمل أمامة موجود فى الصحيحين وقد ماتت أمامة عند المغيرة، فليس لزينب عقب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَطَلّقَاهُمَا بِعَزْمِ أَبِيهِمَا عَلَيْهِمَا وَأُمّهِمَا حِينَ «1» نَزَلَتْ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ فَأَمّا عُتَيْبَةُ، فَدَعَا عَلَيْهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَلّطَ اللهُ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِهِ فَافْتَرَسَهُ الْأَسَدُ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ، وَهُمْ نِيَامٌ حَوْلَهُ، وَأَمّا عُتْبَةُ وَمُعَتّبٌ ابْنَا أَبِي لَهَبٍ، فَأَسْلَمَا وَلَهُمَا عَقِبٌ. وَقَوْلُهُ فِي خَبَرِ هِنْدٍ فَلَا تَضْطَنِي مِنّي. تَضْطَنِي، أَيْ. لَا تَنْقَبِضِي عَنّي وَشَاهِدُهُ [قَوْلُ الطّرِمّاحِ بْنِ حَكِيمٍ] : إذَا ذُكِرَتْ مَسْعَاةُ وَالِدِهِ اضْطَنَى ... وَلَا يَضْطَنِي مِنْ شَتْمِ أَهْلِ الْفَضَائِلِ «2» هَكَذَا وَجَدْته فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْبَيْتُ فِي الْحَمَاسَةِ: يُضْنِي بِالضّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَأَنّهُ يَفْتَعِلُ مِنْ الضّنَى وَهُوَ الضعف

_ (1) أنظر ص 22 كتاب نسب قريش للمصعب الزبيرى. (2) البيت من قصيدة الطرماح بن حكيم أولها لقد زادنى حبا لنفسى أننى ... بغيض إلى كل امرىء غير طائل وإنى شقى باللئام ولا ترى ... شقيا بهم إلا كريم الشمائل وهى فى الحماسة: يضطنى كما روى السهيلى البيت، لا كما قال بعده. وقد شرح بما يأتى: اضطنى افتعل من الضنى أى أنه يضنى إذا ذكر صنيع والده لقبحه ومع هذا يشتم أهل الفضائل ولا يضنى منه. ويقول الخشن فى شرح السيرة فى تفسير تضطنى: من رواه بالضاد والنون المخففة. فمعناه: لا تختفى ولا تستحيى وأصله: الهمز، يقال: اصطنأت المرأة: إذا استحيت، فحذف الهمزة تخفيفا. ومن رواه: تظطنى فهو من ظننت التى بمعنى: اتهمت، أى: لا تتهمنى ولا تسترب منى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اتّبَاعُ قُرَيْشٍ لِزَيْنَبِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ خُرُوجَ زَيْنَبَ بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مِنْ مَكّةَ، وَاتّبَاعَ قُرَيْشٍ لَهَا، قَالَ: وَسَبَقَ إلَيْهَا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالْفِهْرِيّ، وَلَمْ يُسَمّ ابْنُ إسْحَاقَ الْفِهْرِيّ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، وَفِي غَيْرِ السّيرَةِ أَنّهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَزّارُ فِيمَا بَلَغَنِي. وَذَكَرَ أَنّ زَيْنَبَ حِينَ رَوّعَهَا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَلْقَتْ ذَا بَطْنِهَا، وَزَادَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّهُ نَخَسَ بِهَا الرّاحِلَةَ فَسَقَطَتْ عَلَى صَخْرَةٍ، وَهِيَ حَامِلٌ فَهَلَكَ جَنِينُهَا، وَلَمْ تَزَلْ تُهْرِيقُ الدّمَاءَ حَتّى مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ إسْلَامِ بعلها أبي العاصي. وَذَكَرَ الزّبَيْرُ أَنّ هَبّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ لَمّا أَسْلَمَ وَصَحِبَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسُبّونَهُ بِمَا فَعَلَ، حَتّى شَكَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: سُبّ مَنْ سَبّك يَا هَبّارُ، فَكَفّ النّاسُ عَنْ سَبّهِ بَعْدُ. وَلَدَتْ زَيْنَبُ [أُمَامَةَ] وَهِيَ الّتِي جَاءَ فِيهَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَمْرُو بن السليم ابن خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ الزّرَقِيّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ الْحَدِيثَ. قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ إلَى آخِرِ مَا تَقَدّمَ قَرِيبًا. تَفْسِيرُ قَصِيدَةِ أَبِي خَيْثَمَةَ: وَذِكْرُ شِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ، وَقِيلَ بَلْ قَالَهَا أَبُو خَيْثَمَةَ، وَفِيهَا: على مأقط وبيننا عطر منشم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المأقط: مُعْتَرَكُ الْحَرْبِ «1» ، وَعِطْرُ مَنْشَمِ كِنَايَةٌ عَنْ شِدّةِ الْحَرْبِ، وَهُوَ مَثَلٌ، وَأَصْلُهُ- فِيمَا زَعَمُوا- أَنّ منشم كانت امْرَأَةً مِنْ خُزَاعَةَ تَبِيعُ الْعِطْرَ وَالطّيبَ، فَيُشْتَرَى مِنْهَا لِلْمَوْتَى، حَتّى تَشَاءَمُوا بِهَا لِذَلِكَ، وَقِيلَ: إنّ قَوْمًا تَحَالَفُوا عَلَى الْمَوْتِ، فَغَمَسُوا أَيْدِيَهُمْ فِي طِيبِ مَنْشَمِ الْمَذْكُورَةِ تَأْكِيدًا لِلْحَلِفِ، فَضُرِبَ طِيبُهَا مَثَلًا فِي شِدّةِ الْحَرْبِ، وَقِيلَ: مَنْشَمُ امْرَأَةٌ مِنْ غُدَانَةَ، وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ تَمِيمٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَأَنّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هِيَ صَاحِبَةُ يَسَارٍ الّذِي يُقَالُ له يسار الكواعب، وَأَنّهُ كَانَ عَبْدًا لَهَا، وَأَنّهُ رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَقَالَتْ لَهُ: امْهَلْ حَتّى أُشِمّك طِيبَ الْحَرَائِرِ، فَلَمّا أَمْكَنَهَا مِنْ أَنْفِهِ أَنْخَتْ عَلَيْهِ بِالْمُوسَى حَتّى أَوْعَبَتْهُ «2» جَدْعًا، فَقِيلَ فِي الْمَثَلِ. لَاقَى الّذِي لَاقَى يَسَارُ الْكَوَاعِبِ، فَقِيلَ: عِطْرُ منشم «3»

_ (1) المأقط: الضيق فى الحرب، وقال ابن سراج: المأقط: موضع الحرب غير مهموز من المقط وهو الضرب «الخشنى ص 165» . (2) استأصلته. (3) اختلف الرواة فى لفظ هذا الإسم ومعناه واشتقاقه، وفى سبب المثل فانه يقال: منشم بفتح الشين وكسرها ومشأم. وفى معناه قال أبو عمرو بن العلاء إن المنشم هو الشر بعينه، وزعم غيره أنه شىء يكون فى سنبل العطر يسميه العطارون: قرون السنبل، وهم سم ساعة، وقيل إن المنشم تمرة سوداء منتنة وقيل اسم امرأة، وأما اشتقاق منشم فقالوا إنه اسم موضوع كسائر الأسماء الأعلام. وقيل هو اسم وفعل، فأصله: من شم، فحذفوا الياء الثانية وجعلوا الأولى حرف إعراب، وقيل: هو من لشم فى كذا إذا بدأ فيه. وهناك اختلاف فى سبب المثل مذكور فى كتب الأمثال، وقد تقدم فى الجزء الأول ذكر يسار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي الشّعْرِ: بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصلاصل محكم يعنى: الْغُلّ، وَالصّلَاصِلُ جَمْعُ: صَلْصَلَةٍ، وَهِيَ صَلْصَلَةُ الْحَدِيدِ. وَذَكَرَ قَوْلَ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ لِفَلّ قُرَيْشٍ حِينَ رَجَعُوا مِنْ بَدْرٍ. أَفِي السّلْمِ أَعْيَارًا جَفَاءً وَغِلْظَةً ... وَفِي الْحَرْبِ أَشْبَاه النّسَاءِ الْعَوَارِكِ «1» يُقَالُ: عَرَكَتْ الْمَرْأَةُ وَدَرَسَتْ وَطَمَثَتْ إذَا حَاضَتْ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا يُقَالُ: ضَحِكَتْ إذَا حَاضَتْ، وَتَأَوّلَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى [وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ] فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا: يُقَالُ: أَكْبَرَتْ الْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَالْهَاءُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَكْبَرْنَهُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ، وَنُصِبَ أَعْيَارًا عَلَى الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ فِعْلٌ مُخْتَزَلٌ لِأَنّهُ أَقَامَ الْأَعْيَارَ مَقَامَ اسْمٍ مُشْتَقّ، فَكَأَنّهُ قَالَ: أَفِي السّلْمِ بُلَدَاءَ جُفَاةً مِثْلَ الْأَعْيَارِ، وَنَصْبُ جَفَاءً وَغِلْظَةً نَصْبُ الْمَصْدَرِ الْمَوْضُوعِ مَوْضِعَ الْحَالِ، كما تقول: زبد الْأَسَدُ شِدّةً، أَيْ يُمَاثِلُهُ مُمَاثَلَةً شَدِيدَةً؛ فَالشّدّةُ صِفَةٌ لِلْمُمَاثَلَةِ، كَمَا أَنّ الْمُشَافَهَةَ صِفَةٌ لِلْمُكَالَمَةِ، إذَا قُلْت: كَلّمْته مُشَافَهَةً فَهَذِهِ حَالٌ مِنْ المصدر فى الحقيقة، وتعلّق حرف الجرّ

_ (1) البيت من شواهد سيبويه فى الكتاب، وأعيارا وأشباء النساء منصوبان عنده على المصدر، أما عند السيرافى فمنصوبان على الحال. والأعيار: جمع عير- بفتح العين الحمار أهليا كان أم وحشيا. والجفاء: الغلظة. والفل: القوم المنهزمون، والاستفهام فى البيت للتوبيخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ قَوْلِهَا: أَفِي السّلْمِ، بِمَا أَدّتْهُ الْأَعْيَارُ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ، فَكَأَنّهَا قَالَتْ: أَفِي السّلْمِ تَتَبَلّدُونَ، وَهَذَا الْفِعْلُ الْمُخْتَزَلُ النّاصِبُ لِلْأَعْيَارِ لَا يَجُوزُ إظْهَارُهُ لِلسّرّ الّذِي نَبّهْنَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِ الْمُبْرِقِ [عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ] : وَعَائِذًا بِك أَنْ يَعْلُوا فَيُطْغُونِي اُنْظُرْهُ فِي الْهِجْرَةِ إلَى الْحَبَشَةِ. رَدّ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا: وَذَكَرَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ردّ زينب على أبى العاصى عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ، لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا بَعْدَ سِتّ سِنِينَ، وَيُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ، أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدّهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحِ جَدِيدٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَصَحّ إسْنَادًا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِيمَا عَلِمْت لِأَنّ الْإِسْلَامَ قَدْ كَانَ فَرّقَ بَيْنَهُمَا، قال الله تعالى: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ: مَعْنَى رَدّهَا عَلَيْهِ عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ، أَيْ: عَلَى مِثْلِ النّكَاحِ الْأَوّلِ، فِي الصّدَاقِ وَالْحِبَاءِ لَمْ يُحْدِثْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ مِنْ شَرْطٍ، وَلَا غَيْرِهِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شِعْرُ بِلَالٍ فِي مَقْتَلِ أُمَيّةَ: وَذَكَرَ قَتْلَ بِلَالٍ لِأُمَيّةِ بْنِ خَلَفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ شِعْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ وَهُوَ: فَلَمّا الْتَقَيْنَا لَمْ نُكَذّبْ بِحَمْلَةِ ... عَلَيْهِمْ بِأَسْيَافِ لَنَا كَالْعَقَائِقِ وَمَطْرُورَةُ حُمْرُ الظّبَاةِ كَأَنّهَا ... إذَا رُفِعَتْ أَشْطَانُ ذَاتِ الْأَبَارِقِ بَنِي جُمَحٍ قَدْ حَلّ قَعْصٌ بِشَيْخِكُمْ ... عَلَى مَاءِ بَدْرٍ رَأْسِ كُلّ مُنَافِقِ هَجَمْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ وَاشْتَجَرَتْ بِهِ ... مَصَالِيتُ لِلْأَنْصَارِ غَيْرُ زَوَاهِقِ هَوَى حِينَ لَاقَانَا وَفُرّقَ جَمْعُهُ ... عَلَى وَجْهِهِ فِي النّارِ مِنْ رَأْسِ حَالِقِ وَذَكَرَ الزّبَيْرُ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَنْ ابْنِ سَلّامٍ عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنّ أُمَيّةَ حِينَ أَحَاطَتْ به الأنصار، قال: يا أحد رأى، أمالكم بِاللّبّنِ حَاجَةٌ؟ قَالَ: وَكَانَ أُمَيّةُ يُذْكَرُ بِفَصَاحَتِهِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِثْلَ هَذَا، ثُمّ قَرَنَ الزّبَيْرُ هَذَا الْحَدِيثَ بِحَدِيثِ أَسْنَدَهُ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ حِينَ نَزَلَتْ قُلْ: إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ الزّخْرُفِ: 81 الْآيَةَ، وَكَانَ النّضْرُ قَدْ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ الرّحْمَنِ، فَلَمّا سَمِعَ الْآيَةَ قَالَ أَلَا تَرَاهُ قَدْ صَدّقَنِي، فَقَالَ لَهُ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ- وَكَانَ أَفْصَحَ مِنْهُ- لَا وَاَللهِ، بَلْ كَذّبَك، فَقَالَ: مَا كَانَ لِلرّحْمَنِ مِنْ وَلَدٍ، وَرُوِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنّهُ قَالَ فِي قَوْلِ أُمَيّةَ، يَا أَحَدٌ: يَا اسْتِفْتَاحٌ، وَمَعْنَاهُ يا هؤلاء أجد راء.

إسلام عمير بن وهب

[إسلام عمير بن وهب] [صفوان يحرضه على قتل الرسول] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ: جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ بِيَسِيرٍ، وَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وَمِمّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، وَيَلْقَوْنَ مِنْهُ عَنَاءً وَهُوَ بِمَكّةَ، وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسَرَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَحَدُ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزّبير، قال: فذكر أصحاب القليب ومصلبهم، فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاَللهِ إنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ خَيْرٌ؛ قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: صَدَقَتْ وَاَللهِ، أَمَا وَاَللهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي قَضَاءٌ وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمْ الضّيْعَةَ بَعْدِي، لَرَكِبْتُ إلَى مُحَمّدٍ حَتّى أَقْتُلَهُ، فَإِنّ لِي قِبَلَهُمْ عِلّةً: ابْنِي أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ؛ قَالَ: فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ وَقَالَ: عَلَيّ دَيْنُك، أَنَا أَقْضِيهِ عَنْك، وَعِيَالُك مَعَ عِيَالِي أُوَاسِيهِمْ مَا بَقُوا، لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ: فاكتم شأنى وشأنك؛ قال: أفعل [رؤية عمر له وإخباره الرسول بأمره] قَالَ: ثُمّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ، فَشُحِذَ لَهُ وَسُمّ، ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الرسول يحدثه بما بينه هو وصفوان فيسلم

فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَتَحَدّثُونَ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ، وَيَذْكُرُونَ مَا أَكْرَمَهُمْ اللهُ بِهِ، وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوّهِمْ، إذْ نَظَرَ عُمَرُ إلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ حِينَ أَنَاخَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوَشّحًا السّيْف، فقال: هذا الكلب عدوّ الله عمير ابن وَهْبٍ، وَاَللهِ مَا جَاءَ إلّا لِشَرّ، وَهُوَ الّذِي حَرّشَ بَيْنَنَا، وَحَزَرْنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ. ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيّ اللهِ، هذا عدوّ الله عمير بن وهب قد جاء متوشّحا سيفه؛ قَالَ: فَأَدْخَلَهُ عَلَيّ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبّبَهُ بِهَا، وَقَالَ لِرِجَالٍ مِمّنْ كَانُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ: اُدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ، وَاحْذَرُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ، فَإِنّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ؛ ثُمّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [الرسول يحدثه بما بينه هو وصفوان فيسلم] فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ، قَالَ: أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، اُدْنُ يَا عُمَيْرُ؛ فَدَنَا ثُمّ قَالَ: انْعَمُوا صَبَاحًا، وَكَانَتْ تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ بَيْنَهُمْ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ بِتَحِيّةِ خَيْرٍ مِنْ تَحِيّتِك يَا عُمَيْرُ، بِالسّلَامِ: تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَنّةِ: فَقَالَ: أَمَا وَاَللهِ يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْتُ بِهَا لَحَدِيثُ عَهْدٍ؛ قَالَ: فَمَا جَاءَ بِك يَا عُمَيْرُ؟ قَالَ: جِئْت لِهَذَا الْأَسِيرِ الّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا فِيهِ؛ قَالَ فَمَا بَالُ السّيْفِ فِي عُنُقِك؟ قَالَ: قَبّحَهَا اللهُ مِنْ سُيُوفٍ، وَهَلْ أَغْنَتْ عَنّا شَيْئًا؟ قَالَ: اُصْدُقْنِي، مَا الّذِي جِئْتَ لَهُ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رجوعه إلى مكة يدعو للإسلام

قَالَ: مَا جِئْتُ إلّا لِذَلِك، قَالَ: بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ قُلْت: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْتُ حَتّى أَقْتُلَ مُحَمّدًا، فَتَحَمّلَ لَك صَفْوَانُ بِدَيْنِك وَعِيَالِك، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ، وَاَللهُ حَائِلٌ بَيْنَك وَبَيْنَ ذَلِكَ؛ قَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ الله، وقد كُنّا يَا رَسُولَ اللهِ نُكَذّبُك بِمَا كُنْت تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السّمَاءِ، وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْك مِنْ الْوَحْيِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إلا أنا وصفوان، فو الله إنّي لَأَعْلَمُ مَا أَتَاك بِهِ إلّا اللهُ، فَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ، وَسَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ، ثُمّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقّهُوا أَخَاكُمْ فى دينه وأفرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره، ففعلوا. [رجوعه إلى مكة يدعو للإسلام] ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي كُنْت جَاهِدًا عَلَى إطْفَاءِ نُورِ اللهِ، شَدِيدَ الْأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَأَنَا أُحِبّ أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأَقْدَمَ مَكّةَ، فَأَدْعُوهُمْ إلَى اللهِ تَعَالَى، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَإِلَى الْإِسْلَامِ، لَعَلّ اللهَ يهديهم، وإلا آذيتهم فى دينهم كما كُنْت أُوذِي أَصْحَابَك فِي دِينِهِمْ؟ قَالَ: فَأَذِنَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلحق بمكة. وكان صفوان ابن أُمَيّةَ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، يَقُولُ: أَبْشِرُوا بِوَقْعَةٍ تَأْتِيكُمْ الْآنَ فِي أَيّامٍ، تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرّكْبَانَ، حَتّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إسْلَامِهِ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلّمَهُ أَبَدًا، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعِ أَبَدًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكّةَ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هو أو ابن هشام الذى رأى إبليس. وما نزل فيه

وَيُؤْذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَسْلَمَ عَلَى يديه ناس كثير [هو أو ابن هشام الذى رأى إبليس. وما نزل فيه] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ، أَوْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، قَدْ ذُكِرَ لِي أَحَدُهُمَا، الّذِي رَأَى إبْلِيسَ حِينَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ يوم بدر، فقال: أين، أى سراق؟ وَمَثَلَ عَدُوّ اللهِ فَذَهَبَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ. وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ، وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ. فَذَكَرَ اسْتِدْرَاجَ إبْلِيسَ إيّاهُمْ، وَتَشَبّهَهُ بِسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَهُمْ، حِينَ ذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فِي الْحَرْبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ وَنَظَرَ عَدُوّ اللهِ إلَى جُنُودِ اللهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، قَدْ أَيّدَ اللهُ بِهِمْ رَسُولَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى عَدُوّهِمْ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى مَا لَا تَرَوْنَ. وَصَدَقَ عَدُوّ اللهِ، رَأَى مَا لَمْ يَرَوْا، وَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ، وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ. فَذُكِرَ لِي أَنّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي كُلّ مَنْزِلٍ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ لَا يُنْكِرُونَهُ، حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ، فَأَوْرَدَهُمْ ثُمّ أَسْلَمَهُمْ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الغريب] قال ابن هِشَامٍ: نَكَصَ: رَجَعَ. قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ، أحد بنى أسيد ابن عمرو بن تميم: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نَكَصْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ يَوْمَ جِئْتُمْ ... تُزَجّونَ أَنْفَالَ الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. شِعْرٌ لِحَسّانَ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ وَمَا كَانَ مِنْ تَغْرِيرِ إبْلِيسَ بِقُرَيْشٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ: قَوْمِي الّذِينَ هُمْ آوَوْا نَبِيّهُمْ ... وَصَدّقُوهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ كُفّارُ إلّا خَصَائِصَ أَقْوَامٍ هُمْ سَلَفٌ ... لِلصّالِحِينَ مَعَ الْأَنْصَارِ أَنْصَارُ مُسْتَبْشِرِينَ بِقَسْمِ اللهِ قَوْلُهُمْ ... لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارُ أَهْلًا وَسَهْلًا فَفِي أَمْنٍ وَفِي سَعَةٍ ... نِعْمَ النّبِيّ وَنِعْمَ الْقَسْمُ وَالْجَارُ فَأَنْزَلُوهُ بِدَارِ لَا يُخَافُ بِهَا ... مَنْ كَانَ جَارَهُمْ دَارًا هِيَ الدّارُ وَقَاسَمُوهُ بِهَا الْأَمْوَالَ إذ قدموا ... مهاجرين وقسم الجاحد النّار سرفا وَسَارُوا إلَى بَدْرٍ لِحَيْنِهِمْ ... لَوْ يَعْلَمُونَ يَقِينَ الْعِلْمِ مَا سَارُوا دَلّاهُمْ بِغُرُورٍ ثُمّ أَسْلَمَهُمْ ... إنّ الْخَبِيثَ لِمَنْ وَالَاهُ غَرّارُ وَقَالَ إنّي لَكُمْ جَارٌ فَأَوْرَدَهُمْ ... شَرّ الْمَوَارِدِ فِيهِ الْخِزْي وَالْعَارُ ثُمّ الْتَقَيْنَا فَوَلّوْا عَنْ سَرَاتِهِمْ ... مِنْ مُنْجِدِينَ وَمِنْهُمْ فِرْقَةٌ غَارُوا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ «لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارُ» أبو زيد الأنصارى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المطعمون من قريش

[المطعمون من قريش] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْمُطْعِمُونَ، مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: العباس بن عبد المطلب بن هاشم. من بنى عبد شمس ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عبد مناف: الحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة ابن عدىّ بن نوفل، يعتقبان ذلك. مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ، وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خويلد بن أسد، يعتقبان ذلك. مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة ابن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسماء خيل المسلمين يوم بدر

نَسَبُ النّضْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عبد مناف بن عبد الدار. من بنى مخزوم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ بن مخزوم.. من بنى جمح وَمِنْ بَنَى جُمَحَ: أُمَيّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جمح. مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو: نُبَيْهًا وَمُنَبّهًا ابْنَيْ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بن حذيفة ابن سعد بن سهم، يعتقبان ذلك. مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لؤي: سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عامر. [أَسَمَاءُ خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّهُ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْخَيْلِ، فَرَسُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ، وَكَانَ يُقَالُ له: السّبل؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خيل المشركين

رفرس الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيّ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: بَعْزَجَةُ، وَيُقَالُ: سَبْحَةُ؛ وَفَرَسُ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ، وكان يقال له: اليعسوب. [خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ مائة فرس. [نزول سورة الأنفال] [ما نزل فى تقسيم الأنفال] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ. فَلَمّا انْقَضَى أَمْرُ بَدْرٍ، أَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ الْأَنْفَالَ بِأَسْرِهَا، فَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْهَا فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي النّفَلِ حِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ، قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَكَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ- فِيمَا بَلَغَنِي- إذَا سُئِلَ عَنْ الْأَنْفَالِ، قَالَ: فِينَا مَعْشَرَ أَهْلِ بَدْرٍ نَزَلَتْ، حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النّفَلِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَانْتَزَعَهُ اللهُ مِنْ أَيْدِينَا حِينَ سَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا؛ فَرَدّهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَسَمَهُ بيننا عن بواء- يقول: على السّوَاءِ- وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللهِ وَطَاعَتُهُ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَصَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ. [مَا نَزَلَ فِي خُرُوجِ الْقَوْمِ مع الرسول لملاقاة قريش] مَا نَزَلَ فِي خُرُوجِ الْقَوْمِ مَعَ الرّسُولِ لِمُلَاقَاةِ قُرَيْشٍ ثُمّ ذَكَرَ الْقَوْمَ وَمَسِيرَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين عرف ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى تبشير المسلمين بالمساعدة والنصر، وتحريضهم

الْقَوْمُ أَنّ قُرَيْشًا قَدْ سَارُوا إلَيْهِمْ، وَإِنّمَا خَرَجُوا يُرِيدُونَ الْعِيرَ طَمَعًا فِي الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ. يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ: أَيْ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ الْقَوْمِ، وَإِنْكَارًا لِمَسِيرِ قُرَيْشٍ، حِين ذُكِرُوا لَهُمْ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ، وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ: أَيْ الْغَنِيمَةَ دُونَ الْحَرْبِ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ، وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ: أَيّ بِالْوَقْعَةِ الّتِي أَوْقَعَ بِصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَقَادَتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ أَيْ لِدُعَائِهِمْ حِينَ نَظَرُوا إلَى كَثْرَةِ عَدُوّهِمْ، وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدُعَائِكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ: أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْكُمْ الْأَمَنَةَ حِينَ نِمْتُمْ لَا تَخَافُونَ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً للمطر الذى أصلبهم تِلْكَ اللّيْلَةَ، فَحَبَسَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسْبِقُوا إلَى الْمَاءِ، وَخَلّى سَبِيلَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ، وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ: أَيّ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ شَكّ الشّيْطَانِ، لِتَخْوِيفِهِ إيّاهُمْ عَدُوّهُمْ، وَاسْتِجْلَادِ الْأَرْضِ لَهُمْ، حَتّى انْتَهَوْا إلَى مَنْزِلِهِمْ الّذِي سَبَقُوا إلَيْهِ عَدُوّهُمْ. [مَا نَزَلَ فِي تَبْشِيرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُسَاعَدَةِ وَالنّصْرِ، وَتَحْرِيضِهِمْ] ثُمّ قَالَ تَعَالَى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى رمى الرسول للمشركين بالحصباء

آمَنُوا: أى آزروا الذين آمنوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ، وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ، ثُمّ قَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ، فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ: أَيْ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى عَدُوّهِمْ لِئَلّا يَنْكُلُوا عَنْهُمْ إذَا لَقُوهُمْ، وَقَدْ وَعَدَهُمْ اللهُ فِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ. [مَا نَزَلَ فِي رَمْيِ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ] ثُمّ قَالَ تَعَالَى فِي رَمْيِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِالْحَصْبَاءِ مِنْ يَدِهِ، حِينَ رَمَاهُمْ: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى: أَيْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ برمينك، لَوْلَا الّذِي جَعَلَ اللهُ فِيهَا مِنْ نَصْرِك، وَمَا أَلْقَى فِي صُدُورِ عَدُوّك مِنْهَا حِينَ هَزَمَهُمْ اللهُ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً: أَيْ لِيُعَرّفَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِي إظهارهم على عدوّهم، وفلّة عَدَدِهِمْ، لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقّهُ، وَيَشْكُرُوا بِذَلِكَ نِعْمَتَهُ. [مَا نَزَلَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ] ثُمّ قَالَ: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ: أَيْ لِقَوْلِ أَبِي جَهْلٍ: اللهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ، وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ، فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ. وَالِاسْتِفْتَاحُ: الْإِنْصَافُ فِي الدّعَاءِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى حض المسلمين على طاعة الرسول

يَقُولُ اللهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنْ تَنْتَهُوا: أَيْ لِقُرَيْشِ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ: أَيْ بِمِثْلِ الْوَقْعَةِ الّتِي أَصَبْنَاكُمْ بِهَا يَوْمَ بَدْرٍ: وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ: أَيْ أَنّ عَدَدَكُمْ وَكَثْرَتَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَإِنّي مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْصُرهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ. [مَا نَزَلَ فِي حَضّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طاعة الرسول] ثم قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ: أَيْ لَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ لِقَوْلِهِ، وَتَزْعُمُونَ أَنّكُمْ مِنْهُ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ: أَيْ كَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يُظْهِرُونَ لَهُ الطّاعَةَ، وَيُسِرّونَ لَهُ الْمَعْصِيَةَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ: أَيْ الْمُنَافِقُونَ الّذِينَ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ، بُكْمٌ عَنْ الْخَيْرِ، صُمّ عَنْ الْحَقّ، لَا يَعْقِلُونَ: لَا يَعْرِفُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ النّقْمَةِ وَالتّبَاعَةِ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ، أى لأنفذ لهم الّذِي قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَكِنّ الْقُلُوبَ خَالَفَتْ ذَلِكَ منهم، ولو خرجوا معكم لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ مَا وَفَوْا لَكُمْ بِشَيْءٍ مِمّا خَرَجُوا عَلَيْهِ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ: أَيْ لِلْحَرْبِ الّتِي أَعَزّكُمْ اللهُ بِهَا بَعْدَ الذلّ، وقوّا كم بِهَا بَعْدَ الضّعْفِ، وَمَنَعَكُمْ بِهَا مِنْ عَدُوّكُمْ بَعْدَ الْقَهْرِ مِنْهُمْ لَكُمْ، وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ، فَآواكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى ذكر نعمة الله على الرسول

وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَيْ لَا تُظْهِرُوا لَهُ مِنْ الْحَقّ مَا يَرْضَى بِهِ مِنْكُمْ، ثُمّ تُخَالِفُوهُ فِي السّرّ إلَى غَيْرِهِ، فَإِنّ ذَلِكَ هَلَاكٌ لِأَمَانَاتِكُمْ، وَخِيَانَةٌ لِأَنْفُسِكُمْ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً، وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ: أَيْ فَصْلًا بَيْنَ الحقّ والباطل، ليظهر الله به حقّكم، ويطفىء بِهِ بَاطِلَ مَنْ خَالَفَكُمْ. [مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى الرّسُولِ] ثُمّ ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ، حِينَ مَكَرَ بِهِ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يُثْبِتُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ: أَيْ فَمَكَرْتُ بِهِمْ بِكَيْدِي الْمَتِينِ حَتّى خَلّصْتُك مِنْهُمْ. [مَا نَزَلَ فِي غِرّةِ قُرَيْشٍ وَاسْتِفْتَاحِهِمْ] ثُمّ ذكر غرّة قريش واستفتاحهم على أنفسهم، إذ قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ أَيْ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ كَمَا أَمْطَرْتهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ أَيْ بَعْضِ مَا عَذّبْت بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَنَا، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إنّ اللهَ لَا يُعَذّبُنَا وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُهُ، وَلَمْ يُعَذّبْ أُمّةً وَنَبِيّهَا مَعَهَا حَتّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا. وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، يَذْكُرُ جَهَالَتَهُمْ وَغِرّتَهُمْ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، حِينَ نَعَى سوء أعمالهم: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أَيْ لِقَوْلِهِمْ: إنّا نَسْتَغْفِرُ وَمُحَمّدٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، ثُمّ قَالَ وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ كَمَا يَقُولُونَ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ: أَيْ مَنْ آمَنَ بِاَللهِ وَعَبْدَهُ: أَيْ أَنْتَ وَمَنْ اتّبَعَك، وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ الّذِينَ يُحَرّمُونَ حُرْمَتَهُ وَيُقِيمُونَ الصّلَاةَ عِنْدَهُ: أَيْ أَنْتَ وَمَنْ آمَنَ بِك وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ الّتِي يَزْعُمُونَ أَنّهُ يَدْفَعُ بِهَا عَنْهُمْ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً. [تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: الْمُكَاءُ: الصّفِيرُ. وَالتّصْدِيَةُ: التّصْفِيقُ. قَالَ عَنْتَرَةُ بْنُ عَمْرٍو (ابْنُ شَدّادٍ) الْعَبْسِيّ: وَلَرُبّ قِرْنٍ قَدْ تَرَكْتُ مُجَدّلًا ... تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الْأَعْلَمِ يَعْنِي: صَوْتَ خُرُوجِ الدّمِ مِنْ الطّعْنَةِ، كَأَنّهُ الصّفِيرُ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ الطّرماح بن حكيم الطائى: لَهَا كُلّمَا رِيعَتْ صَدَاةٌ وَرَكْدَةٌ ... بِمُصْدَانَ أَعْلَى ابْنَيْ شَمَامِ الْبَوَائِنِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. يَعْنِي الْأُرْوِيّةَ، يَقُولُ: إذَا فَزِعَتْ قَرَعَتْ بِيَدِهَا الصّفَاةَ ثُمّ رَكَدَتْ تَسْمَعُ صَدَى قَرْعِهَا بِيَدِهَا الصّفَاةَ مِثْلُ التّصْفِيقِ. وَالْمُصْدَانَ: الْحِرْزُ. وَابْنَا شمام: جبلان. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المدة بين (يا أيها المزمل) وبدر

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَلِكَ مَا لَا يُرْضِي اللَّه عَزّ وَجَلّ وَلَا يُحِبّهُ، وَلَا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ، وَلَا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ: أَيْ لِمَا أَوْقَعَ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْقَتْلِ. [الْمُدّةُ بَيْنَ (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) وَبَدْرٌ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ بَيْنَ نُزُولِ: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِيهَا: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا. إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً. وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً إلّا يَسِيرٌ، حَتّى أَصَابَ اللهُ قُرَيْشًا بِالْوَقْعَةِ يَوْمَ بَدْرٍ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الغريب] قال ابن هِشَامٍ: الْأَنْكَالُ: الْقُيُودُ؛ وَاحِدُهَا: نِكْلٌ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ: يَكْفِيك نِكْلِي بَغْيَ كُلّ نِكْلِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. [مَا نَزَلَ فِيمَنْ عَاوَنُوا أَبَا سُفْيَانَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ اللَّه عَزّ وَجَلّ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ يَعْنِي النّفَرَ الّذِينَ مَشَوْا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأمر بقتال الكفار

إلَى أَبِي سُفْيَانَ، وَإِلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي تِلْكَ التّجَارَةِ، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُقَوّوهُمْ بِهَا عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ففعلوا. ثم قَالَ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا لِحَرْبِك فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ أَيْ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ. [الْأَمْرُ بِقِتَالِ الْكُفّارِ] ثُمّ قَالَ تَعَالَى وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ: أَيْ حَتّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ، وَيَكُونَ التّوْحِيدُ لِلّهِ خَالِصًا لَيْسَ لَهُ فيه شريك، ويخلع مادونه مِنْ الْأَنْدَادِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَإِنْ تَوَلَّوْا عَنْ أَمْرِك إلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ الّذِي أَعَزّكُمْ وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فِي كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ. [مَا نَزَلَ فِي تَقْسِيمِ الْفَيْءِ] ثُمّ أَعْلَمَهُمْ مَقَاسِمَ الْفَيْءِ وَحُكْمَهُ فِيهِ، حِينَ أَحَلّهُ لَهُمْ، فَقَالَ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَيْ يَوْمَ فَرّقْتُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ بِقُدْرَتِي يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى لطف الله بالرسول

الدُّنْيا مِنْ الْوَادِي وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى مِنْ الْوَادِي إلَى مَكّةَ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ: أَيْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ الّتِي خَرَجْتُمْ لِتَأْخُذُوهَا وَخَرَجُوا لِيَمْنَعُوهَا عَنْ غَيْرِ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ ثُمّ بَلَغَكُمْ كَثْرَةُ عَدَدِهِمْ، وَقِلّةُ عَدَدِكُمْ مَا لَقِيتُمُوهُمْ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا أَيْ لِيَقْضِيَ مَا أَرَادَ بِقُدْرَتِهِ مِنْ إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ عَنْ غَيْرِ بَلَاءٍ مِنْكُمْ، فَفَعَلَ مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِلُطْفِهِ، ثُمّ قَالَ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ أى ليكفر من كَفَرَ بَعْدَ الْحُجّةِ لِمَا رَأَى مِنْ الْآيَةِ وَالْعِبْرَةِ، وَيُؤْمِنُ مَنْ آمَنَ عَلَى مِثْلِ ذلك. [مَا نَزَلَ فِي لُطْفِ اللهِ بِالرّسُولِ] ثُمّ ذَكَرَ لُطْفَهُ بِهِ وَكَيْدَهُ لَهُ، ثُمّ قَالَ: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا، وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ، فَكَانَ مَا أَرَاك مِنْ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ، شَجّعَهُمْ بِهَا عَلَى عَدُوّهِمْ، وَكَفّ بِهَا عَنْهُمْ مَا تُخُوّفَ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَعْفِهِمْ، لِعِلْمِهِ بِمَا فِيهِمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تُخُوّفَ: مُبَدّلَةٌ مِنْ كَلِمَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ وَلَمْ أَذْكُرْهَا وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا: أَيْ لِيُؤَلّفَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْحَرْبِ لِلنّقْمَةِ مِمّنْ أَرَادَ الِانْتِقَامَ مِنْهُ، وَالْإِنْعَامَ عَلَى مَنْ أَرَادَ إتْمَامَ النّعْمَةِ عَلَيْهِ، مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى وعظ المسلمين وتعليمهم خطط الحرب

[مَا نَزَلَ فِي وَعْظِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْلِيمِهِمْ خُطَطَ الحرب] ثُمّ وَعَظَهُمْ وَفَهّمَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ الّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا بِهِ فِي حَرْبِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً تُقَاتِلُونَهُمْ فِي سَبِيل اللهِ عَزّ وَجَلّ فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً الذى له مذلتم أَنْفُسَكُمْ، وَالْوَفَاءَ لَهُ بِمَا أَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ بَيْعَتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا: أَيْ لَا تَخْتَلِفُوا فَيَتَفَرّقَ أَمْرُكُمْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ أَيْ وَتَذْهَبَ حِدّتُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ أَيْ إنّي مَعَكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ: أَيْ لَا تَكُونُوا كَأَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ، الّذِينَ قَالُوا: لَا نَرْجِعُ حَتّى نأتى بدرا فننحر بها الجزر وتسقى بها الخمر، وتعزف علينا فيها القيان، وتسمع الْعَرَبُ: أَيْ لَا يَكُونُ أَمْرُكُمْ رِيَاءً، وَلَا سُمْعَةً، وَلَا الْتِمَاسَ مَا عِنْدَ النّاسِ وَأَخْلِصُوا لِلّهِ النّيّةَ وَالْحِسْبَةَ فِي نَصْرِ دِينِكُمْ، وَمُوَازَرَةِ نَبِيّكُمْ، لَا تَعْمَلُوا إلّا لِذَلِك وَلَا تَطْلُبُوا غَيْرَهُ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ. مِنَ النَّاسِ، وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكُفْرِ، وَمَا يَلْقَوْنَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ، وَأَخْبَرَ نَبِيّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُمْ، حتى انتهى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

إلَى أَنْ قَالَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ أَيْ فَنَكّلْ بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ لَعَلّهُمْ يَعْقِلُونَ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ: أَيْ لَا يَضِيعُ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَعَاجِلٌ خِلَفَهُ فِي الدّنْيَا. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها: أَيْ إنْ دَعَوْك إلَى السّلْمِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَصَالِحْهُمْ عَلَيْهِ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إنّ اللهَ كَافِيك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: جَنَحُوا لِلسّلْمِ: مَالُوا إلَيْك لِلسّلْمِ. الْجُنُوحُ: الْمَيْلُ. قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ: جُنُوحَ الْهَالِكِيّ عَلَى يَدَيْهِ ... مُكِبّا يَجْتَلِي نُقَبَ النّصَالِ وَهَذَا البيت فى قصيدة له، وَالسّلْمُ أَيْضًا: الصّلْحُ، وَفِي كِتَابِ اللهِ عَزّ وَجَلّ: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ، وَيُقْرَأُ إِلَى السَّلْمِ، وَهُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى. قال زهير بن أبى سلمى: وقد قلتما إن ندرك السّلم واسعا ... جمال وَمَعْرُوفٍ مِنْ الْقَوْلِ نَسْلَمْ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، أَنّهُ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يَقُولُ: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ لِلْإِسْلَام. وَفِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَيُقْرَأُ فِي السِّلْمِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ. قَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ: فَمَا أَنَابُوا لِسَلْمٍ حِينَ تُنْذِرُهُمْ ... رُسْلَ الْإِلَهِ وَمَا كَانُوا لَهُ عَضُدَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِدَلْوٍ تُعْمَلُ مُسْتَطِيلَةً: السّلْمُ. قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ، أَحَدُ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، يَصِفُ نَاقَةً لَهُ: لَهَا مِرْفَقَانِ أفتلان كأنما ... تمرّ بسلمى دالح متشدد وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ. هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ بَعْدَ الضّعْفِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ عَلَى الْهُدَى الّذِي بَعَثَك اللهُ بِهِ إلَيْهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ بِدِينِهِ الّذِي جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ثُمّ قَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ، إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ: أَيْ لَا يُقَاتِلُونَ عَلَى نِيّةٍ وَلَا حَقّ وَلَا مَعْرِفَةٍ بِخَيْرٍ وَلَا شَرّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى الأسارى والمغانم

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هذه الْآيَةُ اشْتَدّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْظَمُوا أَنْ يُقَاتِلَ عشرون مائتين، ومائة أَلْفًا، فَخَفّفَ اللهُ عَنْهُمْ، فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى، فَقَالَ: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً، فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ. قَالَ: فَكَانُوا إذَا كَانُوا عَلَى الشّطْرِ مِنْ عَدُوّهِمْ لَمْ يَنْبَغِ لَهُمْ أَنْ يَفِرّوا مِنْهُمْ، وَإِذَا كَانُوا دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ قِتَالُهُمْ وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَتَحَوّزُوا عَنْهُمْ. [مَا نَزَلَ فِي الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ عَاتَبَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الْأُسَارَى، وَأَخْذِ الْمَغَانِمِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَأْكُلُ مَغْنَمًا مِنْ عَدُوّ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدٌ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: نُصِرْت بِالرّعْبِ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَأُحِلّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تُحْلَلْ لِنَبِيّ كَانَ قبلى، وأعطيت الشّفاعة، خمس لم يؤتهنّ نيى قَبْلِي. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ: (مَا كَانَ لِنَبِيّ) : أَيْ قَبْلَك (أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى) مِنْ عَدُوّهِ (حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) أَيْ يُثْخِنَ عَدُوّهُ، حَتّى يَنْفِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا: أَيْ الْمَتَاعَ، الْفِدَاءَ بِأَخْذِ الرّجَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى التواصل بين المسلمين

وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ: أَيْ قَتْلَهُمْ لِظُهُورِ الدّينِ الّذِي يُرِيدُ إظْهَارَهُ، وَاَلّذِي تُدْرَكُ بِهِ الْآخِرَةُ لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ: أَيْ مِنْ الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمِ عَذابٌ عَظِيمٌ أَيْ لَوْلَا أَنّهُ سَبَقَ مِنّي أَنّي لَا أُعَذّبُ إلّا بَعْدَ النّهْيِ وَلَمْ يَكُ نَهَاهُمْ، لعذّبتكم فيما صنعتم، ثم أحنّها لَهُ وَلَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ، وَعَائِدَةٌ مِنْ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ. فَقَالَ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. ثم قال يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. [مَا نَزَلَ فِي التّوَاصُلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ] وَحَضّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التّوَاصُلِ، وَجَعَلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ أَهْلَ وِلَايَةٍ فِي الدّينِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، وَجَعَلَ الْكُفّارَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، ثُمّ قَالَ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ أى يُوَالِ الْمُؤْمِنُ الْمُؤْمِنَ مِنْ دُونِ الْكَافِرِ، وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ بِهِ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ أَيْ شُبْهَةٌ فِي الْحَقّ وَالْبَاطِلِ، وَظُهُورِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِتَوَلّي الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ دُونَ الْمُؤْمِنِ. ثُمّ رَدّ الْمَوَارِيثَ إلَى الْأَرْحَامِ مِمّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْوَلَايَةِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ دُونَهُمْ إلَى الْأَرْحَامِ الّتِي بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ، وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ أَيْ بِالْمِيرَاثِ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إسْلَامُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ إسْلَامَ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ إلَى آخِرِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ ما يشكل هل تجد إبْلِيسُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ؟: وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ أَنّ عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ هُوَ الّذِي رَأَى إبْلِيسَ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ تَشَبّثَ بِهِ، وَهُوَ يَرَى أَنّهُ سُرَاقَةُ بْنُ مالك، فقال: إلىّ أبن سُرّاقُ أَيْنَ تَفِرّ فَلَكَمَهُ لَكْمَةً طَرَحَهُ عَلَى قَفَاهُ، ثُمّ قَالَ إنّي أَخَافُ اللهَ رَبّ الْعَالَمِينَ، وَإِنّمَا كَانَ تَمَثّلَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ الْمُدْلِجِيّ، لِأَنّهُمْ خَافُوا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ أَنْ يَعْرِضُوا لَهُمْ، فَيَشْغَلُوهُمْ مِنْ أَجْلِ الدّمَاءِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ، فَتَمَثّلَ لَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ الْمُدْلِجِيّ، وَقَالَ إنّي جَارٌ لَكُمْ مِنْ النّاسِ، أَيْ: مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَيُرْوَى أَنّهُمْ رَأَوْا سُرَاقَةَ بِمَكّةَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالُوا لَهُ: يا سرافة أَخَرَمْت الصّفّ، وَأَوْقَعْت فِينَا الْهَزِيمَةَ؟ فَقَالَ: وَاَللهِ مَا عَلِمْت بِشَيْءِ مِنْ أَمْرِكُمْ، حَتّى كَانَتْ هَزِيمَتَكُمْ، وَمَا شَهِدْت، وَمَا عَلِمْت فَمَا صَدّقُوهُ، حَتّى أَسْلَمُوا وَسَمِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَعَلِمُوا أَنّهُ كَانَ إبْلِيسُ تَمَثّلَ لَهُمْ. وَقَوْلُ اللّعِينِ: إنّي أَخَافُ اللهَ رَبّ الْعَالَمِينَ، لِأَهْلِ التّأْوِيلِ فِيهِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا: أَنّهُ كَذَبَ فِي قَوْلِهِ: إنّي أَخَافُ اللهَ، لِأَنّ الْكَافِرَ لَا يَخَافُ اللهَ، الثّانِي: أَنّهُ رَأَى جُنُودَ اللهِ تَنْزِلُ مِنْ السّمَاءِ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَ الْمَوْعُودَ الّذِي قَالَ اللهُ فِيهِ: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وقيل أيضا:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنّمَا خَافَ أَنْ تُدْرِكَهُ الْمَلَائِكَةُ لَمّا رَأَى مِنْ فِعْلِهَا بِحِزْبِهِ الْكَافِرِينَ، وَذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ أَنّ قُرَيْشًا حِينَ تَوَجّهَتْ إلَى بَدْرٍ مَرّ هَاتِفٌ مِنْ الْجِنّ عَلَى مَكّةَ فِي الْيَوْمِ الّذِي أَوْقَعَ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ يَنْشُدُ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ، وَلَا يُرَى شَخْصُهُ «1» : أَزَارَ الْحَنِيفِيّونَ بَدْرًا وَقِيعَةً ... سَيَنْقَضّ مِنْهَا رُكْنُ كسرى وقيصرا

_ (1) لم يخرج قصة تمثل إبليس فى صورة سراقة أحد من أصحاب الصحيح فهى إما من رواية الكلبى عن ابن عباس، وهى أوهن من بيت العنكبوت، فإذا انضم إليها رواية محمد بن مروان السدى الصغير، فهى سلسلة الكذب. وأما على بن أبى طلحة، فقد أجمعوا على أنه لم يسمع من ابن عباس، وإنما أخذ عن مجاهد أو سعيد بن جبير، ولا خلاف فى كونهما من الثقات، ولكن ابن عباس كان ابن خمس سنين يوم بدر، فروايته لأخبارها منقطعة. كما روى الواقدى، وهو غير ثقة فى الرواية. انظر تفسير المنار للآية. أقول واللَّه تعالى يقول عن إبليس (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) ويقول: (كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر، فلما كفر قال إنى برىء منك، إنى أخاف الله) الأولى تثبت أننا لا نرى إبليس وقبيله وهو يرانا، والأخرى تشبه آية الأنفال. فهل يتمثل الشيطان جسدا لكل كافر ويقول له هذا؟ كما أن الله يقول (وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) فلم لا يكون الشيطان هنا شيطانا من الإنس؟ أو يكون هو الشيطان بوسوسته هو وقبيله لا بجسده؟ واقرأ سورة الناس، ولهذا لم يخرج القصة أحد من أصحاب الكتب الستة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبَادَتْ رِجَالًا مِنْ لُؤَيّ، وَأَبْرَزَتْ ... خَرَائِدَ يَضْرِبْنَ التّرائب حسّرا فياويح مَنْ أَمْسَى عَدُوّ مُحَمّدٍ ... لَقَدْ جَارَ عَنْ قَصْدِ الْهُدَى وَتَحَيّرَا فَقَالَ قَائِلُهُمْ: مَنْ الْحَنِيفِيّونَ؟ فَقَالُوا: هُمْ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ، يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِ، ثُمّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَهُمْ الْخَبَرُ الْيَقِينُ «1» . ذِكْرُ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي بَدْرٍ أَنْزَلَ سُورَةَ الْأَنْفَالِ بِأَسْرِهَا، وَالْأَنْفَالُ هِيَ الْغَنَائِمُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: النّفَلُ: إحْسَانٌ وَتَفَضّلٌ مِنْ الْمُنْعِمِ فَسُمّيَتْ الْغَنَائِمُ أَنْفَالًا، لِأَنّ اللهَ تَعَالَى تَفَضّلَ بِهَا عَلَى هَذِهِ الْأُمّةِ، وَلَمْ يُحِلّهَا لِأَحَدِ قَبْلَهُمْ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: أَمّا قَوْلُهُ: إنّ اللَّه تَفَضّلَ بها فصحيح، فقد قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: مَا أُحِلّتْ الْغَنَائِمُ لِأَحَدِ سود الرّموس قَبْلَكُمْ، إنّمَا كَانَتْ نَارٌ تَنْزِلُ مِنْ السّمَاءِ فتأكلها «2» ،

_ (1) لولا وحى الله ما عرف النبى صلى الله عليه وسلم ما قاله الجن. فكيف نصدق مثل هذا؟ ملحوظة: عن المطعمين يوم بدر ذكر محمد بن حبيب النسابة معهم شيبة ابن ربيعة، ولم يذكر أبا البخترى، ولا النضر بن الحارث بن كلدة، كما روى عن محمد بن عمر المزنى قوله إن قريشا كفأت قدور العباس، ولم تطعمها لعلمها بميله إلى رسول اللَّه «ص» . ثم قال: قتلوا بأسرهم يوم بدر، وأسلم العباس وسهيل، فكان من كبار المسلمين ص 182 المحبر. (2) فى حديث متفق عليه عن نبى وقومه «فجاؤا برأس مثل رأس بقرة من الذهب، فوضعها، فجاءت النار، فأكلتها» زاد فى رواية: فلم تحل الغنائم لأحد قبلنا، ثم أحل الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلها لنا» متفق عليه. (م 15- الروض الأنف ج هـ)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا قَوْلُهُ: فَسُمّيَتْ الْغَنَائِمُ أَنْفَالًا لِهَذَا، فَلَا أَحْسَبُهُ صَحِيحًا، فَقَدْ كَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيّةِ الْجَهْلَاءِ تُسَمّيهَا أَنْفَالًا. وَقَدْ أَنْشَدَ ابْنُ هِشَامٍ لِأَوْسِ بْنِ حَجَرٍ الْأَسِيدِيّ، وَهُوَ جَاهِلِيّ قَدِيمٌ «1» : نَكَصْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ يَوْمَ جِئْتُمْ ... تُزَجّونَ أَنْفَالَ الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ «2» فَفِي هَذَا الْبَيْتِ أَنّهَا كَانَتْ تُسَمّى أَنْفَالًا قَبْلَ أَنْ يُحِلّهَا اللهُ لِمُحَمّدِ وَأُمّتِهِ، فَأَصْلُ اشْتِقَاقِهَا إذًا مِنْ النّفَلِ، وَهُوَ الزّيَادَةُ لِأَنّهَا زِيَادَةٌ فِي أَمْوَالِ الْغَانِمِينَ، وَفِي بَيْتِ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ أَيْضًا شَاهِدٌ آخَرُ عَلَى أَنّ الْجَيْشَ كَانَ يُسَمّى: خَمِيسًا، فِي الْجَاهِلِيّةِ «3» ، لِأَنّ قَوْمًا زَعَمُوا أَنّ اسْمَ الْخَمِيسِ مِنْ الْخُمُسِ الّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَإِنّمَا كَانَ لِصَاحِبِ الْجَيْشِ الرّبُعُ، وَهُوَ الْمِرْبَاعُ، وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي اشْتِقَاقِهِ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللهُ. قرأ ابن مسعود وعطاء يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ وقرأت الجماعة: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ؛ لأنهم سألوها وسألوا عَنْهَا لِمَنْ هِيَ. وَقَوْلُ عُبَادَةَ بن الصّامت: نزلت فينا أهل بدر: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ لأنا منازعنا فِي النّفَلِ، وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، كَذَلِكَ جَاءَ فى التفسير لعبد بن

_ (1) كان شاعر مضر حتى أسقطه زهير (2) تروى ترجون. أما تزجون، فمعناه: تساقون سوقا رقيقا. (3) قيل: سمى كذلك لأنه خمس فرق: المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حُمَيْدٍ، وَغَيْرِهِ أَنّ عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ مَعَ الذين كانوا معه، وأبا اليسر كعب ابن عَمْرٍو فِي طَائِفَةٍ مَعَهُ، وَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ قَدْ قَتَلَ قَتِيلَيْنِ، وَأَسَرَ أَسِيرَيْنِ تَنَازَعُوا، فَقَالَ الّذِينَ حَوَوْا الْمَغْنَمَ: نَحْنُ أَحَقّ بِهِ، وَقَالَ الّذِينَ شُغِلُوا بِالْقِتَالِ، وَاتّبَاعِ الْقَوْمِ نَحْنُ أَحَقّ بِهِ، فَانْتَزَعَهُ اللهُ مِنْهُمْ وَرَدّهُ إلَى نَبِيّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ تَقَدّمَ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، حِينَ جَاءَ بِالسّيْفِ، فَأُمِرَ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي الْقَبَضِ، فَشَقّ ذَلِكَ عليه، وكان السيف للعاصى بْنِ سَعِيدٍ، يُقَالُ لَهُ ذُو الْكَنِيفَةِ، فَلَمّا نَزَلَتْ الْآيَةُ أَعْطَى رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السّيْفَ لِسَعْدِ، وَقَسَمَ الْغَنِيمَةَ عَنْ بَوَاءٍ أَيْ: عَلَى سَوَاءٍ، وَقَدْ قَدّمْنَا الْحَدِيثَ الّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَفِيهِ أَنّهُ قَسَمَهَا عَلَى فَوَاقٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ بَعْدُ: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ الآية فنسخت قُلِ: الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَهُوَ أَصَحّ الْأَقْوَالِ أَنّهَا مَنْسُوخَةٌ «1» . وَأَمّا مَنْ زَعَمَ أَنّ الْأَنْفَالَ مَا شَذّ مِنْ الْعَدُوّ إلى المسلمين من مِنْ دَابّةٍ، أَوْ نَحْوِهَا، فَلَيْسَتْ مَنْسُوخَةً عِنْدَهُ، وَكَذَلِك قَوْلُ مُجَاهِدٍ أَنّ الْأَنْفَالَ، هُوَ الْخُمُسُ نَفْسُهُ، وَإِنّمَا تَكُونُ مَنْسُوخَةً إذَا قُلْنَا إنّهَا جملة الغنائم، وهو

_ (1) قال ابن زيد: الآية محكمة وليست منسوخة. وقد سبق الرأى فى النسخ وبيان أنه ليس فى كتاب الله الذى بين أيدينا آية منسوخة، أو يبطل العمل بها ويقول ابن كثير عن رأى الذى قال بالنسخ: «وهذا الذى قاله بعيد، لأن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر، وتلك نزلت فى بنى النضير، ولا خلاف بين علماء السير والمغازى قاطبة أن بنى النضير بعد بدر، وهذا أمر لا شك فيه، ولا يرتاب، فمن يفرق بين معنى الفىء والغنيمة يقول: تلك نزلت فى أموال الفىء، وهذه فى الغنائم، ومن يجعل أمر الغنائم والفىء راجعا إلى رأى الإمام يقول: لامنافاة بين آية الحشر، وبين التخميس إذا رآه الإمام والله أعلم» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْقَوْلُ الّذِي تَشْهَدُ لَهُ الْآثَارُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْأَنْفَالُ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ نَفَلٌ لَا يُخَمّسُ، وَنَفَلٌ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَنَفَلٌ مِنْ الْخُمُسِ، وَنَفَلُ السّرَايَا وَهُوَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ، وَنَفَلٌ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، فَأَمّا الّذِي لَيْسَ فِيهِ خُمُسٌ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَلَا مِنْ الْخُمُسِ، فَهُوَ سَلَبُ الْقَتِيلِ يُقْتَلُ فِي غَيْرِ مَعْمَعَةِ الْحَرْبِ، وَفِي غَيْرِ الزّحْفِ، فَهُوَ مِلْكٌ لِلْقَاتِلِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيّ، وَأَهْلِ الشّامِ، وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنّ السّلَبَ مِنْ جُمْلَةِ النّفَلِ يُخَمّسُ مَعَ الْغَنِيمَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ الّذِي فِي الْمُوَطّأِ حِينَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ: الْفَرَسُ مِنْ النّفَلِ وَالدّرْعُ مِنْ النّفَلِ، وَقَالَ فِي غَيْرِ الْمُوَطّأِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْفَرَسُ مِنْ النّفَلِ وَفِي النّفَلِ الْخُمُسُ أَنّ الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ فِي آخِرِهِ: يُرِيدُ أَنّ السّلَبَ لِلْقَاتِلِ، فَفَسّرَهُ عَلَى مَذْهَبِ شَيْخِهِ، وَمِنْ حُجّتِهِمْ أَيْضًا أَنّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ خَمّسَ سَلَبَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ قَتَلَ مَرْزُبَانَ الزّأْرَةِ فَسَلَبَهُ سِوَارَيْهِ وَمِنْطَقَتَهُ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ، فَبَلَغَ ثَمَنُهُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَقَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوّلِ لَا حُجّةَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ، لِأَنّهُ إنّمَا خَمّسَ الْمَرْزُبَانَ، لِأَنّهُ اسْتَكْثَرَهُ، وَقَالَ: قَدْ كَانَ السّلب لَا يُخَمّسُ، وَإِنّ سَلَبَ الْبَرَاءِ بَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَأَنَا خَامِسُهُ، وَاحْتَجّوا بِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الأكوع، إذْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ. وَمِنْ حُجّةِ مَالِكٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ: عُمُومُ آيَةِ الْخُمُسِ، فَإِنّهُ قَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ: وَلِلرَّسُولِ وَحَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ أَنّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنْ الْعَدُوّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ، فَأَخْبَرَ عَوْفٌ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِخَالِدِ: مَا مَنَعَك أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟ فَقَالَ: اسْتَكْثَرْته يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ادْفَعْهُ إلَيْهِ، فَلَقِيَ عَوْفٌ خَالِدًا فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ، وَقَالَ: هَلْ أَنْجَزْت لَك مَا ذَكَرْت لَك مِنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فاستغضب، فقال: لا تعطه يا يَا خَالِدُ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو إلَيّ أُمَرَائِي [إنّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَرْعَى إبِلًا وغنما، فرماها، ثُمّ تَحَيّنَ سَقْيَهَا، فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا فَشَرَعَتْ فِيهِ، فَشَرِبَتْ صَفْوَةً وَتَرَكَتْ كَدَرَهُ فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدَرُهُ عَلَيْهِمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ] . وَلَوْ كَانَ السّلَبُ حَقّا لَهُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ لَمَا رَدّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْوَاحِدُ مِنْ النّفَلِ. وَالْقِسْمُ الثّانِي: هُوَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ تَخْمِيسِهَا، وَهُوَ ما يعطى الأدلّاء الذين يَدُلّونَ عَلَى عَوْرَةِ الْعَدُوّ، وَيَدُلّونَ [عَلَى] الطّرُقِ، وَمَا يُعْطَى الدّعَاةُ وَغَيْرُهُ مِمّا يَنْتَفِعُ أَهْلُ الْجَيْشِ بِهِ عَامّةً. وَالْقِسْمُ الثّالِثُ مَا تُنَفّلُهُ السّرَايَا، فَقَدْ كَانَتْ تُنَفّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الْعَوْدَةِ الثّلُثَ مِمّا غَنِمُوهُ، كَذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ مَكْحُولٌ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ «1» ، وَأَخَذَتْ بِهِ طَائِفَةٌ. وَالْقِسْمُ الرّابِعُ مِنْ النّفَلِ: مَا يُنَفّلُهُ الْإِمَامُ مِنْ الْخُمُسِ لِأَهْلِ الْغِنَاءِ وَالْمَنْفَعَةِ، لِأَنّ مَا كَانَ لِلرّسُولِ عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَهُوَ لِلْإِمَامِ بعده يصرفه فيما

_ (1) أخرج أحمد وأبو داود عن حبيب بن سلمة أن النبى «ص» نفل الربع بعد الخمس فى بدأته، ونفل الثلث بعد الخمس فى رجعته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَانَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ يَصْرِفُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ «1» ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَصْنَافِ الّتِي ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ، وَهُمْ ذُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ وَابْنُ السّبِيلِ، وَقَدْ أُعْطِيَ الْمِقْدَادُ حِمَارًا مِنْ الْخُمُسِ أَعْطَاهُ لَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ، فَرَدّهُ لَمّا لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ، وَأَمّا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَإِنّهُ فَعَلَ خِلَافَ هَذَا، أَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ ثَلَاثِينَ رَأْسًا مِنْ الْغَنِيمَةِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، إلّا أَنْ تَكُونَ مِنْ الْخُمُسِ، وَأَصَحّ الْقَوْلَيْنِ: أَنّ الْإِمَامَ لَهُ النّظَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ رَأَى صَرْفَ الْخُمُسِ إلَى مَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ تَكُنْ بِالْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ إلَيْهِ صَرَفَهُ؛ وَإِلّا بَدَأَ بِهِمْ، وَصَرَفَ بَقِيّتَهُ فِيمَا يَرَى، وَاخْتُلِفَ فِي ذَوِي الْقُرْبَى مَنْ هُمْ، فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كُنّا نَرَى أَنّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا، وَقَالُوا هُمْ قُرَيْشٌ كُلّهُمْ، كَذَلِكَ قَالَ فِي الْكِتَابِ الّذِي كَتَبَهُ إلَى نَجْدَةَ الْحَرُورِيّ «2» ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قَرَابَةِ الْإِمَامِ بَعْدَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهُمْ داخلون فى الآية أم لا؟ «3» والصحيح:

_ (1) يقول ابن كثير: وقال شيخنا الإمام العلامة ابن تيمية: وهذا قول مالك، وأكثر السلف، وهو أصح الأقوال. (2) رواه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى. وفى حديث لمسلم «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شىء واحد» . وفى بعض رواياته «إنهم لم يفارقونا فى جاهلية ولا إسلام» . (3) اختلف فى الخمس الذى كان للرسول «ص» ماذا يصنع به بعده، فقال قائلون: يكون لمن يلى الأمر بعده، وقد روى هذا عن أبى بكر وعلى وقتادة وجماعة وروى فيه حديث مرفوع، وقال آخرون: يصرف فى مصالح المسلمين، وقال غيرهم: بل هو مردود على بقية الأصناف ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. ولعل الرأى الثانى هو الأصوب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دخولهم فى ذَوِي الْقُرْبَى، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: إذَا أَطْعَمَ اللَّه نَبِيّا طُعْمَةً، فَهِيَ لِلْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ، أَوْ قَالَ: لِلْقَائِمِ بَعْدَهُ. وَمِمّا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ مَعْنَى آيَةِ الْخُمُسِ: قِسْمُ خُمُسِ الْخُمُسِ، فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ أَيْ: لِلْكَعْبَةِ، يَخْرُجُ لَهَا نَصِيبٌ مِنْ الْخُمُسِ، وَلِلرّسُولِ نَصِيبٌ، وَبَاقِي الْخُمُسِ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: خُمُسُ الْخُمُسِ لِلرّسُولِ، وَبَاقِيهِ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْخُمُسُ كُلّهُ لِلرّسُولِ يَصْرِفُهُ فِي تِلْكَ الْأَصْنَافِ وَغَيْرِهَا، وَإِنّمَا قَالَ اللهُ: وَلِلرَّسُولِ تَنْبِيهًا عَلَى شَرَفِ الْمَكْسَبِ وَطِيبِ الْمَغْنَمِ، كَذَلِكَ قال فى الفىء، وهو ما أَفَاءَ اللهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَرْضِينَ الّتِي كانت لأهل الكفر فقال فيه: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ الْآيَةَ، وَلَمْ يَقُلْ فِي آيَاتِ الصّدَقَاتِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا أَضَافَهَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِلرّسُولِ، لِأَنّ الصدقة أو ساخ النّاسِ، فَلَا تَطِيبُ لِمُحَمّدِ، وَلَا لِآلِ مُحَمّدٍ، فقال فيها: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ الْآيَةَ، أَيْ: لَيْسَتْ لِأَحَدِ إلّا لِهَؤُلَاءِ، وَهَذَا كُلّهُ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ، وَتَفْسِيرُهُ، وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فِيمَا أَعْطَى النّبِيّ- صَلَّى الله عليه وسلم للمؤلّفة قُلُوبُهُمْ، هَلْ كَانَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ أَمْ من الخمس أَمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ إنْ شَاءَ اللهُ. عَنْ قِتَالِ الْمَلَائِكَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَقَدْ قَالَ فِي أُخْرَى: بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ فَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ: إنّ الْأَلْفَ أَرْدَفَهُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ، فَكَانَ الْأَكْثَرُ مَدَدًا لِلْأَقَلّ، وَكَانَ الْأَلْفُ مُرْدِفِينَ لِمَنْ وَرَاءَهُمْ بِكَسْرِ الدّالِ مِنْ مُرْدِفِينَ، وَكَانُوا أَيْضًا مُرْدَفِينَ بِهِمْ بِفَتْحِ الدّالِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْأَلْفُ هُمْ الّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمْ الّذِينَ قَالَ اللهُ لَهُمْ: فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا فِي صُوَرِ الرّجَالِ، وَيَقُولُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ اُثْبُتُوا، فَإِنّ عَدُوّكُمْ قَلِيلٌ، وَإِنّ اللهَ مَعَكُمْ وَنَحْوَ هَذَا، وَقَوْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ جَاءَ فِي التّفْسِيرِ أَنّهُ مَا وَقَعَتْ ضَرْبَةٌ يَوْمَ بَدْرٍ إلّا فِي رَأْسٍ أَوْ مِفْصَلٍ، وَكَانُوا يَعْرِفُونَ قَتْلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ قَتْلَاهُمْ، بِآثَارِ سُودٍ فِي الْأَعْنَاقِ وَفِي الْبَنَانِ، كَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ «1» ، وَيُقَالُ لمفاصل الأصابع وغيرها بنان

_ (1) يقول الشيخ رشيد رضا رحمه الله- فى تفسير المنار: «مقتضى السياق أن وحى الله الملائكة قد تم بأمره إياهم بتثبيت المؤمنين كما يدل عليه الحصر فى فى قوله عن إمداد الملائكة: (وما جعله الله إلا بشرى) إلخ وقوله تعالى: (سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب) الخ: بده كلام خوطب به النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون تتمة للبشرى فيكون الأمر بالضرب موجها إلى المؤمنين قطعا، وعليه المحققون الذين جزموا بأن الملائكة لم تقاتل يوم بدر تبعا لما قبله من الآيات، وقيل إن هذا مما أوحى إلى الملائكة، وتأوله هؤلاء بأنه تعالى أمرهم بأن يلقوا هذا المعنى فى قلوب المؤمنين بالإلهام كما كان الشيطان يخوفهم، ويلقى فى قلوبهم ضده بالوسواس، ولا يرد على الأول ما قيل من أنه لا يصح إلا إذا كان الخطاب قد وجه إلى المؤمنين قبل القتال، والسورة قد نزلت بعده، لأن نزول السورة بنظمها وترتيبها بعده لا ينافى حصول معانيها قبله، وفى أثنائه فان البشارة بالإمداد بالملائكة، وما وليه قد حصل قبل القتال، وأخبر به النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه، ثم ذكرهم الله تعالى به بانزال السورة برمتها تذكيرا بمننه، ولولا هذا لم تكن للبشارة تلك الفائدة، والخطاب فى السياق كله موجه إلى المؤمنين، إنما ذكر فيها وحيه تعالى للملائكة بما ذكر عرضا،.. وقد وردت روايات ضعيفة تدل على قتال الملائكة لم يعبأ الإمام ابن جرير بشىء منها. - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . - وإذا كان تأييد الله للمؤمنين بالتأييدات الروحانية التى تضاعف القوة المعنوية، وتسهيله لهم الأسباب الحسية كانزال المطر، وما كان له من الفوائد لم يكن كافيا لنصره إياهم على المشركين بقتل سبعين وأسر سبعين حتى كان ألف- وقيل آلاف- من الملائكة يقاتلون معهم.. فأى مزية لأهل بدر فضلوا بها على سائر المؤمنين ممن غزوا بعدهم، وأذلوا المشركين، وقتلوا منهم الألوف، وبماذا استحقوا قول الرسول «ص» لعمر: «وما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» رواه البخارى ومسلم وغيرهما. وفى كتب السير وصف للمعركة علم منه القاتلون والآسرون لأشد المشركين بأسا، فهل تعارض هذه البينات النقلية والعقلية بروايات لم يرها شيخ المفسرين ابن جرير بأن تنقل، ولم يذكر ابن كثير منها إلا قول الربيع ابن أنس: كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوا بضرب فوق الأعناق، وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به.. ومن أين جاء للربيع بهذه الدعوى، ومن الذى رؤى من القتلى بهذه الصفة؟ وكم عدد من قتل الملائكة من السبعين؟، وعدد من قتل أهل بدر غير من سموا وقالوا: قتلهم فلان وفلان كفانا الله شر هذه الروايات الباطلة التى شوهت التفسير، وقلبت الحقائق حتى إنها خالفت نص القرآن نفسه، فالله تعالى يقول فى إمداد الملائكة (وما جعله الله إلا بشرى، ولتطمئن به قلوبكم) وهذه الروايات تقول: بل جعلها مقاتلة، وأن هؤلاء السبعين الذين قتلوا من المشركين لم يمكن قتلهم إلا باجتماع ألف أو ألوف من الملائكة عليهم مع المسلمين الذين خصهم الله بما ذكر من أسباب النصر المتعددة. ألا إن فى هذا من شأن تعظيم المشركين ورفع شأنهم وتكبير شجاعتهم وتصغير شأن أفضل أصحاب الرسول «ص» وأشجعهم ما لا يصدر عن عاقل إلا وقد سلب عقله لتصحيح روايات باطلة لا يصح لها سند، ولم يرفع منها إلا حديث مرسل عن ابن عباس ذكره الألوسى وغيره بغير سند، وابن عباس لم يحضر غزوة بدر لأنه كان صغيرا، رواياته عنها حتى فى الصحيح مرسلة، وقد-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَاحِدَتُهَا بَنَانَةٌ، وَهُوَ مِنْ أَبَنّ بِالْمَكَانِ «1» إذَا أَقَامَ فِيهِ وَثَبَتَ، قَالَهُ الزّجّاجُ. وَقَوْلُهُ لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ، وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ الْآيَةَ، كَانَ الْعَدُوّ قَدْ أَحْرَزُوا الْمَاءَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَفَرُوا الْقُلُبَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ أَحْدَثُوا وَأَجْنَبَ بَعْضُهُمْ، وَهُمْ لَا يَصِلُونَ إلَى الْمَاءِ، فَوَسْوَسَ الشّيْطَانُ لَهُمْ أَوْ لِبَعْضِهِمْ، وَقَالَ: تَزْعُمُونَ أَنّكُمْ عَلَى الْحَقّ، وَقَدْ سَبَقَكُمْ أَعْدَاؤُكُمْ إلَى الْمَاءِ، وَأَنْتُمْ عِطَاشٌ وَتُصَلّونَ بِلَا وُضُوءٍ، وَمَا يَنْتَظِرُ أَعْدَاؤُكُمْ إلّا أَنْ يَقْطَعَ الْعَطَشُ رقابكم، ويذهب قواكم فيتحكّموا فيكم كيف شاؤا، فَأَرْسَلَ اللهُ تَعَالَى السّمَاءَ فَحَلّتْ عَزَالِيهَا «2» فَتَطَهّرُوا وَرَوَوْا وَتَلَبّدَتْ الْأَرْضُ لِأَقْدَامِهِمْ وَكَانَتْ رِمَالًا وَسَبَخَاتٍ، فَثَبَتَتْ فِيهَا أَقْدَامُهُمْ وَذَهَبَ عَنْهُمْ رِجْزُ الشّيْطَانِ، ثُمّ نَهَضُوا إلَى أَعْدَائِهِمْ فَغَلَبُوهُمْ عَلَى الْمَاءِ، وعاروا القلب التى كانت قلى الْعَدُوّ فَعَطِشَ الْكُفّار، وَجَاءَ النّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَقَبَضَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْضَةً مِنْ الْبَطْحَاءِ وَرَمَاهُمْ بِهَا، فَمَلَأَتْ عُيُونَ جميع العسكر،

_ - روى عن غير الصحابة حتى عن كعب الأحبار وأمثاله» وأقول: الحقيقة القرآنية تؤكد أن الملائكة لم تقاتل مع أهل بدر، وإنما كانوا- كما وصفهم الله- بشرى للمؤمنين. وتؤكد أن قوله تعالى (فاضربوا فوق الأعناق) الخ إنما هو موجه إلى المؤمنين لا إلى الملائكة. والدليل: تدبر الآيات، لا الخنوع لواهى الروايات. (1) يقال: أبننت بالمكان إبنانا إذا أقت به، وبن يبن- بكسر الباء- بنأ، وأبن أقام به أيضا. (2) جمع عزلاء: مصب الماء من الرواية ونحوها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى أَيْ: عَمّ جَمِيعَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ فِي قَبْضَتِك إلّا مَا يَبْلُغُ بَعْضَهُمْ، فَاَللهُ هُوَ الّذِي رَمَى سَائِرَهُمْ إذْ رَمَيْت أَنْتَ الْقَلِيلَ مِنْهُمْ، فَهَذَا قَوْلٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: مَعْنَاهُ: وَمَا رَمَيْت قُلُوبَهُمْ بِالرّعْبِ حِينَ رَمَيْت الْحَصْبَاءَ، وَلَكِنّ اللهَ رَمَى وَقَالَ هِبَةُ اللهِ بْنُ سَلَامَةَ: الرّمْيُ أَخْذٌ وَإِرْسَالٌ وَإِصَابَةٌ وَتَبْلِيغٌ، فَاَلّذِي أَثْبَتَ اللهُ لِنَبِيّهِ هُوَ الْأَخَذُ وَالْإِرْسَالُ، وَاَلّذِي نَفَى عَنْهُ هُوَ الْإِصَابَةُ وَالتّبْلِيغُ، وَأَثْبَتَهُمَا لِنَفْسِهِ. حول النولى يوم الزعف وَالِانْتِصَارَاتِ الْإِسْلَامِيّةِ الْبَاهِرَةِ: وَقَوْلُهُ: فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ الْآيَةَ قَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ الْفِرَارُ مِنْ الزّحْفِ مِنْ الْكَبَائِرِ إلّا يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي الْمَلْحَمَةِ الْكُبْرَى الّتِي تَأْتِي آخِرَ الزّمَانِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ إذَا حَضَرَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَتَحَيّزْ إلَى فِئَةٍ فَأَمّا إذَا كَانَ الْفِرَارُ إلَى الْإِمَامِ، فَهُوَ مُتَحَيّزٌ إلَى فِئَةٍ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَمَا أَوْقَعَ الْفُرْسُ بِالْمُسْلِمِينَ: هَلّا تَحَيّزَ إلَيّ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَإِنّي فِئَةٌ لِكُلّ مُسْلِمٍ، وَرُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ الّذِينَ رَجَعُوا مِنْ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ «1» ، ذَلِكَ أَنّهُمْ قَالُوا: نَحْنُ الْفَرّارُونَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمْ الْعَكّارُونَ «2» ، وَأَنَا فئتكم،

_ (1) مؤتة قرية من قرى البلقاء فى حدود الشام. (2) الكرارون إلى الحرب والعطافون نحوها، يقال للرجل يولى عن الحرب ثم يكر راجعا إليها: عكر واعتكر وقد ورد هذا فى حديث رواه أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجة من طرق عن يزيد بن أبى زياد، وقال-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ اخْتَصَرْته، وَالْقَدْرُ الّذِي يَحْرُمُ مَعَهُ الْفِرَارُ الْوَاحِدُ مَعَ الْوَاحِدِ، وَالْوَاحِدُ مَعَ الِاثْنَيْنِ، فَإِذَا كَانَ الْوَاحِدُ لِلثّلَاثَةِ، لَمْ يُعَبْ عَلَى الْفَارّ فِرَارُهُ، كَانَ مُتَحَيّزًا إلَى فِئَةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رشد «1» فى مقدماته عن

_ - الترمذى: حسن لا نعرفه إلا من حديث ابن أبى زياد. هذا وقد روى البخارى ومسلم قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولى يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» وفى سنن أبى داود والنسائى ومستدرك الحاكم وتفسير ابن جرير وابن مردويه من حديث داود بن أبى هند عن أبى نضرة عن أبى سعيد أنه قال فى هذه الآية «إنما أنزلت فى أهل بدر» هذا وما أجمل ما قاله ابن كثير- بعد أن أورد الذى سبق وغيره ما يفيد أن الآية خاصة بأهل بدر «وهذا كله لا ينفى أن يكون الفرار من الزحف حراما على غير أهل بدر، وإن كان سبب نزول الآية فيهم، كما دل عليه حديث أبى هريرة المتقدم من أن الفرار من الزحف من الموبقات، كما هو مذهب الجماهير والله أعلم» . (1) فى بداية المجتهد ص 313 ح 1 ط 1333 هـ لأبى الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبى «وأما معرفة العدد الذين لا يجوز الفرار منهم فهم الضعف وذلك مجمع عليه لقوله تعالى: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) الآية وذهب ابن الماجشون ورواه عن مالك أن الضعف إنما يعتبر فى القوة لا فى العدد، وأنه يجوز أن يفر الواحد عن واحد إذا كان أعتق جوادا منه وأجود سلاحا وأشد قوة» ويقول الشافعى: «إذا غزا المسلمون، فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا، ولا يستوجبوا السخط عندى من الله لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة» ص 144 ج 2 الزواجر لابن حجر الهيتمى ط 1356 وانظر الأحكام السلطانية-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، قَالَ: إذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ الْفِرَارُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِهِمْ، وَلَا مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَنْ تُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلّةٍ، وَقَدْ كَانَ وُقُوفُ الْوَاحِدِ إلَى الْعَشَرَةِ حَتْمًا فِي أَوّلِ الْأَمْرِ، ثُمّ خفف الله ذلك وَنَسَخَهُ بِقَوْلِهِ: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ، وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً الْآيَةَ، كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنْ لَا يَتَبَيّنُ فِيهِ النّسْخُ، لِأَنّ قَوْلَهُ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ إلَى آخِرِ الْآيَةِ خَبَرٌ، وَالْخَبَرُ لَا يَدْخُلُهُ النّسْخُ، وَقَوْلُهُ: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ يَدُلّ عَلَى أَنّ ثَمّ حُكْمًا مَنْسُوخًا، وَهُوَ الثّبُوتُ للعشرة، فإذا للآية ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، فَظَاهِرُهَا خَبَرٌ، وَوَعْدٌ مِنْ اللهِ تَعَالَى أَنْ تَغْلِبَ الْعَشَرَةُ الْمِائَةَ، وَبَاطِنُهَا وُجُوبُ الثّبُوتِ لِلْمِائَةِ، وَيَدُلّ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ قَوْلُهُ: حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ فَتَعَلّقَ النّسْخُ بِهَذَا الْحُكْمِ الْبَاطِنِ، وَبَقِيَ الْخَبَرُ وَعْدًا حَقّا قَدْ أَبْصَرَهُ الْمُؤْمِنُونَ- عِيَانًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، وَفِي بَقِيّةِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي مُحَارَبَةِ الرّومِ وَفَارِسٍ بِالْعِرَاقِ وبالشام، فَفِي تِلْكَ الْمَلَاحِمِ هَزَمَتْ الْمِئُونُ الْآلَافَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ هَزَمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِائَةَ ألف حين إفباله مِنْ الْعِرَاقِ إلَى الشّامِ وَلَمْ يَبْلُغْ عَسْكَرُهُ خَمْسَةَ آلَافٍ، بَلْ قَدْ رَأَيْت فِي بَعْضِ فُتُوحِ الشّامِ أَنّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ فِي أَلْفِ فَارِسٍ، وَكَانَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ الْعِرَاقِ مَدَدًا لِلْمُسْلِمِينَ الّذِينَ بِالشّامِ، وَكَانَ الرّومُ فِي أَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ، فَلَقِيَ مِنْهُمْ خَالِدٌ مِائَةَ أَلْفٍ فَفَضّ جمعهم

_ - لأبى يعلى والماوردى. وقد قال الخرقى «لا يجوز للمسلم أن يههرب من كافرين، ومباح له أن يهرب من ثلاثة فإن خشى الأسر قاتل حتى يقتل» ص 30 الأحكام السلطانية لأبى يعلى ط 1356 هـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهَزَمَهُمْ «1» ، وَقَدْ هَزَمَ أَهْلُ الْقَادِسِيّةِ جُيُوشَ رُسْتُمَ وَقَتَلُوهُ وَكَانَ رُسْتُمُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ أَلْفٍ «2» ، وَلَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُونَ فِي عُشْرِ ذَلِكَ العدد وجاؤا مَعَهُمْ بِالْفِيَلَةِ أَمْثَالَ الْحُصُونِ عَلَيْهَا الرّجَالُ فَفَرّتْ الْفِيَلَةُ، وَأَطَاحَتْ مَا عَلَيْهَا، وَلَمْ يَرُدّهَا شَيْءٌ دُونَ الْبَلَدِ الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنْ فَتْحِ اللهِ وَنَصْرِهِ عَلَى يَدَيْ مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ بِإِفْرِيقِيّةَ، وَالْأَنْدَلُسِ «3» ، فَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ أَعْجَبُ الْعَجَبِ، فَكَانَ وَعْدُ اللهِ مفعولا ونصره للمسلمين ناجزا، والحمد لله.

_ (1) أظنه يقصد رقعة أجنادين. فقد شهدها من الروم مائة ألف. وقد كانت فى سنة 13 هـ. (2) القادسية: قرية قرب الكوفة من جهة البر بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا، وقد كانت معركتها العظيمة سنة 14 أو 15 هـ، وقيل كان فى آخر سنة 16 هو كان عدد الفيلة فيها ثلاثة وثلاثين وفيها كتب عمر إلى سعد: «لا يكر بنك ما يأتيك عنهم، ولا ما يأتونك به. واستعن بالله، وتوكل عليه، وابعث إليهم رجالا من أهل النظر والرأى والجلد يدعونه، فان الله جاعل دعاءهم توهينا لهم، وفلجا عليهم، واكتب إلى فى كل يوم» . وقد ذكر ابن إسحاق أن المسلمين كانوا ما بين السبعة آلاف إلى الثمانية آلاف، وأر رستما كان فى ستين ألفا. (3) لإفريقية فى العربية قديما مفهوم غير مالها الآن. فهى- كما فى مراصد الاطلاع- بلاد واسعة ومملكة كبيرة قبالة جزيرة صقلية، وينتهى آخرها إلى قبالة جزيرة الأندلس ... وحد إفريقية من طرابلس المغرب من جهة برقة والإسكندرية وإلى بحاية- بحاية على ساحل البحر بين إفريقية والمغرب- وقيل إلى مليانة. وقيل: طولها من برقة شرقا إلى طنجة الخضراء غربا وعرضها من البحر إلى الرمال التى أولها بلاد السودان. وقد بدأ غزو إفريقية فى عهد عثمان بن عفان على يد واليه على مصر أعبد لله بن سعد بن أبى سرح، وذلك فى سنة 27 هـ- 647 م أو بعد هذا بعام-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ النّقّاشُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ معناه: إن يصيروا يَغْلِبُوا، وَغَلَبَتُهُمْ لَيْسَ بِأَنْ يُسْلِمُوا كُلّهُمْ، وَلَكِنْ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ رَأَى غَلَبَةَ أَهْلِ دِينِهِ، وَظُهُورَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَلَا يَقْدَحُ فِي وَعْدِ اللهِ أَنْ يَسْتَشْهِدَ جُمْلَةٌ مِنْ الصّابِرِينَ، وَإِنّمَا هذا كقوله: قاتِلُوا

_ - أو عامين، وكانت تحت يد المسيحين وقد أتم فتح طرابلس المغرب، غير أنه اكتفى آنذاك بفرض الجزية على أهلها، وفى عهد معاوية بن خديج أمير مصر من قبل معاوية بن أبى سفيان سنة 47 هـ- 667 م أو بعدها استؤنف الحرب ضد الحكم النصرانى فى إفريقية فأوغل حتى مشارف جزيرة صقلية. أما الذى يعتبر المؤسس الحقيقى للحكم الإسلامى فى إفريقية فهو عقبة ابن نافع وهو ابن خالة عمرو بن العاص فتح برقة، وفى سنة 50 هـ- 670 م استطاع القضاء على الحكم النصرانى فى شمالى إفريقيا مرة واحدة بمعاونة البربر، وأنشأ مدينة عسكرية فى القيروان، وجعلها معقلا وحصنا لعسكره، ومقرا لولاة إفريقية، ثم عزل، ثم أعاده يزيد بن معاوية إلى عمله سنة 63 هـ- 682 م فأوغل حتى بلغ المحيط. ولكن البربر ولم يكونوا قد خضعوا خضوعا كاملا انتزعوا تونس من سنة 64 هـ- 74 هـ- 683- 693 م ثم استرده حسان بن النعمان من 74- 79 هـ- 793- 698 م وقد عين عبد الملك بن مروان أخاه عبد العزيز واليا على مصر شمالى إفريقية وفى عهده قصى نهائيا على المعارضة البربرية، وقد عين على إفريقية الشمالية موسى بن نصير ولما تولى الوليد بن عبد الملك أقر ولاية موسى، وأرسل هذا مولاه طارقا بجيش أكثره من البربر لاستطلاع أمر الأندلس فى سنة 92 هـ- 711 م ووجه طارق إلى المملكة القوطية فى معركة وادى بكة ضربة قاضية قتل فيها علكهم لذريق. واستطاع طارق وموسى الذى نزل إلى الأندلس أيضا بجيش عربى إخضاع أسبانية الشمالية كلها من سرقسطة إلى نبرة. هكذا كان آباؤنا، فلنكن مثلهم فيما به انتصروا، لا فيما به هزموا!!

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ إلَى قَوْلِهِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ فَقَدْ نُجِزَ الْمَوْعُودُ وَغَلَبُوا كَمَا وُعِدُوا. هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، وَاَلّذِي قَدّمْنَاهُ أَبْيَنُ. الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مرصد فِي بَدْرٍ: وَفِي هَذِهِ السّورَةِ قَوْلُهُ: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا، ثُمّ خَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ إلَى بَدْرٍ، فَلَمّا رَأَوْا قِلّةَ الْمُسْلِمِينَ شَكّوا، وَقَالُوا غَرّ هؤلاء دينهم، منهم قيس ابن الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقَيْسُ بْنُ الْفَاكِهِ وَجَمَاعَةٌ سَمّاهُمْ أَبُو بَكْرٍ النّقّاشُ «1» ، وَهُمْ الّذِينَ قُتِلُوا فَضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ. رَأْيُ الْأَخْنَسِ وَأَبِي جَهْلٍ فِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَانْخَنَسَ يَوْمَئِذٍ أُبَيّ بْنِ شَرِيقٍ بِنَحْوِ مِنْ ثَلَثِمِائَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسُمّيَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ بْنِ عِلَاجِ بْنِ أبى سلمة بن عبد العزّى ابن غِيرَةَ وَذَلِكَ أَنّهُ خَلَا بِأَبِي جَهْلٍ حِينَ تَرَاءَى الْجَمْعَانِ، فَقَالَ: أَتَرَى أَنّ مُحَمّدًا يَكْذِبُ؟ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: كَيْفَ يَكْذِبُ عَلَى اللهِ، وَقَدْ كُنّا نُسَمّيهِ الْأَمِينَ، لِأَنّهُ مَا كَذَبَ قَطّ، وَلَكِنْ إذَا اجْتَمَعَتْ فِي بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ وَالْمَشُورَةَ، ثُمّ تَكُونُ فِيهِمْ النّبوة، فَأَيّ شَيْءٍ بَقِيَ لَنَا، فَحِينَئِذٍ انْخَنَسَ الْأَخْنَسُ بِبَنِي زُهْرَةَ وَحَشَدَ إبْلِيسُ جَمِيعَ جُنُودِهِ، وَجَاءَ بنفسه، ونزل

_ (1) ذكر مجاهد منهم أيضا. الحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب، وعلى بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن الحجاج «تفسير ابن كثير» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جِبْرِيلُ بِأَلْفِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِي صُوَرِ الرّجَالِ، فكان فى خمسمائة من الملائكة فى الْمَيْمَنَةِ، وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِي الْمَيْسَرَةِ، وَوَرَاءَهُمْ مَدَدٌ لَمْ يُقَاتِلُوا، وَهُمْ الْآلَافُ الْمَذْكُورُونَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَكَانَ إسْرَافِيلُ وَسَطَ الصّفّ لَا يُقَاتِلُ، كَمَا يُقَاتِلُ غَيْرُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَكَانَ الرّجُلُ يَرَى الْمَلَكَ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ يَعْرِفُهُ؛ وَهُوَ يُثَبّتُهُ وَيَقُولُ لَهُ: مَا هُمْ بِشَيْءِ، فَكَرّ عَلَيْهِمْ «1» ، وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ذَكَرَهُ ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام، وَفِي مِثْلِ هَذَا يَقُولُ حَسّانٌ: ميكال معك وجبرئيل كِلَاهُمَا ... مَدَدٌ لِنَصْرِك مِنْ عَزِيزٍ قَادِرِ وَيُقَالُ: كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ مِنْ الْجِنّ، كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا. مَنْ الْآخَرُونَ؟ وَذَكَرَ قَوْلَ اللَّه تَعَالَى: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْآخَرِينَ مَنْ هُمْ، وَقِيلَ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ قِيلَ: هُمْ الْمُنَافِقُونَ، وَقِيلَ: هُمْ الْيَهُودُ «2» وَأَصَحّ مَا فِي ذَلِكَ أَنّهُمْ الْجِنّ، لِرِوَايَةِ ابْنِ الْمُلَيْكِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فى آخرين من دونهم

_ (1) قول لا سند له، وقد سبق الحديث عن هذا، ولم يكن المشركون فى القوة التى تحتاج إلى جبريل ومعه خمسمائة فى الميمنة، وميكائيل فى خمسمائة منهم فى الميسرة!! (2) رأى مجاهد فى الآخرين أنهم بنو قريظة، ورأى السدى أنهم فارس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ هُمْ الْجِنّ ثُمّ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنّ الشّيْطَانَ لَا يَخْبِلُ أَحَدًا فِي دَارٍ فِيهَا فَرَسٌ عَتِيقٌ، ذَكَرَهُ الْحَارِثُ فِي مُسْنَدِهِ «1» وَأَنْشَدَ: جُنُوحَ الْهَالِكِيّ عَلَى يَدَيْهِ ... مُكِبّا يَجْتَلِي نُقَبَ النّصَالِ الْهَالِكِيّ: الصّيْقَلُ. وَنُقَبُ النّصَالِ: جَرَبُ الحديد، وصدوه، وَهُوَ فِي مَعْنَى النّقَبِ، وَاحِدَتُهَا نُقْبَةٌ «2» . حَوْلَ غَنَائِمِ بَدْر: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي السّورَةِ: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ يَعْنِي بِإِحْلَالِ الْغَنَائِمِ لِمُحَمّدِ وَأُمّتِهِ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: - لَقَدْ عُرِضَ عَلَيّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ «3» ، وَقَالَ: لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ مَا نَجَا مِنْهُ إلّا عُمَرُ، لِأَنّ عُمَرَ كان قد أشار عليه بقتل الأسارى والإنخان فِي الْقَتْلِ، وَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ بِالْإِبْقَاءِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-

_ (1) أخرجه ابن أبى حاتم والطبرانى. ولكن قال عنه ابن كثير فى تفسيره: «وهذا الحديث منكر لا يصح إسناده ولا متنه» ثم قال: وقال عن رأى القائلين بأنهم المنافقون: «وهذا أشبه الأقوال، ويشهد له قوله تَعَالَى: (وَمِمّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ، وَمِنْ أهل المدينة مردوا على للنفاق، لا تعلمهم نحن نعلمهم) ، وابن كثير استهدف فأصاب. وفى الآية دليل آخر «لا تعلمونهم» أما اليهود وفارس، فكان المسلمون يعلمون بهم. (2) الهالكى: الحداد وهو هنا الصيقل، ويجتلى: يحلو ويصقل، والنصال: جمع نصل، وهو حديدة السهم. (3) من حديث رواه أحمد ومسلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمّ نَزَلَتْ الْآيَةُ: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَأَخَذَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُسَارَى، فَقَالَ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ كَذّبُوك وَأَخْرَجُوك، اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْتَ بِوَادٍ كَثِيرِ الْحَطَبِ، فَأَضْرِمْهُ نَارًا، ثُمّ أَلْقِهِمْ فِيهَا، فَقَالَ الْعَبّاسُ: قَطَعَ اللهُ رَحِمَك، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ عِتْرَتُك، وَأَصْلُك وَقَوْمُك تَجَاوَزْ عَنْهُمْ، يَسْتَنْقِذْهُمْ اللهُ بِك مِنْ النّارِ، ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ، وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، فَخَرَجَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا قَوْلُكُمْ فِي هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ، إنّ مَثَلَهُمَا كَمَثَلِ إخْوَةٍ لَكُمْ، كَانُوا قَبْلَكُمْ، قَالَ نُوحٌ: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ الْآيَةَ، وَقَالَ مُوسَى: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ الْآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ الْآيَةَ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي الْآيَةَ. وَإِنّ اللهَ يُشَدّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ، حَتّى تَكُونَ كَالْحَجَرِ، وَيُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ، حَتّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ اللّبَنِ، وَيُرْوَى مِنْ اللّينِ، وَإِنّ بِكُمْ عِيلَةً فَلَا يَفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا بِفِدَاءِ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ [بن مسعود] : فقلت إلّا سهل بن بَيْضَاءَ، وَقَدْ كُنْت سَمِعْته يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ، قَالَ: فَجَعَلْت أَنْظُرُ إلَى السّمَاءِ مَتَى تَقَعُ عَلَيّ الْحِجَارَةُ فَقُلْت: أُقَدّمُ الْقَوْلَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ، فَقَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلّا سهل بن بيضاء، ففرحت بذلك «1» ،

_ (1) رواه أحمد والترمذى والحاكم فى مستدركه، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَمّا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْمَغَازِي، فإنهم يقولون إنما هو سهل بن بَيْضَاءَ أَخُو سُهَيْلٍ، فَأَمّا، سُهَيْلٌ، فَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَقَدْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَدْرًا، ثُمّ إنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَفْدِ بَعْدَهَا بِمَالِ، إنّمَا كَانَ يَمُنّ أَوْ يُفَادِي أَسِيرًا بِأَسِيرِ، كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَذَلِكَ وَاَللهُ أعلم لقوله: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا يَعْنِي الْفِدَاءَ بِالْمَالِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحَلّ ذَلِكَ وَطَيّبَهُ، وَلَكِنْ مَا فَعَلَهُ الرّسُولُ بَعْدَ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنّ أَوْ الْمُفَادَاةِ بِالرّجَالِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً كَيْفَ قَدّمَ الْمَنّ عَلَى الْفِدَاءِ، فَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدّمَهُ، وَأَمّا مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا، فَالْأَوْزَاعِيّ وَسُفْيَانُ وَمَالِكٌ يَكْرَهُونَ أَخْذَ الْمَالِ فِي الْأَسِيرِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَقْوِيَةِ الْعَدُوّ بِالرّجَالِ «1» ، وَاخْتَلَفُوا فى

_ (1) بسط الشيخ رشيد رضا القول فى تفسيره فى هذه المسألة، ثم قال- رحمه الله-: «وجملة القول فى تفسير الآيات الثلاث أنه ليس من سنة الأنبياء، ولا مما ينبغى لأحد منهم أن يكون له أسرى يفاديهم، أو يمن عليهم إلا بعد أن يكون له الغلب والسلطان على أعدائه وأعداء الله الكافرين لئلا يفضى أخذه الأسرى إلى ضعف المؤمنين وقوة أعدائهم وجرأتهم وعدوانهم عليهم، وأن ما فعله المؤمنون من مفاداة أسرى بدر بالمال كان ذنبا سببه إرادة جمهورهم عرض الحياة الدنيا على ما كان من ذنب أخذهم لهم قبل الإثخان الذى تقتضيه الحكمة باعلاء كلمة الله تعالى، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، ولولا ذلك لسألوا الرسول «ص» كما سألوه عن الأنفال من قبله، وأنه لولا كتاب من الله سبق مقتضاه عدم عقابهم على ذنب أخذ الفداء قبل إذنه تعالى، وعلى خلاف سنته وبالغ حكمته لمسهم عذاب عظيم فى أخذهم ذلك وأنه تعالى أحل لهم ما أخذوا وغفر لهم ذنبهم، بأخذه قبل إحلاله، والله غفور رحيم» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصّغِيرِ إذَا كَانَ مَعَهُ أُمّهُ، فَأَجَازَ فِدَاءَهُ بِالْمَالِ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ، وَالصّحِيحُ مَنْعُهُ، وَكَانَ الْعَبّاسُ عَمّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَسْرَى، فَفَدَى نَفْسَهُ، وَفَدَى ابْنَيْ أَخِيهِ «1» ، فَقَالَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ تَرَكْتنِي أَتَكَفّفُ قُرَيْشًا فَقِيرًا مُعْدِمًا، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ الذّهَبُ «2» الّتِي تَرَكْتهَا عِنْدَ أُمّ الْفَضْلِ وَعَدَدُهَا كَذَا وَكَذَا، وَقُلْت لَهَا كَيْت وَكَيْت، فَقَالَ: مَنْ أَعْلَمَك بِهَذَا يَا ابْنَ أَخِي؟ فَقَالَ: اللهُ، فَقَالَ: حَدِيثٌ مَا اطّلَعَ عَلَيْهِ إلّا عَالِمُ الْأَسْرَارِ أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللهِ، فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَ الْعَبّاسُ، وَكَانَ فِي الْأَسْرَى مَنْ يَكْتُبُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ أَحَدٌ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، فَيَقْبَلُ مِنْهُ أَنْ يُعَلّمَ عَشَرَةً مِنْ الْغِلْمَانِ الْكِتَابَةَ، وَيُخَلّيَ سَبِيلَهُ، فَيَوْمَئِذٍ تَعَلّمَ الْكِتَابَةَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ غِلْمَةِ الْأَنْصَارِ، وَهَذِهِ عُيُونُ أَخْبَارٍ، وَصَلْتهَا بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ جَمَعْتهَا مِنْ كُتُبِ التّفَاسِيرِ وَالسّيَرِ وَلَخّصْتهَا. خَيْلُ بَدْرٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ الْخَيْلَ الّتِي كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بدر، فذكر

_ (1) هما نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبى طالب. وفى صحيح البخارى عن ابن شهاب قال حدثنا أنس بن مالك أن رجالا من الأنصار قالوا يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه، قال: لا والله لا تذرون منه درهما، هذا وقد قيل إن العباس افتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب. (2) يؤنث أحيانا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعزجة فرس المقداد، واليعبوب فَرَسَ الزّبَيْرِ، وَفَرَسًا لِمَرْثَدِ الْغَنَوِيّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ خَيْلٌ إلّا هَذِهِ، وَفِي فَرَسِ الزّبَيْرِ اخْتِلَافٌ، وَقَدْ كَانَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلٌ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ، مِنْهَا: السّكْبُ وَاللّزَازُ وَالْمُرْتَجِزُ وَاللّحِيفُ «1» ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيثِ عَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَيُقَالُ فِيهِ: اللّخِيفُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ «2» ، وَقَالَ الْقُتَبِيّ: كَانَ الْمُرْتَجِزُ فَرَسًا اشْتَرَاهُ عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ أَعْرَابِيّ، ثُمّ أَنْكَرَ الْأَعْرَابِيّ أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ مِنْهُ، فَشَهِدَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى الْأَعْرَابِيّ بِالْبَيْعِ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَ تَشْهَدُ؟ قَالَ: أَشْهَدُ بِصِدْقِك يَا رَسُولَ اللهِ، فَجُعِلَتْ شَهَادَتُهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ، وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ، غَيْرَ أَنّ فِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ زِيَادَةً فِيهِ، وَهِيَ أَنّهُ، عَلَيْهِ السّلَامُ، رَدّ الْفَرَسَ عَلَى الْأَعْرَابِيّ، وَقَالَ: لَا بَارَكَ اللهُ لَك فِيهَا، فَأَصْبَحَتْ مِنْ الْغَدِ شَائِلَةً بِرِجْلِهَا، أَيْ: قَدْ مَاتَتْ. قَالَ الطّبَرِيّ: وَمِنْ خَيْلِهِ الضّرِسُ، وَمُلَاوِحٌ، وَالْوَرَدُ «3» وَهُوَ الّذِي وَهَبَهُ لِعُمَرِ، فحمل عليه عمر رجلا فى سبيل

_ (1) سمى السكب بهذا لكثرة جريه، كأنما يصب جريه صبا، واللزاز لشدة تلززه واجتماع خلقه، ولز به الشىء لزق به كأنه يلزق بالمطلوب لسرعته، والمرتجز: لحسن صهيله، واللحيف لطول ذنبه، كأنه يلحف الأرض بذنبه أى يغطيها، ويروى بالجيم، فإن صح، فانه من السرعة، لأن اللجيف سهم عريض النصل. (2) يقول ابن الأثير: رواه البخارى هكذا ولم يتحققه، والمعروف بالحاء المهملة والجيم. (3) الضرس- بفتح فكسر- الصعب السىء الخلق وهى فى الأصل؛ الضريس وهو خطأ صوبته من النهاية والطبرى والقاموس، وكان أول ما غزا عليه أحد. وملاوح- بضم الميم وكسر الواو: الضامر الذى لا يسمن، والسريع العطش، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهِ، وَحَدِيثُهُ فِي الْمُوَطّأِ، وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ الدّرُوعِ: ذَاتُ الْفُضُولِ، وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا: فَضّةُ، وَرَايَةٌ يُقَالُ لَهَا الْعُقَابُ، وَقَوْسَانِ أَحَدُهُمَا: الصّفْرَاءُ، وَالْأُخْرَى: الزّوْرَاءُ وَسَيْفُهُ: ذُو الْفَقَارِ لِفِقْرَاتِ كَانَتْ فِي وَسَطِهِ «1» ، وَكَانَ لِنُبَيْهٍ وَمُنَبّهِ ابْنَيْ الْحَجّاجِ سُلِبَاهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَيُقَالُ: إنّ أَصْلَهُ كَانَ مِنْ حَدِيدَةٍ وُجِدَتْ مَدْفُونَةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَصُنِعَ مِنْهَا ذُو الْفَقَارِ، وَصَمْصَامَةُ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ الّتِي وَهَبَهَا لِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَكَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ الْعَرَبِ، وَكَانَ لَهُ حَرْبَةٌ يُقَالُ لَهَا: النّبْعَةُ، وَذَكَرَ الْعُقَيْلِيّ فِي كِتَابِ الضّعَفَاءِ جُمْلَةً مِنْ آلَاتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ، فَمِنْهَا الْجَمْعُ اسْمُ كِنَانَتِهِ، والمدلة اسم لمرآة كان ينظر

_ - والعظيم الألواح. وزاد ابن الجوزى فى كتابه الوفا: الطرف، وهو الكريم الطرفين. وقد ذكر الطبرى أن ملاوح كان لأبى بردة بن نيار، وذكر فيه الظرب بدلا من الطرف عند ابن الجوزى. ويقول إن لزاز هدية من المقوقس ولحيف أهداه ربيعة بن أبى البراء، والظرف أهداه له فروة بن عمر الجذامى، والورد أهداه له تميم الدارى. كما ذكر له فرسا يسمى اليعسوب ص 174 ح 3 ط 1 المعارف. وذكر ابن القيم له فرسا آخر اسمه: سبحة، وذكر أن الإمام أبا عبد الله محمد بن إسحاق بن جماعة جمعها فى بيت شعر: والخيل: سكب لخيف سبحة ظرب ... لزاز مرنجز ورد لها أسرار ص 69 ج 1 زاد المعاد (1) يقول ابن الأثير لأنه كان فيه حفر صغار حسان. وضبطه ابنى القيم ص 67 ح 1 زاد المعاد بفتح الفاء وكسرها، وذكر له صلى الله عليه وسلم ثمانية أسياف آخرى كما ذكر له سبعة أدرع منها ما ذكر السهيلى، وست قمى منها أيضا ما ذكر السهيلى، وأما حربته فاسمها النبعاء كما ورد فى حديث رواه الطبرانى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِيهَا، وَقَضِيبٌ يُسْمَى: الْمَمْشُوقُ، وَذَكَرَ الْجَلَمَيْنِ «1» ، وَنَسِيت مَا قَالَ فِي اسْمِهِ، وَأَمّا بَغْلَتُهُ دُلْدُلُ وَحِمَارُهُ عُفَيْرٌ «2» ، فَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِتَابِ الْأَعْلَامِ، وَذَكَرْنَا مَا كَانَ فِي أَمْرِ الْحِمَارِ مِنْ الآيات، وزدنا هنا لك فِي اسْتِقْصَاءِ هَذَا الْبَابِ، وَرَأَيْنَا أَنْ لَا نخلى هذا الكتاب مما ذكرنا هنا لك، أَوْ أَكْثَرَهُ، وَأَمّا دُلْدُلُ فَمَاتَتْ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، وَهِيَ الّتِي أَهْدَاهَا إلَيْهِ الْمُقَوْقِسُ، وَأَمّا الْيَعْفُورُ فَطَرَحَ نَفْسَهُ فِي بِئْرٍ يَوْمَ مَاتَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَاتَ، وَذَكَرَ ابْنُ فَوْرَكٍ فِي كِتَابِ الْفُصُولِ أَنّهُ كَانَ مِنْ مَغَانِمِ خَيْبَرَ، وَأَنّهُ كَلّمَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا زِيَادُ بْنُ شِهَابٍ، وَقَدْ كَانَ فِي آبَائِي سِتّونَ حِمَارًا كُلّهُمْ رَكِبَهُ نَبِيّ، فَارْكَبْنِي أَنْتَ، وَزَادَ الْجُوَيْنِيّ فِي كِتَابِ الشّامِلِ «3» أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان إذَا أَرَادَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرْسَلَ إلَيْهِ هَذَا الْحِمَارَ، فَيَذْهَبُ حَتّى يَضْرِبَ بِرَأْسِهِ الْبَابَ، فَيَخْرُجُ الرّجُلُ، فَيَعْلَمُ أَنّهُ قَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ، فَيَأْتِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لَهُ تُرْسٌ فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ فِيهِ تِمْثَالٌ كَرَأْسِ الْكَبْشِ وَكَانَ يَكْرَهُهُ فِيهِ، فَأَصْبَحَ ذَاتَ يوم قد

_ (1) الجلم الذى يجز به الشعر والصوف، والجلمان شفرتاه، وهكذا يقال مثنى كالمقص والمقصين. (2) وفى رواية: يعفور. ويذكر الطبرى أنه قيل أيضا إن دلدل هدية من فرده بن عمر الجذامى كما ذكر ابن القيم أنه كان له «ص» أربع بغلات منها دلدل. (3) ص 178 ح 3 ط المعارف. ولا أدرى من أين جاء ابن فورك والجوينى بما ذكر عن الحمارين؟؟.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انمحى «1» ، ولم يبق منه أثر، وأمار داؤه عَلَيْهِ السّلَامُ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْحَضْرَمِيّ، وَبِهِ كَانَ يَشْهَدُ الْعِيدَيْنِ، كَانَ طُولُهُ أَرْبَعَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَانِ وَشِبْرٌ «2» ، وَكَانَ لَهُ جَفْنَةٌ عَظِيمَةٌ يُقَالُ لَهَا الْغَرّاءُ يَحْمِلُهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ جَرَى ذِكْرُهَا فِي حَدِيثٍ خَرّجَهُ أَبُو دَاوُدَ، فَهَذِهِ جُمْلَةٌ تَشْرَئِبّ إلَى مَعْرِفَتِهَا أَنْفُسُ الطّالِبِينَ، وَتَرْتَاحُ بِالْمُذَاكَرَةِ بِهَا قُلُوبُ الْمُتَأَدّبِينَ، وَكُلّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْمَعْرِفَةِ بِنَبِيّنَا عَلَيْهِ السّلَامُ، وَمُتّصِلًا بِأَخْبَارِ سِيرَتِهِ مِمّا يُونِقُ الْأَسْمَاعَ، وَيَهُزّ بِأَرْوَاحِ الْمَحَبّةِ الطّبَاعَ «3» ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى مَا عُلِمَ من ذلك.

_ (1) ذكر ابن القيم له اثنين آخرين، وأنه وضع يده على التمثال، فامحى ص 67 ح 1 زاد المعاد. (2) فى زاد المعاد لابن القيم «قال الواقدى: كان رداؤه وبرده طول ستة أذرع فى ثلاثة وشبر، وإزاره من نسج عمان طوله أربعة أذرع وشبر، فى عرض ذراعين وشبر» ص 71 ح 1 زاد المعاد وانظر فيه تفصيل ملابسه صلى الله عليه وسلم، وفى ص 568 ح 2 الوفا بأحوال المصطفى والمواهب اللدنية بداية الجزء الخامس. (3) لا ريب فى أن كل ما يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم يثير ما يثير فى النفس من شوق وحنين قد تعبر عنها أحيانا الدموع أصدق الدموع، وتهفو بالروح إلى حيث كانت تلك السيرة القدسية. غير أنا نقول دائما: إننا يجب أن نعنى بسيرة النبى صلى الله عليه بعد البعثة، حيث فرض الله علينا أن يكون لنا وحده- صلى الله عليه وسلم- هو الأسوة الحسنة. ولقد قوم القرآن لنا حياته عليه الصلاة والسلام قبل البعثة وبعدها، فلنهتد بنور القرآن فى هذا التقويم ليكون لنا نبراسا وفيصلا فيما يجب علينا أن نأتسى به. وهاهى ذى آيات من القرآن بها نسترشد ونستهدى فى هذا. محمد قبل البعثة: ولا ريب فى أن النص من القرآن يلغى كل وصف يعارضه، ويحكم ببطلانه. فلنتدبر معا. (ألم يحدك يتيما فآوى. ووجدك ضالا فهدى. - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . - ووجدك عائلا فأغنى) والمهم هنا الآية الثانية، ولنحذر أن تفتننا العاطفة الساحرة عن حقيقة معناها ولنحذر أيضا من إلغاء معناها، وإلا كان الكفر الصراح البواح، ولنحذر أيضا من أن نظن أن الإيمان بها ينال من مكانة النبى صلى الله عليه وسلم، ولنتدبر معا أيضا: (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك، وما يضلون إلا أنفسهم، وما يضرونك من شىء، وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة، وعلمك ما لم تكر تعلم، وكان فضل الله عليك عظيما) النساء: 113 فما أضل الذين يزعمون أنه كان يعلم بالقرآن قبل نزوله. بداية الآية تؤكد وجود بشرية فقيرة إلى عون الله وفضله، وختامها يؤكد أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم الكتاب، ولا الحكمة، وأنه علم من الله ما لم يكن يعلم. ولنتدبر معا أيضا: (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك، فلا تكونن ظهيرا للكافرين) القصص: 86 (وما كنت تتلو من قبله من كتاب، ولا تخطه بيمينك إذا لا رتاب المبطلون) العنكبوت: 48 (وكذلك أرحينا إليك روحا من أمرنا، ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان. ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا. وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم) الثورى: 52. (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات. قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله، قل: ما يكون لى أن أبدله من تلقاء نفسى، إن أتبع إلا ما يوحى إلى إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم. قل لو شاء الله ما تلونه عليكم، ولا أدراكم به، فقد لبثت فيكم عمرا من قبله. أفلا تعقلون) يونس: 15، 16 هذا تقويم لحياة النبى صلى الله عليه وسلم، يؤكد لنا ما يأتى بعضه: إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف الكتاب ولم يكن يعرف الإيمان، وأن الله وجده ضالا، فهداه، وأنه لم يكن يرجو أن يلقى إليه الكتاب، ولهذ لم يفرض الله علينا الاقتداء به صلى الله عليه وسلم فى هذه الفترة، وإنما فرض علينا أن نتخذه أسوة بعد أن صار رسولا تقويم لحياته بعد الرسالة: - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . - يقول سبحانه فى سورة النجم (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ، وَما غَوى، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) جاءه الوحى، فكانت هذه الصفات العظيمة التى بها زكى الله فكره وقلبه ولسانه. (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ، وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الأعراف: 158. (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) البقرة: 151. وهذا تقويم لرسالته وأثرها فى البشرية (قُلْ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) آل عمران: 32. (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب: 56 رأى تمجيد أعظم من هذا لعبد اصطفاه الله ليختم به النبوة؟ (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) الفتح: 10. هكذا تؤكد الآية أن من بايع محمدا- صلى الله عليه وسلم- فإنما بايع الله سبحانه، أفترجو البشر فى تطلعها إلى الخلود مقاما أعظم؟ كلا. ثم تدبر هذا التقويم الأعظم إذ يجعل الله طاعة الرسول- صلى الله عليه وسلم- هى القاعدة لطاعته، أو المعراج إلى طاعته جل شأنه، وهذا فى قوله سبحانه (من يطع الرسول، فقد أطاع الله) النساء: 80. (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ، فَاتَّبِعُونِي، يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) . فليس ثمت وسيلة إلى محبة الله سوى طاعته صلى الله عليه وسلم واتباعه. (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) الأحزاب: 40. (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) الأحزاب: 57. - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . - هو الخاتم للنبوة، ومن يؤذه رجمته لعنة الله فى الدارين، وتجرع العذاب المهين. (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ، وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب: 21. وتدبر قوله جل شأنه (رَسُولَ اللَّهِ) أتى بالوصف الذى به فرض علينا أن نتخذه أسوة، وصف أنه رسول الله، لو وضع مكانها كان لكم فى محمد، لفرض علينا اتخاذه أسوة فى حاليه قبل البعثة وبعدها. (إِنَّكَ مَيِّتٌ، وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) فاحذر أن يهوم بك الخيال، فتظنه خالدا فالله يقول (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ، أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) ووضع إنك وإنهم هكذا متجاورين فى الآية التى تؤكد أنه سيموت تؤكد لك أن موته هوموتنا، حتى لا يخدعنك بالتمويه دجال. لهذا يجب علينا أن نذكر أنفسنا وأبناءنا وإخواننا دائما بما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم بعد بعثته أكثر من التذكير بمولده صلى الله عليه وسلم. ولتقارن بين القرآن وبين أسطورة هذى بها ابن عربى فأجت أجيج النار فى الهشيم، وسلبت ألوف الألوف حسن اعتقادهم فى الله ورسوله، وقد ردد هذه الأسطورة فى كتابه الكبير (الفتوحات المكية) وعنه نقلها الشعرانى فى التمجيد والتعظيم وذلك فى كتابه «الكبريت الأحمر فى بيان علوم الشيخ الأكبر» . وإليك ما قاله ابن عربى «إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى القرآن مجملا قبل جبريل من غير تفصيل الآيات والسور، فقيل له: لا تعجل بالقرآن الذى عندك قبل جبريل، فتلقيه على الأمة مجملا، فلا يفهم أحد عنك لعدم تفصيله» ص 6 الكبريت الأحمر المطبوع على هامش اليواقيت والجواهر سنة 1307 هـ وتأمل قول عبد الكريم الجيلى- وهو من هو- عند الصوفية (اعلم أن الله تعالى لما خلق النفس المحمدية من ذاته، وذات الحق جامعة للضدين، خلق الملائكة العالين فى حيث صفات الجمال والنور والهدى من نفس محمد، وخلق إبليس وأتباعه من حيث صفات الجلال والظلمة والضلال من نفس محمد، -

من شهد بدرا من المسلمين

[من شهد بدرا من المسلمين] [من بنى هاشم والمطلب] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمّ مِنْ (قُرَيْشٍ، ثُمّ مِنْ) بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضر ابن كِنَانَةَ. مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيّدُ الْمُرْسَلِينَ، ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ؛ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، أَسَدُ اللهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ، عَمّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بن هاشم؛ وَزَيْدُ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ كَعْبِ بن عبد العزّى بن امرىء الْقَيْسِ الْكَلْبِيّ، أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عبد العزّى بن امرىء القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبدودّ بن عوف بن كنانة ابن بَكْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ الله بن رفيدة بن ثور بن كثب ابن وبرة. ـــــــــــــــــــــــــــــ - ص 41 ح 2 الإنسان الكامل ط 1294 وإذا سئل الصوفية عن الحقيقة المحمدية قالوا هى ذات الله فى تعينها الأول. وراجع ما كتبته فى كتابى «هذه هى الصوفية» وكتابى «مصرع التصوف» هدانا الله إلى الحق، ورزقنا الحمية له على بصيرة. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى عبد شمس

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنَسَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو كَبْشَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابْنُ هِشَامٍ: أَنَسَةُ: حَبَشِيّ، وَأَبُو كَبْشَةَ: فَارِسِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَأَبُو مَرْثَدٍ كَنّازُ بْنُ حِصْنِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ جِلّانَ بْنِ غَنْمِ بْنِ غَنِيّ بْنِ يَعْصُرَ ابن سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَنّازُ بْنُ حُصَيْنٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَابْنُهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ، حَلِيفَا حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؛ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ؛ وَأَخَوَاهُ الطّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ؛ وَمِسْطَحٌ، وَاسْمُهُ: عَوْفُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عبّاد بن المطّلب. اثنا عشر رجلا. [من بنى عبد شمس] ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة ابن عَبْدِ شَمْسٍ، تَخَلّفَ عَلَى امْرَأَتِهِ رُقَيّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِسَهْمِهِ، قَالَ: وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَأَجْرُك؛ وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ؛ وَسَالِمٌ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي حُذَيْفَةَ مِهْشَمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نسب سالم

[نَسَبُ سَالِمٍ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَالِمٌ، سَائِبَةٌ لثبيتة بنت يعار بن زيد بن عبيد بن زيد ابن مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بن مالك بن الأوس، سيبته فانقطع إلى أَبِي حُذَيْفَةَ فَتَبَنّاهُ، وَيُقَالُ: كَانَتْ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يَعَارَ تَحْتَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ، فَأَعْتَقَتْ سَالِمًا سَائِبَةً، فَقِيلَ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمُوا أَنّ صُبَيْحًا مَوْلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ تجهّر لِلْخُرُوجِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ مَرِضَ، فَحَمَلَ عَلَى بَعِيرِهِ أَبَا سلمة بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ؛ ثُمّ شَهِدَ صُبَيْحٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَشَاهِدَ كُلّهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم. [من حلفاء بنى عبد شمس] وَشَهِدَ بَدْرًا مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ: عَبْدُ الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم ابن دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ؛ وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حرثان بن قيس بن مرّة ابن كَبِيرُ بْنُ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ؛ وَشُجَاعُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَسَدِ ابن صُهَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَبِيرُ بْنُ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ، وَأَخُوهُ عُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ؛ وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير ابن غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ؛ وَأَبُو سِنَانِ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ بْنِ قَيْسٍ، أَخُو عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ؛ وَابْنُهُ سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ، وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من حلفاء بنى كبير

ابن مرة بن كَبِيرُ بْنُ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ ابن عَمْرِو بْنِ لُكَيْزِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أسد [من حلفاء بنى كبير] وَمِنْ حُلَفَاءِ بَنِي كَبِيرُ بْنُ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ: ثَقْفُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَخَوَاهُ: مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، وَمُدْلِجُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِدْلَاجُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهُمْ مِنْ بَنِي حَجْرٍ، آلِ بَنِي سُلَيْمٍ. وَأَبُو مَخْشِيّ، حَلِيفٌ لَهُمْ. سِتّةَ عَشَرَ رَجُلًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو مَخْشِيّ طَائِيّ، واسمه: سويد بن مخشى. [من بنى نوفل] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عبد مناف: عتبة بن غزوان بن جابر بْنِ وَهْبِ بْنِ نُسَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسٍ بْنِ عَيْلَانَ؛ وَخَبّابٌ، مولى عتبة بن غزوان- رجلان. [مِنْ بَنِي أَسَدٍ] وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ بن خويلد ابن أَسَدٍ؛ وَحَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَسَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى عبد الدار

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَاسْمُ أَبِي بَلْتَعَةَ: عَمْرٌو، لَخْمِيّ، وَسَعْدٌ مَوْلَى حاطب، كلبىّ. [من بنى عبد الدار] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عبد الدّر بْنِ قُصَيّ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حُرَيْمِلَةَ بْنِ مالك بن عميلة بن السّيّاق بن عبد الدار بن قصىّ. رجلان. [مِنْ بَنِي زُهْرَةَ] وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ؛ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ- وَأَبُو وَقّاصٍ مَالِكُ بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة. وَأَخُوهُ عُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ: الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ مَطْرُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ ثَوْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الشّرِيدِ بْنِ هَزْلِ بْنِ قَائِشِ بْنِ دُرَيْمِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ أَهْوَدَ بْنِ بَهْرَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الحاف ابن قضاعة. قال ابن هشام: ويقال: هزل بن قَاسِ بْنِ ذَرّ- وَدَهِيرُ بْنُ ثَوْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الحارث بن شمخ بن مخزوم ابن صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ ابن عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حَمَالَةَ بْنِ غَالِبِ بْنِ مُحَلّمِ بْنِ عَائِذَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ، مِنْ القارة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى تيم

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقَارَةُ: لَقَبٌ لَهُمْ. وَيُقَالُ: قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَةَ مَنْ رَامَاهَا وَكَانُوا رُمَاةً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذُو الشّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عمرو بن نضلة بن غبشان بن سليم بْنِ مَلَكَانِ بْنِ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، مِنْ خُزَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا قِيلَ لَهُ: ذُو الشّمَالَيْنِ، لِأَنّهُ كَانَ أَعْسَرَ، وَاسْمُهُ عُمَيْرٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ، ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ، مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَلَهُ عَقِبٌ، وَهُمْ بِالْكُوفَةِ؛ وَيُقَالُ: خَبّابٌ مِنْ خزاعة. [من بنى تيم] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مرّة: أبو بكر الصدّيق، واسمه عتيق ابن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْمُ أَبِي بَكْرٍ: عَبْدُ اللهِ، وَعَتِيقٌ: لَقَبٌ، لِحُسْنِ وَجْهِهِ وَعِتْقِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبِلَالٌ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ- وَبِلَالٌ مُوَلّدٌ مِنْ مُوَلّدِي بَنِي جُمَحَ، اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَهُوَ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ، لَا عَقِبَ لَهُ- وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نسب النمر

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مُوَلّدٌ مِنْ مُوَلّدِي الْأَسْدِ، أَسْوَدُ، اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ، من النّمر بن قاسط. [نسب النمر] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النّمِرُ: ابْنُ قَاسِطِ بْنِ هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد ابن رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ؛ وَيُقَالُ: أَفْصَى بْنِ دُعْمِيّ بْن جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ، وَيُقَالُ: صُهَيْبٌ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ ابن تَيْمٍ، وَيُقَالُ: إنّهُ رُومِيّ. فَقَالَ بَعْضُ مَنْ ذَكَرَ أَنّهُ مِنْ النّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ: إنّمَا كَانَ أَسِيرًا فِي الرّومِ فَاشْتُرِيَ مِنْهُمْ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُهَيْبٌ سَابِقُ الرّومِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عمرو بن كعب بن سعد ابن تَيْمٍ، كَانَ بِالشّأْمِ، فَقَدِمَ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بَدْرٍ، فَكَلّمَهُ، فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ، فَقَالَ: وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَأَجْرُك. خَمْسَةُ نَفَرٍ. [من بنى مخزوم] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأسد، وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ عَبْدُ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ؛ وَشَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سبب تسمية الشماس

[سَبَبُ تَسْمِيَةِ الشّمّاسِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ شمّاس: عثمان، وإنما سمّعى شَمّاسًا، لِأَنّ شَمّاسًا مِنْ الشّمَامِسَةِ قَدِمَ مَكّةَ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَكَانَ جَمِيلًا، فَعَجِبَ النّاسُ مِنْ جَمَالِهِ. فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَكَانَ خَالَ شَمّاسٍ: هَا أَنَا آتِيكُمْ بِشَمّاسٍ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَأَتَى بِابْنِ أُخْتِهِ عُثْمَانَ بْنِ عُثْمَانَ فَسُمّيَ شَمّاسًا، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ، واسم أبى الأرقم: عبد مناف ابن أسد، وكان أسد يكنى: أبا جندب بن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ؛ وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، عَنْسِيّ، مِنْ مَدْحِجٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمُعَتّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْفَضْلِ بن عفيف بن كليب بْنِ حُبْشِيّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، حَلِيفٌ، لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهُوَ الّذِي يدعى عيهامة، خمسة نفر. [من بنى عدى وحلفائهم] وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ: عُمَرُ بْنُ الخطّاب بن نفيل بن عبد العزّى ابن رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيّ؛ وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ؛ وَمِهْجَعٌ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ الصّفّيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ، رُمِيَ بِسَهْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِهْجَعٌ، مِنْ عَكّ بْنِ عَدْنَانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ أَذَاةَ بْنِ عَبْدِ الله بن قرط بن رياح بن رزاح بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ؛ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللهِ ابن سُرَاقَةَ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تَمِيمٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَخَوْلِيّ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ وَمَالِكُ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ، حَلِيفَانِ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو خَوْلِيّ، مِنْ بَنِي عَجِلِ بْنِ لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ ابن بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفُ آلِ الْخَطّابِ، مِنْ عَنْزِ ابن وَائِلٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْزُ بْنُ وَائِلٍ: ابْنُ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جديلة ابن أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ، وَيُقَالُ: أَفْصَى: ابْنُ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ ياليل بْنِ نَاشِبِ بْنِ غَيْرَةَ، مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ؛ وَعَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ؛ وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَإِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ، حُلَفَاءُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ؛ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نفيل ابن عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بن رياح بن رزاح بن عدي بن كَعْبٍ، قَدِمَ مِنْ الشّأْمِ بَعْدَ مَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بَدْرٍ، فَكَلّمَهُ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بسمهه؛ قَالَ: وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَأَجْرُك. أربعة عشر رجلا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى جمح وحلفائهم

[من بنى جمح وحلفائهم] ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب: عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بن حذافة بن جمح؛ وابنه السائب بن عثمان؛ وأخواه قدامة ابن مَظْعُونٍ؛ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَظْعُونٍ؛ وَمَعْمَرُ بْنُ الحارث بن معمر بن حبيب ابن وهب بن حذافة بن جمح. خمسة نفر. ومن بني سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قيس بن عدي بن سعد بن سهم. رجل. [من بنى عامر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لؤي: ثم من بني مالك بن حسل بْنِ عَامِرٍ: أَبُو سَبْرَةَ بْنِ أَبِي رُهْمِ بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ عَبْدِ الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ؛ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ- كَانَ خَرَجَ مَعَ أَبِيهِ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَلَمّا نَزَلَ النّاسُ بَدْرًا فَرّ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَهِدَهَا مَعَهُ- وَعُمَيْرُ ابن عَوْفٍ، مَوْلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو؛ وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، مِنْ الْيَمَنِ [مِنْ بَنِي الْحَارِثِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجراح، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عدد من شهد بدرا من المهاجرين

وهو عامر بن الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبّة بن الحارث وعمرو ابن الحارث بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ؛ وَسُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَبِي أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ؛ وَأَخُوهُ صَفْوَانُ بْنُ وَهْبٍ، وَهُمَا ابنا بيضاء؛ وعمرو بن أبى سرح ابن رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْن الْحَارِثِ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. [عَدَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ] فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَمَنْ ضَرَبَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، غَيْرَ ابْنِ إسْحَاقَ، يَذْكُرُونَ فِي الْمُهَاجِرِينَ بِبَدْرٍ، فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: وَهْبَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَحَاطِبَ بْنَ عَمْرٍو؛ وَفِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ: عِيَاضِ بْنِ أَبِي زهير. [الأنصار ومن معهم] من بنى عبد الأشهل قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَشَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عامر، ثم من بني عبد الأشهل بْنِ جُشَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالك ابن الْأَوْسِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ امرىء الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَعَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ، وَالْحَارِثُ بْنُ أوس بن معاذ بن النّعمان، والحارث ابن أنس بن رافع بن امرىء القيس. من بنى عبيد بن كعب وحلفائهم وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ: سَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ. وَمِنْ بَنِي زَعُورَا بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: زَعْوَرَا- سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقَشِ بْنِ زُغْبَةَ، وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقَشٍ بْنِ زُغْبَةَ بْنِ زَعُورَا، وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقَشٍ، وَرَافِعُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ كُرْزِ بْنِ سَكَنِ بْنِ زَعُورَا، وَالْحَارِثُ بْنُ خَزْمَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُبَيّ بن غنم بن سالم بن عوف ابن عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَسَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بن حريش بن عدىّ بن مجدعة بن حارثة ابن الْحَارِثِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَسْلَمُ: بْنُ حَرِيسِ بن عدىّ. قال ابن إسحاق: وأبو الهيثم بن التّيّهان، وَعُبَيْدُ بْنُ التّيْهَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَتِيكُ بْنُ التّيْهَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ. خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا. قَالَ ابن هشام: عبد الله بن سهل: أخوبنى زعورا؛ ويقال: من غسّان ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَنْ بَنِي ظَفَرٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ كَعْبٍ، وَكَعْبٌ: هُوَ ظَفَرٌ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ظَفَرٌ: ابْنُ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ الْأَوْسِ: قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَوَادٍ؛ وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَوَادٍ، رجلان. سبب تسمية عبيد بمقرن قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ الّذِي يُقَالُ لَهُ: مُقَرّنٌ، لِأَنّهُ قَرَنَ أَرْبَعَةَ أَسْرَى فِي يَوْمِ بَدْرٍ. وَهُوَ الّذِي أَسَرَ عَقِيلَ بن أبى طالب يومئذ. من بنى عبد بن رزاح وحلفائهم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ رزاح بن كعب: نصر بن الحارث ابن عَبْدٍ؛ وَمُعَتّبُ بْنُ عَبْدٍ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ، مِنْ بَلِيّ: عَبْدُ اللهِ بْنُ طَارِقٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. من بنى حارثة وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: مَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مَسْعُودُ بْنُ عَبْدِ سَعْدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَجْدَعَةَ بن حارثة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ، ثُمّ مِنْ بَلِيّ: أَبُو بُرْدَةَ بن نيار، واسمه: هانىء بن نيار ابن عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ كِلَابِ بْنِ دُهْمَانَ بن غنم بن ذبيان بن هميم بن كاهل ابن ذهل بن هني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. ثلاثة نفر. من بنى عمرو قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، ثُمّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ، وَقَيْسُ أَبُو الْأَقْلَحِ بْنُ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَمَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ- وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرِ بْنِ مُلَيْلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ؛ وَأَبُو مُلَيْلِ بْنُ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ، وَعَمْرُو بْنُ مَعْبَدِ بْنِ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدِ ابن الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُمَيْرُ بْنُ مَعْبَدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَهْلُ بْنُ حنيف بن واهب بن الحكيم بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ الْحَارِثِ: ابْنِ عَمْرٍو، وَعَمْرٌو الّذِي يُقَالُ لَهُ: بحزج بْنُ حنس ان عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. مِنْ بَنِي أُمَيّةَ وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ: مُبَشّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بن زنبر بن زيد ابن أُمَيّةَ، وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ: وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَرَافِعُ بْنُ عُنْجُدَةَ- وَعُنْجُدَةُ أمّه، وفيما قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَعُبَيْدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وثعلبة بن حاطب. وزعموا أن أبالبابة بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَالْحَارِثَ بْنَ حَاطِبٍ خَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجّعَهُمَا، وَأَمّرَ أَبَا لُبَابَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَضَرَبَ لَهُمَا بِسَهْمَيْنِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ، تِسْعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: رَدّهُمَا مِنْ الرّوْحَاءِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بن أميّة، واسم أبى لبابة: بشير. من بنى عبيد وحلفائهم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ: أُنَيْسُ بْنُ قَتَادَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيّ: مَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْعَجْلَانِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَالِكِ ابن الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْعَجْلَانِ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْعَجْلَانِ؛ وربعىّ بن رَافِعِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ. وَخَرَجَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ، فَرَدّهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ مَعَ أصحاب بدر. سبعة نفر. من بنى ثعلبة وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أميّة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن البرك- واسم البرك: امرؤ القيس بن ثعلبة- وَعَاصِمُ بْنُ قَيْسٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَاصِمُ بْنُ قَيْسٍ: ابْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أميّة بن امرىء الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو ضَيّاحِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بن امرىء الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ؛ وَأَبُو حَنّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ أَخُو أَبِي ضَيّاحٍ، وَيُقَالُ: أَبُو حيّة. ويقال لامرىء الْقَيْسِ: الْبُرَكُ بْنُ ثَعْلَبَةَ. قال ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَالِمُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بن أميّة بن امرىء القيس بن ثعلبة. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ثَابِتٌ: ابْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَارِثُ بْنُ النّعمان بن أميّة بن امرىء الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ، ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بِسَهْمٍ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ. سَبْعَةُ نفر. من بنى جحجبى وحلفائهم وَمِنْ بَنِي جَحْجَبِيّ بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: مُنْذِرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنُ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ بْنِ جَحْجَبِيّ بْنِ كُلْفَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْحَرِيسُ بْنُ جَحْجَبِيّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي أنيف: أبو عقيل بن عبد الله ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ بَيْحَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفِ بْنِ جشم ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ تَيْمِ بْنِ إرَاشِ بْنِ عامر بن عميلة بن قسميل بن فران بن بلىّ ابن عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ تَمِيمُ بْنُ إرَاشَةَ، وَقِسْمِيلُ بن فاران. من بنى غنم وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ السّلم بن امرىء الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بن النّحّاط بن كعب ابن حَارِثَةَ بْنِ غَنْمٍ؛ وَمُنْذِرُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ؛ وَمَالِكُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَرْفَجَةُ: ابْنُ كَعْبِ بْنِ النّحّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنَمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَارِثُ بْنُ عَرْفَجَةَ؛ وَتَمِيمٌ، مَوْلَى بَنِي غَنَمٍ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تميم: مولى سعد بن خيثمة. من بنى معاوية وحلفائهم قال ابن إسحاق: ومن بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: جَبْرُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ؛ وَمَالِكُ بْنُ نُمَيْلَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَالنّعْمَانُ بْنُ عَصَرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَدَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ ضُرِبَ له بسهمه وأجره، أحد وستون رجلا. من بنى امرىء القيس قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَشَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمّ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عامر، ثُمّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ من بنى امرىء القيس بن مالك بن ثعلبة ابن كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: خارجة بن زيد بن أبى زهير ابن مالك بن امرىء الْقَيْسِ، وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أبى زهير بن مالك ابن امرىء الْقَيْسِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بن امرىء القيس بن عمرو ابن امرىء الْقَيْسِ، وَخَلّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عمرو بن حارثة بن امرىء القيس، أربعة نفر. من بنى زيد وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خِلَاسِ بْنِ زَيْدٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: جُلَاسٌ، وَهُوَ عِنْدَنَا خَطَأٌ- وَأَخُوهُ سِمَاكُ بْنُ سعد. رجلان. مِنْ بَنِي عَدِيّ وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: سبيع بن قيس ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَيْشَةَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ، وَعَبّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْشَةَ أخوه. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَيْسٌ: ابْنُ عَبَسَةَ بْنِ أُمَيّةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللهِ بن عبس. ثلاثة نفر. من بنى أحمر وَمِنْ بَنِي أَحْمَرَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَحْمَرَ، وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ: ابْنُ فُسْحُمَ رَجُلٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فُسْحُمُ أُمّهُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ. من بنى جشم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَزَيْدِ بْنِ الْحَارِث بْنِ الخزرج، وهما التّوءمان: خُبَيْبُ بْنُ إسَافِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَدِيجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ جُشَمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَخُوهُ حُرَيْثُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، زَعَمُوا، وَسُفْيَانُ بْنُ بَشْرٍ. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سُفْيَانُ بْنُ نَسْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زيد. من بنى جدارة قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي جِدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تَمِيمُ بْنُ يَعَارَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عمير بن بَنِي حَارِثَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَيْدُ بْنُ الْمُزَيّنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زَيْدُ بْنُ الْمُرّيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُرْفُطَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ. أربعة نفر. من بنى الأبحر ومن بَنِي الْأَبْجَرِ، وَهُمْ بَنُو خُدْرَةَ بْنِ عَوْفِ بن الحارث بن الخزرج: عبد الله ابن رَبِيعِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بن الأبجر رجل. مِنْ بَنِي عَوْفٍ وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بن سالم بن غنم ابن عوف بن الخزرج، وهم بنو الحبلي- قال ابن هشام: الحبلي: سالم بن غنم بن عَوْفٍ، وَإِنّمَا سُمّيَ الْحُبْلَى، لِعِظَمِ بَطْنِهِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ ابْنُ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ (الْمَشْهُورُ بِابْنِ سَلُولَ) ، وَإِنّمَا سَلُولُ امْرَأَةٌ، وَهِيَ أُمّ أُبَيّ: وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارث بن عبيد. رجلان. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى جزء وحلفائهم وَمِنْ بَنِي جَزْءِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ: زَيْدُ بْنُ وَدِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ جَزْءٍ؛ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بنى عبد الله ابن غَطَفَانَ؛ وَرِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ ابن غَنْمٍ؛ وَعَامِرُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَامِرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ وَهُوَ مِنْ بَلِيّ، مِنْ قُضَاعَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو حُمَيْضَةَ مَعْبَدُ بْنُ عَبّادِ بْنِ قُشَيْرِ بْنِ الْمُقَدّمِ بن سالم بن غَنْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَعْبَدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ قَشْغَرَ بْنِ الْمُقَدّمِ، وَيُقَالُ: عُبَادَةُ بْنُ قيس بن القدم. وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ، حَلِيفٌ لَهُمْ. سِتّةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَامِرُ بن العكير، ويقال: عاصم بن العكير. مِنْ بَنِي سَالِمٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ: نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ الله بن نضلة بن مالك ابن العجلان بن العجلان. رجل. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى أصرم وَمِنْ بَنِي أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ، أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَغَنْمُ بْنُ سَالِمٍ، الّذِي قَبْلَهُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ-: عُبَادَةُ بْنُ الصّامت بن قيس ابن أصرم؛ وأخوه أوس بن الصّامت. رجلان. من بنى دعد وَمِنْ بَنِي دَعْدِ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنَمٍ: النّعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ دَعْدٍ، وَالنّعْمَانُ الّذِي يُقَالُ لَهُ. قَوْقَلُ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي قُرْيُوشِ بْنِ غَنْمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ سَالِمٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ قُرْيُوسُ بْنُ غَنْمٍ- ثَابِتُ بْنُ هَزّالِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قُرْيُوشٍ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي مَرْضَخَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ: مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ بْنِ مَرْضَخَةَ. رَجُلٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ: ابْنُ مَالِكِ بْنِ الدّخشم بن مرضخة. من بنى لوذان وحلفائهم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي لَوْذَانَ بْنِ سالم: ربيع بن إياس بن عمرو ابن غَنْمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ لَوْذَانَ، وَأَخُوهُ وَرَقَةُ بْنُ إيَاسٍ، وَعَمْرُو بْنُ إيَاسٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ من أهل اليمن. ثلاثة نفر. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَمْرُو بْنُ إيَاسٍ، أَخُو رَبِيعٍ وَوَرَقَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيّ، ثُمّ مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: غُصَيْنَةُ، أُمّهُمْ، وَأَبُوهُمْ عَمْرُو بْنُ عِمَارَةَ- الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُمْزُمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِمَارَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غُصَيْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ بُتَيْرَةَ بن مشنوّ ابن قَسْرِ بْنِ تَيْمِ بْنِ إرَاشِ بْنِ عَامِرِ بن عميلة بن قسميل بن فران بن بلىّ ابن عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَسْرُ بْنُ تَمِيمِ بْنِ إرَاشَةَ، وَقِسْمِيلُ بْنُ فَارَانَ. وَاسْمُ الْمُجَذّرِ: عَبْدُ اللهِ. قال ابن إسحاق: وعبادة بن الخشخش بن عمرو بن زمزمة، ونحّاب ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِمَارَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ بَحّاثُ بْنُ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ. وَزَعَمُوا أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ معاية- حَلِيفٌ لَهُمْ- مِنْ بَهْرَاءَ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، خَمْسَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُتْبَةَ بْنُ بهز، من بنى سليم. من بنى ساعدة قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ ابن الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ: أَبُو دُجَانَةَ، سِمَاكُ بْنُ خرشة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو دُجَانَةَ: (سِمَاكُ) بْنُ أوس بن خرشة بن لوذان بن عبدودّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبدود بن زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويقال: المنذر: ابن عمرو بن خنبش. من بنى البدىّ وحلفائهم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي الْبَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو ابن الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ: أَبُو أُسَيْدٍ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْبَدِيّ، وَمَالِكُ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ إلَى الْبَدِيّ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَالِكُ بْنُ مَسْعُودٍ: ابْنُ الْبَدِيّ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بعض أهل العلم. من بنى طريف وحلفائهم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ: عَبْدُ رَبّهِ بْنِ حَقّ بْنِ أَوْسِ بْنِ وَقَشٍ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفٍ. رَجُلٌ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ، مِنْ جُهَيْنَةَ: كَعْبُ بْنُ حِمَارِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويقال: كعب: ابن جمّار، وَهُوَ مِنْ غُبْشَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَضَمْرَةُ وَزِيَادٌ وَبَسْبَسُ، بَنُو عَمْرٍو. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ضَمْرَةُ وَزِيَادٌ، ابْنَا بَشْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ، من بلىّ. خمسة نفر. من بنى جشم وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بني سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بن ساردة بن تزيد بن جشم بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كعب بن غنم ابن كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ: خِرَاشُ بْنُ الصّمّةِ بْنِ عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام، وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ ابن زيد بن حَرَامٍ، وَتَمِيمٌ مَوْلَى خِرَاشِ بْنِ الصّمّةِ وَعَبْدُ الله بن عمرو بن حرام ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ، وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الجموح ومعوذ بن عمرو بن الجموح ابن زيد حرام، خلّاد بن عمرو بن الجموح بن زيد بن حَرَامٍ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، وَحَبِيبُ بْنُ أَسْوَدَ، مَوْلَى لَهُمْ، وَثَابِتُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ، وَثَعْلَبَةُ الّذِي يُقَالُ لَهُ: الجذع، وعمير ابن الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ. اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. نَسَبُ الْجَمُوحِ قَالَ ابْنُ هشام: كلّ مَا كَانَ هَاهُنَا الْجَمُوحُ، (فَهُوَ الْجَمُوحُ) بْنُ زيد ابن حَرَامٍ، إلّا مَا كَانَ مِنْ جَدّ الصّمّةِ (بْنِ عَمْرٍو) ، فَإِنّهُ الْجَمُوحُ بْنُ حَرَامٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ: ابْنُ لَبْدَةَ بن ثعلبة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى عبيد وحلفائهم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عدي بن غنم بن كعب بن سلمة، ثُمّ مِنْ بَنِي خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ: بُشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ، وَالطّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ، وَالطّفَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ ابن خَنْسَاءَ، وَسِنَانُ بْنُ صَيْفِيّ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْجَدّ بْنِ قَيْسِ ابن صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ، وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن صخر بن خنساء، وجبّار ابن صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ، وَخَارِجَةُ بْنُ حُمَيّرَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ حُمَيّرَ، حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ، مِنْ بَنِي دُهْمَانَ. تِسْعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: جَبّارُ: بْنُ صَخْرِ بن أميّة بن خناس. من بنى خُنَاسٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي خُنَاسِ بن سنان عُبَيْدِ: يَزِيدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خِنَاسٍ، وَمَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خناس، وعبد الله بن النعمان ابن بَلْدَمَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: بُلْذُمَةُ وَبُلْدُمَةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالضّحّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ، وَسَوَادُ بْنُ زُرَيْقِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ؛ وَيُقَالُ: سَوَادٌ: ابْنُ رِزْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيّ ابن غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ. وَيُقَالُ: مَعْبَدُ بن قيس: ابن صيفى بن صخر ابن حرام بن رَبِيعَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ غنم. سبعة نفر. من بنى النعمان وَمِنْ بَنِي النّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ النّعْمَانِ؛ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ النّعْمَانِ: وَخُلَيْدَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ. وَالنّعْمَانُ بن سنان، مولى لهم. أربعة نفر. مِنْ بَنِي سَوَادٍ وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ، ثم من بنى حديدة بن عمرو ابن غَنْمِ بْنِ سَوَادِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ، لَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ غَنْمٌ: أَبُو الْمُنْذِرِ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ؛ وَسُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَدِيدَةَ؛ وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ؛ وَعَنْتَرَةُ مَوْلَى سُلَيْمِ بْنِ عَمْرٍو. أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْتَرَةُ، مِنْ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ، ثم من بنى ذكوان. من بنى عدى بن نابى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ نابي بن عمرو بن سواد بن غنم: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تسمية من كسروا آلهة بنى سلمة

عَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ بْنِ عَدِيّ، وَأَبُو الْيَسَرِ، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ؛ وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَوَادٍ، وَعَمْرُو بْنِ طَلْقِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أميّة ابن سِنَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَائِذِ ابن عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُدَيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. سِتّةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوْسٌ: ابْنُ عَبّادِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عمرو بن أدىّ ابن سَعْدٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فِي بَنِي سَوَادٍ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ، لِأَنّهُ فِيهِمْ. [تَسْمِيَةُ مَنْ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاَلّذِينَ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ، وَهُمْ فِي بَنِي سَوَادِ بن غنم. من بنى زريق قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج، ثُمّ مِنْ بَنِي مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَامِرٌ: ابْنُ الأزرق: قيس بن محصن بن خالد ابن مخلّد. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَيْسٌ: ابْنُ حِصْنٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو خَالِدٍ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدِ وَجُبَيْرُ بْنُ إيَاسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدٍ، وَأَبُو عُبَادَةَ، وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَلَدَةَ ابن مُخَلّدٍ وَأَخُوهُ عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنُ خَلَدَةَ بن مخلّد؛ وذكوان بن عبد قيس ابن خَلَدَةَ بْنِ مُخَلّدٍ؛ وَمَسْعُودُ بْنُ خَلَدَةَ بْنِ عامر بن مخلّد. سبعة نفر. من بنى خالد ومن بن خَالِدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: عَبّادُ بْنُ قيس بن عامر بن خالد. رجل. من بنى خلدة وَمِنْ بَنِي خَلَدَة بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: أَسَعْدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ ابن خَلَدَةَ، وَالْفَاكِهُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بُسْرُ بْنُ الْفَاكِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمُعَاذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ، وَأَخُوهُ: عَائِذُ ابن مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ، وَمَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ خَمْسَةُ نَفَرٍ. من بنى العجلان وَمِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ: رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَأَخُوهُ خَلّادُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ العجلان، وعبيد بن زيد بن عامر ابن العجلان. ثلاثة نفر. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى بياضة ومن بني بياضة بن عامر بن زريق. زِيَادُ بْنُ لَبِيَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانِ ابن عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ بَيَاضَةَ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَذْفَةَ بْنِ عُبَيْدِ ابن عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ودفة. قال ابن إسحاق: وخالد بن قيس بن مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ، وَرُجَيْلَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: رُخَيْلَةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَطِيّةُ بْنُ نُوَيْرَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَطِيّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ، وَخُلَيْفَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ بْنِ بَيَاضَةَ. سِتّةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عليفة. من بنى حبيب قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عبد حارثة بن مالك بن غضب ابن جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ: رَافِعُ بْنُ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ. رَجُلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى النجار قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي النّجّارِ، وَهُوَ تَيْمُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمّ مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ: أَبُو أَيّوب خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. رَجُلٌ. من بنى عسيرة وَمِنْ بَنِي عُسَيْرَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ: ثَابِتُ بْنُ خَالِدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ عُسَيْرَةَ. رَجُلٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويقال: عسير، وعشيرة. من بنى عمرو قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ: عُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَمْرٍو، وَسُرَاقَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ غَزِيّةَ بن عمرو. رجلان. من بنى عبيد بن ثعلبة ومن بنى عبيد بن ثعلبة بن غنم: حارثة بن الضّعمان بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَسُلَيْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ: وَاسْمُ قَهْدٍ: خَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدٍ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَارِثَةُ بن النّعمان: ابن نفع بن زيد. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى عائذ وحلفائهم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَائِذِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ- وَيُقَالُ عَابِدٌ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سُهَيْلُ بْنُ رَافِعِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ، وَعَدِيّ بْنُ الزّغْبَاءِ، حَلِيفٌ لهم من جهينة. رجلان. من بنى زيد وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ: مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبُو خُزَيْمَةَ ابن أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ زَيْدِ، وَرَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادِ بْنِ زَيْدٍ. ثلاثة نفر. من بنى سواد وحلفائهم وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمٍ: عوف، ومعوّذ، ومعاذ، بنو الحارث ابن رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ، وَهُمْ بَنُو عَفْرَاءَ. نَسَبُ عَفْرَاءَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْد بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَيُقَالُ رِفَاعَةُ: بن الحارث بن سواد. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالنّعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ، وَيُقَالُ: نُعَيْمَانُ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَامِرُ بْنُ مُخَلّدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ، وَعَبْدُ اللهِ بن ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ خَلّدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ، وَعُصَيْمَةُ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ، وَوَدِيعَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ، وثابت بن عمرو بن زيد ابن عَدِيّ بْنِ سَوَادٍ. (و) زَعَمُوا أَنّ أَبَا الْحَمْرَاءِ، مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ عَفْرَاءَ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا. عَشَرَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو الحمراء، مولى الحارث بن رفاعة. من بنى عامر بن مالك قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ- وَعَامِرٌ: مَبْذُولٌ ثُمّ مِنْ بنى عتيك بن عمرو بن مبذول: ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمر ابن عَتِيكٍ، وَسَهْلُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ النّعْمَانِ بْنِ عَتِيكِ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ، كُسِرَ بِهِ بِالرّوْحَاءِ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بسهمه. ثلاثة نفر. مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ- وَهُمْ بَنُو حديلة- ثم من بنى قيس ابن عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بن مالك بن النجّار. نسب خديلة قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حُدَيْلَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ اللهِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ ابن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج، وَهِيَ أُمّ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، فَبَنُو مُعَاوِيَةَ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أُبَيّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسٍ، وَأَنَسُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ بْنِ قيس. رجلان. من بنى عدى بن عمرو وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بن النجّار: قال ابن هشام: وهم بنو مغلة بِنْتِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ عَمْرِو بن مالك ابن كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَيُقَالُ: إنّهَا مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، وَهِيَ أُمّ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مالك بن النجّار، فبنو عدىّ ينتسبون إلَيْهَا: أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عَدِيّ، وَأَبُو شَيْخِ أُبَيّ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو شَيْخِ أُبَيّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخُو حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو طَلْحَةَ، وَهُوَ زيد بن سهل بن لأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدىّ. ثلاثة نفر. من بنى عدى بن النجار ومن بنى عدىّ بن النجّار، ثُمّ مِنْ (بَنِي) عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ النّجّارِ: حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ، وَعَمْرُو بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ، وَهُوَ أَبُو حَكِيمٍ، وَسَلِيطُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَأَبُو سَلِيطٍ؛ وَهُوَ أُسَيْرَةُ بْنُ عَمْرٍو؛ وَعَمْرُو أبو خارجة بن قيس بن مالك ابن عدىّ بن عامر؛ وَثَابِتُ بْنُ خَنْسَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ؛ وَعَامِرُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسْحَاسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عدىّ بن عامر؛ ومحرز ابن عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ؛ وَسَوَادُ بْنُ غَزِيّةَ بْنِ أُهَيْبٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ. ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويقال: سوّاد. من بنى حرام بن جندب قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ ابن النجّار: أَبُو زَيْدٍ، قَيْسُ بْنُ سَكَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ حَرَامٍ، وَأَبُو الْأَعْوَرِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمِ بْنِ عَبْسِ بْنِ حَرَامٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَبُو الْأَعْوَرِ: الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسُلَيْمُ بْنُ مِلْحَانَ؛ وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ- وَاسْمُ مِلْحَانَ: مَالِكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ. أَرْبَعَةُ نفر. من بنى مازن بن النجار وحلفائهم ومن بنى مازن بن النجّار، ثُمّ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عمرو بن غنم بن مازن بن النجار: قيس بن أبى صعصعة- واسم صَعْصَعَةَ: عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفٍ- وَعَبْدُ الله بن كعب بن عمرو بن عوف؛ وَعُصَيْمَةُ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خزيمة. ثلاثة نفر. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى خنساء بن مبذول وَمِنْ بَنِي خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ: أَبُو دَاوُد عُمَيْرُ ابن عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ، وَسُرَاقَةُ بْنُ عمرو بن عطيّة بن خنساء. رجلان. من بنى ثعلبة بن مازن وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ: قَيْسُ بْنُ مُخَلّدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صَخْرِ ابن حبيب بن الحارث بن ثعلبة. رجل. من بنى دينار بن النجار وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَسْعُودِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ ابْنِ دِينَارِ بْنِ النّجّارِ: النّعْمَانُ: بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ، وَالضّحّاكُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ، وَسُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارٍ، وَهُوَ أَخُو الضّحّاكِ وَالنّعْمَانُ ابْنَيْ عَبْدِ عَمْرٍو، لِأُمّهِمَا، وجابر بن خالد ابن عبد الأشهل بن حَارِثَةَ، وَسَعْدُ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ. خمسة نفر. ومن بَنِي قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارِ بْنِ النّجّارِ: كَعْبُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ: وَبُجَيْرُ بْنُ أَبِي بُجَيْرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بُجَيْرٌ: مِنْ عَبْسِ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، ثُمّ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ رَوَاحَةَ. قال ابن إسحاق: فجمع من شهد بدرا من الخزرج مائة وسبعون رجلا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من أستشهد من المسلمين يوم بدر القرشيون من بنى عبد المطلب

من فَاتَ ابْنُ إسْحَاقَ ذِكْرَهُمْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ فِي الْخَزْرَجِ بِبَدْرٍ، فِي بَنِي الْعَجْلَانِ ابْنَ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الخزرج: عتيان بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَجْلَانِ؛ وَمُلَيْلُ بْنُ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ؛ وَعِصْمَةَ ابن الْحُصَيْنِ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ. وَفِي بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج، وَهُمْ فِي بَنِي زُرَيْقِ هِلَالِ بْنِ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ. عَدَدُ الْبَدْرِيّينَ جَمِيعًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ شَهِدَهَا مِنْهُمْ، ومن ضرب له بسهمه وأجره، ثلاث مائة رَجُلٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا؛ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ثَلَاثَةٌ وثمانون رجلا، من الأوس واحد وستّون رجلا، ومن الخزرج مائة وَسَبْعُونَ رَجُلًا. [مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بدر القرشيون من بنى عبد المطلب] وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من قريش؛ ثُمّ مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَتَلَهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَطَعَ رِجْلَهُ، فَمَاتَ بالصّفراء. رجل. مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ. عُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقّاصِ بْنِ أُهَيْبِ بن عبد مناف ابن زُهْرَةَ، وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ؛ وَذُو الشّمَالَيْنِ ابْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خزاعة، ثم من بنى غبشان. رجلان. مِنْ بَنِي عَدِيّ وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ: عَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بن كنانة؛ ومهجع، مولى عمر بن الخطّاب. رجلان. من بنى الحارث بن فهر وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: صَفْوَانُ بْنُ بيضاء رجل. ستة نفر. ومن الأنصار وَمِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عوف: سعد بن خيثمة، ومبشّر ابن عبد المنذر بن زنبر. رجلان. من بنى الحارث بن الخزرج وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ، وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ: ابْنُ فُسْحُمَ. رجل. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى سلمة ومن بني سلمة؛ ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة: عمير بن الحمام. رجل. من بنى حبيب وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمٍ: رَافِعُ بْنُ المعلّى. رجل. من بنى النجار ومن بَنِي النّجّارِ: حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ. رجل. من بنى غنم ومن بني غنم بن مالك بن النجار: عوف ومعوّذ، ابنا الحارث بن رفاعة ابن سَوَادٍ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. رَجُلَانِ. ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا قَدْ تَقَدّمَ التّعْرِيفُ بِكَثِيرِ مِنْهُمْ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِمّنْ جَرَى ذِكْرُهُ فِي السّيرَةِ وَالتّنْبِيهُ إلَى مَا تَتَشَوّفُ إلَيْهِ نَفْسُ الطّالِبِ مِنْ هَذَا الْفَنّ وَسَائِرُهُمْ قَدْ نَسَبَهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَابْنُ هِشَامٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَنَسَبْنَا نَحْنُ فِيمَا تَقَدّمَ طَائِفَةً لَمْ يَنْسُبْهُمْ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْبَابِ، مِنْهُمْ: أَبُو الْهَيْثَمِ [مَالِكُ] بْنُ التّيْهَانِ تَقَدّمَ التّعْرِيفُ بِهِ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ وَأَنّهُ مِنْ بَنِي إرَاشٍ فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: إرَاشَةَ. وَذَكَرَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ عِيَاضِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، هَكَذَا أَلْفَيْته

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ وَغَيْرِهَا مِنْ النّسَخِ الصّحَاحِ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَالصّوَابُ: عِيَاضُ بْنُ زهير، وليس الوهم فيه من ابْنِ إسْحَاقَ، لِأَنّهُ قَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمُهَاجِرِينَ إلَى الْحَبَشَةِ، فَقَالَ فِيهِ ابْنُ زُهَيْرٍ عَلَى الصّوَابِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي ابْنِ أَخِيهِ عَمْرِو ابن الحارث بن زهير، وغنم بن زهير والدعياض بْنِ غَنْمٍ صَاحِبِ الْفُتُوحَاتِ الّذِي يَقُولُ فِيهِ ابْنَ الرّقَيّاتِ: وَعِيَاضٌ وَمَا عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ ... كَانَ مِنْ خَيْرِ مَنْ تُجِنّ النّسَاءُ وَالْحَارِثُ بْنُ زُهَيْرٍ وَالِدُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرٍ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ أَيْضًا؛ فَقَالَ فِيهِ: ابْنَ زُهَيْرٍ لَا ابْنَ أَبِي زُهَيْرٍ وَالْحَمْدُ لِلّهِ. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْبَدْرِيّينَ عَاصِمَ بْنَ عَدِيّ لَمْ يَشْهَدْهَا، لِأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدّهُ مِنْ الرّوْحَاءِ لِسَبَبِ ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُ، وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ شَيْءٌ عَنْ أَهْلِ مَسْجِدِ الضّرَارِ، وَكَانَ قَدْ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى قُبَاءَ وَالْعَالِيَةِ، فَرَدّهُ لِيَنْظُرَ فِي ذَلِكَ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ مَعَ أَهْلِ بَدْرٍ، وَعَاصِمٌ هُوَ المذكور فى حديث اللّعان الذى يقول لَهُ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيّ وَهُوَ عُوَيْمِرُ بْنُ أَبْيَضَ، وَيُقَالُ فِيهِ: ابْنُ أَشْقَرَ: سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» تُوُفّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ يُكْنَى أَبَا عَمْرٍو، وَقِيلَ: أبا عبد الله.

_ (1) أخرج حديثه البخارى ومسلم وبقية الجماعة إلا الترمذى وأخرجه أحمد

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قصة غوات: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِيمَنْ رَدّهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بَدْرٍ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ خَوّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ، رَدّهُ مِنْ الصّفْرَاءِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ- فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ عُقْبَةَ أَنّ حَجَرًا أَصَابَهُ فِي رِجْلِهِ فَوَرِمَتْ عَلَيْهِ، وَاعْتَلّتْ، فَرَدّهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِذَلِكَ، وَهُوَ صَاحِبُ خَوْلَةَ ذَاتِ النّحْيَيْنِ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَيُرْوَى أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَهُ عَنْهَا وَتَبَسّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ رَزَقَ اللهُ خَيْرًا، وَأَعُوذُ بِاَللهِ مِنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ «1» ، وَيُرْوَى أَنّهُ قَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ بَعِيرُك الشّارِدُ؟ فَقَالَ: قَيّدَهُ الْإِسْلَامُ يَا رَسُولَ اللهِ، وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: بَعِيرُك الشّارِدُ: أَنّهُ مَرّ فِي الْجَاهِلِيّةِ بِنِسْوَةِ أَعْجَبَهُ حُسْنُهُنّ، فَسَأَلَهُنّ أَنْ يَفْتِلْنَ لَهُ قَيْدًا لِبَعِيرِ لَهُ، زَعَمَ أَنّهُ شَارِدٌ، وَجَلَسَ إلَيْهِنّ بِهَذِهِ الْعِلّةِ، فَمَرّ بِهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَتَحَدّثُ إلَيْهِنّ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَعَنْهُنّ، فَلَمّا أَسْلَمَ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ الْبَعِيرِ الشّارِدِ، وَهُوَ يَتَبَسّمُ لَهُ، فَقَالَ خَوّاتٌ: قَيّدَهُ الْإِسْلَامُ يَا رَسُولَ الله «2» ، قَالَ الْوَاقِدِيّ: يُكَنّى أَبَا صَالِحٍ، وَرَوَى النّمَرِيّ

_ (1) أى من النقصان بعد الزيادة، وقيل: من فساد أمورنا بعد صلاحها، وقيل: من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا منهم، وأصله من نقض العمامة بعد لفها. (2) رواه البغوى والطبرانى من طريق جرير بن حازم عن زيد بن أسلم وفيه يقول خوات: نزلت مع النبى «ص» بمر الظهران، قال: فخرجت من خباى، فاذا لسوة يتحدثن، فأعجبننى، فرجعت، فأخذت حلتى، فلبستها، وجلست-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي حَدِيثٍ مُسْنَدٍ إلَى خَوّاتٍ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ، كَنّاهُ: أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ مَعَهُ فِي رَكْبٍ، فَقَالَ لَهُ الرّكْبُ غَنّنَا مِنْ شِعْرِ ضِرَارٍ، فَقَالَ عُمَرُ: دَعُوا أَبَا عَبْدِ اللهِ يُغَنّينَا بُنَيّاتِ «1» فُؤَادِهِ قَالَ: فَأَنْشَدَهُمْ حَتّى السّحَرِ، فَقَالَ عُمَرُ: ارْفَعْ لِسَانَك يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ فَقَدْ أَسْحَرْنَا. نَسَبُ النّعْمَانِ بْنِ عَصَرٍ: وَذَكَرَ النّعْمَانَ بْنَ عَصَرٍ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ، وَهُوَ ابْنُ عَصَرِ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَدِيمٍ الْبَلَوِيّ، وَقِيلَ عَصَرُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ وَائِلَةَ بْنِ حَارِثَةَ البلوىّ، قتل باليمامة.

_ - إليهن، وخرج رسول الله «ص» من قبته، فلما رأيته هبته، فقلت: يا رسول الله: جمل لى شرد، فأنا أبتغى له قيدا.. وقوله هنا: يا رسول الله يفيد أنه كان فى الإسلام لا فى الجاهلية. والنحى: زق للسمن. وقد ضرب المثل بقصة خوات مع خوله، فقيل: أشغل من ذات النحيين، وفى المثل ما يستحى من ذكره هنا فانظره فى كتب الأمثال. فى الأمثال للميدانى أنه قيل له: يا خوات كيف شرازك، أو كيف شراؤك، وفى رواية حمزة: ما فعل بعيرك؟ أيشرد عليك؟ فقال: أما منذ أسلمت- أو منذ قيده الإسلام- فلا. (1) فى الإصابة: بنات. وحديثه هذا ذكره السراج فى تاريخه فهو شىء لا يعتد به. وقصقص ابن أبى خيثمة قصة ذات النحيين عن ابن سيرين بأسلوب غيرناه: كانت امرأة تبيع سمنا فى الجاهلية، فدخل رجل، فوجدها خالية، فراودها فأبت فخرج، فتنكر ورجع، فقال: هل عندك من سمن طيب؟ قالت: نعم، فحلت زقا فذاقه، فقال: أريد أطيب منه، فأمسكيه، وحلت آخر، فقال: أمسكيه، فقد أنفلت بعيرى قالت: اصبر حتى أوثق الأول، قال: لا، وإلا تركته من يدى يراق، فانى أخاف ألا أجد بعيرى، فأمسكته بيدها الآخرى، فانقض عليها، فلما قضى حاجته، قالت له: لا يهناك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَصْوِيبُ أَنْسَابٍ: وَذَكَرَ فِي نَسَبِ زَيْدِ بْنِ وَدِيعَةَ جَزْءَ بْنَ عَدِيّ. وَذَكَرَ أَبُو بَحْرٍ أَنّهُ قَيّدَهُ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ جَزْءَ بِسُكُونِ الزّايِ، وَأَنّهُ لَمْ يَجِدْهُ عَنْ غَيْرِهِ إلّا بكسر الزاى. وذكر رافع بن عُنْجُدَةَ، وَقَالَ: هِيَ أُمّهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَاهُ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الْحَارِثِ، وَالْعُنْجُدَةُ حَبّ الزّبِيبِ، وَيُقَالُ: هُوَ الزّبِيبُ، وَأَمّا عَجْمُ الزّبِيبِ، فَهُوَ الْفِرْصِدُ [أَوْ الْفِرْصِيدُ أَوْ الْفِرْصَادُ] قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ كَعْبَ بْنَ جَمّازٍ بِالْجِيمِ وَالزّايِ، كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، لَا كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، فَإِنّ أَهْلَ النّسَبِ عَلَى مَا قَالَ ابن هشام، غير أن الدّار قطنى قَيّدَ فِيهِ رِوَايَةً ثَالِثَةً: ابْنَ حِمّانَ بِنُونِ وحاء مكسورة. وذكر فيهم أبا خميضة، وَاسْمُهُ: مَعْبَدُ بْنُ عَبّادٍ: قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَذَا قَيّدَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَغَيْرُهُ يَقُولُ فِيهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ يَقُولُ فِيهِ: أَبُو خُمَيْصَةَ بِخَاءِ مَنْقُوطَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ. وَذَكَرَ فِي الْبَلَوِيّينَ أَبَا عُقَيْلٍ، وَلَمْ يُسَمّهِ وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ عَبْدَ الْعُزّى، فَسَمّاهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرحمن عدوّ الأوثان ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قُتِلَ بِالْيَمَامَةِ. صَاحِبُ الصّاعِ: وَأَمّا أَبُو عَقِيلٍ صَاحِبُ الصّاعِ الّذِي لمزه المنافقون، فاسمه حثحات،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهِ أُنْزِلَتْ: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَذَلِكَ أَنّهُ جَاءَ بِصَاعِ مِنْ تَمْرٍ فَوَضَعَهُ فِي الْعَرَقَةِ حِينَ حَثّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى النّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَضَحِكَ مِنْهُ الْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا: إنّ اللهَ لَغَنِيّ عَنْ صَاعِ أَبِي عقيل «1» . قربوسه أو قربوس: وَقَعَ فِي أَنْسَابِ الْبَدْرِيّينَ ابْنُ قِرْيُوشٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالشّينِ الْمَنْقُوطَةِ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قِرْيُوسٌ بِالسّينِ الْمُهْمَلَةِ، كَذَا قَيّدَهُ أَبُو الْوَلِيدِ، وَفِي أَكْثَرِ الرّوَايَاتِ قَرْبُوسٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمَضْمُومَةِ الْمَنْقُوطَةِ بِوَاحِدَةِ، فَقِرْيُوشٌ: فِعْيُولٌ مِنْ التّقَرّشِ، وَهُوَ التّكَسّبُ، وَبِالسّينِ فِعْيُولٌ مِنْ الْقَرْسِ، وَهُوَ الْبَرْدُ، وَقِرْيُوشٌ بِالشّيْنِ الْمَنْقُوطَةِ أَصَحّ فِيهِ لِأَنّهُ مِنْ التّقَرّشِ وَهُوَ التّكَسّبُ، كَمَا سُمّيَتْ قُرَيْشٌ بِهِ، قَالَهُ قُطْرُبٌ. وَمِمّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِعُذْرِ، وَهُوَ مِنْ النّقَبَاءِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ سَيّدُ الْخَزْرَجِ لِأَنّهُ نَهَشَتْهُ حَيّةٌ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ الْخُرُوجَ، هَذَا قَوْلُ الْقُتَبِيّ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَلَا ابْنُ عُقْبَةَ، وَقَدْ ذَكَرَتْهُ طَائِفَةٌ فِيهِمْ: ابْنُ الْكَلْبِيّ وَجَمَاعَةٌ. وَذَكَرَ أَبَا الضّيَاحِ وَاسْمُهُ النّعْمَانُ، وَقِيلَ عُمَيْرُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعمان، قتل يوم خيبر. جدارة أو غدارة: وَذَكَرَ فِي بَنِي النّجّارِ مَنْ يَنْسُبُ إلَى جدارة بن الحارث، وجدارة أخو

_ (1) حديثه فى البخارى ومسلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خُدْرَةَ رَهْطُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، وَغَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ يَقُولُ فِي جَدَارَةَ خَدَارَةَ بِالْخَاءِ الْمَضْمُومَةِ، قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ «1» ، وَكَذَلِكَ قَيّدَهُ النّمَرِيّ، فَهُمَا خُدْرَةُ وَخُدَارَةُ ابْنَا الْحَارِثِ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُمَرَ، وَقَيّدَهُ الشّيْخُ أَبُو بَحْرٍ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ فَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ. رُجَيْلَةُ أَوْ رُخَيْلَةُ: وَذَكَرَ رُجَيْلَةَ بْنَ ثَعْلَبَةَ، وَقُيّدَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ رُخَيْلَةُ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ، كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. تَصْوِيبُ نَسَبٍ وَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا شَيْخِ بْنَ ثَابِتٍ، وَاسْمُهُ: أُبَيّ وَهُوَ أَخُو حَسّانٍ، وَقِيلَ بَلْ هُوَ ابْنُ أُبَيّ بْنِ ثَابِتٍ وَحَسّانٌ عَمّهُ، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ غَلَطٌ أَصْلَحْته، وَكَانَ قَبْلَ الْإِصْلَاحِ أَبُو شَيْخِ أُبَيّ بن ثابت بن المنذر. هول الّذِينَ اُسْتُشْهِدُوا فِي بَدْرٍ: فَصْلٌ وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ: عُمَيْرَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ قَدْ رَدّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لِأَنّهُ اسْتَصْغَرَهُ، فَبَكَى عُمَيْرٌ، فَلَمّا رَأَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكَاءَهُ أَذِنَ لَهُ فى الخروج معه، فقتل وهو ابن ستّ عشرة سنة، قتله العاصى بن سعيد.

_ (1) فى الاشنقاق ص 455.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَارِثَةَ بْنَ سُرَاقَةَ، فِيمَنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ أَوّلُ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، رَمَاهُ حِبّانُ بْنُ الْعَرَقَةِ بِسَهْمِ فَأَصَابَ حَنْجَرَتَهُ، فَمَاتَ، وَجَاءَتْ أُمّهُ وَهِيَ الرّبِيعُ بِنْتُ النّضْرِ عَمّةُ أَنَسٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَلِمْت مَوْضِعَ حَارِثَةَ مِنّي فَإِنْ يَكُنْ فِي الْجَنّةِ أَصْبِرُ وَأَحْتَسِبُ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَسَتَرَى مَا أصنع، فقال: أوجنّة وَاحِدَةٌ هِيَ؟ إنّمَا هِيَ جَنّاتٌ وَإِنّ ابْنَك مِنْهَا لَفِي الْفِرْدَوْس «1» . وَذَكَرَ فِيهِمْ عُمَيْرَ بْنَ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ، وَقَدْ قَدّمْنَا ذِكْرَهُ، وَقَتَلَهُ خالد ابن الأعلم. ذو الشمالين وذاليدين: وذكر ذا الشّمالين الخزاعىّ الغبشانى حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَهُوَ الّذِي ذَكَرَهُ الزّهْرِيّ فِي حَدِيثِ التّسْلِيمِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَقَامَ ذُو الشّمَالَيْنِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، فَقَالَ: أَقُصِرَتْ الصّلَاةُ، أَمْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصدق ذو اليدين؟ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ هَكَذَا بِهَذَا اللّفْظِ، إلّا ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، وَهُوَ غَلَطٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنّمَا هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ السّلَمِيّ، وَاسْمُهُ: خِرْبَاقُ «2» وَذُو الشّمَالَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَحَدِيثُ التسليم من

_ (1) روى حديثه حماد بن سلمة عن ثابت بن أنس أحمد والطبرانى، والتى هنا رواية ثابت. (2) فى تهذيب الأسماء واللغات للنووى: الخرباق. ويقول أبو ذر الخشنى: ذو الشمالين رجل من خزاعة من بنى زهرة، وذو اليدين رجل من بنى سليم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَكْعَتَيْنِ، شَهِدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَكَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ «1» ، وَمَاتَ ذُو الْيَدَيْنِ السّلَمِيّ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَرَوَى عَنْهُ حَدِيثَهُ فِي التّسْلِيمِ ابْنُهُ مَطِيرُ بْنُ الْخِرْبَاقِ، يَرْوِيهِ عَنْ مَطِيرٍ ابنه شعيث بن مطير. خطأ المبرد وَلَمّا رَأَى الْمُبَرّدُ حَدِيثَ الزّهْرِيّ: فَقَامَ ذُو الشّمَالَيْنِ، وَفِي آخِرِهِ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالَ: هُوَ ذُو الشّمَالَيْنِ وَذُو الْيَدَيْنِ، كَانَ يُسَمّى بِهِمَا جَمِيعًا، وَجَهِلَ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسّيَرِ فِي ذِي الشّمَالَيْنِ، وَلَمْ يَعْرِفْ رِوَايَةً إلّا الرّوَايَةَ الّتِي

_ (1) يقول النووى: «وقد اجتمعوا على أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر سنة سبع من الهجرة بعد بدر بخمس سنين، وقال: وقال ابن عبد البر: واتفقوا على أن الزهرى غلط فى هذه القصة. قال العلماء: وإنما قيل له ذو اليدين لأنه كان فى يديه طول. هذا وحديث التسليم من ركعتين فى صحيحى البخارى ومسلم. والحديث عن أبى هريرة «صلى بنا رسول الله إحدى صلاتى العشى، فصلى ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة فى المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمن على اليسرى، وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة؟ وفى القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وفى القوم رجل يقال له: ذو اليدين فقال: يا رسول الله: ألسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم أنس ولم تقصر، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فتقدم، فصلى ما ترك ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوه، ثم سلم» متفق عليه. وفى رواية: بينما أنا أصلى مع النبى «ص» صلاة الظهر سلم من ركعتين. أحمد ومسلم. وفى رواية للبخارى ومسلم أن ذا اليدين قال: بلى قد نسيت والسرعان بضم السين وسكون الراء أو فتحها: أول الناس خروجا. والعشى: ما بين الزال والغروب. وعند البخارى فى رواية: صلى بنا الظهر أو العصر. وفى مسلم: العصر من غير شك. وفى رواية له: الظهر كذلك، وفى رواية له: إحدى صلاتى العشى إما الظهر وإما العصر. قال لحافظ فى الفتح: والظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِيهَا الْغَلَطُ، قَالَ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْكَامِلِ فِي بَابِ الْأَذْوَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَمِنْ الْبَدْرِيّينَ عُلَيْفَةُ بْنُ عَدِيّ الْبَيَاضِيّ أَيْضًا، هَكَذَا اسْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ السّيَرِ، وَسَمّاهُ ابْنُ إسْحَاقَ فَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ عَدِيّ بِالْخَاءِ. وَمِمّنْ شَهِدَ بَدْرًا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ هِشَامٍ عَنْ الْبَكّائِيّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَعْدٍ عَنْهُ: عِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ وُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ وَهُوَ مِمّنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْبَدْرِيّينَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيّاطٍ وَجَمَاعَةٌ. وَمِمّنْ ذُكِرَ فِي الْبَدْرِيّينَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ يَزِيدُ بْنُ الْأَخْنَسِ السّلَمِيّ، وَابْنُهُ مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُوهُ الْأَخْنَسُ، وَلَا يُعْرَفُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا ثَلَاثَةٌ أَبٌ وَابْنٌ وَجَدّ إلّا هَؤُلَاءِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسّيَرِ لَا يُصَحّحُ شُهُودَهُمْ بَدْرًا لَكِنْ شَهِدُوا بَيْعَةَ الرّضْوَانِ، وَيَزِيدُ بْنُ الْأَخْنَسِ هَذَا هُوَ ابْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ جَنَابِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ جُرّةَ بضم الجيم بن زُغْبٍ مِنْ بَنِي بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمٍ. قَالَ ابن ما كولا «1» : لَا يُعْرَفُ جُرّةُ بِضَمّ الْجِيمِ إلّا هَذَا، وَلَا جِرّةَ بِكَسْرِ الْجِيمِ إلّا السّوْمُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ جِرّةَ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ أُمّ الشّدّاخِ وَاسْمُهُ يَعْمُرُ بْنُ عَوْفٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ ذكره فى حديث فصىّ وَلِمَ سُمّيَ الشّدّاخُ. وَمِمّنْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي الْبَدْرِيّينَ خُدَيْمُ بْنُ فَاتِكِ [بْنِ الْأَخْرَمِ] وَأَخُوهُ سَبْرَةُ الْأَسَدِيّانِ «2» . وَمِمّنْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي الْبَدْرِيّينَ من بنى سلمة

_ (1) هو على بن عبد الله بن على بن جعفر ولد سنة 421 وتوفى سنة 486. (2) تقال بفتح الهمزة وسكون السين، نسبة إلى الأزد وهى تقال بالسين أيضا، وقيل بفتح السين نسبة إلى بنى أسد بن خزيمة. وقد روى الطبرانى أن خزيما وسبرة شهدا بدرا، واستنكر الواقدى ذلك وقال إنما أسلم خزيمة وأخوه بعد الفتح وهو خريم بن فاتك بن الأخرم ويقال: خريم بن الأخرم بن شداد-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حِزَامٍ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا يَصِحّ شُهُودُهُ بَدْرًا، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ النّاسِ فِي ذَلِكَ، وَفِي السّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ أَنّ جَابِرًا قَالَ: كُنْت أَمِيحُ أَصْحَابِي الْمَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ، أَيْ: كَانَ صَغِيرًا فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنّ هَذِهِ الرّوَايَةَ تَصْحِيفٌ، وَأَنّ الصّحِيحَ كُنْت مَنِيحَ أَصْحَابِي يَوْمَ بَدْرٍ، وَالْمَنِيحُ «1» : السّهْمُ، يُرِيدُ أَنّهُمْ كَانُوا يُرْسِلُونَهُ فِي حَوَائِجِهِمْ لِصِغَرِ سِنّهِ. وَمِمّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ: طُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرٍ «2» مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيّ، وَأُمّهُ أَرْوَى عَمّةُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم.

_ - ابن عمرو بن الفاتك الأسدى. وهو فى ترجمة أخيه سيرة يسميه خزيمة وذكر مرة خطأ: خزيمة. (1) فى القاموس: منيح: قدح بلا نصيب، وقدح يستعار تيمنا بفوزه، أو قدح له سهم. (2) من المهاجرين الأولين، قتل بأجنادين شهيدا وليس له عقب، وله تقول أمه: إن طلبنا نصر ابن خاله ... آساه فى ذى دمه وماله ص 19 نسب قريش.

من قتل ببدر من المشركين

[من قتل ببدر من المشركين] من بنى عبد شمس وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بن أميّة بن عبد شمس، وقتله زيد ابن حَارِثَةَ؛ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَيُقَالُ اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ وَعَلِيّ وَزَيْدٌ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ، وَعَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ حَلِيفَانِ لَهُمْ قَتَلَ عَامِرًا: عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ؛ وَقَتَلَ الْحَارِثَ: النّعْمَانُ بْنُ عَصْرٍ، حَلِيفٌ لِلْأَوْسِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ، وَابْنُهُ: مَوْلَيَانِ لَهُمْ. قَتَلَ عُمَيْرَ بْنَ أَبِي عُمَيْرٍ: سَالِمٌ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ؛ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُبَيْدَةُ بْنُ سَعِيدِ (بْنِ) الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَالْعَاصِ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ، أَخُو بَنِي عمرو بن عوف، صبرا. قال ابن هشام: ويقال: قتله علي بن أَبِي طَالِبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُتْبَةُ بْنُ ربيعة بن عبد شمس، قتله عبيدة ابن الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اشْتَرَكَ فِيهِ هُوَ وَحَمْزَةُ وَعَلِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؛ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؛ وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَنْمَارِ بْنِ بَغِيضٍ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. اثْنَا عشر رجلا. مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عبد مناف: الحارث بن عامر بن نوفل، قَتَلَهُ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- خَبِيبُ بْنُ إسَافٍ، أَخُو بنى الحارث بن الخزرج؛ وطعيمة بن ابن عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؛ وَيُقَالُ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. رَجُلَانِ. مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بن المطّلب ابن أَسَدٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ ثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ، أَخُو بَنِي حَرَامٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. وَيُقَالُ: اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَثَابِتٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ، قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَعُقَيْلُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ وَعَلِيّ، اشْتَرَكَا فِيهِ- فِيمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ، وَهُوَ الْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ، قَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو الْبَخْتَرِيّ: الْعَاصِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَهُوَ ابْنُ الْعَدَوِيّةِ، عَدِيّ خُزَاعَةَ، وَهُوَ الّذِي قَرَنَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيق، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ حِينَ أَسْلَمَا فِي حَبْلٍ، فَكَانَا يُسَمّيَانِ: الْقَرِينَيْنِ لِذَلِكَ، وَكَانَ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ- قَتَلَهُ عَلِيّ بن أبى طالب. خمسة نفر. مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَبْرًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالصّفْرَاءِ، فِيمَا يَذْكُرُونَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بِالْأُثَيْلِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ: ابْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَيْدُ بْنُ مُلَيْصٍ، مَوْلَى عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابن عَبْدِ الدّارِ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَ زَيْدَ بْنَ مُلَيْصٍ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَزَيْدٌ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ، مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، وَيُقَالُ: قَتَلَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى تيم بن مرة قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ: عُمَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ: عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُثْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبٍ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بن سنان. رجلان. مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَام- وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ- ضَرَبَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، وَضَرَبَ ابْنُهُ عِكْرِمَةُ يَدَ مُعَاذٍ فَطَرَحَهَا، ثُمّ ضربه معوّذ ابن عَفْرَاءَ حَتّى أَثْبَتَهُ، ثُمّ تَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ: ثُمّ ذَفّفَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ واحتز رأسه، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وَسَلّمَ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى- وَالْعَاصِ بْنُ هشام بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، قَتَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ثُمّ أَحَدُ بنى عمرو بن تيم، وكان شجاعا، قتله عمّار ابن يَاسِرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو مُسَافِعٍ الْأَشْعَرِيّ، حَلِيفٌ لَهُمْ، قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ السّاعِدِيّ- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَحَرْمَلَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بن أبى زهير، أخو بلحارث بْنِ الْخَزْرَجِ، وَيُقَالُ: بَلْ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَحَرْمَلَةُ، مِنْ الْأَسَدِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَسْعُودُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ: قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَرِفَاعَةُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ، أَخُو بلحارث بْنِ الْخَزْرَجِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ، قَتَلَهُ مَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ حَلِيفُ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْن عَوْفٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالسّائِبُ بْنَ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ شَرِيكَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: نِعْمَ الشّرِيكُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السّائِبُ لَا يُشَارَى وَلَا يُمَارَى، وَكَانَ أَسْلَمَ فحسن إسلامه- فيما بلغنا- والله أعلم. وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عبد اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ مِمّنْ بَايَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قُرَيْشٍ، وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجِعْرَانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ: أَنّ الّذِي قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْأَسْوَدُ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ الله بن عمر بن مَخْزُومٍ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَحَاجِبُ بن السّائب بن عويمر ابن عَمْرِو بْنِ عَائِذُ بْنُ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَائِذٌ: ابْنُ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَيُقَالُ: حَاجِزُ بْنُ السّائِبِ- وَاَلّذِي قَتَلَ حَاجِبَ بْنَ السّائِبِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُوَيْمِرُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ، قَتَلَهُ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيّ مُبَارَزَةً، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ، وَجَابِرُ بن سفيان، حليفان لهم من طيىء، قتل عمرا يزيد بن رقيش، وقتل جابر أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نَيّارٍ، (فِيمَا) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا. مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بن لؤي: منبّه بن الحجّاج ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم، قتله أبو اليسر، أخو بنى سلمة، وَابْنُهُ الْعَاصِ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هشام: ونبيه ابن الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرٍ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ اشْتَرَكَا فِيهِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ قيس بن عدي بن سعد بن سهم. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ: النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيّ، وَيُقَالُ: أَبُو دُجَانَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَاصِمُ بْنُ عوف بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بْنِ سَهْمٍ، قَتَلَهُ أَبُو الْيَسَرِ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. خَمْسَةُ نَفَرٍ. مِنْ بَنِي جُمَحٍ وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لؤي: أميّة بن خلف ابن وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي مَازِنٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: بَلْ قَتَلَهُ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ وخارجة بن زيد وخبيب ابن إسَافٍ، اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَابْنُهُ عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ؛ وَأَوْسُ بْنُ مِعْيَرِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ جُمَحَ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَيُقَالُ: قَتَلَهُ الْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، اشْتَرَكَا فِيهِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عددهم

مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: مُعَاوِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عبد القيس، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَيُقَالُ: قَتَلَهُ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ، حَلِيفٌ لهم من بنى كلب بن عوف ابن كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثٍ، قَتَلَ مَعْبَدًا خَالِدٌ وَإِيَاسُ ابْنَا الْبُكَيْرِ، وَيُقَالُ: أَبُو دُجَانَةَ، فيما قال ابن هشام. رجلان. [عددهم] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَجَمِيعُ مَنْ أُحْصِيَ لَنَا مِنْ قَتْلَى قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ: خَمْسُونَ رَجُلًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو: أَنّ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا، وَالْأَسْرَى كَذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ. وَفِي كِتَابِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها بقوله لِأَصْحَابِ أُحُدٍ- وَكَانَ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا- يَقُولُ: قَدْ أَصَبْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيْ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، سَبْعِينَ قَتِيلًا وَسَبْعِينَ أَسِيرًا. وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطّنِ مِنْهُمْ ... سَبْعُونَ، عُتْبَةُ مِنْهُمْ وَالْأَسْوَدُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي قَتْلَى بَدْرٍ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي حَدِيثِ يَوْمِ أُحُدٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ الله تعالى فى موضعها. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من فات ابن إسحاق ذكرهم

[من فَاتَ ابْنُ إسْحَاقَ ذِكْرَهُمْ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِمّنْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ هَؤُلَاءِ السّبعين القتلى: من بنى عبد شمس من بني عبد شمس بن عبد مناف: وهب بن الحارث، من بنى أمار بْنِ بَغِيضٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَعَامِرُ بْنُ زَيْدٍ، حليف لهم من اليمن رجلان. مِنْ بَنِي أَسَدٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: عُقْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ من اليمن، وعمير مولى لهم رجلان. مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: نُبَيْهُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُلَيْصٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ سَلِيطٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ قيس. رجلان. مِنْ بَنِي تَيْمٍ وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ: مَالِكَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ أُسِرَ فَمَاتَ فِي الْأُسَارَى، فَعُدّ فِي القتلى، ويقال: وعمرو ابن عبد الله بن جدعان. رجلان. مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: حُذَيْفَةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قتله سعد ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر أسرى قريش يوم بدر

ابن أَبِي وَقّاصٍ، وَهِشَامُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ المغيرة، قتله صهيب بن سنان، وزهير ابن أَبِي رِفَاعَةَ، قَتَلَهُ أَبُو أُسَيْدٍ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالسّائِبُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ قَتَلَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَائِذُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ، أُسِرَ ثُمّ اُفْتُدِيَ فَمَاتَ فِي الطّرِيقِ مِنْ جِرَاحَةٍ جَرَحَهُ إيّاهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المطّلب، وعمير حليف لهم من طيّىء، وَخِيَارٌ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْقَارّةِ سَبْعَةُ نَفَرٍ. مِنْ بَنِي جُمَحٍ وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرٍو: سَبْرَةُ بْنُ مَالِكٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. رَجُلٌ. مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو: الْحَارِثُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ، وَعَامِرُ بْنُ عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ، أَخُو عَاصِمِ بْنِ ضُبَيْرَةَ، قَتَلَهُ عَبْدُ الله ابن سلمة العجلانى، ويقال: أبو دجانة. رجلان. [ذكر أسرى قريش يوم بدر] من بنى هاشم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قريش يوم بدر، من بنى هاشم ابن عَبْدِ مَنَافٍ: عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ؛ وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بن عبد المطّلب بن هاشم. من بنى المطلب ومن بنى المطّلب بن عبد مناف: السّائب بن عبيد بن يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْمُطّلِبِ؛ وَنُعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ المطّلب. رجلان. من بنى عبد شمس وحلفائهم ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي وَجْزَةَ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ أَبِي وَحْرَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَبُو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن (عَبْدِ) شَمْسٍ؛ وَأَبُو الْعَاصِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ أَبُو رِيشَةَ بْنُ أَبِي عَمْرٍو؛ وَعَمْرُو بْنُ الْأَزْرَقِ، وَعُقْبَةُ بْنُ عبد الحارث بن الحضرمى. سبعة نفر. من بنى نوفل وحلفائهم ومن بنى نوفل بن عبد مناف: عَدِيّ بْنُ الْخِيَارِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ؛ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسِ ابْنِ أَخِي غَزْوَانَ بن جابر، حليف لهم من بنى مزن بْنِ مَنْصُورٍ؛ وَأَبُو ثَوْرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. ثَلَاثَةُ نفر. من بنى عبد الدار وحلفائهم وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: أَبُو عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مناف ابن عَبْدِ الدّارِ؛ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ. ويقولون: نحن بنو الأسود ابن عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ السّبّاقِ. رجلان. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى أسد وحلفائهم وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ. السّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ؛ وَالْحُوَيْرِث بْنُ عَبّادِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَسَدٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ الْحَارِثُ بن عائذ بن عثمان بن أسد. قال ابن إسحاق: وسالم بن شمّاس، حليف لهم. ثلاثة نفر. مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَة بْنِ مُرّةَ: خَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ المغيرة بن عبد الله ابن عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ؛ وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ؛ وَصَيْفِيّ ابن أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ؛ وَأَبُو الْمُنْذِرِ بْنِ أبى رفاعة بن عبد الله بن عمير بْنِ مَخْزُومٍ؛ وَأَبُو عَطَاءٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ أبى السّائب ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَالْمُطّلِبُ بن حنطب بن الحارث بن عبيد ابن عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ؛ وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَهُوَ كَانَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- أَوّلُ مَنْ وَلّى فَارّا مُنْهَزِمًا، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ: وَلَسْنَا عَلَى الْأَدْبَارِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدّمُ تِسْعَةُ نَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: «لَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ» . وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ، من خزاعة، ويقال: عقيلىّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى سهم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ: أَبُو وَدَاعَةَ بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سَهْم، كَانَ أَوّلَ أَسِيرٍ أَفْتُدِيَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ افْتَدَاهُ ابْنُهُ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ؛ وَفَرْوَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ حُذَافَةَ بن سعد بن سهم، وحنظلة بْنُ قَبِيصَةَ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَالْحَجّاجُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سعد بن سهم. أربعة نفر. مِنْ بَنِي جُمَحٍ وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عمرو بن هصيص بن كعب: عبد الله بْنُ أُبَيّ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ؛ وَأَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ وُهَيْب بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَالْفَاكِهُ، مَوْلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، ادّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ رَبَاحُ بْنُ الْمُغْتَرِفِ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنّهُ مِنْ بَنِي شَمّاخِ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ- وَيُقَال: إنّ الْفَاكِهَ: ابْنَ جَرْوَل بْنِ حِذْيَمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَضْب بْنِ شمّاخ بن محارب ابن فِهْرٍ- وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جمح، وَرَبِيعَةُ بْنُ دَرّاجِ بْنِ الْعَنْبَس بْنِ أُهْبَان بن وهب بن حذافة بن جمح. خمسة نفر. مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لؤي: سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدودّ بن نصر ابن مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ، أَسَرَهُ مَالِكُ بن الدخشم، أخو بني سالم بن عوف؛ وَعَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شمس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَشْنُوءِ بْنِ وَقْدَان بْنِ قَيْسِ بْنِ عبد شمس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عامر. ثلاثة نفر. مِنْ بَنِي الْحَارِثِ وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: الطّفَيْلُ بْنُ أَبِي قُنَيْع، وَعَتَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَحْدَم. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ حُفِظَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى ثَلَاثَةٌ وأربعون رجلا. مافات ابْنُ إسْحَاقَ ذِكْرَهُمْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَعَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَدَدِ رَجُلٌ لَمْ نَذْكُرْ اسْمَهُ. وممن لم يذكر ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ الْأُسَارَى: مِنْ بَنِي هَاشِمِ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُتْبَة، حليف لهم من بنى فهر. رجل. من بنى المطلب وَمِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عَقِيلُ بن عمرو، حليف لهم، وأخوه تميم ابن عمرو، وابنه. ثلاثة نفر. من بنى عبد شمس ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: خَالِدُ بْنُ أُسَيْد بْنِ أَبِي الْعِيصِ، وَأَبُو الْعَرِيضِ يَسَارٌ، مَوْلَى الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ. رَجُلَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عبد مناف: نبهان، مولى لهم. رجل. مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: عَبْدِ اللهِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الحارث. رجل. مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدار بن قصىّ: عقيل، حليف لهم من اليمن. رجل. مِنْ بَنِي تَيْمٍ وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ: مُسَافِعُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، وجابر بن الزبير، حليف لهم. رجلان. مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يقظة: قيس بن السّائب. رجل. مِنْ بَنِي جُمَحٍ وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرٍو: عَمْرُو بْنُ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ، وَأَبُو رُهْم بْنِ عَبْدِ اللهِ، حَلِيفٌ لَهُمْ، وَحَلِيفٌ لَهُمْ ذَهَبَ عَنّي اسْمُهُ، وَمَوْلَيَانِ لِأُمَيّةِ بْنِ خلف، أحدهما لسطاس، وَأَبُو رَافِعٍ، غُلَامُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ. سِتّةُ نفر. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما قيل من الشعر فى يوم بدر

مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عمرو: أسلم، مولى نبيه الحجّاج رجل. مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: حَبِيبُ بْنُ جَابِرٍ، وَالسّائِبُ بْنُ مَالِكٍ. رجلان. مِنْ بَنِي الْحَارِثِ وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ: شَافِعُ وَشَفِيعٌ، حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ. رَجُلَانِ. [مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْر، وَتَرَادّ بَهْ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ لِمَا كَانَ فِيهِ، قَوْلُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَرْحَمُهُ اللهُ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها ونقيضتها: أَلَمْ تَرَ أَمْرًا كَانَ مِنْ عَجْبِ الدّهْر ... وَلِلْحَيْنِ أَسِبَابٌ مُبَيّنَةُ الْأَمْرِ وَمَا ذَاكَ إلّا أنّ قوما أفادهم ... فخانوا تَوَاصٍ بِالْعُقُوقِ وَبِالْكُفْرِ عَشِيّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمْعِهِمْ ... فَكَانُوا رُهُونًا لِلرّكِيّةِ مِنْ بَدْرِ وَكُنّا طَلَبْنَا الْعِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا ... فَسَارُوا إلَيْنَا فَالْتَقَيْنَا عَلَى قَدْرِ فَلَمّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيّةٌ ... لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ بِالْمُثَقّفَةِ السّمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَضَرْبٍ بِبِيضٍ يَخْتَلِي الْهَامَ حَدّهَا ... مُشْهِرَةُ الْأَلْوَانِ بَيّنَةُ الْأُثُرِ وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَة الْغَيّ ثَاوِيًا ... وشيبة فى القتلى تجرجم فى الحفر وَعَمْرٌو ثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِنْ حُمَاتِهِمْ ... فَشُقّتْ جُيُوبُ النّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لؤىّ بن غالب ... كرام تفرّ عن الذّوَائِبَ مِنْ فِهْرِ أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتّلُوا فِي ضلالهم ... وخلّوا لواء غير مختضر النّصْرُ لِوَاءُ ضَلَالٍ قَادَ إبْلِيسُ أَهْلَهُ ... فَخَاسَ بِهِمْ، إنّ الْخَبِيثَ إلَى غَدْرِ وَقَالَ لَهُمْ، إذ عاين الأمر واضحا ... برئت إليكم مابى اليوم من صبر فإنى أرى مالا تَرَوْنَ وَإِنّنِي ... أَخَافُ عِقَابَ اللهِ وَاَللهُ ذُو قَسْرِ فَقَدّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتّى تَوَرّطُوا ... وَكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبُرْ الْقَوْمُ ذَا خُبْرِ فَكَانُوا غَدَاةَ الْبِئْرِ أَلْفًا وَجَمْعُنَا ... ثَلَاثُ مِئِينٍ كَالْمُسْدَمَةِ الزّهْرِ وَفِينَا جُنُودُ اللهِ حَيْنَ يُمِدّنَا ... بِهِمْ فِي مَقَامٍ ثُمّ مُسْتَوْضَحِ الذّكْرِ فَشَدّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا ... لَدَى مَأْزِقٍ فِيهِ مَنَايَاهُمْ تَجْرِي فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ: أَلَا يَا لِقَوْمِي لِلصّبَابَةِ وَالْهَجْرِ ... وَلِلْحُزْنِ مِنّي وَالْحَرَارَةِ فِي الصّدْرِ وَلِلدّمْعِ مِنْ عَيْنَيّ جُودَا كَأَنّهُ ... فَرِيدٌ هَوَى مِنْ سِلْك نَاظِمه يَجْرِي عَلَى الْبَطَلِ الْحُلْوِ الشّمَائِلِ إذْ ثَوَى ... رَهِينَ مَقَامٍ لِلرّكِيّةِ مِنْ بَدْرِ فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عمرو من ذى قرابة ... ومن ذى ندم كَانَ ذَا خُلُقٍ غَمْرِ فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ صادفوا منك دولة ... فلابدّ لِلْأَيّامِ مِنْ دُوَلِ الدّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَقَدْ كُنْتَ فِي صَرْفِ الزّمَانِ الّذِي مَضَى ... تُرِيهِمْ هَوَانًا مِنْك ذَا سُبُلٍ وَعْرِ فَإِلّا أمت يا عمرو أتركك ثَائِرًا ... وَلَا أُبْقِ بُقْيَا فِي إخَاءٍ وَلَا صِهْرِ وَأَقْطَعُ ظَهْرًا مِنْ رِجَالٍ بِمَعْشَرٍ ... كِرَامٍ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا قَطَعُوا ظَهْرِي أَغَرّهُمْ مَا جَمّعُوا مِنْ وَشِيظَةٍ ... وَنَحْنُ الصّمِيمُ فِي الْقَبَائِلِ مِنْ فِهْرِ فِيَالَ لُؤَيّ ذَبّبُوا عَنْ حَرِيمِكُمْ ... وَآلِهَةٍ لَا تَتْرُكُوهَا لِذِي الْفَخْرِ تَوَارَثَهَا آبَاؤُكُمْ وورثتم ... أو اسيّها وَالْبَيْتَ ذَا السّقْفِ وَالسّتْرِ فَمَا لِحَلِيمٍ قَدْ أَرَادَ هَلَاكَكُمْ ... فَلَا تَعْذِرُوهُ آلَ غَالِبٍ مِنْ عُذْرٍ وَجِدّوا لِمِنْ عَادَيْتُمْ وَتَوَازَرُوا ... وَكُونُوا جَمِيعًا فِي التّأَسّي وَفِي الصّبْرِ لَعَلّكُمْ أَنْ تَثْأَرُوا بِأَخِيكُمْ ... وَلَا شَيْءَ إنّ لَمْ تَثْأَرُوا بِذَوِي عَمْرِو بِمُطّرِدَاتِ فِي الْأَكُفّ كَأَنّهَا ... وَمِيضٌ تُطِيرُ الْهَامَ بَيّنَةَ الْأُثْرِ كَأَنّ مُدِبّ الذّرّ فَوْقَ مُتُونِهَا ... إذَا جُرّدَتْ يَوْمًا لِأَعْدَائِهَا الْخُزْر قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبْدَلْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ كَلِمَتَيْنِ مِمّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ، وَهُمَا «الْفَخْر» فِي آخِرِ الْبَيْتِ، وَ «فَمَا لِحَلِيمِ» فِي أَوّلِ الْبَيْتِ، لِأَنّهُ نَالَ فِيهِمَا مِنْ النّبِيّ صَلّى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق: وقال عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا وَلَا نَقِيضَتَهَا، وَإِنّمَا كَتَبْنَاهُمَا لِأَنّهُ يُقَالُ: إنّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْقَتْلَى، وَذَكَرَهُ فى هذا الشعر: أَلَمْ تَرَ أَنّ اللهَ أَبْلَى رَسُولَهُ ... بَلَاءَ عَزِيزٍ ذِي اقْتِدَارِ وَذِي فَضْلٍ بِمَا أَنْزَلَ الكفّار دار مذلّة ... فلا قوا هَوَانَا مِنْ إسَارٍ وَمِنْ قَتْل فَأَمْسَى رَسُولُ اللهِ قَدْ عَزّ نَصْرُهُ ... وَكَانَ رَسُولُ اللهِ أُرْسِلَ بِالْعَدْل فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ مِنْ اللهِ مُنْزَلٍ ... مُبَيّنَةٍ آيَاتُهُ لِذَوِي الْعَقْل فَآمَنَ أَقْوَامٌ بِذَاكَ وَأَيْقَنُوا ... فَأَمْسَوْا بِحَمْدِ اللهِ مُجْتَمِعِي الشّمْلِ وَأَنْكَرَ أَقْوَامٌ فَزَاغَتْ قُلُوبُهُمْ ... فَزَادَهُمْ ذُو الْعَرْشِ خَبْلًا عَلَى خَبْلُ وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رَسُولَه ... وَقَوْمًا غِضَابًا فِعْلُهُمْ أَحْسَنُ الْفِعْلِ بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا ... وَقَدْ حَادَثُوهَا بِالْجِلَاءِ وَبِالصّقْلِ فكم تركوا من ناشىء ذِي حَمِيّةٍ ... صَرِيعًا وَمِنْ ذِي نَجْدَة مِنْهُمْ كَهْل تَبِيتُ عُيُونُ النّائِحَاتِ عَلَيْهِمْ ... تَجُودُ بِأَسْبَالِ الرّشَاشِ وَبِالْوَبْلِ نَوَائِحَ تَنْعَى عُتْبَة الْغَيّ وَابْنَه ... وَشَيْبَةَ تَنْعَاهُ وَتَنْعَى أَبَا جَهْلٍ وَذَا الرّجُلِ تَنْعَى وَابْنَ جُدْعَانَ فِيهِمْ ... مُسَلّبَةً حَرّى مُبَيّنَة الثّكْلِ ثَوَى مِنْهُمْ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصَابَةٌ ... ذَوِي نَجَدَاتٍ فِي الْحُرُوبِ وَفِي الْمَحْل دَعَا الْغَيّ مِنْهُمْ مَنْ دَعَا فَأَجَابَهُ ... وَلِلْغَيّ أَسِبَابٌ مرمّقة الوصل فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل ... عن الشّغب والعدوان فى أشغل الشّغل فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَجِبْتُ لِأَقْوَامٍ تَغَنّى سَفِيهُهُمْ ... بِأَمْرٍ سَفَاهٍ ذِي اعْتِرَاضٍ وَذِي بُطْلٍ تَغَنّى بِقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ تَتَابَعُوا ... كِرَامِ الْمَسَاعِي مِنْ غُلَامٍ وَمِنْ كَهْلٍ مَصَالِيتَ بِيضٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... مَطَاعِينَ فِي الْهَيْجَا مَطَاعِيمَ فِي الْمَحْلِ أُصِيبُوا كِرَامًا لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً ... بِقَوْمِ سِوَاهُمْ نَازِحِي الدّارِ وَالْأَصْلِ كَمَا أَصْبَحَتْ غَسّانُ فِيكُمْ بِطَانَةً ... لَكُمْ بَدَلًا مِنّا فِيَالَك مِنْ فِعْلِ عُقُوقًا وَإِثْمًا بيّنا وقطيعة ... يرى جوركم فيها ذو والرأى والعقل فإن بك قَوْمٌ قَدْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخَيْرُ الْمَنَايَا مَا يَكُونُ مِنْ الْقَتْلِ فَلَا تَفْرَحُوا أَنْ تَقْتُلُوهُمْ فَقَتْلُهُمْ ... لَكُمْ كَائِنٌ خَبْلًا مُقِيمًا عَلَى خَبْلِ فَإِنّكُمْ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ ... شَتِيتًا هَوَاكُمْ غَيْرُ مُجْتَمِعِي الشّمْلِ بِفَقْدِ ابْنِ جُدْعَانَ الْحَمِيدِ فِعَالُهُ ... وَعُتْبَة وَالْمَدْعُوّ فِيكُمْ أَبَا جَهْلِ وَشَيْبَةَ فِيهِمْ وَالْوَلِيدَ وَفِيهِمْ ... أُمَيّةَ مَأْوَى الْمُعْتَرِينَ وَذُو الرّجْلِ أُولَئِكَ فَابْكِ ثُمّ لَا تَبْكِ غَيْرَهُمْ ... نَوَائِحُ تَدْعُو بِالرّزِيّةِ وَالثّكْلِ وَقُولُوا لِأَهْلِ الْمَكّتَيْنِ تَحَاشَدُوا ... وَسِيرُوا إلَى آطَامِ يَثْرِبَ ذِي النّخْلِ جَمِيعًا وَحَامُوا آلَ كَعْبٍ وَذَبّبُوا ... بِخَالِصَةِ الْأَلْوَانِ مُحْدَثَةِ الصّقْلِ وَإِلّا فَبُيّتُوا خَائِفِينَ وَأَصْبِحُوا ... أَذَلّ لِوَطْءِ الْوَاطِئِينَ مِنْ النّعْلِ عَلَى أَنّنِي وَاللّاتِ يا فوم فَاعْلَمُوا ... بِكَمْ وَاثِقٌ أَنْ لَا تُقِيمُوا عَلَى تَبْلِ سِوَى جَمْعِكُمْ لِلسّابِغَاتِ وَلِلْقَنَا ... وَلِلْبَيْضِ وَالْبِيضِ الْقَوَاطِعِ وَالنّبْلِ وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ فِي يوم بدر: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَجِبْتُ لِفَخْرِ الْأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرٌ ... عَلَيْهِمْ غَدًا والدّهر فيه بصائر وفخر بنى النّجّار وإن كَانَ مَعْشَرٌ ... أُصِيبُوا بِبَدْرٍ كُلّهُمْ ثَمّ صَابِرُ فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا ... فَإِنّا رِجَالٌ بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ وَتَرْدِي بِنَا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وَسَطكُمْ ... بَنِي الْأَوْسِ حَتّى يَشْفِي النّفْسَ ثَائِرٌ وَوَسْطَ بَنِي النّجّارِ سَوْفَ نَكُرّهَا ... لَهَا بِالْقَنَا وَالدّارِعِينَ زَوَافِر فَنَتْرُكُ صَرْعَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَيْسَ لَهُمْ إلّا الْأَمَانِيّ نَاصِرُ وَتَبْكِيهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ ... لَهُنّ بِهَا لَيْلٌ عَنْ النّوْمِ سَاهِرُ وَذَلِك أَنّا لَا تَزَالُ سُيُوفُنَا ... بِهِنّ دَمٌ مِمّنْ يُحَارَبْنَ مَائِرُ فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنّمَا ... بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدّكُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ وَبِالنّفَرِ الْأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ... يُحَامُونَ فِي الّلأْوَاءِ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ يُعَدّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهِمْ ... وَيُدْعَى عَلِيّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذَاكِرُ وَيُدْعَى أَبُو حَفْصٍ وَعُثْمَانُ مِنْهُمْ ... وَسَعْدٌ إذَا مَا كَانَ فِي الْحَرْبِ حَاضِرُ أُولَئِكَ لَا مَنْ نَتّجَتْ فِي دِيَارِهَا ... بَنُو الْأَوْسِ وَالنّجّارِ حَيْنَ تُفَاخِرُ وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا عُدّتْ الْأَنْسَابُ كَعْبٌ وَعَامِرُ هُمْ الطّاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كُلّ مَعْرَكٍ ... غَدَاةَ الْهِيَاجِ الْأَطْيَبُونَ الْأَكَاثِرُ فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، أخو بنى سلمة، فقال: عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللهِ وَاَللهُ قَادِرٌ ... عَلَى مَا أَرَادَ، لَيْسَ لِلّهِ قَاهِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلَاقِيَ مَعْشَرًا ... بَغَوْا وَسَبِيلُ الْبَغْي بِالنّاسِ جَائِرُ وَقَدْ حَشَدُوا وَاسْتَنْفَرُوا مِنْ يَلِيهِمْ ... مِنْ النّاسِ حَتّى جَمْعُهُمْ مُتَكَاثَرُ وسارت إلينا لا نحاول غَيْرَنَا ... بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعًا وَعَامِرُ وَفِينَا رَسُولُ اللهِ وَالْأَوْسُ حَوْلَهُ ... لَهُ مَعْقِلٌ مِنْهُمْ عَزِيزٌ وَنَاصِرُ وَجَمْعُ بَنِي النّجّارِ تَحْتَ لِوَائِهِ ... يُمَشّوْنَ فِي الْمَاذِيّ وَالنّقْعُ ثَائِرُ فَلَمّا لَقِينَاهُمْ وَكُلّ مُجَاهِدٌ ... لِأَصْحَابِهِ مُسْتَبْسِلُ النّفْسِ صَابِرُ شَهِدْنَا بِأَنّ اللهَ لَا رَبّ غَيْرُهُ ... وَأَنّ رَسُولَ اللهِ بِالْحَقّ ظَاهِرُ وَقَدْ عُرّيَتْ بِيضٌ خِفَافٌ كَأَنّهَا ... مَقَابِيسُ يُزْهِيهَا لِعَيْنَيْك شَاهِرُ بِهِنّ أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَدّدُوا ... وَكَانَ يُلَاقِي الْحَيْنَ مَنْ هُوَ فَاجِرُ فَكُبّ أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا لِوَجْهِهِ ... وَعُتْبَةُ قَدْ غادرنه وهو عائر وَشَيْبَةُ وَالتّيْمِيّ غَادَرْنَ فِي الْوَغَى ... وَمَا مِنْهُمْ إلّا بِذِي الْعَرْشِ كَافِرُ فَأَمْسَوْا وَقُودَ النّارِ فِي مُسْتَقَرّهَا ... وَكُلّ كَفَوْرٍ فِي جَهَنّمَ صَائِرُ تَلَظّى عَلَيْهِمْ وَهِيَ قَدْ شَبّ حَمْيُهَا ... بِزُبَرِ الْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ قَدْ قَالَ أَقْبِلُوا ... فَوَلّوْا وَقَالُوا: إِنّمَا أَنْتَ سَاحِرُ لِأَمْرِ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَهْلَكُوا بِهِ ... وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمّهُ اللهُ زَاجِرُ وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بن الزّبعرى السهمىّ يبكى قتلى بدر: قال ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِلْأَعْشَى بْنِ زُرَارَةَ بْنِ النبّاش، أحد بنى أسيد ابن عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عبد مناف. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدّار: مَاذَا عَلَى بَدْرٍ وَمَاذَا حَوْلَهُ ... مِنْ فِتْيَةٍ بِيضِ الْوُجُوهِ كِرَامٍ تَرَكُوا نُبَيْهًا خَلْفَهُمْ وَمُنَبّهًا ... وَابْنَيْ رَبِيعَةَ خَيْرَ خَصْمٍ فِئَام وَالْحَارِثَ الْفَيّاضَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ ... كَالْبَدْرِ جَلّى لَيْلَةَ الْإِظْلَامِ وَالْعَاصِيَ بْنَ مُنَبّهٍ ذَا مِرّةٍ ... رُمْحًا تَمِيمًا غَيْرَ ذِي أَوْصَام تَنَمّى بَهْ أَعْرَاقُهُ وَجُدُودُهُ ... وَمَآثِرُ الْأَخْوَالِ وَالْأَعْمَامِ وَإِذَا بَكَى بَاكٍ فَأَعْوَل شَجْوَهُ ... فَعَلَى الرّئِيسِ الْمَاجِدِ ابْنِ هِشَامِ حَيّا الْإِلَهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَرَهْطَهُ ... رَبّ الْأَنَامِ، وَخَصّهُمْ بِسَلَامِ فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ، فَقَالَ: ابْكِ بَكَتْ عَيْنَاك ثُمّ تَبَادَرَتْ ... بِدَمِ تُعَلّ غُرُوبُهَا سجّام ماذا بكيت به الذين تتابعوا ... هَلّا ذَكَرْتَ مَكَارِمَ الْأَقْوَامِ وَذَكَرْتَ مِنّا مَاجِدًا ذَا هِمّةٍ ... سَمْحَ الْخَلَائِقِ صَادِقَ الْإِقْدَامِ أَعْنِي النّبِيّ أَخَا الْمَكَارِمِ وَالنّدَى ... وَأَبَرّ مَنْ يُولَى على الإفسام فَلِمِثْلِهِ وَلِمِثْلِ مَا يَدْعُو لَهُ ... كَانَ الْمُمَدّحَ ثَمّ غَيْرُ كَهَام شِعْرٌ لِحَسّانَ فِي بَدْرٍ أَيْضًا وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ أَيْضًا: تبلت فؤادك فى المنام خريدة ... تشفى الضّجِيعَ بِبَارِدِ بَسّامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كَالْمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِمَاءِ سَحَابَةٍ ... أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذّبيح مُدَام نُفُجُ الْحَقِيبَةِ بُوصُهَا مُتَنَضّدٌ ... بَلْهَاءُ غَيْرُ وَشِيكَةِ الْأَقْسَامِ بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمّ كَأَنّهُ ... فُضُلًا إذَا قَعَدَتْ مَدَاكُ رُخَامِ وَتَكَادُ تَكْسَلُ أن تجىء فِرَاشُهَا ... فِي جِسْمِ خَرْعَبَة وَحُسْن قَوَام أَمّا النّهَارَ فَلَا أُفَتّرُ ذِكْرَهَا ... وَاللّيْلُ تُوزِعُنِي بِهَا أَحْلَامِي أَقْسَمْتَ أَنْسَاهَا وَأَتْرُكُ ذِكْرَهَا ... حَتّى تُغَيّبَ فِي الضّرِيحِ عِظَامِي يَا مَنْ لِعَاذِلَةٍ تَلُومُ سَفَاهَةً ... وَلَقَدْ عَصَيْتُ عَلَى الْهَوَى لُوّامِي بَكَرَتْ عَلَيّ بِسُحْرَةٍ بَعْدَ الْكَرَى ... وَتَقَارُبٍ مِنْ حَادِثِ الْأَيّامِ زَعَمَتْ بِأَنّ الْمَرْءَ يَكْرُبُ عُمْرَهُ ... عَدَمٌ لِمُعْتَكِرٍ مِنْ الْأَصْرَامِ إنّ كُنْتِ كَاذِبَةَ الّذِي حدّثتنى ... فَنَجَوْتِ مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ تَرَك الْأَحِبّة أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ ... وَنَجَا بِرَأْسِ طِمرّة وَلِجَامِ تَذَر الْعَنَاجِيجُ الْجِيَادُ بِقَفْرَةٍ ... مَرّ الدّمُوكِ بِمُحْصَدٍ وَرِجَامِ مَلَأَتْ بِهِ الْفَرْجَيْنِ فَارْمَدّتْ بِهِ ... وَثَوَى أَحِبّتُهُ بِشَرّ مَقَامِ وَبَنُو أَبِيهِ وَرَهْطُهُ فِي معرك ... تصر الْإِلَهُ بِهِ ذَوِي الْإِسْلَامِ طَحَنَتْهُمْ، وَاَللهُ يُنْفِذُ أَمْرَهُ، ... حَرْبٌ يُشَبّ سَعِيرُهَا بِضِرَامِ لَوْلَا الْإِلَهُ وَجَرْيُهَا لَتَرَكْنَهُ ... جَزَرَ السّبَاعِ وَدُسْنَهُ بحَوَامِي مِنْ بَيْنَ مَأْسُورٍ يُشَدّ وَثَاقُهُ ... صَقْرٍ إذَا لَاقَى الْأَسِنّةَ حَامِي وَمُجَدّلٍ لَا يَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةٍ ... حَتّى تَزُولَ شَوَامِخُ الْأَعْلَامِ بِالْعَارِ وَالذّلّ الْمُبَيّنِ إذْ رَأَى ... بِيضَ السّيُوفِ تَسُوقُ كُلّ هُمَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بِيَدَيْ أَغَرّ إذَا انْتَمَى لَمْ يُخْزِهِ ... نَسَبُ الْقِصَارِ سَمَيْدَع مِقْدَامِ بِيضٌ إذَا لَاقَتْ حَدِيدًا صَمّمَتْ ... كَالْبَرْقِ تَحْتَ ظِلَالِ كُلّ غَمَامِ شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى حَسّانَ فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ: الله أعلم ما تركت قتالهم ... حَتّى حَبَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِد وَعَرَفْتُ أَنّي إنْ أُقَاتِلْ وَاحِدًا ... أُقْتَلْ وَلَا يَنْكِي عَدُوّي مَشْهَدِي فَصَدَدْتُ عَنْهُمْ وَالْأَحِبّةُ فِيهِمْ ... طَمَعًا لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَهَا الحارث يعتذر من فراره يوم بدر. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْ قَصِيدَةِ حَسّانَ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا، لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا. شِعْرٌ لِحَسّانَ فِيهَا أَيْضًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وقال حسّان بن ثابت: لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ ... غَدَاةَ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ الشّدِيدِ بِأَنّا حَيْنَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي الْوَلِيدِ قَتَلْنَا ابْنَيْ رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارا ... إلَيْنَا فِي مُضَاعَفَةِ الْحَدِيدِ وَفَرّ بِهَا حَكِيمٌ يَوْمَ جَالَتْ ... بَنُو النّجّارِ تَخْطِرُ كَالْأُسُودِ وَوَلّتْ عِنْدَ ذَاكَ جَمُوعُ فِهْرٍ ... وَأَسْلَمَهَا الْحُوَيْرِث مِنْ بِعِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَقَدْ لَاقَيْتُمْ ذُلّا وَقَتْلًا ... جَهِيزًا نَافِذًا تَحْتَ الْوَرِيدِ وَكُلّ الْقَوْمِ قَدْ وَلّوْا جَمِيعًا ... وَلَمْ يَلْوُوا عَلَى الْحَسَبِ التّلِيدِ وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثابت أيضا: يَا حَارِ قَدْ عَوّلْتَ غَيْرَ مُعَوّلٍ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ وَسَاعَةَ الْأَحْسَابِ إذْ تَمْتَطِي سُرُحَ الْيَدَيْنِ نَجِيبَةً ... مَرْطَى الْجِرَاءِ طَوِيلَةَ الْأَقْرَابِ وَالْقَوْمُ خَلْفَك قَدْ تَرَكْتَ قِتَالَهُمْ ... تَرْجُو النّجَاءَ وَلَيْسَ حَيْنَ ذَهَابِ أَلّا عَطَفْت عَلَى ابْنِ أُمّك إذْ ثَوَى ... قَعْصَ الْأَسِنّةِ ضَائِعَ الْأَسْلَابِ عَجّلَ الْمَلِيكُ لَهُ فَأَهْلَكَ جَمْعَهُ ... بِشَنَارِ مُخْزِيَةٍ وَسُوءِ عَذَابِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا أَقْذَعَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: بَلْ قَالَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ السّهْمِيّ: مُسْتَشْعِرِي حَلَقِ الْمَاذِيّ يَقْدُمُهُمْ ... جَلْدُ النّحِيزَةِ مَاضٍ غَيْرُ رِعْدِيدِ أَعْنِي رَسُولَ إلَهِ الْخَلْقِ فَضّلَهُ ... عَلَى الْبَرّيّةِ بِالتّقْوَى وَبِالْجُودِ وَقَدْ زَعَمْتُمْ بِأَنْ تَحْمُوا ذِمَارَكُمْ ... وَمَاءُ بَدْرٍ زَعَمْتُمْ غَيْرُ مَوْرُودِ ثُمّ وَرَدْنَا وَلَمْ نَسْمَعْ لِقَوْلِكُمْ ... حَتّى شَرِبْنَا رَوَاءً غَيْرَ تَصْرِيدِ مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ ... مُسْتَحْكَمٍ مِنْ حِبَالِ اللهِ مَمْدُودِ فِينَا الرّسُولُ وَفِينَا الْحَقّ نَتْبَعُهُ ... حَتّى الْمَمَاتِ وَنَصْرٌ غَيْرُ محدود ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَافٍ وَمَاضٍ شِهَابٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... بَدْرٌ أَنَارَ عَلَى كُلّ الْأَمَاجِيدِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ: «مسعصمين بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ» عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أيضا: خَابَتْ بَنُو أَسَدٍ وَآبَ غُزّيهِم ... يَوْمَ الْقَلِيبِ بِسَوْءَةٍ وَفُضُوح مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِي تَجَدّلَ مُقْعَصًا ... عَنْ ظَهْرِ صَادِقَةِ النّجَاءِ سَبُوحِ حَيْنًا لَهُ مِنْ مَانِعٍ بِسِلَاحِهِ ... لَمّا ثَوَى بِمَقَامِهِ الْمَذْبُوحِ وَالْمَرْءُ زَمْعَةُ قَدْ تَرَكْنَ وَنَحْرُهُ ... يَدْمَى بِعَانِدٍ مُعْبَطٍ مَسْفُوحِ مُتَوَسّدًا حُرّ الْجَبِينِ مُعَفّرًا ... قَدْ عُرّ مَارِن أَنْفِهِ بِقُبُوحِ وَنَجَا ابْنُ قَيْسٍ فِي بَقِيّةَ رَهْطِهِ ... بِشَفَا الرّمَاقِ مُوَلّيًا بِجُرُوحِ وقال حسّان بن ثابت أيضا: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَتَى أَهْلَ مَكّةَ ... إبَارَتُنَا الْكُفّار فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ قَتَلْنَا سَرَاةَ الْقَوْمِ عِنْدَ مَجَالِنَا ... فَلَمْ يَرْجِعُوا إلّا بِقَاصِمَةِ الظّهْرِ قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَة قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنّحْرِ قَتَلْنَا سُوَيْدًا ثُمّ عُتْبَة بَعْدَهُ ... وَطُعْمَة أَيْضًا عِنْدَ ثَائِرَةِ الْقَتْرِ فَكَمْ قَدْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ مُرَزّإٍ ... لَهُ حَسَبٌ فى قومه نا به الذّكْرُ تَرَكْنَاهُمْ لِلْعَاوِيَاتِ يَنُبْنَهُمْ ... وَيَصْلَوْنَ نَارًا بَعْدُ حَامِيَةَ الْقَعْرِ لَعَمْرُك مَا حَامَتْ فَوَارِسُ مَالِكٍ ... وَأَشْيَاعُهُمْ يَوْمَ الْتَقَيْنَا عَلَى بَدْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ بَيْتَهُ: قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَة قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنّحْرِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: نَجّى حَكِيمًا يَوْمَ بَدْرٍ شَدّهُ ... كَنَجَاءِ مُهْرٍ مِنْ بَنَاتِ الْأَعْوَجِ لما رأى بدرا تسيل جلاهه ... بكتيبة خضراء مِنْ بَلْخَزْرَج لَا يَنْكُلُونَ إذَا لَقُوا أَعْدَاءَهُمْ ... يَمْشُونَ عَائِدَةَ الطّرِيقِ الْمَنْهَج كَمْ فِيهِمْ مِنْ مَاجِدٍ ذِي مَنْعَةٍ ... بَطَل بِمَهْلَكَةِ الْجَبَانِ الْمُحْرَجِ وَمُسَوّدٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ بِكَفّهِ ... حَمّالَ أَثْقَالِ الدّيَاتِ مُتَوّجٍ زَيْنِ النّدِيّ مُعَاوِدٍ يَوْمَ الْوَغَى ... ضَرْبَ الْكُمَاةِ بِكُلّ أَبْيَضَ سَلْجَج قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ سَلَجج، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابن إسحاق وقال حسان أيضا: فَمَا نَخْشَى بِحَوْلِ اللهِ قَوْمًا ... وَإِنْ كَثُرُوا وَأُجْمِعَتْ الزّحُوفُ إذَا مَا أَلّبُوا جَمْعًا عَلَيْنَا ... كفانا حدّهم ربّ رؤف سَمَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالْعَوَالِي ... سِرَاعًا مَا تُضَعْضِعُنَا الْحُتُوفُ فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِي النّاسِ أَنْكَى ... لمن عادوا إدا لَقِحَتْ كُشُوفٌ وَلَكِنّا تَوَكّلْنَا وَقُلْنَا ... مَآثِرُنَا وَمَعْقِلُنَا السّيُوفُ لَقِينَاهُمْ بِهَا لَمّا سَمَوْنَا ... وَنَحْنُ عِصَابَةٌ وهم ألوف ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، يَهْجُو بَنِي جُمَحَ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ: جَمَحَتْ بَنُو جُمَحٍ لِشِقْوَةِ جَدّهِمْ ... إنّ الذّلِيلَ مُوَكّلٍ بِذَلِيلٍ قُتِلَتْ بَنُو جُمَحٍ بِبَدْرٍ عَنْوَةً ... وَتَخَاذَلُوا سَعْيًا بِكُلّ سَبِيلٍ جَحَدُوا الْكِتَابَ وَكَذّبُوا بِمُحَمّدٍ ... وَاَللهُ يُظْهِرُ دِينَ كُلّ رَسُولٍ لَعَنَ الْإِلَهُ أَبَا خُزَيْمَةَ وَابْنَهُ ... وَالْخَالِدَيْنِ، وَصَاعِدَ بْنَ عَقِيل شِعْرُ عَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي قَطْعِ رِجْلِهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ فى يوم بدر، وفى قطع رجله حين أصيب، فِي مُبَارَزَتِهِ هُوَ وَحَمْزَةُ وَعَلِيّ حِينَ بَارَزُوا عَدُوّهُمْ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بالشعر ينكرها لعبيدة: سَتَبْلُغُ عَنّا أَهْلَ مَكّةَ وَقْعَةٌ ... يَهُبّ لَهَا مَنْ كَانَ عَنْ ذَاكَ نَائِيًا بِعُتْبَة إذْ وَلّى وَشَيْبَةُ بَعْدَهُ ... وَمَا كَانَ فِيهَا بِكْر عُتْبَة رَاضِيًا فَإِنْ تَقْطَعُوا رِجْلِي فَإِنّى مُسْلِمٌ ... أُرَجّي بِهَا عَيْشًا مِنْ اللهِ دَانِيًا مَعَ الْحُورِ أَمْثَالَ التّمَاثِيلِ أُخْلِصَتْ ... مَعَ الْجَنّةِ الْعُلْيَا لِمَنْ كَانَ عَالِيًا وَبِعْتُ بِهَا عَيْشًا تَعَرّقْتُ صَفْوَهُ ... وَعَالَجْتُهُ حَتّى فَقَدْتُ الْأَدَانِيَا فَأَكْرَمَنِي الرّحْمَنُ مِنْ فَضْلِ مَنّهِ ... بِئَوْب مِنْ الْإِسْلَامِ غَطّى الْمُسَاوِيَا وَمَا كَانَ مَكْرُوهًا إلَيّ قِتَالُهُمْ ... غَدَاةَ دَعَا الْأَكْفَاءَ مَنْ كَانَ دَاعِيًا وَلَمْ يَبْغِ إذْ سَالُوا النّبِيّ سَوَاءَنَا ... ثَلَاثَتنَا حَتّى حَضَرْنَا الْمُنَادِيَا لَقِينَاهُمْ كَالْأُسْدِ تَخْطِرُ بِالْقَنَا ... نُقَاتِلُ فِي الرّحْمَنِ مَنْ كَانَ عَاصِيَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَمَا بَرِحَتْ أَقْدَامُنَا مِنْ مَقَامِنَا ... ثَلَاثَتُنَا حَتّى أَزِيرُوا الْمَنَائِيَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَمّا أُصِيبَتْ رِجْلُ عَبِيدَةَ قَالَ: أَمَا وَاَللهِ لَوْ أَدْرَكَ أَبُو طَالِبٍ هَذَا الْيَوْمَ لَعَلِمَ أَنّي أَحَقّ مِنْهُ بِمَا قَالَ حِينَ يَقُولُ: كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ يُبْزَى مُحَمّدٌ ... وَلَمّا نُطَاعِن دُونَهُ وَنُنَاضِلْ ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا وَالْحَلَائِلِ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. رِثَاءُ كَعْبٍ لِعَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا هَلَكَ عَبِيدَة بْنُ الْحَارِثِ مِنْ مُصَابِ رِجْلِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مالك الأنصارىّ يبكيه: أَيَا عَيْنُ جُودِي وَلَا تَبْخَلِي ... بِدَمْعِك حَقّا وَلَا تَنْزُرِي عَلَى سَيّدٍ هَدّنَا هُلْكُهُ ... كَرِيمِ الْمَشَاهِدِ وَالْعُنْصُرِ جَرِيءِ الْمُقَدّمِ شَاكِي السّلَاحِ ... كَرِيمِ النّثَا طَيّبِ الْمَكْسِرِ عَبِيدَة أَمْسَى وَلَا نَرْتَجِيهِ ... لعرف عرنا وَلَا مُنْكِرِ وَقَدْ كَانَ يَحْمَى غَدَاةَ الْقِتَا ... لِ حَامِيَةَ الْجَيْشِ بِالْمُبْتَرِ شِعْرٌ لِكَعْبِ فِي بَدْرٍ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا، فِي يوم بدر: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ فِي نَأْيِ دَارِهَا ... وأخبر شىء بالأمور عليهما بِأَنْ قَدْ رَمَتْنَا عَنْ قِسِيّ عَدَاوَةٍ ... مُعَدّ مَعًا جُهّالُهَا وَحَلِيمُهَا لِأَنّا عَبَدْنَا اللهَ لَمْ نَرْجُ غَيْرَهُ ... رَجَاءَ الْجِنَانِ إذْ أَتَانَا زَعِيمُهَا نَبِيّ لَهُ فِي قَوْمِهِ إرْثُ عِزّةٍ ... وَأَعْرَاقُ صِدْقٍ هَذّبَتْهَا أُرُومُهَا فَسَارُوا وَسِرْنَا فَالْتَقَيْنَا كَأَنّنَا ... أُسُودُ لِقَاءٍ لَا يُرَجّى كَلِيمُهَا ضَرَبْنَاهُمْ حَتّى هَوَى فِي مَكَرّنَا ... لِمَنْخِرِ سَوْءٍ مِنْ لُؤَيّ عَظِيمُهَا فَوَلّوْا وَدُسْنَاهُمْ بِبِيضِ صَوَارِمِ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا حِلْفُهَا وَصَمِيمُهَا وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا: لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا بَنِي لُؤَيّ ... عَلَى زَهْوٍ لَدَيْكُمْ وَانْتِخَاءِ لَمَا حَامَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرٍ ... وَلَا صَبَرُوا بِهِ عِنْدَ اللّقَاءِ وَرَدْنَاهُ بِنُورِ اللهِ يَجْلُو ... دُجَى الظّلْمَاءِ عَنّا وَالْغِطَاءِ رَسُولُ اللهِ يَقْدُمُنَا بِأَمْرٍ ... مِنْ أَمْرِ اللهِ أُحْكِمَ بِالْقَضَاءِ فَمَا ظَفَرَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرِ ... وَمَا رَجَعُوا إلَيْكُمْ بِالسّوَاءِ فَلَا تَعْجَلْ أَبَا سُفْيَانَ وَارْقُبْ ... جِيَادَ الْخَيْلِ تَطْلُعُ مِنْ كَدَاءِ بِنَصْرِ اللهِ رُوحُ القدس فيها ... وميكال، فياطيب الْمَلَاءِ شِعْرُ طَالِبٍ فِي مَدْحِ الرّسُولِ وَبُكَاءِ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، يَمْدَحُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَلَا إنّ عَيْنِي أَنْفَدَتْ دَمْعَهَا سَكْبًا ... تُبَكّي عَلَى كَعْبٍ وَمَا إنْ تَرَى كَعْبَا أَلَا إنّ كَعْبًا فِي الْحُرُوبِ تَخَاذَلُوا ... وَأَرْدَاهُمْ ذَا الدّهْرُ وَاجْتَرَحُوا ذَنْبًا وَعَامِرٌ تَبْكِي لِلْمُلِمّاتِ غُدْوَةً ... فَيَالَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَرَى لَهُمَا قُرْبًا هُمَا أَخَوَايَ لَنْ يُعَدّا لِغَيّةِ ... تُعَدّ وَلَنْ يُسْتَامُ جارهما غصبا فيا أخوبنا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ... فِدًا لَكُمَا لَا تَبْعَثُوا بَيْنَنَا حَرْبًا وَلَا تُصْبِحُوا مِنْ بَعْدِ وُدّ وَأُلْفَةٍ ... أَحَادِيثَ فِيهَا كُلّكُمْ يَشْتَكِي النّكْبَا أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... وَجَيْشِ أبي يكسوم إذ ملئوا الشعبا فلولا دفاع اللهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبًا فَمَا إنْ جَنَيْنَا فِي أَقُرَيْشٌ عظيمة ... سوى أن حمينا خير من وطىء التّرْبَا أَخَا ثِقَةٍ فِي النّائِبَاتِ مُرَزّأً ... كَرِيمًا نَثَاهُ لَا بَخِيلًا وَلَا ذَرْبًا يُطِيفُ بِهِ الْعَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ ... يَؤُمّونَ بَحْرًا لَا نَزُورًا ولا صربا فو الله لَا تَنْفَكّ نَفْسِي حَزِينَةً ... تَمَلْمُلُ حَتّى تَصْدُقُوا الْخَزْرَجَ الضّرْبَا شِعْرُ ضِرَارٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ، يَرْثِي أبا جهل: أَلَا مَنْ لَعَيْنٍ بَاتَتْ اللّيْلَ لَمْ تَنَمْ ... تراقب نجمان فِي سَوَادٍ مِنْ الظّلَمْ كَأَنّ قَذًى فِيهَا وَلَيْسَ بِهَا قَذًى ... سِوَى عَبْرَةٍ مِنْ جَائِلِ الدمع تنسجم فبلغ قريشا أنّ خير ندبّها ... وَأَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي بِسَاقٍ عَلَى قَدَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثَوَى يَوْمَ بَدْرٍ رَهْنَ خَوْصَاءَ رَهْنُهَا ... كَرِيمُ الْمَسَاعِي غَيْرُ وَغْدٍ وَلَا بَرَمْ فَآلَيْتُ لَا تَنْفَكّ عَيْنَيّ بِعَبْرَةٍ ... عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الرّئِيسِ أَبِي الْحَكَمْ عَلَى هَالِكٍ أَشْجَى لُؤَيّ بْنَ غَالِبٍ ... أَتَتْهُ الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يَرِمْ تَرَى كِسَرَ الْخَطّيّ فِي نَحْرِ مُهْرِهِ ... لَدَى بَائِنٍ مِنْ لَحْمِهِ بَيْنَهَا خِذَمْ وَمَا كَانَ لَيْثٌ سَاكِنٌ بَطْنَ بِيشَةٍ ... لَدَى غَلَلٍ يَجْرِي ببطحاء فى أجم بأحرأ مِنْهُ حِينَ تَخْتَلِفُ الْقَنَا ... وَتُدْعَى نَزَالِ فِي الْقَمَاقِمَة الْبُهَمْ فَلَا تَجْزَعُوا آلَ الْمُغِيرَةِ وَاصْبِرُوا ... عليه ومن بجزع عَلَيْهِ فَلَمْ يُلَمْ وَجِدّوا فَإِنّ الْمَوْتَ مَكْرُمَةٌ لَكُمْ ... وَمَا بَعْدَهُ فِي آخِرِ الْعَيْشِ مِنْ نَدَمْ وَقَدْ قُلْتُ إنّ الرّيحَ طَيّبَةٌ لَكُمْ ... وَعِزّ الْمَقَامِ غَيْرُ شَكّ لِذِي فَهَمْ قَالَ ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لِضِرَارٍ. شِعْرُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، يَبْكِي أَخَاهُ أَبَا جَهْلٍ: أَلَا يَا لَهْفَ نَفْسِي بَعْدَ عَمْرٍو ... وَهَلْ يُغْنِي التّلَهّفُ مِنْ قَتِيلِ يُخْبِرُنِي الْمُخَبّرُ أَنّ عَمْرًا ... أمام القوم فى جفر محيل فقد ما كُنْتُ أَحْسِبُ ذَاكَ حَقّا ... وَأَنْتَ لِمَا تَقَدّمَ غير فيل وكنت بنعمة مادمت حيّا ... فقد خلّفت فى درج المسيل كأنى حِينَ أُمْسِي لَا أَرَاهُ ... ضَعِيفُ الْعَقْدِ ذُو هَمّ طَوِيلِ عَلَى عَمْرٍو إذَا أَمْسَيْتُ يَوْمًا ... وَطَرْفٌ مَنْ تَذَكّرِهِ كَلِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر يُنْكِرُهَا لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ؛ وَقَوْلُهُ: «فِي جَفْرٍ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. شِعْرُ ابْنِ الْأَسْوَدِ فى بكاء قتلى بدر قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الأسود بن شعوب الّليثى، وهو شدّاد ابن الْأَسْوَدِ: تُحَيّي بِالسّلَامَةِ أُمّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ فَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الْقَيْنَاتِ وَالشّرْبِ الْكِرَامِ وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الشّيزَى تُكَلّلُ بِالسّنَامِ وَكَمْ لَكِ بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ... مِنْ الْحَوْمَاتِ وَالنّعَمِ الْمُسَامِ وَكَمْ لَكِ بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ... مِنْ الْغَايَاتِ وَالدّسُع الْعِظَامِ وَأَصْحَابِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيّ ... أَخِي الْكَاسِ الْكَرِيمَةِ وَالنّدَامِ وَإِنّك لَوْ رَأَيْت أَبَا عَقِيلٍ ... وَأَصْحَابَ الثّنِيّةِ مِنْ نَعَامِ إذًا لَظَلِلْت مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِمْ ... كَأُمّ السّقْبِ جَائِلَةِ الْمَرَامِ يُخَبّرُنَا الرّسُولُ لَسَوْفَ نَحْيَا ... وَكَيْفَ لِقَاءُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ؟ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ: يُخَبّرُنَا الرّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَام قَالَ: وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ ثم ارتدّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شِعْرُ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ فِي رِثَاءِ قتلى بدر وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ، يَرْثِي مَنْ أُصِيبَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بدر: أَلّا بَكَيْتِ عَلَى الْكِرَا ... مِ بَنِي الْكِرَامِ أُولِي الْمَمَادِحْ كَبُكَا الْحَمَامِ عَلَى فُرُو ... عِ الأيك فى الغصن الجوانح يبكين حرّى مستكينات يَرُحْنَ مَعَ الرّوَائِحْ ... أَمْثَالُهُنّ الْبَاكِيَا تُ الْمُعْوِلَات مِنْ النّوَائِحْ ... مَنْ يَبْكِهِمْ يَبْكِ عَلَى حُزْنٍ ويصدق كلّ مادح ... ماذا ببدر فالعقنقل من مرازبة جحاجح فمدافع البرقين فالح ... نّان من طرف الْأَوَاشِحْ شُمْطٍ وَشُبّانٍ بِهَا ... لَيْلٍ مَغَاوِيرَ وَحَاوِحْ أَلَا تَرَوْنَ لِمَا أَرَى ... وَلَقَدْ أَبَانَ لِكُلّ لَامِحْ أَنْ قَدْ تَغَيّرَ بَطْنُ مَكّةَ فَهِيَ مُوحِشَةُ الْأَبَاطِحْ ... مِنْ كُلّ بِطْرِيقٍ لِبِطْرِيقٍ نَقِيّ الْقَوْنِ وَاضِحْ دُعْمُوص أَبْوَابِ الْمُلُوّ ... كِ وَجَائِبٌ لِلْخَرْقِ فَاتِحْ مِنْ السّرَاطِمَةِ الْخَلَا ... جِمَةِ الْمَلَاوِثَةِ المناجح الفائلين الْفَاعِلِينَ الْآمِرِينَ بِكُلّ صَالِحْ ... الْمُطْعِمِينَ الشّحْمَ فَوْ قَ الْخُبْزِ شَحْمًا كَالْأَنَافِحْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نُقُلُ الْجِفَانِ مَعَ الْجِفَا ... نِ إلَى جِفَانٍ كَالْمَنَاضِحْ لَيْسَتْ بِأَصْفَارٍ لِمَنْ ... يَعْفُو وَلَا رَحّ رَحَارِحْ لِلضّيْفِ ثُمّ الضّيْفِ بَعْدَ ... [الضّيْفِ] وَالْبُسُطِ السّلَاطِحْ وُهُبُ الْمِئيِنَ مِنْ الْمِئيِنَ ... إلَى الْمِئيِنَ مِنْ اللّوَاقِحْ سَوْقُ الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَبّلِ صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ ... لِكِرَامِهِمْ فَوْقَ الْكِرَا مِ مَزِيّةٌ وَزْنَ الرّوَاجِحْ ... كَتَثَاقُلِ الْأَرْطَالِ بِالْقِسْطَاسِ فِي الْأَيْدِي الْمَوَائِحْ خذلتهم فئمة وَهُمْ ... يَحْمُونَ عَوْرَاتِ الْفَضَائِحْ الضّارِبِينَ التّقُدُمِيّةَ بِالْمُهَنّدَةِ الصّفَائِحْ ... وَلَقَدْ عَنَانِي صَوْتُهُمْ مِنْ بَيْنِ مُسْتَسْقٍ وصائح ... لله درّ بنى علىّ أَيّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحْ ... إنْ لَمْ يُغِيرُوا غَارَةً شَعْوَاءَ تُجْحِرُ كُلّ نَابِحْ ... بِالْمُقْرَبَاتِ، الْمُبْعَدَا تِ، الطّامِحَاتِ مَعَ الطّوَامِحْ ... مُرْدًا عَلَى جُرْدٍ إلَى أَسَدٍ مُكَالِبَةٍ كَوَالِحْ ... وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ ... بِزُهَاءِ أَلْفٍ ثُمّ أَلْفٍ بَيْنَ ذِي بَدَنٍ وَرَامِحْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ نَالَ فِيهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَأَنْشَدَنِي غَيْرُ واحد من أهل العلم بالشعر بيته: (م 22- الروض الأنف ج هـ) ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ وَأَنْشَدَنِي أيضا: وهب المئين من المئيين إلَى الْمِئيِنَ مِنْ اللّوَاقِحْ ... سَوْقُ الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَبّلِ صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ، يَبْكِي زَمْعَةَ بْنَ الأسود، وقتلى بنى أسد: عين بكّى بالمسبلات أبا الحارث لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ ... وَابْكِي عَقِيلَ بْنَ أسود أسد البأس ليوم الهياج وَالدّفَعَهْ تِلْكَ بَنُو أَسَدٍ إخْوَةِ الْجَوْ زَاءِ لَا خَانَةٌ وَلَا خَدَعَهْ ... هُمْ الْأُسْرَةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ وَهُمْ ذِرْوَةُ السّنَامِ وَالْقَمَعَهْ أَنْبَتُوا من معاشر شعر الرأس وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ ... أَمْسَى بَنُو عَمّهِمْ إذَا حضر البأس أكبادهم عليهم وَجِعَهْ وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْرُ وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذِهِ الرّوَايَةُ لِهَذَا الشّعْرِ مُخْتَلِطَةٌ، لَيْسَتْ بِصَحِيحَةِ الْبِنَاءِ، لَكِنْ أَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفُ الْأَحْمَرُ وَغَيْرُهُ، رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بَعْضٌ: عَيْنُ بَكّي بِالْمُسْبَلَاتِ أَبَا الْحَا ... رِثِ لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ وَعَقِيلَ بْنَ أَسْوَدَ أَسَدَ الْبَأْ ... سِ لِيَوْمِ الْهِيَاجِ وَالدّفَعَهْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَعَلَى مِثْلِ هُلْكِهِمْ خوت الجو ... زاء، لَا خانة وَلَا خَدَعَهْ وَهُمْ الْأَسِرّةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْ ... بٍ وَفِيهِمْ كَذِرْوَةِ الْقَمَعَهْ أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِرَ شَعَرَ الرّأْ ... سِ وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ فَبَنُو عَمّهُمْ إذَا حَضَرَ الْبَأْ ... سُ عَلَيْهِمْ أَكْبَادُهُمْ وَجِعَهْ وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْ ... رُ وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ شعر أبي أسامة قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو أَسَامّةَ أَيْضًا: أَلَا مِنْ مُبَلّغٌ عَنّي رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً يُثَبّتُهَا لَطِيفُ أَلَمْ تَعْلَمْ مَرَدّي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْك الْكُفُوفُ وَقَدْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صرعى ... كأنّ رؤسهم حَدَجٌ نَقِيفُ وَقَدْ مَالَتْ عَلَيْك بِبَطْنِ بَدْرٍ ... خِلَافَ الْقَوْمِ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ فَنَجّاهُ مِنْ الْغَمَرَاتِ عَزْمِي ... وَعَوْنُ اللهِ وَالْأَمْرُ الْحَصِيفُ وَمُنْقَلَبِي مِنْ الأبواء وجدى ... وَدُونَك جَمْعُ أَعْدَاءٍ وُقُوفُ وَأَنْتَ لِمَنْ أَرَادَك مستكين ... بجنب كراش مكاوم نَزِيفُ وَكُنْتُ إذَا دَعَانِي يَوْمَ كَرْبٍ ... مِنْ الْأَصْحَابِ دَاعٍ مُسْتَضِيفُ فَأَسْمَعَنِي وَلَوْ أَحْبَبْتُ نَفْسِي ... أَخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ حَلِيفُ أَرُدّ فَأَكْشِفُ الْغُمّى وَأَرْمِي ... إذَا كَلَحَ الْمَشَافِرُ وَالْأُنُوفُ وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكَتْ عَلَى يَدَيْهِ ... يَنُوءُ كَأَنّهُ غصن قصيف ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَابْلُغْ مَالِكًا لَمّا غُشِينَا ... وَعِنْدَك مَالٌ إنْ نَبّأْت خُبْرِي وَأَبْلِغْ إنْ بَلَغْت الْمَرْءَ عَنّا ... هُبَيْرَة، وَهُوَ ذُو عِلْمٍ وَقَدْرِ بِأَنّي إذْ دُعِيت إلَى أُفَيْدِ ... كَرَرْت وَلَمْ يَضِقْ بِالْكَرّ صَدْرِي عَشِيّة لَا يُكَرّ عَلَى مُضَافٍ ... وَلَا ذِي نَعْمَةٍ مِنْهُمْ وَصِهْرٍ فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ ... وَدُونك مَالِكًا يَا أُمّ عَمْرٍو فَلَوْلَا مَشْهَدِي قَامَتْ عَلَيْهِ ... مُوَقّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمّ أَجْرِي دَفُوعٌ لِلْقُبُورِ بِمَنْكِبَيْهَا ... كَانَ بِوَجْهِهَا تَحْمِيمَ قَدْرِ فَأُقْسِمُ بِاَلّذِي قَدْ كَانَ رَبّي ... وَأَنْصَابٍ لَدَى الْجَمَرَاتِ مُغْرِ لَسَوْفَ تَرَوْنَ مَا حَسْبِي إذَا مَا ... تَبَدّلَتْ الْجُلُودُ جُلُود نِمْرِ فَمَا إنْ خَادِرٌ مِنْ أُسْدِ تَرْجٍ ... مُدِلّ عَنْبَسٌ فِي الْغِيلِ مُجْرِي فَقَدْ أَحْمَى الْأَبَاءَةَ مِنْ كُلَافٍ ... فَمَا يَدْنُو لَهُ أَحَدٌ بِنَقْرِ بِخَلّ تَعْجِزُ الْحَلْفَاءُ عَنْهُ ... يُوَاثِبُ كُلّ هَجْهَجَةٍ وَزَجْرِ بِأَوْشَكَ سُورَةً مِنّي إذَا مَا ... حَبَوْت لَهُ بِقَرْقَرَةِ وَهَدْرِ بِبَيْضِ كَالْأَسِنّةِ مُرْهَقَاتٍ ... كَأَنّ ظُبَاتِهِنّ جَحِيمُ جَمْرِ وَأَكْلَفَ مُجْنَإِ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ ... وَصَفْرَاءَ الْبُرَايَةِ ذَاتِ أَزْرِ وَأَبْيَض كَالْغَدِيرِ ثَوَى عَلَيْهِ ... عُمَيْرٌ بِالْمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرِ أُرَفّلُ فِي حَمَائِلِهِ وَأَمْشِي ... كَمِشْيَةِ خَادِرٍ لَيْثٍ سِبَطْرِ يَقُولُ لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيّا ... فَقُلْت: لَعَلّهُ تَقْرِيبُ غَدْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَقُلْت أَبَا عَدِيّ لَا تَطُرْ ... وَذَلِكَ إنْ أَطَعْت الْيَوْمَ أَمْرِي كَدَأْبِهِمْ بِفَرْوَةَ إذْ أَتَا ... فَظَلّ يُقَادُ مَكْتُوفًا بِضَفْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ: نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ... كَأَنّ سِرَاعَهُمْ تَيّارُ بَحْرِ وَقَوْلُهُ: مُدَلّ عَنْبَس فِي الْغِيلِ مُجْرِي عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ أَيْضًا: أَلَا مِنْ مُبَلّغٍ عَنّي رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً يُثَبّتُهَا نَطِيفُ أَلَمْ تَعْلَمْ مَرَدّي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْك الْكُفُوفُ وَقَدْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ نَقِيفُ وَقَدْ مَالَتْ عَلَيْك بِبَطْنِ بَدْرٍ ... خِلَافَ الْقَوْمِ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ فَنَجّاهُ مِنْ الْغَمَرَاتِ عَزْمِي ... وَعَوْنُ اللهِ وَالْأَمْرُ الْحَصِيفُ وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ وَجْدِي ... وَدُونَك جَمْعُ أَعْدَاءٍ وُقُوفُ وَأَنْتَ لِمَنْ أَرَادَك مُسْتَكِينٌ ... بِجَنْبِ كُرَاشَ مَكْلُومٌ نَزِيفُ وَكُنْت إذَا دَعَانِي يَوْمَ كَرْبٍ ... مِنْ الْأَصْحَابِ دَاعٍ مُسْتَضِيفُ فَأَسْمِعْنِي وَلَوْ أَحْبَبْت نَفْسِي ... أَخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ حَلِيفُ أَرُدّ فَأَكْشِفُ الْغُمّى وَأَرْمِي ... إذَا كَلَحَ الْمَشَافِرُ وَالْأُنُوفُ وَقِرْنٌ قَدْ تُرِكَتْ عَلَى يَدَيْهِ ... يَنُوءُ كَأَنّهُ غُصْنٌ قَصِيفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دلفت له إذا اخْتَلَطُوا بِحَرّى ... مُسْحْسَحَةٍ لِعَانِدِهَا حَفِيفُ فَذَلِك كَانَ صَنْعِي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَبْلُ أَخُو مُدَارَاةَ عَزُوفُ أَخُوكُمْ فِي السّنِينَ كَمَا عَلِمْتُمْ ... وَحَرْبٍ لَا يَزَالُ لَهَا صَرِيفُ وَمِقْدَامٌ لَكُمْ لَا يَزْدَهِينِي ... جنان اللّيل والأنس اللّفيف أخوض الصّرّة الحمّاء خَوْضًا ... إذَا مَا الْكَلْبُ أَلْجَأَهُ الشّفِيفُ قَالَ ابن هشام: تركت قَصِيدَةً لِأَبِي أُسَامَةَ عَلَى اللّامّ، لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ بَدْرٍ إلّا فِي أَوّلِ بَيْتٍ مِنْهَا وَالثّانِي، كَرَاهِيَةَ الْإِكْثَارِ. شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَة قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة بن ربيعة تبكى أباها يوم بدر: أَعَيْنَيّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ ... عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً ... بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبْ يُذِيقُونَهُ حَدّ أَسْيَافِهِمْ ... يَعُلّونه بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ يَجُرّونَهُ وَعَفِيرُ التّرَابِ ... عَلَى وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ وَكَانَ لَنَا جبلا راسيا ... جميل المراة كثير العشب وأمّا بُرَيّ فَلَمْ أَعْنِهِ ... فَأُوتِيَ مِنْ خَيْرِ مَا يحتسب وقالت هند أيضا: يريب علينا دهرنا فيسوؤنا ... وَيَأْبَى فَمَا نَأْتِي بِشَيْءِ يُغَالِبُهْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَبَعْدَ قَتِيلٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... يُرَاعَ امرو إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَ صَاحِبُهْ أَلَا رُبّ يَوْمٍ قَدْ رُزِئْتُ مُرَزّأً ... تَرُوحُ وَتَغْدُو بِالْجَزِيلِ مُوَاهِبُهُ فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي مَأْلُكًا ... فَإِنْ أَلْقَهُ يَوْمًا فَسَوْفَ أُعَاتِبُهْ فَقَدْ كَانَ حَرْبٌ يسعر الحرب إنّه ... لكلّ امرىء فِي النّاسِ مَوْلًى يُطَالِبُهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا: لِلّهِ عَيْنًا من رأى ملكا كَهُلْكِ رِجَاليهْ ... يَا رُبّ بَاكٍ لِي غَدًا فى النّائبات وباكيه ... كم غادروا يوم القليب غَدَاةَ تِلْكَ الْوَاعِيَهْ مِنْ كُلّ غَيْثٍ فِي السّنين إذَا الْكَوَاكِبُ خَاوِيَهْ ... قَدْ كُنْتُ أُحْذَرُ مَا أَرَى فَالْيَوْمُ حَقّ حَذَارِيَهْ ... قَدْ كُنْت أَحْذَرُ مَا أَرَى فَأَنَا الْغَدَاةُ مُوَامِيَهْ ... يَا رُبّ قَائِلَةٍ غَدًا يَا وَيْحَ أُمّ مُعَاوِيَهْ قَالَ ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لِهِنْدٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا: يَا عَيْنُ بَكّي عُتْبَهْ ... شَيْخًا شَدِيدَ الرّقَبَهْ يُطْعِمُ يَوْمَ الْمَسْغَبَهْ ... يَدْفَعُ يَوْمَ الْمَغْلَبَهْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إنّي عَلَيْهِ حَرِبَهْ ... مَلْهُوفَةٌ مُسْتَلَبَهْ لَنَهْبِطَنّ يَثْرِبَهْ ... بِغَارَةٍ مُنْثَعِبَهْ فِيهَا الْخُيُولُ مُقْرَبَهْ ... كُلّ جَوَادٍ سَلْهَبَهْ شِعْرُ صَفِيّةَ وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ مُسَافِرِ بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. تَبْكِي أَهْلَ الْقَلِيبِ الّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ: (وَتَذْكُرُ مُصَابَهُمْ) : يَا مَنْ لِعَيْنٍ قَذَاهَا عَائِرُ الرّمَدِ ... حَدّ النّهَارِ وَقَرْنُ الشّمْسِ لَمْ يَقِدْ أُخْبِرْتُ أَنّ سَرَاةَ الْأَكْرَمِينَ مَعًا ... قَدْ أَحْرَزَتْهُمْ مَنَايَاهُمْ إلَى أَمَدِ وَفَرّ بِالْقَوْمِ أَصْحَابُ الرّكَابِ وَلَمْ ... تَعْطِفْ غَدَاتَئِذٍ أُمّ عَلَى وَلَدِ قَوْمِي صَفِيّ وَلَا تَنْسَى قَرَابَتَهُمْ ... وَإِنْ بَكَيْتِ فَمَا تَبْكِينَ من بعد كانوا اسقوب سَمَاءِ الْبَيْتِ فَانْقَصَفَتْ ... فَأَصْبَحَ السّمْكُ مِنْهَا غَيْرَ ذِي عَمَدِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهَا: «كَانُوا سُقُوبَ» بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ. قَالَ ابن إسحاق: قالت صفيّة بنت مسافر أيضا: ألا يا من لعين للتّبكّى دَمْعُهَا فَانِ ... كَغَرْبَيْ دَالِجٍ يَسْقَى خِلَالَ الْغَيّثِ الدّانِ ... وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ ذُو أَظَافِيرَ وَأَسْنَانِ ... أبو شبسين وَثّابٌ شَدِيدُ الْبَطْشِ غَرْثَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كحبّى إذ توّلى و ... وجوه القوم أَلْوَانِ وَبِالْكَفّ حُسَامٌ صَا ... رِمٍ أَبْيَضُ ذُكْرَانِ وَأَنْتَ الطّاعِنُ النّجْلَا ... ءِ مِنْهَا مُزْبِدٌ آنِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَرَوْنَ قَوْلَهَا: «وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ» إلَى آخِرِهَا مَفْصُولًا مِنْ الْبَيْتَيْنِ اللّذَيْنِ قَبْلَهُ. شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بن المطّلب ترثى عبيد بن الحارث بن المطّلب: لَقَدْ ضُمّنَ الصّفْرَاءُ مَجْدًا وَسُؤْدُدًا ... وَحِلْمًا أَصِيلًا وَافِرَ اللّبّ وَالْعَقْلِ عُبَيْدَةَ فَابْكِيهِ لِأَضْيَافِ غُرْبَةٍ ... وَأَرْمَلَة تَهْوِي لِأَشْعَثَ كَالْجِذْلِ وَبَكّيهِ لِلْأَقْوَامِ فِي كُلّ شَتْوَةٍ ... إذَا احْمَرّ آفَاقُ السّمَاءِ مِنْ الْمَحْلِ وَبَكّيهِ لِلْأَيْتَامِ وَالرّيحُ زَفْزَةٌ ... وَتَشْبِيبُ قِدْرٍ طالما أزبدت تغلى فان تصبح النّيران قدمات ضوؤها ... فَقَدْ كَانَ يُذْكِيهِنّ بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمُلْتَمِسِ الْقِرَى ... وَمُسْتَنْبَحٍ أَضْحَى لَدَيْهِ عَلَى رَسْلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ. شِعْرُ قُتَيْلَة بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ قُتَيْلَة بِنْتُ الْحَارِثِ أخت النّضر بن الحارث، تبكيه: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يَا رَاكِبًا إنّ الْأَثِيلَ مَظِنّةٌ ... مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفّقُ أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنّ تَحِيّةً ... مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النّجَائِبُ تَخْفِقُ مِنّي إلَيْك وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى نخنق هَلْ يَسْمَعَنّي النّضْرُ إنْ نَادَيْتُهُ ... أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيّتٌ لَا يَنْطِقُ أَمُحَمّدُ يَا خَيْرَ ضَنْءِ كَرِيمَةٍ ... فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرّقُ مَا كَانَ ضُرّك لَوْ مَنَنْتَ وَرُبّمَا ... مَنّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلْيُنْفِقَنْ ... بِأَعَزّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ فَالنّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرّتْ قَرَابَةً ... وَأَحَقّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ ظَلّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... لِلّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشَقّقُ صَبْرًا يُقَادُ إلَى الْمَنِيّةِ مُتْعَبًا ... رَسْفَ الْمُقَيّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوَثّقُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَيُقَالُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا بَلَغَهُ هَذَا الشّعْرُ، قَالَ: لَوْ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْتُ عَلَيْه. تَارِيخُ الْفَرَاغِ مِنْ بَدْرٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ بَدْرٍ فِي عَقِبِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فى شوّال. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِيمَنْ قتل من المشركين يَوْمَ بَدْرٍ الْعَاصِيَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْحَدِيثَ الّذِي أَسْنَدَهُ أَبُو عُبَيْدٍ إلَى سَعْدِ بن أبي وقاص، قال: قتلت يوم بدر العاصى بْنَ سَعِيدٍ وَأَخَذْت سَيْفَهُ ذَا الْكَتِيفَةِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَهْلُ السّيَرِ يَقُولُونَ: قَتَلَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَبَعْضُ أَهْلِ التّفْسِيرِ يَقُولُونَ: قَتَلَهُ أَبُو الْيُسْرِ كعب بن عمرو. وقال أبو عبد اللهِ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَاضِي فِي أَنْسَابِ قُرَيْشٍ لَهُ: وَالْعَاصِي قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا «1» حَدّثَ إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ [وَعُمَرُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ] إذْ مَرّ بِهِ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِي، فَسَلّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنّي وَاَللهِ يَا ابْنَ أَخِي مَا قَتَلْت أَبَاك يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَكِنّي قَتَلْت خَالِي العاصى بن هشام، ومابى أَنْ أَكُونَ أَعْتَذِرُ «2» مِنْ قَتْلِ مُشْرِكٍ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: سعيد بن العاصي: [وَهُوَ يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السّنّ] لَوْ قَتَلْته كُنْت عَلَى الْحَقّ «3» ، وَكَانَ عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ: فَعَجِبَ عُمَرُ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوَى كَفّيْهِ، وَقَالَ: قُرَيْشٌ أَفْضَلُ النّاسِ إسلاما،

_ (1) فى ص 174 كتاب نسب قريش. (2) فى نسب قريش: ومابى أن أعتذر إليك. (3) فى نسب قريش: لعلمت أنك على حق، وهو على باطل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأعظم الناس أمانة «1» ، ومن يرد بقريش سؤا يَكُبّهُ اللهُ لِفِيهِ، وَقَالَ: قَالَ عَمّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: زَعَمُوا أَنّ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْته يَبْحَثُ التّرَابَ كَأَنّهُ ثَوْرٌ، فَصَدَدْت عَنْهُ، وَحَمَلَ لَهُ عَلِيّ فَقَتَلَهُ «2» . السّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ: وَذَكَرَ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ: السّائِبَ بن أبي السائب، واسم أبي السائب صيفي بْنُ عَابِدٍ، وَأَنْكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْ يَكُونَ السّائِبُ قُتِلَ كَافِرًا قَالَ: وَقَدْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ عَنْ ابْنِ الزّبَيْرِ أَنّ السّائِبَ قُتِلَ كَافِرًا يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ اتّبَعَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ إسْحَاقَ، قَالَ: وَقَدْ نَقَضَ الزّبَيْرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: حَدّثَنِي يَحْيَى ابن مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عِكْرِمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ كَعْبٍ عن أبيه كعب مولى سعيد بن العاصى، قال: مَرّ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَمَعَهُ جُنْدُهُ، فَزَحَمُوا السّائِبَ بْنَ صَيْفِيّ بْنِ عَابِدٍ، فَسَقَطَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ فقال: ارفعو الشّيْخَ، فَلَمّا قَامَ قَالَ: مَا هَذَا يَا مُعَاوِيَةُ؟ تَصْرَعُونَنَا «3» حَوْلَ الْبَيْتِ؟! أَمَا وَاَللهِ لَقَدْ أردت أن أتزوج أمّك، فقال

_ (1) فى نسب قريش أنه جعل يقول: أحلام قريش أحلام قريش، ولم يزد. انظر ص 176 كتاب نسب قريش والزيادة منه. (2) فى النسب: فصمد له على فقتله ص 176. (3) فى الإصابة: أجئتنا بأوباش الشام يصرعوننا. وقد ذكر الحافظ فى ترجمته أن أبا داود والنسائى رويا من طريق قائده أنه كان شريك النبى «ص وفى السيرة وفى نسب قريش، وفى الإصابة: صيفى بن عائذ بدلا من عابد كما فى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُعَاوِيَةُ: لَيْتَك فَعَلْت، فَجَاءَتْ بِمِثْلِ أَبِي السّائِبِ، يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ السّائِبِ، وَهَذَا وَاضِحٌ فِي إدْرَاكِهِ الْإِسْلَامَ، وَفِي طُولِ عُمُرِهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: حَدّثَنِي أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ اللّيْثِيّ، قَالَ: حَدّثَنِي أَبُو السّائِبِ يَعْنِي: الْمُنَاجِزَ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ السّائِبِ، قَالَ: كَانَ جَدّي أَبُو السّائِبِ شَرِيكَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نِعْمَ الشّرِيكُ كَانَ أَبُو السّائِبِ، لَا يُشَارِي وَلَا يُمَارِي [وَلَا يُدَارِي] ، وَهَذَا كُلّهُ مِنْ الزّبَيْرِ مُنَاقَضَةٌ فِيمَا ذُكِرَ أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ الّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم- نعم الشّرِيكُ أَبُو السّائِبِ لَا يُشَارِي «1» وَلَا يُمَارِي، كَانَ قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ فِيمَا بَلَغَنَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائب بن عابد «2» بن

_ - الروض ولكن يقول الخشنى: «قال الزبير بن بكار فيما حكى الدار قطنى عنه: كل من كان من ولد عمر بن مخزوم فهو عابد، وكل من كان من ولد عمران بن مخزوم فهو عائذ» وقد ذكر مصعب الزبيرى فى كتاب نسب قريش أن السائب بن أبى السائب قتل كافرا ببدر. ويقول الحافظ فى الإصابة تأويلا لتناقض الزبير «يحتمل أن يكون السائب بن صيفى عنده غير السائب بن أبى السائب» . (1) لا يشارى: المشاراة: الملاجة، وقد شرى واستشرى: إذا لج فى الأمر، وقيل لا يشارى من الشر، أى: لا يشارره فقلبت إحدى الرامين ياء والأول أوجه «ابن الأثير» ويمارى: يجادل. (2) سبق القول عن عابد وعائذ فى نسب صيفى. وفى نسب قريش للصعب الزبيرى أن من عبد الله بن عمر بن مخزوم: عائذا ولم يذكر فيهم من اسمه عابد، ولكن محققه يقول إنه فى الأصل المنقول عنه: عابد ص 299، 333.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ [بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ] مِمّنْ هَاجَرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجِعْرَانَةِ «1» مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا أَوْلَى مَا عُوّلَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنّ الْحَدِيثَ فِيمَنْ كَانَ شَرِيكَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ هَؤُلَاءِ مُضْطَرِبٌ جِدّا، مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الشّرِكَةَ: لِلسّائِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا لِأَبِي السّائِبِ أَبِيهِ، كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ الزّبَيْرِ هَهُنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا لِقَيْسِ بن السّائب [ابن عويمر] ، ومنهم من يجعلها لعبد بن أبى السّائب «2» ، وهذ اضْطِرَابٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجّةٌ وَالسّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ مِنْ الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَمِمّنْ حَسُنَ إسْلَامُهُ. هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عُمَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ حَدّثَنِي بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ طَاهِرٍ الْإِشْبِيلِيّ عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ عَنْهُ، كَذَلِكَ اخْتَلَفَتْ الرّوَايَةُ فى هذ الْكَلَامِ: كَانَ خَيْرَ شَرِيكٍ لَا يُشَارِي وَلَا يُمَارِي، فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ قَوْلِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي السّائِبِ، ومنهم من

_ (1) يقول صاحب المراصد: لا خلاف فى كسر أوله، وأصحاب الحديث يكسرون عينه، ويشدون راءه، وأهل الأدب يخطئونهم، ويسكنون العين، ويخففون الراء، والصحيح أنهما لغتان جيدتان. وينسب البكرى فى معجمه التضعيف العراقيين، والتخفيف للحجازيين. وبه قال الأصمعى وأبو سليمان الخطابى، وهى ماء بين الطائف ومكة، وهى إلى مكة أدنى، وبها قسمت غنائم حنين. (2) لم يذكر المصعب الزبيرى من أولاد السائب من اسمه قيس، ولا من أولاد أبى السائب من اسمه: عبد. ولكن ذكر عبيد الله أبا نهيك، وعبد الله أبا عطاء وهو يقصد: قَيْسُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَائِذِ بن عمران، وسيأتى التصريح بهذا فى الروض ص 333، 343

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَجْعَلُهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي السّائِبِ فِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ: وَذَكَرَ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ: أَوْسَ بْنَ خَوْلِيّ «1» أَحَدَ بَنِي الْحُبْلَى، يُقَالُ: كَانَ مِنْ الْكَمَلَةِ، وَكَانَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ، وَالْخَوْلِيّ فِي اللّغَةِ هُوَ الّذِي يَقُومُ عَلَى الْخَيْلِ، وَيَخْدُمُهَا «2» وَفِي الْخَبَرِ أَنّ جَمِيلًا الْكَلْبِيّ، كَانَ خَوْلِيّا لِمُعَاوِيَةَ، وَفِي هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْيَاءَ فِي الْخَيْلِ أَصْلُهَا الْوَاوُ. أَخُو طَلْحَةَ: وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِمّنْ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ مَالِكَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ. ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُذْعَانَ: وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُذْعَانَ التّيْمِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جُذْعَانَ «3» هُوَ الْجَوَادُ الْمَشْهُورُ صَاحِبُ الْجَفْنَةِ الْعَظِيمَةِ الّتِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْهَا الرّاكِبُ عَلَى الْبَعِيرِ، وَكَانَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستظل بظلّها، ووقع فيها إنسان

_ (1) هكذا ضبطها ابن الأثير فى اللباب، وفى القاموس: أوس بن خولى محركة، وقد تسكن. (2) فى القاموس: الخولى- بسكون الواو- الراعى الحسن القيام على المال، وفى النهاية لابن الأثير: الخولى- بفتح الواو- عند أهل الشام: القيم بأمر الإبل وإصلاحها من التخول والتعهد وحسن الرعاية. (3) هو يذكره بالذال: والصواب بالدال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَغَرِقَ وَمَاتَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوّلِ هَذَا الْكِتَابِ حَدِيثَهُ، وَالسّبَبَ فِي غِنَاهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ صُعْلُوكًا، وَسُؤَالَ عَائِشَةَ عَنْهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ يَنْتَفِعُ بِجُودِهِ أَمْ لَا «1» . حُذَيْفَةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ: وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِيهِمْ أَيْضًا حُذَيْفَةَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَاسْمُ أَبِي حُذَيْفَةَ هَذَا مُهَشّمٌ، وَهُوَ أَخُو هِشَامٍ وَهَاشِمٍ [وَبِهِ كَانَ يُكَنّى] ابْنَيْ الْمُغِيرَةِ، وَهِشَامٌ: وَالِدُ أَبِي جَهْلٍ، وَهَاشِمٌ جَدّ عُمَرَ لِأُمّهِ، وَمُهَشّمٌ هُوَ: أَبُو حُذَيْفَةَ، وَأَمّا أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ فَاسْمُهُ قَيْسٌ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ وَلَا ابْنُ هِشَامٍ، وَإِنّمَا قَالُوا فِيهِ مُهَشّمٌ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ غَلَطٌ، إنّمَا مُهَشّمٌ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ. تَسْمِيَةُ مَنْ أُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يُسَمّ ابْنُ إسْحَاقَ، وَلَا ابْنُ هِشَامٍ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، وَالْحَاجَةُ مَاسّةٌ بقارىء السّيرَةِ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، فَأَوّلُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ الْعَبّاسُ عَمّ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا خَفَاءَ بِإِسْلَامِهِ وَفَضْلِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ إسْلَامِهِ فِي فَصْلٍ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ، وَأَنّ أَبَا الْيُسْرِ كَعْبَ بْنِ عَمْرٍو هُوَ الّذِي أسره،

_ (1) تمام القول: قال: لا. إنه لم يقل يوما: رب اغفرلى خطيئتى. والصعلوك: الفقير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَانَ قَصِيرًا ذَمِيمًا، وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ أَنّهُ قِيلَ لِلْعَبّاسِ: كَيْفَ أَسَرَك أَبُو الْيُسْرِ، وَلَوْ أَخَذْته بِكَفّك لَوَسِعَتْهُ كَفّك، فَقَالَ: مَا هُوَ إلّا أَنْ لَقِيته، فَظَهَرَ فِي عَيْنِي كَالْخَنْدَمَةِ، وَالْخَنْدَمَةُ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ مَكّةَ. عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: وَعَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِمّنْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، أَسْلَمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ «1» ، وَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا يَزِيدَ إنّي أُحِبّك حُبّيْنِ حُبّا لِقَرَابَتِك مِنّي، وَحُبّا لِمَا أَعْلَمُ مِنْ حُبّ عَمّي إيّاكَ «2» ، سَكَنَ عَقِيلٌ الْبَصْرَةَ، وَمَاتَ بِالشّامِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ. رَوَى عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فِي الْوُضُوءِ بِالْمُدّ وَالطّهُورِ بِالصّاعِ «3» ، وَحَدِيثًا آخَرَ أَيْضًا: لَا تَقُولُوا بِالرّفَاءِ وَالْبَنِينَ «4» ، وَقُولُوا بَارَكَ اللهُ لَك، وَبَارَكَ عَلَيْك. وكان أسنّ من جعفر بعشر سنين،

_ (1) ذكر فى الإصابة مع هذا: تأخر إسلامه إلى عام الفتح. (2) رواه الطبرانى مرسلا. وأقول: ما كان لرسول الله أن يحب أحدا إلا لله، فهكذا أمر، وهكذا عاش صلّى الله عليه وسلم يقيم أمر الله سبحانه. (3) رواه ابن ماجة عن محمد بن المؤمل، وعباد بن الوليد. والصاع: مكيال يسع أربعة أمداد، والمد مختلف فيه، فقيل: هو رطل وثلث بالعراقى، وبه يقول الشافعى، وفقهاء الحجاز، وقيل: رطلان، وبه أخذ أبو حنيفة وفقهاء العراق، فيكون الصاع خمسة أرطال، وثلثا أو ثمانية أرطال. (4) الرفاء: الالتئام والاتفاق والبركة والنماء، من قولهم رفأت الثوب رفأ، أو رفوت رفوا، وإنما نهى عنه كراهية لأنه كان من عادتهم، ولهذا سن فيه غيره «النهاية لابن الأثير»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَانَ جَعْفَرٌ أَسَنّ مِنْ عَلِيّ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكَانَ طَالِبٌ أَسَنّ مِنْ عَقِيلٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ «1» . نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ: وَمِنْهُمْ: نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، يُقَالُ: أَسْلَمَ عَامَ الْخَنْدَقِ، وَهَاجَرَ، وَقِيلَ: بَلْ أَسْلَمَ حِينَ أُسِرَ، وَذَلِكَ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: افْدِ نَفْسَك، قَالَ: لَيْسَ لِي مَالٌ أَفْتَدِي بِهِ، قَالَ: افْدِ نَفْسَك بِأَرْمَاحِك الّتِي بِجُدّةِ، قَالَ: وَاَللهِ مَا عَلِمَ أَحَدٌ أَنّ لِي بِجُدّةِ أَرْمَاحًا غَيْرَ اللهِ، أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللهِ «2» وَهُوَ مِمّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْن وَأَعَانَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَيْهَا بِثَلَاثَةِ آلَافِ رُمْحٍ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَأَنّي أَنْظُرُ إلَى أَرْمَاحِك هَذِهِ تَقْصِفُ ظُهُورَ الْمُشْرِكِينَ. مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَصَلّى عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عنهما- «3» . أبو العاصى بن الربيع وغيره: ومنهم أبو العاصى بْنُ الرّبِيعِ صِهْرُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم-

_ (1) هكذا ذكر المصعب فى كتابه نسب قريش ص 39. (2) رواه ابن سعد عن طريق اسحاق بن عبد الله، وفيه أنها كانت ألف رمح. (3) كان أخوه أبو سفيان بن الحارث- كما جاء فى الصحيحين- هو الذى كان يمسك بلجام البغلة البيضاء التى كان يركبها النبى «ص» فى حنين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَهُ مَعَ مَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِهِ، وَذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهِ قَبْلَ هَذَا. وَمِنْهُمْ أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ الْعَبْدَرِيّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اسْمَهُ وَاسْمَ أُمّهِ وَإِخْوَتِهِ، فِي أَوّلِ خَبَرِ بَدْرٍ. وَمِنْهُمْ السّائِبُ بْنُ أبى حبيش بن المطّلب ابن أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ذَاكَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ عَيْبًا، وَمَا أَحَدٌ إلّا وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أَعِيبَهُ بَعْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقد قِيلَ: إنّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَالَهَا عُمَرُ فِي ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ السّائِبِ، وَالسّائِبُ هَذَا هُوَ أَخُو فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ الْمُسْتَحَاضَةِ «1» .

_ (1) بقال استحيضت المرأة، فهى مستحاضة، وهى التى يستمر منها خروج الدم بعد أيام حيضها المعتادة، وفى الصحيحين عن طريق هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قالت: جاءت فاطمة بنت أبى حبيش إلى النبى «ص» فقالت يا رسول الله إنى امرأة أستحاض، فلا أطهر أفادع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك عرق، وليست الحيضة ولكن دعى للصلاة قدر الأيام التى كنت تحيضين، ثم اغتسلى وصلى. أما فى رواية أبى داود فأسماء بنت عميس هى التى قالت لرسول الله «ص» إن فاطمة بنت أبى حبيش استحيضت منذ كذا وكذا ولم تصل، فقال رسول الله «ص» هذا من الشيطان لتجلس فى مركين، فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا، وتغتسل للفجر غسلا وتتوضأ فيما بين ذلك. وهناك له روايات أخرى. والمركن- بكسر الميم- الإجانة التى تغسل فيها الثياب، وأخرج البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجة أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت. رسول الله «ص» عن ذلك، فأمرها أن تغتسل. قالت- أى عائشة- فكانت تغتسل لكل صلاة، ولكن ليس فى الصحيحين ولا أحدهما أن النبى أمرها أن تغتسل لكل صلاة، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ هِشَامٍ، ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ. وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي السّائِبِ، وَاسْمُ أَبِي السّائِبِ: صَيْفِيّ، وَقَدْ تَقَدّمَ قَوْلُ عُمَرَ فِيهِ، وَفِي أَبِيهِ، وَعَنْهُ أَخَذَ أَهْلُ مَكّةَ الْقِرَاءَةَ، وَعَلَيْهِ قَرَأَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ مِنْ قُرّاءِ أَهْلِ مَكّةَ. وَمِنْهُمْ الْمُطّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ الله بن عمر ابن مَخْزُومٍ «1» ، وَبَنُو عُمَرَ بْنُ مَخْزُومٍ ثَلَاثَةٌ: عَبْدُ الْعُزّى، وَعَابِدٌ، وَمِنْ أَهْلِ النّسَبِ مَنْ ذَكَرَ فِيهِمْ عُثْمَانَ بْنَ عُمَرَ، وَبَنُو مَخْزُومٍ ثَلَاثَةٌ: عُمَرُ وَالِدُ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ، وَعِمْرَانُ، وَعَامِرٌ، هَؤُلَاءِ فِيهِمْ الْعَدَدُ، وَيُذْكَرُ فِي بَنِي مَخْزُومٍ أَيْضًا عُمَيْرٌ وَعَمِيرَةُ وَلَمْ يُعْقِبْ عَمِيرَةُ إلّا بِنْتًا اسمها: زينب «2» ، ومن حديث

_ - وفى كتاب مسلم عن الليث: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله «ص» أمر أم حبيبة أن تغتسل لكل صلاة، وإنما هو شىء فعلته هى ولهذا استدل على أن المستحاضة لا يلزمها الغسل لكل صلاة، بقوله فى حديث فاطمه: اغتسلى وصلى (1) أسقط ابن حزم فى الجمهرة ص 132 من نسبه: عبد الله، فقال: ابن عبيد بن عمر بن مخروم. أما فى الإصابة فقال ابن عبيد بن مخزوم، أما فى ترجمه والده عبد الله فذكر ابن عبيد بن عمر بن مخزوم، والبكرى فى ذيل اللآلى يقول: ابن عبيد بن عمر بن مخزوم ص 102. (2) ذكر المصعب الزبيرى أنهم: عبد الله وعبيد وعبد العزى. أما عثمان فجعله ابن عبد الله بن عمر. أما ابن حزم فقال عن أولاد عمر بن مخزوم إنهما عبد الله وعبيد، وجعل عثمان من أولاد عبد الله ص 132 وما بعدها. وذكر المصعب عن أولاد مخزوم أنهم: عمر وعامر وعمران وعميرة، أما فى جمهرة ابن حزم فهم عمرو وعامر وعمران. انظر ص 132 وما بعدها الجمهرة، ص 299 نسب قريش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُطّلِبِ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنّي بِمَنْزِلَةِ السّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنْ الرّأْسِ، وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ «1» . الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: وَمِنْ وَلَدِهِ الْحَكَمُ بن عبد المطلب بن عبد الله بن الْمُطّلِبِ، وَكَانَ أَكْرَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَسْخَاهُمْ، ثُمّ تَزَهّدَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَمَاتَ بِمَنْبِجَ، وَفِيهِ يَقُولُ [عَبَاءَةُ بْنُ عُمَرَ] الرّاتِجِيّ يَرْثِيهِ: سَأَلُوا عَنْ الْجُودِ وَالْمَعْرُوفِ مَا فَعَلَا ... فَقُلْت إنّهُمَا ماتا مع الْحَكَمِ مَاتَا مَعَ الرّجُلِ الْمُوفِي بِذِمّتِهِ ... قَبْلَ السؤال إذا لم يوفّ بالذّمم «2»

_ (1) أخرجه الترمذى عن قتيبة عن ابن أبى فديك عن عبد العزيز بن المطلب ابن حنطب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حنطب أن النبى «ص» رأى أبا بكر وعمر فقال: هذان السمع والبصر، قال الترمذى: هذا مرسل وعبد الله ابن حنطب لم يدرك النبى صلّى الله عليه وسلم، وحوله أقوال أخرى انظرها فى الإصابة فى ترجمة عبد الله بن الحنطب. (2) الراتجى: منسوب إلى راتج من آطام يهود المدينة. وقد لحق الراتجى الدولة العباسية، ومدح معنا. وقوله: سالوا على التسهيل، أو هو لعة، وقبل البيت الأول: ماذا بمنبج لو تنبش مقابرها ... من الهدم بالمعروف والكرم وقد نسب ابن دريد هذه الأبيات إلى ابن هرمة. قال: البكرى: وأظنه الصواب. وقد ترك الحكم المدينة وسكن منبج مرابطا بها. وقال رجل من أهل منبج- وهى فى الروض منيح وهو خطأ- قدم علينا الحكم بن المطلب بن عبد الله ابن المطلب بن حنطب، ولا مال معه فأغنانا كلنا، فقلنا كيف ذاك؟ قال علينا مكار، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الدّار قطنىّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَضَرْت وَفَاةَ الحكم بن عبد المطلب بن عبد الله بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ، فَأَصَابَتْهُ مِنْ الْمَوْتِ شِدّةٌ، فَقَالَ قَائِلٌ فِي الْبَيْتِ: اللهُمّ هَوّنْ عَلَيْهِ الْمَوْتَ، فَقَدْ كَانَ، وَقَدْ كَانَ، يُثْنِي عَلَيْهِ فَأَفَاقَ الْحَكَمُ، فَقَالَ: مَنْ الْمُتَكَلّمُ؟ فَقَالَ الرّجُلُ: أَنَا، فَقَالَ الْحَكَمُ: يَقُولُ، لَك مَلَكُ الْمَوْتِ أَنَا بِكُلّ سَخِيّ رَفِيقٌ، ثُمّ كَأَنّمَا كَانَتْ فَتِيلَةً فَطُفِئَتْ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا، وَحِين سُجِنَ الْحَكَمُ فِي وِلَايَةٍ وَلِيَهَا، قَالَ فِيهِ شَاعِرٌ: خَلِيلِيّ إنّ الْجُودَ فِي السّجْنِ فَابْكِيَا ... عَلَى الْجُودِ إذْ سُدّتْ عَلَيْهِ مَرَافِقُهْ فِي أَبْيَاتٍ، فَأَعْطَى قَائِلَ هَذَا الشّعْرِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. مِنْ الّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ: وَمِنْهُمْ: أَبُو وَدَاعَةَ الْحَارِثُ بْنُ صُبَيْرَةَ «1» بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ أَسْلَمَ هُوَ وَابْنُهُ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ.

_ - الأخلاق، فعاد غنينا على فقيرنا فغنينا كلنا ص 216 ذيل الأمالى والنوادر للقالى، ص 102 ح 3، سمط اللآلى للبكرى وكلاهما يذكره: الحكم بن المطلب. ونقلت اسم الراتجى من المصدر السابق للبكرى. والتعبير بتزهد غير لائق، لأن القرآن لم يستعمل الزهد إلا فى مضى التحقير. (1) هكذا ضبطها الحافظ فى الإصابة فى ترجمة عبد الله بن أبى وداعة فقال صبيرة بمهملة ثم موحدة مصغرا. وقال عنه ابن دريد: ضبيرة والزبيرى: صبيرة، وقد سبق ما نقله السهيلى عن الخطابى، وظن الزبيرى فى شرح القاموس أن ضبيرة هو الصواب فلم يثبت غيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمِنْهُمْ الْحَجّاجُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ، وَلَمْ يُوَافِقْ الْوَاقِدِيّ وَلَا غَيْرُهُ لِابْنِ إسْحَاقَ عَلَى قَوْلِهِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ، وَقَالُوا: إنّمَا هُوَ سَعْدٌ، وَقَدْ تَقَدّمَ هَذَا، وَأَحْسَبُ ذِكْرَ الْحَجّاجِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهْمًا فَإِنّهُ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ أُحُدٍ، فَكَيْفَ يُعَدّ فِي أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيّ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَقُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَمِنْهُمْ: وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ الْجُمَحِيّ أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ جَاءَ أَبُو عُمَيْرٍ فِي فِدَائِهِ فَأَسْلَمَا جَمِيعًا، وَقَدْ ذَكَرَ خَبَرَ إسْلَامِهِ ابْنُ إسْحَاقَ قَبْلَ هَذَا. وَمِنْهُمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَسْلَمَ وَمَاتَ بِالشّامِ شَهِيدًا، وَهُوَ خَطِيبُ قُرَيْشٍ، وَأَخْبَارُهُ مَشْهُورَةٌ فِي السّيرَةِ وَغَيْرِهَا. وَمِنْهُمْ: عَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ أَخُو سَوْدَةَ بِنْتِ زَمَعَةَ أَسْلَمَ، وَهُوَ الّذِي خَاصَمَهُ سَعْدٌ فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ، وَاسْمُ الِابْنِ الْمُخَاصَمُ فِيهِ: عَبْدُ الرّحْمَنِ، وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ لَك يا عبد بن زمعة «1» .

_ (1) روى الجماعة إلا الترمذى عن عائشة رضى عنها قالت: «اختصم سعد بن أبى وقاص وعبد بن زمعة فى غلام، فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخى عتبة ابن أبى وقاص، عهد إلى أنه ابنه، انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخى يا رسول الله. ولد على فراش أبى من وليدته. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فرأى شبها بينا بعتبة، فقال: هو لك يا عبد بن زمعة. الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحنجى منه يا سودة، فلم تره سودة قط» وفى رواية أبى داود ورواية للبخارى: هو أخوك يا عبد. وله الحجر: أى الخيبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ السّائِبِ [بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ] الْمَخْزُومِيّ، إلَيْهِ كَانَ وَلَاءُ مُجَاهِدِ بْنِ جُبَيْرٍ، الْقَارِي، وَيُقَالُ: فيه مجاهد ابن جَبْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ، وَكَانَ مُجَاهِدٌ يقول: فى مولاى قيس ابن السّائِبِ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَأَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَهُوَ الّذِي قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْجَاهِلِيّةِ شَرِيكِي، فَكَانَ خَيْرَ شَرِيكٍ لَا يُشَارِينِي وَلَا يُمَارِينِي «1» ، وَقِيلَ: إنّ أَبَاهُ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَتَقَدّمَ الِاضْطِرَابُ فِي ذَلِكَ وَالِاخْتِلَافُ، وَقَوْلُهُ: يُشَارِينِي مِنْ شَرِيَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمْ إذَا تَغَاضَبُوا. وَمِنْهُمْ نِسْطَاسٌ مَوْلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ «2» ، يُقَالُ: إنّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ أُحُدٍ،

_ (1) أخرجه ابن سعد من طريق موسى بن أبى كثير عن مجاهد. ورواية البغوى: قال مجاهد: سمعت ابن قيس بن السائب يقول: إن شهر رمضان يفتديه الإنسان، يطعم فيه كل يوم مسكينا، فأطعموا عنى مسكينا كل يوم صاعا قال قيس: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شريكى فى الجاهلية، فكان خير شريك لا يمارى، ولا يشارى، وأخرجه الدولابى لكنه قال: أبو قيس ابن السائب.. وحول هذا خلاف كبير. وقد تقدم فى الكلام عن أبى السائب (2) فى الإصابة أنه كان مولى أبى بن خلف. يقول ابن دريد فى الاشتقاق عن فران: وهو فعلان من قولهم: فررت الفرس وغيره من الدواب: إذا فتحت فاه لتعرف سنه ص 550، وهم بنو بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ وفران هو ابن بلى، وفران فى الاشتقاق والجمهرة لابن حزم بتشديد الراء، وعنهم يقول ابن حزم «ودار بلى بالأندلس: الموضع المعروف باعهم بشمال قرطبة وهم هنالك إلى اليوم على أنسابهم لا يحسنون الكلام باللطينية لكن بالعربية فقط نساؤهم ورجالهم، ويقرون الضيف، ولا يأكلون أليه الشاة إلى اليوم» ص 415

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَانَ يُحَدّثُ عَنْ انْهِزَامِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَدُخُولِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ فِي الْقُبّةِ وَهُرُوبِ صَفْوَانَ بِخَبَرِ عَجِيبٍ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأُسَارَى الّذِينَ أُسِرُوا يَوْمَ بَدْرٍ. مِمّنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ الْأُسَارَى: وَذَكَرَ فِيمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرٍ الْأَسَدِيّ، وَالْمَعْرُوفُ فِيهِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ حُمَيْدٍ، كَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَأَبُو عُمَرَ، وَالْكَلَابَاذِيّ أَبُو نَصْرٍ، وَهُوَ مَوْلَى حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي نَسَبِ بَلِيّ بْنِ فَارَانَ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنّهُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ النّسَبِ فَرّانٍ بِغَيْرِ أَلِفٍ غَيْرَ أَنّ مِنْهُمْ مَنْ يُشَدّدُ الرّاءَ، وَهُوَ ابْنُ دُرَيْدٍ، وَقَالَ: هُوَ فَعْلَانُ مِنْ الْفِرَارِ «1» . تَارِيخُ وَفَاةِ رُقَيّةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي السّيرَةِ تَخَلّفَ عُثْمَانَ عَلَى امْرَأَتِهِ رُقَيّةَ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، كَانَ مَوْتُهَا يَوْمَ قَدِمَ زيد ابن حَارِثَةَ بَشِيرًا بِوَقْعَةِ بَدْرٍ، وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِي وَفَاةِ رُقَيّةَ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ فِي التّارِيخِ حَدِيثَ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهِدَ دَفْنَ بِنْتِهِ رُقَيّةَ، وَقَعَدَ عَلَى قَبْرِهَا، وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ أَيّكُمْ لم يقارف

_ (1) رواه فى باب الجنائز عن عبد الله بن محمد، وعن محمد بن سنان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللّيْلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي قَبْرِهَا، ثُمّ أَنْكَرَ الْبُخَارِيّ هَذِهِ الرّوَايَةَ، وَخَرّجَهُ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ أَنَسٍ شَهِدْنَا دَفْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يُسَمّ رُقَيّةَ وَلَا غَيْرَهَا «1» وَرَوَاهُ الطّبَرِيّ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ أَنَسٍ شَهِدْنَا دَفْنَ أُمّ كُلْثُومٍ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَبَيّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ كُلّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ، وَمَنْ قَالَ: كَانَتْ رُقَيّةَ، فَقَدْ وَهِمَ بِلَا شَكّ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: أَيّكُمْ يُقَارِفُ اللّيْلَةَ، فَقَالَ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ، يَعْنِي: الذّنْبَ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ، وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوْلَى بِهَذَا «2» ، وَإِنّمَا أَرَادَ أَيّكُمْ لَمْ يُقَارِفْ أَهْلَهُ، وَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُهُ بِهَذَا اللّفْظِ، قَالَ ابْنُ بَطّالٍ: أَرَادَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَحْرِمَ عُثْمَانَ النّزُولَ فِي قَبْرِهَا، وَقَدْ كَانَ أَحَقّ النّاسِ بِذَلِكَ، لِأَنّهُ كَانَ بَعْلَهَا، وَفَقَدَ مِنْهَا عِلْقًا

_ (1) ذكره البخارى فى باب من يدخل قبر المرأة تعليقا، ووصله الإسماعيلى وكذا قال شريح بن النعمان فليح أخرجه أحمد عنه، وقد روى الواقدى الحديث عن طليح بن سليمان، وفيه أنها أم كلثوم، وأخرجه ابن سعد فى الطبقات فى ترجمة أم كلثوم، وكذا الدولابى فى الذرية الطاهرة والطحاوى من هذا الوجه، ورواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، فسماها رقية، كما روى أحمد، وكذا أخرجه البخارى: ما أدرى ما هذا، فإن رقية ماتت، والنبى ببدر لم يشهدها!! قال الحافظ: وهم حماد فى تسميتها فقط، ويؤيد أنها أم كلثوم ما رواه ابن سعد أيضا فى ترجمة أم كلثوم من طريق عمرة بنت عبد الرحمن، قالت: نزل فى حفرتها أبو طلحة. (2) جزم ابن حزم بأن المقصود من يقارف: يجامع، ثم معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله «ص» بأنه لم يذنب تلك الليلة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَا عِوَضَ مِنْهُ، لِأَنّهُ حِينَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَيّكُمْ لَمْ يُقَارِفْ اللّيْلَةَ أَهْلَهُ سَكَتَ عُثْمَانُ، وَلَمْ يَقُلْ: أَنَا، لِأَنّهُ كَانَ قَدْ قَارَفَ لَيْلَةَ مَاتَتْ بَعْضَ نِسَائِهِ، وَلَمْ يَشْغَلْهُ الْهَمّ بِالْمُصِيبَةِ، وَانْقِطَاعِ صِهْرِهِ مِنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُقَارَفَةِ، فَحُرِمَ بِذَلِكَ مَا كَانَ حَقّا لَهُ، وَكَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا بَيّنٌ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَلَعَلّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ عَلِمَ ذَلِكَ بِالْوَحْيِ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا، لِأَنّهُ فَعَلَ فِعْلًا حَلَالًا، غَيْرَ أَنّ الْمُصِيبَةَ لَمْ تَبْلُغْ مِنْهُ مَبْلَغًا يَشْغَلُهُ حَتّى حُرِمَ مَا حُرِمَ مِنْ ذَلِكَ بِتَعْرِيضِ غَيْرِ تَصْرِيحٍ وَاَللهُ أَعْلَمُ «1» . أَشْعَارُ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ قَدّمْنَا فِي آخِرِ حَدِيثِ الْهِجْرَةِ: أَنّا لَا نَعْرِضُ لِشَرْحِ شَيْءٍ مِنْ الشّعْرِ الّذِي هُجِيَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَنَالَ فِيهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكُونَ إلّا شِعْرًا أَسْلَمَ صَاحِبُهُ، وَتَكَلّمْنَا هُنَالِكَ عَلَى مَا قِيلَ فِي تِلْكَ الْأَشْعَارِ، وَذَكَرْنَا قَوْلَ من طعن على ابْنِ إسْحَاقَ بِسَبَبِهَا هُنَالِكَ وَبَيّنّا الْحَقّ وَالْحَمْدُ لِلّهِ. الشّعْرُ الْمَنْسُوبُ إلَى حَمْزَةَ: الشّعْرُ الْمَنْسُوبُ إلَى حَمْزَةَ فِيهِ: وَمَا ذَاكَ إلّا أَنّ قوما أفادهم

_ (1) هناك من يقول: إن مرض المرأة كان قد طال، واحتاج عثمان إلى الوقاع، ولم يكن يظن موتها تلك الليلة، وليس فى الخبر ما يقتضى أنه واقع بعد موتها بل، ولا حين احتضارها، وما ذكره السهيلى هو رأى ابن حبيب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَفَادَهُمْ: أَهْلَكَهُمْ، يُقَالُ: فَادَ الرّجُلُ وَفَاظَ، وَفَطَسَ، وَفَازَ، وَفَوّزَ إذَا هَلَكَ، وَلَا يُقَالُ: فَاضَ بالضا، وَلَا يُقَالُ: فَاظَتْ نَفْسُهُ إلّا فِي لُغَةِ بَنِي ضَبّةَ بْنِ أُدّ. وَقَوْلُهُ: تَوَاصٍ هُوَ تَفَاعُلٌ مِنْ الْوَصِيّةِ، وَهُوَ الْفَاعِلُ بِأَفَادَهُمْ. وَفِيهِ يُجَرْجَمُ فِي الْجَفْرِ. الْجَفْرُ كُلّ بِئْرٍ لَمْ تُطْوَ، وَمِثْلُهَا: الْجَفْرَةُ، وَيُجَرْجَمُ: يُجْعَلُ بَعْضُهُ عَلَى بعض «1» . شعر على: وَقَالَ فِي الشّعْرِ الّذِي يُعْزَى إلَى عَلِيّ: بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا يُقَالُ عَصَيْت بِالسّيْفِ وَعَصَوْت بِالْعَصَا «2» ، فَإِذَا أَخْبَرْت عَنْ جَمَاعَةٍ قُلْت عَصُوا بِضَمّ الصّادِ؛ كَمَا يُقَالُ عَمُوا، وَمِنْ الْعَصَا تَقُولُ: عَصَوْا، كَمَا تَقُولُ غَزَوْا. وَقَوْلُهُ: مُسَلّبَةً، أَيْ قَدْ لَبِسَتْ السّلَابَ، وَهِيَ خرقة سوداء تلبسها الثّكلى. قال لبيد:

_ (1) هى فى السيرة: تجرجم بحذف إحدى التاءين وأصله تتجرجم ومعناه كما عند أبى ذر: تسقط، ويروى بضم التاء على البناء للمجهول، ومعناه تصرع. ومن معانى القصيدة أيضا: تقرعن معناه: علون. الذوائب: المقصود: الأعالى. خاص: غدر. النسر: القهر والغلبة. تورطوا: وقعوا فى هلكة. المسدمة: الفحول من الإبل، والزهر: البيض والمازق: الموضع الضيق فى الحرب. (2) فى القاموس وشرح أبى ذر يجوز العكس. والبيض الخفاف: السيوف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَإِنّنِي مُلَاعِبُ الرّمَاحِ ... وَمِدْرَهَ الْكَتِيبَةَ الرّدَاحِ يَضْرِبْنَ حُرّ أَوْجُهٍ صِحَاحٍ ... فِي السّلُبِ السّودِ وَفِي الْأَمْسَاحِ فَالسّلُبُ: جَمْعُ سِلَابٍ. حَوْلَ شِعْرِ حَسّانٍ: وَفِي شِعْرِ حَسّانٍ: تَبَلَتْ فُؤَادَك فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْمَنَامِ النّوْمَ، وَمَوْضِعَ النّوْمِ، وَوَقْتَ النّوْمِ، لِأَنّ مَفْعَلًا يَصْلُحُ فِي هَذَا كُلّهِ فِي ذَوَاتِ الْوَاوِ، وَقَدْ تُسَمّى الْعَيْنُ أَيْضًا مَنَامًا، لِأَنّهَا مَوْضِعُ النّوْمِ، وَعَلَيْهِ تُؤُوّلَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا أَيْ فِي عَيْنِك، وَيُقَوّيهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ. الْفَرْقُ بَيْنَ مَفْعَلٍ وَفَعْلٍ وَلَا فَرْقَ عِنْدَ النحريين بَيْنَ مَفْعَلٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَفَعْلٍ، نَحْوَ مَضْرَبٍ وَضَرْبٍ، وَمَنَامٍ وَنَوْمٍ، وَكَذَلِكَ هُمَا فِي التّعْدِيَةِ سَوَاءٌ، نَحْوَ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَمَضْرَبُ زَيْدٌ عَمْرًا، وَأَمّا فِي حُكْمِ الْبَلَاغَةِ وَالْعِلْمِ بِجَوْهَرِ الْكَلَامِ، فَلَا سَوَاءَ، فَإِنّ الْمَصْدَرَ إذَا حَدّدْته قُلْت ضَرْبَةً وَنَوْمَةً، وَلَا يُقَالُ: مَضْرَبَةً وَلَا مَنَامَةً، فَهَذَا فَرْقٌ، وَفَرْقٌ آخَرُ تَقُولُ: مَا أَنْتَ إلّا نَوْمٌ وَإِلّا سَيْرٌ إذَا قَصَدْت التّوْكِيدَ، وَلَا يَجُوزُ: مَا أَنْتَ إلّا مَنَامٌ وَإِلّا مَسِيرٌ، وَمِنْ جِهَةِ النّظَرِ أَنّ الميم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم تزد إلا لمعنى زائد كلزوائد الْأَرْبَعِ فِي الْمُضَارِعِ، وَعَلَى مَا قَالُوهُ، تَكُونُ زَائِدَةً لِغَيْرِ مَعْنًى. فَإِنْ قُلْت: فَمَا ذَاكَ الْمَعْنَى الّذِي تُعْطِيهِ الْمِيمُ؟ قُلْنَا: الْحَدَثُ يَتَضَمّنُ زَمَانًا وَمَكَانًا وَحَالًا، فَالْمَذْهَبُ عِبَارَةٌ عَنْ الزّمَانِ الّذِي فِيهِ الذّهَابُ، وَعَنْ الْمَكَانِ أَيْضًا، فَهُوَ يُعْطِي مَعْنَى الْحَدَثِ وَشَيْئًا زَائِدًا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَدْت الْحَدَثَ مَقْرُونًا بِالْحَالَةِ وَالْهَيْئَةِ الّتِي يَقَعُ عَلَيْهَا، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ فَأَحَالَ عَلَى التّفَكّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمُسْتَمِرّةِ عَلَى الْبَشَرِ، ثُمّ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ وَلَمْ يَقُلْ مَنَامٌ لِخُلُوّ هَذَا الْمَوْطِنِ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ، وَتَعَرّيه مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الزّائِدِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ جَوْهَرَ الْكَلَامِ لَمْ يَعْرِفْ إعْجَازَ الْقُرْآنِ. عَوْدٌ إلَى شِعْرِ حَسّانٍ: وَفِي هَذَا الشّعْرِ: بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمّ كَأَنّهُ قَطَنُهَا: ثَبَجُهَا وَوَسَطُهَا «1» ، وَأَجَمّ أى: لا عظام فيه.

_ (1) عند الخشنى: القطن: ما بين الوركين إلى الظهر، وأجم ممتلىء باللحم، والبوص فى قصيدة حسان: الردف، ومتنضد: علا بعضه بعضا. ونفج: مرتفعة ولحم قيبة: ما يجعله الراكب وراءه فاستعاره هاهنا لردف المرأة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: كَأَنّهُ فُضُلًا، نُصِبَ فُضُلًا عَلَى الْحَالِ، أى: كأن قطنها إذَا كَانَتْ فُضُلًا، فَهُوَ حَالٌ مِنْ الْهَاءِ فِي: كَأَنّهُ، وَإِنْ كَانَ الْفَضْلُ مِنْ صِفَةِ الْمَرْأَةِ لَا مِنْ صِفَةِ الْقَطَنِ، وَلَكِنْ لَمّا كَانَ الْقَطَنُ بَعْضَهَا صَارَ كَأَنّهُ حَالٌ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الضّمِيرِ فِي قَعَدَتْ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَعْمَلَ مَا بَعْدَ إذَا فِيمَا قَبْلَهَا، وَالْفُضُلُ مِنْ النّسَاءِ وَالرّجَالِ: الْمُتَوَشّحُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَالْمَدَاكُ صَلَاءَةُ الطّيبِ «1» ، وَهُوَ مَفْعَلٌ مِنْ دُكْت أَدُوكُ، إذَا دَقَقْت، وَمِنْهُ الدّوْكَةُ وَالدّوكَةُ «2» . وَقَوْلُهُ: مَرّ الدّمُوكِ يُقَالُ: دَمَكَهُ دَمْكًا، إذَا طَحَنَهُ طَحْنًا سَرِيعًا، وَبَكَرَةٌ دَمُوكٌ، أَيْ: سَرِيعَةُ الْمَرّ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا: رَحَى دَمُوكٌ، وَالْمُحْصَدُ الْحَبْلُ الْمُحْكَمُ الْفَتْلُ، وَالرّجَامُ: وَاحِدُ الرّجَامَيْنِ، وَهُمَا الْخَشَبَتَانِ اللّتَانِ تُلْقَى عَلَيْهِمَا الْبَكَرَةُ، وَالرّجَامُ أَيْضًا: جَمْعُ رُجْمَةٍ، وَهِيَ حِجَارَةٌ مُجْتَمِعَةٌ، جَمْعُ رَجَمٍ وَهُوَ الْقَبْرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي الطّيّب: تمتّع من رفاد أَوْ سُهَادٍ ... وَلَا تَأْمَلْ كَرًى تَحْتَ الرّجَامِ فَإِنّ لِثَالِثِ الْحَالَيْنِ مَعْنًى ... سِوَى مَعْنَى انْتِبَاهِك وَالْمَنَامِ وَارْقَدّتْ «3» : أَسْرَعَتْ، وَمَصْدَرُهُ: ارْقِدَادٌ، وَكَذَلِكَ ارْمَدّتْ،

_ (1) يعنى الحجر الذى يسحق عليه الطيب. (2) الدوكة بفتح الدال: يقال: وقعوا فى دوكة: شر وخصومة. والدوكة بالضم: المرض، ووقعوا فى دوكة: شر وخصومة. (3) فى السيرة: وارمدت ويقول الخشنى فى شرحه للسيرة وارمدت-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَافْعَلّ فِي غَيْرِ الْأَلْوَانِ وَالْخُلُقِ عَزِيزٌ، وَأَمّا انْقَضّ فَلَيْسَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ، لِأَنّك تَقُولُ فِي مَعْنَاهُ تَقَضّضَ الْبِنَاءُ، فَالْقَافُ: فَاءُ الْفِعْلِ، وكذلك تقضّى البازى، لأنه منه، وَغَلِطَ الْفَسَوِيّ فِي الْإِيضَاحِ، فَجَعَلَ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضّ مِنْ بَابِ احْمَرّ، وَإِنّمَا هُوَ مِنْ بَابِ انْقَدّ وَانْجَرّ وَالنّونُ زَائِدَةٌ، وَوَزْنُهُ: انْفَعَلَ، وَكَذَلِكَ غَلِطَ الْقَالِي فِي النّوَادِرِ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ: وَجَرْيُهَا انْثِرَارٌ أَنّهُ افْعِلَالٌ مِنْ النّثْرِ، كَمَا قَالَ الْفَسَوِيّ فِي الِانْقِضَاضِ، وَإِنّمَا هُوَ انْفِعَالٌ مِنْ عَيْنٍ ثَرّةٍ أَيْ كَثِيرَةِ الْمَاءِ. وَدُسْنَهُ بِحَوَامّ يَعْنِي: الْحَوَافِرَ، وَمَا حَوْلَ الْحَوَافِرِ، يُقَالُ الْحَامِيَةُ، وَجَمْعُهُ حَوَامّ. حَوْلَ شِعْرِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: وَقَوْلِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: حَتّى عَلَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِد يَعْنِي: الدّمَ، وَمُزْبِدٌ، قَدْ عَلَاهُ الزّبَدُ. وَقَوْلُهُ: وَالْأَحِبّةُ فِيهُمُ: يَعْنِي مَنْ قُتِلَ أَوْ أُسِرَ: مِنْ رَهْطِهِ وَإِخْوَتِهِ. عَوْدٌ إلَى حَسّانٍ: وَقَوْلُ حَسّانٍ: بِكَتِيبَةِ خَضْرَاءَ من بلخزرج:

_ - وارقدت معناهما جميعا: أسرعت، وقال بعض اللغويين: الارقداد: السرعة عند نفور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْعَرَبُ تَجْعَلُ الْأَسْوَدَ أَخْضَرَ، فَتَقُولُ: لَيْلٌ أَخْضَرُ كَمَا قَالَ [ذُو الرّمّةِ: قَدْ أَعْسَفَ النّازِحُ الْمَجْهُولُ مَعْسَفُهُ ... فِي ظِلّ أَخْضَرَ يَدْعُو هَامَةَ الْبُومِ وَتُسَمّي الْأَخْضَرَ أَسْوَدَ، إذَا اشْتَدّتْ خُضْرَتُهُ، وفى التنزيل: (مدهامّتان) ، قال أهل التأويل: سود اوان مِنْ شِدّةِ الْخُضْرَةِ. وَقَوْلُهُ: بِكُلّ أَبْيَضَ سَلْجَجِ، هو السيف الماضى الذى يقطع الضريبة بسهولة، ومنه الْمَثَلُ: الْأَخْذُ سَلَجَانَ وَالْقَضَاءُ لِيّانْ «1» ، أَيْ الْأَخْذُ سَهْلٌ يَسُوغُ فِي الْحَلْقِ بِلَا عُسْرٍ، كَمَا قَالُوا: الْأَخْذُ سُرّيْطٌ [وَسُرّيْطَى] وَالْقَضَاءُ ضُرّيْطٌ [وَضُرّيْطَى] «2» فَسُرّيْطٌ مِنْ سَرِطْت الشّيْءَ إذَا بَلَعْته سَهْلًا، فَسَلْجَجُ مِنْ هَذَا، إلّا أَنّهُمْ ضَاعَفُوا الْجِيمَ، كَمَا ضَاعَفُوا الدّالَ مِنْ مَهْدَدِ «3» ، وَلَمْ يُدْغِمُوا إلّا أنهم ألحقوه بجعفر.

_ (1) السلجان: الأكل السريع، ويروى: الأكل مكان الأخذ. ويقال فيمن يحب أن يأخذ، ويكره أن يرد، أى إذا أخذ الرجل الدين أكله فإذا أراد صاحب الدين حقه، لواه به، أى مطله (2) وقالوا سريطى، وضريطى بضم الحرف الأول وتشديد الثانى مع فتحه، وفتح الطاء فى الكلمتين، أى: يأخذ الدين، فيسترطه، فاذا استقضاه غريمه أضرط به، و: امثله لأخذ سرطان، والقضاء ليان. وقد ضبط ليان فى باب سلح بكسر اللام، وهنا بفتحها، وقال إنها بالضبطين فى مادة لوى أى بفتح اللام وكسرها. وبعض العرب يقول: الأخذ سريطاء، بضم ففتح فسكون، والقضاء ضريطاء. بنفس ضبط سريطاء. وقال بعض الأعراب: الأخذ سربطى بكسر فتشديد مع كسر وفتح الطاء، والقضاء ضريطى بضبط سريطى: (3) سبق بسط القول عن مهدد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: بَلْخَزْرَجِ، أَرَادَ: بَنِي الْخَزْرَجِ، فَحَذَفَ النّونَ لِأَنّهَا مِنْ مَخْرَجِ اللّامِ، وَهُمْ يَحْذِفُونَ اللّامَ فِي مِثْلِ، عَلْمَاءِ وَظِلْتُ «1» ، كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ اللّامَيْنِ، وَكَذَلِكَ أَحَسْتُ كَرَاهِيَةَ التّضْعِيفِ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تَرِبَتْ يَمِينُك وَأُلْتِ، أَرَادَتْ: أُلِلْتِ، أَيْ طُعِنْت «2» مِنْ قَوْلِهِمْ: مَالُهُ أُلّ وَغُلّ، وَيُرْوَى: أُلّتْ فَتَكُونُ التّاءُ عَلَمًا لِلتّأْنِيثِ، أَيْ أُلّتْ يَدُك، وَعِنْدَنَا فِيهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ، وَهِيَ تَرِبَتْ يَدَاك وَأُلّتِ بِكَسْرِ التّاءِ وَتَشْدِيدِ اللّامِ وَهِيَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ فِي رَدَدْتِ رَدّتْ فَيُدْغِمُ مَعَ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ، وَهِيَ لُغَةٌ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ «3» [مِنْ أَحْكَامِ الْأَفْعَالِ الْمَبْنِيّةِ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيّ لِلْمَجْهُولِ] . وَذَكَرَ شِعْرَ كَعْبٍ وَفِيهِ: لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا بَنِي لُؤَيّ ... عَلَى زَهْوٍ لَدَيْكُمْ وَانْتِخَاءِ الِانْتِخَاءُ. افْتِعَالٌ مِنْ النّخْوَةِ، وَيُقَالُ نُخِيَ الرّجُلُ وَانْتَخَى. وَمِنْ الزّهو:

_ (1) أصلهما: على الماء وظللت، وقالوا: علرض وجلمر، وسلقامة فى على الارض، وجلا الأمر، وسلا الإقامة وكلها بفتح الأول وتضعيف الثانى مع؟؟؟. الشافية ح 3 ص 246. (2) فعل هذا المعنى: أل- بفتح الهمزة وتضعيف اللام، ويؤل بضم الهمزة وتضعيف اللام. وقد ضبط ابن الأثير الفعل بهذا المعنى كما ضبطته وقال: وروى بضم الهمزة مع التشديد أى: طعنت بالألة بفتح الهمزة وتضعيف اللام مع فتح- وهى الحربة العريضة النصل، وفيه بعد، لأنه لا يلائم لفظ الحديث وقال: إن امرأة سألت عن المرأة تحتلم، فقالت لها عائشة رضى الله عنها: تربت يداك وألت، وهل ترى المرأة ذلك. ثم ضبط ألت بفتح الهمزة وتضعيف اللام، وفسرها بقوله: أى هاجت لما أصابها مر شدة هذا الكلام. (3) هى لغة بكر بن وائل وغيرهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زُهِيَ وَازْدَهَى، وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ مِنْ مِثْلِ «1» هَذَا إلّا بِاللّامِ، لِأَنّ الْفِعْلَ فِيهِ لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ، وَإِذَا أُمِرَ مَنْ لَيْسَ بِمُخَاطَبِ، فَإِنّمَا يُؤْمَرُ بِاللّامِ كَقَوْلِك: لِتُزْهَ يَا فُلَانٌ وَلِتُعْنَ بِحَاجَتِي، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَيْضًا أَنْ لَا يُقَالَ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ: مَا أَفْعَلَهُ، وَلَا هُوَ أَفْعَلُ مِنْ كَذَا، كَمَا لَا يُقَالُ فِي الْمَرْكُوبِ: مَا أَرْكَبَهُ، وَلَا فِي الْمَضْرُوبِ، مَا أَضْرَبَهُ، وَلَكِنّهُ قَدْ جَاءَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ: مَا أَزْهَاهُ، وَمَا أَعْنَاهُ بِحَاجَتِي، وَقَالُوا: هُوَ أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النّحْيَيْنِ، وَهُوَ أَزْهَى مِنْ غُرَابٍ، وَالْفِعْلُ فِي هَذَا كُلّهِ زُهِيَ وَشُغِلَ فَهُوَ مَشْغُولٌ وَمَزْهُوّ. وَقِيلَ فِي الْمَجْنُونِ مَا أَجَنّهُ حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ [صَالِحُ بْنُ إسْحَاقَ] الْجَرْمِيّ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: وَاعْلَمْ أَنّ الْعَرَبَ تُقَدّمُ فِي كَلَامِهَا مَا هُمْ بِهِ أَهَمّ، وهم ببيانه أعنى، وإن كانا جَمِيعًا يَهُمّانِهِمْ، وَيَعْنِيَانِهِمْ، فَقَالَ أَهَمّ وَأَعْنَى، وَهُوَ مِنْ هَمّهِمْ وَعَنَاهُمْ، فَهُمْ بِهِ مَعْنِيّونَ مِثْلَ مَضْرُوبُونَ، فَجَازَ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَا تَرَى، وَسَبَبُ جَوَازِهِ: أَنّ الْمَفْعُولَ فِيهَا فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى، فَالْمَزْهُوّ مُتَكَبّرٌ وَكَذَا الْمَنْخُوّ وَالْمَشْغُولُ مُشْتَغِلٌ وَفَاعِلٌ لِشُغْلِهِ، وَالْمَعْنِيّ بِالْأَمْرِ كَذَلِكَ، وَالْمَجْنُونُ كَالْأَحْمَقِ، فَيُقَالُ: مَا أَجَنّهُ، كَمَا يُقَالُ: مَا أَحْمَقَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَضْرُوبٌ، وَلَا مَرْكُوبٌ وَلَا مَشْتُومٌ، وَلَا مَمْدُوحٌ، فَلَا يُقَالُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ: مَا أَفْعَلَهُ، وَلَا هُوَ أَفْعَلُ مِنْ غَيْرِهِ. فَإِنْ قُلْت: فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا أَنْ يُؤْمَرَ فِيهِ بِغَيْرِ اللّامِ، كَمَا يُؤْمَرُ الْفَاعِلُ إذًا، وَقَدْ قُلْتُمْ: أَنّهُ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى فَالْجَوَابُ: أَنّ الْأَمْرَ إنّمَا هُوَ بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ تَضْرِبُ وَتَخْرُجُ، فَإِذَا أَمَرْت حذفت حرف المضارعة،

_ (1) فى الأصل ولا يكون إلا من مثل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَبَقِيَتْ حُرُوفُ الْفِعْلِ عَلَى بِنْيَتِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ زُهِيت فَأَنْتَ تُزْهَى، وَلَا شُغِلْت فَأَنْتَ تُشْغَلُ، لِأَنّك لَوْ حَذَفْت مِنْهُ حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ لَبَقِيَ لَفْظُ الْفِعْلِ عَلَى بِنْيَةٍ لَيْسَتْ لِلْغَائِبِ، وَلَا لِلْمُخَاطَبِ، لِأَنّ بِنْيَةَ الْأَمْرِ لِلْمُخَاطَبِ افْعَلْ، وَبِنْيَتُهُ لِلْغَائِبِ، فَلْيَفْعَلْ، وَالْبِنْيَةُ الّتِي قَدّرْنَاهَا لَا تَصْلُحُ لِوَاحِدِ مِنْهُمَا، لِأَنّك كُنْت: تَقُولُ أَزْهَى مِنْ زُهِيت، وَكُنْت تَقُولُ مِنْ شُغِلْت أَشْغَلُ، فَتَخْرُجُ مِنْ بَابِ شُغِلْت فَأَنْتَ مَشْغُولٌ إلَى بَابِ شَغَلْت غَيْرَك، فَأَنْتَ شَاغِلٌ، فَلَمْ يَسْتَقِمْ فِيهِ الأمر إلا باللّام. وقوله: وميكال فياطيب الْمَلَاءِ أَرَادَ الْمَلَأَ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ مَدّ الْمَقْصُورِ، إذْ لَا يَجُوزُ فِي عَصَى عَصَاءٌ، وَلَا فِي رَحَى: رَحَاءٌ فِي الشّعْرِ، وَلَا فِي الْكَلَامِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَشْبَعُوا الْحَرَكَاتِ فِي الضّرُورَةِ، فَقَالُوا فِي الْكَلْكَلِ الْكَلْكَالَ، وَفِي الصّيَارِفِ: الصّيَارِيفَ، وَلَكِنّ مَدّ الْمَقْصُورِ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا، لِأَنّ زِيَادَةَ الْأَلِفُ تَغْيِيرٌ وَاحِدٌ، وَمَدّ الْمَقْصُورِ تَغْيِيرَانِ، زِيَادَةُ أَلِفٍ وَهَمْزُ مَا لَيْسَ بِمَهْمُوزِ، غَيْرَ أَنّهُ قَدْ جَاءَ فِي شِعْرِ طَرَفَةَ: وَكَشْحَانِ لَمْ يَنْقُصْ طَوَاءَهُمَا الْحَبَلْ «1» لَكِنّهُ حَسّنَهُ قَلِيلًا فِي بَيْتِ طَرَفَةَ فِي أَنّهُ لم يرد الطّوى الذى هو مصدر،

_ (1) الذى فى اللسان: والطواء أن ينطوى ثديا المرأة، فلا يكسرهما الحبل- بفتح الباء- وأنشد: وثديان لم بكسر طواءهما الحبل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طَوِيَ يَطْوِي: إذَا جَاعَ، وَخَوِيَ بَطْنُهُ، وَإِنّمَا أَرَادَ: رِقّةَ الْخَصْرِ، وَذَلِكَ جَمَالٌ فِي الْمَرْأَةِ، وَكَمَالٌ فِي الْخِلْقَةِ، فَجَاءَ بِاللّفْظِ عَلَى وَزْنِ جمال وكمال، وظهر فى لفظه ما كَانَ فِي نَفْسِهِ، وَالْعَرَبُ تَنْحُو بِالْكَلِمَةِ إلَى وَزْنِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا، وَقَدْ مَضَى مِنْهُ كَثِيرٌ وَسَيَرِدُ عَلَيْك مَا هُوَ أَكْثَرُ. وَأَمّا الْمَلَأُ وَالْخَطَأُ وَالرّشَأُ وَالْفَرَأُ «1» وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنّ هَمْزَتَهُ تُقْلَبُ أَلِفًا فِي الْوَقْفِ بِإِجْمَاعِ نَعَمْ، وَفِي الْوَصْلِ فِي بَعْضِ اللّغَاتِ، فَيَكُونُ الْأَلِفُ عِوَضًا مِنْ الْهَمْزَةِ، وَقَدْ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوّضِ مِنْهُ، كَمَا قَالُوا هَرَاقَ الْمَاءَ، وَإِنّمَا كَانَتْ الْهَاءُ بَدَلًا مِنْ الْهَمْزَةِ، فَجَمَعُوا بَيْنَهُمَا، وَقَالُوا فِي النّسَبِ إلَى فَمٍ فَمَوِيّ، وَقَالُوا فِي النّسَبِ إلَى الْيَمَنِ يَمَنِيّ، ثُمّ قَالُوا: يَمَانٍ، فَعَوّضُوا الْأَلِفَ مِنْ إحْدَى الْيَاءَيْنِ، ثُمّ قَالُوا يَمَانِيّ بِالتّشْدِيدِ فجمعوا بين العوض والمعوّض منه، فياطيب الْمَلَاءِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ الْخَطَاءُ فِي الْخَطَأِ. قَالَ الشّاعِرُ: فَكُلّهُمْ مُسْتَقْبِحٍ لِصَوَابِ مَنْ ... يُخَالِفُهُ مُسْتَحْسِنٌ لِخَطَائِهِ وَقَدْ قَالَ وَرَقَةُ: إلّا مَا غَفَرْت خَطَائِيَا «2» (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ أنشد أبو علىّ فى مد المقصور:

_ (1) الرشأ: الظبى إذا قوى ومشى مع أمه. والفرأ: حمار الوحش أو فتيه. والملأ أشراف القوم. (2) هو سهو من السهيلى. فان هذا الكلام جزء من بيت شعر نسب فى السيرة إلى زيد بن عمرو بن نفيل، وقال ابن هشام إن القصيدة كلها-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَا لَك مِنْ تَمْرٍ وَمِنْ شِيشَاءِ ... يَنْشَبُ فِي الْمَسْعَلِ وَاللهَاءِ أَرَادَ: جَمْعَ لَهَاةٍ. قُلْنَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُوَلّدًا، وَإِنْ كَانَ عَرَبِيّا، فَلَعَلّ الرّوَايَةَ فِيهِ: اللهَاءُ بِكَسْرِ اللّامّ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ أَكَمَةَ وَإِكَامٍ، وَقَدْ ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ «1» . شَرْحُ شِعْرِ أَبِي أُسَامَةَ: وَذَكَرَ شِعْرَ أَبِي أُسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ الْجُشَمِيّ وَفِيهِ: وَقَدْ زَالَتْ «2» نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ الْعَرَبُ تَضْرِبُ زَوَالَ النّعَامَةِ مَثَلًا للفرار، وتقول: شالت نعامة القوم

_ - لابن أبى الصلت إلا البيتين الأولين والبيت الخامس والبيت الأخير. أنظر ص 349 ح 2 الروض من هذه الطبعة. (1) أنظر فى اللسان مادة لها؛ إذ يقول ابن سيدة بعد أن خطأ رواية فتح اللام فى لها: إن فعلة يكسر على فعال- بكسر الفاء- ونظيره ما حكاه سيبويه من قولهم: أضاة وإضاء، ومثله من السالم: رحبة ورحاب، ورقبة ورقاب، قال ابن برى: إنما مد قوله فى المسعل واللهاء للضرورة، قال: هذه الضرورة على من رواه بفتح اللام، لأنه مد المقصور وذلك مما ينكره البصريون. قال: وكذلك ما قيل فى هذا البيت: قد علمت أم أبى السعلاء ... أن نعم مأكولا على الخواء فمد السعلاء والخواء ضرورة (2) فى السيرة: شالت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا فرّوا وهلكوا. قال الشّاعِرُ: يَا لَيْتَ مَا أُمّنَا شَالَتْ نَعَامَتُهَا ... إمّا إلَى جَنّةٍ إمّا إلَى نَارٍ «1» وَقَالَ أُمَيّةُ: اشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ «2» وَالنّعَامَةُ فِي اللّغَةِ: بَاطِنُ الْقَدَمِ، وَمَنْ مَاتَ فَقَدْ شَالَتْ رِجْلُهُ، أَيْ: ارْتَفَعَتْ، وَظَهَرَتْ نَعَامَتُهُ، وَالنّعَامَةُ أَيْضًا الظّلْمَةُ «3» ، وَابْنُ النّعَامَةِ عِرْقٌ فِي بَاطِنِ الْقَدَمِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ، كما يقال: زال سواده،

_ (1) فى التصريح على التوضيح أن البيت لسعد بن فرط لا الأخوص خلافا للجوهرى. ويروى هكذا. يا ليتما أمنا شالت نعامتها ... أيما إلى جنة أيما إلى نار أقول: وهكذا روايته أيضا فى مغنى اللبيب رواه وهو يتحدث عن إما الثانية فى قولهم: جاء إما زيد وإما عمر وباعتبار أن إما عاطفة. قال: وزعم يونس الفارسى وابن كيسان أنها غير عاطفة كالأولى ووافقهم ابن مالك لملازمتها الواو العاطفة غالبا. ومن غير الغالب قوله: وأنشد البيت، ثم قال: وفيه شاهد ثان، وهو فتح الهمزة، - يعنى فى أيما-، وثالث وهو الإبدال أى جعل الميم ياء من إما. قال: ونقل ابن عصفور الإجماع على أن إما غير عاطفة. وذكر الأمير فى حاشيته على المغنى أن البيت لرجل من بنى عبد القيس يقال له: سعد كان عافا لأمه وكانت به بارة. (2) فى اللسان: وأنشد ابن برى لأبى الصلت الثقفى: اشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم فى برديك إسبالا وانظر القاموس مادة أمه، فقد رواه إيما وإيما بكسر الهمزة. (3) ذكر اللسان لها معانى كثيرة جدا غير ما ذكر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَضَحَا ظِلّهُ إذَا مَاتَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ضَرَبَ النّعَامَةَ مَثَلًا، وَهُوَ الظّاهِرُ فِي بَيْتِ أَبِي أُسَامَةَ؛ لِأَنّهُ قَالَ: زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَشْرَدُ مِنْ نَعَامَةٍ، وَأَنْفَرُ مِنْ نَعَامَةٍ قَالَ الشّاعِرُ: هُمْ تَرَكُوك أَسْلَحَ مِنْ حُبَارَى ... رَأَتْ صَقْرًا وَأَشْرَدَ مِنْ نَعَامٍ «1» وَقَالَ آخَرُ: وَكُنْت نَعَامًا عِنْدَ ذَاكَ مُنَفّرًا فَإِذَا قُلْت: زَالَتْ نَعَامَتُهُ، فَمَعْنَاهُ: نَفَرَتْ نَفْسُهُ الّتِي هِيَ كَالنّعَامَةِ فِي شَرُودِهَا وَقَوْلُهُ: وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى سَرَاةُ كُلّ شَيْءٍ: مَا علا منه، وَسَرَاةُ الْفَرَسِ: ظَهْرُهُ لِأَنّهُ أَعْلَاهُ. قَالَ الشّاعِرُ يَصِفُ حِمَارًا: بُسْرَاتِهِ نَدَبٌ لَهَا وَكُلُومٌ وَقَوْلُهُمْ: سَرَاةُ الْقَوْمِ، كَمَا تَقُولُ: كَاهِلُ الْقَوْمِ، وَذِرْوَةُ الْقَوْمِ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: إنّ مُضَرَ كَاهِلُ الْعَرَبِ، وتميم كاهل مضر، وبنو سعد كاهل

_ (1) الحبارى ترمى الصقر بسلحها- ومعناه معروف- إذا أراغها ليصيدها، فتلوث ريشه بلثق سلحها، ويقال: إن ذلك يشتد على الصقر لمنعه إياه من الطيران. والحبارى طائر طويل العنق رمادى اللون على شكل الأوزة، فى منقاره طول، الذكر والأنثى والجمع فيه سواء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَمِيمٍ. وَقَالَ بَعْضُ خُطَبَاءِ بَنِي تَمِيمٍ: لَنَا الْعِزّ الْأَقْعَسُ، وَالْعَدَدُ الْهَيْضَلُ، وَنَحْنُ فِي الْجَاهِلِيّةِ الْقُدّامُ، وَنَحْنُ الذّرْوَةُ وَالسّنَامُ، وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ بَيّنٌ، فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَقُولَ فِي الذّرْوَةِ، وَلَا فِي السّنَامِ، وَلَا فِي الْكَاهِلِ إنّهُ جَمْعٌ أَيْ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجَمْعِ، وَلَا اسْمٌ لِلْجَمْعِ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَالَ فِي سَرَاةِ الْقَوْمِ، أَنّهُ جَمْعُ سَرِيّ، لَا عَلَى الْقِيَاسِ، وَلَا عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ، كَمَا لَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي كَاهِلِ الْقَوْمِ، وَسَنَامِ الْقَوْمِ، وَالْعَجَبُ كَيْفَ خَفِيَ هَذَا عَلَى النّحْوِيّينَ، حَتّى قلّد الخالف منهم السّالِفَ، فَقَالُوا: سَرَاةٌ جَمْعُ سَرِيّ «1» ، وَيَا سُبْحَانَ اللهِ! كَيْفَ يَكُونُ جَمْعًا لَهُ، وَهُمْ يَقُولُونَ فِي جَمْعِ سَرَاةٍ سَرَوَاتٍ، مِثْلَ قَطَاةٍ وَقَطَوَاتٍ، يُقَالُ: هَؤُلَاءِ مِنْ سَرَوَاتِ النّاسِ، كَمَا تَقُولُ: من رؤس الناس، قال قيس ابن الخطيم: وعمرة من سروات النّساء ... تَنْفَحُ بِالْمِسْكِ أَرْدَانُهَا وَلَوْ كَانَ السّرَاةُ جَمْعًا مَا جُمِعَ لِأَنّهُ عَلَى وَزْنِ فَعْلَة، وَمِثْلُ هَذَا الْبِنَاءِ فِي الْجَمُوعِ لَا يُجْمَعُ، وَإِنّمَا سَرِيّ فَعِيلٌ مِنْ السّرْوِ، وَهُوَ الشّرَفُ، فَإِنْ جُمِعَ عَلَى لَفْظِهِ، قِيلَ سُرًى وَأَسْرِيَاءُ «2» ، مِثْلَ غَنِيّ وَأَغْنِيَاءَ، وَلَكِنّهُ قَلِيلٌ وُجُودُهُ وَقِلّةُ وُجُودِهِ لَا يَدْفَعُ الْقِيَاسَ فِيهِ، وَقَدْ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ. وَقَوْلُهُ: أَذْبَاحُ عِتَرٍ: جَمْعُ ذَبْحٍ، وَعِتَرٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ: الصّنَمُ الّذِي كَانَ يَعْتِرُ لَهُ

_ (1) فِي القاموس: السراة: اسم جمع جمعه: سروات، وكذلك فى اللسان منسوب إلى سيبويه. وقال ابن برى: هى اسم مفرد للجمع عند سيبويه. (2) زاد اللحيانى: سرواء بضم ففتح، وفى اللسان شرح واف للكلمة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فى الجاهليّة، أى: تذبح له الْعَتَائِرُ، جَمْعُ: عَتِيرَةٍ، وَهِيَ الرّجَبِيّةُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي نَسَبِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوّل مَنْ سَنّ الْعَتِيرَة، وَأَنّهُ بُورُ بْنُ صَحُورَا، وَأَنّ أَبَاهُ سَنّ رَجَبًا لِلْعَرَبِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: سَعْدٌ رَجَبٍ، وَلَوْ قَالَ: أَذْبَاحُ عِتَرِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لَجَازَ لِأَنّهُ مَصْدَرٌ. وَقَوْلُهُ: وَكَانَتْ جُمّةً. الْجُمّةُ: السّوَادُ، وَالْجُمّةُ: الْفِرْقَةُ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالْجُمّةِ سَوَادَ الْقَوْمِ وَكَثْرَتَهُمْ، فَلَهُ وَجْهٌ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْفِرْقَةَ مِنْهُمْ، فَهُوَ أَوْجَهُ» ، وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ. وَقَوْله: عَطَيَانُ بَحْرٌ: فَيَضَانُهُ «2» . وَقَوْلُهُ: أُبَيّنُ نِسْبَتِي نَقْرًا بِنَقْرِ. النّقْرُ: الطّعْنُ فِي النّسَبِ وَغَيْرِهِ، يَقُولُ: إنْ طَعَنْتُمْ فِي نَسَبِي، وَعِبْتُمُوهُ بَيّنْت الْحَقّ وَنَقَرْت فِي أَنْسَابِكُمْ، أَيْ عِبْتهَا، وَجَازَيْت عَلَى النّقْرِ بِالنّقْرِ، وَقَالَتْ جَارِيَةٌ مِنْ الْعَرَبِ: مَرّوا بِي عَلَى بَنِي نَظَرِي «3» يَعْنِي الْفَتَيَانِ الّذِينَ يَنْظُرُونَ إلَيّ وَلَا تَمُرّوا بِي عَلَى بَنَاتِ نَقْرِي، يعنى النّساء اللّواتى ينقرن أى: يعبن.

_ (1) فى شرح السيرة لأبى ذر: وكانت جمة: من رواه يالجم، فمعناه: الجماعة من الناس، واكثر ما يقال فى الجماعة الذين يأتون يسألون فى الدية، ومن رواه حمة بالحاء المهملة، فمعناه: قرابة وأصدقاء من الحميم وهو القريب. وهى فى السيرة: جمة. (2) هى فى السيرة: غيطان، وهى إحدى الروايات. يقول أبو ذر الخشنى عن رواية الغطيان: والغطيان هنا: الماء الكثير الذى يغطى ما يكون فيه، ويروى: غيطان بحر. (3) بفتح النون والظاء والراء، وتقال بتضعيف الظاء أيضا. وفى اللسان أنها قالت ذلك لبعلها. وبنو نظرى: أهل النظر إلى النساء والتغزل بهن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: دُعِيت إلَى أُفَيْدِ، تَصْغِيرُ وَفْدٍ، وَهُمْ الْمُتَقَدّمُونَ مِنْ كُلّ شَيْءٍ مِنْ نَاسٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ إبِلٍ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ مِثْلَ: رَكْبٍ، وَلِذَلِكَ جَازَ تَصْغِيرُهُ، وَقِيلَ: أُفَيْدِ: اسْمُ مَوْضِعٍ «1» . وَقَوْلُهُ: عَلَى مُضَافٍ. الْمُضَافُ: الْخَائِفُ الْمُضْطَرّ. وَقَوْلُهُ: فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ هَذَا شَاهِدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي نَسَبِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاشْتِقَاقُ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ، وَقُلْنَا فِي لُؤَيّ: إنّهُ تَصْغِيرُ لَأْيٍ، وَاخْتَرْنَا هَذَا الْقَوْلَ على قول ابن الأنبارىّ وفطرب، وَحَكَيْنَا قَوْلَهُ، وَشَاهِدَهُ، وَإِنّمَا أَرَادَ هَهُنَا بِبَنِي لأى بنى لؤىّ، فجاء به مكبّرا عَلَى مَا قُلْنَاهُ. وَقَوْلُهُ: مُوَقّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمّ أَجْرِ يَعْنِي الضّبُعَ، وَمُوَقّفَةُ مِنْ الْوَقْفِ، وَهُوَ الْخَلْخَالُ، لِأَنّ فِي قَوَائِمِهَا سَوَادًا. قَالَ الشّاعِرُ [أَبُو وَجْزَةَ السّعْدِيّ] : وَخَائِفٍ لَحْمٍ شَاكًا برَاشَتُهُ ... كأنه قاطم وقفين من عاج «2»

_ (1) يرى الخشنى أنه اسم رجل فقال فى البيت الثامن: أصلها: يا مالك فرخم. وحذف حرف النداء. (2) البيت فى اللسان فى مادة قطم منسوب إلى أبى وجزة، وفى مادة شوك-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأُمّ أَجْرِ: جَمْعُ جَرْ، وَكَمَا نَقُولُ: دَلْوٌ وَأَدْلٍ، وَهَذَا كَقَوْلِ الْهُذَلِيّ: وَغُودِرَ ثَاوِيًا وَتَأَوّبَتْهُ ... مُوَقّفَةُ أُمَيْمُ لَهَا فَلِيلُ «1» وَالْفَلِيلُ: عُرْفُهَا، وَكَقَوْلِ الْآخَرِ: يَا لَهْفَ مِنْ عَرْفَاءَ ذَاتِ فَلِيلَةٍ ... جَاءَتْ إلَيّ عَلَى ثَلَاثٍ تَخْمَع وَتَظِلّ تَنْشِطُنِي وَتَلْحَمُ أَجْرِيًا ... وَسَطَ الْعَرِينِ، وَلَيْسَ حَيّ يَدْفَعُ لَوْ كَانَ سَيْفَيْ بِالْيَمِينِ دَفَعْتهَا ... عَنّي وَلَمْ أو كل وَجَنْبِي الْأَضْبُعُ فَوَصَفَهَا أَنّهَا تَخْمَع، كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُهَلّبِ: الضّبُعَةُ الْعَرْجَاءُ، وَلَحِنَ فِي قَوْلِهِ: الضّبْعَةُ «2» . وَقَالَ آخَرُ: فَلَوْ مِاْت مِنْهُمْ مَنْ جَرَحْنَا لَأَصْبَحَتْ ... ضِبَاعٌ بِأَكْنَافِ الشّرَيْفِ عَرَائِسَا وَذَلِكَ أَنّ الضّبُعَ يُقَلّبُ الْقَتِيلَ عَلَى قَفَاهُ فِيمَا ذُكِرَ، وَتَسْتَعْمِلُ كَمَرَتَهُ، لِأَنّهَا أَشْيَقُ الْبَهَائِمِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهَا حِينَ تُصْطَادُ: أَبْشِرِي أُمّ عَامِرٍ بِجَرَادِ عُضَالٍ وَكَمَرِ رِجَالٍ، يَخْدَعُونَهَا بِذَلِكَ، وَهِيَ تَكَنّى أُمّ عَامِرٍ، وَأُمّ عَمْرٍو، وَأُمّ الْهِنّبْرِ [وَأُمّ عِتَابٍ وَأُمّ طَرِيقٍ وَأُمّ نَوْفَلٍ] ، وَأُمّ خنّور وأم خنور

_ - بيتان من القصيدة. ويريد بالموقفة: الضبع التى تأكل القتلى والموتى كما يقول أبو ذر. والوقف أيضا- السوار- من العاج، وأنشد ابن برى لابن مقبل: كأنه وقف عاج بات مكنونا (1) البيت فى اللسان لساعد بن جؤية وفيه: مذرعة بدلا من موقفة. (2) لأن الأنثى ضبع بفتح الضاد وضم الباء، أما الذكر فضبعان، والأنثى أيضا ضبعانة بكسر الضاد فى الكلمتين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَعًا وَتُسَمّى: حَضَاجِرَ وَجَعَار [وَالْعَثْوَاءُ وَذِيخَة وَعَيْلَم وجيعر، وَأُمّ جَعْوَر] وَقَثَام وَجَيْأَل وَعَيْشُوم، وَقَثَام أَيْضًا اسْمٌ لِلْغَنِيمَةِ الْكَثِيرَةِ يُقَالُ أَصَابَ الْقَوْمُ قُثَامًا، قَالَهُ الزّبَيْرُ، وحيثل وَعَيْثُوم، وَأَمّا الذّكَرُ مِنْهَا فَعَيْلَام وَعِثْيَان وَذِيخٌ [وَأَبُو كَلَدَةَ وَنَوْفَلٌ والأعثى] «1» وَقَوْلُهُ فِي وَصْفِ الْأَسَدِ فِي الْغِيلِ: مُجْرٍ، أَيْ: ذُو أُجَرَاءَ، وَالْأَبَاءَةُ: الْأَجَمَةُ الّتِي هُوَ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْغِيلُ وَالْخِدْرُ وَالْعَرِين وَالْعِرّيسَة. وَقَوْلُهُ أُحْمَى الْأَبَاءَةَ، أَيْ: حَمَاهَا، وَأَحْمِي لُغَةٌ فِي حَمَى لَكِنّهَا ضَعِيفَةٌ، وَلَعَلّهُ أَرَادَ: أَحْمَى الْأَبَاءَةَ، أَيْ جَعَلَهَا كَالنّارِ الْحَامِيَةِ، يُقَالُ: أَحْمَيْت الْحَدِيدَةَ فِي النّارِ، يَعْنِي: إنّ أَبَاءَتَهُ قَدْ حَمِيَتْ بِهِ فَلَا تَقْرَبْ. وَقَوْلُهُ: مِنْ كُلَافٍ، لَعَلّهُ أَرَادَ مِنْ شِدّةِ كَلَفٍ بِمَا يَحْمِيهِ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى وَزْنِ، فَعَالٍ، لِأَنّ الْكِلْفَ إذَا اشْتَدّ: كَالْهَيَامِ وَالْعِطَاشِ، وَفِي مَعْنَى الشّعَارِ، وَلَعَلّ كُلَافًا اسْمُ مَوْضِعٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْكُلَاف: اسم شجر والله أعلم «2» .

_ (1) ضبط الهنبر كما ذكرت ولها ضبطان آخران هنبر- بكسر الهاء وفتح النون وسكون الباء، أو هنبر بكسر الهاء وسكون النون وكسر الباء. وزاد القاموس جيعر وأم جعار مع جعار كما زاد مع جيأل: جيألة وجيل بفتح الجيم والياء فى الثانية، وزاد مع قتام قتم مثل عمر. فى كتاب الحيوان: أم طريق وزدت أم طريق وأبا كلدة وأم نوفل ونوفلا من الحيوان للدميرى والقاموس. ومع العنيان ورد فى القاموس واللسان: الأعثى للذكر والعثواء للأنثى، وورد النهاية ذيخة مؤنث ذيخ، وعيلم مع عيلام. (2) الشعار: موضع كثير الشجر والأجمة، وقال صاحب المراصد عنه: واد من عمل المدينة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ بِخَلّ، هُوَ الطّرِيقُ فِي الرّمْلِ، وَالْهَجْهَجَة مِنْ قَوْلِك: هَجْهَجْت بِالذّئْبِ إذَا زَجَرْته. قَالَ الشّاعِرُ: لَمْ يُنْجِهِ مِنْهَا صِيَاحُ الْهَجْهَجِ «1» وَقَوْلُهُ: بقرقرة وهدر. القرقرة صوت شديد منقطع، وَجَاءَ فِي صِفَةِ عَامِرٍ الْحَدّاءِ أَنّهُ كَانَ قراقرىّ الصوت، فلما كبر وصعف صَوْتُهُ، قَالَ: أَصْبَحَ صَوْتُ عَامِرٍ صَئِيّا ... أَبْكَمَ لَا يُكَلّمُ الْمَطِيّا «2» وَهُوَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ الحدّاء الّتغلبىّ، وإليه ينسب بنو الحدّاء «3» ،

_ (1) الشعر لعمران بن عصام الغزى. وهو الذى أشار على عبد الملك ابن مروان بخلع أخيه عبد العزيز والبيعة للوليد بن عبد الملك. خرج على الحجاج مع ابن الأشعث، فظفر به الحجاج. فقتله، فلما بلغ عبد الملك بن مروان قتل الحجاج له. قال: ولم قتله؟ وبله، ألا رعى قوله فيه: وبعثت من ولد الأغر معتب ... صقرا يلوذ حمامه بالعرفج فاذا طبخت بناره أنضجتها ... وإذا طبخت بغيرها لم تنضج وهو الهزبر إذا أراد فريسة ... لم ينجها منه صياح الهجهج ص 48 ح 1 البيان والتبيين للجاحظ ط 1948 (2) الرجز فى اللسان غير منسوب إلى أحد وهو: أصبح صوت عامر صيئيا ... من بعد ما كان قراقريا فمن ينادى بعدك المطيا والضئى: صوت الفرخ. (3) قال ابن حبيب: الحداء بن دهل بن الحارث بن ذهل بن مران الجعفى، وقال ابن دريد: عامر بن ربيعة بن تيم الله بن أسامة بن مالك بن بكر بن تغلب «اللباب لابن الأثير» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ أَهْلُ اللّغَةِ أَنّ الْكَشِيشَ أَوّلُ رُغَاءِ الجمل، ثم الكتيت «1» ثم الهدر، ثم القرفرة، ثُمّ الزّغْدَ، وَيُقَالُ زَغَدَ يَزْغُدُ ثُمّ الْقُلَاخُ [أَوْ الْقَلْخُ أَوْ الْقَلِيخُ الْأَخِيرَةُ عَنْ سِيبَوَيْهِ] إذا جعل كأنه يتقلّع. وقوله: وأكنف مجناء «2» ، يَعْنِي: التّرْسَ، وَهُوَ مِنْ أَجَنَأْت الشّيْءَ، إذَا جَنَيْته فَهُوَ مُجْنَأً، وَيَعْنِي بِصَفْرَاءَ الْبُرَايَةِ: الْقَوْسَ، وبرايتها: ما برى منها، وجعلها صفراء لجدّتها وفوّتها. وَقَوْلُهُ: وَأَبْيَضَ كَالْغَدِيرِ: أَرَادَ السّيْفَ، وَعُمَيْرٌ اسْمُ صَانِعٍ، وَالْمَدَاوِسُ: جَمْعُ مِدْوَسٍ، وَهِيَ الْآلَةُ الّتِي يُدَوّسُ بِهَا الْحَدّادُ، وَالصّيْقَلُ مَا يَصْنَعُهُ، وَوَصَفَهُ إيّاهَا بِالْمُغْرِ، الْمُغْرُ: جَمْعُ أَمْغَرَ، وَهُوَ الْأَحْمَرُ، وَالْخَادِرُ: الدّاخِلُ فِي الْخِدْرِ وَمُسْبَطِرّ: غَيْرُ مُنْقَبِضٍ. وَقَوْلُهُ: يَقُولُ لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيّا. الْهَدْيُ: مَا يُهْدَى إلَى الْبَيْتِ، وَالْهَدْي أَيْضًا الْعَرُوسُ تُهْدَى إلَى زَوْجِهَا، وَنَصَبَ هَدْيًا هُنَا عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ، كَأَنّهُ أَرَادَ اهْدِ هَدْيًا. شَرْحُ الْقَصِيدَةِ الْفَاوِيّةِ لِأَبِي أُسَامَةَ: وَقَوْلُهُ فِي الشّعْرِ الفاوىّ: كأن رؤسهم حَدَجٌ نَقِيفُ. الْحَدَجُ: جَمْعُ حَدَجَةٍ، وَهِيَ الْحَنْظَلَةُ، والنّقيف: المنقوف، كما قال امرؤ القيس:

_ (1) فى القاموس فى مادة كت: الكنيت أول هدر البكر. وفى مادة كشيش قال: الكشيش من الجمل: أول هديره. وهو دون الكت. (2) هو فى السيرة: أكلف. ويقول أبو ذر. من رواه باللام فإنه يعنى ترسا أسود الظاهر، ومن رواه أكنف- بالنون- فهو الترس أيضا مأخوذ من كنفه أى: ستره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [كأنى غَدَاةَ الْبَيْنِ يَوْمَ تَحَمّلُوا ... لَدَى سَمُرَاتِ الْحَيّ] نَاتِفُ حَنُظَلٍ وَهُوَ الْمُسْتَخْرِجُ حَبّ الْحَنْظَلِ. وَقَوْلُهُ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ، أَيْ: مُتَرَاكِمَةٌ مِنْ خَصَفْت النّعْلَ أو من خصفت الليّف، إذا نسجته، وَقَدْ يُقَالُ كَتِيبَةٌ خَصِيفٌ، أَيْ: مُنْتَسِجَةٌ، بَعْضُهَا، بِبَعْضِ، مُتَكَاثِفَةٌ «1» ، وَفِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ: كَتِيبَةٌ خَصِيفٌ أَيْ: سَوْدَاءُ. وَقَوْلُهُ: وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ، هُوَ: الْمَوْضِعُ الّذِي فِيهِ قَبْرُ آمِنَةَ أُمّ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسُمّيَ الْأَبْوَاءَ، لِأَنّ السّيُولَ تَتَبَوّأهُ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَارَ قَبْرَ أمه بالأبواء في ألف مقنع فبكى وأبكى «2» ، وَوَجَدْت عَلَى الْبَيْتِ الْمُتَقَدّمِ الّذِي فِيهِ: حَدَجٌ نَقِيفُ فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَنْظَلُ: مِنْ الْأَعْلَاثِ وَهُوَ يَنْبُتُ شَرْيًا «3» ، كَمَا يَنْبُت شَرِيّ الْقِثّاءِ، وَالشّرِيّ: شَجَرُهُ، ثُمّ يَخْرُجُ فِيهِ زَهْرٌ، ثُمّ يَخْرُجُ فِي الزّهْرُ جِرَاءَ مِثْلَ جِرَاءِ الْبِطّيخِ «4» ، فَإِذَا ضَخُمَ وَسَمِنَ حَبّهُ سَمّوْهُ الْحَدَجَ وَاحِدَتُهُ حَدَجَةٌ، فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الصّفرة سمّوه: الخطبان، وزاد

_ (1) فى اللسان: وكتيبة نسيفة: لما فيها من صدأ الحديد وبياضه. (2) أخرجه الحاكم، وقد سبق الكلام عن هذا. (3) الأعلاث أو الأغلاث، وقد ذكر منها أبو زياد الكلابى ضروبا من النبات منها الحنظل، وقال إنها من الأعلاث، ثم قال: والأغلاث مأخوذ من الغلث وهو الخلط. وفى اللسان أن أبا حنيفة حكاه بالغين. (4) جمع جرو: صغير كل شىء حتى الحنظل والبطيخ ونحوه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو حنيفة أن الحنظلة إدا اسْوَدّتْ بَعْدَ الْخُضْرَةِ، فَهِيَ قَهْقَرَةٌ، وَذُكِرَ فِي الْقِثّاءِ الْحَدَجُ وَالْجِرَاءُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَنْظَلِ، وَكَذَلِكَ الشّرْيَةُ اسْمٌ لِشَجَرَتِهِمَا، وَفِي الْقِثّاءِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بِطّيخًا الْقُحّ «1» ، وَقَبْلَ الْقُحّ يَكُونُ خَضَفًا، وَأَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقُشْعُرُ وَالشّعْرُورُ وَالضّغْبُوسُ «2» ونقيف مَعْنَاهُ: مَكْسُورٌ، لِأَنّهُ يُقَالُ نَقَفْت رَأْسَهُ عَنْ دِمَاغِهِ، أَيّ كَسَرْته. وَقَوْلُهُ: أَخُوضُ الصّرّةَ الْحَمّاءَ. الصّرّةُ «3» : الْجَمَاعَةُ، وَالصّرّةُ: الصّيَاحُ، وَالصّرّةُ: شِدّةُ الْبَرْدِ، وَإِيّاهَا عَنِيَ، لِأَنّهُ ذَكَرَ الشّفِيفَ فِي آخِرِ البيت، وهو وَهُوَ بَرْدٌ وَرِيحٌ، وَيُقَالُ لَهُ: الشّفّانُ أَيْضًا، أَنْشَدَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: قُلْ لِلشّمَالِ الّتِي هَبّتْ مُزَعْزَعَةً ... تُذْرِي مَعَ اللّيْلِ شَفّانًا بِصُرّادِ اقْرِي السّلَامَ عَلَى نَجْدٍ وَسَاكِنِهِ ... وَحَاضِرٍ بِاللّوَى إنْ كَانَ أَوْ بَادِ سَلَامُ مُغْتَرِبٍ فِقْدَانَ مَنْزِلِهِ ... إن أنجد الناس لم يهمم بإبجاد

_ (1) قال الأزهرى: أخطأ الليث فى تفسير القح، وفى قوله للبطيخة التى لم تنضج أنها القح، وهذا تصحيف، قال: وصوابه: الفج- بكسر الفاء- يقال ذلك لكل ثمر لم ينضج، وأما القح فهو أصل الشىء وخالصه. (2) الخضف صغار البطيخ أو كباره. وفى اللسان: القشعر بضم القاف والعين وسكون الشين: القثاه واحدته: قشعرة بلغة أهل الجوف من اليمن وفى اللسان. الشعرورة: القثاءة الصغيرة، وقيل هو نبت، والشعارير: صغار القثاء واحدها: شعرور. والضغبوس والضغنابيس القثاء الصغار، ولها معان أخر. (3) الحماء: تروى بالجيم وبالحاء، ويقول أبو ذر: الجماء: الكثير، ومن رواه الحماء: فمعناه: السود «ص 204» . (م 25- الروض الأنف ج هـ)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شِعْرُ هِنْدٍ: وَفِي شِعْرِ هِنْدٍ: جَمِيلُ الْمَرَاةِ، أَرَادَتْ: مِرْآةَ الْعَيْنِ، فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إلَى السّاكِنِ، فَذَهَبَتْ الْهَمْزَةُ، وَإِنّمَا تَذْهَبُ الْهَمْزَةُ إذَا نُقِلَتْ حَرَكَتهَا، لِأَنّهَا تَبْقَى فِي تَقْدِيرِ أَلِفٍ سَاكِنَةٍ، وَالسّاكِنُ الّذِي قَبْلَهَا بَاقٍ عَلَى حُكْمِ السّكُونِ لِأَنّ الْحَرَكَةَ الْمَنْقُولَةَ إلَيْهِ عَارِضَةٌ، فَكَأَنّهُ قَدْ اجْتَمَعَ سَاكِنَانِ، فَحُذِفَتْ الْأَلِفُ لِذَلِكَ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ جِنّي. وَقَوْلُ هِنْدٍ: فَأَمّا بُرَيّ فَلَمْ أُعِنْهُ، فَهُوَ تَصْغِيرٌ الْبَرَاءِ اسْمُ رَجُلٍ، وَقَوْلُهَا: قَدْ كُنْت أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَأَنَا الْغَدَاةُ مُوَامِيَهْ قَوْلُهُ: مُوَامِيَهْ، أَيْ: ذَلِيلَةٌ، وَهُوَ مُؤَامِية بِهَمْزَةِ، وَلَكِنّهَا سُهّلَتْ، فَصَارَتْ وَاوًا، وَهِيَ مِنْ لَفْظِ الْأُمّةِ، تَقُولُ: تَأَمّيْتُ أَمَةً أَيْ: اتّخَذْتهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْلُوبًا مِنْ الْمُوَاءَمَةِ، وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ، فَيَكُونُ الْأَصْلُ مُوَائِمَةً، ثُمّ قُلِبَ فَصَارَ مُوَامِيَة عَلَى وَزْنِ مُفَاعِلَةٍ «1» ، تُرِيدُ أَنّهَا قَدْ ذَلّتْ، فَلَا تَأْبَى، بَلْ تُوَافِقُ الْعَدُوّ عَلَى كُرْهٍ، وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ التّوْأَمِ لِأَنّ وَزْنَهُ فَوْعَلَ مِثْلَ التّوْلَجِ وَالتّاءُ فِيهِمَا جَمِيعًا بَدَلٌ مِنْ: وَاوٍ، قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ. وَقَوْلُهَا مَلْهُوفَةٌ مُسْتَلَبَهْ. الْأَجْوَدُ فِي مُسْتَلَبَهْ أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ اللّامّ مِنْ السّلَابِ وَهِيَ الْخِرْقَةُ السّوْدَاءُ الّتِي تُخَمّرُ بِهَا الثّكْلَى، وَمِنْهُ قَوْلُ النّبِيّ

_ (1) يقول أبو ذر فى شرح السيره: موامية: مختلطة العقل، وهو مأخوذ من المأموم، وهو البرسام «البرسام علة من العلل» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ حِينَ مَاتَ عَنْهَا جَعْفَرٌ: تَسَلّبِي ثَلَاثًا، ثُمّ اصْنَعِي مَا شِئْت، وَهُوَ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ بِالْإِحْدَادِ، وَمُتَأَوّلٌ، ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ. شِعْرُ قُتَيْلَةَ: وَذَكَرَ ابْنُ هشام شعر قتيلة بنت الحرث تَرِثِي أَخَاهَا النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَالصّحِيحُ أَنّهَا بِنْتُ النّضْرِ لَا أُخْتُهُ «1» كَذَلِكَ قَالَ الزّبَيْرُ وغيره، وكذلك وقع فى كتاب الدلائل، وقتبلة هَذِهِ كَانَتْ تَحْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ الْأَصْغَرِ، فَهِيَ جَدّةُ الثّرَيّا بِنْتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ الّتِي يَقُولُ فِيهَا عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ حِينَ خَطَبَهَا سُهَيْلُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَيّهَا الْمُنْكِحُ الثّرَيّا سُهَيْلًا ... عَمْرُك اللهُ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ هِيَ شَامِيّةٌ إذَا مَا اسْتَقَلّتْ ... وَسُهَيْلٌ إذَا اسْتَقَلّ يَمَانِ «2» وَرَهْطُ الثّرَيّا هَذِهِ يُقَالُ لَهُمْ: الْعَبَلَاتُ، لِأَنّ أُمّهُمْ عبلة بنت عبيد

_ (1) كذلك ذكر المصعب الزبيرى فى نسب قريش ص 255 وابن عبد البر والجوهرى والذهبى، ويسميها الجاحظ فى البيان والتبيين: ليلى بنت للنضر ص 43 ح 4 البيان والنبيين. (2) وقيل إنها تزوجت سهيل بن عبد العزيز بن مروان، وقد رجح أبو الفرج هذا القول: لأنها حملت إلى مصر، وهناك كان منزل سهيل ابن عبد العزيز، ولم يكن لسهل بن عبد الرحمن مرضع. وأول القصيدة. أيها الطارق الذى قد عنانى ... بعد ما نام سامر الركبان واقرأ قصة ثريا فى الأغانى وتجريده ص 217 ج 1 طبع لبنان، وص 89 ح 1 تجريد.

غزوة بنى سليم بالكدر

[غزوة بنى سليم بِالْكَدَرِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة لَمْ يَقُمْ بِهَا إلّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتّى غَزَا بِنَفْسِهِ، يُرِيدُ بَنِي سُلَيْمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الغفارىّ، أو ابن أمّ مكتوم. ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن جَاذِبٍ «1» . وَفِي شِعْرِ قُتَيْلَةَ. أَمُحَمّدٌ هَا أَنْتَ ضِئْيُ نَحِيبَةٍ قَالَ قَاسِمٌ: أَرَادَتْ يَا مُحَمّدَاهُ عَلَى النّدْبَةِ، قَالَ: وَالضّئْيُ الْوَلَدُ، وَالضّئْيُ الْأَصْلُ، يقال: ضئت المرأة واضئنات وضنت تضنو إذا ولدت «2» .

_ (1) هى جارية من قريش كما فى القاموس، وانظر عن بنى العبلات ص 67، 68 من الجمهرة لابن حزم، ص 82 الاشتقاق لابن دريد وانظر لقصيدة قتيلة فى الأغانى. والبيان والنبيين. ومعجم. البلدان، ونسب قريش. (2) فى النهاية لابن الأثير: ضنت- بفتح الضاد والنون- كثر أولادها وصنت المرأة تضنى- بكسر النون- ضنى، وأضنت. وضنأت وأضنأت: إذا كثر أولادها. وفى اللسان: ضنأت المرأة تضنأ ضنأ وضنوآ وأضنأت: كثر ولدها. فهى ضانىء وضائة، وقيل. ضنأت تضنأ ضنأ وضنوا إذا ولدت. وفى مادة ضيأ قال اللسان: ضيأت المرأة- بفتح الضاد وتضعيف الياء مع فتح وفتح الهمزة- كثر ولدها. والمعروف ضنأ. قال: وأرى الأول تصحيفا.

غزوة السويق

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَلَغَ مَاءً مِنْ مِيَاهِهِمْ؛ يُقَالُ لَهُ الْكُدْرُ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فأقام بها بقيّة شوّال وذا العقدة، وَأَفْدَى فِي إقَامَتِهِ تِلْكَ جُلّ الْأُسَارَى مِنْ قريش. [غزوة السويق] قال: حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هِشَامٍ: قَالَ: حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكّائِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ، قَالَ: ثُمّ غَزَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ غَزْوَةَ السّوِيقِ فِي ذِي الْحَجّةِ، وَوَلّى تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تِلْكَ السّنَةِ، فَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ وَمَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ، حِينَ رَجَعَ إلَى مَكّةَ، وَرَجَعَ فَلّ قُرَيْشٍ مِنْ بَدْرٍ، نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتّى بغزو مُحَمّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَخَرَجَ فِي مِئَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، لِيَبَرّ يَمِينَهُ، فَسَلَكَ النّجْدِيّة، حَتّى نَزَلَ بِصَدْرِ قَنَاةٍ إلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: ثَيْب، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ، ثُمّ خَرَجَ مِنْ اللّيْلِ، حَتّى أَتَى بَنِي النّضِيرِ تَحْتَ اللّيْلِ، فَأَتَى حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ بَابَهُ وَخَافَهُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ إلَى سَلّامِ بْنِ مِشْكَمٍ، وَكَانَ سَيّدَ بَنِي النّضِير فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ، وَصَاحِبَ كَنْزِهِمْ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَرّاهُ وَسَقَاهُ، وَبَطَنَ لَهُ مِنْ خَبَرِ النّاسِ، ثُمّ خَرَجَ فِي عَقِبِ لَيْلَتِهِ حَتّى أَتَى أَصْحَابَهُ، فَبَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ إلى المدينة، فأتوا ناحية منها، يُقَالُ لَهَا: الْعَرِيضُ، فَحَرَقُوا فِي أَصْوَارٍ مِنْ نَخْلٍ بِهَا، وَوَجَدُوا بِهَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ فِي حَرْثٍ لَهُمَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة ذى أمر

فَقَتَلُوهُمَا، ثُمّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ، وَنَذِرَ بِهِمْ النّاسُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِمْ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، حَتّى بَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ، ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا، وَقَدْ فَاتَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَدْ رَأَوْا أَزْوَادًا مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ قَدْ طرحوها فى الحرث يتخفّون مِنْهَا لِلنّجَاءِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ، حَيْنَ رَجَعَ بِهِمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رَسُولَ اللهِ، أَتَطْمَعُ لَنَا أَنْ تَكُونَ غَزْوَةً؟ قال: نعم. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا سُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ أَكْثَرَ مَا طَرَحَ الْقَوْمُ مِنْ أَزْوَادِهِمْ السّوِيقُ، فَهَجَمَ الْمُسْلِمُونَ على سويق كثير، فسمّيت غزوة السويق. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ، لِمَا صَنَعَ بِهِ سَلّامُ بن مشكم: وَإِنّي تَخَيّرْت الْمَدِينَةَ وَاحِدًا ... لِحِلْفٍ فَلَمْ أَنْدَمْ وَلَمْ أَتَلَوّمْ سَقَانِي فَرَوَانِي كُمَيْتًا مُدَامَةً ... عَلَى عَجَلٍ مِنّي سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ وَلَمّا تَوَلّى الْجَيْشُ قُلْتُ وَلَمْ أَكُنْ ... لِأُفْرِحَهُ: أَبْشِرْ بِعَزّ وَمَغْنَمِ تَأَمّلْ فَإِنّ الْقَوْمَ سُرّ وَإِنّهُمْ ... صَرِيحُ لُؤَيّ لَا شَمَاطِيطُ جُرْهُمِ وَمَا كَانَ إلّا بَعْضُ لَيْلَةِ رَاكِبٍ ... أَتَى سَاعِيًا مِنْ غَيْرِ خلّة معدم [غَزْوَةُ ذِي أَمَرَ] فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ السّوِيقِ، أقام بالمدينة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة الفرع من بحران

بَقِيّةَ ذِي الْحَجّةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، ثُمّ غَزَا نَجْدًا، يُرِيدُ غَطَفَانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِنَجْدٍ صَفَرًا كُلّهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. فَلَبِثَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوّلَ كُلّهُ، أَوْ إلّا قَلِيلًا مِنْهُ. [غَزْوَةُ الْفُرُعِ مِنْ بحران] ثم غز (رسول الله) صلى الله عليه وسلم، يريد قُرَيْشًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى بَلَغَ بَحْرَانِ، مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ، فَأَقَامَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَجُمَادَى الْأُولَى، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كيدا [أمر بنى قينقاع] [نصيحة الرسول لهم وردهم عليه] (قَالَ) : وَقَدْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، مِنْ غَزْوِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ بَنِي قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بنى قينقاع، ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، احْذَرُوا مِنْ اللهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ مِنْ النّقْمَةِ، وَأَسْلِمُوا، فَإِنّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنّي نَبِيّ مُرْسَلٌ. تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ وَعَهْدِ اللهِ إلَيْكُمْ، قَالُوا: يَا مُحَمّدُ، إنّك تَرَى أَنّا قَوْمُك! لَا يَغُرّنّكَ أَنّك لَقِيت قَوْمًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ، فَأَصَبْتَ مِنْهُمْ فُرْصَةً، إنّا وَاَللهِ لَئِنْ حَارَبْنَاك لَتَعْلَمَنّ أَنّا نَحْنُ النّاسَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فيهم

[مَا نَزَلَ فِيهِمْ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَوْ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إلّا فِيهِمْ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ. قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا: أَيْ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وَقُرَيْشٍ فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ، وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ [كَانُوا أَوّلَ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدِ] قَالَ ابْنُ إسحاق: وحدثنى عاصم بن عمر بن فتاد: أَنّ بَنِي قَيْنُقَاعَ كَانُوا أَوّلَ يَهُودَ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَحَارَبُوا فِيمَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ. [سَبَب الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ المسور بن مخرمة، عن أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي قينقاع أن امرأة من العرب فدمت بِجَلَبٍ لَهَا، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ بِهَا، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا، فَأَبَتْ، فَعَمِدَ الصّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سومتها، فَضَحِكُوا بِهَا، فَصَاحَتْ. فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما كان من ابن أبى مع الرسول

الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصّائِغِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ يَهُودِيّا، وَشَدّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ، فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ، فَوَقَعَ الشّرّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ. [مَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيّ مَعَ الرّسُولِ] قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فقام إليه عبد الله بن أبىّ بن سَلُولَ، حِينَ أَمْكَنَهُ اللهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيّ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، قَالَ: فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؛ فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ، قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتَ الْفُضُولِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أَرْسِلْنِي، وَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا، ثُمّ قَالَ: وَيْحَك! أَرْسِلْنِي؛ قَالَ: لَا وَاَللهِ لَا أُرْسِلْك حَتّى تحسن فى موالىّ، أربع مائة حاسر وثلاث مائة دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، إنّي وَاَللهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ؛ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هم لك. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مدة حصارهم

[مدة حصارهم] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي مُحَاصَرَتِهِ إيّاهُمْ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَكَانَتْ مُحَاصَرَتُهُ إيّاهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. [تَبَرّؤُ ابْنِ الصّامِتِ مِنْ حِلْفِهِمْ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي ابْنِ أُبَيّ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عُبَادَةَ بن الوليد ابن عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، قَالَ: لَمّا حَارَبَتْ بَنُو قينقاع رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، تَشَبّثَ بأمرهم عبد الله بن أبىّ بن سَلُولَ، وَقَامَ دُونَهُمْ. قَالَ: وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفٍ، لَهُمْ مِنْ حِلْفِهِ مِثْلُ الّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ، فَخَلَعَهُمْ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَبَرّأَ إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حِلْفِهِمْ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَوَلّى اللهَ وَرَسُولَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَبْرَأُ مِنْ حِلْفِ هَؤُلَاءِ الْكُفّارِ وَوِلَايَتِهِمْ. قَالَ: فَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ مِنْ الْمَائِدَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَيْ لِعَبْدِ اللهِ بن أبىّ وقوله: إنى أخشى الدائر يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَيُصْبِحُوا عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سرية زيد بن حارثة إلى القردة

نادِمِينَ. وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ، ثُمّ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ. وَذَكَرَ لِتُوَلّي عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ اللهَ وَرَسُولَهُ والذين آمنوا، وتبرئه من بنى قينقاع وحلفهم وولايتهم: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ. [سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْقَرَدَةِ] [إصَابَةُ زَيْدٍ لِلْعِيرِ وَإِفْلَاتُ الرّجَالِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الّتِي بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، حَيْنَ أَصَابَ عِيرَ قُرَيْشٍ، وَفِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، عَلَى الْقَرَدَةِ مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ. وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا: أَنّ قُرَيْشًا خَافُوا طَرِيقَهُمْ الّذِي كَانُوا يَسْلُكُونَ إلَى الشّأْمِ، حِينَ كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ مَا كَانَ، فَسَلَكُوا طَرِيقَ الْعِرَاقِ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ تُجّارٌ، فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَمَعَهُ فِضّةٌ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ عُظْمُ تِجَارَتِهِمْ، وَاسْتَأْجَرُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرِ بن وائل، يقال له: فرات ابن حَيّانَ يَدُلّهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الطّرِيقِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ، مِنْ بَنِي عِجْلٍ، حَلِيفٌ لِبَنِي سَهْمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى تأنيب قريش

فَلَقِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، فَأَصَابَ تِلْكَ الْعِيرَ وَمَا فِيهَا، وَأَعْجَزَهُ الرّجَالُ، فَقَدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [شِعْرُ حَسّانَ فِي تَأْنِيبِ قُرَيْشٍ] فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ بَعْدَ أُحُدٍ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الآخرة يؤنب قريشا لأخذهم تلك الطريق: دَعُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ... جَلّادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ ربهم ... وأنصاره حقا وأيدي الملائك إذا سلكت لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ... فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ هُنَالِكَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ، نَقَضَهَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَسَنَذْكُرُهَا وَنَقِيضَتُهَا إنْ شَاءَ اللهُ (فِي) مَوْضِعِهَا. [مُقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ] [اسْتِنْكَارُهُ خَبَرَ رَسُولَيْ الرّسُولِ بِقَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ: أَنّهُ لَمّا أُصِيبَ أَصْحَابُ بَدْرٍ، وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السّافِلَةِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ بَشِيرَيْنِ، بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ اللهِ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِ، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، كَمَا حَدّثَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعره في التحريض على الرسول

عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الظّفَرِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عمر بن قتادة، وصالح ابن أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِهِ، قَالُوا: قَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وكان رجلا من طّيى، ثُمّ أَحَدَ بَنِي نَبْهَانَ، وَكَانَتْ أُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ، حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ: أَحَقّ هَذَا؟ أَتَرَوْنَ مُحَمّدًا قَتَلَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُسَمّى هَذَانِ الرجلان- يعنى زيدا وعبد الله ابن رَوَاحَةَ- فَهَؤُلَاءِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَمُلُوكُ النّاسِ، وَاَللهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا. [شِعْرُهُ فِي التّحْرِيضِ عَلَى الرّسُولِ] فَلَمّا تَيَقّنَ عَدُوّ اللهِ الْخَبَرَ، خَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ، فنزل على عبد الْمُطّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَة السّهْمِيّ، وَعِنْدَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فَأَنْزَلَتْهُ وأكرمته، وجعل يحرّض عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُنْشِدُ الْأَشْعَارَ، وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ، الّذِينَ أُصِيبُوا بِبَدْرِ، فقال: طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ ... وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ ... لَا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهِ مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ ... ذِي بَهْجَةٍ يَأْوِي إلَيْهِ الضّيّعُ طَلْق الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ ... حَمّالُ أَثْقَالٍ يسود ويربع ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى الرد عليه

وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُسَرّ بِسَخَطِهِمْ ... إنّ ابْنَ الْأَشْرَفِ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضُ سَاعَةَ قُتّلُوا ... ظَلّتْ تَسُوخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ صَارَ الّذِي أَثَرَ الْحَدِيثَ بِطَعْنِهِ ... أَوْ عَاشَ أَعْمَى مُرْعَشًا لَا يَسْمَعُ نُبّئْتُ أَنّ بَنِي الْمُغِيرَةِ كُلّهُمْ ... خشعوا القتل أَبِي الْحَكِيمِ وَجُدّعُوا وَابْنَا رَبِيعَةَ عِنْدَهُ وَمُنَبّهٌ ... مَا نَالَ مِثْلَ الْمُهْلِكِينَ وَتُبّعُ نُبّئْتُ أَنّ الحارث بن هشامهم ... فى الناس يا بنى الصّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ لِيَزُورَ يَثْرِبَ بِالْجُمُوعِ وَإِنّمَا ... يَحْمَى عَلَى الْحَسَبِ الْكَرِيمُ الْأَرْوَعُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «تُبّعُ» ، «وَأُسِرّ بِسَخَطِهِمْ» . عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسحاق. [شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَيْهِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ، فَقَالَ: أَبَكَى لِكَعْبٍ ثُمّ عُلّ بِعَبْرَةٍ ... مِنْهُ وَعَاشَ مُجَدّعًا لَا يَسْمَعُ وَلَقَدْ رَأَيْتُ بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمْ ... قَتْلَى تَسُحّ لَهَا الْعُيُونُ وَتَدْمَعُ فَابْكِي فَقَدْ أَبَكَيْتَ عَبْدًا رَاضِعًا ... شِبْهَ الْكُلَيْبِ إلَى الْكُلَيْبَةِ يَتْبَعُ وَلَقَدْ شَفَى الرّحْمَنُ مِنّا سَيّدًا ... وَأَهَانَ قَوْمًا قَاتَلُوهُ وَصُرّعُوا وَنَجَا وَأُفْلِتَ مِنْهُمْ من قلبه ... شفف يَظَلّ لِخَوْفِهِ يَتَصَدّعُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسّانَ وَقَوْلُهُ «أَبَكَى لِكَعْبِ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر ميمونة فى الرد على كعب

[شِعْرُ مَيْمُونَةَ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي مُرَيْدٍ، بَطْنٌ مِنْ بَلِيّ كَانُوا حَلْفَاءَ فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ؛ يُقَالُ لَهُمْ: الْجَعَادِرَةُ، تُجِيبُ كَعْبًا- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: اسْمُهَا مَيْمُونَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لَهَا، وَيُنْكِرُ نَقِيضَتَهَا لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ: تَحَنّنَ هَذَا الْعَبْدُ كُلّ تَحَنّنٍ ... يُبَكّى عَلَى قَتْلَى وَلَيْسَ بِنَاصِبِ بَكَتْ عَيْنُ مَنْ يَبْكِي لِبَدْرٍ وَأَهْلُهُ ... وَعُلّتْ بِمِثْلِيّهَا لُؤَيّ بْنُ غَالِبِ فَلَيْتَ الّذِينَ ضُرّجُوا بِدِمَائِهِمْ ... يَرَى مَا بِهِمْ مَنْ كَانَ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ فَيَعْلَمُ حَقّا عَنْ يَقِينٍ وَيُبْصِرُوا ... مَجَرّهُمْ فَوْقَ اللّحى والحواجب شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى مَيْمُونَةَ [فَأَجَابَهَا كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، فَقَالَ:] أَلَا فَازْجُرُوا منكم سفيها لتسلموا ... عن القول يأنى مِنْهُ غَيْرَ مُقَارِبِ أَتَشْتُمُنِي أَنْ كُنْتُ أَبْكِي بعبرة ... لقوم أتاتى وُدّهُمْ غَيْرَ كَاذِبِ فَإِنّي لَبّاك مَا بَقِيتُ وَذَاكِرٌ ... مَآثِرَ قَوْمٍ مَجْدُهُمْ بِالْجَبَاجِبِ لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ مُرَيْدٌ بِمَعْزِلٍ ... عَنْ الشّرّ فَاحْتَالَتْ وُجُوهَ الثّعَالِبِ فَحُقّ مُرَيْدٌ أَنْ تُجَدّ أُنُوفُهُمْ ... بِشَتْمِهِمْ حَيِيّ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ وَهَبْتُ نَصِيبِي مِنْ مُرَيْدٍ لِجَعْدَرٍ ... وَفَاءً وَبَيْتُ اللهِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تشبيب كعب بنساء المسلمين والحيلة فى قتله

[تَشْبِيبُ كَعْبٍ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِيلَةُ فِي قَتْلِهِ] ثُمّ رَجَعَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إلَى الْمَدِينَةِ فَشَبّبَ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى آذَاهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ مَنْ لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَقَالَ لَهُ مُحَمّدُ بن مسلمة، أخو بنى عبد لأشهل: أَنَا لَك بِهِ يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَقْتُلُهُ؛ قَالَ: فَافْعَلْ إنْ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ. فَرَجَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ إلّا مَا يُعْلِقُ بِهِ نَفْسَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: لِمَ تَرَكْتَ الطّعَامَ وَالشّرَابَ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْت لَك قَوْلًا لَا أَدْرِي هَلْ أَفِيَنّ لَك بِهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: إنّمَا عَلَيْك الْجَهْدُ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّهُ لَا بُدّ لَنَا مِنْ أَنْ نَقُولَ، قَالَ: قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَأَنْتُمْ فِي حِلّ مِنْ ذَلِكَ. فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَسِلْكَانُ بن سلّام بْنِ وَقْشٍ، وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَكَانَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنْ الرّضَاعَةِ، وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ، أحد بنى عبد الأشهل، والحارث عن أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَأَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ؛ ثُمّ قَدّمُوا إلَى عَدُوّ اللهِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ، سِلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ [بن وقش] أَبَا نَائِلَةَ، فَجَاءَهُ، فَتَحَدّثَ مَعَهُ سَاعَةً، وَتَنَاشَدُوا شِعْرًا، وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشّعْرَ، ثُمّ قال: ويحك يابن الْأَشْرَفِ! إنّي قَدْ جِئْتُك لِحَاجَةِ أُرِيدُ ذِكْرَهَا لَك، فَاكْتُمْ عَنّي؛ قَالَ: أَفْعَلُ؛ قَالَ: كَانَ قُدُومُ هَذَا الرّجُلِ عَلَيْنَا بَلَاءً مِنْ الْبَلَاءِ، عادتنا به العرب، ورمتنا عن قوس واحد، وَقَطَعَتْ عَنّا السّبُلَ حَتّى ضَاعَ الْعِيَالُ، وَجُهِدَتْ الْأَنْفُسُ، وَأَصْبَحْنَا قَدْ جُهِدْنَا وَجُهِدَ عِيَالُنَا؛ فَقَالَ كعب: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَنَا ابْنُ الْأَشْرَفِ، أَمَا وَاَللهِ لَقَدْ كُنْتُ أخبرك يابن سَلَامَةَ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَى مَا أَقُولُ؛ فَقَالَ لَهُ سِلْكَانُ: إنّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ تَبِيعَنَا طَعَامًا وَنَرْهَنَك وَنُوثِقَ لَك، وَنُحْسِنُ فِي ذلك؛ فقال: أترهنونى أَبْنَاءَكُمْ؟ قَالَ: لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَفْضَحَنَا، إنّ مَعِي أَصْحَابًا لِي عَلَى مِثْلِ رَأْيِي، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ آتِيَك بِهِمْ، فَتَبِيعُهُمْ وَتُحْسِنُ فِي ذَلِكَ، وَنَرْهَنُك مِنْ الْحَلْقَةِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ، وَأَرَادَ سِلْكَانُ أَنْ لَا يُنْكِرَ السّلَاحَ إذَا جاؤا بِهَا؛ قَالَ: إنّ فِي الْحَلْقَةِ لَوَفَاءً، قَالَ: فَرَجَعَ سِلْكَانُ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا السّلَاحَ، ثُمّ يَنْطَلِقُوا فَيَجْتَمِعُوا إلَيْهِ، فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. قال ابن هشام: ويقال: أترهنونى نِسَاءَكُمْ؟ قَالَ: كَيْفَ نَرْهَنُك نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَشَبّ أهل يثرب وأعطوهم؛ قال: أترهنونى أَبْنَاءَكُمْ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، ثُمّ وَجّهَهُمْ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللهِ؛ اللهُمّ أَعِنْهُمْ، ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، وَهُوَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، وَأَقْبَلُوا حَتّى انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ، فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ، وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَوَثَبَ فِي مِلْحَفَتِهِ، فَأَخَذَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَتِهَا، وَقَالَتْ: إنّك امْرُؤٌ مُحَارِبٌ، وَإِنّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ لَا يَنْزِلُونَ فِي هَذِهِ السّاعَةِ، قَالَ: إنّهُ أَبُو نَائِلَةَ، لَوْ وَجَدَنِي نَائِمًا لَمَا أَيْقَظَنِي، فَقَالَتْ: وَاَللهِ إنّي لَأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشّرّ؛ قَالَ يَقُولُ لَهَا كَعْبٌ: لَوْ يُدْعَى الْفَتَى لِطَعْنَةٍ لَأَجَابَ. فَنَزَلَ فَتَحَدّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً، وَتَحَدّثُوا مَعَهُ، ثُمّ قَالَ: هَلْ لَك يابن) ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر كعب بن مالك فى مقتل ابن الاشرف

الْأَشْرَفِ أَنْ تَتَمَاشَى إلَى شِعْبِ الْعَجُوزِ، فَنَتَحَدّثَ بِهِ بَقِيّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ؟ قَالَ: إنْ شِئْتُمْ. فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ، فَمَشَوْا سَاعَةً، ثُمّ إنّ أَبَا نَائِلَةَ شَامَ يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ، ثُمّ شَمّ يَدَهُ فَقَالَ: مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ طِيبًا أَعْطَرَ قَطّ، ثُمّ مَشَى سَاعَةً، ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتّى اطْمَأَنّ، ثُمّ مَشَى سَاعَةً، ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا، فَأَخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ، ثُمّ قَالَ: اضْرِبُوا عَدُوّ اللهِ، فَضَرَبُوهُ، فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ، فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَذَكَرْتُ مِغْوَلًا فِي سَيْفِي، حِينَ رَأَيْتُ أَسْيَافَنَا لَا تُغْنِي شَيْئًا، فَأَخَذْتُهُ، وَقَدْ صَاحَ عَدُوّ اللهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إلّا وَقَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ، قَالَ: فَوَضَعْته فِي ثُنّتِهِ ثُمّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتّى بَلَغْتُ عَانَتَهُ فَوَقَعَ عَدُوّ اللهِ، وَقَدْ أُصِيبَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ، فَجُرِحَ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي رِجْلِهِ، أَصَابَهُ بَعْضُ أَسْيَافِنَا. قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتّى سَلَكْنَا عَلَى بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ، ثم على بَنِي قُرَيْظَة، ثُمّ عَلَى بُعَاثٍ حَتّى أَسْنَدْنَا فِي حَرّةِ الْعَرِيضِ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا صَاحِبُنَا الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، وَنَزَفَهُ الدّمُ، فَوَقَفْنَا لَهُ سَاعَةً، ثُمّ أَتَانَا يَتْبَعُ آثَارَنَا. قَالَ: فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آخِرَ اللّيْلِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي، فَسَلّمْنَا عَلَيْهِ، فَخَرَجَ إلَيْنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللهِ وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا، فَرَجَعَ وَرَجَعْنَا إلَى أَهْلِنَا فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتْ يَهُودُ لِوَقْعَتِنَا بِعَدُوّ اللهِ، فَلَيْسَ بِهَا يَهُودِيّ إلّا وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ. [شِعْرُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي مَقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مالك: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى مقتل ابن الأشرف وابن أبى الحقيق

فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا ... فَذَلّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النّضِيرُ عَلَى الْكَفّيْنِ ثَمّ وَقَدْ عَلَتْهُ ... بِأَيْدِينَا مشهرة ذكور بأمر محمد إذ دس ليلا ... إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْبٍ يَسِيرُ فَمَا كَرِهَ فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرٍ ... وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَنِي النّضِيرِ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللهُ فِي حَدِيثِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. [شِعْرُ حَسّانَ فِي مُقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَقَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ: لِلّهِ دَرّ عصابة لاقيتهم ... يابن الحقيق وأنت يابن الْأَشْرَفِ يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ ... مَرَحًا كَأُسْدٍ فِي عَرِينٍ مُغْرِفِ حَتّى أَتَوْكُمْ فِي مَحِلّ بِلَادِكُمْ ... فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضٍ ذُفّفِ مُسْتَنْصِرِينَ لِنَصْرِ دِينِ نَبِيّهِمْ ... مُسْتَصْغِرِينَ لِكُلّ أَمْرٍ مُجْحِفٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَأَذْكُرُ قَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللهُ. وَقَوْلُهُ: «ذفّف» عن غير ابن إسحاق. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غَزْوَةُ قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ الْقَرْقَرَةُ: أَرْضٌ مَلْسَاءُ، وَالْكُدْرُ: طَيْرٌ فِي أَلْوَانِهَا كُدْرَةٌ، عُرِفَ بِهَا ذَلِكَ الْمَوْضِعُ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَذْكُرُ مَسِيرَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، فَقَالَ لِعِمْرَانَ بْنِ سَوَادَةَ حِينَ قَالَ لَهُ: إنّ رَعِيّتَك تَشْكُو مِنْك عُنْفَ السّيَاقِ، وَقَهْرَ الرّعِيّةِ فَدَقَر عَلَى الدّرّةِ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ سُيُورَهَا، ثُمّ قَالَ: قَدْ كُنْت زَمِيل رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ «1» ، فَكُنْت أُرْتِعُ فَأُشْبِعُ وَأَسْقِي فَأَرْوِي، وَأُكْثِرُ الزّجْرَ، وَأُقِلّ الضّرْبَ، وَأَرُدّ الْعَنُودَ، وَأَزْجُرُ الْعَرُوضَ، وَاضَمّ اللّفُوتَ، وَأُشْهِرُ الْعَصَا، وَأَضْرِبُ بِالْيَدِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لأغدرت [بَعْضَ مَا أَسُوقُ] «2» أَيْ: لَضَيّعْت فَتَرَكْت، يَذْكُرُ حَسَنَ سِيَاسَتِهِ، فِيمَا وَلِي مِنْ ذَلِكَ. وَالْعَنُودُ: الْخَارِجُ عَنْ الطّرِيقِ، وَالْعَرُوضُ الْمُسْتَصْعَبُ مِنْ النّاسِ والدّوابّ.

_ (1) بفتح القافين، وحكى لبكرى ضمهما، وقال الدميرى وغيره: والمعروف فتحهما. وقال ابن سعد: ويقال: قرارة الكدر، وفى الصحاح: قراقر على فعالل بضم القاف اسم ماء، ومنه غزاة قراقر. (2) كلام عمر فى ذكر حسن سياسته. أرتع فأشبع: يحسن لرعاية للرعية، ويدعهم حق يشبعوا فى المرتع. وأضم اللفوت. فى رواية: وأنهز اللفوت، وأضم العتود. اللفوت: الناقة الضجور عند الحلب، تلتفت إلى الحالب، فتعضه، فينهزها بيده، فتدر لنفتدى باللبن من النهز، وهو الضرب، فضربها مثلا للذى يستعصى، ويخرج عن الطاعة. ولأغدرت بعض ما أسوق: أى لخلفت، شبه نفسه بالراعى ورعيته بالسرح، وروى: لغدرت، أى لألقيت ناس فى الغدر، وهو مكان كثير الحجارة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ نَذَرَ أَلّا يَمَسّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ، حَتّى يَغْزُوَ مُحَمّدًا. فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْجَاهِلِيّةِ بَقِيّةً مِنْ دِينِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، كَمَا بَقِيَ فِيهِمْ الْحَجّ وَالنّكَاحُ؛ وَلِذَلِكَ سَمّوْهَا جَنَابَةً، وَقَالُوا: رَجُلٌ جُنُبٌ وَقَوْمٌ جُنُبٌ، لِمُجَانَبَتِهِمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَمَوَاضِعَ قُرْبَاتِهِمْ، وَلِذَلِكَ عُرِفَ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي الْقُرْآنِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا فكان الحدث الأكبر مَعْرُوفًا بِهَذَا الِاسْمِ، فَلَمْ يَحْتَاجُوا إلَى تَفْسِيرِهِ، وَأَمّا الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ، وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْوُضُوءِ، فَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَإِنْ كُنْتُمْ مُحْدِثِينَ، فَتَوَضّئُوا كَمَا قَالَ: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا بَلْ قَالَ: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ الآية «الْمَائِدَةُ: 6» فَبَيّنَ الْوُضُوءَ وَأَعْضَاءَهُ وَكَيْفِيّتَهُ، وَالسّبَبَ الْمُوجِبَ لَهُ كَالْقِيَامِ مِنْ النّوْمِ وَالْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ، وَمُلَامَسَةِ النّسَاءِ، وَلَمْ يَحْتَجْ فِي أَمْرِ الْجَنَابَةِ إلَى بَيَانِ أَكْثَرَ مِنْ وُجُوبِ الطّهَارَةِ، مِنْهَا: الصّلَاةُ. وَقَوْلُهُ: أَصْوَارِ نَخْلٍ، هِيَ: جَمْعُ صُورٍ. وَالصّورُ: نَخْلٌ مُجْتَمَعَةٌ. سَلَامَةُ بْنُ مِشْكَمٍ: وَذَكَرَ سلّام بن مشكم، ويقال فيه سلّام، وَيُقَالُ: إنّهُ وَلَدُ شَعْثَاءَ الّتِي يَقُولُ فِيهَا حَسّانُ: لِشَعْثَاءَ الّتِي قَدْ تَيّمَتْهُ ... فَلَيْسَ لِعَقْلِهِ منها شفاء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ: شَمَاطِيطُ جُرْهُمِ. الشّمَاطِيطُ: الْخَيْلُ الْمُتَفَرّقَةُ، وَيُقَالُ لِلْأَخْلَاطِ مِنْ النّاسِ أَيْضًا شَمَاطِيطُ، وَأَصْلُهُ مِنْ الشّمِيطِ، وَهُوَ اخْتِلَاطُ الظّلَامِ بِالضّوْءِ، وَمِنْهُ الشّمَطُ فِي الرّأْسِ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ أَكُنْ لِأُقْرِحَهُ، وَالْمُقْرَحُ: الّذِي قَدْ أَثْقَلَهُ الدّيْنُ، وَقَدْ تَقَدّمَ شَرْحُهُ. وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَى بَحْرَانِ مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ، فَأَقَامَ بِهِ شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرَ، وَجُمَادَى الْأُولَى. الْفُرُعُ بِضَمّتَيْنِ، يُقَالُ: هِيَ أَوّلُ قَرْيَةٍ مَارَتْ إسْمَاعِيلَ وَأُمّهُ التّمْرَ بِمَكّةَ، وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، وَفِيهَا عَيْنَانِ يُقَالُ لَهُمَا الرّبُضُ وَالنّجْفُ يَسْقِيَانِ عِشْرِينَ أَلْفَ نَخْلَةٍ كَانَتْ لِحَمْزَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ. وَتَفْسِيرُ الرّبُضِ: مَنَابِتُ الْأَرَاكِ فِي الرّمْلِ وَالْفَرَعُ بِفَتْحَتَيْنِ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ. قَالَ سُوَيْد بْنُ أَبِي كَاهِلٍ: حَلّ أَهْلِي حَيْثُ لَا أَطْلُبُهَا ... جَانِبَ الْحَضْرِ وَحَلّتْ بِالْفَرَعِ «1» ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ. وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ: أَقَامَ شَهْرَ ربيع وجمادى لأن لربيع مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اسْمِ الشّهْرِ، وَزَمَنِ الرّبِيعِ، فَكَانَ فِي لَفْظِ الشّهْرِ بَيَانٌ لِمَا أَرَادَ. وَجُمَادَى اسْمُ عَلَمٍ لَيْسَ فِيهِ اشْتِرَاكٌ، وَقَدْ قَدّمْنَا قَوْلَ سِيبَوَيْهِ، وَمِمّا لَا يَكُونُ الْعَمَلُ إلّا فِيهِ كُلّهِ الْمُحَرّمُ وَصَفَرٌ يَعْنِي هَذِهِ الْأَسْمَاءَ كلّها، وكذلك أسماء

_ (1) وقبه: أرق العين خيال لم يدع ... من سليمى، ففؤادى منتزع

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأيام، لا تقول: سرت الخميس ولا مثبت الأربعاء إلا والعمل فيه كلّه؟؟؟ تَقُولَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، أَوْ يَوْمَ كَذَا، وَفِي الشّهور شهر كذا، فحينئذ يكون ظرفا لَا يَدُلّ عَلَى وُقُوعِ الْعَمَلِ فِيهِ كُلّهِ. خَبَرُ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَقَدْ تَقَدّمَ مِنْهُ طَرَفٌ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ. وَفِيهِ أَنّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيّ قَالَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أحسن فى مولى وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَضِبَ حَتّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظِلَالًا، هَكَذَا فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ مُصَحّحًا عَلَيْهِ، وَفِي غَيْرِهَا ظُلَلًا جَمْعُ ظُلّةٍ، وَقَدْ تُجْمَعُ فُعْلَة عَلَى فَعَالٍ نَحْوَ بُرْمَةٍ وَبِرَامٍ وَجُفْرَةٍ وَجِفَارٍ «1» فَمَعْنَى الرّوَايَتَيْنِ إذًا وَاحِدٌ، وَالظّلّةُ مَا حَجَبَ عَنْك ضَوْءَ الشّمْسِ وَصَحْوَ السّمَاءِ، وَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَشْرِقًا بَسّامًا، فَإِذَا غَضِبَ تَلَوّنَ أَلْوَانًا فَكَانَتْ تِلْكَ الْأَلْوَانُ حَائِلَةً دُونَ الْإِشْرَاقِ وَالطّلَاقَةِ وَالضّيَاءِ الْمُنْشَرِ عِنْدَ تَبَسّمِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّهُ كَانَ يَسْطَعُ عَلَى الْجِدَارِ نُورٌ مِنْ ثَغْرِهِ إذَا تَبَسّمَ، أَوْ قَالَ: تكلّم، ينظر فى الّشمائل للتّرمذىّ.

_ (1) برمة: قدر من الحجارة، والجفرة: جوف الصدر، وقيل ما يحمع البطن والجنبين، وقيل منحنى الضلوع. ومثلهما براق جمع برقة وهى أرض غليظة مخلتطة بالحجارة، وقلال جمع قلة: الجرة العظيمة، وجباب جمع جبة:؟؟؟ من الثياب، وقباب وخلال. ويكثر هذا فى المضاعف ويقتصر فى الأجوف على فعل، كسور ودول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ فِيهِ الْآيَةَ الّتِي نَزَلَتْ فِيهِمْ: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْفِئَةِ عَلَى وَزْنِ فِعَة مِنْ فَأَوْتُ رَأْسَهُ بِالْعَصَا إذَا شَقَقْته، أَوْ مِنْ الْفَأْوِ، وَهِيَ جِبَالٌ مُجْتَمَعَةٌ، وَبَيْنَهُمَا فُسْحَةٌ مِنْ الْأَرْضِ، فَحَقِيقَةُ الْفِئَةِ الْفرْقَةُ الّتِي كَانَتْ مُجْتَمَعَةً مَعَ الْأُخْرَى، فَافْتَرَقَتْ «1» . سَرِيّةُ زَيْدٍ ذَكَرَ فِيهَا فُرَاتَ بْنَ حَيّانَ الْعِجْلِيّ مَنْسُوبٌ إلَى عَجِلِ بْنِ لُجَيْمِ بن صعب ابن عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ. وَاللّجَيْمُ: تَصْغِيرُ لُجَمٍ وَهِيَ دُوَيْبّةٌ تَطِيرُ بِهَا الْعَرَبُ، وَأَنْشَدُوا: لها ذنب مثل ذيل العرو ... س إلى سَبّةٍ مِثْلَ جُحْرِ اللّجَمْ وَكَانَ عَيْنَ قُرَيْشٍ وَدَلِيلَ أَبِي سُفْيَانَ، أَسْلَمَ فُرَاتٌ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَقَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنّ مِنْكُمْ رِجَالًا نَكِلْهُمْ إلَى إسْلَامِهِمْ، مِنْهُمْ فُرَاتٌ «2» ، وَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إلى ثمّامة بن

_ (1) وضع الراغب مئة فى مادة فيأ، وقال: الفئه: الجماعة المتظاهرة التى يرجع بعضهم إلى بعض فى التعاضد. وبقول ابن فارس عن مادة فأو: أصل صحيح يدل على انفراج فى شىء يقال: فأوت رأسه بالسيف فأوا. ى: فلفته، والفأو: فرجة ما بين الجبلين، ولم نذكر فيها كلمة فئة. (2) الذى خرج الحديث هو أبو العباس بن عقدة بسنده من على: أتى للنبى، صلى الله عليه وآله وسلم يفرت بن حيان يوم الخندق، وكان عينا المشركين أو بقنه، فقال: إنى مسلم، فقال: إن منكم من أتألعهم على الإسلام، وأكله إلى إيمانه، منهم: فرات بن حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أُثَالٍ فِي شَأْنِ مُسَيْلِمَةَ، وَرَدّتْهُ، وَمَرّ بِهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالرّجّالُ بْنُ عُنْفُوَةَ، فَقَالَ: ضرس أجدكم فِي النّارِ مِثْلُ أُحُدٍ، فَمَا زَالَ فُرَاتٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ خَائِفِينَ حَتّى بَلَغَتْهُمَا رِدّةُ الرّجّالِ، وَإِيمَانُهُ بِمُسَيْلِمَةَ، فَخَرّا سَاجِدِينَ، وَاسْمُ الرّجّالِ: نَهَارُ بْنُ عُنْفُوَةَ، وَالْعُنْفُوَةُ ضَرْبٌ مِنْ النّبْتِ، يُقَالُ لَهُ الصّلّيَان. وَفِيهَا يَقُولُ حَسّانُ: دَعُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا الْفَلَجَاتُ: جَمْعُ فَلَجٍ، وَهِيَ الْعَيْنُ الْجَارِيَةُ، يُقَالُ: مَاءٌ فَلَجٌ، وَعَيْنٌ فَلَجٌ، وَذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: فَلَحَات بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَالَ: الْفَلَحَةُ الْمَزْرَعَةُ «1» . حَوْلَ كَلِمَةِ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُلْكِ: وَقَوْلُهُ: جِلَادُ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ. أَيْ: الّتِي أَكَلَتْ الْأَرَاكَ، فَدُمِيَتْ أَفْوَاهُهَا، وَالْمَخَاضُ «2» وَاحِدَتُهَا خَلِفَةٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا، وَهِيَ الْحَامِلُ [مِنْ النّوقِ] ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْوَاحِدِ مَاخِضٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الطائى:

_ (1) ذكر اللسان من معانى الفلجات: المزارع واستشهد على هذا بنفس بيت حسان، وقال فى مادة فلح: والفلحة: القراح الذى اشتق للزرع عن أبى حنيفة، وأنشد لحس؟؟؟ ن. ثم ذكر البيت. (2) الحوامل من النوق أو العشار التى أتى عليها من حملها عشرة أشهر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَخّرْتهَا عَنْ وَقْتِهَا وَهِيَ مَاخِضُ وَعِنْدِي أَنّ الْمَخَاضَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِجَمْعِ، إنّمَا هُوَ مَصْدَرٌ؛ وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِهِ الْجَمِيعُ، وَفِي التّنْزِيلِ: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ وَقَوْلُهُمْ. نَاقَةٌ مَاخِضٌ، كَقَوْلِهِمْ: حَامِلٌ، أَيْ: ذَاتُ مَخَاضٍ، وَذَاتُ حَمْلٍ، وَقَدْ يَقُولُ الرّجُلُ لِنِسَائِهِ أَنْتُنّ الطّلَاقُ، فَلَيْسَ الطّلَاقُ بِجَمْعِ، وَإِنّمَا مَعْنَاهُ: ذَوَاتُ طَلَاقٍ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْمَخَاضِ، أَيْ ذَوَاتُ مَخَاضٍ، غَيْرَ أَنّهُ قِيلَ لِلْوَاحِدَةِ: مَاخِضٌ، وَلَمْ يَقُلْ: نَاقَةٌ مَخَاضٌ، أَيْ: ذَاتُ مَخَاضٍ، كَمَا يُقَالُ: امْرَأَةٌ زَوْرٌ وَصَوْمٌ، لِأَنّ الْمَصْدَرَ إذَا وُصِفَ بِهِ فَإِنّمَا يُرَادُ بِهِ الْكَثِيرُ وَلَا تَكْثِيرُ فِي حَمْلِ الْوَاحِدَةِ، أَلَا تَرَى أَنّك تَقُولُ هِيَ أَصْوَمُ النّاسِ، وَمَا أَصْوَمَهَا، وَلَا يُقَالُ إذَا حَبَلَتْ: مَا أَحْبَلَهَا، لِأَنّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، كَمَا لَا يُقَالُ فِي الْمَوْتِ: مَا أَمْوَتَهَا، فَلَمّا عَدِمَ قَصْدَ التّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ لَمْ توصف به، كمالا توصف بالسّير إذا قلت: ما هى إلّا سير، فَإِذَا كَانَتْ إبِلًا كَثِيرَةً حَصَلَ مَعْنَى الْكَثْرَةِ، فَوُصِفَتْ بِالْمَخَاضِ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ لِذَلِكَ، فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ يَقُولُ الرّجُلُ: أَنْتِ الطّلَاقُ، وَأَنْتِ الْفِرَاقُ قُلْنَا: فِيهِ مَعْنَى التّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ، وَلِذَلِكَ جَازَ لِأَنّهُ شَيْءٌ يَتَمَادَى وَيَدُومُ، لَا سِيّمَا إنْ أراد بالطلاق الطلاق كلّه لا واحدة، وليس كَذَلِكَ الْمَخَاضُ وَالْحَمْلُ، فَإِنّ مُدّتَهُ مَعْلُومَةٌ وَمِقْدَارُهُ موقّت. وَقَوْلُهُ: بِأَيْدِي الْمَلَائِكِ، هُوَ جَمْعُ مَلَكٍ عَلَى غَيْرِ لَفْظِهِ، وَلَوْ جَمَعُوهُ عَلَى لَفْظِهِ لَقَالُوا:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَمْلَاكٌ، وَلَكُنّ الْمِيمَ مِنْ مَلَكٍ زَائِدَةٌ فِيمَا زَعَمُوا، وَأَصْلُهُ مَأْلُك مِنْ الْأُلُوكِ، وَهِيَ الرّسَالَةُ، قَالَ لَبِيدٌ: وَغُلَامٌ أَرْسَلْته أُمّهُ ... بِأَلُوكِ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلَ وَقَالَ الطّائِيّ: مَنْ مُبْلِغُ الْفِتْيَانَ عنى مألكا ... أ؟؟؟ ى مَتَى يَتَثَلّمُوا أَتَهَدّمُ و [أَبُو تَمّامٍ حَبِيبُ بْنُ أَوْسٍ] الطّائِيّ وَإِنْ كَانَ مُتَوَلّدًا، فَإِنّمَا يُحْتَجّ بِهِ لِتَلَقّي أَهْلِ الْعَرَبِيّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنّهُ لَمْ يَلْحَنْ، وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ مَأْلُكًا فَإِنّمَا قَلَبُوهُ إرَادَة إلْغَاءِ الهمزة، إذا سَهّلُوا وَلَوْ سَهّلُوا مَأْلُكًا، وَالْهَمْزَةُ مُقَدّمَةٌ لَمْ تَسْقُطْ، وَإِنّمَا تَسْقُطُ إذَا سُكّنَ قَبْلَهَا، فَقَالُوا مَلْك «1» ، فَإِذَا جَمَعُوا عَادَتْ الْهَمْزَةُ، وَلَمْ تَعُدْ إلَى مَوْضِعِهَا لِئَلّا تَرْجِعَ كَجَمْعِ مَأْلُكَةٍ، وَهِيَ الرّسَالَةُ وَلَوْ قِيلَ: إنّ لَفْظَ مَلَكٍ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَلَكُوتِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُهْمَزْ، لِأَنّ أَكْثَرَ الْمَلَائِكَةِ لَيْسُوا بِرُسُلِ، وَلَوْ أُرِيدَ مَعْنَى الرّسَالَةِ لَقَالُوا مُؤْلَكٌ، كَمَا تَقُولُ: مُرْسَلٌ، وَلَضَمّتْ الْمِيمُ فِي الْوَاحِدِ، وَتَكُونُ الْهَمْزَةُ عَلَى هَذَا زَائِدَةٌ فى الجميع

_ (1) فى اللسان عن اشتقاق الملك من ألك «والملك مشتق منه وأصله: مألك، ثم قلبت الهمزة إلى موضع اللام، فقيل ملاك» ثم حففت الهمزة بأن ألقيت حركتها على الساكن الذى قبلها فقيل: ملك. ويقول القرطبى أيضا: أصله مألك. الهمزة: فاء الفعل، فإنهم قلبوها إلى عينه، فقالوا: ملأك ثم سهلوه فقالوا ملك، وقيل أصله ملأك من ملك يملك نحو شمأل من شمل فالهمزة زائدة عن ابن كيسان أيضا، وقد تأتى فى الشعر على الأصل، قال الشاعر، ثم استشهد بالبيت الذى سنعلق عليه فى الرقم التالى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَمَا زَادُوهَا فِي شَمْأَلٍ وَهِيَ مِنْ شَمَلَتْ الرّيحُ، لَكَانَ هَذَا وَجْهًا حَسَنًا، وَسِرّ زِيَادَةِ الْهَمْزَةِ فِي شَمْأَلٍ، وَهِيَ مِنْ شَمَلَتْ الرّيحُ، فَأَطْلَعَتْ الْهَمْزَةُ رَأْسَهَا لِذَلِكَ، إذْ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهَا أَنّهَا مِنْ عَنْ شِمَالِ الْبَيْتِ، وَأَنّهَا شَامِيّةٌ، وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ هُمْ مِنْ مَلَكُوتِ اللهِ، وفيهم رسل، ولواحد مِنْهُمْ مِنْ مَلَكُوتِ اللهِ فَقَطْ، لِأَنّهُ لَا يَتَبَعّضُ كَمَا تَتَبَعّضُ الْجُمْلَةُ مِنْهُمْ، فَأَمّا قَوْلُ الشّاعِرِ: فَلَسْت لِإِنْسِيّ وَلَكِنْ لَمَأْلُك ... تَنْزِلُ مِنْ جَوّ السّمَاءِ يَصُوبُ فَهَمَزَ مَأْلُكًا «1» ، وَهُوَ وَاحِدٌ، وَالْبَيْتُ مَجْهُولٌ قَائِلُهُ، وَقَدْ نَسَبَهُ ابْنُ سِيدَهْ إلَى عَلْقَمَةَ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ وَصَفَ مَأْلُكًا بِالرّسَالَةِ لِقَوْلِهِ: تَنْزِلُ مِنْ جوّ السّماء يصوب، فحسن الهمز لِتَضَمّنِهِ مَعْنَى الْأُلُوكِ، كَمَا حَسُنَ فِي جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ، إذْ لِلْجُمْلَةِ بَعْضُ هَمّ إرْسَالٍ، وَالْكُلّ مِنْ مَلَكُوتِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَلَيْسَ فِي الْوَاحِدِ إلّا مَعْنَى الْمَلَكُوتِيّة فَقَطْ حَتّى يَتَخَصّصَ بِالرّسَالَةِ، كَمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ، فَيَتَضَمّنُ حِينَئِذٍ الْمَعْنَيَيْنِ، فَتَطْلُعُ الْهَمْزَةُ فِي اللّفْظِ، لِمَا فِي ضمنه معنى الألوك، وهى الرسالة.

_ (1) فى اللسان والقرطبى وغيرهما: ملاك. ويقول القرطبى: قال النصر بن شميل: اشتقاق للملك عند العرب وفى الطبرى أيضا، ولكنه يقول: وقد يقال فى واحدهم: مألك فيكون ذلك مثل قولهم: جبذ وجذب، وشأمل وشمأل وما أشبه ذلك من الحروف المقلوبة غير أن الذى يجب إذا سمى واحدهم مألك أن يجمع إذا جمع على ذلك: مآلك. ولست أحفظ جمعهم كذلك سماعا ولكنهم قد يجمعون ملائك وملائكة كما يجمع اشعث: أشاعث وأشاعثة، ومسمع: مسامع ومسامعة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ذَكَرَ فِيهِ أَنّهُ شَبّبَ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَآذَاهُمْ، وَكَانَ قَدْ شَبّبَ بِأُمّ الْفَضْلِ زَوْجِ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَقَالَ: أَرَاحِلٌ أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ لَمِنْعَبَته «1» ... وَتَارِكٌ أَنْتَ أُمّ الْفَضْلِ بِالْحَرَمِ فِي أَبْيَاتٍ رَوَاهَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ. وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: مَنْ لِكَعْبِ [بْنِ الْأَشْرَفِ] ، فَقَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ «2» . فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ: وُجُوبُ قَتْلِ مَنْ سَبّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنْ كَانَ ذَا عَهْدٍ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ فَإِنّهُ لَا يَرَى قَتْلَ الذّمّيّ فِي مِثْلِ هَذَا، وَوَقَعَ فِي كِتَابِ شَرَفِ الْمُصْطَفَى أَنّ الّذِينَ قُتِلُوا كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ حَمَلُوا رَأْسَهُ فِي مِخْلَاةٍ إلَى الْمَدِينَةِ، فَقِيلَ: إنّهُ أَوّلُ رَأْسٍ حُمِلَ فِي الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: بَلْ رَأْسُ أَبِي عَزّةَ الْجُمَحِيّ الّذِي قَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ، فَقَتَلَهُ وَاحْتَمَلَ رَأْسَهُ فِي رُمْحٍ إلَى الْمَدِينَةِ فِيمَا ذُكِرَ، وَأَمّا أَوّلُ مُسْلِمٍ حُمِلَ رَأْسُهُ فِي الإسلام، فعمرو بن الحمق، وله صحبة.

_ (1) لمنعبته خطأ صوابه: منقبة كما جاء فى الطبرى والمواهب الذى ينقل عن السهيلى. واقرأ القصيدة فى ص 488 ح 2 الطبرى ط دار المعارف و؟؟؟ البيت الأول فى الطبرى: أراحل أنت لم تحلل بمنقبة ويثبت الطبرى أنه شبب بعدها بنساء المسلمين (2) هذه رواية البخارى عن جابر.؟؟؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ حَسّانَ فِي كَعْبٍ: بَكَى كَعْبٌ ثُمّ عُلّ بِعَبْرَةِ «1» فِيهِ دُخُولُ زِحَافٍ عَلَى زِحَافٍ، وَذَلِكَ أَنّ أَوّلَ الْجُزْءِ سَبَبٌ ثَقِيلٌ وَسَبَبٌ خَفِيفٌ فَإِذَا دَخَلَ فِيهِ الزّحَافُ الّذِي يُسَمّى الْإِضْمَارُ صَارَا سَبَبَيْنِ خَفِيفَيْنِ، فَيَعُودُ مُتَفَاعِلُن إلَى وَزْنِ مُسْتَفْعِلُنْ، وَمُسْتَفْعِلُنْ يَدْخُلُهُ الْخَبْنُ وَالطّيّ، وَهُوَ حَذْفُ الرّابِعِ مِنْهُ، فَشَبّهَ حَسّانُ مُتَفَاعِلَانِ فِي الْكَامِلِ بِمُسْتَفْعِلُنْ لَمّا صَارَ إلَى وَزْنِهِ، فَحُذِفَ الْحَرْفُ السّاكِنُ وَهُوَ الرّابِعُ مِنْ مُتَفَاعِلُن إلَى وَزْنِ مُفْتَعِلُنْ، وَهُوَ غَرِيبٌ فِي الزّحَافِ فَإِنّهُ زِحَافٌ سَهْلٌ زِحَافًا آخَرَ، وَلَوْلَا الزّحَافُ الّذِي هُوَ الْإِضْمَارُ، مَا جَازَ الْبَتّةَ حَذْفُ الرّابِعِ مِنْ مُتَفَاعِلُن «2» . وَذَكَرَ فِي الّذِينَ قَتَلُوا كَعْبًا أَبَا عَبْسِ بْنِ جَبْر، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الرّحْمَنِ، وَذَكَرَ سَلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ، وَاسْمُهُ: سَعْدٌ. وَذَكَرَ فِي شِعْر حَسّانَ الْفَاوِيّ «3» ، وفيه: بِبِيضِ ذُفّفِ. الذّفّفُ: جَمْعُ ذَفِيفٍ وَهُوَ الْخَفِيفُ السّرِيعُ، وَهُوَ جَمْعٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَإِنّمَا فُعّل جَمْعُ فَاعِلٍ وَلَكِنّ الذّفِيفَ مِنْ السّيُوفِ فى معنى القاطع والصارم.

_ (1) فى نسخة من السيرة: أبكى لكعب وأخرى أبكاه كعب. وأخرى: أبكى كعب. (2) هذه مصطلحات عروضية، وقد سبق الكلام عنها. (3) البيت فى اللسان هكذا رب خال لى لو أبصرته ... سبط الكعين فى اليوم الخصر ومنسوب إلى حسان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهِ: فِي عَرِينٍ مُغْرِفٍ. الْعَرِينُ: أَجَمَةُ الْأَسَدِ، وَهُوَ الْغَرِيفُ أَيْضًا، وَالْغَرِيفُ أَيْضًا الْكَثِيرُ، فَيَحْتَمِلُ إنّ أَرَادَ بِمُغْرِفِ مُكْثِرًا مِنْ الْأُسْدِ، وَيَحْتَمِلُ إنْ أَرَادَ تَوْكِيدَ مَعْنَى الْغَرِيفِ، كَمَا يُقَالُ: خَبِيثٌ مُخْبِثٌ. وَذَكَرَ قَوْلَ امْرَأَةِ كَعْبٍ: وَاَللهِ إنّي لَأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشّرّ، وَفِي كِتَابِ الْبُخَارِيّ: إنّي لَأَسْمَعُ صَوْتًا يَقْطُرُ مِنْهُ الدّمُ. وَفِيهِ: مَا رَأَيْت عِطْرًا كَالْيَوْمِ، مَعْنَاهُ: عِنْدَ سِيبَوَيْهِ: مَا رَأَيْت كَعِطْرِ أَرَاهُ الْيَوْمَ عِطْرًا: كَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ رَجُلًا، أَيْ: كَرَجُلِ أَرَاهُ الْيَوْمَ رَجُلًا، فَحَذَفَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْكَافُ، وَحَذَفَ الْفِعْلَ، وَهُوَ أَرَى، وَفَاعِلُهُ وَمَفْعُولُهُ، وَهَذَا حَذْفُ كَثِيرٍ لَا سِيمَا، وَقَدْ يُقَالُ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ، وَلَا تُذْكَرُ بَعْدَهُ شَيْئًا إذَا تَعَجّبْت، فَدَلّ عَلَى أَنّهُمْ لَمْ يَحْذِفُوا هَذَا الْحَذْفَ الْكَثِيرَ، وَلَكِنّهُمْ أَوْقَعُوا التّعَجّبَ عَلَى الْيَوْمِ، لِأَنّ الْأَيّامَ تَأْتِي بِالْأَعَاجِيبِ، وَالْعَرَبُ تَذُمّهَا وَتَمْدَحُهَا فِي نَظْمِهَا وَنَثْرِهَا، وَيَعْلَمُ الْمُخَاطَبُ أَنّ الْيَوْمَ لَمْ يُذَمّ لِنَفْسِهِ وَلَا يُعْجَبُ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، فَيَلْتَمِسُ مِنْك الْبَيَانَ وَالتّفْسِيرَ لِمَا تَعَجّبْت مِنْهُ، فَتَأْتِي بِالتّمْيِيزِ لِتُبَيّنَ. فَعِطْرًا مَنْصُوبٌ عَلَى التّمْيِيزِ، وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّهُ يَحْسُنُ خَفْضُهُ بِمِنْ، لِأَنّهُ مُتَعَجّبٌ مِنْهُ، فَتَقُولُ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مِنْ رَجُلٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَمَشَوْا سَاعَةً، قَالَ فجعل كعب ينشد:

أمر محيصة وحويصة

[أَمْرُ مُحَيّصَةَ وَحُوَيّصَةَ] [لَوْمُ حُوَيّصَةَ لِأَخِيهِ مُحَيّصَةَ لِقَتْلِهِ يَهُودِيّا ثُمّ إسْلَامُهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ، فَوَثَبَ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ رُبّ خَالٍ لِي لَوْ أَبْصَرْته ... سَبِطِ الْمِشْيَةِ أَبّاءٍ أَنِفْ لَيّنِ الْجَانِبِ فِي أَقْرَبِهِ ... وَعَلَى الْأَعْدَاءِ كَالسّمّ الدّعُفْ وَكِرَامٍ لَمْ يَشِنْهُمْ حَسَبٌ ... أَهْلِ عِزّ وَحُفّاظٍ وَشَرَفْ يَبْذُلُونَ الْمَالَ فِيمَا نَابَهُمْ ... لِحُقُوقِ تَعْتَرِيهِمْ وَعُرَفْ وَلُيُوثٍ حِينَ يَشْتَدّ الْوَغَى ... غَيْرِ أَنْكَاسٍ وَلَا مِيلٍ كُشُفْ فَهُمْ أَهْلُ سَمَاحٍ وَقِرًى ... وَحُفّاظٍ لَمْ يُعَانُوا بِصَلَفْ سَكَنُوا مِنْ يَثْرِبَ كُلّ رُبًى ... وَسُهُولٍ حَيْثُ حَلّوا فِي أُنُفْ وَهُمْ أَهْلُ مَشَارِيبَ بِهَا ... وَحُصُونٍ وَنَخِيلٍ وَغُرَفْ وَلَهَا بِئْرٌ رَوَاءٌ جَمّةٌ ... مَنْ يَرْدِهَا بِإِنَاءِ يَغْتَرِفْ وَنَخِيلٍ فِي تِلَاعٍ جَمّةٍ ... تُخْرِجُ التّمْرَ كَأَمْثَالِ الْأَكُفّ وَصَرِير مِنْ محال خلته ... آخر الليل مهاربج نُدُفْ «1» تَدْلُجُ الْجُونُ عَلَى أَكْتَافِهَا ... بِدِلَاءِ ذَاتِ أَرْكَانٍ صَدَفْ كُلّ حَاجَاتِي قَدْ قَضَيْتهَا ... غَيْرَ حاجاتى فى بطن الجرف

_ (1) لم أهتد إلى الصواب فيه، ولعله: أهازيج رتف.

رواية أخرى فى إسلام حويصة

مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ- عَلَى ابْنِ سُنَيْنَة- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ سُبَيْنَة- رَجُلٌ مِنْ تُجّارِ يَهُودَ، كَانَ يُلَابِسُهُمْ وَيُبَايِعُهُمْ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ حُوَيّصَة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم، كان أَسَنّ مِنْ مُحَيّصَةَ، فَلَمّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيّصَةَ يَضْرِبُهُ، وَيَقُولُ: أَيْ عَدُوّ اللهِ، أَقَتَلْتَهُ، أَمَا وَاَللهِ لَرُبّ شَحْمٍ فِي بَطْنِك مِنْ مَالِهِ. قَالَ مُحَيّصَةُ: فَقُلْت: وَاَللهِ لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِك لَضَرَبْتُ عُنُقَك، قَالَ: فَوَاَللهِ إنْ كَانَ لِأَوّلِ إسْلَامِ حُوَيّصَةَ، قَالَ: آوَللهِ لَوْ أَمَرَك مُحَمّدٌ بِقَتْلِي لَقَتَلْتَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاَللهِ لَوْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِك لَضَرَبْتُهَا! قَالَ: وَاَللهِ إنّ دِينًا بَلَغَ بِك هَذَا لَعَجَبٌ، فَأَسْلَمَ حُوَيّصَة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ مَوْلًى لِبَنِي حَارِثَةَ، عَنْ ابْنِهِ محيّصة، عن أبيها محيّصة. فقال محيّصة فى ذلك. يَلُومُ ابْنُ أُمّي لَوْ أُمِرْتُ بِقَتْلِهِ ... لَطَبّقْتُ ذِفْرَاهُ بِأَبْيَضَ قَاضِبِ حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أُخْلِصَ صَقْلُهُ ... مَتَى مَا أُصَوّبْهُ فَلَيْسَ بِكَاذِبِ وَمَا سَرّنِي أَنّي قَتَلْتُكَ طَائِعًا ... وَأَنّ لَنَا مَا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ [رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي إسْلَامِ حُوَيّصَةَ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ، قَالَ: لَمّا ظَفَرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَنِي قُرَيْظَةَ أَخَذَ مِنْهُمْ نحوا من أربع مائة رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ، وَكَانُوا حَلْفَاءَ الْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المدة بين قدوم الرسول بحران وغزوة أحد

وَسَلّمَ بِأَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ، فَجَعَلَتْ الْخَزْرَجُ تَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ وَيَسُرّهُمْ ذَلِكَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْخَزْرَجِ وَوُجُوهُهُمْ مُسْتَبْشِرَةٌ، وَنَظَرَ إلَى الْأَوْسِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ، فَظَنّ أَنّ ذَلِكَ لِلْحِلْفِ الّذِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَة وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ إلّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَدَفَعَهُمْ إلَى الْأَوْسِ، فَدَفَعَ إلَى كُلّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَوْسِ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَالَ: لِيَضْرِبَ فُلَانٌ وَلْيُذَفّفْ فُلَانٌ، فَكَانَ مِمّنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ كَعْبُ بْنُ يَهُوذَا، وَكَانَ عَظِيمًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَدَفَعَهُ إلَى مُحَيّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَإِلَى أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ- وَأَبُو بُرْدَةَ الّذِي رَخّصَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَنْ يَذْبَحَ جَذَعًا مِنْ الْمَعْزِ فِي الْأَضْحَى- وَقَالَ لِيَضْرِبَهُ مُحَيّصَةُ وَلِيُذَفّفْ عَلَيْهِ أَبُو بُرْدَةَ، فَضَرَبَهُ مُحَيّصَةُ ضَرْبَةً لَمْ تَقْطَعْ، وَذَفّفَ أَبُو بُرْدَةَ فَأَجْهَزَ عَلَيْهِ. فَقَالَ حُوَيّصَة: وكان كافرا، لأخيه محيّصة: أقتلت كعب بن يَهُوذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ حُوَيّصَة: أَمَا وَاَللهِ لَرُبّ شَحْمٍ قَدْ نَبَتَ فِي بَطْنِك مِنْ مَالِهِ، إنّك لَلَئِيمٌ يَا مُحَيّصَةُ، فَقَالَ لَهُ مُحَيّصَةُ: لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بقتلك لَقَتَلْتُك، فَعَجِبَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمّ ذَهَبَ عَنْهُ مُتَعَجّبًا. فَذَكَرُوا أَنّهُ جَعَلَ يَتَيَقّظُ مِنْ اللّيْلِ: فَيَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ أَخِيهِ مُحَيّصَةَ. حَتّى أَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللهِ إنّ هَذَا لَدِينٌ. ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ مُحَيّصَةُ فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا قَدْ كَتَبْنَاهَا. [المدة بين قدوم الرسول بحران وَغَزْوَةِ أُحُدٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ إقَامَةُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة أحد

قدومه من بحران، جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ، وَغَزَتْهُ قُرَيْشٌ غَزْوَةَ أُحُدٍ فِي شَوّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ [غَزْوَةُ أُحُد] وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ أُحُدٍ، كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ وَمُحَمّدُ بْنُ يحيى ابن حِبّانَ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ ابن مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلّهُمْ قَدْ حَدّثَ بَعْضَ الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ، وَقَدْ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ كُلّهُ فِيمَا سُقْتُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالُوا، أَوْ مَنْ قَالَهُ منهم: [التّحْرِيضُ عَلَى غَزْوِ الرّسُولِ] لَمّا أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ، وَرَجَعَ فَلّهُمْ إلَى مَكّةَ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِعِيرِهِ، مَشَى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، مِمّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَلّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ مُحَمّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ، وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ، فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ، فَلَعَلّنَا نُدْرِكُ مِنْهُ ثَأْرَنَا بِمَنْ أَصَابَ مِنّا، فَفَعَلُوا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى ذلك من القرآن

[مَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَفِيهِمْ، كَمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَزَلَ اللهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، ثُمَّ يُغْلَبُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ. [اجْتِمَاعُ قُرَيْشٍ لِلْحَرْبِ] فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ فَعَلَ ذلك أبو سفيان بن حرب، وأصحاب العير بأحابيشها، ومن أَطَاعَهَا مِنْ قَبَائِلِ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ. وَكَانَ أَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ الْجُمَحِيّ قَدْ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ وَحَاجَةٍ، وَكَانَ فِي الْأُسَارَى فَقَالَ: إنّي فَقِيرٌ ذُو عِيَالٍ وَحَاجَةٍ قَدْ عَرَفْتَهَا فَامْنُنْ علىّ صلى الله عليه وَسَلّمَ، فَمَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: يَا أَبَا عَزّةَ إنّك امْرُؤٌ شَاعِرٌ، فَأُعِنّا بِلِسَانِك، فَاخْرُجْ مَعَنَا، فَقَالَ: إنّ مُحَمّدًا قَدْ مَنّ عَلَيّ فَلَا أُرِيدُ أَنْ أُظَاهِرَ عَلَيْهِ، قال: فَأَعِنّا بِنَفْسِك، فَلَك اللهُ عَلَيّ إنْ رَجَعْتُ أَنْ أُغْنِيَك، وَإِنْ أُصِبْتَ أَنْ أَجَعَلَ بَنَاتِك مَعَ بَنَاتِي، يُصِيبُهُنّ مَا أَصَابَهُنّ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ. فَخَرَجَ أَبُو عَزّةَ فِي تِهَامَةَ، وَيَدْعُو بَنِي كِنَانَةَ وَيَقُولُ: إيهًا بَنِي عَبْدِ مَنَاةَ الرّزّام ... أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامْ لَا تَعْدُونِي نَصّرَكُمْ بَعْدَ الْعَامِ ... لَا تُسْلِمُونِي لَا يَحِلّ إسلام ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خروج قريش معهم نساؤهم

وَخَرَجَ مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ إلَى بَنِي مَالِكِ ابن كنانة، يحرّضهم ويدعوهم إل حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ: يَا مَالُ، مَالُ الْحَسَبَ الْمُقَدّمِ ... أَنْشُدُ ذَا الْقُرْبَى وَذَا التّذَمّمْ مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ وَمَنْ لَمْ يَرْحَمْ ... الْحِلْفَ وَسْطَ الْبَلَدِ الْمُحَرّمْ عِنْدَ حَطِيمِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظّمْ وَدَعَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ غُلَامًا لَهُ حَبَشِيّا يُقَالُ لَهُ: وَحْشِيّ، يَقْذِفُ بِحَرْبَةِ لَهُ قَذْفَ الْحَبَشَةِ، قَلّمَا يخطىء بِهَا، فَقَالَ لَهُ: اُخْرُجْ مَعَ النّاسِ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيّ، فَأَنْتَ عَتِيقٌ. [خُرُوجُ قُرَيْشٍ مَعَهُمْ نساؤهم] فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ بِحَدّهَا وَجَدّهَا وَحَدِيدِهَا وَأَحَابِيشِهَا، وَمَنْ تابعها من بَنِي كِنَانَةَ، وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِالظّعْنِ، التماس الحفيظة، وألا يفروا. فخرج أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ قَائِدُ النّاسِ، بهند بنت عُتْبَة، وَخَرَجَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ بِأُمّ حَكِيمٍ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وخرج الحارث ابن هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بِبَرْزَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّةِ، وَهِيَ أم عبد الله بن صفوان ابن أُمَيّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: رُقَيّةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِرَيْطَةَ بِنْتِ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَخَرَجَ طَلْحَةُ بْنُ أبى طلحة وأبو طلحة عبد الله ابن عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، بِسُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ الْأَنْصَارِيّةِ وَهِيَ أُمّ بَنِي طَلْحَةَ: مُسَافِعُ وَالْجُلَاسُ وَكِلَابٌ، قُتِلُوا يَوْمئِذٍ (هُمْ) وَأَبُوهُمْ؛ وَخَرَجَتْ خُنَاسُ بِنْتُ مَالِكٍ بْنِ الْمُضْرِبِ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ مَعَ ابْنِهَا أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَهِيَ أُمّ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ؛ وَخَرَجَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ. وَكَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة كُلّمَا مَرّتْ بِوَحْشِيّ أَوْ مَرّ بِهَا، قَالَتْ: وَيْهَا أَبَا دَسْمَةَ اشْفِ وَاسْتَشْفِ، وَكَانَ وَحْشِيّ يُكَنّى بِأَبِي دَسْمَةَ، فَأَقْبَلُوا حَتّى نَزَلُوا بِعَيْنَيْنِ، بِجَبَلٍ بِبَطْنِ السّبْخَةِ مِنْ قَنَاةٍ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي، مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ. [رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ نَزَلُوا حَيْثُ نَزَلُوا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: إنّي قَدْ رَأَيْت وَاَللهِ خَيْرًا، رَأَيْتُ بَقَرًا، وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلْمًا، وَرَأَيْتُ أَنّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، فَأَوّلْتُهَا: المدينة. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ: رَأَيْت بَقَرًا لِي تُذْبَحُ، قَالَ: فَأَمّا الْبَقَرُ فَهِيَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ، وَأَمّا الثّلْمُ الّذِي رَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي، فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مشاورة الرسول القوم فى الخروج أو البقاء

[مُشَاوَرَةُ الرّسُولِ الْقَوْمَ فِي الْخُرُوجِ أَوْ الْبَقَاءِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدْعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ مُقَامٍ، وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا، وَكَانَ رَأْيُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ بن سَلُولَ مَعَ رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرَى رَأْيَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَلّا يَخْرَجَ إلَيْهِمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْرَهُ الْخُرُوجَ، فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِمّنْ أَكْرَمَ اللهُ بِالشّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرِهِ، مِمّنْ كَانَ فَاتَهُ بَدْرٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُخْرُجْ بِنَا إلَى أَعْدَائِنَا، لَا يَرَوْنَ أَنّا جَبُنّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بن أبىّ بن سَلُولَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ لَا تَخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَوَاَللهِ مَا خَرَجْنَا مِنْهَا إلَى عَدُوّ لَنَا قَطّ إلّا أَصَابَ مِنّا، وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا إلّا أَصَبْنَا مِنْهُ، فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ مَحْبِسٍ، وَإِنْ دَخَلُوا قَاتَلَهُمْ الرّجَالُ فِي وَجْهِهِمْ، وَرَمَاهُمْ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَإِنْ رَجَعُوا رجعوا خائبين كما جاؤا. فَلَمْ يَزَلْ النّاسُ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، الّذِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حُبّ لِقَاءِ الْقَوْمِ، حَتّى دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَيْنَ فَرَغَ مِنْ الصّلَاةِ. وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي النجّار، فصلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ نَدِمَ النّاسُ، وَقَالُوا: اسْتَكْرَهْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا ذَلِكَ. فَلَمّا خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: يا رسول الله: استكر هناك وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ صلى الله ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انخذال المنافقين

عَلَيْك، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيّ إذَا لَبِسَ لَأَمْته أَنْ يَضَعَهَا حَتّى يُقَاتِلَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَلْفٍ مِنْ أصحابه. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ على الصّلاة بالناس. [انْخِذَالُ الْمُنَافِقِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى إذَا كَانُوا بِالشّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ، انْخَزَلَ عَنْهُ عبد الله بن أبىّ بن سَلُولَ بِثُلُثِ النّاسِ، وَقَالَ: أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي، مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُل أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيّهَا النّاسُ، فَرَجَعَ بِمَنْ اتّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النّفَاقِ وَالرّيْبِ، وَاتّبَعَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، يَقُولُ: يَا قَوْمِ، أُذَكّرُكُمْ اللهَ أَلّا تَخْذُلُوا قَوْمَكُمْ وَنَبِيّكُمْ عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوّهِمْ؛ فَقَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمَا أَسْلَمْنَاكُمْ، وَلَكِنّا لَا نَرَى أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ. قَالَ: فَلَمّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إلّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ، قَالَ: أَبْعَدَكُمْ اللهُ أَعْدَاءَ اللهِ، فَسَيُغْنِي اللهُ عَنْكُمْ نَبِيّهُ. قَالَ ابن هشام: وذكر زِيَادٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزّهْرِيّ: أَنّ الْأَنْصَارَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا نَسْتَعِينُ بِحُلَفَائِنَا مِنْ يَهُودَ؟ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ. [حَادِثَةٌ تَفَاءَلَ بِهَا الرّسُولُ] قَالَ زِيَادٌ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ، قَالَ: وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما كان من مربع حين سلك المسلمون حائطه

حَتّى سَلَكَ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ، فَذَبّ فَرَسُ بِذَنَبِهِ، فَأَصَابَ كُلّابَ سَيْفٍ فَاسْتَلّهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: كِلَابُ سَيْفٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ يُحِبّ الْفَأْلَ وَلَا يَعْتَافُ لِصَاحِبِ السّيْفِ: شِمْ سَيْفَك، فَإِنّي أَرَى السّيُوفَ سَتُسَلّ الْيَوْمَ. [مَا كَانَ مِنْ مِرْبَعٍ حِينَ سَلَكَ المسلمون حائطه] ثم قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ: أَيْ مِنْ قُرْبٍ، مِنْ طَرِيقٍ لَا يَمُرّ بِنَا عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَنَفَذَ بِهِ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ، وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ، حَتّى سَلَكَ فِي مَالٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيّ، وَكَانَ رَجُلًا مُنَافِقًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ، فَلَمّا سَمِعَ حِسّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَامَ يَحْثِي فِي وُجُوهِهِمْ التّرَابَ، وَيَقُولُ: إنْ كُنْتَ رَسُولَ اللهِ فَإِنّي لَا أُحِلّ لَك أَنْ تَدْخُلَ حَائِطِي. وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنّهُ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ، ثُمّ قَالَ: وَاَللهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّي لَا أُصِيبُ بِهَا غَيْرَك يَا مُحَمّدُ لَضَرَبْتُ بِهَا وَجْهَك. فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقْتُلُوهُ، فَهَذَا الْأَعْمَى أَعْمَى الْقَلْبِ، أَعْمَى الْبَصَرِ. وَقَدْ بَدَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَبْلَ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَضَرَبَهُ بِالْقَوْسِ فِي رَأْسِهِ، فشجّه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من أجازهم الرسول وهم في الخامسة عشرة

قَالَ: وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ الشّعْبَ مِنْ أُحُدٍ، فِي عُدْوَةِ الْوَادِي إلَى الْجَبَلِ، فَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إلَى أُحُدٍ، وَقَالَ: لَا يُقَاتِلُنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ حَتّى نَأْمُرُهُ بِالْقِتَالِ. وَقَدْ سَرّحَتْ قُرَيْشٌ الظّهْرَ وَالْكُرَاعَ فِي زُرُوعٍ كَانَتْ بِالصّمْغَةِ، مِنْ قَنَاةِ لِلْمُسْلِمِينَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القتال: أترعى زروع بنى قيلة ولمّا تضارب! وَتُعَبّى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ للقتال، وهو فى سبع مائة رَجُلٍ، وَأَمّرَ عَلَى الرّمَاةِ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ مُعْلَمٌ يَوْمئِذٍ بِثِيَابِ بِيضٍ، وَالرّمَاةُ خَمْسُونَ رَجُلًا، فقال انْضَحْ الْخَيْلَ عَنّا بِالنّبْلِ، لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا، إنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا، فَاثْبُتْ مَكَانَك لَا نُؤْتَيَنّ مِنْ قِبَلِكِ. وَظَاهَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ. [مَنْ أَجَازَهُمْ الرّسُولُ وَهُمْ فِي الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيّ، وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، أَخَا بَنِي حَارِثَةَ، وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ رَدّهُمَا، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إنّ رَافِعًا رَامٍ، فَأَجَازَهُ، فَلَمّا أَجَازَ رَافِعًا، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنّ سَمُرَةَ يَصْرَعُ رَافِعًا، فَأَجَازَهُ. وَرَدّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُسَامَةَ بن زيد، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، أَحَدَ بَنِي حَارِثَة، وَعَمْرَو بْنَ حَزْمٍ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ، أَحَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر أبى دجانة

بَنِي حَارِثَةَ، ثُمّ أَجَازَهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَعَبّأَتْ قُرَيْشٌ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ، وَمَعَهُمْ مِئَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا عِكْرِمَةَ بن أبى جهل. [أَمْرُ أَبِي دُجَانَةَ] وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السّيْفَ بِحَقّهِ؟ فَقَامَ إلَيْهِ رِجَالٌ، فَأَمْسَكَهُ عَنْهُمْ، حَتّى قَامَ إلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالَ: وَمَا حَقّهُ يَا رسول الله؟ قال: أن تشرب بِهِ الْعَدُوّ حَتّى يَنْحَنِيَ؛ قَالَ: أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللهِ بِحَقّهِ، فَأَعْطَاهُ إيّاهُ. وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلًا شُجَاعًا يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ، إذَا كَانَتْ، وَكَانَ إذَا أَعُلِمَ بِعِصَابَةِ لَهُ حمراء، فاعتصب بها على النّاسُ أَنّهُ سَيُقَاتِلُ، فَلَمّا أَخَذَ السّيْفَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرَجَ عِصَابَتَهُ تِلْكَ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ، وَجَعَلَ يتبختر بين الصّفين. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَسْلَمَ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حِينَ رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ: إنّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللهُ، إلّا فِي مِثْلِ هَذَا الموطن. [أَمْرُ أَبِي عَامِرٍ الْفَاسِق] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن أبا عامر، عبد عمرو ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسلوب أبى سفيان فى تحريض قريش

ابن صَيْفِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّعْمَانِ، أَحَدَ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَقَدْ كَانَ خَرَجَ حِينَ خَرَجَ إلَى مَكّةَ مُبَاعِدًا لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، مَعَهُ خَمْسُونَ غُلَامًا مِنْ الْأَوْسِ، وَبَعْضُ النّاسِ كَانَ يَقُولُ: كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَكَانَ يَعِدُ قُرَيْشًا أَنْ لَوْ قَدْ لَقِيَ قَوْمَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ؛ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ كَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ أَبُو عَامِرٍ فِي الْأَحَابِيشِ وَعُبْدَانُ أَهْلِ مَكّةَ، فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ، أَنَا أَبُو عَامِرٍ؛ قَالُوا: فَلَا أَنْعَمَ اللهُ بِك عَيْنًا يَا فَاسِقُ- وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ يُسَمّى فِي الْجَاهِلِيّةِ: الرّاهِبَ، فسّماء رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: الْفَاسِقَ- فَلَمّا سَمِعَ رَدّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ: لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرّ، ثُمّ قَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمّ رَاضَخَهُمْ بِالْحِجَارَةِ. [أُسْلُوبُ أَبِي سُفْيَانَ فِي تَحْرِيضِ قُرَيْشٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِأَصْحَابِ اللّوَاءِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ يُحَرّضُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْقِتَالِ: يَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ، إنّكُمْ قَدْ وَلّيْتُمْ لِوَاءَنَا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَصَابَنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، وَإِنّمَا يُؤْتَى النّاسُ مِنْ قِبَلِ رَايَاتِهِمْ إذَا زَالَتْ زَالُوا، فَإِمّا أَنْ تَكْفُونَا لِوَاءَنَا، وَإِمّا أَنْ تُخَلّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَنَكْفِيكُمُوهُ، فَهَمّوا بِهِ وَتُوَاعَدُوهُ، وَقَالُوا: نَحْنُ نُسْلِمُ إلَيْك لِوَاءَنَا، سَتَعْلَمُ غَدًا إذَا الْتَقَيْنَا كَيْفَ نَصْنَع! وَذَلِكَ أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ. [تَحْرِيضُ هِنْدَ وَالنّسْوَةِ مَعَهَا] فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ، وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، قَامَتْ هِنْدُ بِنْتُ عتبة فى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعار المسلمين

النّسْوَةِ اللّاتِي مَعَهَا، وَأَخَذْنَ الدّفُوفَ يَضْرِبْنَ بِهَا خَلَفَ الرّجَالِ، وَيُحَرّضْنَهُمْ فَقَالَتْ هِنْدُ فِيمَا تَقُولُ: وَيْهَا بَنِي عَبْدِ الدّارْ ... وَيْهَا حُمَاةَ الْأَدْبَارْ ضَرْبًا بِكُلّ بَتّارْ وَتَقُولُ: إنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ... وَنَفْرِشُ النّمَارِقْ أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ ... فِرَاقَ غَيْرَ وامق [شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ] وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَمِتْ أَمِتْ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. [تَمَامُ قِصّةِ أَبِي دُجَانَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَاقْتَتَلَ النّاسُ حَتّى حَمِيَتْ الْحَرْبُ، وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَةَ حَتّى أَمْعَنَ فِي النّاسِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنّ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ قَالَ: وَجِدْتُ فِي نَفْسِي حِينَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّيْفَ فَمَنَعْنِيهِ وَأَعْطَاهُ أَبَا دُجَانَةَ، وَقُلْت: أَنَا ابْنُ صَفِيّةَ عَمّتَهِ، وَمِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ قُمْت إلَيْهِ فَسَأَلْته إيّاهُ قَبْلَهُ، فَأَعْطَاهُ إيّاهُ وَتَرَكَنِي، وَاَللهِ لَأَنْظُرَنّ مَا يَصْنَعُ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل حمزة

فَاتّبَعَتْهُ، فَأَخْرَجَ عِصَابَةً لَهُ حَمْرَاءَ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: أَخْرِجْ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ، وَهَكَذَا كَانَتْ تَقُولُ لَهُ إذَا تَعَصّبَ بِهَا. فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا الّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي ... وَنَحْنُ بِالسّفْحِ لَدَى النّخِيلِ أَلّا أَقَوْمَ الدّهْرَ فِي الْكَيّولِ ... أَضْرِبُ بِسَيْفِ اللهِ وَالرّسُولِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى فِي الْكُبُول. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلّا قَتَلَهُ. وَكَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَنَا جَرِيحًا إلّا ذَفّفَ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ. فَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَالْتَقَيَا، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَضَرَبَ الْمُشْرِكُ أَبَا دُجَانَةَ، فَاتّقَاهُ بِدَرَقَتِهِ، فَعَضّتْ بِسَيْفِهِ، وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ ثُمّ رَأَيْتُهُ قَدْ حَمَلَ السّيْفَ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة، ثُمّ عَدَلَ السّيْفَ عَنْهَا. قَالَ الزّبِيرُ: فَقُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ: رَأَيْت إنْسَانًا يَخْمُشُ النّاسَ خَمْشًا شَدِيدًا، فَصَمَدْتُ لَهُ، فَلَمّا حَمَلْتُ عَلَيْهِ السّيْفَ وَلْوَلَ فَإِذَا امْرَأَةٌ، فَأَكْرَمْت سَيْفَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَضْرِبَ بِهِ امْرَأَةً. [مَقْتَلُ حَمْزَةَ] وَقَاتَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَتّى قَتَلَ أَرْطَاةَ بْنَ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هاشم ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وحشى يحدث الضمرى وابن الخيار عن قتله حمزة

ابن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، وَكَانَ أَحَدَ النّفَرِ الّذِينَ يَحْمِلُونَ اللّوَاءَ ثُمّ مَرّ بِهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى الْغُبْشَانِيّ، وَكَانَ يُكَنّى بِأَبِي نِيَارٍ، فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ: هَلُمّ إلَيّ يابن مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ- وَكَانَتْ أُمّهُ أُمّ أَنْمَارٍ مَوْلَاةُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ. (قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: شَرِيقُ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ) وَكَانَتْ خَتّانَةً بِمَكّةَ- فَلَمّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ. قَالَ وَحْشِيّ، غُلَامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: والله إنى لأنظر إلى حمزة يهدّ الناس بِسَيْفِهِ مَا يُلِيقُ بِهِ شَيْئًا، مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ العزّى، فقال له حمزة: هلمّ إلىّ يابن مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً، فَكَأَنّ مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ، وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي ثُنّتِهِ حَتّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، فَأَقْبَلَ نَحْوِي، فَغُلِبَ فَوَقَعَ، وَأَمْهَلْتُهُ حَتّى إذَا مَاتَ جِئْت فَأَخَذْت حَرْبَتِي، ثُمّ تَنَحّيْت إلَى الْعَسْكَرِ، وَلَمْ تَكُنْ لِي بِشَيْءِ حَاجَةٌ غَيْرَهُ. [وَحْشِيّ يُحَدّثُ الضّمْرِيّ وَابْنَ الْخِيَارِ عَنْ قَتْلِهِ حَمْزَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمّيّةَ الضّمْرِيّ قَالَ: خُرِجْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ، أَخُو بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَدْرَبْنَا مَعَ النّاسِ، فَلَمّا قَفَلْنَا مَرَرْنَا بِحِمْصَ- وَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَحْشِيّ، مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَدْ سَكَنَهَا، وَأَقَامَ بِهَا- فَلَمّا قَدِمْنَاهَا، قَالَ لِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَدِيّ: هَلْ لَك فِي أَنْ نَأْتِيَ وَحْشِيّا فَنَسْأَلَهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلَهُ؟ قَالَ: قُلْت لَهُ: إنْ شِئْتَ. فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْهُ بِحِمْصَ، فَقَالَ لَنَا رَجُلٌ، وَنَحْنُ نَسْأَلُ عَنْهُ: إنّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْخَمْرُ، فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِيًا تَجِدَا رَجُلًا عَرَبِيّا، وَتَجِدَا عِنْدَهُ بَعْضَ مَا تُرِيدَانِ، وَتُصِيبَا عِنْدَهُ مَا شِئْتُمَا مِنْ حَدِيثٍ تَسْأَلَانِهِ عَنْهُ، وَإِنْ تَجِدَاهُ وَبَهْ بَعْضُ ما يكون به، فانصرفا عنه وَدَعَاهُ، قَالَ: فَخَرَجْنَا نَمْشِي حَتّى جِئْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ بِفِنَاءِ دَارِهِ عَلَى طَنْفَسَةٍ لَهُ، فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ مِثْلُ الْبُغَاثِ. - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْبُغَاثُ: ضَرْبٌ مِنْ الطّيْرِ إلَى السّوَادِ. فَإِذَا هُوَ صَاحٍ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ: فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَيْهِ سَلّمْنَا عَلَيْهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيّ، فَقَالَ: ابْنٌ لِعَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا وَاَللهِ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ نَاوَلْتُك أُمّك السّعْدِيّةَ الّتِي أَرْضَعَتْك بِذِي طُوًى، فَإِنّي نَاوَلْتُكهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا، فَأَخَذَتْك بِعُرْضَيْك، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاك حِينَ رَفَعْتُك إلَيْهَا، فَوَاَللهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ وَقَفْتَ عَلَيّ فَعَرَفْتُهُمَا. قَالَ: فَجَلَسْنَا إلَيْهِ، فَقُلْنَا لَهُ: جِئْنَاك لِتُحَدّثَنَا عَنْ قَتْلِك حَمْزَةَ، كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ فَقَالَ: أَمَا إنّي سَأُحَدّثُكُمَا كَمَا حَدّثْت رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، كُنْتُ غُلَامًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَكَانَ عَمّهُ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ قَدْ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمّا سَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى أُحُدٍ، قَالَ لِي جُبَيْرٌ: إنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي فَأَنْتَ عَتِيقٌ. قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النّاسِ، وَكُنْتُ رَجُلًا حَبَشِيّا أَقْذِفُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وحشى بين يدى الرسول يسلم

بالحربة قذف الحبشة، قلّما أخطىء بِهَا شَيْئًا؛ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ خَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ وَأَتَبَصّرُهُ، حَتّى رَأَيْته فِي عُرْضِ النّاسِ مثل الجمل الأورق، يهذّ الناس بسيفه هذّا، مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ، فَوَاَللهِ إنّي لَأَتَهَيّأُ لَهُ، أُرِيدُهُ وَأَسْتَتِرُ مِنْهُ بِشَجَرَةِ أَوْ حَجَرٍ لِيَدْنُوَ مِنّي إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى، فَلَمّا رَآهُ حَمْزَةُ قَالَ لَهُ: هلمّ إلىّ يابن مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ. قَالَ: فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً كَأَنّ مَا أخطأ رأسه. قال: وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي، حَتّى إذَا رَضِيتُ مِنْهَا، دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي ثُنّتِهِ، حَتّى خَرَجَتْ مِنْ بين رجليه، وَذَهَبَ لِيَنُوءَ نَحْوِي، فَغُلِبَ، وَتَرَكْتُهُ وَإِيّاهَا حَتّى مَاتَ، ثُمّ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمّ رَجَعْت إلَى الْعَسْكَرِ، فَقَعَدْتُ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ، وَإِنّمَا قَتَلْتُهُ لِأُعْتَقَ. فَلَمّا قَدِمْت مَكّةَ أُعْتِقْت، ثُمّ أَقَمْتُ حَتّى إذَا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ هَرَبْتُ إلَى الطّائِفِ، فَمَكَثْت بِهَا، فَلَمّا خَرَجَ وَفْدُ الطّائِفِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُسْلِمُوا تَعَيّتْ عَلَيّ الْمَذَاهِبُ، فَقُلْت: ألحق بالشأم، أَوْ الْيَمَنِ، أَوْ بِبَعْضِ الْبِلَادِ؛ فَوَاَللهِ إنّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمّي، إذْ قَالَ لِي رَجُلٌ: وَيْحَك! إنّهُ وَاَللهِ مَا يَقْتُلُ أَحَدًا مِنْ النّاسِ دَخَلَ فِي دِينِهِ، وَتَشَهّدَ شَهَادَتَهُ. [وَحْشِيّ بَيْنَ يَدَيْ الرّسُولِ يُسْلِمُ] فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ، خَرَجْتُ حَتّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمْ يَرُعْهُ إلّا بِي قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ أَتَشَهّدُ بِشَهَادَةِ الْحَقّ؛ فَلَمّا رَآنِي قَالَ: أَوَحْشِيّ؟ قُلْت: نعم يا رسول الله. قال: افعد فَحَدّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ، قَالَ: فَحَدّثْته كَمَا حَدّثْتُكُمَا، فَلَمّا فَرَغْتُ مِنْ حَدِيثِي قَالَ: وَيْحَك! غيّب عنى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قتل وحشى لمسيلمة

وَجْهَك، فَلَا أُرَيَنّك. قَالَ: فَكُنْتُ أَتَنَكّبُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْثُ كَانَ لِئَلّا يَرَانِي، حَتّى قَبَضَهُ اللهُ- صَلّى اللهُ عليه وسلم. [قَتْلُ وَحْشِيّ لَمُسَيْلِمَةَ] فَلَمّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ خَرَجْت مَعَهُمْ، وَأَخَذْت حَرْبَتِي الّتِي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ؛ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ رَأَيْت مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابَ قَائِمًا فِي يَدِهِ السيف، وما أعرفه، فتهيأت له، ونهيّأ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ النّاحِيَةِ الْأُخْرَى، كِلَانَا يُرِيدُهُ فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيت مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِيهِ، وَشَدّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيّ فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ، فَرَبّك أَعْلَمُ أَيّنَا قَتَلَهُ، فإن كُنْت قَتَلْته، فَقَدْ قَتَلْت خَيْرَ النّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وقد قَتَلْت شَرّ النّاسِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ الْيَمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْت يَوْمئِذٍ صَارِخًا يَقُولُ: قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ. [خَلْعُ وَحْشِيّ مِنْ الدّيوَانِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي أَنّ وَحْشِيّا لَمْ يَزَلْ يُحَدّ فِي الْخَمْرِ حَتّى خُلِعَ مِنْ الدّيوَانِ، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ قَاتِلَ حَمْزَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل مصعب بن عمير

[مَقْتَلُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ، وَكَانَ الّذِي قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللّيْثِيّ، وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: قَتَلْتُ مُحَمّدًا. فَلَمّا قتل مصعب ابن عُمَيْرٍ أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللّوَاءَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَقَاتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيّ، قَالَ: لَمّا اشْتَدّ الْقِتَالُ يَوْمَ أُحُدٍ، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تَحْتَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ: أَنْ قَدّمَ الرّايَة. فَتَقَدّمَ عَلِيّ، فَقَالَ: أَنَا أَبُو الْفُصَمِ، وَيُقَالُ: أَبُو الْقُصَمِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- فَنَادَاهُ أَبُو سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ: أَنْ هَلْ لَك يَا أَبَا الْقُصَمِ فِي الْبِرَازِ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فبرز بين الصّفّين، فاختلفا ضربتين فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَصَرَعَهُ، ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يُجْهَزْ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: أَفَلَا أُجْهِزْت عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: إنّهُ اسْتَقْبَلَنِي بِعَوْرَتِهِ، فَعَطَفَتْنِي عَنْهُ الرّحِمُ، وَعَرَفْتُ أَنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ قَتَلَهُ. وَيُقَالُ: إنّ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ خَرَجَ بَيْنَ الصّفّيْنِ، فَنَادَى أَنَا قَاصِمٌ مَنْ يُبَارِزُ بِرَازًا، فَلَمْ يَخْرَجْ إلَيْهِ أَحَدٌ. فَقَالَ: يَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ، زَعَمْتُمْ أَنّ قَتْلَاكُمْ فِي الْجَنّةِ، وَأَنّ قَتْلَانَا فِي النّارِ، كَذَبْتُمْ واللات! لَوْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شأن عاصم بن ثابت

حَقّا لَخَرَجَ إلَيّ بَعْضُكُمْ، فَخَرَجَ إلَيْهِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ. فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَقَتَلَهُ. قَالَ ابْنِ إسْحَاقَ: قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ. [شَأْنُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ] وَقَاتَلَ عَاصِمُ بْنُ ثابت بن أبى الأفلح. فَقَتَلَ مُسَافِعَ بْنَ طَلْحَةَ وَأَخَاهُ الْجُلَاسَ بْنَ طَلْحَةَ كِلَاهُمَا يَشْعُرُهُ سَهْمًا. فَيَأْتِي أُمّهُ سُلَافَةَ. فيضع رأسه فى حجرها فنقول: يَا بُنَيّ. مَنْ أَصَابَك؟ فَيَقُولُ: سَمِعْتُ رَجُلًا حِينَ رَمَانِي وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ أَبِي الْأَقْلَحِ. فَنَذَرْتُ إنْ أَمْكَنَهَا اللهُ مِنْ رَأْسِ عَاصِمٍ أَنْ تُشْرَبَ فِيهِ الْخَمْرُ. وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ عَاهَدَ اللهَ أَنْ لَا يَمَسّ مُشْرِكًا أَبَدًا. وَلَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمئِذٍ، وَهُوَ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ: إنّ عَلَى أَهْلِ اللّوَاءِ حَقّا ... أَنْ يَخْضِبُوا الصّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقّا فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عبد المطلب. [حنظلة غسيل الملائكة] والتقى حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلُ وَأَبُو سُفْيَانَ، فلما استعلاه حنظلة ابن أَبِي عَامِرٍ رَآهُ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَهُوَ ابْنُ شَعُوبٍ، قَدْ عَلَا أَبَا سُفْيَانَ. فَضَرَبَهُ شَدّادٌ فَقَتَلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن صاحبكم، يعنى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر الأسود فى قتلهما حنظلة وأبا سفيان

حنظلة لتغسل الْمَلَائِكَةُ. فَسَأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ؟ فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ عَنْهُ. فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ. - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْهَائِعَةُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: خَيْرُ النّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ، كُلّمَا سَمِعَ هَيْعَةَ طَارَ إلَيْهَا. قَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ، وَالطّرِمّاحُ: الطّوِيلُ مِنْ الرّجَالِ: أَنَا ابْنُ حُمَاةَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ مَالِكٍ ... إذَا جَعَلَتْ خُورُ الرّجَالِ تَهِيعُ (وَالْهَيْعَةُ: الصّيْحَةُ الّتِي فِيهَا الْفَزَعُ) . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِذَلِكَ غَسّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ. [شِعْرُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِمَا حَنْظَلَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ] (قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ) : وَقَالَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِ حَنْظَلَةَ: لَأَحْمِيَنّ صَاحِبِي وَنَفْسِي ... بِطَعْنَةِ مِثْلِ شُعَاعِ الشّمْسِ وَقَال أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَهُوَ يَذْكُرُ صَبْرَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، ومعاونة ابن شعوب إيّاه على حنظلة: وَلَوْ شِئْتُ نَجّتْنِي كُمَيْتٌ طِمرّة ... وَلَمْ أَحْمِلْ النّعماء لابن شعوب ومازال مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ... لَدُنْ غَدْوَةٍ حَتّى دنت لغروب أقاتلهم وأدّعى يالغالب ... وَأَدْفَعُهُمْ عَنّي بِرُكْنٍ صَلِيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى الرد على أبى سفيان

فَبَكّي وَلَا تَرْعَى مَقَالَةَ عَاذِلٍ ... وَلَا تَسْأَمِي مِنْ عَبْرَةٍ وَنَحِيبِ أَبَاكِ وَإِخْوَانًا لَهُ قَدْ تَتَابَعُوا ... وَحُقّ لَهُمْ مِنْ عَبْرَةٍ بِنَصِيبِ وَسَلّى الّذِي قَدْ كَانَ فِي النّفْسِ أَنّنِي ... قَتَلْتُ من النّجّار كلّ بحيب وَمِنْ هَاشِمٍ قَرْمًا كَرِيمًا وَمُصْعَبًا ... وَكَانَ لَدَى الْهَيْجَاءِ غَيْرُ هَيُوبِ وَلَوْ أَنّنِي لَمْ أَشْفِ نَفْسِي مِنْهُمْ ... لَكَانَتْ شَجًا فِي الْقَلْبِ ذَاتَ نُدُوبِ فَآبَوْا وَقَدْ أَوْدَى الْجَلَابِيبُ مِنْهُمْ ... بِهِمْ خدب من معطب وكثيب أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ... كِفَاءً وَلَا فِي خُطّةٍ بِضَرِيبِ [شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ] فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ: ذَكَرْتَ الْقُرُومَ الصّيْدَ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... وَلَسْتَ لِزُورٍ قُلْتَهُ بِمُصِيبِ أَتَعْجَبُ أَنْ أَقَصَدْت حَمْزَةَ مِنْهُمْ ... نَجِيبًا وَقَدْ سَمّيْتَهُ بِنَجِيبِ أَلَمْ يَقْتُلُوا عَمْرًا وَعُتْبَة وَابْنَهُ ... وَشَيْبَةَ وَالْحَجّاجَ وَابْنَ حَبِيبِ غَدَاةَ دَعَا الْعَاصِي عَلِيّا فَرَاعَهُ ... بِضَرْبَةِ عَضْبٍ بَلّهُ بِخَضِيبِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ابْنُ شَعُوبٍ يَذْكُرُ يَدَهُ عِنْدَ أَبِي سفيان فيما دفع عنه، فقال: ولولا دفاعى بابن حَرْبٍ وَمَشْهَدِي ... لَأُلْفِيَتْ يَوْمَ النّعْفِ غَيْرَ مُجِيبِ وَلَوْلَا مَكَرّي الْمُهْرَ بِالنّعْفِ قَرْقَرَتْ ... ضِبَاعٌ عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ كَلِيبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر الحارث فى الرد على أبى سفيان أيضا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. [شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ أَيْضًا] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ يُجِيبُ أَبَا سُفْيَانَ: جَزَيْتهمْ يَوْمًا بِبَدْرٍ كَمِثْلِهِ ... عَلَى سَابِحٍ ذِي مَيْعَةٍ وَشَبِيبِ لَدَى صَحْنِ بَدْرٍ أَوْ أَقَمْت نَوَائِحًا ... عَلَيْك وَلَمْ تَحْفِلْ مُصَابَ حَبِيبِ وَإِنّك لَوْ عَايَنْتَ مَا كَانَ مِنْهُمْ ... لَأُبْتَ بِقَلْبِ مَا بَقِيتُ نَخِيبُ قَالَ ابْن هِشَام: وَإِنّمَا أَجَابَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ أَبَا سُفْيَانَ لِأَنّهُ ظَنّ أَنّهُ عَرّضَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: وَمَا زَالَ مُهْرِيّ مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ لِفِرَارِ الْحَارِثِ يَوْمِ بَدْرٍ. [حَدِيثُ الزّبَيْرِ عَنْ سَبَبِ الْهَزِيمَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَنْزَلَ اللهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ، فَحَسّوهُمْ بِالسّيُوفِ حَتّى كَشَفُوهُمْ عَنْ الْعَسْكَرِ، وَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ لَا شَكّ فِيهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ الزّبَيْرِ، أنه قال: وَاَللهِ لَقَدْ رَأَيْتنِي أَنْظُرُ إلَى خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة وَصَوَاحِبُهَا مُشَمّرَاتٌ هَوَارِبُ، مَا دُونِ أخذهن ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شجاعة صؤاب وشعر حسان فى ذلك

قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إذْ مَالَتْ الرّمَاةُ إلَى الْعَسْكَرِ، حِين كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ وَخَلّوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ، فَأُتِينَا مِنْ خَلْفِنَا، وَصَرَخَ صَارِخٌ: أَلَا إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ؛ فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللّوَاءِ حَتّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الصّارِخُ: أَزَبّ الْعَقَبَةِ، يَعْنِي الشّيْطَانَ. [شَجَاعَةُ صُؤَابٍ وَشِعْرُ حَسّانَ فِي ذَلِكَ] قَالَ ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم: أن اللّوَاءَ لَمْ يَزَلْ صَرِيعًا حَتّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةُ، فَرَفَعَتْهُ لِقُرَيْشِ، فَلَاثُوا بِهِ. وَكَانَ اللّوَاءُ مَعَ صُؤَابٍ، غُلَامٌ لِبَنِي أَبِي طَلْحَةَ، حَبَشِيّ وَكَانَ آخِرُ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ، فَقَاتَلَ بِهِ حَتّى قُطِعَتْ يَدَاهُ، ثُمّ بَرَكَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ اللّوَاءَ بِصَدْرِهِ وَعُنُقِهِ حَتّى قُتِلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللهُمّ هَلْ أَعْزَرْت- يَقُولَ: أَعَذَرْت- فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ: فَخَرْتُمْ بِاللّوَاءِ وَشَرّ فَخْرٍ ... لِوَاءٌ حِينَ رُدّ إلَى صُؤَابِ جَعَلْتُمْ فَخَرَكُمْ فِيهِ بِعَبْدٍ ... وَأَلْأَمُ مَنْ يَطَا عَفَرَ التّرَابِ ظَنَنْتُمْ، وَالسّفِيهُ لَهُ ظُنُونُ ... وَمَا إنْ ذَاكَ مِنْ أَمْرِ الصّوَابِ بِأَنّ جِلَادَنَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا ... بِمَكّةَ بَيْعُكُمْ حُمْرَ الْعِيَابِ أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهُ ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى عمرة الحارثية

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا يُرْوَى لِأَبِي خراش الهذلىّ، وأنشدنيه خلف الأحمر: أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهَا ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. يَعْنِي امْرَأَتَهُ. فِي غَيْرِ حَدِيثِ أُحُدٍ. وَتُرْوَى الْأَبْيَاتُ أَيْضًا لِمَعْقِلِ بْنِ خُوَيْلِد الْهُذَلِيّ. [شِعْرُ حَسّانَ فى عمرة الحارثية] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَأْنِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةِ وَرَفْعِهَا اللّوَاءِ: إذَا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنَا كَأَنّهَا ... جَدَايَةُ شُرْكٍ مُعْلِمَاتِ الْحَوَاجِبِ أَقَمْنَا لَهُمْ طَعْنًا مُبِيرًا مُنَكّلًا ... وَحُزْنَاهُمْ بِالضّرْبِ مِنْ كُلّ جَانِبِ فَلَوْلَا لِوَاءُ الْحَارِثِيّةِ أَصْبَحُوا ... يُبَاعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ بَيْعَ الْجَلَائِبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. [مَا لَقِيَهُ الرّسُولُ يَوْمَ أُحُدٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَصَابَ فِيهِمْ الْعَدُوّ، وَكَانَ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ، أَكْرَمَ اللهُ فِيهِ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالشّهَادَةِ، حَتّى خَلَصَ الْعَدُوّ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَدُثّ بِالْحِجَارَةِ حَتّى وَقَعَ لِشِقّهِ، فَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجّ فِي وَجْهِهِ، وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ، وَكَانَ الّذِي أصابه عتبة ابن أبى وقّاص. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ، عَنْ أنس بن مالك، قال: كُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجّ فِي وَجْهِهِ، فَجَعَلَ الدّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدّمَ وَهُوَ يَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيّهِمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى رَبّهِمْ! فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ: أَنّ عُتْبَة بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَمَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، فَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ الْيُمْنَى السّفْلَى، وَجَرَحَ شَفَتَهُ السّفْلَى، وَأَنّ عَبْدَ اللهِ بن شهاب لزهرى شَجّهُ فِي جَبْهَتِهِ، وَأَنّ ابْنَ قَمِئَةَ جَرَحَ وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر فى وَجْنَتَهُ، وَوَقَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُفْرَةٍ مِنْ الْحُفَرِ الّتِي عَمِلَ أَبُو عَامِرٍ لِيَقَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ؛ فَأَخَذَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَفَعَهُ طلحة ابن عُبَيْدِ اللهِ حَتّى اسْتَوَى قَائِمًا، وَمَصّ مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ، أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، الدّمّ: عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، ثُمّ ازْدَرَدَهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَسّ دَمِي دَمَهُ لَمْ تُصِبْهُ النّارُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ الدّرَاوَرْدِيّ: أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى عتبة وما أصاب به الرسول

وَذَكَرَ، يَعْنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ الدّرَاوَرْدِيّ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ: أن أبا عبيدة بن الجرّاج نَزَعَ إحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ، ثُمّ نَزَعَ الْأُخْرَى، فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ الْأُخْرَى، فَكَانَ سَاقِطَ الثّنِيّتَيْنِ. [شِعْرُ حَسّانَ فِي عُتْبَة وَمَا أَصَابَ بِهِ الرسول] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ: إذَا اللهُ جَازَى مَعْشَرًا بِفِعَالِهِمْ ... وَضَرّهُمْ الرّحْمَنُ رَبّ الْمَشَارِقِ فَأَخْزَاك رَبّي يَا عُتَيْبُ بْنَ مَالِكٍ ... وَلَقّاك قَبْلَ الْمَوْتِ إحْدَى الصّوَاعِقِ بَسَطْتَ يَمِينًا لِلنّبِيّ تَعَمّدًا ... فَأَدْمَيْت فَاهُ، قُطّعَتْ بِالْبَوَارِقِ فَهَلّا ذَكَرْتَ اللهَ وَالْمَنْزِلَ الّذِي ... تَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ إحْدَى الْبَوَائِقِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ أَقْذَعَ فيهما. [ابْنُ السّكَنِ وَبَلَاؤُهُ يَوْمَ أُحُدٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ: مَنْ رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ؟ كَمَا حَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرحمن بن عمرو بن سعد ابن مَعَاذٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: فَقَامَ زِيَادُ بْنُ السّكَنِ فِي نَفَرٍ خَمْسَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ- وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ: إنّمَا هُوَ عُمَارَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ السّكَنِ- فَقَاتَلُوا دُونَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، رَجُلًا ثُمّ رَجُلًا، يُقْتَلُونَ دُونَهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث أم سعد عن نصيبها فى الجهاد يوم أحد

حَتّى كَانَ آخِرُهُمْ زِيَادَ أَوْ عُمَارَةَ، فَقَاتَلَ حَتّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، ثُمّ فَاءَتْ فِئَةٌ مِنْ المسلمين، فأجهضوهم عنه، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْنُوهُ مِنّي، فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ، فَوَسّدَهُ قَدِمَهُ، فَمَاتَ وَخَدّهُ عَلَى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [حَدِيثُ أُمّ سَعْدٍ عَنْ نَصِيبِهَا فِي الْجِهَادِ يَوْمَ أُحُدٍ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَاتَلَتْ أُمّ عُمَارَةَ، نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِيّة يَوْمَ أُحُدٍ. فَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ: أَنّ أُمّ سَعْدِ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ كَانَتْ تَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمّ عُمَارَةَ، فَقُلْت لَهَا: يَا خَالَةُ، أَخْبِرِينِي خَبَرَك، فَقَالَتْ: خَرَجْتُ أَوّلَ النّهَارِ وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ، وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ، فَانْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، وَالدّوْلَةُ وَالرّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ. فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، انْحَزْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُمْت أُبَاشِرُ الْقِتَالَ، وَأَذُبّ عَنْهُ بِالسّيْفِ، وَأَرْمِي عَنْ الْقَوْسِ، حَتّى خَلَصَتْ الْجِرَاحُ إلَيّ. قَالَتْ: فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا أَجْوَفَ لَهُ غَوْرٌ، فَقُلْت: مَنْ أَصَابَك بِهَذَا؟ قَالَتْ: ابْنُ قَمِئَةَ، أَقْمَأَهُ اللهُ! لَمّا وَلّى النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ يَقُولُ: دُلّونِي عَلَى مُحَمّدٍ، فَلَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا، فَاعْتَرَضْتُ لَهُ أَنَا وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأُنَاسٌ مِمّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضّرْبَةَ، وَلَكِنْ فَلَقَدْ ضَرَبْته عَلَى ذَلِكَ ضَرْبَاتٍ، وَلَكِنّ عَدُوّ اللهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أبو دجانة وابن أبى وقاص يدفعان عن الرسول

[أَبُو دُجَانَةَ وَابْنُ أَبِي وَقّاصٍ يَدْفَعَانِ عَنْ الرّسُولِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَرّسَ دُونَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو دُجَانَة بِنَفْسِهِ، يَقَعُ النّبْلُ فِي ظَهْرِهِ، وَهُوَ مُنْحَنٍ عَلَيْهِ، حَتّى كَثُرَ فِيهِ النّبْلُ. وَرَمَى سَعْدُ بن أبى وقّاص دُونَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ سَعْدٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُنَاوِلُنِي النّبْلَ وَهُوَ يَقُولُ: ارْمِ، فِدَاك أَبِي وَأُمّي، حَتّى إنّهُ ليناولنى السّهم ماله نَصْلٌ. فَيَقُولُ: ارْمِ بِهِ. [بَلَاءُ قَتَادَةَ وَحَدِيثُ عَيْنهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وحدثني عاصم بن عمر بن قَتَادَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَمَى عَنْ قَوْسِهِ حَتّى انْدَقّتْ سِيَتُهَا، فَأَخَذَهَا قَتَادَةَ بْنُ النّعْمَانِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ، وَأُصِيبَتْ يَوْمئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ، حَتّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ. قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّهَا بِيَدِهِ، فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وأحدّهما. [شَأْنُ أَنَسِ بْنِ النّضْرِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ رَافِع أخو بنى عدىّ ابن النّجّارِ، قَالَ: انْتَهَى أَنَسُ بْنُ النّضْرِ، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَقَدْ أَلْقَوْا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما أصاب ابن عوف من الجراحات

بأيديهم، فقال: ما يجاسكم؟ قَالُوا: قَتْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَمَاذَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ (قُومُوا) فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، ثُمّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ، فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ، وَبَهْ سُمّيَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا بِأَنَسِ بْنِ النّضْرِ يَوْمئِذٍ سَبْعِينَ ضَرْبَةً، فَمَا عَرَفَهُ إلّا أُخْتُهُ، عَرَفَتْهُ بِبَنَاتِهِ. [مَا أَصَابَ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ الْجِرَاحَاتِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُصِيبَ فُوهُ يَوْمئِذٍ فَهُتِمَ، وَجُرِحَ عِشْرِينَ جِرَاحَةً أَوْ أَكْثَرَ، أَصَابَهُ بَعْضُهَا فِي رِجْلِهِ فَعَرِجَ. [أَوّلُ مَنْ عَرَفَ الرّسُولَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ، وَقَوْلُ النّاسِ: قَتْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: عَرَفْت عَيْنَيْهِ تَزْهَرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ، فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَبْشِرُوا، هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَشَارَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ أَنْصِتْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَضُوا بِهِ، وَنَهَضَ مَعَهُمْ نَحْوَ الشّعْبِ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طالب، وطلحة بن عبيد الله، ولزّبير بن العوّم، رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَرَهْطٌ من المسلمين. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَتْلُ مُحَيّصَة الْيَهُودِيّ مُحَيّصَة بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ أَخِيهِ حُوَيّصَة، لَكِنْ سَبَقَهُ إلَى الْإِسْلَامِ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَشَهِدَ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَأَرْسَلَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ فَدَكَ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الّذِي اسْتَفْتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أُجْرَةِ الْحَجّامِ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: بعد ما أَلَحّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ: أَعْلِفْهُ نَاضِحَك وَاجْعَلْهُ فِي كَرِشِك، وَذَلِكَ أَنّ أَبَا طِيبَةَ الْحَجّامَ «1» ، كَانَ عَبْدًا لَهُ، وَقَدْ تَقَدّمَ اسْمُ أَبِي طِيبَةَ. وَقَوْلُهُ: مَا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ. بُصْرَى بِالشّامِ، وَمَأْرِبُ بِالْيَمَنِ، حَيْثُ كَانَ السّدّ، وَمَأْرِبُ: اسْمُ قَصْرٍ كَانَ لِسَبَأِ. وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ: مَأْرِبُ اسْمُ كُلّ مَلِكٍ وَلِيَ أَمْرَ سَبَأٍ، كَخَاقَانِ فِي التّرْكِ، وَكِسْرَى فِي الْفُرْسِ وَقَيْصَرَ فِي الرّومِ، وَالنّجَاشِيّ فِي الْحَبَشَةِ. وَحُوَيّصَة «2» : تَصْغِيرُ حَوْصَة مِنْ حُصْت الثّوْبَ إذَا خِطّته. وَفِي حَدِيثِهِمَا ذِكْرُ سُنَيْنَةَ الْمَقْتُولِ، كَأَنّهُ تَصْغِيرُ سِنّ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي اسْمِهِ: سُبَيْنَةُ بِالْبَاءِ كَأَنّهُ مصغر تصغير الترحيم مِنْ سَبَنِيّةَ، قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: السّبَنِيّةُ ضَرْبٌ مِنْ النّبَاتِ، وَأَمّا شُنَيْنَةُ بِالشّيْنِ الْمَنْقُوطَةِ. فَوَالِدُ

_ (1) فى الصحيحين أنه حجم رسول الله «ص» . (2) ضبط القاموس الإسمين بقوله: وحويصة ومحيصه ابنا مسعود مشددتى الصاد صحابيان. وضبطا بفتح الصاد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صِقْلَابِ بْنِ شُنَيْنَةَ «1» قَرَأَ عَلَى نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ، وَقَالَ: قَالَ لِي نَافِعٌ: يَا صِقْلَابُ بَيْنَ النّونِ عِنْدَ الْحَاءِ وَالْخَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ وَالْهَاءِ وَالْأَلِفِ. غَزْوَةُ أُحُدٍ فَضْلُ أُحُدٍ: وَأُحُدٌ الْجَبَلُ الْمَعْرُوفُ بِالْمَدِينَةِ، سُمّيَ بِهَذَا الِاسْمِ لِتَوَحّدِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ جِبَالٍ أُخَرَ هُنَالِكَ، وَقَالَ فيه الرسول- صلى الله عليه وسلم- هذا جَبَلٌ يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ «2» ، وَلِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَالٌ. قِيلَ أَرَادَ أَهْلَهُ، وَهُمْ الْأَنْصَارُ، وَقِيلَ أَرَادَ أَنّهُ كَانَ يُبَشّرُهُ إذَا رَآهُ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ أَسْفَارِهِ بِالْقُرْبِ مِنْ أَهْلِهِ وَلِقَائِهِمْ، وَذَلِكَ فِعْلُ الْمُحِبّ، وَقِيلَ: بَلْ حُبّهُ حَقِيقَةً، وُضِعَ الْحُبّ فِيهِ كَمَا وُضِعَ التّسْبِيحُ فِي الْجِبَالِ الْمُسَبّحَةِ مَعَ دَاوُد، وَكَمَا وُضِعَتْ الْخَشْيَةُ فِي الْحِجَارَةِ الّتِي قَالَ الله فيها: وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَفِي الْآثَارِ الْمُسْنَدَةِ أَنّ أُحُدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ بَابِ الْجَنّةِ مِنْ دَاخِلِهَا، وَفِي بَعْضِهَا أَنّهُ رُكْنٌ لِبَابِ الْجَنّةِ «3» ، ذَكَرَهُ ابْنُ سَلّامٍ فى تفسيره، وفى المسند من طريق

_ (1) هو فى القاموس: سقلاب- بالسين- القارىء المصرى. (2) رواه الشيخان والترمذى وأحمد والطبرانى، وفى رواية للبخارى بيان أن ذلك كان عند القدوم من خيبر ولفظ رواية ابن شبة أنه- أى أنس- أقبل مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خيبر، فلما بدا لهم أحد قال الحديث. ولكن فى رواية أخرى للبخارى أن ذلك كان فى رجوعه «ص» من الحج، وقيل: وهو عائد من غزوة تبوك. (3) رواه أبو يعلى والطبرانى، وبلغ من ضعفه أن يقول السيوطى عنه إنه ضعيف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُحُدٌ يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ، وَهُوَ عَلَى بَابِ الْجَنّةِ، قَالَ: وَعَيْرٌ يَبْغُضُنَا وَنَبْغُضُهُ، وَهُوَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ النّارِ «1» ، وَيُقَوّيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ «2» ، مَعَ قَوْلِهِ: يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ، فَتَنَاسَبَتْ هَذِهِ الْآثَارُ، وَشَدّ بَعْضُهَا بَعْضًا. مشاكلة اسم الجبل لأغراصه التّوْحِيدِ: وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ يُحِبّ الِاسْمَ الْحَسَنَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْ اسْمٍ مُشْتَقّ مِنْ الْأَحَدِيّةِ، وَقَدْ سَمّى اللهُ هَذَا الْجَبَلَ بِهَذَا الِاسْمِ، تَقْدِمَةً لِمَا أَرَادَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ مُشَاكَلَةِ اسْمِهِ، وَمَعْنَاهُ، إذْ أَهْلُهُ وَهُمْ الْأَنْصَارُ نَصَرُوا التّوْحِيدَ وَالْمَبْعُوثَ بِدِينِ التّوْحِيدِ، عِنْدَهُ اسْتَقَرّ حَيّا وَمَيّتًا، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْوِتْرَ وَيُحِبّهُ فِي شَأْنِهِ كُلّهِ اسْتِشْعَارًا لِلْأَحَدِيّةِ «3» ، فَقَدْ وَافَقَ اسْمُ هَذَا الْجَبَلِ لِأَغْرَاضِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ وَمَقَاصِدِهِ فِي الْأَسْمَاءِ، فَقَدْ بَدّلَ كَثِيرًا مِنْ الْأَسْمَاءِ اسْتِقْبَاحًا لَهَا مِنْ أَسْمَاءِ البقاع وأسماء الناس، وذلك لا يحصى كَثْرَةً؛ فَاسْمُ هَذَا الْجَبَلِ مِنْ أَوْفَقِ الْأَسْمَاءِ لَهُ، وَمَعَ أَنّهُ مُشْتَقّ مِنْ الْأَحَدِيّةِ، فَحَرَكَاتُ حروفه

_ (1) رواه الطبرى فى الأوسط، وكذلك قال عنه السيوطى إنه ضعيف. (2) متفق عليه. (3) أظنه يقصد المصدر الصناعى من أحد، لا الأحدية التى يتكلم عنها الصوفية، وهى الوجود الإلهى المجرد عن الأسماء والصفات. وقد وفيته بحثا فى كتابى «هذه هى الصوفية» ، وفيه أن الأحدية الصوفية لا تنتسب إلى الحق من دين الله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرّفْعُ، وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِارْتِفَاعِ دِينِ الْأَحَدِ، وَعُلُوّهِ، فَتَعَلّقَ الْحُبّ مِنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ اسْمًا وَمُسَمّى، فَخَصّ مِنْ بَيْنِ الجبال بأن يكون معه فى الجنة، إذا بسّت الجبال بسّا، فكانت هباء منبثّا «1» وَفِي أُحُدٍ قَبْرُ هَارُونَ أَخِي مُوسَى عَلَيْهِمَا السّلَامُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَثَمّ وَارَاهُ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ، وَكَانَا قَدْ مَرّا بِأُحُدِ حَاجّينِ، أَوْ مُعْتَمِرِينَ، رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ الزّبَيْرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ «2» . وَذَكَرَ ابْنُ إسحاق مسير قريش بالظّعن التماس الحفيظة، وَالْحَفِيظَةُ. الْغَضَبُ لِلْحُرَمِ، وَيُقَالُ أَحْفَظَ الرّجُلُ إذَا أغضب.

_ (1) رواية أنه معه فى الجنة رواية واهية ساقطة. (2) رواه ابن أبى شبة وابن زباله، وفى متنه دليل سقوطه، فقد روى أن موسى وهارون خرجا حاجين أو معتمرين، حتى إذا قدما المدينة خافا اليهود، فنزلا أحد وهارون مريض، فحفر له موسى قبرا بأحد، وقال: يا أخى أدخل فيه، فإنك ميت، فدخل فيه فلما دخل قبضه الله، فحثا موسى عليه التراب.. كيف يحرؤ موسى على الحكم بموت أخيه؟ لا يجوز إسناد هذا البغى على الله إلى نبى. ويقول السمهودى: بأحد شعب تعرف بشعب هارون يزعمون أن قبر هارون عليه السلام فى أعلاه، وهو بعيد حسا ومعنى، وليس ثم ما يصلح للحفر وإخراج التراب. وقال فى الفتح عن سند الزبير للحديث وسند الزبير فى ذلك ضعيف جدا من جهة شيخه ابن زبالة، ومنقطع، وليس بمرفوع وفى النور عن ابن دحية أنه باطل ببقين إنما مات فى موضع على ساعة من مدينة جبلة من مدن الشام. وقيل إن قبر هارون بحبل مشرف قبلى بيت المقدس كما ذكر ياقوت فى كتابه المشترك، وفى الأنوار أنه مات فى التيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى بَقَرًا تُنْحَرُ حَوْلَهُ، وَثُلْمَةً فِي سَيْفِهِ وَفِي غَيْرِ السّيرَةِ قَالَ رَأَيْت بَقَرًا تُنْحَرُ وَاَللهِ خَيْرٌ، فَأَوّلْت الْخَيْرَ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ كَانَتْ بَدْرٌ قَبْلَ أُحُدٍ، وَلَكِنْ نَفَعَ اللهُ بِذَلِكَ الْخَيْرِ الّذِي كَانَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، وَكَانَ فِيهِ تَأْسِيَةً وَتَعْزِيَةً لَهُمْ، فَلِذَلِكَ تَضَمّنَتْهُ الرّؤْيَا بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها وَفِي الْبُخَارِيّ: مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدَ بَدْرٍ. وَفِي مُسْلِمٍ: وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ بَعْدُ وَثَوَابُ الصّدْقِ الّذِي أَتَانَا اللهُ بِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهَذِهِ أَقَلّ الرّوَايَاتِ إشْكَالًا. «قَالَ الْمُؤَلّفُ» أَبُو الْقَاسِمُ [السهيلى] : أمّا البقر فغبارة عَنْ رِجَالٍ مُسَلّحِينَ يَتَنَاطَحُونَ وَقَدْ رَأَتْ عَائِشَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- مِثْلَ هَذَا، فَكَانَ تَأْوِيلُهُ قَتْلَ مَنْ قُتِلَ مَعَهَا يَوْمَ الْجَمَلِ. وَقَوْلُهُ: وَاَللهِ خَيْرٌ، أَيْ: رَأَيْت بَقَرًا تُنْحَرُ، وَرَأَيْت هَذَا الْكَلَامَ، لِأَنّ الرّائِيَ قَدْ يُمَثّلُ لَهُ كَلَامٌ فِي خَلَدِهِ، فَيَرَاهُ بِوَهْمِهِ، كَمَا يَرَى صُورَةَ الْأَشْيَاءِ، وَمِنْ خَبَرِ أَحْوَالِ الرّؤْيَا عَرَفَ هَذَا مِنْ نَفْسِهِ، وَمِنْ غَيْرِهِ، لَكِنْ الصّوَرُ المرثيّة فِي النّوْمِ تَكُونُ فِي الْغَالِبِ أَمْثَالًا مَضْرُوبَةً، وَقَدْ تَكُونُ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَأَمّا الْكَلَامُ الّذِي يَسْمَعُهُ بِسَمْعِ الْوَهْمِ مُمَثّلًا فِي الْخَلَدِ، فَلَا يَكُونُ إلّا عَلَى ظَاهِرِهِ، مِثْلَ أَنْ يَسْمَعَ: أَنْتَ سَالِمٌ أَوْ اللهُ خَيْرٌ لَك، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ، فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى سِوَى ظَاهِرِهِ. وَذَكَرَ أَنّ فَرَسًا ذَبّبَ بِذَيْلِهِ، فَأَصَابَ كُلّابَ سَيْفٍ فَاسْتَلّهُ. قَالَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابْنُ هِشَامٍ: كُلّابُ السّيْفِ هِيَ الْحَدِيدَةُ الْعَقْفَاءُ، وَهِيَ الّتِي تَلِي الْغِمْدَ، وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ: الْكَلْبُ مِسْمَارٌ فِي قَائِمِ السّيْفِ. الْفَأْلُ وَالطّيَرَةُ: قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ الْفَأْلَ، وَلَا يَعْتَافُ، يَفْتَالُ يَفْتَعِلُ مِنْ الْعِيَافَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنّ الْعِيَافَةَ فِي الْمَكْرُوهِ خَاصّةً، وَالْفَأْلُ فِي الْمَحْبُوبِ، وَقَدْ يَكُونُ فى المكروه، والطّيرة تكون فى المحبوب والمكروه، وَفِي الْحَدِيثِ أَنّهُ نَهَى عَنْ الطّيَرَةِ، وَقَالَ: خَيْرُهَا الْفَأْلُ، فَدَلّ عَلَى أَنّهَا تَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ وَالْفَأْلُ خَيْرُهَا «1» . وَلَفْظُهَا يُعْطِي أَنّهَا تَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشّرّ، لِأَنّهَا مِنْ الطّيْرِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: جَرَى لَهُ الطّائِرُ بِخَيْرِ، وَجَرَى لَهُ بِشَرّ، وَفِي التّنْزِيلِ: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ «2» . وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَإِنّي أَرَى السّيُوفَ سَتُسَلّ الْيَوْمَ، يُقَوّي مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ التّوَسّمِ وَالزّجْرِ الْمُصِيبِ، وَأَنّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ «3» لَكِنّهُ غَيْرُ

_ (1) يقول ابن الأثير «وإنما أحب الفأل، لأن الناس إذا أملوا فائدة الله ورجوا عائدته عند كل سبب ضعف أو قوى فهم على خير، ولو غلطوا فى جهة الرجاء، فان الرجاء لهم خير، وإذا قطعوا أملهم ورجاءهم من الله كان ذلك من الشر، وأما الطيرة، فان فيها سوء الظن بالله، وتوقع البلاء. (2) من حديث البخارى ومسلم قوله: «لا طيرة ويعجبنى الفأل الحسن، قالوا وما الفأل؟ قال الكلمة الطيبة» . (3) يقول الأمام ابن الأثير فى مفرداته: والزجر للطير هو القيسمن والتشؤم بها والتفؤل بطيرانها كالسانح والبارح وهو نوع من الكهانة والعيافة» والكهانة-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَقْطُوعٍ بِهِ إلّا أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَدّمْنَا فِيهِ قَوْلًا مُقْنِعًا فِي حَدِيثِ زَمْزَمَ وَنُقْرَة الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ، وَلِلّهِ فِي كُلّ شَيْءٍ حِكْمَةٌ، وَإِعْمَالُ الْفِكْرِ فِي الْوُقُوفِ عَلَى حِكْمَةِ اللهِ عِبَادَةٌ. الْمُسْتَصْغَرُونَ يَوْمَ أُحُدٍ: وَذَكَرَ الْمُسْتَصْغَرِينَ يَوْمَ أُحُدٍ الّذِينَ أَرَادُوا الْخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَدّ أَصْغَرَهُمْ، مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَأُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إلَى آخِرِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمْ عَرَابَةَ بْنَ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيّ، وَقَدْ ذَكَرَتْهُ طَائِفَةٌ فِيهِمْ، وَمِمّنْ ذَكَرَهُ فِيهِمْ الْقُتَبِيّ فِي كِتَابِ الْمَعَارِفِ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِيهِ الشّمّاخُ: إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين «1»

_ - كفر. ولست أدرى كيف يربط الإنسان قدره ومصيره بطائر تحركه صدفة نحو اليمين، وأخرى نحو الشمال؟، وكيف نجعل هذه الصدفة من حياة الإنسان بسمة سعادة وأنة شقاء؟! وقد أخرج أحمد بسند جيد «إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت» وأخرجه أبو داود والنسائى وابن حبان (1) ص 112 المعارف لأبى محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكاتب الدينورى ط 1300 هـ وقد استشهد القتبى ببيت آخر للشماخ هو رأيت عرابة الأوسى يسمو ... إلى الغايات منفطع القرين وكذلك ذكره الطبرى، وقد ذكر بيتى الشعر بوضع الخيرات مكان الغايات ص 505 ح 2 ط دار المعارف. وقد ذكره ابن حبيب فى المحبر من أجواد الإسلام، وأشراف العميان ص 155، 298. وهو فى الإصابة ابن قبطى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلِعَرَابَةَ أَخٌ اسْمُهُ: كَبَاثَةُ، لَهُ صُحْبَةٌ. وَمِنْ المستصغرين يوم أحد سعد بن حَبْتَةَ، عُرِفَ بِأُمّهِ، وَهِيَ حَبْتَةُ بِنْتُ مَالِكٍ أنصاريّة، وهو سعد ابن بُجَيْرٍ مِنْ بَجِيلَةَ، رَدّهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ لِصِغَرِ سِنّهِ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ رَآهُ يُقَاتِلُ قِتَالًا شَدِيدًا، فَدَعَاهُ وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ، فَكَانَ عَمّا لِأَرْبَعِينَ، وَخَالًا لِأَرْبَعِينَ، وَأَبًا لِعِشْرِينَ، وَمِنْ وَلَدِهِ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ حُبَيْشِ بْنِ سَعْدِ بْنِ حَبْتَةَ. حَوْلَ شِعْرِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ: وَذَكَرَ قَوْلَ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ: وَيْهًا بَنِي عَبْدِ الدّارِ ... وَيْهًا كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الْإِغْرَاءُ. قَالَ الرّاجِزُ: وَهُوَ إذَا قِيلَ له ويها فل ... فإنه مواشك مستعجل «1»

_ (1) هو فى اللسان غير منسوب هكذا: وهو إذا اقيل له ويها كل ... فانه مواشك مستعجل وهو إذا قيل له ويها هل ... فانه أحج به أن ينكل وقل أصلها: يا فلان. أى إذا دعى لدفع عظيمة، فقيل له يا فلان نكل، ولم يحب. وإن قيل له: كل أسرع. ومن العرب من يقول فى النفجع: واها ووأه أيضا وويه، كلمة تقال فى الاستحثاث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا وَاهَا، فَإِنّ مَعْنَاهَا التّعَجّبُ، وَإِيهًا مَعْنَاهَا: الْأَمْرُ بِالْكَفّ. وَقَوْلُهَا: إنْ تَقْبَلُوا نُعَانِقْ، فَيُقَالُ: إنّهَا تَمَثّلَتْ بِهَذَا الرّجَزِ، وَإِنّهُ لِهِنْدِ بِنْتِ طَارِقِ بْنِ بَيَاضَةَ الْإِيَادِيّة، قَالَتْهُ فِي حَرْبِ الفرس لإياد، فعلى هذا بكون إنشاده: بَنَاتُ طَارِقْ «1» ، بِالنّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، كَمَا قَالَ: نَحْنُ بَنِي ضَبّةَ أَصْحَابُ الْجَمَلْ «2» وَإِنْ كَانَتْ أرادت الّنجم فبنات مرفرع، لِأَنّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ أَيْ: نَحْنُ شَرِيفَاتٌ رَفِيعَاتٌ كَالنّجُومِ، وَهَذَا التّأْوِيلُ عِنْدِي بَعِيدٌ، لِأَنّ طَارِقًا وَصْفٌ لِلنّجْمِ لِطُرُوقِهِ، فَلَوْ أَرَادَتْهُ لَقَالَتْ: بَنَاتُ الطّارِقِ إلّا أَنّي وَجَدْت لِلزّبَيْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ قَالَ فِي كِتَابِ أَنْسَابِ قُرَيْشٍ له أول هذا الرجز الذى قالته هند يَوْمِ أُحُدٍ: نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ ... نَمْشِي عَلَى النّمارق مشى القطا النّواتق

_ (1) فى الرجز: كما ورد فى اللسان: نحن بنات طارق ... نمشى على النمارق وقد ضبطت بنات بالرفع باعتبارها خبرا، وكذلك ضبطت فى الطبرى ولكنه روى الأبيات هكذا: نحن بنات طارق ... إن تقبلوا نعانق ونبسط النمارق ... أو تدبروا نفارق فراق غير واهق ورواه مرة أخرى كما هو فى السيرة غير أنه أخر وقدم. (2) البيت فى اللسان فى مادة جمل وفيه بنو بالرفع. نحن بنو ضبة أصحاب الجمل ... الموت أحلى عندنا من العسل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلَى آخِرِ الرّجَزِ، قَالَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْهُدَيْرِيّ، قَالَ: جَلَسْت لَيْلَةً وَرَاءَ الضّحّاكِ بْنِ عُثْمَانَ الْجُذَامِيّ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا مُتَقَنّعٌ فَذَكَرَ الضّحّاكُ وَأَصْحَابُهُ قَوْلَ هِنْدَ يَوْمَ أُحُدٍ: نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ، فَقَالُوا: مَا طَارِقُ؟ فَقُلْت: النّجْمُ، فَالْتَفَتَ الضّحّاكُ، فَقَالَ: أَبَا زَكَرِيّا، وَكَيْفَ بِذَلِكَ؟ فَقُلْت: قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ. وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ. النَّجْمُ الثَّاقِبُ: فَإِنّهَا قَالَتْ: نَحْنُ بَنَاتُ النّجْمِ، فَقَالَ: أَحْسَنْت. أَبُو دُجَانَةَ: وَذَكَرَ أَبَا دُجَانَةَ، وَلُبْسَهُ الْمُشَهّرَةَ «1» ، وَأَبُو دُجَانَةَ السّاعِدِيّ مِمّنْ دَافَعَ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَنَا عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرّسَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، حَتّى كَثُرَتْ النّبْلُ فِي ظَهْرِهِ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، بَعْدَ أَنْ شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ، اشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ هُوَ وَوَحْشِيّ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ، وَسَنَذْكُرُ مَا قَالَهُ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي قَاتِلِ مُسَيْلِمَةَ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللهُ. وذكر قول أبى دجانة: إنّى امرؤ عاهدنى خليلى

_ (1) فى القاموس: «وذو المشهرة أبو دجانة سماك بن أوس صحابى كانت له مشاهرة إذا خرج بها يختال بين الصفين لم يبق ولم يذر» . وقد روى أحمد ومسلم عن أنس قصة السيف وأبى دجانة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَعْنِي رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ حَدّثَنِي خَلِيلِي، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ الصّحَابَةِ، وَقَالَ لَهُ: مَتَى كَانَ خَلِيلُك، وَإِنّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمُنْكِرَ هَذَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَوْ كُنْت مُتّخِذًا خَلِيلًا لا تخذت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوّةُ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدْفَعُ أَنْ يَقُولَ الصّحَابِيّ حَدّثَنِي خَلِيلِي، لِأَنّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ مَعْنَى الْحَبِيبِ، وَإِنّمَا فِيهِ عَلَيْهِ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقُولُهَا لِأُحُدِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا خَصّ بِهَا أَحَدًا دُونَ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يَقُولَهَا لَهُ، وَمَا كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْمَحَبّةِ لَهُ يَقْتَضِي هَذَا، وَأَكْثَرَ مِنْهُ، مَا لَمْ يَكُنْ الْغُلُوّ وَالْقَوْلُ الْمَكْرُوهُ، فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النّصَارَى الْمَسِيحَ، فَإِنّمَا أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ. وَقَالَ لِرَجُلِ قَالَ لَهُ: أَنْتَ سَيّدُنَا وَأَطْوَلُنَا طُولًا «1» ، وَأَنْتَ الْجَفْنَةُ الْغَرّاءُ، فَقَالَ: «قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتجْوِيَنّكم الشّيْطَانُ» أَيْ: قُولُوا بِقَوْلِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَأَهْلِ مِلّتِكُمْ، كَذَا فَسّرَهُ الْخَطّابِيّ، وَمَعْنَاهُ عِنْدِي: قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، لَا بِقَوْلِ الشّيْطَانِ، لِأَنّهُ قَدْ جَعَلَهُمْ جريّاله «2» ، أى: وكيلا ورسولا، وإذا كانوا جريّاله، وَقَالُوا: مَا يُرْضِيهِ مِنْ الْغُلُوّ فِي الْمَنْطِقِ، فَقَدْ قَالُوا بِقَوْلِهِ. وَيَسْتجْرِيَنّكم مِنْ قَوْلِهِمْ جَرَيْت جَرْيًا، أَيْ: وَكّلْت وَكَيْلًا. وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ: أَنْتَ أَشْرَفُنَا حَسَبًا وَأَكْرَمُنَا أُمّا وَأَبًا، فقال: كم دون

_ (1) حديث لا تطرونى رواه الترمذى وغيره، وحديث أنت سيدنا روى النسائى وأبو داود قريبا منه بسند جيد. (2) جرى كغنى الوكيل والرسول والأجير والضامن للواحد والجمع والمؤنث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِسَانِك مِنْ طَبَقٍ؟ فَقَالَ: أَرْبَعَةُ أَطْبَاقٍ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ فِيهَا مَا يَزَعُ عَنّي غَرِبَ لِسَانِك. رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ. وَقَوْلُ أَبِي دُجَانَةَ: أَلّا أَقَوْمَ الدّهْرَ فِي الْكَيّولِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْكَيّولُ آخِرُ الصّفُوفِ، قَالَ: وَلَمْ يُسْمَعْ إلّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْهَرَوِيّ مِثْلَ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَزَادَ فِي الشّرْحِ، وَقَالَ سُمّيَ بِكَيّولِ الزّنْدِ، وَهِيَ سَوَادٌ وَدُخَانٌ يَخْرُجُ مِنْهُ آخِرًا، بَعْدَ الْقَدَحِ إذا لم يور نارا، وذلك شىء لاغناء فِيهِ، يُقَالُ مِنْهُ كَالَ الزّنْدَ يَكُولُ، فَالْكَيّولُ فَيْعُول مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ كَيّولُ الصّفُوفِ لَا يُوقِدُ نَارَ الْحَرْبِ، وَلَا يُزْكِيهَا، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ لَا لَفْظِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ نَحْوًا مِنْ هَذَا إلّا أَنّهُ قَالَ: كَالَ الزّنْدَ يَكِيلُ بِالْيَاءِ لَا غَيْرُ «1» . وَقَوْلُهُ: رَأَيْت رَجُلًا يَحْمُشُ النّاسَ حَمْشًا شَدِيدًا، يُرْوَى بِالشّيْنِ وَبِالسّينِ، فَالْمَعْنَى بِالسّينِ غَيْرُ مُعْجَمَةٍ فِي هَذَا الْمَكَانِ الشّدّةُ، كَأَنّهُ قَالَ: يَشُدّهُمْ وَيُشَجّعُهُمْ، لِأَنّهُ يُقَالُ: رَجُلٌ أَحْمَسُ، أَيْ: شُجَاعٌ شَدِيدٌ، وَالْمَعْنَى فِيهِ بالشّين مُعْجَمَةٌ أَلّا يُقَادُ وَالْإِغْضَابُ، لِأَنّهُ يُقَالُ أَحْمَشْتُ النار أو قدتها وحمشت الرجل،

_ (1) فى النهاية لابن الأثير.: وقيل: الكيول: الجبان، والكيول: ما أشرف من الأرض يريد: تقوم فوقه. فتنظر ما يصنع غيرك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَحْمَشْتُهُ: أَغْضَبْته، فَيَكُونُ أَفَعَلْت مِنْ ذَلِكَ لِلْإِيقَادِ وَالْإِغْضَابِ، وَفَعَلْت لِلْإِغْضَابِ. حَدِيثُ وَحْشِيّ قَالَ فِيهِ: فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، كَالْبُغَاثِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْبُغَاثُ الطّيْرُ الّذِي لَا يُصَادُ بِهِ مِثْلُ الرّخَمِ، وَالْحِدَاءِ، وَاحِدَتُهَا بِغَاثَةَ. وَيُقَالُ: بِغَاثِيّ وَجَمْعُهُ بُغَاثٌ وَبِغْثَانٌ. وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عِنْدَ ذِكْرِ الْبُغَاثِ الْبُغَاثُ هُوَ ذَكَرُ الرّخَمِ إذَا هَرِمَ اسْوَدّ. وَقَوْلُ وَحْشِيّ لِعُبَيْدِ اللهِ: مَا رَأَيْتُك مُنْذُ نَاوَلْتُك أُمّك السّعْدِيّةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا، وَأُمّ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيّ هِيَ أُمّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ ذَكَرَهَا الْبُخَارِيّ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَلَمْ يَقُلْ السّعْدِيّةُ فَهِيَ إذًا قُرَشِيّةٌ أُمَوِيّةٌ لَا سَعْدِيّةٌ إلّا أَنْ يُرِيدَ بِهَا مُرْضِعَتَهُ إنْ كَانَتْ سَعْدِيّةً، وَأَمّا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَدِيّ، فَوُلِدَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ ابن عَبْدِ الْمَلِكِ، وَلَهُ دَارٌ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ دَارِ علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- يُرْوَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَغَيْرِهِ، وَلَهُ حَدِيثٌ فِي الْمُوَطّأِ فِي كِتَابِ الصّلَاةِ. وَقَوْلُهُ: بِذِي طُوًى: مَوْضِعٌ بِمَكّةَ، وَقَدْ قَدّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذِي طِوَاءٍ بِالْهَمْزِ وَالْمَدّ، وَبَيْنَ طُوًى بِالضّمّ وَالْقَصْرِ فَأَغْنَى عن إعادته هاهنا. وقول وحشىّ: بهذّ النّاسَ بِسَيْفِهِ، مَا يَلِيقُ شَيْئًا، مِثْلَ الْجَمَلِ الأورق،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يُرِيدُ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- وَرَقَةَ الْغُبَارِ، وَإِنّهُ قَدْ نَافَعَ «1» بِهِ إذْ الْأَوْرَقُ مِنْ الْإِبِلِ لَيْسَ بِأَقْوَاهَا، وَلَكِنّهُ أَطْيَبُهَا لَحْمًا فِيمَا ذَكَرُوا. وَقَوْلُهُ: يَهُذّ النّاسَ، هُوَ بِالذّالِ الْمَنْقُوطَةِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الدّلَائِلِ، وَفَسّرَهُ مِنْ الْهَذّ وَهِيَ السّرْعَةُ «2» وَأَمّا الْهَذْمُ بِالْمِيمِ، فَسُرْعَةُ الْقَطْعِ، يُقَالُ: سَيْفٌ مِهْذَمٌ، وَالْهَيْذَامُ: الْكَثِيرُ الْأَكْلِ، وَهُوَ الشّجَاعُ أَيْضًا، وَفِي الْحَدِيثِ: أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللّذّاتِ، يُرْوَى بِالذّالِ الْمَنْقُوطَةِ أَيْ قَاطَعَهَا، وَمِمّا ذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي خَبَرِ وَحْشِيّ، قَالَ: فَخَرَجْت حين قال لي سَيّدِي مَا قَالَ، فَنَظَرْت فَإِذَا رَجُلٌ عَبْعَبٌ عَلَيْهِ دِرْعٌ قَضّاءُ وَإِذَا هُوَ عَلِيّ، فَقُلْت: لَيْسَ هَذَا مِنْ شَأْنِي، وَإِذَا رَجُلٌ حُلَابِسٌ، أَيّهُمْ غَشَمْشَمٌ يَهُذّ النّاسَ، كَأَنّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ، فَكَمَنْت لَهُ إلَى صَخْرَةٍ كَأَنّهَا فُسْطَاطٌ، وَقُلْت: هَذَا الّذِي أُرِيدُ، وَهَزَزْت حَرْبَةً لِي عَرّاصَةً، فَرَمَيْته بِهَا، فَأَصَبْت ثُنّتَهُ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. الْعَبْعَبُ: الشّابّ، وَالدّرْعُ الْقَضّاءُ: الْمُحْكَمَةُ النّسْجِ، وَالْأَيْهَمُ: الّذِي لَا يَرُدّهُ شَيْءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: أَعُوذُ بِاَللهِ مِنْ شَرّ الْأَيْهَمَيْنِ، يَعْنِي السّيْلَ وَالْحَرِيقَ. وَالْعَرّاصَةُ: الّتِي تَضْطَرِبُ مِنْ اللّينِ. وَقَوْلُهُ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ: سَبَقَنِي إلَيْهِ رجل من الأنصار، وسيأتى ذكر

_ (1) هكذا بالأصل، والأورق من الجمال هو الذى لونه بين الغبرة والسواد. ويليق شيئا: لا يبقى شيئا، وهى فى السيرة: ما يقوم له شىء (2) يقول الخشنى: من رواه بالذال فمعناه يسرع فى قطع لحوم الناس بسيفه، ومن رواه بالدال فمعناه: يهدهم ويهلكهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُسَيْلِمَةَ وَنَسَبَهُ، وَطَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ. وَأَمّا الرّجُلُ الّذِي مِنْ الْأَنْصَارِ الّذِي ذَكَرَهُ وَحْشِيّ، وَلَمْ يُسَمّهِ ابْنُ إسْحَاقَ، فَذَكَرَ مُحَمّدَ بْنَ عُمَرَ الْوَاقِدِيّ- رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِ الرّدّةِ، أَنّ الرّجُلَ الّذِي شَارَكَ وَحْشِيّا، فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيّ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَذَكَرَ سَيْفَ بْنَ عُمَرَ فِي كِتَابِ الْفُتُوحِ أَنّهُ عَدِيّ بْنُ سَهْلٍ، وَأَنْشَدَ لَهُ: أَلَمْ تَرَ أَنّي وَوَحْشِيّهُمْ ... قَتَلْت مُسَيْلِمَةَ الْمُفْتَتَنْ وَيَسْأَلُنِي النّاسُ عَنْ قَتْلِهِ ... فَقُلْت: ضَرَبْت، وَهَذَا طَعَنْ «1» فِي أَبْيَاتٍ لَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قُبَيْلَ هَذَا الْحَدِيثِ. أَنّ أَبَا دُجَانَةَ أَيْضًا شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ، وَذَكَرَهُ أَبُو عُمَر النّمَرِيّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ أَرَادَ وَحْشِيّ. وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ زِيَادَةٌ فِي إسْلَامِ وَحْشِيّ، قَالَ: لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، قَالَ النّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا وَحْشِيّ، فَقَالَ: دَعُوهُ فَلِإِسْلَامِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ قَتْلِ أَلْفِ رَجُلٍ كَافِرٍ. وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي سَعْدِ بْنِ أَبِي طُلَيْحَةَ: أَنَا قَاصِمُ مَنْ يُبَارِزُنِي، فَبَرَزَ إلَيْهِ عَلِيّ، فَقَالَ أَبُو الْقُصَمِ بِالْقَافِ، قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ، وَهُوَ أَصَحّ، وَإِنّمَا قَالَ علىّ

_ (1) تقول الحافظ فى الفتح «وأغرب وثيمة فى كتاب اردة، فزعم أن الذى ضرب مسيلمة شن- بفتح الشين وتضعيف النون- بن عبد الله، وأنشد له.. ثم ذكر البيتين وزاد. فلست بصاحبه دونه ... وليس بصاحبه دون شن ص 297 ح 7 فتح البارى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - عَلَيْهِ السّلَامُ أَنَا أَبُو الْقُصَمِ، لِقَوْلِ أَبِي سَعْدٍ أَنَا قَاصِمُ مَنْ يُبَارِزُنِي، فَالْقُصَمُ: جَمْعُ قصمة، وهى العضلة المهلكة، وبجوز أَنْ يَكُونَ جَمْعَ الْقُصْمَى، أَيْ: الدّاهِيَةُ الّتِي تَقْصِمُ. وَالدّوَاهِي الْقُصَمُ عَلَى وَزْنِ الْكُبَرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى أَصَحّ، لِأَنّهُ لَا يُعْرَفُ قُصَمَةٌ، وَلَكِنّهُ لما قال أبو سعد أبا قَاصِمٌ، قَالَ عَلِيّ: أَنَا أَقْصِمُ مِنْك، بَلْ أَنَا أَبُو الْقُصَمِ، أَيْ أَبُو الْمُعْضِلَاتِ الْقُصَمُ «1» والدواهى العظم، والقصم كسر ببينونة، والفصم: كسر يغير بَيْنُونَةٍ كَكَسْرِ الْقَضِيبِ الرّطْبِ وَنَحْوِهِ، وَفِي التّنْزِيلِ: وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ وفيه (لا انفصام لها) وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ: قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طُلَيْحَةَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، كَذَلِكَ رَوَاهُ الْكَشّيّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَعْدٍ، قَالَ لَمّا كَفّ عَنْهُ عَلِيّ طَعَنْته فِي حَنْجَرَتِهِ، فَدَلَعَ لِسَانَهُ إلَيّ، كَمَا يَصْنَعُ الْكَلْبُ ثُمّ مَاتَ. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَيْضًا هَذَا فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ، وَقَوْلُ عَلِيّ إنّهُ اتّقَانِي بِعَوْرَتِهِ، فَأَذْكَرَنِي الرّحِمَ، فَعَطَفَتْنِي عَلَيْهِ الرّحِمُ، وَقَدْ فَعَلَهَا عَلَيّ مَرّةً أُخْرَى يَوْمَ صِفّينَ، حَمَلَ عَلَى بِشْرِ بْنِ أَرَطْأَةَ، فَلَمّا رَأَى أَنّهُ مَقْتُولٌ كَشَفَ عَنْ عَوْرَتِهِ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ، وَيُرْوَى أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصى، مع علي- رضي الله عنه- يوم صفين، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْحَارِثُ بْنُ النّضْرِ السّهْمِيّ، رواه ابن الكليى وغيره:

_ (1) فى اللسان: «قصم بغير تنوين مثل قثم يحطم ما لقى، قال ابن برى: صوابه: قصم- أى بالتنوين- مثل قثم فى تصرفهما لأنهما صفتان، وإنما العدل يكون فى الأسماء لا غير» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَفِي كُلّ يَوْمٍ فَارِسٌ غَيْرُ مُنْتَهٍ ... وَعَوْرَتُهُ وَسْطَ الْعَجَاجَةِ بَادِيَهْ يَكُفّ لَهَا عَنْهُ عَلِيّ سنانه ... ويضحك منه فِي الْخَلَاءِ مُعَاوِيَهْ عَنْ مَقْتَلِ حَنْظَلَةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَقْتَلَ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلِ، وَاسْمَ أَبِي عَامِرٍ: عَمْرٌو، وَقِيلَ عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ، وَذَكَرَ شَدّادُ بن الأسود بن شعوب حين قتله، بعد ما كَانَ عَلَا حَنْظَلَةَ أَبَا سُفْيَانُ لِيَقْتُلَهُ، وَذَكَرَ الْحُمَيْدِيّ فِي التّفْسِيرِ مَكَانَ شَدّادٍ جَعْوَنَةَ بْنَ شَعُوبٍ اللّيْثِيّ، وَهُوَ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِيّ. وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنّ صَاحِبَكُمْ لَتُغَسّلُهُ الْمَلَائِكَةُ يَعْنِي: حَنْظَلَةَ، وَفِي غَيْرِ السّيرَةِ، قَالَ: رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسّلُهُ فِي صِحَافِ الْفِضّةِ بِمَاءِ الْمُزْنِ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ «1» . صَاحِبَتُهُ يَعْنِي امْرَأَتَهُ، وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ أُبَيّ بن سَلُولَ أُخْتُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ، وَكَانَ ابْتَنَى بِهَا تِلْكَ اللّيْلَةَ، فَكَانَتْ عَرُوسًا عِنْدَهُ، فرأت فى النوم تلك الليلة كَأَنّ بَابًا فِي السّمَاءِ فُتِحَ لَهُ فَدَخَلَهُ، نم أُغْلِقَ دُونَهُ، فَعَلِمَتْ أَنّهُ مَيّتٌ مِنْ غَدِهِ، فَدَعَتْ رِجَالًا مِنْ قَوْمِهَا حِينَ أَصْبَحَتْ فَأَشْهَدَتْهُمْ عَلَى الدّخُولِ بِهَا خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ فِيمَا ذُكِرَ لِي، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنّهُ اُلْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدُوهُ

_ (1) يقول الخشنى: الهاتفة: يعنى الصيحة، ويروى الهائعة مأخوذ من الهياع وهو الصياح، وفى الإصابة الهامعة ولعله خطأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَلَيْسَ بِقُرْبِهِ مَاءٌ تَصْدِيقًا لما قاله الرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» ، وَفِي هَذَا الْخَبَرِ مُتَعَلّقٌ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ إنّ الشّهِيدَ يُغَسّلُ إذَا كَانَ جُنُبًا، وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ لَا يُغَسّلُ كَسَائِرِ الشّهَدَاءِ، لِأَنّ التّكْلِيفَ سَاقِطٌ عَنْهُ بِالْمَوْتِ. شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ: وَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ: وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ... لَدُنْ غَدْوَةٍ حَتّى دَنَتْ لِغُرُوبِ يُرْوَى بِخَفْضِ غُدْوَةٍ، وَنَصْبِهَا، فَمَنْ خَفَضَهُ فَإِعْرَابُهُ بَيّنٌ، لِأَنّ لَدُنْ بِمَنْزِلَةِ: عِنْدَ، لَا يَكُونُ مَا بَعْدَهُ إلّا مَخْفُوضًا، وَأَمّا نَصْبُهُ فَغَرِيبٌ، وَشَيْءٌ خَصّتْ الْعَرَبُ بِهِ غُدْوَةً، وَلَا يُقَاسَ عَلَيْهَا، وَكَثِيرًا مَا يَذْكُرُهَا سِيبَوَيْهِ، وَيَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنّ لَدُنْ يُقَالُ فِيهَا: لَدُنْ وَلَدٍ، فَلَمّا كَانَتْ تَارَةً تُنَوّنُ، وَلَا تُنَوّنُ أُخْرَى، شَبّهُوهَا إذَا نُوّنَتْ بِاسْمِ الْفَاعِلِ فَنَصَبُوا غُدْوَةً بَعْدَهَا، تَشْبِيهًا بِالْمَفْعُولِ، وَلَوْلَا أَنّ غُدْوَةً تنوّن إذا نكّرت، وتنوّن ضرورة

_ (1) لم يرو حديث تفسيل الملائكة لحنظلة- سوى ابن إسحاق فى مغازيه وقد أخرجه الحاكم فى المستدرك وفى إسناده معلى بن عبد الرحمن وهو متروك والطبرانى، وفى إسناده حجاج وهو مدلس والبيهقى وفى إسناده أبو شيبة الواسطى وهو ضعيف جدا، والسرقطى فى غريبه من طريق الزهرى مرسلا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذَا كَانَتْ مَعْرِفَةً مَا عُرِفَ نَصْبُهَا، لِأَنّهَا اسْمٌ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيّةِ وَالتّأْنِيثِ، فَخَفْضُهَا وَنَصْبُهَا سَوَاءٌ، فَإِذَا نُوّنَتْ لِلضّرُورَةِ، كَمَا فِي بَيْتِ أَبِي سُفْيَانَ أَوْ أَرَدْت غُدْوَةً مِنْ الْغَدَوَاتِ تَبَيّنَ حِينَئِذٍ أَنّهُمْ قَصَدُوا النّصْبَ وَالتّشْبِيهَ بِالْمَفْعُولِ، وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ الْبَيَانِ، وَهُوَ أَنّهُمْ قَدْ رَفَعُوهَا، فَقَالُوا: لَدُنْ غُدْوَةُ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ، كَمَا يُرْفَعُ الِاسْمُ بَعْدَ اسْمِ الْفَاعِلِ إذا كَانَ فَاعِلًا وَيُنْصَبُ إذَا كَانَ مَفْعُولًا إذَا نُوّنَ اسْمُ الْفَاعِلِ، كَذَلِكَ غُدْوَةٌ بَعْد لَدُنْ، لَا يَكُونُ هَذَا فِيهَا إلّا إذَا نُوّنَتْ لَدُنْ، فإن قلت: لدغدوة، لَمْ يَكُنْ إلّا الْخَفْضُ إنْ نَوّنْتهَا، وَإِنْ تَرَكْت صَرْفَهَا لِلتّعْرِيفِ، فَالْفَتْحَةُ عَلَامَةُ خَفْضِهَا، وَلَا تَكُونُ غَدْوَةٌ عَلَمًا إلّا إذَا أَرَدْتهَا لِيَوْمِ بِعَيْنِهِ، وَبُكْرَةٌ مِثْلُهَا فِي الْعَلَمِيّةِ، وَلَيْسَتْ مِثْلَهَا مع لدن وضحوة وَعَشِيّةٍ مَصْرُوفَتَانِ، وَإِنْ أَرَدْتهمَا لِيَوْمِ بِعَيْنِهِ. وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ كَشْفِ أَسْرَارِ هَذَا الْبَابِ فِي «نَتَائِجِ الْفِكْرِ» وَأَوْضَحْنَا هُنَالِكَ بَدَائِعَ وَعَجَائِبَ لَمْ يُبَيّنْهَا أَحَدٌ إلّا أَنّهَا مُنْتَزِعَةٌ مِنْ فَحَوَى كَلَامِ سِيبَوَيْهِ، وَمِنْ قَوَاعِدِهِ الّتِي أَصْلٌ، وَالْحَمْدُ لله «1» .

_ (1) يقول أحمد بن يحيى والمبرد: العرب تقول لدن غدوة بالرفع وبالنصب وبالخفض، فمن رفع أراد لدن كانت غدوة، ومن نصب أراد لدن كان الوقت غدوة، ومن خفض أراد من عند غدوة. ويرى البصريون أنها تنصب غدوة خاصة من بين الكلام، واستشهدوا بالبيت السابق، ويجيز الفراء فى عدوة الرفع والنصب والخفض. قال ابن كيسان: من خفض بها أجراها مجرى من وعن، ومن رفع أجراها مجرى مذ، ومن نصب جعلها وقتا، وجعل ما بعدها ترجمة عنها، وإن شئت أضمرت كان كما قال: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ فِي هَذَا الشّعْرِ: بِهِمْ خَدَبٌ. الْخَدَبُ الْهَوَجُ: «1» وَفِي الْجَمْهَرَةِ طَعْنَةٌ خَدْبَاءُ إذَا هَجَمَتْ عَلَى الْجَوْفِ، وَهَذَا هُوَ الّذِي أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ بِالْخَدَبِ. وَأَمّا قَوْلُ حَسّانَ: إذَا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنَا كَأَنّهَا ... جَدَايَةُ شُرْكٍ مُعْلَمَاتِ الْحَوَاجِبِ شُرْكٌ: جَمْعُ شِرَاكٍ. وَالْجَدَايَةُ: جَدَايَةُ السّرْجِ، عَلَى أَنّ الْمَعْرُوفَ جَدِيّةُ السّرْجِ، لَا جدايته فِي أَقْرَبِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُرِيدَ الْجَدَايَةَ مِنْ الْوَحْشِ، وَبِالشّرْكِ الْأَشْرَاكُ الّتِي تُنْصَبُ لَهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ دَامِيَاتُ الْحَوَاجِبِ، وَهَذَا أَصَحّ فِي مَعْنَاهُ، فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّ الْجَدَايَةَ يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ وَالذّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الظّبَاءِ، وَيَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الْجَدَايَةَ جَمْعُ جَدِيّةٍ، وَهِيَ جَدِيّةُ السّرْجِ وَالرّحْلُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُقَالُ فِي الْجَمْعِ فَعَالٍ وَفِعَالَة نَحْوُ جمال وجمالة، ولكنه هاهنا بعيد

_ - مذلد شولا وإلى إتلائها أراد أن كانت شولاء. وانظر بقية القول فى لدن فى اللسان. وقد فرق أبو هلال العسكرى بينهما فى المعنى، «تقول هذا القول عندى صواب، ولا تقول: لدنى صواب، وتقول: عندى مال، ولا تقول: لدنى مال ولكن تقول: لدنى مال إلا أنك تقول ذلك فى المال الحاضر عندك. ويجوز أن تقول: عندى مال، وإن كان غائبا عنك، لأن لدنى هو لما يليك. (1) طيش وتسرع، أو طول فى حمق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَاَللهُ أَعْلَمُ «1» . وَيُرْوَى شِرْكٌ بِكَسْرِ الشّينِ، وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ فِي مَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ: أَنّهُ أَرَادَ الْجِدَايَةَ مِنْ الْوَحْشِ، وَهِيَ أَوْلَادُ الظّبَاءِ وَنَحْوُهَا، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّهُ يُقَالُ جِدَايَةٌ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالذّكَرِ وَالْأُنْثَى، فَيَكُونُ الشّرْكُ عَلَى هَذَا فِي مَعْنَى الأشراك التى يصادبها، وَقَدْ قِيلَ: إنّ شُرْكًا اسْمُ مَوْضِعٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَعَضَلٌ قَبِيلَةٌ مِنْ خُزَيْمَةَ غَادِرَةٌ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ غَدْرُ عَضَلٍ وَالْقَارَةُ. وَقَوْلُهُ: مُعْلَمَات الْحَوَاجِبِ، يَعْنِي بِالدّمَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدُ سَوَادَهَا مَا بَيْنَ أَعْيُنِهَا، كَمَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ [لِلْأَعْشَى] . وَكَأَنّهُ لَهْقُ السّرَاةِ كَأَنّهُ ... مَا حَاجِبَيْهِ مُعَيّنٌ بِسَوَادِ «2»

_ (1) جاء فى طبعته الأولى. عما بين قوسين من أول: والجداية جداية السرج إلى قوله: من طريق المعنى والله أعلم: هذه الجملة التى بين الدائرتين لم تثبت فى النسخة الثانية، فأثبتناها كما هى، فليحرر. هذا وقد ذكر أبو ذر الخشنى: الجداية بفتح الجيم وكسرها: الصغير من أولاد الظباء، وفى إصلاح المنطق لابن السكيت ص 125: الجداية بفتح الجيم وكسرها- الغزال الشادن، وهى القفوز والأبوز التى تأبز، وهى التى تعدو عدوا شديدا. وشرك هنا: اسم موضع، وهو بضم الشين، وكسرها والذى فى السيرة: معلمات الحواجب لا داميات الحواجب كما ذكر فى الفقرة التى بين قوسين والتى أظن أنها دسيسة على الكتاب. (2) انظر ص 80 ح 1 ط بولاق الكتاب لسيبويه. وقال سيبوية: يريد كأن حاجبيه، فأبدل حاجبيه من الهاء التى فى كأنه وما زائدة، وقد جعله شاهدا لإبدال الحاجبين من الضمير المتصل بكأن، ورد قوله معين بسواد على الضمير لا على الحاجبين، وهو فى المعنى خبر عنهما والبيت فى وصف ثور وحشى شبه به بعيره فى حذقه ونشاطه فيقول: كأنه ثور الخ. ولهق السراة أبيض أعلى الظهر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصّارِخُ يَوْمَ أُحُدٍ: فَصْلٌ وَذَكَرَ الصّارِخَ يَوْمَ أُحُدٍ بِقَتْلِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ: الصّارِخُ أَزَبّ الْعَقَبَةِ، هَكَذَا قَيْدٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الزّاي، وَذَكَرْنَا فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ مَاكُولَا فِي أُمّ كُرْزٍ بِنْتُ الْأَزَبّ بْنِ عَمْرِو بْنِ بَكِيلٍ، وَأَنّهُ قَالَ: لَا يُعْرَفُ الْأَزَبّ فِي الْعَرَبِ إلّا هَذَا، وَأَزَبّ الْعَقَبَةِ، وَذَكَرْنَا حَدِيثَ ابْنِ الزّبَيْرِ الّذِي ذَكَرَهُ الْقُتَبِيّ إذْ رَأَى رَجُلًا طُولُهُ شِبْرَانِ عَلَى بَرْذعَةِ رَحْلِهِ، فَنَفَضَهَا منه، ثم عاد إلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا أَزَبّ، قَالَ وَمَا أَزَبّ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ «1» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يدل على أنه أزبّ مع قول

_ (1) هو كما ذكره ابن الأثير فى النهاية «خرج فبات فى القفر، فلما قام ليرحل، وجد رجلا طوله شبران عظيم اللحية على الولية يعنى: البرذعة، فنفضها، فوقع، ثم وضعها على الراحلة، وجاء، وهو على القطع، يعنى الطنفسه فنفضه فوقع، فوضعه على الراحلة، فجاء وهو بين الشرخين، أى: جانبى الرحل فتفضه، ثم شده، وأخذ السوط، ثم أتاه، فقال: من أنت؟ فقال: أَنَا أَزَبّ، قَالَ: وَمَا أَزَبّ؟ قَالَ: رَجُلٌ من الجن، قال: افنح فاك أنظر، ففتح فاه، فقال: أهكذا حلوقكم؟ ثم قلب السوط فوضعه فى رأس أزب، حتى باص، أى فاته واستتر. أقول: لا ريب فى أحد أمرين، إما ضعف الحديث وسقوطه، وإما أن يكون شيطان إنس أراد بابن الزبير شيئا ويكون فى التعبير مبالغة عن طوله وفمه! وقد ذكره ابن الأثير فى مادة: أزب، وفسره بأنه الكثير الشعر. وفى القاموس الإزب- بكسر الهمزة وسكون الزاى وتخفيف الباء- القصير والغليظ والداهية واللئيم والدميم الخ، ثم ذكر أزب العقبة فى زبب. وفيه-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَعْقُوبَ فِي الْأَلْفَاظِ: الْإِزْبُ: الرّجُلُ الْقَصِيرُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ هَلْ الْإِزْبُ: وَالْأَزَبّ شَيْطَانٌ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ، وَيُقَالُ: الْمَوْضِعُ الّذِي صَرَخَ مِنْهُ الشّيْطَانُ جَبَلُ عَيْنَيْنِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِعُثْمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَفَرَرْت يَوْمَ عَيْنَيْنِ «1» ، وَعَيْنَانِ أَيْضًا: بَلَدٌ عِنْدَ الْحِيرَةِ، وَبِهِ عُرِفَ خُلَيْدُ عَيْنَيْنِ الشّاعِرُ. مال من رموا النبى: فصل: وذكر ابن قمئة، وسمه عَبْدُ اللهِ، وَهُوَ الّذِي قَتَلَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، وَجَرَحَ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ أَخُو

_ - قال: الأزب- بفتح الهمزة والزاى وتضعيف الباء- من أسماء الشياطين، ومنه حديث ابن الزبير مختصرا. ثم ذكر الحديث كما قال، كذلك ذكر أزب العقبة بنفس ضبطه لأزب فى حديث ابن الزبير. ويقول إلزرقانى فى شرح المواهب ص 33 ح 2 بعد أن ذكر كلام السهيلى، وأن حديث ابن الزبير يشهد للأول أى كسر الهمزة وسكون الزاى: وظاهره سكون الزاى. وخفة الباء مع كسر الهمزة وفتحها، ثم رد على هذا بما نقلناه عن القاموس. ثم قال: وبعض المتأخرين جعلهما قولين. أما اللسان فذكر حديث ابن الزبير كما فعل ابن الأثير فى مادة أزب، وهو ينقل عنه. وكثرة الشعر ذكرها اللسان فى مادة زبب، أما القصير ففى مادة أزب فى القاموس وفى اللسان. وكذلك ذكر ابن دريد فى الاشتقاق: الأزب: البعير الذى على أخفانه وبر، فهو يذعر من كل شىء، ورجل أزب: كثير الشعر وضبطها فى المرتين بفتح الهمزة والزاى وتضعيف الباء ص 117، 205. (1) فى القاموس. وعينين بكسر العين وفتحها مثنى: جبل بأحد قام عليه إبليس عليه لعنة الله تعالى، فنادى إن محمدا «ص» قد قتل، وبفتح العين بلدة بالبحرين منه خليد عينين وعينان موضع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سَعْدٍ، هُوَ الّذِي كَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- ثُمّ لَمْ يُولَدْ مِنْ نَسْلِهِ وَلَدٌ، فَبَلَغَ الْحُلُمَ إلّا وَهُوَ أَبْحُرُ أَوْ أَهْتَمُ يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي عَقِبِهِ. وَمِمّنْ رَمَاهُ يَوْمئِذٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ شِهَابٍ جَدّ شَيْخِ مَالِكٍ مُحَمّدِ بن مسلم ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ، وَقَدْ قِيلَ لَابْنِ شِهَابٍ أَكَانَ جَدّك عَبْدَ اللهِ بْنَ شِهَابٍ مِمّنْ شَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ يَعْنِي مَعَ الْكُفّارِ، وَعَبْدُ اللهِ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ الْأَصْغَرُ، وَأَمّا عَبْدُ الله ابن شِهَابٍ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ الْأَكْبَرُ، فَهُوَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ، تُوُفّيَ بِمَكّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِمَا أَيّهُمَا كَانَ الْمُهَاجِرُ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَقِيلَ: الْأَكْبَرُ، وَقِيلَ الْأَصْغَرُ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا جَدّ الزّهْرِيّ لِأَبِيهِ، وَالْآخَرُ لِأُمّهِ، وَقَدْ أَسْلَمَ الّذِي شَهِدَ أَحَدًا مَعَ الْكُفّارِ، وَجُرِحَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاَللهُ يَنْفَعُهُ بِإِسْلَامِهِ. أَسْمَاءُ أَجْزَاءِ اللّيْلِ: وَذَكَرَ مَالِكَ بْنَ سِنَانٍ وَالِدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ مِنْ بَنِي خُدْرَةَ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ الْخَزْرَجِ، وَالْخُدْرَةُ فِي اللّغَةِ: نَحْوٌ مِنْ خُمْسِ اللّيْلِ، وَبَعْدَهُ الْيَعْفُورُ، وَهُوَ خُمْسٌ آخَرُ مِنْ اللّيْلِ، وَبَعْدَهُ الْجَهْمَةُ وَالسّدْقَةُ «1» ، وَاَلّذِي قَبْلَ الْخُدْرَةِ يُقَالُ لَهُ الْهَزِيعُ، كل هذا من كتاب كراع «2» .

_ (1) تستعمل للضوء وللظلمة. (2) أنظر المخصص لابن سيده ففيه تفصيل لليل واجزائه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الدم والبول: وذكر أن بن مالك سِنَانٍ مَصّ دَمَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَازْدَرَدَهُ، وَقَدْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ الزّبَيْرِ، وَهُوَ غُلَامٌ حَزَوّرٌ حِينَ أَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَمَ مَحَاجِمِهِ لِيَدْفِنَهُ فَشَرِبَهُ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا قَالَ لِمَالِكِ حِينَ ازْدَرَدَ دَمَ جُرْحِهِ: مَنْ مَسّ دَمَهُ دَمِي، لَمْ تُصِبْهُ النّارُ. لَكِنّهُ قَالَ لَابْنِ الزّبَيْرِ وَيْلٌ لَك مِنْ النّاسِ وَوَيْلٌ لِلنّاسِ مِنْك. ذكره الدّار قطنى فِي السّنَنِ، وَفِي هَذَا مِنْ الْفِقْهِ أَنّ دَمَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخَالِفُ دَمَ غَيْرِهِ فِي التّحْرِيمِ «1» وَكَذَاك بَوْلُهُ قَدْ شَرِبَتْهُ أُمّ أَيْمَنَ حِينَ وَجَدَتْهُ فِي إنَاءٍ مِنْ عِيدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا «2» ، وَذَلِكَ وَاَللهُ أَعْلَمُ لِلْمَعْنَى الّذِي بيّناه فى حديث نزول الملكين

_ (1) كيف يقام فقه على نص كهذا لم يخرجه أحد من أصحاب الكتاب الستة، هو والذى قبله؟ (2) لست أدرى من أين جاء بهذا؟ وهل يظن أن مكانة النبى لا يتحقق وجودها الأعظم فوق قمة الكمال والجمال الإنسانى النبوى إلا بمثل هذا الذى يؤكد الحق أنه باطل؟. كيف يمنع البخارى ومسلم وأبو داد والنسائى والترمذى وابن ماجة وأحمد عن روايتهما؟! وحديث البول لم يخرجه واحد منهم أيضا، فما أخرجه سوى الحسن بن سفيان فى مسنده وأبى يعلى والحاكم والدار قطنى وأبى نعيم، وهى أسماء لا ترتبط بالصحيح إلا حين يكون صحيحا فى الكتب الأخرى، وكيف يظن برسول الله- وهو الطاهر المطهر الداعى إلى الطهارة والتطهر أن يقول لأم أيمن: إنك لن تشتكى بطنك بعد يومك هذا؟. يجب أن نمجد- رسول الله-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ حِينَ غَسَلَا جَوْفَهُ بِالثّلْجِ فِي طَسْتِ الذّهَبِ، فَصَارَ بِذَلِكَ مِنْ الْمُتَطَهّرِينَ، وَبَيّنَا أَيْضًا هُنَالِكَ أَنّهُ مِنْ الْمُتَطَهّرِينَ كَأُمّتِهِ لِتَطَهّرِهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ، «1» إلّا أَنّ أَبَا عُمَرَ النّمَرِيّ ذَكَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ أَنّ رَجُلًا مِنْ الصّحَابَةِ اسْمُهُ: سَالِمٌ حَجَمَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ ازْدَرَدَ دَمَهُ، فَقَالَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم. أَمَا عَلِمْت أَن الدّمُ كُلّهُ حَرَامٌ؟ غَيْرَ أَنّهُ حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ إسْنَادٌ وَاَللهُ أَعْلَمُ «2» وَحَدِيثُ ابْنِ الزّبَيْرِ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ رَوَى الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مَا يَشُدّهُ وَيُتَمّمُ مَعْنَاهُ. قَالَ فِي حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ: لَمّا وُلِدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَيْرِ نَظَرَ إلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هُوَ هُوَ، فَلَمّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ أَسْمَاءُ أُمّهُ، أَمْسَكَتْ عَنْ إرْضَاعِهِ، فَقَالَ لَهَا- عَلَيْهِ السّلَامُ: أَرْضِعِيهِ، وَلَوْ بِمَاءِ عَيْنَيْك، كَبْشٌ بَيْنَ ذِئَابٍ، وذئاب عليها ثياب ليمنعنّ البيت، أو ليقتتلنّ دونه «3» .

_ - صلى الله عليه وسلم فى نبوته، وإنسانيته التى سست بها النبوة، لا فى بوله وغائطه. (1) إذا كيف قال له الله: (ووجدك ضالا، فهدى) ؟ وكيف أخرج البخارى ما أخرج عن السفرة التى قدمها- رسول الله «ص» قبل بعثته إلى زيد ابن عمرو بن نفيل، وكان عليها ما ذبح على النصب؟! (2) ولكن هذا الذى لا يعرف له إسناد من القرآن الكريم أعظم إسناد. (3) كل قوم أعجبوا برجل أخرجوا له مثل هذا!! وفى ألفاظه دليل أنه زور

تم بحمد الله الجزء الخامس ويليه الجزء السادس ان شاء الله وأوله: قتل الرسول لأبىّ بن خلف

فهرس الجزء الخامس من الروض الأنف

فهرس الجزء الخامس من الروض الأنف 5 مقدمة الجزء الخامس 7 ذكر نصاري نجران وما أنزل الله فيهم معنى العاقب، والسيد، والأسقف «س» «1» 7 منزلة أبى حارثة عند ملوك الروم «س» 7 السبب فى إسلام كرز بن علقمة «س» 8 رؤساء نجران وإسلام ابن رئيس منهم «س» 9 صلاة النصارى إلى المشرق 9 أسماء وفد نجران ومعتقدهم ومجادلتهم الرسول صلى الله عليه وسلم «س» 11 تفسير ما نزل من آل عمران فى وفد نجران «س» 13 ما نزل من القرآن فيما ابتدعته اليهود والنصارى «س» 14 مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي وَعْظِ الْمُؤْمِنِينَ وتحذيرهم «س» 15 مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي خَلْقِ عِيسَى «س» 15 آيات عن زكريا ومريم «س» 16 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 16 دعوى كفالة جريج الراهب لمريم «س» 17 مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي بَيَانِ آيَاتِ عيسى عليه السلام «س» 17 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 18 رفع عيسى عليه السلام «س» 19 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 20 إباؤهم الملاعنة «س» 21 تولية أبى عبيدة أمورهم «س» 21 نبذ من ذكر المنافقين «س»

_ (1) «س» رمز عن السيرة. و «ن. ل» رمز عن النحو واللغة. و «ش» رمز عن الشرح. أما الروض فبدون رمز

21 ابن أبى وابن صيفى «س» 22 إسلام ابن أبى «س» 22 إصرار ابن صيفى على كفره «س» 22 مَا نَالَ ابْنَ صَيْفِيّ جَزَاءَ تَعْرِيضِهِ بِالرّسُولِ «ص» «س» 23 الاحتكام إلى قيصر فى ميراثه «س» 24 هجاء كعب لابن صيفى «س» 25 خُرُوجُ قَوْمِ ابْنِ أُبَيّ عَلَيْهِ وَشِعْرُهُ فِي ذلك «س» 25 غضب الرسول «ص» من كلام ابن أبى «س» 26 ذكر من اعتسل من أصحاب رسول الله «ص» «س» 27 مرض أبى بكر وعامر وبلال وحديث عائشة عنهم «س» 27 ما جهد المسلمين من البلاء «س» 28 بدء قتال المشركين «س» 28 ذكر نصاري نجران وما أنزل الله فيهم 28 تأويل كن فيكون 29 تأويل آيات محكمات 31 التأويل «ش» 33 احتجاج القسيسين للتثليت 34 احتجاجهم لألوهية عيسى 36 وضعتها أنثى 37 المباهلة 39 سلول 39 الحبلى «ن. ل» 40 الملك فى العرب 41 مزاحم أطمة 43 وعك أبى بكر وبلال وعامر 45 الإذخر 46 مجنة، شامة، طفيل 47 اللهم حبب إلينا المدينة 48 النهى عن سب الحمى 50 الكلام على حديث صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ 51 تاريخ الهجرة «س» 51 غزوة ودان 51 موادعة بنى ضمرة والرجوع من غير حرب «س» 52 سرية عبيدة بن الحارث «س» 52 من فر من المشركين إلى المسلمين «س» 53 شعر أبى بكر فيها «س» 55 شعر ابن أبى وقاص فى رميته «س» 55 أول راية فى الإسلام كانت لعبيدة «س» 55 سرية حمزة إلى سيف البحر «س»

55 ما جرى بين المسلمين والكفار «س» . 56 كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وشعر حمزة فى ذلك «س» . 57 شِعْرُ أَبِي جَهْلٍ فِي الرّدّ عَلَى حَمْزَةَ «س» . 58 غزوة يواط «س» . 59 غزوة العشيرة «س» . 60 تكنية على بأبى تراب «س» . 61 سرية سعد بن أبى وقاص «س» 61 غزوة سفوان «س» . 62 سرية عبد الله بن جحش «س» . 63 الخلاف حول نسب الحضرمى «س» . 64 الرسول «ص» يستنكر القتال فى الشهر الحرام «س» . 65 ما نزل من القرآن فى فعل ابن جحش «س» . 67 ما قيل من شعر فى هذه السرية «س» . 67 صرف القبلة إلى الكعبة «س» 68 تاريخ الهجرة وغزوة ودان. 69 غزوة عبيدة بن الحارث. 70 شَرْحُ الْقَصِيدَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَصِيدَةِ ابن الزبعرى وأبى جهل. 72 أسماء ممنوعة من التنوين «ن. ل» . 73 رواية شعر الكفرة 74 غزوة بواط. 75 غزوة العشيرة. 77 تكنية على بأبى تراب. 77 أشقى الناس. 78 موادعة بنى ضمرة. 78 سرية عبد الله بن جحش. 78 صحة الرماية بالمناولة. 79 أولاد الحضرمى. 80 حكمة تحريم القتال فى الأشهر الحرم. 81 غزوة بدر الكبرى «س» . 81 عير أبى سفيان «س» . 82 ندب المسلمين للعير وحذر أبى سفيان «س» . 83 ذكر رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب «س» . 83 ذيوع الرؤيا وما أحدثت بين أبى جهل والعباس «س» . 85 قريش تنجهز للخروج «س» 85 خروج عقبة «س» . 86 ما وقع بين قريش وكنانة «س» . 88 الشيطان وقريش «س» . 88 خروجه صلى الله عليه وسلم «س»

88 اللواء والرايتان «س» . 89 إبل المسلمين إلى بدر «س» . 89 الطريق إلى بدر «س» . 91 قول أبى بكر وعمر والمقداد فى الجهاد «س» . 91 الرسول «ص» يستشير الأنصار «س» . 92 تفرق أخبار قريش «س» . 95 نجاة أبى سفيان بالعير «س» . 95 رؤيا جهيم بن لاصلت «س» . 96 كان أبو سفيان لا يريد حربا «س» . 96 رجوع بنى زهرة «س» . 97 منزل المسلمين ومنزل قريش «س» . 97 مشورة الحباب «س» . 98 بناء العريش لرسول الله «ص» «س» . 99 ارتحال قريش «س» . 101 نسب الحنظلية «س» . 102 مقتل الأسود المخزومى «س» 102 دعاء عتبة إلى المبارزة «س» 102 التقاء الفريقين «س» . 105 مناشدة الرسول ربه النصر «س» . 105 أول قتيل «س» . 105 تحريض لمسلمين على القتال «س» 106 رمى الرسول للمشركين بالحصباء «س» . 107 نَهْيُ النّبِيّ أَصْحَابَهُ عَنْ قَتْلِ نَاسٍ مِنْ المشركين «س» . 109 مقتل أمية بن خلف «س» . 111 شهود الملائكة وقعة بدر «س» . 113 مقتل أبى جهل «س» . 113 شعار لمسلمين ببدر «س» . 113 عود إلى مقتل أبى جهل «س» . 116 غزوة بدر. 116 تحسس الأخبار 117 رؤيا عاتكة. 118 معنى اللياط. 118 المجمرة والألوة. 118 شرح شعر مكرز. 119 مواضع نزل فيها الرسول «ص» 120 أنساب. 121 التطير وكراهية الاسم للقبيح. 122 جبلا مسلح ومخرىء. 123 تعوير قلب المشركين «ن. ل» . 125 تفسير كلمات. 125 مَنْ قَائِلٌ أَبِي عُذْرِهَا وَمَا دَاءُ أَبِي جهل 127 حول سواد بنى غزية «ن، ل» .

128 تفسير بعض مناشدتك. 129 معنى مناشدة أبى بكر. 130 المقام والخوف والرجاء عند 132 الصوفية «ش» . 132 جهاد النبى فى المعركة. 132 المفاعلة 133 عصب وعصم. 134 حديث عمير بن الحمام 134 حديث عوف بن عفراء 134 ضحك الرب 136 شرح كلام أبى البخترى والمجذر 137 تفسير ها الله وهيروه «ن. ل» 138 أقدم حيزوم «ن. ل» 139 معنى قوله تعالى (فقبضت قبضة من أثر الرسول) «ش» 140 نسب أبى داود المازنى 141 الغلامان اللذان قتلا أبى جهل 142 نسب عفراء بنت عبيد «ش» 144 إضمار حرف الجر «ن. ل» 145 خبر عكاشة بن محصن «س» 146 حَدِيثٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ يوم بدر «س» 146 طرح المشركين فى القليب «س» 148 شعر حسان فيمن ألقوا فى القليب «س» 149 من نزل فيهم (إن الذين توفتهم الملائكة ظالمى أنفسهم) «س» 150 ذكر الفىء ببدر «س» 151 بعث ابن رواحة وزيد بشيرين «س» 152 قفول رسول الله من بدر «س» 153 مقتل النضر وعقبة «س» 155 بلوغ مصاب قريش إلى مكة «س» 157 نواح قريش على قتلاهم «س» 159 أمر سهيل بن عمرو وفداؤه «س» 160 أسر عمرو بن أبى سفيان وإطلاقه «س» 161 أسر أبى العاص بن الربيع «س» 162 سبب زواج أبى العاص من زينب «س» 162 سَعْيُ قُرَيْشٍ فِي تَطْلِيقِ بَنَاتِ الرّسُولِ مِنْ أزواجهن «س» 163 أَبُو الْعَاصِ عِنْدَ الرّسُولِ وَبَعْثُ زَيْنَبَ فِي فدائه «س» 164 خروج زينب إلى المدينة. نأهبها وإرسال الرسول رجلين ليصحباها «س» 164 هند تحاول تعرف أمر زينب «س» 165 مَا أَصَابَ زَيْنَبَ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ خُرُوجِهَا ومشورة أبى سفيان «س»

166 شعر لأبى خيثمة فيما حدث لزينب «س» 166 الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ فِي مولى يمين أبى سفيان «س» 167 شعر هند وكنانة فى خروج زينب «س» 167 الرسول يحل دم هبار «س» 168 إسلام أبى العاص بن الربيع استيلاء المسلمين على تجارة معه وإجازة زينب له «س» 169 المسلمون يردون عليه ماله ثم يسلم «س» 169 زوجته ترد إليه «س» 170 مثل من أمانة أبى العاص «س» 170 الذين أطلقوا من غير فداء «س» 171 ثمن الفداء «س» 172 خبر عكاشة بن محصن 173 سبقك بها عكاشة 174 نداء أصحاب القليب 174 مسألة نحوية «ن. ل» 177 من معانى شعر حسان 179 معنى إلقائهم فى القليب 179 عود إلى شعر حسان 180 معنى الجبوب 180 مرة أخرى شعر حسان 181 تفسير قول ابن أبى بكر 182 العرش والعريش 182 بنو عابد وبنو عائذ 182 حول القسم 182 سبب نزول أول الأنفال 184 عقبة بن أبى معيط 185 الطعن فى نسب بنى أمية 186 أبو هند الحجام 187 أسارى بدر 188 خَبَرُ أَبِي رَافِعٍ حِينَ قَدِمَ فَلّ قُرَيْشٍ 188 أم الفضل وضربها لأبى لهب 193 ضبيرة 193 ابن الدخشم 194 حول شعر مكرز 194 أبو العاصى بن الربيع 197 اتباع قريش لزينب. 197 تفسير قصيدة أبى خيثمة 200 رد زينب على زوجها 201 شعر بلال فى مقتل أمية 202 إسلام عمير بن وهب. صفوان يحرضة على قتل الرسول «س» 202 رؤية عمر له وإخباره الرسول بأمره «س» . 203 الرسول يحدثه بما بينه هو وصفوان فيسلم «س»

204 رجوعه إلى مكة يدعو للاسلام «س» 205 هو أو ابن هشام الذى رأى إبليس. وما نزل فيه «س» 205 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 206 شِعْرٌ لِحَسّانَ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ وَمَا كَانَ من تغرير إبليس بقريش 207 المطمعون من قريش «س» 207 من بنى هاشم. من بنى عبد شمس من بنى نوفل. من بنى أسد. من بنى عبد الدار «س» 208 نسب النضر «س» 208 من بنى مخزوم. من بنى جمح. من بنى سهم. من بنى عامر «س» 208 أسماء خيل المسلمين يوم بدر 209 خيل المشركين «س» 209 نزول سورة الأنفال «س» 209 ما نزل فى تقسيم الأنفال «س» 209 مَا نَزَلَ فِي خُرُوجِ الْقَوْمِ مَعَ الرّسُولِ لملاقاة قريش «س» 210 مَا نَزَلَ فِي تَبْشِيرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُسَاعَدَةِ وَالنّصْرِ، وتحريضهم «س» 211 مَا نَزَلَ فِي رَمْيِ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ «س» 211 ما نزل فى الاستفتاح «س» 212 ما نزل فى حصن المسلمين على طاعة الله «س» 213 مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى الرسول «س» 213 ما نزل فى غرة قريش واستفتاحهم «س» 214 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 215 المدة بين (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) وبدر «س» 215 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 215 ما نزل فيمن عاونوا أبا سفيان «س» 216 الأمر بقتال الكفار «س» 216 ما نزل فى تقسيم الفىء «س» 217 ما نزل فى لطف الله بالرسول «س» 218 مَا نَزَلَ فِي وَعْظِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْلِيمِهِمْ خُطَطَ الحرب «س»

219 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 221 ما نزل فى الأسارى والمغائم «س» 222 ما نزل فى التواصل بين المسلمين «س» 223 إسلام عمير بن وهب 223 هل تجسد إبليس فى غزوة بدر؟ 225 ذكر ما أنزل الله فى بدر 231 عن قتال الملائكة 232 قول الشيخ رشيد رضا «ش» 235 حول التولى يوم الزحف والأنتصارات الإلاسعية الباهرة 240 الذين فى قلوبهم مرض فى بدر 240 رأى الأخنش وَأَبِي جَهْلٍ فِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم 241 من الآخرون؟ 242 حول غنائم بدر 245 خيل بدر 249 محمد قبل البعثة «ش» 251 تقويم لحياته بعد الرسالة «ش» 253 من شهد بدرا من المسلمين «س» 253 من بنى هاشم «س» 254 من بنى عبد شمس «س» . 255 نسب سالم «س» . 255 من حلفاء بنى عبد شمس «س» 256 من حلفاء بنى كبير «س» 256 من بنى نوفل «س» . 256 من بنى أسد «س» . 257 من بنى عبد الدار «س» . 257 من بنى زهرة «س» . 258 من بنى تيم «س» 259 نسب الثمر «س» . 259 من بنى مخزوم «س» . 260 سبب تسمية الشماس «س» . 260 من بنى عدى وحلفائهم «س» . 262 من بنى جمح وحلفائهم «س» . 262 من بنى عامر «س» . 262 من بنى الحارث «س» . 263 عدد من شهد بدرا من المهاجرين «س» . 263 الأنصار ومن معهم «س» 263 من بنى عبد الأشهل «س» . 264 من بنى عبيد بن كعب وحلفائهم 265 سبب تسمية عبيد بمقرن «س» 265 من بنى عبد بن رزاح وحلفائهم 265 من بنى حارثة «س» . 265 من بنى عمرو «س» . 266 من بنى أمية «س» . 266 من بنى عبيد وحلفائهم «س» . 267 من بنى ثعلبة «س» . 268 من بنى جحجى وحلفائهم «س»

269 من بنى غنم «س» 269 من بنى معاوية وحلفائهم «س» 270 عدد من شهد بدرا من الأوس «س» . 270 من بنى امرىء القيس. 270 من بنى زيد «س» . 270 من بنى عدى «س» . 271 من بنى أحمر «س» . 271 من بنى جشم «س» . 271 من بنى حدارة «س» . 272 من بنى الأبحر «ش» . 272 من بنى عوف «س» . 273 من بنى جزء وحلفائهم «س» 273 من بنى سالم «س» . 274 من بنى أصرم «س» . 274 من بنى دعد «س» . 274 من بنى لوذان وحلفائهم «س» 275 من بنى ساعدة «س» . 276 من بنى البدى وحلفائهم «س» 276 من بنى طريف وحلفائهم «س» 277 من بنى جشم «س» . 277 نسب الجموح «س» . 278 من بنى عبيد وحلفائهم «س» 278 من بنى خناس «س» . 279 من بنى النعمان «س» . 279 من بنى سواد «س» . 280 من بنى زريق «س» . 281 من بنى خالد «س» . 281 من بنى خلدة «س» . 281 من بنى العجلان «س» . 282 من بنى بياضة «س» . 282 من بنى حبيب «س» . 283 من بنى النجار «س» . 283 من بنى عسيرة «س» . 283 من بنى عمرو «س» . 283 من بنى عبيد بن ثعلبة «س» 284 من بنى عائد وحلفائهم «س» 284 من بنى زيد «س» . 284 من بنى سواد وحلفائهم «س» 284 نسب عفراء «س» . 285 من بنى عامر بن مالك «س» 285 من بنى عمرو بن مالك «س» 285 نسب خديلة «س» 286 من بنى عدى بن عمرو «س» 286 من بنى عدى بن النجار «س» 287 من بنى حرام بن جندب «س» 287 من بنى مازن بن النجار وحلفائهم «س» . 288 من بنى خنساء بن مبذول «س» «س» . 288 من بنى ثعلبة بن مازن س 288 من بنى دينار بن النجار س 289 من فات ابن إسحاق ذكرهم س.

289 عدد البدريين جميعا «س» . 289 من استشهد من المسلمين يوم بدر «س» . 290 القرشيون من بنى عبد المطلب «س» . 290 من بنى زهرة «س» . 290 من بنى عدى «س» . 290 من بنى الحارث بن فهر «س» . 290 ومن الأنصار «س» . 290 من بنى الحارث بن الخزرج «س» . 291 من بنى سلمة «س» . 291 من بنى حبيب «س» . 291 من بنى النجار «س» . 291 من بنى غنم «س» . 291 تسمية من شهد بدرا. 293 قصة خوات. 294 نسب النعمان بن عصر. 295 تصويب أنساب. 295 صاحب الصاع. 296 قريوش أو قريوس «ن. ل» . 296 جدارة أو خدارة. 297 رجيلة أو رخيلة. 297 تصويب نسب. 297 حول الذين استشهدوا فى بدر. 298 ذو الشمالين وذو اليدين. 299 خطأ المبرد. 302 من قتل ببدر من المشركين «س» . 302 من بنى عبد شمس «س» . 303 من بنى نوفل «س» . 303 من بنى أسد «س» . 304 من بنى عبد الدار «س» . 305 من بنى تيم بن مرة «س» . 305 من بنى مخزوم «س» . 307 من بنى سهم «س» . 308 من بنى جمح «س» . 309 من بنى عامر «س» . 309 عددهم «س» . 310 من فات ابن إسحاق ذكرهم «س» . 310 من بنى عبد شمس «س» . 310 من بنى أسد «س» . 310 من بنى عبد الدار «س» . 310 من بنى تيم «س» . 310 من بنى مخزوم «س» . 311 من بنى جمح «س» . 311 من بنى سهم «س» . 311 ذكر أسرى قريش يوم بدر «س» . 311 من بنى هاشم «س» . 311 من بنى عبد المطلب «س» . 312 من بنى عبد شمس وحلفائهم «س» . 312 من بنى نوفل وحلفائهم «س» .

312 من بنى عبد الدار وحلفائهم «س» . 313 من بنى أسد وحلفائهم. «س» . 313 من بنى مخزوم «س» . 314 من بنى سهم «س» . 314 من بنى جمح «س» . 314 من بنى عامر «س» . 315 من بنى الحارث «س» . 315 ما فات ابن إسحاق ذكرهم. 315 من بنى هاشم «س» . 315 من بنى المطلب «س» . 315 من بنى عبد شمس «س» . 316 من بنى نوفل «س» . 316 من بنى أسد «س» . 316 من بنى عبد الدار «س» . 316 من بنى تيم «س» . 316 من بنى مخزوم «س» . 316 من بنى جمح «س» . 317 من بنى سهم «س» . 317 من بنى عامر «س» . 317 من بنى الحارث «س» . 317 مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْر «س» . 324 شعر لحسان فى بدر أيضا «س» . 326 شعر الحارث فى الرد على حسان «س» . 326 شعر لحسان فيها أيضا «س» . 330 شِعْرُ عَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي قَطْعِ رِجْلِهِ «س» . 331 رثاء كعب لعبيدة بن الحارث «س» . 331 شعر لكعب فى بدر «س» . 332 شِعْرُ طَالِبٍ فِي مَدْحِ الرّسُولِ وَبُكَاءِ أَصْحَابِ القليب «س» . 333 شعر ضرار فى رثاء أبى جهل «س» : 334 شِعْرُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جهل «س» . 335 شِعْرُ ابْنِ الْأَسْوَدِ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ «س» . 336 شِعْرُ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ فِي رِثَاءِ قتلى بدر «س» . 339 شعر أبى أسامة «س» . 342 شعر هند بنت عتبة «س» . 344 شعر صفية «س» . 345 شعر هند بنت أثاثة «س» . 345 شعر قتيلة بنت الحارث «س» . 346 تاريخ الفراغ من بدر «س» . 347 من قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ. 348 السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ. 351 أوس بن خولى. 351 أخو طلحة. 351 ابن عبد الله بن جذعان. 352 حذيفة بن أبى حذيفة.

352 تَسْمِيَةُ مَنْ أُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ. 353 عقيل بن أبى طالب. 354 نوفل بن الحارث. 354 أبو العاصى بن الربيع وغيره. 357 الحكم بن عبد المطلب. 358 من الذين أسلموا من أسارى بدر. 361 ممن لم يسلم من الأسارى. 361 تاريخ وفاة رقية. 363 أشعار يوم بدر. 363 الشعر المنسوب إلى حمزة. 364 شعر على. 365 حول شعر حسان. 365 الفرق بين مفعل وفعل «ن. ل» 366 عود إلى شعر حسان. 368 حول شعر الحارث بن هشام. 368 عود إلى حسان. 370 الانتخاء «ن. ل» . 372 قوله: وميكال فياطيب الملاء «ن. ل» . 374 شرح شعر أبى أسامة. 376 قولهم: سراة القوم «ن. ل» . 383 شرح القصيدة الفاوية لأبى أسامة 386 شعر هند. 387 شعر قتيلة. 388 غزوة بنى سليم بالكدر «س» . 389 غزوة السويق «س» . 390 غزوة ذى أمر «س» . 391 غزوة الفرع من بحران «س» . 391 أمر بنى قينقاع «س» . 391 نصيحة الرسول لهم وردهم عليه «س» . 392 ما نزل فيهم «س» . 392 كانوا أول من نقض العهد «س» . 292 سبب الحرب بينهم وبين المسلمين «س» . 393 مَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيّ مَعَ الرّسُولِ «س» . 394 مدة حصارهم «س» . 394 تَبَرّؤُ ابْنِ الصّامِتِ مِنْ حِلْفِهِمْ وَمَا نَزَلَ فيه وفى ابن أبى «س» . 395 سرية زيد بن حارثة إلى القردة «س» . 395 إصابة زيد للعير وإفلات الرجال «س» . 396 شعر حسان فى تأنيب قريش «س» . 396 مقتل كعب بن الأشرف «س» . 396 اسْتِنْكَارُهُ خَبَرَ رَسُولَيْ الرّسُولِ بِقَتْلِ نَاسٍ مِنْ المشركين «س» . 397 شعره فى التحريض على الرسول «س» . 398 شعر حسان فى الرد عليه «س» .

399 شعر ميمونة فى الرد على كعب «س» . 399 شعر كعب فى الرد على ميمونة «س» . 400 تَشْبِيبُ كَعْبٍ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِيلَةُ فِي قَتْلِهِ «س» 402 شِعْرُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي مَقْتَلِ ابْنِ الأشرف «س» 403 شِعْرُ حَسّانَ فِي مُقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أبى الحقيق «س» 404 عزوة قرقرة الكدو 405 سلامة بن مشكم 407 خبر بنى قينقاع 408 سرية زيد 409 حول كلمة المخاصمة والملك «ن. ل» 413 مقتل كعب بن الأشرف 416 أمر محيصة وحويضة «س» 416 لَوْمُ حُوَيّصَةَ لِأَخِيهِ مُحَيّصَةَ لِقَتْلِهِ يَهُودِيّا ثُمّ إسلامه «س» 417 رواية أخرى فى إسلام حويصة «س» . 418 المدة بين قدوم الرسول بحران وغزوة أحد «س» 419 غزوة أحد «س» 419 التحريض على عزو الرسول «س» 420 ما نزل فى ذلك من القرآن «س» 420 اجتماع قريش للحرب «س» 421 خروج قريش معهم لساؤهم «س» 422 رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «س» 423 مُشَاوَرَةُ الرّسُولِ الْقَوْمَ فِي الْخُرُوجِ أَوْ الْبَقَاءِ «س» 424 انخذال المنافقين «س» 424 حادثة تفاءل بها الرسول «س» 425 مَا كَانَ مِنْ مِرْبَعٍ حِينَ سَلَكَ الْمُسْلِمُونَ حائطه «س» 426 مَنْ أَجَازَهُمْ الرّسُولُ وَهُمْ فِي الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ «س» 427 أمر أبى دجانة «س» 427 أمر أبى عامر الفاسق «س» 428 أسلوب أبى سفيان فى تحريض قريش «س» 428 تحريض هند والنسوة معها «س» 429 شعار المسلمين «س» 429 تمام قصة أبى دجانة «س» 430 مقتل حمزة «س» 431 وَحْشِيّ يُحَدّثُ الضّمْرِيّ وَابْنَ الْخِيَارِ عَنْ قَتْلِهِ حمزة «س»

433 وحشى بين يدى الرسول يسلم «س» 434 قتل وحشى لمسيلمة «س» 434 خلع وحشى من الديوان «س» 435 مقتل مصعب بن عمير «س» 436 شأن عاصم بن ثابت «س» 436 حنظلة غسيل الْمَلَائِكَةُ 437 شِعْرُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِمَا حَنْظَلَةَ وَأَبَا سفيان «س» 438 شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ «س» 439 شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ أيضا «س» 439 حديث الزبير عن سبب الهزيمة «س» 440 شجاعة صؤاب وشعر حسان فى ذلك «س» 441 شعر حسان فى عمرة الحارثية «س» 441 ما لقيه الرسول يوم أحد «س» 443 شِعْرُ حَسّانَ فِي عُتْبَة وَمَا أَصَابَ بِهِ الرسول «س» 443 ابن السكن وبلاؤه يوم أحد «س» 444 حَدِيثُ أُمّ سَعْدٍ عَنْ نَصِيبِهَا فِي الْجِهَادِ يوم أحد «س» 445 أَبُو دُجَانَةَ وَابْنُ أَبِي وَقّاصٍ يَدْفَعَانِ عَنْ الرسول «س» 445 بلاء قتادة وحديث عينه «س» 445 شأن أنس بن النضر «س» 446 ما أصاب ابن عوف من الجراحات «س» 446 أول من عرف الرسول بعد الهزيمة «س» 447 قتل محيصة اليهودى 447 غزوة أحد 448 فضل أحد 449 مشاكلة اسم الجبل لأغراض التوحيد 450 وفاة هارون ودفنه بالشام وليس بأحد «ش» 451 رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 452 الفأل والطيرة 453 المستصغرون يوم أحد 454 حول شعر هند بنت عتبة 456 أبو دجانة 459 حديث وحشى 462 قول على أنا أبو القصم «ن. ل» 462 عن مقتل حنظلة 464 شعر أبى سفيان 464 لدن غدوة «ن. ل» 466 جداية شرك «ن. ل» 468 الصارح يوم أحد. 468 أزب العقبة «ن. ل» 469 حال من رموا النبى 470 أسماء أجزاء الليل 471 عن الدم والبول 473 فهرس الجزء الخامس.

الجزء السادس

الجزء السادس مقدمة بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأئمة المهتدين. «وبعد» فهذا هو الجزء السادس من السيرة وشرحها «الروض الأنف» للإمام السهيلى والله وحده أسأل أن يعين على تمامه؟ عبد الرحمن الوكيل

تتمة غزوة أحد

[تتمة غزوة أحد] [قَتْلُ الرّسُولِ لأبىّ بن خلف] (قَالَ) : فَلَمّا أُسْنِدَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم في الشّعب أدركه أبىّ ابن خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ: أَيْ مُحَمّدُ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَوْتَ، فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَعْطِفُ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ؛ فَلَمّا دَنَا، تَنَاوَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَرْبَةَ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ الصّمّةِ يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ، فِيمَا ذُكِرَ لِي: فَلَمّا أُخِذَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً، تَطَايَرْنَا عَنْهُ، تَطَايُر الشّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إذَا انْتَفَضَ بِهَا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الشّعْرَاءُ: ذُبَابٌ لَهُ لَدْغٌ- ثُمّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَدَأْدَأَ، يَقُولُ: تَقَلّبَ عَنْ فَرَسِهِ، فَجَعَلَ يَتَدَحْرَجُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، يَلْقَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ، فَيَقُولُ: يَا مُحَمّدُ إنّ عِنْدِي الْعَوْذَ، فَرَسًا أَعْلِفُهُ كُلّ يَوْمٍ فَرَقًا مِنْ ذُرَةٍ، أَقْتُلُك عَلَيْهِ؛ فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُك إنْ شَاءَ اللهُ. فَلَمّا رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ وَقَدْ خَدَشَهُ فِي عُنُقِهِ خَدْشًا غير كبير، فاحتقن الدم، فقال: قتلى وَاَللهِ مُحَمّدٌ! قَالُوا لَهُ: ذَهَبَ وَاَللهِ فُؤَادُك! وَاَللهِ إنْ بِك مِنْ بَأْسٍ؛ قَالَ: إنّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكّةَ: أَنَا أَقْتُلُك، فَوَاَللهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيّ لَقَتَلَنِي. فَمَاتَ عَدُوّ الله؟؟ يشرف وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إلَى مَكّةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى مقتل أبى بن خلف

[شِعْرُ حَسّانَ فِي مَقْتَلِ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فى ذلك: لَقَدْ وَرِثَ الضّلَالَةَ عَنْ أَبِيهِ ... أُبَيّ يَوْمَ بَارَزَهُ الرّسُولُ أَتَيْتَ إلَيْهِ تَحْمِلُ رِمّ عَظْمٍ ... وَتُوعِدُهُ وَأَنْتَ بِهِ جَهُولُ وَقَدْ قَتَلَتْ بَنُو النّجّارِ مِنْكُمْ ... أُمَيّةَ إذْ يُغَوّثُ: يَا عَقِيلُ وَتَبّ ابْنَا رَبِيعَةَ إذْ أَطَاعَا ... أَبَا جَهْلٍ، لِأُمّهِمَا الْهَبُول وَأَفْلَتْ حَارِثٌ لَمّا شَغَلْنَا ... بِأَسْرِ الْقَوْمِ، أُسْرَتُهُ فَلَيْلُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُسْرَتُهُ: قَبِيلَتُهُ. وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي ذَلِكَ: أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ عَنّي أُبَيّا ... لَقَدْ أُلْقِيَتْ فِي سُحْقِ السّعِيرِ تَمَنّى بِالضّلَالَةِ مِنْ بَعِيدٍ ... وَتُقْسِمُ أَنْ قَدَرْت مَعَ النّذُورِ تَمَنّيك الْأَمَانِيّ مِنْ بَعِيدٍ ... وَقَوْلُ الْكُفْرِ يَرْجِعُ فِي غُرُورِ فَقَدْ لَاقَتْك طَعْنَةُ ذِي حِفَاظٍ ... كَرِيمِ الْبَيْتِ لَيْسَ بِذِي فُجُورِ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الأحياء طرّا ... إذا فابت ملمّات الأمور [انْتِهَاءُ الرّسُولِ إلَى الشّعْبِ] (قَالَ) : فَلَمّا انْتَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فَمِ الشّعْبِ خَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حتى ملأ دوقته مَاءً مِنْ الْمِهْرَاسِ، فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حرص ابن أبى وقاص على قتل عتبة

صلّى الله عليه وسلم ليشرب منه، فوجده لَهُ رِيحًا، فَعَافَهُ، فَلَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ، وَغَسَلَ عَنْ وَجْهِهِ الدّمَ، وَصَبّ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اشْتَدّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ دَمّى وجه نبيه. [حِرْصُ ابْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَلَى قَتْلِ عُتْبَة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ سَعْد بْنِ أَبِي وَقّاصٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: وَاَللهِ مَا حَرَصْت عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ قَطّ كَحِرْصِي عَلَى قَتْلِ عُتْبَة بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ لِسَيّئِ الْخَلْقِ مُبْغَضًا فِي قَوْمِهِ، وَلَقَدْ كَفَانِي مِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: اشْتَدّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ رَسُولِهِ. [صُعُودُ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ وَقِتَالُ عُمَرَ لهم] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالشّعْبِ، مَعَهُ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ، إذْ عَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَانَ عَلَى تِلْكَ الْخَيْلِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم إنّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا! فَقَاتَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَرَهْطٌ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى أَهْبَطُوهُمْ مِنْ الْجَبَلِ. [ضَعْفُ الرّسُولِ عَنْ النّهُوضِ وَمُعَاوَنَةُ طَلْحَةَ لَهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَهَضَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى صَخْرَةٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صلاة الرسول قاعدا

الْجَبَلِ لِيَعْلُوَهَا، وَقَدْ كَانَ بُدْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، فَلَمّا ذَهَبَ لِيَنْهَضَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَجَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، فَنَهَضَ بِهِ، حَتّى اسْتَوَى عَلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ الزّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ يَقُولُ: أَوْجَبَ طَلْحَةُ حِينَ صَنَعَ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا صَنَعَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَبْلُغْ الدّرَجَةَ الْمَبْنِيّةَ فِي الشّعْبِ. [صَلَاةُ الرسول قاعدا] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ: أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلّى الظّهْرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَاعِدًا مِنْ الْجِرَاحِ الّتِي أَصَابَتْهُ، وَصَلّى الْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ قُعُودًا. [مَقْتَلُ الْيَمَانِ وَابْنِ وَقْشٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ النّاسُ انْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى انْتَهَى بَعْضُهُمْ إلَى الْمُنَقّى، دُونَ الْأَعْوَصِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ محمود بن لبيد، قَالَ: لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُحُدٍ، رَفَعَ حُسَيْلُ بْنُ جابر ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل حاطب ومقالة أبيه

وَهُوَ الْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْيَمَانِ، وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فِي الْآطَامِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ، فقال أحدهما لصاحبه، وهما شيخان كبيران: لا أبالك، مَا تَنْتَظِرُ؟ فَوَاَللهِ لَا بَقِيَ لِوَاحِدِ مِنّا مِنْ عُمْرِهِ إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ، إنّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَد، أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا، ثُمّ نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، لَعَلّ اللهَ يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمّ خَرَجَا، حَتّى دَخَلَا فِي النّاسِ، وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا، فَأَمّا ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَمّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ، فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِي، فَقَالُوا: وَاَللهِ إنْ عَرَفْنَاهُ، وَصَدَقُوا. قَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَدِيَهُ؛ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا. [مَقْتَلُ حَاطِبٍ وَمَقَالَةُ أَبِيهِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن رَجُلًا مِنْهُمْ كَانَ يُدْعَى حَاطِبَ بْنَ أُمّيّةَ بْنِ رَافِعٍ، وَكَانَ لَهُ ابْنٌ يُقَال لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ، أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأُتِيَ بِهِ إلَى دَارِ قَوْمِهِ وَهُوَ بِالْمَوْتِ، فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ أَهْلُ الدّارِ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ له من الرجال والنساء: أبشر يابن حَاطِبٍ بِالْجَنّة؛ قَالَ: وَكَانَ حَاطِبٌ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَنَجَمَ يَوْمئِذٍ نِفَاقُهُ، فَقَالَ: بِأَيّ شَيْءٍ تُبَشّرُونَهُ؟ بِجَنّةٍ مِنْ حَرْمَلٍ! غَرَرْتُمْ وَاَللهِ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ نَفْسِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل قزمان منافقا كما حدث الرسول ذلك

[مقتل قزمان منافقا كما حدّث الرسول ذلك] قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَتَى لَا يُدْرَى مِمّنْ هُوَ، يُقَالُ لَهُ قُزْمَانُ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، إذَا ذُكِرَ لَهُ: إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّارِ، قَالَ: فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَقَتَلَ وَحْدَهُ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ ذَا بَأْسٍ، فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، فَاحْتُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ، قَالَ: فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ لَهُ: وَاَللهِ لَقَدْ أبليت اليوم يا قزمان، فأبشر، قال: بماذ أَبْشِرُ؟ فَوَاَللهِ إنْ قَاتَلْتُ إلّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَاتَلْتُ. قَالَ: فَلَمّا اشْتَدّتْ عَلَيْهِ جِرَاحَتُهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فقتل به نفسه. [قَتْلُ مُخَيْرِيقٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ مُخَيْرِيق، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْفِطْيُونِ، قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَاَللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقّ، قَالُوا: إن اليوم يوم السبت، قال لاسبت لكم. فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَعُدّتَهُ، وَقَالَ: إنْ أُصِبْت فَمَالِي لِمُحَمّدِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ، ثُمّ غَدَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَاتَلَ مَعَهُ حَتّى قُتِلَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنَا- مُخَيْرِيق خير يهود. [أَمْرُ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد بْنِ صَامَتْ مُنَافِقًا، فخرج يوم ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تحقيق ابن هشام فيمن قتل المجذر

أُحُدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ، عَدَا على المجذّر بن ذياد البلوى، وقيس ابن زَيْدٍ، أَحَدِ بَنِي ضُبَيْعَةَ، فَقَتَلَهُمَا، ثُمّ لَحِقَ بِمَكّةَ بِقُرَيْشٍ؛ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم- فيما يذكرون- قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به، فَفَاتَهُ، فَكَانَ بِمَكّةَ؛ ثُمّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْد يَطْلُبُ التّوْبَةَ، لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ، فِيمَا بَلَغَنِي؛ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ، وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. [تَحْقِيقُ ابْنِ هِشَامٍ فِيمَنْ قَتَلَ الْمُجَذّرَ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد قَتَلَ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ، وَلَمْ يَقْتُلْ قِيسَ بْنَ زَيْدٍ، وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ؛ وَإِنّمَا قَتَلَ الْمُجَذّرَ لِأَنّ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ كَانَ قَتَلَ أَبَاهُ سُوَيْدًا فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فِي نَفَرٍ مِنْ أصحابه، إذ خرج الحارث ابن سُوَيْد مِنْ بَعْضِ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مضرّ جان، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَيُقَالُ: بَعْضُ الْأَنْصَارِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ الصّامِتِ مَعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ غِيلَةً، فِي غَيْرِ حَرْبٍ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ بعاث. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر أصيرم

[أَمْرُ أُصَيْرِم] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مَعَاذٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ يَقُولُ: حَدّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنّةَ لَمْ يُصَلّ قَطّ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النّاسُ سَأَلُوهُ: مَنْ هُوَ؟ فَيَقُولُ: أُصَيْرِم، بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ. قَالَ الْحُصَيْنُ: فَقُلْت لِمَحْمُودِ بْنِ أَسَدٍ: كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ؟ قَالَ: كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ. فَلَمّا كَانَ يَوْمُ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُحُدٍ، بَدَا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ، فَعَدَا حَتّى دَخَلَ فِي عُرْضِ النّاسِ، فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ. قَالَ: فَبَيْنَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتَلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إذَا هُمْ بِهِ، فَقَالُوا: وَاَللهِ إنّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ، مَا جَاءَ بِهِ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنّهُ لِمُنْكِرٍ لِهَذَا الْحَدِيثَ، فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ، فَقَالُوا: مَا جَاءَ بِك يَا عَمْرُو؟ أَحَدَبٌ عَلَى قَوْمِك أَمْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ،؟ قَالَ: بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، آمَنْت بِاَللهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْتُ، ثُمّ أَخَذْت سَيْفِي، فَغَدَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ قَاتَلْت حَتّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي، ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ. فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ الجنة. [مَقْتَلُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وحدثثى أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بنى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هند وتمثيلها بحمزة

سلمة: أَنّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ كَانَ رَجُلًا أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ مِثْلَ الْأُسْدِ، يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشَاهِدَ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُد أَرَادُوا حَبْسَهُ، وَقَالُوا لَهُ: إنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ: قَدْ عَذَرَك، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ: إنّ بَنِيّ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْخُرُوجِ مَعَك فِيهِ، فَوَاَللهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَك اللهُ فَلَا جِهَادَ عَلَيْك، وَقَالَ لِبَنِيهِ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَمْنَعُوهُ، لَعَلّ اللهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الشّهَادَةَ، فَخَرَجَ مَعَهُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ. [هِنْدُ وَتَمْثِيلُهَا بِحَمْزَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَوَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَالنّسْوَةُ اللّاتِي مَعَهَا، يُمَثّلْنَ بِالْقَتْلَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، يجدّعن الآذان والأنف، حتى اتخذت هِنْدُ مِنْ آذَانِ الرّجَالِ وَآنُفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ، وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيّا، غُلَامَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَبَقَرَتْ عَنْ كَبِدِ حَمْزَةَ، فَلَاكَتْهَا، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا، فَلَفَظَتْهَا، ثُمّ عَلَتْ عَلَى صَخْرَةٍ مُشْرِفَةٍ، فَصَرَخَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا فَقَالَتْ: نَحْنُ جَزَيْنَاكُمْ بِيَوْمِ بَدْرٍ ... وَالْحَرْبُ بَعْدَ الْحَرْبِ ذَاتِ سُعْرِ مَا كَانَ عَنْ عُتْبَة لِي مِنْ صَبْرِ ... وَلَا أَخِي وَعَمّهِ وَبَكْرِي شَفَيْتُ نَفْسِي وَقَضَيْتُ نَذْرِي ... شَفَيْتَ وَحْشِيّ غَلِيلَ صَدْرِي فَشُكْرُ وَحْشِيّ عَلَيّ عُمْرِي ... حَتّى تَرُمّ أَعْظُمِي فى قبرى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر هند بنت أثاثة فى الرد على هند بنت عتبة

[شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ فِي الرّدّ عَلَى هند بنت عتبة] فأجابتها هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ، فقالت: خَزِيت فِي بَدْرٍ وَبَعْدَ بَدْرٍ ... يَا بِنْتَ وَقّاعٍ عَظِيمِ الْكُفْرِ صَبّحَك اللهُ غَدَاةَ الْفَجْرِ ... ملهاشميّين الطّوال الزّهر ببكلّ قَطّاعٍ حُسَامٍ يَفْرِي ... حَمْزَةُ لَيْثِيّ وَعَلِيّ صَقْرِيّ إذا رَامَ شَيْبٌ وَأَبُوك غَدْرِي ... فَخَضّبَا مِنْهُ ضَوَاحِي النّحْرِ وَنَذْرُك السّوءَ فَشَرّ نَذْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ أَقْذَعَتْ فِيهَا. [شِعْرُ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة أَيْضًا] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة أَيْضًا: شَفَيْتُ مِنْ حَمْزَةَ نَفْسِي بِأُحُدٍ ... حَتّى بَقَرْتُ بَطْنَهُ عَنْ الْكَبِدِ أَذْهَبَ عَنّي ذَاكَ مَا كُنْتُ أَجِدُ ... مِنْ لَذْعَةِ الْحُزْنِ الشّدِيدِ الْمُعْتَمِدِ وَالْحَرْبُ تَعْلُوكُمْ بِشَؤْبُوب بَرِدٍ ... تُقْدِمُ إقْدَامًا عَلَيْكُمْ كَالْأَسَدِ [تَحْرِيضُ عُمَرَ لِحَسّانَ عَلَى هَجْوِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَنّهُ حُدّثَ: أَنّ عُمْرَ بْنَ الْخَطّابِ قال لحسّان بن ثابت: يابن الْفُرَيْعَةِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

استنكار الحليس على أبى سفيان تمثيله بحمزة

خَالِدِ بْنِ خُنَيْسٍ، وَيُقَال: خُنَيْسٌ: ابْنُ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ- لَوْ سَمِعْتَ مَا تَقُولُ هند، وأريت أَشْرَهَا قَائِمَةً عَلَى صَخْرَةٍ تَرْتَجِزُ بِنَا، وَتَذْكُرُ مَا صَنَعَتْ بِحَمْزَةِ؟ قَالَ لَهُ حَسّانُ: وَاَللهِ إنّي لَأَنْظُرُ إلَى الْحَرْبَةِ تَهْوِي وَأَنَا عَلَى رَأْسِ فَارِعٍ- يَعْنِي أُطُمَهُ- فَقُلْت: وَاَللهِ إنّ هَذِهِ لَسِلَاحٌ مَا هِيَ بِسِلَاحِ الْعَرَبِ، وَكَأَنّهَا إنّمَا تَهْوِي إلَى حَمْزَةَ وَلَا أَدْرِي، لَكِنْ أسمعنى بعض قولها أكفكموها؛ قَالَ: فَأَنْشَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بَعْضَ مَا قَالَتْ؛ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ: أَشْرَتْ لَكَاعُ وَكَانَ عَادَتُهَا ... لُؤْمًا إذَا أَشْرَتْ مَعَ الْكُفْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ تَرَكْنَاهَا، وَأَبْيَاتًا أَيْضًا لَهُ عَلَى الدّالِ. وَأَبْيَاتًا أُخَرَ عَلَى الذّالِ، لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا. [اسْتِنْكَارُ الْحُلَيْسِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ تَمْثِيلَهُ بِحَمْزَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ الْحُلَيْسُ بْنُ زبّان، أخو بنى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ سَيّدُ الْأُبَيْشِ، قَدْ مَرّ بِأَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ يَضْرِبُ فى فِي شَدْقِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بِزُجّ الرّمْحِ وَيَقُولُ: ذُقْ عُقَقُ؛ فَقَالَ الْحُلَيْسُ: يَا بَنِي كِنَانَةَ، هَذَا سَيّدُ قُرَيْشٍ يَصْنَعُ بِابْنِ عَمّهِ مَا تَرَوْنَ لَحْمًا؟ فَقَالَ: وَيْحَك! اُكْتُمْهَا عَنّي، فَإِنّهَا كَانَتْ زَلّةً. [شَمَاتَةُ أَبِي سُفْيَانَ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أُحُدٍ وَحَدِيثُهُ مَعَ عُمَرَ] ثُمّ إنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، حِينَ أَرَادَ الِانْصِرَافَ، أَشْرَفَ عَلَى الْجَبَلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

توعد أبى سفيان المسلمين

ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ فَقَالَ: أَنْعَمْتَ فَعَالِ، وَإِنّ الْحَرْبَ سِجَالٌ يَوْمٌ بِيَوْمِ، أُعْلُ هُبَلُ، أَيْ: أَظْهِرْ دِينَك، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْ يَا عُمَرُ فَأَجِبْهُ، فَقُلْ: اللهُ أَعَلَى وَأَجَلّ، لَا سَوَاءَ، قَتَلَانَا فى الجنّة، وقتلاكم فى النّار. فَلَمّا أَجَابَ عُمَرُ أَبَا سُفْيَانَ، قَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: هَلُمّ إلَيّ يَا عُمَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرِ: ائْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنُهُ؛ فَجَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: أَنْشُدُك اللهَ يَا عُمَرُ، أَقَتَلْنَا مُحَمّدًا؟ قَالَ عُمَرُ: اللهُمّ لَا، وَإِنّهُ لَيَسْمَعُ كَلَامَك الْآنَ، قَالَ: أَنْتَ أَصْدَقُ عِنْدِي مِنْ ابْنِ قَمِئَةَ وَأَبَرّ؛ لِقَوْلِ ابْنِ قَمِئَةَ لَهُمْ: إنّي قَدْ قَتَلْت مُحَمّدًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ ابْنِ قَمِئَةَ عَبْدُ اللهِ. [تَوَعّدُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُسْلِمِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ نَادَى أَبُو سُفْيَانَ: إنّهُ قَدْ كَانَ فِي قَتْلَاكُمْ مُثُلٌ، وَاَللهِ مَا رَضِيت، وَمَا سَخِطْت، وَمَا نَهَيْتُ، وَمَا أَمَرْت. وَلَمّا انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ، نَادَى: إنّ مَوْعِدَكُمْ بَدْرٌ لِلْعَامِ الْقَابِلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلِ مِنْ أَصْحَابِهِ: قُلْ: نَعَمْ، هُوَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مَوْعِدٌ. [خُرُوجُ عَلِيّ فِي آثَارِ الْمُشْرِكِينَ] ثُمّ بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: اُخْرُجْ فِي آثَارِ الْقَوْمِ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ وَمَا يُرِيدُونَ، فَإِنْ كَانُوا قَدْ جَنّبُوا الْخَيْلَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر القتلى بأحد

وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ، فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ مَكّةَ، وَإِنْ رَكِبُوا الْخَيْلَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ، فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ أَرَادُوهَا لَأَسِيرَنّ إلَيْهِمْ فِيهَا، ثُمّ لَأُنَاجِزَنّهُمْ. قَالَ عَلِيّ: فَخَرَجْت فِي آثَارِهِمْ أَنْظُرُ مَاذَا يَصْنَعُونَ؛ فَجَنّبُوا الْخَيْلَ، وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ، ووجّهوا إلى مكة. [أَمْرُ الْقَتْلَى بِأُحُدِ] وَفَرَغَ النّاسُ لِقَتْلَاهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيّ، أَخُو بَنِي النّجّار: مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ؟ أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَا أَنْظُرُ لَك يَا رَسُولَ اللهِ مَا فَعَلَ سَعْدٌ، فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ رَمَقٌ. قَالَ: فَقُلْت لَهُ: إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ، أَفِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ قَالَ: أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنّي السّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَك: جَزَاك اللهُ عَنّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيّا عَنْ أُمّتِهِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَك عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ: إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ: إنّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ إنْ خَلُصَ إلَى نَبِيّكُمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ. قَالَ: ثُمّ لَمْ أَبْرَحْ حَتّى مَاتَ؛ قال: فجئت رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته خَبَرَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الزّبَيْرِيّ: أَنّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ وَبِنْتٌ لِسَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ جَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ عَلَى صَدْرِهِ يَرْشُفُهَا وَيُقَبّلُهَا؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حزن الرسول على حمزة وتوعده المشركين بالمثلة

فَقَالَ لَهَ الرّجُلُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ بِنْتُ رَجُلٍ خَيْرٍ مِنّي، سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ، كَانَ مِنْ النّقَبَاءِ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، وَشَهِدَ بَدْرًا، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ. [حُزْنُ الرّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَتَوَعّدُهُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُثْلَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم، فيما بلغنى، يتلمس حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ عَنْ كَبِدِهِ، وَمُثّلَ بِهِ، فَجُدِعَ أَنْفُهُ وَأُذُنَاهُ. فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حِينَ رَأَى مَا رَأَى: لَوْلَا أَنْ تَحْزَنَ صَفِيّةُ، وَيَكُونُ سُنّةً مِنْ بَعْدِي لَتَرَكْته، حَتّى يَكُونَ فِي بِطُونِ السّبَاعِ، وَحَوَاصِلِ الطّيْرِ، وَلَئِنْ أَظْهَرنِي اللهُ عَلَى قُرَيْشٍ فى موطن من المواطن لأمثلنّ بثلاثين رجلا منهم. فلما رأى المسلمون حُزْنَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَغَيْظَهُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِعَمّهِ مَا فَعَلَ، قَالُوا: وَاَللهِ لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللهُ بِهِمْ يَوْمًا من الدهر لنمثّان بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ يُمَثّلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمّا وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ: لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِك أَبَدًا! مَا وَقَفْتُ مَوْقِفًا قَطّ أَغْيَظَ إلَيّ مِنْ هَذَا! ثُمّ قَالَ: جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ المطلب مكتوب فى أهل السماوات السبع: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَسَدُ اللهِ، وَأَسَدُ رَسُولِه. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَمْزَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ، إخْوَةٌ مِنْ الرّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْهُمْ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى النهى عن المثلة

[مَا نَزَلَ فِي النّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ أَنْزَلَ فِي ذَلِكَ، مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ، وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ، فَعَفَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَصَبَرَ وَنَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: مَا قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامٍ قَطّ فَفَارَقَهُ، حَتّى يَأْمُرَنَا بِالصّدَقَةِ، وَيَنْهَانَا عَنْ المثلة. [صلاة الرسول على حمزة والقتلى] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحَمْزَةِ فَسُجّيَ بِبُرْدَةِ ثُمّ صَلّى عَلَيْهِ، فَكَبّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمّ أُتِيَ بِالْقَتْلَى فَيُوضَعُونَ إلَى حَمْزَةَ، فَصَلّى عَلَيْهِمْ وعليهم مَعَهُمْ، حَتّى صَلّى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً. [صَفِيّةُ وَحُزْنُهَا عَلَى حَمْزَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ أَقْبَلَتْ فِيمَا بَلَغَنِي، صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ المطلّب لتنظر ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دفن عبد الله بن جحش مع حمزة

إلَيْهِ وَكَانَ أَخَاهَا لِأَبِيهَا وَأُمّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِهَا الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ: الْقَهَا فَأَرْجِعْهَا، لَا تَرَى مَا بِأَخِيهَا، فَقَالَ لَهَا: يَا أُمّهُ، إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُك أَنْ تَرْجِعِي، قَالَتْ: وَلِمَ؟ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنْ قَدْ مُثّلَ بِأَخِي، وَذَلِك فِي اللهِ، فَمَا أَرْضَانَا بِمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ! لَأَحْتَسِبَن وَلَأَصْبِرَن إنْ شَاءَ اللهُ. فَلَمّا جَاءَ الزّبَيْرُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَ: خَلّ سَبِيلَهَا، فَأَتَتْهُ، فَنَظَرَتْ إلَيْهِ، فَصَلّتْ عَلَيْهِ، وَاسْتَرْجَعَتْ، وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ، ثُمّ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدُفِنَ. [دَفْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ مَعَ حَمْزَةَ] قَالَ: فَزَعَمَ لِي آلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ- وَكَانَ لِأُمَيْمَةِ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، حَمْزَةُ خَالُهُ، وَقَدْ كَانَ مُثّلَ بِهِ كَمَا مُثّلَ بِحَمْزَةِ، إلّا أَنّهُ لَمْ يُبْقَرْ عَنْ كَبِدِهِ- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دَفَنَهُ مَعَ حَمْزَةَ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ أَسْمَعْ ذلك إلا عن أهله. [دفن الشهداء] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ قَدْ احْتَمَلَ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتْلَاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ، فَدَفَنُوهُمْ بِهَا، ثُمّ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: ادْفِنُوهُمْ حَيْثُ صُرِعُوا. قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن مسلم الزّهرىّ، عن عبد الله بن ثعلبة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حزن حمنة على حمزة

ابن صُعَيْرٍ الْعُذْرِيّ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أَشْرَفَ عَلَى الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ، إنّهُ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللهِ، إلّا وَاَللهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى جُرْحُهُ، اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مسك، وانظروا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ، فَاجْعَلُوهُ أَمَامَ أَصْحَابِهِ فِي الْقَبْرِ- وَكَانُوا يَدْفِنُونَ الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ. قَالَ: وَحَدّثَنِي عَمّي مُوسَى بْنُ يَسَارٍ، أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللهِ إلّا وَاَللهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَدْمَى، اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ يَوْمَئِذٍ، حِينَ أَمَرَ بِدَفْنِ الْقَتْلَى: اُنْظُرُوا إلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، فَإِنّهُمَا كانا متضافيين فِي الدّنْيَا، فَاجْعَلُوهُمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ. [حُزْنُ حَمْنَةَ عَلَى حَمْزَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَتْهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، كَمَا ذُكِرَ لِي، فَلَمّا لَقِيَتْ النّاسَ نُعِيَ إلَيْهَا أَخُوهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ، فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ، ثُمّ نُعِيَ لَهَا خَالُهَا حمزة ابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ، ثُمّ نُعِيَ لَهَا زَوْجُهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَصَاحَتْ وَوَلْوَلَتْ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن زوج المرأة منها ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بكاء نساء الأنصار على حمزة

لمكان! لِمَا رَأَى مِنْ تَثَبّتِهَا عِنْدَ أَخِيهَا وَخَالِهَا، وَصِيَاحِهَا عَلَى زَوْجِهَا [بُكَاءُ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ عَلَى حمزة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَرّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدَارِ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَظَفَرٍ، فَسَمِعَ الْبُكَاءَ وَالنّوَائِحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ، فَذَرَفَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَكَى، ثُمّ قَالَ: لَكِنّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ! فَلَمّا رَجَعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَمَرَا نِسَاءَهُمْ أَنْ يتحزّ من، ثُمّ يَذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى عَمّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن إسحاق: حَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالَ: لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكَاءَهُنّ عَلَى حَمْزَةَ خَرَجَ عَلَيْهِنّ وَهُنّ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْنَ يَرْحَمْكُنّ اللهُ، فَقَدْ آسَيْتُنّ بِأَنْفُسِكُنّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَنُهِيَ يَوْمَئِذٍ عَنْ النّوْحِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا سَمِعَ بُكَاءَهُنّ، قَالَ: رَحِمَ اللهُ الْأَنْصَارَ! فَإِنّ الْمُوَاسَاةَ مِنْهُمْ مَا عَتّمَتْ لَقَدِيمَةٌ، مُرُوهُنّ فَلْيَنْصَرِفْنَ. [شَأْنُ الْمَرْأَةِ الدّينَارِيّةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بن، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غسل السيوف

مُحَمّدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، قَالَ: مَرّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِامْرَأَةِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ، وَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُحُدٍ، فَلَمّا نُعُوا لَهَا، قَالَتْ: فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أُمّ فُلَانٍ، هُوَ بِحَمْدِ اللهِ كَمَا تُحِبّينَ، قَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتّى أَنْظُرَ إلَيْهِ، قَالَ: فَأُشِيرَ لَهَا إلَيْهِ، حَتّى إذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ! تُرِيدُ صَغِيرَةً. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْجَلَلُ: يَكُونُ مِنْ الْقَلِيلِ، وَمِنْ الْكَثِيرِ، وَهُوَ هَاهُنَا مِنْ الْقَلِيلِ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي الْجَلَلِ الْقَلِيلِ: لَقَتْلُ بَنِي أَسَدٍ رَبّهُمْ ... أَلَا كُلّ شَيْءٍ سِوَاهُ جَلَلُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمّا قَوْلُ الشّاعِرِ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ وَعْلَةَ الْجَرْمِيّ: وَلَئِنْ عَفَوْتُ لَأَعْفُوَن جَلَلًا ... وَلَئِنْ سَطَوْت لَأُوْهِنَنْ عَظْمِي (فهو من الكثير) . [غَسْلُ السّيُوفِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْتَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ، فَقَالَ: اغْسِلِي عن هذا دمه يا بنيّة، فو الله لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ؛ وَنَاوَلَهَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيْفَهُ، فَقَالَ: وَهَذَا أَيْضًا، فَاغْسِلِي عَنْهُ دَمَهُ، فَوَاَللهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَئِنْ كُنْت صَدَقْتَ الْقِتَالَ لَقَدْ صَدَقَ مَعَك سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو دُجَانَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خروج الرسول فى أثر العدو ليرهبه

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: ذُو الْفَقَارِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنّ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: نَادَى مُنَادٍ يوم أحد: لَا سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ ... وَلَا فَتَى إلّا عَلِيّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: لَا يُصِيبُ الْمُشْرِكُونَ مِنّا مِثْلَهَا حَتّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْنَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السّبْتِ لِلنّصْفِ مِنْ شَوّالٍ. [خُرُوجُ الرسول فى أثر العدو ليرهبه] قَالَ: فَلَمّا كَانَ الْغَدُ (مِنْ) يَوْمِ الْأَحَدِ لِسِتّ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَوّالٍ، أَذّنَ مُؤَذّنُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ بِطَلَبِ الْعَدُوّ، فَأَذّنَ مُؤَذّنُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَنّ مَعَنَا أَحَدٌ إلّا أَحَدٌ حَضَرَ يومنا بالأمس. فكلّمه جابر ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ أَبِي كَانَ خَلّفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي سَبْعٍ، وَقَالَ: يَا بُنَيّ، إنّهُ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا لَك أَنْ نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ النّسْوَةَ لَا رَجُلَ فِيهِنّ، وَلَسْت بِاَلّذِي أُوثِرُكَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِي، فَتَخَلّفْ عَلَى أخوانك، فَتَخَلّفْتُ عَلَيْهِنّ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ مَعَهُ. وَإِنّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مثل من استماتة المسلمين في نصرة الرسول

مُرْهِبًا لِلْعَدُوّ، وَلِيُبَلّغَهُمْ أَنّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ، لِيَظُنّوا بِهِ قُوّةً، وَأَنّ الّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يُوهِنْهُمْ عَنْ عَدُوّهِمْ. [مَثَلٌ مِنْ اسْتِمَاتَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي نُصْرَةِ الرّسُولِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي السّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ: أَنّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، كَانَ شَهِدَ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: شَهِدْتُ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَا وَأَخٌ لِي، فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ، فَلَمّا أَذّنَ مُؤَذّنُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوّ، قُلْت لِأَخِي أَوْ قَالَ لِي: أَتَفُوتُنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَاَللهِ مَا لَنَا مِنْ دَابّةٍ نَرْكَبُهَا وَمَا مِنّا إلّا جَرِيحٌ ثَقِيلٌ، فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْت أَيْسَرَ جُرْحًا، فَكَانَ إذَا غُلِبَ حَمَلْته عُقْبَةً، وَمَشَى عُقْبَةً، حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى مَا انْتَهَى إلَيْهِ الْمُسْلِمُون. [اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ] قال ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وهى من الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِهَا الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شأن معبد الخزاعى

[شَأْنُ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ] قَالَ: وَقَدْ مَرّ بِهِ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، مبعد بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ، مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ عَيْبَةَ نُصْحٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، بِتِهَامَةَ، صَفْقَتُهُمْ مَعَهُ، لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِهَا، وَمَعْبَدٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، أَمَا وَاَللهِ لَقَدْ عَزّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَك، وَلَوَدِدْنَا أَنّ اللهَ عَافَاك فِيهِمْ، ثُمّ خَرَجَ وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، حَتّى لَقِيَ أَبَا سفيان بن حرب وَمَنْ مَعَهُ بِالرّوْحَاءِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا الرّجْعَةَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، وَقَالُوا: أَصَبْنَا حَدّ أَصْحَابِهِ وَأَشْرَافَهُمْ وَقَادَتَهُمْ، ثُمّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ! لَنَكُرَنّ عَلَى بَقِيّتِهِمْ، فلنفرغنّ منهم. فلما رأى أبو سفيان مَعْبَدًا، قَالَ: مَا وَرَاءَك يَا مَعْبَدُ؟ قَالَ: مُحَمّدٌ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جمع لم أر مثله قطّ، يتحرّفون عليكم تحرّفا، قَدْ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ، وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا، فِيهِمْ مِنْ الْحَنَقِ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطّ، قَالَ: وَيْحك! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: وَاَللهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ حَتّى أَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ، قَالَ: فَوَاَللهِ لَقَدْ أَجْمَعْنَا الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ، لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ: قَالَ: فَإِنّي أَنْهَاك عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَاَللهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ قُلْتُ فِيهِمْ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ، قَالَ: وما قلت؟ قال: قلت: كادت تهدّمن الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي ... إذْ سَالَتْ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ تَرْدِى بِأُسْدٍ كَرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ ... عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ فَظَلْتُ عَدْوًا أَظُنّ الْأَرْضَ مَائِلَةً ... لَمّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رسالة أبى سفيان إلى الرسول على لسان ركب

فَقُلْت: وَيْلَ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمْ ... إذَا تغطمطت البطحاء بالخيل إنّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبَسْلِ ضَاحِيَةً ... لِكُلّ ذِي إربة منهم ومعقول من جيش أحمد لاوخش تَنَابِلَةٍ ... وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْتُ بِالْقِيلِ فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ. [رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى الرّسُولِ عَلَى لِسَانِ رَكْبٍ] وَمَرّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ الْمِيرَةَ؛ قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُبَلّغُونَ عَنّي مُحَمّدًا رِسَالَةً أُرْسِلُكُمْ بِهَا إلَيْهِ، وَأُحَمّلُ لَكُمْ هَذِهِ غَدًا زَبِيبًا بِعُكَاظٍ إذَا وَافَيْتُمُوهَا؟ قَالُوا نَعَمْ؛ قَالَ: فَإِذَا وَافَيْتُمُوهُ فَأَخْبِرُوهُ أَنّا قَدْ أَجْمَعْنَا السّيْرَ إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ، فَمَرّ الرّكْبُ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، فَأَخْبَرُوهُ بِاَلّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ؛ فَقَالَ: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. [كَفّ صَفْوَانَ لِأَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُعَاوَدَةِ الْكَرّةِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ أبا سفيان بن حرب لَمّا انْصَرَفَ يَوْمَ أُحُدٍ، أَرَادَ الرّجُوعَ إلَى الْمَدِينَةِ، لِيَسْتَأْصِلَ بَقِيّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ لَهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ: لَا تَفْعَلُوا، فَإِنّ الْقَوْمَ قَدْ حَرِبُوا، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قِتَالٌ غَيْرُ الّذِي كَانَ، فَارْجِعُوا، فَرَجَعُوا. فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، حِينَ بَلَغَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل أبى عزة ومعاوية بن المغيرة

أَنّهُمْ هَمّوا بِالرّجْعَةِ: وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ سُوّمَتْ لَهُمْ حِجَارَةٌ، لَوْ صُبّحُوا بِهَا لَكَانُوا كَأَمْسِ الذّاهِبِ. [مَقْتَلُ أَبِي عَزّةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ المغيرة] قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي جِهَةِ ذَلِكَ، قَبْلَ رُجُوعِهِ إلى المدينة، معاوية بن المغيرة بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَهُوَ جَدّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، أَبُو أُمّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ، وَأَبَا عَزّة الْجُمَحِيّ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَسَرَهُ بِبَدْرِ، ثُمّ مَنّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقِلْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاَللهِ لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْك بِمَكّةَ بَعْدَهَا وَتَقُول: خَدَعْت مُحَمّدًا مَرّتَيْنِ، اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا زُبَيْرُ. فَضَرَبَ عُنُقَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: إنّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ، اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، فضرب عنقه. [مَقْتَلُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويقال: إنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَمّارَ بْنَ يَاسِرٍ قتلا معاوية ابن المغيرة بَعْدَ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، كَانَ لَجَأَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمّنَهُ، عَلَى أَنّهُ إنْ وُجِدَ بَعْدَ ثَلَاثٍ قُتِلَ، فَأَقَامَ بَعْدَ ثَلَاثٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شأن عبد الله بن أبى بعد ذلك

وَتَوَارَى، فَبَعَثَهُمَا النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَقَالَ: إنّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَوَجَدَاهُ فقاتلاه. [شَأْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ بَعْدَ ذَلِكَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ عَبْدُ الله بن أبىّ بن سَلُولَ، كَمَا حَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، لَهُ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلّ جُمُعَةٍ لَا يُنْكَرُ، شَرَفًا لَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْمِهِ، وَكَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا، إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ، قَامَ فَقَالَ: أَيّهَا النّاسُ، هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أَكْرَمَكُمْ اللهُ وَأَعَزّكُمْ بِهِ، فَانْصُرُوهُ وَعَزّرُوهُ، وَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ثُمّ يَجْلِسُ، حَتّى إذَا صَنَعَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا صَنَعَ، وَرَجَعَ بِالنّاسِ، قَامَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ، فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِثِيَابِهِ مِنْ نَوَاحِيهِ، وَقَالُوا: اجْلِسْ، أَيْ عَدُوّ اللهِ، لَسْت لِذَلِكَ بِأَهْلِ، وَقَدْ صَنَعْتَ مَا صَنَعْتَ، فَخَرَجَ يَتَخَطّى رِقَابَ النّاسِ وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللهِ لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا أَنْ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ. فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ مالك؟ وَيْلَك! قَالَ: قُمْتُ أُشَدّدُ أَمْرَهُ، فَوَثَبَ عَلَيّ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَجْذِبُونَنِي وَيُعَنّفُونَنِي، لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا أَنْ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ، قَالَ وَيْلَك! ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَك رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ: وَاَللهِ مَا أَبْتَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي. [كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ مِحْنَةٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ وَتَمْحِيصٍ، اخْتَبَرَ اللهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَحَنَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ مِمّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْكُفْرِ فِي قَلْبِهِ، وَيَوْمًا أَكْرَمَ اللهُ فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ ولايته ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَتْلُ الرّسُولِ لِأُبَيّ بْنِ خَلَفٍ فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَتْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيّ، وَفِيهِ: تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُر الشّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ. الشّعْرَاءُ: ذُبَابٌ صَغِيرٌ لَهُ لَدْغٌ، تَقُولُ الْعَرَبُ فِي أَمْثَالِهَا: قِيلَ لِلذّئْبِ: مَا تَقُولُ فِي غَنِيمَةٍ تَحْرُسُهَا جُوَيْرِيَةُ؟ قَالَ: شُحَيْمَةُ فِي حَلْقِي، قِيلَ: فَمَا تَقُولُ فِي غَنِيمَةٍ يحرسها غُلَيْمٌ؟ قَالَ: شَعْرَاءُ فِي إبْطِي أَخْشَى خُطُوَاتِهِ الْخُطُوَاتُ: سِهَامٌ مِنْ قُضْبَانٍ لَيّنَةٍ يَتَعَلّمُ بِهَا الْغِلْمَانُ الرّمْيَ وَهِيَ الْجُمّاحُ أَيْضًا قَالَ الشّاعِرُ: أَصَابَتْ حَبّةَ الْقَلْبِ ... بِسَهْمِ غَيْرَ جُمّاحِ «1» مِنْ كِتَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرَوَاهُ الْقُتَبِيّ: تَطَايُرَ الشّعَرِ، وَقَالَ: هِيَ جَمْعُ شَعْرَاءَ، وَهِيَ ذُبَابٌ أَصْغَرُ مِنْ الْقَمَعِ «2» ، وَفِي الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ فَزَجَلَهُ بِالْحَرْبَةِ، أَيْ رَمَاهُ بِهَا. حَوْلَ عَيْنِ قَتَادَةَ: وَذَكَرَ قَتَادَةَ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ أَخُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ لِأُمّهِ، وَهُوَ الرّجُلُ الّذِي سَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ: قُلْ هُوَ الله أحد،

_ (1) رواية الشطرة الثانية فى اللسان: فلم تخطىء بجماح. ويقال له: جباح أيضا. (2) القمع مفردة قمعة بفتح القاف والميم ذباب يركب الإبل والظباء إذا اشتد الحر ويجمع على مقامع أيضا كمشابه وملامح. وفى رواية: تطاير الشعارير، وهى بمعنى الشعر وقياس واحدها: شعرور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يُرَدّدُهَا، فَقَالَ وَجَبَتْ، وَحَدِيثُهُ فِي الْمُوَطّأِ، وَذَكَرَ أَنّ عَيْنَهُ أُصِيبَتْ يَوْمَ أُحُدٍ. رَوَى عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أُصِيبَتْ عَيْنُ رَجُلٍ مِنّا يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ، حَتّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ، فَأَتَيْنَا بِهِ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: إنّ لِي امْرَأَةً أُحِبّهَا، وَأَخْشَى إنْ رَأَتْنِي أَنْ تَقْذَرَنِي، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، وَرَدّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، وَقَالَ: اللهُمّ اكْسِبْهُ جَمَالًا، فَكَانَتْ أَحَسَنَ عَيْنَيْهِ، وَأَحَدّهُمَا نَظَرًا، وَكَانَتْ لَا تَرْمَدُ إذَا رَمِدَتْ الْأُخْرَى، وَقَدْ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ- رَحِمَهُ اللهُ- رَجُلٌ مِنْ ذُرّيّتِهِ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا ابْنُ الّذِي سَالَتْ عَلَى الْخَدّ عَيْنُهُ ... فَرُدّتْ بِكَفّ الْمُصْطَفَى أَيّمَا رَدّ فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ لِأَوّلِ أَمْرِهَا ... فَيَا حُسْنَ مَا عَيْنٍ وَيَا حُسْنَ مَا خَدّ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ «1» مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءِ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا فَوَصَلَهُ عُمَرُ، وَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّ عَيْنَيْهِ جَمِيعًا سَقَطَتَا، فَرَدّهُمَا النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَوَاهُ مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ [أَبُو مَرْوَانَ الْأُمَوِيّ] عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَخِيهِ قَتَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ قَالَ: أُصِيبَتْ عَيْنَايَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَسَقَطَتَا عَلَى وَجْنَتِي، فَأَتَيْت بِهِمَا النّبِيّ- صَلَّى الله عليه وسلم- فأعادهما النبىّ-

_ (1) القعب: قدح ضخم جاف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَانَهُمَا، وَبَصَقَ فِيهِمَا، فمادتا تَبْرُقَانِ. قَالَ. الدّارَقُطْنِيّ: هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ عَنْ مالك، تفرد به عمّار بن نصر، وَهُوَ ثِقَةٌ «1» وَرَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيّ عَنْ عَمّارِ «2» بْنِ نَصْرٍ [السّعْدِيّ أَبُو يَاسِرٍ الْمَرْوَزِيّ] . حَوْلَ نَسَبِ حُذَيْفَةَ الْيَمَانِيّ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ، وَالْوَقْشُ: الْحَرَكَةُ، وَحُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ وَالِدُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَسُمّيَ حُسَيْلَ بْنَ جَابِرٍ الْيَمَانِيّ، لِأَنّهُ مِنْ وَلَدِ جِرْوَةِ ابن مَازِنِ بْنِ قُطَيْعَةَ بْنِ عَبْسِ [بْنِ بَغِيضٍ] وَكَانَ جِرْوَةُ قَدْ بَعُدَ عَنْ أَهْلِهِ فِي اليمن زمنا طويلا، ثم ارجع إلَيْهِمْ فَسَمّوْهُ الْيَمَانِيّ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ يُكَنّى أَبَا عَبْدِ اللهِ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أُمّهُ الرّبَابُ بِنْتُ كَعْبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ: يَعْنِي الْيَمَانِيّ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَبّاسٍ: إنّ الّذِي قَتَلَهُ مِنْهُمْ خَطَأً هُوَ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخُو عَبْدِ الله بن مسعود، وجدّ

_ (1) لكن قال النووى: قال أبو نعيم: سالت عيناه، وغلطوه. (2) بهذا حصل لمحمد بن أبى عثمان متابع. فى روايته عن عمار بن نصر، لكن لم يحصل متابع لعمار فى روايته عن مالك. انظر تفصيل هذا فى المواهب ص 186 وما بعدها. والله يختص برحمته من يشاء ولا أحد يبرىء أحدا. وتدبر قوله سبحانه فيما يقص عن خليله إبراهيم (وإذا مرضت فهو يشفين) وتدبر كل آيات القرآن التى ذكر الله فيها آياته التى من بها على عيسى تجد فيها النص المؤكد على أنها بإذن الله وحده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْفَقِيهِ، ذَكَرَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي التّفْسِيرِ، وَعُتْبَةُ هُوَ أَوّلُ مَنْ سَمّى الْمُصْحَفَ مُصْحَفًا، فِيمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْجَامِعِ. الْهَامَةُ وَالظّمْءُ: وَقَوْلُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ وَحُسَيْلٍ: إنّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمَ أَوْ غَد، يُرِيد: الْمَوْتَ، وَكَانَ مِنْ مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي الْمَيّتِ أَنّ رُوحَهُ تَصِيرُ هَامَةً «1» ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْآخَرُ: وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِنَا إلّا ظِمْءُ «2» حِمَارٍ. إنّمَا قال ذلك، لأن الحمار

_ (1) الصدى- كما يقول ابن دريد فى الاشتقاق طائر معروف، وتزعم العرب أنه إذا قتل رجل خرج من هامته طائر يسمى: الصدى، فينادى الليل كله: اسقونى، حتى يقتل قاتله، وهذا باطل، ويسمونه أيضا: هامة. ص 233 الاشتقاق. والصدى أصلا- كما فى القاموس- طائر يصر بالليل يقفز قفزانا ويطفز والناس- كما يقول العديس العبدى- يرونه الجندب، وإنما هو الصدى، فأما الجندب، فانه أصغر من الصدى، والصدى ذكر اليوم. والهامة أصلا رأس كل شىء وجمعه هام، والهامة: طير الليل وهو الصدى. وسمى الصدى لما تعتقده الأعراب من كونه عطشان ولا يزال يقول اسقونى. والصدى: العطش. وقد سمى الدماغ هامة لأنه يشبه رأس الصدى، وتسميته الطائر بالهامة يحتمل أن تكون المعنى الذى لأجله سمى صدى وهو العطش، ويجوز أن يكون قد اشتق من الهيام، وهو داء يصيب الإبل فتشرب ولا تروى. القاموس، وحياة الحيوان للدميرى ح 2 ص 59، 374. (2) والظمء ما بين الشربتين والوردين وما بين سقوط الولد إلى حين موته؛ فيكون المعنى: لم يبق لنا إلا يسير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَقْصَرُ الدّوَابّ ظِمْئًا، وَالْإِبِلُ أَطْوَلُهَا إظْمَاءً. حَوْلَ بَعْضِ رِجَالِ أُحُدٍ: وَذَكَرَ قُزْمَانَ، وَهُوَ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَزَمِ، وَهُوَ رُذَالُ الْمَالِ، وَيُقَالُ: الْقُزْمَانُ «1» : الرّدِيءُ مِنْ كُلّ شَيْءٍ. وَذَكَرَ الْأُصَيْرِمَ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ، وَيُقَالُ فِيهِ وَقَشٌ بِتَحْرِيكِ الْقَافِ. وَقَوْلُ حَاطِبٍ الْمُنَافِقِ: الْجَنّةُ مِنْ حَرْمَلٍ، يُرِيدُ الْأَرْضَ الّتِي دُفِنَ فِيهَا، وَكَانَتْ تُنْبِتُ الْحَرْمَلَ «2» أَيْ: لَيْسَ لَهُ جَنّةٌ إلّا ذَاكَ. ابْنُ الْجَمُوحِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ خَبَرَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ حِينَ أَرَادَ بَنُوهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ، وَزَادَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّهُ لَمّا خَرَجَ قَالَ: اللهُمّ لَا تَرُدّنِي، فَاسْتُشْهِدَ، فَجَعَلُوهُ بَنُوهُ عَلَى بَعِيرٍ، لِيَحْمِلُوهُ إلَى الْمَدِينَةِ، فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِمْ الْبَعِيرُ، فَكَانَ إذَا وَجّهُوهُ إلَى كُلّ جِهَةٍ سَارَعَ إلّا جِهَةِ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَأْبَى الرّجُوعَ إلَيْهَا، فَلَمّا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ذَكَرُوا قَوْلَهُ: اللهُمّ لَا تَرُدّنِي إلَيْهَا، فَدَفَنُوهُ فِي مَصْرَعِهِ «3» .

_ (1) لا يوجد لا فى اللسان ولا فى القاموس سوى أنه اسم أو اسم موضع. (2) نبت له حب أسود، وحب هذا النبات. (3) قصة البعير خرافة، والشهيد يدفن فى مصرعه كشهداء بدر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حكم (ص) وَالسّاكِنُ بَعْدَهَا: فَصْلٌ: وَقَوْلُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ: مِلْ هَاشِمِيّيْنِ الطّوّالِ الزّهْرِ بِحَذْفِ النّونِ مِنْ حَرْفِ مِنْ لِالْتِقَاءِ السّاكِنَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلّا فِي مِنْ وَحْدَهَا لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا، كَمَا خُصّتْ نُونُهَا بِالْفَتْحِ إذَا الْتَقَتْ مَعَ لَامِ التّعْرِيفِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي نُونٍ سَاكِنَةٍ غَيْرِهَا، كَرِهُوا تُوَالِي الْكَسْرَتَيْنِ مَعَ تَوَالِي الِاسْتِعْمَالِ، فَإِنْ الْتَقَتْ مَعَ سَاكِنٍ غَيْرِ لَامِ التّعْرِيفِ نَحْوُ مَنْ ابْنُك، وَمَنْ اسْمُك، كَسَرْت عَلَى الْأَصْلِ، وَالْقِيَاسِ الْمُسْتَتِبّ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَدْ فَتَحَهَا قَوْمٌ فُصَحَاءُ يَعْنِي مَعَ غَيْرِ لَامِ التّعْرِيفِ. لَكَاعُ وَلُكَعُ: وَقَوْلُ حَسّانَ فِي هِنْدٍ: أَشِرَتْ لَكَاعُ، جَعَلَهُ اسْمًا لَهَا فِي غَيْرِ النّدَاءِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ فِي النّدَاءِ أَكْثَرُ، نَحْوُ يَا غَدَارِ وَيَا فَسَاقِ، وَكَذَلِكَ لُكَعٌ، قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ النّدَاءِ، نَحْوُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَيْنَ لُكَعُ يَعْنِي: الْحَسَنَ أَوْ الْحُسَيْنَ مُمَازِحًا لَهُمَا «1» . فَإِنْ قِيلَ: إنّ النّبِيّ- صلّى الله عليه وسلم-

_ (1) يقال فى النداء للثيم يا لكع، وللأنثى: يا لكاع، لأنه موضع معرفة، فان لم ترد أن تعدله عن جهته قلت للرجل: يا ألكع، وللأنثى: يا لكعاء، وقد استعمل الحطيئة لكاع فى غير النداء، فقال يهجر امرأته أطوف ما أطوف ثم آوى ... إلى بيت قعيدته لكاع ويقال: إنه لأبى الغريب البصرى. كما جاء فى اللسان. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَانَ يَمْزَحُ، وَلَا يَقُولُ إلّا حَقّا، فَكَيْفَ يَقُولُ: أَيْنَ لُكَعُ وَقَدْ سَمّاهُ سَيّدًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ؟ فَالْجَوَابُ: أَنّهُ أَرَادَ التّشْبِيهَ بِاللّكَعِ الّذِي هُوَ الْفَلُوّ أَوْ الْمُهْرُ لِأَنّهُ طِفْلٌ كَمَا أَنّ الْفَلُوّ وَالْمُهْرُ «1» كَذَلِكَ، وَإِذَا قَصَدَ بِالْكَلَامِ قَصْدَ التّشْبِيهِ، لَمْ يَكُنْ كَذِبًا، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يَكُونَ أَسْعَدَ النّاسِ فِي الدّنْيَا لُكَعُ بْنُ لُكَعٍ، وَاللّكَعُ فِي اللّغَةِ: وَسَخُ الْغُرْلَةِ، وَهُوَ أَيْضًا الْفَلُوّ الصّغِيرُ، فَمِنْ أَجْلِ هَذَا جَازَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِ النّدَاءِ، لِأَنّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مَعْدُولٍ كَمَا عُدِلَ خُبَثُ عَنْ خَبِيثٍ، وَفُسَقُ عَنْ فَاسِقٍ، وَقَالَ ابْنُ الأنبارىّ فى الزّاهر: استقاقه مِنْ الْمَلَاكِعِ، وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مَعَ الْمَوْلُودِ مِنْ مَاءِ الرّحِمِ وَدَمِهَا، وَأَنْشَدَ: رَمَتْ الْفَلَاةُ بِمَعْجَلٍ مُتَسَرْبِلٍ ... غِرْسَ السّلَى وَمَلَاكِعَ الْأَمْشَاجِ قَالَ: وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدِ يَا لُكَعُ، وَفِي الِاثْنَيْنِ يَا ذَوِي لَكِيعَةَ، وَلَكَاعَةٍ، وَلَا تُصْرَفُ لَكِيعَةَ، وَلَكِنْ تُصْرَفُ لَكَاعَةُ لِأَنّهُ مَصْدَرٌ وَفِي الْجَمِيعِ،

_ - ولكاع مبنية على الكسر. واللكع عند العرب: العبد، ثم استعمل فى الحمق والذم، وقد لكع الرجل بوزن فرح يلكع لكعا فهو ألكع، وقد يطلق على الصغير، فان أطلق على الكبير أريد به الصغير العلم والعقل. وقد ورد فى حديث سعد بن عبادة أرأيت إذ دخل رجل بيته، فرأى لكاعا قد تفخذ امرأته ... الخ فجعل لكاع صفة لرجل. ويقال: لعله أراد لكعا فحرف. «خزانة الأدب والنهاية لابن الأثير» . (1) فلو: المهر الصغير، وقيل هو الفطم من أولاد ذوات الحافر، وفى اللسان من معانى اللكع: المهر والجحش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَا ذَوِي لَكِيعَةَ وَلَكَاعَةٍ «1» وَفِي الْمُؤَنّثِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَلَا يُقَالُ يَا لُكَاعَانِ، وَلَا فُسَقَانِ، لِسِرّ شَرَحْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ. وَتَلْخِيصُ مَعْنَاهُ: أَنّ الْعَرَبَ قَصَدَتْ بهذا النّبأ فى النّدَاءِ قَصْدَ الْعَلَمِ، لِأَنّ الِاسْمَ الْعَلَمَ أَلْزَمُ لِلْمُسَمّى مِنْ الْوَصْفِ الْمُشْتَقّ مِنْ الْفِعْلِ نَحْوُ فَاسِقٍ وَغَادِرٍ، كَمَا قَالُوا عُمَرُ، وَعَدَلُوا عَنْ عَامِرٍ الّذِي هُوَ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ تَحْقِيقًا مِنْهُمْ لِلْعَلَمِيّةِ، ثُمّ إنّ الِاسْمَ الْعَلَمَ لَا يُثَنّى وَلَا يُجْمَعُ وَهُوَ عَلَمٌ، فَإِذَا ثُنّيَ زَالَ عَنْهُ تَعْرِيفُ الْعَلَمِيّةِ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يُثَنّوا يَا فُسَقُ وَيَا غُدَرُ، لِأَنّ فِي ذَلِكَ نَقْضًا لِمَا قَصْدُوهُ مِنْ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الِاسْمِ الْعَلَمِ، أَيْ: إنّهُ مُسْتَحِقّ لِأَنْ يُسَمّى بِهَذَا الِاسْمِ، فَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا: يَا فَاسِقُ، فَيَجِيئُوا بِالِاسْمِ، الّذِي يَجْرِي مَجْرَى الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَالْعَلَمُ أُلْزِمَ منه، وَالتّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ تُبْطِلُ الْعَلَمِيّةَ كَمَا ذَكَرْنَا فَافْهَمْهُ، وَوَقَعَ فِي الْمُوَطّإِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ لمولاة له: اقعدى لكع، وقد عِيبَتْ هَذِهِ الرّوَايَةُ عَلَى يَحْيَى، لِأَنّ الْمَرْأَةَ إنّمَا يُقَالُ لَهَا: لَكَاعِ، وَقَدْ وَجَدْت الْحَدِيثَ كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى فِي كِتَابِ الدّارَقُطْنِيّ، وَوَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيّةِ أَنّهُ مَنْقُولٌ غَيْرُ مَعْدُولٍ فَجَائِزٌ أَنْ يُقَالَ لِلْأَمَةِ يَا لُكَعُ كَمَا يُقَالُ لها إذا سبت: يا زيل وَيَا وُسَخُ إذْ اللّكَعُ ضَرْبٌ مِنْ الْوَسَخِ، كما قدمناه وهو فى كتاب العين.

_ (1) قال الفراء: ثنية لكاع أن تقول: يا ذواتى لكيعة أقبلا، ويا ذوات لكيعة أقبلن وقالوا فى النداء للرجل: يا لكع، وللمرأة يا لكاع، وللاثنين: يا ذوى لكع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرّسُولُ يَسْأَلُ عَنْ ابْنِ الرّبِيعِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. الرّجُلُ: هُوَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ، وَذَكَرَ أَنّهُ نَادَى فِي الْقَتْلَى: يَا سَعْدُ بْنَ الرّبِيعِ مَرّةً بَعْدَ مَرّةٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، حَتّى قَالَ يَا سَعْدُ أن رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَنِي أَنْظُرُ مَا صَنَعْت، فَأَجَابَهُ حِينَئِذٍ بِصَوْتِ ضَعِيفٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ الصّحَابَةِ، فَإِنّهُ ذَكَرَ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّ الرّجُلَ الّذِي الْتَمَسَ سَعْدًا فِي الْقَتْلَى هُوَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ. حَمِيدٌ الطّوِيلُ وَطَلْحَةُ الطّلَحَات: وَذَكَرَ عَنْ حُمَيْدٍ الطّوِيلِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ، وَحُمَيْدٌ الطّوِيلُ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ تِيرَوَيْهِ، وَيُقَالُ: ابْنُ تِيرِي «1» يُكَنّى أَبَا حُمَيْدَةَ مَوْلَى طَلْحَةَ الطّلَحَاتِ «2» ، وَهُوَ حديث صحيح

_ (1) فى القاموس: تير بكسر التاء وبدون ياء وكذلك فى تهذيب الأسماء واللغات، وقال: هو أبو عبيدة، وقيل: أبو عبيد حميد بن أبى حميد، واسم أبى حميد تيرويه، وقيل: تير، وقيل ذاذويه، وقيل طرخان، وقيل: مهران، ويقال: عبد الرحمن، ويقال. داود. قال الأصمعى: رأيت حميدا، لم يكن طويلا، ولكن طويل اليدين مات سنة 143 هـ ص 170 ح 1. (2) هو طلحة بن عبيد الله بن خلف الخزاعى ويقول صاحب اللسان: ورأيت فى بعض حواشى نسخ الصحاح بخط من يوثق به الصواب: طلحة-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي النّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ مَثّلَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعُرَنِيّينَ «1» فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعَيْنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ بالحرّة.

_ - ابن عبد الله: وسمى طلحة الطلحات بسبب أمه، وهى صفية بنت الحارث ابن طلحة بن أبى طلحة وزاد الأزهرى ابن عبد مناف وأخوها: طلحة ابن الحارث فقد تكنفه هؤلاء الطلحات كما ترى، وقبره بسجستان، وفيه يقول ابن الرقيات: رحم الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات وعند ابن الأثير: عن طلحة الطلحات قيل: إنه جمع بين مائة عربى وعربية بالمهر والعطاء الواسعين فولد لكل واحد منهم ولد فسمى طلحة، فأضيف إليهم وفى القاموس: القول الأول. (1) عن قتادة عن أنس أن ناسا من عكل وعرينة قدموا على النبى «ص» وتكلموا بالإسلام، فاستوخموا المدينة، فأمر لهم النبى «ص» بذود وراع وأمرهم أن يخرجوا، فليشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعى النبى «ص» واستاقوا الذود، فبلغ ذلك النبى «ص» فبعث الطلب فى آثارهم، فأمر بهم، فسمروا أعينهم، وقطعوا أيديهم، وتركوا فى ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم» رواه الجماعة، وزاد البخارى، قال: قتادة: بلغنا أن النبى «ص» بعد ذلك كان يحث على الصدقة، وينهى عن المثلة، وفى رواية لأحمد والبخارى وأبو داود قال قتادة فحدثنى ابن سيرين أن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود، وللبخارى وأبى داود فى هذا الحديث، فأمر بمسامير فأحميت، فكحلهم، وقطع أيديهم وأرجلهم، وما حسمهم، ثم ألقوا فى الحرة، يستسقون فما سقوا حتى ماتوا. وعند البخارى، قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله. وعند سليمان التيمى عن أنس قال: إنما سمل النبى أعين أولئك، لأنهم-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قُلْنَا: فِي ذَلِكَ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنّهُ فَعَلَ ذَلِكَ قِصَاصًا لِأَنّهُمْ قَطَعُوا أَيْدِي الرّعَاءِ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلُوا أَعْيُنَهُمْ «1» ، رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَقِيلَ: إنّ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ تَرَكَهُمْ يَسْتَسْقُونَ، فَلَا يُسْقَوْنَ، حَتّى مَاتُوا عَطَشًا، قُلْنَا عَطّشَهُمْ لِأَنّهُمْ عَطّشُوا أَهْلَ بَيْتِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ اللّيْلَةَ، رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمّا بَقِيَ وَأَهْلُهُ تِلْكَ اللّيْلَةَ بِلَا لَبَنٍ، قَالَ: اللهُمّ عَطّشْ مَنْ عَطّشَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيّك. وَقَعَ هَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ بَطّالٍ، وَقَدْ خَرّجَهُ النّسَوِيّ. الصّلَاةُ عَلَى الشّهَدَاءِ: وَرَوَى ابْنُ إسْحَاقَ عَمّنْ لَا يَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلّى عَلَى حَمْزَةَ، وَعَلَى شُهَدَاءِ يَوْمِ أُحُد، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا الْحَدِيثِ

_ - سلموا أعين الرعاة» رواه مسلم والنسائى والترمذى استوخموا المدينة: كرهوا المقام فيها. الذود: قيل ما بين الثنتين إلى التسع من الإبل، وقيل: ما بين الثلاث إلى العشر. والحرة: أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة. وقد وفى الإمام الشوكانى الموضوع حقه فى نيل الأوطار فانظره تحت باب المحاربين وقطاع الطريق. (1) صرح ببعض هذا فى حديث مسلم والنسائى والترمذى. والذى يعرف خلق النبى «ص» ويتدبر وصف الله له بأنه على خلق عظيم، وأنه ليس فظا ولا غليظ القلب، وأنه محمد وأحمد يوقن- ولا ريب- بأن ما فعله بهؤلاء إنما كان قصاصا لأمة طيبة أذلة على المؤمنين من قوم غلاظ الأكباد غلف القلوب فاضطرم نفوسهم غلا وحقدا وجحودا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ، وَلَا الْأَوْزَاعِيّ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا ضَعْفُ إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنّ ابْنَ إسْحَاقَ قَالَ: حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ، يَعْنِي: الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ- فِيمَا ذَكَرُوا- وَلَا خِلَافَ فِي ضَعْفِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَرَوْنَهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ الّذِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ غَيْرَ الْحَسَنِ، فَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالْجَهْلُ يُوبِقُهُ. وَالْوَجْهُ الثّانِي: أَنّهُ حَدِيثٌ لَمْ يَصْحَبْهُ الْعَمَلُ، وَلَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ صَلّى عَلَى شَهِيدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ مَغَازِيهِ إلّا هَذِهِ الرّوَايَةَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَكَذَلِكَ فِي مُدّةِ الْخَلِيفَتَيْنِ إلّا أَنْ يَكُونَ الشّهِيدُ مُرْتَثّا «1» مِنْ الْمَعْرَكَةِ، وَأَمّا تَرْكُ غَسْلِهِ، فَقَدْ أَجَمَعُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الصّلَاةِ إلّا رِوَايَةً شَاذّةً عِنْدَ بَعْضِ التّابِعِينَ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- تَحْقِيقُ حَيَاةِ الشّهَدَاءِ وَتَصْدِيقُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً الْآيَةَ مَعَ أَنّ فِي تَرْكِ غُسْلِهِ مَعْنًى آخَرُ، وَهُوَ أَنّ دَمَهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ «2» ، وَهُوَ يجىء

_ (1) ارتث على البناء للمجهول: حمل من المعركة رثيثا أى جريحا وبه رمق. (2) عن جابر قال: «كان رسول الله «ص» يجمع بين الرجلين من قتلى أحد فى الثوب الواحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذا للقرآن، فاذا أشير إلى أحدهما قدمه فى اللحد، وأمر يدفنهم فى دمائهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم» البخارى والنسائى وابن ماجه والترمذى وصححه. وهناك خلاف كبير حول الصلاة عليهم، وقد رد الشافعى على من قال بالصلاة عليهم بأن الأخبار جاءت كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبى «ص» لم يصل على قتلى أحد.. قال وما روى من أنه «ص» صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح، وقد كان ينبغى لمن عارض بذلك هذه الأحاديث أن يستحى على نفسه. ويقول الأمام-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يُثْعَبُ دَمًا، وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ، فَكَيْفَ يَطْهُرُ مِنْهُ وَهُوَ طَيّبٌ وَأَثَرُ عِبَادَةٍ، وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ انْتَزَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَرَاهِيَةَ تَجْفِيفِ الْوَجْهِ مِنْ مَاءِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ قَوْلُ الزّهْرِيّ، قَالَ الزّهْرِيّ: وَبَلَغَنِي أَنّهُ يُوزَنُ، وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ انْتَزَعَ كَرَاهِيَةَ السّوَاكِ بِالْعَشِيّ لِلصّائِمِ لِئَلّا يَذْهَبُ خُلُوفُ فَمِهِ، وَهُوَ أَثَرُ عِبَادَةٍ، وَجَاءَ فِيهِ مَا جَاءَ فِي دَمِ الشّهَدَاءِ أَنّهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَيُرْوَى أَطْيَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِاللّفْظَيْنِ جَمِيعًا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَجَاءَتْ الْكَرَاهِيَةُ لِلسّوَاكِ بِالْعَشِيّ لِلصّائِمِ «1» عَنْ عَلِيّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، ذَكَرَ ذَلِكَ الدّارَقُطْنِيّ. عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ الْمُجْدَعُ: وَذَكَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ جحش بن أُخْت حَمْزَةَ، وَأَنّهُ مُثّلَ بِهِ كَمَا مُثّلَ بحمزة، وعبد اللهِ هَذَا يُعْرَفُ بِالْمُجْدَعِ فِي اللهِ، لِأَنّهُ جُدِعَ أَنْفُهُ وَاذُنَاه يَوْمئِذٍ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ يُحَدّثُ أَنّهُ لَقِيَهُ يَوْمَ أُحُدٍ أَوّلَ النّهَارِ، فَخَلَا بِهِ، وَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: يَا سَعْدُ هَلُمّ فَلْنَدْعُ اللهَ وَلِيَذْكُرَ كُلّ وَاحِدٍ مِنّا حَاجَتَهُ فِي دُعَائِهِ، وَلَيُؤَمّنّ الْآخَرُ، قَالَ سَعْدٌ: فَدَعَوْت اللهَ أَنْ أَلْقَى فَارِسًا شَدِيدًا بَأْسُهُ شَدِيدًا حَرْدُهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فأقتله، وآخذ سلبه، فقال عبد الله آمين، ثم استقبل

_ - الشوكانى: «فائدة: لم يرد فى شىء من الأحاديث أنه «ص» صلى على شهداء بدر: ولا أنه لم يصل عليهم، وكذلك فى شهداء سائر المشاهد النبوية إلا ما ذكرناه فى هذا البحث، فليعلم ذلك» . وقد عرض الشوكانى كل ما روى من أحاديث. (1) لا يصح هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَبْدُ اللهِ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السّمَاءِ، وَقَالَ اللهُمّ لَقّنِي الْيَوْمَ فَارِسًا شَدِيدًا بَأْسُهُ شَدِيدًا حَرْدُهُ «1» ، يَقْتُلُنِي وَيَجْدَعُ أَنْفِي وَأُذُنِي، فَإِذَا لَقِيتُك غَدًا تَقُولُ لِي: يَا عَبْدِي: فِيمَ جُدِعَ أَنْفُك وَأُذُنَاك، فَأَقُولُ: فِيك يَا رَبّ، وَفِي رَسُولِك، فَتَقُولُ لِي: صَدَقْت، قُلْ يَا سعد: آمِينَ، قَالَ فَقُلْت: آمِينَ، ثُمّ مَرَرْت بِهِ آخِرَ النّهَارِ قَتِيلًا مَجْدُوع الْأَنْفِ وَالْأُذُنَيْنِ، وَأَنّ أُذُنَيْهِ وَأَنْفَهُ مُعَلّقَانِ بِخَيْطِ، وَلَقِيت أَنَا فُلَانًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَقَتَلْته، وَأَخَذْت سَلَبَهُ «2» ، وَذَكَرَ الزّبَيْرُ أَنّ سَيْفَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ انْقَطَعَ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُرْجُونًا، فَعَادَ فِي يَدِهِ سَيْفًا، فقاتل به، فَكَانَ يُسَمّى ذَلِكَ السّيْفُ الْعُرْجُونَ «3» ، وَلَمْ يَزَلْ يتوارث حتى بيع من بغاء «4» التركى بمائتى دِينَارٍ، وَهَذَا نَحْوٌ مِنْ حَدِيثِ عُكَاشَةَ الّذِي تقدم إلا أنّ سَيْفَ عُكَاشَةَ، كَانَ يُسَمّى الْعَوْنَ، وَكَانَتْ قِصّةُ عُكَاشَةَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ الّذِي قَتَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ أَبُو الْحُكْم بْنُ الْأَخْنَسِ بن شريق «5» وكان عبد الله

_ (1) حرد الرجل فهو حرد بكسر الراء إذا اغتاظ فتحرش بالذى غاظه، وهم به فهو حارد، والحرد: الغضب والقصد والمنع. (2) رواه البغوى من طريق إسحاق بن سعد. وابن شاهين من وجه آخر عن سعيد بن المسيب. ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة. (3) لم يروه غير الزبير. (4) فى الإصابة: بغا الكبير دون همزة فى آخر بغا. وهو مر أمراء المعتصم بالله الخليفة العباسى إبراهيم بن هارون الرشيد. (5) اسمه: ابى بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ بْنِ علاج بن أبى سلمة ابن عبد العزى بن غيرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حِينَ قُتِلَ ابْنَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، فِيمَا ذَكَرُوا وَدُفِنَ مَعَ حَمْزَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ. حَدِيث عُمَرَ وَأَبِي سُفْيَانَ: فَصْلٌ: وَمِمّا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنْ الْكَلِمِ الّذِي يُسْأَلُ عَنْهُ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ قَالَ: اُعْلُ «1» هُبَلْ، أَيْ زِدْ عُلُوّا، ثُمّ قَالَ: أَنْعَمَتْ، فَعَالِ، قَالُوا: مَعْنَاهُ الْأَزْلَامُ، وَكَانَ اسْتَقْسَمَ بِهَا حِينَ خَرَجَ إلَى أُحُد، فَخَرَجَ الّذِي يُحِبّ «2» وَقَوْلُهُ: فَعَالِ: أَمْرٌ أَيْ عَالِ عَنْهَا وَأَقْصِرْ عَنْ لَوْمِهَا، تَقُولُ الْعَرَبُ: اُعْلُ عَنّي، وَعَالِ عَنّي بِمَعْنَى: أَيْ ارْتَفِعْ عَنّي، وَدَعْنِي. وَيُرْوَى أن الزّبير قال

_ (1) فسرها ابن هشام بغير هذا فضبطت اعل فى السيرة بفتح الهمزة وسكون العين وكسر اللام فالأمر من أعلى، وضبطتها فى الروض هكذا بهمزة وصل مع ضم اللام كما ضبطت فى اللسان والنهاية لابن الأثير والمواهب للزرقانى ص 48 لأن الأمر من علا كما فسرها السهيلى. (2) كان الرجل من قريش إذا أراد ابتداء أمر عمد إلى سهمين، فكتب على أحدهما: نعم، وعلى الآخر: لا، ثم يتقدم إلى الضم ويجيل سهامه، فإن خرج سهم نعم، أقدم، وإن خرج سهم لا: امتنع، وكان أبو سفيان لما أراد الخروج إلى أحد استفتى هبل، فخرج له سهم الإنعام، فذاك قوله لعمر أنعمت، فعال عنها أى تجاف عنها، ولا تذكرها بسوء يعنى آلهتهم. «ابن الأثير مادة علا» وعنه نقل اللسان.. وقد ذكر الخشنى: وقوله: أنعمت- بضم التاء- فعال، معناه: بالغت. يقال: أنعم فى الشىء إذا بالغ فيه، وقوله: أنعمت يخاطب به نفسه ومن رواه: أنعمت بفتح التاء فانه يعنى به الحرب أو الوقيعة.. وقد يجوز أن تكون معدولة من الفعلة كما عدلوا فجار عن الفجرة، أى بالغت فى هذه الفعلة، ويعنى بالفعلة: الوقيعة ص 230. وهبل اسم صنم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِأَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ: أَيْنَ قَوْلُك: أَنْعَمَتْ، فَعَالِ؟ فَقَالَ: قَدْ صَنَعَ اللهُ خَيْرًا، وَذَهَبَ أَمْرُ الْجَاهِلِيّةِ. وَقَوْلُ عُمَرَ لَا سَوَاءَ، أَيْ لَا نَحْنُ سَوَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ دُخُولُ لَا عَلَى اسْمٍ مُبْتَدَأٍ مَعْرِفَةٍ إلّا مَعَ التّكْرَارِ نَحْوُ لَا زَيْدٌ قَائِمٌ، وَلَا عَمْرٌو خَارِجٌ، وَلَكِنّهُ جَازَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنّ الْقَصْدَ فِيهِ إلَى نَفْيِ الْفِعْلِ، أَيْ لَا يَسْتَوِي، كَمَا جَازَ لَا نُوَلّك، أَيْ: لَا يَنْبَغِي لَك، وَقَدْ بَيّنّا هَذَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ حَيْثُ تَكَلّمْنَا عَلَى قَوْلِهِ: فَشَتْتَنَا سَعْدٌ فَلَا نحن من سعد حديث محيريق وَأَوّلُ وَقْفٍ فِي الْإِسْلَامِ: وَمِمّا يَلِيقُ ذِكْرُهُ بهذه الغزاة حديث محيريق، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي النّضِيرِ، وَقَوْلُهُ: إنْ أُصِبْت فَمَالِي لِمُحَمّدِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ، فَأُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ انْصَرَفَ مَالُهُ أَوْقَافًا، وَهُوَ أَوّلُ حَبْسٍ حُبِسَ فِي الْإِسْلَامِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، وَقَالَ الزّهْرِيّ: كَانَتْ سَبْعَ حَوَائِطَ، وَأَسْمَاؤُهَا: الْأَعْرَافُ، وَالْأَعْوَافُ وَالصّافِيَةُ والدّلال وَبُرْقَةُ، وَحُسْنَى وَمَشْرَبَةُ أُمّ إبْرَاهِيمَ، وَإِنّمَا سُمّيَتْ مُشْرَبَةَ أُمّ إبْرَاهِيمَ، لِأَنّهَا كَانَتْ تَسْكُنُهَا، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ مُخَيْرِيقٍ، وَهَذَا الّذِي ذكرناه تكلمة لَهُ، وَزِيَادَةُ فَائِدَةٍ فِيهِ. وَذَكَرَ: لَا سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ، بِفَتْحِ الْفَاءِ جَمْعُ فَقَارَةٍ، وَإِنْ قِيلَ ذُو الْفِقَارِ بِالْكَسْرِ، فَهُوَ جَمْعُ فِقْرَةٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ شَرْحُهُ. وَوَقَعَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ أَنّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رِيحًا هَبّتْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَسَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: لَا سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ ... وَلَا فَتَى إلّا عَلِيّ «1» فِي أَبْيَاتٍ ذَكَرَهَا، وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ قَوْلَ عَلِيّ لِفَاطِمَةَ حِينَ غَسَلَتْ سَيْفَهُ مِنْ الدّمِ: أَفَاطِمُ هَاتِي السّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمِ ... فَلَسْت بِرِعْدِيدِ وَلَا بِلَئِيمِ غَزْوَةُ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ «2» شَرْحُ قَصِيدَةِ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ: ذَكَرَ شِعْرَ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ وَفِيهِ: إذَا تَغَطْمَطَتْ الْبَطْحَاءُ بِالْخَيْلِ لَفْظٌ مُسْتَعَارٌ مِنْ الغطمة «3» ، وَهُوَ صَوْتُ غَلَيَانِ الْقِدْرِ. قَوْلُهُ بِالْخَيْلِ جَعَلَ الرّدْفَ حَرْفَ لِينٍ، وَالْأَبْيَاتُ كُلّهَا مُرْدَفَةُ الرّوىّ

_ (1) يقول الشيبانى فى التمييز: يروى فى أثرواه عند الحسن بن عرفة من حديث أبى جعفر محمد بن على الباقر. (2) موضع على ثمانية أميال أو عشرة من المدينة عن يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة. (3) تغطمطت: اهتزت وارتجت، ومنه يقال: بحر غطامط بضم الغين وفتح الطاء إذا علت أمواجه. والجيل: الصنف من الناس ولكنها فى السيرة: الخيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِحَرْفِ مَدّ وَلِينٍ «1» ، وَهَذَا هُوَ السّنَادُ الّذِي بَيّنّاهُ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ فَسُونِدَ بَيْنَ الْقَبَائِلِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ [عَمْرِو] بن كلثوم: ألا هبي بصحنك فاصبحينا ثم قَالَ: تُصَفّقُهَا الرّيَاحُ إذَا جَرَيْنَا وَتَسْمِيَةُ هَذَا سِنَادٌ عَرَبِيّةٌ لَا صِنَاعِيّةٌ، قَالَ عَدِيّ بْنُ الرّفاع: وَقَصِيدَةٍ قَدْ بِتّ أَجْمَعُ بَيْنَهَا ... حَتّى أُقَوّمَ مِيلَهَا وَسِنَادَهَا نَظَرَ الْمُثَقّفِ فِي كُعُوبِ قَنَاتِهِ ... كَيْمَا يُقِيمُ ثِقَافُهُ مُنْآدَهَا «2» وَقَوْلُهُ: لَا تَنَابِلَةٍ. التّنَابِلَةُ: الْقِصَارُ، وَأَحَدُهُمْ: تِنْبَالٌ، تِفْعَالٌ مِنْ النّبْلِ، وهى صغار الحصى «3» .

_ (1) الردف: الألف والياء والواو التى قبل الروى، سمى بذلك لأنه ملحق فى التزامه وتحمل مراعاته بالروى، فجرى مجرى الردف للراكب، أى يليه، لأنه ملحق به، مثل الألف فى كتاب، والياء فى بليد، والواو فى قتول وانظر اللسان مادة ردف. (2) سبق هذا وانظر اللسان فى مادة سند، والخصائص لابن جنى ط 2 ص 323 ح 1. (3) تنبال وتنبل والتنبالة بفتح التاء وكسرها، وفتح الباء: الرجل القصير، وهو رباعى على مذهب سيبويه وعند ثعلب ثلاثى. وحكم بزيادة التاء، ويشتقه من النبل كما قال السهيلى، وذكره الأزهرى فى الثلاثى، وجمعه أيضا: التنابيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبُو عَزّةَ الْجُمَحِيّ: وَذَكَرَ أَبَا عَزّةَ «1» ، وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ عُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، كَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ، وَأَحْسَبُهُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَيْرٍ أَحَدَ بَنِي خُدَارَةَ، أَوْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَيْرٍ الْخَطْمِيّ وَمِنْ خَبَرِ أَبِي عَزّةَ مَا ذَكَرَ الزّبَيْرُ عَنْ ابْنِ جُعْدُبَةَ وَالضّحّاكِ بْنِ عُثْمَانَ. وَالْجُعْدُبَةُ فِي اللّغَةِ وَاحِدَةٌ الْجِعَادِبِ، وَهِيَ النّفّاخَاتُ الّتِي تَكُونُ فِي الْمَاءِ. قَالَا: بَرِصَ أَبُو عَزّةَ الْجُمَحِيّ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تُؤَاكِلُهُ وَلَا تجالسه فقال الموت خَيْرٌ مِنْ هَذَا، فَأَخَذَ حَدِيدَةً، وَدَخَلَ بَعْضَ شِعَابِ مَكّةَ فَطَعَنَ بِهَا فِي مَعَدّهِ، وَالْمَعَدّ مَوْضِعٌ عَقِبَ الرّاكِبِ مِنْ الدّابّةِ، وَقَالَ ابْنُ جُعْدُبَةَ: فَمَارَتْ الْحَدِيدَةُ، وَقَالَ الضّحّاكُ: بَيْنَ الْجِلْدِ وَالصّفَاقِ فَسَالَ مِنْهُ أصفر فبرىء، فَقَالَ: اللهُمّ رَبّ وَائِلٍ وَنَهْدِ ... وَالتّهِمَاتِ وَالْجِبَالِ الْجُرْدِ وَرَبّ مَنْ يَرْعَى بِأَرْضِ نَجِدْ ... أَصْبَحْت عَبْدًا لَك وَابْنَ عَبْدِ أَبَرّأَتْنِي مِنْ وَضَحٍ بِجِلْدِ ... مِنْ بَعْدَ مَا طَعَنْت فِي مَعَدّي مُوصِلُ مَقَالَةِ أَبِي سُفْيَانَ: وَذَكَرَ إرْسَالَ أَبِي سُفْيَانَ مَعَ الرّكْبِ بِالْوَعِيدِ، وَكَانَ الْمُوَصّلُ مَقَالَتَهُ لِلْمُؤْمِنَيْنِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالُوا: حَسْبُنَا اللهُ ونعم الوكيل، كذلك جاء فى التفسير.

_ (1) فى حديثه لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. وقد ذكر السيوطى عن هذا أن رواته: البخارى ومسلم وأحمد فى مسنده وأبو داود وابن ماجة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَوْلٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ وَذَكَرَ قَوْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ الْمَسْجِدِ: لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا. الْبَجْرُ: الْأَمْرُ الْعَظِيمُ وَالْبَجَارِي: الدّوَاهِي، وَفِي وَصِيّةِ أَبِي بَكْرٍ: يَا هادى الطريق جرت، إنما هو الفجر والبجر «1» قَالَ الْخَطّابِيّ: مَعْنَاهُ الدّاهِيَةُ. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ قَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ: يَا لَيْتَنِي غُودِرْت مَعَ أَصْحَابٍ نُحْصِ الْجَبَلَ. نُحْصُ الجبل: أسفله، قاله صاحب العين «2» .

_ (1) ضبط القاموس البجر بالضم، وابن الأثير بالفتح، وفى اللسان أنها بالفتح والضم وهى الداهية والأمر العظيم. ومعنى قول أبى بكر: إن انتظرت حتى يضىء الفجر أبصرت الطريق، وإن خبطت الظلماء أفضت بك إلى المكروه، ويروى البحر يريد غمرات الدنيا شبهها بالبحر لتحير أهلها فيها. (2) فى الأصل: نحض بالضاد والتصويب من النهاية واللسان، والمعنى تمنى أن يكون استشهد معهم يوم أحد، أراد باليتنى غودرت شهيدا مع شهداء أحد. وفى البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة: لما انصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، فقال: من يذهب فى أثرهم، فانتدب منهم سبعون رجلا فيهم: أبو بكر والزبير وزاد الطبرانى آخرين. وعن هذا يقول الحافظ ابن كثير: هذا سياق غريب جدا، فالمشهور عند أصحاب المغازى أن الذين خرجوا إلى حمراء الأسد كل من شهد أحدا، وكانوا سبعمائة، قتل منهم سبعون، وبقى الباقون. وقيل إنه لا تخالف بين قول عائشة وأصحاب المغازى لأن معنى قولها فانتدب منهم سبعون أنهم سبقوا غيرهم، ثم تلاحق الباقون. وقد أقام عليه السلام بحمراء الأسد كما روى الاثنين والثلاثاء والأربعاء، وقال ابن سعد: كان المسلمون يوقدون تلك الليالى خمسائة نار حتى ترى من المكان البعيد، وذهب صوت معسكرهم ونيرانهم فى كل وجه. ثم رجع إلى المدينة صلى الله عليه وسلم.

ذكر ما أنزل الله فى أحد من القرآن

[ذِكْرُ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي أُحُدٍ مِنْ القرآن] بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو محمد عبد الملك بن هشام، قال: حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ، قَالَ: فَكَانَ مِمّا أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ سِتّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ، فِيهَا صِفَةُ مَا كَانَ فِي يَوْمِهِمْ ذَلِكَ، وَمُعَاتَبَةُ مَنْ عَاتَبَ مِنْهُمْ، يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ آل عمران: 121. قال ابن هشام: تبوّىء الْمُؤْمِنِينَ: تَتّخِذُ لَهُمْ مَقَاعِدَ وَمَنَازِلَ. قَالَ الْكُمَيْتُ ابن زَيْدٍ: لَيْتَنِي كُنْتُ قَبْلَهُ ... قَدْ تَبَوّأْتُ مَضْجَعَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. أَيْ سَمِيعٌ بِمَا تَقُولُونَ، عَلِيمٌ بِمَا تُخْفُونَ. إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا: أَنْ تَتَخَاذَلَا، وَالطّائِفَتَانِ: بَنُو سَلَمَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَبَنُو حَارِثَةَ بْنِ النّبِيت مِنْ الْأَوْسِ، وَهُمَا الْجَنَاحَانِ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما: أَيْ الْمُدَافِعُ عَنْهُمَا مَا هَمّتَا بِهِ مِنْ فَشَلِهِمَا، وَذَلِك أَنّهُ إنّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَنْ ضَعْفٍ وَوَهَنٍ أَصَابَهُمَا غَيْرَ شَكّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

فِي دِينِهِمَا، فَتَوَلّى دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمَا بِرَحْمَتِهِ وَعَائِدَتِهِ، حَتّى سَلِمَتَا مِنْ وُهُونِهِمَا وَضَعْفِهِمَا، وَلَحِقَتَا بِنَبِيّهِمَا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الْأَسْدِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ: قَالَتْ الطّائِفَتَانِ مَا نُحِبّ أَنّا لَمْ نَهُمّ بِمَا هَمَمْنَا بِهِ، لَتَوَلّى اللهُ إيّانَا فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ: أَيْ مَنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَلْيَتَوَكّلْ علىّ، وليستعن بى، أعنه على أمره، وأدفع عَنْهُ، حَتّى أَبْلُغَ بِهِ، وَأَدْفَعَ عَنْهُ، وَأُقَوّيَهُ عَلَى نِيّتِهِ. وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ: أى فاتّقونى، فإنه شُكْرُ نِعْمَتِي. وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَقَلّ عَدَدًا وَأَضْعَفُ قُوّةً إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ: أَيْ إنْ تَصْبِرُوا لِعَدُوّي، وَتُطِيعُوا أَمْرِي، وَيَأْتُوكُمْ مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا، أُمِدّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ. [تَفْسِيرُ ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: مُسَوّمِينَ: مُعْلَمِينَ. بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ: أَعْلَمُوا عَلَى أَذْنَابِ خَيْلِهِمْ وَنَوَاصِيهَا بِصُوفِ أَبْيَضَ فَأَمّا ابْنُ إسْحَاقَ فَقَالَ: كَانَتْ سِيمَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا. وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بَدْرٍ. وَالسّيمَا: الْعَلَامَةُ. وَفِي كِتَابِ اللهِ عَزّ وَجَلّ: (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) : أى علامتهم. وحِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً يَقُول: مُعْلَمَةً. بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ: عَلَيْهَا عَلَامَةٌ، أَنّهَا لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الدّنْيَا، وَأَنّهَا مِنْ حِجَارَةِ الْعَذَابِ. قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ: فَالْآنَ تُبْلَى بِي الْجِيَادُ السّهَمُ ... وَلَا تُجَارِينِي إذَا مَا سَوّمُوا وَشَخَصَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَجْذَمُوا [أَجْذَمُوا «بِالذّالِ الْمُعْجَمَةِ» : أَيْ أَسْرَعُوا: وَأَجْدَمُوا «بِالدّالِ الْمُهْمَلَةِ» : أَقْطَعُوا] . وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ: وَالْمُسَوّمَةُ (أَيْضًا) الْمَرْعِيّةُ. وَفِي كِتَابِ اللهِ تعالى: وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وشَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. تَقُولُ الْعَرَبُ: سَوّمَ خَيْلَهُ وَإِبِلَهُ، وَأَسَامَهَا: إذَا رَعَاهَا. قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ: راعيا كان مسجحا ففقدنا ... هـ وَفَقْدُ الْمُسِيمِ هُلْكُ السّوَامِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. مُسْجِحًا: سَلِسُ السّيَاسَةِ مُحْسِنٌ (إلَى الْغَنَمِ) . وَهَذَا البيت فى قصيدة له. وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ، وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ: أَيْ مَا سَمّيْت لَكُمْ مَنْ سَمّيْتُ مِنْ جُنُودِ مَلَائِكَتِي إلّا بُشْرَى لَكُمْ، وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ، لِمَا أَعْرِفُ مِنْ ضَعْفِكُمْ، وَمَا النّصْرُ إلّا مِنْ عِنْدِي، لِسُلْطَانِي وَقُدْرَتِي، وَذَلِك أَنّ الْعِزّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

وَالْحُكْمَ إلَيّ، لَا إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي. ثُمّ قَالَ: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ: أَيْ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِقَتْلٍ يَنْتَقِمُ بِهِ مِنْهُمْ، أَوْ يَرُدّهُمْ خَائِبِينَ: أَيْ وَيَرْجِعُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فَلّا خَائِبِينَ، لَمْ يَنَالُوا شَيْئًا مِمّا كَانُوا يأملون. [تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: يَكْبِتُهُمْ: يَغُمّهُمْ أَشَدّ الْغَمّ، وَيَمْنَعُهُمْ مَا أَرَادُوا. قَالَ ذُو الرّمّةِ: مَا أَنْسَ مِنْ شَجَنٍ لَا أَنْسَ مَوْقِفَنَا ... فِي حَيْرَةٍ بَيْنَ مَسْرُورٍ وَمَكْبُوتِ وَيَكْبِتُهُمْ (أَيْضًا) : يَصْرَعُهُمْ لِوُجُوهِهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ لِمُحَمّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ: أَيْ لَيْسَ لَك مِنْ الْحُكْمِ شَيْءٌ فِي عِبَادِي، إلّا مَا أَمَرْتُك بِهِ فِيهِمْ، أَوْ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِي، فَإِنْ شِئْتُ فَعَلْت، أَوْ أُعَذّبُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَبِحَقّي فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ: أَيْ قَدْ اسْتَوْجَبُوا ذَلِكَ بِمَعْصِيَتِهِمْ إيّايَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ: أَيْ يَغْفِرُ الذّنْبَ وَيَرْحَمُ الْعِبَادَ، على ما فيهم. [النهى عن الربا] ثم قَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً؛ أَيْ لَا تَأْكُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، إذْ هَدَاكُمْ اللهُ بِهِ مَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إذا أَنْتُمْ عَلَى غَيْرِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الحض على الطاعة

مِمّا لَا يَحِلّ لَكُمْ فِي دِينِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ: أَيْ فَأَطِيعُوا اللهَ لَعَلّكُمْ تنجون مما حذّركم الله من عذابه، وتدركون مَا رَغّبَكُمْ اللهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ، وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ: أَيْ الّتِي جُعِلَتْ دَارًا لِمِنْ كَفَرَ بِي. [الْحَضّ عَلَى الطّاعَةِ] ثُمّ قَالَ: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ مُعَاتَبَةً لِلّذِينَ عَصَوْا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَمَرَهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي غَيْرِهِ. ثُمّ قَالَ: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ أَيْ دَارًا لِمَنْ أَطَاعَنِي وَأَطَاعَ رَسُولِي: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ، وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ: أَيْ وَذَلِك هُوَ الْإِحْسَانُ، وَأَنَا أُحِبّ مَنْ عَمِلَ بِهِ، وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ: أَيْ إنْ أَتَوْا فَاحِشَةً، أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَعْصِيَةٍ ذَكَرُوا نَهْيَ اللهِ عَنْهَا، وَمَا حَرّمَ عَلَيْهِمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ لَهَا، وَعَرَفُوا أَنّهُ لَا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلّا هُوَ. وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ: أَيْ لَمْ يُقِيمُوا عَلَى مَعْصِيَتِي كَفِعْلِ مَنْ أَشْرَكَ بِي فِيمَا غَلَوْا بِهِ فِي كُفْرِهِمْ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا حَرّمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِي. أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها، وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ: أى ثواب المطيعين. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر ما أصابهم وتعزيتهم عنه

[ذكر ما أصابهم وتعزيتهم عنه] ثُمّ اسْتَقْبَلَ ذِكْرَ الْمُصِيبَةِ الّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ، وَالْبَلَاءَ الّذِي أَصَابَهُمْ، وَالتّمْحِيصَ لِمَا كَانَ فِيهِمْ، وَاِتّخَاذَهُ الشّهَدَاءَ مِنْهُمْ، فَقَالَ: تَعْزِيَةً لَهُمْ، وَتَعْرِيفًا لَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا، وَفِيمَا هُوَ صَانِعٌ بِهِمْ: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ: أَيْ قَدْ مَضَتْ مِنّي وَقَائِعُ نِقْمَةٍ فِي أَهْلِ التّكْذِيبِ لِرُسُلِي وَالشّرْكِ بِي: عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ، فَرَأَوْا مَثُلَاتٍ قَدْ مَضَتْ مِنّي فِيهِمْ، وَلِمَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مِنّي، فَإِنّي أَمْلَيْت لَهُمْ: أَيْ لِئَلّا يَظُنّوا أَنّ نِقْمَتِي انْقَطَعَتْ عَنْ عَدُوّكُمْ وَعَدُوّي لِلدّوْلَةِ الّتِي أَدْلَتْهُمْ بِهَا عَلَيْكُمْ، لِيَبْتَلِيَكُمْ بِذَلِكَ، لِيُعَلّمَكُمْ مَا عِنْدَكُمْ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: هَذَا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ: أَيْ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلنّاسِ إنْ قَبِلُوا الْهُدَى وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ: أَيْ نُورٌ وَأَدَبٌ (لِلْمُتّقِينَ) أَيْ لِمَنْ أَطَاعَنِي وَعَرَفَ أَمْرِي، وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا: أَيْ لَا تَضْعُفُوا وَلَا تَبْتَئِسُوا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ، وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ أَيْ لَكُمْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ وَالظّهُورُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: أَيْ إنْ كُنْتُمْ صَدّقْتُمْ نَبِيّي بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنّي إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ: أَيْ جِرَاحُ مِثْلُهَا وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ: أَيْ نُصَرّفُهَا بَيْنَ النّاسِ لِلْبَلَاءِ وَالتّمْحِيصِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا، وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ: أَيْ لِيُمَيّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ؛ وَلِيُكْرِمَ مَنْ أَكْرَمَ من ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دعوة الجنة للمجاهدين

أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالشّهَادَةِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ: أَيْ الْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ الطّاعَةَ وَقُلُوبُهُمْ مُصِرّةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا أَيْ يَخْتَبِرَ الّذِينَ آمَنُوا حَتّى يُخَلّصَهُمْ بِالْبَلَاءِ الّذِي نَزَلَ بِهِمْ، وَكَيْفَ صَبْرُهُمْ وَيَقِينُهُمْ وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ: أَيْ يُبْطِلَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ قَوْلَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، حَتّى يَظْهَرَ مِنْهُمْ كُفْرُهُمْ الّذِي يَسْتَتِرُونَ بِهِ. [دَعْوَةُ الْجَنّةِ لِلْمُجَاهِدِينَ] ثُمّ قَالَ تَعَالَى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ: أَيْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ، فَتُصِيبُوا مِنْ ثَوَابِي الْكَرَامَةَ، وَلَمْ أَخْتَبِرْكُمْ بِالشّدّةِ، وَأَبْتَلِيَكُمْ بِالْمَكَارِهِ، حَتّى أَعْلَمَ صدق ذلك منكم بِالْإِيمَانِ بِي، وَالصّبْرَ عَلَى مَا أَصَابَكُمْ فِيّ، وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الشّهَادَةَ عَلَى الّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقّ قَبْلَ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوّكُمْ، يَعْنِي الّذِينَ اسْتَنْهَضُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى خُرُوجِهِ بِهِمْ إلَى عَدُوّهِمْ، لِمَا فَاتَهُمْ مِنْ حُضُورِ الْيَوْمِ الّذِي كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرٍ، وَرَغْبَةً فِي الشّهَادَةِ الّتِي فَاتَتْهُمْ بِهَا، فَقَالَ: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ يَقُولُ: فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ: أَيْ الْمَوْتُ بِالسّيُوفِ فِي أَيْدِي الرّجَالِ قَدْ خُلّيَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ، ثُمّ صَدّهُمْ عَنْكُمْ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ: أَيْ لِقَوْلِ النّاسِ: قُتِلَ مُحَمّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَانْهِزَامُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكره أن الموت بإذن الله

عِنْدَ ذَلِكَ، وَانْصِرَافُهُمْ عَنْ عَدُوّهِمْ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ رَجَعْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ كُفّارًا كَمَا كُنْتُمْ، وَتَرَكْتُمْ جِهَادَ عَدُوّكُمْ، وَكِتَابَ اللهِ. وَمَا خَلّفَ نَبِيّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ دِينِهِ مَعَكُمْ وَعِنْدَكُمْ وَقَدْ بَيّنَ لَكُمْ فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنّي أَنّهُ مَيّتٌ وَمُفَارِقُكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ: أَيْ يَرْجِعُ عَنْ دِينِهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً: أَيْ لَيْسَ يُنْقِصُ ذَلِكَ عِزّ اللهِ تَعَالَى وَلَا مُلْكَهُ وَلَا سُلْطَانَهُ وَلَا قُدْرَتَهُ، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ: أَيْ مَنْ أَطَاعَهُ وَعَمِلَ بِأَمْرِهِ. [ذِكْرُهُ أَنّ الْمَوْتَ بإذن الله] ثُمّ قَالَ: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا: أَيْ أَنّ لِمُحَمّدِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَجَلًا هُوَ بَالِغُهُ، فَإِذَا أَذِنَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ كَانَ. وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها، وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها، وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ: أَيْ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الدّنْيَا، لَيْسَتْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الْآخِرَةِ، نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا قُسِمَ لَهُ مِنْ رِزْقٍ، وَلَا يَعْدُوهُ فِيهَا، وليس له فى الآخرة من حظّ وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها مَا وُعِدَ بِهِ، مَعَ مَا يُجْزَى عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِهِ فِي دُنْيَاهُ، وَذَلِك جَزَاءُ الشّاكِرِينَ، أَيْ الْمُتّقِينَ. [ذِكْرُ شَجَاعَةِ الْمُجَاهِدِينَ مِنْ قَبْلُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ] ثُمّ قَالَ: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ، فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ: أَيْ وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ أَصَابَهُ الْقَتْلُ، وَمَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ: أَيْ جَمَاعَةٌ، فَمَا وهنوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

لِفَقْدِ نَبِيّهِمْ، وَمَا ضَعُفُوا عَنْ عَدُوّهِمْ؛ وَمَا اسْتَكَانُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي الْجِهَادِ عَنْ اللهِ تَعَالَى وَعَنْ دِينِهِمْ، وَذَلِك الصّبْرُ، وَاَللهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا، وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ. [تَفْسِيرُ ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: وَاحِدُ: الرّبّيّينَ: رِبّيّ؛ وَقَوْلُهُمْ: الرّبَابُ، لِوَلَدِ عبد مناة ابن أدّ بن طابخة بْنِ إلْيَاسَ، وَلِضَبّةَ، لِأَنّهُمْ تَجَمّعُوا وَتَحَالَفُوا، مِنْ هَذَا، يُرِيدُونَ الْجَمَاعَاتِ. وَوَاحِدَةُ الرّبَابِ: رِبّةٌ (وَرِبَابَةٌ) وَهِيَ جَمَاعَاتُ قِدَاحٍ أَوْ عِصِيّ وَنَحْوِهَا، فَشَبّهُوهَا بِهَا. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ: وَكَأَنّهُنّ رِبَابَةٌ وكأنّه ... يسر يفيض عَلَى الْقِدَاحِ وَيَصْدَعُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ: حَوْلَ شَيَاطِينِهِمْ أَبَابِيلُ ... رِبّيّونَ شَدّوا سَنَوّرًا مَدْسُورَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالرّبَابَةُ (أَيْضًا) الْخِرْقَةُ الّتِي تُلَفّ فِيهَا الْقِدَاحُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: والسّنَوّر: الدّرُوعُ. وَالدّسُرُ: هِيَ الْمَسَامِيرُ الّتِي فِي الْحِلَقِ، يَقُولُ اللهُ عَزّ وَجَلّ وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ. قَالَ الشّاعِرُ، وَهُوَ أَبُو الْأَخْزَرِ الْحِمّانِيّ، مِنْ تَمِيمٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تحذيره إياهم من إطاعة الكفار

دَسْرًا بِأَطْرَافِ الْقَنَا الْمُقَوّمِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَيْ فَقُولُوا مِثْلَ مَا قَالُوا، وَاعْلَمُوا أَنّمَا ذَلِكَ بِذُنُوبِ مِنْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ كَمَا اسْتَغْفَرُوهُ، وَامْضُوا عَلَى دِينِكُمْ كَمَا مَضَوْا عَلَى دِينِهِمْ، وَلَا تَرْتَدّوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ رَاجِعِينَ، وَاسْأَلُوهُ كَمَا سَأَلُوهُ أَنْ يُثَبّتَ أَقْدَامَكُمْ، وَاسْتَنْصِرُوهُ كَمَا اسْتَنْصَرُوهُ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَكُلّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ كَانَ؛ وَقَدْ قُتِلَ نَبِيّهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلُوا كَمَا فَعَلْتُمْ، فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدّنْيَا بِالظّهُورِ عَلَى عَدُوّهِمْ، وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَمَا وَعَدَ اللهُ فِيهَا، وَاللهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ. [تَحْذِيرُهُ إيّاهُمْ مِنْ إطَاعَةِ الْكُفّارِ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ: أَيْ عَنْ عَدُوّكُمْ، فَتَذْهَبُ دُنْيَاكُمْ وآخِرَتُكُمْ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ صِدْقًا فِي قُلُوبِكُمْ فَاعْتَصِمُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَنْصِرُوا بِغَيْرِهِ، وَلَا تَرْجِعُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ مُرْتَدّينَ عَنْ دِينِهِ. سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ: أَيْ الّذِي بِهِ كُنْتُ أَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ بِمَا أَشْرَكُوا بِي مَا لَمْ أَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ حُجّةٍ، أَيْ فَلَا تَظُنّوا أَنّ لَهُمْ عَاقِبَةَ نَصْرٍ وَلَا ظُهُورٍ عَلَيْكُمْ مَا اعْتَصَمْتُمْ بِي، وَاتّبَعْتُمْ أَمْرِي، لِلْمُصِيبَةِ الّتِي أَصَابَتْكُمْ مِنْهُمْ بِذُنُوبٍ قَدّمْتُمُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ، خَالَفْتُمْ بِهَا أَمْرِي لِلْمَعْصِيَةِ، وَعَصَيْتُمْ بِهَا النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ، حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ، وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ

ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ، وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ، وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَيْ وَقَدْ وَفّيْت لَكُمْ بِمَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ النّصْرِ عَلَى عَدُوّكُمْ، إذْ تُحِسّونَهُمْ بِالسّيُوفِ، أَيْ الْقَتْلِ، بِإِذْنِي وتسليطى أيديكم عليهم، وكفّى أيديهم عنكم. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحَسّ: الِاسْتِئْصَالُ: يُقَالُ: حَسَسْتُ الشّيْءَ: أَيْ اسْتَأْصَلْته بِالسّيْفِ وَغَيْرِهِ. قَالَ جَرِيرٌ: تَحُسّهُمْ السّيُوفُ كَمَا تَسَامَى ... حَرِيقُ النّارِ فِي الْأَجَمِ الْحَصِيدِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ: إذَا شَكَوْنَا سَنَةً حَسُوسا ... تَأْكُلُ بَعْدَ الْأَخْضَرِ الْيَبِيسَا وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: (حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ) : أَيْ تَخَاذَلْتُمْ (وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) أَيْ اخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِي، أَيْ تَرَكْتُمْ أَمْرَ نَبِيّكُمْ وَمَا عَهِدَ إلَيْكُمْ، يَعْنِي الرّمَاةَ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ: أَيْ الْفَتْحُ، لَا شَكّ فِيهِ، وَهَزِيمَةُ الْقَوْمِ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا: أَيْ الّذِينَ أَرَادُوا النّهْبَ فِي الدّنْيَا وَتَرْكَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الطّاعَةِ الّتِي عَلَيْهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ: أَيْ الّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللهِ، وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ لِعَرَضٍ مِنْ الدّنْيَا، رَغْبَةً فِيهَا، رَجَاءَ مَا عِنْدِ اللهِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ؛ أَيْ الّذِينَ جَاهَدُوا فِي الدّينِ ولم يخالفوا إلى ما نهوا عنه، لعرض مِنْ الدّنْيَا، لِيَخْتَبِرَكُمْ، وَذَلِك بِبَعْضِ ذُنُوبِكُمْ، وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْ عَظِيمِ ذَلِكَ، أَنْ لَا يهلككم ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تآنيبه إياهم لفرارهم عن نبيهم

بِمَا أَتَيْتُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ نَبِيّكُمْ، وَلَكِنّي عُدْت بِفَضْلِي عَلَيْكُمْ، وَكَذَلِكَ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ عَاقَبَ بِبَعْضِ الذّنُوبِ فِي عَاجِلِ الدّنْيَا أَدَبًا وَمَوْعِظَةً، فَإِنّهُ غَيْرُ مُسْتَأْصِلٍ لِكُلّ مَا فِيهِمْ مِنْ الْحَقّ لَهُ عَلَيْهِمْ، بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَعْصِيَتِهِ، رَحْمَةً لَهُمْ، وَعَائِدَةً عَلَيْهِمْ، لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ. [تَأْنِيبُهُ إيّاهُمْ لِفِرَارِهِمْ عَنْ نَبِيّهِمْ] ثُمّ أَنّبَهُمْ بِالْفِرَارِ عَنْ نَبِيّهِمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَهُمْ يُدْعَوْنَ لَا يَعْطِفُونَ عَلَيْهِ لِدُعَائِهِ إيّاهُمْ، فَقَالَ: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ، فَأَثابَكُمْ، غَمًّا بِغَمٍّ، لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا مَا أَصابَكُمْ: أَيْ كَرْبًا بَعْدَ كَرْبٍ، بِقَتْلِ مَنْ قتل من إخوانكم، وعلوّ عدوّكم عليكم، وبما وَقَعَ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: قُتِلَ نَبِيّكُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمّا تَتَابَعَ عَلَيْكُمْ غَمّا بِغَمّ؛ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ؛ مِنْ ظُهُورِكُمْ عَلَى عَدُوّكُمْ، بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُمُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ، وَلَا مَا أَصَابَكُمْ مِنْ قَتْلِ إخْوَانِكُمْ، حَتّى فَرّجْتُ ذَلِكَ الْكَرْبَ عَنْكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. وَكَانَ الّذِي فَرّجَ اللهُ بِهِ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْكَرْبِ وَالْغَمّ الّذِي أَصَابَهُمْ، أَنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ رَدّ عَنْهُمْ كِذْبَةَ الشّيْطَانِ بِقَتْلِ نَبِيّهِمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيّا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، هَانَ عَلَيْهِمْ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ الظّهُورِ عَلَيْهِمْ، وَالْمُصِيبَةُ الّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي إخْوَانِهِمْ، حِينَ صَرَفَ اللهُ الْقَتْلَ عَنْ نَبِيّهِمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ، وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ

تحذيرهم أن يكونوا ممن يخشون الموت فى الله

يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ، قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ؛ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا، قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ، وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ، وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ، فَأَنْزَلَ اللهُ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ عَلَى أَهْلِ الْيَقِينِ بِهِ، فَهُمْ نِيَامٌ لَا يَخَافُونَ، وَأَهْلُ النّفَاقِ قَدْ أهمتهم أنفسهم، يظنون بالله غير الحق ظن الْجَاهِلِيّةِ، تَخَوّفَ الْقَتْلِ، وَذَلِك أَنّهُمْ لَا يَرْجُونَ عَاقِبَةً، فَذَكَرَ اللهُ عَزّ وَجَلّ تَلَاوُمَهُمْ وَحَسْرَتَهُمْ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ. ثُمّ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِنَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَمْ تَحْضُرُوا هَذَا الْمَوْطِنَ الّذِي أَظْهَرَ اللهُ فِيهِ مِنْكُمْ مَا أَظْهَرَ مِنْ سَرَائِرِكُمْ لَبَرَزَ لَأَخْرَجَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ إلَى مَوْطِنٍ غَيْرِهِ يُصْرَعُونَ فِيهِ، حَتّى يُبْتَلَى بِهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ: أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِمّا اسْتَخْفَوْا بِهِ مِنْكُمْ. [تَحْذِيرُهُمْ أَنْ يكونوا ممن يخشون الموت فى الله] ثم قَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا، لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ: أَيْ لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يَنْهَوْنَ إخْوَانَهُمْ عَنْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالضّرْبِ فِي الْأَرْضِ فِي طَاعَةِ اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ويقولون إذا ماتوا أو قتلو: لَوْ أَطَاعُونَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ لِقِلّةِ الْيَقِينِ بربهم، وَاللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكره رحمة الرسول عليهم

يُحْيِي وَيُمِيتُ: أَيْ يُعَجّلُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخّرُ مَا يَشَاءُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ آجَالِهِمْ بِقُدْرَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ: أَيْ إنّ الْمَوْتَ لَكَائِنٌ لَا بُدّ مِنْهُ، فَمَوْتٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ قَتْلٌ، خَيْرٌ لَوْ عَلِمُوا وَأَيْقَنُوا مِمّا يَجْمَعُونَ مِنْ الدّنْيَا الّتِي لَهَا يَتَأَخّرُونَ عَنْ الْجِهَادِ، تَخَوّفَ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ لِمَا جَمَعُوا مِنْ زَهْرَةِ الدّنْيَا زَهَادَةً فِي الْآخِرَةِ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ أَيّ ذَلِكَ كَانَ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ: أَيْ أَنّ إلَى اللهِ الْمَرْجِعَ، فَلَا تَغُرّنّكُمْ الدّنْيَا، وَلَا تَغْتَرّوا بِهَا، وَلْيَكُنْ الْجِهَادُ وَمَا رَغّبَكُمْ اللهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ آثَرَ عِنْدَكُمْ منها. [ذِكْرُهُ رَحْمَةَ الرّسُولِ عَلَيْهِمْ] ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ: أَيْ لَتَرَكُوك فَاعْفُ عَنْهُمْ: أَيْ فَتَجَاوَزْ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ فَذَكَرَ لِنَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِينَهُ لَهُمْ، وَصَبْرَهُ عَلَيْهِمْ، لِضَعْفِهِمْ، وَقِلّةِ صَبْرِهِمْ عَلَى الْغِلْظَةِ لَوْ كَانَتْ مِنْهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلّ مَا خَالَفُوا عَنْهُ مِمّا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَةِ نَبِيّهِمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فَاعْفُ عَنْهُمْ: أَيْ تَجَاوَزْ عَنْهُمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ، مَنْ قَارَفَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ: أى لتريهم أنك تسمع منهم، وتستعين بهم، وإن كنت غنيّا عنهم، تألّنا لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى دِينِهِمْ فَإِذا عَزَمْتَ: أَيْ عَلَى أَمْرٍ جَاءَك مِنّي وَأَمْرٍ مِنْ دِينِك فى جهاد ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى الغلول

عَدُوّك لَا يُصْلِحُك وَلَا يُصْلِحُهُمْ إلّا ذَلِكَ، فَامْضِ عَلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ، عَلَى خِلَافِ من خالفك، وموافقة من وافقك، فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، أَيْ ارْضَ بِهِ مِنْ الْعِبَادِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ. إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ، وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ: أَيْ لِئَلّا تَتْرُكَ أَمْرِي لِلنّاسِ، وَارْفُضْ أَمْرَ النّاسِ إلَى أَمْرِي، وَعَلَى اللهِ لَا عَلَى النّاسِ، فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ. [مَا نَزَلَ فِي الْغُلُولِ] ثُمّ قَالَ: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ، وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ: أَيْ مَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَكْتُمَ النّاسَ مَا بَعَثَهُ اللهُ بِهِ إلَيْهِمْ، عَنْ رَهْبَةٍ مِنْ النّاسِ وَلَا رَغْبَةٍ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَأْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهِ، ثُمّ يُجْزَى بِكَسْبِهِ، غَيْرَ مَظْلُومٍ وَلَا مُعْتَدًى عَلَيْهِ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ عَلَى مَا أَحَبّ النّاسُ أَوْ سَخِطُوا كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ لِرِضَا النّاسِ أَوْ لِسَخَطِهِمْ. يَقُولُ: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى طَاعَتِي، فَثَوَابُهُ الْجَنّةُ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَاسْتَوْجَبَ سَخَطَهُ، فَكَانَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أَسَوَاءٌ الْمِثْلَانِ! فَاعْرِفُوا. هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ لِكُلّ دَرَجَاتٌ مِمّا عَمِلُوا فِي الْجَنّةِ وَالنّارِ: أَيْ إنّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُ طَاعَتِهِ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ. [فَضْلُ اللهِ عَلَى النّاسِ بِبَعْثِ الرّسُلِ] ثُمّ قَالَ: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ

ذكره المصيبة التى أصابتهم

أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ: أَيْ لَقَدْ مَنّ اللهُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ، إذْ بَعَثَ فِيكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِهِ فِيمَا أَحْدَثْتُمْ، وَفِيمَا عَمِلْتُمْ، فَيُعَلّمَكُمْ الْخَيْرَ وَالشّرّ، لِتَعْرِفُوا الْخَيْرَ فَتَعْمَلُوا بِهِ، وَالشّرّ فَتَتّقُوهُ، وَيُخْبِرَكُمْ بِرِضَاهُ عَنْكُمْ إذَا أَطَعْتُمُوهُ فَتَسْتَكْثِرُوا مِنْ طَاعَتِهِ وَتَجْتَنِبُوا مَا سَخِطَ مِنْكُمْ مِنْ معصيته، لتتخلّصوا بذلك من نقمته، وتدركوا بذلك ثوابه من جنّته وَإِنْ كنتم مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ: أى لفى عمياء من الجاهلية، أى لا تعرفون حسنة ولا تَسْتَغْفِرُونَ مِنْ سَيّئَةٍ، صُمّ عَنْ الْخَيْرِ، بُكْمٌ عَنْ الْحَقّ، عُمْيٌ عَنْ الْهُدَى. [ذِكْرُهُ الْمُصِيبَةَ الّتِي أَصَابَتْهُمْ] ثُمّ ذَكَرَ الْمُصِيبَةَ الّتِي أَصَابَتْهُمْ، فَقَالَ: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ: أَنَّى هَذَا؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: أَيْ إنْ تَكُ قَدْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ فِي إخْوَانِكُمْ بِذُنُوبِكُمْ فَقَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قَبْلُ مِنْ عَدُوّكُمْ، فِي الْيَوْمِ الّذِي كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرِ، قَتْلًا وَأَسْرًا وَنَسِيتُمْ مَعْصِيَتَكُمْ وَخِلَافَكُمْ عَمّا أَمَرَكُمْ بِهِ نَبِيّكُمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، أَنْتُمْ أَحْلَلْتُمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: أَيْ إنّ اللهَ عَلَى مَا أَرَادَ بِعِبَادِهِ مِنْ نِقْمَةٍ أَوْ عَفْوٍ قَدِيرٌ وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ، وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ: أَيْ مَا أَصَابَكُمْ حِينَ الْتَقَيْتُمْ أَنْتُمْ وَعَدُوّكُمْ فَبِإِذْنِي، كَانَ ذَلِكَ حِينَ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بَعْدَ أَنْ جَاءَكُمْ نَصْرِي، وَصَدَقَتْكُمْ وَعْدِي، لِيُمَيّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الترغيب فى الجهاد

وَالْمُنَافِقِينَ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا مِنْكُمْ: أَيْ لِيُظْهِرَ مَا فِيهِمْ. وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا: يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيّ وَأَصْحَابَهُ الّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ سَارَ إلَى عَدُوّهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدِ، وَقَوْلَهُمْ: لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ، وَلَدَفَعْنَا عَنْكُمْ، وَلَكِنّا لَا نَظُنّ أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ. فَأَظْهَرَ مِنْهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ. يَقُولُ اللهُ عَزّ وَجَلّ: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ، يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ أَيْ يُظْهِرُونَ لَك الْإِيمَانَ وَلَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ أَيْ مَا يُخْفُونَ الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ الّذِينَ أُصِيبُوا مَعَكُمْ مِنْ عَشَائِرِهِمْ وَقَوْمِهِمْ: لَوْ أَطاعُونا مَا قُتِلُوا، قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ: أَيْ أَنّهُ لَا بُدّ مِنْ الْمَوْتِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسِكُمْ فَافْعَلُوا، وَذَلِكَ أَنّهُمْ إنّمَا نَافَقُوا وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ، حِرْصًا عَلَى الْبَقَاءِ فِي الدّنْيَا، وَفِرَارًا مِنْ الموت. [الترغيب فى الجهاد] ثم قَالَ لِنَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، يُرَغّبُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجِهَادِ، وَيُهَوّنُ عَلَيْهِمْ الْقَتْلَ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ: أَيْ لَا تَظُنّن الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا: أَيْ قَدْ أَحْيَيْتهمْ، فَهُمْ عِنْدِي يُرْزَقُونَ فِي رَوْحِ الْجَنّةِ وَفَضْلِهَا، مَسْرُورِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى جِهَادِهِمْ عَنْهُ، وَيَسْتَبْشِرُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مصير قتلى أحد

بِالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ، أَيْ وَيُسَرّونَ بِلُحُوقِ مَنْ لَحِقَهُمْ مِنْ إخْوَانِهِمْ عَلَى مَا مَضَوْا عَلَيْهِ مِنْ جِهَادِهِمْ، لِيَشْرَكُوهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ ثَوَابِ اللهِ الّذِي أَعْطَاهُمْ، قَدْ أَذْهَبَ اللهُ عَنْهُمْ الْخَوْفَ وَالْحَزَنَ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَا عَايَنُوا مِنْ وَفَاءِ الْمَوْعُودِ، وَعَظِيمِ الثّوَابِ. [مَصِيرُ قَتْلَى أُحُدٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيّةَ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: لَمّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ، فِي ظِلّ الْعَرْشِ، فَلَمّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ، وَحُسْنَ مَقِيلِهِمْ، قَالُوا: يَا لَيْتَ إخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللهُ بِنَا، لِئَلّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَنْكُلُوا عَنْ الْحَرْبِ؛ فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: فَأَنَا أُبَلّغُهُمْ عَنْكُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: (وَلَا تَحْسَبَنّ ... ) . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ الْفَضِيلِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ الْأَنْصَارِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: الشّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهْرٍ ببا الْجَنّةِ، فِي قُبّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ من الجنّة بكرة وعشيّا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنّهُ سُئِلَ عن ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَقَالَ: أَمَا إنّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْهَا فَقِيلَ لَنَا: إنّهُ لَمّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلّ الْعَرْشِ، فَيَطّلِعُ اللهُ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِمْ اطّلَاعَةً فَيَقُولُ: يَا عِبَادِي، مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدَكُمْ؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ ربنا لا فوق ما أعطيتنا، الجنة نأكل مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا! قَالَ: ثُمّ يَطّلِعُ اللهُ عَلَيْهِمْ اطّلَاعَةً، فَيَقُولُ: يَا عِبَادِي، مَا تَشْتَهُونَ، فأزيدكم؟ فيقولون: ربنا لا فوق ما أعطيتنا، الْجَنّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا! قَالَ: ثُمّ يَطّلِعُ عَلَيْهِمْ اطّلَاعَةً، فَيَقُولُ: يَا عِبَادِي، مَا تشتهون فأزيدكم؟ فيقولون: ربنا لا فوق ما أَعْطَيْتنَا، الْجَنّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا. إلّا أَنّا نُحِبّ أَنْ تَرُدّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا، ثُمّ نُرَدّ إلَى الدّنْيَا، فَنُقَاتِلُ فِيك، حَتّى نُقْتَلَ مَرّةً أُخْرَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُبَشّرُك يَا جَابِرُ؟ قَالَ: قُلْت: بَلَى يَا نَبِيّ اللهِ؛ قَالَ: إنّ أَبَاك حَيْثُ أُصِيبَ بِأُحُدٍ أَحْيَاهُ اللهُ عَزّ وَجَلّ، ثُمّ قَالَ لَهُ: مَا تُحِبّ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو أَنْ أَفْعَلَ بِك؟ قَالَ: أَيْ رَبّ، أُحِبّ أَنْ تَرُدّنِي إلَى الدّنْيَا فَأُقَاتِلَ فِيك، فَأُقْتَلَ مَرّةً أُخْرَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُفَارِقُ الدّنْيَا يُحِبّ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَأَنّ لَهُ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا إلّا الشّهِيدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر من خرجوا على الرسول إلى حمراء الأسد

فَإِنّهُ يُحِبّ أَنْ يُرَدّ إلَى الدّنْيَا، فَيُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَيُقْتَلَ مَرّةً أُخْرَى. [ذكر من خرجوا على الرّسُولِ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثم قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ أَيْ الْجِرَاحُ، وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ* الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فَزادَهُمْ إِيماناً، وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَالنّاسُ الّذِينَ قَالُوا لَهُمْ مَا قَالُوا، النّفَرُ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، الّذِينَ قَالَ لَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ مَا قَالَ، قَالُوا إنّ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ رَاجِعُونَ إلَيْكُمْ. يَقُولُ اللهُ عَزّ وَجَلّ: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ، وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ، وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ لِمَا صَرَفَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ لِقَاءِ عَدُوّهِمْ (إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ) ، أَيْ لِأُولَئِكَ الرّهْطِ وَمَا أَلْقَى الشّيْطَانُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ: أَيْ يُرْهِبُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ: فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ: أَيْ الْمُنَافِقُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً، يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ، وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ، إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ. مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر من استشهد بأحد من المهاجرين

أَيْ الْمُنَافِقِينَ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ أَيْ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ بِهِ، لِتَحْذَرُوا مَا يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ أَيْ يُعَلّمُهُ ذَلِكَ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا أَيْ تَرْجِعُوا وَتَتُوبُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ. [ذِكْرُ من استشهد بأحد من المهاجرين] من بنى هاشم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ مِنْ بنى هاشم بن عبد مناف: حمزة ابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قتله وحشىّ، غلام جبير بن مطعم. مِنْ بَنِي أُمَيّةَ وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ، حَلِيفٌ لهم من بنى أسد بن خزيمة. مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قَتَلَهُ ابن قمئة اللّيثىّ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يقظة: شمّاس بن عثمان. أربعة نفر. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من الأنصار وَمِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: عَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ، وَعُمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السّكين. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السّكَنُ: ابْنُ رَافِعِ بْنُ امرىء الْقَيْسِ؛ وَيُقَالُ: السّكْنُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ، وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ زَعَمَ لِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ أَبَاهُمَا ثَابِتًا قُتِلَ يَوْمَئِذٍ. وَرِفَاعَةُ بْنُ وَقْشٍ. وَحُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ، أَبُو حُذَيْفَةَ وَهُوَ الْيَمَانُ، أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَلَا يَدْرُونَ، فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى مَنْ أَصَابَه؛ وَصَيْفِيّ بن قيظى. وحباب بن قيظى. وعبّاد بن سهل، والحارث بن أوس ابن معاذ. اثنا عشر رجلا. من راتج وَمِنْ أَهْلِ رَاتِجٍ: إيَاسُ بْنُ أَوْسِ بْنُ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَمِ بْنِ زَعُوراء بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ؛ وَعُبَيْدُ بْنُ التّيْهَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَتِيكُ بْنُ التّيْهَانِ. وَحَبِيبُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ تَيْمٍ. ثلاثة نفر. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى ظفر ومن بنى ظفر: يزيد بن حاطب بن أميّة بن رافع. رجل. من بنى ضبيعة وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرِ بْنِ صَيْفِيّ بْنِ نُعْمَانَ بْنِ مالك بن أمة، هو غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ، قَتَلَهُ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شُعُوبٍ اللّيْثِيّ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَيْسُ: ابْنُ زَيْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ، وَمَالِكُ: ابْنُ أَمَةَ بن ضبيعة. من بنى عبيد قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ: أُنَيْسُ بْنُ قَتَادَةَ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: أَبُو حَيّةَ، وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ لِأُمّهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَبُو حَيّةَ: ابْنُ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ، وَهُوَ أَمِيرُ الرّمَاةِ. رَجُلَانِ. من بنى السلم ومن بنى السّلم بن امرىء الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ: خَيْثَمَةُ أَبُو سعد ابن خيثمة رجل. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بنى العجلان وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ: عَبْدُ اللهِ بن سلمة: رجل. من بنى معاوية وَمِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكٍ: سُبَيْعُ بْنُ حاطب بن الحارث بن قيس بن حيشة. رجل. من بنى النجار قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: سُويْبِق بْنُ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ بْنِ هَيْشَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي النّجّارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنِيّ: عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، وَابْنُهُ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ: ابْنُ زَيْدِ بْنِ سَوَادٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زيد، وعامر بن مخلد. أربعة نفر. من بنى مبذول وَمِنْ بَنِي مَبْذُولٍ: أَبُو هُبَيْرَةَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَقْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مَبْذُولٍ، وَعَمْرُو بْنُ مُطَرّفِ بْنِ علقمة بن عمرو. رجلان. مِنْ بَنِي عَمْرٍو وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ: أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ. رَجُلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوْسُ بْنُ ثَابِتٍ، أَخُو حسّان بن ثابت. من بنى عدى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ: أَنَسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ ضَمْضَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ. رَجُلٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنَسُ بْنُ النّضْرِ، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: خَادِمُ رَسُولِ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم. من بنى مازن وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ: قَيْسُ بْنُ مخلّد، وكيسان، عبد لهن. رجلان. من بنى دينار وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ: سُلَيْمُ بْنُ الحارث، ونعمان بن عبد عمرو. رجلان. مِنْ بَنِي الْحَارِثِ وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الخزرج خارجة بن زيد بن أبي زهير، وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَأَوْسُ بْنُ الْأَرْقَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبٍ. ثَلَاثَةُ نفر. من بنى الأبجر وَمِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ، وَهُمْ بَنُو خُدْرَةَ: مَالِكُ بن سنان بن عبيد بن ثعلبة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ، وَهُوَ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْمُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ: سِنَانُ، وَيُقَالُ: سَعْدٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَعِيدُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْأَبْجَرِ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ رَافِعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. من بنى ساعدة وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ: ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الخزرج بن ساعدة، وثقف بن فروة ابن البدىّ. رجلان. من بنى طريف وَمِنْ بَنِي طَرِيفٍ، رَهْطُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: عبد الله بن عمرو بن وهب ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفٍ، وَضَمْرَةُ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي جُهَيْنَةَ. رَجُلَانِ. مِنْ بَنِي عَوْفٍ وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَالِمٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ: نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ، وَنُعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ فِهْرِ بْنِ غَنْمِ ابن سَالِمٍ، وَالْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ، وَعُبَادَةُ بْنُ الْحَسْحَاسِ. دُفِنَ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ، وَالْمُجَذّرُ، وَعُبَادَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ. خَمْسَةُ نفر. من بنى الحبلى وَمِنْ بَنِي الْحُبْلَى: رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرٍو. رَجُلٌ. من بنى سلمة ومن بني سلمة، ثم من بني حرام: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثعلبة ابن حَرَامٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ، دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَخَلّادُ بْنُ عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام، وَأَبُو أَيْمَنَ، مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ. أَرْبَعَةُ نفر. مِنْ بَنِي سَوَادٍ وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمٍ: سُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَدِيدَةَ، وَمَوْلَاهُ عَنْتَرَةُ، وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بن القين. ثلاثة نفر. مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عامر: ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ الْمُعَلّى ابن لوذان. رجلان. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عُبَيْدُ بْنُ الْمُعَلّى، مِنْ بَنِي حَبِيبٍ. عَدَدُ الشّهَدَاء قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ والأنصار، خمسة وستون رجلا. من بنى معاوية قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِمّنْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ السّبْعِينَ الشّهَدَاءِ الّذِينَ ذَكَرْنَا، مِنْ الْأَوْسِ، ثُمّ مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكٍ: مَالِكُ بْنُ نُمَيْلَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ. من بنى خطمة وَمِنْ بَنِي خَطْمَةَ- وَاسْمُ خَطْمَةَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ جُشَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ- الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عامر بن خطمة. من بنى الخزرج وَمِنْ الْخَزْرَجِ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مالك: مالك بن إياس. مِنْ بَنِي عَمْرٍو وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مالك بن النّجار: إياس بن عدىّ. من بنى سالم وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ: عَمْرُو بْنُ إياس. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر من قتل من المشركين يوم أحد

[ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ] من بنى عبد الدار قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ مِنْ أَصْحَابِ اللّوَاءِ: طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، (و) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَمُسَافِعُ بْنُ طَلْحَةَ، وَالْجُلّاسُ بْنُ طَلْحَةَ، قَتَلَهُمَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ. وَكِلَابُ بْنُ طَلْحَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ طَلْحَةَ، قَتَلَهُمَا قُزْمَانُ، حَلِيفٌ لِبَنِي ظَفَرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَتَلَ كِلَابًا عَبْدُ الرحمن بن عوف. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَرْطَاةُ بْنُ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بن هاشم بن عبد مناف ابن عَبْدِ الدّارِ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأَبُو يَزِيدَ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ، وَصُؤَابُ: غُلَامٌ لَهُ حَبَشِيّ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ. قَالَ ابن هشام: ويقال: قتله علي بن أبي طَالِبٍ، وَيُقَالُ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، وَيُقَالُ: أبو دجانة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْقَاسِطُ بْنُ شُرَيْحِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قتله قزمان. أحد عشر رجلا. مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: عَبْدِ اللهِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ. قتلة علىّ بن أبى طالب. رجل. مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ الثّقَفِيّ، حَلِيفٌ لَهُمْ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَسِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى- وَاسْمُ عَبْدِ الْعُزّى: عَمْرُو بْنُ نَضْلَةَ بْنِ غُبْشَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَلَكَانِ بْنِ أَفْصَى- حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ، قَتَلَهُ حمزة بن عبد المطلب. رجلان. مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ، هِشَامُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قتله قُزْمَانُ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ، وَأَبُو أُمَيّةَ بْنُ أَبِي حذيفة ابن الْمُغِيرَةِ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ، حَلِيفٌ لَهُمْ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ أَرْبَعَةُ نفر. مِنْ بَنِي جُمَحٍ وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرٍو: عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَيْرِ بن وهب بن ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، وَهُوَ أَبُو عَزّةَ، قَتَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَبْرًا، وَأُبَيّ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ، قَتَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ. رجلان. مِنْ بَنِي عَامِرٍ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: عُبَيْدَةُ بْنُ جَابِرٍ، وَشَيْبَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْمُضَرّبِ، قَتَلَهُمَا قُزْمَانُ. رَجُلَانِ. قَالَ ابْنُ هشام: ويقال: قتل عبيدة بن جابر بن عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ. عَدَدُ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَجَمِيعُ مَنْ قَتَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، اثْنَانِ وعشرون رجلا. ـــــــــــــــــــــــــــــ تَفْسِيرُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي أُحُدٍ بَعْضُ مَنْ آمَنَ رَغْمَ الدّعَاءِ عَلَيْهِمْ: قَدْ ذكر ابن إسحاق ما يحتاج إليه قارىء السّيرَةِ مِنْ تَفْسِيرِ ذَلِكَ، وَذَكَرَ قَوْلَهُ سبحانه لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ الْآيَةَ لَمْ يُزِدْ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ مِنْهُ. وَفِي تَفْسِيرِ التّرْمِذِيّ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ أَنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يَدْعُو عَلَى أَبِي سُفْيَانَ وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، حَتّى أَنَزَلَ اللهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ قال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَتَابُوا وَأَسْلَمُوا، وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ، وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ فِي حُسْنِ إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَمّا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ فَلَا خِلَافَ فِي حُسْنِ إسْلَامِهِ، وَفِي مَوْتِهِ شَهِيدًا بِالشّامِ، وَأَمّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي، فَقَدْ قَالَ فِيهِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَسْلَمَ النّاسُ وَآمَنَ عَمْرٌو، وَقَالَ فِي حَدِيثٍ جَرَى: مَا كَانَتْ هِجْرَتِي لِلْمَالِ، وَإِنّمَا كَانَتْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِعِمّا بِالْمَالِ الصّالِحِ لِلرّجُلِ الصّالِحِ، فَسَمّاهُ: رَجُلًا صَالِحًا، وَالْحَدِيثُ الّذِي جَرَى: أَنّهُ كَانَ قَالَ لَهُ: إنّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَك «1» وَجْهًا يُسَلّمُك اللهُ فِيهِ، وَيُغَنّمُكَ، وَأَزْعَبُ لَك زَعْبَةً مِنْ الْمَالِ «2» ، وَسَتَأْتِي نُكَتٌ وَعُيُونٌ مِنْ أَخْبَارِ الْحَارِثِ، وَأَبِي سُفْيَانَ- فِيمَا بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ. مَعْنَى اتّخَذَ: وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِلشّهَدَاءِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى حُبّ اللهِ إيّاهُمْ حَيْثُ قَالَ (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) وَلَا يُقَالُ: اتّخَذْت وَلَا اتّخَذَ إلّا فِي مُصْطَفًى مَحْبُوبٍ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وقال: مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً فالاتّخاذ إنما هو اقتناء واجتباء «3» ،

_ (1) فى رواية: على جيش. (2) أعطيك دفعة من المال. وفى الحديث: بعد هذا: فقلت يا رسول الله: ما أسلمت من أجل المال، بل أسلمت رغبة فى الإسلام. وأخرجه أحمد بسند حسن عن عمرو بن العاص. (3) يقول الراغب فى معنى المادة: الآخذ: حوز بالقهر الشىء وتحصيله، وذلك قارة بالتناول، وتارة بالقهر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ الْأَخَذِ، فَإِذَا قُلْت: اتّخَذْت كَذَا، فَمَعْنَاهُ: أَخَذْته لِنَفْسِي، وَاخْتَرْته لَهَا، فَالتّاءُ الْأُولَى بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ، وَتِلْكَ الْيَاءُ بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةِ أَخَذَ، فَقُلِبَتْ تَاءً إذْ كَانَتْ الْوَاوُ تَنْقَلِبُ تَاءً فِي مِثْلِ هَذَا الْبِنَاءِ، نَحْوُ اُتّعِدَ وَاِتّزِرْ وَالْيَاءُ أُخْت الْوَاوِ، فَقُلِبَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَاءً، وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، حَتّى قَالُوا: تَخِذْت بِحَذْفِ إحْدَى التّاءَيْنِ اكْتِفَاءً بِأَحَدَيْهِمَا عَنْ الْأُخْرَى، وَلَا يَكُونُ هَذَا الْحَذْفُ إلّا فِي الْمَاضِي خَاصّةً، لَا يُقَالُ تَتّخِذُ كَمَا يُقَالُ تَخِذَ، لِأَنّ الْمُسْتَقْبَلَ لَيْسَ فِيهِ هَمْزَةُ وَصْلٍ، وَإِنّمَا فَرّوا فِي الْمَاضِي مِنْ ثِقَلِ الْهَمْزَةِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَاسْتَغْنَوْا بِحَرَكَةِ التّاءِ عَنْهَا، وَكَسَرُوا الْخَاءَ مِنْ تَخِذْت لِأَنّهُ لَا مُسْتَقْبَلَ لَهُ مَعَ الْحَذْفِ، فَحَرّكُوا عَيْنَ الْفِعْلِ بِالْحَرَكَةِ الّتِي كَانَتْ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَكَلَامُنَا هَذَا عَلَى اللّغَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَإِلّا فَقَدْ حُكِيَ يَتّخِذُ فِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَذَكَرَهَا النّحّاسُ فِي إعْرَابِ الْقُرْآنِ. أَدِلّةٌ علي صحة خلافة أبي بكر: وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ إلى قوله: وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ظَهَرَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ حِينَ انْقَلَبَ أَهْلُ الرّدّةِ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، فَلَمْ يَضُرّ ذَلِكَ دِينَ اللهِ، وَلَا أُمّةَ نَبِيّهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُسَمّى: أَمِير الشّاكِرِينَ لِذَلِكَ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى صِحّةِ خِلَافَتِهِ، لِأَنّهُ الّذِي قَاتَلَ الْمُنْقَلِبِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ حِينَ رَدّهُمْ إلَى الدّينِ الّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، وَكَانَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُمْ سَيَظْفَرُونَ بِمَنْ ارْتَدّ، وَتَكْمُلُ عَلَيْهِمْ النّعْمَةُ، فَيَشْكُرُونَ، فَتَحْرِيضُهُ إيّاهُمْ عَلَى الشّكْرِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - وَالشّكْرُ لَا يَكُونُ إلّا عَلَى نِعْمَةٍ- دَلِيلٌ عَلَى أَنّ بَلَاءَ الرّدّةِ لَا يَطُولُ، وَأَنّ الظّفَرَ بِهِمْ سَرِيعٌ، كَمَا كَانَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سبحانه: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ فِيهِ أَيْضًا: التّصْحِيحُ لِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، لِأَنّهُ الّذِي دَعَا الْأَعْرَابَ إلَى جِهَادِ حَنِيفَةَ، وَكَانُوا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَلَمْ يُقَاتِلُوا لِجِزْيَةِ، وَإِنّمَا قُوتِلُوا لِيُسْلِمُوا، وَكَانَ قِتَالُهُمْ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي سُلْطَانِهِ، ثُمّ قَالَ: فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الطّاعَةَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ فِي الْآيَةِ كَالنّصّ عَلَى خِلَافَتِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ وَقَدْ بَيّنَ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ مَنْ الصّادِقُونَ، وهم المهاجرون بقوله: أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ فأمر الذين تبوّؤا الدّارَ وَالْإِيمَانَ أَنْ يَكُونُوا مَعَهُمْ، أَيْ: تَبَعًا لَهُمْ، فَحَصَلَتْ الْخِلَافَةُ فِي الصّادِقِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَاسْتَحَقّوهَا بِهَذَا الِاسْمِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الصّادِقِينَ مَنْ سَمّاهُ اللهُ الصّدّيقَ إلّا أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَتْ لَهُ خَاصّةً، ثُمّ لِلصّادِقِينَ بَعْدَهُ. رِبّيّونَ وَرَفْعُهَا فِي الْآيَةِ: وَذَكَرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ارْتَفَعَ رِبّيّونَ عَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ إسْحَاقَ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ الضّمِيرِ فِي قُتِلَ، وَهَذَا أَصَحّ التّفْسِيرَيْنِ، لِأَنّهُ قَالَ: فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ، وَلَوْ كَانُوا هُمْ الْمَقْتُولِينَ مَا قَالَ فِيهِمْ: مَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ أَيْ: مَا ضَعُفُوا، وَقَدْ يُخَرّجُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ قَالَ: رِبّيّونَ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ بِقُتِلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَمَا وَهَنُوا أَيْ مَا وَهَنَ الْبَاقُونَ مِنْهُمْ، لِمَا أُصِيبُوا بِهِ مِنْ قَتْلِ إخْوَانِهِمْ، وَهَذَا وَجْهٌ، وَلَكِنْ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ يَدُلّ عَلَى صِحّةِ التّفْسِيرِ الْأَوّلِ «1» . وَقَوْلُهُ: رِبّيّونَ، وَهُمْ الْجَمَاعَاتُ «2» فِي قَوْلِ أَهْلِ اللّغَةِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: رِبّيّونَ أُلُوفٌ، وَقَالَ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ: الرّبّيّ: عَشَرَةُ آلَافٍ. مِنْ تَفْسِيرِ آيَاتِ أُحُدٍ: وقوله تعالى: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ وَعَلَى: تَفْسِيرِ ابْنِ إسْحَاقَ غَمّا بَعْدَ غَمّ الْبَاءُ مُتَعَلّقَةٌ بِمَحْذُوفِ، التّقْدِيرُ: غَمّ مَقْرُونٌ بِغَمّ، وَعَلَى تَفْسِيرٍ آخَرَ مُتَعَلّقَةٌ: بِأَثَابَكُمْ، أَيْ: أَثَابَكُمْ غَمّا بِمَا غَمَمْتُمْ نَبِيّهُ حِينَ خَالَفْتُمْ أَمْرَهُ. وقوله وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جُبَيْرٍ الّذِي كَانَ أَمِيرًا عَلَى الرّمَاةِ، وَكَانَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَلْزَمُوا مَكَانَهُمْ، وَأَلّا يُخَالِفُوا أَمْرَ نَبِيّهِمْ، فَثَبَتَتْ مَعَهُ طَائِفَةٌ، فَاسْتُشْهِدَ، وَاسْتُشْهِدُوا، وَهُمْ الذين

_ (1) التلاوة فى المصحف: قاتل بفتح القاف على البناء للفاعل. وهى قراءة جماعة من قراء الحجاز والكوفة. أما قتل بضم القاف فقراءة جماعة من الحجاز وللبصرة. ورأى السهيلى تلخيص لرأى ابن جرير الطبرى فى تفسيره. وقد اختار ما قال عنه السهيلى إنه أصح التفسيرين. وقال: وأما الربيون فانهم مرفوعون بقوله: معه لا بقوله: قتل. (2) هذا رأى بعض نحويى الكوفة، ويرى بعض نحويى البصرة أن الربيين هم الذين يعبدون الرب، ويرى بعض المفسرين أنهم العلماء، أو الفقهاء، أو الأتباع، ويرى ابن زيد أن الربيين هم الأتباع والرعية وأن الربانيين هم الولاة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَرَادُوا الْآخِرَةَ، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْمَغْنَمِ، وَأَخْذِ السّلَبِ، فَكَرّ عَلَيْهِمْ الْعَدُوّ، وَكَانَتْ الْمُصِيبَةُ، وَفِي الْخَبَرِ: لَقَدْ رَأَيْت خَدَمَ هِنْدٍ وَصَوَاحِبَهَا، وَهُنّ مُشَمّرَاتٌ فِي الْحَرْبِ. وَالْخَدَمُ: الْخَلَاخِيلُ «1» ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ حِينَ ذَكَرَ هِنْدًا، وَأَنّهَا اتّخَذَتْ مِنْ آذَانِ الشّهَدَاءِ وَآنُفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ، وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيّا، مَعْنَاهُ: الْخَلَاخِلُ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا فِي صَحِيحِ التّفْسِيرِ أَنّ عَتّابَ بْنَ قُشَيْرٍ هُوَ قَائِلٌ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَكَانَ مَنْبُوذًا بِالنّفَاقِ. وقوله: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ أَيْ: يَظُنّونَ أَنّ اللهَ خَاذِلٌ دِينَهُ وَنَبِيّهُ. وقوله: ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ أَيْ: أَهْلَ الْجَاهِلِيّةِ كَأَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ. وَذَكَرَ قوله: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ وَفَسّرَهُ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أُمِرَ بِمُشَاوَرَتِهِمَا «2» . حُكْمُ الْغُلُولِ: وَذَكَرَ قَوْلَهُ: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَفَسّرَهُ أَنْ يَكْتُمَ مَا أَنَزَلَ اللهُ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسّرِينَ يَقُولُونَ: نَزَلَتْ فِي الْغُلُولِ، وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنّهُمْ فَقَدُوا قَطِيفَةً مِنْ الْمَغْنَمِ «3» ، فَقَالَ قَائِلٌ: لَعَلّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

_ (1) مفردها: خدمة بفتح الخاء والدال، وتجمع أيضا على خدام. (2) أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (3) أخرجه ابن أبى حاتم بسنده عن ابن عباس قال: فقدوا قطيفة يوم بدر، فقالوا: لعل رسول الله «ص» أخذها. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَخَذَهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ الْآيَةَ، وَمَنْ قَرَأَ يُغَلّ بضم الياء وفتح الغين فمعناه أن يلغى غَالّا، تَقُولُ: أَجْبَنْت الرّجُلَ إذَا أَلْفَيْته جَبَانًا، وَكَذَلِكَ أَغَلَلْته: إذَا وَجَدْته غَالّا، وَقَدْ قَالَ عمرو بن معد يكرب لِبَنِي سُلَيْمٍ: قَاتَلْنَاكُمْ، فَمَا أَجْبَنّاكُمْ، وَسَأَلْنَاكُمْ فَمَا أَبْخَلْنَاكُمْ وَتَفْسِيرُ ابْنِ إسْحَاقَ [غَيْرُ] «1» خَارِجٍ عَنْ مُقْتَضَى اللّغَةِ. فَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ غَلّ، أَيْ: سَتَرَ، وَكَذَلِكَ مَنْ خَانَ فِي شَيْءٍ وَأَخَذَهُ خُفْيَةً، فَقَدْ سَتَرَهُ وَكَتَمَهُ، وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ: السّتْرُ وَالْإِخْفَاءُ، وَمِنْهُ الْغِلَالَةُ وَالْغَلَلُ لِلْمَاءِ الّذِي يُغَطّيهِ الشّجَرُ وَالنّبَاتُ، وَقَدْ أَمَرَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ الْمَغَازِي بِإِحْرَاقِ مَتَاعِ الْغَالّ، وَأَخَذَتْ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمْ أحمد وإسحاق «2» .

_ - وروى ابن جرير وأبو داود والترمذى أنها نزلت فى قطيفة حمراء فقدت يوم بدر. الخ. وقال الترمذى: حسن غريب.. ورواه بعضهم عن خصيف عن مقسم مرسلا. وروى ابن مردويه أن بعض المنافقين اتهم رسول الله «ص» بشىء، فنزلت. والغلول هو الخيانة فى المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة، وكل من خان فى شىء خفية فقد غل. القراءة بفتح الياء هى قراءة المصحف، وهى قراءة ابن عباس وأبى عبد الرحمن السلمى وجماعة من قراء الحجاز والعراق، والقراءة بضم الياء وفتح الغين قراءة عظم قراء أهل المدينة والكوفة. (1) سياق الكلام يفرضها، وهى محذوفة فى الأصل. (2) قال البخارى: قد روى فى غير حديث عن النبى «ص» فى الغال، ولم يأمر بحرق متاعه. وقد قال رسول الله «ص» عن رجل غل بردة، ثم مات فى المعركة فقيل عنه إنه شهيد- كلا، إنى رأيته فى النار فى بردة غلها أو عبادة «من حديث رواه أحمد ومسلم» وجاءه رجل بشراك كان قد. غله يوم خيبر فقال رسول الله «ص» . شراك من نار «من حديث متفق عليه» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشّهَادَةُ وَالشّهَدَاءُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَاتِ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ الّذِينَ سَمّاهُمْ اللهُ شُهَدَاءَ بقوله: وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَهَذَا الِاسْمُ مَأْخُوذٌ مِنْ الشّهَادَةِ أَوْ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الشّهَادَةِ فَهُوَ شَهِيدٌ بِمَعْنَى مَشْهُودٍ، أَيْ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ، وَمَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنّةِ، أَمّا مَشْهُودٌ عَلَيْهِ، فَلِأَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ وَقَفَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، قَالَ: هَؤُلَاءِ الّذِينَ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ، أَيْ: أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ، وَقَالَ: عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ: لَهُمْ، لِأَنّ الْمَعْنَى: أَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ، وَهِيَ وِلَايَةٌ وَقِيَادَةٌ، فَوُصِلَتْ بِحَرْفِ عَلَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الشّهَادَةِ وَتَكُونُ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ، لِأَنّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ أَيْ: تَشْهَدُونَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ عَامّا فِي جَمِيعِ أُمّةِ مُحَمّدٍ- عليه الصلاة السلام- فَالشّهَدَاءُ أَوْلَى بِهَذَا الِاسْمِ، إذْ هُمْ تَبَعٌ لِلصّدّيقِينَ وَالنّبِيّينَ. قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ فَهَذَانِ وَجْهَانِ فِي مَعْنَى الشّهِيدِ، إذَا جَعَلْته مُشْتَقّا مِنْ الشّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ، فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى: فَاعِلٍ أَيْضًا، لِأَنّهُ يُشَاهِدُ من ملكوت الله، ويعاين من ملائكته مالا يُشَاهِدُ غَيْرُهُ، وَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ، أَيْ: إنّ الْمَلَائِكَةَ تُشَاهِدُ قَبْضَهُ، وَالْعُرُوجَ بِرُوحِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلّهَا بِالصّحّةِ أَنْ يَكُونَ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ. مَشْهُودًا لَهُ بِالْجَنّةِ، أَوْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمَا قَالَ: هَؤُلَاءِ أَنَا شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ، أَيْ: قَيّمٌ عَلَيْهِمْ بِالشّهَادَةِ لَهُمْ، وَإِذَا حُشِرُوا تَحْتَ لِوَائِهِ، فَهُوَ وَالٍ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شَاهِدًا لَهُمْ، فَمِنْ هَاهُنَا اتّصَلَ الْفِعْلُ بِعَلَى، فَتَقَوّى هَذَا الْوَجْهُ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ الْعَرَبِيّةِ، وَهُوَ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ ذَكَرَ الشّهَدَاءَ قَالَ: وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجَمْعِ «1» شَهِيدٍ، وَلَمْ يَقُلْ شَهِيدَةً، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ: وَالنّفَسَاءُ شَهِيدٌ يَجُرّهَا جَنِينُهَا بِسَرَرِهِ إلَى الْجَنّةِ، وَلَمْ يَقُلْ: شَهِيدَةً وَفَعِيلٌ إذَا كَانَ صِفَةً لِمُؤَنّثِ كَانَ بِغَيْرِ هَاءٍ إذَا كَانَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، نَحْوَ: امْرَأَةٍ قَتِيلٍ وَجَرِيحٍ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، كَانَ بِالْهَاءِ كَقَوْلِهِمْ: امْرَأَةٌ عَلِيمَةٌ وَرَحِيمَةٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَدَلّ عَلَى أَنّ الشّهِيدَ مَشْهُودٌ لَهُ، وَمَشْهُودٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا اسْتِقْرَاءٌ مِنْ اللّغَةِ صَحِيحٌ، واستنباط من الحديث بديع، فقف عليه «2» .

_ (1) أى: تموت وفى بطنها ولد. أو التى تموت بكرا، والجمع بالضم بمعنى المجموع كالذخر بمعنى المذخور، وكسر الكسائى الجيم، والمعنى: أنها ماتت مع شىء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة. (2) «الشهداء جمع شهيد، وبين الرازى أنه لا يجوز أن يراد بالشهيد هنا من قتله الكفار فى الحرب، لأن الشهادة مرتبة عالية عظيمة فى الدين وكون الإنسان مقتول الكافر ليس فيه زيادة شرف. لأن هذا القتل قد يحصل فى الفساق، ومن لا منزلة له عند الله تعالى، ولأن المؤمنين يدعون الله تعالى أن يرزقهم الشهادة، ولا يجوز أن يطلبوا منه أن يسلط عليهم الكفار يقتلونهم، ولأنه ورد إطلاق لفظ الشهيد على المبطون والمطعون والغريق، قال: أى الرازى: فعلمنا أن الشهادة ليست عبارة عن القتل، بل نقول: الشهيد فعيل بمعنى الفاعل، وهو الذى يشهد بصحة دين الله تعالى تارة بالحجة والبيان، وأخرى بالسيف والسنان، فالشهداء هم القائمون بالقسط، وهم الذين ذكرهم الله فى قوله: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) آل عمران: 18-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ الْمَرْفُوعَ، وَفِيهِ أَنّ اللهَ جَعَلَ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنّ أَرْوَاحَ الشّهَدَاءَ تَتَعَارَفُ عِنْدَ السّدْرَةِ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ بِيضٍ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرّوَايَةَ قَوْمٌ، وَقَالُوا: لَا يَكُونُ رَوْحَانِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَإِنّ ذَلِكَ مُحَالٌ، وَهَذَا جَهْلٌ بِالْحَقَائِقِ، فَإِنّ مَعْنَى الْكَلَامِ بَيّنٌ، فَإِنّ رُوحَ الشّهِيدِ الّذِي كَانَ فِي جَسَدِهِ فِي الدّنْيَا، يُجْعَلُ فِي جَسَدٍ آخَرَ كَأَنّهُ صُورَةُ طَائِرٍ، فَيَكُونُ فِي هَذَا الْجَسَدِ الْآخَرِ، كَمَا كَانَ فِي الْأَوّلِ، إلَى أَنْ يُعِيدَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا خَلَقَهُ، وَهَذِهِ الرّوَايَةُ لَا تُعَارِضُ مَا رَوَوْهُ مِنْ قَوْلِهِ: فِي صُوَرِ طَيْرٍ خُضْرٍ، وَالشّهَدَاءُ طَيْرٌ خُضْرٌ، وَجَمِيعُ الرّوَايَاتِ كُلّهَا مُتّفِقَةُ الْمَعْنَى، وَإِنّمَا الّذِي يَسْتَحِيلُ فِي الْعَقْلِ قِيَامُ حَيَاتَيْنِ بِجَوْهَرِ وَاحِدٍ، فَيَحْيَا الْجَوْهَرُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَأَمّا رَوْحَانِ فِي جَسَدٍ فَلَيْسَ بِمُحَالِ إذَا لَمْ نَقُلْ بِتَدَاخُلِ الْأَجْسَامِ، فَهَذَا الْجَنِينُ فِي بطن أمّه وروحه

_ - ويقال المقتول: شهيد من حيث إنه بذل نفسه فى نصرة دين الله وشهادته له بأنه هو الحق، وما سواه باطل، وإذا كان من شهداء الله بهذا المعنى، كان من شهداء الله فى الآخرة. كما قال (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً، لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) البقرة: 143. وقال الأستاذ الإمام: الشهداء هم الذين أمرنا الله تعالى أن نكون منهم فى قوله: (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) وهم أهل العدل والإنصاف الذين يؤيدون الحق بالشهادة لأهله بأنهم محقون، ويشهدون على أهل الباطل أنهم مبطلون، ودرجتهم تلى درجة الصديقين، والصديقون شهداء وزيادة. وأقول- أى الشيخ رشيد رضا- إن الشهادة التى تقوم بها حجة أهل الحق على أهل الباطل، تكون بالقول والعمل والأخلاق والأحوال، فالشهداء هم حجة الله تعالى على المبطلين فى الدنيا والآخرة بحسن سيرتهم. تفسير المنار الآية رقم 69 أو 71 من سورة النساء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غَيْرُ رُوحِهَا، وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمَا جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَهَذَا أَنْ لَوْ قِيلَ لَهُمْ: إنّ الطّائِرَ لَهُ رُوحٌ غَيْرُ رُوحِ الشّهِيدِ، وَهُمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، فَكَيْفَ، وَإِنّمَا قَالَ: فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، أَيْ: فِي صُورَةِ طَيْرٍ خُضْرٍ، كَمَا تَقُولُ: رَأَيْت مَلَكًا فِي صُورَةِ إنْسَانٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلَقُ فِي ثَمَرِ الْجَنّةِ «1» تَأَوّلَهُ بَعْضُهُمْ مَخْصُوصًا بِالشّهِيدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنّمَا الشّهِيدُ فِي الْجَنّةِ يَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شَاءَ، ثُمّ يَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلّقَةٍ فِي الْعَرْشِ، وَغَيْرُ الشّهِيدِ، مِنْ الْمُؤْمِنِينَ نَسَمَتُهُ، أَيْ: رُوحُهُ طَائِرٌ، لَا أَنّ رُوحَهُ جُعِلَ فِي جَوْفِ طَائِرٍ، لِيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ، كَمَا فَعَلَ بِالشّهِيدِ لَكِنّ الرّوحَ نَفْسَهُ طَائِرٌ يَعْلَقُ بِشَجَرِ الْجَنّةِ، يَعْلَقُ بِفَتْحِ اللّامِ يَنْشَبُ بِهَا، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْهَا، وَمَنْ رَوَاهُ: يعلق فمعناه يصيب العلقة، أى ينال منها مَا هُوَ دُونَ نَيْلِ الشّهِيدِ، فَضَرَبَ الْعَلَقَةَ مَثَلًا، لِأَنّ مَنْ أَصَابَ الْعَلَقَةَ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ فَقَدْ أَصَابَ دُونَ مَا أَصَابَ غَيْرُهُ مِمّنْ أَدْرَكَ الرّغَدَ، فَهُوَ مِثْلُ مَضْرُوبٍ يُفْهَمُ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى. وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِيَعْلَقُ «2» الأكل نفسه، فهو مخصوص بالشهيد، فتكون

_ (1) رواه أحمد عن الشافعى عن مالك. (2) العلقة بضم العين وسكون اللام: ما يتبلغ به من الطعام والمركب. وفى اللسان: تعلق- بفتح- التاء وضم اللام- من ثمار الجنة: تناول بأفواهها وهو تفسير الأصمعى، وفى النهاية لابن الأثير: تعلق بضم اللام أيضا، وقال: أى تأكل، وهو فى الأصل للابل إذا أكلت العضاه، فنقل إلى الطير. وما أعد الله للشهداء هو من علم الغيب الذى هو لله وحده فلنتحر فى حديثنا عنه الخبر الصادق الذى لا ريب فيه. هذا وفى حديث الشهداء شىء من الاضطراب كما يقول الشيخ رشيد- رضا فى تفسير المنار- ففى رواية مسلم والترمذى من حديث ابن مسعود-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ بِالضّمّ لِلشّهَدَاءِ، وَرِوَايَةُ الْفَتْحِ لِمَنْ دُونَهُمْ، فَاَللهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ رَسُولُهُ من ذلك. وقوله ثم تأوى إلى فناديل يُصَدّقُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى عَزّ وَجَلّ: وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ «1» الْحَدِيدُ: 19. وَإِنّمَا تَأْوِي إلى تلك القناديل

_ أنها فى حواصل طيور خضر تسرح من أنهار الجنة حيث شاءت، ثم تأوى إلى قناديل معلقة. تحت العرش» وفى رواية عبد الرازق من حديث عبد الله بن كعب ابن مالك: «إن أرواح الشهداء فى صور طيور خضر معلقة فى قناديل الجنة حتى يرجعها الله يوم القيامة» فهذا يدل على أنها محبوسة فى مكان خاص، والأول يفيد أنها مطلقة تسرح حيث تشاء، ثم إن لها مأوى تأوى إليه حين تشاء، وفى رواية مالك وأصحاب السنن ما عدا أبا داود أنها فى أجواف خضر تعلف من ثمر الجنة أو شجر الجنة، وعبد الطاغوت والقبور يحرفون الكلم عن مواضعه فى هذه الآية الإلهية: فيضعون مكان «أحياء عند ربهم» «أحياء فى قبورهم» بغية استهواء الناس إلى عبادة الموتى بالدعاء والرجاء والخوف والحب والتوكل، زاعمين لهم أنهم يسمعون لأنهم «أحياء فى قبورهم» وهذه الحياة الدقيقة السامية عند الله حياة غيبية هو وحده جل شأنه العليم بحقيقتها، إنها حياة روحية لا جسدية، لأن الأجساد أرمت وفنيت وكم من دود منها طعم، وسوس عاث «وشجر منها نبت، فأكلنا ثمره، واصطلينا بناره. فإذا جاء يوم الفصل بعث الله كل أمرىء من مرقده، كيف؟ أو ليس الذى. خلق السماوات والأرض بقادر على أن يحيى الموتى؟ بلى: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون. ولا يأتى حين يتشعب القول بين: كيف، ولم- وهذا هو رأيى- إلا بتشقق القلب بالقلق الأسود. ولنسكت عن المراء فى شأن الغيب، فالمراء كفر. (1) هم القائمون بالشهادة لله سبحانه، ولهم، وعلى الأمم يوم القيامة، ولم لا يكون قوله سبحانه إخبارا عن الذين آمنوا بالله ورسوله؟ ثم هو بيان عن النور الذى سيكون يوم القيامة. واقرأ من سورة الحديد من قوله سبحانه: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَيْلًا، وَتَسْرَحُ نَهَارًا، فَتَعْلَمُ بِذَلِكَ اللّيْلَ مِنْ النّهَارِ، وَبَعْدَ دُخُولِ الْجَنّةِ فِي الْآخِرَةِ، لَا تأوى إلى تلك القناديل- ولله أَعْلَمُ- وَإِنّمَا ذَلِكَ مُدّةُ الْبَرْزَخِ هَذَا مَا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الشّهَدَاءُ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ الْجَنّةِ وَلَيْسُوا فِيهَا، وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو عُمَرَ قَوْلَ مُجَاهِدٍ، وَرَدّهُ وَلَيْسَ بمنكر عددى، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا وَقَعَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: الشّهَدَاءُ بِنَهَرِ أَوْ عَلَى نَهَرٍ يُقَالُ: لَهُ: بَارِقٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنّةِ فِي قِبَابٍ خُضْرٍ يَأْتِيهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْهَا بُكْرَةً وَعَشِيّا «1» ، فَهَذَا يُبَيّنُ مَا أَرَادَ مُجَاهِدٌ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمِمّا وَقَعَ السّيرَةُ أَيْضًا، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ هِشَامٍ حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ، قَالَ: حَدّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، قَالَ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- قال: الشّهَدَاءُ ثَلَاثَةٌ، فَأَدْنَى الشّهَدَاءُ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً رجل

_ - (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) الحديد: 12 فالحديث عن القيامة والجزاء فيها. (1) لفظ أحمد والطبرانى والحاكم كلهم عن ابن عباس «الشّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنّةِ فِي قُبّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنّةِ بكرة وعشيا» . وبهذا يتبين أن بعض الروايات تدل على دخولهم الجنة وبعضها يدل على وقوفهم ببابها عند النهر. ولقد حاول ابن كثير فى تفسيره الجمع، أو المصالحة بين الضدين فقال: كأن الشهداء أقسام. وقد قال الزرقانى قولا طيبا هنا عن كلمة ابن كثير كأن: وعبر بكأن، لأنه على سبيل الاحتمال لا القطع. لأن حقيقة الحال غيب عنا» وهى كلمة حق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَرَجَ مُسَوّدًا بِنَفْسِهِ وَرَحْلِهِ، لَا يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ وَلَا يُقْتَلَ «1» أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَأَصَابَهُ، قَالَ: فَأَوّلُ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهِ، يَغْفِرُ اللهُ بِهَا مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، ثُمّ يُهْبِطُ اللهُ إلَيْهِ جَسَدًا مِنْ السّمَاءِ، فَيَجْعَلُ فِيهِ رُوحَهُ، ثُمّ يُصْعَدُ بِهِ إلَى اللهِ، فما يمرّ بسماء من السّماوات إلّا شَيّعَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، حَتّى يَنْتَهِيَ بِهِ إلَى اللهِ، فَإِذَا انْتَهَى بِهِ إلَيْهِ وَقَعَ سَاجِدًا، ثُمّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُكْسَى سَبْعِينَ زَوْجًا مِنْ الْإِسْتَبْرَقِ، ثُمّ يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُمْ مِنْ شَقَائِقِ النّعمان. وحدّث كعب الأحبار عَنْ قَوْلِ- رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السّلَامُ- فَقَالَ كعب الأحبار: أَجَلّ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُمْ مِنْ شَقَائِقِ النّعْمَانِ، ثم يقول: اذهبوا به إلى إخوانه مِنْ الشّهَدَاءِ، فَاجْعَلُوهُ مَعَهُمْ، فَيُؤْتَى بِهِ إلَيْهِمْ فى قُبّةٍ خَضْرَاءَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْجَنّةِ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ حُوتٌ وَنُورٌ مِنْ الْجَنّةِ لِغَدَائِهِمْ، فَيَلْعَبَانِهِمْ «2» ، حَتّى إذَا كَثُرَ عَجَبُهُمْ مِنْهَا طَعَنَ الثّوْرُ الْحُوتَ بِقَرْنِهِ، فَبَقَرَهُ لَهُمْ عَمّا يَدْعُونَ. ثُمّ يَرُوحَانِ عَلَيْهِمْ لِعَشَائِهِمْ، فَيُلَعّبَانِهِمْ، حَتّى إذَا كَثُرَ عَجَبُهُمْ مِنْهُمَا ضَرَبَ الْحُوتُ الثّوْرَ بِذَنْبِهِ فَبَقَرَهُ لَهُمْ عَمّا يَدْعُونَ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى إخْوَانِهِ سَأَلُوهُ تَسْأَلُوا «3» الرّاكِبَ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ بِلَادَكُمْ، فَيَقُولُونَ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُ: أَفْلَسَ، فَيَقُولُونَ: فَمَا أَهْلَكَ مَالَهُ فَوَاَللهِ إنْ كَانَ لَكَيّسًا جَمُوعًا تَاجِرًا، فَيُقَالُ لَهُمْ: إنّا لَا نَعُدّ الْفَلَسَ مَا تَعُدّونَ، وَإِنّمَا نَعُدّ الْفَلَسَ مِنْ الْأَعْمَالِ، فَمَا فَعَلَ فُلَانٌ وَامْرَأَتُهُ فُلَانَةُ؟ فيقول: طلّقها، فيقولون: فما الذى

_ (1) فى نسخة: يريد أن يقتل، ولا يقتل. (2) فى نسخة: فيلعبا بهم. (3) هكذا فى الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَزَلَ بَيْنَهُمَا، حَتّى طَلّقَهَا، فَوَاَللهِ إنْ كَانَ بِهَا لَمُعْجَبًا؟ فَيَقُولُونَ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ: مَاتَ أيهات قَبْلُ بِزَمَانِ، فَيَقُولُونَ: هَلَكَ وَاَللهِ مَا سَمِعْنَا لَهُ بِذِكْرِ، إنّ لِلّهِ طَرِيقَيْنِ، أَحَدُهُمَا: عَلَيْنَا، وَالْآخَرُ: يُخَالِفُ بِهَا عَنّا، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِ خَيْرًا أَمَرّ بِهِ عَلَيْنَا، فعرفناه، وَعَرَفْنَا مَتَى مَاتَ، وَاذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِ شَرّا خُولِفَ بِهِ عَنّا، فَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرِ، هَلَكَ وَاَللهِ فُلَانٌ، فَإِنّ هَذَا لِأَدْنَى الشهداء عند الله؟؟؟، وَإِنّ الْآخَرَ رَجُلٌ خَرَجَ مُسَوّدًا بِنَفْسِهِ وَرَحْلِهِ يُحِبّ أَنْ يَقْتُلَ، وَلَا يُقْتَلَ، أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَأَصَابَهُ، فَذَلِكَ رَفِيقُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحُكّ رُكْبَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ، وَأَفْضَلُ الشّهَدَاءِ: رَجُلٌ خَرَجَ مُسَوّدًا بِنَفْسِهِ وَرَحْلِهِ يُحِبّ أَنْ يَقْتُلَ وَأَنْ يُقْتَلَ، وَقَاتَلَ حَتّى قَتَلَ قَعْصًا فَذَلِكَ يَبْعَثُهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَاهِرًا سَيْفَهُ، يَتَمَنّى عَلَى اللهِ، لَا يَسْأَلُهُ شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ إيّاهُ. وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْحُوتِ وَلَعِبُهُ مَعَ الثّوْرِ وَقَدْ خَرّجَهُ هَنّادُ بْنُ السّرِيّ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ فِي كِتَابِ الرّقَاقِ له بأكثر مما وقع هاهنا، وَفِي الصّحِيحَيْنِ مِنْهُ ذَكَرَ أَكْلَ أَهْلِ الْجَنّةِ من كبد الحوت أَوّلَ مَا يَأْكُلُونَ، ثُمّ يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنّةِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَابِ التّفَكّرِ وَالِاعْتِبَارِ أَنّ الْحُوتَ لَمّا كَانَ عَلَيْهِ قَرَرُ هَذِهِ الْأَرْضِ «1» ، وَهُوَ حَيَوَانٌ سَابِحٌ لِيَسْتَشْعِرَ أَهْلُ هَذِهِ الدّارِ أَنّهُمْ فِي مَنْزِلٍ قُلْعَةٍ، وَلَيْسَ بِدَارِ قَرَارٍ، فَإِذَا نُحِرَ لَهُمْ، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنّةَ، فَأَكَلُوا مِنْ كَبِدِهِ، كَانَ فِي ذَلِكَ إشْعَارٌ لَهُمْ بِالرّاحَةِ مِنْ دَارِ الزّوَالِ، وَأَنّهُمْ قَدْ صَارُوا إلَى دَارِ الْقَرَارِ، كَمَا يُذْبَحُ لَهُمْ الْكَبْشُ الْأَمْلَحُ عَلَى الصّرَاطِ، وَهُوَ

_ (1) ذلك كان مبلغ علم عصره عن الأرض، ولهذا يجب النظر فيما بناه عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صُورَةُ الْمَوْتِ لِيَسْتَشْعِرُوا أَنْ لَا مَوْتَ، وَأَمّا الثّوْرُ فَهُوَ آلَةُ الْحَرْثِ، وَأَهْلُ الدّنْيَا لَا يَخْلَوْنَ مِنْ أَحَدِ الْحَرْثَيْنِ، حَرْثٍ لِدُنْيَاهُمْ، وَحَرْثٍ لأخراهم، ففى تحر الثّوْرِ لَهُمْ هُنَالِكَ إشْعَارٌ بِإِرَاحَتِهِمْ مِنْ الْكَدّيْنِ وَتَرْفِيهِهِمْ مِنْ نَصَبِ الْحَرْثَيْنِ، فَاعْتَبِرْ، وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ. إغْفَالُ ابْنِ إسْحَاقَ نَسَبَ عُبَيْدِ بْنِ التّيّهَانِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ عُبَيْدَ بْنَ التّيّهَانِ. وَاسْمُ التّيّهَانِ: مَالِكٌ، وَلَمْ يَرْفَعْ نَسَبَهُ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي هَذَا النّسَبِ حَيْثُ وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَهُوَ نَسَبٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَدْ رَفَعْنَاهُ عِنْدَ ذِكْرِ أَبِي الْهَيْثَمِ، وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ هُنَالِكَ. وَقَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: وَلَا مِثْلَ أَضْيَافِ الْأَرَاشِيّ مَعْشَرَا يَعْنِي: أَبَا الْهَيْثَمِ، فَجَعَلَهُ إرَاشِيّا، وَلَيْسَتْ إرَاشَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَنَسَبَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي جَمَاعَةٍ مَعَهُ إلَى بَلِيّ، وَقَالُوا هُوَ حليف الأنصار، وليس من من أنفسهم، وقال ابن إسحاق والوافدى فِي الْمُسْتَشْهَدِ يَوْمَ أُحُدٍ: عُبَيْدُ بْنُ التّيّهَانِ، وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، وَابْنُ عُمَارَةَ: هو عتيك بن التّيّهان «1» .

_ (1) ذكر ذلك ابن دريد فى الاشتقاق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبُو حَنّةَ أَوْ حَبّةَ: وَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا حَبّةٍ الْأَنْصَارِيّ الْبَدْرِيّ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَبُو حَنّةَ بْنُ ثَابِتٍ بِالنّونِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْوَاقِدِيّ، قَالَ: لَيْسَ فِيمَنْ شَهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ اسْمِهِ أَبُو حَبّة بِالْبَاءِ، وَكَذَلِكَ رَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَبُو حَنّةَ بِالنّونِ شَهِدَ بَدْرًا، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ مِنْ الْأَوْسِ، وَاسْمُهُ ثَابِتٍ، وَقِيلَ: عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، وَالِاخْتِلَافُ فِي اسْمِهِ، وَفِي كُنْيَتِهِ كَثِيرٌ. وَأَمّا أَبُو حَبّةَ الْمُسْتَشْهَدُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَهُوَ أَبُو حَبّةَ بْنُ غَزِيّةَ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِوَاحِدَةِ مِنْ أَسْفَلَ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلّا مَنْ لَا يُؤْبَهُ بِقَوْلِهِ، وَاسْمُهُ: زَيْدُ بْنُ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو، وَهُوَ مِنْ الْخَزْرَجِ، وَالْأَوّلُ من الأوس، وقد قيل فى الأول: أبو حَيّةُ «1» بِيَاءِ مُعْجَمَةٍ بِاثْنَتَيْنِ، فَاَللهُ أَعْلَمُ. وَحَنّةُ بِالنّونِ: دَيْرُ حَنّةَ مَعْرُوفٌ «2» بِالشّامِ، وَحَنّةُ أُمّ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَخَنّةُ بِخَاءِ مَنْقُوطَةٍ بِنْتُ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ الْقَاضِي، وَهِيَ أُمّ مُحَمّدِ ابن نَصْرٍ الْمَرْوَزِيّ الْفَقِيهِ «3» وَجَنّةُ بِالْجِيمِ لَا يُعْرَفُ إلّا أَبُو جَنّةَ خَالُ ذِي الرّمّةِ الشّاعِرِ، قاله ابن ماكولا.

_ (1) هو فى السيره: أبو حية بالياء. (2) فى معجم البكرى أنه دير قديم بناه بنو ساطع حى من تنوخ، وهو بالحيرة. والحيرة بالعراق. ودير حنة آخر، وهو بالأكيراح، وقد ذكره أبو نواس فى شعره. والأكيراح موضع بالحيرة. (3) فى القاموس أنها أخت يحيى وزوجة محمد بن نصر.

ذكر ما قيل من الشعر يوم أحد

[ذِكْرُ مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ يَوْمَ أُحُدٍ] شِعْرُ هُبَيْرَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّا قيل من الشعر فى يوم أحد، قول هبيرة ابن أَبِي وَهْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذُ بْنُ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَائِذٌ: ابْنُ عِمْرَانَ بْنُ مَخْزُومٍ: مَا بَالُ هَمّ عَمِيدٍ بَاتَ يَطْرُقنِي ... بِالْوُدّ مِنْ هِنْدَ إذْ تَعْدُو عَوَادِيهَا بَاتَتْ تُعَاتِبنِي هِنْدٌ وَتَعْذُلُنِي ... وَالْحَرْبُ قَدْ شُغِلَتْ عَنّي مَوَالِيهَا مَهْلًا فَلَا تَعْذُلِينِي إنّ مِنْ خُلُقِي ... مَا قَدْ عَلِمْتِ وَمَا إنْ لَسْتُ أُخْفِيهَا مُسَاعِفٌ لِبَنِي كَعْبٍ بِمَا كَلِفُوا ... حَمّالُ عِبْءٍ وَأَثْقَالٌ أُعَانِيهَا وَقَدْ حَمَلْتُ سِلَاحِي فَوْقَ مُشْتَرَف ... سَاطٍ سَبُوحٍ إذَا تَجْرِي يُبَارِيهَا كَأَنّهُ إذْ جَرَى عَيْرٌ بفدفدة ... مكدّم لا حق بِالْعُونِ يَحْمِيهَا مِنْ آلِ أَعْوَجَ يَرْتَاحُ النّدِيّ لَهُ ... كَجِذْعِ شَعْرَاءَ مُسْتَعْلٍ مَرَاقِيهَا أَعْدَدْتُهُ وَرِقَاقَ الحدّ منتخلا ... ومارنا لخطوب قد ألاقيها ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلَانِيّ، سَلَمَةُ بِفَتْحِ اللّامِ تَقَيّدَ فِي الْأَصْلِ، وَفِي الْأُصُولِ الصّحَاحِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ، وَذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ فِي بَابِ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللّامِ، وَأَخْبَرَ أَنّهَا رِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ أَيْضًا أَنّهَا رِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، والله أعلم.

هَذَا وَبَيْضَاءَ مِثْلَ النّهْيِ مُحْكَمَةٌ ... نِيطَتْ عَلَيّ فَمَا تَبْدُو مَسَاوِيهَا سُقْنَا كِنَانَةَ مِنْ أَطْرَافِ ذِي يَمَنٍ ... عُرْضُ الْبِلَادِ عَلَى مَا كَانَ يُزْجِيهَا قَالَتْ كِنَانَةُ: أنّي تَذْهَبُونَ بِنَا؟ ... قُلْنَا: النّخَيْلُ، فَأَمّوهَا وَمَنْ فِيهَا نَحْنُ الْفَوَارِسُ يَوْمَ الْجَرّ مِنْ أُحُدٍ ... هَابَتْ مَعَدّ فَقُلْنَا نَحْنُ نَأْتِيهَا هَابُوا ضِرَابًا وَطَعْنًا صَادِقًا خَذِمًا ... مِمّا يَرَوْنَ وَقَدْ ضُمّتْ قَوَاصِيهَا ثُمّتَ رُحْنَا كَأَنّا عَارِضٌ بَرِدٌ ... وَقَامَ هَامُ بَنِي النّجّارِ يَبْكِيهَا كَأَنّ هَامَهُمْ عِنْدَ الْوَغَى فِلَقٌ ... مِنْ قَيْضِ رُبْدٍ نَفَتْهُ عَنْ أَدَاحِيهَا أَوْ حَنْظَلُ ذَعْذَعَتْه الرّيحُ فِي غُصُنٍ ... بَالٍ تَعَاوَرَهُ مِنْهَا سَوَافِيهَا قَدْ نَبْذُلُ الْمَالَ سَحّا لَا حِسَابَ لَهُ ... وَنَطْعَنُ الْخَيْلَ شَزْرًا فِي مَآقِيُهَا وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصّ بِالنّقَرَى الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا وَلَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ ... جَرْبَا جُمَادِيّةٍ قَدْ بِتّ أَسْرِيهَا لَا يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ وَاحِدَةٍ ... مِنْ الْقَرِيس وَلَا تَسْرَى أَفَاعِيهَا أَوْقَدْتُ فِيهَا لِذِي الضّرّاءِ جَاحِمَةً ... كَالْبَرْقِ ذَاكِيَةَ الْأَرْكَانِ أَحْمِيهَا أَوْرَثَنِي ذَاكُمْ عَمْروٌ وَوَالِدُهُ ... مِنْ قَبْلِهِ كَانَ بِالْمَثْنَى يُغَالِيهَا كَانُوا يُبَارُونَ أَنْوَاءَ النّجُومِ فَمَا ... دَنّتْ عَنْ السّوْرَةِ الْعُلْيَا مَسَاعِيهَا شِعْرُ حَسّانٍ فِي الرّدّ عَلَى هُبَيْرَةَ قَالَ ابْنُ إسحاق: فأجابه حسّان بن ثابت، فقال: سُقْتُمْ كِنَانَةَ جَهْلًا مِنْ سَفَاهَتِكُمْ ... إلَى الرّسُولِ فجند الله مخزيها ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أوردتموها حياض الموت صاحية ... فَالنّارُ مَوْعِدُهَا، وَالْقَتْلُ لَاقِيهَا جَمّعْتُمُوهَا أحابِيشًا بِلَا حَسَبٍ ... أَئِمّةَ الْكُفْرِ غَرّتْكُمْ طَوَاغِيهَا أَلَا اعْتَبَرْتُمْ بِخَيْلِ اللهِ إذْ قَتَلَتْ ... أَهْلَ الْقَلِيبِ وَمَنْ أَلْقَيْنَهُ فِيهَا كَمْ مِنْ أَسِيرٍ فَكَكْنَاهُ بِلَا ثَمَنٍ ... وَجَزّ نَاصِيَةٍ كُنّا مَوَالِيهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَيْتُ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الّذِي يَقُولُ فِيهِ: وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصّ بِالنّقَرَى الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا يُرْوَى لِجَنُوبٍ، أُخْتِ عَمْرِو ذِي الْكَلْبِ الْهُذَلِيّ، فِي أَبْيَاتٍ لَهَا فِي غَيْرِ يَوْمِ أُحُدٍ. شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى هُبَيْرَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُجِيبُ هُبَيْرَةَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ أَيْضًا: أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ عَنّا وَدُونَهُمْ ... مِنْ الْأَرْضِ خَرْقٌ سَيْرُهُ مُتَنَعْنِعُ صَحَارٍ وَأَعْلَامٌ كَأَنّ قَتَامَهَا ... مِنْ الْبُعْدِ نقع هامد متقطع تظلّ به البزل الغراميس رُزّحَا ... وَيَخْلُو بِهِ غَيْثُ السّنِينَ فَيُمْرِعُ بِهِ جِيَفُ الْحَسْرَى يَلُوحُ صَلِيبُهَا ... كَمَا لَاحَ كَتّانُ التّجَارِ الْمُوَضّعُ بِهِ الْعَيْنُ وَالْآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وَبَيْضُ نَعَامٍ قَيْضُهُ يَتَقَلّعُ مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا كُلّ فَخْمَةٍ ... مُذَرّبَةٍ فِيهَا الْقَوَانِسُ تَلْمَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَكُلّ صَمُوتٍ فِي الصّوَانِ كَأَنّهَا ... إذَا لُبِسَتْ تهى من الماء مترع وَلَكِنْ بِبَدْرٍ سَائِلُوا مَنْ لَقِيُتمُ ... مِنْ النّاسِ وَالْأَنْبَاءُ بِالْغَيْبِ تَنْفَعُ وَإِنّا بِأَرْضِ الْخَوْفِ لَوْ كَانَ أَهْلُهَا ... سِوَانَا لَقَدْ أَجْلَوْا بِلَيْلٍ فَأَقْشَعُوا إذَا جَاءَ مِنّا رَاكِبٌ كَانَ قَوْلُهُ ... أَعِدّوا لِمَا يُزْجِي ابْنُ حَرْبٍ وَيَجْمَعُ فَمَهْمَا يُهِمّ النّاسَ مِمّا يَكِيدُنَا ... فَنَحْنُ لَهُ مِنْ سَائِرِ النّاسِ أَوْسَعُ فَلَوْ غَيْرُنَا كَانَتْ جَمِيعًا: تَكِيدُهُ البريّة ... قد أعطوا يدا وتوزّعوا بجالد لَا تَبْقَى عَلَيْنَا قَبِيلَةٌ ... مِنْ النّاسِ إلّا أن يهابوا ويفظعوا ولمّا ابتنوا بالعرض قَالَ سَرَاتُنَا ... عَلَامَ إذَا لَمْ تَمْنَعْ الْعِرْضَ نَزْرَعُ؟ وَفِينَا رَسُولُ اللهِ نَتْبَعُ أَمْرَهُ ... إذَا قَالَ فِينَا الْقَوْلَ لَا نَتَطَلّعُ تَدَلّى عَلَيْهِ الرّوحُ مِنْ عِنْدِ رَبّهِ ... يُنَزّلُ مِنْ جَوّ السّماء ويرفع فشاوره فِيمَا نُرِيدُ وَقَصْرُنَا ... إذَا مَا اشْتَهَى أَنّا نُطِيعُ وَنَسْمَعُ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ لَمّا بَدَوْا لَنَا ... ذَرُوا عَنْكُمْ هَوْلَ الْمَنِيّاتِ وَاطْمَعُوا وَكُونُوا كَمَنْ يَشْرِي الْحَيَاةَ تَقَرّبًا ... إلَى مَلِكٍ يُحْيَا لَدَيْهِ وَيُرْجَعُ وَلَكِنْ خُذُوا أَسْيَافَكُمْ وَتَوَكّلُوا ... عَلَى اللهِ إنّ الْأَمْرَ لِلّهِ أَجْمَعُ فَسِرْنَا إلَيْهِمْ جَهْرَةً فِي رِحَالهِمْ ... ضُحَيّا عَلَيْنَا الْبِيضُ لَا نَتَخَشّعُ بِمَلْمُومَةٍ فِيهَا السّنَوّرُ وَالْقَنَا ... إذَا ضَرَبُوا أَقْدَامَهَا لَا تَوَرّعُ فَجِئْنَا إلَى مَوْجٍ مِنْ الْبَحْرِ وَسْطَهُ ... أَحَابِيشُ مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنّعُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ نَصِيّةٌ ... ثَلَاثُ مِئِينٍ إنْ كَثُرْنَا وأربع ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نُغَاوِرُهُمْ تَجْرِي الْمَنِيّةُ بَيْنَنَا ... نُشَارِعُهُمْ حَوْضَ الْمَنَايَا وَنَشْرَعُ تَهَادَى قَسَيّ النّبْعِ فِينَا وَفِيهِمْ ... وَمَا هُوَ إلّا الْيَثْرِبِيّ الْمُقَطّعُ وَمَنْجُوفَةٌ حِرْمِيّةٌ صَاعِدِيّةٌ ... يُذَرّ عَلَيْهَا السّمّ سَاعَةَ تُصْنَعُ تَصُوبُ بِأَبْدَانِ الرّجَالِ وَتَارَةً ... تَمُرّ بِأَعْرَاضِ الْبِصَارِ تَقَعْقَعُ وَخَيْلٌ تَرَاهَا بِالْفَضَاءِ كَأَنّهَا ... جَرَادٌ صَبّا فِي قَرّةٍ يَتَرَيّعُ فَلَمّا تَلَاقَيْنَا وَدَارَتْ بِنَا الرّحَى ... وَلَيْسَ لِأَمْرِ حَمّهُ اللهُ مَدْفَعُ ضَرَبْنَاهُمْ حَتّى تَرَكْنَا سَرَاتَهُمْ ... كَأَنّهُمْ بِالْقَاعِ خُشُبٌ مُصَرّعُ لَدُنْ غُدْوَةً حَتّى اسْتَفَقْنَا عَشِيّةً ... كَأَنّ ذَكَانَا حَرّ نَارٍ تَلَفّعُ وَرَاحُوا سِرَاعًا مُوجِفِينَ كَأَنّهُمْ ... جِهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَهُ الرّيحُ مُقَلّعُ وَرُحْنَا وَأُخْرَانَا بِطَاءٌ كَأَنّنَا ... أُسُودٌ عَلَى لَحْمٍ بِبِيشَةِ ظُلّعُ فَنَلِنَا وَنَالَ الْقَوْمُ مِنّا وَرُبّمَا ... فَعَلْنَا وَلَكِنْ مَا لَدَى اللهِ أَوْسَعُ وَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ ... وَقَدْ جُعِلُوا كُلّ مِنْ الشّرّ يَشْبَعُ وَنَحْنُ أُنَاسٌ لَا نَرَى الْقَتْلَ سُبّةً ... عَلَى كُلّ مَنْ يَحْمِي الذّمَارَ وَيَمْنَعُ جِلَادٌ عَلَى رَيْبِ الْحَوَادِثِ لَا نَرَى ... عَلَى هَالِكٍ عَيْنًا لَنَا الدّهْرَ تَدْمَعُ بَنُو الْحَرْبِ لَا نَعْيَا بِشَيْءِ نَقُولُهُ ... وَلَا نَحْنُ بِمَا جَرَتْ الْحَرْبُ نَجْزَعُ بَنُو الْحَرْبِ إنْ نَظْفَرْ فَلَسْنَا بِفُحْشِ ... وَلَا نَحْنُ مِنْ أَظْفَارِهَا نَتَوَجّعُ وَكُنّا شِهَابًا يَتّقِي النّاسُ حَرّهُ ... وَيَفْرُجُ عَنْهُ مَنْ يَلِيهِ وَيَسْفَعُ فَخَرْت عَلَيّ ابْنَ الزّبَعْرَى وَقَدْ سَرَى ... لَكُمْ طَلَبٌ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ مُتْبَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَسَلْ عَنْك فِي عُلْيَا مَعَدّ وَغَيْرِهَا ... مِنْ النّاسِ مَنْ أَحْزَى مَقَامًا وَأَشْنَعَ وَمَنْ هُوَ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ الْحَرْبُ مَفْخَرًا ... وَمَنْ حَدّهُ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ أَضْرَعُ شَدَدْنَا بِحَوْلِ اللهِ وَالنّصْرِ شِدّةً ... عَلَيْكُمْ وَأَطْرَافُ الْأَسِنّةِ سُرّعُ تَكُرّ الْقَنَا فِيكُمْ كَأَنّ فُرُوعَهَا ... عَزّ إلَى مَزَادٍ مَاؤُهَا يَتَهَرّعُ عَمَدْنَا إلَى أَهْلِ اللّوَاءِ وَمَنْ يَطِرْ ... بِذِكْرِ اللّوَاءِ فَهُوَ فِي الْحَمْدِ أَسْرَعُ فَخَانُوا وَقَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَخَاذَلُوا ... أَبَى اللهُ إلّا أَمْرَهُ وَهُوَ أَصْنَعُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَدْ قَالَ: مُجَالَدُنَا عَنْ جِذْمِنَا كُلّ فَخْمَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَيَصْلُحُ أَنْ تَقُولَ مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا"؟ فَقَالَ كَعْبٌ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَهُوَ أَحْسَنُ" فَقَالَ كَعْبٌ مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا شِعْرٌ لِابْنِ الزّبَعْرَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ: يَا غُرَابَ الْبَيْنِ أَسَمِعْت فَقُلْ ... إنّمَا تَنْطِقُ شَيْئًا قَدْ فُعِلْ إنّ لِلْخَيْرِ وَلِلشّرّ مدى ... وكلا ذَلِك وَجْهٌ وَقَبَلْ وَالْعَطِيّاتُ خِسَاسٌ بَيْنَهُمْ ... وَسَوَاءٌ قَبْرٌ مُثْرٍ وَمُقِلْ كُلّ عَيْشٍ وَنَعِيمٍ زَائِلٌ ... وَبَنَاتُ الدّهْرِ يَلْعَبْنَ بِكُلّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَبْلِغْنَ حَسّانَ عَنّي آيَةً ... فَقَرِيضُ الشّعْرِ يَشْفِي ذَا الْعِلَلْ كَمْ تَرَى بِالْجَرّ مِنْ جُمْجُمَةٍ ... وَأَكُفّ قَدْ أُتِرّتْ وَرِجِلْ وَسَرَابِيلَ حِسَانٍ سُرِيَتْ ... عَنْ كُمَاةٍ أُهْلِكُوا فِي الْمُنْتَزَلْ كَمْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ سَيّدٍ ... مَاجِدِ الْجَدّيْنِ مِقْدَامٍ بَطَلْ صَادِقِ النّجْدَةِ قَرْمٍ بَارِعٍ ... غَيْرِ مُلْتَاثٍ لَدَى وَقْعِ الْأَسَلْ فَسَلْ الْمِهْرَاسَ مَنْ سَاكِنُهُ؟ ... بَيْنَ أَقْحَافٍ وَهَامٍ كَالْحَجَلْ لَيْت أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا ... جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلْ حِينَ حَكّتْ بِقُبَاءٍ بَرْكَهَا ... وَاسْتَحَرّ القتل فى عبد الأشل ثمّ خفّوا عند ذَاكُمْ رُقّصًا ... رَقَصَ الْحَفّانِ يَعْلُو فِي الْجَبَلْ فَقَتَلْنَا الضّعْفَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ... وَعَدَلْنَا مَيْلَ بَدْرٍ فاعتدل لا ألوم النّفس إلا أنّا ... لَوْ كَرَرْنَا لَفَعَلْنَا الْمُفْتَعَلْ بِسُيُوفِ الْهِنْدِ تَعْلُو هَامَهُمْ ... عَلَلًا تَعْلُوهُمْ بَعْدَ نَهَلْ رَدّ حَسّانٍ عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الأنصارىّ رضى الله عنه، قال: ذهبت يا ابن الزّبَعْرَى وَقْعَةٌ ... كَانَ مِنّا الْفَضْلُ فِيهَا لَوْ عَدَلْ وَلَقَدْ نِلْتُمْ وَنِلْنَا مِنْكُمْ ... وَكَذَاكَ الْحَرْبُ أَحْيَانًا دُوَلْ نَضَعُ الْأَسْيَافَ فِي أَكْتَافِكُمْ ... حَيْثُ نهوى عللا بعد نهل مخرج الأصبح مِنْ أَسْتَاهِكُمْ ... كَسُلَاحِ النّيبِ يَأْكُلْنَ الْعَصَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إذْ تُوَلّونَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ... هُرّبًا فِي الشّعْبِ أَشْبَاهَ الرّسَلْ إذْ شَدَدْنَا شَدّةً صَادِقَةً ... فَأَجَأْنَاكُمْ إلى سفح الجبل بخناطيل كأشراف الْمَلَا ... مَنْ يُلَاقُوهُ مِنْ النّاسِ يُهَلْ ضَاقَ عنّا الشّعب إذ بحزعه ... وَمَلَأْنَا الْفَرْطَ مِنْهُ وَالرّجَلْ بِرِجَالٍ لَسْتُمْ أَمْثَالَهُمْ ... أُيّدُوا جِبْرِيل نَصْرًا فَنَزَلْ وَعَلَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالتّقَى ... طَاعَةِ اللهِ وَتَصْدِيقِ الرّسُلْ وَقَتَلْنَا كُلّ رَأْسٍ مِنْهُمْ ... وَقَتَلْنَا كُلّ جَحْجَاحٍ رِفَلْ وَتَرَكْنَا فِي قُرَيْشٍ عَوْرَةً ... يَوْمَ بَدْرٍ وَأَحَادِيثَ الْمَثَلْ وَرَسُولُ اللهِ حَقّا شَاهِدٌ ... يَوْمَ بَدْرٍ وَالتّنَابِيلُ الْهُبُلْ فِي قُرَيْشٍ مِنْ جُمُوعٍ جُمّعُوا ... مِثْلَ مَا يُجْمَعُ فِي الْخِصْبِ الْهَمَلْ نَحْنُ لَا أَمْثَالُكُمْ وُلْدَ اسْتِهَا ... نَحْضُرُ النّاسَ إذَا الْبَأْسُ نَزَلْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ: «وَأَحَادِيثَ الْمَثَلْ» وَالْبَيْتَ الّذِي قَبْلَهُ. وَقَوْلَهُ: «فِي قُرَيْشٍ مِنْ جُمُوعٍ جُمّعُوا» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ وَقَتْلَى أُحُدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَقَتْلَى أُحُدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: نَشَجْتَ وَهَلْ لَك مِنْ مَنْشجِ ... وَكُنْتَ مَتَى تَذّكِرْ تَلْجَجْ تَذَكّرَ قَوْمٍ أَتَانِي لَهُمْ ... أَحَادِيثُ فِي الزّمَنِ الْأَعْوَجْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نقلبك مِنْ ذِكْرِهِمْ خَافِقٌ ... مِنْ الشّوْقِ وَالْحَزَنِ الْمُنْضِجْ وَقَتْلَاهُمْ فِي جِنَانِ النّعِيمِ ... كِرَامُ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخْرَجْ بِمَا صَبَرُوا تَحْتَ ظِلّ اللّوَاءِ ... لِوَاءِ الرّسُولِ بِذِي الْأَضْوُجْ غَدَاةَ أَجَابَتْ بِأَسْيَافِهَا ... جَمِيعًا بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجْ وَأَشْيَاعُ أَحْمَدَ إذْ شَايَعُوا ... عَلَى الْحَقّ ذِي النّورِ وَالْمَنْهَجْ فَمَا بَرِحُوا يَضْرِبُونَ الْكُمَاةَ ... وَيَمْضُونَ فِي الْقَسْطَلِ الْمُرْهَجْ كَذَلِكَ حَتّى دَعَاهُمْ مَلِيكٌ ... إلَى جَنّةِ دَوْحَةِ الْمَوْلِجْ فَكُلّهُمْ مَاتَ حُرّ الْبَلَاء ... عَلَى مِلّةِ اللهِ لَمْ يَحْرَجْ كَحَمْزَةِ لَمّا وَفَى صَادِقًا ... بِذِي هَبّةٍ صَارِمٍ سَلْجَجْ فَلَاقَاهُ عَبْدُ بَنِي نَوْفَلٍ ... يُبَرْبِرُ كَالْجَمَلِ الْأَدْعَجْ فَأَوْجَرَهُ حَرْبَةً كَالشّهَابِ ... تَلَهّبُ فِي اللهَبِ الْمُوهَجْ وَنُعْمَانُ أَوْفَى بِمِيثَاقِهِ ... وَحَنْظَلَةُ الْخَيْرِ لَمْ يُحْنِجْ عَنْ الْحَقّ حَتّى غَدَتْ رُوحُهُ ... إلى منزل فاخر الزّبرج أولئك لامن ثَوَى مِنْكُمْ ... مِنْ النّارِ فِي الدّرْكِ الْمُرْتَجْ شِعْرُ ضِرَارٍ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ فَأَجَابَهُ ضرار بن الخطّاب الفهرىّ، فقال: أَيَجْزَعُ كَعْبٌ لِأَشْيَاعِهِ ... وَيَبْكِي مِنْ الزّمَنِ الْأَعْوَجْ عَجِيجَ الْمُذَكّي رَأَى إلْفَهُ ... تَرَوّحَ فِي صَادِرٍ محنج ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَرَاحَ الرّوَايَا وَغَادَرْنَهُ ... يُعَجْعِجُ قَسْرًا وَلَمْ يُحْدَجْ فَقُولَا لِكَعْبٍ يُثَنّي اُلْبُكَا ... وَلِلنّيءِ مِنْ لَحْمِهِ يَنْضَجْ لِمَصْرَعِ إخْوَانِهِ فِي مَكَرّ ... مِنْ الْخَيْلِ ذى قسطل مرهج فياليت عَمْرًا وَأَشْيَاعَهُ ... وَعُتْبَةَ فِي جَمْعِنَا السّوْرَجْ فَيَشْفُوا النّفُوسَ بِأَوْتَارِهَا ... بِقَتْلَى أُصِيبَتْ مِنْ الْخَزْرَجْ وَقَتْلَى مِنْ الْأَوْسِ فِي مَعْرَكٍ ... أُصِيبُوا جَمِيعًا بِذِي الْأَضْوُجْ وَمَقْتَلِ حَمْزَةَ تَحْتَ اللّوَاءِ ... بِمُطّرِدِ، مَارِنٍ، مُخْلَجْ وَحَيْثُ انْثَنَى مُصْعَبٌ ثَاوِيًا ... بِضَرْبَةٍ ذِي هَبّةٍ سَلْجَجْ بِأُحُدٍ وَأَسْيَافُنَا فِيهِمْ ... تَلَهّبُ كَاللهَبِ الْمُوهَج غَدَاةَ لَقِينَاكُمْ فِي الْحَدِيدِ ... كَأُسْدِ الْبَرَاحِ فَلَمْ تُعْنَجْ بِكُلّ مُجَلّحَةٍ كَالْعُقَابِ ... وَأَجْرَدَ ذِي مَيْعَةٍ مُسْرَجْ فَدُسْنَاهُمْ ثَمّ حَتّى انْثَنَوْا ... سِوَى زاهق النّفس أو محرج قال ابن هشام: وبعض أهل؟؟؟ يُنْكِرُهَا لِضِرَارٍ. وَقَوْلُ كَعْبٍ: «ذِي النّورِ وَالْمَنْهَجْ» عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ. شِعْرُ ابْنِ الزّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ، يبكى القتلى: أَلَا ذَرَفَتْ مِنْ مُقْلَتَيْك دُمُوعُ ... وَقَدْ بَانَ مِنْ حَبْلِ الشّبَابِ قُطُوعُ وَشَطّ بِمَنْ تَهْوَى الْمَزَارُ وَفَرّقَتْ ... نَوَى الْحَيّ دَارٌ بِالْحَبِيبِ فَجُوعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَلَيْسَ لِمَا وَلّى عَلَى ذِي حَرَارَةٍ ... وَإِنْ طال تذراف الدموع رجوع فذرذا وَلَكِنْ هَلْ أَتَى أُمّ مَالِكٍ ... أَحَادِيثُ قَوْمِي وَالْحَدِيثُ يَشِيعُ وَمُجْنَبُنَا جُرْدًا إلَى أَهْلِ يَثْرِبَ ... عناجج مِنْهَا مُتْلَدٌ وَنَزِيعُ عَشِيّةَ سِرْنَا فِي لُهَامٍ يَقُودُنَا ... ضَرُورُ الْأَعَادِي لِلصّدِيقِ نَفُوع نَشُدّ عَلَيْنَا كلّ زغّف كأنها ... غدير بضوج الواديين نقيع فَلَمّا رَأَوْنَا خَالَطَتْهُمْ مَهَابَةٌ ... وَعَايَنَهُمْ أَمْرٌ هُنَاكَ فظيع وودّوا لوان الْأَرْضَ يَنْشَقّ ظَهْرُهَا ... بِهِمْ وَصَبُورُ الْقَوْمِ ثَمّ جَزُوعُ وَقَدْ عُرّيَتْ بِيضٌ كَأَنّ وَمِيضَهَا ... حَرِيقٌ تَرَقّى فِي الْآبَاءِ سَرِيعُ بِأَيْمَانِنَا نَعْلُو بِهَا كُلّ هَامَةٍ ... وَمِنْهَا سِمَامٌ لِلْعَدُوّ ذَرِيعُ فَغَادَرْنَ قَتْلَى الْأَوْسِ غَاصِبَةً بِهِمْ ... ضِبَاعٌ وَطَيْرٌ يَعْتَفِيَن وُقُوعُ وَجَمْعُ بَنِي النّجّارِ فِي كُلّ تَلْعَةٍ ... بِأَبْدَانِهِمْ مِنْ وَقْعِهِنّ نَجِيعُ وَلَوْلَا عُلُوّ الشّعْبِ غَادَرْنَ أَحْمَدَا ... وَلَكِنْ عَلَا والسّمْهَرِيّ شُرُوعُ كَمَا غَادَرَتْ فِي الْكَرّ حَمْزَةَ ثَاوِيًا ... وَفِي صَدْرِهِ ماضى الشّباة وقيع ونعمان قد غادرن تحت لوائه ... عَلَى لَحْمِهِ طَيْرٌ يَجُفْنَ وُقُوعُ بِأُحُدِ وَأَرْمَاحُ الْكُمَاةِ يُرِدْنَهُمْ ... كَمَا غَالَ أَشْطَانَ الدّلَاءِ نُزُوعُ شِعْرُ حَسّانٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى فأجابه حسّان بن ثابت، فقال: ؟؟؟ من أتم الْوَلِيدِ رُبُوعٌ ... بَلَاقِعُ مَا مِنْ أَهْلِهِنّ جَمِيعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَفَاهُنّ صَيْفِيّ الرّيَاحِ وَوَاكِفٌ ... مِنْ الدّلْوِ رَجّافُ السّحَابِ هَمُوعُ فَلَمْ يَبْقَ إلّا مَوْقِدُ النّارِ حَوْلَهُ ... رَوَاكِدُ أَمْثَالِ الْحَمَامِ كُنُوعُ فَدَعْ ذِكْرَ دَارٍ بَدّدَتْ بَيْنَ أَهْلِهَا ... نَوًى لِمَتِينَاتِ الْحِبَالِ قطوع وقل إن يكن يوم بأحد يعدّ ... سَفِيهٌ فَإِنّ الْحَقّ سَوْفَ يَشِيعُ فَقَدْ صَابَرَتْ فِيهِ بَنُو الْأَوْسِ كُلّهُمْ ... وَكَانَ لَهُمْ ذِكْرٌ هُنَاكَ رَفِيعُ وَحَامَى بَنُو النّجّارِ فِيهِ وَصَابَرُوا ... وَمَا كَانَ مِنْهُمْ فِي اللّقَاءِ جَزُوعُ أَمَامَ رَسُولِ اللهِ لَا يَخْذُلُونَهُ ... لَهُمْ نَاصِرٌ مِنْ ربّهم وشفيع وفوا إذ كفرتم ياسخين بِرَبّكُمْ ... وَلَا يَسْتَوِي عَبْدٌ وَفَى وَمُضِيعُ بِأَيْدِيهِمْ بيض إذا حمش الوغى ... فلا بُدّ أَنْ يَرْدَى لَهُنّ صَرِيعُ كَمَا غَادَرَتْ فِي النّقْعِ عُتْبَةَ ثَاوِيًا ... وَسَعْدًا صَرِيعًا وَالْوَشِيجُ شُرُوعُ وَقَدْ غَادَرَتْ تَحْتَ الْعَنَاجَةِ مُسْنَدًا ... أَبِيّا وَقَدْ بَلّ الْقَمِيصَ نَجِيعُ يَكُفّ رَسُولُ اللهِ حيث تنضّبت ... عَلَى الْقَوْمِ مِمّا قَدْ يُثِرْنَ نُقُوعُ أُولَئِكَ قَوْمٌ سَادَة مِنْ فُرُوعِكُمْ ... وَفِي كُلّ قَوْمٍ سَادَةٌ وَفُرُوعُ بِهِنّ نُعِزّ اللهَ حَتّى يُعَزّنَا ... وإن كان أمر ياسخين فَظِيعُ فَلَا تَذْكُرُوا قَتْلَى وَحَمْزَةُ فِيهُمُ ... قَتِيلٌ ثَوَى لِلّهِ وَهْوَ مُطِيعُ فَإِنّ جِنَانَ الْخُلْدِ مَنْزِلَةٌ لَهُ ... وَأَمْرُ الّذِي يَقْضِي الْأُمُورَ سَرِيعُ وَقَتْلَاكُمْ فِي النّارِ أَفْضَلُ رِزْقِهِمْ ... حَمِيمٌ مَعَا فى جوفها وصريع ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شِعْرُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ قال ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر يُنْكِرُهُمَا لِحَسّانٍ وَابْنِ الزّبَعْرَى وَقَوْلُهُ: «مَاضِي الشّبَاةِ، وَطَيْرٌ يَجِفْنَ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. وَقَالَ ابن إسحاق: وقال عمرو بن العاصى (فى) يوم أحد: خَرَجْنَا مِنْ الْفَيْفَا عَلَيْهِمْ كَأَنّنَا ... مَعَ الصّبْحِ مِنْ رَضْوَى الْحَبِيكِ الْمُنَطّقِ تَمَنّتْ بَنُو النّجّارِ جَهْلًا لِقَاءَنَا ... لَدَى جَنْبِ سَلْعٍ وَالْأَمَانِيّ تَصْدُقُ فَمَا رَاعَهُمْ بِالشّرّ إلّا فُجَاءَةَ ... كَرَادِيسُ خَيْلٍ فِي الْأَزِقّةِ تَمْرُقُ أَرَادُوا لِكَيْمَا يَسْتَبِيحُوا قِبَابَنَا ... وَدُونِ الْقِبَابِ الْيَوْمَ ضَرْبٌ مُحَرّقُ وَكَانَتْ قِبَابًا أو منت قَبْلَ مَا تَرَى ... إذْ رَامَهَا قَوْمٌ أُبِيحُوا وأحنقوا كأنّ رؤس الخزرجيّين غدوة ... وأيمانهم بالمشرقيّة بَرْوَقُ شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ العاصى فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ: أَلَا أَبْلَغَا فِهْرًا عَلَى نَأْيِ دَارِهَا ... وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِنَا الْيَوْمَ مَصْدَقُ بِأَنّا غَدَاةَ السّفْحِ مِنْ بَطْنِ يَثْرِبِ ... صَبَرْنَا وَرَايَاتُ الْمَنِيّةِ تَخْفِقُ صَبَرْنَا لَهُمْ وَالصّبْرُ مِنّا سَجِيّةٌ ... إذَا طَارَتْ الْأَبْرَامُ نَسْمُو وَنَرْتُقُ عَلَى عَادَةِ تِلْكُمْ جَرَيْنَا بِصَبْرِنَا ... وَقِدْمًا لَدَى الْغَايَاتِ نَجْرِي فَنَسْبِقُ لَنَا حَوْمَةٌ لَا تُسْتَطَاعُ يَقُودُهَا ... نَبِيّ أَتَى بِالْحَقّ عَفّ مُصَدّقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَلَا هَلْ أَتَى أَفْنَاءَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ ... مُقَطّعُ أَطْرَافٍ وَهَامٌ مُفَلّقُ شِعْرُ ضِرَارٍ فِي يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ضِرَارُ بن الخطّاب: إنّي وَجَدّك لَوْلَا مُقْدَمِي فَرَسِي ... إذْ جَالَتْ الْخَيْلُ بَيْنَ الْجِزْعِ وَالْقَاعِ مَا زَالَ مِنْكُمْ بِجَنْبِ الْجَزْعِ مِنْ أُحُدٍ ... أَصْوَاتُ هَامٍ تَزَاقى أَمْرُهَا شَاعِي وَفَارِسٌ قَدْ أَصَابَ السّيْفُ مَفْرِقَهُ ... أَفْلَاقُ هَامَتِهِ كَفَرْوَةِ الرّاعِي إنّي وَجَدّك لَا أَنْفَك مُنْتَطِقًا ... بِصَارِمٍ مِثْلَ لَوْنِ الْمِلْحِ قَطّاعِ عَلَى رِحَالَةِ مِلْوَاحٍ مُثَابَرَةٍ ... نَحْوَ الصّرِيخِ إذَا مَا ثَوّبَ الدّاعِي وَمَا انْتَمَيْت إلَى خُورٍ وَلَا كُشُفٍ ... وَلَا لِئَامٍ غَدَاةَ الْبَأْسِ أَوْرَاعِ بَلْ ضَارِبِينَ حَبِيك الْبِيضَ إذْ لَحِقُوا ... شُمّ الْعَرَانِينَ عِنْدَ الْمَوْتِ لُذّاعِ شُمّ بَهَالِيلُ مُسْتَرْخٍ حَمَائِلُهُمْ ... يَسْعَوْنَ لِلْمَوْتِ سَعْيًا غَيْرَ دَعْدَاعِ وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ أَيْضًا: لَمّا أَتَتْ مِنْ بَنِي كَعْبٍ مُزَيّنَةً ... وَالْخَزْرَجِيّةُ فِيهَا الْبِيضُ تَأْتَلِقُ وَجَرّدُوا مَشْرَفِيّاتٍ مُهَنّدَةً ... وَرَايَةً كَجَنَاحِ النّسْرِ تَخْتَفِقُ فَقُلْت يَوْمٌ بِأَيّامِ وَمَعْرَكَةٌ ... تُنْسَى لِمَا خَلْفَهَا مَا هُزْهُزُ الْوَرَقِ قَدْ عُوّدُوا كُلّ يَوْمٍ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ ... رِيحُ الْقِتَالِ وَأَسْلَابُ الّذِينَ لَقَوْا خَيّرْت نَفْسِي عَلَى مَا كَانَ مِنْ وَجَلٍ ... مِنْهَا وَأَيْقَنْت أَنّ الْمَجْدَ مُسْتَبَقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَكْرَهْت مُهْرِي حَتّى خَاضَ غَمْرَتَهُمْ ... وَبَلّهُ مِنْ نَجِيعٍ عَانِكٍ عَلَقُ فَظَلّ مُهْرِي وَسِرْبَالِي جَسِيدُهُمَا ... نَفَخَ الْعُرُوقَ رِشَاشُ الطّعْنِ وَالْوَرَقُ أَيْقَنْت أَنّي مُقِيمٌ فِي دِيَارِهِمْ ... حَتّى يُفَارِقَ مَا فِي جَوْفِهِ الْحَدَقُ لَا تَجْزَعُوا يَا بَنِي مَخْزُومٍ إنّ لَكُمْ ... مِثْلَ الْمُغِيرَةِ فِيكُمْ مَا بِهِ زَهَقُ صَبْرًا فَدَى لَكُمْ أُمّي وَمَا وَلَدَتْ ... تَعَاوَرُوا الضّرْبَ حَتّى يُدْبِرَ الشّفَقُ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي: لَمّا رَأَيْت الْحَرْبَ يَنْـ ... زُو شَرّهَا بِالرّضْفِ نَزْرَا وَتَنَاوَلَتْ شَهْبَاءُ تَلْحُـ ... والنّاسَ بِالضّرّاءِ لَحْوًا أَيْقَنْت أَنّ الْمَوْتَ حَقّ ... وَالْحَيَاةَ تَكُونُ لَغْوًا حَمَلَتْ أَثَوَابِي عَلَى ... عَتَدٍ يَبُذّ الْخَيْلَ رَهْوَا سَلِسٍ إذَا نُكِبْنَ فِي الْ ... بَيْدَاءِ يَعْلُو الطّرَفَ عُلْوَا وَإِذَا تَنَزّلَ مَاؤُهُ ... مِنْ عِطْفِهِ يَزْدَادُ زَهْوَا رَبِذٍ كَيَعْفُورِ الصّرِيـ ... مَةِ رَاعَهُ الرّامُونَ دَحْوَا شَنِجٍ نَسَاهُ ضَابِطٍ ... لِلْخَيْلِ إرْخَاءً وَعَدْوَا فَفِدَى لَهُمْ أُمّي غَدَا ... ةَ الرّوْعِ إذْ يَمْشُونَ قَطْوَا سَيْرًا إلَى كَبْشِ الْكَتِيـ ... بَةِ إذْ جَلَتْهُ الشّمْسُ جَلْوَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِعَمْرِو. شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُمَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ أَبْلِغْ قُرَيْشًا وَخَيْرُ الْقَوْلِ أَصْدَقُهُ ... وَالصّدْقُ عِنْدَ ذَوِي الْأَلْبَابِ مَقْبُولُ أَنْ قَدْ قَتَلْنَا بِقَتْلَانَا سَرَاتُكُمْ ... أَهْلَ اللّوَاءِ فَفِيمَا يَكْثُرُ الْقِيلُ وَيَوْمَ بَدْرٍ لَقِينَاكُمْ لَنَا مَدَدٌ ... فِيهِ مَعَ النّصْرِ مِيكَالُ وَجِبْرِيلُ إنْ تَقْتُلُونَا فَدِينُ الْحَقّ فِطْرَتُنَا ... وَالْقَتْلُ فِي الْحَقّ عِنْدَ اللهِ تَفضِيلُ وَإِنْ تَرَوْا أَمْرَنَا فِي رَأْيِكُمْ سَفَهًا ... فَرَأْيُ مَنْ خَالَفَ الْإِسْلَامَ تَضْلِيلُ فَلَا تَمَنّوْا لِقَاحَ الْحَرْبِ وَاقْتَعِدُوا ... إنّ أَخَا الْحَرْبِ أَصْدَى اللّوْنِ مَشْغُولُ إنّ لَكُمْ عِنْدَنَا ضَرْبًا تَرَاحُ لَهُ ... عُرْجُ الضّبَاعِ لَهُ خَذْمٌ رَعَابِيلُ إنّا بَنُو الْحَرْبِ نَمْرِيهَا وَنَنْتُجُهَا ... وَعِنْدَنَا لِذَوِي الْأَضْغَانِ تَنْكِيلُ إنْ يَنْجُ مِنْهَا ابْنُ حَرْبٍ بَعْدَمَا بَلَغَتْ ... مِنْهُ التّرَاقِي، وَأَمْرُ اللهِ مَفْعُولُ فَقَدْ أَفَادَتْ لَهُ حِلْمًا وَمَوْعِظَةً ... لِمَنْ يَكُونُ لَهُ لُبّ وَمَعْقُولُ وَلَوْ هَبَطْتُمْ بِبَطْنِ السّيْلِ كَافَحَكُمْ ... ضَرْبٌ بِشَاكِلَةِ الْبَطْحَاءِ تَرْعِيلُ تَلْقَاكُمْ عُصَبٌ حَوْلَ النّبِيّ لَهُمْ ... مِمّا يُعِدّونَ لِلْهَيْجَا سَرَابِيلُ مِنْ جِذَمُ غَسّانَ مُسْتَرْخٍ حَمَائِلُهُمْ ... لَا جُبَنَاءُ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ يَمْشُونَ تَحْتَ عَمَايَاتِ الْقِتَالِ كَمَا ... تَمْشِي الْمَصَاعِبَةُ الْأُدْمُ الْمَرَاسِيلُ أَوْ مِثْلَ مَشْيِ أُسُودِ الظّلّ أَلْثَقَهَا ... يَوْمَ رَذَاذٍ مِنْ الْجَوْزَاءِ مَشْمُولُ فِي كُلّ سَابِغَةٍ كَالنّهْيِ مُحْكَمَةٍ ... قِيَامُهَا فَلَجٌ كَالسّيْفِ بُهْلُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تَرُدّ حَدّ قِرَامِ النّبْلِ خَاسِئَةً ... وَيَرْجِعُ السّيْفُ عَنْهَا وَهُوَ مَفْلُولُ وَلَوْ قَذَفْتُمْ بِسَلْعِ عَنْ ظهوركم ... وللحياة ودفع الموت تأجيل مازال فِي الْقَوْمِ وِتْرٌ مِنْكُمْ أَبَدًا ... تَعْفُو السّلَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَطْلُولُ عَبْدٌ وَحُرّ كَرِيمٌ مُوثِقٌ قَنَصًا ... شَطْرَ الْمَدِينَةِ مَأْسُورٌ وَمَقْتُولُ كُنّا نُؤَمّلُ أُخْرَاكُمْ فَأَعْجَلَكُمْ ... مِنّا فَوَارِسُ لَا عُزْلٌ وَلَا مِيلُ إذَا جَنَى فِيهِمْ الْجَانِي فَقَدْ عَلِمُوا ... حَقّا بِأَنّ الّذِي قَدْ جَرّ مَحْمُولُ مَا نَحْنُ لَا نَحْنُ مِنْ إثْمٍ مُجَاهَرَةً ... وَلَا مَلُومٌ وَلَا فِي الْغُرْمِ مَخْذُولُ شِعْرُ حَسّانٍ فِي أَصْحَابِ اللّوَاءِ وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ، يَذْكُرُ عُدّةَ أَصْحَابِ اللّوَاءِ يَوْمَ أُحُدٍ: - قَالَ ابن هشام: هذه أحسن ما قيل- مَنَعَ النّوْمَ بِالْعَشَاءِ الْهُمُومُ ... وَخَيّالٌ إذَا تَغُورُ النّجُومُ مِنْ حَبِيبٍ أَضَافَ قَلْبَك مِنْهُ ... سَقَمٌ فَهُوَ دَاخِلٌ مَكْتُومُ يَا لَقَوْمِي هَلْ يَقْتُلُ الْمَرْءَ مِثْلِي ... وَاهِنُ الْبَطْشِ وَالْعِظَامِ سَؤُومُ لَوْ يدبّ الحولىّ من ولد الذ ... رّ عليها لأندبتها الكلوم شَأْنُهَا الْعِطْرُ وَالْفِرَاشُ وَيَعْلُو ... هَا لُجَيْنٌ وَلُؤْلُؤٌ مَنْظُومُ لَمْ تَفُتْهَا شَمْسُ النّهَارِ بِشَيْءٍ ... غَيْرَ أَنّ الشّبَابَ لَيْسَ يَدُومُ إنّ خَالِي خَطِيبُ جَابِيَةِ الْجَوْ ... لَانِ عِنْدَ النّعْمَانِ حِينَ يَقُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَأَنَا الصّقْرُ عِنْدَ بَابِ ابْنِ سَلْمَى ... يَوْمَ نُعْمَانَ فِي الْكُبُولِ سَقِيمُ وَأَبِيّ وَوَاقِدٌ أُطْلِقَا لى ... يوم راحا وكلبهم مَخْطُومُ وَرَهَنْتُ الْيَدَيْنِ عَنْهُمْ جَمِيعًا ... كُلّ كَفّ جُزْءٍ لَهَا مَقْسُومُ وَسَطَتْ نِسْبَتِي الذّوَائِبَ مِنْهُمْ ... كُلّ دَارٍ فِيهَا أَبٌ لِي عَظِيمُ وَأُبَيّ فِي سُمَيْحَةِ الْقَائِلِ الْفاَ ... صِلِ يَوْمَ الْتَقَتْ عَلَيْهِ الْخُصُومُ تِلْكَ أَفْعَالُنَا وَفِعْلُ الزّبَعْرَى ... خَامِلٌ فِي صَدِيقِهِ مَذْمُومُ رُبّ حِلْمٍ أَضَاعَهُ عَدَمُ الْمَا ... لِ وَجَهْلٍ غطا عليه النّعيم إن دهرا يبور فيه ذوو العلم ... لدهر هو العتوّ الزنيم لَا تُسَبّنّني فَلَسْتَ بِسَبّي ... إنّ سَبّي مِنْ الرّجَالِ الْكَرِيمُ مَا أُبَالِي أَنَبّ بِالْحَزْنِ تَيْسٌ ... أَمْ لَحَانِي بِظَهْرِ غَيْبٍ لَئِيمُ وَلِيَ الْبَأْسَ مِنْكُمْ إذْ رَحَلْتُمْ ... أَسِرّةٌ مِنْ بَنِي قُصَيّ صَمِيمُ تِسْعَةٌ تَحْمِلُ اللّوَاءَ وَطَارَتْ ... فِي رَعَاعٍ مِنْ الْقَنَا مَخْزُومُ وَأَقَامُوا حَتّى أُبِيحُوا جَمِيعًا ... فِي مَقَامٍ وَكُلّهُمْ مَذْمُومُ بِدَمٍ عَانِكٍ وَكَانَ حِفَاظًا ... أَنْ يُقِيمُوا إنّ الْكَرِيمَ كَرِيمُ وَأَقَامُوا حتى أزيروا شعوبا ... والقنا فى نحورهم مخطوم وَقُرَيْشٌ تَفِرّ مِنّا لِوَاذًا ... أَنْ يُقِيمُوا وَخَفّ مِنْهَا الْحُلُومُ لَمْ تَطُقْ حَمْلَهُ الْعَوَاتِقُ مِنْهُمْ ... إنّمَا يَحْمِلُ اللّواء النّجوم قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ حَسّانٌ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مَنَعَ النّوْمَ بِالْعِشَاءِ الْهُمُومُ لَيْلًا، فَدَعَا قَوْمَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: خَشِيت أَنْ يُدْرِكَنِي أَجَلِي قَبْلَ أَنْ أُصْبِحَ، فَلَا تَرْوُوهَا عَنّي. قَالَ ابْنُ هشام: أنشدنى أبو عبيدة للحجّاج بْنِ عِلَاطٍ السّلَمِيّ يَمْدَحُ أَبَا الْحَسَنِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَيَذْكُرُ قَتْلَهُ طلحة بن أبى طلحة ابن عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، صَاحِبِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ: لِلّهِ أَيّ مُذَبّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ ... أَعْنِي ابْنَ فَاطِمَةَ الْمُعَمّ الْمُخْوِلَا سَبَقَتْ يَدَاكَ لَهُ بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ ... تَرَكَتْ طُلَيْحَةَ لِلْجَبِينِ مُجَدّلَا وَشَدَدْتَ شَدّةَ بَاسِلٍ فَكَشَفْتهمْ ... بالجرّ إذ تهوون أَخْوَلَ أَخْوَلَا شِعْرُ حَسّانٍ فِي قَتْلَى يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوم أحد: يامىّ قُومِي فَانْدُبِنْ ... بِسُحَيْرَةٍ شَجْوَ النّوَائِحِ كَالْحَامِلَاتِ الْوِقْرِ بِال ... ثّقَلِ الْمُلِحّاتِ الدّوَالِحِ الْمُعْوِلَاتُ الْحَامِشَا ... تُ وُجُوهَ حُرّاتٍ صَحَائِحِ وَكَأَنّ سَيْلَ دُمُوعِهَا الْ ... أَنْصَابُ تُخْضَبُ بِالذّبَائِحِ يَنْقُضْنَ أَشْعَارًا لَهُنّ ... هُنَاكَ بادية المسائح ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وكأنّها أذناب خيل ... بالضّحى شمس روامح من بين مشرور ومجزور ... يُذَعْذَع بِالْبَوَارِحِ يَبْكِينَ شَجْوًا مُسْلِبَا ... تٍ كَدّحَتْهُنّ الكَوَادِح وَلَقَدْ أَصَابَ قُلُوبَهَا ... مَجْلٌ لَهُ جُلَبٌ قَوَارِحُ إذْ أَقْصَدِ الْحِدْثَانَ مَنْ ... كُنّا نُرَجّي إذ تشايح أَصْحَابَ أُحْدٍ غَالَهُمْ ... دَهْرٌ أَلَمّ لَهُ جَوَارِحُ مَنْ كَانَ فَارِسَنَا وَحَا ... مِينَا إذَا بُعِثَ الْمَسَالِحُ يَا حَمْزَ، لَا وَاَللهِ لَا ... أَنْسَاكَ ماصرّ اللّقائح لمناخ أيتام وأضياف ... وأرملة تلامح وَلِمَا يَنُوبُ الدّهْرُ فِي ... حَرْبٍ لِحَرْبٍ وَهْيَ لَاقِحُ يَا فَارِسًا يَا مِدْرَهًا ... يَا حَمْزَ قَدْ كُنْتَ الْمُصَامِحَ عَنّا شَدِيدَاتِ الْخُطُو ... بِ إذَا يَنُوبُ لَهُنّ فَادِحْ ذَكّرْتنِي أَسَدَ الرّسُو ... ل، وذاك مدرهنا المنافح عنّا وكان بعدّ إذْ ... عُدّ الشّرِيفُونَ الْجَحَاجِحْ يَعْلُو الْقَمَاقِمَ جَهْرَةً ... سَبْطَ الْيَدَيْنِ أَغَرّ وَاضِحْ لَا طَائِشٌ رَعِشٌ وَلَا ... ذُو عِلّةٍ بِالْحِمْلِ آنِحْ بَحْرٌ فَلَيْسَ يُغِبّ جَا ... رًا مِنْهُ سَيْبٌ أَوْ مَنَادِحْ أَوْدَى شَبَابُ أُولِي الْحَفَا ... ئِظِ وَالثّقِيلُونَ الْمَرَاجِحْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْمُطْعِمُونَ إذَا الْمَشَا ... تِي مَا يُصَفّفهُنّ نَاضِحْ لَحْمَ الْجِلَادِ وَفَوْقَهُ ... مِنْ شَحْمِهِ شُطَبٌ شَرَائِحْ ليدافعو عَنْ جَارِهِمْ ... مَا رَامَ ذُو الضّغْنِ الْمُكَاشِحْ لهفى لشبّان رزئناهم ... كَأَنّهُمْ المَصَابِحْ شُمّ، بَطَارِقَةٌ، غَطَا ... رِفةٌ، خَضَارِمَةٌ، مسامح المشترون الحمد بالمأموال ... إنّ الحمد رابح والجامزون بِلُجْمِهِمْ ... يَوْمًا إذَا مَا صَاحَ صَائِح مَنْ كَانَ يُرْمَى بِالنّوَا ... قِرِ مِنْ زَمَانٍ غَيْرِ صَالِح مَا إنْ تَزَالُ رِكَابُهُ ... يَرْسِمْنَ فِي غبر صحاصح رَاحَتْ تَبَارَى وَهُوَ فِي ... رَكْبٍ صُدُورُهُمْ رَوَاشِحْ حَتّى تَئُوبَ لَهُ الْمَعَا ... لِي لَيْسَ مِنْ فَوْزِ السّفَائِحْ يَا حَمْزُ قَدْ أَوْحَدْتَنِي ... كَالْعُودِ شَذّ بِهِ الْكَوَافِحُ أَشْكُو إلَيْك وَفَوْقَك الْـ ... تّرَابُ الْمُكَوّرُ وَالصّفَائِحُ مِنْ جَنْدَلٍ نُلْقِيهِ فَوْ ... قَك إذْ أَجَادَ الضّرْحُ ضَارِحُ فِي وَاسِعٍ يَحْشُونَهُ ... بِالتّرْبِ سَوّتْهُ الْمَمَاسِحُ فَعَزَاؤُنَا أَنّا نَقُو ... لُ وَقَوْلُنَا بَرْحٌ بَوَارِحُ مَنْ كَانَ أَمْسَى وَهُوَ عَمّـ ... ـا أَوْقَعَ الْحِدْثَانُ جَانِحُ فَلْيَأْتِنَا فَلْتَبْكِ عَيْـ ... ـنَاهُ لِهَلْكَانَا النّوَافِحُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْقَائِلِينَ الْفَاعِلِينَ ... ذَوِي السّمَاحَةِ وَالْمَمَادِحِ مَنْ لَا يَزَالُ نَدَى يَدَيْهِ ... لَهُ طَوَالَ الدّهْرِ مَائِحُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسّانَ وَبَيْتُهُ " الْمُطْعِمُونَ إذَا الْمَشَاتِي " وَبَيْتُهُ " الْجَامِزُونَ بِلُجُمِهِمْ " وَبَيْتُهُ " مَنْ كَانَ يَرْمِي بِالنّوَاقِرِ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: أَتَعْرِفُ الدّارَ عَفَا رَسْمُهَا ... بَعْدَك صَوْبَ الْمُسَنْبَلِ الْهَاطِلِ بَيْنَ السّرَادِيحِ فَأُدْمَانَةٍ ... فَمَدْفَعُ الرّوْحَاءِ فِي حَائِلِ سَاءَلْتهَا عَنْ ذَاكَ فَاسْتَعْجَمَتْ ... لَمْ تَدْرِ مَا مَرْجُوعَةُ السّائِلِ؟ دَعْ عَنْك دَارًا قَدْ عَفَا رَسْمُهَا ... وَابْكِ عَلَى حَمْزَةَ ذِي النّائِلِ الْمَالِئِ الشّيزَي إذَا أَعْصَفَتْ ... غَبْرَاءُ فِي ذِي الشّيْمِ الْمَاحِلِ وَالتّارِكِ الْقِرْنَ لَدَى لِبْدَةٍ ... يَعْثُرُ فِي ذِي الْخُرُصِ الذّابِلِ وَاللّابِسِ الْخَيْلَ إذْ أَجْحَمَتْ ... كَاللّيْثِ فِي غَابَتِهِ الْبَاسِلِ أَبْيَضُ فِي الذّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... لَمْ يَمُرّ دُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ مَالَ شَهِيدًا بَيْنَ أَسْيَافِكُمْ ... شُلّتْ يَدًا وَحْشِيّ مِنْ قَاتِلِ أَيّ امْرِئِ غَادَرَ فِي أَلّةٍ ... مَطْرُورَةٍ مَارِنَةِ الْعَامِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَظْلَمَتْ الْأَرْضُ لِفِقْدَانِهِ ... وَاسْوَدّ نُورُ الْقَمَرِ النّاصِلِ صَلّى عَلَيْهِ اللهُ فِي جَنّةٍ ... عَالِيَةٍ مُكْرَمَةِ الدّاخِلِ كُنّا نَرَى حَمْزَةَ حِرْزًا لَنَا ... فِي كُلّ أَمْرٍ نَابَنَا نَازِلِ وَكَانَ فِي الْإِسْلَامِ ذَا تُدْرَإِ ... يَكْفِيك فَقْدَ الْقَاعِدِ الْخَاذِلِ لَا تَفْرَحِي يَا هِنْدُ وَاسْتَحْلِبِي ... دَمْعًا وَأَذْرِي عِبْرَة الثاكل أبْكِي عَلَى عُتْبَةَ إذْ قَطّهُ ... بِالسّيْفِ تَحْتَ الرّهْجِ الْجَائِلِ إذَا خَرّ فِي مَشْيَخَةٍ مِنْكُمْ ... مِنْ كُلّ عَاتٍ قَلْتُةُ جَاهِلِ أَرْدَاهُمْ حَمْزَةُ فِي أُسْرَةٍ ... يَمْشُونَ تَحْتَ الْحَلَقِ الْفَاضِلِ غَدَاةَ جِبْرِيلَ وَزِيرٌ لَهُ ... نِعْمَ وَزِيرُ الْفَارِسِ الْحَامِلِ شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: طَرَقَتْ هُمُومُك فَالرّقَادُ مُسَهّدُ ... وَجَزِعْت أَنْ سُلِخَ الشّبَابُ الْأَغْيَدُ وَدَعَتْ فُؤَادَك لِلْهَوَى ضَمْرِيّةٌ ... فَهَوَاك غَوْرِيّ وَصَحْوُك مُنْجِدُ فَدَعْ التّمَادِي فِي الْغَوَايَةِ سَادِرًا ... قَدْ كُنْت فِي طَلَبِ الْغَوَايَةِ تُفْنَدُ وَلَقَدْ أَتَى لَك أَنّ تَنَاهَى طَائِعًا ... أَوْ تَسْتَفِيقَ إذَا نَهَاك الْمُرْشِدُ وَلَقَدْ هُدِدْتُ لِفَقْدِ حَمْزَةَ هَدّةً ... ظَلّتْ بَنَاتُ الْجَوْفِ مِنْهَا تَرْعَدُ وَلَوْ أَنّهُ فُجِعَتْ حِرَاءُ بِمِثْلِهِ ... لَرَأَيْتُ رَاسِيَ صَخْرِهَا يَتَبَدّدُ قَرْمٌ تَمَكّنَ فِي ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ ... حَيْثُ النّبُوّةُ وَالنّدَى والسّودَد ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَالْعَاقِرُ الْكُومَ الْجِلَاد إذَا غَدَتْ ... رِيحٌ يَكَادُ الْمَاءُ مِنْهَا يَجْمُدُ وَالتّارِكُ الْقِرْنَ الْكَمِيّ مُجَدّلًا ... يَوْمَ الْكَرِيهَةِ وَالْقَنَا يَتَقَصّدُ وَتَرَاهُ يَرْفُلُ فِي الحديد كأنّه ... ذو لبدة شثن البرائن أَرْبَدُ عَمّ النّبِيّ مُحَمّدٍ وَصَفِيّهُ ... وَرَدَ الْحِمَامَ فَطَابَ ذَاكَ الْمَوْرِدُ وَأَتَى الْمَنِيّةَ مُعْلِمًا فِي أُسْرَةٍ ... نَصَرُوا النّبِيّ وَمِنْهُمْ الْمُسْتَشْهَدُ وَلَقَدْ إخَالُ بِذَاكَ هِنْدًا بُشّرَتْ ... لَتُمِيت دَاخِلَ غُصّةٍ لَا تَبْرُدُ مِمّا صَبّحْنَا بالعَقَنْقَل قَوْمَهَا ... يَوْمًا تَغَيّبْ فِيهِ عَنْهَا الْأَسْعَدُ وَبِبِئْرِ بَدْرٍ إذْ يَرُدّ وُجُوهَهُمْ ... جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحَمّدُ حَتّى رَأَيْتُ لَدَى النّبِيّ سَرَاتَهُمْ ... قِسْمَيْنِ: يَقْتُل مَنْ نَشَاءُ وَيَطْرُدُ فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطّنِ مِنْهُمْ ... سَبْعُونَ: عُتْبَةُ مِنْهُمْ وَالْأَسْوَدُ وَابْنُ الْمُغِيرَةِ قَدْ ضَرَبْنَا ضَرْبَةً ... فَوْقَ الْوَرِيدِ لَهَا رَشّاشٌ مُزْبِدُ وَأُمَيّةُ الْجُمَحِيّ قَوّمَ مَيْلَهُ ... عَضْبٌ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ مُهَنّدُ فَأَتَاكَ فلّ المشركين كأنهم ... والخيل تثفهم نَعَامٌ شُرّدُ شَتّانَ مَنْ هُوَ فِي جَهَنّمَ ثَاوِيًا ... أَبَدًا وَمَنْ هُوَ فِي الْجِنَانِ مُخَلّدُ وَقَالَ كَعْبٌ أَيْضًا يَبْكِي حَمْزَةَ: صَفِيّةَ قُومِي وَلَا تَعْجِزِي ... وَبَكّي النّسَاءَ عَلَى حَمْزَةِ وَلَا تَسْأَمِي أَنْ تُطِيلِي اُلْبُكَا ... عَلَى أَسَدِ اللهِ فِي الْهِزّةِ فَقَدْ كَانَ عِزّا لِأَيْتَامِنَا ... وَلَيْثَ الْمَلَاحِمِ فِي الْبِزّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يُرِيدُ بِذَاكَ رِضَا أَحْمَدٍ ... وَرِضْوَانَ ذِي الْعَرْشِ وَالْعِزّةِ شِعْرُ كَعْبٍ فِي أُحُدٍ وَقَالَ كَعْبٌ أيضا فى أحد: إنك عمر أبيك الكريم ... أَنْ تَسْأَلِي عَنْكِ مَنْ يَجْتَدينا فَإِنْ تَسْأَلِي ثَمّ لَا تُكْذَبِي ... يُخْبِرُك مَنْ قَدْ سَأَلْتِ الْيَقِينَا بِأَنّا لَيَالِي ذَاتِ الْعِظَا ... مِ كُنّا ثمالا لمن يعترينا تلوذ النجوم بأذرائنا ... من الضّرّ فى أزمات السّنينا يجدوى فُضُولٍ أُولِي وُجْدِنَا ... وَبِالصّبْرِ وَالْبَذْلِ فِي الْمُعْدِمِينَا وَأَبْقَتْ لَنَا جَلَمات الْحُرُو ... بِ مِمّنْ نُوَازِي لدن أن برينا فعاطن تَهْوِي إلَيْهَا الْحُقُو ... قُ يَحْسِبُهَا مَنْ رَآهَا الفتينا نخيّس فِيهَا عِتَاقُ الْجَمَا ... لِ صُحْما دَوَاجِن حُمْرًا وُجُونَا وَدُفّاعُ رَجْلٍ كَمَوْجِ الْفُرَا ... تِ يَقْدُمُ جَأْوَاء جُولَا طَحُونَا تَرَى لَوْنَهَا مِثْلَ لَوْنِ النّجُو ... مِ رَجْرَاجَةً تُبْرِقُ النّاظِرِينَا فَإِنْ كُنْتَ عَنْ شَأْنِنَا جَاهِلًا ... فَسَلْ عَنْهُ ذَا الْعِلْمِ مِمّنْ يَلِينَا بِنَا كَيْفَ نَفْعَلُ إنْ قَلّصَتْ ... عَوَانًا ضَرُوسًا عَضُوضًا حَجُونَا أَلَسْنَا نَشُدّ عَلَيْهَا الْعِصَا ... بَ حَتّى تَدُرّ وَحَتّى تَلِينَا وَيَوْمٌ لَهُ رَهَجٌ دَائِمٌ ... شَدِيدُ التّهَاوُلِ حَامِي الْأَرِينَا طَوِيلٌ شَدِيدُ أُوَارِ الْقِتَا ... لِ تَنْفِي قَوَاحِزُهُ الْمُقْرِفِينَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تَخَالُ الْكُمَاةَ بِأَعْرَاضِهِ ... ثِمَالًا عَلَى لَذّةٍ مُنْزِفِينَا تَعَاوَرُ أَيْمَانُهُمْ بَيْنَهُمْ ... كُؤُوسَ الْمَنَايَا بِحَدّ الظبينا شَهِدنَا فَكُنَّا أُولِي بَأْسِهِ ... وَتَحْتَ الْعَمَايَةِ وَالْمُعْلِمِينَا بِخُرْسِ الْحَسِيسِ حِسَانٍ رِوَاءٍ ... وَبُصْرِيّةٍ قَدْ أَجَمْنَ الْجُفُونَا فَمَا يَنْفَلِلْنَ وَمَا يَنْحَنِينَ ... وَمَا يَنْتَهِينَ إذَا مَا نُهِينَا كَبَرْقِ الْخَرِيفِ بِأَيْدِي الْكُمَاةِ ... يُفَجّعَن بِالظّلّ هَامًا سُكُونَا وَعَلّمَنَا الضّرْبَ آبَاؤُنَا ... وَسَوْفَ نَعْلَمُ أَيْضًا بَنِينَا جِلَادَ الْكُمَاةِ وَبَذْلَ التّلَا ... دِ عَنْ جُلّ أَحْسَابِنَا مَا بَقِينَا إذَا مَرّ قَرْنٌ كَفَى نَسْلُهُ ... وَأَوْرَثَهُ بَعْدَهُ آخَرِينَا نَشِبّ وَتَهْلِكُ آبَاؤُنَا ... وَبِينَا نُرَبّي بَنِينَا فَنِينَا سَأَلْت بِك ابْنَ الزّبَعْرَى فَلَمْ ... أُنَبّأْك فِي الْقَوْمِ إلّا هَجِينَا خَبِيثًا تُطِيفُ بِك الْمُنْدِيَاتُ ... مُقِيمًا عَلَى اللّؤْمِ حَيْنًا فَحِينَا تَبَجّسْت تَهْجُو رَسُولَ الْمَلِيـ ... ـكِ قَاتَلَك اللهُ جِلْفًا لَعِينَا تَقُولُ الْخَنَائِمُ تَرْمِي بِهِ ... نَقِيّ الثّيَابِ تَقِيّا أَمِينَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ " بِنَا كَيْفَ نَفْعَلُ "، وَالْبَيْتَ الّذِي يَلِيهِ وَالْبَيْتَ الثّالِثَ مِنْهُ وَصَدْرَ الرّابِعَ مِنْهُ وَقَوْلَهُ " نَشِبّ وَتَهْلِكُ آبَاؤُنَا وَالْبَيْتَ الّذِي يَلِيهِ وَالْبَيْتَ الثّالِثَ مِنْهُ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا، فِي يَوْمِ أُحُدٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سَائِلْ قُرَيْشًا غَدَاةَ السّفْحِ مِنْ أُحُدٍ ... مَاذَا لَقِينَا وَمَا لَاقُوا مِنْ الْهَرَبِ كُنّا الْأُسُودَ وَكَانُوا النّمْرَ إذَا زَحَفُوا ... مَا إنْ نُرَاقِبْ مِنْ آلٍ وَلَا نَسَبٍ فَكَمْ تَرَكْنَا بِهَا مِنْ سَيّدٍ بَطَلٍ ... حَامِي الذّمَارِ كَرِيمِ الْجَدّ وَالْحَسَبِ فِينَا الرّسُولُ شِهَابٌ ثُمّ يَتْبَعُهُ ... نُورٌ مُضِيءٌ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الشّهُبِ الْحَقّ مَنْطِقُهُ وَالْعَدْلُ سِيرَتُهُ ... فَمَنْ يُجِبْهُ إلَيْهِ يَنْجُ مِنْ تَبَبِ نَجْدُ الْمُقَدّمِ مَاضِي الْهَمّ مُعْتَزَمٌ ... حِينَ الْقُلُوبِ عَلَى رَجْفٍ مِنْ الرّعُبِ يَمْضِي وَيَذْمُرُنَا عَنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ... كَأَنّهُ الْبَدْرُ لَمْ يُطْبَعْ عَلَى الْكَذِبِ بَدَا لَنَا فَاتّبَعْنَاهُ نُصَدّقُهُ ... وَكَذّبُوهُ فَكُنّا أَسْعَدَ الْعَرَبِ جَالُوا وَجُلْنَا فَمَا فَاءُوا وَمَا رَجَعُوا ... وَنَحْنُ نَثْقِنَهُمْ لَمْ نَأْلُ فِي الطّلَبِ لَيْسَ سَوَاءً وَشَتّى بَيْنَ أَمْرِهِمَا ... حَزْبُ الْإِلَهِ وَأَهْلُ الشّرْكِ وَالنّصُبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي مِنْ قَوْلِهِ " يَمْضِي وَيَذْمُرُنَا " إلَى آخِرهَا، أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ. شِعْرُ ابْنِ رَوَاحَةَ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: قَالَ ابْنُ هِشَامِ: أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: بَكَتْ عَيْنِي وَحُقّ لَهَا بُكَاهَا ... وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ عَلَى أَسَدِ الْإِلَهِ غَدَاةَ قَالُوا ... أَحَمْزَةَ ذَاكُمْ الرّجُلُ الْقَتِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ جَمِيعًا ... هُنَاكَ وَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الرّسُولُ أَبَا يَعْلَى لَك الْأَرْكَانُ هُدّتْ ... وَأَنْتَ الْمَاجِدُ الْبَرّ الْوَصُولُ عَلَيْك سَلَامُ رَبّك فِي جِنَانٍ ... مُخَالِطُهَا نَعِيمٌ لَا يَزُولُ أَلَا يَا هَاشِمَ الْأَخْيَارِ صَبْرًا ... فَكُلّ فِعَالِكُمْ حَسَنٌ جَمِيلُ رَسُولُ اللهِ مُصْطَبِرٌ كَرِيمٌ ... بِأَمْرِ اللهِ يَنْطِقُ إذْ يَقُولُ أَلَا مِنْ مُبْلِغٍ عَنّي لُؤَيّا ... فَبَعْدَ الْيَوْمِ دَائِلَةٌ تَدُولُ وَقَبْلَ الْيَوْمِ مَا عَرَفُوا وَذَاقُوا ... وَقَائِعَنَا بِهَا يُشْفَى الْغَلِيلُ نَسِيتُمْ ضَرْبنَا بِقَلِيبِ بَدْرٍ ... غَدَاةَ أَتَاكُمْ الْمَوْتُ الْعَجِيلُ غَدَاةً ثَوَى أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا ... عَلَيْهِ الطّيْرُ حَائِمَةٌ تَجُولُ وَعُتْبَةُ وَابْنُهُ خَرّا جَمِيعًا ... وَشَيْبَةُ عَضّهُ السّيْفُ الصّقِيلُ وَمَتْرَكُنَا أُمَيّةَ مُجْلَعِبّا ... وَفِي حَيْزُومِهِ لَدْنٌ نبيل رهام بَنِي رَبِيعَةَ سَائِلُوهَا ... فَفِي أَسْيَافِنَا مِنْهَا فُلُولُ أَلَا يَا هِنْدُ فَابْكِي لَا تَمَلّي ... فَأَنْتِ الْوَالِهُ العَبْرَى الْهَبُولُ أَلَا يَا هِنْدُ لَا تُبْدِي شِمَاتًا ... بِحَمْزَةِ إنّ عِزّكُمْ ذَلِيلُ شِعْرُ كَعْبٍ فِي أُحُدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: أَبْلِغْ قُرَيْشًا عَلَى نَأْيِهَا ... أَتُفْخَرُ مِنّا بِمَا لَمْ تَلِي فَخَرْتُمْ بِقَتْلَى أصابتهم ... فواضل من نعم المفضل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فخلّو جِنَانًا وَأَبْقَوْا لَكُمْ ... أُسُودًا تُحَامِي عَنْ الْأَشْبُلِ تُقَاتِلُ عَنْ دِينِهَا وَسْطَهَا ... نَبِيّ عَنْ الْحَقّ لَمْ يَنْكُلْ رَمَتْهُ مَعَدّ بِعُورِ الْكَلَامِ ... وَنَبْلِ الْعَدَاوَةِ لَا تَأْتَلِي قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ: «لَمْ تَلِي» ، وَقَوْلَهُ: «مِنْ نَعَمِ الْمُفَضّلِ» أبو زَيْدٌ الْأَنْصَارِيّ. شِعْرُ ضِرَارٍ فِي أُحُدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ فِي يوم أحد: مَا بَالُ عَيْنُكَ قَدْ أَزْرَى بِهَا السّهْدُ ... كَأَنّمَا جَالَ فِي أَجْفَانِهَا الرّمَدُ أَمِنْ فِرَاقِ حَبِيبٍ كُنْتَ تَأْلَفَهُ ... قَدْ حَالَ مِنْ دُونِهِ الْأَعْدَاءُ وَالْبُعْدُ أَمْ ذَاكَ مِنْ شَغْبِ قَوْمٍ لاجداء بِهِمْ ... إذْ الْحُرُوبُ تَلَظّتْ نَارُهَا تَقِدُ مَا يَنْتَهُونَ عَنْ الْغَيّ الّذِي رَكِبُوا ... وَمَا لَهُمْ من لؤىّ ويحهم عضد وقد نشدناهم بالله قَاطِبَةً ... فَمَا تَرُدّهُمْ الْأَرْحَامُ وَالنّشَدُ حَتّى إذَا مَا أَبَوْا إلّا مُحَارَبَةً ... وَاسْتَحْصَدَتْ بَيْنَنَا الْأَضْغَانُ وَالْحِقَدُ سِرْنَا إلَيْهِمْ بِجَيْشٍ فِي جَوَانِبِهِ ... قَوَانِسُ البيض والمحبوكة السّرد والجرد ترفل بالأبطال شازية ... كأتّها حِدَأٌ فِي سَيْرِهَا تُؤَدُ جَيْشٌ يَقُودُهُمْ صَخْرٌ وَيَرْأَسُهُمْ ... كَأَنّهُ لَيْثُ غَابٍ هَاصِرٌ حَرِدُ فَأَبْرَزَ الْحَيْنَ قَوْمًا مِنْ مَنَازِلِهِمْ ... فَكَانَ مِنّا وَمِنْهُمْ ملتقى أحد ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَغُودِرَتْ مِنْهُمْ قَتْلَى مُجَدّلَةٌ ... كَالْمَعْزِ أَصْرَدَهُ بالصّرْدحِ الْبَرَدُ قَتْلَى كِرَامٌ بَنُو النّجّارِ وَسْطَهُمْ ... وَمُصْعَبٌ مِنْ قَنَانَا حَوْلَهُ قِصَدُ وَحَمْزَةُ الْقَرْمُ مَصْرُوعٌ تُطِيفُ بِهِ ... ثَكْلَى وَقَدْ حُزّ مِنْهُ الْأَنْفُ وَالْكَبِدُ كَأَنّهُ حِينَ يَكْبُو فِي جَدِيّتِهِ ... تَحْتَ العجاح وَفِيهِ ثَعْلَبٌ جَسَدُ حُوَارُ نَابٍ وَقَدْ وَلّى صَحَابَتُهُ ... كَمَا تَوَلّى النّعَامُ الْهَارِبُ الشّرُدُ مُجَلّحِينَ وَلَا يَلُوونَ قَدْ مُلِئُوا ... رُعْبًا، فَنَجّتْهُمْ الْعَوْصَاءُ وَالْكُؤُدُ تَبْكِي عَلَيْهِمْ نِسَاءٌ لَا بُعُولَ لَهَا ... مِنْ كُلّ سَالِبَةٍ أَثْوَابُهَا قِدَدُ وَقَدْ تَرَكْنَاهُمْ لِلطّيْرِ مَلْحَمَةً ... وَلِلضّبَاعِ إلَى أَجْسَادِهِمْ تَفِدُ قَالَ ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لِضِرَارِ. رَجَزُ أَبِي زَعْنَةَ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو زَعْنَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ، أَخُو بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ، يَوْمَ أُحُدٍ: أَنَا أَبُو زَعْنَةَ يَعْدُو بِي الهُزَمْ ... لَمْ تُمْنَعْ الْمَخْزَاةُ إلّا بِالْأَلَمْ يَحْمِي الذّمَارَ خَزْرَجِيّ مِنْ جُشَمْ رَجَزٌ يُنْسَبُ لِعَلِيّ فِي يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَهَا رَجُلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ غَيْرَ عَلِيّ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ، وَلَمْ أر أحدا منهم يعرفها لعلىّ: لأهمّ إنّ الْحَارِثَ بْنَ الصّمّهْ ... كَانَ وَفِيّا وَبِنَا ذَا ذِمّهْ أَقْبَلَ فِي مَهَامَهٍ مُهِمّهْ ... كَلِيلَةٍ ظَلْمَاءَ مُدْلَهِمّهْ بَيْنَ سُيُوفٍ وَرِمَاحٍ جَمّهْ ... يَبْغِي رَسُولَ اللهِ فِيمَا ثَمّهْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلَهُ: «كَلِيلَةٍ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. رَجَزُ عِكْرِمَةَ فِي يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فِي يَوْمِ أُحُدٍ: كُلّهُمْ يَزْجُرُهُ أَرْحِبْ هَلَا ... وَلَنْ يَرَوْهُ الْيَوْمَ إلّا مُقْبِلَا يَحْمِلُ رُمْحًا وَرَئِيسًا جَحْفَلَا شِعْرُ الْأَعْشَى التّمِيمِيّ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بَنِي عَبْدِ الدّارِ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَالَ الْأَعْشَى بْنُ زُرَارَةَ بْنِ النّبّاشِ التّمِيمِيّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ أَحَدُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تميم- يبكى قتلى بنى عبد الدار يَوْمَ أُحُدٍ: حُيّيَ مِنْ حَيّ عَلَيّ نَأْيُهُمْ ... بَنُو أَبِي طَلْحَةَ لَا تُصْرَفُ يَمُرّ سَاقِيهِمْ عَلَيْهِمْ بِهَا ... وَكُلّ سَاقٍ لَهُمْ يَعْرِفُ لَا جَارُهُمْ يَشْكُو وَلَا ضَيْفُهُمْ ... مِنْ دُونِهِ بَابٌ لهم يصرف ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَعْرَى يَوْمَ أُحُدٍ: قَتَلْنَا ابْنَ جَحْشٍ فَاغْتَبَطْنَا بِقَتْلِهِ ... وَحَمْزَةَ فِي فُرْسَانِهِ وَابْنَ قَوْقَلِ وَأَفْلَتَنَا مِنْهُمْ رِجَالٌ فَأَسْرَعُوا ... فَلَيْتَهُمْ عَاجُوا وَلَمْ نَتَعَجّلْ أَقَامُوا لَنَا حَتّى تَعَضّ سُيُوفُنَا ... سَرَاتَهُمْ وَكُلّنَا غَيْرُ عُزّلِ وَحَتّى يَكُونَ الْقَتْلُ فِينَا وَفِيهِمْ ... وَيَلْقَوْا صَبُوحًا شَرّهُ غَيْرَ مُنْجَلِي قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَوْلَهُ: «وَكُلّنَا» ، وَقَوْلَهُ «وَيَلْقَوْا صَبُوحًا» : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. شِعْرُ صَفِيّةَ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَبْكِي أَخَاهَا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: أَسَائِلَةً أَصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً ... بَنَاتُ أَبِي مِنْ أَعْجَمٍ وَخَبِيرِ فَقَالَ الْخَبِيرُ إنّ حَمْزَةَ قَدْ ثَوَى ... وَزِيرُ رَسُولِ اللهِ خَيْرُ وَزِيرِ دَعَاهُ إلَهُ الْحَقّ ذُو الْعَرْشِ دَعْوَةً ... إلَى جَنّةٍ يَحْيَا بِهَا وَسُرُورِ فَذَلِكَ مَا كُنّا نُرَجّي وَنَرْتَجِي ... لِحَمْزَةِ يَوْمَ الْحَشْرِ خَيْرِ مَصِيرِ فَوَاَللهِ لَا أَنْسَاك مَا هَبّتْ الصّبَا ... بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَسِيرِي عَلَى أَسَدِ اللهِ الّذِي كَانَ مِدْرَهَا ... يَذُودُ عَنْ الْإِسْلَامِ كُلّ كَفُورِ فَيَا لَيْتَ شِلْوِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَعْظُمِي ... لَدَى أَضْبُعٍ تَعْتَادُنِي وَنُسُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أقول وقد أعلى النّمىّ عشيرتى ... جزى الله خيرا من أخ ونصير قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ قَوْلَهَا: بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَسِيرِي شِعْرُ نُعَمَ فِي بُكَاءِ شَمّاسٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَتْ نُعَمُ، امْرَأَةُ شَمّاسِ بْنِ عُثْمَانَ، تَبْكِي شمّاسا، وأصيب يوم أحد: يَا عَيْنُ جُودِي بِفَيْضٍ غَيْرِ إبْسَاسِ ... عَلَى كَرِيمٍ مِنْ الْفِتْيَانِ أبّاسِ صَعْبِ الْبَدِيهَةِ مَيْمُونٍ نَقِيبَتُهُ ... حَمّالِ أَلْوِيَةٍ رَكّابِ أَفْرَاسِ أَقُولُ لَمَا أَتَى النّاعِي لَهُ جَزَعًا ... أَوْدَى الْجَوَادُ وَأَوْدَى المطعم الكاسى وقلت لما خلت مته مَجَالِسُهُ ... لَا يُبْعِدُ اللهُ عَنّا قُرْبَ شَمّاسِ شِعْرُ أَبِي الْحَكَمِ فِي تَعْزِيَةِ نُعَمَ فَأَجَابَهَا أَخُوهَا، وَهُوَ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، يُعَزّيهَا، فَقَالَ: إقْنَى حَيَاءَك فِي سِتْرٍ وَفِي كَرَمٍ ... فَإِنّمَا كَانَ شَمّاسٌ مِنْ النّاسِ لَا تَقْتُلِي النّفْسَ إذْ حَانَتْ مَنِيّتُهُ ... فِي طَاعَةِ اللهِ يَوْمَ الرّوْعِ وَالْبَاسِ قَدْ كَانَ حَمْزَةُ لَيْثَ اللهِ فَاصْطَبِرِي ... فَذَاقَ يَوْمَئِذٍ مِنْ كأس شمّاس ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شِعْرُ هِنْدٍ بَعْدَ عَوْدَتِهَا مِنْ أُحُدٍ وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، حِينَ انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ: رَجَعْتُ وَفِي نَفْسِي بَلَابِلُ جَمّةٌ ... وَقَدْ فَاتَنِي بَعْضُ الّذِي كَانَ مَطْلَبِي مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ ... بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمْ وَمِنْ أَهْلِ يَثْرِبِ وَلَكِنّنِي قَدْ نِلْتُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ ... كَمَا كُنْتُ أَرْجُو فِي مَسِيرِي وَمَرْكَبِي قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ قَوْلَهَا: وَقَدْ فَاتَنِي بَعْضُ الّذِي كَانَ مَطْلَبِي وَبَعْضُهُمْ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ شَرْحُ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنْ الْأَشْعَارِ وَقَدْ شَرَطْنَا الْإِضْرَابَ عَنْ شَرْحِ شِعْرِ الْكَفَرَةِ وَالْمُفَاخِرِينَ بِقِتَالِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلّا مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ، لَكِنّهُ ذَكَرَ فِي شِعْرِ هُبَيْرَةَ الّذِي بَدَأَ بِهِ بَيْتَيْنِ لَيْسَا مِنْ شِعْرِهِ، فَلِذَلِكَ ذَكَرْتهمَا، وهما: وليلة يصطلى بالفرث جازرها ... يختصّ بالنّفرى الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا فِي لَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ ... جَرْبَا جُمَادِيّةٍ قَدْ بِتّ أَسْرِيهَا قَوْلُهُ: يصطلى بالفرث، أى: يستدفى بِهِ مِنْ شِدّةِ الْبَرْدِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَوْلَ جَمْعِ نَدَى وَأَسْمَاءِ الشّهُورِ: وَقَوْلُهُ يَخْتَصّ بالنّفرى «1» الْمُثْرِينَ، يُرِيدُ يَخْتَصّ الْأَغْنِيَاءَ طَلَبًا لِمُكَافَأَتِهِمْ، وَلِيَأْكُلَ عِنْدَهُمْ، يَصِفُ شِدّةَ الزّمَانِ، قَالَهُ يَعْقُوبُ فِي الألفاظ، ونسبهما للهذلىّ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ أَنّهُمَا لَيْسَا لِهُبَيْرَةَ وَنَسَبَهُمَا لِجَنُوبَ أُخْتِ عَمْرٍو ذِي الْكَلْبِ الْهُذَلِيّ. وَقَوْلُهُ: ذَاتُ أَنْدِيَةٍ: جَمْعُ نَدَى عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنّهُ جَمْعُ الْجَمْعِ كَأَنّهُ جَمْعُ نَدَى عَلَى نِدَاءٍ مِثْلُ جَمَلٍ وَجِمَالٍ «2» ، ثُمّ جَمْعُ الْجَمْعِ عَلَى أَفْعِلَةٍ، وَهَذَا بَعِيدٌ فِي الْقِيَاسِ، لِأَنّ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ لَا يُجْمَعُ، وَفَعّالٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ، وَقَدْ قِيلَ هُوَ جَمْعُ نَدِيّ وَالنّدِيّ الْمَجْلِسُ، وَهَذَا لَا يُشْبِهُ مَعْنَى الْبَيْتِ، وَلَكِنّهُ جَمْعٌ جَاءَ عَلَى مِثَالٍ أَفْعِلَةٍ، لِأَنّهُ فِي معنى الأهوية والأشتية «3»

_ (1) هى النقرى بالقاف، والنقرى- كما يقول الحشنى- أن يدعو قوما دون قوم، يقال هو يدعو الجفلى إذا عم، وهو يدعو النقرى إذا خص. (2) أنظر ص 277 ج 4 شرح شواهد الشافية المطبوع مع الشافية فقد فصل ابن جنى القول عن هذا. هذا والشطرة الأولى فى شعر لمرة بن محكان. وانظر اللسان أيضا فى مادة ندى. (3) يقول البغدادى فى شرحه لشواهد الشافية بعد أن نقل قول السهيلى هذا: «وقريب منه قول الخوارزمى «ندى وإن كان فى نفسه فعلا- بفتح الفاء والعين- لكنه بالنظر إلى ما يقابله، وهو الجفاف- فقال فمن ثم كسروه على أفعلة» ويقول ابن جنى «وأجود تكسير ندى: أنداء» ويرد البغدادى على السهيلى فى قوله أن القول بأن أندية هو جمع ندى- أى المجلس- لا يشبه معنى البيت، يرد بقوله: «قد يمنع، ويكون معناه: فى ليلة من ليالى الشتاء ذات مجالس يجلس فيها-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنّهُ فِي مَعْنَى الرّذَاذِ وَالرّشَاشِ، وَهُمَا يُجْمَعَانِ عَلَى أَفْعِلَةٍ، وَأَرَادَ بِجُمَادَى الشّهْرَ، وَكَانَ هَذَا الِاسْمُ قَدْ وَقَعَ عَلَى هَذَا الشّهْرِ فِي زَمَنِ جُمُودِ الْمَاءِ، ثُمّ انْتَقَلَ بِالْأَهِلّةِ وَبَقِيَ الِاسْمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الصّيْفِ وَالْقَيْظِ، وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ هَذِهِ الشّهُورِ الْعَرَبِيّةِ سُمّيَتْ بِأَسْمَاءِ مَأْخُوذَةٍ مِنْ أَحْوَالِ السّنَةِ الشّمْسِيّةِ، ثُمّ لَزِمَتْهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ عن تلك الأوقات «1» .

_ - الأشراف والأغنياء لإطعام الفقراء، فإنهم كانوا إذا اشتد الزمان وفشا القحط، وذلك يكون عند العرب فى الشتاء، يجلسون فى مجالسهم ويلعبون الميسر، وينحرون الجزر، ويفرقونها على الفقراء، ص 278 ج 4 شرح الشافية وشواهدها. (1) قال البغدادى فى شرحه لشواهد الشافية: «وينبغى أن يعتبر هنا أصل الوضع، وإلا فلا فائدة فى ذكر اسم شهر لا يدل على شدة البرد وجمود الماء، والشاعر إسلامى، وليس ممن أدرك زمن وضع الشهور، ويجوز أن يلاحظ فى الأعلام أصل وضعها» . ويقول ابن الأنبارى عن أسماء الشهور «أسماء الشهور كلها مذكرة إلا جمادى فهما مؤنثان. تقول: مضت جمادى بما فيها، فان جاء تذكير جمادى فى شعر، فهو ذهاب إلى معنى الشهر، وهى غير مصروفة للتأنيث والعلمية، والأولى والآخرة صفة لها، فان الآخرة بمعنى المتأخرة، ولا يقال. جمادى الأخرى، لأن الأخرى بمعنى الواحدة، فتتناول المتقدمة والمتأخرة، فيحصل اللبس، ويحكى أن العرب حين وضعت الشهور وافق وضع الأزمنة فاشتق للشهر معان من تلك الأزمنة ثم كثر حتى استعملوها فى الأهلة وإن لم توافق ذلك الزمان، فقالوا: رمضان لما أرمضت الأرض من شدة الحر، وشوال لما شالت الإبل بأذنابها الطروق، وذو القعدة لما ذللوا القعدان للركوب، وذو الحجة لما حجوا، والمحرم لما حرموا القتال والتجارة، وصفر لما غزوا فتركوا ديار القوم صفرا، وشهر ربيع لما أربعت الأرض وأمرعت، وجمادى لما جمد الماء، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شَرْحُ شِعْرِ كَعْبٍ: وَذَكَرَ شِعْرَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُجِيبُ هُبَيْرَةَ وَأَوّلُهُ: أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ. وَقَدْ افْتَتَحَ قَصِيدَةً أُخْرَى فِي أَشْعَارِ بَدْرٍ بِهَذَا اللّفْظِ، فَقَالَ: أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ فِي نَأْيِ دَارِهَا وَإِنّمَا يَذْكُرُ غَسّانَ لِأَنّهُمْ بَنُو عَمّ الْأَنْصَارِ، وَالْأَنْصَارُ بَنُو حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. وَاَلّذِينَ بالشام بنو جفنة بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَالْكُلّ غَسّانُ، لِأَنّ غَسّانَ مَاءٌ شَرِبُوا مِنْهُ حِينَ ارْتِحَالُهُمْ مِنْ الْيَمَنِ فَسُمّوا بِهِ. وَقَوْلُهُ: سَيْرُهُ مُتَنَعْنِعُ، أَيْ: مُضْطَرِبٌ «1» . وَقَوْلُهُ: الْعَرَامِيسُ: جَمْعُ عِرْمِسٌ، وَهِيَ النّاقَةُ الْقَوِيّةُ عَلَى السّيْرِ. وَقَوْلُهُ: قَيْضُهُ يَتَفَلّعُ، أَيْ يَتَشَقّقُ، وَالْقَيْضُ: قُشُورُ الْبَيْضِ، وَالْقَوَانِسُ: جَمْعُ قَوْنَسٍ، وَهِيَ بَيْضَةُ السّلَاحِ «2» . وَقَوْلُهُ: وَكُلّ صَمُوتٍ فِي الصّوان، يعنى الدّرع جعلها صموتا لشدة

_ - ورجب لما رجبوا الشجر، وشعبان لما شعبوا العود» ص 280 ج 4 المصدر السابق. (1) الخرق: الفلاة الواسعة التى تخرق فيها الريح. ومتنعنع تروى بالتاء، والمعنى: متردد «عن الخشنى باختصار» . (2) عند الخشنى وفى القاموس أن القونس رأس بيضة السلاح، أرأعلى بيضة الحديد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَسْجِهَا وَإِحْكَامِ صَنْعَتِهَا، وَالنّهْيُ وَالنّهْيُ: الْغَدِيرُ، سُمّيَ بِذَلِكَ، لِأَنّ مَاءَهُ قَدْ مُنِعَ مِنْ الْجَرَيَانِ بِارْتِفَاعِ الْأَرْضِ، فَغَادَرَهُ السّيْلُ، فَسُمّيَ غَدِيرًا، وَنَهَتْهُ الْأَرْضُ فَسُمّيَ نَهْيًا. وَقَوْلُهُ: وَمَنْجُوفَةٌ، مَفْعُولَةٌ مِنْ نجفت: إذا حفرت، ويكون أيضا من مِنْ نَجَفْت الْعَنْزَ إذَا شَدَدْتهَا بِالنّجَافِ، وَهُوَ الْحَبْلُ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ الرّمَاحَ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: مَنْجُوفَةٌ، أَيْ: مَشْدُودَةٌ مُثَقّفَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ أسنّتها، فهى أيضا منجوفة، مِنْ نَجَفْت إذَا حَفَرْت، لِأَنّ ثَعْلَبَ الرّمْحِ دَاخِلٌ فِي الْحَدِيدَةِ، فَهِيَ مَنْجُوفَةٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ السّيُوفَ، فَمَنْجُوفَةٌ، أَيْ كَالْمَحْفُورَةِ، لِأَنّ مُتُونَهَا مِدْوَسَةٌ مَضْرُوبَةٌ بِمَطَارِقِ الْحَدِيدِ، فَهِيَ كَالْمَحْفُورَةِ. وَقَوْلُهُ: تَصُوبُ بِأَبْدَانِ الرّجَالِ وَتَارَةً ... تَمُرّ بِأَعْرَاضِ الْبِصَارِ تَقَعْقَعُ يَقُولُ: تَشُقّ أَبْدَانَ الرّجَالِ حَتّى تَبْلُغَ الْبِصَارَ فَتَقَعْقَعُ فِيهَا، وَهِيَ جَمْعُ بَصْرَةٍ، وَهِيَ حِجَارَةٌ لَيّنَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ جَمْعَ بَصِيرَةٍ، مِثْلُ كَرِيمَةٍ، وَكِرَامٍ، وَالْبَصِيرَةُ الدّرْعُ، وَقِيلَ: التّرْسُ، وَالْبَصِيرَةُ أَيْضًا: طَرِيقَةُ الدّمِ فِي الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ، فَهِيَ جَدِيّةٌ، وَلَا مَعْنَى لَهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ. شَرْحُ شعر ابن الزّبَعْرَى: وَقَوْلُ ابْنِ الزّبَعْرَى:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَا غُرَابَ الْبَيْنِ أَسَمِعْت، فَقُلْ ... إنّمَا تَنْطِقُ شَيْئًا قَدْ فُعِلْ إقْرَارُ الْجَاهِلِيّةِ بِالْقَدَرِ: قَوْلُهُ: قَدْ فُعِلْ: أَيْ: قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيّةِ يُقِرّونَ بِالْقَدْرِ، وَقَالَ لَبِيدٌ فِي الْجَاهِلِيّةِ: إنّ تَقْوَى رَبّنَا خَيْرُ نَفَلْ ... وَبِإِذْنِ اللهِ رَيْثِي وَالْعَجَلْ مَنْ هُدَاهُ سُبُلَ الْخَيْرِ اهْتَدَى ... نَاعِمَ الْبَالِ وَمَنْ شَاءَ أَضَلْ وَقَالَ رَاجِزُهُمْ: يَا أَيّهَا اللّائِمُ لُمْنِي، أَوْ فذر ... إن كت أَخْطَأْت فَمَا أَخْطَا الْقَدَرُ وَقَوْلُهُ: غَيْرُ مُلْتَاثٍ، هُوَ مُفْتَعَلٌ مِنْ اللّوثَةِ كَمَا قَالَ الضّبّيّ: عِنْدَ الْحَفِيظَةِ إنْ ذِي لُوثَةٍ لَانَا «1» وَالْمِهْرَاسُ: حَجَرٌ مَنْقُورٌ يَمْسِكُ الْمَاءَ، فَيَتَوَضّأُ مِنْهُ، شُبّهَ بِالْمِهْرَاسِ الّذِي هُوَ الْهَاوُونُ، وَوَهِمَ الْمُبَرّدُ، فَجَعَلَ الْمِهْرَاسَ اسْمًا عَلَمًا لِلْمِهْرَاسِ الّذِي بِأُحُدِ خَاصّةً، وَإِنّمَا هُوَ اسْمٌ لِكُلّ حَجَرٍ نُقِرَ فَأَمْسَكَ الماء. وروى ابن عبدوس

_ (1) فى ديوان الحماسة لأبى تمام لقريط بن أنيف أحد بنى العنبر: لو كنت من مازن لم تستبح إبلى ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا إذا لقام بنصرى معشر خشن ... عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا وكذلك رواه ابن فارس فى معجمه غير منسوب فى مادة لوث: «إن ذو لوثة لاثا» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْ مَالِكٍ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَمُرّ بِمِهْرَاسِ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ كَيْفَ يَغْتَسِلُ مِنْهُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: هَلّا قُلْت مَرّ بِغَدِيرِ، وَمَنْ يُجْعَلُ لَهُ مِهْرَاسًا فِي أَرْضِ فَلَاةٍ؟ فَهَذَا يُبَيّنُ لَك أَنّ الْمِهْرَاسَ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْمِهْرَاسِ، الّذِي كَانَ بِأُحُدِ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ، فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرّ بِقَوْمِ يَتَجَاذَوْنَ «1» مِهْرَاسًا أَيْ: يَرْفَعُونَهُ. شِعْرُ حسان برد بِهِ عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى: قَوْلُ حَسّانَ يُجِيبُهُ: هُرّبًا فِي الشّعْبِ أَشْبَاهَ الرّسَلْ يَعْنِي: الْغَنَمَ إذَا أَرْسَلَهَا الرّاعِي، يُقَالُ لَهَا حِينَئِذٍ رَسَلٌ «2» . وَقَوْلُهُ كَأَشْرَافِ الْمَلَا، الْأَشْرَافُ: جَمْعُ شَرَفٍ، وَهُوَ الشّخْصُ، وَالْمَلَا: مَا اتّسَعَ مِنْ الْأَرْضِ، وَيُرِيدُ بِالْأَشْرَافِ هَاهُنَا أَشْخَاصُ الشّجَرِ وَأُصُولُهَا. وَقَوْلُهُ: يُهَلّ، أَرَادَ: فَيُهَالُ ثُمّ جُزِمَ لِلشّرْطِ، فَانْحَذَفَتْ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ السّاكِنَيْنِ، وَهُوَ مِنْ الْهَوْلِ، يُقَالُ هَالَنِي الْأَمْرُ يَهُولُنِي هَوْلًا إذَا أَفْزَعَك. وَقَوْلُهُ: وَمَلَأْنَا الْفَرْطَ، أَرَادَ: الْفَرَطَ بِتَحْرِيكِ الرّاءِ، وَهِيَ الْأَكَمَةُ،

_ (1) فى الأصل: يتجارون والتصويب من النهاية لابن الأثير مادة جذا، وكذلك فى اللسان. (2) يقول الخشنى عن الرسل: الإبل المرسلة التى بعضها فى أثر بعض، وقال بعض اللغويين: الرسل: الجماعة من كل شىء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ، وَالرّجَلُ: جَمْعُ رَجْلَةٍ، وَهُوَ الْمُطَمّسُ مِنْ الْأَرْضِ، وَالرّجْلَةُ أَيْضًا فِي مَعْنَى الرّجْلِ مِنْ الْجَرَادِ، قَالَ الشّاعِرُ: وَتَحْتَ نُحُورِ الْخَيْلِ حَرْشَفُ رَجْلَةٍ يُرِيدُ بِالْحَرْشَفِ جَمَاعَةَ الرّبَا، وَهُمْ صِغَارُ الْجَرَادِ، ضَرَبَهُمْ مَثَلًا لِلرّجّالَةِ وَالرّمَاةِ، وَجَمْعُ الْفَرَطِ: أَفْرَاطٌ. وَقَوْلُهُ: وُلْدَ اسْتِهَا: كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ عِنْدَ السّبّ، تَقُولُ: يَا بَنِي اسْتِهَا، وَالْوَلَدُ: بِمَعْنَى الْأَوْلَادِ. وَكَتَبَ أَهْلُ دِمَشْقَ إلَى أَهْلِ مِزّةَ وَهِيَ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ دِمَشْقَ وَكَانُوا أَمْسَكُوا عَنْهُمْ الْمَاءَ فَكَتَبُوا إلَيْهِمْ: مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ إلَى بَنِي اسْتِهَا. وَبَعْدُ: فَإِمّا أَنْ يُمْسِيَنَا الْمَاءُ وَإِلّا صَبّحَتْكُمْ الْخَيْلُ. ذَكَرَهُ الْجَاحِظُ «1» . مَتَى يَضُرّ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرّ؟ وَقَوْلُهُ فِي الْمُؤْمِنِينَ: أَيّدُوا جِبْرِيلَ، أَيْ: أَيّدُوا بِجِبْرِيلَ، وَحُذِفَ الْجَارُ فَتَعَدّى الْفِعْلُ فَنُصِبَ، وَلَا يَضُرّ هَذَا الْحَذْفُ إلّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدّي بِحَرْفِ جَرّ مُتَضَمّنًا لِمَعْنَى فِعْلٍ آخَرَ نَاصِبٍ، كَقَوْلِهِمْ: أَمَرْتُك الْخَيْرَ أَيْ كَلّفْتُك

_ (1) ذكره فى البيان والتبيين، والذى كتب إلى أهل مزة هو أبو الهيذام، ويقول راوى الخبر ثمامة بن أشرس: فوافاهم الماء قبل أن يعتموا، فقال أبو الهيذام: الصدق ينبى عنك لا الوعيد «ص 301 ج 1 البيان والتبيين الجاحظ ط سنه 1948 بتحقيق عبد السلام هارون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْخَيْرَ وَأَلْزَمْتُكَهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ نَهَيْتُك الشّرّ إذْ لَيْسَ فِي مَعْنَى نَهَيْتُك فِعْلٌ. نَاصِبٌ وَقَوْلُهُ: أَيّدُوا جِبْرِيلَ، أَيْ أُصْحِبُوهُ، وَنَحْوُ هَذَا، فَحَسُنَ حَذْفُ الْبَاءِ لِهَذَا. عَوْدٌ إلَى شِعْرِ حَسّانَ: وَقَوْلُ حَسّانَ: نُخْرِجُ الْأَصْبَحَ مِنْ اسْتَاهِكُمْ رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ: نُخْرِجُ الْأَضْيَاحَ، وَهُوَ اللّبَنُ الْمَمْزُوجُ بِالْمَاءِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَصْبَحِ، لِأَنّ الصّبْحَةَ بَيَاضٌ غَيْرُ خَالِصٍ، فَجَعَلَهُ وَصْفًا لِلّبَنِ الْمَمْذُوقِ الْمُخْرَجِ مِنْ بُطُونِهِمْ. وَقَوْلُهُ: كَسِلَاحِ النّيْبِ يَأْكُلْنَ الْعَصَلْ الْعَصَلُ: نَبَاتٌ كَالرّفَلّينَ «1» يُصْلِحُ الْإِبِلَ إذَا أَكَلَتْهُ، وَيُكْثِرُ شُرْبَهَا لِلْمَاءِ، وَهُوَ مِنْ الْحَمْضِ، وَيَنْبُتُ فِي السّبَاخِ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. شِعْرُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: وَقَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:

_ (1) فى اللسان: «شجر يشبه الدفلى- بكسر الدال وسكون الفاء وفتح اللام تأكله الإبل وتشرب عليه الماء كل يوم» ولم أجد الرفلين، وإنما الرفلى فى عجائب المخلوقات للقزوينى واللسان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِوَاءِ الرّسُولِ بِذِي الْأَضْوُجِ الْأَضْوُجُ: جَمْعُ ضَوْجٍ، وَالضّوْجُ: جَانِبُ الْوَادِي. وَقَوْلُهُ: فِي الْقَسْطَلِ الْمُرْهِجِ. الْقَسْطَلُ: الْغُبَارُ، وَكَذَلِكَ الرّهَجُ، وَقَدْ شَرَحْنَا السّلْجَجَ «1» فِيمَا مَضَى، وَالْجَمَلُ الْأَدْعَجُ: يَعْنِي الْأَسْوَدَ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي صِفَةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ «2» . وَقَوْلُهُ: وَحَنْظَلَةُ الْخَيْرُ لَمْ يُحْنَجْ، أَيْ لَمْ يُمْلِهِ شَيْءٌ عَنْ الطّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، يُقَالُ حَنَجْت الشّيْءَ إذَا أَمَلْته وَعَدَلْته عَنْ وَجْهِهِ، وَيُقَالُ أَيْضًا: أَحْنَجْتُهُ فَهُوَ مُحْنَجٌ، وَسَيَأْتِي فِي الشّعْرِ بَعْدَ هَذَا مَا يَدُلّ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: عَنْ الْحَقّ حَتّى غَدَتْ رُوحُهُ أَنّثَ الرّوحَ لِأَنّهُ فِي مَعْنَى النّفْسِ، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ. أَمَرَ ذُو الرّمّةِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى قَبْرِهِ: يَا نَازِعَ الرّوحِ مِنْ جِسْمِي إذَا قُبِضْت ... وَفَارِجَ الْكَرْبِ أَنْقِذْنِي مِنْ النّارِ فَكَانَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا عَلَى قَبْرِهِ. وَقَوْله: فَاخِرِ الزّبرج، أى: فاخر الزّينة، أى ظاهرها.

_ (1) السيف المرهف القاطع. (2) مر فى حديث أم معبد، تعنى فى شعر أجفانه طول، والدعج: السواد فى العين، وقيل: شدة السواد مع شدة البياض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: فِي الدّرَكِ الْمُرْتَجِ، أَيْ الْمُغْلَقِ، يُقَالُ: ارْتَجْتُ الْبَابَ إذَا أَغْلَقْته، وَهُوَ مِنْ الرّتَاجِ، قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنْ الْعَرَبِ مَاتَتْ أُمّهَا، وَتَزَوّجَ أبوها: ولكن قد أنى مِنْ دُونِ وُدّي ... وَبَيْنَ فُؤَادِهِ غَلْقُ الرّتَاجِ وَمَنْ لَمْ يُؤْذِهِ أَلَمٌ بِرَأْسِي ... وَمَا الرّئْمَانُ إلّا بِالنّتَاجِ وَمِنْهُ قِيلَ: ارْتَجْ عَلَى الْخَطِيبِ، إذَا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُ الْقَوْلِ. وَفِي شِعْرِ ضرار «1» : من جَمْعِنَا السّوْرَجُ، وَهُوَ فَوْعَلٌ مِنْ السّرَاجِ يُرِيدُ الْمُضِيءَ: مِنْ شِعْرِ حَسّانَ: وَفِي شِعْرِ حَسّانَ: وفوا إذ كفرتم ياسخين بِرَبّكُمْ أَرَادَ سَخِينَةَ، فَرَخّمَ وَعَنَى قُرَيْشًا لِأَنّهَا كانت تلقّب بذلك [لداومتهم على شرب هَذَا الْحِسَاءِ الْمُتّخَذِ مِنْ الدّقِيقِ الّذِي يُسَمّى: سَخِينَةً] «2» ، وَفِي أَشْعَارِ ضِرَارٍ فِي الْعَيْنِيّةِ «3» مِنْهَا أَمْرُهَا شَاعٍ، أَرَادَ: شَائِعٌ، فَقُلِبَتْ، كَمَا قَالَ الآخر: لاث به الأشاء والعبرىّ «4»

_ (1) فى السيرة: من. (2) ما بين قوسين من شرح السيرة لأبى ذر، وضعته لإتمام المعنى. (3) لا توجد «منها» فى السيرة. (4) الأشاء: صغار النخل واحدتها أشاءة، والعبرى من السدر ما نبت على عبر النهر، وقيل: العبرى والعمرى منه ما شرب الماء، والذى لا يشرب الماء يكون بريا، وهو الضال. ولاث الشجر فهو لاث- بضم الثاء- ولاث-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: لائث، وكما جاء في الحديث: لا يحتكر الطعام إلّا طاغ «1» أو باغ أو زاغ أراد: زائغ. وفى شعره الفافىّ: رَشّاشُ الطّعْنِ وَالْوَرَقِ الْوَرَقُ: مَا تَعَقّدَ مِنْ الدّمِ، قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ مَا بِهِ رَهَقٌ، أَيْ عَيْبٌ، وَالْمُرَهّقُ مِنْ الرّجَالِ الْمَعِيبُ. فِي شِعْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: وَفِي شعر عمرو بن العاصى: يمشون قطوا. والقطو والأقطيطاء: مشى القطا «2»

_ - بكسرها: لبس بعضه بعضا، قد تنعم. وأما لاث بضم الثاء، فقد يكون فعلا بفتح فكسر، وقد يكون فاعلا حذفت عينه. وأما لاث بكسر الثاء، فمقلوب عن لائث، ووزنه فالع. (1) فى مسلم وأبى داود وابن ماجة والنسائى وأحمد فى مسنده: «لا يحتكر إلا خاطىء» . (2) ومنى معانى قصيدة عمرو كما جاء فى شرح أبى ذر: ينزر: يرتفع ويثب. الرضف: الحجارة المحماة. شهباء: يعنى كتيبة كثيرة السلاح. تلحو: تقشر وتضعف. تقول لحوت العود إذا قشرته والعيد: الفرس الشديد. يبد الخيل رهوا: يسبق، والرهو: الساكن اللين. ربذ: سريع. يعفور: ولد الظبية. الصريحة: الرملة المنقطعة. شنج: منقبض. نساء: النسا عرق مستبطن الفخذين. ضابط: ممسك. كبش الكتيبة: رئيسها. جلته: أبرزته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شِعْرِ كَعْب: وَفِي شِعْرِ كَعْبٍ: خَذْمٌ رَعَابِيلُ. الْخَذْمُ «1» : الْقَطْعُ بِالْأَسْنَانِ، وَرَعَابِيلُ: قِطَعٌ مُتَمَزّقَةٌ، يُقَالُ خِبَاءٌ مُرَعْبَلٌ، أَيْ مُتَمَزّقٌ. وَقَوْلُهُ: إنّا بَنُو الحرب نمريها وننتجها مستعار من مريت النافة إذا استدررت لبنها، ونتجنها إذَا اسْتَخْرَجَتْ مِنْهَا وَلَدًا، يُقَالُ: نُتِجَتْ النّاقَةُ، وَنَتَجَهَا أَهْلُهَا، وَأَمّا أَنْتَجَتْ تُنْتِجُ فَإِذَا دَنَا نتاجها. وقوله: يوم رذاذ من الجوزاء مسئول يُرِيدُ: مِنْ أَيّامِ أَنْوَاءِ الْجَوْزَاءِ، وَهُوَ نَوْءُ الْهَفْعَةِ، أَوْ الْهَنْعَةِ «2» ، وَذَلِكَ فِي الشّتَاءِ فِي شَهْرِ كَانُونَ الْأَوّلِ «3» وَمَشْمُولٌ مِنْ الرّيحِ الشّمَالِ «4» . وَقَوْلُهُ: أَلْثَقَهَا مِنْ اللّثَقِ، وَهُوَ الْبَلَلُ وَالطّينُ اليسير، والرّذاذ

_ (1) يقول الخشنى من رواه بضم الخاء فيعنى به قطع اللحم، ومن رواه بفتح الخاء، فهو مصدر. (2) كانت الهعقة والصواب كما أثبت: الهنعة بفتح الهاء وسكون النون وفتح العين، فهى كذلك فى اللسان. (3) هو شهر ديسمبر كما أخبرتنى ابنتى إشراق. (4) عند أبى ذر: هبت فيه ريح السمال:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الطّشّ وَالْبَغْشِ «1» ، وَالطّلّ نَحْوٌ مِنْهُ، أَوْ أَقْوَى مِنْهُ قَلِيلًا، يُقَالُ: أَرْضٌ مَطْلُولَةٌ وَمَبْغُوشَةٌ، وَلَا يُقَالُ: مَرْذُوذَةٌ، وَلَكِنْ يُقَالُ: مُرَذّةٌ وَمُرَذّ عَلَيْهَا «2» قَالَهُ الْخَطّابِيّ. أَجْوَدُ مَا قَالَ حَسّانُ: وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذِهِ أَجْوَدُ مَا قَالَ، وَهَذِهِ الْقَصِيدَةُ الّتِي قَالَهَا حَسّانُ لَيْلًا، وَنَادَى قَوْمَهُ أَنَا أَبُو الْحُسَامِ، أَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، وَهُمَا كُنْيَتَانِ لَهُ، ثُمّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَرْوُوهَا عَنْهُ قَبْلَ النّهَارِ، مَخَافَةَ أَنْ يَعُوقَهُ عَائِقٌ، فَخَرّ فِيهَا عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى بِمَقَامَاتِ لَهُ عِنْدَ مُلُوكِ الشّامِ مِنْ أَبْنَاءِ جَفْنَةٍ، افْتَكّ فِيهَا عُنَاةً مِنْ قَوْمِهِ. وَذَكَرَ مَقَامَ خَالِدِ عِنْدَ النّعْمَانِ الْغَسّانِيّ مِنْ آلِ جَفْنَةَ، وَلَيْسَ بِالنّعْمَانِ ابن المنذر، وقال فيها:

_ (1) البغشة المطرة الضعيفة، وفى الأصل بالعين، والطش: المطر الضعيف فوق الرذاذ، والرذاذ: المطر الضعيف أو الساكن الدائم الصغار القطر كالغبار أو هو بعد الطل. ويقول الأصمعى: الطل أخف المطر وأضعفه، ثم الرذاذ، والرذاذ فوق القطقط «بكسر القافين» . (2) فى القاموس: أرذت السماء ورذت وأرض مرذ عليها، ومرذوذة ويوم مرذوذ ورذاذ. وكذلك فى اللسان: أرض مرذ عليها، ومرذة ومرذوذة الأخيرة عن ثعلب. وقال الأصمعى: لا يقال أرض مرذة ولا مرذوذة، ولكن يقال: أرض مرذ عليها، أما الكسائى فقال: مرذة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رُبّ حِلْمٍ أَضَاعَهُ عَدَمُ الْمَا ... لِ وَجَهْلٍ غَطَا عَلَيْهِ النّعِيمُ غَطَا بِتَخْفِيفِ الطّاءِ أَنْشَدَهُ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، وَهَكَذَا كَانَ فِي حَاشِيَةِ الشيخ مذكورا عن يونس، وغطا معناه ارْتَفَعَ وَعَلَا، وَأَنْشَدَ الْقُتَبِيّ: وَمِنْ تَعَاجِيبِ خَلْقِ اللهِ غَاطِيَةٌ ... يُعْصَى مِنْهَا مُلَاحِيّ وَغِرْبِيبُ «1» مُلَاحِيّ بِتَخْفِيفِ اللّامِ، وَيُقَالُ: مُلَاحِيّ كَمَا قَالَ: كَعُنْقُودِ مُلّاحِيّةٍ حِينَ نَوّرَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ قَالَ مُلّاحِيّةٌ بِالتّشْدِيدِ شَبّهَهُ بِالْمُلّاحِ وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ «2» وَفِيهِ مُلُوحَةٌ، وَقَالَ: وَالْغِرْبِيبُ اسْمٌ لِنَوْعِ مِنْ الْعِنَبِ، وَلَيْسَ بِنَعْتِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَعَلّك أَنْ تَفْهَمَ مِنْهُ مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَغَرابِيبُ سُودٌ فَاطِرٌ: 27. حِينَ وَصَفَ الْجُدُدَ، وَسُودٌ عِنْدِي بَدَلٌ، لَا نَعْتٌ، وَإِنّمَا يَتِمّ شَرْحَ الْآيَةِ لِمَنْ لَحَظَهُ مِنْ هَذَا الْمَطْلَعِ، فَإِنّ أَبَا حَنِيفَةَ زَعَمَ أَنّ الْغِرْبِيبَ إذَا أُطْلِقَ لَفْظُهُ، وَلَمْ يُقَيّدْ بِشَيْءِ مَوْصُوفٍ بِهِ، فَإِنّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْعِنَبُ الّذِي هَذَا اسْمُهُ خَاصّةً، وَاَللهُ الْمُوَفّقُ لِلصّوَابِ وَفَهْمِ الْكِتَابِ.

_ (1) فى اللسان أنشده ابن قتيبة وفيه: يعصر وهو الصواب. (2) فى اللسان وحكى أبو حنيفة ملاحى- بتشديد اللام- وهى قليلة، وقال مرة إنما نسبه إلى الملاح- بتشديد اللام وضم الميم- وإنما الملاح فى الطعم، والملاحى- بتخفيف اللام- من الأراك الذى فيه بياض وشهبة وحمرة وفى اللسان أيضا: ملاحى بتخفيف اللام: عنب أبيض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ فِيهِ حُمَاةَ اللّوَاءِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ، وَأَنّهُمْ صَرَعُوا حَوْلَهُ حَتّى أَخَذَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ وَهِيَ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ، فَلِذَلِكَ قَالَ: لَمْ تَطُقْ حَمْلَهُ الْعَوَاتِقُ مِنْهُمْ ... إنّمَا يَحْمِلُ اللّوَاءَ النّجُومُ «1» شِعْرُ ابْنِ عِلَاطٍ: وَقَالَ فِي شِعْرِ حَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ يَمْدَحُ عَلِيّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. لِلّهِ أَيّ مُذَبّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ أَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ يَعْنِي أَصْلَ أَبِي الْوَلِيدِ، قَالَ إبْرَاهِيمُ: أَيّ نُصِبَ لِأَنّهُ مَدِيحٌ وَالْمَدِيحُ نُصِبَ فِي أَيّ حَالَيْهِ، فَأَمّا ابْنُ هِشَامٍ فَرَفَعَ أَيّ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذَا الّذِي ذَكَرَهُ مَنْ نَصَبَ أَيْ عَلَى الْمَدِيحِ، لَا يَسْتَقِيمُ إلّا أَنْ تَقَدّرَ حَذْفُ الْمُبْتَدَأِ قَبْلَهُ، كَأَنّهُ قَالَ لِلّهِ أَنْتَ لِأَنّهُ لَا يُنْصَبُ عَلَى الْمَدْحِ إلّا بَعْدَ جُمْلَةٍ تَامّةٍ، وَأَمّا الرّفْعُ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ خَبَرَهُ لِلّهِ: فقبيح لأنها وإن كانت خبرا، فأصلها

_ (1) وإليك بقية شرحها من شرح السيرة لأبى ذر الخشنى: «أضاف: نزل وزار. السئوم: الملول. الحولى: الصغير. أندبتها: أثرت فيها من الندب، وهو أثر الجرح. الكلوم: الجراحات. اللجين: الفضة. الجابية: الحوض الصغير. الجولان: موضع بالشام. إن خالى خطيب: يعنى بخاله مسلمة ابن مخلد بن الصامت. محطوم: مكسور. جز: أراد جزآ فنقل حركة الهمزة وحذفها. وسطت: توسطت. الذوائب: الأعالى. سميحة: اسم بئر بالمدينة كان عندها احتكام الأوس والخزرج فى حروبهم إلى ثابت بن المنذر والد حسان ابن ثابت. غطى: من رواه بتشديدها فهو معروف. فلست بسبى: السب هو الذى يقاوم الرجل فى السب، ويكون شرفه مثل شرفه. نب: صاح. لحانى: ذكرنى. الرعاع: الضعفاء. لواذ: مستترين. الحلوم: العقول. العواتق: جمع عاتق وهو ما بين الكتف والعنق. النجوم هنا المشاهير من الناس» ص 257 وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الِاسْتِفْهَامُ فَلَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي كَمْ خَبَرِيّةً كَانَتْ، أَوْ اسْتِفْهَامِيّةً، فَالتّقْدِيرُ إذًا: لِلّهِ دَرّهُ أَيّ مُذَبّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ هُوَ، أَلَا تَرَى أَنّهُ يَقْبُحُ أَنْ يَقُولَ: جَاءَنِي أَيّ فَتًى، فَإِنْ جَعَلْته وَصْفًا جَارِيًا على ما قبلها، فقلت جاءنى رَجُلٌ أَيّ رَجُلٍ جَازَ ذَلِكَ، لِأَنّهُ إذَا كَانَ وَصْفًا لَمْ تَلِهِ الْعَوَامِلُ اللّفْظِيّةُ، فَكَأَنّهُ لم لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَصْلِهِ، إذْ الْمُبْتَدَأُ لَا تَلِيهِ الْعَوَامِلُ اللّفْظِيّةُ. وَقَوْلُهُ: أَخْوَلُ أَخْوَلًا، أَيْ: مُتَفَرّقِينَ، وَوَقَعَ تَفْسِيرُهُ فِي بَعْضِ النّسْخِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ هِشَامٍ، وَكَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْخَالِ، وَهُوَ الْخُيَلَاءُ وَالْكِبْرُ، تَقُولُ: فُلَانٌ أَخْوَلُ مِنْ فُلَانٍ، أَيْ أَشَدّ كِبْرًا مِنْهُ، وَاخْتِيَالًا، فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: إذَا جَاءَ الْقَوْمُ أَخْوَلَ أَخْوَلًا، أَيْ انْفَرَدَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَفْسِهِ، وَازْدَهَاهُ الْخَالُ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِغَيْرِهِ، فَكُلّمَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْهُمْ، قُلْت: هَذَا أَخْوَلُ مِنْ الْآخَرِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، ثُمّ كَثُرَ حَتّى اُسْتُعْمِلَ فِي التّفَرّقِ مَثَلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ مَعْنَى الْخَالِ شَيْءٌ، وَقَدْ قِيلَ فِي أَخْوَلَ: إنّهُ مِنْ تَخَوّلْت بِالْمَوْعِظَةِ، وَنَحْوِهَا إذَا فَعَلْت ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَفِي الْحَدِيثِ: كَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَوّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ، مَخَافَةَ السّآمَةِ عَلَيْنَا. شِعْرُ حَسّانَ الْحَائِيّ: وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ الْحَائِيّ وَقَالَ فِيهِ: كَالْحَامِلَاتِ الْوِقْرَ بالثّقل ... الْمُلِحّات الدّوَالِحْ الدّوَالِحُ: جَمْعُ دَالِحَةٍ وَهِيَ الْمُثَقّلَةُ، وَكَذَلِكَ الدّلُوحُ مِنْ السّحَابِ، وَهِيَ الْمُثْقَلَةُ بِالْمَاءِ وفيه:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ينقضن أشعارا لهنّ ... هناك بادية المسائح المسائح: جميع: مَسِيحَةٍ، وَهُوَ مَا لَمْ يُمْشَطْ مِنْ الشّعْرِ بِدُهْنِ، وَلَا شَيْءٍ، وَالْمَسِيحَةُ أَيْضًا الْقِطْعَةُ مِنْ الْفِضّةِ، وَالْمَسِيحَةُ الْفَرَسُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ بَيْنِ مَشْرُورٍ، أَيْ مُفَرّقٍ، وَيُقَالُ شَرَرْت الْمِلْحَ إذَا فَرّقْته «1» ، وَالْمَجْلُ كَالْجُرْحِ، تَقُولُ: مَجِلَتْ يَدِي مِنْ الْعَمَلِ. وَقَوْلُهُ: نُشَائِحُ، أَيْ نُحَاذِرُ، كَمَا قَالَ الْآخَرُ. وَشَايَحْتَ قَبْلَ الْيَوْمِ إنّك شِيحُ «2» وَقَوْلُهُ: قَدْ كُنْت الْمُصَامِحَ، وَفِي الْحَاشِيَةِ عِنْدَ الشّيْخِ الْمُصَافِحِ «3» بِالْفَاءِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَأَمّا الْمُصَامِحُ بِالْمِيمِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَمَحْت الشّيْءَ إذَا أَذَبْته، قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، قَالَ: وَالصّمَحْمَحُ مِنْ الرّجال: الشّديد العصب، وسنّه

_ (1) فى رواية: مشرور، أى مفتول. ويذعذع: يفرق. والبوارح: الرياح الشديدة. (2) الشعر لأبى ذؤيب الهذلى يرثى رجلا من بنى عمه، ويصف مواقفه فى الحرب: وزعتهم حتى إذا ما تبددوا ... سراعا ولاحت أوجه وكشوح بدرت إلى أولاهم فسبقتهم ... وشايحت قبل اليوم إنك شيح أنظر اللسان فى مادة شيح وديوان الهذليين ح 1 ص 114- 120. (3) ومعنى المصافح: الراد للشىء، تقول: أتانى فلان، فصفحته عن حاجته أى: رددته عنها. والمصامح: المدافع الشديد، والمنافح المدافع عن القوم «ص 260 شرح السيرة لأبى ذر» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا بَيْنَ الثّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ، وَالصّمَاحُ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ الرّيحُ الْمُنْتِنَةُ. وَقَوْلُهُ: سَبَبٌ أَوْ مَنَادِحٌ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ: مَنْدُوحَةٍ، وَهِيَ السّعَةُ، وَقِيَاسُهُ: مَنَادِيحُ بِالْيَاءِ، وَحَذْفُهَا ضَرُورَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ النّدْحِ، فَيَكُونُ مُفَاعِلًا بِضَمّ الْمِيمِ، أَيْ مُكَاثِرًا، وَيَكُونُ بِفَتْحِ الْمِيمِ فَيَكُونُ جَمْعُ مَنْدَحَةٍ مَفْعَلَةً مِنْ الْكَثْرَةِ وَالسّعَةِ، وَأَمّا قَوْلُهُمْ: أَنَا فِي مَنْدُوحَةٍ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ، فَهِيَ مَفْعُولَةٌ مِنْ النّدْحِ، وَوَهِمَ أَبُو عُبَيْدٍ، فَجَعَلَهُ مِنْ انْدَاحَ بَطْنُهُ إذَا اتّسَعَ، وَالنّونُ فِي مَنْدُوحَةٍ أَصْلٌ، وَهِيَ فِي انْدَاحَ زَائِدَةٌ، لِأَنّ وَزْنَهُ انْفَعَلَ، وَالْأَلِفُ فِي انْدَاحَ أَصْلٌ وَهِيَ بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ كَأَنّهُ مَنْدُوحَةُ الشّجّ، وَالْمِيمُ فِي مَنْدُوحَةٍ زَائِدَةٌ، وَالدّالُ عَيْنُ الْفِعْلِ، وَهُوَ فِي انْدَاحَ فَاءُ الْفِعْلِ، وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ الْخَطّابِيّ: يَا عَجَبًا لِابْنِ قُتَيْبَةَ يَتْرُكُ مِثْلَ هَذَا مِنْ غَلَطِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَيُعَنّفُ فِي الرّدّ عَلَيْهِ، فِيمَا لَا بَالَ لَهُ مِنْ الْغَلَطِ. وَقَوْلُهُ: خَضَارِمَةٌ: جَمْعُ خَضْرَمَ، وَهُوَ الْكَثِيرُ الْعَطَاءِ. وَقَوْلُهُ: يَرْسِمْنَ مِنْ الرّسِيمِ فِي السّيْرِ، وَالصّحَاصِحُ: جَمْعُ صَحْصَحٍ، وَهِيَ الْأَرْضُ الْمَلْسَاءُ. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْ فَوْزِ السّفَائِحْ، السّفَائِحُ: جمع سفيحة، وهى كالجوالق «1» ونحوه.

_ (1) المفرد جوالق بضم الجيم وكسر اللام وفتحها، أو بكسر الجيم واللام. وجمعها جوالق كصحائف، وجواليق بفتح الجيم، وجوالقات بضم الجيم، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شِعْرُ حَسّانَ اللّامِيّ: وَقَالَ فِي الْقَصِيدَةِ اللّامِيّةِ: ذِي الْخُرُصِ الذّابِلِ، يُرِيدُ: الرّمْحَ، وَالْخُرُصُ سِنَانُهُ وَجَمْعُهُ خُرْصَانٌ. وَفِيهِ: شُلّتْ يَدَا وَحْشِيّ مِنْ قَاتِلِ. تَرْكُ تَنْوِينِ الْعَلَمِ لِلضّرُورَةِ: تَرْكُ التّنْوِينِ لِلضّرُورَةِ لَمّا كَانَ اسْمًا عَلَمًا، وَالْعَلَمُ قَدْ يُتْرَكُ صَرْفُهُ كَثِيرًا، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْبَصْرِيّونَ، وَاحْتَجّ الْكُوفِيّونَ فِي إجَازَتِهِ بِأَنّ الشّاعِرَ قَدْ يَحْذِفُ الْحَرْفَ وَالْحَرْفَيْنِ نَحْوَ قَوْلِ عَلْقَمَةَ [بْنِ عبده] : كأنّ إبريقهم ظبى على شرف ... مفدّم بسبا الكتّان ملثوم «1» أَيْ بِسَبَائِبَ، وَقَوْلُ لَبِيَدٍ: كَالْحَمَالِيجِ «2» بِأَيْدِي التّلَامِ

_ - والجوالق: وعاء من صوف أو شعر أو غيرهما كالغرارة. وعند أبى ذر: أن أن السفائح: جمع سفيح، وهو من قداح الميسر. (1) لم يكن فى الروض غير قوله: بسبا الكتان. والسبيبة هى الشقة. (2) هى فى الأصل: الحلاميح، ولا معنى لها، والحماليج: جمع حملاج- بكسر الحاء- منفاخ الصائغ. وفى اللسان فى مادة تلم ورد هذا البيت منسوبا إلى الطرماح يصف بقرة: تتقى الشمس بمدرية ... كالحماليج بأيدى التلامى وقال: التلام: اسم أعجمى، ويراد به الصائمة، وقيل: غلمان الصاغة، يقال هو بالكسر يقرأ بإثبات الياء فى القافية- ورواه بعضهم بأيدى التلام- فمن رواه بفتح التا. وإثبات الياء أراد التلاميذ يعنى: تلاميذ الصاغة. ومن رواه بكسر التاء من ثلام، فهى جمع تلم: الغلام. وقيل كل غلام تلم تلميذا كان أو غير تلميذ والجمع التلام وقيل: التلام بالكسر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْ التّلَامِيذِ. وَقَالَ ابْنُ السّرّاجِ مُحْتَجّا عَلَيْهِمْ: لَيْسَ التّنْوِينُ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ لِأَنّهُ زائد. لمعنى، وما زيد لمعنى لَا يُحْذَفُ. شِعْرُ كَعْبٍ وَفِي شِعْرِ كَعْبٍ: طَرَقَتْ هُمُومُك فَالرّقَادُ مُسَهّدُ أَرَادَ الرّقَادَ مُسَهّدٌ صَاحِبَهُ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَهُوَ الضّمِيرُ الْمَخْفُوضُ، فَصَارَ الضّمِيرُ مَفْعُولًا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ، فَاسْتَتَرَ فِي الْمُسَهّدِ «1» . وَمِنْهُ: وَجَزِعْت أَنْ سُلِخَ الشّبَابُ الْأَغْيَدُ أَيْ: الْأَغْيَدُ صَاحِبُهُ، وَهُوَ النّاعِمُ. وَقَوْلُهُ: وَالْخَيْلُ تَثْفِنُهُمْ، أَيْ: تَتّبِعُ آثَارَهُمْ، وَأَصْلُهُ مِنْ ثَفِنَاتِ الْبَعِيرِ، وَهُوَ مَا حَوْلَ الْخُفّ مِنْهُ. قَصِيدَةُ كَعْبٍ الزّائِيّةُ: وَقَوْلُ كعب فى الشعر الزّائى:

_ - الحملاج الذى ينفخ فيه، والتلام بالفتح التلاميذ التى تنفخ فيها. وأنشد. كالتلاميذ بأيدى التلام وانظر مادة حملج من اللسان. والتلاميذ: الخذم والأتباع. (1) ذهب أبو ذر إلى ما ذهب إليه السهيلى، ولكنه زاد: ويجوز أن يكون وصف الرقاد بأنه مسهد على وجه المجاز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَيْثُ الْمَلَاحِمِ فِي الْبِزّةِ الْبِزّةُ: الشّارَةُ الْحَسَنَةُ، وَالْبِزّةُ السّلَاحُ أَيْضًا، وَهُوَ مِنْ بَزَزْت الرّجُلَ، إذَا سَلَبْته بِزّتَهُ، يُقَالُ: مَنْ عَزّ بَزّ، أَيْ: مَنْ غَلَبَ سَلَبَ، وَالْبُزَابِزُ: الرّجُلُ الشّدِيدُ. نُونِيّةُ كَعْبٍ: وَقَالَ أَيْضًا فِي الْقَصِيدَةِ النّونِيّةِ. تَلُوذُ الْبُجُودُ، بِأَذْرَائِنَا الْبُجُودُ: جَمْعُ بَجَدٍ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ النّاسِ، وَيُرْوَى النّجُودُ بِالنّونِ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمَكْرُوبَةُ. وَالنّجُودُ مِنْ الْإِبِلِ: الْقَوِيّةُ «1» وَقَوْلُهُ: بِأَذْرَائِنَا، جَمْعُ ذَرَا مِنْ قَوْلِهِمْ: أَنَا فِي ذَرَا فُلَانٍ، أَيْ فِي سِتْرِهِ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ: لَيْسَ فِي الشّجَرِ أَذْرَى مِنْ السّلَمِ، أَيْ: أَدْفَأَ ذَرَا مِنْهُ، لِأَنّهُ يُقَالُ: مَا مَاتَ أَحَدٌ صَرْدًا «2» قَطّ فِي ذَرَا سَلَمَة. وَقَوْلُهُ: جَلَمَاتُ الْحُرُوبِ. مِنْ قَوْلِك جَلَمْت الشّيْءَ، وَجَرَشْته إذَا قَطَعْته، وَمِنْهُ: الْجَلَمَانُ «3» . وَقَوْلُهُ: لَدُنْ أَنْ بُرِينَا أَيْ خُلِقْنَا، وَالْبَارِي: الْخَالِقُ «4» سُبْحَانَهُ، أَيْ هذا حالنا من لدن خلقنا.

_ (1) وهى فى السيرة: النجوم ويعنى: المشهورين من الناس. (2) الصرد بسكون الراء وفتحها: البرد أو شدته. (3) هما المقراضان واحدهما: جلم. وقيل الجلم الذى يجز به الصوف والشعر، والجلمان شفرتاه. (4) يقول ابن الأثير عن البارىء: هو الذى خلق الخلق لا عن مثال، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: يَحْسِبُهَا مَنْ رَآهَا الْفَتِينَا، هِيَ الصّخُورُ السّودُ، سُمّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنّهَا تُشْبِهُ مَا فُتِنَ بِالنّارِ، أَيْ: أُحْرِقَ. وَفِي التّنْزِيلِ: عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ الذاريات: 13 وَأَصْلُ الْفِتَنِ «1» الِاخْتِبَارُ، وَإِنّمَا قِيلَ: فَتَنْت الْحَدِيدَةَ بِالنّارِ، لِأَنّك تَخْتَبِرُ طَيّبَهَا مِنْ خَبِيثِهَا. وَقَوْلُهُ: دَوَاجِنُ حُمْرًا وَجُونًا، أَيْ: حُمْرًا وَسُودًا «2» ، وَقَوْلُهُ: جَأْوَاءُ، أَيْ: كَتِيبَةٌ لَوْنُهَا لَوْنُ الْحَدِيدِ. وَقَوْلُهُ: جُولًا طَحُونًا: الْجُولُ: جَانِبُ الْبِئْرِ. وَقَوْلُهُ: إنْ قَلّصَتْ، يَعْنِي الْحَرْبَ «3» ، ثُمّ وَصَفَهَا فَقَالَ: عَضُوضًا حجونا مِنْ الْعَضّ، وَحَجُونًا مِنْ حَجَنْت الْعُودَ إذَا لويته «4» ، وقوله:

_ - ولهذه اللفظة من الاختصاص بخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات، وقلما تستعمل فى غير الحيوان، فيقال: برأ الله النسمة، وخلق السماوات والأرض. ويقول أبو هلال العسكرى فى فروقه عن البرية: «البرية فعيلة من برأ الله الخلق، أى: ميز صورهم، وترك همزه لكثرة الاستعمال، وقيل أصل البرية البرى وهو القطع، وسمى برية لأن الله عز وجل قطعهم من جملة الحيوان فأفردهم بصفات ليست لغيرهم، أما الخالق، فهو كما يقول ابن الأثير- الذى أوجد الأشياء جميعها بعد أن لم تكن موجودة، وأصل الخلق: التقدير، فهو باعتبار تقدير ما منه وجودها، وباعتبار الإيجاد على وفق التقدير: خالق. وقد ذكر القرآن الإسمين، فلا يمكن أن يكون أحدهما عين الآخر فى معناه الكلى. (1) فى الأصل: الفتى. (2) الدواجن: المقيمة. (3) وقلصت: ارتفعت وانقبضت. (4) الحجون: المعوجة الأسنان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَلَسْنَا نَشُدّ عَلَيْهَا الْعِصَا ... بَ حَتّى تَدُرّ وَحَتّى تَلِينَا هَذَا كُلّهُ مِنْ صِفَةِ الْحَرْبِ، شَبّهَهَا بِنَاقَةِ صَعْبَةٍ قَلّصَتْ، أَيْ صَارَتْ قَلُوصًا، أى إنا نذلّل صعبها، ونلين مِنْ ضِرَاسِهَا. وَقَوْلُهُ: وَيَوْمٌ لَهُ رَهَجٌ دَائِمٌ الرّهَجِ: الْغُبَارُ. وَقَوْلُهُ: شَدِيدُ التّهَاوُلِ: جَمْعُ تَهْوِيلٍ، وَالتّهَاوِيلُ: أَلْوَانٌ مُخْتَلِفَةٌ، قَالَ الشّاعِرُ [عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ عَسَلَةَ] يَصِفُ رَوْضًا: وَعَازِبٌ قَدْ عَلَا التّهْوِيلُ جَنْبَتَهُ ... لَا تَنْفَعُ النّعْلُ فِي رَقْرَاقِهِ الْحَافِي «1» وَقَوْلُهُ: حَامِي الْأَرِينَا: جَمْعُ إرَةٍ، وَهُوَ مُسْتَوْقَدُ النّارِ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهَا عِلّةً مِنْ الْأُوَارِ، وَهُوَ الْحَرّ، فَحُذِفَتْ الْهَمْزَةُ، وَهُمِزَتْ الواو لانكسارها، وجائز أن يكون وزنها فعة مِنْ تَأَرّيْتُ بِالْمَكَانِ، لِأَنّهُمْ يَتَأَرّوْنَ حَوْلَهَا، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الصّحِيحُ، لِأَنّهُمْ جَمَعُوهَا عَلَى إرِينَ مِثْلُ سِنِينَ، وَلَا يُجْمَعُ هَذَا الْجَمْعُ الْمُسْلَمُ كجمع من يعقل إلا إذا حذفت لَامُهُ، وَكَانَ مُؤَنّثًا، وَكَانَ لَامُ الْفِعْلِ حَرْفَ عِلّةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُذَكّرٌ كَالْأُمّةِ، إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الشّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ جُمِعَ بِالْوَاوِ وَالنّونِ فِي الرّفْعِ، وَالْيَاءِ وَالنّونِ فِي الْخَفْضِ والنصب، كسنين

_ (1) يصف به ما أخرجه الزرع من الألوان، وفى المحكم يصف نباتا وقد نسبه اللسان فى مادة هول كما أثبت لعبد المسيح بن عسلة وهو أخو بنى مرة بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان. وبيته هذا مع أربعة غيره فى المفضليات للضبى وانظر ص 57 سمط اللآلى. البكرى ح 1 وص 254 الأمالى للقالى ج 2 واللسان مادة هول ولغا. وص 235 المؤتلف والمختلف لأبى القاسم الحسن ابن بشر بن يحيى الآمدى ط 1961.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَعِضِينَ، غَيْرَ أَنّهُمْ قَدْ قَالُوا رِقِينَ «1» فِي جَمْعِ الرّقّةِ وَهِيَ الْوَرِقُ وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَلَى سِرّ هَذَا الْجَمْعِ وَسِرّ أَرْضِينَ فِي «نَتَائِجِ الْفِكْرِ» بِمَا فِيهِ جَلَاءٌ وَالْحَمْدُ لِلّهِ. وَقَوْلُهُ: كَنَارِ أَبِي حُبَاحِبَ وَالضّبِينَا «2» يُقَالُ أَبُو حُبَاحِبَ ذُبَابٌ يَلْمَعُ بِاللّيْلِ، وَقِيلَ كَانَ رَجُلًا لَئِيمًا لَا يَرْفَعُ نَارَهُ «3» خَشْيَةَ الْأَضْيَافِ، وَلَا يُوقِدُهَا إلّا ضَعِيفَةً، وَتَرَكَ صَرْفَهُ وَلَمْ يَخْفِضْ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ، لِمَا قَدّمْنَاهُ مِنْ أَنّ الِاسْمَ إذَا تُرِكَ صَرْفُهُ ضَرُورَةً أَوْ غَيْرَ ضَرُورَةٍ، لَمْ يَدْخُلْهُ الْخَفْضُ كَمَا لَا يَدْخُلُهُ التّنْوِينُ، لِئَلّا يُشْبِهَ مَا يُضِيفُهُ الْمُتَكَلّمُ إلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَدْرِي مَا حُبَاحِبُ وَلَا أَبُو حُبَاحِبَ، وَلَا بَلَغَنِي عَنْ الْعَرَبِ فِيهِ شَيْءٌ «4» ، وَقَالَ فِي الْإِرَةِ عَنْ قَوْمٍ حَكَى قَوْلَهُمْ: هُوَ مِنْ أَرَيْت الشّيْءَ إذا عملته، وقال: الأرى هو عمل النحل وفعلها،

_ (1) فى الأصل: رقيق وهو خطأ صوابه ما أثبته. والرقة: الدرهم المضروب. ورقون فى حال الرفع، ورقين فى حال النصب والحجر. (2) لا يوجد فى القصيدة ما ذكره، ولكنه بيت الكميت هو: يرى الراؤن بالشفرات منها ... كنار أبى حباحب والظبينا وإنما ترك الكميت صرفه، لأنه جعله اسما لمؤنث. (3) كان من محارب خصفة، وقد ضرب بناره المثل، فقالوا: نار الحباحب لما تقدحه الخيل بحوافرها، فان ما أورت الخيل لا ينتفع به كما لا ينتفع بنار الحباحب، وقيل إنه كان إذا انتبه منتبه، ليقبس من ناره أطفأها، وقد اشتق ابن الأعرابى نار الحباحب من الحبحبة، وهى الضعف. وأما: أم حباحب فدويبة مثل الجندب تطير صفراء خضراء رقطاء. (4) قال: ويزعم قوم أنه اليراع، واليراع فراشة إذا طارت ظن أنها شررة. وقيل إن الحباحب هو طائر أطول من الذباب فى دقة يطير فيما بين المغرب والعشاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثُمّ سُمّيَ الْعَسَلُ أَرْيًا لِهَذَا كَمَا يُسَمّى مزجا وأنشد [لأبى ذؤيب الهذلى] : وجاؤا بِمَزْجِ لَمْ يَرَ النّاسُ مِثْلَهُ ... هُوَ الضّحِكُ إلّا أَنّهُ عَمَلُ النّحْلِ «1» قَالَ: وَالضّحْكُ: الزّبْدُ الْأَبْيَضُ، وَقِيلَ الثّغْرُ، وَقِيلَ الطّلْعُ، وَقِيلَ: الْعَجَبُ. وَقَوْلُهُ: وَالظّبِينَا: جَمْعُ ظُبَةٍ، جَمَعَهَا عَلَى هَذَا الْجَمْعِ الْمُسْلَمِ، لِمَا قَدّمْنَاهُ فِي الْأَرِينَ وَالسّنِينَ، غَيْرَ أَنّهُ لَمْ يَكْسِرْ أَوّلَ الْكَلِمَةِ كَمَا كُسِرَتْ السّينُ مِنْ سِنِينَ إشْعَارًا بِالْجَمْعِ، لِأَنّ ظُبِينَ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا، إذْ لَيْسَ فِي الْأَسْمَاءِ فَعِيلٌ، وَكَسَرُوا أَوّلَ «2» سِنِينَ إيذَانًا بِأَنّهُ جَمْعٌ كَيْ لَا يُتَوَهّمَ أَنّهُ اسْمٌ عَلَى فُعُولٍ، إذْ لَيْسَ فِي الْأَسْمَاءِ فُعُولٌ وَلَا فِعِيلٍ وَلَمْ يَبْلُغْ سِيبَوَيْهِ أَنّ ظُبَةَ تُجْمَعُ عَلَى ظُبِينَ، وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الشّعْرِ، وَفِي غَيْرِهِ كَمَا تَرَاهُ. وَقَوْلُهُ: قَوَاحِزُهُ: جَمْعُ قَاحِزٍ وَهُوَ الْوَثّابُ الْقَلِقُ، يُقَالُ: قحز قحزانا

_ (1) فى اللسان فى مادة ضحك: فجاء. (2) بعضهم- كما جاء فى اللسان- يقول: سنون بضم السين، وبعضهم يجعل النون فى سنين هى علامة الإعراب فيقول. هذه سنين بضم النون مع تنوينها، ورأيت سنينا، وبعضهم يجعل النون نون الجمع، فيقول هذه سنون، ورأيت سنين. والنحويين بعض تفصيل فى هذه المسألة. فقالوا: الغالب فى باب سنه وأخواتها أن ما كان منه مفتوح الفاء فى المفرد فإنه يكسر فى الجمع مثل سنة وسنين، وما كان مكسور الفاء فى المفرد لم يتغير فى الجمع، مثل مائة ومئين وعضه وعضين وعزه وعزين وما كان مضموم الفاء يجوز فيه الكسر والضم، مثل: ثبة وثبين. انظر ص 74 ح 1 من التصريح على التوضيح لابن هشام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [وَقَحْزًا وَقُحُوزًا] «1» ، إذَا وَثَبَ وَقَلِقَ. وَقَوْلُهُ: بِخُرْسِ الْحَسِيسِ، يَصِفُ السّيُوفَ بِالْخَرَسِ لِوُقُوعِهَا فِي الدّمِ وَاللّحْمِ. وَقَوْلُهُ: حِسَانٍ رِوَاءٍ: مِنْ الدّمِ، وَقَوْلُهُ: بُصْرِيّةٌ: مَنْسُوبَةٌ إلَى بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشّامِ، كما أن المشرقيّة مَنْسُوبَةٌ إلَى مَشَارِفَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ، لِأَنّهَا تُصْنَعُ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: قَدْ أَجَمْنَ الْجُفُونَا، أَيْ كَرِهْنَ الْمُقَامَ فِيهَا، وَمَلَلْنَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ هِشَامٍ لِسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: مَا طَعَامُك؟ قَالَ: الْخُبْزُ بِالزّيْتِ، قَالَ: أَمَا تَأْجِمُهُمَا؟ قَالَ: إذَا أَجِمْتهمَا تَرَكْتهمَا حَتّى أَشْتَهِيهِمَا. وَقَوْلُهُ: وَتَحْتَ الْعَمَايَةِ وَالْمُعْلِمِينَا، بِإِسْقَاطِ الْوَاوِ مِنْ أَوّلِ الْقَسِيمِ الثّانِي «2» وَقَعَ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْحَاشِيَةِ، وَتَحْتَ الْعَمَايَةِ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَقَعَ فِي الْأَصْلَيْنِ، وَبِهَا يَكْمُلُ الْوَزْنُ وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهَا إلّا عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ الّذِي يُجِيزُ الْخَرْمَ فِي أَوّلِ الْقَسِيمِ الثّانِي مِنْ الْبَيْتِ، كَمَا يُجِيزُهُ الْعَرُوضِيّونَ فِي أَوّلِ الْبَيْتِ. وَقَوْلُهُ: تُطِيفُ بِك الْمُنْدِيَاتُ: أَيْ الْأُمُورُ الشّنِيعَةُ. وَقَوْلُهُ: تَبَجّسْت، مِنْ تَبَجّسَ الْمَاءُ، إذا انفجر.

_ (1) ما بين القوسين من القاموس. (2) أى بحذف الواو قبل: تحت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شِعْرُ ضِرَارٍ وَقَوْلُ ضِرَارٍ فِي قَصِيدَتِهِ الدّالِيّةِ يَكْبُو فِي جَدِيّتِهِ «1» ، أَيْ: فِي دَمِهِ. وَقَوْلُهُ: ثَعْلَبٌ جَسَدُ، يُرِيدُ ثَعْلَبَ الرّمْحِ، وَجَسِدَ مِنْ الْجِسَادِ وَهُوَ الدّمُ «2» . وَقَوْلُهُ: الْأَضْغَانُ وَالْحِقِدُ، حَرّكَ الْقَافَ بِالْكَسْرِ ضَرُورَةً، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الدّالِ بِالسّكُونِ، وَكَانَ الِاسْمُ مَخْفُوضًا كَانَ الْكَسْرُ أَحْسَنَ فى الوقف، كما قال: واصطفاقا بِالرّجْلِ، أَيْ: الرّجْلِ «3» . وَقَوْلُهُ: الْعَوْصَاءُ وَالْكُؤُدُ، يُرِيدُ الرّمُلَةَ الْعَوِيصُ مَسْلَكُهَا، وَالْكُؤُدُ جَمْعُ عَقَبَةٍ كَؤُودٍ وهى الشاقة.

_ (1) عند الخشنى: طريقة الدم. (2) الثعلب ما دخل من الرمح فى السنان. وجسد يبس عليه الدم «الخشنى ص 272» . (3) انظر ص 321 ح 2 الشافية لابن الحاجب مع شرحها للرضى، وقد أنشد اللسان: أرتنى حجلا على ساقها ... فهش الفؤاد لذاك الحجل فقلت، ولم أخف عن صاحبى ... ألابى أنا أصل تلك الرجل ثم قال: أراد الرجل- بكسر الراء وسكون الجيم- والحجل- بضبط الرجل- فألقى حركة اللام- وهى الكسر- على الجيم. وليس هذا وضعا، لأن فعلا- بكسر الفاء والعين- لم يأت إلا فى قولهم: إبل وإطل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَجَزُ عِكْرِمَةَ: وَقَوْلُ عِكْرِمَةَ: أَرْحِبْ هَلّا، هُوَ مِنْ زَجْرِ الْخَيْلِ، وَكَذَلِكَ هِقِطْ وَهِقِطْ وَهَبْ وَسَقَبْ «1» . وَذَكَرَ قَوْلَ نعيم: شعر نُعَيْمٍ: يَا عَيْنُ جُودِيّ بِفَيْضِ غَيْرِ إبْسَاسِ الْإِبْسَاسُ: أَنْ تَسْتَدِرّ لَبَنَ النّاقَةِ بِأَنْ تَمْسَحَ ضَرْعَهَا، وَتَقُولُ لَهَا: بَسْ بَسْ فَاسْتَعَارَتْ هَذَا الْمَعْنَى لِلدّمْعِ الْفَائِضِ بِغَيْرِ تَكَلّفٍ وَلَا اسْتِدْرَارٍ لَهُ. وَقَوْلُهَا: صَعْبُ الْبَدِيهَةِ، أَيْ: بَدِيهَتُهُ «2» لَا تُعَارَضُ وَلَا تُطَاقُ، فَكَيْفَ رَوِيّتُهُ وَاحْتِفَالُهُ. شِعْرُ كَعْبٍ اللّامِيّ: وَفِي شِعْرِ كَعْبٍ: بَكَتْ عَيْنِي وَحُقّ لَهَا بُكَاهَا ... وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ وَضَعَ الْمَقْصُورَ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْمَمْدُودَ فِي مَوْضِعِهِ، لِأَنّ البكا مقصور بمعنى

_ (1) سبق ذكرها. وهقط عن المبرد وحده. وقد كررها فى الروض مرتين، وأظن أن الأخرى: هقب بكسر ففتح وهى من زجر الخيل أيضا. (2) البديهة: سداد الرأى عند المفاجأة، والمعرفة يجدها الإنسان فى نفسه من غير إعمال للفكر، ولا علم بسببها، وأول كل شىء وما يفجأ منه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحُزْنِ وَالْغَمّ، وَإِنْ كَانَ مَمْدُودًا فَهُوَ الصّرَاخُ، وَكَذَلِكَ قِيَاسُ الْأَصْوَاتِ أَنْ تَكُونَ عَلَى فِعَالٍ، فَقَوْلُهُ: حُقّ لَهَا بُكَاهَا، أَيْ حُقّ لَهَا حُزْنُهَا، لِأَنّهُ الّذِي يَحِقّ دُونَ الصّرَاخِ. ثُمّ: قَالَ: وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ، أَيْ: لَيْسَ يَنْفَعُ الصّيَاحُ وَلَا الصّرَاخُ، وَلَا يُجْدِي عَلَى أَحَدٍ، فَتَنَزّلَتْ كُلّ كَلِمَةٍ مَنْزِلَتَهَا. وَقَوْلُهُ: حُقّ لَهَا، أَيْ: حُقّ، وَالْأَصْلُ: حَقِقَ عَلَى فَعِلَ، فَبُكَاهَا: فَاعِلٌ لَا مَفْعُولٌ، وَكُلّ فِعْلٍ إذَا أَرَدْت الْمُبَالَغَةَ فِي الْأَمْرِ وَمَعْنَى التّعَجّبِ نُقِلَتْ الضّمّةُ مِنْ عَيْنِ الْفِعْلِ إلَى فَائِهِ، فَتَقُولُ: حَسُنَ زَيْدٌ، أَيْ حَسُنَ جِدّا، فَإِنْ لَمْ تُرِدْ مَعْنَى التّعَجّبِ لَمْ يَجُزْ إلّا الضّمّ أَوْ التّسْكِينُ، تَقُولُ: كَبُرَ زَيْدٌ وَكَبْرُ، وَلَا تَقُولُ كُبْرَ إلّا مَعَ قَصْدِ التّعَجّبِ. قَالَ الشّاعِرُ [الْأَخْطَلُ] : فَقُلْت: اُقْتُلُوهَا عَنْكُمْ بِمِزَاجِهَا ... وَحُبّ بِهَا مَقْتُولَةً حِينَ تُقْتَلُ يَعْنِي الْخَمْرَ. وَقَالَ آخَرُ: [سَهْمُ بْنُ حَنْظَلَةَ الْغَنَوِيّ] : لَمْ يَمْنَعْ الْقَوْمُ مِنّي مَا أَرَدْت وَلَمْ ... أُعْطِيهِمْ مَا أَرَادُوا حُسْنَ ذَا أَدَبَا «1» أَيْ حَسُنَ، وَقَالَ آخَرُ: أَلَا حُبّ بِالْبَيْتِ الّذِي أَنْتَ زائره

_ (1) سبق هذا وانظر ص 41 إصلاح المنطق لابن السكيت وتهذيبه التبريزى ص 54 ففيهما ما نقل السهيلى وعنه وعن التبريزى نقلت اسم الأخطل، ونقلت اسم سهم بين حنظلة وعن كتاب تهذيب إصلاح المنطق لأبى زكريا يحيى بن على ابن الخطيب التبريزى ص 54.

ذكر يوم الرجيع

[ذكر يوم الرجيع] فى سنة ثلاث مقتل خبيب وأصحابه قال: حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هِشَامٍ، قَالَ: حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ، قَالَ: حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ أُحُدٍ رَهْطٌ مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ: بِالْبَيْتِ، لِأَنّ مَعْنَاهُ كَمَعْنَى أَحْبِبْ بِالْبَيْتِ تَعَجّبًا. وَقَوْلُ كَعْبٍ: أَبَا يَعْلَى لَك الْأَرْكَانُ هَدّتْ كَانَ حَمْزَةُ يُكَنّى أَبَا يَعْلَى بِابْنِهِ يَعْلَى، وَلَمْ يَعِشْ لِحَمْزَةِ وَلَدٌ غَيْرُهُ، وَأَعْقَبَ يَعْلَى خَمْسَةٌ مِنْ الْبَنِينَ، ثُمّ انْقَرَضَ عَقِبُهُمْ فِيمَا ذَكَرَ مُصْعَبٌ وَيُكَنّى حَمْزَةُ أَيْضًا أَبَا عُمَارَةَ، وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَبْعَثِ، بِهَذِهِ الْكُنْيَةِ، قِيلَ: إنّ عُمَارَةَ بِنْتٌ لَهُ كُنّيَ بِهَا، وَهِيَ الّتِي وَقَعَ ذِكْرُهَا فِي السّنَنِ لِلدّارَقُطْنِيّ: أَنّ مَوْلَى لِحَمْزَةِ مَاتَ، وَتَرَكَ «1» بِنْتًا فَوَرِثَتْ مِنْهُ النّصْفُ، وَوَرِثَتْ بِنْتُ حَمْزَةَ النّصْفَ الْآخَرَ، وَلَمْ يُسَمّهَا فِي السّنَنِ، وَلَكِنْ جَاءَ اسْمُهَا فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِبَكْرِ بْنِ الْعَلَاءِ وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّ الْوَلَاءَ كَانَ لَهَا، وَأَنّهَا كَانَتْ الْمُعْتِقَةَ لَا حَمْزَةَ.

_ (1) فى جمهرة ابن حزم «ولد حمزة عمارة أمه خولة بنت قيس بن فهد الأنصارى ويعلى وعامر أمهما أنصارية، وابنة تزوجها سلمة بن أبى سلمة ابن عبد الأسد المخزومى، وقد انقرض عقب حمزة رضى الله عنه» ص 15.

نسب عضل والقارة

[نسب عَضَلٍ وَالْقَارّةِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَضَلٌ وَالْقَارّةُ، مِنْ الْهَوْنِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: الْهُونُ، بِضَمّ الْهَاءِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ فِينَا إسْلَامًا، فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِك يُفَقّهُونَنَا فِي الدّينِ، وَيُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ، وَيُعَلّمُونَنَا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَرًا سِتّةً مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهُمْ: مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ، حَلِيفُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؛ وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ اللّيْثِيّ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ، أَخُو بنى عمرو ابن عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ؛ وَخُبَيْبٌ بْنُ عَدِيّ، أَخُو بَنِي جَحْجَبَى بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّةِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، أَخُو بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ زريق بن عبد حارثة بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ؛ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ طَارِقٍ حَلِيفُ بَنِي ظَفَرِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ. وَأَمّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ فخرج مع القوم. حَتّى إذَا كَانُوا عَلَى الرّجِيعِ، مَاءٍ لِهُذَيْلٍ بِنَاحِيَةِ الْحِجَازِ، عَلَى صُدُورِ الْهَدْأَةِ غَدَرُوا بِهِمْ، فَاسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِمْ هُذَيْلًا؛ فَلَمْ يَرُعْ الْقَوْمَ، وَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ، إلّا الرّجَالُ بِأَيْدِيهِمْ السّيُوفُ، قَدْ غَشُوهُمْ؛ فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ لِيُقَاتِلُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إنّا وَاَللهِ مَا نُرِيدُ قَتْلَكُمْ، وَلَكِنّا نُرِيدُ أَنْ نُصِيبَ بِكُمْ شَيْئًا مِنْ أَهْلِ مَكّةَ وَلَكُمْ عَهْدُ اللهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ لَا نَقْتُلَكُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل مرثد وابن البكير وعاصم

[مَقْتَلُ مَرْثَدٍ وَابْنِ الْبُكَيْرِ وَعَاصِمٍ] فَأُمّا مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالُوا: وَاَللهِ لَا نَقْبَلُ مِنْ مُشْرِكٍ عَهْدًا وَلَا عَقْدًا أَبَدًا؛ فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا عِلّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُنَابِلُ تَزَلّ عَنْ صَفْحَتِهَا الْمَعَابِلُ ... الْمَوْتُ حَقّ وَالْحَيَاةُ بَاطِلُ وَكُلّ مَا حَمّ الْإِلَهُ نَازِلٌ ... بِالْمَرْءِ وَالْمَرْءُ إلَيْهِ آئِلُ إنْ لَمْ أُقَاتِلْكُمْ فَأُمّي هَابِلُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَابِلُ: ثَاكِلُ. وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: أَبُو سُلَيْمَانَ وَرِيشُ الْمُقْعَدِ ... وَضَالَةٌ مِثْلَ الْجَحِيمِ الْمُوقَدِ إذَا النّوَاجِي افْتُرِشْتِ لَمْ أُرْعَدْ ... وَمُجْنَأٌ مِنْ جَلَدٍ ثَوْرٍ أَجْرَدِ وَمُؤْمِنٌ بِمَا على محمّد وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: أَبُو سُلَيْمَانَ وَمِثْلِي رَامَى ... وَكَانَ قَوْمِي مَعْشَرًا كِرَامَا وَكَانَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ يُكَنّى: أَبَا سُلَيْمَانَ. ثُمّ قاتل القوم حتى قتل وقتل صاحباه. [حِمَايَةِ الدّبْرِ لِعَاصِمِ] فَلَمّا قُتِلَ عَاصِمٌ أَرَادَتْ هُذَيْلٌ أَخْذَ رَأْسِهِ، لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سعد ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مصرع خبيب وابن طارق وابن الدثنة

ابن شُهَيْدٍ، وَكَانَتْ قَدْ نَذَرَتْ حِين أَصَابَ ابْنَيْهَا يَوْمَ أُحُدٍ: لَئِنْ قَدَرَتْ عَلَى رَأْسِ عَاصِمٍ لَتَشْرَبَن فِي قِحْفِهِ الْخَمْرَ، فَمَنَعَتْهُ الدّبْرُ، فَلَمّا حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ الدّبْرُ قَالُوا: دَعُوهُ يُمْسِي فَتَذْهَبُ عَنْهُ، فَنَأْخُذُهُ. فَبَعَثَ اللهُ الْوَادِيَ، فَاحْتَمَلَ عَاصِمًا، فَذَهَبَ بِهِ. وَقَدْ كَانَ عَاصِمٌ قَدْ أَعْطَى اللهَ عَهْدًا أَنْ لَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ، وَلَا يَمَسّ مُشْرِكًا أَبَدًا، تَنَجّسًا؛ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: حِينَ بَلَغَهُ أَنّ الدّبْرَ مَنَعَتْهُ: يَحْفَظُ اللهُ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ، كَانَ عَاصِمٌ نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ، وَلَا يَمَسّ مُشْرِكًا أَبَدًا فِي حَيَاتِهِ، فَمَنَعَهُ اللهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، كَمَا امْتَنَعَ مِنْهُ فى حياته. [مصرع خبيب وابن طارق وَابْنِ الدّثِنّةِ] وَأَمّا زَيْدُ بْنُ الدّثِنّةِ وَخُبَيْبٌ بْنُ عَدِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ طَارِقٍ، فَلَانُوا وَرَقّوا وَرَغِبُوا فِي الْحَيَاةِ، فَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ، فَأَسَرُوهُمْ، ثُمّ خَرَجُوا إلَى مَكّةَ، لِيَبِيعُوهُمْ بِهَا، حَتّى إذَا كَانُوا بِالظّهْرَانِ انْتَزَعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ طَارِقٍ يَدَهُ مِنْ الْقِرَانِ، ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُ الْقَوْمُ، فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتّى قَتَلُوهُ، فَقَبْرُهُ، رَحِمَهُ اللهُ، بِالظّهْرَانِ؛ وَأَمّا خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّةِ فَقَدِمُوا بِهِمَا مَكّةَ. قال ابن هشام: فباعوهما مِنْ قُرَيْشٍ بِأَسِيرَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ كَانَا بِمَكّةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَابْتَاعَ خُبَيْبًا حُجَيْرُ بْنُ أَبِي إهَابٍ التّمِيمِيّ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلٍ، لِعُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ أبو إهاب أخا الحارث ابن عامر لأمه لقتله بأبيه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مثل من وفاء ابن الدثنة للرسول

قال ابن هشام: الحارث بن عامر، خَالُ أَبِي إهَابٍ، وَأَبُو إهَابٍ، أَحَدُ بَنِي أُسَيّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، وَيُقَالُ: أَحَدُ بَنِي عُدَس بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن دارم، من بنى تميم. [مثل من وفاء ابن الدثنة لِلرّسُولِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا زَيْدُ بْنُ الدّثِنّةِ فَابْتَاعَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ، أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَبَعَثَ بِهِ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ مَعَ مَوْلًى لَهُ، يُقَالُ لَهُ: نِسْطَاسُ، إلَى التّنْعِيمِ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ. وَاجْتَمَعَ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ؛ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ قَدِمَ لِيُقْتَلَ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا زَيْدُ، أَتُحِبّ أَنّ مُحَمّدًا عِنْدَنَا الْآنَ فِي مَكَانِك نَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَأَنّك فِي أَهْلِك؟ قَالَ: وَاَللهِ مَا أُحِبّ أَنّ مُحَمّدًا الْآنَ فِي مَكَانِهِ الّذِي هُوَ فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وأنّى جَالِسٌ فِي أَهْلِي. قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْت مِنْ النّاسِ أَحَدًا يُحِبّ أَحَدًا كَحُبّ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ مُحَمّدًا؛ ثُمّ قَتَلَهُ نِسْطَاسُ، يرحمه الله. [مَقْتَلُ خُبَيْبٍ وَحَدِيثُ دَعْوَتِهِ] وَأَمّا خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ، فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، أَنّهُ حُدّثَ عَنْ مَاوِيّةَ، مَوْلَاةِ حُجَيْرِ بْنِ أَبِي إهَابٍ، وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ، قَالَتْ: كَانَ خُبَيْبٌ عِنْدِي، حُبِسَ فِي بَيْتِي، فَلَقَدْ اطّلَعَتْ عَلَيْهِ يَوْمًا، وَإِنّ فِي يَدِهِ لَقِطْفًا مِنْ عِنَبٍ، مِثْلَ رَأْسِ الرّجُلِ يَأْكُلُ مِنْهُ، وَمَا أَعْلَمُ فِي أَرْضِ اللهِ عِنَبًا يُؤْكَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ جَمِيعًا أَنّهَا قَالَتْ: قَالَ لِي حِينَ حَضَرَهُ الْقَتْلُ: ابْعَثِي إلَيّ بِحَدِيدَةٍ أَتَطَهّرُ بِهَا لِلْقَتْلِ، قَالَتْ: فَأَعْطَيْتُ غُلَامًا مِنْ الْحَيّ الْمُوسَى، فَقُلْت: اُدْخُلْ بِهَا عَلَى هَذَا الرّجُلِ الْبَيْتَ؛ قَالَتْ: فَوَاَللهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ وَلّى الْغُلَامُ بِهَا إلَيْهِ، فَقُلْت: مَاذَا صَنَعْتُ! أَصَابَ وَاَللهِ الرّجُلُ ثَأْرَهُ بِقَتْلِ هَذَا الْغُلَامِ، فَيَكُونُ رَجُلًا برجل، فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قَالَ: لَعَمْرَك، مَا خَافَتْ أُمّك غَدْرِي حِينَ بَعَثَتْك بِهَذِهِ الْحَدِيدَةِ إلَيّ! ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: إنّ الْغُلَامَ ابْنُهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ عَاصِمٌ: ثُمّ خَرَجُوا بخبيب، حتى إذا جاؤا بِهِ إلَى التّنْعِيمِ لِيَصْلُبُوهُ، قَالَ لَهُمْ: إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَدَعُونِي حَتّى أَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَافْعَلُوا؛ قَالُوا: دُونَك فَارْكَعْ. فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ أَتَمّهُمَا وَأَحْسَنَهُمَا، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: أَمَا وَاَللهِ لَوْلَا أَنْ تَظُنّوا أَنّي إنّمَا طَوّلْت جَزَعًا مِنْ الْقَتْلِ لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الصّلَاةِ. قَالَ: فَكَانَ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ أَوّلَ مَنْ سَنّ هَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ: ثُمّ رَفَعُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ، فَلَمّا أَوْثَقُوهُ، قَالَ: اللهُمّ إنّا قَدْ بَلّغْنَا رِسَالَةَ رَسُولِك، فَبَلّغْهُ الْغَدَاةَ مَا يُصْنَعُ بِنَا؛ ثُمّ قَالَ: اللهُمّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا. ثُمّ قَتَلُوهُ رَحِمَهُ اللهُ. فَكَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ: حَضَرْتُهُ يَوْمَئِذٍ فِيمَنْ حَضَرَهُ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُلْقِينِي إلَى الْأَرْضِ فَرْقًا مِنْ دَعْوَةِ خُبَيْبٍ، وَكَانُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى سرية الرجيع من القرآن

يَقُولُونَ إنّ الرّجُلَ إذَا دُعِيَ عَلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ لِجَنْبِهِ زَالَتْ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ سَمِعْته يَقُولُ: مَا أَنَا وَاَللهِ قَتَلْت خُبَيْبًا، لِأَنّي كُنْت أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنّ أَبَا مَيْسَرَةَ، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ، أَخَذَ الْحَرْبَةَ فَجَعَلَهَا فِي يَدِي، ثُمّ أَخَذَ بِيَدِي وَبِالْحَرْبَةِ، ثُمّ طَعَنَهُ بِهَا حَتّى قَتَلَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حِذْيَمٍ الْجُمَحِيّ عَلَى بَعْضِ الشّامِ، فَكَانَتْ تُصِيبُهُ غَشْيَةٌ، وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَيْ الْقَوْمِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ، وَقِيلَ: إنّ الرّجُلَ مُصَابٌ؛ فَسَأَلَهُ عُمَرُ فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا سَعِيدُ، مَا هَذَا الّذِي يُصِيبُك؟ فَقَالَ: وَاَللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا بِي مِنْ بَأْسٍ، وَلَكِنّي كنت فيمن حَضَرَ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ حِينَ قُتِلَ، وَسَمِعْتُ دَعْوَتَهُ، فَوَاَللهِ مَا خَطَرَتْ عَلَى قَلْبِي وَأَنَا فِي مَجْلِسٍ قَطّ إلّا غُشِيَ عَلَيّ، فَزَادَتْهُ عِنْدَ عُمَرَ خَيْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَقَامَ خُبَيْبٌ فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى انْقَضَتْ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ، ثُمّ قَتَلُوهُ. [مَا نَزَلَ فِي سَرِيّةِ الرّجِيعِ مِنْ الْقُرْآنِ] قَالَ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي تِلْكَ السّرِيّةِ، كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

حَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ ابن جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَمّا أُصِيبَتْ السّرِيّةُ الّتِي كَانَ فِيهَا مَرْثَدٌ وَعَاصِمٌ بِالرّجِيعِ، قَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ: يَا وَيْحَ هَؤُلَاءِ الْمَفْتُونِينَ الّذِينَ هَلَكُوا (هَكَذَا) ، لَا هُمْ قَعَدُوا فِي أَهْلِيهِمْ، وَلَا هُمْ أَدّوْا رِسَالَةَ صَاحِبِهِمْ! فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ، وَمَا أَصَابَ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ الْخَيْرِ بِاَلّذِي أَصَابَهُمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: أَيْ لِمَا يُظْهِرُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِلِسَانِهِ، وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ: أَيْ ذُو جِدَالٍ إذَا كَلّمَك وَرَاجَعَك. [تَفْسِيرُ ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: الْأَلَدّ: الّذِي يَشْغَبُ، فَتَشْتَدّ خُصُومَتُهُ؛ وَجَمْعُهُ: لُدّ. وَفِي كِتَابِ اللهِ عَزّ وَجَلّ: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا. وَقَالَ الْمُهَلْهَلُ بْنُ رَبِيعَةَ التّغْلِبِيّ، وَاسْمُهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ؛ وَيُقَالُ: عَدِيّ بْنُ رَبِيعَةَ: إنّ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَدّا وَلِينَا ... وَخَصِيمًا أَلَدّ ذَا مِعْلَاقِ وَيُرْوَى ذَا مِغْلَاقِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ له، وهو الألندد. قَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ يَصِفُ الْحِرْبَاءَ: يُوفِي عَلَى جِذْمِ الْجُذُولِ كَأَنّهُ ... خَصْمٌ أَبَرّ عَلَى الْخُصُومِ أَلَنْدَد ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ تَعَالَى: وَإِذا تَوَلَّى: أَيْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِك سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها، وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ أَيْ لَا يُحِبّ عَمَلَهُ وَلَا يَرْضَاهُ. وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ* وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ: أَيْ قَدْ شَرَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْ اللهِ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَالْقِيَامِ بِحَقّهِ، حَتّى هَلَكُوا عَلَى ذَلِكَ، يَعْنِي تِلْكَ السّرِيّةَ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: يَشْرِي نَفْسَهُ: يَبِيعُ نَفْسَهُ؛ وَشَرَوْا: بَاعُوا. قال يزيد ابن رَبِيعَةَ بْنِ مُفَرّغٍ الْحِمْيَرِيّ: وَشَرَيْت بُرْدًا لَيْتَنِي ... مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْت هَامَهُ بُرْدٌ: غُلَامٌ لَهُ بَاعَهُ: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وشرى أيضا: اشترى. قال الشاعر: فَقُلْتُ لَهَا لَا تَجْزَعِي أُمّ مَالِكٍ ... عَلَى ابْنَيْك إنْ عَبْدٌ لَئِيمٌ شَرَاهُمَا [شِعْرُ خُبَيْبٍ حِينَ أُرِيدَ صَلْبُهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الشّعْرِ، قَوْلُ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ، حِينَ بَلَغَهُ أَنّ الْقَوْمَ قَدْ اجْتَمَعُوا لِصَلْبِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى بكاء خبيب

قال ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر يُنْكِرُهَا لَهُ. لَقَدْ جَمّعَ الْأَحْزَابُ حَوْلِي وَأَلّبُوا ... قَبَائِلَهُمْ وَاسْتَجْمَعُوا كُلّ مَجْمَعِ وَكُلّهُمْ مُبْدِي الْعَدَاوَةَ جَاهِدٌ ... عَلَيّ لِأَنّي فِي وِثَاقٍ بِمَصْيَعِ وَقَدْ جَمّعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ... وَقُرّبْتُ مِنْ جِذْعٍ طَوِيلٍ مُمَنّعِ إلَى اللهِ أَشْكُو غُرْبَتِي ثُمّ كُرْبَتِي ... وما أرصد الأحزاب لى عند مصرعى ؟؟؟ الْعَرْشِ، صَبّرْنِي عَلَى مَا يُرَادُ بِي ... فَقَدْ بَضّعُوا لَحْمِي وَقَدْ يَاسَ مَطْمَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزّعِ وَقَدْ خَيّرُونِي الْكُفْرَ وَالْمَوْتُ دُونَهُ ... وَقَدْ هَمَلَتْ عَيْنَايَ مِنْ غَيْرِ مَجْزَعِ وَمَا بِي حِذَارُ الْمَوْتِ، إنّي لَمَيّتٌ ... وَلَكِنْ حِذَارِي جَحْمُ نَارٍ مُلَفّعِ فَوَاَللهِ مَا أَرْجُو إذَا متّ مسلما ... على أىّ حنب كَانَ فِي اللهِ مَصْرَعِي فَلَسْتُ بِمُبْدٍ لِلْعَدُوّ تَخَشّعًا ... وَلَا جَزَعًا إنّي إلَى اللهِ مَرْجِعِي [شِعْرُ حَسّانٍ فِي بُكَاءِ خُبَيْبٍ] وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي خُبَيْبًا: مَا بَالُ عَيْنِكِ لَا تَرْقَا مَدَامِعُهَا ... سَحّا عَلَى الصّدْرِ مِثْلَ اللّؤْلُؤِ الْقَلِقِ عَلَى خُبَيْبٍ فَتَى الْفِتْيَانِ قَدْ عَلِمُوا ... لَا فَشِلٍ حِينَ تَلْقَاهُ وَلَا نَزِقِ فَاذْهَبْ خُبَيْبُ جَزَاك اللهُ طَيّبَةً ... وَجَنّةُ الْخُلْدِ عِنْدَ الْحُورِ فِي الرّفُقِ مَاذَا تَقُولُونَ إنْ قَالَ النّبِيّ لَكُمْ ... حِينَ الْمَلَائِكَةِ الْأَبْرَارِ فِي الأفق ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فِيمَ قَتَلْتُمْ شَهِيدَ اللهِ فِي رَجُلٍ ... طَاغٍ قَدْ أَوْعَثَ فِي الْبُلْدَانِ وَالرّفَقِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: «الطّرُقِ» وَتَرَكْنَا مَا بَقِيَ مِنْهَا، لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حسّان بن ثابت أيضا يبكى خبيبا: يَا عَيْنُ جُودِي بِدَمْعٍ مِنْكِ مُنْسَكِبٍ ... وَابْكِي خُبَيْبًا مَعَ الْفِتْيَانِ لَمْ يَؤُبْ صَقْرًا تَوَسّطَ فِي الْأَنْصَارِ مَنْصِبُهُ ... سَمْحَ السّجِيّةَ مَحْضًا غَيْرَ مُؤْتَشِبِ قَدْ هَاجَ عَيْنِي عَلَى عِلّاتِ عَبْرَتِهَا ... إذْ قِيلَ نُصّ إلَى جِذْعٍ مِنْ الْخَشْبِ يا أيها الرّاكِبُ الْغَادِي لِطَيّتِهِ ... أَبْلِغْ لَدَيْك وَعِيدًا لَيْسَ بِالْكَذِبِ بَنِي كُهَيْبَةَ أَنّ الْحَرْبَ قَدْ لَقِحَتْ ... مَحْلُوبُهَا الصّابُ إذْ تُمْرَى لَمُحْتَلِبِ فِيهَا أُسُودُ بَنِي النّجّارِ تَقْدُمُهُمْ ... شُهْبُ الْأَسِنّةِ فِي مُعْصَوْصَبٍ لَجِبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْقَصِيدَةُ مِثْلُ الّتِي قَبْلَهَا، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهُمَا لِحَسّانٍ، وَقَدْ تَرَكْنَا أَشْيَاءَ قَالَهَا حَسّانٌ فِي أَمْرِ خُبَيْبٍ لِمَا ذَكَرْتُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: لَوْ كَانَ فى الدّار قرم ما جد بَطِلٌ ... أَلْوَى مِنْ الْقَوْمِ صَقْرٌ خَالُهُ أَنَسُ إذَنْ وَجَدْتَ خُبَيْبًا مَجْلِسًا فَسِحًا ... وَلَمْ يُشَدّ عَلَيْك السّجْنُ وَالْحَرَسُ وَلَمْ تَسُقْك إلَى التّنْعِيمِ زِعْنِفَةٌ ... مِنْ الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ مَنْ نَفَتْ عُدَسُ دَلّوْكَ غَدْرًا وَهُمْ فِيهَا أُولُو خُلُفٍ ... وَأَنْتَ ضَيْمٌ لَهَا فِي الدّارِ مُحْتَبَسُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنَسٌ: الْأَصَمّ السّلَمِيّ: خَالُ مُطْعِمِ بْنِ عدىّ بن نوفل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من اجتمعوا لقتل خبيب

ابن عبد مَنَافٍ. وَقَوْلَهُ: «مِنْ نَفْثِ عُدَسُ» يَعْنِي حُجَيْرَ بْنَ أَبِي إهَابٍ، وَيُقَالُ الْأَعْشَى بْنُ زُرَارَةَ بْنِ النّبّاشِ الْأَسَدِيّ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. [مَنْ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِ خُبَيْبٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الّذِينَ أَجْلَبُوا عَلَى خُبَيْبٍ فِي قَتْلِهِ حِينَ قُتِلَ مِنْ قُرَيْشٍ: عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَسَعِيدُ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عبدودّ، وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ الثّقَفِيّ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السّلَمِيّ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ، وَبَنُو الْحَضْرَمِيّ. [شِعْرُ حَسّانٍ فِي هِجَاءِ هُذَيْلٍ لِقَتْلِهِمْ خُبَيْبًا] وَقَالَ حَسّانٌ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا فِيمَا صَنَعُوا بِخُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ: أَبْلِغْ بَنِي عَمْرٍو بِأَنّ أَخَاهُمْ ... شَرَاهُ امْرُوٌ قَدْ كَانَ لِلْغَدْرِ لَازِمَا شَرَاهُ زُهَيْرُ بْنُ الْأَغَرّ وَجَامِعٌ ... وَكَانَا جَمِيعًا يَرْكَبَانِ الْمَحَارِمَا أَجَرْتُمْ فَلَمّا أَنْ أَجَرْتُمْ غَدَرْتُمْ ... وَكُنْتُمْ بِأَكْنَافِ الرّجِيعِ لَهَاذِمَا فَلَيْتَ خُبَيْبًا لَمْ تَخُنْهُ أَمَانَةٌ ... وَلَيْتَ خُبَيْبًا كَانَ بِالْقَوْمِ عَالِمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زُهَيْرُ بْنُ الْأَغَرّ وَجَامِعٌ: الْهُذَلِيّانِ اللّذَانِ بَاعَا خُبَيْبًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وقال حسان بن ثابت أيضا: إن سرّك الغدر صرفا لامزاج لَهُ ... فَأْتِ الرّجِيعَ فَسَلْ عَنْ دَارِ لِحْيَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قوم نواصوا بأكل الجار بينهم ... فالكلب والقردو الإنسان مِثْلَانِ لَوْ يَنْطِقُ التّيْسُ يَوْمًا قَامَ يَخْطُبُهُمْ ... وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِيهِمْ وَذَا شَانِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَوْلَهُ: لَوْ يَنْطِقُ التّيْسُ يَوْمًا قَامَ يَخْطُبُهُمْ ... وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِيهِمْ وَذَا شَانِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا: سَالَتْ هُذَيْلٌ رَسُولَ اللهِ فَاحِشَةً ... ضَلّتْ هُذَيْلٌ بِمَا سَالَتْ وَلَمْ تُصِبْ سَالُوا رَسُولَهُمْ مَا لَيْسَ مُعْطِيَهُمْ ... حَتّى الْمَمَاتِ، وَكَانُوا سُبّةَ الْعَرَبِ وَلَنْ تَرَى لِهُذَيْلٍ دَاعِيًا أَبَدًا ... يَدْعُو لِمَكْرُمَةٍ عَنْ مَنْزِلِ الْحَرْبِ لَقَدْ أَرَادُوا خِلَالَ الْفُحْشِ وَيْحَهُمْ ... وَأَنْ يُحِلّوا حَرَامًا كَانَ فِي الْكُتُبِ وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَهْجُو هذيلا: لَعَمْرِي لَقَدْ شَانَتْ هُذَيْلَ بْنَ مُدْرِكٍ ... أَحَادِيثُ كَانَتْ فِي خُبَيْبٍ وَعَاصِمِ أَحَادِيثُ لِحْيَانٍ صَلَوْا بِقَبِيحِهَا ... وَلِحْيَانُ جَرّامُونَ شَرّ الْجَرَائِمِ أُنَاسٌ هُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ فِي صَمِيمِهِمْ ... بِمَنْزِلَةِ الزّمْعَانِ دُبْرَ الْقَوَادِمِ هُمْ غَدَرُوا يَوْمَ الرّجِيعِ وَأَسْلَمَتْ ... أَمَانَتُهُمْ ذَا عِفّةٍ وَمَكَارِمِ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ غَدْرًا وَلَمْ تَكُنْ ... هُذَيْلٌ تَوَقّى مُنْكَرَاتِ الْمَحَارِمِ فَسَوْفَ يَرَوْنَ النّصْرَ يَوْمًا عَلَيْهِمْ ... بِقَتْلِ الّذِي تَحْمِيهِ دُونَ الْحَرَائِمِ أَبَابِيلُ دَبْرٍ شُمّسٍ دُونَ لَحْمِهِ ... حَمَتْ لَحْمَ شَهّادٍ عِظَامَ الْمَلَاحِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَعَلّ هُذَيْلًا أَنْ يَرَوْا بِمَصَابّهِ ... مَصَارِعَ قَتْلَى أَوْ مَقَامًا لِمَاتم وَنُوقِعَ فِيهِمْ وَقْعَةً ذَاتَ صَوْلَةٍ ... يُوَافِي بِهَا الرّكْبَانُ أَهْلَ الْمَوَاسِمِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ إنّ رَسُولَهُ ... رَأَى رَأْيَ ذِي حَزْمٍ بِلِحْيَانَ عَالِمِ قُبَيّلةٌ لَيْسَ الْوَفَاءُ يُهِمّهُمْ ... وَإِنْ ظُلِمُوا لَمْ يَدْفَعُوا كَفّ ظَالِمِ إذَا النّاسُ حَلّوا بِالْفَضَاءِ رَأَيْتهمْ ... بِمَجْرَى مَسِيلِ الْمَاءِ بَيْنَ الْمَخَارِمِ مَحَلّهُمْ دَارُ الْبَوَارِ وَرَأْيُهُمْ ... إذَا نَابَهُمْ أَمْرٌ كَرَأْيِ الْبَهَائِمِ وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثابت يهجو هذيلا: لَحَى اللهُ لِحْيَانًا فَلَيْسَتْ دِمَاؤُهُمْ ... لَنَا مِنْ قَتِيلَيْ غَدْرَةٍ بِوَفَاءِ هُمُو قَتَلُوا يَوْمَ الرّجِيعِ ابْنَ حُرّةٍ ... أَخَا ثِقَةٍ فِي وُدّهِ وَصَفَاءِ فَلَوْ قُتِلُوا يَوْمَ الرّجِيعِ بِأَسْرِهِمْ ... بِذِي الدّبْرِ مَا كَانُوا لَهُ بِكِفَاءِ قَتِيلٌ حَمَتْهُ الدّبْرُ بَيْنَ بُيُوتِهِمْ ... لَدَى أَهْلِ كُفْرٍ ظَاهِرٍ وَجَفَاءِ فَقَدْ قَتَلَتْ لِحْيَانُ أَكْرَمَ مِنْهُمْ ... وَبَاعُوا خُبَيْبًا وَيْلَهُمْ بِلَفَاءِ فَأُفّ لِلِحْيَانٍ عَلَى كُلّ حَالَةٍ ... عَلَى ذِكْرِهِمْ فِي الذّكْرِ كُلّ عَفَاءِ قُبَيّلةٌ بِاللّؤْمِ وَالْغَدْرِ تَغْتَرِي ... فَلَمْ تُمْسِ يَخْفَى لُؤْمُهَا بِخَفَاءِ فَلَوْ قُتِلُوا لَمْ تُوفِ مِنْهُ دِمَاؤُهُمْ ... بَلَى إنّ قَتْلَ الْقَاتِلِيهِ شِفَائِي فَالّا أَمُتْ أَذْعَرُ هُذَيْلًا بِغَارَةٍ ... كَغَادِي الْجَهَامِ الْمُغْتَدِي بَافَاءِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ وَالْأَمْرُ أَمْرُهُ ... يَبِيتُ لِلِحْيَانَ الْخَنَا بِفَنَاءِ يُصَبّحُ قَوْمًا بِالرّجِيعِ كَأَنّهُمْ ... جِدَاءُ شِتَاءٍ بِتْنَ غَيْرَ دِفَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى بكاء خبيب وأصحابه

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا: فَلَا وَاَللهِ، مَا تَدْرِي هُذَيْلٌ ... أَصَافٍ مَاءُ زَمْزَمَ أَمْ مَشُوبُ وَلَا لَهُمْ إذَا اعْتَمَرُوا وَحَجّوا ... مِنْ الْحِجْرَيْنِ وَالْمَسْعَى نَصِيبُ وَلَكِنّ الرّجِيعَ لَهُمْ مَحَلّ ... بِهِ اللّؤْمُ الْمُبَيّنُ وَالْعُيُوبُ كَأَنّهُمْ لدى السكّنّات أُصْلًا ... تُيُوسٌ بِالْحِجَازِ لَهَا نَبِيبُ هُمْ غَرَوْا بِذِمّتِهِمْ خُبَيْبًا ... فَبِئْسَ الْعَهْدُ عَهْدُهُمْ الْكَذُوبُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ. [شِعْرُ حَسّانٍ فِي بُكَاءِ خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي خُبَيْبًا وَأَصْحَابَهُ: صَلّى الْإِلَهُ عَلَى الّذِينَ تَتَابَعُوا ... يَوْمَ الرّجِيعِ فَأُكْرِمُوا وَأُثِيبُوا رَأْسُ السّرِيّةِ مَرْثَدٌ وَأَمِيرُهُمْ ... وَابْنُ الْبُكَيْرِ إمَامُهُمْ وَخُبَيْبُ وَابْنٌ لِطَارِقَ وَابْنُ دَثْنَة مِنْهُمْ ... وَافَاهُ ثَمّ حِمَامُهُ الْمَكْتُوبُ وَالْعَاصِمُ الْمَقْتُولُ عِنْدَ رَجِيعِهِمْ ... كَسَبَ الْمَعَالِيَ إنّهُ لَكَسُوبُ مَنَعَ الْمَقَادَةَ أَنْ يَنَالُوا ظَهْرَهُ ... حَتّى يُجَالِدَ إنّهُ لَنَجِيبُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: حَتّى يُجَدّلَ إنّهُ لَنُجِيبُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وأكثر أَهْلِ الْعِلْم بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسّانَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث بئر معونة

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَقِيّةَ شَوّالٍ وَذَا الْقَعْدَةِ وذا الحجة- وولي تلك الحجة المشركون- والمحرم، ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ، عَلَى رأس أربعة أشهر من أحد. [حديث بئر معونة] [سبب إرسال بعث بئر معونة] وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ، كَمَا حَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حزم، وغيره من أهل الملم، قَالُوا: قَدِمَ أَبُو بَرَاءٍ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ مُلَاعِبُ الْأَسِنّةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ، وَدَعَاهُ إلَيْهِ، فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَبْعُدْ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ لَوْ بَعَثْتَ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِك إلَى أَهْلِ نَجْدٍ، فَدَعَوْهُمْ إلَى أَمْرِك، رَجَوْتُ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَك؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّي أَخْشَى عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ؛ قَالَ أَبُو بَرَاءٍ: أَنَا لَهُمْ جَارٍ، فَابْعَثْهُمْ فَلْيَدْعُوا النّاسَ إلَى أَمْرِك. [رِجَالُ الْبَعْثِ] فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو، أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ، الْمُعْنِقَ لِيَمُوتَ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ: مِنْهُمْ: الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ أَخُو بَنِي عَدِيّ بن النّجّار، وعروة ابن أَسْمَاءَ بْنِ الصّلْتِ السّلَمِيّ، وَنَافِعُ بْنُ بُدَيْلِ بن ورقاء الخزاعىّ، وعامر ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عامر يقتل صحابيا

ابن فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ، فِي رِجَالٍ مسمّين من خيار المسلمين. فسارو حَتّى نَزَلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَهِيَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ وَحَرّةِ بَنِي سُلَيْمٍ، كِلَا الْبَلَدَيْنِ مِنْهَا قَرِيبٌ، وَهِيَ إلَى حَرّةِ بَنِي سُلَيْمٍ أقرب. [عامر يقتل صحابيا] فَلَمّا نَزَلُوهَا بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلى عَدُوّ اللهِ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ؛ فَلَمّا أَتَاهُ لَمْ يَنْظُرْ فِي كِتَابِهِ حَتّى عَدَا عَلَى الرجل فقتله، ثم استصرخ عليهم بَنِي عَامِرٍ، فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ، وَقَالُوا: لَنْ نَخْفِرَ أَبَا بَرَاءٍ، وَقَدْ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا وَجِوَارًا؛ فَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ مِنْ عُصَيّةَ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ، فَأَجَابُوهُ إلَى ذَلِكَ، فَخَرَجُوا حَتّى غَشُوا الْقَوْمَ، فَأَحَاطُوا بِهِمْ فِي رِحَالِهِمْ، فَلَمّا رَأَوْهُمْ أَخَذُوا سُيُوفَهُمْ، ثُمّ قَاتَلُوهُمْ حَتّى قُتِلُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ، يَرْحَمُهُمْ اللهُ، إلّا كَعْبَ بْنَ زيد، أخا بنى دينار ابن النّجّارِ، فَإِنّهُمْ تَرَكُوهُ وَبِهِ رَمَقٌ، فَارْتُثّ مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى، فَعَاشَ حَتّى قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا، رَحِمَهُ اللهُ. ابْنُ أُمَيّةَ وَالْمُنْذِرُ وَمَوْقِفُهُمَا من القوم بعد علمهما بمقتل أصحابهم وَكَانَ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ، وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ الْمُنْذِرُ بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الْجُلَاحِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمْ يُنْبِئْهُمَا بِمُصَابِ أصحابهما إلا الطير تحوم على ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قتل العامريين

العسكر، فقالا: وَاَللهِ إنّ لِهَذِهِ الطّيْرِ لَشَأْنًا، فَأَقْبَلَا لِيَنْظُرَا، فَإِذَا الْقَوْمُ فِي دِمَائِهِمْ، وَإِذَا الْخَيْلُ الّتِي أَصَابَتْهُمْ وَاقِفَةٌ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ: مَا تَرَى؟ قَالَ أَرَى أَنْ نَلْحَقَ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَنُخْبِرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ: لَكِنّي مَا كُنْتُ لِأَرْغَبَ بِنَفْسِي عن موطن قتل فيه المنذر ابن عَمْرٍو، وَمَا كُنْتُ لِتُخْبِرَنِي عَنْهُ الرّجَالُ؛ ثُمّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ، وَأَخَذُوا عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ أَسِيرًا؛ فَلَمّا أَخْبَرَهُمْ أَنّهُ مِنْ مُضَرَ، أَطْلَقَهُ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ، وَجَزّ نَاصِيَتَهُ، وَأَعْتَقَهُ عَنْ رَقَبَةٍ زَعَمَ أَنّهَا كَانَتْ عَلَى أُمّهِ. [قَتْلُ الْعَامِرِيّيْنِ] فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ، حَتّى إذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ صَدْرِ قَنَاةٍ، أَقْبَلَ رجلان من بنى عامر. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ مِنْ بَنِي كِلَابٍ، وَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ أَنّهُمَا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى نَزَلَا مَعَهُ فِي ظِلّ هُوَ فِيهِ. وَكَانَ مَعَ الْعَامِرِيّيْنِ عَقْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِوَارٌ، لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ، وَقَدْ سَأَلَهُمَا حِينَ نَزَلَا، مِمّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَا: مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَأَمْهَلَهُمَا، حَتّى إذَا نَامَا، عَدَا عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا، وَهُوَ يَرَى أَنّهُ قَدْ أَصَابَ بِهِمَا ثُؤْرَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فِيمَا أَصَابُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَلَمّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ، لَأَدِيَنّهُمَا! ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كراهية الرسول عمل أبى براء

[كراهية الرسول عَمَلِ أَبِي بَرَاءٍ] ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، قَدْ كُنْت لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوّفًا. فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَرَاءٍ، فَشَقّ عَلَيْهِ إخْفَارُ عَامِرٍ إيّاهُ، وَمَا أَصَابَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَبَبِهِ وَجِوَارِهِ؛ وَكَانَ فِيمَنْ أصيب عامر بن فهيرة. [ابن فهيرة والسماء] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ كَانَ يَقُولُ: مَنْ رَجُلٌ مِنْهُمْ لَمّا قُتِلَ رَأَيْته رُفِعَ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتّى رَأَيْت السّمَاءَ مِنْ دُونِهِ؟ قَالُوا: هُوَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ. [سَبَبُ إسْلَامِ ابْنِ سَلْمَى] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وقد حدثنى بعض بَنِي جَبّارِ بْنِ سَلْمَى بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ- وَكَانَ جَبّارٌ فِيمَنْ حَضَرَهَا يَوْمَئِذٍ مَعَ عَامِرٍ ثُمّ أَسْلَمَ- (قَالَ) فَكَانَ يَقُولُ: إنّ مِمّا دَعَانِي إلَى الْإِسْلَامِ أَنّي طَعَنْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ بِالرّمْحِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَنَظَرْتُ إلَى سِنَانِ الرّمْحِ حِينَ خَرَجَ مِنْ صَدْرِهِ، فَسَمِعْته يَقُولُ: فُزْتُ وَاَللهِ! فَقُلْت فِي نَفْسِي: مَا فَازَ! أَلَسْتُ قَدْ قَتَلْتُ الرّجُلَ! قَالَ: حَتّى سَأَلْت بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ، فَقَالُوا: لِلشّهَادَةِ؛ فَقُلْت: فَازَ لَعَمْرِو اللهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى تحريض بنى أبى براء على عامر

[شِعْرُ حَسّانٍ فِي تَحْرِيضِ بَنِي أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عَامِرٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرّضُ بَنِي أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عامر ابن الطفيل: بَنِي أُمّ الْبَنِينَ أَلَم يَرُعْكُمْ ... وَأَنْتُمْ مِنْ ذَوَائِبِ أَهْلِ نَجْدِ تَهَكّمُ عَامِرٍ بِأَبِي بَرَاءٍ ... لِيُخْفِرَهُ وَمَا خَطَأٌ كَعَمْدِ أَلَا أَبْلِغْ رَبِيعَةَ ذَا الْمَسَاعِي ... فَمَا أَحْدَثْتَ فِي الْحَدَثَانِ بَعْدِي أَبُوك أَبُو الْحُرُوبِ أَبُو بَرَاءٍ ... وَخَالُك مَاجِدٌ حَكَمُ بْنُ سَعْدِ [نَسَبُ حَكَمِ وَأُمّ الْبَنِينَ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَكَمُ بْنُ سَعْدٍ: مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ؛ وَأُمّ الْبَنِينَ: بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَهِيَ أُمّ أبى براء. [طَعْنُ رَبِيعَةَ لِعَامِرِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَمَلَ رَبِيعَةُ (بْنُ عَامِرِ) بْنِ مَالِكِ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ، فَطَعَنَهُ بِالرّمْحِ، فَوَقَعَ فِي فَخِذِهِ، فَأَشْوَاهُ، وَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ، فَقَالَ: هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، إنْ أَمُتْ فَدَمِي لِعَمّي، فَلَا يُتْبَعَنّ بِهِ، وَإِنْ أَعِشْ فَسَأَرَى رَأْيِي فِيمَا أُتِيَ إلَيّ. [مَقْتَلُ ابْنِ وَرْقَاءَ وَرِثَاءُ ابْنِ رَوَاحَةَ لَهُ] وَقَالَ أَنَسُ بْنُ عَبّاسٍ السّلَمِيّ، وَكَانَ خَالَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى بكاء قتلى بئر معونة

وَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ: تَرَكْت ابْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ ثَاوِيًا ... بِمُعْتَرَكِ تسْفِي عليه الأعاصر ذكرت أبا الزّيّان لَمّا رَأَيْته ... وَأَيْقَنْت أَنّي عِنْدَ ذَلِكَ ثَائِرُ وأبو الزيّان: طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَبْكِي نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ: رحم الله نافع بن بديل ... رحمة المبتنى ثَوَابَ الْجِهَادِ صَابِرٌ صَادِقٌ وَفِيّ إذَا مَا ... أَكْثَرَ الْقَوْمُ قَالَ قَوْلَ السّدَادِ [شِعْرُ حَسّانٍ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ] وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي قَتْلَى بِئْرِ معونة، ويخصّ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو: عَلَى قَتْلَى مَعُونَةَ فَاسْتَهِلّي ... بِدَمْعِ الْعَيْنِ سَحّا غَيْرَ نَزْرِ عَلَى خَيْلِ الرّسُولِ غَدَاةَ لَاقَوْا ... مَنَايَاهُمْ وَلَاقَتْهُمْ بِقَدْرِ أَصَابَهُمْ الفناء بعقد قوم ... نخوّن عَقْدُ حَبْلِهِمْ بِغَدْرِ فَيَا لَهْفِي لِمُنْذِرٍ إذْ تَوَلّى ... وَأَعْنَقَ فِي مَنِيّتِهِ بِصَبْرِ وَكَائِنْ قَدْ أُصِيبَ غَدَاةَ ذَاكُمْ ... مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ مِنْ سِرّ عَمْرِو قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي آخِرَهَا بَيْتًا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ. [شِعْرُ كَعْبٍ فِي يَوْمِ بِئْرِ مَعُونَةَ] وَأَنْشَدَنِي لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي يَوْمِ بِئْرِ مَعُونَةَ، يُعَيّرُ بَنِي جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نسب القرطاء

تَرَكْتُمْ جَارَكُمْ لِبَنِي سُلَيْمٍ ... مَخَافَةَ حَرْبِهِمْ عَجْزًا وَهُونَا فَلَوْ حَبْلًا تَنَاوَلَ مِنْ عُقَيْلٍ ... لَمَدّ بِحَبْلِهَا حَبْلًا مَتِينَا أَوْ الْقُرَطُاءُ مَا إنْ أَسْلَمُوهُ ... وَقِدْمًا مَا وَفَوْا إذْ لَا تَفُونَا [نَسَبُ الْقُرَطَاءِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْقُرَطَاءُ: قَبِيلَةٌ مِنْ هَوَازِنَ، وَيُرْوَى «مِنْ نُفَيْلٍ» مَكَانَ «مِنْ عُقَيْلٍ» ، وَهُوَ الصّحِيحُ؛ لِأَنّ الْقُرَطَاءَ مِنْ نُفَيْلٍ قريب. ـــــــــــــــــــــــــــــ مَقْتَلُ خَبِيبٍ وَأَصْحَابِهِ وَذَكَرَ غَدْرَ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ، وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ بَنِي الْهُونِ، وَالْهُونُ هُمْ بَنُو الرّيشِ وَيَثِيعُ ابْنَيْ الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ «1» ، وقد تقدم التعريف بمعنى

_ (1) ورد عنهم فى نسب قريش للمصعب الزبيرى أن خزيمة بن مدركة ولد الهون وأن أمه بَرّةُ بِنْتُ مُرّ بْنِ أَدّ بْنِ طَابِخَةَ بن إلياس بن مضر ثم قال بالنص «فأما الهون بن خزيمة فهم عضل وديش والقارة بنو بيثغ بن الهون، وهم بطنان من خزاعة يقال لهما: الحيا والمصطلق» ص 9 وفى جمهرة ابن حزم أن الهون بن خزيمة ولد مليحا، وأن هذا ولد يثيغا. وأن الديش هو ابن محلم ابن غالب بن عائذة بن يثيع. وأن الديش ولد عضلا، وأن الدبش هم القارة ص 179 لكن ابن عبد البر يقول: «ولد خزيمة كنانة أمه هند ابنة عيلان ابن مضر، وأسد أو الهون وهو القارة أمهما بنت مر أخت تميم بن مر، وفى القارة بطون كثيرة» ويكرر هذا بقوله عن أكثر أهل العلم أنهم لا يعلمون الخزيمة ولدا غير أسد والهون وهو القارة وكنانة» بل إنه ليجعل للقارة عنوانا خاصا ثم يقول «وهو الهون بن خزيمة» ثم قال: «قال الزبير: عضل والقارة اننا ييثغ بن الهون بن خزيمة.. يقال لهم القارة. وقال أبو عبيدة عن يشيغ-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القارة، وبالمثل الذى جَرَى فِيهِمْ، وَالْقَارَةُ الْحَرّةُ «1» ، وَذَكَرْنَا السّبَبَ فِي تَسْمِيَتِهِمْ بِهَا. وَذَكَرَ أَنّ أَصْحَابَ خَبِيبٍ كَانُوا سِتّةً، وَفِي الْجَامِعِ الصّحِيحِ لِلْبُخَارِيّ أَنّهُمْ كَانُوا عَشْرَةً، وَهُوَ أَصَحّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ أَسَمَاءَ السّتّة، وقد نسبهم فيما تقدم، فلما خُبَيْبٌ فَهُوَ مِنْ بَنِي جَحْجَبَى «2» بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ، وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّةِ «3» بْنِ مُعَاوِيَةَ مَقْلُوبٌ مِنْ الثّدَنَةِ وَالثّدَنُ اسْتِرْخَاءُ اللّحْمِ «4» . وَذَكَرَ فِيهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَقَوْلَهُ: مَا عِلّتِي وَأَنَا جلد نايل ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُنَابِلُ وَالْعُنَابِلُ: الشّدِيدُ، وَكَأَنّهُ من العبالة، وهى القوّة، والنون زائدة،

_ - هو أيثغ بن الهون بالألف، وقال محمد بن حبيب: هو ييثغ بالياء كما قال الزبير وقال ابن الكلبى: ييثغ بن مليح بن الهون بن خزيمة، وهو القارة» ص 73 وما بعدها الإنباه. أما الديش، فهو فى الأصل الريش وهو خطا، والديش بكسر الدال. وقال الجوهرى وربما قالوا بفتح الدال «ص 56 نهاية الأرب فى معرفة أنساب العرب للقلقشندى. (1) الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار. (2) فى الأصل حججبى وهو خطأ. (3) ضبطه القاموس بدون تضعيف النون. (4) فى الأصل تدنية والتدن وهو خطأ، ويقول ابن دريد إن الدثنة مشتقة من دثن الطائر- بتضعيف الثاء- إذا طاف حول وكره ولم يسقط عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْعَبَالَةُ أَيْضًا: شَجَرَةٌ صُلْبَةٌ، وَفِي الْخَبَرِ أَنّ عَصَا مُوسَى كَانَتْ مِنْ عَبَالَةٍ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّ عَصَا مُوسَى كَانَتْ مِنْ عَيْنِ وَرَقَةِ آسِ الْجَنّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْحُوتًا مِنْ أَصْلَيْنِ: مِنْ الْعَنَنِ «1» وَالنّبْلِ، كَأَنّهُ يُصِيبُ مَا عزّ له بِنَبْلِهِ. وَذَكَرَ قَوْلَهُ: أَبُو سُلَيْمَانَ وَرِيشُ الْمُقْعَدِ. قَوْلُهُ: أَبُو سُلَيْمَانَ، أَيْ: أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ قَدْ عُرِفْت فِي الْحُرُوبِ، وَعِنْدِي نَبْلٌ رَاشَهَا الْمُقْعُدُ، وَكَانَ «2» رَائِشًا صَانِعًا. وَرِيشٌ: السّهْمُ الْمَحْمُودُ فِيهِ اللّؤَامُ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الرّيشَةُ بَطْنُهَا إلى ظهر الأخرى، واللّغاب «3» بعكس ذَلِكَ، أَنْ يَكُونَ ظَهْرُ وَاحِدَةٍ إلَى ظَهْرِ الأخرى، وهو الظّهار أيضا، ومن اللّؤَامُ أُخِذَ اللّأْمُ وَهُوَ السّهْمُ الْمَرِيشُ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: كَرّكَ لَأْمَيْنِ عَلَى نَابِلٍ «4» وَسُئِلَ رُؤْبَةُ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ، فَقَالَ: حَدّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، قَالَ حَدّثَتْنِي عَمّتِي، وَكَانَتْ فِي بَنِي دَارِمٍ قَالَتْ: سَأَلْت امْرَأَ الْقَيْسِ، وهو يشرب

_ (1) العنن: ظهور الشىء أمامك. (2) أى هذا المقعد المذكور كان رجلا رائشا الخ. (3) فى القاموس: سهم لأم عليه ريش لؤام يلائم بعضها بعضا. واللغاب: السهم الفاسد لم يحسن يريه «القاموس» . (4) البيت فى اللسان نطعنهم سلكى ومخلوجة ... لغتك لأمين على نابل ويروى كما ذكر السهيلى: كرك لأمين

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طِلَاءً لَهُ مَعَ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدَةَ: مَا مَعْنَى قَوْلِك: كَرّكَ لَأْمَيْنِ عَلَى نَابِلٍ؟ فَقَالَ: مررت بنابل وصاحبه يناوله الرّيش لؤاما وَظُهَارًا، فَمَا رَأَيْت شَيْئًا أَسْرَعَ مِنْهُ، وَلَا أَحْسَنَ فَشَبّهْت بِهِ، ذَكَرَ هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ: وَضَالّةٌ، أَيْ: سِهَامٌ قِدَاحُهَا مِنْ الضّالِ، وَهُوَ السّدْرُ. قَالَ الشّاعِرُ [ذُو الرّمّةِ] : قَطَعْت إذَا تَخَوّفْت الْعَوَاطِي ... ضُرُوبَ السّدْرِ عُبْرِيًا وَضَالَا فَالْعُبْرِيّ مِنْهَا مَا كَانَ عَلَى شُطُوطِ الْأَنْهَارِ، وَالضّالّ مَا كَانَ فِي الْبَرّيّةِ، وَالْعَوَاطِي هِيَ الْمَاشِيَةُ تَعْطُو أَيْ تَتَنَاوَلُ، وَإِنّمَا تَتَنَاوَلُ أَطْرَافَ الشّجَرِ فِي الصّيْفِ، فَمَعْنَاهُ: قَطَعْت هَذِهِ الصّحْرَاءَ فى هذا الوقت، وتخوفت: أى تنقّصت مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ النّحْلُ: 47. وَذَكَرَ أَنّ حُجَيْرَ بْنَ أَبِي إهَابٍ هُوَ الّذِي اشْتَرَى خُبَيْبًا، وَكَانَ خُبَيْبٌ قَدْ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ نَوْفَلٍ أَخَا حُجَيْرٍ لِأُمّهِ، وَقَالَ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ: اشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، لِأَنّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالْمَعْنَى قَرِيبٌ مِمّا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ. وقوله عاويّة بِنْتُ «1» حُجَيْرٍ بِالْوَاوِ، رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عن ابن

_ (1) فى السيرة: مولاة، وفى رواية البخارى أنه استعار الموسى من بعض بنات الحارث، وقد وقع فى الأطراف لخلف أن أسمها زينب بنت الحارث. وهى أخت عقبة الذى قتل خبيبا، وقيل: امرأته. وفى رواية البخارى أن بنت الحارث قالت بعد أن أعارته الموسى ليحلق به عانته: «قالت: فغفلت عن صبى لى فدرج إليه حتى أتاه، فوضعه على فخذه، فلما رأيته، فزعت فزعة، عرف ذاك منى، وفى يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟! ما كنت لأفعل ذاك إن شاء الله تعالى، وكانت تقول: ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب» ثم ذكرت-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إسْحَاقَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ: مَارِيّةُ بِالرّاءِ، وَبِالْوَاوِ وَقَعَ فِي النّسَخِ الْعَتِيقَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ، وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَنْ اشْتِقَاقِ هَذَا الِاسْمِ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ، فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ، وَذَكَرْنَا أَنّ الْمَارِيَةَ بِالتّخْفِيفِ هِيَ الْبَقَرَةُ، وَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ: القطاة المنساء، وَأَمّا الْغُلَامُ الّذِي أَعْطَتْهُ الْمُدْيَةَ، فَقِيلَ: هُوَ أَبُو عِيسَى بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نوفل بن

_ - فطف العنب. وفى الفتح نقلا عن الزبير أيضا أن الغلام هو: أبو حسين ابن الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مناف. وفى رواية بريدة بن سفيان: وكان ابن صغير، فأقبل إليه الصبى، فأخذه، فأجلسه عنده، فخشيت المرأة أن يقتله، فنا شدته. وعند أبى الأسود عن عروة، فأخذ خبيب بيد الغلام، فقال: هل أمكن الله منكم، فقالت: ما كان هذا ظنى بك، فرمى لها الموسى، وقال: إنما كنت مازحا، وفى رواية بريدة بن سفيان: ما كنت لأغدر. وقد حوول الجمع بين الروايتين رواية ابن إسحاق وما تقدم فى مسألة من حمل الموسى. وبعلق ابن بطال على مسألة قطف العنب: «هذا ويمكن أن يكون الله جعله آية على الكفار وبرهانا لنبيه، لتصحيح رسالته. قال: فأما من يدعى وقوع ذلك له اليوم بين ظهرانى المسلمين، فلا وجه له، إذ المسلمون قد دخلوا الدين، وأيقنوا بالنبوة، فأى معنى لإظهار الآية عندهم، ولو لم يكن فى تجويز ذلك إلا أن يقول جاهل: إذا جاز ظهور هذه الآيات على يد غير نبى، فكيف فصدقها من نبى، والغرض أن غيره يأتى بها، لكان فى إنكار ذلك قطعا للذريعة- إلى أن قال- إلا أن يكون وقوع ذلك مما لا يخرق عادة. ولا يقلب عينا، مثل أن يكرم الله عبدا باجابة دعوة، فى الحين، ونحو ذلك مما يظهر فيه فضل الفاضل وكرامة اولى، ومن ذلك حماية الله تعالى عاصما لئلا ينتهك عدوه حرمته» ص 305 ح 7 فتح البارى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَبْدِ مَنَافٍ «1» ، قَالَهُ الزّبَيْرُ: وَهُوَ جَدّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الّذِي يَرْوِي عَنْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطّأِ. وَذَكَرَ أَنّ أَبَا مَيْسَرَةَ هُوَ الّذِي طَعَنَ خُبَيْبًا فى الخشبة، وهو أبو ميسرة ابن عَوْفِ بْنِ السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، وَاَلّذِي طَعَنَهُ مَعَهُ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ يُكَنّى أَبَا سِرْوَعَةَ، وَيُقَالُ: إنّ أَبَا سِرْوَعَةَ وَعُقْبَةُ أَخَوَانِ أَسْلَمَا جَمِيعًا وَلِعُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي الرّضَاعِ، وَشَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِيهِ. وَحَدِيثُهُ مَشْهُورٌ فِي الصّحَاحِ، فِيهِ أَنّهُ قَالَ: تَزَوّجْت بِنْتَ أَبِي إهَابِ بْنِ عَزِيزٍ، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ، سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: إنّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ «2» وَزَادَ فِيهِ الدّارَقُطْنِيّ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ تَسْأَلُ، فَلَمْ نُعْطِهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ: إنّي وَاَللهِ أَرْضَعْتُكُمَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ إنّهَا كَاذِبَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: كَيْفَ؟ وَقَدْ قِيلَ؟ فَطَلّقْهَا، وَنَكَحَتْ ضَرِيبَ بْنَ الْحَارِثِ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُمّ قِتَالٍ، وَهِيَ امْرَأَةُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَأُمّ ابْنِهِ مُحَمّدٌ، وَنَافِعٌ ابْنَا جَابِرٍ، وَاسْمُ هذه المرأة التى طلقها عقبة:

_ (1) وهى كلمة حق يجب أن يعيها الذين لا عمل لهم فى الدين سوى إثبات أن شيوخهم كانوا صناع معجزات تقلب الإنسان حجرا!!. (2) رواه البخارى فى الشهادات والعلم والبيوع والنكاح، ورواه أبو داود فى القضايا، والترمذى فى الرضاع، والنسائى فى النكاح. ولعقبة حديث: «صلى العصر ثم قام مسرعا، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه» رواه البخارى والنسائى، وحديث ثالث «جىء بالنعيمان أو ابن النعيمان شاربا رواه البخارى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غُنَيّةُ، وَتُكَنّى أُمّ يَحْيَى، ذَكَرَ اسْمَهَا أَبُو الْحَسَنِ الدّارَقُطْنِيّ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ النّسَاءِ، وَلَا كَثِيرٌ مِمّنْ أَلّفَ فِي الْحَدِيثِ. وَذَكَرَ قِصّةَ عَاصِمٍ حِينَ حَمَتْهُ الدّبْرُ. الدّبْرُ هَاهُنَا: الزّنَابِيرُ، وَأَمّا الدّبْرُ «1» فَصِغَارُ الْجَرَادِ، وَمِنْهُ يُقَالُ مَاءٌ دِبْرٌ «2» قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ لِلنّحْلِ أَيْضًا دَبْرٌ بِفَتْحِ الدّالِ وَاحِدَتُهَا دَبْرَةٌ، قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ: خَشْرَمٌ، وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ الْأَصْمَعِيّ، ورواية غيره عنه أن واحدته: خشرمة. والثّوئل جَمَاعَةُ النّحْلِ أَيْضًا، وَلَا وَاحِدَ لَهَا، وَكَذَلِكَ النّوَبُ وَاللّوْبُ. وَمِنْ اللّوْبِ: حَدِيثُ زَبّان بْنِ قَسْوَرٍ «3» ، قَالَ: رَأَيْت النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ نَازِلٌ بِوَادِي الشّوْحَطِ «4» فَكَلّمْته، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ إنّ مَعَنَا لَوْبًا لَنَا- يعنى نحلا- كَانَتْ فِي عَيْلَمٍ لَنَا بِهِ طَرْمٌ وَشَمْعٌ، فجاء رجل فضرب ميتين «5» فانتج حيا، وكفّنه بالتّمام، يعنى نارا

_ (1) هكذا ضبطها اللسان. (2) فى اللسان: مال دبر: أى كثير. (3) فى الإصابة: ابن قيس، أو قيسور. وقال: روى حديثه الدارقطنى فى المؤتلف من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه عنه، قال الدارقطنى: حديثه منكر. (4) فى القاموس وفى مراصد الإطلاع: شواحط بضم الشين وكسر الحاء جبل مشهور قرب المدينة كثير التمور. (5) لم أهتد إليها، فى المعاجم، فلعلها حنين وهو الجبل أو الغيار أو عتين وهى خيوط تشد بها أوصال الخيام!! لا أدرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ زَنْدَيْنِ، ونحسه يَعْنِي: دُخْنَهُ، فَطَارَ اللّوبُ هاربا، ودلّى مشواره فى العليم فَاشْتَارَ الْعَسَلُ، فَمَضَى بِهِ، فَقَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ سَرَقَ شرو قوم، فَأَضَرّ بِهِمْ، أَفَلَا تَبِعْتُمْ أَثَرَهُ، وَعَرَفْتُمْ خَبَرَهُ؟ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ إنّهُ دَخَلَ فِي قَوْمٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ، وَهُمْ جِيرَانُنَا مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَبْرَك صَبْرَك تَرِدُ نَهَرَ الْجَنّةِ، وَإِنّ سِعَتَهُ كَمَا بَيْنَ اللّقِيقَةِ وَالسّحِيقَةِ «1» يَتَسَبْسَبُ جَرْيًا بِعَسَلِ صاف من قذاه ما تقيّاه لوب، ولا مجّه ثوب. فالعليم البئر، وأراد بها هاهنا قبّة النّحل أَوْ الْخَلِيّةَ، وَقَدْ يُقَالُ لِمَوْضِعِ النّحْلِ إذَا كَانَ صَدْعًا فِي جَبَلٍ: شِيقٌ، وَجَمْعُهُ: شِيقَانٌ، وَيُقَالُ لِكُلّ دُخَانٍ نُحَاسٌ «2» ، وَلَا يُقَالُ أَيّامٌ إلّا لِدُخَانِ النّحْلِ خَاصّةً، يُقَالُ: آمَهَا يَئُومُهَا إذَا دَخّنَهَا، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. مَقْتَلُ حُجْر بْنِ عَدِيّ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّ خُبَيْبًا أَوّلُ مَنْ سَنّ الرّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ. قَوْلُهُ هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُمَا سُنّةٌ جَارِيَةٌ، وَكَذَلِكَ فَعَلَهُمَا حُجْر بْنُ عَدِيّ بْنِ الْأَدْبَرِ حِينَ قَتَلَهُ مُعَاوِيَةُ- رَحْمَةُ اللهِ- وَذَلِكَ أَنّ زِيَادًا كَتَبَ مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى مُعَاوِيَةَ يَذْكُرُ أَنّ حُجْرا وَأَصْحَابَهُ، قَدْ خَرَجُوا عَلَى السّلْطَانِ، وَشَقّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَوَجّهَ مَعَ الْكِتَابِ «3» بِك فِيهِ شَهَادَةُ سَبْعِينَ رَجُلًا فِيهِمْ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ

_ (1) لم أهتد فى مراجعى إلى معرفتهما. (2) الذى سبق ذكره نحسة لا نحاس، وليس فى المعاجم نحسة بمعنى دخان. (3) هكذا بالأصل، ولعلها: صكا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْبَصْرِيّ وَابْنُ سِيرِينَ وَالرّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ عِلْيَةِ التّابِعِينَ ذَكَرَهُمْ الطّبَرِيّ «1» يَشْهَدُونَ بِمَا قَالَ زِيَادٌ مِنْ خُرُوجِ حُجْر بْنِ عَدِيّ عَلَيْهِ «2» ، وَكَانَ حُجْر شَدِيدَ الْإِنْكَارِ لِلظّلْمِ، غَلِيظًا عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَأَنْكَرَ عَلَى زِيَادٍ أُمُورًا مِنْ الظّلْمِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْخُرُوجَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمّا حَمَلَ حُجْر إلَى مُعَاوِيَةَ فِي خَمْسَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ لَهُ: السّلَامُ عَلَيْك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أو أنا لِلْمُؤْمِنَيْنِ أَمِيرٌ؟! ثُمّ أَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ صَلّى حُجْر الرّكْعَتَيْنِ، ثُمّ لَقِيَ مُعَاوِيَةُ عَائِشَةَ بالمدينة، فقالت له: أَمَا اتّقَيْت اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي حُجْر بْنِ عَدِيّ وَأَصْحَابِهِ؟ فَقَالَ: أَوْ أَنَا قَتَلْتهمْ، إنّمَا قَتَلَهُمْ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ، فَلَمّا أَكْثَرْت عَلَيْهِ، قَالَ لَهَا: دَعِينِي وَحُجْرًا فَإِنّي مُلَاقِيهِ غَدًا عَلَى الْجَادّةِ، قَالَتْ: فَأَيْنَ عَزَبَ عَنْك حُلْمُ أَبِي سُفْيَانَ؟ فَقَالَ: حِينَ غَابَ عَنّي مثلك من قومى «3» .

_ (1) فى ص 269 وما بعدها ح 5 ط دار المعارف. (2) وقد جاء فى كتاب هذه الشهادة ما يأتى: «هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبى موسى لله رب العالمين. شهد أن حجر بن عدى خلع الطاعة، وفارق الجماعة، ولعن الخليفة، ودعا إلى الحرب والفتنة. وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة، وخلع أمير المؤمنين معاوية، وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء» ص 269 المصدر السابق. (3) تعددت روايات الطبرى للقاء عائشة ومعاوية رضى الله عنهما. ففى ص 257 يذكر أنه لقيها بمكة، فقالت: يا معاوية أين كان حلمك عن حجر؟ فقال لها: يا أم المؤمنين لم يحضرنى رشيد!! وفى ص 278 أن عائشة أرسلت إلى معاوية بعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فى شأن حجر وأصحابه، فقدم عليه، وقد قتلهم، فقال له عبد الرحمن: أين غاب عنك حلم أبى سفيان؟ قال: غاب عنى حين غاب عنى مثلك من حلماء قومى. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِمَ صَارَتْ صَلَاةُ خُبَيْبٍ سُنّةً؟: وَإِنّمَا صَارَ فِعْلُ خُبَيْبٍ سُنّةً حَسَنَةً. وَالسّنّةُ إنّمَا هِيَ أَقْوَالٌ مِنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَفْعَالٌ وَإِقْرَارٌ، لِأَنّهُ فَعَلَهَا فِي حَيَاتِهِ عَلَيْهِ السلام، فاستحسن ذلك من فعله، واستحسنه المعلّمون، مَعَ أَنّ الصّلَاةَ خَيْرُ مَا خُتِمَ بِهِ عَمَلُ الْعَبْدِ، وَقَدْ صَلّى هَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَوْلَى النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ، حَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ طَاهِرِ بْنِ طَاهِرٍ الْإِشْبِيلِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيّ الْغَسّانِيّ، قَالَ: أخبرنا أبو عمر النّمرىّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ جَبْرُونٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمّدٍ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعِينٍ: أَخْبَرَنَا قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ الْمِصْرِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ اكْتَرَى من رجل

_ - وفى نفس الصفحة ذكر أن معاوية حين حج مر على عائشة رضوان الله عليهما، فاستأذن عليها، فأذنت له، فلما قعد قالت له: يا معاوية: أأمنت أن أخبأ لك من يقتلك؟! قال بيت الّا من دخلت. قالت: يا معاوية أما خشيت الله فى قتل حجر وأصحابه؟ قال: لست أَنَا قَتَلْتهمْ إنّمَا قَتَلَهُمْ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ. هذا وقد فصل الطبرى فى تاريخه قصة حجر وجعل مصرعه من أحداث سنة إحدى وخمسين وهى فى كتابه من ص 253 إلى ص 285 أما المسعودى فذكر أن مصرع حجر كان فى سنة 53 هـ. ولكنه قال: قيل إن قتلهم كان فى سنة 50 ص 12 ح 3 مروج الذهب لأبى الحسن على بن الحسين بن على المسعودى ط 1948 وانظر ص 22 المجلد الثالث من تاريخ عبد الرحمن بن خلدون المسمى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر الخ» ط لبنان 1957.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَغْلًا مِنْ الطّائِفِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْكَرْيَ أَنْ يُنْزِلَهُ حَيْثُ شَاءَ، قَالَ: فَمَالَ بِهِ إلَى خربة، فقال له: انزل فنزل، فإذا فِي الْخَرِبَةِ قَتْلَى كَثِيرَةٌ، قَالَ: فَلَمّا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ، قَالَ: دَعْنِي أُصَلّي رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: صَلّ، فَقَدْ صَلّى قَبْلَك هَؤُلَاءِ فَلَمْ تَنْفَعْهُمْ صَلَاتُهُمْ شَيْئًا، قَالَ: فَلَمّا صَلّيْت أَتَانِي، لِيَقْتُلَنِي، قَالَ: فَقُلْت: يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ، قَالَ: فَسَمِعَ صَوْتًا: لَا تَقْتُلْهُ، قَالَ: فَهَابَ ذَلِكَ فَخَرَجَ يَطْلُبُ أَحَدًا، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إلَيّ، فَنَادَيْت: يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَإِذَا أَنَا بِفَارِسِ بِيَدِهِ حَرْبَةٌ حَدِيدٌ فِي رَأْسِهَا شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ فَطَعَنَهُ بِهَا، فَأَنْفَذَهُ مِنْ ظَهْرِهِ، فَوَقَعَ مَيّتًا، ثُمّ قَالَ: لَمّا دَعَوْت الْمَرّةَ الْأُولَى يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ كُنْت فِي السّمَاءِ السّابِعَةِ، فَلَمّا دَعَوْت الْمَرّةَ الثّانِيَةَ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ، كُنْت فِي السّمَاءِ الدّنْيَا، فَلَمّا دَعَوْت الْمَرّةَ الثّالِثَةَ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ أَتَيْتُك «1» . مَا أَنَزَلَ اللهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي خبر خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا أَنَزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي خَبَرِ خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ فِيهِمْ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ الْبَقَرَةُ: 204 الْآيَةُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ التّفْسِيرِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ وَأَنّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثّقَفِيّ، رَوَاهُ أَبُو مَالِكٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيّ: كُنْت بِمَكّةَ، فَسُئِلْت عَنْ هَذِهِ الآية فقلت:

_ (1) لا شك وانها أسطورة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ، فَسَمِعَنِي رَجُلٌ مِنْ وَلَدِهِ، فَقَالَ لِي: يَا هَذَا إنّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَهْلِ مَكّةَ، فَلَا تُسَمّ أحدا مادمت فِيهَا، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ الْبَقَرَةُ 207. نَزَلَتْ فِي صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ حِينَ هَاجَرَ، وَتَرَكَ جَمِيعَ مَالِهِ لِقُرَيْشِ وَيَدَعُونَهُ يُهَاجِرُ بِنَفْسِهِ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ هِشَامٍ عَلَى تَفْسِيرِ الْأَلَدّ بِقَوْلِ مُهَلْهَلٍ، قَالَ: وَاسْمُهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ، وَيُقَالُ عَدِيّ، وَقَدْ صَرّحَ مُهَلْهَلٌ بِاسْمِ نَفْسِهِ فِي الشّعْرِ الّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ ابْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ: صَرَبَتْ صَدْرَهَا إلَيّ وَقَالَتْ ... يَا عَدِيّا لَقَدْ وَقَتْك الْأَوَاقِي «1» وَفِيهِ الْبَيْتُ الّذِي ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ: إنّ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَدّا وَلِينَا ... وَخَصِيمًا أَلَدّ ذَا مِعْلَاقِ «2» وَيُرْوَى: مِغْلَاقِ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمِعْلَاقُ: اللّسَانُ، وَأَمّا الْمِغْلَاقُ، بَالِغِينَ مُعْجَمَةً، فَالْقَوْلُ الّذِي يَغْلِقُ فَمَ الْخَصْمِ وَيُسَكّتُهُ. وبعده: حيّة فى الوجار أربد ... لا ينفع منها السّليم نفث الرّاقى

_ (1) الأواقى: جمع واقية، فهمز الواو الأولى فى الجمع. ومن قال: إن اسمه امرؤ القيس بن ربيعة الخ روى الشطرة الثانية هكذا: يا امرا القيس حان وقت الفراق. ص 111 سمط اللآلى للبكرى. (2) أنشده اللسان: إن تحت الاحجار حزما وجودا. وزاد فى تفسير المعلاق أنه اللسان إذا كان جدلا. هذا وبيت الطرماح الذى فى السيرة أنشده اللسان هكذا: يضحى على سوق الجذول كأنه ... يلتدد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَسُمّيَ مُهَلْهِلًا بِقَوْلِهِ: لَمّا تَوَقّلَ فِي الْكُرَاعِ هَجِينُهُمْ ... هَلْهَلْت أَثَارُ جَابِرًا أَوْ صِنْبِلَا «1» هَلْهَلْت: أَيْ كِدْت وَقَارَبْت، وَأَمّا الْأَلَدّ، فَهُوَ مِنْ اللّدِيدَيْنِ، وَهُمَا جَانِبًا الْعُنُقِ، فَالْأَلَدّ الّذِي يُرِيغُ الْحُجّةَ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ، يُقَالُ: تَرَكْته يَتَلَدّدُ «2» ، وَقَالَ الزّجّاجُ: الْخِصَامُ جَمْعٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمُخَاصَمَةَ، لِأَنّ أَفَعَلَ الّذِي يُرَادُ بِهِ التّفْضِيلُ إنّمَا يَكُونُ بَعْضَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ، تَقُولُ: زَيْدٌ أَفْصَحُ النّاسِ، وَلَا تَقُولُ: زَيْدٌ أَفْصَحُ الْكَلَامِ. قَالَ الشّيْخُ الْحَافِظُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَهَذَا الّذِي قَالَهُ حَسَنٌ إنْ كَانَ أَلَدّ مِنْ هَذَا الْبَابِ الّذِي مُؤَنّثُهُ الْفُعْلَى، أَمّا إنْ كَانَ مِنْ بَابِ أَفْعَل الّذِي مُؤَنّثُهُ فَعْلَاء نَحْوُ: أَخْرَس وَخَرْسَاء، فَالْخِصَامُ مَصْدَرُ خَاصَمْته، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُفَسّرِينَ، فَإِنّهُمْ فَسَرّوهُ بِالشّدِيدِ الْخُصُومَةِ، فَاللّدَد إذًا مِنْ صِفَةِ الْمُخَاصَمَةِ، وَإِنْ وُصِفَ

_ (1) فى الأصل: نوقل وصوابها توقل، والبيت فى اللسان، وفى سمط اللآلى ص 112: توعر بدلا من توقل. والبيت من شعر قاله لزهير بن جناب، وقد قاله لما أدرك بثأر أخيه كليب، وقد سبق الحديث عن المهلهل، وقد ذكر ابن قتيبة أنه سمى مهلهلا لأنه هلهل الشعر، أى أرقه وقول السهيلى هو قول الطوسى. وهو الذى ارتضاه أبو العلاء المعرى فى رسالة الغفران، وجابر وصنبل رجلان من تغلب. (2) قال أبو اسحاق: معنى الخصم الألد فى اللغة: الشديد الخصومة الجدل واشتقاقه من لديدى العنق، وهما صفحتاه، وتأويله: أن خصمه أى وجه أخذ من وجوه الخصومة غلبه فى ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِهِ الرّجُلُ مَجَازًا، وَيُقَوّي هَذَا قَوْلُهُ: وَخَصِيمًا أَلَدّ، وَلَمْ يُضِفْهُ، وَلَا قَالَ أَلَدّ مِنْ كَذَا، فَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ أَصَمّ وَأَشَمّ وَنَحْوِهِ، وَيُقَوّيهِ أَيْضًا قَوْلُهُمْ فِي الْجَمْعِ: قَوْمٌ لُدّ، رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ قَالَ: أَبْغَضُ الْخَلْقِ إلَى اللهِ الخصم الألذّ «1» وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ، وَرَفْعِ الْهَاءِ مِنْ اسْمِ اللهِ تَعَالَى، أَيْ: وَيَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قلبه.

_ (1) البخارى ومسلم والترمذى والنسائى. والخصم بكسر الصاد الذى يحج من يخاصمة. هذا وقد استشهد ابن هشام فى السيرة ببيت قاله يزيد بن ربيعة بن مفرغ. وقد سبق حديث عنه وعن السبب الذى من أجله قال القصيدة. والقصيدة التى منها البيت «وشربت بردا ليتنى» الخ هى كما رواها الزجاج فى أماليه: أصرمت حبلك من أمامه ... من بعد أيام برامه لهفى على الرأى الذى ... كانت عواقبه ندامه تركى سعيدا ذا الندى ... والبيت ترفعه الدعامه وتبعت عبد بنى علا ... ج تلك أشراط القيامه جاءت به حبشية ... سكاء تحسبها نعامه من نسوة سود الوجو ... هـ ترى عليهن الدمامه وشربت بُرْدًا لَيْتَنِي ... مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهُ أو بومة تدعو صدى ... بين المشقر واليمامه العبد يقرع بالعصا ... والحر تكفيه الملامه الريح تبكى شجوها ... والبرق يلمع فى غمامه ورمقتها فوجدتها ... كالضلع ليس له استقامه ص 29 وما بعدها الأمالى لأبى القاسم عبد الرحمن بن اسحاق الزجاجى ط 1324.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عُدَس فِي شِعْرِ حَسّانَ فِي خُبَيْبٍ: وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ فِي قِصّةِ خُبَيْبٍ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: مِنْ الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ مَنْ نَفَتْ عُدَسُ قَوْلُهُ: مَنْ نَفَتْ عُدَسُ، يَعْنِي حُجَيْرَ بْنَ أَبِي إهَابِ بْنِ عُرَيْنٍ، وَهُوَ يُنْتَسَبُ إلَى بَنِي عُدَسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ، وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حنظلة، ومن ها هنا ذَكَرَ نَفْيَ بَنِي عُدَس لَهُ، مِنْ أَجْلِ الِاخْتِلَافِ فِي نَسَبِهِ. وَعُدَس بِضَمّ الدّالِ فِي تَمِيمٍ، وَهُوَ هَذَا، وَكُلّ عُدَس فِي الْعَرَبِ سِوَاهُ فَهُوَ بِفَتْحِ الدّالِ، وَهُوَ مِنْ عَدَسَ فِي الْأَرْضِ إذَا ذَهَبَ فِيهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ، فَمِنْ الْمَفْتُوحِ الدّالِ عُدَس بْنُ عُبَيْدٍ فِي الْأَنْصَارِ، ثُمّ فِي بَنِي النّجّارِ، وَهُوَ جَدّ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ «1» وَقَدْ قَالَ بعض النسايين فِي عُدُس بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ دَارِمٍ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ: عَدَس بِفَتْحِ الدّالِ، وَالْأَوّلُ أَعْرَفُ وَأَشْهَرُ. دَعْوَةُ خُبَيْبٍ عَلَى قَاتِلِيهِ: وَذَكَرَ قَوْلَ خُبَيْبٍ حِينَ رَفَعُوهُ فِي الْخَشَبَةِ: اللهُمّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، فَمَنْ رواه بددا بكسر الباء، فهو مصدر بمعنى التّبدّد، أى: ذوى «2»

_ (1) فى الأصل دارة وهو خطأ وصوابه ما أثبته. (2) جاء فى هامش المطبوعة: وفى النسخة الأخرى: بكسر الباء فهو جمع بدة، وهى الفرقة والقطعة من الشىء المتبدد، أى ذوى بدد هذا وقد ذكر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَدَدٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ أُجِيبَتْ فِيهِمْ دَعْوَةُ خُبَيْبٍ، وَالدّعْوَةُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَبْدِ مُسْتَجَابَةٌ؟ قُلْنَا: أَصَابَتْ مِنْهُمْ مَنْ سُبِقَ فِي عِلْمِ اللهِ أَنْ يَمُوتَ كَافِرًا، ومن أسلم منهم فلم بعنه خُبَيْبٌ وَلَا قَصَدَهُ بِدُعَائِهِ، وَمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ كَافِرًا بَعْدَ هَذِهِ الدّعْوَةِ، فَإِنّمَا قُتِلُوا بَدَدًا غَيْرَ مُعَسْكِرِينَ وَلَا مُجْتَمَعِينَ كَاجْتِمَاعِهِمْ فِي أُحُد، وَقَبْلَ ذَلِكَ فِي بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْخَنْدَقُ بَعْدَ قِصّةِ خُبَيْبٍ فَقَدْ قُتِلَ مِنْهُمْ آحَادٌ فِيهَا مُتَبَدّدُونَ، ثُمّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ جَمْعٌ وَلَا مُعَسْكَرٌ غَزَوْا فِيهِ، فَنَفَذَتْ الدّعْوَةُ عَلَى صُورَتِهَا وَفِيمَنْ أَرَادَ خُبَيْبٌ- رَحِمَهُ اللهُ- وَحَاشَا لَهُ أَنْ يَكْرَهَ إيمَانَهُمْ وَإِسْلَامَهُمْ «1» . ابْنُ كُهَيْبَةَ فِي شِعْرِ حَسّانَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَشْعَارَ حَسّانَ فِي خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَعْنًى خَفِيّ، وَلَا لَفْظٌ غَرِيبٌ وَحْشِيّ، فَيَحْتَاجُ إلى تفسيره، لكن فى بعضها:

_ - الخشنى البدة بكسر الباء: المتفرقون، وهو بفتح الباء المصدر، وأصله من التبدد وهو التفرق. وذكر ابن الأثير ما يأتى: بدد: يروى بكسر الباء جمع بدة وهى الحصة والنصيب؛ أى اقتلهم حصصا مقسمة، لكل واحد حصته ونصيبه. ويروى بالفتح. أى. متفرقين فى القتل واحد أبعد واحد من التبديد. (1) وقصيدة خبيب فى السيرة لم يرو منها البخارى غير هذين: ما إن أبالى حين أقتل مسلما ... على أى شق كان لله مصرعى وذاك فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أوصال شلوزع؟؟؟ وفى رواية أبى الأسود عن عروة ذكر البيت الأول والرابع من القصيدة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَنِي كُهَيْبَةَ أَنّ الْحَرْبَ قَدْ لَقِحَتْ جَعَلَ كُهَيْبَةَ كَأَنّهُ اسْمُ عِلْمٍ لِأُمّهِمْ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: بَنِي ضَوْطَرَي وَبَنِيّ الْغَبْرَاءِ وَبَنِيّ دَرَزَةَ «1» قَالَ الشّاعِرُ: أَوْلَاد دَرْزَةَ أَسْلَمُوك وَطَارُوا «2» وَهَذَا كُلّهُ اسْمٌ لِمَنْ يُسَبّ، وَعِبَارَةٌ عَنْ السّفْلَةِ مِنْ النّاسِ، وَكُهَيْبَةُ مِنْ الْكُهْبَةِ، وَهِيَ الْغُبْرَةُ، وَهَذَا كَمَا قَالُوا: بَنِي الْغَبْرَاءِ، وَأَكْثَرُ أَشْعَارِ حَسّانَ فِي هَذِهِ الْقِصّةِ، قَالَ فِيهَا مِنْ هُذَيْلٍ، لِأَنّهُمْ إخْوَةُ الْقَارَةِ، وَالْمُشَارَكُونَ لَهُمْ فِي الْغَدْرِ بِخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ، وهُذَيل وَخُزَيْمَةُ أَبْنَاءُ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ وَعَضَلَ وَالْقَارَةُ مِنْ بَنِي خُزَيْمَةَ. حَوْلَ الْعَلَمِ وَضْعُهُ مِنْ التّنْوِينِ مَعَ الْخَفْضِ: وَقَوْلُهُ: وَابْنٌ لِطَارِقِ، وَابْنُ دَثْنَة مِنْهُمْ، حَذَفَ التنوين كما تقدم فى قوله

_ (1) الضوطرى: الرجل الضخم الذى لا غناء عنده، ويقال للقوم إذا كانوا لا يغنون غناء بنو ضوطرى. وبنو ضوطرى: حى معروف. وبنو غبراء تقال المحاويج أو الفقراء كأنهم نسبوا إلى الأرض، وهى فى الأصل: غبرى- مقصورة- ولم أجدها. وبنو درزة يقال الدعى هو ابن درزة وابن ترنى، وذلك إذا كان ابن أمة تساعى فجاءت به من المساعاة: ولا يعرف له أب ويقال: هؤلاء أولاد درزة وأولاد فرتنى للسفلة والسقاط. انظر اللسان فى مادة درز وضطر وغبر. (2) فى اللسان قاله شاعر يخاطب زيد بن على. ويقال. أراد به الخياطين، وقد كانوا خرجوا معه، فتركوه وانهزموا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شُلّتْ يَدَا وَحْشِيّ مِنْ قَاتِلٍ، وَلَوْ أَنّهُ حِينَ حَذَفَ التّنْوِينَ نَصَبَ، وَجَعَلَهُ كَالِاسْمِ الّذِي لَا يَنْصَرِفُ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ مَفْتُوحٌ، لمكان وَجْهًا وَقِيَاسًا صَحِيحًا، لِأَنّ الْخَفْضَ تَابِعُ التّنْوِينِ، فَإِذَا زَالَ التّنْوِينُ، زَالَ الْخَفْضُ، لِئَلّا يَلْتَبِسُ بِالْمُضَافِ إلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلّمِ، لِأَنّ ضَمِيرَ الْمُتَكَلّمِ، وَإِنْ كَانَ يَاءً فَقَدْ يُحْذَفُ، وَيَكْتَفِي بِالْكِسْرَةِ مِنْهُ، وَزَوَالُ التّنْوِينِ فِي أَكْثَرِ مَا لَا يَنْصَرِفُ إنّمَا هُوَ لِاسْتِغْنَاءِ الِاسْمِ عَنْهُ، إذْ هُوَ عَلَامَةُ الِانْفِصَالِ عَنْ الْإِضَافَةِ فَكُلّ اسْمٍ لَا يُتَوَهّمُ فِيهِ الْإِضَافَةُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التّنْوِينِ، لَكِنّهُ إذَا لَمْ يُنَوّنْ لَمْ يُخْفَضْ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْتِبَاسِهِ بِالْمُضَافِ إلَى الْمُتَكَلّمِ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي أَشْعَارِ أُحُدٍ: كَنَارِ أَبِي حُبَاحِبَ والظُبينا بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنْ حُبَاحِبَ فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ، وَكَانَ حَقّ كُلّ عَلَمٍ أَلّا يُنَوّنَ؛ لِأَنّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْإِضَافَةِ كَمَا لَمْ يُنَوّنْ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْمَعَارِفِ، وَلَكِنّهُ نُوّنَ مَا نوّن منه لِلسّرّ الّذِي بَيّنّاهُ فِي أَسْرَارِ مَا لَا يَنْصَرِفُ مِنْ الْأَسْمَاءِ، وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي ذَلِكَ جزآ، وَلَكِنْ الْخَفْضُ فِي طَارِقٍ وَوَحْشِيّ مَرْوِيّ، وَوَجْهُهُ أَنّهُ لَمّا كَانَ ضَرُورَةَ شِعْرٍ، وَلَمْ يَكْثُرْ فِي كَلَامِهِمْ لَمْ يُتْبِعُوا الْخَفْضَ فِيهِ التّنْوِينَ إذْ لَا يُتَوَهّمُ إضَافَتُهُ إلَى الْمُتَكَلّمِ، إذْ لَا يَقَعُ إلّا نَادِرًا فِي شِعْرٍ، فَاللّبْسُ فِيهِ بَعِيدٌ. اشْتِقَاقُ اسْمِ خُبَيْبٍ وهُذَيل: وَقَوْلُهُ: وَابْنُ الْبُكَيْرِ إمَامُهُمْ وَخُبَيْبُ، أَرْدَفَ حَرْفَ الرّوِيّ بِيَاءِ مَفْتُوحٌ مَا قَبْلَهَا، وَقَدْ تَقَدّمَ الْقَوْلُ فِيهِ مَرّتَيْنِ. وَخُبَيْبٌ فِي اللّغَةِ تَصْغِيرُ خِبّ، وهو الماكر من الرجال الخداع، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَصْغِيرَ خَابٍ مِنْ الْخَبِيبِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ تَصْغِيرِ التّرْخِيمِ، وَهُوَ الّذِي يَنْبَنِي عَلَى حَذْفِ الزّوَائِدِ، وَأَمّا هُذَيْلٌ فَقَالُوا فيه: إنه مصغّر تصغير التّرخيم، لِأَنّهُ مِنْ هَوْذَل الرّجُلُ بِبَوْلِهِ إذَا بَاعَدَ بِهِ، فَكَأَنّهُ تَصْغِيرُ مُهَوْذِلٍ عَلَى حَذْفِ الزّوَائِدِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَصْغِيرَ هُذْلُولٍ، وَهُوَ التّلّ الصّغِيرُ مِنْ الرّمْلِ عَلَى تَصْغِيرِ التّرْخِيمِ أَيْضًا «1» . سَالَتْ بِدُونِ هَمْزَةٍ: وَقَوْلُهُ: سَالَتْ «2» هُذَيْلٌ رَسُولَ اللهِ فَاحِشَةً، لَيْسَ عَلَى تَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ فِي سَالَتْ، وَلَكِنّهَا لُغَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: تَسَايَلَ الْقَوْمُ، وَلَوْ كَانَ تَسْهِيلًا، لَكَانَتْ الْهَمْزَةُ بَيْنَ بَيْنَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ وَزْنُ الشّعْرِ بِهَا، لِأَنّهَا كَالْمُتَحَرّكَةِ، وَقَدْ تُقْلَبُ أَلِفًا سَاكِنَةً كَمَا قَالُوا: الْمِنْسَاة «3» ، وَلَكِنّهُ شَيْءٌ لَا يُقَاسَ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَتْ سَالَ لُغَةً فِي سَأَلَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُضَارِعُ يَسِيلُ، وَلَكِنْ قَدْ حَكَى يُونُسُ: سِلْت تَسَالُ مِثْلَ خِفْت تَخَافُ، هُوَ عِنْدَهُ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، وَقَالَ الزّجّاجُ: الرّجُلَانِ يَتَسَايَلَانِ، وَقَالَ النّحّاسُ وَالْمُبَرّدُ: يَتَسَاوَلَانِ، وَهُوَ مِثْلُ مَا حَكَى يُونُسُ. خَبَرُ بِئْرِ مَعُونَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا، وَالصّحِيحُ أَنّهُمْ كَانُوا سَبْعِينَ،

_ (1) قريب منه قول ابن دريد: اشتقاق هذيل عن الهذل وهو الاضطراب، يقال: هوذل الرجل ببوله إذا اضطرب بوله فقد هوذل. (2) السهيلى ينتقل من قصيدة إلى قصيدة دون ترتيب. (3) المنساة: العصا يهمز ولا يهمز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِمٍ. مُلَاعِبُ الْأَسِنّةِ وَإِخْوَتُهُ وَمُعَوّذٌ الْحُكَمَاءُ: وَذَكَرَ أَبَا بَرَاءٍ مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ، وَأَنّهُ أَجَارَ أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، سُمّيَ مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ فِي يَوْمِ سُوبَانَ، وَهُوَ يَوْمٌ كَانَتْ فِيهِ وَقِيعَةٌ فِي أَيّامِ جَبَلَةَ، وَهِيَ أَيّامُ حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ قَيْسٍ وَتَمِيمٍ، وَجَبَلَةُ اسْمٌ لِهَضْبَةِ عَالِيَةٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ طَرَفٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ، وَكَانَ سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ فِي يَوْمِ سُوبَانَ مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ أَنّ أَخَاهُ الّذِي يُقَالُ لَهُ فَارِسُ قُرْزل، وَهُوَ طُفَيْلُ بْنُ مَالِكٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ مَعْنَى قُرْزل، كَانَ أَسْلَمَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَفَرّ فَقَالَ شَاعِرٌ: فَرَرْت وَأَسْلَمْت ابْنَ أُمّك عَامِرًا ... يُلَاعِبُ أطراف الوسيج الْمُزَعْزَعِ فَسُمّيَ مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ، وَمُلَاعِبُ الرّمَاحِ. قَالَ لبيد: وإنني ملاعب الرماح ... ومدره الكتيبة الرداح وَهُوَ عَمّ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَكَانُوا إخْوَةً خَمْسَةً: طُفَيْلٌ فَارِسُ قُرْزل، وَعَامِرٌ مُلَاعِبُ الْأَسِنّةِ، وَرَبِيعَةُ الْمُقْتِرِينَ «1» وَهُوَ وَالِدُ لَبِيدٍ، وَعُبَيْدَةُ الْوَضّاحُ، ومعاوية معوّذ الحكماء «2» وهو الذى يقول:

_ (1) فى الجمهرة لابن حزم: وربيعة، وهو ربيع المفترين. (2) فى الجمهرة معود ص 268 وكذلك فى اللسان وفى سمط اللآلى ص 190، 448.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذَا سَقَطَ السّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا وَفِي هَذَا الشّعْرِ يَقُولُ: يَعُوذُ مِثْلَهَا الْحُكَمَاءُ بَعْدِي ... إذَا مَا الْأَمْرُ فِي الْحَدَثَانِ نَابَا وَبِهَذَا الْبَيْتِ سُمّيَ مُعَوّذَ الْحُكَمَاءِ «1» . شِعْرُ لَبِيدٍ عَنْ مُلَاعِبٍ وَإِخْوَتِهِ أَمَامَ النّعْمَانِ: وَإِيّاهُمْ عَنَى لَبِيدٌ حِينَ قَالَ بَيْنَ يَدَيْ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ: نَحْنُ بَنِي أُمّ الْبَنِينَ الأربعه ... المطعمون الْجَفْنَةَ الْمُدَعْدَعَهْ وَالضّارِبُونَ الْهَامَ تَحْت الْخَيْضَعَهْ ... يَا ربّ هيجا هى خير من دعه «2»

_ (1) البيت فى اللسان هكذا: أعود مثلها الحكماء بعدى ... إذا ما الحق فى الحدثان نابا ويقول اللسان قبلها: وسمى معود الحكماء لقوله فى هذه القصيدة ثم ذكر البيت. وفى سمط اللالى ص 190 يقول: سمى معود- بالدال- الحكماء يقوله: سأعقلها وتحملها غنى ... وأورث مجدها أبدا كلابا أعود مثلها الحكماء بعدى ... إذا ما معضل الحدثان نابا وفى ص 448 يذكر بعد بيته إذا نزل السماء هذين البيتين: لكل مقلص عبل شواه ... إذا وضعت أعنتهن نابا ومحفزة الحزام بمرفقيها ... كشاة الربل أفلتت الكلابا وانظر ص 182 ج 1 الأمالى للقالى ط 2. (2) فى اللسان وفى سمط اللآلى: نحن بنو، وزاد اللسان بعد الشطرة الأولى فى مادة خضع: ونحن خير عامر بن صعصعة «والمدعدعة: المليئة. والخيضعة: البيضة أو التفاف الأصوات فى الحرب وقد قال لبيد الرجز حين ناظر الربيع-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثُمّ ذَكَرَ الرّبِيعَ بْنَ زِيَادٍ [الْعَبْسِيّ] فَقَالَ: مَهْلًا أَبَيْتَ اللّعْنَ لَا تَأْكُلْ مَعَهْ إلَى آخِرِ الرّجَزِ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ، إنّمَا قَالَ: الْأَرْبَعَةُ، وَهُمْ خَمْسَةٌ، لِأَنّ أَبَاهُ رَبِيعَةَ قَدْ كَانَ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، لَا كَمَا قَالَ بَعْضُ النّاسِ، وَهُوَ قَوْلٌ يُعْزَى إلَى الْفَرّاءِ أَنّهُ قَالَ إنّمَا قَالَ أَرْبَعَةً، وَلَمْ يَقُلْ خَمْسَةً مِنْ أَجْلِ الْقَوَافِي، فَيُقَالُ لَهُ: لَا يَجُوزُ لِلشّاعِرِ أَنْ يَلْحَنُ لِإِقَامَةِ وَزْنِ الشّعْرِ، فَكَيْفَ بِأَنْ يَكْذِبَ لِإِقَامَةِ الْوَزْنِ، وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنّهُ اسْتَشْهَدَ بِهِ عَلَى تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ تَأَوّلَهُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحْمَنُ: 46 وَقَالَ: أَرَادَ جَنّةً وَاحِدَةً، وجاء بلفظ التّثنية، لتتفق رؤس الْآيِ، أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ، فَصَمّي صَمَامْ «1» مَا أَشْنَعَ هَذَا الْكَلَامَ، وَأَبْعَدَهُ عَنْ الْعِلْمِ، وَفَهْمِ الْقُرْآنِ: وَأَقَلّ هَيْبَةَ قَائِلِهِ مِنْ أَنْ يَتَبَوّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النّارِ، فَحَذَارِ مِنْهُ حَذَارِ. وَمِمّا يَدُلّك أَنّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةً حِينَ قَالَ لَبِيدٌ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إنّ فِي الْخَبَرِ ذِكْرُ يُتْمِ لَبِيَدٍ وَصِغَرِ سِنّهِ، وَأَنّ أَعْمَامَهُ الْأَرْبَعَةَ اسْتَصْغَرُوهُ أَنْ يُدْخِلُوهُ مَعَهُمْ عَلَى النّعْمَانِ حِينَ هَمّهُمْ مَا قَاوَلَهُمْ بِهِ الرّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ، فَسَمِعَهُمْ لَبِيدٌ يَتَحَدّثُونَ بِذَلِكَ، وَيَهْتَمّونَ لَهُ، فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوهُ مَعَهُمْ عَلَى النّعْمَانِ، وَزَعَمَ أَنّهُ سيفحمه فتهاونوا بقوله،

_ - ابن زياد العبسى بحضرة النعمان بن المنذر. أنظر ص 151 سمط اللآلى. وحسنا فعل السهيل حين بتر الرجز، فقد أفحش فيه لبيد، ورمى زيادا بما تبرأ منه الرجولة بألفاظ تثير التقزز» . (1) صمى صمام: يضرب الرجل يأتى الداهية، أى احرصى يا صمام- ويقال الداهية: صمى صمام مثل قطام وهى الداهية، أى زيدى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَتّى اخْتَبَرُوهُ بِأَشْيَاءَ مَذْكُورَةٍ فِي الْخَبَرِ، فَبَانَ بِهَذَا كُلّهِ أَنّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةً، وَلَوْ سَكَتَ الْجَاهِلُ لَقَلّ الْخِلَافُ وَالْحَمْدُ لِلّهِ. مَصِيرُ ابْنِ فُهَيْرَةَ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ قَالَ يَوْمئِذٍ: مَنْ رَجُلٌ لَمّا طَعَنْته رَفَعَ حَتّى رَأَيْت السّمَاءَ مِنْ دُونِهِ. هَذِهِ رِوَايَةُ البكّابى عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَرَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: مَنْ رَجُلٌ يَا مُحَمّدُ لَمّا طَعَنْته رَفَعَ إلَى السّمَاءِ؟ فَقَالَ: هُوَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ «1» وَرَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ وَابْنُ الْمُبَارَكِ أَنّ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ اُلْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى يَوْمئِذٍ، فَفُقِدَ، فَيَرَوْنَ أَنّ الْمَلَائِكَةَ رَفَعَتْهُ أَوْ دَفَنَتْهُ. أُمّ الْبَنِينَ الْأَرْبَعَةِ: وَذَكَرَ قَوْلَ حَسّانَ: بَنِي أُمّ الْبَنِينَ أَلَمْ يَرْعَكُمْ ... وَأَنْتُمْ فِي «2» ذَوَائِبِ أَهْلِ نَجْدِ وَهَذِهِ أُمّ الْبَنِينَ الّتِي ذَكَرَ لَبِيدٌ فِي قَوْلِهِ: نَحْنُ بَنِي أُمّ الْبَنِينَ الأربعة

_ (1) فى رواية البخارى أن عامر بن الطفيل سأل عمرو بن أمية الضمرى، وأن عامرا قال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء، حتى إنى لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض ... وهذا قول رجل كافر ظل على كفره فهل يصدق؟. (2) فى السيرة: من.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَاسْمُهَا: لَيْلَى بِنْتُ عَامِرٍ- فِيمَا ذَكَرُوا وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ نَسَبَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا. وَذَكَرَ قَوْلَ أَنَسِ بْنِ عَبّاسٍ السّلَمِيّ: تَرَكْت ابن ورقاء الخزاعىّ ثاويا ... بمعترك تسغى عَلَيْهِ الْأَعَاصِرُ ذَكَرْت أَبَا الزّبّانِ لَمّا رَأَيْته ... وَأَيْقَنْت أَنّي عِنْدَ ذَلِكَ ثَائِرُ الزّبّانُ أَوْ الرّيّانُ هَكَذَا وَقَعَ فِي النّسْخَةِ أَبَا الزّبّانِ «1» ، وَفِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: أَبَا الرّيّانِ بِالرّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِالْيَاءِ أُخْتِ الْوَاوِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ، كَمَا فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. القُرطاء: وَذَكَرَ شِعْرَ كَعْبٍ وَفِيهِ: أَوْ القُرطاء مَا إنْ أَسْلَمُوهُ. القُرطاء: هُمْ بَنُو قُرْطٍ وَقُرَيْطٍ وَقَرِيطٍ، وَهُمْ أَبَطْنُ مِنْ بَنِي عَامِرٍ ثُمّ مِنْ بَنِي كِلَابٍ. شَيْءٌ مَنْسُوخٌ وَلَمّا قُتِلَ أَصْحَابُ بِئْرِ مَعُونَةَ نَزَلَ فِيهِمْ قُرْآنٌ، ثُمّ رفعَ: أَنْ أَبْلِغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِيَ عَنّا وَرَضِينَا عَنْهُ «2» ، فَثَبَتَ هَذَا فِي الصّحِيحِ، وَلَيْسَ

_ (1) فى أبى ذر: الزيان أى بالزاء والياء وقد صوب: الريان. (2) البخارى: إنا لقينا ربنا، فرضى عنا وأرضانا. ولنتدبر النقد الرائح الذى نقد به السهيلى هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ رَوْنَقُ الْإِعْجَازِ، فَيُقَالُ: إنّهُ لَمْ يَنْزِلْ بِهَذَا النّظْمِ، وَلَكِنْ بِنَظْمِ مُعْجِزٍ كَنَظْمِ الْقُرْآنِ. فَإِنْ قِيلَ: إنّهُ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَا يَدْخُلُهُ النّسْخُ، قُلْنَا: لَمْ يُنْسَخْ مِنْهُ الْخَبَرُ، وَإِنّمَا نُسِخَ مِنْهُ الْحُكْمُ، فَإِنّ حُكْمَ الْقُرْآنِ أَنْ يُتْلَى فِي الصّلَاةِ، وَأَنْ لَا يَمَسّهُ إلّا طَاهِرٌ «1» ، وَأَنْ يَكْتُبَ بَيْنَ اللّوْحَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ تَعَلّمُهُ مِنْ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ، فَكُلّ مَا نُسِخَ، وَرُفِعَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، وَإِنْ بَقِيَ مَحْفُوظًا، فَإِنّهُ مَنْسُوخٌ، فَإِنْ تَضَمّنَ حُكْمًا جَازَ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الْحُكْمُ مَعْمُولًا بِهِ، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ، وَإِنْ تَضَمّنَ خَبَرًا بَقِيَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مُصَدّقًا بِهِ، وَأَحْكَامُ التّلَاوَةِ مَنْسُوخَةٌ عَنْهُ، كَمَا قَدْ نَزَلَ: لَوْ أَنّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلّا التّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَاب. وَيُرْوَى: لَا يَمْلَأُ عَيْنَيْ ابْنِ آدَمَ، وَفَمَ ابْنِ آدَم، كُلّ ذَلِكَ فِي الصّحِيحِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ: وَادِيًا مِنْ مَالٍ أَيْضًا، فَهَذَا خَبَرٌ حَقّ، وَالْخَبَرُ لَا يُنْسَخُ، وَلَكِنْ نُسِخَ مِنْهُ أَحْكَامُ التّلَاوَةِ لَهُ، وَكَانَتْ هذه الآية أعنى قوله: لو أنّ

_ (1) يشير إلى قوله سبحانه: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الواقعة: 77- 79 والضمير فى لا يمسه يعود إلى الكتاب الذى فى السماء كما قال ابن عباس. والمطهرون هم الملائكة. وقال ابن زيد: زعمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون كما قال تعالى: (وما تنزلت به الشياطين) وقال الفراه: لا يحد طعمه ونفعه إلا من آمن به.

أمر إجلاء بنى النضير فى سنة أربع

[أَمْرُ إجْلَاءِ بَنِي النّضِيرِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ] [بنو النضير يأتمرون بالرسول صلى الله عليه وسلم] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دية ذينك القتيلين من بنى عامر، الذين قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ، لِلْجِوَارِ الّذِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقد لهما، كما حاثّنى يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، وَكَانَ بَيْنَ بَنِي النّضِير وبين بنى عامر عقد وحلف. ـــــــــــــــــــــــــــــ لِابْنِ آدَمَ فِي سُورَةِ يُونُسَ بَعْدَ قَوْلِهِ: كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصّلُ الْآيَاتِ لقوم يتفكرون، كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَلّام، وَأَمّا الْحُكْمُ الّذِي بَقِيَ، وَكَانَ قُرْآنًا يُتْلَى: فَالشّيْخُ وَالشّيْخَةُ إذَا زَنَيَا، فَارْجُمُوهُمَا الْبَتّةَ نَكَالًا مِنْ اللهِ، وَلَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَإِنّ ذَلِكَ كُفْرٌ بِكُمْ، فَهَذَا حُكْمٌ كَانَ نَسْخُهُ جَائِزًا حِينَ نُسِخَ حُكْمُ التّلَاوَةِ، وَكَانَ جَائِزًا أَنْ يَبْقَى حُكْمُ التّلَاوَةِ، وَيُنْسَخُ هَذَا الْحُكْمُ بِخِلَافِ هَذَا الْخَبَرِ كما تقدم «1» .

_ (1) سؤال نسأله لهؤلاء الذين يزعمون مثل هذا: هل يجوز لمسلم أن يزعم أن قوله: لو أن لابن آدم الخ من القرآن؟. ثم هل يكفر من ينكر أنه كان من القرآن؟ وفى آى القرآن من جلال البيان وجماله واشراقه ما يغنى عن هذا، وما يحكم بأن هذا كلام ليس عليه- كما قال السهيلى من قبل- رونق الإعجاز ثم كيف تنسخ آية ويبقى حكمها؟ أهذه تتفق مع حكمة الله بعباده ورحمته؟ ليتق الله الذين يزعمون مثل هذا، وكيف نأمن شرا يفترى مثل هذا؟ وسؤال آخر: أفى كتاب الله آية يحرم على المسلم أن يعمل بها؟! لا يجرؤ أحد على قول: نعم.

الله يعلم نبيه بما دبروا

فَلَمّا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِك الْقَتِيلَيْنِ، قَالُوا نَعَمْ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، نُعِينُك عَلَى مَا أَحْبَبْت، مِمّا اسْتَعَنْت بِنَا عَلَيْهِ. ثُمّ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ، فَقَالُوا: إنّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ- وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ قَاعِدٌ- فَمَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ، فَيُلْقِي عَلَيْهِ صَخْرَةً، فَيُرِيحُنَا مِنْهُ؟ فَانْتَدَبَ لذلك عمرو ابن جَحّاشِ بْنِ كَعْبٍ، أَحَدَهُمْ، فَقَالَ: أَنَا لِذَلِكَ، فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً كَمَا قَالَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيّ، رضوان الله عليهم. [الله يعلم نبيه بما دبّروا] فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم الْخَبَرُ مِنْ السّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ، فَقَامَ وَخَرَجَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمّا اسْتَلْبَثَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابُهُ، قَامُوا فِي طَلَبِهِ، فَلَقُوا رَجُلًا مُقْبِلًا مِنْ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلُوهُ عَنْهُ؛ فَقَالَ: رَأَيْته دَاخِلًا الْمَدِينَةَ. فَأَقْبَلَ أَصْحَابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انْتَهَوْا إلَيْهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ، بِمَا كَانَتْ الْيَهُودُ أَرَادَتْ مِنْ الْغَدْرِ بِهِ، وَأَمّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتّهيئ لِحَرْبِهِمْ، وَالسّيْرِ إلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ سَارَ بِالنّاسِ حَتّى نَزَلَ بِهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حصار الرسول لبنى النضير

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ، فَحَاصَرَهُمْ سِتّ لَيَالٍ؛ وَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ. [حصار الرسول لبنى النضير] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَتَحَصّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُونِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَطْعِ النّخِيلِ وَالتّحْرِيقِ فِيهَا، فَنَادَوْهُ: أَنْ يَا مُحَمّدُ، قَدْ كُنْت تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ، وَتَعِيبُهُ عَلَى مَنْ صَنَعَهُ، فَمَا بَالُ قَطْعِ النّخْلِ وَتَحْرِيقِهَا؟ [تَحْرِيضُ الرّهْطِ لَهُمْ ثُمّ مُحَاوَلَتُهُمْ الصّلْحَ] وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، مِنْهُمْ (عَدُوّ اللهِ) عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ بن سلول، ووديعة، وَمَالِكُ بْنُ أَبِي قَوْقَلٍ، وَسُوَيْدُ وَدَاعِسٌ، قَدْ بَعَثُوا إلَى بَنِي النّضِيرِ: أَنْ اُثْبُتُوا وَتَمَنّعُوا، فإنّا لن نسامكم، إنْ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا مَعَكُمْ، وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ، فَتَرَبّصُوا ذَلِكَ مِنْ نَصْرِهِمْ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَقَذَفَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ، وَسَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ وَيَكُفّ عَنْ دِمَائِهِمْ، عَلَى أَنّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلّا الْحَلْقَةَ، فَفَعَلَ. فَاحْتَمَلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا اسْتَقَلّتْ بِهِ الْإِبِلُ، فكان الرجل منهم يهدء بَيْتَهُ عَنْ نِجَافِ بَابِهِ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ، فَيَنْطَلِقُ بِهِ. فَخَرَجُوا إلَى خَيْبَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ سَارَ إلَى الشّامِ. [مَنْ هَاجَرَ مِنْهُمْ إلَى خَيْبَرَ] فَكَانَ أَشْرَافُهُمْ مَنْ سَارَ مِنْهُمْ إلَى خَيْبَرَ: سَلّامُ بْنُ أبى الحقيق، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تقسيم الرسول أموالهم بين المهاجرين

وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ، وَحُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ. فَلَمّا نَزَلُوهَا دَانَ لَهُمْ أَهْلُهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ: أَنّهُمْ اسْتَقَلّوا بِالنّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَمْوَالِ، مَعَهُمْ الدّفُوفُ وَالْمَزَامِيرُ، وَالْقِيَانُ يَعْزِفْنَ خَلْفَهُمْ، وَأَنّ فِيهِمْ لَأُمّ عَمْرٍو صَاحِبَةَ عُرْوَةَ بْنِ الْوَرْدِ الْعَبْسِيّ، الّتِي ابْتَاعُوا مِنْهُ، وَكَانَتْ إحدى نساء بنى غفار، بزهاء وفخر مارئى مِثْلُهُ مِنْ حَيّ مِنْ النّاسِ فِي زَمَانِهِمْ. [تَقْسِيمُ الرّسُولِ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ] وَخَلّوْا الْأَمْوَالَ لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، فكانت لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَاصّةً، يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْأَوّلِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ. إلّا أَنّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَأَبَا دُجَانَةَ سِمَاكَ بْنَ خَرَشَةَ ذَكَرَا فَقْرًا، فَأَعْطَاهُمَا رسول الله صلى الله عليه وسلم. [من أسلم من بنى النضير] وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْ بَنِي النّضِيرِ إلّا رَجُلَانِ: يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ، أَبُو كَعْبِ بْنُ عَمْرِو ابن جِحَاشٍ؛ وَأَبُو سَعْدِ بْنُ وَهْبٍ، أَسْلَمَا عَلَى أَمْوَالِهِمَا فَأَحْرَزَاهَا. [تَحْرِيضُ يَامِينَ عَلَى قَتْلِ ابْنِ جِحَاشٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ- وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ آلِ يَامِينَ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِيَامِينَ: أَلَمْ تَرَ مَا لَقِيتُ مِنْ ابْنِ عَمّك، وَمَا هُمْ بِهِ مِنْ شَأْنِي؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى بنى النضير من القرآن

فَجَعَلَ يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ لِرَجُلِ جُعْلًا عَلَى أَنْ يَقْتُلَ لَهُ عَمْرَو بْنَ جِحَاشٍ، فَقَتَلَهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ. [مَا نَزَلَ فِي بَنِي النّضِير من القرآن] ونزل فى بنى النّضير سُورَةُ الْحَشْرِ بِأَسْرِهَا، يَذْكُرُ فِيهَا مَا أَصَابَهُمْ اللهُ بِهِ مِنْ نِقْمَتِهِ. وَمَا سَلّطَ عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَمَا عمل به فيهم، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ، مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ، فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ لِهَدْمِهِمْ بُيُوتَهُمْ عَنْ نُجُفِ أَبْوَابِهِمْ إذَا احْتَمَلُوهَا. فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ. وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ وَكَانَ لَهُمْ مِنْ الله نِقْمَةٌ، لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا: أَيْ بِالسّيْفِ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ مَعَ ذَلِكَ، مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها. وَاللّينَةُ: مَا خَالَفَ الْعَجْوَةَ مِنْ النّخْلِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ: أَيْ فَبِأَمْرِ اللهِ قُطِعَتْ، لَمْ يَكُنْ فَسَادًا، وَلَكِنْ كَانَ نِقْمَةً مِنْ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: اللّينَةُ: مِنْ الْأَلْوَانِ، وَهِيَ مَا لَمْ تَكُنْ بَرْنِيّةَ وَلَا عَجْوَةً مِنْ النّخْلِ، فِيمَا حَدّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ. قَالَ ذُو الرّمّةِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

كَأَنّ قُتُودِي فَوْقَهَا عُشّ طَائِرٍ ... عَلَى لِينَةٍ سوفاء تَهْفُو جُنُوبُهَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: يَعْنِي مِنْ بَنِي النّضِيرِ- فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ، وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: أَيْ لَهُ خَاصّةً. [تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: أوْجَفْتُمْ: حَرّكْتُمْ وَأَتْعَبْتُمْ فِي السّيْرِ. قَالَ تميم بن أبي بن مقبل أحد بني عامر بن صعصعة: مَذَاوِيدُ بِالْبِيضِ الْحَدِيثِ صِقَالُهَا ... عَنْ الرّكْبِ أَحْيَانًا إذَا الرّكْبُ أَوْجَفُوا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَهُوَ الْوَجِيفُ. (و) قَالَ أَبُو زُبَيْدٍ الطّائِيّ، وَاسْمُهُ حَرْمَلَةُ بْنُ الْمُنْذِرِ: مُسْنِفَاتٌ كَأَنّهُنّ قَنَا الْهِنْدِ ... لِطُولِ الْوَجِيفِ جَدْبَ الْمَرُودِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: السّنَافُ: الْبِطَانُ. وَالْوَجِيفُ (أَيْضًا) : وَجِيفُ الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ، وَهُوَ الضّرَبَانُ. قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ الظّفَرِيّ: إنّا وَإِنْ قَدّمُوا الّتِي عَلِمُوا ... أَكْبَادُنَا مِنْ وَرَائِهِمْ تَجِفُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما قيل فى بنى النضير من الشعر

مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: مَا يُوجِفُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَيْلِ وَالرّكَابِ، وَفُتِحَ بِالْحَرْبِ عَنْوَةً فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ- وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ، وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. يقول: هذا قشم آخَرُ فِيمَا أُصِيبَ بِالْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى مَا وَضَعَهُ اللهُ عَلَيْهِ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيّ وَأَصْحَابَهُ، وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِمْ يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ: يعنى بنى النّضير، إلى قوله: كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: يَعْنِي بَنِي قَيْنُقَاعَ. ثُمّ الْقِصّةُ ... إلَى قَوْلِهِ: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ، فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ، إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ. فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها، وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ. [مَا قِيلَ فِي بَنِي النّضِيرِ مِنْ الشّعْرِ] وكان مما قيل فى بنى النّضير من الشعر قول ابن لقيم العيمى، وَيُقَالُ: قَالَهُ قَيْسُ بْنُ بَحْرِ بْنِ طَرِيفٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَيْسُ بْنُ بَحْرٍ الْأَشْجَعِيّ- فقال: أهلى فداء لامرىء غَيْرِ هَالِكٍ ... أَحَلّ الْيَهُودَ بِالْحَسِيّ الْمُزَنّمِ يَقِيلُونَ فِي جَمْرِ الغَضَاةِ وَبُدّلُوا ... أُهَيْضِبُ عُودى بِالْوَدِيّ المكمّم ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَإِنْ يَكُ ظَنّيّ صَادِقًا بِمُحَمّدٍ ... تَرَوْا خَيْلَهُ بَيْنَ الصّلَا وَيَرَمْرَمَ يَؤُمّ بِهَا عَمْرَو بْنَ بُهْثَةَ إنّهُمْ ... عدْوّ وَمَا حَيّ صَدِيقٌ كَمُجْرِمِ عَلَيْهِنّ أَبْطَالٌ مَسَاعِيرُ فِي الْوَغَى ... يَهُزّونَ أَطْرَافَ الْوَشِيجِ الْمُقَوّمِ وَكُلّ رَقِيقِ الشّفْرَتَيْنِ مُهَنّدٌ ... تُوُورِثْنَ مِنْ أَزْمَانِ عَادٍ وَجُرْهُمِ فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنّي قُرَيْشًا رِسَالَةً ... فَهَلْ بَعْدَهُمْ فِي الْمَجْدِ مِنْ مُتَكَرّمِ بِأَنّ أَخَاكُمْ فَاعْلَمُنّ مُحَمّدًا ... تَلِيدُ النّدَى بَيْنَ الْحَجُونِ وَزَمْزَمِ فَدِينُوا لَهُ بِالْحَقّ تَجْسُمُ أُمُورُكُمْ ... وَتَسْمُوا مِنْ الدّنْيَا إلَى كُلّ مُعْظَمِ نَبِيّ تَلَاقَتْهُ مِنْ اللهِ رَحْمَةٌ ... وَلَا تَسْأَلُوهُ أَمْرَ غَيْبٍ مُرَجّمِ فَقَدْ كَانَ فِي بَدْرٍ لعمرى عبرة ... لكم يا قريشا والقليب الملمّم غداة أنى فِي الْخَزْرَجِيّةِ عَامِدًا ... إلَيْكُمْ مُطِيعًا لِلْعَظِيمِ الْمُكَرّمِ مُعَانًا بِرُوحِ الْقُدْسِ يُنْكَى عَدُوّهُ ... رَسُولًا مِنْ الرّحْمَنِ حَقّا بِمَعْلَمِ رَسُولًا مِنْ الرّحْمَنِ يَتْلُو كتابه ... فلمّا أنار الحقّ لم يتلعئم أَرَى أَمْرَهُ يَزْدَادُ فِي كُلّ مَوْطِنٍ ... عُلُوّا لِأَمْرِ حَمّهُ اللهُ مُحْكَمِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَمْرُو بْنُ بُهْثَةَ، مِنْ غَطَفَانَ. وَقَوْلُهُ «بِالْحَسِيّ الْمُزَنّمِ» عَنْ- غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَذْكُرُ إجْلَاءَ بَنِي النّضِيرِ، وَقَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فِيمَا ذَكَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ، وَلَمْ أَرَ أحدا منهم يعرفها لعلىّ: عَرَفْتُ وَمَنْ يَعْتَدِلْ يَعْرِفْ ... وَأَيْقَنْتُ حَقّا وَلَمْ أَصْدِفْ عَنْ الْكَلِمِ الْمُحْكَمِ اللّاءِ مِنْ ... لَدَى اللهِ ذِي الرّأْفَةِ الْأَرْأَفِ رَسَائِلُ تُدْرَسُ فِي الْمُؤْمِنِينَ ... بِهِنّ اصْطَفَى أَحْمَدَ الْمُصْطَفَى فَأَصْبَحَ أَحْمَدُ فينا عزيزا ... عزيز المقامة والموقف فيا أيها الْمُوعِدُوهُ سَفَاهًا ... وَلَمْ يَأْتِ جَوْرًا وَلَمْ يَعْنُفْ أَلَسْتُمْ تَخَافُونَ أَدْنَى الْعَذَابِ ... وَمَا آمِنُ اللهِ كَالْأَخْوَفِ وَأَنْ تُصْرَعُوا تَحْتَ أَسْيَافِهِ ... كَمَصْرَعِ كَعْبٍ أَبِي الْأَشْرَفِ غَدَاةَ رَأَى اللهُ طُغْيَانَهُ ... وَأَعْرَضَ كَالْجَمَلِ الْأَجْنَفِ فَأَنْزَلَ جِبْرِيلَ فِي قَتْلِهِ ... بِوَحْيٍ إلَى عَبْدِهِ مُلْطَفِ فَدَسّ الرّسُولُ رَسُولًا لَهُ ... بِأَبْيَضَ ذِي هَبّةٍ مُرْهَفِ فَبَاتَتْ عُيُونٌ لَهُ مُعْوِلَاتٍ ... مَتَى يُنْعَ كَعْبٌ لَهَا تَذْرِفْ وَقُلْنَ لِأَحْمَدَ ذَرْنَا قَلِيلًا ... فَإِنّا مِنْ النّوْحِ لَمْ نَشْتَفِ فَخَلّاهُمْ ثُمّ قَالَ اظْعَنُوا ... دُحُورًا عَلَى رَغْمِ الْآنُفِ وَأَجْلَى النّضِيرَ إلَى غُرْبَةٍ ... وَكَانُوا بِدَارٍ ذَوِي زُخْرُفِ إلَى أَذْرِعَاتٍ رُدَافَى وَهُمْ ... على كلّ ذى دبر أعجف فأجابه سَمّاكٌ الْيَهُودِيّ، فَقَالَ: إنْ تَفْخَرُوا فَهُوَ فَخْرٌ لَكُمْ ... بِمَقْتَلِ كَعْبٍ أَبِي الْأَشْرَفِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر كعب فى إجلاء بنى النضير وقتل ابن الأشرف

غَدَاةَ غَدَوْتُمْ عَلَى حَتْفِهِ ... وَلَمْ يَأْتِ غَدِرًا وَلَمْ يُخْلِفْ فَعَلّ اللّيَالِيَ وَصَرَفَ الدّهُورَ ... يُدِيلُ مِنْ الْعَادِلِ الْمُنْصِفِ بِقَتْلِ النّضِيرِ وَأَحْلَافِهَا ... وَعَقْرِ النّخِيلِ وَلَمْ تُقْطَفْ فَإِنْ لَا أَمُتْ نَأْتِكُمْ بِالْقَنَا ... وَكُلّ حُسَامٍ مَعًا مُرْهَفِ بِكَفّ كَمِىّ بِهِ يَحْتَمِي ... مَتَى يَلْقَ قِرْنًا لَهُ يُتْلِفْ مَعَ الْقَوْمِ صَخْرٌ وَأَشْيَاعُهُ ... إذَا غَاوَرَ الْقَوْمَ لم يضعف كليث بئرج حَمَى غِيلَهُ ... أَخِي غَابَةٍ هَاصِرٍ أَجْوَفِ [شعر كعب فى إجلاء بنى النضير وَقَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَذْكُرُ إجْلَاءَ بَنِي النّضِيرِ وقتل كعب بن الأشرف: لَقَدْ خَزِيَتْ بِغَدْرَتِهَا الْحُبُورُ ... كَذَاكَ الدّهْرُ ذُو صَرْفٍ يَدُورُ وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَفَرُوا بِرَبّ ... عَزِيزٍ أَمْرُهُ أَمْرٌ كَبِيرُ وَقَدْ أُوتُوا مَعًا فَهْمًا وَعِلْمًا ... وَجَاءَهُمْ مِنْ اللهِ النّذِيرُ نَذِيرٌ صَادِقٌ أَدّى كِتَابًا ... وَآيَاتٍ مُبَيّنَةً تُنِيرُ فَقَالُوا: مَا أَتَيْتَ بِأَمْرِ صِدْقٍ ... وَأَنْتَ بِمُنْكَرٍ مِنّا جَدِيرُ فَقَالَ: بَلَى لَقَدْ أَدّيْتُ حَقّا ... يُصَدّقُنِي بِهِ الْفَهِمُ الْخَبِيرُ فَمَنْ يَتْبَعْهُ يُهْدَ لِكُلّ رُشْدٍ ... وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ يُجْزَ الْكَفُورَ فَلَمّا أُشْرِبُوا غَدِرًا وَكُفْرًا ... وَحَادَ بِهِمْ عَنْ الْحَقّ النّفُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر سماك فى الرد على كعب

أَرَى اللهُ النّبِيّ بِرَأْيِ صَدْقٍ ... وَكَانَ اللهُ يَحْكُمُ لَا يَجُورُ فَأَيّدَهُ وَسَلّطَهُ عَلَيْهِمْ ... وَكَانَ نَصِيرُهُ نِعْمَ النّصِيرِ فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا ... فَذَلّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النّضِيرُ عَلَى الْكَفّيْنِ ثَمّ وقد علته ... بأيدينا مشهرة ذكور بأمر محمد إذْ دَسّ لَيْلًا ... إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْبٍ يَسِيرُ فَمَا كَرِهَ فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرٍ ... وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ فَتِلْكَ بَنُو النّضِيرِ بِدَارِ سَوْءٍ ... أَبَارَهُمْ بِمَا اجْتَرَمُوا الْمُبِيرُ غَدَاةَ أَتَاهُمْ فِي الزّحْفِ رَهْوًا ... رَسُولُ اللهِ وَهْوَ بِهِمْ بَصِيرُ وَغَسّانَ الْحُمَاةَ مُوَازِرُوهُ ... عَلَى الْأَعْدَاءِ وَهْوَ لَهُمْ وَزِيرُ فَقَالَ السّلَمُ وَيْحَكُمْ فَصَدّوا ... وَحَالَفَ أَمْرَهُمْ كَذِبٌ وَزُورُ فَذَاقُوا غِبّ أَمْرِهِمْ وَبَالًا ... لِكُلّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ بَعِيرُ وَأَجْلَوْا عَامِدِينَ لِقَيْنُقَاعَ ... وَغُودِرَ منهم نخل ودور [شِعْرُ سَمّاكٍ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ] فَأَجَابَهُ سَمّاكٌ الْيَهُودِيّ، فَقَالَ: أَرِقْتُ وَضَافَنِي هَمّ كَبِيرُ ... بِلَيْلٍ غَيْرُهُ لَيْلٌ قَصِيرُ أَرَى الْأَحْبَارَ تُنْكِرُهُ جَمِيعًا ... وَكُلّهُمْ لَهُ عِلْمٌ خَبِيرُ وَكَانُوا الدّارِسِينَ لِكُلّ عِلْمٍ ... بِهِ التّوْرَاةُ تَنْطِقُ وَالزّبُورُ قَتَلْتُمْ سَيّدَ الْأَحْبَارِ كَعْبًا ... وَقِدْمًا كَانَ يَأْمَنُ مَنْ يجير ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر ابن مرداس فى امتداح رجال بنى النضير

تَدَلّى نَحْوَ مَحْمُودٍ أَخِيهِ ... وَمَحْمُودٌ سَرِيرَتُهُ الْفُجُورُ فَغَادَرَهُ كَأَنّ دَمًا نَجِيعًا ... يَسِيلُ عَلَى مَدَارِعِهِ عَبِيرُ فُقِدَ وَأَبِيكُمْ وَأَبِي جَمِيعًا ... أُصِيبَتْ إذْ أُصِيبَ بِهِ النّضِيرُ فَإِنْ نَسْلَمُ لَكُمْ نَتْرُكُ رِجَالًا ... بِكَعْبٍ حَوْلَهُمْ طَيْرٌ تَدُورُ كَأَنّهُمْ عَتَائِرُ يَوْمَ عِيدٍ ... تُذَبّحُ وَهْيَ لَيْسَ لَهَا نَكِيرُ بِبِيضٍ لَا تُلِيقُ لَهُنّ عَظْمًا ... صَوَافِي الْحَدّ أَكْثَرُهَا ذُكُورُ كَمَا لَاقَيْتُمْ مِنْ بَأْسِ صَخْرٍ ... بِأُحْدٍ حَيْثُ لَيْسَ لَكُمْ نَصِيرُ [شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي امْتِدَاحِ رِجَالِ بَنِي النّضِيرِ] وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَخُو بَنِي سليم يمتدح رجال بنى النضير: لَوْ أَنّ أَهْلَ الدّارِ لَمْ يَتَصَدّعُوا ... رَأَيْتَ خِلَالَ الدّارِ مَلْهًى وَمَلْعَبَا فَإِنّك عَمْرِي هَلْ أُرِيك ظَعَائِنَا ... سَلَكْنَ عَلَى رُكْنِ الشّطاة فَتَيْأَبَا عليهنّ عين من ظباء تبالة ... أو انس يُصْبِيَن الْحَلِيمَ الْمُجَرّبَا إذَا جَاءَ بَاغِي الْخَيْرِ قُلْنَ فُجَاءَةً ... لَهُ بِوُجُوهٍ كَالدّنَانِيرِ مَرْحَبَا وَأَهْلًا فَلَا مَمْنُوعَ خَيْرٍ طَلَبْتَهُ ... وَلَا أَنْتَ تَخْشَى عِنْدَنَا أَنْ تُؤَنّبَا فَلَا تَحْسَبَنّي كُنْت مَوْلَى ابْنِ مِشْكَمٍ ... سَلَامٍ وَلَا مَوْلَى حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَا [شِعْرُ خَوّاتٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ] فَأَجَابَهُ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر ابن مرداس فى الرد على خوات

تُبَكّي عَلَى قَتْلَى يَهُودَ وَقَدْ تَرَى ... مِنْ الشّجْوِ لَوْ تَبْكِي أَحَبّ وَأَقْرَبَا فَهَلّا عَلَى قَتْلَى بِبَطْنِ أُرَيْنِق ... بَكَيْتَ وَلَمْ تُعْوِل مِنْ الشّجْوِ مُسْهِبَا إذَا السّلْمُ دَارَتْ فِي صَدِيقٍ رَدَدْتَهَا ... وَفِي الدّينِ صَدّادًا وَفِي الْحَرْبِ ثَعْلَبَا عَمَدْتَ إلَى قَدْرٍ لِقَوْمِك تَبْتَغِي ... لَهُمْ شَبَهًا كَيْمَا تَعِزّ وَتَغْلِبَا فَإِنّك لَمّا أَنْ كَلِفْتَ تَمَدّحًا ... لِمَنْ كَانَ عَيْبًا مَدْحُهُ وَتَكَذّبَا رَحَلْتَ بِأَمْرٍ كُنْتَ أَهْلًا لِمِثْلِهِ ... وَلَمْ تُلْفِ فِيهِمْ قَائِلًا لَك مَرْحَبَا فَهَلّا إلَى قَوْمٍ مُلُوكٍ مَدَحْتَهُمْ ... تَبَنّوْا مِنْ الْعَزّ الْمُؤَثّلِ مَنْصِبَا إلَى مَعْشَرٍ صَارُوا مُلُوكًا وَكُرّمُوا ... وَلَمْ يُلْفَ فِيهِمْ طَالِبُ الْعُرْفِ مُجْدِبَا أُولَئِكَ أَحْرَى مِنْ يَهُودَ بمدحة ... تراهم وفيهم عزّة المجد ترتبا [شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي الرّدّ عَلَى خَوّاتٍ] فَأَجَابَهُ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ، فَقَالَ: هَجَوْتَ صَرِيحَ الْكَاهِنَيْنِ وَفِيكُمْ ... لَهُمْ نِعَمٌ كَانَتْ مِنْ الدّهْرِ تُرْتُبَا أُولَئِكَ أَحْرَى لَوْ بَكَيْتَ عَلَيْهِمْ ... وَقَوْمُك لَوْ أَدّوْا مِنْ الْحَقّ مُوجَبَا مِنْ الشّكْرِ إنّ الشّكْرَ خَيْرٌ مَغَبّةً ... وَأَوْفَقُ فِعْلًا لِلّذِي كَانَ أَصْوَبَا فَكُنْتَ كَمَنْ أَمْسَى يُقَطّعُ رَأْسَهُ ... لِيَبْلُغَ عِزّا كَانَ فِيهِ مُرَكّبَا فَبَكّ بَنِي هَارُونَ وَاذْكُرْ فِعَالَهُمْ ... وَقَتْلَهُمْ لِلْجُوعِ إذْ كُنْتَ مُجْدِبَا أَخَوّاتُ أَذِرْ الدّمْعَ بِالدّمْعِ وَابْكِهِمْ ... وَأَعْرِضْ عَنْ الْمَكْرُوهِ مِنْهُمْ وَنَكّبَا فَإِنّك لَوْ لَاقَيْتَهُمْ فِي دِيَارِهِمْ ... لَأُلْفِيتَ عَمّا قَدْ تَقُولُ منكّبا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر لكعب أو ابن رواحة فى الرد على ابن مرداس

سِرَاعٌ إلَى الْعَلْيَا كِرَامٌ لَدَى الْوَغَى ... يُقَالُ لِبَاغِي الْخَيْرِ أَهْلًا وَمَرْحَبَا [شِعْرٌ لِكَعْبِ أَوْ ابْنِ رَوَاحَةَ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ] فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، أَوْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فِيمَا قَالَ ابن هشام، فقال: لعمرى لقد حكّت رحى الحرب بعد ما ... أَطَارَتْ لُؤَيّا قَبْلُ شَرْقًا وَمَغْرِبَا بَقِيّةَ آلِ الْكَاهِنَيْنِ وَعِزّهَا ... فَعَادَ ذَلِيلًا بَعْدَ مَا كَانَ أَغْلَبَا فَطَاحَ سَلَامٌ وَابْنُ سَعْيَةَ عَنْوَةً ... وَقِيدَ ذَلِيلًا لِلْمَنَايَا ابْنُ أَخْطَبَا وَأَجْلَبَ يَبْغِي الْعِزّ وَالذّلّ يَبْتَغِي ... خِلَافَ يَدَيْهِ مَا جَنَى حِينَ أجلبا كتارك سهل الأض وَالْحَزَنُ هَمّهُ ... وَقَدْ كَانَ ذَا فِي النّاسِ أَكْدَى وَأَصْعَبَا وَشَأْسٌ وعَزّال وَقَدْ صَلَيَا بِهَا ... وَمَا غُيّبَا عَنْ ذَاكَ فِيمَنْ تَغَيّبَا وَعَوْفُ بْنُ سَلْمَى وَابْنُ عَوْفٍ كِلَاهُمَا ... وَكَعْبٌ رَئِيسُ الْقَوْمِ حَانَ وَخُيّبَا فَبُعْدًا وَسُحْقًا لِلنّضِيرِ وَمِثْلِهَا ... إنْ أَعْقَبَ فَتْحٌ أَوْ إنْ اللهُ أَعْقَبَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ: ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد بنى النّضير بنى المصطلق. وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهُمْ إنْ شَاءَ اللهُ فِي الْمَوْضِعِ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِيهِ. [غَزْوَةُ ذَاتِ الرقاع فى سنة أربع] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لم سميت بذات الرقاع؟

بَنِي النّضِيرِ شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى، ثم غزا نجدا يريد بنى محارب وبنى ثعلبة مِنْ غَطَفَانَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرّ الْغِفَارِيّ، وَيُقَالُ: عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ، فِيمَا قَالَ ابن هشام. [لم سميت بذات الرقاع؟] قال ابن إسحاق: حتى نَزَلَ نَخْلًا، وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا قِيلَ لَهَا غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ، لِأَنّهُمْ رَقّعُوا فِيهَا رَايَاتِهِمْ، وَيُقَالُ: ذَاتُ الرّقَاعِ: شَجَرَةٌ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ الرّقَاعِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ غَطَفَانَ، فَتَقَارَبَ النّاسُ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ، وَقَدْ خَافَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتّى صَلّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنّاسِ صَلَاةَ الْخَوْفِ، ثُمّ انْصَرَفَ بِالنّاسِ. [صَلَاةُ الْخَوْفِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التّنّورِيّ- وَكَانَ يُكَنّى: أَبَا عُبَيْدَةَ- قَالَ: حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، قَالَ: صَلّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَائِفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمّ سَلّمَ، وَطَائِفَةٌ مُقْبِلُونَ عَلَى الْعَدُوّ. قال: فجاؤا فَصَلّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمّ سَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدّثَنَا أَيّوبُ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هم غورث بن الحارث بقتل الرسول

عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: صَفّنَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفّيْنِ، فَرَكَعَ بِنَا جَمِيعًا، ثُمّ سَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَسَجَدَ الصّفّ الْأَوّلُ، فَلَمّا رَفَعُوا سَجَدَ الّذِينَ يَلُونَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، ثُمّ تَأَخّرَ الصّفّ الْأَوّلُ، وَتَقَدّمَ الصّفّ الْآخَرُ حَتّى قَامُوا مَقَامَهُمْ ثُمّ رَكَعَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ جَمِيعًا ثُمّ سَجَدَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَجَدَ الّذِينَ يَلُونَهُ مَعَهُ، فَلَمّا رَفَعُوا رؤسهم سَجَدَ الْآخَرُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، فَرَكَعَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ جَمِيعًا، وَسَجَدَ كُلّ وَاحِدٍ متهما بأنفسهم سجدتين. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التّنّورِيّ قَالَ: حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: يَقُومُ الْإِمَامُ وَتَقُومُ مَعَهُ طَائِفَةٌ، وَطَائِفَةٌ مِمّا يَلِي عَدُوّهُمْ، فَيَرْكَعُ بِهِمْ الْإِمَامُ وَيَسْجُدُ بِهِمْ، ثُمّ يَتَأَخّرُونَ فَيَكُونُونَ مِمّا يَلِي الْعَدُوّ، يَتَقَدّمُ الْآخَرُونَ فَيَرْكَعُ بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُ بِهِمْ، ثُمّ تُصَلّي كُلّ طَائِفَةٍ بِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، فَكَانَتْ لَهُمْ مَعَ الْإِمَامِ ركعة ركعة، وصلّوا بأنفسهم ركعة ركعة. [همّ غورث بن الحارث بقتل الرّسُولِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ الله: أن رجلا من بنى محارب، يُقَالُ لَهُ: غُوْرَثُ، قَالَ لِقَوْمِهِ مِنْ غَطَفَانَ وَمُحَارِبٍ: أَلَا أَقْتُلُ لَكُمْ مُحَمّدًا؟ قَالُوا: بَلَى، وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ؟ قَالَ: أَفْتِكُ بِهِ. قَالَ: فَأَقْبَلَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ، وَسَيْفُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِجْرِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، أَنْظُرُ إلَى سَيْفِك هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ- وَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصه جمل جابر

مُحَلّى بِفِضّةِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- قَالَ: فَأَخَذَهُ فَاسْتَلّهُ، ثُمّ جَعَلَ يَهُزّهُ، وَيَهُمّ فَيَكْبِتُهُ اللهُ، ثُمّ قَالَ: يَا مُحَمّدُ، أَمَا تَخَافَنِي؟ قَالَ: لَا، وَمَا أَخَافُ مِنْك؟ قَالَ: أَمَا تَخَافَنِي وَفِي يَدِي السّيْفُ؟ قَالَ: لَا، يَمْنَعُنِي اللهُ مِنْك. ثُمّ عَمَدَ إلَى سَيْفِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَرَدّهُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِي عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ، أخى بنى النّضير وَمَا هَمّ بِهِ، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كان. [قصه جمل جابر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَزْوَةِ ذَاتِ الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ، عَلَى جَمَلٍ لِي ضَعِيفٍ، فَلَمّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ: جَعَلَتْ الرّفَاقُ تَمْضِي، وَجَعَلْت أَتَخَلّفُ، حَتّى أَدْرَكَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: مالك يَا جَابِرُ؟ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، أبطأنى جَمَلِي هَذَا؛ قَالَ: أَنِخْهُ؛ قَالَ: فَأَنَخْته، وَأَنَاخَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم قَالَ: أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَصَا مِنْ يَدِك، أَوْ اقْطَعْ لِي عَصًا مِنْ شَجَرَةٍ؛ قَالَ: فَفَعَلْت. قَالَ: فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَخَسَهُ بِهَا نَخَسَاتٍ، ثُمّ قَالَ: ارْكَبْ، فَرَكِبْتُ، فَخَرَجَ، وَاَلّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقّ، يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مواهقة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ: وَتَحَدّثْت مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: أَتَبِيعُنِي جَمَلَك هَذَا يَا جَابِرُ؟ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، بَلْ أَهَبُهُ لَك؛ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ بِعْنِيهِ، قَالَ: قُلْت: فَسُمْنِيهِ يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَالَ: قَدْ أَخَذْته بِدِرْهَمِ؛ قَالَ: قُلْت: لَا، إذَنْ، تغبننى يا رسول الله! قال: فبدر همين؛ قَالَ: قُلْت: لَا. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَنِهِ حَتّى بَلَغَ الْأُوقِيّةَ. قَالَ: فَقُلْت: أَفَقَدْ رَضِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ قُلْت: فَهُوَ لَك، قَالَ: قَدْ أَخَذْته. قَالَ: ثُمّ قَالَ: يَا جَابِرُ، هَلْ تَزَوّجْتَ بَعْدُ؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَثَيّبًا أَمْ بِكْرًا؟ قَالَ: قُلْت: لَا، بَلْ ثَيّبًا؛ قَالَ: أَفَلَا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك! قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ أَبِي أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ بَنَاتٍ لَهُ سَبْعًا، فَنَكَحْت امرأة جامعة، تجمع رؤسهنّ، وَتَقُومُ عَلَيْهِنّ؛ قَالَ: أَصَبْتَ إنْ شَاءَ اللهُ، أَمَا إنّا لَوْ قَدْ جِئْنَا صِرَارًا أَمَرْنَا بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ، وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا يَوْمَنَا ذَاكَ، وَسَمِعَتْ بِنَا، فَنَفَضَتْ نَمَارِقَهَا: قَالَ: قُلْت: وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَنَا مِنْ نَمَارِقَ؛ قَالَ: إنّهَا سَتَكُونُ، فَإِذَا أَنْتَ قَدِمْت فَاعْمَلْ عَمَلًا كيّسا. قَالَ. فَلَمّا جِئْنَا صِرَارًا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ، وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؛ فَلَمّا أَمْسَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ وَدَخَلْنَا، قَالَ: فَحَدّثْتُ الْمَرْأَةَ الْحَدِيثَ، وَمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَدُونَك، فَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ. قَالَ: فَلَمّا أَصْبَحْتُ أَخَذْتُ بِرَأْسِ الْجَمَلِ، فَأَقْبَلْتُ بِهِ حَتّى أَنَخْته عَلَى بَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثُمّ جَلَسْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنْهُ، قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَرَأَى الْجَمَلَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا جَمَلٌ جَاءَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن ياسر وابن بشر، وقيامهما على حراسة جيش الرسول وما أصيبا به

جَابِرٌ، قَالَ: فَأَيْنَ جَابِرٌ؟ قَالَ: فَدُعِيتُ لَهُ، قال: فقال: يابن أَخِي خُذْ بِرَأْسِ جَمَلِك، فَهُوَ لَك، وَدَعَا بِلَالًا، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ بِجَابِرِ، فَأَعْطِهِ أُوقِيّةً قَالَ: فَذَهَبْت مَعَهُ، فَأَعْطَانِي أُوقِيّةً، وَزَادَنِي شَيْئًا يَسِيرًا. قَالَ فَوَاَللهِ مَا زَالَ يَنْمِى عِنْدِي، وَيَرَى مَكَانَهُ مِنْ بَيْتِنَا، حَتّى أُصِيبَ أَمْسِ فِيمَا أُصِيبَ لَنَا، يَعْنِي يَوْمَ الْحَرّةِ. [ابْنُ يَاسِرٍ وَابْنُ بِشْرٍ، وَقِيَامُهُمَا عَلَى حِرَاسَةِ جَيْشِ الرّسُولِ وَمَا أُصِيبَا بِهِ] قَالَ ابْنُ إسحاق: وحدثنى عَمّي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ، فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا، أَتَى زَوْجُهَا وَكَانَ غَائِبًا، فَلَمّا أُخْبِرَ الْخَبَرَ حَلَفَ لَا يَنْتَهِي حَتّى يُهْرِيقَ فِي أَصْحَابِ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَمًا، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْزِلًا، فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا لَيْلَتَنَا (هَذِهِ) ؟ قَالَ: فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَا: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَكُونَا بِفَمِ الشّعْبِ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ نَزَلُوا إلَى شِعْبٍ مِنْ الْوَادِي، وَهُمَا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا خَرَجَ الرّجُلَانِ إلَى فَمِ الشّعْبِ، قال الأنصارىّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رجوع الرسول

لِلْمُهَاجِرِيّ أَيّ اللّيْلِ تُحِبّ أَنْ أَكْفِيكَهُ: أَوّلَهُ أَمْ آخِرَهُ؟ قَالَ: بَلْ اكْفِنِي أَوّلَهُ، قَالَ: فَاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيّ فَنَامَ، وَقَامَ الْأَنْصَارِيّ يُصَلّي، قَالَ: وَأَتَى الرّجُلُ، فَلَمّا رَأَى شَخْصَ الرّجُلِ عَرَفَ أَنّهُ رَبِيئَةُ الْقَوْمِ. قَالَ: فَرَمَى بِسَهْمِ، فَوَضَعَهُ فِيهِ، قَالَ: فَنَزَعَهُ وَوَضَعَهُ، فَثَبَتَ قَائِمًا، قَالَ: ثُمّ رَمَاهُ بِسَهْمِ آخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ. قَالَ: فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ، وَثَبَتَ قَائِمًا، ثُمّ عَادَ لَهُ بِالثّالِثِ، فَوَضَعَهُ فِيهِ، قَالَ: فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ ثُمّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمّ أَهَبّ صَاحِبَهُ فَقَالَ: اجْلِسْ فقد أثبتّ، قال: فوثب، فلما رَآهُمَا الرّجُلُ عَرَفَ أَنْ قَدْ نَذِرَا بِهِ، فَهَرَبَ. قَالَ: وَلَمّا رَأَى الْمُهَاجِرِيّ مَا بِالْأَنْصَارِيّ مِنْ الدّمَاءِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! أَفَلَا أَهْبَبْتَنِي أَوّلَ مَا رَمَاك؟ قَالَ: كُنْت فِي سُورَةٍ أقرؤها فلم أحبّ أن أفطعها حتى أنفذها، فَلَمّا تَابَعَ عَلَيّ الرّمْيَ رَكَعْتُ فَأَذِنْتُك، وَأَيْمُ اللهِ، لَوْلَا أَنْ أُضَيّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِهِ، لَقَطَعَ نَفْسِي قبل أن أقطعها أو أنفذها. قال ابن هشام: ويقال: أنفذها. [رجوع الرسول] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ غَزْوَةِ الرّقَاعِ، أَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ جُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الآخرة ورجبا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة بدر الآخرة فى شعبان سنة أربع

[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ] [خُرُوجُ الرّسُولِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ فِي شَعْبَانَ إلَى بَدْرٍ، لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ، حَتّى نَزَلَهُ. [اسْتِعْمَالُهُ ابْنِ أُبَيّ عَلَى الْمَدِينَةِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُولَ الْأَنْصَارِيّ. [رجوع أبى سفيان فى رجاله] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَمَانِي لَيَالٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ، وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَهْلِ مَكّةَ حَتّى نَزَلَ مَجِنّةَ، مِنْ نَاحِيَةِ الظّهْرَانِ، وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ: قَدْ بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمّ بَدَا لَهُ فِي الرّجُوعِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّهُ لَا يُصْلِحُكُمْ إلّا عَامٌ خصيب ترعون فيه الشّجر، وتشربون فيه اللين، وإنّ عامكم هذا عام جدب، وإنى راجع، فارجعوا فرجع الناس. فَسَمّاهُمْ أَهْلُ مَكّةَ جَيْشَ السّوِيقِ، يَقُولُونَ: إنّمَا خرجتم تشربون السّويق. [الرّسُولُ وَمَخْشِيّ الضّمْرِيّ] وَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَدْرٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سفيان لميعاده، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

معبد وشعره فى ناقة للرسول هوت

فَأَتَاهُ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو الضّمْرِيّ، وَهُوَ الّذِي كَانَ وَادَعَهُ عَلَى بَنِي ضَمْرَةَ فِي غَزْوَةِ وَدّانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، أَجِئْتَ لِلِقَاءِ قُرَيْشٍ عَلَى هَذَا الْمَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا أَخَا بَنِي ضَمْرَةَ، وَإِنْ شِئْتَ مَعَ ذَلِكَ رَدَدْنَا إلَيْك مَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَك، ثُمّ جَالَدْنَاك حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَك، قَالَ: لَا والله يا محمد، مالنا بِذَلِكَ مِنْك مِنْ حَاجَةٍ. [مَعْبَدٌ وَشِعْرُهُ فِي نَاقَةٍ لِلرّسُولِ هَوَتْ] فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ، فَمَرّ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ، فَقَالَ، وَقَدْ رَأَى مَكَانَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَاقَتُهُ تَهْوَى بِهِ. قَدْ نَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمّدِ ... وَعَجْوَةٍ مِنْ يَثْرِبَ كالعَنْجَدِ تَهْوَى عَلَى دِينِ أَبِيهَا الْأَتْلَدِ ... قَدْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعِدِي وَمَاءَ ضَجْنان لَهَا ضُحَى الْغَدِ [شِعْرٌ لِابْنِ رَوَاحَةَ أَوْ كَعْبٍ فِي بَدْرٍ] وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي ذَلِكَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لكعب بن مالك: وَعَدْنَا أَبَا سُفْيَانَ بَدْرًا فَلَمْ نَجِدْ ... لِمِيعَادِهِ صِدْقًا وَمَا كَانَ وَافِيَا فَأُقْسِمُ لَوْ وَافَيْتَنَا فَلَقِيتنَا ... لَأُبْتَ ذَمِيمًا وَافْتَقَدْتَ الْمَوَالِيَا تَرَكْنَا بِهِ أَوْصَالَ عُتْبَةَ وَابْنَهُ ... وَعَمْرًا أَبَا جَهْلٍ تَرَكْنَاهُ ثاويا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى بدر

عَصَيْتُمْ رَسُولَ اللهِ أُفّ لِدِينِكُمْ ... وَأَمْرِكُمْ السّيْءِ الّذِي كَانَ غَاوِيَا فَإِنّي وَإِنْ عَنّفْتُمُونِي لَقَائِلٌ ... فِدًى لِرَسُولِ اللهِ أَهْلِي وَمَالِيَا أَطَعْنَاهُ لَمْ نَعْدِلْهُ فِينَا بِغَيْرِهِ ... شِهَابًا لَنَا فِي ظُلْمَةِ اللّيل هاديا [شِعْرُ حَسّانٍ فِي بَدْرٍ] وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثابت فى ذلك: دَعُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ... جَلّادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ ربهم ... وأنصاره حقا وأيدي الملائك إذا سلكت لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ... فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ هُنَالِكِ أَقَمْنَا عَلَى الرّسّ النّزُوعِ ثَمَانِيَا ... بِأَرْعَنَ جَرّارٍ عَرِيضِ الْمَبَارِكِ بِكُلّ كُمَيْتٍ جَوْزُهُ نِصْفُ خَلْقِهِ ... وَقُبّ طُوّالٍ مُشْرِفَاتِ الْحَوَارِكِ تَرَى الْعَرْفَجَ الْعَامِيّ تَذْرِي أُصُولَهُ ... مَنَاسِمُ أَخْفَافِ الْمَطِيّ الرّواتك فان تلق فِي تَطْوَافِنَا وَالْتِمَاسِنَا ... فُرَاتَ بْنَ حَيّانٍ يَكُنْ رَهْنَ هَالِكِ وَإِنْ تَلْقَ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ بَعْدَهُ ... يُزَدْ فِي سَوَادٍ لَوْنُهُ لَوْنُ حَالِكِ فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي رِسَالَةً ... فَإِنّك مِنْ غُرّ الرّجَالِ الصّعَالِكِ [شعر أبي سفيان في الرد على حسان] فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أحسّان إنّا يابن آكلة الفغا ... وجدّك نغتال الحروق كَذَلِكِ خَرَجْنَا وَمَا تَنْجُو الْيَعَافِيرُ بَيْنَنَا ... وَلَوْ وَأَلَتْ مِنّا بِشَدّ مُدَارِكِ إذَا مَا انْبَعَثْنَا مِنْ مُنَاخٍ حَسِبْتَهُ ... مُدَمّنَ أَهْلِ الْمَوْسِمِ الْمُتَعَارِكِ أَقَمْتَ عَلَى الرّسّ النّزُوعِ تُرِيدُنَا ... وَتَتْرُكُنَا فِي النّخْلِ عِنْدَ الْمَدَارِكِ عَلَى الزّرْعِ تَمْشِي خَيْلُنَا وركابنا ... فما وطئت ألصقنه بالدّكادك أفمنا ثَلَاثًا بَيْنَ سَلْعٍ وَفَارِعٍ ... بِجُرْدِ الْجِيَادِ وَالْمَطِيّ الرّوَاتِكِ حَسِبْتُمْ جِلَادَ الْقَوْمِ عِنْدَ قِبَابِهِمْ ... كَمَأْخَذِكُمْ بِالْعَيْنِ أَرْطَالَ آنُكِ فَلَا تَبْعَثْ الْخَيْلَ الْجِيَادَ، وَقُلْ لَهَا ... عَلَى نَحْوِ قَوْلِ الْمُعْصِمِ الْمُتَمَاسِكِ سَعِدْتُمْ بِهَا وَغَيْرُكُمْ كَانَ أَهْلَهَا ... فَوَارِسُ مِنْ أَبْنَاءِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ فَإِنّك لَا فِي هِجْرَةٍ إنْ ذَكَرْتَهَا ... وَلَا حُرُمَاتِ الدّينِ أَنْتَ بِنَاسِكِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَقِيَتْ مِنْهَا أَبْيَاتٌ تَرَكْنَاهَا. لِقُبْحِ اخْتِلَافِ قَوَافِيهَا. وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ هَذَا الْبَيْتَ: خَرَجْنَا وَمَا تَنْجُو الْيَعَافِيرُ بَيْنَنَا وَالْبَيْتَ الّذِي بَعْدَهُ لِحَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ: دَعُوا فَلَجَاتِ الشّأْمِ قَدْ حَالَ دُونَهَا وَأَنْشَدَنِي لَهُ فِيهَا بَيْتَهُ «فَأَبْلِغْ أَبَا سفيان» . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ وَمَا نَزَلَ فِيهَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ هَذِهِ الْغَزْوَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهَا بَعْدَ بَدْرٍ، لِمَا رَوَى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ الزّهْرِيّ، قَالَ: كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ بَعْدَ بَدْرٍ بِسِتّةِ أَشْهُرٍ. قَطْعُ اللّينَةِ وَتَأْوِيلُهُ: وَذَكَرَ نُزُولَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبَنِي النّضِيرِ، وَسَيْرَهُ إلَيْهِمْ حِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ الّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَهَمّوا بِقَتْلِهِ، فَلَمّا تَحَصّنُوا فِي حُصُونِهِمْ وَحَرّقَ نَخْلَهُمْ نَادَوْهُ أَنْ يَا مُحَمّدُ، قَدْ كُنْت تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ وَتَعِيبُهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ أَهْلُ التّأْوِيلِ: وَقَعَ فِي نَفُوسِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ شَيْءٌ، حَتّى أَنَزَلَ اللهُ تَعَالَى: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ، أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها الآية الحشر: 5. وَاللّينَةُ أَلْوَانُ التّمْرِ مَا عَدَا الْعَجْوَةَ وَالْبَرْنِيّ فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- لم يحرق من بخلهم إلّا مَا لَيْسَ بِقُوتِ لِلنّاسِ، وَكَانُوا يَقْتَاتُونَ الْعَجْوَةَ، وَفِي الْحَدِيثِ: الْعَجْوَةُ مِنْ الْجَنّةِ «1» ، وَثَمَرُهَا يَغْذُو أَحْسَنَ غِذَاءٍ، وَالْبَرْنِيّ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيّةِ حِمْلٌ مُبَارَكٌ، لِأَنّ بَرّ مَعْنَاهُ: حِمْلٌ، وَنِيّ مَعْنَاهُ جَيّدٌ، أَوْ مُبَارَكٌ فَعَرّبَتْهُ الْعَرَبُ، وَأَدْخَلَتْهُ فِي كَلَامِهَا، وَفِي حديث وفد عبد القيس أن

_ (1) رواه أحمد والترمذى وابن ماجة عن أبى هريرة وأحمد والنسائى وابن ماجة عن أبى سعيد وجابر عنه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لهم، وذكر الْبَرْنِيّ: إنّهُ مِنْ خَيْرِ تَمْرِكُمْ، وَإِنّهُ دَوَاءٌ وَلَيْسَ بِدَاءِ، رَوَاهُ مِنْهُمْ مَزِيدَةُ الْعَصْرِيّ، فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ نَخْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ: تَنْبِيهٌ عَلَى كَرَاهَةِ قَطْعِ مَا يَقْتَاتُ وَيَغْذُو مِنْ شَجَرِ الْعَدُوّ إذَا رُجِيَ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَانَ الصّدّيقُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُوصِي الْجُيُوشَ أَلّا يَقْطَعُوا شَجَرًا مُثْمِرًا، وَأَخَذَ بِذَلِكَ [أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو] الْأَوْزَاعِيّ، فَإِمّا تَأَوّلُوا حَدِيثَ بَنِي النّضِيرِ، وَإِمّا رَأَوْهُ خَاصّا لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنّ سُورَةَ الْحَشْرِ نَزَلَتْ فِي بَنِي النّضِيرِ، وَلَا اخْتَلَفُوا فِي أَمْوَالِهِمْ، لِأَنّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُوجِفُوا عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا رِكَابٍ، وَإِنّمَا قُذِفَ الرّعْبُ فِي قُلُوبِهِمْ وَجَلَوْا عَنْ مَنَازِلِهِمْ إلَى خَيْبَرَ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ قِتَالٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ، فَقَسَمَهَا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ، لِيَرْفَعَ بِذَلِكَ مُؤْنَتَهُمْ عَنْ الْأَنْصَارِ، إذْ كَانُوا قَدْ سَاهَمُوهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالدّيَارِ، غَيْرَ أَنّهُ أَعْطَى أَبَا دُجَانَةَ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ لِحَاجَتِهِمَا، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ: وَأَعْطَى ثَلَاثَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَذَكَرَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ فِيهِمْ. حَوْلَ أَوّلِ سُورَةِ الْحَشْرِ: وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ [بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ] الْحَشْرُ: 2 أى يحرّبونها مِنْ دَاخِلٍ، وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْ خَارِجٍ، وَقِيلَ مَعْنَى بِأَيْدِيهِمْ: بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيهِمْ مِنْ نَقْضِ الْعَهْدِ، وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ بِجِهَادِهِمْ. وَقَوْلُهُ (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) ، رَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنّهُمْ قَالُوا لَهُ: إلى أين نخرج

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ: إلَى الْحَشْرِ، يَعْنِي: أَرْضَ الْمَحْشَرِ، وَهِيَ الشّامُ، وَقِيلَ: إنّهُمْ كَانُوا مِنْ بَسْطٍ لَمْ يُصِبْهُمْ جَلَاءٌ قَبْلَهَا، فَلِذَلِكَ قَالَ: لِأَوّلِ الْحَشْرِ، وَالْحَشْرُ: الْجَلَاءُ «1» ، وَقِيلَ إنّ الْحَشْرَ الثّانِي، هُوَ حَشْرُ النّارِ الّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ، فَتَحْشُرُ النّاسَ إلَى الْمَوْقِفِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ، حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ قَالُوا، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلّفَ، وَالْآيَةُ مُتَضَمّنَةٌ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلّهَا، وَلِزَائِدِ عَلَيْهَا، فَإِنّ قَوْلَهُ: لِأَوّلِ الْحَشْرِ يُؤْذِنُ أَنّ ثَمّ حَشْرًا آخَرَ، فَكَانَ هَذَا الْحَشْرُ وَالْجَلَاءُ إلَى خَيْبَرَ، ثُمّ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ مِنْ خَيْبَرَ إلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَا «2» ، وَذَلِكَ حِينَ بَلَغَهُ التّثَبّتُ عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ قَالَ: لَا يَبْقِيَنّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ. وَقَوْلُهُ: فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا الْحَشْرُ: 2، يُقَالُ: نَزَلَتْ فِي قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى الْحَشْرُ: 7. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنّهُ قَالَ: هُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَأَهْلُ التّأْوِيلِ عَلَى أَنّهَا عَامّةٌ فِي جَمِيعِ الْقُرَى الْمُفْتَتِحَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهَا، فرأى قوم

_ (1) الحشر- كما يقول الراغب: «إخراج الجماعة عن نفرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها» ولذا يقول البيضاوى: أى فى أول حشرهم من جزيرة العرب إذ لم يصبهم هذا الذل قبل ذلك، أو فى أول حشرهم للقتال أو الجلاء إلى الشام وهو قريب من بعض ما ذكر السهيلى. (2) تيماء: بليد فى أطراف الشام بينها وبين وادى القرى على طريق حاج دمشق. وأريحا مدينة الجبارين فى الغور بينها وبين بيت المقدس يوم «المراصد»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَسْمَهَا كَمَا تَقْسِمْ الْغَنَائِمِ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَهَا، وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ إنْ شَاءَ اللهُ. وَذَكَرَ شِعْرَ الْعَبْسِيّ فِي إجْلَاءِ الْيَهُودِ، فَقَالَ: أَحَلّ الْيَهُودُ بِالْحِسّيّ الْمُزَنّمِ يُرِيدُ: أَحَلّهُمْ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ، وَفِي غَيْرِ عَشَائِرِهِمْ، وَالزّنِيمُ وَالْمُزَنّمُ: الرّجُلُ يَكُونُ فِي الْقَوْمِ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ، أَيْ أَنَزَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحِسّيّ، أَيْ الْمُبْعَدُ الطّرِيدُ، وَإِنّمَا جَعَلَ الطّرِيدَ الذّلِيلَ حِسّيّا لِأَنّهُ عُرْضَةُ الْأَكْلِ، وَالْحِسّيّ وَالْحَسْوُ مَا يُحْسَى مِنْ الطّعَامِ حَسْوًا، أَيْ أَنّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى آكِلٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْحِسّيّ مَعْنَى الْغَذِيّ مِنْ الْغَنَمِ، وَهُوَ الصّغِيرُ الضّعِيفُ الّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الرّعْيَ، يُقَالُ: بُدّلُوا بِالْمَالِ الدّثْرِ وَالْإِبِلِ الْكُومِ رُذَالَ الْمَالِ وَغِذَاءَ الْغَنَمِ، وَالْمُزَنّمُ مِنْهُ، فَهَذَا وَجْهٌ يُحْتَمَلُ، وَقَدْ أَكْثَرْت النّقِيرَ عَنْ الْحِسّيّ فِي مَضَانّهِ مِنْ اللّغَةِ فَلَمْ أَجِدْ نَصّا شَافِيًا أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَلِيّ: الْحِسّيّةُ، وَالْحِسّيّ مَا يُحْسَى مِنْ الطّعَامِ، وَإِذْ قَدْ وَجَدْنَا الْغَذِيّ وَاحِدَ غِذَاءِ الْغَنَمِ، فَالْحِسّيّ فِي مَعْنَاهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يُقَالَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ» . وَالْمُزَنّمُ أَيْضًا: صِغَارُ الْإِبِلِ، وسائر هذا

_ (1) يقول أبو ذر الخشنى: الحسى والحساء: مياه تفور فى الرمل وتمسكها صلابة الأرض، فاذا حفر عنها وجدت، والمزنم على هذا القول هو المقلل اليسير، ومن رواه بالحشى أراد به حاشية الإبل، وهى صغارها وضعافها وهو الصواب، والمزنم على هذا القول يعنى به أولاد الإبل الصغار، وقد يكون المزنم هنا المعز سميت بذلك للزنمتين اللتين فى أعناقها، وهما الهنيتان اللتان تتعلقان من أعناقها ص 288.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشعر مع ما بعده مِنْ الْأَشْعَارِ لَيْسَ فِيهِ عَوِيصٌ مِنْ الْغَرِيبِ، وَلَا مُسْتَغْلِقٌ مِنْ الْكَلَامِ. الْكَاهِنَانِ: وَمَا ذَكَرَ مِنْ أَمْرِ الْكَاهِنَيْنِ فَهُمَا قُرَيْظَةُ وَالنّضِيرُ، وَفِي الْحَدِيثِ: يَخْرُجُ فِي الْكَاهِنَيْنِ رَجُلٌ يَدْرُسُ الْقُرْآنَ دَرْسًا لَمْ يَدْرُسْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَلَا يَدْرُسُهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ، فَكَانُوا يَرَوْنَهُ أَنّهُ مُحَمّدُ بْنُ كعب القرظىّ وهو محمد ابن كَعْبِ بْنِ عَطِيّةَ «1» ، وَسَيَأْتِي خَبَرُ جَدّهِ عَطِيّةَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَالْكَاهِنُ فِي اللّغَةِ بِمَعْنَى الكاهل، وهو لذى يَقُومُ بِحَاجَةِ أَهْلِهِ، إذَا خَلَفَ عَلَيْهِمْ يُقَالُ: هُوَ كَاهِنُ أَبِيهِ وَكَاهِلُهُ، قَالَهُ الْهَرَوِيّ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُمّيَ الْكَاهِنَانِ بِهَذَا «2» . خُرُوجُ بَنِي النّضِيرِ إلَى خَيْبَرَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ خُرُوجَ بَنِي النّضِيرِ، إلَى خَيْبَرَ، وَأَنّهُمْ اسْتَقَلّوا بِالنّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَمْوَالِ مَعَهُمْ الدّفُوفُ وَالْمَزَامِيرُ وَالْقِيَانُ يعزفن

_ (1) محمد بن كعب القرظى المدنى ثم الكوفى أحد العلماء. قال ابن عون: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظى، وقال ابن سعد: كان ثقة ورعا كثير الحديث، وقد وثقه أبو زرعة والعجلى مات سنة 119، وقيل سنة 120 وقيل سنة 108 «خلاصة تذهيب الكمال والإكمال لولى الدين أبى عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب» . (2) العرب تسمى كل من يتعاطى علما دقيقا: كاهنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَلْفَهُمْ، وَأَنّ فِيهِمْ لَأُمّ عَمْرٍو صَاحِبَةُ عُرْوَةَ بن الورد الّتِي ابْتَاعُوا مِنْهُ، وَكَانَتْ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي غِفَارٍ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ إسْحَاقَ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا فِي رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ فِي غَيْرِهَا، وَهِيَ سَلْمَى، قَالَ الْأَصْمَعِيّ: اسْمُهَا: لَيْلَى بِنْتُ شَعْوَاءَ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: هِيَ سَلْمَى أُمّ وَهْبٍ امْرَأَةٌ مِنْ كنانة، كانت ناكحا فى مزينة، فأغار عليهم عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدُ، فَسَبَاهَا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَوْلُ أَبِي الْفَرَجِ إنّهَا مِنْ كِنَانَةَ لَا يَدْفَعُ قَوْلَ ابْنِ إسْحَاقَ إنّهَا مِنْ غِفَارٍ، لِأَنّ غِفَارَ مِنْ كِنَانَةَ. غِفَارُ بْنُ مُلَيْلِ بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ لَيْثِ «1» بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مناة ابن كِنَانَةَ. وَعُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ بْنِ زَيْدٍ، وَيُقَالُ: ابن عمرو بن ناشب بن هدم ابن عَوْذِ بْنِ غَالِبِ بْنِ قَطِيعَةَ بْنِ عَبْسٍ، فَهُوَ عَبْسِيّ غَطَفَانِيّ قَيْسِيّ، لِأَنّ عَبْسًا هُوَ ابْنُ بِغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ قَالَ فِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ: مَا يَسُرّنِي أَنّ أَحَدًا مِنْ الْعَرَبِ وَلَدَنِي إلّا عُرْوَةُ بن الورد لقوله: أتهز أمنّى أَنْ سَمِنْت، وَقَدْ تَرَى ... بِجِسْمِي مَسّ الْحَقّ والحقّ جاهد إنّى امرؤ عافى إنائى شركة ... وأنت امرؤ عَافِي إنَائِك وَاحِدُ أُقَسّمُ جِسْمِي فِي جُسُومٍ كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد «2»

_ (1) فى جمهرة ابن حزم: مليل بن ضمرة بن بكر بإسقاط ليث بين ضمرة وبكر ص 175. (2) هى فى الأمالى ص 204 ح 2 وقد نسب القالى بيتا فى أولها إلى عروة: لا تشتمنى يا بن ورد فإننى ... تعود على مالى الحقوق العوائد ومن يؤثر الحق الندوب تكن ... خصاصة جسم وهو طيان ماجد وقد علق البكرى فى السمط على هذا بقوله: هذا وهم بين وغلط واضح والبيت-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَانَ يُقَالُ: مَنْ قَالَ: إنّ حَاتِمًا أَسْمَحُ الْعَرَبِ، فَقَدْ ظَلَمَ عُرْوَةَ بْنَ الْوَرْدِ «1» ، قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَكَانَ عُرْوَةُ يَتَرَدّدُ عَلَى بَنِي النّضِيرِ، فَيَسْتَقْرِضُهُمْ إذَا احْتَاجَ، وَيَبِيعُ مِنْهُمْ إذَا غَنِمَ، فَرَأَوْا عِنْدَهُ سَلْمَى، فَأَعْجَبَتْهُمْ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَبِيعَهَا «2» ، مِنْهُمْ فَأَبَى فَسَقَوْهُ الْخَمْرَ، وَاحْتَالُوا عَلَيْهِ، حَتّى ابْتَاعُوهَا مِنْهُ، وَأَشْهَدُوا عَلَيْهِ، وَفِي ذَلِكَ يقول: سفونى الخمر ثم تكنفوني ... عداة الله من كذب وَزُورِ وَرُوِيَ أَيْضًا أَنّ قَوْمَهَا افْتَدَوْهَا مِنْهُ، وَكَانَ يَظُنّ أَنّهَا لَا تَخْتَارُ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَلَا تُفَارِقُهُ، فَاخْتَارَتْ قَوْمَهَا، فَنَدِمَ، وَكَانَ لَهُ مِنْهَا بَنُونَ فَقَالَتْ لَهُ: وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ أَرَخْت سِتْرًا عَلَى بَعْلٍ مثلك أغض طرفا،

_ - الأول لقيس بن زهير يخاطب عروة.. وكان بين قيس وعروة. تنافس وتحاسد، وكان قيس أكولا مبطانا، وكان عروة يعرض له بذلك فى أشعاره. وقيل فى نسب عروة عمرو بن زيد بن عبد الله بن ناشب بن هرم بن لديم بن عواد الخ، وهو فى الأغانى كذلك. ويعلق الأستاذ الميمنى على هذا بقوله: وخرمه السهيلى فى ح 2 ص 179. ص 822، 723 سمط اللالى. وكان يكنى عروة: أبا الصعاليك، وقيل بل أبا نجدة، وقيل: كنيته ابو المغلس، أو: أبو عبلة وفى السلم: أبو هراشة. وفى الحماسة ثلاثة أبيات من قصيدة عروة هذه، ورواية البيت الأول هكذا: أتهزأ منى أن سمنت وأن ترى ... بوجهى شحوب الحق والحق جاهد رفى الأغانى ثلاثة أبيات منها أيضا ص 71 ح 3 (1) ص 71 ح 3 الأغانى ط لبنان. (2) لعلها: يبيعوها منه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَا أَنْدَى كَفّا وَلَا أَغْنَى غِنَاءً، وَإِنّك لَرَفِيعُ الْعِمَادِ، كَثِيرُ الرّمَادِ، خَفِيفٌ عَلَى ظُهُورِ الْخَيْلِ، ثَقِيلٌ عَلَى مُتُونِ الْأَعْدَاءِ، رَاضٍ لِلْأَهْلِ وَالْجَارِ، وَمَا كُنْت لَأُوثِرَ عَنْك أَهْلِي، لَوْلَا أَنّي كُنْت أَسْمَعُ بَنَاتَ عَمّك يَقُلْنَ فَعَلَتْ أمة عروة، وقالت أُمّةُ عُرْوَةَ، فَأَجِدُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْتَ، وَاَللهِ لَا يُجَامِعُ وَجْهِي وَجْهَ غَطَفَانِيّةٍ أَبَدًا، فَاسْتَوْصِ بِبَنِيك خَيْرًا، قَالَ ثُمّ تَزَوّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّضِيرِ «1» ، فَسَأَلَهَا أَنْ تُثْنِيَ عَلَيْهِ فِي نَادِي قَوْمِهِ، كَمَا أَثْنَتْ عَلَى عُرْوَةَ، فَقَالَتْ: اُعْفُنِي، فَإِنّي لَا أَقُولُ إلّا مَا عَلِمْته، فَأَبَى أَنْ يُعْفِيَهَا، فَجَاءَتْ حَتّى وَقَفَتْ عَلَى النّادِي، وَهُوَ فِيهِ، فَقَالَتْ: عَمُوا صَبَاحًا، ثُمّ قَالَتْ: إنّ هَذَا أَمَرَنِي أَنْ أَثْنِي عَلَيْهِ بِمَا عَلِمْت فِيهِ، ثُمّ قَالَتْ لَهُ: والله إن شملتك

_ (1) اقرأ قصتها فى الأغانى ص 72، 73 ح 3 ط لبنان ففى إحدى الروايتين أن قومها هم الذين قالوا لعروة: فادنا بصاحبتنا فانها وسيطة النسب فينا معروفة. فلما نادوه بها خيروها واختارت أهلها ثم أقبلت عليه فقالت: يا عروة أما إنى أقول فيك، وإن فارقتك الحق: والله ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خير منك، وأغض طرفا، وأقل فحشا، وأجود يدا. وأحمى لحقيقة وما مر على يوم منذ كنت عندك إلا والموت أحب إلى من الحياة بين قومك لأنى لم أكن أشاء أن أسمع امرأة من قومك تقول: قالت أمة عروة كذا وكذا إلا سمعته، ووالله لا أنظر فى وجه غطفانية أبدا، فارجع راشدا إلى ولدك وأحسن إليهم ص 73 ح 3 الأغانى ط لبنان وفى رواية أخرى أنها قالت له: والله إنك ما علمت لضحوك مقبلا كسوب مدبرا، خفيف على متن الفرس، ثقيل على العدو، طويل العماد كثير الرماد، راضى الأهل والجانب، فاستوص ببنيك خيرا، ثم فارقته، فتزوجها رجل من بنى عمها. والسهيلى جمع بين الروايتين. أو لعله نقل من كتاب آخر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا التفاف «1» ، وإن شربك لاشتفاف، وإن ضجعتك لا انجعاف، وَإِنّك لَتَشْبَعُ لَيْلَةً تُضَافُ، وَتَنَامُ لَيْلَةً تَخَافُ «2» ، فَقَالَ لَهُ قَوْمُهُ: قَدْ كُنْت فِي غِنًى عَنْ هَذَا، وَفِيهَا يَقُولُ عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ: أَرِقْت وَصُحْبَتِي بِمَضِيقِ عُمْقٍ ... لِبَرْقِ فِي تِهَامَةَ مُسْتَطِيرِ «3» إذَا قُلْت اسْتَهَلّ عَلَى قُدَيْدٍ ... يَحُورُ رَبَابُهُ حُورَ الْكَسِيرِ سَقَى سَلْمَى، وَأَيْنَ مَحَلّ سَلْمَى ... إذَا حَلّتْ مُجَاوِرَةَ السّرِيرِ «4» إذَا حَلّتْ بِأَرْضِ بَنِي عَلِيّ ... وَأَهْلُك بَيْنَ أَمّرَةٍ وَكِيرِ «5» ذَكَرْت مَنَازِلًا مِنْ أُمّ وَهْبٍ ... مَحَلّ الْحَيّ أَسْفَلَ ذِي النّقِيرِ «6» وَآخَرُ «7» مَعْهَدٍ مِنْ أُمّ وَهْبٍ ... مُعَرّسُنَا فُوَيْقَ بَنِي النّضِيرِ «8» وَقَالَتْ: مَا تُشَاءُ، فَقُلْت: أَلْهُو ... إلَى الْإِصْبَاحِ آثُرَ ذِي أَثِيرِ بِآنِسَةِ الْحَدِيثِ رُضَابُ فِيهَا ... بُعَيْدَ النّوْمِ كالعنب العصير

_ (1) فى الأغانى: لا التحاف. (2) فى الأغانى «وإنك لتنام ليلة تخاض، وتشبع ليلة تضاف، وما ترضى الأهل ولا الجانب» ص 75 ح 3 الأغانى. (3) فى الأغانى: من تهامة. (4) فى الأغانى: كانت مجاورة. (5) فى الأغانى: وأهلى. (6) فى الأغانى: من نقير. (7) فى الأغانى: واحدث. (8) فى الأغانى: بدار بنى النضير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَطَعْت الْآمِرِينَ بِصِرْمِ سَلْمَى ... فَطَارُوا فِي بِلَادِ الْيَسْتَعُورِ سَقَوْنِي الْخَمْرَ ثُمّ تَكَنّفُونِي ... عُدَاةُ اللهِ من كذب وزور وقالوا لست بَعْدَ فِدَاءِ سَلْمٍ ... بِمُغْنٍ مَا لَدَيْك وَلَا فَقِيرِ وَلَا وَأَبِيك لَوْ كَالْيَوْمِ أَمْرِي ... وَمَنْ لَك بِالتّدَبّرِ فِي الْأُمُورِ إذًا لَمَلَكْت عِصْمَةَ أُمّ وَهْبٍ ... عَلَى مَا كَانَ مِنْ حَسَكِ الصّدُورِ فَيَا لِلنّاسِ كَيْفَ غَلَبْت نَفْسِي ... عَلَى شَيْءٍ وَيَكْرَهُهُ ضَمِيرِي «1» قَوْلُهُ: السّرِيرُ مَوْضِعٌ فِي نَاحِيَةِ كِنَانَةَ، وَقَوْلُهُ: الْيَسْتَعُورِ: هُوَ مَوْضِعٌ قَبْلَ حَرّةِ الْمَدِينَةِ، فِيهِ عَضّاهُ مِنْ سَمُرٍ وَطَلْحٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْيَسْتَعُورُ شَجَرٌ يَسْتَاكُ بِهِ، يَنْبُتُ بِالسّرَاةِ، وَالْيَسْتَعُورُ أَيْضًا مِنْ أَسْمَاءِ الدّوَاهِي، وَالْيَاءُ فِي الْيَسْتَعُورِ أَصْلِيّةٌ، فَهَذَا شَرْحُ مَا أَوْمَأَ إلَيْهِ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ أُمّ عَمْرٍو، وَإِنّمَا هِيَ أُمّ وَهْبٍ كَمَا تَكَرّرَ فِي شِعْرِهِ. غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ وَسُمّيَتْ ذَاتَ الرّقَاعِ، لِأَنّهُمْ رَقّعُوا فِيهَا رَايَاتِهِمْ فِي قَوْلِ ابن هشام، قال: ويقلل ذَاتُ الرّقَاعِ شَجَرَةٌ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ الرّقَاعِ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنّهَا أَرْضٌ فِيهَا بُقَعٌ سُودٌ، وَبُقَعٌ بيض، كأنها مرقّعة برقاع مختلفة،

_ (1) الأبيات: الثانى ثم التاسع والحادى عشر إلى آخر القصيدة ليست فى الأغانى. هذا وقد نصب عداة على الذم فى البيت الأول (عداة الله من كذب وزور) أنظر لهذا ص 225 إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَسُمّيَتْ ذَاتَ الرّقَاعِ لِذَلِكَ، وَكَانُوا قَدْ نَزَلُوا فِيهَا فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ، وَأَصَحّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلّهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ، وَنَحْنُ سِتّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا، ونقبت قدماى، وسقطت أظفارى، فكنا فلفّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ، فَسُمّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرّقَاعِ، لِمَا كُنّا نَعْصِبُ مِنْ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَحَدّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا، ثُمّ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا كُنْت أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ، كَأَنّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ» «1» . صَلَاةُ الْخَوْفِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، وَأَوْرَدَهَا مِنْ طُرُقٍ ثَلَاثٍ، وَهِيَ مَرْوِيّةٌ بِصُوَرِ مُخْتَلِفَةٍ أَكْثَرَ مِمّا ذُكِرَ. سَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا بَكْرٍ- رَحِمَهُ اللهُ- يَقُولُ: فِيهَا سِتّ عَشْرَةَ رِوَايَةً، وَقَدْ خَرّجَ الْمُصَنّفُونَ أَصَحّهَا، وَخَرّجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْهَا جُمْلَةً، ثُمّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي التّرْجِيحِ، فَقَالَ طَائِفَةٌ: يُعْمَلُ مِنْهَا بِمَا كَانَ أَشْبَهَ بظاهر

_ (1) هو فى صحيح مسلم أيضا ونقبت أقدامنا: رقت أقدامنا. نعتقبه: نركبه عقبة عقبة، وهو أن يركب هذا قليلا، ثم ينزل فيركب الآخر بالنوبة حتى يأتى على سائرهم. وقد اختلف فى ميقاتها على أقوال ذكرها الحافظ فى الفتح، ثم قال: «وهذا التردد لا حاصل له، بل الذى ينبغى الجزم به أنها بعد غزوة بنى قريظة، لأنه تقدم أن صلاة الخوف فى غزوة الخندق لم تكن شرعت، وقد ثبت وقوع صلاة الخوف فى غزوة ذات الرقاع، فدل على تأخرها بعد الخندق، ص 335 ح 6 فتح البارى سنة 1348 مطبعة البهية المصرية. وانظر أيضا زاد المعاد ص 274 ح 2 ط السنة المحمدية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْقُرْآنِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُجْتَهَدُ فِي طَلَبِ الْآخِرِ مِنْهَا، فَإِنّهُ النّاسِخُ لِمَا قَبْلَهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُؤْخَذُ بِأَصَحّهَا نَقْلًا، وَأَعْلَاهَا رُوَاةً، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ- وَهُوَ مَذْهَبُ شَيْخِنَا: يُؤْخَذُ بِجَمِيعِهَا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْخَوْفِ، فَإِذَا اشْتَدّ الْخَوْفُ، أُخِذَ بِأَيْسَرِهَا مُؤْنَةً، فَإِذَا تَفَاقَمَ الْخَوْفُ صَلّوْا بِغَيْرِ إمَامٍ لِقِبْلَةِ أَوْ لِغَيْرِ قِبْلَةٍ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَلَامٍ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السّلَفِ أَنّ صَلَاةَ الْخَوْفِ، قَدْ تَئُولُ إلَى أَنْ تَكُونَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَذَلِكَ عِنْدَ مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ، وَسَيَأْتِي بَقِيّةُ الْقَوْلِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي خَبَرِ بَنِي قُرَيْظَة إنْ شَاءَ اللهُ «1» ، وَمِمّا تُخَالِفُ بِهِ صَلَاةُ الْخَوْفِ حُكْمَ غَيْرِهَا أَنّهُ لَا سَهْوَ فِيهَا عَلَى إمَامٍ، وَلَا عَلَى مَأْمُومٍ

_ (1) روى أحمد والشيخان وأصحاب السنن الثلاثة عن صالح بن خوات عن سهل بن أبى حثمة- وفى لفظ عمن صلى مع النبى «ص» يوم ذات الرقاع- أن طائفة صفت مع النبى «ص» وطائفة وجاه العدو- أى تجاهه مراقبة له- فصلى بالتى معه ركعة، ثم ثبت قائما فأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التى بقيت من صلاته، فأتموا لأنفسهم، فسلم بهم» وهذه الكيفية تطابق مفهوم الآية الكريمة، إذ ليس فى الآية ذكر السجود إلا مرة واحدة. وبهذه الصلاة قال على وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وزيد بن ثابت وأبو هريرة وأبو موسى وسهل بن أبى حثمة، وعليها مالك والشافعى وأبو ثور وغيرهم. وهناك رواية أخرى عن أحمد والشيخين مثل هذه غير أنها زادت أن كل فرقة قضت ركعة!! ولكن ليس فى الآية هذا. أما حين يكون خوف من شىء أكثر من الفتنة فقد قال سبحانه (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) جمع راجل وراكب وقد فسرها ابن عمر: قياما على أقدامهم مستقبلى القبلة وغير مستقبليها قال مالك: قال نافع لا أرى عبد الله بن عمر قال إلا عن الرسول «ص» البخارى ومسلم من قول ابن عمر بنحو ذلك، ورواه ابن ماجة عنه مرفوعا، ورواه الشافعى فى الأم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ بِسَنَدِ ثَابِتٍ عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ قَالَ: لَا سَهْوَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ. رَفْعُ الْمَنْصُوبِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ حِينَ أَبْطَأَ بِهِ جَمَلُهُ فَنَخَسَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَخَسَاتٍ، فخرج يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً. الْمُوَاهَقَةُ كَالْمُسَابَقَةِ، وَالْمُجَارَاةِ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ لِأَوْسِ بْنِ حَجَرٍ: تُوَاهِقُ رِجْلَاهَا يَدَاهَا وَرَأْسُهُ ... لَهَا قَتَبٌ خَلْفَ الْحَقِيبَةِ رَادِفُ رَفَعَ يَدَاهَا وَرِجْلَاهَا رَفْعَ الْفَاعِلِ، لِأَنّ الْمُوَاهَقَةَ، لَا تَكُونُ إلّا مِنْ اثْنَيْنِ، فَكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى كَمَا ذَكَرُوا فِي قَوْلِ الرّاجِزِ: قَدْ سَالَمَ الْحَيّاتُ مِنْهُ الْقَدَمَا ... الْأُفْعُوَانَ وَالشّجَاعَ الشّجْعَمَا [وَذَاتَ قَرْنَيْنِ ضَمُورًا ضِرْزِمَا «1» ] هَكَذَا تَأَوّلَهُ سِيبَوَيْهِ، وَلَعَلّ هَذَا الشّاعِرَ كَانَ مِنْ لُغَتِهِ أَنْ يَجْعَلَ التّثْنِيَةَ بِالْأَلِفِ فِي الرّفْعِ وَالنّصْبِ وَالْخَفْضِ كَمَا قَالَ: تَزَوّدْ مِنّا بَيْنَ أُذُنَاهُ طَعْنَةً ... دَعَتْهُ إلَى هَابِي التّرَابِ عَقِيمِ

_ (1) الزيادة من الكتاب لسيبويه ص 145 ط أولى، وقد نسبه سيبويه لشاعر قال عنه هو عبد بنى عبس. وقد نسبه فى اللسان إلى مساور بن هند العبسى، وفى شرح الشواهد للشنتمرى نسبه للعجاج. والشهم: الطويل، والضمور: الساكنة المطرقة التى لا تصفر لخبثها. والضرزم: المسنة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ: قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا «1» وَهِيَ لُغَةُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَقَالَ النّحّاسُ فِي الْكِتَابِ المقنع: هى أيضا لغة لخثعم وطيّىء وَأَبْطُنٍ مِنْ كِنَانَةَ، وَالْبَيْتُ أَعْنِي: تُوَاهِقُ رِجْلَاهَا يَدَاهَا، هُوَ لِأَوْسِ بْنِ حَجَرٍ الْأَسَدِيّ، وَلَيْسَ مِمّنْ هَذِهِ لُغَتُهُ، فَالْبَيْتُ إذًا عَلَى مَا قاله سيبويه.

_ (1) أصل الشعر: واها لليلى ثم واها واها ... هى المنى لو أننا نلناها يا ليت عينيها لنا وفاها وقد نسبه الهروى فى التلويح شرح فصيح ثعلب ص 39 ط 1949 إلى أبى النجم العجلى المتوفى نحو سنة 130 هـ وفى بعض الروايات سلمى، وفى بعضها: ريا وقد زاد القالى فى الأمالى: بثمن نرضى به أباها ص 77 ح 1 ط 2 وبعد هذا: إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا فى المجد غايتاها وفى الصحاح زيادة قبل المنى: فاضت دموع العين من جراها وقيل أيضا: شالوا علينا فشل علاها ... واشدد بمثنى حقب حقواها إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا فى المجد غايتاها أنظر سمط اللآلى ص 257 وشرح شواهد ابن عقيل للجرجاوى ص 9 وعلى هامشه شرح الشواهد أيضا للشيخ فطه العدوى ص 9.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُسَاوَمَةُ جَابِرٍ فِي جَمَلِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ: وَذَكَرَ مُسَاوَمَةَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرِ فِي الْجَمَلِ «1» ، حَتّى اشْتَرَاهُ مِنْهُ بأوفيّة، وَأَنّهُ أَعْطَاهُ أَوّلًا دِرْهَمًا، فَقَالَ: لَا إذَا تَغْبِنُنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُ الدّرْهَمَ مَازِحًا، فَقَدْ كَانَ يَمْزَحُ، وَلَا يَقُولُ إلّا حَقّا، فَإِذَا كَانَ حَقّا، فَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ إبَاحَةُ الْمُكَايَسَةِ الشّدِيدَةِ فِي الْبَيْعِ، وَأَنْ يُعْطِيَ فِي السّلْعَةِ مَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لَهَا بِنَصّ الْحَدِيثِ، وَفِي دَلِيلِهِ أَنّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِمَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَمَنًا، وَهُوَ عَاقِلٌ بَصِيرٌ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ تَدْلِيسٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ بيع ماض لارجوع فِيهِ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُ كُلّمَا زَادَ لَهُ دِرْهَمًا قَدْ أَخَذْته بِكَذَا وَاَللهُ يَغْفِرُ لَك، فَكَأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَرَادَ بِإِعْطَائِهِ إيّاهُ دِرْهَمًا دِرْهَمًا أَنْ يُكْثِرَ اسْتِغْفَارَهُ لَهُ، وَفِي جَمَلِ جَابِرٍ هَذَا أُمُورٌ مِنْ الْفِقْهِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ أَنّ طَائِفَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ احْتَجّوا بِهِ فِي جَوَازِ بَيْعٍ وَشَرْطٍ «2» ، لِأَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرَطَ لَهُ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعٌ وَشَرْطٌ، وَإِنْ وَقَعَ فَالشّرْطُ بَاطِلٌ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ «3» ، وَاحْتَجّوا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ عَنْ جدّ أبيه

_ (1) كما رواه ابن إسحاق رواه ابن سعد فى طبقاته، وفى البخارى فى عشرين موضعا فى بعضها أن ذلك كان فى غزوة تبوك، وفى مسلم أنه فى غزوة الفتح.. وعن نخسه ذكر فى أحمد ومسلم أنه ضربه برجله، ودعا له. (2) إلى هذا ذهب أحمد والبخارى لكثرة رواة الاشتراط. (3) إلى هذا ذهب أبو حنيفة والشافعى مطلقا، وتوسط مالك ففصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ شَرْطٍ وَبَيْعٍ، وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ. شُعَيْبٌ لَا يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ وَإِنّمَا عَنْ جَدّهِ: وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو. وَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُسْتَغْرَبَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ جِدّا، لِأَنّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَهُمْ أَنّ شُعَيْبًا إنّمَا يَرْوِي عَنْ جدّه عبد الله، لاعن أَبِيهِ مُحَمّدٍ لِأَنّ أَبَاهُ مُحَمّدًا مَاتَ قَبْلَ جَدّهِ عَبْدِ اللهِ، فَقِفْ عَلَى هَذِهِ التّنْبِيهَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَلّ مَنْ تَنَبّهَ إلَيْهَا، وقالوا: لا حُجّةٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنّهُ قَالَ: أَفْقِرْنِي ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ، وَرُوِيَ أَنّهُ قَالَ: اسْتَثْنَيْت ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ، وَرُوِيَ أَنّهُ قَالَ: شَرَطَ لِي ظَهْرَهُ «1» ، وَقَالَ الْبُخَارِيّ: الِاشْتِرَاطُ أَكْثَرُ وَأَصَحّ، وَكَذَلِكَ اضْطَرَبُوا فِي الثّمَنِ، فَقَالُوا: بِعْته مِنْهُ بِأُوقِيّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِأَرْبَعِ أَوَاقِيّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِخَمْسِ أَوَاقِيّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ فِي مَعْنَى الْأُوقِيّةِ، وَكُلّ هَذِهِ الرّوَايَاتِ قَدْ ذَكَرَهَا الْبُخَارِيّ، وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: دِينَارَيْنِ وَدِرْهَمَيْنِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِإِبْطَالِ الشّرْطِ، وَجَوَازِ الْبَيْعِ، وَاحْتَجّوا بِحَدِيث بَرِيرَةَ حِينَ بَاعَهَا أَهْلُهَا مِنْ عَائِشَةَ، واشترطوا لولاء فأجاز النبىّ صلى الله عليه وسلم

_ (1) وفى رواية: وشرطت ظهره إلى المدينة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْبَيْعَ وَأَبْطَلَ الشّرْطَ «1» ، وَاسْتَعْمَلَ مَالِكٌ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَجْمَعَ، فَقَالَ: بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ وَالشّرْطِ عَلَى صُورَةٍ، وَبِجِوَازِهِمَا عَلَى صُورَةٍ أُخْرَى، وَبِإِبْطَالِ الشّرْطِ وَجَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى صُورَةٍ أَيْضًا، وَذَلِكَ بَيّنٌ فِي الْمَسَائِلِ لِمَنْ تَدَبّرَهَا، وَأَبْيَنُ مَا تُوجَدُ مُحْكَمَةَ الْأُصُولِ مُسْتَثْمَرَةَ الْجَنَا وَالْفُصُولِ فِي كِتَابِ الْمُقَدّمَاتِ لِابْنِ رُشْدٍ، فَلْيَنْظُرْهَا هُنَالِكَ مَنْ أَرَادَهَا «2» . الْحِكْمَةُ مِنْ مُسَاوَمَةِ النّبِيّ لِجَابِرِ: فَصْلٌ: وَمِنْ لَطِيفِ الْعِلْمِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ بَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ قَطْعًا أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ شَيْئًا عَبَثًا بَلْ كَانَتْ أَفْعَالُهُ مَقْرُونَةً بِالْحِكْمَةِ وَمُؤَيّدَةً بِالْعِصْمَةِ، فَاشْتِرَاؤُهُ الْجَمَلَ مِنْ جَابِرٍ ثُمّ أَعْطَاهُ الثّمَنَ، وَزَادَهُ عَلَيْهِ زِيَادَةً، ثُمّ رَدّ الْجَمَلَ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ الْعَطَاءَ دُونَ مُسَاوَمَةٍ فِي الْجَمَلِ، وَلَا اشْتِرَاءٍ وَلَا شَرْطٍ وَلَا تَوْصِيلٍ، فَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ بَدِيعَةٌ جِدّا، فَلْتَنْظُرْ بِعَيْنِ الِاعْتِبَارِ، وَذَلِكَ أَنّهُ سَأَلَهُ: هَلْ تَزَوّجْت، ثُمّ قَالَ لَهُ: هَلّا بِكْرًا، فَذَكَرَ لَهُ مَقْتَلَ أَبِيهِ، وَمَا خَلّفَ مِنْ الْبَنَاتِ، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ قَدْ أَخْبَرَ جَابِرًا بِأَنّ اللهَ، قَدْ أَحْيَا أَبَاهُ، وَرَدّ عَلَيْهِ رُوحَهُ، وَقَالَ: مَا تَشْتَهِي فَأَزِيدُك، فَأَكّدَ عَلَيْهِ السّلَامُ هَذَا الْخَبَرَ بِمِثْلِ مَا يُشْبِهُهُ، فَاشْتَرَى مِنْهُ الْجَمَلَ، وَهُوَ مَطِيّتُهُ، كَمَا اشْتَرَى اللهُ تَعَالَى من أبيه، ومن الشّهداء أنفسهم

_ (1) عن عائشة أنها أرادت أن تشترى بريرة للعتق، فاشترطوا ولاءها، فذكرت ذلك لرسول الله «ص» فقال اشتريها واعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق» متفق عليه ولم يذكر البخارى لفظة: أعتقيها. وروى بصورة أخرى أطول من هذه (2) أنظر فى ص 132 ح 2 من بآية المجتهد لابن رشد ط 1333.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِثَمَنِ هُوَ الْجَنّةُ، وَنَفْسُ الْإِنْسَانِ مَطِيّتُهُ، كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إنْ نَفْسِي مَطِيّتِي، ثُمّ زَادَهُمْ زِيَادَةً فَقَالَ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ يُونُسَ: 26، ثُمّ رَدّ عَلَيْهِمْ أَنْفُسَهُمْ الّتِي اشْتَرَى مِنْهُمْ فَقَالَ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً آلَ عِمْرَانَ 169 الْآيَةَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ السّلَامُ بِاشْتِرَائِهِ الْجَمَلَ مِنْ جَابِرٍ وَإِعْطَائِهِ الثّمَنَ وَزِيَادَتِهِ عَلَى الثّمَنِ، ثُمّ رَدّ الْجَمَلِ الْمُشْتَرَى عَلَيْهِ، أَشَارَ بِذَلِكَ كُلّهِ إلَى تَأْكِيدِ الْخَبَرِ الّذِي أَخْبَرَ بِهِ عَنْ فِعْلِ اللهِ تَعَالَى بِأَبِيهِ، فَتَشَاكَلَ الْفِعْلُ مَعَ الْخَبَرِ، كَمَا تَرَاهُ، وَحَاشَ لِأَفْعَالِهِ أَنْ تَخْلُوَ مِنْ حِكْمَةٍ، بَلْ هِيَ كُلّهَا نَاظِرَةٌ إلَى الْقُرْآنِ وَمُنْتَزَعَةٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سِيَاقُهُ الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بن عبيد: فصل: وحدّث عن عمر عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ، وَذَكَرَ حَدِيثَ غَوْرَثَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فَقَالَ فِيهِ: غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ «1» ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْخَطّابِيّ، فَقَالَ فِيهِ: أَنّهُ لَمّا هَمّ بِقَتْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رُمِيَ بِالزّلَخَةِ فَنَدَرَ السّيْفُ مِنْ يَدِهِ، وَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ. الزّلَخَةُ: وَجَعٌ يَأْخُذُ فِي الصّلْبِ، وَأَمّا رِوَايَتُهُ الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ فَأَعْجَبُ شَيْءٍ سِيَاقَتُهُ إيّاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَقَدْ رَوَاهُ الْأَثْبَاتُ عَنْ جَابِرٍ، وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ مُتّفَقٌ عَلَى وَهْنِ حَدِيثِهِ، وَتَرْكِ الرّوَايَةِ عَنْهُ، لِمَا اشْتَهَرَ مِنْ بدعته، وسوء نحلته،

_ (1) يقال أيضا بضم الغين. ووقع عند الخطيب بالكاف بدلا من الثاء وحكى الخطابى فيه غويرث. وقد ذكر فى غزوة ذى أمر بناحية نجد مثل هذه القصة لرجل اسمه دعثور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَإِنّهُ حُجّةُ الْقَدَرِيّةِ، فِيمَا يُسْنِدُونَ إلَى الْحَسَنِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنْ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ، وَقَدْ بَرّأَهُ اللهُ مِنْهُ، وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا، وَأَمّا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدِ بْنِ دَأْبٍ، فَقَدْ «1» كَانَ عَظِيمًا فِي زَمَانِهِ عَالِيَ الرّتْبَةِ فِي الْوَرَعِ، حَتّى اُفْتُتِنَ بِهِ، وَبِمَقَالَتِهِ أُمّةٌ فَصَارُوا قدريّة، وقد ببز بِمَذْهَبِهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَلَمْ يُسْقَطْ حَدِيثُهُمْ، لِأَنّهُمْ لَمْ يُجَادِلُوا عَلَى مَذْهَبِهِمْ، وَلَا طَعَنُوا فِي مُخَالِفِيهِمْ مِنْ أَهْلِ السّنّةِ، كَمَا فَعَلَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ. فَمِمّنْ نُبِزَ بِالْقَدَرِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَقَتَادَةُ وَدَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَطَائِفَةٌ سِوَاهُمْ مِنْ الْأَثْبَاتِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ يُكَنّى أَبَا عُثْمَانَ وَأَبُوهُ عُبَيْدُ بْنُ دَأْبٍ كَانَ صَاحِبَ شُرْطَةٍ فِيمَا ذَكَرُوا وَسَمِعَ يَوْمًا ناسا يقولون فِي ابْنِهِ هَذَا خَيْرُ النّاسِ ابْنُ شَرّ النّاسِ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِمْ، وَقَالَ: وَمَا يُعْجِبُكُمْ مِنْ هَذَا؟ هُوَ كَإِبْرَاهِيمَ وَأَنَا كَآزَرَ، وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ، يَقُولُ بَعْدَ مَوْتِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ يُسْتَحْيَا مِنْهُ «2» بَعْدَ عمرو، وكان يقول:

_ (1) توفى عمرو بن عبيد سنة 144 بحران ورثاه المنصور، قالوا: ولم يسمع بخليفة رثى من دونه سواه. (2) قال المنصور قولته لما مات ابن أبى ليلى وعمرو بن عبيد ص 94 ح 2 البيان للجاحظ. ومن أقوال عمرو الطيبة أن أحدهم قال له: إنى لأرحمك مما يقول الناس فيك، قال: أسمعتنى أذكر فيهم شيئا؟ قال: لا، قال: إياهم فارحم. وقوله لأبى جعفر: إن الله قد وهب لك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك ببعضها، فلو أن هذا الأمر الذى صار إليك بقى فى يدى من كان قبلك لم يصل إليك، وتذكر يوما يتمخض بأهله لا ليلة بعده ص 65 ح 4 البيان. ومن دعائه: اللهم اغننى بالافتقار إليك، ولا تفقرنى بالاستغناء عنك ص 271 ح 2 البيان. اللهم أعنى على الدنيا بالقناعة. وعلى الدين بالعصمة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كُلّكُمْ خَاتِلُ صَيْدٍ ... كُلّكُمْ يَمْشِي رُوَيْدٍ غَيْرَ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَقَدْ نُبِزَ ابْنُ إسْحَاقَ بِالْقَدَرِ أَيْضًا، وَرِوَايَتُهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ تُؤَيّدُ قَوْلَ مَنْ عَزَاهُ إلَيْهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ «1» .

_ (1) وروى صاحب العقد الفريد أن عمرا بعد أن نصح أبا جعفر النصيحة التى سبق ذكرها أتبعه أبو جعفر بصرة فلم يقبلها، وجعل يقول: كلكم يمشى رويد ... كلكم خاتل صيد غير عمرو بن عبيد وفى رواية: كلكم يطلب صيد واقرأ نصيحته الرائعة المنصور فى ترجمته فى الملل والنحل للشهرستانى. ومن رثاء المنصور له كما ذكر الشهرستانى: لو أن هذا الأمر أبقى صالحا ... أبقى لنا عمرا أبا عثمان وقيل لما حضرته الوفاة قال لصاحبه: نزل بى الموت، ولم أتأهب له، ثم قال: الهم إنك تعلم أنه لم يسنح لى أمران فى أحدهما رضا لك، وفى الآخر هوى لى إلا اخترت رضاك على هواى فاغفر لى، ومات عن 64 عاما. والقدرية تقال باطلاقين الأولى على الذين ينفون القدر، والآخرين على الذين يثبتونه مع نفى الشرع. والقدرية كما يعرفهم ابن تيمية- هم الذين خاضوا فى قدر الله بالباطل، وأصل ضلالهم ظنهم أن القدر يناقض الشرع، فصاروا حزبين حزبا يعظمون الشرع والأمر والنهى والوعد والوعيد، واتباع ما يحبه الله ويرضاه، وهجر ما يبغضه وما يسخطه، وظنوا أن هذا لا يمكن أن يجمع بينه وبين القدر» .. وقد وصف هذا الحزب بأنه يكذب بالقدر وينفيه، أو ينفى بعضه ثم قال عن الحزب الثانى «وحزبا يغلب القدر، فينفى الشرع فى الباطن، أو ينفى حقيقته، ويقول: لا فرق بين ما أمر الله به وما نهى عنه فى نفس الأمر الجميع سواء، وكذلك أولياؤه وأعداؤه، وكذلك ما ذكر أنه يحبه وذكر أنه يبغضه لكنه فرق بين المتماثلين بمحض المشيئة، يأمر بهذا، وينهى عن مثله، فجحدوا- . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . - الفرق والفصل الذى بين التوحيد والشرك وبين الإيمان والكفر وبين الطاعة والمعصية وبين الحلال والحرام» ثم عاد يسم الحزب الاول وهم نفاة القدر أو بعضه أنهم أنكروا الجمع وأنكروا أن يكون الله على كل شىء قدير، ومنهم من أنكر أن يكون الله بكل شىء عليما، وأنكروا أن يكون خالقا لكل شىء» ثم وازن بين الفريقين فقال عن نفاة الشرع الذين يسوون بين الأمر والنهى «هؤلاء نفوا حكمته وعدله، وأولئك- أى نفاة القدر- نفوا قدرته ومشيئته» وشبه هؤلاء بالمجوس، وشبه الآخرين بالمشركين ص 164 وما بعدها ح 1 مجموعة الرسائل الكبرى، وقد أبدع فيها كعادته رضى الله عنه. وعمرو بن عبيد هو من نفاة القدر الذين سموا بالمعتزلة. يقول ابن تيمية «وكانت الخوارج قد تكلموا فى تكفير أهل الذنوب من أهل القبلة، وقالوا: إنهم كفار مخلدون فى النار، فخاض الناس فى ذلك، وخاض فى ذلك القدرية بعد موت الحسن البصرى، فقال عمرو بن عبيدة وأصحابه: لا هم مسلمون، ولا كفار، بل لهم منزلة بين المنزلتين، وهم مخلدون فى النار، فوافقوا الخوارج على أنهم مخلدون، وعلى أنه ليس معهم من الإسلام والإيمان شى ولكن لم يسموهم كفارا، واعتزلوا حلقة أصحاب الحسن البصرى عن قتادة وأيوب السختيانى وأمثالها، فسموا معتزلة من ذلك الوقت بعد موت الحسن» ص 27. المصدر السابق وهناك آراء أخرى فى سبب تلقيبهم بالمعتزلة ولكن ابن تيمية فى موازنته العادلة يقول عن المعتزلة «ولا ريب أن المعتزلة خير من الرافضة- أى الشيعة الذين رفضوا إمامة زيد- ومن الخوارج، فإن المعتزلة تقر بخلافة الخلفاء الأربعة وكلهم يتولون أبا بكر وعمر وعثمان، وكذلك المعروف عنهم أنهم يتولون عليا، ومنهم من يفضله على أبى بكر وعمر، وكلهم يتولى عثمان، ويعظمون أبا بكر وعمر، ويعظمون الذنوب، فهم يتحرون الصدق كالخوارج لا يختلقون الكدب كالرافضة ولا يرون اتخاذ دار غير دار الاسلام كالخوارج، ولهم كتب فى تفسير القرآن، ونصر الرسول ولهم محاسن كثيرة يترجحون على الخوارج والروافض، وهم قصدهم إثبات توحيد-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقْعَةُ الْحَرّةِ وَمَوْقِفُ الصّحَابَةِ مِنْهَا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قول جابر: فو الله مَا زَالَ يَنْمِي عِنْدَنَا، وَيُرَى مَكَانُهُ مِنْ مِنْ بَيْتِنَا حَتّى أُصِيبَ فِيمَا أُصِيبَ مِنّا يَوْمَ الْحَرّةِ يَعْنِي: وَقْعَةَ الْحَرّةِ «1» الّتِي كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ أَيّامَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَلَى يَدِي مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ الْمُرّيّ الّذِي يُسَمّيهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مُسْرِفَ بْنَ عُقْبَةَ، وَكَانَ سَبَبُهَا أَنّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ خَلَعُوا يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَأَخْرَجُوا مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَبَنِيّ «2» أُمَيّة، وَأَمّرُوا عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ حَنْظَلَةَ الْغَسِيلِ الّذِي غَسّلَتْ أَبَاهُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى هَذَا الْخَلْعِ أَحَدٌ مِنْ أَكَابِرِ الصّحَابَةِ الّذِينَ كَانُوا فِيهِمْ. رَوَى الْبُخَارِيّ أَنّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ لَمّا أُرْجِفَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِيَزِيدَ دَعَا بَنِيهِ وَمَوَالِيَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: إنّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرّجُلَ عَلَى بَيْعَةِ اللهِ وَبَيْعَةِ رَسُولِهِ، وَإِنّهُ وَاَللهِ لَا يَبْلُغَنّي عَنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ أَنّهُ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِ إلّا كَانَتْ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، ثُمّ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَلَزِمَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ بَيْتَهُ، فَدُخِلَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْأَيّامِ الّتِي اُنْتُهِبَتْ الْمَدِينَةُ فِيهَا، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ أَيّهَا الشّيْخُ؟ فَقَالَ: أنا أبو سعيد الخدرى

_ - الله ورحمته وحكمته وصدقه وطاعته، وأصولهم الخمس عن هذه الصفات الخمس، ولكنهم غلطوا فى بعض ما قالوه فى كل واحد من أصولهم الخمس» ثم عدد أحطاءهم رضى الله عنهم ص 75 ح 1 المصدر السابق. (1) الحرة سنة 63 هـ ص 282 ح 5 الطبرى. (2) وأخرجوا عثمان بن محمد بن أبى سفيان عامل يزيد وقد طلب يزيد من مسلم أن يدعو القوم ثلاثا، فان هم أجابوه وإلا قاتلهم، وأمره أن يبحث عن على بن الحسين وأن يكف عنه، وأن يستوصى به خيرا، وأن يدنى منه مجلسه. وكان على قد رفض أن يخب فى الفتنة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَاحِبُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا لَهُ: قَدْ سَمِعْنَا خَبَرَك، وَلَنِعْمَ مَا فَعَلْت حِينَ كَفَفْت يَدَك، وَلَزِمْت بَيْتَك، وَلَكِنْ هَاتِ الْمَالَ، فَقَالَ قَدْ أَخَذَهُ الّذِينَ دَخَلُوا قَبْلَكُمْ عَلَيّ، وَمَا عِنْدِي شَيْءٌ، فَقَالُوا: كَذَبْت وَنَتَفُوا لِحْيَتَهُ، وَأَخَذُوا مَا وَجَدُوا حَتّى صُوفَ الْفَرْشِ، وَحَتّى أَخَذُوا زَوْجَيْنِ مِنْ حَمَامٍ كَانَ صِبْيَانُهُ يَلْعَبُونَ بِهِمَا. وَأَمّا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الّذِي كُنّا بِمَسَاقِ حَدِيثِهِ، فَخَرَجَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَطُوفُ فِي أَزِقّةِ الْمَدِينَةِ وَالْبُيُوتُ تُنْتَهَبُ، وَهُوَ أَعْمَى، وَهُوَ يَعْثِرُ فِي الْقَتْلَى، وَيَقُولُ تَعِسَ مَنْ أَخَافَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: وَمَنْ أَخَافَ رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ أَخَافَ الْمَدِينَةَ، فَقَدْ أَخَافَ مَا بَيْنَ جَنْبَيّ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ، فَأَجَارَهُ مِنْهُمْ مَرْوَانُ، وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ، وَقُتِلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ وُجُوهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَلْفٌ وَسَبْعُمِائَةٍ، وَقُتِلَ مِنْ أَخْلَاطِ النّاسِ عَشَرَةُ آلَافٍ سِوَى النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ دَخَلَ عَلَيْهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشّامِ، وَهِيَ تُرْضِعُ صَبِيّهَا، وَقَدْ أَخَذَ مَا كَانَ عِنْدَهَا، فَقَالَ لَهَا: هَاتِ الذّهَبَ، وَإِلّا قَتَلْتُك، وَقَتَلْت صَبِيّك، فَقَالَتْ: وَيْحَك إنْ قَتَلْته فَأَبُوهُ أَبُو كَبْشَةَ صَاحِبُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا مِنْ النّسْوَةِ اللّاتِي بَايَعْنَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا خُنْت اللهَ فِي شَيْءٍ بَايَعْت رَسُولَهُ عَلَيْهِ، فَانْتَفَضَ الصّبِيّ مِنْ حِجْرِهَا، وَثَدْيُهَا فِي فِيهِ، وَضَرَبَ بِهِ الْحَائِطَ حَتّى انْتَثَرَ دِمَاغُهُ فِي الْأَرْضِ وَالْمَرْأَةُ تَقُولُ: يَا بُنَيّ لَوْ كان عندى شى نَفْدِيك بِهِ، لَفَدَيْتُك، فَمَا خَرَجَ مِنْ الْبَيْتِ حَتّى اسْوَدّ نِصْفُ وَجْهِهِ، وَصَارَ مُثْلَةً فِي الناس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَأَحْسَبُ أَنّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ جَدّةُ للصبى، لَا أُمّا لَهُ، إذْ يَبْعُدُ فِي الْعَادَةِ أَنْ تُبَايِعَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَتَكُونَ يَوْمَ الحرّة فى سنّ من ترضيع. وَالْحَرّةُ الّتِي يُعْرَفُ بِهَا هَذَا الْيَوْمُ يُقَالُ لَهَا حَرّةُ زُهْرَةَ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَفَ بِهَا، وَقَالَ: لَيُقْتَلَنّ بِهَذَا الْمَكَانِ رِجَالٌ هُمْ خِيَارُ أُمّتِي بَعْدَ أَصْحَابِي، وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، أَنّهُ قَالَ: لَقَدْ وَجَدْت صِفَتَهَا فِي كِتَابِ يَهُودَ بْنِ يَعْقُوبَ الّذِي لَمْ يَدْخُلْهُ تَبْدِيلٌ، وَأَنّهُ يُقْتَلُ فِيهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ يَجِيئُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسِلَاحُهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَعُرِفَتْ حَرّةُ زُهْرَةَ بِقَرْيَةِ كَانَتْ لِبَنِي زُهْرَةَ قَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ، وَكَانَتْ كَبِيرَةً فِي الزّمَانِ الْأَوّلِ، وَيُقَالُ كَانَ فِيهَا ثَلَاثُمِائَةِ صَائِغٍ، ذَكَرَ هَذَا الزّبَيْرُ فِي فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ لَهُ: وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتّينَ، وَقَدْ كَانَ يزيد ابن مُعَاوِيَةَ قَدْ أَعْذَرَ إلَيْهِمْ فِيمَا ذَكَرُوا، وَبَذَلَ لَهُمْ مِنْ الْعَطَاءِ أَضْعَافَ مَا يُعْطِي النّاسَ وَاجْتَهَدَ فِي اسْتِمَالَتِهِمْ إلَى الطّاعَةِ، وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْ الْخِلَافِ، وَلَكِنْ أَبَى اللهُ إلّا مَا أَرَادَ، وَاَللهُ يَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ، وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ «1» البقرة: 134، 141.

_ (1) أنظر ص 282 ح 5 الطبرى. وقد أحسن السهيلى فى ختام كلامه عن هذه الفتنة وإن كان قد نقل مبالغات عن كتاب الحرة للواقدى وما ذكره من أحاديث فيها شىء لا يعتد به فما أخرج واحدا منها أحد من أصحاب الصحيح ولا أصحاب السنن، فقد نقلها عن كتاب الحرة للواقدى، وانظر ص 85 ح 1 من كتاب وفاء الوفا للسمهودى وفى كتابه أيضا عن حرة واقم: هى حرة المدينة الشرقية. وتسمى أيضا حرة بنى قريظة لأنهم كانوا بطرفها القبلى وحرة زهرة لمجاورتها لها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَعْنَى الرّبِيئَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الْأَنْصَارِيّ وَالْمُهَاجِرِيّ، وَهُمَا عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَأَنّ رَجُلًا مِنْ الْعَدُوّ رَمَى الْأَنْصَارِيّ بِسَهْمِ، وَهُوَ يُصَلّي لَمّا عَلِمَ أَنّهُ رَبِيئَةُ الْقَوْمِ. الرّبِيئَةُ هُوَ الطّلِيعَةُ، يُقَالُ: رَبَأَ عَلَى الْقَوْمِ يَرْبَأُ فَهُوَ رَبّاءٌ وَرَبِيئَةٌ قَالَ الشّاعِرُ [الْهُذَلِيّ] : ربّاء شمّة لَا يَأْوِي لِقُلّتِهَا ... إلّا السّحَابُ وَإِلّا الْأَوْبُ وَالسّبَلُ «1» فَرَبّاءُ: فَعّالُ مِنْ رَبَا إذَا نَظَرَ مِنْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ، وَشَمّاءُ، يُرِيدُ هَضْبَةً شَمّاءَ، وَإِنّمَا قَالُوا: رَبِيئَةٌ بِهَاءِ التّأْنِيثِ، وَطَلِيعَةٌ؛ لِأَنّهُمَا فِي مَعْنَى الْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ مُؤَنّثَةٌ، تَقُولُ: ثَلَاثُ أَعْيُنٍ، وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا، يَعْنِي الطّلَائِعَ، لِأَنّ الطّلِيعَةَ وَالرّبِيئَةَ إنّمَا يُرَادُ مِنْهُ عَيْنُهُ النّاظِرَةُ، كَمَا تَقُولُ فِي ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ: أَعْتَقْت ثَلَاثَ رِقَابٍ، فَتُؤَنّثُ، لِأَنّ الرّقَبَةَ تَرْجَمَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ، كَمَا أَنّ الْعَيْنَ الّذِي هُوَ الطّلِيعَةُ كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي رَبِيئَةٍ وَطَلِيعَةٍ لِلْمُبَالَغَةِ، كَمَا هِيَ فِي عَلّامَةٍ وَنَسّابَةٍ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوّلِ تَقُولُ: ثَلَاثَ طَلَائِعَ، وَثَلَاثَ رَبَايَا فِي جَمْعِ رَبِيئَةٍ، كَمَا تَقُولُ: ثَلَاثَ أَعْيُنٍ، لِأَنّهُ بَابٌ وَاحِدٌ مِنْ التّأْنِيثِ، وَإِذَا كَانَتْ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ قُلْت: ثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً، لِأَنّك تَقْصِدُ التّذْكِيرَ، لِأَنّ هَاءَ الْمُبَالَغَةِ لَا تُوجِبُ تَأْنِيثَ الْمُسَمّى، وَلِأَنّهَا فِي الصّفَةِ، وَالصّفَةُ بَعْدَ الْمَوْصُوفِ؛ وَلِذَلِكَ تَقُولُ: هَذَا عَلّامَةٌ، وَلَا تَقُولُ: هذه علّامة بخلاف الرّقبة والعين،

_ (1) سبق الكلام عن البيت فى الجزء لأول وفى المستدركات فى الجزء الثانى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِأَنّك تَقُولُ فِي الْعَبْدِ الذّكَرِ: هَذِهِ رَقَبَةٌ فَأَعْتِقْهَا، وَفِي الْعَيْنِ: هَذِهِ طَلِيعَةٌ، وَهَذِهِ عَيْنٌ، وَأَنْت تَعْنِي الرّجُلَ. هَذَا مَعْنَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. فِقْهُ الْحَدِيثِ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفِقْهِ صَلَاةُ الْمَجْرُوحِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَقَدْ تَرْجَمَ بَعْضُ الْمُصَنّفِينَ عليه لموضع هذا الْفِقْهِ، وَفِيهِ مُتَعَلّقٌ لِمَنْ يَقُولُ: إنّ غُسْلَ النّجَاسَةِ، لَا يُعَدّ فِي شُرُوطِ صِحّةِ الصّلَاةِ، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَيْضًا تَعْظِيمُ حُرْمَةِ الصّلَاةِ، وَأَنّ لِلْمُصَلّي أَنْ يَتَمَادَى عَلَيْهَا، وَإِنْ جَرّ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقَتْلَ، وَتَفْوِيتُ النّفْسِ، مَعَ أَنّ التّعَرّضَ لِفَوَاتِ النّفْسِ، لَا يَحِلّ إلّا فِي حَالِ الْمُحَارَبَةِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ: لَوْلَا أَنْ أُضَيّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِهِ لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا أَوْ أُنْفِذَهَا، يَعْنِي: السّورَةَ الّتِي كَانَ يَقْرَؤُهَا. حَوْلَ رَجَزِ مَعْبَدٍ وَشِعْرِ حَسّانَ وَأَبِي سُفْيَانَ: وَذَكَرَ قَوْلَ مَعْبَدٍ: وَعَجْوَةٍ مِنْ يَثْرِبَ كَالْعَنْجَدِ الْعَنْجَدُ: حَبّ الزّبِيبِ، وَقَدْ يُقَالُ للزبيب نَفْسُهُ أَيْضًا عَنْجَدٌ، وَأَمّا الْعِنَبُ، فَيُقَالُ: لِعَجْمِهِ: الفرصد. والأتلد: الأقدم من المال التّلبد. وَأَمّا قَوْلُ حَسّانَ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دَعُوا فَلَجَاتِ الشّامِ جَمْعُ فَلَجٍ، وَهُوَ الْمَاءُ الْجَارِي، سُمّيَ فَلَجًا، لِأَنّهُ قَدْ خَدّ فِي الْأَرْضِ، وَفَرّقَ بَيْنَ جَانِبَيْهِ مَأْخُوذٌ مِنْ فَلَجِ الْأَسْنَانِ، أَوْ مِنْ الْفَلْجِ وَهُوَ الْقَسْمُ، وَالْفَالِجُ مِكْيَالٌ يُقْسَمُ بِهِ، وَالْفَلْجُ وَالْفَالِجُ بَعِيرٌ ذُو سَنَامَيْنِ؛ وَهُوَ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ، وَرَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْحَاءِ وَقَالَ: الْفَلْجَةُ الْمَزْرَعَةُ «1» . وَذَكَرَ شِعْرَ أبى سفيان: أحسّان إنّا يابن آكِلَةِ الْفَغَا الْفَغَا: ضَرْبٌ مِنْ التّمْرِ، وَيُقَالُ: هِيَ غَبَرَةٌ تَعْلُو، الْبُسْرَ، وَالْغَفَالِغَةُ فِي الْفَغَا «2» . وفيه: كمأخذكم بالعين «3» أرطال آنك

_ (1) وفى اللسان: الفلجات: المزارع وقد استشهد بالبيت المذكور. وفى مادة فلح يقول: «الفلحة القراح الذى اشتق للزرع عن أبى حنيفة، وأنشد لحسان: دعوا فلحات ... الخ يعنى المزارع. ومن رواه فلجات فمعناه: ما اشتق من الأرض للديار، كل ذلك قول أبى حنيفة» . (2) الفغا: البسر الفاسد المغبر، أو هو فساد البسر، والغفا ما يخرج من الطعام فيرمى به والردىء من كل شىء من الناس والمأكول والمشروب والمركوب. (3) العين هنا: المال الحاضر، والعين أيضا الدر وكلاهما يصلح هاهنا. ومن رواه بالعير فالعير الرفقة من الإبل، والآلك: الأسرب وهو القزدير «الخشنى ص 298» وقيل عن الآنك إنه الرصاص القعلى. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَلْفَيْتُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فِي حَاشِيَةِ أَبِي بَحْرٍ مَا هَذَا نَصّهُ: ذَكَرَ مُحَمّدُ بْنُ سَلَامٍ فِي الطّبَقَاتِ لَهُ هَذَا الْبَيْتَ: حَسِبْتُمْ جِلَادَ الْقَوْمِ حَوْلَ بُيُوتِكُمْ ... كَأَخَذِكُمْ فِي الْعَيْنِ أَرْطَالَ آنِكِ وَوَصَلَ بِهِ بِأَنْ قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ: يَا ابْنَ أَخِي: لِمَ جَعَلْتهَا آنِكِ إنْ كَانَتْ لَفِضّةً بَيْضَاءَ جَيّدَةً. وَقَوْلُهُ: سَعِدْتُمْ بِهَا وَغَيْرُكُمْ كَانَ أَهْلَهَا وَفِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ: شَقِيتُمْ بِهَا وَغَيْرُكُمْ أَهْلُ ذِكْرِهَا. وَقَوْلُهُ: خَرَجْنَا وما تنجو اليعافير بيننا اليعافير: الظّبياء الْعُفْرُ «1» يُرِيدُ أَنّهُمْ لِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ لَا تَنْجُوا منهم اليعافير.

_ - وقيل هو الرصاص الأبيض، وقيل الأسود. وقيل الخالص منه. ويقال: لم يجىء على مثال فاعل بضم العين غيره أو أفعل واحدا غيره، فأما أشد فمختلف فيه هل هو واحد أو جمع. (1) جمع أعفر وهو من الظباء ما يعلو بياضه حمرة، أو الذى فى سراته حمرة وأقرابه بيض، أو الأبيض ليس بالشديد البياض.

غزوة دومة الجندل فى شهر ربيع الأول سنة خمس

[غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ سنة خمس] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَقَامَ مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا أَشْهُرًا حَتّى مَضَى ذُو الْحِجّةِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجّةَ الْمُشْرِكُونَ وَهِيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دومة الجندل. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ سَنَتِهِ. [غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ فِي شَوّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ] تَارِيخُهَا حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام: قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ، قَالَ: ثُمّ كَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ فِي شَوّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اليهود تحرض قريشا

[اليهود تحرّض قريشا] فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ مَوْلَى آلِ الزّبَيْرِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، وَمَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَمُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، وَالزّهْرِيّ، وَعَاصِمِ بْنِ عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بَكْرٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلّهُمْ قَدْ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُ فِي الْحَدِيثِ عَنْ الْخَنْدَقِ، وَبَعْضُهُمْ يُحَدّثُ مَا لَا يُحَدّثُ بِهِ بَعْضٌ، قَالُوا: إنّهُ كَانَ مِنْ حَدِيثِ الْخَنْدَقِ أَنّ نَفَرًا مِنْ اليهود، منهم: سلّام ابن أَبِي الْحَقِيقِ النّضْرِيّ، وَحُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ النّضْرِيّ، وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ النّضْرِيّ، وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ الْوَائِلِيّ، وَأَبُو عَمّارٍ الْوَائِلِيّ، فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي النّضِيرِ، وَنَفَرٍ مِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَهُمْ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجُوا حَتّى قَدِمُوا على قريش مكة، فدعوهم إلى إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَقَالُوا: إنّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ، حَتّى نَسْتَأْصِلَهُ- فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْشٌ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، إنّكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوّلِ وَالْعِلْمِ بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِفُ فِيهِ نَحْنُ وَمُحَمّدٌ أَفَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُهُ؟ قَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ، وأنتم أولى بالحق (منه) فَهُمْ الّذِينَ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا. أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ: أَيْ النّبُوّةَ، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اليهود تحرض غطفان

مُلْكاً عَظِيماً. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ، وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً. [اليهود تحرّض غطفان] قَالَ: فَلَمّا قَالُوا ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ، سَرّهُمْ وَنَشَطُوا لِمَا دَعَوْهُمْ إلَيْهِ، مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ وَاتّعَدُوا لَهُ. ثُمّ خَرَجَ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ يَهُودَ، حتى جاؤا غَطَفَانَ، مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ، فَدَعَوْهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَأَخْبَرُوهُمْ أَنّهُمْ سَيَكُونُونَ مَعَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنّ قُرَيْشًا قَدْ تَابَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَاجْتَمَعُوا مَعَهُمْ فِيهِ. [خُرُوجُ الْأَحْزَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ، وَقَائِدُهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ؛ وَخَرَجَتْ غَطَفَانُ، وَقَائِدُهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، فِي بَنِي فَزَارَةَ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرّيّ، فِي بنى مرّة؛ ومسعر بن رخيلة ابن نُوَيْرَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ سُحْمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، فِيمَنْ تَابَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَشْجَعَ. [حَفْرُ الْخَنْدَقِ وَتَخَاذُلُ الْمُنَافِقِينَ وَجِدّ الْمُؤْمِنِينَ] فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وما أجمعوا له من الأمر، صرب الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْغِيبًا لِلْمُسْلِمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى حق العاملين فى الخندق

فِي الْأَجْرِ، وَعَمِلَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ، فَدَأَبَ فِيهِ وَدَأَبُوا، وَأَبْطَأَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي عَمَلِهِمْ ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَجَعَلُوا يُوَرّونَ بِالضّعِيفِ مِنْ الْعَمَلِ وَيَتَسَلّلُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا إذْنٍ، وَجَعَلَ الرّجُلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا نَابَتْهُ النّائِبَةُ، مِنْ الْحَاجَةِ الّتِي لَا بُدّ لَهُ مِنْهَا، يَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي اللّحُوقِ بِحَاجَتِهِ فَيَأْذَنُ لَهُ، فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ رَجَعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ عَمَلِهِ، رَغْبَةً فِي الخير، واحتسابا له. [ما نزل فى حق العاملين فى الخندق] فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي أُولَئِكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْحِسْبَةِ وَالرّغْبَةِ فِي الْخَيْرِ، وَالطّاعَةِ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ الّذِينَ كَانُوا يَتَسَلّلُونَ مِنْ الْعَمَلِ، وَيَذْهَبُونَ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً، قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ، أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير بعض الغريب

[تفسير بعض الغريب] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اللّوَاذُ: الِاسْتِتَارُ بِالشّيْءِ عند الهرب، قال حسّان بن ثابت: وَقُرَيْشٌ تَفِرّ مِنّا لِوَاذًا ... أَنْ يُقِيمُوا وَخَفّ مِنْهَا الْحُلُومُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ قد ذكرتها فى أشطر يَوْمِ أُحُدٍ. أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: مِنْ صَدْقٍ أَوْ كَذِبٍ. وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. [المسلمون يرتجزون فى الحفر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ حَتّى أَحْكَمُوهُ، وَارْتَجَزُوا فِيهِ بِرَجُلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، يُقَالُ لَهُ جُعَيْلٌ، سَمّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَمْرًا، فَقَالُوا: سَمّاهُ مِنْ بَعْدِ جُعَيْلٍ عَمْرَا ... وَكَانَ لِلْبَائِسِ يَوْمًا ظَهْرَا فَإِذَا مَرّوا «بِعَمْرٍو» قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَمْرًا، وَإِذَا مَرّوا «بِظَهْرٍ» قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ظَهْرًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الآيات التى ظهرت فى حفر الخندق

[الآيات التى ظهرت فى حفر الخندق] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ أَحَادِيثُ بَلَغَتْنِي، فِيهَا مِنْ اللهِ تَعَالَى عِبْرَةٌ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وتحقيق نبوّته، عاين ذلك المسلمون. فَكَانَ مِمّا بَلَغَنِي أَنّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ كَانَ يُحَدّثُ: أَنّهُ اشْتَدّتْ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ كُدْيَةٌ، فَشَكَوْهَا إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَا بِإِنَاءِ مِنْ مَاءٍ. فَتَفَلَ فِيهِ، ثُمّ دَعَا بِمَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ، ثُمّ نَضَحَ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَى تِلْكَ الْكُدْيَةِ، فَيَقُولُ مَنْ حَضَرَهَا: فو الذى بعثه بالحق نبيا، لا نهالت حَتّى عَادَتْ كَالْكَثِيبِ، لَا تَرُدّ فَأْسًا وَلَا مسحاة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَا أَنّهُ حُدّثَ: أَنّ ابْنَةً لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، أُخْتِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَتْ: دَعَتْنِي أُمّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ، فَأَعْطَتْنِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي، ثُمّ قَالَتْ: أَيْ بُنَيّةُ، اذْهَبِي إلَى أَبِيك وَخَالِك عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَدَائِهِمَا، قَالَتْ: فَأَخَذْتهَا، فَانْطَلَقْت بِهَا، فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِي؛ فَقَالَ: تَعَالَيْ يَا بُنَيّةُ، مَا هَذَا مَعَك؟ قَالَتْ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا تَمْرٌ، بَعَثَتْنِي بِهِ أُمّي إلَى أَبِي بصير بْنِ سَعْدٍ، وَخَالِي عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَدّيَانِهِ؛ قَالَ: هَاتِيهِ؛ قَالَتْ: فَصَبَبْته فِي كَفّيْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَمَا مَلَأَتْهُمَا، ثُمّ أَمَرَ بِثَوْبِ فَبُسِطَ لَهُ، ثُمّ دَحَا بِالتّمْرِ عَلَيْهِ، فَتَبَدّدَ فَوْقَ الثّوْبِ، ثُمّ قَالَ لِإِنْسَانِ عِنْدَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اُصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ: أَنْ هَلُمّ إلَى الْغَدَاءِ، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَجَعَلَ يَزِيدُ، حَتّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَا، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: عَمِلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَنْدَقِ، فَكَانَتْ عِنْدِي شُوَيْهَةٌ، غَيْرُ جِدّ سَمِينَةٌ. قَالَ: فَقُلْت: وَاَللهِ لَوْ صَنَعْنَاهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؛ قَالَ: فَأَمَرْت امْرَأَتِي، فَطَحَنَتْ لَنَا شَيْئًا مِنْ شَعِيرٍ، فَصَنَعَتْ لَنَا مِنْهُ خُبْزًا، وَذَبَحَتْ تِلْكَ الشّاةَ، فَشَوَيْنَاهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ: فلما أمسينا وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الِانْصِرَافَ عَنْ الْخَنْدَقِ- قَالَ: وَكُنّا نَعْمَلُ فِيهِ نَهَارَنَا، فَإِذَا أَمْسَيْنَا رَجَعْنَا إلَى أَهَالِيِنَا- قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي قَدْ صَنَعْت لَك شُوَيْهَةً كَانَتْ عِنْدَنَا، وَصَنَعْنَا مَعَهَا شَيْئًا مِنْ خُبْزِ هَذَا الشّعِيرِ فَأُحِبّ أَنْ تَنْصَرِفَ معى إلى مَنْزِلِي، وَإِنّمَا أُرِيدُ أَنْ يَنْصَرِفَ مَعِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحْدَهُ. قَالَ: فَلَمّا أَنْ قُلْت لَهُ ذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ، ثُمّ أَمَرَ صَارِخًا فَصَرَخَ: أَنْ انْصَرِفُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بَيْتِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَالَ: قُلْت: إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ! قَالَ: فَأَقْبَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل النّاسُ مَعَهُ؛ قَالَ: فَجَلَسَ وَأَخْرَجْنَاهَا إلَيْهِ. قَالَ: فَبَرّك وَسَمّى (اللهَ) ، ثُمّ أَكَلَ، وَتَوَارَدَهَا النّاسُ، كُلّمَا فَرَغَ قَوْمٌ قَامُوا وَجَاءَ نَاسٌ، حَتّى صدر أهل الخندق عنها. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثْت عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ، أَنّهُ قَالَ: ضَرَبْت ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْخَنْدَقِ، فَغَلُظَتْ عَلَيّ صَخْرَةٌ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَرِيبٌ مِنّي؛ فَلَمّا رَآنِي أَضْرِبُ وَرَأَى شِدّةَ الْمَكَانِ علىّ، نزل فأخذ المعول من مِنْ يَدِي، فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً لَمَعَتْ تَحْتَ الْمِعْوَلِ بُرْقَةٌ، قَالَ: ثُمّ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى؛ قَالَ: ثُمّ ضَرَبَ بِهِ الثّالِثَةَ، فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى. قَالَ: قُلْت: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللهِ! مَا هَذَا الّذِي رَأَيْت لَمَعَ تَحْتَ الْمِعْوَلِ وَأَنْتَ تَضْرِبُ؟ قَالَ: أَوَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ؛ قَالَ: أَمّا الأول فَإِنّ اللهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الْيَمَنَ؛ وَأَمّا الثّانِيَةُ فَإِنّ اللهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الشّامَ وَالْمَغْرِبَ، وَأَمّا الثّالِثَةُ فَإِنّ اللهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الْمَشْرِقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ، حِينَ فُتِحَتْ هَذِهِ الْأَمْصَارُ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَزَمَانِ عُثْمَانَ وَمَا بَعْدَهُ: افْتَتِحُوا مَا بدا لكم، فو الذى نفس أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، مَا افْتَتَحْتُمْ مِنْ مَدِينَةٍ وَلَا تَفْتَتِحُونَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلّا وَقَدْ أَعْطَى اللهُ سُبْحَانَهُ مُحَمّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مفاتيحها قبل ذلك. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ، أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتّى نَزَلَتْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ، بين الجرف وزغابة فى عشرة آلاف من أحابيشهم، ومن تبعهم من بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، حَتّى نَزَلُوا بِذَنَبِ نَقْمَى، إلَى جَانِبِ أُحُدٍ. وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ، حَتّى جَعَلُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تحريض حيى بن أخطب لكعب بن أسد

ظُهُورَهُمْ إلَى سَلْعٍ، فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَضَرَبَ هُنَالِكَ عَسْكَرَهُ، وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القوم. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَرَ بِالذّرَارِيّ والنساء فجعلوا فى الآطام. [تحريض حيى بن أخطب لكعب بن أسد] وَخَرَجَ عَدُوّ اللهِ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ النّضْرِيّ، حَتّى أَتَى كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيّ، صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهِمْ، وَكَانَ قَدْ وَادَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قَوْمِهِ، وَعَاقَدَهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَاهَدَهُ؛ فَلَمّا سَمِعَ كَعْبٌ بِحُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ أَغْلَقَ دُونَهُ بَابَ حِصْنِهِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ، فَنَادَاهُ حُيَيّ: وَيْحَك يَا كَعْبُ! افْتَحْ لِي، قَالَ: وَيْحك يَا حُيَيّ: إنّك امْرُؤٌ مَشْئُومٌ، وإنى قد عاهدت محمدا، فلست بناقص مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إلّا وَفَاءً وَصِدْقًا؛ قَالَ: وَيْحَك افْتَحْ لِي أُكَلّمْك؛ قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ، قَالَ: وَاَللهِ إنْ أغلقت دونى إلا تخوفت على جشيشتك أن آكل معك منها، فأحفظ الرّجل، ففتح له، فقال: ويحك يا كعب، جئك بِعِزّ الدّهْرِ وَبِبَحْرٍ طَامّ، جِئْتُك بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا، حَتّى أَنْزَلْتهمْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ، وَبِغَطَفَانَ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتّى أَنْزَلَتْهُمْ بِذَنَبِ نَقْمَى إلَى جَانِبِ أُحُدٍ، قَدْ عَاهَدُونِي وَعَاقَدُونِي عَلَى أَنْ لَا يَبْرَحُوا حَتّى نَسْتَأْصِلَ مُحَمّدًا وَمَنْ مَعَهُ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ جِئْتنِي وَاَللهِ بِذُلّ الدّهْرِ، وَبِجَهَامٍ قَدْ هَرَاقَ مَاءَهُ، فَهُوَ يَرْعَدُ وَيَبْرُقُ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَيْحَك يَا حُيَيّ! فَدَعْنِي وَمَا أَنَا عَلَيْهِ، فَإِنّي لَمْ أَرَ مِنْ مُحَمّدٍ إلّا صِدْقًا وَوَفَاءً. فَلَمْ يَزَلْ حُيَيّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التحرى عن نقض كعب للعهد

بِكَعْبِ يَفْتِلُهُ فِي الذّرْوَةِ وَالْغَارِبِ، حَتّى سَمَحَ لَهُ، عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ عَهْدًا مِنْ اللهِ وَمِيثَاقًا: لَئِنْ رَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ، وَلَمْ يُصِيبُوا مُحَمّدًا أَنْ أَدْخُلَ مَعَك فِي حِصْنِك حَتّى يصيا بنى مَا أَصَابَك. فَنَقَضَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ عَهْدَهُ، وبرىء مِمّا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم. [التحرى عَنْ نَقْضِ كَعْبٍ لِلْعَهْدِ] فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ الْأَوْسِ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بنى دُلَيْمٍ، أَحَدَ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ الْخَزْرَجِ وَمَعَهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بن عوف؛ فقال: انْطَلِقُوا حَتّى تَنْظُرُوا، أَحَقّ مَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ حَقّا فَالْحَنُوا لِي لَحْنًا أَعْرِفُهُ، وَلَا تَفُتّوا فِي أَعْضَادِ النّاسِ وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْهَرُوا بِهِ لِلنّاسِ. قَالَ: فَخَرَجُوا حَتّى أَتَوْهُمْ، فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ عنهم، نَالُوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: مَنْ رَسُولُ اللهِ؟ لَا عَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَلَا عَقْدَ. فَشَاتَمَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَشَاتَمُوهُ، وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حِدّةٌ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: دَعْ عَنْك مُشَاتَمَتَهُمْ، فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى مِنْ الْمُشَاتَمَةِ. ثُمّ أَقْبَلَ سَعْدٌ وَسَعْدٌ وَمَنْ مَعَهُمَا، إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلّمُوا عَلَيْهِ، ثُمّ قَالُوا: عَضَلٌ وَالْقَارّةُ، أَيْ كَغَدْرِ عضل والقارة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ظهور نفاق المنافقين واشتداد خوف المسلمين

بِأَصْحَابِ الرّجِيعِ، خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُ أَكْبَرُ، أَبْشِرُوا يا معشر المسلمين. [ظهور نفاق المنافقين واشتداد خوف المسلمين] وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ، وَاشْتَدّ الْخَوْفُ، وَأَتَاهُمْ عَدُوّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، حَتّى ظَنّ الْمُؤْمِنُونَ كُلّ ظَنّ، وَنَجَمَ النّفَاقُ مِنْ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ، حَتّى قَالَ مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: كَانَ مُحَمّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا الْيَوْمَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ إلى الغائط. [أكان معتب منافقا؟] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ مُعَتّبَ بْنَ قُشَيْرٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَاحْتَجّ بِأَنّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَتّى قَالَ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بن الحارث: يا رسول الله، إن بيوننا عَوْرَةٌ مِنْ الْعَدُوّ، وَذَلِكَ عَنْ مَلَأٍ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَخْرُجَ فَنَرْجِعَ إلَى دَارِنَا، فَإِنّهَا خَارِجٌ مِنْ الْمَدِينَةِ. فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقَامَ عليه المشركون بضعا وعشرين ليلة، قريبا من شهر، لم تكن بينهم حرب إلا الرّمّيا بِالنّبْلِ وَالْحِصَارُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ الرّميا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهم بعقد الصلح مع غطفان

[الهمّ بعقد الصلح مع غطفان] فَلَمّا اشْتَدّ عَلَى النّاسِ الْبَلَاءُ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَمَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ- إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَإِلَى الْحَارِثِ ابن عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرّيّ، وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا الصّلْحُ، حَتّى كَتَبُوا الْكِتَابَ، وَلَمْ تَقَعْ الشّهَادَةُ وَلَا عَزِيمَةُ الصّلْحِ، إلّا الْمُرَاوَضَةُ فِي ذَلِكَ. فَلَمّا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَفْعَلَ، بَعَثَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمَا، وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ، فَقَالَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمْرًا نُحِبّهُ فَنَصْنَعُهُ، أَمْ شَيْئًا أَمَرَك اللهُ بِهِ، لَا بُدّ لَنَا مِنْ الْعَمَلِ بِهِ، أَمْ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا؟ قَالَ: بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ، وَاَللهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إلّا لِأَنّنِي رَأَيْت الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلّ جَانِبٍ، فَأَرَدْت أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ إلَى أَمْرٍ مَا؛ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ كُنّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشّرْكِ بِاَللهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، لَا نَعْبُدُ اللهَ وَلَا نَعْرِفُهُ. وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا تَمْرَةً إلّا قِرًى أَوْ بَيْعًا، أَفَحِينَ أَكْرَمْنَا اللهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزّنَا بِك وَبِهِ، نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا! (وَاَللهِ) مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ، وَاَللهِ لَا نُعْطِيهِمْ إلّا السّيْفَ حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَنْتَ وَذَاكَ. فَتَنَاوَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الصّحِيفَةَ، فَمَحَا مَا فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ، ثُمّ قَالَ: ليجهدوا علينا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عبور نفر من المشركين الخندق

[عُبُورُ نَفَرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْخَنْدَقَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ، وَعَدُوّهُمْ مُحَاصِرُوهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، إلّا أَنّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ بْنِ أَبِي قَيْسٍ، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ. - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَمْرُو بْنُ عَبْدِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيّانِ، وَضِرَارُ بن الخطّاب الشاعر ابن مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، تَلَبّسُوا لِلْقِتَالِ، ثُمّ خَرَجُوا عَلَى خَيْلِهِمْ، حَتّى مَرّوا بِمَنَازِلِ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالُوا: تَهَيّئُوا يَا بَنِي كِنَانَةَ لِلْحَرْبِ، فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ الْفُرْسَانُ الْيَوْمَ، ثُمّ أَقْبَلُوا تُعْنِقُ بِهِمْ خَيْلُهُمْ، حَتّى وَقَفُوا عَلَى الْخَنْدَقِ، فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا: وَاَللهِ إنّ هَذِهِ لَمَكِيدَةٌ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَكِيدُهَا. [سَلْمَانُ وَإِشَارَتُهُ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ: إنّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ أَشَارَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ قَالُوا: سَلْمَانُ مِنّا؛ وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: سَلْمَانُ مِنّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سلمان منا أهل البيت. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مبارزة على لعمرو بن عبد ود

[مبارزة علىّ لعمرو بن عبد ود] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ تَيَمّمُوا مَكَانًا ضَيّقًا مِنْ الْخَنْدَقِ، فَضَرَبُوا خَيْلَهُمْ فَاقْتَحَمَتْ مِنْهُ، فَجَالَتْ بِهِمْ فِي السّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ، وَخَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي نَفَرٍ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، حَتّى أَخَذُوا عَلَيْهِمْ الثّغرة التى أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبدودّ قَدْ قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، فَلَمْ يَشْهَدْ يَوْمَ أُحُدٍ؛ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ خَرَجَ مُعْلِمًا لِيُرِيَ مَكَانَهُ. فَلَمّا وَقَفَ هُوَ وَخَيْلُهُ، قَالَ: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ: يَا عَمْرُو، إنّك قَدْ كُنْت عَاهَدْت اللهَ أَلّا يَدْعُوك رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى إحْدَى خَلّتَيْنِ إلّا أَخَذْتَهَا مِنْهُ، قَالَ لَهُ: أَجَلْ؛ قَالَ لَهُ عَلِيّ: فَإِنّي أَدْعُوك إلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَإِلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ، قَالَ: فَإِنّي أَدْعُوك إلَى النّزَالِ، فَقَالَ له: لم يابن أَخِي؟ فَوَاَللهِ مَا أُحِبّ أَنْ أَقْتُلَك، قَالَ لَهُ عَلِيّ: لَكِنّي وَاَللهِ أُحِبّ أَنْ أَقْتُلَك، فَحَمَى عَمْرٌو عِنْدَ ذَلِكَ، فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ، فَعَقَرَهُ، وَضَرَبَ وَجْهَهُ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيّ، فَتَنَازَلَا وَتَجَاوَلَا، فَقَتَلَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَخَرَجَتْ خَيْلُهُمْ مُنْهَزِمَةً، حَتّى اقْتَحَمَتْ مِنْ الْخَنْدَقِ هَارِبَةً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ: نَصَرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ ... وَنَصَرْتُ رَبّ مُحَمّدٍ بِصَوَابِي فَصَدَدْت حِينَ تَرَكْته مُتَجَدّلًا ... كَالْجِذْعِ بين دكادك وروابى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى عكرمة

وَعَفَفْت عَنْ أَثْوَابِهِ وَلَوْ أَنّنِي ... كُنْتُ الْمُقَطّرَ بَزّنِى أَثْوَابِي لَا تَحْسَبَن اللهَ خَاذِلَ دِينِهِ ... وَنَبِيّهِ يَا مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَشُكّ فِيهَا لِعَلِيّ بن أبى طالب [شعر حسان فى عكرمة] قال ابن إسحاق: وَأَلْقَى عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ رُمْحَهُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ مُنْهَزِمٌ عَنْ عَمْرٍو، فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِك: فَرّ وَأَلْقَى لَنَا رُمْحَهُ ... لَعَلّك عِكْرِمَ لَمْ تَفْعَلْ وَوَلّيْتَ تَعْدُو كَعَدْوِ الظّلِيمِ ... مَا إنْ تَجُورُ عَنْ الْمَعْدِلِ وَلَمْ تَلْقَ ظَهْرَك مُسْتَأْنِسًا ... كَأَنّ قَفَاك قَفَا فُرْعُلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْفُرْعُلُ: صَغِيرُ الضّبَاعِ، وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ [شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ] وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وبنى قريظة: حم، لا ينصرون. [حديث سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عبد الرحمن ابن سَهْلٍ الْأَنْصَارِيّ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ: أَنّ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ فِي حِصْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من قاتل سعد؟

بَنِي حَارِثَةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَكَانَ مِنْ أَحْرَزِ حصون المدينة. قال: وكانت أم سعد ابن مُعَاذٍ مَعَهَا فِي الْحِصْنِ؛ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَذَلِك قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ، فَمَرّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ مُقَلّصَةٌ، قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذراعه كلّها، وفى يده حربته يرفل بِهَا وَيَقُولُ: لَبّثْ قَلِيلًا يَشْهَدْ الهيجا جمل ... لا بأس بالموت إذا حان الأجل قَالَ فَقَالَتْ لَهُ أُمّهُ: الْحَقّ: أَيْ بني، فَقَدْ وَاَللهِ أَخّرْت؛ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْت لَهَا: يَا أُمّ سَعْدٍ، وَاَللهِ لَوَدِدْت أَنّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمّا هِيَ، قَالَتْ: وَخِفْتِ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ السّهْمُ مِنْهُ، فَرُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ بِسَهْمِ، فَقَطَعَ مِنْهُ الْأَكْحَلَ، رَمَاهُ كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، حِبّانُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ، أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، فَلَمّا أَصَابَهُ، قَالَ: خُذْهَا مِنّي وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ: عَرّقَ اللهُ وَجْهَك فِي النّارِ، اللهُمّ إنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا، فَإِنّهُ لَا قَوْمَ أَحَبّ إلَيّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا رَسُولَك وَكَذّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ، اللهُمّ وَإِنْ كُنْت قَدْ وَضَعْت الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهُ لِي شَهَادَةً، وَلَا تُمِتْنِي حَتّى تقرّ عينى من بنى قريظة. [من قَاتِلُ سَعْدٍ؟] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لا أتهم عن عبد الله بن كعب بْنِ مَالِكٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا أَصَابَ سَعْدًا يَوْمَئِذٍ إلّا أَبُو أُسَامَةَ الجشمي، حَلِيفُ بنى مخزوم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الحديث عن جبن حسان

وَقَدْ قَالَ أَبُو أُسَامَةَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا لعكرمة بن أبى جهل: أعكرم هَلّا لُمْتنِي إذْ تَقُولُ لِي ... فِدَاك بِآطَامِ الْمَدِينَةِ خَالِدُ أَلَسْتُ الّذِي أَلْزَمْت سَعْدًا مُرِشّةً ... لَهَا بَيْنَ أَثْنَاءِ الْمَرَافِقِ عَانِدُ قَضَى نَحْبَهُ مِنْهَا سَعِيدٌ فأعولت ... عَلَيْهِ مَعَ الشّمْطِ الْعَذَارَى النواهد وَأَنْتَ الّذِي دَافَعْتَ عَنْهُ وَقَدْ دَعَا ... عُبَيْدَةُ جَمْعًا مِنْهُمْ إذْ يُكَابِدُ عَلَى حِينِ مَا هُمْ جَائِرٌ عَنْ طَرِيقِهِ ... وَآخَرُ مَرْعُوبٌ عَنْ الْقَصْدِ قَاصِدُ (وَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذلك كان) . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: إنّ الّذِي رَمَى سعدا خفاجة بن عاصم بن حبّان. [الحديث عن جبن حسان] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ: كَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي فَارِعٍ، حِصْنُ حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ؛ قَالَتْ: وَكَانَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَعَنَا فِيهِ، مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ، قَالَتْ صَفِيّةُ: فَمَرّ بِنَا رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْحِصْنِ، وَقَدْ حَارَبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَقَطَعَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنّا وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي نُحُورِ عَدُوّهِمْ، لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُمْ إلَيْنَا إنْ أَتَانَا آتٍ. قَالَتْ: فَقُلْت: يَا حَسّانُ، إنّ هَذَا الْيَهُودِيّ كَمَا تَرَى يُطِيفُ بِالْحِصْنِ، وَإِنّي وَاَللهِ مَا آمنه أَنْ يَدُلّ عَلَى عَوْرَتِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نعيم يخذل المشركين

مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ يَهُودَ، وَقَدْ شُغِلَ عَنّا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فَانْزِلْ إلَيْهِ فَاقْتُلْهُ؛ قَالَ: يَغْفِرُ اللهُ لَك يابنة عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَاَللهِ لَقَدْ عَرَفْت مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا: قَالَتْ: فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئًا، احْتَجَزْت ثُمّ أَخَذْت عَمُودًا، ثُمّ نَزَلْت مِنْ الْحِصْنِ إلَيْهِ، فَضَرَبْتُهُ بِالْعَمُودِ حَتّى قَتَلْته. قَالَتْ: فَلَمّا فَرَغْت مِنْهُ، رَجَعْتُ إلَى الْحِصْنِ، فَقُلْت: يَا حَسّانُ، انْزِلْ إلَيْهِ فَاسْلُبْهُ، فَإِنّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلَبِهِ إلّا أَنّهُ رَجُلٌ؛ قَالَ: مَا لِي بِسَلَبِهِ من حاجة يابنة عبد المطلب. [نعيم يخذّل المشركين] قال ابن إسحاق: وَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ، فِيمَا وَصَفَ اللهُ مِنْ الْخَوْفِ وَالشّدّةِ، لِتَظَاهُرِ عَدُوّهِمْ عَلَيْهِمْ، وَإِتْيَانِهِمْ إيّاهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ. قَالَ: ثُمّ إنّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفِ بْنِ ثعلبة بن قنفد بن هلال ابن خَلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي قَدْ أَسْلَمْت، وَإِنّ قَوْمِي لَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَمُرْنِي بِمَا شِئْت، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّمَا أَنْت فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذّلْ عَنّا إنْ اسْتَطَعْت، فَإِنّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ. فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ لَهُمْ نَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَقَالَ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ، قَدْ عَرَفْتُمْ وُدّي إيّاكُمْ، وَخَاصّةً مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، قَالُوا: صَدَقْت، لَسْت عِنْدَنَا بمتّهم، فقال ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَهُمْ: إنّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَيْسُوا كَأَنْتُمْ، الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ، فِيهِ أَمْوَالُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، لَا تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَحَوّلُوا مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنّ قريشا وغطفان قد جاؤا لِحَرْبِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَدْ ظَاهَرْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ، وَبَلَدُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ بِغَيْرِهِ، فَلَيْسُوا كَأَنْتُمْ، فَإِنْ رَأَوْا نُهْزَةً أَصَابُوهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَحِقُوا ببلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خَلَا بِكُمْ، فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ حَتّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، يَكُونُونَ بِأَيْدِيكُمْ ثِقَةً لَكُمْ عَلَى أَنْ تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ مُحَمّدًا حَتّى تُنَاجِزُوهُ، فَقَالُوا لَهُ: لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ. ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى قُرَيْشًا، فَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ: قَدْ عَرَفْتُمْ وُدّي لَكُمْ وَفِرَاقِي مُحَمّدًا، وَإِنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ قَدْ رَأَيْت عَلَيّ حَقّا أَنْ أُبْلِغَكُمُوهُ، نُصْحًا لَكُمْ، فَاكْتُمُوا عَنّي؛ فَقَالُوا: نَفْعَلُ، قَالَ: تَعْلَمُوا أَنّ مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمّدٍ، وَقَدْ أَرْسَلُوا إلَيْهِ: إنّا قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا فَعَلْنَا، فَهَلْ يُرْضِيك أَنْ نَأْخُذَ لَك مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ، مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَنُعْطِيكَهُمْ، فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ثُمّ نَكُونُ مَعَك عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ حَتّى نَسْتَأْصِلَهُمْ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ: أَنْ نَعَمْ. فَإِنْ بَعَثَتْ إلَيْكُمْ يَهُودُ يَلْتَمِسُونَ مِنْكُمْ رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ فَلَا تَدْفَعُوا إلَيْهِمْ مِنْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا. ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى غَطَفَانَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ، إنّكُمْ أَصْلِي وَعَشِيرَتِي، وَأَحَبّ النّاسِ إلَيّ، وَلَا أَرَاكُمْ تَتّهِمُونِي، قَالُوا: صَدَقْت، مَا أَنْتَ عندنا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يمتّهم، قَالَ فَاكْتُمُوا عَنّي، قَالُوا: نَفْعَلُ، فَمَا أَمْرُك؟ ثُمّ قَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشِ وحذّرهم ما حذّرهم. فَلَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ السّبْتِ مِنْ شَوّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ، وَكَانَ مِنْ صُنْعِ اللهِ لِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ بن حرب ورؤس غَطَفَانَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ، فَقَالُوا لَهُمْ: إنّا لَسْنَا بِدَارِ مُقَامٍ، قَدْ هَلَكَ الْخُفّ وَالْحَافِرُ، فَاغْدُوَا لِلْقِتَالِ حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا، وَنَفْرُغَ مِمّا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَأَرْسَلُوا إلَيْهِمْ: إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ، وَهُوَ (يَوْمٌ) لَا نَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا، وَقَدْ كَانَ أَحْدَثَ فِيهِ بَعْضُنَا حَدَثًا، فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكُمْ، وَلَسْنَا مَعَ ذَلِكَ بِاَلّذِينَ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمّدًا حَتّى تُعْطُونَا رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ، يَكُونُونَ بِأَيْدِينَا ثِقَةً لَنَا حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا، فَإِنّا نَخْشَى إنّ ضَرّسَتْكُمْ الْحَرْبُ، وَاشْتَدّ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَنْ تَنْشَمِرُوا إلَى بِلَادِكُمْ وَتَتْرُكُونَا، وَالرّجُلَ فِي بَلَدِنَا، وَلَا طاقة لنا بذلك منه. فلما رجعت إليهم الرسل بما قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، قَالَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ: وَاَللهِ إنّ الّذِي حَدّثَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقّ، فَأَرْسِلُوا بَنِي قُرَيْظَةَ: إنّا وَاَللهِ لَا نَدْفَعُ إلَيْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ رِجَالِنَا، فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْقِتَالَ فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا، فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، حِينَ انْتَهَتْ الرّسُلُ إلَيْهِمْ بِهَذَا: إنّ الّذِي ذَكَرَ لَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقّ، مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ إلّا أَنْ يُقَاتِلُوا، فَإِنْ رَأَوْا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ انْشَمَرُوا إلَى بِلَادِهِمْ. وَخَلّوْا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرّجُلِ فِي بَلَدِكُمْ، فَأَرْسِلُوا إلَى قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ: إنّا وَاَللهِ لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمّدًا حَتّى تُعْطُونَا رَهْنًا، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ وَخَذّلَ اللهُ بَيْنَهُمْ، وَبَعَثَ اللهُ عليهم الرّيح ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تعرف ما حل بالمشركين

فِي لَيَالٍ شَاتِيَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَجَعَلَتْ تكفأ قدورهم، وتطرح أبنيتهم [تعرف مَا حَلّ بِالْمُشْرِكِينَ] (قَالَ) : فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما اخْتَلَفَ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَمَا فَرّقَ اللهُ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ، دَعَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، فَبَعَثَهُ إلَيْهِمْ، لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ لَيْلًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَرَأَيْتُمْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم وصحبتموه؟ قال: نعم، يابن أخى، قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قَالَ: وَاَللهِ لَقَدْ كُنّا نَجْهَدُ، قَالَ: فَقَالَ: وَاَللهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا. قَالَ: فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يابن أَخِي، وَاَللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ، وَصَلّى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوِيّا مِنْ اللّيْلِ، ثُمّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ثُمّ يَرْجِعُ- يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّجْعَةَ- أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنّةِ؟ فَمَا قَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، مِنْ شِدّةِ الْخَوْفِ، وَشِدّةِ الْجُوعِ، وَشِدّةِ الْبَرْدِ، فَلَمّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ، دَعَانِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدّ مِنْ الْقِيَامِ حِينَ دَعَانِي، فَقَالَ: يَا حُذَيْفَةُ، اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ، وَلَا تُحْدِثَنّ شَيْئًا حَتّى تَأْتِيَنَا. قَالَ: فَذَهَبْت فَدَخَلْت فِي الْقَوْمِ، وَالرّيحُ وَجُنُودُ اللهِ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ، لَا تُقِرّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أبو سفيان ينادى بالرحيل

وَلَا بِنَاءً، فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: لِيَنْظُرْ امْرُؤٌ مَنْ جَلِيسُهُ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَخَذْت بِيَدِ الرّجُلِ الّذِي كَانَ إلَى جَنْبِي، فَقُلْت: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: فُلَانُ بْنُ فلان. [أبو سفيان ينادى بالرحيل] ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّكُمْ وَاَللهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ، لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفّ، وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ، وَبَلَغَنَا عَنْهُمْ الّذِي نَكْرَهُ، وَلَقِينَا مِنْ شِدّةِ الرّيحِ مَا تَرَوْنَ، مَا تَطْمَئِنّ لَنَا قِدْرٌ، وَلَا تَقُومُ لَنَا نَارٌ، وَلَا يَسْتَمْسِكُ لَنَا بِنَاءٌ، فَارْتَحِلُوا فَإِنّي مُرْتَحِلٌ، ثُمّ قَامَ إلَى جَمَلِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمّ ضَرَبَهُ، فوثب به على ثلاث، فو الله مَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إلّا وَهُوَ قَائِمٌ، وَلَوْلَا عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيّ «أَنْ لَا تُحْدِثَ شَيْئًا حَتّى تَأْتِيَنِي» ثم شئت، لقتلته بسهم. قَالَ حُذَيْفَةُ: فَرَجَعْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي مِرْطٍ لِبَعْضِ نِسَائِهِ، مَرَاجِلُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمَرَاجِلُ: ضَرْبٌ مِنْ وَشَى الْيَمَنِ. فَلَمّا رَآنِي أَدْخَلَنِي إلَى رِجْلَيْهِ، وَطَرَحَ عَلَيّ طَرَفَ الْمِرْطِ، ثُمّ رَكَعَ وَسَجَدَ، وَإِنّي لِفِيهِ، فَلَمّا سَلّمَ أَخْبَرْته الْخَبَرَ، وَسَمِعَتْ غَطَفَانُ بِمَا فَعَلَتْ قُرَيْشٌ، فانشمروا راجعين إلى بلادهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الانصراف عن الخندق

[الانصراف عَنْ الْخَنْدَقِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا أَصْبَحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عَنْ الْخَنْدَقِ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ وَالْمُسْلِمُونَ، وَوَضَعُوا السّلَاحَ. [غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ] [الأمر الإلهى بِحَرْبِ بَنِي قُرَيْظَةَ] فَلَمّا كَانَتْ الظّهْرُ، أَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، كَمَا حَدّثَنِي الزّهْرِيّ، مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ، عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ، عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ، فَقَالَ: أَوَقَدْ وَضَعْتَ السّلَاحَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: فَمَا وَضَعَتْ الْمَلَائِكَةُ السّلَاحَ بَعْدُ، وَمَا رَجَعَتْ الْآنَ إلّا مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ، إنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ يَأْمُرُك يَا مُحَمّدُ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فإنى عامد إليهم فمزلزل بهم. فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُؤَذّنًا، فَأَذّنَ فِي النّاسِ، مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا، فَلَا يُصَلّيَنّ الْعَصْرَ إلّا بِبَنِي قُرَيْظَة. وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، فِيمَا قال ابن هشام. [علىّ يبلغ الرسول ما سمعه من بنى قريظة] قال ابن إسحاق: وقدم رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جبريل فى صورة دحية

بِرَايَتِهِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَابْتَدَرَهَا النّاسُ. فَسَارَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَتّى إذَا دَنَا مِنْ الْحُصُونِ سَمِعَ مِنْهَا مَقَالَةً قَبِيحَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَرَجَعَ حَتّى لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطّرِيقِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا عَلَيْك أَنْ لَا تَدْنُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَخَابِثِ، قَالَ: لِمَ؟ أَظُنّك سَمِعْت مِنْهُمْ لِي أَذًى؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: لَوْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَلَمّا دَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حُصُونِهِمْ. قَالَ: يَا إخْوَانَ الْقِرَدَةِ، هَلْ أَخْزَاكُمْ اللهُ وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ؟ قَالُوا يَا أَبَا القاسم، ما كنت جهولا. [جبريل فى صورة دحية] وَمَرّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالصّوْرَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: هَلْ مَرّ بِكُمْ أَحَدٌ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ مَرّ بِنَا دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ، عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ، عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ دِيبَاجٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذلك جِبْرِيلُ، بُعِثَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ، وَيَقْذِفُ الرّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ. وَلَمّا أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَنِي قُرَيْظَةَ: نَزَلَ عَلَى بِئْرٍ مِنْ آبَارِهَا مِنْ ناحية أموالهم، يقال لها بئر أنا. قال ابن هشام: بئر آنىّ. [تلاحق الناس بِالرّسُولِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَلَاحَقَ بِهِ النّاسُ، فَأَتَى رِجَالٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ الْعِشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الحصار

الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُصَلّوا الْعَصْرَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: لَا يُصَلّيَنّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إلّا بِبَنِي قُرَيْظَةَ، فَشَغَلَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدّ فِي حَرْبِهِمْ، وَأَبَوْا أَنْ يُصَلّوا، لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: حَتّى تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ. فَصَلّوْا الْعَصْرَ بِهَا، بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، فَمَا عَابَهُمْ اللهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، وَلَا عَنّفَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. حَدّثَنِي بِهَذَا الحديث أبى إسْحَاقَ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بن مالك الأنصارى. [الحصار] (قَالَ) : وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً حَتّى جَهَدَهُمْ الْحِصَارُ، وَقَذَفَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ. وَقَدْ كَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ دَخَلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ، حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ، وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عليه. [نصيحة كعب بن أسد لقومه] فَلَمّا أَيْقَنُوا بِأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتّى يُنَاجِزَهُمْ، قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنْ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ، وَإِنّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا، فَخُذُوا أَيّهَا شِئْتُمْ، قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: نُتَابِعُ هذا الرجل ونصدّقه فو الله لَقَدْ تَبَيّنَ لَكُمْ أَنّهُ لَنَبِيّ مُرْسَلٌ، وَأَنّهُ لَلّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فَتَأْمَنُونَ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ، قَالُوا: لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التّوْرَاةِ أَبَدًا، وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ، قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ عَلَيّ هَذِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصة أبى لبابة

فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مُصْلِتِينَ السّيُوفَ، لَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثَقَلًا، حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ، فَإِنْ نَهْلِكْ نهلك، ولم نترك وراءنا فلا نَخْشَى عَلَيْهِ، وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لِنَجِدَنّ النّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ، قَالُوا: نَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ! فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ؟ قَالَ: فَإِنْ أَبَيْتُمْ عَلَيّ هَذِهِ، فَإِنّ اللّيْلَةَ لَيْلَةُ السّبْتِ، وَإِنّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمّنُونَا فِيهَا، فَانْزِلُوا لَعَلّنَا نُصِيبُ مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ غِرّةً، قَالُوا: نُفْسِدُ سَبْتَنَا عَلَيْنَا، وَنُحْدِثُ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا إلّا مَنْ قَدْ عَلِمْت، فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك مِنْ الْمَسْخِ! قَالَ: مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمّهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ الدّهْرِ حَازِمًا. [قصة أبى لبابة] ثُمّ إنّهُمْ بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ ابْعَثْ إلَيْنَا أَبَا لبابة ابن عَبْدِ الْمُنْذِرِ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ، لِنَسْتَشِيرَهُ فِي أَمْرِنَا، فَأَرْسَلَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فَلَمّا رَأَوْهُ قَامَ إلَيْهِ الرّجَالُ، وَجَهَشَ إلَيْهِ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ، فَرَقّ لَهُمْ، وَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ! أَتَرَى أَنْ تنزل عَلَى حُكْمِ مُحَمّدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى حَلْقِهِ، إنّهُ الذّبْحُ. قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: فو الله مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتّى عَرَفْتُ أنى قد خنت الله ورسوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، ثُمّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى ارْتَبَطَ فِي المسجد إلى إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ، وَقَالَ: لَا أَبْرَحُ مَكَانِي هَذَا حَتّى يَتُوبَ اللهُ عَلَيّ مِمّا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

توبة الله على أبى لبابة

صَنَعْت، وَعَاهَدَ اللهَ: أَنْ لَا أَطَأَ بَنِي قريظة أبدا، ولا أرى فى بلد خلت الله ورسوله فيه أبدا. [توبة الله على أَبَى لُبَابَةَ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي أَبِي لُبَابَةَ، فِيمَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. الأنفال: 27 قال ابن إسحاق: فلما بلغ رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرُهُ، وَكَانَ قَدْ اَسْتَبْطَأَهُ، قَالَ: أَمَا إنّهُ لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، فَأَمّا إذْ قَدْ فَعَلَ مَا فَعَل، فَمَا أَنَا بِاَلّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتّى يَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ: أَنّ تَوْبَةَ أَبَى لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ السّحَرِ، وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمّ سَلَمَةَ. (فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ) : فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ السّحَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ. قَالَتْ: فَقُلْت: مِمّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ أَضْحَكَ اللهُ سِنّك؟ قَالَ: تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ، قَالَتْ: قُلْت: أَفَلَا أُبَشّرُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: بَلَى، إنْ شِئْتِ. قَالَ: فَقَامَتْ عَلَى بَابِ حُجْرَتِهَا، وَذَلِك قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنّ الْحِجَابُ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا لُبَابَةَ، أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَيْك. قَالَتْ: فَثَارَ النّاسُ إلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ: لَا وَاَللهِ حَتّى يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الّذِي يُطْلِقُنِي بِيَدِهِ، فَلَمّا مَرّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَارِجًا إلَى صَلَاةِ الصّبْحِ أَطْلَقَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام بعض بنى هدل

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ مُرْتَبِطًا بِالْجِذْعِ سِتّ لَيَالٍ، تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فِي كُلّ وَقْتِ صَلَاةٍ، فَتَحُلّهُ لِلصّلَاةِ، ثُمّ يَعُودُ فَيَرْتَبِطُ بِالْجِذْعِ، فِيمَا حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْآيَةُ الّتِي نَزَلَتْ فِي تَوْبَتِهِ قَوْلُ اللهِ عَزّ وَجَلّ: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. [إسلام بعض بَنِي هُدَلٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ، وَأُسَيْدِ بْنِ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ بن عبيد. وهم ففر مِنْ بَنِي هُدَلٍ، لَيْسُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَا النّضِيرِ، نَسَبُهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ هُمْ بَنُو عَمّ الْقَوْمِ، أَسْلَمُوا تِلْكَ اللّيْلَةَ الّتِي نَزَلَتْ فِيهَا بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [عَمْرِو بْنِ سُعْدَى] وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللّيْلَةِ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى الْقَرَظِيُ، فَمَرّ بِحَرَسِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَعَلَيْهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ تِلْكَ اللّيْلَةَ، فَلَمّا رَآهُ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا عَمْرُو بْنُ سُعْدَى- وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي غَدْرِهِمْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: لَا أَغْدِرُ بِمُحَمّدِ أَبَدًا- فَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمَة حِينَ عَرَفَهُ: اللهُمّ لَا تَحْرِمْنِي إقَالَةَ عَثَرَاتِ الْكِرَامِ، ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ. فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ حَتّى أَتَى بَابَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ تِلْكَ اللّيْلَةِ، ثُمّ ذَهَبَ فَلَمْ يُدْرَ أَيْنَ تَوَجّهَ مِنْ الْأَرْضِ إلَى يَوْمِهِ هذا، فذكر ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تحكيم سعد فى أمر بنى قريظة ورضاء الرسول به

لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَأْنُهُ، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ نَجّاهُ اللهُ بِوَفَائِهِ. وَبَعْضُ النّاسِ يَزْعُمُ أَنّهُ كَانَ أُوثِقَ بِرُمّةِ فِيمَنْ أوثق من بنى قريظة، حين نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَصْبَحَتْ رُمّتُهُ مُلْقَاةً، وَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ أىّ ذلك كان. [تحكيم سعد فى أمر بنى قريظة ورضاء الرسول به] (قَالَ) فَلَمّا أَصْبَحُوا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَتَوَاثَبَتْ الْأَوْسُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّهُمْ مَوَالِينَا دُونَ الْخَزْرَجِ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِي إخْوَانِنَا بِالْأَمْسِ مَا قَدْ عَلِمْت- وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ حَاصَرَ بَنِي قَيْنُقَاعِ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَسَأَلَهُ إيّاهُمْ عَبْدُ اللهِ بن أبىّ بن سَلُولَ، فَوَهَبَهُمْ لَهُ. فَلَمّا كَلّمَتْهُ الْأَوْسُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إلا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَذَاكَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم قد جعل سعد ابن مُعَاذٍ فِي خَيْمَةٍ لِامْرَأَةِ مِنْ أَسْلَمَ، يُقَالُ لَهَا رُفَيْدَةُ، فِي مَسْجِدِهِ، كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى، وَتَحْتَسِبُ بِنَفْسِهَا عَلَى خِدْمَةِ مَنْ كَانَتْ بِهِ ضَيْعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قَالَ لِقَوْمِهِ حِينَ أَصَابَهُ السّهْمُ بِالْخَنْدَقِ: اجْعَلُوهُ فِي خَيْمَةِ رُفَيْدَةَ حَتّى أَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ. فَلَمّا حَكّمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، أَتَاهُ قَوْمُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَدْ وَطّئُوا لَهُ بِوِسَادَةِ مِنْ أَدَمٍ، وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا جَمِيلًا، ثُمّ أَقْبَلُوا مَعَهُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيك، فَإِنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنّمَا وَلّاك ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ، فَلَمّا أَكْثَرُوا عليه قال: لقد أنى لِسَعْدٍ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ. فَرَجَعَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ إلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَنَعَى لَهُمْ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِمْ سَعْدٌ، عَنْ كَلِمَتِهِ الّتِي سَمِعَ مِنْهُ. فَلَمّا انْتَهَى سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا إلَى سَيّدِكُمْ- فَأَمّا الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَيَقُولُونَ: إنّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَنْصَارَ، وَأَمّا الْأَنْصَارُ، فَيَقُولُونَ: قَدْ عَمّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَقَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ وَلّاك أَمْرَ مَوَالِيك لِتَحْكُمَ فِيهِمْ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللهِ وَمِيثَاقُهُ، أَنّ الْحُكْمَ فِيهِمْ لَمَا حَكَمْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَعَلَى مَنْ هَاهُنَا، فِي النّاحِيَةِ الّتِي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إجْلَالًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، قَالَ سَعْدٌ: فَإِنّي أَحُكْمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الرّجَالُ، وَتُقَسّمُ الأموال، وتسبى الذرارى والنساء. قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقّاصٍ اللّيْثِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسَعْدٍ: لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ مِنْ فَوْقِ سبعة أرقعة: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تنفيذ الحكم فى بنى قريظة

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَاحَ وَهُمْ مُحَاصِرُو بَنِي قُرَيْظَة: يَا كَتِيبَةَ الْإِيمَانِ، وَتَقَدّمَ هُوَ وَالزّبَيْرُ بْنُ العوّام، وقال: والله لأذوقنّ ماذاق حَمْزَةُ أَوْ لَأُفْتَحَنّ حِصْنَهُمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ، ننزل على حكم سعد بن معاذ. [تنفيذ الحكم فى بنى قريظة] قال ابن إسحاق: ثُمّ اسْتَنْزَلُوا، فَحَبَسَهُمْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ، امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النّجّارِ، ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ، الّتِي هِيَ سُوقُهَا الْيَوْمَ، فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِقَ، ثُمّ بَعَثَ إلَيْهِمْ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ، يُخْرَجُ بِهِمْ إلَيْهِ أَرْسَالًا، وَفِيهِمْ عَدُوّ اللهِ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ أسد، رأس القوم، وهم ستّ مائة أو سبع مائة، والمكثّر لهم يقول: كانوا بين الثمان مائة والتسع مائة. وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ، وَهُمْ يُذْهَبُ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسَالًا: يَا كَعْبُ، مَا تَرَاهُ يُصْنَعُ بِنَا؟ قَالَ: أَفِي كُلّ مَوْطِنٍ لَا تَعْقِلُونَ؟ أَلَا تَرَوْنَ الدّاعِيَ لَا يَنْزِعُ، وَأَنّهُ مَنْ ذُهِبَ بِهِ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُ؟ هُوَ وَاَللهِ الْقَتْلُ! فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدّأْبُ حَتّى فَرَغَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. [مقتل حيى بن أخطب] وَأُتِيَ بِحُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ عَدُوّ اللهِ، وَعَلَيْهِ حُلّةٌ لَهُ فَقّاحِيّةٌ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المرأة القتيل من بنى قريظة

فَقّاحِيّةٌ: ضَرْبٌ مِنْ الْوَشَى- قَدْ شَقّهَا عَلَيْهِ من كل ناحية قدر أُنْمُلَة لِئَلّا يُسْلَبَهَا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلِ. فَلَمّا نَظَرَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَمَا وَاَللهِ مَا لُمْت نَفْسِي فِي عَدَاوَتِك، وَلَكِنّهُ مَنْ يَخْذُلُ اللهَ يُخْذَلْ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ، فَقَالَ: أَيّهَا النّاسُ، إنّهُ لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللهِ، كِتَابٌ وَقَدَرٌ وَمَلْحَمَةٌ كَتَبَهَا اللهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، ثُمّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. فَقَالَ جَبَلُ بْنُ جَوّالٍ الثّعْلَبِيّ: لَعَمْرُك مَا لَامَ ابْنُ أَخْطَبَ نَفْسَهُ ... وَلَكِنّهُ مَنْ يَخْذُلُ اللهُ يُخْذَلْ لَجَاهَدَ حَتّى أَبْلَغَ النّفْسَ عُذْرَهَا ... وَقَلْقَلَ يَبْغِي العزّ كلّ مقلقل [المرأة القتيل من بنى قريظة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عن عائشة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنّهَا قَالَتْ: لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ إلّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَتْ: وَاَللهِ إنّهَا لعندى تحدّث مَعِي، وَتَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْتُلُ رِجَالَهَا فِي السّوقِ، إذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا: أَيْنَ فُلَانَةُ؟ قَالَتْ: أنا والله، قالت: قلت لها: ويلك، مالك؟ قَالَتْ: أُقْتَلُ، قُلْت: وَلِمَ؟ قَالَتْ: لِحَدَثِ أَحْدَثْته، قَالَتْ: فَانْطَلَقَ بِهَا، فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا، فَكَانَتْ عَائِشَةُ تقول: فو الله مَا أَنْسَى عَجَبًا مِنْهَا، طِيبَ نَفْسِهَا، وَكَثْرَةَ ضَحِكِهَا، وَقَدْ عَرَفَتْ أَنّهَا تُقْتَلُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ الّتِي طَرَحَتْ الرّحَا عَلَى خَلّادِ بْنِ سُوَيْدٍ، فَقَتَلَتْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شأن الزبير بن باطا

[شَأْنُ الزّبَيْرِ بْنِ بَاطَا] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ، كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، أَتَى الزّبَيْرَ بْنَ بَاطَا الْقُرَظِيّ؛ وَكَانَ يُكَنّى أَبَا عبد الرحمن وكا الزّبَيْرُ قَدْ مَنّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ. ذَكَرَ لِي بَعْضُ وَلَدِ الزّبَيْرِ أَنّهُ كَانَ مَنّ عَلَيْهِ يَوْمَ بُعَاثٍ، أَخَذَهُ فَجَزّ نَاصِيَتَهُ، ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ- فَجَاءَهُ ثَابِتٌ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ، هَلْ تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَك، قَالَ: إنّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَجْزِيَك بِيَدِك عِنْدِي، قَالَ: إنّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ، ثُمّ أَتَى ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يَا رَسُولَ اللهِ إنّهُ قَدْ كَانَتْ لِلزّبَيْرِ عَلَيّ مِنّةٌ، وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا، فَهَبْ لِي دَمَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ لَك، فَأَتَاهُ فَقَالَ: أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَدْ وَهَبَ لِي دَمَك، فَهُوَ لَك، قَالَ: شَيْخُ كَبِيرٌ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ؟ قَالَ: فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللهِ، هَبْ لِي امْرَأَتَهُ وَوَلَدَهُ، قَالَ: هُمْ لَك. قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ وَهَبَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَك وَوَلَدَك، فَهُمْ لَك، قَالَ: أَهْلُ بَيْتٍ بِالْحِجَازِ لَا مَالَ لَهُمْ، فَمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رَسُولَ اللهِ، مَالَهُ، قَالَ: هُوَ لَك. فَأَتَاهُ ثَابِتٌ فَقَالَ: قَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم مالك، فهو لك، قَالَ: أَيْ ثَابِتٌ، مَا فَعَلَ الّذِي كَأَنّ وَجْهَهُ مِرْآةٌ صِينِيّةٌ يَتَرَاءَى فِيهَا عَذَارَى الْحَيّ، كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ سَيّدُ الْحَاضِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عطية القرظى ورفاعة

وَالْبَادِي حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ مُقَدّمَتُنَا إذَا شَدَدْنَا، وَحَامِيَتُنَا إذَا فَرَرْنَا، عَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْمُجْلِسَانِ؟ يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ وَبَنِيّ عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ؟ قَالَ: ذَهَبُوا قُتِلُوا. قَالَ: فَأَنّي أَسْأَلُك يَا ثَابِتُ بِيَدِي عندك إلا ألحقتنى بالقوم، فو الله مَا فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ خَيْرٍ، فَمَا أَنَا بِصَابِرِ لِلّهِ فَتْلَةَ دَلْوٍ نَاضِحِ حَتّى أَلْقَى الْأَحِبّةَ. فَقَدّمَهُ ثَابِتٌ، فَضُرِبَ عُنُقُهُ. فَلَمّا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ قَوْلَهُ «أَلْقَى الْأَحِبّةَ» . قَالَ: يَلْقَاهُمْ وَاَللهِ فِي نَارِ جَهَنّمَ خالدا مُخَلّدًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قِبْلَةَ دَلْوٍ نَاضِحٍ. وقال زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سَلْمَى فِي «قِبْلَةٍ» : وَقَابِلٍ يَتَغَنّى كُلّمَا قَدَرَتْ ... عَلَى الْعَرَاقَى يَدَاهُ قَائِمًا دفقا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: وَقَابِلٌ يُتَلَقّى، يَعْنِي قَابِلَ الدّلْوِ يتناول. [عطية القرظى ورفاعة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ كُلّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي شُعْبَةُ بْنُ الْحَجّاجِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَطِيّةَ الْقُرَظِيّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَ أن يقتل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الرسول صلي الله عليه وسلم يقسم فىء بنى قريظة

مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ كُلّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ، وكنت غلاما، فوجدنى لم أنبت، فخلّوا سبيلى. قال: وَحَدّثَنِي أَيّوبَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ: أَنّ سَلْمَى بِنْتَ قَيْسٍ، أُمّ الْمُنْذِرِ، أُخْتَ سُلَيْطِ بْنِ أُخْتَ سُلَيْطِ بْنِ قَيْسٍ- وَكَانَتْ إحْدَى خَالَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَدْ صَلّتْ مَعَهُ الْقِبْلَتَيْنِ، وَبَايَعَتْهُ بَيْعَةَ النّسَاءِ- سَأَلَتْهُ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلَ الْقُرَظِيّ، وَكَانَ رَجُلًا قَدْ بَلَغَ، فَلَاذَ بِهَا، وَكَانَ يَعْرِفُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيّ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، هَبْ لِي رِفَاعَةَ، فَإِنّهُ قَدْ زَعَمَ أَنّهُ سَيُصَلّي وَيَأْكُلُ لَحْمَ الجمل، قال: فوهبه لها فاستحيته. [الرسول صلي الله عليه وسلم يقسم فَيْءِ بَنِي قُرَيْظَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَسَمَ أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْلَمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُهْمَانَ الْخَيْلِ وَسُهْمَانَ الرّجَالِ، وَأَخْرَجَ مِنْهَا الْخُمُسَ، فَكَانَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِفَارِسِهِ سَهْمٌ، وَلِلرّاجِلِ، مَنْ لَيْسَ لَهُ فَرَسٌ، سَهْمٌ. وَكَانَتْ الْخَيْلُ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ سِتّةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، وَكَانَ أَوّلَ فَيْءٍ وَقَعَتْ فِيهِ السّهْمَانُ، وَأُخْرِجَ مِنْهَا الْخُمْسُ، فَعَلَى سُنّتِهَا وَمَا مَضَى مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَقَعَتْ المقاسم، ومضت السنّة فى المغازى. ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَخَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شأن ريحانة

بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بِسَبَايَا مِنْ سَبَايَا بَنِي قُرَيْظَةَ إلَى نَجْدٍ، فَابْتَاعَ لَهُمْ بِهَا خَيْلًا وسلاحا. [شأن ريحانة] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ اصْطَفَى لِنَفْسِهِ مِنْ نِسَائِهِمْ رَيْحَانَةَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ خُنَافَةَ، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ، فَكَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تُوُفّيَ عَنْهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يَتَزَوّجَهَا، وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ، بَلْ تَتْرُكُنِي فِي مِلْكِك، فَهُوَ أَخَفّ عَلَيّ وَعَلَيْك، فَتَرَكَهَا. وَقَدْ كَانَتْ حِينَ سَبَاهَا قَدْ تَعَصّتْ بِالْإِسْلَامِ، وَأَبَتْ إلّا الْيَهُودِيّةَ، فَعَزَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ لِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا. فَبَيْنَا هُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ، إذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ خَلْفَهُ، فَقَالَ: إنّ هَذَا لِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ يُبَشّرُنِي بِإِسْلَامِ رَيْحَانَةَ، فَجَاءَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَسْلَمَتْ رَيْحَانَةُ، فَسَرّهُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا. [ما نزل من القرآن فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِيّ قُرَيْظَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي أَمْرِ الْخَنْدَقِ، وَأَمْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، الْقِصّةَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، يَذْكُرُ فِيهَا مَا نَزَلَ مِنْ الْبَلَاءِ، وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَكِفَايَتِهِ إيّاهُمْ حِينَ فَرّجَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، بَعْدَ مَقَالَةِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ النّفَاقِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها، وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. وَالْجُنُودُ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَبَنُو قُرَيْظَةَ، وَكَانَتْ الْجُنُودُ الّتِي أَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِمْ مَعَ الرّيحِ الْمَلَائِكَةَ. يَقُول اللهُ تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ، وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. فالذين جاؤهم من فوقهم بنو قريظة، والذين جاؤهم مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ. يَقُولُ اللهُ (تَبَارَكَ و) تَعَالَى: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً لقول معتّب ابن قُشَيْرٍ إذْ يَقُولُ مَا قَالَ. وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ، إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً لِقَوْلِ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيّ وَمَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِ مِنْ قَوْمِهِ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها: أى المدينة. [تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: الْأَقْطَارُ: الْجَوَانِبُ، وَوَاحِدُهَا: قُطْرٌ، وَهِيَ الْأَقْتَارُ، وَوَاحِدُهَا: قَتَرٌ. قَالَ الْفَرَزْدَقُ: كَمْ مِنْ غِنًى فَتَحَ الْإِلَهُ لَهُمْ بِهِ ... وَالْخَيْلُ مُقْعِيَةٌ عَلَى الْأَقْطَارِ وَيُرْوَى: «عَلَى الْأَقْتَارِ» . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قصيدة له. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ: أَيْ الرّجُوعَ إلَى الشّرْكِ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً. وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ، وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا فَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ، وَهُمْ الّذِينَ هَمّوا أَنْ يَفْشَلُوا يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ بَنِي سَلِمَةَ حَيْنَ هَمّتَا بِالْفَشَلِ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمّ عَاهَدُوا اللهَ أَنْ لَا يَعُودُوا لِمِثْلِهَا أَبَدًا، فَذَكَرَ لَهُمْ الّذِي أَعْطَوْا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمّ قَالَ تَعَالَى: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ، وَإِذاً لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا. قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً، أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً، وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ: أَيْ أَهْلَ النّفَاقِ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا، وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا: أى إلا دفعا وتعذيرا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ: أَيْ لِلضّغَنِ الّذِي فِي أَنْفُسِهِمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ: أَيْ إعْظَامًا لَهُ وَفَرَقًا مِنْهُ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ: أَيْ فِي الْقَوْلِ بِمَا لَا تُحِبّونَ، لِأَنّهُمْ لَا يَرْجُونَ آخِرَةً، وَلَا تَحْمِلهُمْ حِسْبَةٌ، فَهُمْ يَهَابُونَ الْمَوْتَ هَيْبَةَ مَنْ لا يرجو ما بعده. [تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: سَلَقُوكُمْ: بَالَغُوا فِيكُمْ بِالْكَلَامِ، فَأَحْرَقُوكُمْ وَآذَوْكُمْ. تَقُولُ الْعَرَبُ: خَطِيبٌ سَلّاقٌ، وَخَطِيبٌ مُسْلِقٌ وَمِسْلَاقٌ. قال أعشى بنى قيس بن ثعلبة: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

فيهم المجد والسّماحة والنجدة فِيهِمْ وَالْخَاطِبُ السّلّاقُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ مَا قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا. ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ: أَيْ لِئَلّا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا عَنْ مَكَانٍ هُوَ بِهِ. ثُمّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَصِدْقَهُمْ وَتَصْدِيقَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ اللهُ مِنْ الْبَلَاءِ يَخْتَبِرُهُمْ بِهِ، فَقَالَ: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً: أَيْ صَبْرًا عَلَى الْبَلَاءِ وَتَسْلِيمًا لِلْقَضَاءِ، وَتَصْدِيقًا لِلْحَقّ، لَمّا كَانَ اللهُ تَعَالَى وعدهم ورسوله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ: أَيْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، وَرَجَعَ إلَى رَبّهِ، كَمَنْ اُسْتُشْهِدَ يوم بدر ويوم أحد. [تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: قَضَى نَحْبَهُ: مَاتَ، وَالنّحْبُ: النّفْسُ، فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ، وَجَمْعُهُ: نُحُوبٌ، قَالَ ذُو الرمّة: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عشيّة فرّ الحارثيّون بعد ما ... قضى نحبه فى ملتقى الخيل هوبر وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَهَوْبَرُ: مِنْ بنى الحارث بن كعب، أراد: زيد بْنَ هَوْبَرٍ. وَالنّحْبُ (أَيْضًا) : النّذْرُ. قَالَ جَرِيرُ بْن الْخَطْفِيّ: بِطِخْفَةَ جَالَدْنَا الْمُلُوكَ وَخَيْلُنَا ... عَشِيّةَ بِسْطَامٍ جَرَيْنَ عَلَى نَحْبِ يَقُول: عَلَى نَذْرٍ كَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ تَقْتُلَهُ فَقَتَلَتْهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَبِسْطَامٌ: بِسْطَامُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَسْعُودٍ الشّيْبَانِيّ، وَهُوَ ابْنُ ذِي الْجَدّيْنِ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّهُ كَانَ فَارِسَ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ. وَطِخْفَةُ: مَوْضِعٌ بِطَرِيقِ الْبَصْرَةِ. وَالنّحْبُ (أَيْضًا) : الْخِطَارُ، وَهُوَ: الرّهَانُ. قَالَ الْفَرَزْدَقُ: وَإِذْ نَحَبَتْ كَلْبٌ عَلَى النّاسِ أَيّنَا ... عَلَى النّحْبِ أَعْطَى لِلْجَزِيلِ وَأَفْضَلُ وَالنّحْبُ (أَيْضًا) : الْبُكَاءُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ يُنْتَحَبُ. وَالنّحْبُ (أَيْضًا) : الْحَاجَةُ وَالْهِمّةُ، تَقُولُ: مالى عِنْدَهُمْ نَحْبٌ. قَالَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِي: ومالى نَحْبٌ عِنْدَهُمْ غَيْرَ أَنّنِي ... تَلَمّسْت مَا تَبْغِي من الشّدن الشّجر وَقَالَ نَهَارُ بْنُ تَوْسِعَةَ، أَحَدُ بَنِي تَيْمِ اللّاتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ ابن عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ. قَالَ ابْنُ هشام: هؤلاء موال بَنِي حَنِيفَةَ: وَنَجّى يُوسُفَ الثّقَفِيّ رَكْضٌ ... دِرَاكٌ بَعْدَ مَا وَقَعَ اللّوَاءُ وَلَوْ أَدْرَكْنَهُ لَقَضَيْنَ نَحْبًا ... بِهِ وَلِكُلّ مُخْطَأَةٍ وِقَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَالنّحْبُ (أَيْضًا) : السّيْرُ الْخَفِيفُ الْمُرّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ: أَيْ مَا وَعَدَ اللهُ بِهِ مِنْ نَصْرِهِ، وَالشّهَادَةُ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا: أَيْ مَا شَكّوا وَمَا تَرَدّدُوا فِي دِينِهِمْ، وَمَا اسْتَبْدَلُوا بِهِ غَيْرَهُ. لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ، وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ: أَيْ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً. وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ: أَيْ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ صَياصِيهِمْ، وَالصّيَاصِيّ: الْحُصُونُ وَالْآطَامُ الّتِي كَانُوا فِيهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ سُحَيْمٌ عَبْدُ بَنِي الْحِسْحَاسِ، وَبَنُو الْحِسْحَاسِ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ: وَأَصْبَحَتْ الثّيرَانُ صَرْعَى وَأَصْبَحَتْ ... نِسَاءُ تَمِيمٍ يَبْتَدِرْنَ الصّيَاصِيَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالصّيَاصِيّ (أَيْضًا) : الْقُرُونُ. قَالَ النّابِغَةُ الْجَعْدِيّ: وِسَادَةَ رَهْطِي حَتّى بَقِيتُ فَرْدًا كَصَيْصِيَةِ الْأَعْضَبِ يَقُول: أَصَابَ الْمَوْتُ سَادَةَ رَهْطِي. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَقَالَ أَبُو دَواُدَ الإيادىّ: فذعرنا سحم الصّياصى بأيديهنّ نضح من الكحيل وقار ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إكرام سعد فى موته

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالصّيَاصِيّ أَيْضًا: الشّوْكُ الّذِي لِلنّسّاجِينَ، فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ. وَأَنْشَدَنِي لِدُرَيْدِ بْنِ الصّمّةِ الْجُشَمِىّ، جُشَمُ بْنُ معاوية ابن بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ: نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالرّمَاحُ تَنُوشُهُ ... كَوَقْعِ الصّيَاصِي فِي النّسِيجِ الْمُمَدّدِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالصّيَاصِيّ (أَيْضًا) : الّتِي تَكُونُ فِي أَرْجُلِ الدّيَكَةِ نَاتِئَةً كَأَنّهَا الْقُرُونُ الصّغَارُ، وَالصّيَاصِيّ (أَيْضًا) : الْأُصُولُ. أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ الْعَرَبَ تَقُولُ: جَذّ اللهُ صِيصِيَتَهُ: أَيْ أَصْلَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً: أَيْ قَتَلَ الرّجَالَ، وَسَبَى الذّرَارِيّ وَالنّسَاءَ، وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها: يَعْنِي خَيْبَرَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً. [إكرام سعد فى موته] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْقَضَى شَأْنُ بَنِي قريظة انْفَجَرَ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ جُرْحُهُ، فَمَاتَ مِنْهُ شَهِيدًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ الزّرَقِيّ، قَالَ: حَدّثَنِي مَنْ شِئْت مِنْ رِجَالِ قَوْمِي: أَنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَتَى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قُبِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مَنْ هَذَا الْمَيّتُ الّذِي فُتّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السّمَاءِ، وَاهْتَزّ لَهُ الْعَرْشُ؟ قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا يَجُرّ ثوبه إلى سعد، فوجده قد مات. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَتْ: أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ قَافِلَةً مِنْ مَكّةَ، وَمَعَهَا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَلَقِيَهُ مَوْتُ امْرَأَةٍ لَهُ، فَحَزِنَ عَلَيْهَا بَعْضَ الْحُزْنِ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَغْفِرُ اللهُ لَك يَا أَبَا يَحْيَى، أَتَحْزَنُ عَلَى امْرَأَةٍ وَقَدْ أُصِبْت بِابْنِ عَمّك، وَقَدْ اهْتَزّ لَهُ الْعَرْشُ! قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي من لا أتهم عن الحسن البصري، قال: كَانَ سَعْدٌ رَجُلًا بَادِنًا، فَلَمّا حَمَلَهُ النّاسُ وَجَدُوا لَهُ خِفّةً، فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ: وَاَللهِ إنْ كَانَ لَبَادِنَا، وَمَا حَمَلْنَا مِنْ جِنَازَةٍ أَخَفّ مِنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنّ لَهُ حَمَلَةً غَيْرَكُمْ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ اسْتَبْشَرَتْ الْمَلَائِكَةُ بِرُوحِ سَعْدٍ، وَاهْتَزّ لَهُ الْعَرْشُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ، عَنْ محمود بن عبد الرحمن ابن عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمّا دُفِنَ سَعْدٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَبّحَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَسَبّحَ النّاسُ مَعَهُ، ثُمّ كَبّرَ فَكَبّرَ النّاسُ مَعَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مِمّ سَبّحْت؟ قَالَ: لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الصّالِحِ قَبْرُهُ، حتى فرّجه الله عنه. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمَجَازُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُ عَائِشَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شهداء الغزوة

عَلَيْهِ وَسَلّمَ: إنّ لِلْقَبْرِ لَضَمّةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْهَا نَاجِيًا لَكَانَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلِسَعْدِ يَقُولُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: وَمَا اهْتَزّ عَرْشُ اللهِ مِنْ مَوْتِ هَالِكٍ ... سَمِعْنَا بِهِ إلّا لِسَعْدٍ أَبِي عَمْرٍو وَقَالَتْ أُمّ سَعْدٍ، حِين اُحْتُمِلَ نَعْشُهُ وَهِيَ تَبْكِيهِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَهِيَ كُبَيْشَةُ بِنْتُ رَافِعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ، وَهُوَ خُدْرَةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: وَيْلُ أُمّ سَعْدٍ سَعْدًا ... صَرَامَةً وَحَدّا وَسُوْدُدًا وَمَجْدًا ... وَفَارِسًا مُعَدّا سُدّ بِهِ مَسَدّا ... يَقُدّ هَامًا قَدّا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلّ نَائِحَةٍ تَكْذِبُ، إلّا نَائِحَةَ سَعْدِ بْنِ معاذ. [شهداء الغزوة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمْ يَسْتَشْهِدْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ إلّا سِتّةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأَنَسُ بْنُ أوس بن عتيك بن عمرو، عبد اللهِ بْنُ سَهْلٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي جشم بن الخزرج، ثم من بني سلمة: الطّفيل بن النعمان، وثعلبة ابن غنمة. رجلان. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

ومن بَنِي النّجّارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي دِينَارٍ: كَعْبُ بن زيد، أصابه سهم غرب، فقتله. [تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: سَهْمُ غَرْبٍ وَسَهْمٌ غَرْبٌ، بِإِضَافَةِ وَغَيْرِ إضَافَةٍ، وَهُوَ الّذِي لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيْنَ جاء ولا من رمى به. [قتلى المشركين] وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: مُنَبّهُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، أَصَابَهُ سَهْمٌ، فَمَاتَ مِنْهُ بِمَكّةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ عُثْمَانُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ مُنَبّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَبِيعَهُمْ جَسَدَهُ، وَكَانَ اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ، فَتَوَرّطَ فِيهِ، فَقُتِلَ، فَغَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَسَدِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي جَسَدِهِ وَلَا بِثَمَنِهِ، فَخَلّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَعْطَوْا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَسَدِهِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ الزّهْرِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، ثُمّ مِنْ بَنِي مالك بن حسل: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شهداء المسلمين يوم بنى قريظة

عمرو بن عبدود، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي الثّقَةُ أَنّهُ حَدّثَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: قَتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدّ وَابْنَهُ حِسْلَ بْنَ عَمْرٍو. قال ابن هشام: ويقال عمرو بن عبدود، ويقال: عمرو بن عبد. [شُهَدَاءُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: خَلّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو، طُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحًى، فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا، فَزَعَمُوا أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّ لَهُ لَأَجْرَ شَهِيدَيْن. وَمَاتَ أَبُو سِنَانِ بْنُ مُحْصَنِ بْنِ حَرْثَانَ، أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ الّتِي يَدْفِنُونَ فِيهَا الْيَوْمَ، وَإِلَيْهِ دفنوا أمواتهم فى الإسلام. [البشارة بِغَزْوِ قُرَيْشٍ] وَلَمّا انْصَرَفَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْ الْخَنْدَقِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي: لَنْ تَغْزُوَكُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا، وَلَكِنّكُمْ تَغْزُونَهُم. فَلَمْ تَغْزُهُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ هُوَ الّذِي يَغْزُوهَا، حَتّى فتح الله عليه مكة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيّ: سُمّيَتْ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ بِدُومِيّ بْنِ إسْمَاعِيلَ، كَانَ نَزَلَهَا «1» غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ وَحَفْرُ الْخَنْدَقِ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنّهُ مِنْ مَكَايِدِ الْفُرْسِ وَحُرُوبِهَا، وَلِذَلِك أَشَارَ بِهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيّ، وَأَوّلُ مَنْ خَنْدَقَ الْخَنَادِقَ مِنْ مُلُوكِ الْفُرْسِ فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ «مِنُوشِهْرُ بْنُ أبيرج «2» بْنُ أَفْرِيدُونَ «3» وَقَدْ قِيلَ فِي أَفْرِيدُونَ: إنّهُ ابْنُ إسْحَاقَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ فِيهِ: هُوَ ابْنُ أَثْقِيَانَ، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ اتّخَذَ آلَةَ» الرّمْيِ، وَإِلَى رَأْسِ سِتّينَ سَنَةً مِنْ مُلْكِهِ بُعِثَ

_ (1) يصفها البكرى بأنها على عشر مراحل من المدينة وعشر من الكوفة، وثمان من دمشق، واثنتى عشرة من مصر، وسميت بدومان بن إسماعيل عليه السلام كان ينزلها. (2) هو فى الطبرى: إيرج وكذلك فى الزرقانى وهو ينقل عن الروض ويقول عن الطبرى ص 379 ح 1 ط المعارف «وهو أول من خندق الخنادق وجمع آلة الحرب» . (3) ذكره حبيب بن أوس الطائى فى شعره إذ قال: ما نال ما قد نال فرعون ولا ... هامان فى الدنيا، ولا قارون بل كان كالضحاك فى سطواته ... بالعالمين وأنت أفريدون والعجم يزعمون أن أفريدون وثب بالضحاك، وأوثقه وصيره بجبال دنباوند وأنه إلى اليوم موثق فى الحديد يعذب!! ص 197 ح 1 تاريخ الطبرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ، وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُ الْكَمَائِنِ فِي الْحُرُوبِ، وَأَنّ أَوّلَ مَنْ فَعَلَهَا بُخْتَنَصّرُ فِي قَوْلِ الطّبَرِيّ. وَذَكَرَ تَحْزِيبَ بَنِي قُرَيْظَةَ الْأَحْزَابَ، وَنَسَبَ طَائِفَةً مِنْ بَنِي النّضِيرِ، فَقَالَ فِيهِمْ النّضَرِيّ، وَهَكَذَا تَقَيّدَ فِي النّسْخَةِ الْعَتِيقَةِ، وَقِيَاسُهُ: النّضِيرِيّ إلّا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ ثَقَفِيّ وَقُرَشِيّ «1» ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ، وإنما يقال: فعلىّ فى النّسب إلى فعلية. عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: وَذَكَرَ قَائِدَ غَطَفَانَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَهُوَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَاسْمُهُ حُذَيْفَةُ، وسمّى: عيينة لشتركان بِعَيْنِهِ، وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ عَلَيْهِ السّلَامُ

_ (1) هذا شاذ فى فعيل بفتح الفاء وفعيل بضم الفاء. فالقياس فيها إبقاء الياء. ولكن يقول السيرافى عن النسب إلى فعيل بضم الفاء «أما ما ذكره سيبويه من أن النسبة إلى هذيل هذلى فهذا الباب عندى لكثرته كالخارج عن الشذوذ وذلك خاصة فى العرب الذين بتهامة وما يقرب منها، لأنهم قالوا: قرشى وملحى وهذلى وفقمى، وكذا قالوا فى سليم وخشيم وقريم وحريق وهم من هذيل- وكلها بضم الأوّل- سلمى وخثمى وقرمى وحرثى. وهؤلاء كلهم متجاورون بتهامة وما يدانيها، والعلة اجتماع ثلاث ياآت مع كسر فى الوسط» ص 29 ح 2 شرح الشافيه للرضى. ويرى المبرد أن ما كان على فعيل وفعيل بالفتح فى الأولى والضم فى الأخرى فانك مخير فى النسب إليهما بين حذف الياء وبقائها قياسا مطردا فتقول فى النسب إلى شريف وجعيل شريفى وجعيلى أو شرفى وجعلى. أما مذهب السيرافى فيبدو أنه يشير إلى أن ما كان على فعيل بفتح الفاء فليس فيه إلا إبقاء الياء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَحْمَقُ الْمُطَاع، لِأَنّهُ كَانَ مِنْ الْجَرّارِينَ تَتْبَعُهُ عَشَرَةُ آلَافِ قَنَاةٍ، وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ شَرّ النّاسِ مَنْ وَدَعَهُ النّاسُ اتّقَاءَ شَرّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنّهُ قَالَ: إنّي أُدَارِيهِ، لِأَنّي أَخْشَى أَنْ يُفْسِدَ عَلَيّ خَلْقًا كَثِيرًا، وَفِي هَذَا بَيَانُ مَعْنَى الشّرّ الّذِي اتّقَى مِنْهُ، وَكَانَ دَخَلَ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَلَمّا قَالَ لَهُ: أَيْنَ الْإِذْنُ؟ قَالَ: مَا اسْتَأْذَنْت عَلَى مُضَرِيّ قَبْلَك، وَقَالَ: مَا هَذِهِ الْحُمَيْرَاءُ مَعَك يَا مُحَمّدُ؟ فَقَالَ: هِيَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: ؟ لِّقها، وَأَنْزِلُ لَك عَنْ أُمّ الْبَنِينَ، فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ تُذْكَرُ مِنْ جَفَائِهِ، أَسْلَمَ، ثُمّ ارْتَدّ، وَآمَنَ بِطُلَيْحَةَ حِينَ تَنَبّأَ وَأُخِذَ أَسِيرًا، فَأُتِيَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَسِيرًا، فَمَنّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَزَلْ مُظْهِرًا لِلْإِسْلَامِ عَلَى جَفْوَتِهِ وَعَنْجَهِيّتِهِ وَلُوثَةِ أَعْرَابِيّتِهِ حَتّى مَاتَ. قَالَ الشّاعِرُ: وَإِنّي عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَنْجَهِيّتِي ... وَلُوثَةِ أَعْرَابِيّتِي لَأَدِيبُ «1» وَذَكَرَ حَفْرَهُ الْخَنْدَقَ، وَأَنّهُ عَرَضَتْ لَهُ صَخْرَةٌ، وَوَقَعَ فِي غَيْرِ السّيرَةِ

_ (1) البيت فى اللسان. وفيه عيد هيتى بدلا من عنجهيتى، وأريب بدلا من أديب والعيدهية: الكبر. والعنجهية والعيدهية أيضا والعندهية وعجرفية، وشمخرة إذا كان فيه جفاء. هذا وقد وصف بالأحمق المطاع فى حديث رواه سعيد بن منصور مرسلا!! وقد قيل عنه ذلك بعد أن سألت عائشة عنه بعد أن قال ما قال. وقد أخرجه الطبرانى موصلالا من وجه آخر عن جرير بن عيينة بن حصن دخل على النبى «ص» فقال وعنده عائشة- من هذه الجالسة إلى جانبك؟ قال: عائشة. قال: أفلا أنزل لك عن خير منها؟ يعنى امرأته، فقال له النبى: أخرج فاستأذن، فقال: إنها يمين على ألا استأذن على مضرى، فقالت عائشة: من هذا؟ فذكره-.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَبْلَةٌ وَهِيَ الصّخْرَةُ الصّمّاءُ، وَجَمْعُهَا عَبَلَاتٌ وَيُقَالُ لَهَا الْعَبْلَاءُ وَالْأَعْبَلُ أَيْضًا، وَهِيَ صَخْرَةٌ بَيْضَاءُ. الْبَرَقَاتُ الّتِي لَمَعَتْ: وَذَكَرَ أَنّهُ لَمَعَتْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الصّخْرَةِ بَرْقَةٌ بَعْدَ بَرْقَةٍ، وَخَرّجَهُ النّسَوِيّ مِنْ طَرِيقِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ بِأَتَمّ مِمّا وَقَعَ فِي السّيرَةِ، قَالَ: لَمّا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- إن نَحْفِرَ الْخَنْدَقَ عَرَضَ لَنَا حَجَرٌ لَا يَأْخُذُ فِيهِ الْمِعْوَلُ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ وَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الصّخْرَةِ، وَقَالَ اللهُ أَكْبَرُ أُعْطِيت مَفَاتِيحَ الشّامِ، وَاَللهِ إنّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا، قَالَ: ثُمّ ضَرَبَ أُخْرَى، وَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، وَكَسَرَ ثُلُثًا آخَرَ، قَالَ اللهُ أَكْبَرُ أُعْطِيت مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاَللهِ إنّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْيَضَ الْآنَ، ثُمّ ضَرَبَ ثَالِثَةً وَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، فَقَطَعَ الْحَجَرَ، وَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ. أُعْطِيت مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، والله إنى لا بصر بَابَ صَنْعَاءَ [مِنْ مَكَانِي هَذَا السّاعَةَ] «1» . وَقَوْلُهُ: فَأْسًا وَلَا مِسْحَاةً. الْمِسْحَاةُ: مِفْعَلَةٌ مِنْ سَحَوْت الطّينَ، إذَا قَشَرْته، وَيُقَالُ لِحَدّ الْفَأْسِ وَالْمِسْحَاةِ: الْغُرَابُ، وَلِنَصْلَيْهِمَا: الْفِعَالُ بِكَسْرِ الْفَاءِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ التّيْمِيّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النّهْدِيّ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ ضَرَبَ فى الخندق قال:

_ (1) أخرجه أحمد والنسائى والزيادة من روايتهما. وللطبرانى من حديث عبد الله بن عمرو نحوه، وأخرجه البيهقى من طريق كثير بن عبد الرحمن ابن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وثمت خلاف بين روايتهما ورواية السيرة فوازن بين الروايتين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِسْمِ اللهِ وَبِهِ بَدِينَا* وَلَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شقينا* حبّذا ربا وحبّذا دينا «1»

_ (1) هو عند الحارث بن أبى أسامة من طريق سليمان بن طرخان التيمى عن أبى عثمان النهدى. وبدينا بكسر الدال يقال: بديت بالشىء بكسر الدال، أى: بدأت به، فلما خفف الهمز كسر الدال، فانقلبت الهمزة ياء، وليست الياء فيه أصلية. وقوله حبذا دينا يجعل الرجز غير موزون إلا بإسكان باء حبذا. والذى فى الفتح والحلبية: حبذا ربا وحب دينا. انظر ص 332 ح 2 وفتح البارى فى غزوة الخندق. وفى البخارى: كان النبى «ص» ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو أغير بطنه يقول: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا وفى رواية أخرى عن البراء «فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة ثم ذكر الرجز السابق» . وقوله: إن الألى قد بغوا ليس بموزون، وتحريره إن الذين قد بغوا علينا. وفى رواية مسلم: أبو ابدلا من بغوا أنظر ص 321 ح 7 فتح البارى شرح صحيح البخارى. وفى البخارى أيضا أنه خرج «ص» فرأى المهاجرين والأنصار يحفرون فى غداة باردة، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال: اللهم إن العيش عيش الأخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره فقالوا مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا وهذا قول ابن رواحة. وقد قال الداودى: إنه قاله: لاهم، فأورده بعض لرواة على المعنى، وقيل ليس كذلك بل يكون دخله الخرم ومن صوره زيادة شىء من حروف المعانى فى أول الجزء، والجزء الثانى أيضا غير موزون. وفى رواية: فبارك يدل: فاغفر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَحْقِيقُ اسْمِ زَغَابَةَ: وَقَوْلُهُ: حَتّى نَزَلُوا بَيْنَ الْجُرُفِ وَزَغَابَةَ. زَغَابَةُ اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْغَيْنِ الْمَنْقُوطَةِ وَالزّايِ الْمَفْتُوحَةِ، وَذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ بِهَذَا اللّفْظِ بَعْدَ أَنْ قَدّمَ الْقَوْلَ بِأَنّهُ زُعَابَةُ بِضَمّ الزّايِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَحُكِيَ عَنْ الطّبَرِيّ أَنّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ الْجُرُفِ وَالْغَابَةِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرّوَايَةَ وَقَالَ: لِأَنّ زَغَابَةَ لَا تُعْرَفُ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَالْأَعْرَفُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الرّوَايَةِ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ: زَغَابَةَ بِالْغَيْنِ الْمَنْقُوطَةِ، لِأَنّ فِي الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ، قَالَ فى ناقة أهداها إليه أعرانى، فَكَافَأَهُ بِسِتّ بَكَرَاتٍ، فَلَمْ يَرْضَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَلَا تَعْجَبُونَ لِهَذَا الْأَعْرَابِيّ! أَهْدَى إلَيّ نَاقَةً أَعْرِفُهَا بِعَيْنِهَا، كَمَا أَعْرِفُ بَعْضَ أَهْلِي ذَهَبَتْ مِنّي يَوْمَ زَغَابَةَ «1» ، وَقَدْ كَافَأْته بِسِتّ فَسَخِطَ. الْحَدِيثَ، وَقَالَ: ذَنَبِ نُقْمٍ وَنَقْمَى مَعًا. يقتل فِي الذّرْوَةِ وَالْغَارِبِ: وَذَكَرَ حَيَيّ بْنَ أَخْطَبَ، وَمَا قَالَ لِكَعْبِ، وَأَنّهُ لَمْ يَزَلْ يَفْتِلُ فِي الذّرْوَةِ وَالْغَارِبِ. هَذَا مَثَلٌ، وَأَصْلُهُ فِي الْبَعِيرِ، يُسْتَصْعَبُ عَلَيْك فَتَأْخُذُ الْقُرَادَ مِنْ ذِرْوَتِهِ وَغَارِبِ سَنَامِهِ، وَتَفْتِلُ هُنَاكَ، فَيَجِدُ الْبَعِيرُ لَذّةً فَيَأْنَسُ عِنْدَ ذَلِكَ «2» ، فَضُرِبَ هَذَا الْكَلَامُ مَثَلًا فِي الْمُرَاوَضَةِ وَالْمُخَاتَلَةِ، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ

_ (1) ولكن يقول الخشنى: «كذا وقع هنا بالزاء مفتوحة، ورغابة بالراء المفتوحة هو الجيد وكذلك رواه الوقشى» ص 301. (2) فسره الخشنى بقوله: أراد بذلك أنه لم يزل يخدعه كما يخدع البعير إذا كان نافرا فيمسح باليد على ظهره حتى يستأنس، فيجعل الخطام على رأسه. ص 201.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابْنِ الزّبَيْرِ حِينَ أَرَادَ عَائِشَةَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْبَصْرَةِ «1» ، فَأَبَتْ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ يَفْتِلُ فِي الذّروة والغارب حتى أجابته. وقال الخطيئة: لَعَمْرُك مَا قُرَادُ بَنِي بَغِيضٍ ... إذَا نُزِعَ القواد بِمُسْتَطَاعِ «2» يُرِيدُ: أَنّهُمْ لَا يُخْدَعُونَ وَلَا يُسْتَذَلّونَ. اللّحْنُ: وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَنُوا لِي لَحْنًا أَعْرِفُهُ، وَلَا تَفُتّوا فِي أَعْضَادِ النّاسِ. اللّحْنُ: الْعُدُولُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ النّاسِ إلَى وَجْهٍ لَا يَعْرِفُهُ إلّا صَاحِبُهُ، كَمَا أَنّ اللّحْنَ الّذِي هُوَ الْخَطَأُ عُدُولٌ عَنْ الصّوَابِ الْمَعْرُوفِ. قَالَ السّيرَافِيّ: مَا عَرَفْت حَقِيقَةَ مَعْنَى النّحْوِ إلّا مِنْ مَعْنَى اللّحْنِ الّذِي هُوَ ضِدّهُ، فَإِنّ اللّحْنَ عُدُولٌ عَنْ طَرِيقِ الصّوَابِ، وَالنّحْوُ قَصْدٌ إلَى الصّوَابِ، وَأَمّا اللّحَنُ بِفَتْحِ الْحَاءِ، فَأَصْلُهُ مِنْ هَذَا إلّا أَنّهُ إذَا لَحَنَ لَك لِتَفْهَمَ عَنْهُ، فَفَهِمْت سُمّيَ ذَلِكَ الْفَهْمُ لَحَنًا، ثُمّ قِيلَ لِكُلّ مَنْ فَهِمَ قَدْ لَحِنَ بكسر

_ (1) يقول ابن قتيبة فى ضبطها «مسكنة الصاد، وكسرها خطأ، فاذا حذفوا الهاء قالوا: البصر، فكسروا الباء، وإنما أجازوا فى النسب بصرى لذلك» ص 420 أدب الكاتب، وانظر معجم البكرى. وفى القاموس البصرة بلد وموضع ويكسر ويحرك وبكسر الصاد، أو هو معرب بس راه، أى كثير الطرق. (2) البيت فى اللسان وفيه كليب بدلا من: بغيض، وقد نسبه الأزهرى للأخطئى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحَاءِ، وَأَصْلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَهْمِ عَنْ اللاحن «1» قال الجاحظ فى قول مالك ابن أَسْمَاءَ [بْنِ خَارِجَةَ الْفَزَارِيّ] : مَنْطِقٌ صَائِبٌ وَتَلْحَنُ أَحْيَا ... نًا وَخَيْرُ الْحَدِيثِ مَا كَانَ لَحْنَا «2» أراد أنّ اللّحن الذى هو الخطأ فد يستملح، ويستطاب من الجارية الحديثة السّزّ، وخطّىء الْجَاحِظُ فِي هَذَا التّأْوِيلِ «3» ، وَأُخْبِرَ بِمَا قَالَهُ الحجاج بن

_ (1) فى اللسان: اللحن واللحن- بالسكون فى الحاء الأولى والفتح فى الثانية واللحانة واللحابن ترك الصواب فى القراءة والنشيد. وفيه أيضا: اللحن- بفتح الحاء- الفطنة. (2) يريد: أنها تتكلم بشىء وهى تريد غيره، وتعرض فى حديثها، فنزيله عن جهته من فطنتها. وفسر القالى قوله: وتلحن أحيانا: تصيب، وذكر أن اللحن بفتح الحاء هو الفطنة. قال: وربما أسكنوا الحاء فى الفطنة، وقال: لحن الرجل يلحن بفتح الحاء لحنا فهو لاحن إذا أخطأ، ولحن يلحن بكسر الحاء فى الماضى وفتحها فى المضارع- فهو لحن بفتح فكسر إذا أصاب وفطن. واستشهد بالبيت وبيت قبله. (3) قال الجاحظ: وقد قال مالك بن أسماء فى استملاح اللحن من بعض نسائه: أمغطى منى على بصرى للحب ... أم أنت أكمل الناس حسنا وحديث ألذه هو مما ... تشتهيه النفوس يوزن وزنا ثم ذكر البيت الذى فى الروض وقال فى موضع آخر: وقال مالك بن أسماء فى بعض نسائه، وكانت لا تصيب الكلام كثيرا وربما لحنت ثم ذكر ثلاثة الأبيات ص 147، 225 ح 1 البيان والتبيين بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون، وانظر ص 599 من أمالى ثعلب بتحقيق الأستاذ الفاضل وقد أنشد ابن الأنبارى فى كتاب الأضداد البيت وبيتا قبله، وقال: أى أبو العباس: أراد بتلحن: تصيب وتفطن، وأراد بقوله: ما كان لحنا: ما كان صوابا. ونقل قول ابن قتيبة «وهذا-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يُوسُفَ لِامْرَأَتِهِ: هِنْدِ بِنْتِ أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ، حِينَ لَحَنَتْ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهَا، اللّحْنَ فَاحْتَجّتْ بِقَوْلِ أَخِيهَا مَالِكِ بْنِ أَسْمَاءَ: وَخَيْرُ الْحَدِيثِ مَا كَانَ لَحْنًا فَقَالَ لَهَا الْحَجّاجُ: لَمْ يُرِدْ أَخُوك هَذَا، إنّمَا أَرَادَ اللّحْنَ الّذِي هُوَ التّوْرِيَةُ وَالْإِلْغَازُ، فَسَكَتَتْ، فَلَمّا حُدّثَ الْجَاحِظُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: لَوْ كَانَ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ أَنْ أُؤَلّفَ كِتَابَ الْبَيَانِ مَا قُلْت فِي ذَلِكَ مَا قُلْت، فَقِيلَ لَهُ: أَفَلَا تُغَيّرُهُ؟ فَقَالَ: كَيْفَ وَقَدْ سَارَتْ بِهِ الْبِغَالُ الشّهْبُ وَأَنْجَدَ فِي الْبِلَادِ وَغَارَ. وَكَمَا قَالَ الْجَاحِظُ فِي مَعْنَى تَلْحَنُ أَحْيَانًا قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ مثله أو قريبا منه «1»

_ - الشاعر استملح من هذه المرأة ما يقع فى كلامها من الخطأ» ثم رد قول ابن قتيبة بقوله: وقوله عندنا محال، لأن العرب لم تزل تستقبح اللحن من النساء كما تستقبحه من الرجال الخ ص 210 ط الحسينية. وقد ذكر ابن قتيبة بعد البيت أربعة أبيات أخرى. كما نقل ثلاثة الأبيات فى ص ن من مقدمته لكتابه عيون الأخبار، ونقلها ايضا فى ص 161، 162 ح 2 ونقل تعليق ابن دريد على الأبيات، وهو قوله: استثقل منها الإعراب. (1) يقول الأستاذ عبد السلام هارون فى تعليقه على أمالى ثعلب «وقد نبه الجاحظ إلى خطئه فاعترف به، وقصته واعترافه فى تاريخ بغداد «12: 214» ومعجم الأدباء (6: 65) مرجليوث ص 599 أمالى ثعلب. هذا وقد قال الحجاج لهند لما لحنت: أتلحنين وأنت شريفة، وفى بيت قيس، فاستشهدت بقول أخيها كما ذكر السهيلى، فقال لها: إنما عنى أخوك اللحن فى القول إذا كنى المحدث عما يريد، ولم يعن اللحن فى العربية، فأصلحى لسانك. وانظر ص 11، 12 من أمالى المرتضى، ففيها بيان خطأ الجاحظ واعترافه بهذا الخطأ، ونص المرتضى على خطأ ابن قتيبة حين ذكر فى كتابه عيون الأخبار أبيات الفزارى يعتذر بها عن لحن أصيب فى كتابه- كما يقول المرتضى ط 1.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: يَفُتّ فِي أَعْضَادِ النّاسِ، أَيْ يَكْسِرُ مِنْ قُوّتِهِمْ وَيُوهِنُهُمْ، وَضُرِبَ الْعَضُدُ مَثَلًا، وَالْفَتّ: الْكَسْرُ، وَقَالَ: فِي أَعْضَادِهِمْ وَلَمْ يَقُلْ: يَفُتّ أَعْضَادَهُمْ، لِأَنّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الرّعْبِ الدّاخِلِ فِي الْقَلْبِ، وَلَمْ يُرِدْ كَسْرًا حَقِيقِيّا، وَلَا الْعَضُدَ الّذِي هُوَ الْعُضْوُ، وَإِنّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَمّا يَدْخُلُ فِي الْقَلْبِ مِنْ الْوَهْنِ، وَهُوَ مِنْ أَفْصَحِ الْكَلَامِ. وَذَكَرَ أَوْسَ بْنَ قَيْظِيّ، وَهُوَ الْقَائِلُ: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَابْنُهُ: عَرَابَةُ بْنُ أَوْسٍ كَانَ سَيّدًا، وَلَا صُحْبَةَ لَهُ، وَقَدْ قِيلَ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَنْ اُسْتُصْغِرَ يوم أحد، وهو الذى بقول فِيهِ الشّمّاخُ: إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدِ ... تلقاها عرابة باليمين «1» ولعرابة أخ اسمه: كباثة مَذْكُورٌ فِي الصّحَابَةِ أَيْضًا. مُصَالَحَةُ الْأَحْزَابِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مَا هَمّ بِهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُصَالَحَةِ الْأَحْزَابِ عَلَى ثُلُثِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ إعْطَاءِ المال للعدوّ، إذا كان فيه نظر للمسلمين وَحِيَاطَةٌ لَهُمْ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ هَذَا الخبر، وأنه أمر

_ (1) معناها كما يقول البكرى فى السمط: القوة أو الحق. ومن القصيدة: إذَا بَلّغْتنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي ... عَرَابَةَ فَاشْرَقِي بِدَمّ الوثين فنعم المرتجى رحلت إليه ... رحى حيزومها كرحى الطحين ص 607- 619 السمط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَعْمُولٌ بِهِ، وَذَكَرَ أَنّ مُعَاوِيَةَ صَالَحَ مَلِكَ الرّومِ عَلَى الْكَفّ عَنْ ثُغُورِ الشّامِ بِمَالِ دَفَعَهُ إلَيْهِ، قِيلَ: كَانَ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَخَذَ مِنْ الرّومِ رَهْنًا، فَغَدَرَتْ الرّومُ، وَنَقَضَتْ الصّلْحَ، فَلَمْ يَرَ مُعَاوِيَةُ قَتْلَ الرّهَائِنِ، وَأَطْلَقَهُمْ، وَقَالَ: وَفَاءً بِغَدْرِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ بِغَدْرِ، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيّ وَأَهْلِ الشّامِ أَلّا تُقْتَلَ الرّهَائِنُ، وَإِنْ غَدَرَ الْعَدُوّ. سَلْمَانُ مِنّا: وَذَكَرَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: سَلْمَانُ مِنّا أَهْلَ الْبَيْتِ بِالنّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، أَوْ عَلَى إضْمَارِ أَعْنِي، وَأَمّا الْخَفْضُ عَلَى الْبَدَلِ، فَلَمْ يَرَهُ سِيبَوَيْهِ جَائِزًا مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلّمِ، وَلَا مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ، لِأَنّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَجَازَهُ الأخفش. حول مبارزة ابن أدّ لعلى: فصل: وذكر خبر عمرو بن أدّ الْعَامِرِيّ، وَمُبَارَزَتَهُ لِعَلِيّ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ، وَوَقَعَ فِي مَغَازِي ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ عَنْ الْبَكّائِيّ فِيهَا زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ، رَأَيْت أَنْ أُورِدَهَا هُنَا تَتْمِيمًا لِلْخَبَرِ. قَالَ ابن إسحاق: إن عمرو بن أدّ «1» خَرَجَ فَنَادَى: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ فَقَامَ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ مُقَنّعٌ بِالْحَدِيدِ، فَقَالَ: أَنَا لَهُ يَا نَبِيّ اللهِ، فَقَالَ: إنّهُ عَمْرٌو اجْلِسْ، وَنَادَى عَمْرٌو أَلَا رَجُلٌ يُؤَنّبُهُمْ، وَيَقُولُ: أَيْنَ جَنّتُكُمْ الّتِي تَزْعُمُونَ أَنّهُ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ دَخَلَهَا، أَفَلَا تُبْرِزُونَ لِي رَجُلًا، فقام علىّ،

_ (1) فى السيرة: ود. وكان سنه كما ذكر ابن سعد تسعين عاما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: اجْلِسْ إنّهُ عَمْرٌو، ثُمّ نَادَى الثّالِثَةَ وَقَالَ: وَلَقَدْ بَحِحْت مِنْ النّدَا ... ءِ بِجَمْعِكُمْ هَلْ مِنْ مُبَارِزْ؟ وَوَقَفْت إذْ جَبُنَ الْمُشَ ... جّعُ مَوْقِفَ الْقِرْنِ الْمُنَاجِزْ وَكَذَاك إنّي لَمْ أَزَلْ ... مُتَسَرّعًا قَبْلَ الْهَزَاهِزْ «1» إنّ الشّجَاعَةَ فِي الْفَتَى ... وَالْجُودَ مِنْ خَيْرِ الْغَرَائِزْ فَقَامَ عَلِيّ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا لَهُ فَقَالَ: إنّهُ عَمْرٌو، فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ عَمْرًا، فَأَذِنَ لَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَشَى إلَيْهِ عَلِيّ، حَتّى أَتَاهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا تَعْجَلَنّ فَقَدْ أتا ... ك مجيب صوتك غير عاجز ذونيّة وَبَصِيرَةٍ ... وَالصّدْقُ مُنْجِي كُلّ فَائِزْ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أُقِ ... يمَ عَلَيْك نَائِحَةَ الْجَنَائِزْ مِنْ ضَرْبَةٍ نَجْلَاءَ يَبْ ... قَى ذِكْرُهَا عِنْدَ الْهَزَاهِزْ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا على، قال: ابن عبد مناف؟ فقال: أناء ابن أبى طالب، فقال: غيرك يابن أَخِي مِنْ أَعْمَامِك مَنْ هُوَ أَسَنّ مِنْك، فَإِنّي أَكْرَهُ أَنْ أُهْرِيقَ دَمَك، فَقَالَ لَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَلَكِنّي وَاَللهِ لَا أَكْرَهُ أَنْ أُهْرِيقَ دَمَك، فَغَضِبَ وَنَزَلَ فَسَلّ سَيْفَهُ، كَأَنّهُ شُعْلَةُ نَارٍ، ثُمّ أَقْبَلَ نَحْوَ عَلِيّ مُغْضَبًا، وَذَكَرَ أَنّهُ كَانَ عَلَى فَرَسِهِ، فقال له علىّ: كيف أقاتلك،

_ (1) الهزاهز: الفتن يهتز فيها الناس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَنْتَ عَلَى فَرَسِك، وَلَكِنْ انْزِلْ مَعِي، فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ، ثُمّ أَقْبَلَ نَحْوَ عَلِيّ، وَاسْتَقْبَلَهُ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِدَرَقَتِهِ «1» ، فَضَرَبَهُ عَمْرٌو فِيهَا فَقَدّهَا وَأَثْبَتَ فِيهَا السّيْفَ، وَأَصَابَ رَأْسَهُ فَشَجّهُ، وَضَرَبَهُ عَلِيّ عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ، فَسَقَطَ، وَثَارَ الْعَجَاجُ، وَسَمِعَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التّكْبِيرَ، فَعَرَفَ أَنّ عَلِيّا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَدْ قَتَلَهُ، فَثَمّ يَقُولُ عَلِيّ رَضِيَ الله عنه: أسلّى تَقْتَحِمُ الْفَوَارِسُ هَكَذَا ... عَنّي وَعَنْهُ أَخّرُوا أَصْحَابِي فَالْيَوْمَ تَمْنَعُنِي الْفِرَارَ حَفِيظَتِي ... وَمُصَمّمٌ فِي الرّأْسِ لَيْسَ بِنَابِي أَدّى عُمَيْرٌ حِينَ أُخْلِصَ صَقْلُهُ ... صَافِي الْحَدِيدَةِ يَسْتَفِيضُ ثَوَابِي فَغَدَوْت أَلْتَمِسُ الْقِرَاعَ بِمُرْهَفِ ... عَضْبٍ مَعَ الْبَثْرَاءِ فِي أَقْرَابِ قَالَ ابْنُ عَبْدٍ حِينَ شَدّ أَلِيّةً ... وَحَلَفْت فَاسْتَمِعُوا مِنْ الْكَذّابِ أَلّا يَفِرّ وَلَا يُهَلّلَ فَالْتَقَى ... رَجُلَانِ يَلْتَقِيَانِ كُلّ ضِرَابِ وَبَعْدَهُ: نَصَرَ الْحِجَارَةَ إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ، إلّا أَنّهُ رُوِيَ: عَبَدَ الْحِجَارَةَ، وَعَبَدْت رَبّ مُحَمّدٍ، وَرُوِيَ فِي مَوْضِعٍ: وَلَقَدْ بَحِحْت: وَلَقَدْ عَجِبْت، وَيُرْوَى: فَالْتَقَى أَسَدَانِ يضطربان كلّ سراب، وَفِيهِ إنْصَافٌ مِنْ عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِقَوْلِهِ: أَسَدَانِ، وَنَسَبِهِ إلَى الشّجَاعَةِ وَالنّجْدَةِ. وَقَوْلُهُ: أَدّى عُمَيْرٌ إلَى قَوْلِهِ ثَوَابِي، أَيْ أَدّى إلَيّ ثَوَابِي، وَأَحْسَنَ جَزَائِي حِينَ أَخْلَصَ صَقْلَهُ،

_ (1) الدرقة: الترس من جلد ليس خشب ولا عقب، والعقب هو القصب الذى تعمل منه الأوتار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثُمّ أَقْبَلَ نَحْوَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَهَلّلٌ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَلّا سَلَبْته دِرْعَهُ، فَإِنّهُ لَيْسَ فِي الْعَرَبِ دِرْعٌ خَيْرٌ مِنْهَا، فَقَالَ: إنّي حِينَ ضَرَبْته اسْتَقْبَلَنِي بِسَوْأَتِهِ، فَاسْتَحْيَيْت ابْنَ عَمّي أَنْ أَسْتَلِبَهُ، وَخَرَجَتْ خَيْلُهُمْ مُنْهَزِمَةً حَتّى اقْتَحَمَتْ الْخَنْدَقَ هَارِبَةً، فَمِنْ هُنَا لَمْ يَأْخُذْ عَلِيّ سَلَبَهُ، وَقِيلَ تَنَزّهَ عَنْ أَخْذِهَا، وَقِيلَ: إنّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيّةِ إذَا قَتَلُوا الْقَتِيلَ لَا يَسْلُبُونَهُ ثِيَابَهُ. وَقَوْلُ عَمْرٍو لِعَلِيّ: وَاَللهِ مَا أُحِبّ أَنْ أَقْتُلَك، زَادَ فِيهِ غَيْرُهُ: فَإِنّ أَبَاك كَانَ لِي صَدِيقًا، قَالَ الزّبَيْرُ: كَانَ أَبُو طَالِبٍ يُنَادِمُ مُسَافِرَ بْنَ أَبِي عَمْرٍو، فَلَمّا هَلَكَ اتّخَذَ عَمْرَو بْنَ وُدّ نَدِيمًا، فَلِذَلِكَ قَالَ لِعَلِيّ حِينَ بَارَزَهُ ما قال. الفرعل: وقول حسان فى عكرمة: كأن ففاك قَفَا فُرْعُلِ الْفُرْعُلُ: وَلَدُ الضّبْعِ. وَذَكَرَ قَوْلَ سعد: ليّث قَلِيلًا يَلْحَقْ الْهَيْجَا حَمَلْ هُوَ بَيْتٌ تَمَثّلَ بِهِ عَنَى بِهِ حَمَلَ بْنَ سَعْدَانَةَ بْنِ حارثة بن معقل بن كعب ابن عُلَيْمِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيّ. وَقَوْلُهُ يَرْقَدّ «1» بِالْحَرْبَةِ أَيْ: يُسْرِعُ بِهَا، يُقَالُ: ارْقَدّ وَارْمَدّ بِمَعْنَى واحد. قال ذو الرّمّة:

_ (1) فى السيرة: يرفل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يرقدّ فى أثر عرّاض وَتَتْبَعُهُ ... صَهْبَاءُ شَامِيّةٌ عُثْنُونُهَا حَصِبُ «1» يَعْنِي الرّيحَ. ابْنُ الْعَرِقَةِ وَأُمّ سَعْدٍ: وَابْنُ الْعَرِقَةِ الّذِي رَمَى سَعْدًا هُوَ حِبّانُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ، وَالْعَرِقَةُ هِيَ قِلَابَةُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ [بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بن هصيص بن كعب ابن لُؤَيّ] تُكَنّى أُمّ فَاطِمَةَ، سُمّيَتْ الْعَرِقَةَ لِطِيبِ رِيحِهَا، وَهِيَ جَدّةُ خَدِيجَةَ أُمّ أُمّهَا هَالَةُ، وَحِبّانُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ مُنْقِدِ بن عمرو بن معيص بن عامر ابن لؤىّ «2» .

_ (1) البيت فى اللسان وفيه عراص وحفيف نافجة بدلا من عراض وصهباء شامية، وعراض خطأ وقد روى الشطرة الثانية فى مادة حصب كما رواها هنا. وروى البيت كله فى مادة عرص وشطرته الأولى هكذا يرقد فى ظل عراص ويطرده ... الخ وقبل البيت: حتى إذا الهيق أمسى شام أفرخه ... وهن لا مؤبس نأيا ولا كثب والبيت فى وصف ظليم. أنظر ص 798 سمط اللآلى ص 180 ح 2 ط 2. (2) فى نسب قريش: عبد مناف بن الحارث بن منقذ الخ ص 22، 412 ويقول عنه إنه أخو هالة لأبيها وأمها. وعند الحافظ فى الفتح عنه فيما شرح به لفظ البخارى «وهو حبان بن قيس» . ويقال: ابن أبى قيس بن علقمة ابن عبد مناف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأُمّ سَعْدٍ اسْمُهَا: كَبْشَةُ بِنْتُ رَافِعِ [بْنِ عُبَيْدٍ] «1» حَوْلَ اهْتِزَازِ الْعَرْشِ وَحَدِيثُ اهْتِزَازِ الْعَرْشِ ثَابِتٌ مِنْ وُجُوهٍ «2» ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ أَنّ جبريل

_ (1) هى من الأنصار من بنى خدرة، وقد ذكر ابن سعد أنها أول من بايع النبى «ص» من نساء الأنصار. (2) رواه الشيخان من حديث جابر، وثبت- كما قيل- عن عشرة من الصحابة أو أكثر. وقال الحاكم: الأحاديث التى تصرح باهتزاز عرش الرحمن مخرجة فى الصحيحين، وليس لمعارضها فى الصحيح ذكر. وسيأتى حديث السهيلى عن هذا. وقد أنكر مالك هذا الحديث، وكره التحدث به. فقد سئل- كما روى صاحب العتبية- عن هذا الحديث، فقال: أنهاك أن تقوله وما يدعو المرء أن يتكلم بهذا، وما يدرى ما فيه المغرور. ويقول اليعمرى عن إنكار مالك: إن العلماء اختلفوا فى هذا الخبر، فمنهم من يحمله على ظاهره، ومنهم من يؤوله، وما هذا سبيله من الأخبار المشكلة، فمن الناس من يكره روايته إذا لم يتعلق به حكم شرعى، فلعل الكراهة المروية عن مالك من هذا النمط. ويقول أبو الوليد بن رشد فى شرح العتيبة: إنما نهى مالك لئلا يسبق إلى وهم الجاهل أن العرش إذا تحرك يتحرك الله بحركته، كما يقع للجالس منا على كرسيه، وليس العرش بموضع استقرار الله تبارك الله وتنزه عن مشابهة خلقه. ولكن مالكا من رواة حديث النزول وهو أصرح فى إثبات الحركة. فقيل: لعل حديث سعد لم يثبت عنده كما ثبت حديث النزول. لكن لو كان الأمر كذلك لقال مالك: ليس بثابت، أو لا أعرفه أو ما سمعته أو نحو ذلك. وكان ابن عمر يقول: إن العرش لا يهتز لأحد، ولكن قيل إنه رجع عن هذا لما بلغته الروايات. أخرج ذلك ابن حبان من طريق مجاهد عنه. المراد باعتزاز العرش: قيل المراد استبشاره وسروره بقدوم روحه، كما يقال-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ السّلَامُ نَزَلَ حِينَ مَاتَ سَعْدٌ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ

_ - لكل من فرح بقدوم أحد عليه: اهتز له، ومنه: اهتزت الأرض بالنبات إذا اخضرت وحسنت. ومنه قول العرب: فلان يهتز للمكارم يريدون: ارتياحه إليها ووقع ذلك من حديث ابن عمر عند الحاكم بلفظ: اهتز العرش فرحا به لكنه تأوله، فقال: اهتز العرش فرحا بلقاء الله سعدا حتى تفسخت أعواده على عواتقنا. قال ابن عمر: يعنى عرش سعد الذى حمل عليه. وقيل: المراد باهتزاز العرش: اهتزاز حملة العرش ويؤيده حديث إن جبريل قال: من هذا الميت الذى فتحت له أبواب السماء، واستبشر به أهلها؟ «أخرجه الحاكم» وقيل: هى علامة نصبها الله لموت من يموت من أوليائه، ليشعر ملائكته بفضله. وقال الحربى: هو عبارة عن تعظيم شأن وفاته من النبى، والعرب إذا عظموا الأمر نسبوه إلى عظيم، كما يقولون: قامت لموت فلان القيامة، وأظلمت الدنيا بموته ونحو ذلك. وقال النووى فى شرح مسلم ما معناه: إن طائفة حملت الاهتزاز على ظاهره، وقالوا إن اهتزاز العرش تحركه حقيقة فرحا بقدوم روح سعد، وجعل الله فى العرش تمييزا حصل به هذا التحرك، ولا مانع منه كما قال تعالى عن الحجارة، (وإن منها لما يهبط من خشية الله) وهذا القول هو ظاهر الحديث، وهو المختار. ويقول المازرى عن حركة العرش: وهذا لا ينكر من جهة العقل، لأن العرش جسم مخلوق يقبل الحركة والسكون. وأقول: دين السلف: إذا ثبت النص ثبوتا لا اختلاف عليه، فإنه لا يجوز تأويله تأويلا يفسد معناه، أو يجرده من حقيقته، وإنما يجب حمله كما ورد دون تشبيه لما نسب إلى الله من صفة أو اسم أو فعل بما ينسب إلى الخلق من ذلك. وقد نبهت إلى ذلك مرارا فى الكتاب. فلله مثلا يدان حقيقتان ليستا هما النعمة أو القدرة أو غير ذلك مما يهرف به المعطلة، لكنهما ليستا كيد الخلق، وإذا كانت أيدى البشر لا تتشابه، فكيف نشبه يد الخالق بيد الخلق، فنقع فى وصف الله بأنه عدم حين تجرد صفاته من معانيها، أر بأنه صنم حين ننسب إليه عين ما ننسبه إلى الخلق، تعالى الله عن هذا علوا كبيرا. وما نقلت ما نقلت إلا لتعرف فحسب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَنْ هَذَا الْمَيّتُ الّذِي فُتّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السّمَاءِ، وَاهْتَزّ لَهُ الْعَرْشُ؟ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَقَدْ نَزَلَ لِمَوْتِ سَعْدِ بن معاذ سبعون ألف ملك ما وطؤا الْأَرْضَ قَبْلَهَا، وَيُذْكَرُ أَنّ قَبْرَهُ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ، وَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ. لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ لَنَجَا مِنْهَا سَعْد «1» ، وَفِي كِتَابِ الدّلَائِلُ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى قَبْرِ سَعْدٍ حِينَ وُضِعَ فِيهِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ لِهَذَا الْعَبْدِ الصالح ثمّ فِي قَبْرِهِ ضَمّةً، ثُمّ فُرّجَ عَنْهُ، وَأَمّا ضغطة للقبر الّتِي ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا انْتَفَعْت بِشَيْءِ مُنْذُ سَمِعْتُك تَذْكُرُ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ، وَضَمّتَهُ [وَصَوْتَ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ] فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، إنّ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَوْ قَالَ ضَمّةُ الْقَبْرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَضَمّةِ الْأُمّ الشّفِيقَةِ يَدَيْهَا عَلَى رَأْسِ ابْنِهَا، يَشْكُو إلَيْهَا الصّدَاعَ، وَصَوْتُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ، وَلَكِنْ يَا عَائِشَةُ وَيْلٌ لِلشّاكّينَ [فِي اللهِ] أُولَئِكَ الّذِينَ يُضْغَطُونَ فِي قُبُورِهِمْ ضَغْطَ الْبَيْضِ عَلَى الصّخْر. ذَكَرَهُ أَبُو سَعِيدِ ابن الْأَعْرَابِيّ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ «2» . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ [يُونُسَ] الشّيْبَانِيّ عَنْهُ، قَالَ: حَدّثَنِي أميّة ابن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قُلْت لِبَعْضِ أَهْلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: مَا بَلَغَكُمْ فِي هَذَا، يَعْنِي الضّمّةَ الّتِي انْضَمّهَا الْقَبْرُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: كَانَ يقصّر فى بعض الطّهور من البول

_ (1) أخرجه ابن سعد وأبو نعيم. (2) ورواه أيضا: البيهقى وابن مندة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض التّقصير «1» . امر حَسّانُ جَبَانًا؟: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ حَسّانَ حِينَ جُعِلَ فِي الْآطَامِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ، وَمَا قَالَتْ لَهُ صَفِيّةُ فِي أَمْرِ الْيَهُودِيّ حِينَ قَتَلَتْهُ، وَمَا قَالَ لَهَا، وَمَحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثِ عند الناس على أن حسّانا كَانَ جَبَانًا شَدِيدَ الْجُبْنِ، وَقَدْ دَفَعَ هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَأَنْكَرَهُ، وَذَلِكَ أَنّهُ حَدِيثٌ مُنْقَطِعُ الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: لَوْ صَحّ هَذَا لَهُجِيَ بِهِ حَسّانُ، فَإِنّهُ كَانَ يُهَاجِي الشّعَرَاءَ كَضِرَارِ وَابْنِ الزّبعرى، وغيرهما، وكانوا يُنَاقِضُونَهُ وَيَرُدّونَ عَلَيْهِ، فَمَا عَيّرَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِجُبْنِ، وَلَا وَسَمَهُ بِهِ، فَدَلّ هَذَا عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَإِنْ صَحّ فَلَعَلّ حَسّانَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَلّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بعلّة منعته مِنْ شُهُودِ الْقِتَالِ، وَهَذَا أَوْلَى مَا تَأَوّلَ عَلَيْهِ، وَمِمّنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هَذَا صَحِيحًا أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِ الدّرَرِ لَهُ. الْحَدِيثُ عَنْ الصّوْرَيْنِ وَدِحْيَةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ مَرّ بِالصّوْرَيْنِ، وَالصّوْرُ الْقِطْعَةُ مِنْ النّخْلِ «2» ، فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا مَرّ بِنَا دِحْيَةُ

_ (1) قيل: إن تقصيره لم يكن على وجه يؤدى إلى فساد عبادته. وأقول: إن الرجل الذى قيل عنه ما قيل لا نصدق أنه يقع فى مثل هذا الذى نسب إليه. هذا واقرأ حديث سعد الذى قال فيه: اللهُمّ إنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شيئا الخ المذكور فى السيرة فى البخارى وغيره. (2) الصورين: موضع قرب المدينة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ. هُوَ: دِحْيَةُ بِفَتْحِ الدّالِ، وَيُقَالُ: دِحْيَةُ بِكَسْرِ الدّالِ أَيْضًا، وَالدّحْيَةُ بِلِسَانِ الْيَمَنِ: الرّئِيسُ، وَجَمْعُهُ دِحَاءٌ، وَفِي مَقْطُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى الْبَيْتَ الْمَعْمُورِ يَدْخُلُهُ كُلّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ دحية، تَحْتَ يَدِ كُلّ دِحْيَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ذَكَرَهُ الْقُتَبِيّ، وَرَوَاهُ ابْنُ سُنْجُرٍ فِي تَفْسِيرِهِ مُسْنَدًا إلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْهُذَيْلِ، رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو التّيّاحِ، وَذَكَرَ أَنّ حَمّادَ بْنَ سَلَمَةَ قَالَ لِأَبِي التّيّاحِ حِينَ حَدّثَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَا الدّحْيَةُ؟ قَالَ: الرّئِيسُ، وَأَمّا نَسَبُ دِحْيَةَ فَهُوَ ابْنُ خَلِيفَةَ بْنِ فَرْوَةَ بْنِ فَضَالَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَالْخَزْرَجُ الْعَظِيمُ الْبَطْنِ ابْنُ زَيْدِ مَنَاةَ ابن عَامِرِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَامِرِ الْأَكْبَرِ بْنِ عوف بن عذرة بن زيد اللّات ابن رُقَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَلْبٍ «1» يُذْكَرُ مِنْ جَمَالِهِ أَنّهُ كَانَ إذَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ تَبْقَ مُعْصِرٌ، وَهِيَ الْمُرَاهِقَةُ لِلْحَيْضِ إلّا خَرَجَتْ تَنْظُرُ إلَيْهِ. فِقْهُ لَا يُصَلّيَنّ أَحَدُكُمْ الْعَصْرَ إلّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ: وَذَكَرَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا يُصَلّيَنّ أَحَدُكُمْ الْعَصْرَ إلّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَغَرَبَتْ عَلَيْهِمْ الشّمْسُ قَبْلَهَا، فَصَلّوْا العضر بِهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، فَمَا عَابَهُمْ اللهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، وَلَا عَنّفَهُمْ بِهِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي هَذَا مِنْ الْفِقْهِ أَنّهُ لَا يُعَابُ عَلَى مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيثٍ أَوْ آيَةٍ، فَقَدْ صَلّتْ مِنْهُمْ طائفة

_ (1) لم يذكر ابن حزم فى نسبه زيد مناة ص 428 الجمهرة. وذكر ابن دريد فى الاشتقاق أن الخزرج هو الريح العاصف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَبْل أَنْ تَغْرُبَ الشّمْسُ، وَقَالُوا: لَمْ يُرِدْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إخْرَاجَ الصّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا، وَإِنّمَا أَرَادَ الْحَثّ وَالْإِعْجَالَ، فَمَا عُنّفَ أَحَدٌ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنّ كُلّ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْفُرُوعِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مُصِيبٌ، وَفِي حُكْمِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ فِي الْحَرْثِ أَصْلٌ لِهَذَا الْأَصْلِ أَيْضًا، فَإِنّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ، وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً الْأَنْبِيَاءَ: 79، وَلَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الشّيْءُ صَوَابًا فِي حَقّ إنْسَانٍ وَخَطَأً فِي حَقّ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ مَنْ اجْتَهَدَ فِي مَسْأَلَةٍ فَأَدّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى التّحْلِيلِ مُصِيبًا فِي اسْتِحْلَالِهِ، وَآخَرُ اجْتَهَدَ فَأَدّاهُ، اجْتِهَادُهُ وَنَظَرُهُ إلَى تَحْرِيمِهَا، مُصِيبًا فِي تَحْرِيمِهَا، وَإِنّمَا الْمُحَالُ أَنْ يُحْكَمَ فِي النّازِلَةِ بِحُكْمَيْنِ مُتَضَادّيْنِ فِي حَقّ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَإِنّمَا عَسُرَ فَهْمُ هَذَا الْأَصْلِ عَلَى طَائِفَتَيْنِ: الظّاهِرِيّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، أَمّا الظّاهِرِيّةُ فَإِنّهُمْ عَلّقُوا الْأَحْكَامَ بِالنّصُوصِ، فَاسْتَحَالَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ النّصّ يَأْتِي بِحَظْرِ، وَإِبَاحَةٍ مَعًا إلّا عَلَى وَجْهِ النّسْخِ، وَأَمّا الْمُعْتَزِلَةُ، فَإِنّهُمْ عَلّقُوا الْأَحْكَامَ بِتَقْبِيحِ الْعَقْلِ وَتَحْسِينِهِ، فَصَارَ حُسْنُ الْفِعْلِ عِنْدَهُمْ أَوْ قُبْحُهُ صِفَةَ عَيْنٍ، فَاسْتَحَالَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَتّصِفَ فِعْلٌ بِالْحُسْنِ فِي حَقّ زَيْدٍ وَالْقُبْحِ فِي حَقّ عَمْرٍو، كَمَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ فِي الْأَلْوَانِ، وَالْأَكْوَانِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالذّوَاتِ، وَأَمّا مَا عَدَا هَاتَيْنِ الطّائِفَتَيْنِ مِنْ أَرْبَابِ الْحَقَائِقِ، فَلَيْسَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ عِنْدَهُمْ بِصِفَاتِ أَعْيَانٍ، وَإِنّمَا هِيَ صِفَاتُ أَحْكَامٍ، وَالْحُكْمُ مِنْ اللهِ تَعَالَى يَحْكُمُ بِالْحَظْرِ فى النازلة على من أداه نظره وَاجْتِهَادُهُ إلَى الْحَظْرِ، وَكَذَلِكَ الْإِبَاحَةُ وَالنّدْبُ وَالْإِيجَابُ وَالْكَرَاهَةُ، كُلّهَا صِفَاتُ أَحْكَامٍ، فَكُلّ مُجْتَهِدٍ وَافَقَ اجْتِهَادُهُ وَجْهًا مِنْ التّأْوِيلِ، وَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَدَوَاتِ الِاجْتِهَادِ مَا يَتَرَفّعُ بِهِ عَنْ حَضِيضِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التّقْلِيدِ إلَى هَضْبَةِ النّظَرِ، فَهُوَ مُصِيبٌ فِي اجْتِهَادِهِ مُصِيبٌ لِلْحُكْمِ الّذِي تَعَبّدَ بِهِ، وَإِنْ تَعَبّدَ غَيْرُهُ فِي تِلْكَ النّازِلَةِ بِعَيْنِهَا بِخِلَافِ مَا تَعَبّدَ هُوَ بِهِ، فَلَا يُعَدّ فِي ذَلِكَ إلّا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ الْحَقَائِقَ أَوْ عَدَلَ بِهِ الْهَوَى عن أوضح الطرائق «1» .

_ (1) يقول الحافظ فى الفتح تعليقا على هذا، وهو أن كل مجتهد مصيب على الإطلاق: ليس بواضح، وإنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد، فيستفاد منه عدم تأثيمه.، هذا ومن المشهور الذى عليه الجمهور أن المصيب فى القطعيات واحد. وخالف هذا الجاحظ والعنبرى. وما لا قطع فيه فالجمهور يرى أيضا أنه واحد. ويقول الأشعرى: كل مجتهد مصيب، وأن حكم الله تابع لظن المجتهد ويرى بعض الحنفية والشافعية أن من لم يصب ما فى نفس الأمر فهو مخطىء. وأقول: الحق واحد لا يتعدد، والله لا يجعل الشىء مباحا ومحظورا من جهة واحدة: وإذا كان الأمر كذلك؛ فان من اجتهد- كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم- وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد استحقه باجتهاده. ويقال لمن أصاب الحق محق. ولمن لم يصبه: غير محق فى رأيه، لكن قد يكون الشىء واجبا فعله ومحظورا فعله لا من جهة واحدة، وإنما من جهات متعددة، أو من جهتين مختلفتين، كالصوم فى بعض أحواله المعروفة. هذا وقد وقع فى جميع نسخ البخارى أن الصلاة هى العصر، واتفق على هذا جميع أهل المغازى، ولكن وقع فى جميع نسخ مسلم أنها الظهر مع اتفاق البخارى ومسلم على روايته عن شيخ واحد باسناد واحد. ووافق مسلما ابن سعد وابن حبان كلاهما من طريق مالك بن اسماعيل. وانظر التوفيق بين هذا فى شرح المواهب اللدنية ص 130 ح 2 وفى فتح البارى فى الغزوة. ومن بين التوفيق أن البخارى كتبه من حفظه، ولم يراع اللفظ كما عرف من مذهبه فى تجويز ذلك بخلاف مسلم فانه يحافظ كثيرا على اللفظ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَوْلَ قِصّةِ أَبِي لُبَابَةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَبَا لُبَابَةَ وَاسْمُهُ رِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَر «1» وَقِيلَ: اسْمُهُ مُبَشّرٌ «2» ، وَتَوْبَتَهُ وَرَبْطَهُ نَفْسَهُ حَتّى تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنّهُ أَقْسَمَ أَلّا يَحُلّهُ إلّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عن على ابن زَيْدٍ عَنْ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنّ فَاطِمَةَ أَرَادَتْ حَلّهُ حِينَ نَزَلَتْ تَوْبَتُهُ، فَقَالَ: قَدْ أَقْسَمْت أَلّا يَحُلّنِي إلّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ فَاطِمَةَ مُضْغَةٌ مِنّي، فَصَلّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى فَاطِمَةَ، فَهَذَا حَدِيثٌ يَدُلّ عَلَى أَنّ مَنْ سَبّهَا فَقَدْ كَفَرَ، وَأَنّ مَنْ صَلّى عَلَيْهَا، فَقَدْ صَلّى عَلَى أَبِيهَا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِيهِ: أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً التّوْبَةَ: 102 الْآيَةَ، غَيْرَ أَنّ الْمُفَسّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي ذَنْبِهِ مَا كَانَ، فَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا ذَكَرَهُ فِي السّيرَةِ مِنْ إشَارَتِهِ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ مِنْ الْمُخَلّفِينَ: الّذِينَ تَخَلّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَنَزَلَتْ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. لَعَلّ وَعَسَى وَلَيْتَ: فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ نَصّ عَلَى تَوْبَتِهِ وَتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ. فَالْجَوَابُ: أَنّ عَسَى مِنْ اللهِ وَاجِبَةٌ وَخَبَرُ صدق. فإن قيل: وهو سؤال

_ (1) فى جمهرة ابن حزم ص 314 وفى الإصابة: زر. (2) مختلف فى اسمه فهو بشير، وهو مروان. أنظر الإصابة والاشتقاق لابن دريد ص 438.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ: إنّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، وَلَيْسَتْ عَسَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِخَبَرِ، وَلَا تَقْتَضِي وُجُوبًا، فَكَيْفَ تَكُونُ عَسَى وَاجِبَةً فِي الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ بِخَارِجِ عَنْ كَلَامِ الْعَرَبِ؟ وَأَيْضًا: فَإِنّ لَعَلّ تُعْطِي مَعْنَى التّرَجّي، وَلَيْسَتْ مِنْ اللهِ وَاجِبَةً، فَقَدْ قَالَ: (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) فَلَمْ يَشْكُرُوا، وَقَالَ (لَعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَى) فَلَمْ يَتَذَكّرْ وَلَمْ يَخْشَ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ لَعَلّ وَعَسَى حَتّى صَارَتْ عَسَى وَاجِبَةً؟ قُلْنَا: لَعَلّ تُعْطِي التّرَجّيَ، وَذَلِكَ التّرَجّي مَصْرُوفٌ إلَى الْخَلْقِ، وَعَسَى مِثْلُهَا فِي التّرَجّي، وَتَزِيدُ عَلَيْهَا بِالْمُقَارَبَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً الْإِسْرَاءَ: 79 وَمَعْنَاهُ التّرَجّي مَعَ الْخَبَرِ بِالْقُرْبِ، كَأَنّهُ قَالَ قَرُبَ أَنْ يَبْعَثَك، فَالتّرَجّي مَصْرُوفٌ إلَى الْعَبْدِ، كَمَا فِي لَعَلّ، وَالْخَبَرُ عَنْ الْقُرْبِ وَالْمُقَارَبَةِ مَصْرُوفٌ إلَى اللهِ تَعَالَى، وَخَبَرُهُ حَقّ وَوَعْدُهُ حَتْمٌ، فَمَا تَضَمّنَتْهُ مِنْ الْخَبَرِ فَهُوَ الْوَاجِبُ دُونَ التّرَجّي الّذِي هُوَ مُحَالٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَمَصْرُوفٌ إلَى الْعَبْدِ، وَلَيْسَ فِي لَعَلّ مِنْ تَضَمّنِ الْخَبَرِ مِثْلُ مَا فِي عَسَى، فَمِنْ ثَمّ كَانَتْ عَسَى وَاجِبَةً إذَا تَكَلّمَ اللهُ بِهَا، وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَعَلّ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ فِي لَيْتَ مَا كَانَ فِي لَعَلّ مِنْ وُرُودِهَا فِي كَلَامِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ، عَلَى أَنْ يَكُونَ التّمَنّي مَصْرُوفًا إلَى الْعَبْدِ، كَمَا كَانَ التّرَجّي فِي لَعَلّ كَذَلِكَ؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قُلْنَا: هَذَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي لَعَلّ عَلَى شَرْطٍ وَصُورَةٍ، نَحْوَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا فِعْلٌ، وَبَعْدَهَا فِعْلٌ، وَالْأَوّلُ سَبَبٌ لِلثّانِي نَحْوَ قَوْلِهِ: يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النحل: 90، فَقَالَ بَعْضُ النّاسِ: لَعَلّ هَاهُنَا بِمَعْنَى كَيْ، أَيْ كَيْ تَذْكُرُوهُ، وَأَنَا أَقُولُ: لَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا مَعْنَى التّرَجّي، لِأَنّ الْمَوْعِظَةَ، مِمّا يُرْجَى أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لِلتّذَكّرِ، فَعَلَى هَذِهِ الصّورَةِ وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ، وَنَحْوَ قَوْلِهِ أَيْضًا: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ هُودٌ: 12 هِيَ هَاهُنَا تَوَقّعٌ وَتَخَوّفٌ، أَيْ: مَا أَصَابَك مِنْ التّكْذِيبِ مِمّا يَتَخَوّفُ وَيُتَوَقّعُ مِنْهُ ضِيقُ الصّدْرِ، فَهَذَا هُوَ الْجَائِزُ فِي لَعَلّ، وَأَمّا أَنْ تَرِدَ فِي الْقُرْآنِ دَاخِلَةً عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ مِثْلَ أَنْ تَقُولَ، مُبْتَدِئًا: لَعَلّ زَيْدًا يُؤْمِنُ، فَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنّ الرّبّ سُبْحَانَهُ لَا يَتَرَجّى، وَإِنّ صُرِفَ التّرَجّي إلَى حَقّ الْمَخْلُوقِ، وَمَوْضُوعُهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلّمُ بِهَا لَا يَسْتَقِيمُ أَيْضًا إلّا عَلَى الصّورَةِ الّتِي قَدّمْنَا مِنْ كَوْنِهَا بِمَعْنَى: كَيْ، وَوُقُوعُهَا بَيْنَ السّبَبِ وَالْمُسَبّبِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا إشْكَالَ فِي لَيْتَ أَنّهَا لَا تَكُونُ فِي كَلَامِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ، لِأَنّ التّمَنّي مُحَالٌ عَلَيْهِ، وَالتّرَجّي وَالتّوَقّعُ وَالتّخَوّفُ كَذَلِكَ، حَتّى تُزِيلَهَا عَنْ الْمَوْضِعِ الّذِي يَكُونُ مَعْنَاهَا فِيهِ لِلْمُتَكَلّمِ بِهَا. مِنْ أَسْمَاءِ السّمَاءِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حُكْمَ سَعْدٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَوْلُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لَهُ: لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ، هَكَذَا فِي السّيرَةِ: أَرْقِعَةٍ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفى الصحيح: من فوق سبع سماوات «1» ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، لِأَنّ الرّقِيعَ مِنْ أَسْمَاءِ السّمَاءِ، لِأَنّهَا رُقِعَتْ بِالنّجُومِ، وَمِنْ أَسْمَائِهَا: الْجَرْبَاءُ وَبِرْقِعُ، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ فِي حُكْمِ سَعْدٍ: بِذَلِكَ: طَرَقَنِي الْمَلَكُ سَحَرًا. فَوْقِيّةُ اللهِ سُبْحَانَهُ: وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ تَعْلِيمُ حُسْنِ اللّفْظِ إذَا تَكَلّمَتْ بِالْفَوْقِ مُخْبِرًا عَنْ اللهِ سُبْحَانَهُ أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ قَالَ: بحكم الله من فوق سبع سماوات، وَلَمْ يَقُلْ فَوْقُ عَلَى الظّرْفِ، فَدَلّ عَلَى أَنّ الْحُكْمَ نَازِلٌ مِنْ فَوْقُ، وَهُوَ حُكْمُ اللهِ تَعَالَى، وَهَذَا نَحْوٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ النّحْلَ: 50، أَيْ يَخَافُونَ عِقَابًا يَنْزِلُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَهُوَ عِقَابُ رَبّهِمْ. فإن قيل: أو ليس بِجَائِزِ أَنْ يُخْبَرَ عَنْهُ سُبْحَانَهُ أَنّهُ فَوْقَ سبع سماوات؟ قُلْنَا: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إطْلَاقِ ذَلِكَ، فَإِنْ جَازَ فَبِدَلِيلِ آخَرَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ زَيْنَبَ: زَوّجَنِي الله من نبيّه من فوق سبع

_ (1) رواه النسائى. هذا وما حكم به سعد قريب جدا مما فى سفر التثنية، ففى الإصحاح المتمم للعشرين منه جاء ما يلى: «إن لم تسالمك بل عملت معك حربا، فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم، وكل ما فى المدينة كل غنيمتها؛ فتغنمها لنفسك. وتأكل غنيمة أعدائك التى أعطاك الرب إلهك» من فقرة 10 إلى 15. وازن بين هذا وبين حكم سعد «تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم» ثم قول الرسول «ص» له: قضيت بحكم الله، أفيباح لنا أن نقول إن الحديث يشير إلى هذا الحكم الذى ورد فى سفر التثنية؟!.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سماوات، وَإِنّمَا مَعْنَاهُ: أَنّ تَزْوِيجَهُ إيّاهَا نَزَلَ مِنْ فوق سبع سماوات «1» وَلَا يَبْعُدُ فِي الشّرْعِ وَصْفُهُ سُبْحَانَهُ بِالْفَوْقِ عَلَى الْمَعْنَى الّذِي يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، لَا عَلَى الْمَعْنَى الّذِي يَسْبِقُ لِلْوَهْمِ مِنْ التّحْدِيدِ، وَلَكِنْ لَا يُتَلَقّى إطْلَاقُ ذَلِكَ الْوَصْفِ مِمّا تَقَدّمَ مِنْ الْآيَةِ وَالْحَدِيثَيْنِ لِارْتِبَاطِ حَرْفِ الْجَرّ بِالْفِعْلِ، حَتّى صَارَ وَصْفًا لَهُ لَا وَصْفًا لِلْبَارِي سُبْحَانَهُ، وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي حَدِيثِ الْأُمّةِ الّتِي قَالَ لَهَا: أَيْنَ اللهُ؟ قَالَتْ: فِي السّمَاءِ مسألة بديعة نافعة شافية رافعة لكل لبس، والحمد لله «2» .

_ (1) حقيقة الفوقية هى علو ذات الشىء على غيره، والجهميون يزعمون أن فوقية الله فوقية رتبة وقهر كقولنا: الذهب فوق الفضة. وأهل السنة وسلفنا الصالح يقولون إن العهد والفطر والعقول والشرائع وجميع كتب الله المنزلة على خلاف ما يزعم الجهميون، وأنه سبحانه فوق العالم بذاته، فالخطاب بفوقيته ينصرف إلى ما استقر فى الفطر والعقول والكتب السماوية. والمجاز فى الفوقية وإن احتمل فى قوله: (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) فدلك لأنه قد علم أنهم جميعا مستقرون على الأرض فهى فوقية قهر وغلبة ولكن هذا المجاز لا يحتمل فى قوله سبحانه: (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) إذ قد علم بالضرورة أنه وعباد. ليسوا مستوين فى مكان واحد حتى تكون فوقية قهر وغلبة. واقرأ كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ولا سيما من أول ص 205 فقد أقام الأدلة القاطعة من القرآن والسنة والعقل على فوقية الله سبحانه بذاته من سبعة عشر وجها، واقرأ لابن رشد الفيلسوف فى إثبات جهة العلو لله سبحانه فى كتابه مناهج الأدلة. وكانت زينب رضى الله عنها تفخر على أزواج النبى تقول: زوجكن أهاليكن، وزجنى الله تعالى من فوق سبع سماوات. رواه البخارى فى الصحيح. (2) وحديث الأمة التى سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ قالت: الله فى السماء، قال من أنا؟ فقالت: أنت رسول الله، قال إنها مؤمنة فاعتقها وكان الذئب قد أصاب شاة من غنم كانت ترعاها لسيدها، فصكها صكة، ثم-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَيّسَةُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَبْسَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَدَثِ، كَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَالصّحِيحُ عِنْدَهُمْ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَاسْمُهَا: كَيّسَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ كُرَيْزِ بْنِ حَبِيبِ «1» بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَكَانَتْ تَحْتَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ، ثُمّ خَلَفَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَكَيّسَةُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي النّسَاءِ، وَهِيَ بِنْتُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَكَيّسَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرَة رَوَتْ عَنْ أَبِيهَا عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْحِجَامَةِ يَوْمَ الثّلَاثَاءِ أَشَدّ النّهْيِ، وَيَقُولُ: فِيهِ سَاعَةٌ لَا يَرْقَأُ فِيهَا الدّمُ «2» : وَأَمّا كَيْسَةُ بِسُكُونِ الْيَاءِ، فَهِيَ بِنْتُ أَبِي كَثِيرٍ تَرْوِي عَنْ أُمّهَا عَنْ عَائِشَةَ فى الخمر: لا طيّب الله من

_ - انصرف إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبره بما فعل مع الجارية وأراد عتقها تكفيرا عن ذنبه، فطلب منه الرسول «ص» أن يأتيه بها. ففعل فسألها عما قدمت ذكره. والحديث فى صحيح مسلم. وقد ورد فى حديث رواه البخارى ومسلم «ألا تأمنونى، وأنا أمين من السماء، يأتينى خبر السماء صباحا ومساء» وفوق ذلك كله قول الله سبحانه: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) . (1) فى الاشتقاق لابن دريد: كريز بن ربيعة بن حبيب ص 165 وكذلك هو فى نسب قريش: كريز بن ربيعة بن حبيب فلعله سقط. فالسهيلى يأخذ يقول الزبيريين فى الأنساب. وكذلك ذكر نسبه فى كتاب حذف من نسب قريش للسدوسى: كريز بن ربيعة بن حبيب. وفى الإصابة أن المرأة هى رملة بنت الحارث ابن ثعلبة بن الحارث بن زيد. وهى زوج معاذ بن الحارث بن رفاعة. وعند أبى الأسود أنهم حبسوا فى دار أسامة بن زيد. (2) قول لا يعتد به، وإلا توقفت الجراحات كلها يوم الثلاثاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَطَيّبَ بِهَا، وَلَا شَفَى مَنْ اسْتَشْفَى بِهَا، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي الْأَشْرِبَةِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْكِتَابِ، وَوَقَعَ اسْمُهَا فِي السّيرَةِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ: زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ النّجّارِيّةُ، فَاَللهُ أَعْلَمُ. وَأَمّا كَيّسَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَهِيَ الّتِي أُنْزِلَ فِي دَارِهَا وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا. رُفَيْدَةُ: وَذَكَرَ رُفَيْدَةَ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ أَسْلَمَ الّذِي كَانَ سَعْدٌ يُمَرّضُ فِي خَيْمَتِهَا لَمْ يَذْكُرْهَا أَبُو عُمَرَ، وَزَادَهَا أَبُو عَلِيّ الْغَسّانِيّ فِي كِتَابِ أَبِي عُمَرَ، حَدّثَنِي بِتِلْكَ الزّوَائِدِ أَبُو بَكْرِ بْنُ طَاهِرٍ عَنْهُ، وَحَدّثَنِي عَنْهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي عُمَرَ أَنّهُ قَالَ لِأَبِي عَلِيّ: أَمَانَةُ اللهِ فِي عُنُقِك، مَتَى عَثَرْت عَلَى اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ الصّحَابَةِ، لَمْ أَذْكُرْهُ إلّا أَلْحَقْته فِي كِتَابِي الّذِي فِي الصّحَابَةِ «1» . غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ ثَعْلَبَةَ بْنَ سَعْيَةَ، وَأَسَدَ بْنَ سَعْيَةَ «2» . وَأُسَيْدَ بْنَ سَعْيَةَ وَهُمْ مِنْ بَنِي هَدَلٍ، وَقَدْ تَكَلّمْنَا فِي الْجُزْءِ الثّانِي مِنْ هذا

_ (1) وقيل هى أنصارية، وفى الإصابة الأنصارية أو الاسلحية، وقد روى البخارى فى الأدب المفرد حديثها، وذكر أن الرسول «ص» كان إذا مر بعد عند ما يقول: كيف أمسيت، وإذا أصبح يقول: كيف أصبحت. وفى الإصابة فى حرف الكاف: كعيبة بنت سعيد الأسلمية وقد قال عنها ابن سعد هى التى كانت لها خيمة فى المسجد. وعند البخارى: «فضرب النبى «ص» خيمة فى المسجد، ليعوده من قريب» أى ليعود سعد. (2) المذكور فى السيرة: أسد بن عبيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْكِتَابِ عَلَى سَعْيَةَ وَسُعْنَةَ بِالنّونِ، وَذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِي أَسِيدٍ وَأُسَيْدٍ، وَذَكَرْنَا خَبَرًا عَجِيبًا لِزَيْدِ بْنِ سَعْيَةَ بِالْيَاءِ، وَمَنْ قَالَ مِنْ النّسّابِينَ هَدْلٌ بِسُكُونِ الدّالِ فِي بَنِي هَدَلٍ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَتِهِ. قَتْلُ الْمُرْتَدّةِ: وَأَمّا حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الْمَقْتُولَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَفِيهَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِقَتْلِ الْمُرْتَدّةِ مِنْ النّسَاءِ، أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: مَنْ بَدّلَ دِينَهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ «1» . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ الْعُمُومِ قُوّةٌ أُخْرَى، وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْعِلّةِ، وَهُوَ التّبْدِيلُ وَالرّدّةُ، وَلَا حُجّةَ مَعَ هَذَا لِمَنْ زعم منى أَهْلِ الْعِرَاق بِأَنْ لَا تُقْتَلَ الْمَرْأَةُ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ عَنْ قَتْلِ النّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، وَلِلِاحْتِجَاجِ لِلْفَرِيقَيْنِ، وَمَا نَزَلَ بِهِ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَوْطِنٌ غَيْرُ هَذَا. الزّبِيرُ بْنُ بَاطَا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ مَعَ الزّبِيرِ بن باطا، وهو الزّبير

_ (1) فى حديث رواه الجماعة إلا مسلما: من بدل دينه فاقتلوه. وقد علق صاحب الفتح عليه بقوله: واستدل به على قتل المرتدة كالمرتد. وخصه الحنفية بالذكر متمسكين بحديث النهى عن قتل النساء، ولكن الجمهور يحمل النهى على الكافرة الأصلية إذا لم تباشر القتال، لقوله فى بعض طرق الحديث النهى عن قتل النساء لما رأى امرأة مقتولة: ما كانت هذه لتقاتل، ثم نهى عن قتل النساء. واحتجوا بأن من الشرطية لا تعم المؤنث، وتعقب بأن راوى الخبر هو ابن عباس، وقد قال بقتل المرتدة وقد قتل الصديق امرأة ارتدت فى خلافته، ولم ينكر عليه صحابى. أنظر ص 190 ج 7 نيل الأوطار للشوكانى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِفَتْحِ الزّايِ وَكَسْرِ الْبَاءِ جَدّ الزّبِيرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُوَطّأِ فِي كِتَابِ النّكَاحِ، وَاخْتُلِفَ فِي الزّبِيرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، فَقِيلَ: الزّبِيرُ بِفَتْحِ الزّايِ وَكَسْرِ الْبَاءِ كَاسْمِ جَدّهِ، وَقِيلَ الزّبَيْرُ، وَهُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيّ فِي التّارِيخِ. وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ الزّبِيرِ: فَمَا أَنَا بِصَابِرِ لِلّهِ فَتْلَةَ دَلْوٍ نَاضِحِ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: إنّمَا هُوَ قَبَلَةُ دَلْوٍ بِالْقَافِ وَالْبَاءِ، وَقَابِلُ الدّلْوِ هُوَ الّذِي يَأْخُذُهَا مِنْ الْمُسْتَقَى «1» . وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْحَدِيثَ فِي الْأَقْوَالِ عَلَى غَيْرِ مَا قَالَاهُ جَمِيعًا، فَقَالَ: قَالَ الزّبِيرُ: يَا ثَابِتُ أَلْحِقْنِي بِهِمْ، فَلَسْت صَابِرًا عَنْهُمْ إفْرَاغَةُ دَلْوٍ. الْإِنْبَاتُ أَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْبُلُوغِ: وَذَكَرَ حَدِيثَ عَطِيّةَ الْقُرَظِيّ، وَهُوَ جَدّ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، وَذَكَرَ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ أَنْبَتَ فَتُرِكَ، فَفِي هَذَا أَنّ الْإِنْبَاتَ أَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْبُلُوغِ إذَا جُهِلَ الِاحْتِلَامُ، وَلَمْ تعرف سنوّه.

_ (1) يقول الخشنى: الناضح: الحبل الذى يستخرج عليه الماء من البئر بالسانية، وأراد بقوله له: فتلة دلو ناضح: مقدار ما يأخذ الرجل الدلو إذا أخرجت فيصبها فى الحوض يفتلها أو يردها إلى موضعها، ومن رواه قبلة بالقاف والباء فهو بمقدار ما يقبل الرجل الدلو ليصبها فى الحوض، ثم يصرفها، وهذا كله لا يكون إلا عن استعجال وسرعة ص 307.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حُلّةُ حُيَيّ: وَذَكَرَ حُيَيّ بْنَ أَخْطَبَ حِينَ قُدّمَ إلَى الْقَتْلِ، وَعَلَيْهِ حُلّةٌ فُقّاحِيّةٌ. الْحُلّةُ: إزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَأَصْلُ تَسْمِيَتِهَا بِهَذَا إذَا كَانَ الثّوْبَانِ جَدِيدَيْنِ، كَمَا حَلّ طَيّهُمَا، فَقِيلَ لَهُ: حُلّةٌ لِهَذَا، ثُمّ اسْتَمَرّ عَلَيْهِ الِاسْمُ، قَالَهُ الْخَطّابِيّ. وَقَوْلُهُ: فُقّاحِيّةٌ نُسِبَتْ إلَى الْفُقّاحِ، وَهُوَ الزّهْرُ إذَا انْشَقّتْ أَكِمّتُهُ، وَانْضَرَجَتْ بَرَاعِيمُهُ، وَتَفَتّقَتْ أَخْفِيَتُهُ، فَيُقَالُ لَهُ حِينَئِذٍ فَقّحَ وَهُوَ فُقّاحٌ. وَالْقَنَابِعُ أَيْضًا فِي مَعْنَى الْبَرَاعِيمِ، وَاحِدُهَا: قُنْبُعَةٌ، وَأَمّا الْفُقّاعُ بِالْعَيْنِ «1» فَهُوَ الْفِطْرُ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: آذَانُ الْكَمْأَةِ مِنْ كِتَابِ النّبَاتِ. وَيُرْوَى أيضا: حلّة شقحيّة وهو سنح «2» البشر إذَا تَلَوّنَ. قَالَهُ الْخَطّابِيّ. وَلَكِنّهُ مَنْ يَخْذُلْ اللهَ يُخْذَلْ بِنَصْبِ الْهَاءِ مِنْ اسْمِ اللهِ، وَيُصَحّحُ هَذِهِ الرّوَايَةَ أَنّ فِي الْخَبَرِ قَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ يُمَكّنْ اللهُ مِنْك؟ فَقَالَ: بَلَى، وَلَقَدْ قَلْقَلْت كُلّ مُقَلْقَلِ، وَلَكِنْ مَنْ يَخْذُلْك يُخْذَلْ، فَقَوْلُهُ: يَخْذُلْك كَقَوْلِ الْآخَرِ فِي الْبَيْتِ: وَلَكِنّهُ مَنْ يَخْذُلْ الله يخذل

_ (1) فى اللسان: الفقع بكسر الفاء وقتحها وسكون القاف الأبيض الرخو من الكمأة وهو أردؤها وجمعها على وزن فعلة بكسر الفاء وفتح العين مثل قردة. (2) فى التعبير خلل، وهو يعنى أن شقحية نسبة إلى شقحة التى جمعها شقح. والشقحة: هى البسرة المتغيرة الحمرة. وسنح فى الأصل: صوابها شقح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِأَنّهُ إنّمَا نَظَمَ فِي الْبَيْتِ كَلَامَ حُيَيّ. سَلْمَى بِنْتُ أَيّوبَ: وَذَكَرَ حَدِيثَهُ عَنْ أَيّوبَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، وَأَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ، قَالَ: وَقَعَ فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيّ أَنّ أَيّوبَ نَفْسَهُ هُوَ الْمُخْبِرُ أَنّ سَلْمَى بِنْتَ قَيْسٍ هِيَ: سَلْمَى بِنْتُ أَيّوبَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ الصّحِيحُ وَاَللهُ أَعْلَمُ. سَلْمَى بِنْتُ قَيْسٍ: وَقَوْلُهُ عَنْ سَلْمَى بِنْتِ قَيْسٍ، هِيَ سَلْمَى بِنْتُ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ تَفْسِيرُ آيَاتٍ قُرْآنِيّةٍ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ والقلب لا ينتقل من موصعه، وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى الْحَنْجَرَةِ لَمَاتَ صَاحِبُهُ، وَاَللهُ سُبْحَانَهُ لَا يَقُولُ إلّا الْحَقّ، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنّ التّكَلّمَ بِالْمَجَازِ عَلَى جِهَةِ الْمُبَالَغَةِ، فَهُوَ حَقّ إذَا فَهِمَ الْمُخَاطَبُ عَنْك، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ الْكَهْفَ: 77، أَيْ مَثَلُهُ كَمَثَلِ مَنْ يُرِيدَ أَنْ يفعل الفعل، ويهم بِهِ، فَهُوَ مِنْ مَجَازِ التّشْبِيهِ، وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ مِثْلُهُمْ فِيمَا بَلَغَهُمْ مِنْ الْخَوْفِ وَالْوَهَلِ وَضِيقِ الصّدْرِ كَمِثْلِ الْمُنْخَلِعِ قَلْبُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، تَقْدِيرُهُ: بَلَغَ وَجِيفُ الْقُلُوبِ الْحَنَاجِرَ وَأَمّا قَوْلُهُ: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ غَافِرَ: 18 فَلَا مَعْنَى لِحَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِأَنّهُ فِي صِفَةِ هَوْلِ الْقِيَامَةِ، وَالْأَمْرُ فِيهِ أَشَدّ مِمّا تَقَدّمَ، لَا سِيمَا وَقَدْ قَالَ فِي أُخْرَى: لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ إبْرَاهِيمَ: 43، أَيْ قَدْ فَارَقَ الْقَلْبُ الْفُؤَادَ، وَبَقِيَ فَارِغًا هَوَاءً، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنّ الْقَلْبَ غَيْرُ الْفُؤَادِ، كَأَنّ الْفُؤَادَ هُوَ غِلَافُ الْقَلْبِ، وَيُؤَيّدُهُ قَوْلُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ: أَلْيَنُ قُلُوبًا وَأَرَقّ أَفْئِدَةً «1» مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ الزمر: 22 ولم يقل للقاسية أفئلتهم، والقسوة ضد اللين، فتأمله. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ يَعْلَمُ «2» اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ الْأَحْزَابَ: 18 أَيْ الْمُخَذّلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ: فَيُعَوّقُونَهُمْ بِالتّخْذِيلِ عَنْ الطّاعَةِ، لِقَوْلِهِمْ: هَلُمّ إلَيْنَا. تَقُولُ: عَاقَنِي الْأَمْرُ عَنْ كَذَا، وَعَوّقَنِي فُلَانٌ عَنْ كَذَا، أَيْ صَرَفَنِي عَنْهُ. وَذَكَرَ الصّيَاصِيَ وَأَنّهَا الْحُصُونُ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ سُحَيْمٍ يَصِفُ سَيْلًا: وَأَصْبَحَتْ الثّيرَانُ صَرْعَى، وَأَصْبَحَتْ ... نِسَاءُ تَمِيمٍ يَبْتَدِرْنَ الصّيَاصِيَا وَأَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ رَحِمَهُ اللهُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ: الصّيَاصِي: قرون الثيران المذكورة فيه، لا ماتوهم ابْنُ هِشَامٍ أَنّهَا الْحُصُونُ وَالْآطَامُ، يَقُولُ: لَمّا أهلك هذا السيل النيران وغرّفها أصبحت نساء تمم يَبْتَدِرْنَ أَخْذَ قُرُونِهَا، لِيَنْسِجْنَ بِهَا الْبُجُدَ، وَهِيَ الْأَكْسِيَةُ، قَالَ هَذَا يَعْقُوبُ عَنْ الْأَصْمَعِيّ. وَيُصَحّحُ هَذَا أَنّهُ لَا حُصُونَ فِي بَادِيَةِ الْأَعْرَابِ قال المؤلف: ويصحح

_ (1) جاء فى حديث متفق عليه: «هم أرق أفئدة وألين قلوبا» . (2) دخلت قد هنا لتوكيد العلم، ويرجع ذلك إلى توكيد الوعيد، ولأن الله لا تخفى عليه خافية فى الأرض، ولا فى السماء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَذَا التّفْسِيرَ أَيْضًا رِوَايَةُ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ لَهُ، فَإِنّهُ أَنْشَدَهُ فِي كِتَابِ النّبَاتِ لَهُ، فقال فيه يلتقطن الصّياصيا «1» ولم يقل: بيتدرن، وأنشد: فذعرنا سحم الصّياصى بأيديهنّ ... نضح من الكحيل وقار الكحيل: القطرن، وَالْقَارُ: الزّفْتُ، شَبّهَ السّوَادَ الّذِي فِي أَيْدِيهِنّ بِنَضْحِ مِنْ ذَلِكَ الْكُحَيْلِ وَالْقَارِ، يَصِفُ بَعْرَ وَحْشٍ، وَأَنْشَدَ لِدُرَيْدِ بْنِ الصّمّةِ: كَوَقْعِ الصّيَاصِي فِي النّسِيجِ الْمُمَدّدِ وَحَمَلَهُ الْأَصْمَعِيّ عَلَى مَا تَقَدّمَ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ هَذَا مِنْ أَنّهَا الْقُرُونُ الّتِي يُنْسَجُ بِهَا، لَا أَنّهَا شَوْكٌ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. اهْتِزَازُ الْعَرْشِ: وَذَكَرَ اهْتِزَازَ الْعَرْشِ، وَقَدْ تَكَلّمَ النّاسُ فِي مَعْنَاهُ، وَظَنّوا أَنّهُ مُشْكِلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الِاهْتِزَازُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الِاسْتِبْشَارِ بِقُدُومِ رُوحِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُرِيدُ حَمَلَةَ الْعَرْشِ وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، اسْتِبْعَادًا مِنْهُمْ، لِأَنْ يَهْتَزّ الْعَرْشُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَا بُعْدَ فِيهِ، لِأَنّهُ مَخْلُوقٌ وَتَجُوزُ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ، وَالْهَزّةُ، وَلَا يُعْدَلُ عَنْ ظَاهِرِ اللّفْظِ، مَا وجد إليه سبيل، وحديث اهتزاز العرش لوت سَعْدٍ صَحِيحٌ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ، وَمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي مَعْنَاهُ: أَنّهُ سَرِيرُ سَعْدٍ اهْتَزّ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ الْعُلَمَاءُ «2» ، وَقَالُوا: كَانَتْ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَيّيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ ضَغَائِنُ «3» . وفى لفظ

_ (1) كذا أنشده ابن برى فى اللسان. وقال: يلتقطن القرون لينسجن بها. (2) قال الحافظ: إلا أن يراد اهتزاز حملة سريره فرحا بقدومه، فيتجه. (3) فى الصحيح قال رجل لجابر: «فان البراء يقول اهتز السرير، فقال: -

ما قيل من الشعر فى أمر الخندق وبنى قريظة

[مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي أَمْرِ الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ] شِعْرُ ضِرَارٍ وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فهر، فى يوم الخندق: وَمُشْفِقَةٌ تَظُنّ بِنَا الظّنُونَا ... وَقَدْ قُدْنَا عَرَنْدَسَةً طَحُونَا كَأَنّ زُهَاءَهَا أُحُدٌ إذَا مَا ... بَدَتْ أركانه للنّاظرينا ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحَدِيثِ: اهْتَزّ عَرْشُ الرّحْمَنِ، رَوَاهُ أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ يَرْفَعُهُ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي سُفْيَانَ كِلَاهُمَا عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ مِنْ الصّحَابَةِ جَمَاعَةٌ غَيْرُ جَابِرٍ، مِنْهُمْ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، وأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَرُمَيْثَةُ بِنْتُ عَمْرٍو، ذَكَرَ ذَلِكَ التّرْمِذِيّ. وَالْعَجَبُ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ إنْكَارِهِ لِلْحَدِيثِ، وَكَرَاهِيَتِهِ لِلتّحَدّثِ بِهِ مَعَ صِحّةِ نَقْلِهِ، وَكَثْرَةِ الرّوَاةِ لَهُ، وَلَعَلّ هَذِهِ الرّوَايَةَ لَمْ تَصِحّ عَنْ مَالِكٍ وَاَللهُ أَعْلَمُ «1» .

_ - إنه كان بين هذين الحيين ضغائن. سمعت النبى «ص» يقول اهتز عرش الرحمن لموت سعد. والحيان: الأوس والخزرج، فقال ذلك جابر إظهارا للحق واعترافا بالفضل لأهله فكأنه تعجب من البراء كيف قال ذلك مع أنه أوسى، ثم قال: أنا وإن كنت خزرجيا، وكان بين الحيين ما كان لا أمتنع من قول الحق، وعذر البراء أنه فهم ذلك لا أنه قصد الغض من حكاية سعد وقد ظن جابر أن البراء قصد الغض من سعد فانتصر له. فتح البارى، والمواهب ح 2 ص 140. (1) سبق الكلام عن هذا.

تَرَى الْأَبْدَانَ فِيهَا مُسْبِغَاتٍ ... عَلَى الْأَبْطَالِ وَالْيَلَبَ الْحَصِينَا وَجُرْدًا كَالْقِدَاحِ مُسَوّمَاتٍ ... نَؤُمّ بِهَا الْغُوَاةَ الْخَاطِيِينَا كَأَنّهُمْ إذَا صَالُوا وَصُلْنَا ... بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ مُصَافِحُونَا أُنَاسٌ لَا نَرَى فِيهِمْ رَشِيدًا ... وَقَدْ قَالُوا أَلَسْنَا رَاشِدِينَا فَأَحْجَرْنَاهُمُ شَهْرًا كَرِيتًا ... وَكُنّا قوقهم كالقاهرينا مزاوحهم وَنَغْدُو كُلّ يَوْمٍ ... عَلَيْهِمْ فِي السّلَاحِ مُدَجّجِينَا بأيدينا صورام مُرْهَفَاتٌ ... نَقُدّ بِهَا الْمَفَارِقَ وَالشّئُونَا كَأَنّ وَمِيضَهُنّ مُعَرّيَاتٍ ... إذَا لَاحَتْ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا وَمِيضُ عَقِيقَةٍ لمعت بليل ... ترى فيها العقائق متبينا فَلَوْلَا خَنْدَقٌ كَانُوا لَدَيْهِ ... لَدَمّرْنَا عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَا وَلَكِنْ حَالَ دُونَهُمْ وَكَانُوا ... بِهِ مِنْ خَوْفِنَا مُتَعَوّذِينَا فَإِنْ نَرْحَلْ فَإِنّا قَدْ تَرَكْنَا ... لَدَى أَبْيَاتِكُمْ سَعْدًا رَهِينَا إذَا جَنّ الظّلَامُ سَمِعْتَ نَوْحَى ... عَلَى سَعْدٍ يُرَجّعْنَ الْحَنِينَا وَسَوْفَ نَزُورُكُمْ عَمّا قَرِيبٍ ... كَمَا زُرْنَاكُمْ مُتَوَازِرِينَا بِجَمْعٍ مِنْ كِنَانَةَ غَيْرَ عُزْلٍ ... كَأُسْدِ الْغَابِ قَدْ حَمَتِ العرينا كعب يرد عَلَى ضِرَارٍ فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، أَخُو بنى سلمة، فقال: وَسَائِلَةٍ تُسَائِلُ مَا لَقِينَا ... وَلَوْ شَهِدَتْ رَأَتْنَا صابرينا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صَبَرْنَا لَا نَرَى لِلّهِ عَدْلًا ... عَلَى مَا نَابَنَا مُتَوَكّلِينَا وَكَانَ لَنَا النّبِيّ وَزِيرَ صِدْقٍ ... بِهِ نَعْلُو الْبَرِيّةَ أَجْمَعِينَا نُقَاتِلُ مَعْشَرًا ظَلَمُوا وَعَقّوا ... وَكَانُوا بِالْعَدَاوَةِ مُرْصِدِينَا نُعَاجِلُهُمْ إذَا نَهَضُوا إلَيْنَا ... بِضَرْبٍ يُعْجِلُ الْمُتَسَرّعِينَا تَرَانَا فِي فَضَافِضَ سَابِغَاتٍ ... كَغُدْرَانِ الْمَلَا مُتَسَرْبِلِينَا وَفِي أَيْمَانِنَا بِيضٌ خِفَافٌ ... بِهَا نَشْفِي مُرَاحَ الشّاغِبِينَا بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ كأنّ أسدا ... شوابكهنّ يحمين العريفا فوارسنا إذا بكروا وراحوا ... على الأعداء شوسا مسلمينا لِنَنْصُرَ أَحَمْدًا وَاَللهَ حَتّى ... نَكُونَ عِبَادَ صِدْقٍ مُخْلِصِينَا وَيَعْلَمَ أَهْلُ مَكّةَ حِينَ سَارُوا ... وَأَحْزَابٌ أَتَوْا مُتَحَزّبِينَا بِأَنّ اللهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ ... وَأَنّ اللهَ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَا فَإِمّا تَقْتُلُوا سَعْدًا سَفَاهًا ... فَإِنّ اللهَ خَيْرُ الْقَادِرِينَا سَيُدْخِلُهُ جِنَانًا طيّبات ... تكون مقامة للصّالحينا كما قد زدّكم فَلّا شَرِيدًا ... بِغَيْظِكُمْ خَزَايَا خَائِبِينَا خَزَايَا لَمْ تَنَالُوا ثَمّ خَيْرًا ... وَكِدْتُمْ أَنْ تَكُونُوا دَامِرِينَا بريح عاصف هبّت عليكم ... فكنتم تحتها متكهّينا شعر ابن الزبعرى وقال عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَعْرَى السّهْمِيّ، فِي يَوْمِ الخندق: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حَتّى الدّيَارَ مَحَا مَعَارِفَ رَسْمِهَا ... طُولُ الْبِلَى وتراوح الأحقاب فكأنما كَتَبَ الْيَهُودُ رُسُومَهَا ... إلّا الْكَنِيفَ وَمَعْقِدَ الْأَطْنَابِ قفزا كَأَنّك لَمْ تَكُنْ تَلْهُو بِهَا ... فِي نِعْمَةٍ بِأَوَانِسٍ أَتْرَابِ فَاتْرُكْ تَذَكّرَ مَا مَضَى مِنْ عِيشَةٍ ... وَمَحِلّةٍ خَلْقِ الْمَقَامِ يَبَابِ وَاذْكُرْ بَلَاءَ مَعَاشِرٍ وَاشْكُرْهُمْ ... سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ مِنْ الْأَنْصَابِ أَنْصَابِ مَكّةَ عَامِدِينَ لِيَثْرِبِ ... فِي ذِي غَيَاطِلَ جَحْفَلٍ جَبْجَابِ يَدَعُ الْحُزُونَ مَنَاهِجًا مَعْلُومَةً ... فِي كُلّ نَشْرٍ ظَاهِرٍ وَشِعَابِ فِيهَا الْجِيَادُ شَوَازِبٌ مَجْنُوبَةٌ ... قُبّ الْبُطُونِ لَوَاحِقُ الْأَقْرَابِ مِنْ كُلّ سَلْهَبَةٍ وَأَجْرَدَ سَلْهَبٍ ... كَالسّيدِ بَادَرَ غَفْلَةَ الرّقّابِ جَيْشُ عُيَيْنَةَ قَاصِدٌ بِلِوَائِه ... فِيهِ وَصَخْرٌ قَائِدُ الْأَحْزَابِ قَرْمَانُ كَالْبَدْرَيْنِ أَصْبَحَ فِيهِمَا ... غَيْثُ الْفَقِيرِ وَمَعْقِلُ الْهُرّابِ حَتّى إذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَدَوْا ... لِلْمَوْتِ كُلّ مُجَرّبٍ قَضّابِ شَهْرًا وَعَشْرًا قَاهِرِينَ مُحَمّدًا ... وَصِحَابُهُ فِي الْحَرْبِ خَيْرُ صِحَابِ نَادَوْا بِرِحْلَتِهِمْ صَبِيحَةَ قُلْتُمْ ... كِدْنَا نَكُونُ بِهَا مَعَ الْخُيّابِ لَوْلَا الْخَنَادِقَ غَادَرُوا مِنْ جَمْعِهِمْ ... قَتْلَى لِطَيْرٍ سغّب وذئاب حسان يرد عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الأنصارى، فقال: هَلْ رَسْمُ دَارِسَةِ الْمَقَامِ يَبَابِ ... مُتَكَلّمٌ لِمُحَاوِرِ بجواب ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قفر عفارهم السّحَابِ رُسُومَهُ ... وَهُبُوبُ كُلّ مُطِلّةٍ مِرْبَابِ وَلَقَدْ رَأَيْت بِهَا الْحُلُولَ يَزِينُهُمْ ... بِيضُ الْوُجُوهِ ثَوَاقِبُ الْأَحْسَابِ فَدَعْ الدّيَارَ وَذِكْرَ كُلّ خَرِيدَةٍ ... بَيْضَاءَ آنِسَةِ الْحَدِيثِ كَعَابِ وَاشْكُ الْهُمُومَ إلَى الْإِلَهِ وَمَا تَرَى ... مِنْ مَعْشَرٍ ظَلَمُوا الرّسُولَ غِضَابِ سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ إلَيْهِ وَأَلّبُوا ... أَهْلَ الْقُرَى وَبَوَادِيَ الْأَعْرَابِ جَيْشُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ حَرْبٍ فِيهِمْ ... مُتَخَمّطُونَ بِحَلَبَةِ الْأَحْزَابِ حَتّى إذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَجَوْا ... قَتْلَى الرّسُولِ وَمَغْنَمَ الْأَسْلَابِ وَغَدَوْا عَلَيْنَا قَادِرِينَ بأيديهم ... رُدّوا بِغَيْظِهِمْ عَلَى الْأَعْقَابِ بِهُبُوبِ مُعْصِفَةٍ تُفَرّقُ جَمْعَهُمْ ... وَجُنُودِ رَبّكَ سَيّدِ الْأَرْبَابِ فَكَفَى الْإِلَهُ الْمُؤْمِنِينَ قِتَالَهُمْ ... وَأَثَابَهُمْ فِي الْأَجْرِ خَيْرَ ثَوَابِ من بعد ما مَا قَنَطُوا فَفَرّقَ جَمْعَهُمْ ... تَنْزِيلُ نَصْرٍ مَلِيكِنَا الْوَهّابِ وَأَقَرّ عَيْنَ مُحَمّدٍ وَصِحَابِهِ ... وَأَذَلّ كُلّ مُكَذّبٍ مُرْتَابِ عَاتِي الْفُؤَادِ مُوَقّعٍ ذِي رِيبَةٍ ... فِي الْكُفْرِ لَيْسَ بِطَاهِرِ الْأَثْوَابِ عَلِقَ الشّقَاءُ بِقَلْبِهِ، فَفُؤَادُهُ ... فِي الْكُفْرِ آخِرُ هَذِهِ الْأَحْقَابِ كعب يرد على ابن الزبعرى وأجابه كعب بن مالك أيضا، فقال: أَبْقَى لَنَا حَدَثُ الْحُرُوبِ بَقِيّةً ... مِنْ خَيْرِ نِحْلَةِ رَبّنَا الْوَهّابِ بَيْضَاءَ مُشْرِفَةَ الذّرَى وَمَعَاطِنًا ... حُمّ الْجُذُوعِ غَزِيرَةُ الْأَحْلَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كَاللّوبِ يُبْذَلُ جَمّهَا وَحَفِيلُهَا ... لِلْجَارِ وَابْنِ الْعَمّ والمنتاب ونزائعا مثل السّراخ نَمَى بِهَا ... عَلَفُ الشّعِيرِ وَجِزّةُ الْمِقْضَابِ عَرِيَ الشّوى منها وأردف نحضها ... جرد المتون وسائز الْآرَابِ قُودًا تَرَاحُ إلَى الصّيَاحِ إذْ غَدَتْ ... فِعْلَ الضّرَاءِ تَرَاحُ لِلْكَلّابِ وَتَحُوطُ سَائِمَةَ الدّيَارِ وتارة ... تردى العدا وتثوب بِالْأَسْلَابِ حُوشُ الْوُحُوشِ مُطَارَةٌ عِنْدَ الْوَغَى ... عُبْسُ اللّقَاءِ مُبِينَةُ الْإِنْجَابِ عُلِفَتْ عَلَى دَعَةٍ فَصَارَتْ بُدّنًا ... دُخْسَ الْبَضِيعِ خَفِيفَةَ الْأَقْصَابِ يَغْدُونَ بِالزّغْفِ الْمُضَاعَفِ شَكّةً ... وَبِمُتْرَصَاتِ فِي الثّقَافِ صِيَابِ وَصَوَارِمٌ نزع الصّياقل غلبها ... وبكلّ أروع ماجد الأتاب يَصِلُ الْيَمِينَ بِمَارِنٍ مُتَقَارِبٍ ... وُكِلَتْ وَقِيعَتُهُ إلَى خَبّابِ وَأَغَرّ أَزْرَقَ فِي الْقَنَاةِ كَأَنّهُ ... فِي طُخْيَةِ الظّلْمَاءِ ضَوْءُ شِهَابِ وَكَتِيبَةٍ يَنْفِي الْقِرَانَ قتيرها ... وتردّ حدّ قواحذ النّسّاب جَأْوَى مُلَمْلَمَةً كَأَنّ رِمَاحَهَا ... فِي كُلّ مَجْمَعَةٍ ضَرِيمَةُ غَابِ يَأْوِي إلَى ظِلّ اللّوَاءِ كَأَنّهُ ... فِي صَعْدَةِ الْخَطّيّ فَيْءُ عُقّابِ أَعْيَتْ أَبَا كرب وأعيت نبّعا ... وَأَبَتْ بَسَالَتُهَا عَلَى الْأَعْرَابِ وَمَوَاعِظٌ مِنْ رَبّنَا نُهْدَى بِهَا ... بِلِسَانِ أَزْهَرَ طَيّبِ الْأَثْوَابِ عُرِضَتْ عَلَيْنَا فَاشْتَهَيْنَا ذِكْرَهَا ... مِنْ بَعْدِ مَا عُرِضَتْ عَلَى الْأَحْزَابِ حِكَمًا يَرَاهَا الْمُجْرِمُونَ بِزَعْمِهِمْ ... حَرَجًا وَيَفْهَمُهَا ذَوُو الْأَلْبَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبّهَا ... فَلَيُغْلَبَنّ مُغَالِبُ الغلّاب قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، قَالَ: حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ: لَمّا قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبّهَا ... فَلَيُغْلَبَنّ مُغَالِبُ الْغَلّابِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: لَقَدْ شَكَرَك اللهُ يَا كَعْبُ عَلَى قَوْلِك هَذَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مالك فى يوم الخندق: مَنْ سَرّهُ ضَرْبٌ يُمَعْمِعُ بَعْضُهُ ... بَعْضًا كَمَعْمَعَةِ الْأَبَاءِ الْمُحْرَقِ فَلْيَأْتِ مَأْسَدَةً تُسَنّ سُيُوفُهَا ... بَيْنَ الْمَذَادِ وَبَيْنَ جَزْعِ الْخَنْدَقِ دَرِبُوا بِضَرْبِ الْمُعْلِمِينَ وأسلموا ... مهجات أنضهم لِرَبّ الْمَشْرِقِ فِي عُصْبَةٍ نَصَرَ الْإِلَهُ نَبِيّهُ ... بِهِمْ وَكَانَ بِعَبْدِهِ ذَا مَرْفِقِ فِي كُلّ سَابِغَةٍ تَخُطّ فُضُولُهَا ... كَالنّهْيِ هَبّتْ رِيحُهُ الْمُتَرَقْرِقِ بَيْضَاءُ مُحْكِمَةٌ كَأَنّ قَتِيرَهَا ... حَدَقُ الْجَنَادِبِ ذَاتُ شَكّ مُوثَقِ جَدْلَاءُ يَحْفِزُهَا نِجَادُ مُهَنّدٍ ... صَافِي الْحَدِيدَةِ صَارِمٌ ذِي رَوْنَقِ تِلْكُمْ مَعَ التّقْوَى تَكُونُ لِبَاسَنَا ... يَوْمَ الْهِيَاجِ وَكُلّ سَاعَةِ مَصْدَقِ نَصِلُ السّيُوفَ إذَا قَصُرْنَ بِخَطْوِنَا ... قُدُمًا وَنُلْحِقُهَا إذَا لَمْ تَلْحَقْ فَتَرَى الْجَمَاجِمَ ضَاحِيًا هَامَاتُهَا ... بَلْهَ الْأَكُفّ كَأَنّهَا لَمْ تُخْلَقْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نَلْقَى الْعَدُوّ بِفَخْمَةٍ مَلْمُومَةٍ ... تَنْفِي الْجُمُوعَ كَفَصْدِ رَأْسِ الْمَشْرِقِ وَنُعِدّ لِلْأَعْدَاءِ كُلّ مُقَلّصٍ ... وَرْدٍ وَمَحْجُولِ الْقَوَائِمِ أَبْلَقِ تُرْدِى بِفُرْسَانٍ كَأَنّ كُمَاتَهُمْ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ أُسُودُ طَلّ مُلْثِقِ صُدَقٌ يُعَاطُونَ الْكُمَاةَ حُتُوفَهُمْ ... تَحْتَ الْعِمَايَةِ بِالْوَشِيجِ الْمُزْهِقِ أَمَرَ الْإِلَهُ بِرَبْطِهَا لِعَدُوّهِ ... فِي الْحَرْبِ إنّ اللهَ خَيْرُ مُوَفّقِ لِتَكُونَ غَيْظًا لِلْعَدُوّ وَحُيّطَا ... لِلدّارِ إنْ دَلَفَتْ خُيُولُ النّزّقِ وَيُعِينُنَا اللهُ الْعَزِيزُ بِقُوّةٍ ... مِنْهُ وَصِدْقِ الصّبْرِ سَاعَةَ نَلْتَقِي وَنُطِيعُ أَمْرَ نَبِيّنَا وَنُجِيبُهُ ... وَإِذَا دَعَا لِكَرِيهَةٍ لَمْ نُسْبَقْ وَمَتَى يُنَادِ إلَى الشّدَائِدِ نَأْتِهَا ... وَمَتَى نَرَ الْحَوْمَاتِ فِيهَا نُعْنِقْ مَنْ يَتّبِعْ قَوْلَ النّبِيّ فَإِنّهُ ... فِينَا مُطَاعُ الْأَمْرِ حَقّ مُصَدّقِ فَبِذَاكَ يَنْصُرنَا وَيُظْهِرُ عِزّنَا ... وَيُصِيبُنَا مِنْ نَيْلِ ذَاكَ بِمِرْفَقِ إنّ الّذِينَ يُكَذّبُونَ مُحَمّدًا ... كَفَرُوا وَضَلّوا عَنْ سَبِيلِ الْمُتَقّي قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ: تِلْكُمْ مَعَ التّقْوَى تَكُونُ لِبَاسَنَا وَبَيْتَهُ: مَنْ يَتّبِعْ قَوْلَ النّبِيّ أَبُو زَيْدٍ. وأنشدنى: تنفى الجموع كرأس قدس المشرق ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ: لَقَدْ عَلِمَ الْأَحْزَابُ حِينَ تَأَلّبُوا ... عَلَيْنَا وَرَامُوا دِينَنَا مَا نُوَادِعُ أَضَامِيمُ مِنْ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ أُصْفِقَتْ ... وَخِنْدِفُ لَمْ يَدْرُوا بِمَا هُوَ وَاقِعُ يَذُودُونَنَا عَنْ دِينِنَا وَنَذُودُهُمْ ... عَنْ الْكُفْرِ وَالرّحْمَنُ رَاءٍ وَسَامِعُ إذَا غَايَظُونَا فِي مَقَامٍ أَعَانَنَا ... عَلَى غَيْظِهِمْ نَصْرٌ مِنْ اللهِ وَاسِعُ وَذَلِك حِفْظُ اللهِ فِينَا وَفَضْلُهُ ... عَلَيْنَا وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ اللهُ ضَائِعُ هَدَانَا لِدِينِ الْحَقّ وَاخْتَارَهُ لَنَا ... وَلِلّهِ فَوْقَ الصّانِعِينَ صَنَائِعُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ: أَلَا أَبْلِغْ قُرَيْشًا أَنّ سَلْعًا ... وَمَا بَيْنَ الْعُرَيْضِ إلَى الصّمَادِ نَوَاضِحُ فِي الْحُرُوبِ مُدَرّبَاتٌ ... وَخَوْصٌ ثُقّبَتْ مِنْ عَهْدِ عَادِ رَوَاكِدُ يَزْخَرُ الْمُرّارُ فِيهَا ... فَلَيْسَتْ بِالْجِمَامِ وَلَا الثّمَادِ كَأَنّ الْغَابَ وَالْبَرْدِيّ فِيهَا ... أَجَشّ إذَا تَبَقّعَ لِلْحَصَادِ وَلَمْ نَجْعَلْ تِجَارَتَنَا اشْتِرَاءَ الْحَمِيرِ ... لِأَرْضِ دَوْسٍ أَوْ مُرَادِ بِلَادٌ لَمْ تَثُرْ إلّا لِكَيْمَا ... نُجَالِدُ إن شطم للجلاد أثر سِكّةَ الْأَنْبَاطِ فِيهَا ... فَلَمْ تَرَ مِثْلَهَا جَلَهَاتِ وَادِ قَصَرْنَا كُلّ ذِي حُضْرٍ وَطَوْلٍ ... عَلَى الْغَايَاتِ مُقْتَدِرٍ جَوَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَجِيبُونَا إلَى مَا نَجْتَدِيكُمْ ... مِنْ الْقَوْلِ الْمُبَيّنِ وَالسّدَادِ وَإِلّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَوْمٍ ... لَكُمْ مِنّا إلَى شَطْرِ الْمَذَادِ نُصَبّحُكُمْ بِكُلّ أَخِي حُرُوبٍ ... وَكُلّ مُطَهّمٍ سَلِسِ الْقِيَادِ وَكُلّ طِمِرّةٍ خَفِقٌ حَشَاهَا ... تَدِفّ دَفِيفَ صَفْرَاءِ الْجَرَادِ وَكُلّ مُقَلّصِ الْآرَابِ نَهْدٍ ... تَمِيمِ الْخَلْقِ مِنْ أُخْرٍ وَهَادِي خُيُولٌ لَا تُضَاعُ إذَا أُضِيعَتْ ... خُيُولُ النّاسِ فِي السّنَةِ الْجَمَادِ يُنَازِعْنَ الْأَعِنّةَ مُصْغِيَاتٍ ... إذَا نَادَى إلَى الْفَزَعِ الْمُنَادِي إذَا قَالَتْ لَنَا النّذُرُ اسْتَعِدّوا ... تَوَكّلْنَا عَلَى رَبّ الْعِبَادِ وَقُلْنَا لَنْ يُفَرّجَ مَا لَقِينَا ... سِوَى ضَرْبُ الْقَوَانِسِ وَالْجِهَادِ فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِيمَنْ لَقِينَا ... مِنْ الْأَقْوَامِ مِنْ قَارٍ وَبَادِي أَشَدّ بَسَالَةً مِنّا إذَا مَا ... أَرَدْنَاهُ وَأَلْيَنَ فِي الْوِدَادِ إذَا مَا نَحْنُ أَشْرَجْنَا عَلَيْهَا ... جِيَادَ الْجُدْلِ فِي الْأُرَبِ الشّدَادِ قَذَفْنَا فِي السّوَابِغِ كُلّ صَقْرٍ ... كَرِيمٍ غَيْرِ مُعْتَلِثِ الزّنَادِ أَشَمّ كَأَنّهُ أَسَدٌ عَبُوسٌ ... غَدَاةَ بَدَا بِبَطْنِ الْجَزَعِ غَادِي يُغَشّي هامة البطل المذكّى ... صبىّ السّيف مسترخى النّحاد لِنُظْهِرَ دِينَك اللهُمّ. إنّا ... بِكَفّكَ فَاهْدِنَا سُبُلَ الرّشاد قال ابن هشام بيته: قَصَرْنَا كُلّ ذِي حُضْرٍ وَطَوْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَالْبَيْتُ الّذِي يَتْلُوهُ، وَالْبَيْتُ الثّالِثُ مِنْهُ، وَالْبَيْتُ الرّابِعُ مِنْهُ، وَبَيْتُهُ: أَشَمّ كَأَنّهُ أَسَدٌ عَبُوسٌ وَالْبَيْتُ الّذِي يَتْلُوهُ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ. مسافع يبكى عمرا فى شعره قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ يبكى عمرو بن عبدودّ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إيّاهُ: عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ كَانَ أَوّلَ فَارِسٍ ... جَزَعَ الْمَذَادَ وَكَانَ فَارِسَ يَلْيَلِ سَمْحُ الْخَلَائِقِ مَاجِدٌ ذُو مِرّةٍ ... يَبْغِي الْقِتَالَ بِشِكّةِ لَمْ يَنْكُلْ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ حِينَ وَلّوْا عَنْكُمْ ... أَنّ ابْنَ عَبْدٍ فِيهِمْ لَمْ يَعْجَلْ حَتّى تَكَنّفَهُ الْكُمَاةُ وَكُلّهُمْ ... يَبْغِي مَقَاتِلَهُ وَلَيْسَ بِمُؤْتَلِي وَلَقَدْ تَكَنّفَتْ الْأَسِنّةُ فَارِسًا ... بِجُنُوبِ سَلْعٍ غَيْرَ نَكْسٍ أَمْيَلِ تَسَلُ النّزَالَ عَلَيّ فَارِسَ غَالِبٍ ... بِجُنُوبِ سَلْعٍ، لَيْته لَمْ يَنْزِلْ فَاذْهَبْ عَلَيّ فَمَا ظَفِرْت بِمِثْلِهِ ... فَخْرًا وَلَا لَاقَيْتَ مِثْلَ الْمُعْضِلِ نَفْسِي الْفِدَاءُ لِفَارِسٍ مِنْ غَالِبٍ ... لَاقَى حِمَامَ الْمَوْتِ لم يتحلحل أعنى الذى جزع المداد ممهره ... طلبا لثأر معاشر لم يخذل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مسافع يؤنب الْفُرْسَانِ الّذِينَ كَانُوا مَعَ عَمْرٍو وَقَالَ مُسَافِعٌ أَيْضًا يُؤَنّبُ فُرْسَانَ عَمْرٍو الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، فَأَجْلَوْا عَنْهُ وَتَرَكُوهُ: عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ وَالْجِيَادُ يَقُودُهَا ... خَيْلٌ تُقَادُ لَهُ وَخَيْلٌ تُنْعَلُ أَجْلَتْ فَوَارِسُهُ وَغَادَرَ رَهْطُهُ ... رُكْنًا عَظِيمًا كَانَ فِيهَا أَوّلُ عَجَبًا وَإِنْ أَعْجَبْ فَقَدْ أَبْصَرْته ... مَهْمَا تَسُومُ عَلَيّ عَمْرًا يَنْزِلُ لَا تَبْعَدَنّ فَقَدْ أُصِبْتُ بِقَتْلِهِ ... وَلَقِيتُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَمْرًا يَثْقُلُ وَهُبَيْرَةُ الْمَسْلُوبُ وَلّى مُدْبِرًا ... عِنْدَ الْقِتَالِ مَخَافَةً أَنّ يُقْتَلُوا وَضِرَارٌ كَأَنّ الْبَأْسَ مِنْهُ مُحْضَرًا ... وَلّى كَمَا وَلّى اللّئِيمُ الْأَعْزَلُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ. وَقَوْلُهُ: «عَمْرًا يَنْزِلُ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. هبيرة يبكى عمرا ويعتذر مِنْ فِرَارِهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ، وَيَبْكِي عمرا، ويذكر قتل علىّ إياه: لعمرى ما ولّيت ظهرى محمدا ... وأصحابه جبتا وَلَا خِيفَةَ الْقَتْلِ وَلَكِنّنِي قَلّبْت أَمْرِي فَلَمْ أَجِدْ ... لِسَيْفِي غَنَاءً إنْ ضَرَبْتُ وَلَا نَبْلِي وَقَفْت فَلَمّا لَمْ أَجِدْ لِي مُقَدّمًا ... صَدَدْتُ كَضِرْغَامِ هِزَبْرٍ أَبِي شَبْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثَنَى عِطْفِهِ عَنْ قِرْنِهِ حِينَ لَمْ يَجِدْ ... مَكَرّا وَقِدْمًا كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عَمْرُو حَيّا وَهَالِكًا ... وَحُقّ لِحُسْنِ الْمَدْحِ مِثْلُك مِنْ مِثْلِي وَلَا تَبْعَدَن يَا عَمْرُو حَيّا وَهَالِكًا ... فَقَدْ بِنْتَ مَحْمُودَ الثّنَا مَاجِدَ الْأَصْلِ فَمَنْ لِطِرَادِ الْخَيْلِ تُقْدَعُ بِالْقَنَا ... وَلِلْفَخْرِ يَوْمًا عِنْدَ قَرْقَرَةَ الْبَزْلِ هُنَالِكَ لَوْ كَانَ ابْنُ عَبْدٍ لَزَارَهَا ... وَفَرّجَهَا حَقّا فَتًى غَيْرُ مَا وَغْلِ فَعَنْك عَلَيّ لَا أَرَى مِثْلَ مَوْقِفٍ ... وَقَفْت عَلَى نَجْدِ الْمُقَدّمِ كَالْفَحْلِ فَمَا ظَفِرَتْ كَفّاك فَخْرًا بِمِثْلِهِ ... أَمِنْت بِهِ ما عشت من زلّة النّعل هبيرة يبكى عمرا فى شعره قال هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ يَبْكِي عَمْرَو بْنَ عبدودّ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ عَلِيّ إيّاهُ: لَقَدْ عَلِمْت عُلْيَا لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... لَفَارِسُهَا عَمْرٌو إذَا نَابَ نَائِبُ لَفَارِسُهَا عَمْرٌو إذَا مَا يَسُومُهُ ... عَلِيّ وَإِنّ اللّيْثَ لَا بُدّ طَالِبُ عَشِيّةَ يَدْعُوهُ علىّ وإنّه ... لفارسها إذ خام عنه الكائب فَيَا لَهْفَ نَفْسِي إنّ عَمْرًا تَرَكْتُهُ ... بِيَثْرِبَ لا زالت هناك المصائب حسان يفتخر بِقَتْلِ عَمْرٍو وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَفْتَخِرُ بقتل عمرو بن عبدودّ: بَقِيّتُكُمْ عَمْرٌو أَبَحْنَاهُ بِالْقَنَا ... بِيَثْرِبَ نَحْمِي وَالْحُمَاةُ قَلِيلُ وَنَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ بِكُلّ مُهَنّدٍ ... وَنَحْنُ وُلَاةُ الْحَرْبِ حِينَ نَصُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَنَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ بِبَدْرٍ فَأَصْبَحَتْ ... مَعَاشِرُكُمْ فِي الْهَالِكِينَ تَجُولُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسّانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي شَأْنِ عَمْرِو بن عبدودّ: أَمْسَى الْفَتَى عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ يَبْتَغِي ... بِجُنُوبِ يَثْرِبَ ثَأْرَهُ لَمْ يُنْظَرْ فَلَقَدْ وَجَدْتَ سُيُوفَنَا مَشْهُورَةً ... وَلَقَدْ وَجَدْتَ جِيَادَنَا لَمْ تُقْصَرْ وَلَقَدْ لَقِيتَ غَدَاةَ بَدْرٍ عُصْبَةً ... ضَرَبُوكَ ضَرْبًا غَيْرَ ضَرْبِ الْحُسّرِ أَصْبَحْت لَا تُدْعَى لِيَوْمِ عَظِيمَةٍ ... يَا عَمْرُو أَوْ لِجَسِيمِ أَمْرٍ مُنْكَرِ قَالَ ابن هشام: وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لِحَسّانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: أَلَا أَبْلِغْ أَبَا هِدْمٍ رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً تَخُبّ بِهَا الْمَطِيّ أَكُنْتُ وَلِيّكُمْ فِي كُلّ كُرْهٍ ... وَغَيْرِي فِي الرّخَاءِ هُوَ الْوَلِيّ ومنكر شَاهِدٌ وَلَقَدْ رَآنِي ... رُفِعْتُ لَهُ كَمَا اُحْتُمِلَ الصّبِيّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِرَبِيعَةَ بْنِ أُمَيّةَ الدّيْلِيّ، وَيُرْوَى فِيهَا آخِرُهَا: كَبَبْتَ الْخَزْرَجِيّ عَلَى يَدَيْهِ ... وَكَانَ شِفَاءَ نَفْسِي الْخَزْرَجِيّ وَتُرْوَى أَيْضًا لِأَبِي أُسَامَةَ الْجُشَمِيّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شِعْرُ حَسّانَ فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبُكَاءُ ابْنِ مُعَاذٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ يَبْكِي سعد ابن معاذ ويذكر حكمه فيهم: لَقَدْ سَجَمَتْ مِنْ دَمْعِ عَيْنِي عَبْرَةٌ ... وَحُقّ لِعَيْنِي أَنْ تَفِيضَ عَلَى سَعْدٍ قَتِيلٌ ثَوَى فِي مَعْرَكٍ فُجِعَتْ بِهِ ... عُيُونٌ ذَوَارِي الدّمْعِ دَائِمَةُ الْوَجْدِ عَلَى مِلّةِ الرّحْمَنِ وَارِثَ جَنّةٍ ... مَعَ الشّهَدَاءِ وَفْدُهَا أَكْرَمُ الْوَفْدِ فَإِنْ تَكُ قَدْ وَدّعْتنَا وَتَرَكْتنَا ... وَأَمْسَيْت فِي غَبْرَاءِ مُظْلِمَةِ اللّحْدِ فَأَنْتَ الّذِي يَا سَعْدُ أُبْت بِمَشْهَدٍ ... كريم وأتواب الْمَكَارِمِ وَالْحَمْدِ بِحُكْمِك فِي حَيّيْ قُرَيْظَةَ بِاَلّذِي ... قَضَى اللهُ فِيهِمْ مَا قَضَيْت عَلَى عَمْدِ فَوَافَقَ حُكْمَ اللهِ حُكْمَك فِيهِمْ ... وَلَمْ تَعْفُ إذْ ذُكِرْت مَا كَانَ مِنْ عَهْدِ فَإِنْ كَانَ رَيْبُ الدّهْرِ أَمْضَاكَ فِي الْأُلَى ... شَرَوْا هَذِهِ الدّنْيَا بِجَنّاتِهَا الْخُلْدِ فَنِعْمَ مَصِيرُ الصّادِقِينَ إذَا دُعُوا ... إلَى اللهِ يَوْمًا لِلْوَجَاهَةِ وَالْقَصْدِ شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ ابْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، يَبْكِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَرِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الشّهَدَاءِ، وَيَذْكُرُهُمْ بِمَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ الْخَيْرِ: أَلَا يَا لَقَوْمِي هَلْ لِمَا حُمّ دَافِعُ ... وَهَلْ مَا مَضَى مِنْ صَالِحِ الْعَيْشِ رَاجِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تَذَكّرْت عَصْرًا قَدْ مَضَى فَتَهَافَتَتْ ... بَنَاتُ الْحَشَى وَانْهَلّ مِنّي الْمَدَامِعُ صَبَابَةُ وَجْدٍ ذَكّرَتْنِي أَحِبّةً ... وَقَتْلَى مَضَى فِيهَا طُفَيْلٌ وَرَافِعُ وَسَعْدٌ فَأَضْحَوْا فِي الْجِنَانِ وَأَوْحَشَتْ ... مَنَازِلُهُمْ فَالْأَرْضُ مِنْهُمْ بَلَاقِعُ وَفَوْا يَوْمَ بَدْرٍ لِلرّسُولِ وَفَوْقَهُمْ ... ظِلَالُ الْمَنَايَا وَالسّيُوفُ اللّوَامِعُ دَعَا فَأَجَابُوهُ بِحَقّ وَكُلّهُمْ ... مُطِيعٌ لَهُ فِي كُلّ أَمْرٍ وَسَامِعُ فَمَا نَكَلُوا حَتّى تَوَلّوْا جَمَاعَةً ... وَلَا يَقْطَعَ الْآجَالَ إلّا الْمَصَارِعُ لِأَنّهُمْ يَرْجُونَ مِنْهُ شَفَاعَةً ... إذَا لَمْ يَكُنْ إلّا النّبِيّونَ شَافِعُ فَذَلِكَ يَا خَيْرَ الْعِبَادِ بَلَاؤُنَا ... إجَابَتُنَا لِلّهِ وَالْمَوْتُ نَاقِعُ لَنَا الْقَدَمُ الْأُولَى إلَيْك وَخَلْفُنَا ... لِأَوّلِنَا فِي مِلّةِ اللهِ تَابِعُ وَنَعْلَمُ أَنّ الْمُلْكَ لِلّهِ وَحْدَهُ ... وأنّ قضاء الله لا بدّ واقع شعر آخر لِحَسّانَ فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ: لقد لقيت قريظة ماسآها ... وَمَا وَجَدَتْ لِذُلّ مِنْ نَصيرِ أَصَابَهُمْ بَلَاءٌ كَانَ فِيهِ ... سِوَى مَا قَدْ أَصَابَ بَنِي النّضير غمداة أَتَاهُمْ يَهْوَى إلَيْهِمْ ... رَسُولُ اللهِ كَالْقَمَرِ الْمُنِيرِ لَهُ خَيْلٌ مُجَنّبَةٌ تَعَادَى ... بِفُرْسَانٍ عَلَيْهَا كَالصّقُورِ تَرَكْنَاهُمْ وَمَا ظَفِرُوا بِشَيْءِ ... دِمَاؤُهُمْ عَلَيْهِمْ كَالْغَدِيرِ فَهُمْ صَرْعَى تَحُوم الطّيْرُ فِيهِمْ ... كَذَاكَ يُدَانُ ذُو الْعَنَدِ الْفَجُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَأَنْذِرْ مِثْلَهَا نُصْحًا قُرَيْشًا ... مِنْ الرّحْمَنِ إنْ قَبِلَتْ نَذِيرِى وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي بنى قريظة: لقد لقيت قريظة ماسآها ... وَحَلّ بِحِصْنِهَا ذُلّ ذَلِيلُ وَسَعْدٌ كَانَ أَنْذَرَهُمْ بِنُصْحٍ ... بِأَنّ إلَهَكُمْ رَبّ جَلِيلُ فَمَا بَرِحُوا بِنَقْضِ الْعَهْدِ حَتّى ... فَلَاهُمْ فِي بِلَادِهُمُ الرّسُولُ أَحَاطَ بِحِصْنِهِمْ مِنّا صُفُوفٌ ... لَهُ مِنْ حَرّ وَقْعَتِهِمْ صَلِيلُ وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ: تَفَاقَدَ مَعْشَرٌ نَصَرُوا قريشا ... وليس لهم يبلدتهم نَصِيرُ هُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ فَضَيّعُوهُ ... وَهُمْ عُمْيٌ مِنْ التّوْرَاةِ بُورُ كَفَرْتُمْ بِالْقُرْانِ وَقَدْ أَتَيْتُمْ ... بِتَصْدِيقِ الّذِي قَالَ النّذِيرُ فَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ شِعْرُ أَبِي سفيان في الرد على حسان فأجابه أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَقَالَ: أَدَامَ اللهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ ... وَحَرّقَ فِي طَرَائِقِهَا السّعِيرُ سَتَعْلَمُ أَيّنَا مِنْهَا بِنُزْهِ ... وَتَعْلَمُ أَيّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ فَلَوْ كَانَ النّخِيلُ بِهَا رِكَابًا ... لَقَالُوا لَا مُقَامَ لَكُمْ فَسِيرُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل سلام بن أبى الحقيق

شِعْرُ ابْنِ جَوّالٍ فِي الرّدّ عَلَى حَسّانَ وَأَجَابَهُ جَبَلُ بْنُ جَوّالٍ الثّعْلَبِيّ أَيْضًا، وَبَكَى النّضير وقريظة، فقال: أَلَا يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ ... لِمَا لَقِيَتْ قُرَيْظَةُ وَالنّضِيرُ لَعَمْرُك إنّ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ ... غَدَاةَ تَحَمّلُوا لَهُوَ الصّبُورُ فَأَمّا الْخَزْرَجِيّ أبو حباب ... فقال لقينقاع لا تسيرا وَبُدّلَتْ الْمَوَالِي مِنْ حُضَيْرٍ ... أُسَيْدًا وَالدّوَائِرُ قَدْ تَدُورُ وَأَقْفَرَتْ الْبُوَيْرَةُ مِنْ سَلَامٍ ... وَسَعْيَةَ وَابْنِ أَخْطَبَ فَهِيَ بُورُ وَقَدْ كَانُوا بِبَلْدَتِهِمْ ثِقَالًا ... كَمَا ثَقُلَتْ بِمِيطَانِ الصّخُورِ فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو حَكَمٍ سَلَامٌ ... فَلَا رَثّ السّلَاحِ وَلَا دَثُورُ وَكُلّ الْكَاهِنَيْنِ وَكَانَ فِيهِمْ ... مَعَ اللّينِ الْخَضَارِمَةُ الصّقُورُ وَجَدْنَا الْمَجْدَ قَدْ ثَبَتُوا عَلَيْهِ ... بِمَجْدٍ لَا تُغَيّبُهُ الْبُدُورُ أَقِيمُوا يَا سَرَاةَ الْأَوْسِ فِيهَا ... كَأَنّكُمْ مِنْ الْمَخْزَاةِ عُورُ تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ لَا شَيْءَ فِيهَا ... وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَةٌ تَفُورُ [مقتل سلام بن أبى الحقيق] [الخزرج يستأذنون فى قتل ابن أَبِي الْحُقَيْقِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا انْقَضَى شَأْنُ الْخَنْدَقِ، وَأَمْرُ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَهُوَ أَبُو رَافِعٍ فِيمَنْ حَزّبَ الْأَحْزَابُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التنافس بين الأوس والخزرج فى عمل الخير

صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَكَانَتْ الْأَوْسُ قَبْلَ أُحُدٍ قَدْ قَتَلَتْ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَحْرِيضِهِ عَلَيْهِ، اسْتَأْذَنَتْ الْخَزْرَجُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَتْلِ سَلّامِ بْنِ أبى الحقيق، وهو بخيبر، فأذن لهم. [التنافس بين الأوس والخزرج فى عمل الخير] قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى، عن عبدا ابن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: وَكَانَ مِمّا صَنَعَ اللهُ بِهِ لِرَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ هَذَيْنِ الْحَيّيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ وَالْأَوْسِ، وَالْخَزْرَجِ، كَانَا يَتَصَاوَلَانِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، لَا تَصْنَعُ الْأَوْسُ شَيْئًا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَاءً إلّا قَالَتْ الْخَزْرَجُ: وَاَللهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَذِهِ فَضْلًا عَلَيْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي الْإِسْلَامِ. قَالَ: فَلَا يَنْتَهُونَ حَتّى يُوقِعُوا مِثْلَهَا؛ وَإِذَا فَعَلَتْ الْخَزْرَجُ شَيْئًا قَالَتْ الْأَوْسُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَلَمّا أَصَابَتْ الْأَوْسَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ الْخَزْرَجُ: وَاَللهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَا فَضْلًا عَلَيْنَا أَبَدًا؛ قَالَ: فَتَذَاكَرُوا: مَنْ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَدَاوَةِ كَابْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَهُوَ بِخَيْبَرِ؛ فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ في قتله، فأذن لهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصة الذين خرجوا لقتل ابن أبى الحقيق

[قصة الذين خرجوا لقتل ابن أبى الحقيق] فَخَرَجَ إلَيْهِ مِنْ الْخَزْرَجِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ خَمْسَةُ نَفَرٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيّ، وَخُزَاعِيّ بْنُ أَسْوَدَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَسْلَمَ. فَخَرَجُوا وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَقْتُلُوا وَلِيدًا أَوْ امْرَأَةً، فَخَرَجُوا حَتّى إذَا قَدِمُوا خَيْبَرَ، أَتَوْا دَارَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ لَيْلًا، فَلَمْ يَدْعُوَا بَيْتًا فِي الدّارِ إلّا أَغْلَقُوهُ عَلَى أَهْلِهِ. قَالَ: وَكَانَ فِي عِلّيّةٍ لَهُ إلَيْهَا عَجَلَةٌ قَالَ: فَأَسْنَدُوا فِيهَا حَتّى قَامُوا عَلَى بَابِهِ، فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ، فَخَرَجَتْ إلَيْهِمْ امْرَأَتُهُ، فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ نَلْتَمِسُ الْمِيرَةَ. قَالَتْ: ذَاكُمْ صَاحِبكُمْ، فَادْخُلُوا عَلَيْهِ، قَالَ: فَلَمّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ، أَغْلَقْنَا عَلَيْنَا وَعَلَيْهَا الْحُجْرَةَ، تَخَوّفًا أَنْ تَكُونَ دُونَهُ مُجَاوَلَةٌ تَحُولُ بيننا وبينه، قالت: فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ، فَنَوّهَتْ بِنَا وَابْتَدَرْنَاهُ؛ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِهِ بِأَسْيَافِنَا، فَوَاَللهِ مَا يَدُلّنَا عَلَيْهِ فِي سَوَادِ اللّيْلِ إلّا بَيَاضُهُ كَأَنّهُ قُبْطِيّةٌ مُلْقَاةٌ. قَالَ: وَلَمّا صَاحَتْ بِنَا امْرَأَتُهُ، جَعَلَ الرّجُلُ مِنّا يَرْفَعُ عَلَيْهَا سَيْفَهُ، ثُمّ يَذْكُرُ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُفّ يَدَهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَرَغْنَا مِنْهَا بِلَيْلٍ. قَالَ: فَلَمّا ضَرَبْنَاهُ بِأَسْيَافِنَا تَحَامَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ ابن أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ حَتّى أَنْفَذَهُ، وَهُوَ يقول: قطنى قطنى: أى حسى حَسْبِي. قَالَ: وَخَرَجْنَا، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عتيك رجلا سىء الْبَصَرِ، قَالَ: فَوَقَعَ مِنْ الدّرَجَةِ فَوُثِئَتْ يَدُهُ وَثْئًا شَدِيدًا- وَيُقَالُ: رِجْلُهُ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَحَمَلْنَاهُ حَتّى نَأْتِيَ بِهِ مَنْهَرًا مِنْ عُيُونِهِمْ، فَنَدْخُلَ فِيهِ. قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى قتل ابن الأشرف وابن أبى الحقيق

فَأَوْقَدُوا النّيرَانَ، وَاشْتَدّوا فِي كُلّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَنَا، قال: حتى إذا يئسوا رجعو إلى ضاحبهم، فَاكْتَنَفُوهُ وَهُوَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ. قَالَ: فَقُلْنَا: كَيْفَ لَنَا بِأَنْ نَعْلَمَ بِأَنّ عَدُوّ اللهِ قَدْ مَاتَ؟ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنّا: أَنَا أَذْهَبُ فَأَنْظُرُ لَكُمْ، فَانْطَلَقَ حَتّى دَخَلَ فِي النّاسِ. قَالَ: فَوَجَدْت امْرَأَتَهُ وَرِجَالَ يَهُودَ حَوْلَهُ وَفِي يَدِهَا الْمِصْبَاحُ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ، وَتُحَدّثُهُمْ وَتَقُولُ: أَمَا وَاَللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ ابْنِ عَتِيكٍ، ثُمّ أَكْذَبْتُ نَفْسِي وَقُلْت: أَنّى ابْنُ عَتِيكٍ بِهَذِهِ الْبِلَادِ؟ ثُمّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ ثُمّ قَالَتْ: فَاظَ وَإِلَهِ يَهُودَ، فَمَا سَمِعْتُ مِنْ كَلِمَةٍ كَانَتْ أَلَذّ إلَى نَفْسِي مِنْهَا. قَالَ: ثُمّ جَاءَنَا الْخَبَرُ فَاحْتَمَلْنَا صَاحِبَنَا فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللهِ، وَاخْتَلَفْنَا عِنْدَهُ فِي قَتْلِهِ، كُلّنَا يَدّعِيهِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَاتُوا أَسْيَافَكُمْ، قَالَ: فَجِئْنَاهُ بِهَا، فَنَظَرَ إلَيْهَا، فَقَالَ لَسَيْفُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ: هَذَا قَتَلَهُ، أَرَى فِيهِ أَثَرَ الطّعَامِ. [شِعْرُ حَسّانَ فِي قَتْلِ ابن الأشرف وابن أبى الحقيق] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَقَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ: لِلّهِ دَرّ عِصَابَةٍ لاقيتهم ... يابن الحقيق وأنت يابن الْأَشْرَفِ يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ ... مَرَحًا كَأُسْدٍ فى غرين مُغْرِفِ حَتّى أَتَوْكُمْ فِي مَحِلّ بِلَادِكُمْ ... فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضِ ذُفّفِ مُسْتَبْصِرِينَ لِنَصْرِ دِينِ نَبِيّهِمْ ... مُسْتَصْغِرِينَ لِكُلّ أَمْرٍ مُجْحِفٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: «ذُفّفِ» ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد

[إسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ] [عمرو وصحبه عند النجاشى] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثّقَفِيّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثّقفى، قال: حدثنى عمرو بن لعاص مِنْ فِيهِ، قَالَ: لَمّا انْصَرَفْنَا مَعَ الْأَحْزَابِ عَنْ الْخَنْدَقِ جَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، كَانُوا يَرَوْنَ رَأْيِي، وَيَسْمَعُونَ مِنّي، فَقُلْت لَهُمْ: تَعْلَمُونَ وَاَللهِ أَنّي أَرَى أَمْرَ مُحَمّدٍ يَعْلُو الْأُمُورَ عُلُوّا مُنْكَرًا، وَإِنّي قَدْ رَأَيْت أَمْرًا، فَمَا تَرَوْنَ فِيهِ؟ قَالُوا: وَمَاذَا رَأَيْت؟ قَالَ: رَأَيْت أَنْ نَلْحَقَ بِالنّجَاشِيّ فَنَكُونَ عِنْدَهُ، فَإِنْ ظَهَرَ مُحَمّدٌ عَلَى قَوْمِنَا كُنّا عِنْدَ النّجَاشِيّ، فَإِنّا أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْهِ أَحَبّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْت يَدَيْ مُحَمّدٍ؛ وَإِنْ ظَهَرَ قَوْمُنَا فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا، فَلَنْ يَأْتِيَنَا مِنْهُمْ إلّا خَيْرٌ، قَالُوا: إنّ هَذَا الرّأْيُ. قلت: فاجمعوا لنا ما نهديه له، وَكَانَ أَحَبّ مَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمَ. فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، ثُمّ خَرَجْنَا حتى قدمنا عليه. فو الله إنّا لَعِنْدَهُ إذْ جَاءَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ بَعَثَهُ إلَيْهِ فِي شَأْنِ جَعْفَرٍ وأصحابه. قال: فدخل، ثُمّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ. قَالَ: فَقُلْت لِأَصْحَابِي: هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ، لَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النّجَاشِيّ وَسَأَلْته إيّاهُ فَأَعْطَانِيهِ، فَضَرَبْت عُنُقَهُ، فَإِذَا فَعَلْت ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اجتماع عمرو مع خالد فى الطريق

ذَلِكَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّي قَدْ أَجْزَأْت عَنْهَا حِينَ قَتَلْت رَسُولَ مُحَمّدٍ. قَالَ: فَدَخَلْت عَلَيْهِ فَسَجَدْت لَهُ كَمَا كُنْت أَصْنَعُ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِصَدِيقِي، أَهْدَيْتَ إلَيّ مِنْ بِلَادِك شَيْئًا؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، أَيّهَا الْمَلِكُ، قَدْ أَهْدَيْت إلَيْك أَدَمًا كَثِيرًا؛ قَالَ: ثُمّ قَرّبْته إلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ وَاشْتَهَاهُ، ثُمّ قُلْت لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّي قَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِك، وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوّ لَنَا، فَأَعْطِنِيهِ لِأَقْتُلَهُ، فَإِنّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ أَشْرَافِنَا وَخِيَارِنَا، قَالَ: فَغَضِبَ، ثُمّ مَدّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنّهُ قَدْ كَسَرَهُ، فَلَوْ انْشَقّتْ لِي الْأَرْضُ لَدَخَلْت فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ؛ ثُمّ قُلْت لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ، وَاَللهِ لَوْ ظَنَنْت أَنّك تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُكَهُ؛ قَالَ: أَتَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَك رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النّامُوسُ الْأَكْبَرُ الّذِي كان يأتى موسى لتقتله! قال: قالت: أَيّهَا الْمَلِكُ، أَكَذَاك هُوَ؟ قَالَ: وَيْحَك يَا عَمْرُو أَطِعْنِي وَاتّبِعْهُ، فَإِنّهُ وَاَللهِ لَعَلَى الْحَقّ، وَلَيَظْهَرَنّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ؛ قَالَ: قُلْت: أَفَتُبَايِعُنِي لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ: عَلَى الْإِسْلَامِ، ثُمّ خَرَجْت إلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيِي عَمّا كَانَ عَلَيْهِ، وَكَتَمْتُ أَصْحَابِي إسلامى. [اجتماع عمرو مع خالد فى الطريق] ثُمّ خَرَجْت عَامِدًا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأسلم، فلقيت خالد ابن الْوَلِيدِ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ، وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مكة، فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: والله لقد استقام الميسم، وَإِنّ الرّجُلَ لَنَبِيّ، أَذْهَبُ وَاَللهِ فَأُسْلِمَ، فَحَتّى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام ابن طلحة

مَتَى؛ قَالَ: قُلْت: وَاَللهِ مَا جِئْتُ إلّا لِأُسْلِمَ. قَالَ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَقَدّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَسْلَمَ وَبَايَعَ، ثُمّ دَنَوْتُ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي أُبَايِعُك عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِي، وَلَا أَذْكُرُ مَا تَأَخّرَ؛ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَمْرُو، بَايِعْ، فَإِنّ الْإِسْلَامَ يَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنّ الْهِجْرَةَ تَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهَا؛ قَالَ: فَبَايَعْته، ثُمّ انْصَرَفْت. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: فَإِنّ الْإِسْلَامَ يَحُتّ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنّ الْهِجْرَةَ تَحُتّ ما كان قبلها. [إسْلَامُ ابْنِ طَلْحَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ: أَنّ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، كَانَ مَعَهُمَا، حِينَ أَسْلَمَا. [شعر ابن الزبعزى فِي إسْلَامِ ابْنِ طَلْحَةَ وَخَالِدٍ] قَالَ ابْنُ إسحاق: فقال ابن الزبعرى السّهى: أَنْشُدُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ حِلْفَنَا ... وَمُلْقَى نِعَالِ الْقَوْمِ عِنْدَ الْمُقَبّلِ وَمَا عَقَدَ الْآبَاءُ مِنْ كُلّ حِلْفِهِ ... وَمَا خَالِدٌ مِنْ مِثْلِهَا بِمُحَلّلِ أَمِفْتَاحَ بَيْتٍ غَيْرِ بَيْتِك تَبْتَغِي ... وَمَا يُبْتَغَى من مجد بيت مؤنّل فَلَا تَأْمَنَنّ خَالِدًا بَعْدَ هَذِهِ ... وَعُثْمَانُ جَاءَ بالدّهيم المعضّل وَكَانَ فَتْحُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَصَدْرِ ذِي الْحَجّةِ، وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجّةَ الْمُشْرِكُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة بنى لحيان

[غزوة بنى لحيان] «بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ» قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو محمد عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبى قال: ثُمّ أَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ذَا الْحَجّةِ وَالْمُحَرّمَ وَصَفَرًا وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ، وَخَرَجَ فِي جُمَادَى الْأُولَى عَلَى رَأْسِ سِتّةِ أَشْهُرٍ مِنْ فَتْحِ قُرَيْظَةَ إلَى بَنِي لِحْيَانَ يَطْلُبُ بِأَصْحَابِ الرّجِيعِ: خُبَيْبَ بْنَ عَدِيّ وَأَصْحَابَهُ، وَأَظْهَرَ أَنّهُ يُرِيدُ الشّامَ، لِيُصِيبَ مِنْ القوم غرّة. فَخَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، فِيمَا قال ابن هشام. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ عَلَى غُرَابٍ، جَبَلٍ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِهِ إلَى الشّامِ، ثُمّ عَلَى مَحِيصٍ، ثُمّ عَلَى الْبَتْرَاءِ، ثُمّ صَفّقَ ذَاتَ الْيَسَارِ، فَخَرَجَ عَلَى بَيْنٍ، ثُمّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ، ثُمّ اسْتَقَامَ بِهِ الطّرِيقُ عَلَى المحجّة من طريق مكة، فأغذ السير سريعا، حتى نَزَلَ عَلَى غُرَانَ، وَهِيَ مَنَازِلُ بَنِي لِحْيَانٍ، وَغُرَانُ وَادٍ بَيْنَ أَمَجّ وَعُسْفَانَ، إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ: سَايَةُ، فَوَجَدَهُمْ قَدْ حَذِرُوا وَتَمَنّعُوا فى رؤس الْجِبَالِ. فَلَمّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخْطَأَهُ مِنْ غِرّتِهِمْ مَا أَرَادَ، قَالَ: لَوْ أَنّا هَبَطْنَا عُسْفَانَ لَرَأَى أَهْلُ مَكّةَ أَنّا قَدْ جِئْنَا مَكّةَ، فَخَرَجَ فِي مِئَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتّى نَزَلَ عُسْفَانَ، ثُمّ بَعَثَ فَارِسَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتّى بَلَغَا كُرَاعَ الْغَمِيمِ، ثُمّ كَرّ وَرَاحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قافلا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول حِينَ وَجّهَ رَاجِعًا: آيِبُونَ تَائِبُونَ إنْ شَاءَ اللهُ لِرَبّنَا حَامِدُونَ، أَعُوذُ بِاَللهِ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ والمال. وَالْحَدِيثُ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ، عَنْ عَاصِمِ بن عمر بن قتادة، وعبد الله بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؛ فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ. لَوْ أَنّ بَنِي لِحْيَانَ كَانُوا تَنَاظَرُوا ... لَقُوا عُصَبًا فِي دَارِهِمْ ذَاتَ مَصْدَقِ لَقُوا سَرَعَانًا يَمْلَأُ السّرْبَ رَوْعُهُ ... أَمَامَ طَحُونٍ كَالْمَجَرّةِ فَيْلَقِ وَلَكِنّهُمْ كَانُوا وِبَارًا تَتَبّعَتْ ... شعاب حجاز غير ذى متنفّق ـــــــــــــــــــــــــــــ فَصْلٌ فِي أَشْعَارِ يَوْمِ الْخَنْدَقِ شِعْرُ ضِرَارٍ ذَكَرَ فِيهَا شِعْرَ ضِرَارِ بْنِ الْخَطّابِ: عَلَى الأبطال واليلب الحصينا اليلب: التّرَسَةُ، وَقِيلَ: الدّرَقُ، وَقِيلَ: بَيْضَاتٌ وَدُرُوعٌ «1» كَانَتْ تُتّخَذُ مِنْ جُلُودِ الْإِبِلِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُ حبيب:

_ (1) ترسة جمع ترس وكل ما سبق من أدوات الحرب من أول الترسة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَذِهِ الْأَسِنّةُ وَالْمَاذِيّ «1» قَدْ كَثُرَا ... فَلَا الصّيَاصِي لَهَا قَدْرٌ وَلَا الْيَلَبُ أَيْ لَا حَاجَةَ بَعْدَ وُجُودِ الدّرُوعِ الْمَاذِيّةِ إلَى الْيَلَبِ، وَبَعْدَ الْأَسِنّةِ إلَى الصّيَاصِي، وَهِيَ الْقُرُونُ، وَكَانَتْ أَسِنّتُهُمْ مِنْهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ «2» . قَالَ الشّاعِرُ: يُهَزْهِزُ صَعْدَةً جَرْدَاءَ فِيهَا ... نَقِيعُ السّمّ أَوْ قَرْنٌ مُحِيقُ شِعْرُ كَعْبٍ: وَذَكَرَ فِي شِعْرِ كَعْبٍ: فَكُنْتُمْ تَحْتَهَا مُتَكَمّهِينَا مُتَفَعّلِينَ مِنْ الْكَمَهِ وَهُوَ الْعَمَى، والأظهر فى الأكمه أنه لذى يُولَدُ أَعْمَى، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ: إنّهُ الّذِي لَا يُبْصِرُ بِاللّيْلِ شَيْئًا، ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ الْبُخَارِيّ فِي التّفْسِيرِ. مِنْ شِعْرِ حَسّانَ حَوْلَ أسماء الله: وَفِيهِ قَوْلُهُ: وَجُنُودِ رَبّك سَيّدِ الْأَرْبَابِ فِيهِ شَاهِدٌ لِمَنْ زَعَمَ أَنّ السّيّدَ مِنْ أَسْمَاءِ الله، وقد كره أكثر

_ (1) السلاح كله من الحديد. (2) فى اللسان: وربما كانت تركب فى الرماح مكان الأسنة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العلماء أن يقال فِي الدّعَاءِ: يَا سَيّدِي، وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ، وَاحْتَجّ بِحَدِيثِ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيّ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا سَيّدُ، فَقَالَ: السّيّدُ اللهُ. وَأَمّا مَذْهَبُ الْقَاضِي فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الّتِي يُرَادُ بِهَا الْمَدْحُ وَالتّعْظِيمُ فَذِكْرُ اللهِ بِهِ جَائِزٌ ما لم يرد نهى عنه، أو يجمع الْأُمّةُ عَلَى تَرْكِ الدّعَاءِ بِهِ، كَمَا أَجْمَعُوا أَلّا يُسَمّى بِفَقِيهِ، وَلَا عَاقِلٍ وَلَا سَخِيّ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَدْحٌ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَاَلّذِي أَقُولُ فِي السّيّدِ: أَنّهُ اسْمٌ يُعْتَبَرُ بِالْإِضَافَةِ، لِأَنّهُ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ بَعْضُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ. تَقُولُ: فُلَانٌ سَيّدُ قَيْسٍ، إذَا كَانَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، وَلَا يُقَالُ: فِي قَيْسٍ هُوَ سَيّدُ تَمِيمٍ، لِأَنّهُ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ فِي اللهِ تَعَالَى هُوَ سَيّدُ النّاسِ، وَلَا سَيّدُ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنّمَا يُقَالُ: رَبّهُمْ فَإِذَا قُلْت: سَيّدُ الْأَرْبَابِ، وَسَيّدُ الْكُرَمَاءِ، جَازَ، لِأَنّ مَعْنَاهُ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ، وَأَعْظَمُ الْأَرْبَابِ، ثُمّ يُشْتَقّ لَهُ مِنْ اسْمِ الرّبّ فَيُوصَفُ بالرّبوبيّة ولا يوصف بالسّودد، لأنه ليس باسم لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ جَاءَ فِي شِعْرِ حسّان الذى يرنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ذا الجلال وذا العلا والسّودد يَصِفُ الرّبّ، وَلَكِنْ لَا تَقُومُ الْحُجّةُ فِي إطْلَاقِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ إلّا أَنْ يَسْمَعَهَا الرّسُولُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَلَا يُنْكِرَهَا، كَمَا سَمِعَ شِعْرَ كَعْبٍ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَإِنّمَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وُصِفَ عَلَى الْوَجْهِ الّذِي قَدّمْنَاهُ، وَعَلَى الْمَعْنَى الّذِي بَيّنّاهُ «1» . مِنْ شِعْرِ كَعْبٍ: وَقَوْلِ كَعْبٍ: بيضاء مشرفة الذّرى ومعاطنا

_ (1) هذا كلام له وزنه العظيم. وممن أبدع وأجاد فى هذا الإمام ابن القيم فى بدائع الفوائد فاقرأ ما كتبه فى ص 164 ح 1 بدائع الفوائد. ومما قاله: اختلف النظار فى الأسماء التى تطلق على الله وعلى العباد. كالحى والسميع والبصير والعليم والقدير والملك ونحوها، فقالت طائفة من المتكلمين: هى حقيقة فى العبد مجاز فى الرب، وهذا قول غلاة الجهمية وهو أخبث الأقوال، وأشدها فسادا. والثانى مقابله: وهو أنها حقيقة فى الرب مجاز فى العبد، وهو قول أبى العباس للناشىء. والثالث: أنها حقيقة فيهما، وهذا قول أهل السنة وهو الصواب، واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجها عن كونها حقيقة فيهما، وللرب تعالى منها ما يليق بجلاله، وللعبد منها ما يليق به، ص 164. ثم يقول: «له من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمه معنى وأبعده وأنزهه عن شائبة عيب أو نقص، فله من صفة الإدراكات: العليم الخبير دون العاقل الفقيه، والسميع والبصير دون السامع والباصر والناظر، ومن صفات الإحسان: البر الرحيم الودود دون الرفيق والشفوق ونحوهما، وكذلك العلى العظيم دون الرفيع الشريف، وكذلك الكريم دون السخى. والخالق البارىء المصور دون الفاعل الصانع المشكل. والغفور العفو دون الصفوح الساتر. وكذلك سائر أسمائه تعالى يجرى على نفسه منها أكملها وأحسنها. وما لا يقوم غيره مقامه. فتأمل ذلك. فأسماوه أحسن الأسماء. كما أن صفاته أكمل الصفات. فلا تعدل عما سمى به نفسه إلى غيره. كما لا تتجاوز ما وصف به نفسه. ووصفه به رسوله إلى ما وصفه به المبطلون والمعطلون، أنظر صفحتى 164، 168 من المصدر المذكور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَعْنِي: الْآطَامَ، وَقَوْلُهُ: مَعَاطِنًا يَعْنِي: مَنَابِتَ النّخْلِ عند الماء شهها بِمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَهِيَ مَبَارِكُهَا عِنْدَ الْمَاءِ. وَقَوْلُهُ: حُمّ الْجُذُوعِ، وَصَفَهَا بِالْحُمّةِ، وَهِيَ السّوَادُ، لِأَنّهَا تَضْرِبُ إلَى السّوَادِ، مِنْ الْخُضْرَةِ وَالنّعْمَةِ، وَشَبّهَ مَا يُجْتَنَى مِنْهَا بِالْحَلَبِ، فَقَالَ: غَزِيرَةَ الْأَحْلَابِ. وَقَوْلُهُ: كَاللّوبِ، اللّوبُ: جَمْعُ لُوبَةٍ، وَاللّابُ جَمْعُ لَابَةٍ وَهِيَ الْحَرّةُ، يُقَالُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا مِثْلُ فُلَانٍ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي كُلّ بَلَدٍ، فَقَدْ قَالَ شَبِيبُ بْنُ شَبِيبَةَ لِرَجُلِ نَسَبَهُ إلَى التّصْحِيفِ فِي حَدِيثِ السّقْطِ. إنّهُ يَظِلّ مُحْبَنْطِئًا عَلَى بَابِ الْجَنّةِ، فَقَالَ لَهُ: شَبِيبٌ: بِالظّاءِ مَنْقُوطَةً، فَقَالَ الرّجُلُ: أَخْطَأْت، إنّمَا هُوَ بِالطّاءِ. قَالَ الرّاجِزُ: إِنّي إِذَا «1» اسْتَنْشَدْت لا أَحْبَنْطِي ... وَلَا أُحِبّ كَثْرَةَ التّمَطّي فَقَالَ لَهُ شَبِيبٌ: أَتُلَحّنُنِي وَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَفْصَحُ مِنّي، فَقَالَ لَهُ الرّجُلُ: وَهَذِهِ لَحْنَةٌ أُخْرَى، أو للبصرة لا بتان؟! إنما اللّابتان للمدينة والكوفة.

_ (1) فى اللسان غير منسوب: أنشدت ومحبنطىء بالهمز وتركه: المتغضب المستبطىء للشىء. وقيل: هو الممتنع امتناع طلبة لا امتناع إباء «النهاية لابن الأثير» وفى اللسان أن الحرة أعظم من اللوبة. ويرى سيبويه أن اللوب جمع لابة مثل قارة وقور. ومثلها ساح وسوح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: يُبْذَلُ جَمّهَا وَحَفِيلُهَا، أَيْ: الْكَثِيرُ مِنْهَا، وَالْمُنْتَابِ: الزّائِرُ مُفْتَعِلٌ مِنْ نَابَ يَنُوبُ إذَا أَلَمّ. وَقَوْلُهُ: وَنَزَائِعًا مِثْلَ السّرَاجِ، يَعْنِي: الْخَيْلَ الْعَرَبِيّةَ، الّتِي نَزَعَتْ مِنْ الْأَعْدَاءِ. وَقَوْلُهُ: مِثْلَ السّرَاجِ بِالْجِيمِ، كَذَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ، أَيْ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَالسّرَاجِ، وَوَقَعَ فِي الْحَاشِيَةِ بِالْحَاءِ، وَفَسّرَهُ فَقَالَ: جَمْعُ سِرْحَانٍ، وَهُوَ الذّئْبُ، وَهَذَا الْجَمْعُ إنّمَا جَازَ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الزّائِدَتَيْنِ مِنْ الِاسْمِ وَهِيَ الْأَلِفُ وَالنّونُ، وَلَوْ جَمَعَهُ عَلَى لَفْظِهِ، لَقَالَ: سَرَاحِينَ. وَقَوْلُهُ: وَجِزّةُ الْمِقْضَابِ الْمِقْضَابُ: مَزْرَعَةٌ، وَجِزّتُهَا مَا يُجَزّ مِنْهَا لِلْخَيْلِ وَقَوْلُهُ عَرِيَ الشّوَى مِنْهَا، يَعْنِي الْقَوَائِمَ. وَالنّحْضُ: اللّحْمُ. وَالْآرَابُ: الْمَفَاصِلُ، وَاحِدُهُمَا إرْبٌ، وَفِي الْحَدِيثِ أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ. وَقَوْلُهُ: قُودًا، أَيْ طِوَالُ الْأَعْنَاقِ، وَالضّرَاءُ: الْكِلَابُ الضّارِيَةُ، وَفِي الْحَدِيثِ: إنّ قَيْسًا ضِرَاءُ اللهِ فى الأرض، أى أسده الضّارِيَةُ. وَالْكُلّابُ: جَمْعُ كَالِبٍ، وَهُوَ صَاحِبُ الْكِلَابِ، الّذِي يَصِيدُ بِهَا. وَقَوْلُهُ: عُبْسُ اللّقَاءِ: جَمْعُ عَبُوسٍ. وَقَوْلُهُ: دُخْسَ الْبَضِيعِ. الْبَضْعُ: اللّحْمُ الْمُسْتَطِيلُ، وَالدّخِيسُ مِنْ اللّحْمِ: الْكَثِيرُ. وَقَوْلُهُ: خَفِيفَةَ الْأَقْصَابِ، يَعْنِي: جَمْعَ قُصْبٍ وَهُوَ الْمِعَى، وَمِنْهُ سُمّيَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْجَزّارُ قَصّابًا، وَقَوْلُهُ يَعْدُونَ بِالزّغْفِ، أَيّ: بِالدّرُوعِ. وَقَوْلُهُ: شَكّهُ: حِلَقُهُ وَنَسْجُهُ، وَقَوْلُهُ: وَبِمُتْرَصَاتِ فِي الثّقَافِ صِبَابِ الْمُتْرَصَاتُ: الْمُحْكَمَةُ، يَعْنِي الرّمَاحَ الْمُثَقّفَةَ. وَقَوْلُهُ: نَزَعَ الصّيَاقِلُ عَلْبَهَا، أَيْ: جُسْأَتَهَا وَخُشُونَةَ دَرْئِهَا، يُقَالُ عَلِبَ اللّحْمُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَخْصًا، وَعَلِبَ «1» النّبَاتُ إذَا جَسَأَ. وَقَوْلُهُ: بِمَارِنِ متقارب. المارن: اللّيّنُ، وَوَقِيعَتُهُ: صَقْلُهُ، وَخَبّابُ: اسْمُ صَيْقَلٍ. وَقَوْلُهُ: وَأَغَرّ أَزْرَقَ، يَعْنِي الرّمْحَ، وَطُخْيَةِ الظّلْمَاءِ، أَيْ: شِدّتِهَا، وَطَخَاءُ الْقَلْبِ: ظُلْمَتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي السّفَرْجَلِ: إنّهُ يَذْهَبُ بِطَخَاءِ الْقَلْبِ. وَقَوْلُ كَعْبٍ: جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبّهَا كَانَ هَذَا الِاسْمُ مِمّا سُمّيَتْ بِهِ قُرَيْشٌ قديما، ذكروا أن قصيّا كان إذا

_ (1) هى فى نسخ أخرى بالغين وقد فسرها أبو ذر بقوله: علبها: خشونتها وما علا عليها من الصدأ. وليس فى اللسان ما قال. وإنما فيه مادة علب ومعناها كما قال السهيلى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذُبِحَتْ ذَبِيحَةٌ أَوْ نُحِرَتْ نَحِيرَةٌ بِمَكّةَ أَتَى بِعَجُزِهَا، فَصَنَعَ مِنْهُ خَزِيرَةً، وَهُوَ لَحْمٌ يُطْبَخُ بِبُرّ فَيُطْعِمُهُ النّاسَ، فَسُمّيَتْ قُرَيْشٌ بِهَا سَخِينَةَ. وَقِيلَ: إنّ الْعَرَبَ كَانُوا إذَا أَسْنَتُوا أَكَلُوا الْعِلْهِزَ، وَهُوَ الْوَبْرُ وَالدّمُ، وَتَأْكُلُ قُرَيْشٌ الْخَزِيرَةَ وَالْفَتّةَ» فَنَفِسَتْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَلَقّبُوهُمْ: سَخِينَةَ، وَلَمْ تَكُنْ قُرَيْشٌ تَكْرَهُ هَذَا اللّقَبَ، وَلَوْ كَرِهَتْهُ مَا اسْتَجَازَ كَعْبٌ أَنْ يَذْكُرَهُ، وَرَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُمْ، وَلَتَرَكَهُ أَدَبًا مَعَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ، إذْ كَانَ قُرَشِيّا، وَلَقَدْ اُسْتُنْشِدَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ مَا قَالَهُ الْهَوَازِنِيّ فِي قُرَيْشٍ: يَا شَدّةً مَا شَدَدْنَا غَيْرَ كَاذِبَةٍ ... عَلَى سَخِينَةَ لَوْلَا اللّيْلُ وَالْحَرَمُ «2» فَقَالَ: مَا زَادَ هَذَا عَلَى أَنْ اسْتَثْنَى، وَلَمْ يَكْرَهْ سَمَاعَ التّلْقِيبِ بِسَخِينَةَ، فَدَلّ هَذَا عَلَى أَنّ هَذَا اللّقَبَ لَمْ يَكُنْ مكروها عندهم، ولا كان فيه تعبير لَهُمْ بِشَيْءِ يُكْرَهُ. شِعْرٌ آخَرُ لِكَعْبِ: وَفِي شِعْرِ كَعْبٍ أَيْضًا: مَنْ سَرّهُ ضَرْبٌ يُمَعْمِعُ بَعْضُهُ، الْمَعْمَعَةُ: صَوْتُ النّارِ فِيمَا عَظُمَ وَكَثُفَ من الشّعراء والقصباء ونحوها، والكلحبة صوتها

_ (1) الفتة. الكتلة من التمر. (2) قاله خداش بن زهير العامرى بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ ربيعة ابن عامر بن صعصعة العامرى، شهد حنينا مع المشركين، وله فى ذلك شعر منه هذا البيت «الإصابة رقم 2323» وقيل: قالها فى حرب الفجار كما فى الأغانى أنظر ص 18 و 19 ح 3 البيان والتبيين الجاحظ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِيمَا دَقّ كَالسّرَاجِ وَنَحْوِهِ، وَالْقَطْمَطَةُ: صَوْتُ الْغَلَيَانِ، وَكَذَلِكَ الْغَرْغَرَةُ وَالْجَعْجَعَةُ صَوْتُ الرّحَى، وَالدّرْدَبَةُ صَوْتُ الطبل. وقوله: الأباء، هو القصب واجدتها أَبَاءَةٌ، وَالْهَمْزَةُ الْآخِرَةُ فِيهَا بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ، قَالَهُ ابْنُ جِنّيّ، لِأَنّهُ عِنْدَهُ مِنْ الْأَبَايَةِ، كَأَنّ الْقَصَبَ يَأْبَى عَلَى مَنْ أَرَادَهُ بِمَضْغِ أَوْ نَحْوِهِ، وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ ابْنُ جِنّيّ قَوْلُ الشّاعِرِ [بِشْرُ بْنُ أَبِي خَازِمٍ] : يَرَاهُ النّاسُ أَخْضَرَ مِنْ بَعِيدٍ ... وَتَمْنَعُهُ الْمَرَارَةُ وَالْإِبَاءُ «1» وَقَوْلُهُ: فَلْيَأْتِ مَأْسَدَةً، هِيَ الْأَرْضُ الْكَثِيرَةُ الْأُسْدِ، وَكَذَلِكَ الْمَسْبَعَةُ الْأَرْضُ الْكَثِيرَةُ السّبَاعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْسَدَةٌ جَمْعَ أَسَدٍ كَمَا قَالُوا مَشْيَخَةً ومعلحة، حَكَى سِيبَوَيْهِ مَشْيَخَةً وَمَشْيُوخَاءَ، وَمَعْلَجَةً وَمَعْلُوجَاءَ، وَأَلْفَيْت أَيْضًا فِي النّبَاتِ مَسْلُومَاءَ «2» لِجَمَاعَةِ السّلَمِ وَمَشْيُوحَاءَ «3» للشّيخ بالحاء، المهملة، الكثير.

_ (1) البيت لبشر بن أبى خازم، وقد زدت الاسم فى الأصل من اللسان والأمالى وسمط اللآلى. وقبل البيت: فيا عجبا عجبت لآل لأم ... فليس لهم إذا عقدوا وفاء سأقذف نحوهم بمشنعات ... لها من بعد هلكهم بقاء فانكم ومدحكم بجيرا ... أبا لجأ كما امتدح الألاء يَرَاهُ النّاسُ أَخْضَرَ مِنْ بَعِيدٍ ... وَتَمْنَعُهُ الْمَرَارَةُ والإباء والألاء شجر حسن المنظر مر المطعم. انظر ص 32 ح 2 الأمالى ط 2، ص 665 سمط اللآلى. (2) فى الأصل مسلوقاء. وفى اللسان: أرض مسلوماء كثيرة السلم. (3) فى اللسان: المشيوحاء: الأرض التى تنبت الشيح يقصر ويمد، وقال أبو حنيفة: إذا كثر نباته بمكان قيل: هذه مشيوحاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ تَسُنّ سُيُوفَهَا، بِنَصْبِ الْفَاءِ، وَهُوَ الْأَصَحّ عند القاضى أبى الوليد، ووقع فى الأصلى عِنْدَ أَبِي بَحْرٍ: تُسَنّ سُيُوفُهَا بِالرّفْعِ، وَمَعْنَى الرّوَايَةِ الْأُولَى: تَسُنّ أَيْ: تَصْقُلُ، وَمَعْنَى الرّوَايَةِ الثّانِيَةِ أَيْ: تُسَنّ لِلْأَبْطَالِ، وَلِمَنْ بَعْدَهَا مِنْ مِنْ الرّجَالِ سَنّةَ الْجُرْأَةِ وَالْإِقْدَامِ. وَقَوْلُهُ فِي وَصْفِ الدّرْعِ: جَدْلَاءَ يَحْفِزُهَا نِجَادُ مُهَنّدٍ جَدْلَاءَ مِنْ الْجَدَلِ، وَهُوَ قُوّةُ الْفَتْلِ، وَمِنْهُ الْأَجْدَلُ لِلصّقْرِ، وَفِي هَذَا الْبَيْتِ دَلِيلٌ عَلَى قُوّةِ امْتِنَاعِ الصّرْفِ فِي أَجْدَلَ، وَأَنّهُ مِنْ بَابِ أَفْعَلَ الّذِي مُؤَنّثُهُ فَعْلَاءُ، وَمَنْ صَرَفَهُ شَبّهَهُ بِأَرْنَبِ وَأَفْكَلٍ، وَهُوَ أَضْعَفُ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ قَالُوا فِي جَمْعِهِ: أَجَادِلُ مِثْلَ أَرَانِبَ فَقَدْ قَالُوا أَيْضًا الْأَجَارِعُ وَالْأَبَاطِحُ فِي جَمْعِ أَجْرَعَ وَأَبْطَحَ، وَلَكِنّهُمْ لَا يَصْرِفُونَهُمَا مِنْ حَيْثُ قَالُوا فِي الْمُؤَنّثِ بَطْحَاءَ وَجَرْعَاءَ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي أَبْرَقَ وَبَرْقَاءَ. وَقَوْلُهُ: يَحْفِزُهَا نِجَادُ مُهَنّدٍ، كقول [أبى قيس] ابن الْأَسْلَتِ فِي وَصْفِ الدّرْعِ: أَحْفِزُهَا عَنّي بِذِي رَوْنَقٍ ... أَبْيَضَ مِثْلِ الْمَلِحِ قَطّاعِ وَذَلِكَ أَنّ الدّرْعَ إذَا طَالَتْ فُضُولُهَا حَفَزُوهَا، أَيْ شَمّرُوهَا فَرَبَطُوهَا بِنِجَادِ السّيْفِ. وَقَوْلُهُ: تِلْكُمْ مَعَ التّقْوَى تَكُون لِبَاسَنَا مِنْ أَجْوَدِ الْكَلَامِ: وَأَمْلَحِ الِالْتِفَاتَاتِ، لِأَنّهُ قَوْلٌ انْتَزَعَهُ مِنْ قَوْلِ اللهِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَعَالَى: وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ الْأَعْرَافَ: 26. وَقَالَ الشّاعِرُ: إنّي كَأَنّي أَرَى مَنْ لَا وَفَاءَ لَهُ ... وَلَا أَمَانَةَ وَسْطَ الْقَوْمِ عُرْيَانَا وَمَوْضِعُ الْإِجَادَةِ وَالْإِحْسَانِ مِنْ قَوْلِ كَعْبٍ أَنّهُ جَعَلَ لِبَاسَ الدّرْعِ تَبَعًا لِلِبَاسِ التّقْوَى، لِأَنّ حَرْفَ مَعَ تُعْطِي فِي الْكَلَامِ أَنّ مَا بَعْدَهُ هو المنبوع، وَلَيْسَ بِتَابِعِ، وَقَدْ احْتَجّ الصّدّيقُ عَلَى الْأَنْصَارِ يَوْمَ السّقِيفَةِ بِأَنْ قَالَ لَهُمْ أَنْتُمْ الّذِينَ آمَنُوا، وَنَحْنُ الصّادِقُونَ، وَإِنّمَا أَمَرَكُمْ اللهُ أَنْ تَكُونُوا مَعَنَا فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ، وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ التّوْبَةَ: 119. وَالصّادِقُونَ هُمْ الْمُهَاجِرُونَ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ إلَى قَوْلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ الْحَشْرَ: 8. حُكْمُ بَلْهَ وَمَا بَعْدَهَا: وَقَوْلُهُ بَلْهَ الْأَكُفّ، بِخَفْضِ الْأَكُفّ هُوَ الْوَجْهُ، وَقَدْ رُوِيَ بِالنّصْبِ، لِأَنّهُ مَفْعُولٌ، أَيْ: دَعْ الْأَكُفّ، فَهَذَا كَمَا تَقُولُ: رُوَيْدَ زَيْدٍ، وَرُوَيْدَ زَيْدَ بِلَا تَنْوِينٍ مَعَ النّصْبِ، وَبَلْهَ كَلِمَةٌ بِمَعْنَى دَعْ، وَهِيَ مِنْ الْمَصَادِرِ الْمُضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَهَا وَهِيَ عِنْدِي مِنْ لَفْظِ الْبَلَهِ وَالتّبَالُهِ، وَهُوَ مِنْ الْغَفْلَةِ، لِأَنّ مَنْ غَفَلَ عَنْ الشّيْءِ تَرَكَهُ، وَلَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: بَلْهَ الْأَكُفّ، أَيْ لَا تَسْأَلْ عَنْ الْأَكُفّ إذَا كَانَتْ الْجَمَاجِمُ ضَاحِيَةً مُقَطّعَةً، وَفِي الْحَدِيثِ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، بَلْهَ مَا أَطْلَعْتهمْ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: بِفَخْمَةِ مَلْمُومَةٍ، أَيْ: كَتِيبَةٍ مَجْمُوعَةٍ. وَقَوْلُهُ: كفصد رأس

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَشْرِقِ، الصّحِيحُ فِيهِ: مَا رَوَاهُ ابْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ: كَرَأْسِ قُدْسِ الْمَشْرِقِ، لِأَنّ قُدْسَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ. وَقَوْلُهُ: عِنْدَ الْهِيَاجِ أُسُودُ طَلّ مُلْثِقِ الطّلّ مَعْرُوفٌ، وَاللّثَقُ مَا يَكُونُ عَنْ الطّلّ مِنْ زَلَقٍ وَطِينٍ، وَالْأُسْدُ أَجْوَعَ مَا تَكُونُ وَأَجْرَأَ فِي ذَلِكَ الْحِينِ. قَصِيدَةُ كَعْبٍ الْعَيْنِيّةُ: وَقَوْلُهُ فِي الْعَيْنِيّةِ: أَضَامِيمَ مِنْ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ أَصْفَقَتْ وَاحِدُ الْأَضَامِيمِ: إضْمَامَةٌ، وَهُوَ كُلّ شَيْءٍ مُجْتَمَعٍ يُقَالُ: إضْمَامَةٌ مِنْ النّاسِ وَإِضْمَامَةٌ مِنْ كُتُبٍ. قَيْسُ عَيْلَانَ وَقَيْسُ كُبّةَ: وَقَوْلُهُ: مِنْ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ، هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إنّ قَيْسًا هُوَ عَيْلَانُ لَا ابْنُهُ، قَالَ: وَعُرِفَ قَيْسُ بْنُ عَيْلَانَ بِفَرَسِ، كَانَ لَهُ يُسَمّى: عَيْلَانًا، كَمَا عُرِفَ قَيْسُ كُبّةَ مِنْ بَجِيلَةَ بِفَرَسِ اسْمُهُ: كُبّةُ، وَكَانَ هُوَ وَقَيْسُ عَيْلَانَ مُتَجَاوِرَيْنِ، فَكَانَ إذَا ذُكِرَ أَحَدُهُمَا وَقِيلَ أَيّ الْقَيْسَيْنِ هُوَ، قِيلَ قَيْسُ عَيْلَانَ أَوْ قَيْسُ كُبّةَ، وَقِيلَ؛ إنّ عَيْلَانَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اسْمُ كَلْبٍ، كَانَ لَهُ، وَقِيلَ: عَيْلَانُ اسْمُ جَبَلٍ وُلِدَ عِنْدَهُ، وَقِيلَ اسْمُ غُلَامٍ لِمُضَرَ كَانَ حَضَنَهُ، وَقِيلَ كَانَ جَوَادًا أَتْلَفَ مَالَهُ فأدركته عَيْلَةُ فَسُمّيَ عَيْلَانَ، وَمِمّا يُحْتَجّ بِهِ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ قَوْلُ رُؤْبَةَ: وَقَيْسَ عَيْلَانَ وَمَنْ تَقَيّسَا «1» شِعْرُ كَعْبٍ فِي الْخَنْدَقِ: وَقَوْلُهُ فِي الدّالِيّةِ: وَمَا بَيْنَ الْعُرَيْضِ إلَى الصّمَادِ. الْعُرَيْضِ: مَوْضِعٌ، وَالصّمَادُ: جَمْعُ صَمْدٍ، وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنْ الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ: نَوَاضِحُ فِي الْحُرُوبِ. يَعْنِي: حَدَائِقَ نخل تسقى بالنّضح، وأراد

_ (1) قال ابن برى: الرجز للعجاج، وليس لرؤية، وصواب إنشائه: وقيس بالنصب، لأن قبله: وإن دعوت من تميم أرؤسا. وجواب إن فى البيت الثالث: تقاعس العربنا فاقعنسسا. أقول: ولم أجد الرجز فى ديوان رؤية. ولم ينسبه ابن قتيبة إلى أحد فى أدب الكاتب. وقال عن صيغة تفعلت إنها تأتى بمعنى إدخالك نفسك فى أمر حتى تضاف إليه، أو تصير من أهله مثل تقيست. ومعناه- كما يقول الجواليقى فى شرح أدب الكاتب: تقيس: أدخل نفسه فى القيسيين، وانتسب إليهم. وقد سبق الكلام عن قيس، واسمه الناسى بن مضر، وكان الناسى متلافا، وكان إذا نفد ما عنده أتى أخاه الياس، فيناصفه ماله أحيانا، ويواسيه أحيانا، فلما طال ذلك عليه، وأتاه كما كان يأتيه، قال له الياس: غلبت عليك العيلة، فأنت عيلان، فسمى لذلك عيلان. ويقول الجواليقى: وليس فى الأسماء عيلان بعين غير معجمة غيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِالْخُوصِ آبَارًا، وَإِنّمَا جَعَلَ الْبِئْرَ خُوصًا لِأَنّ الْعَيْنَ الْخَوْصَاءَ هِيَ الْغَائِرَةُ، وَجَمْعُهَا خُوصٌ، فَعُيُونُ الْمَاءِ فِي الْآبَارِ كَذَلِكَ غَائِرَةٌ. وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي وَصْفِ الْإِبِلِ: مُحَبّسَةً بُزْلًا كَأَنّ عُيُونَهَا ... عُيُونُ الرّكَايَا أَنْكَزَتْهَا الْمَوَاتِحُ «1» وَقَوْلُهُ: يَزْخَرُ الْمُرّارُ فِيهَا. الْمُرّارُ: اسْمُ نَهَرٍ. وَقَوْلُهُ: كَأَنّ الْغَابَ وَالْبَرْدِيّ فِيهَا ... أَجَشّ إذَا تَبَقّعَ لِلْحَصَادِ يُرِيدُ: صَوْتَ حَفِيفِ الرّيحِ، كَصَوْتِ الْأَجَشّ، وَهُوَ الْأَبَحّ، وَقَدْ يُوصَفُ النّبَاتُ أَيْضًا بِالْغُنّةِ مِنْ أَجْلِ حَفِيفِ الرّيحِ فِيهِ، فَيُقَالُ: رَوْضَةٌ غَنّاءُ، وَقَدْ قِيلَ إنّمَا ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الذّبَابِ الّذِي يَكُونُ فِيهِ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ: تَبَقّعَ لِلْحَصَادِ، أَيْ: صَارَتْ فِيهِ بُقَعٌ بِيضٌ مِنْ الْيَبْسِ، يُقَالُ لِلزّرْعِ إذَا صَارَ كَذَلِكَ: ارْقَاطّ، وَاسْحَامّ وَاسْحَارّ «2» ، وَإِذَا أَخَذَ السّبَلُ الْحَبّ قِيلَ: أَلْحَمَ وَأَسْفَى مِنْ السّفَى، وَأَشَعّ مِنْ الشّعَاعِ بِفَتْحِ الشّينِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ السّفَى، وَيُقَالُ أَسْبَلَ الزّرْعُ مِنْ السّبَلِ، كَمَا يُقَالُ: بَعِيرٌ حَظِلٌ وَأَحْظَلَ الْمَكَانُ مِنْ الْحَنْظَلِ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَبَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ: سَبَلٌ، وأما همدان

_ (1) سبق البيت، وفى الأصل: أنكرتها. والصواب ما أثبته. ولرؤية: على حميريات كأن عيونها ... عيون الركايا أنكزتها المواتح. (2) اسحام واسحار ليستا فى اللسان والقاموس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَيُسَمّونَ السّنْبُلَ سُبُولًا، وَالْوَاحِدَةُ سَبُولَةٌ «1» فَقِيَاسُ لُغَتِهِمْ أَنْ يُقَالَ أَسْبَلَ، وَإِنّمَا فَخَرَتْ الْأَنْصَارُ فِي هَذَا الشّعْرِ وَاَلّذِي قَبْلَهُ بِنَخْلِهَا وَآطَامِهَا، إشَارَةً إلَى عِزّهَا وَمَنَعَتِهَا، وَأَنّهَا لَمْ تُغْلَبُ عَلَى بِلَادِهَا عَلَى قَدِيمِ الدّهْرِ، كَمَا أُجْلِيَتْ أَكْثَرُ الْأَعَارِيبِ عَنْ مَحَالّهَا، وَأَزْعَجَهَا الْخَوْفُ عَنْ مَوَاطِنِهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى أَرَادَ حَسّانُ فِي قَوْلِهِ: أَوْلَادُ جَفْنَةَ حَوْلَ قَبْرِ أَبِيهِمْ ... قَبْرِ ابْنِ مَارِيَةَ الْكَرِيمِ الْمُفْضِلِ لِأَنّ إقَامَتَهُمْ حَوْلَ قُبُورِ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى مَنَعَتِهِمْ، وَأَلّا مُغَالِبَ لَهُمْ عَلَى مَا تَخَيّرُوهُ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ، وَآثَرُوهُ عِنْدَ ارْتِيَادِهِمْ. وَقَوْلُهُ: أَثَرْنَا سِكّةَ الْأَنْبَاطِ فِيهَا السّكّةُ: النّخْلُ الْمُصْطَفّ، أَيْ حَرَثْنَاهَا وَغَرَسْنَاهَا، كَمَا تَفْعَلُ الْأَنْبَاطُ فِي أَمْصَارِهَا لَا تَخَافُ عَلَيْهَا كَيْدَ كَائِدٍ، وَإِيّاهَا أَرَادَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: خَيْرُ الْمَالِ سِكّةٌ مَأْبُورَةُ. وَالسّكّةُ أَيْضًا: السّنّةُ، وَهِيَ الْحَدِيدَةُ الّتِي يَشُقّ بِهَا الْفَدّانُ «2» الْأَرْضَ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا: الْمَانُ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الْأَصْمَعِيّ، وَفَسّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ، وَأَنّهَا النّخْلُ، وَيُقَالُ أَيْضًا أُبِيثَتْ الْأَرْضُ فِي مَعْنَى أُثِيرَتْ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، ويروى فى الحماسة:

_ (1) أنظر مادة سبل فى اللسان ففيها تفصيل. (2) الفدان: الثور أو الثوران يقرن للحرث بينهما، ولا يقال للواحد فدان، أو هو الثورين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَلُمّ إلَيْهَا قَدْ أُبِيثَتْ زُرُوعُهَا أَيْ أُثِيرَتْ وَفِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفِ: وَحَقّ بَنِي شِغَارَةَ أَنْ يَقُولُوا ... لِصَخْرِ الْغَيّ مَاذَا تَسْتَبِيثُ «1» وَغَلِطَ أَبُو عُبَيْدٍ [الْقَاسِمُ بْنُ سَلّامٍ] فَجَعَلَ تَسْتَبِيثُ مِنْ نَبِيثَةِ «2» الْبِئْرِ، وَهُوَ تُرَابُهَا، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ تَسْتَنْبِيثُ بِنُونِ قَبْلَ الْبَاءِ. وَقَوْلُهُ: جَلْهَاتِ وَادٍ الْجَلْهَاتُ مِنْ الْوَادِي مَا كَشَفَتْ عَنْهُ السّيُولُ الشّعْرَاءُ فَأَبْرَزَتْهُ، وَهُوَ مِنْ الْجَلَهِ وَهُوَ انْحِسَارُ الشّعْرِ عَنْ مُقَدّمِ الرّأْسِ. وَقَوْلُهُ: صَفْرَاءِ الْجَرَادِ، وَهِيَ الْخَيْفَانَةُ مِنْهَا، وَهِيَ الّتِي أَلْقَتْ سُرُأَهَا، أَيْ بَيْضَهَا، وَهِيَ أَخَفّ طَيَرَانًا، وَالْكُتْفَانُ «3» من الجراد أكبر من الخيفان،

_ (1) البيت فى اللسان: لحق وشعارة وهو منسوب إلى أبى المثلم الهذلى، وقد عزاه أبو عبيدة سهوا إلى صخر الغى. وقد علق ابن سيدة فى خطبة كتابه مما قصد به الوضع من أبى عبيد القاسم بن سلام فى استشهاده بقول الهذلى المذكور على النبيثة التى هى كناسة البئر، فقال: هيهات الأروى من النعام الأربد، وأين سهيل من الفرقد. لأن النبيثة من نبث أما تستبيث فمن بوث أو بيث. انظر مادة بوث وبيث ونبث فى اللسان. (2) فى الأصل بالتاء المفتوحة وهو خطأ. (3) فى الأصل كثفان وهى كتفان بالتاء لا بالثاء وهو الجراد يعد الغوغاء، وقيل هو كتفان إذا بدا حجم أجنحته ورأيت موضعه شاخصا وإن مسسته وجدت حجمه، واحدته: كتفانة، وقيل واحده: كاتف، والأنثى كاتفة-.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَوّلُ أَمْرِ الْجَرَادِ دُودٌ وَيُقَالُ لَهُ: الْغَمَص «1» يُلْقِيهِ بَحْرُ الْيَمَنِ، وَلَهُ عَلَامَةٌ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَهُوَ بَرْقٌ يَلْمَعُ مِنْ ذَلِكَ الْبَحْرِ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرّةً، فَيَعْلَمُونَ بِخُرُوجِ الْجَرَادِ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَوْلُهُ: غَيْرِ مُعْتَلِثِ الزّنَادِ الزّنَادُ الْمُعْتَلِثُ: هُوَ الّذِي لَا يُدْرَى مِنْ أَيّ عُودٍ هُوَ، وَأَصْلُ الِاعْتِلَاثِ الِاخْتِلَاطُ: يُقَالُ عَلَثْت الطّعَامَ إذَا خَلَطْت حِنْطَةً بِشَعِيرِ، وَالْعُلَاثَةُ: الزّنْدُ الّذِي لَا يُورِي نَارًا. مَقْتَلُ ابْنِ أَبِي الحقيق ذكر فيه النّفَرَ الْخَمْسَةَ الّذِينَ قَتَلُوهُ، وَسَمّاهُمْ، وَذَكَرَ فِيهِمْ ابن عقبة أسعد ابن حَرَامٍ، وَلَا يُعْرَفُ أَحَدٌ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ. قَطْنِي وَقَدْ وَنُونُ الْوِقَايَةِ: وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ: قَطْنِي قطنى، قال معناه: حسبى حسبى.

_ - وقال أبو منصور: سماعى من العرب فى الكتفان من الجراد التى ظهرت أجنحتها ولما تطر بعد. والخيفانة: الجرادة إذا صارت فيها خطوط مختلفة بياض وصفرة والجمع: خيفان، وقال اللحيانى: الخيفان: جراد اختلفت فيه الألوان والجراد حينئذ أطير ما يكون، وقيل الجراد قبل أن تستوى أجنحته. (1) لم أجده لا فى اللسان ولا فى القاموس، ولا فى معجم ابن فارس. وفى الإفصاح- وهو مختصر المخصص لابن سيدة- السروة: الجراد أول ما يكون، والدبا: أكبر من السروة وذلك إذا تحرك قبل أن تنبت أجنحته الواحدة: دباه. السلقة: الجرادة التى ألقت بيضها الخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ أَصْلُهَا مِنْ الْقَطّ، وَهُوَ الْقَطْعُ، ثُمّ خُفّفَتْ وَأُجْرِيَتْ مَجْرَى الْحَرْفِ، وَكَذَلِكَ قَدْ بِمَعْنَى قَطْ هِيَ أَيْضًا مِنْ الْقَدّ، وَهُوَ الْقَطْعُ طُولًا، وَالْقَطّ بِالطّاءِ هُوَ الْقَطْعُ عَرْضًا، يُقَالُ: إنّ عَلِيّا- رَحِمَهُ اللهُ- كَانَ إذَا اسْتَعْلَى الْفَارِسَ قَدّهُ، وَاذَا اسْتَعْرَضَهُ قَطّهُ، وَلَمّا كَانَ الشّيْءُ الْكَافِي الّذِي لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إلَى غَيْرِهِ يَدْعُو إلَى قَطْعِ الطّلَبِ، وَتَرْكِ الْمَزِيدِ جَعَلُوا قَدْ وَقَطْ تُشْعِرُ بِهَذَا الْمَعْنَى، فَإِذَا ذَكَرْت نَفْسَك قُلْت: قَدِي وَقَطِي، كَمَا تَقُولُ: حَسْبِي، وَإِنْ شِئْت أَلْحَقْت نُونًا، فَقُلْت: قَدْنِي، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سُكُونِ آخِرِهَا فَكَرِهُوا تَحْرِيكَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَاءِ، كَمَا كَرِهُوا تَحْرِيكَ آخِرِ الْفِعْلِ، فَقَالُوا ضَرَبَنِي، وَكَذَلِكَ كَرِهُوا تَحْرِيكَ آخِرِ لَيْتَ فَقَالُوا لَيْتَنِي، وَقَدْ يَقُولُونَ: لَيْتِي وَهُوَ قَلِيلٌ، وَقَالُوا لَعَلّنِي وَلَعَلّي، وَقَالُوا مِنْ: لَدُنّي فَأَدْخَلُوهَا عَلَى الْيَاءِ الْمَخْفُوضَةِ بِالظّرْفِ كَمَا أَدْخَلُوهَا عَلَى الْيَاءِ الْمَخْفُوضَةِ بِمِنْ وعن، فعلوا هذا وقاية لأواخر هذه الْكَلِمِ مِنْ الْخَفْضِ وَخَصّوا النّونَ بِهَذَا؛ لِأَنّهَا إذَا كَانَتْ تَنْوِينًا فِي آخِرِ الِاسْمِ، آذَنَتْ بِامْتِنَاعِ الْإِضَافَةِ، وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الّتِي سَمّيْنَا تُشْعِرُ بِامْتِنَاعِهَا مِنْ الْخَفْضِ، وَتُشْعِرُ فِي الْفِعْلِ وَالْحُرُوفِ بِامْتِنَاعِهَا مِنْ الْإِضَافَةِ أَيْضًا، لِأَنّ الْحَرْفَ لَا يُضَافُ، وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ مَعَ أَنّ النّونَ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِضْمَارِ فِي فَعَلْنَا، وَفَعَلَنَا فِي ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ، فَأَمّا قَدْ وَقَطْ فَاسْمَانِ، وَكَذَلِكَ لَدُنْ، وَلَكِنْ كَرِهُوا تَحْرِيكَ أَوَاخِرِهَا لِشَبَهِهَا بِالْحُرُوفِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَوْضِعُ نِيّ مِنْ قَوْلِهِ قَطْنِي؟ قُلْنَا: مَوْضِعُهَا خَفْضٌ بِالْإِضَافَةِ، كَمَا هِيَ فِي لَدُنّي. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ تَكُونُ ضَمِيرَ الْمَفْعُولِ وَالْمَنْصُوبِ فِي ضَرَبَنِي وَلَيْتَنِي، ثُمّ تَقُولُ إنّهَا فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ؟ قُلْنَا: الضّمِيرُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الْيَاءُ وَحْدَهَا فِي الْخَفْضِ والنصب،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَمَا أَنّ الْكَافَ وَالْهَاءَ كَذَلِكَ، وَقَدْ قَالُوا: مِنّي وَعَنّي، وَهُوَ ضَمِيرُ خَفْضٍ، وَفِيهِ النّونُ، وَقَالُوا لَيْتِي وَلَعَلّي، وَهُوَ ضَمِيرُ نَصْبٍ وَلَيْسَ فِيهِ نُونٌ فَإِنْ. قِيلَ: فَمَا مَوْضِعُ الِاسْمِ مِنْ الْإِعْرَابِ إذَا قُلْت: قَطِي وَقَدِي؟ قُلْنَا: إعْرَابُهُمَا كَإِعْرَابِ حَسْبِي مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَإِنّمَا لَزِمَ حَذْفُ خَبَرِهِ لِمَا دَخَلَهُ مِنْ مَعْنَى الْأَمْرِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ جَهَنّمَ أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهَا: قَطِي وَعِزّتِك قَطِي، وَيُرْوَى: قَطْنِي، وَذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهَا: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، فَإِذَا وُضِعَتْ فِيهَا الْقَدَمُ، وَزَوَى بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، قَالَتْ: قَطْنِي «1» . وَقَدْ جَمَعَ الشّاعِرُ بَيْنَ اللّغَتَيْنِ، فقال: قدنى من نصر الخبيبين قدى «2»

_ (1) فى حديث صحيح: «لا تزال جهنم يلقى فيها. وتقول هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوى بعضها إلى بعض، فتقول: قط، قط بعزتك وكرمك، ولا يزال فى الجنة فضل حتى ينشىء الله لها خلقا، فيسكنهم فضل الجنة» متفق عليه بين البخارى ومسلم. وفى حديث آخر متفق عليه بينهما. «فأما النار، فلا تمتلىء حتى يضع الله رجله تقول: قط قط قط» وثبوت صحة النص يفرض علينا الإيمان بمقتضاه، الإيمان الذى يقتبس نور الهدى من قوله سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فلله جل شأنه ما يخير به عن نفسه، وما يخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم دون تمثيل أو تشبيه أو تأويل أو تعطيل. (2) الرجز من شواهد سيبويه فى الكتاب، وقد أنشده ص 387 ح 1 تحت: «باب علامة إضمار المنصوب المتكلم والمجرور المتكلم» البيت عنده: قدنى من نصر الخبيبين قدى ... ليس الإمام بالشحيح الماجد-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَهَذَا مَا فِي قَطْ الّتِي هِيَ بِمَعْنَى حَسْبِي، فَأَمّا قَطّ الْمَبْنِيّةُ عَلَى الضّمّ، فَهِيَ ظَرْفٌ لِمَا مَضَى، وَهِيَ تقال بالتخفيف والتثقيل، وَهِيَ مِنْ الْقَطّ أَيْضًا الّذِي بِمَعْنَى الْقَطْعِ، وَفِي مُقَابَلَتِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ: عَوْضُ مَا فَعَلْته قَطّ، وَلَا أَفْعَلُهُ عَوْضُ «1» مِثْلُ قَبْلُ وَبَعْدُ.

_ - وأراد بالخبيبين: عبد الله بن الزبير وكنيته أبو خبيب، ومصعبا أخاه وغلبه عليه لشهرته، ويروى الخبيبيين على الجمع يريد أبا خبيب وشيعته. والرجز لم ينسبه سيبويه، وهو لحميد بن مالك بن ربعى الارقط يعرض بابن الزبير ويمدح الحجاج. وقد الثانية تأكيد لقدنى مبنى على الكسر فى محل رفع مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وهى مضاف إليه. وقد روى أبو على القالى رجزه هكذا: ليس الامير بالشحيح الملحد ... ولا بوبر بالحجاز مقرد إن ير يوما بالغضاء يصطبر ... أو ينحجر فالحجر شر محكد وروى البكرى فى السمط قبلهما: قلت لعنسى، وهى عجلى تعتدى ... لا نوم حتى تحسرى وتلهدى أو تردى حوض أبى محمد ... ليس الأمير ... الخ وقد أورد اللسان الشطرة الأولى فى مادة قد غير منسوبة وفى مادة لحد إلى حميد وقال ابن ثور. أنظر ص 17 ح 2 ط 2 الأمالى للقالى وسمط اللآلى للبكرى ص 949، ص 474، ص 21 شرح شواهد ابن عقيل للشيخ عبد المنعم الجرجاوى وشرح الشواهد أيضا للشيخ قطة العدوى ص 101 ح 1 شرح ابن عقيل بشرح الشيخ محيى الدين. (1) يقول ابن هشام فى مغنى اللبيب «عوض ظرف لاستغراق المستقبل مثل أبدا، إلا أنه مختص بالنفى، وهو معرب إن أضيف كقولهم: لا أفعله عوض العائضين، مبنى إن لم يضف، وبناؤه إما على الضم كقبل، أو على الكسر كأمس، أو على الفتح كأين، وسمى الزمان عوضا، لأنه كلما مضى جزء منه-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا «1» رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الْخَطِيبِ بِإِسْنَادِ يَرْفَعُهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ اللّيْلَةَ رَجُلٌ حَكِيمٌ، فَقَدِمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مُهَاجِرًا، ذَكَرَ فِيهِ اجْتِمَاعَهُ مَعَ خَالِدٍ فِي الطّرِيقِ وَقَوْلُ خَالِدٍ لَهُ: وَاَللهِ لَقَدْ اسْتَقَامَ الْمِيسَمُ. مَنْ رَوَاهُ الْمِيسَمُ بِالْيَاءِ، فَهِيَ الْعَلَامَةُ، أَيْ قَدْ تَبَيّنَ الْأَمْرُ وَاسْتَقَامَتْ الدّلَالَةُ، وَمَنْ رَوَاهُ الْمَنْسَمُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالنّونِ، فَمَعْنَاهُ: اسْتَقَامَ الطّرِيقُ وَوَجَبَتْ الْهِجْرَةُ، وَالْمَنْسَمُ مُقَدّمُ خُفّ الْبَعِيرِ، وَكُنّيَ بِهِ عَنْ الطّرِيقِ لِلتّوَجّهِ بِهِ فِيهِ. وَذَكَرَ الزّبَيْرُ خَبَرَ عَمْرٍو هَذَا، وَزَادَ فِيهِ: أَنّ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ صَحِبَهُمَا فِي تِلْكَ الطّرِيقِ، فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَمْرٌو: وَكُنْت أَسَنّ مِنْهُمَا، فَأَرَدْت أَنْ أَكِيدَهُمَا، فَقَدّمْتهمَا قَبْلِي لِلْبَيْعَةِ، فَبَايَعَا، وَاشْتَرَطَا أَنْ يُغْفَرَ مِنْ ذَنْبِهِمَا مَا تَقَدّمَ، فَأَضْمَرْت فِي نَفْسِي أَنْ نُبَايِعَ عَلَى أَنْ يَغْفِرَ اللهُ مِنْ ذَنْبِي مَا تَقَدّمَ وَمَا تَأَخّرَ، فَلَمّا بَايَعْت ذَكَرْت مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِي وَأُنْسِيت أَنْ أَقُولَ وما تأخر.

_ - عوضه جزء آخر، تقول: عوض لا أفارقك، كما تقول: قط ما فارقتك، ولا تقول: عوض ما فارقتك ولا: قط لا أفارقك. (1) يقول ابن كثير «كان إسلامهم بعد الحديبية، وذلك أن خالد بن الوليد كان يومئذ فى خيل المشركين ص 142 ح 4 البداية والنهاية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا قَالَهُ الضّمْرِيّ لِلنّجَاشِيّ: وَذَكَرَ فِيهِ قُدُومَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ عَلَى النّجَاشِيّ بِكِتَابِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِي الْكِتَابِ مَا تَكَلّمَ بِهِ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ، فَإِنّهُ لَمّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا أَصْحَمَةُ إنّ عَلَيّ الْقَوْلَ وَعَلَيْك الِاسْتِمَاعَ إنّك كَأَنّك فِي الرّقّةِ عَلَيْنَا مِنّا، وَكَأَنّا بِالثّقَةِ بك منك لأنا لم نظن بِك خَيْرًا قَطّ إلّا نِلْنَاهُ، وَلَمْ نَخَفْك على شىء قطّ إلّا أَمِنّاهُ، وَقَدْ أَخَذْنَا الْحُجّةَ عَلَيْك مِنْ فِيك أَلّا يُحِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَك شَاهِدٌ لَا يُرَدّ، وَقَاضٍ لَا يَجُورُ، وَفِي ذَلِكَ وَقْعُ الْحَزّ وَإِصَابَةُ الْمَفْصِلِ، وَإِلّا فَأَنْتَ فِي هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ كَالْيَهُودِ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَقَدْ فَرّقَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ رُسُلَهُ إلَى النّاسِ فَرَجَاك لِمَا لَمْ يَرْجُهُمْ لَهُ، وَأَمِنَك عَلَى مَا خَافَهُمْ عَلَيْهِ لِخَيْرِ سَالِفٍ وَأَجْرٍ يُنْتَظَرُ، فَقَالَ النّجَاشِيّ: أَشْهَدُ بِاَللهِ أَنّهُ النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي يَنْتَظِرُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَأَنّ بِشَارَةَ مُوسَى بِرَاكِبِ الْحِمَارِ كَبِشَارَةِ عِيسَى بِرَاكِبِ الْجَمَلِ، وَإِنّ الْعِيَانَ لَهُ لَيْسَ بِأَشْفَى مِنْ الْخَبَرِ عَنْهُ، وَلَكِنّ أَعْوَانِي مِنْ الْحَبَشِ قَلِيلٌ فَأَنْظِرْنِي حَتّى أُكَثّرَ الْأَعْوَانَ وَأُلَيّنَ الْقُلُوبَ، وَسَنَذْكُرُ فِيمَا بَعْدُ- إنْ شَاءَ اللهُ- مَا قَالَتْهُ أَرْسَالُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى الْمُلُوكِ، وَمَا رَدّتْ عَلَيْهَا. الرّسُلُ إلَى الْمُلُوكِ: فَإِنّ دِحْيَةَ كَانَ رَسُولَهُ إلَى قَيْصَرَ، وَخَارِجَةَ بْنَ حُذَافَةَ كَانَ رَسُولَهُ إلَى كِسْرَى، وَشُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ إلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسّانِيّ، وَسَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو إلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيّ الْحَنَفِيّ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ، وَالْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ إلَى الْمُنْذِرِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن سَاوِي [مَلِكِ الْبَحْرَيْنِ] وَالْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيّةَ إلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِي إلَى الْجُلَنْدَى «1» صَاحِبِ عُمَانَ، وَحَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقَسِ صَاحِبِ مِصْرَ، وَعَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ إلَى النّجَاشِيّ كَمَا تَقَدّمَ، وَلِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَلَامٌ قَالَهُ، وَشِعْرٌ نَظَمَهُ سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللهُ. السّمْهَرِيّةُ: فَصْلٌ: وَمَا وَقَعَ فِي أَشْعَارِ السّيرَةِ مِنْ ذِكْرِ السّمْهَرِيّةِ مِنْ الرّمَاحِ، فَمَنْسُوبَةٌ إلَى سَمْهَرٍ وَكَانَ صَنَعًا فِيمَا زَعَمُوا يَصْنَعُ الرّمَاحَ، وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ رُدَيْنَةُ تَبِيعُهَا، فَقِيلَ لِلرّمَاحِ: الرّدَيْنِيّةُ لِذَلِكَ، وَأَمّا الْمَاسِخِيّ مِنْ الْقِسِيّ فَمَنْسُوبَةٌ إلَى مَاسِخَةَ، وَاسْمُهُ نُبَيْشَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَحَدُ بَنِي نَصْرِ بْنِ الْأَزْدِ، وَقَالَ الْجَعْدِيّ: بِعِيسِ تُعَطّفُ أَعْنَاقَهَا ... كَمَا عَطّفَ الْمَاسِخِيّ الْقِيَانَا وَقَدْ تُنْسَبُ الْقِسِيّ أَيْضًا إلَى زرارة وَهِيَ امْرَأَةُ مَاسِخَةَ. قَالَ صَخْرُ الْغَيّ: سَمْحَةٍ من قسىّ زارة حمراء هتوف عدادها غمرد «2» مِنْ كِتَابِ النّبَاتِ لِلدّينَوَرِيّ، وَالْيَزَنِيّةُ مَنْسُوبَةٌ إلَى عبيد الطّعّان، وهو المعروف بيزن «3» بْنِ هَمَاذِي، وَالْمَاذِيّةُ مَنْسُوبَةٌ إلَى مَاذِي بْنِ يافث

_ (1) فى القاموس: جلنداء بضم أوله. وفتح ثانيه ممدودة وبضم ثانيه مقصورة اسم ملك عمان، ووهم الجوهرى فقصره مع فتح ثانيه. (2) فى الأصل زرارة وهو خطأ، والعداد: صوت القوس. (3) قال ابن جنى: ذويزن غير مصروف، أصله ويزأن بدليل قولهم: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن نوح، قاله الطبرى، وزعم أن أَوّلُ مَنْ عَمِلَ السّيُوفَ جَمّ وَهُوَ رَابِعُ مُلُوكِ الْأَرْضِ. غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ لَيْسَ فِيهَا مَا يُشْكِلُ، وَفِيهَا مِنْ شِعْرِ حَسّانَ «1» . لَقُوا سَرَعَانًا يَمْلَأُ السّرْبَ رَوْعُهُ سَرَعَانُ النّاسِ: سُبّاقُهُمْ، وَالسّرْبُ: الْمَالُ الرّاعِي، كَأَنّهُ جَمْعُ سَارِبٍ، وَيُقَالُ: هُوَ آمِنٌ فِي سَرْبِهِ إذَا لَمْ يُذْعَرْ، وَلَا خَافَ عَلَى مَالِهِ مِنْ الْغَارَةِ، وَمَنْ قَالَ فِي سِرْبِهِ بِكَسْرِ السّينِ، فَهُوَ مَثَلٌ، لِأَنّ السّرْبَ هُوَ الْقَطِيعُ مِنْ الْوَحْشِ وَالطّيْرِ، فَمَعْنَى: آمِنٌ فِي سِرْبِهِ، أَيْ لَمْ يُذْعَرْ هُوَ نَفْسُهُ وَلَا ذُعِرَ أَهْلُهُ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ اللّغَةِ: مَعْنَى فِي سِرْبِهِ أَيْ: فِي نَفْسِهِ لَمْ يُرِدْ أَنّ النّفْسَ يُقَالُ لَهَا: سِرْبٌ وَإِنّمَا أَرَادَ أنه لم يدعر هُوَ وَلَا مَنْ مَعَهُ، لَا كَالْآخَرِ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ، وَقِيلَ فِيهِ آمِنٌ فِي سَرْبِهِ بِفَتْحِ السّينِ، فَكَانَ الْوَاحِدُ آمِنٌ فِي مَالِهِ، وَالْآخَرُ آمِنٌ فِي نَفْسِهِ، وَيُقَالُ: فِي سَرْبِهِ، أَيْ: فِي طَرِيقِهِ أَيْضًا «2» . وَقَوْلُهُ: أَمَامَ طَحُونٍ كالمحرّة فيلق

_ - وصح يزأنى وأزانى، وقالوا أيضا: أيزنى ووزنه عيفلى، وقالوا آزنى ووزنه عافلى.. وسميت يزينة لأن أول من عملت له ذو يزن. (1) هو سهو من السهيلى فالشعر لكعب بن مالك. (2) أنظر مادة سرب فى اللسان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَعْنِي: كَتِيبَةً، جَعَلَهَا كَالْمَجَرّةِ لِلَمَعَانِ السّيُوفِ وَالْأَسِنّةِ فِيهَا كَالنّجُومِ حَوْلَ الْمَجَرّةِ، لِأَنّ النّجُومَ- وَأَكْثَرَ مَا تَكُونُ- حَوْلَهَا، وَقَدْ قِيلَ: إنّ الْمَجَرّةَ نَفْسَهَا نُجُومٌ صِغَارٌ مُتَلَاصِقَةٌ، فَبَيَاضُ الْمَجَرّةِ مِنْ بَيَاضِ تِلْكَ النّجُومِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مُنْقَطِعٍ: أَنّ الْمَجَرّةَ الّتِي فِي السّمَاءِ هِيَ مِنْ لُعَابِ حَيّةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ «1» ، وَفِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: إنّك سَتَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ يَسْأَلُونَك عَنْ الْمَجَرّةِ، فَقُلْ لَهُمْ: هِيَ مِنْ عَرَقِ الْأَفْعَى الّتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، لَكِنّ إسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النّقْلِ لَا يُعَرّجُ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْعُقَيْلِيّ، وَعَنْ عَلِيّ أَنّهَا شَرَجُ السّمَاءِ الّذِي تَنْشَقّ مِنْهُ، وَأَمّا قَوْلُ الْمُنَجّمِينَ غَيْرِ الْإِسْلَامِيّينَ فِي مَعْنَى الْمَجَرّةِ، فَذَكَرَ لَهُمْ الْقَاضِي فِي النّقْضِ الْكَبِيرِ نَحْوًا مِنْ عَشَرَةِ أَقْوَالٍ وَأَكْثَرَ، مِنْهَا مَا يُجَوّزُهُ الْعَقْلُ، وَمِنْهَا مَا هُوَ شِبْهُ الْهَذَيَانِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ كَالْمَجَرّةِ، أَيْ أَثَرُ هَذِهِ الْكَتِيبَةِ الطّحُونِ كَأَثَرِ الْمَجَرّةِ تَقْشِرُ مَا مَرّتْ عَلَيْهِ، وَتَكْنُسُهُ. وَالْفَيْلَقُ: فَيْعَلٌ مِنْ الْفِلْقِ وَهِيَ الدّاهِيَةُ، كَأَنّهَا تَفْلِقُ الْقُلُوبَ، وَهِيَ الْفِلْقَةُ «2» أَيْضًا. قَالَ ابن أحمر:

_ (1) هذا الحديث ومثله يبين لنا مدى احتدام شهوة الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فى نفوس الوضاعين ومدى الجهالة التى تردى فيها الكثير من المسلمين إذ يعيش بينهم مثل هذا الافتراء حتى يكتب فى كتب!!. (2) الذى فى اللسان الفلق والفليق والفليقة والمفلقة والفيلق والفلقى كله: الداهية والأمر العجب.

غزوة ذى قرد

[غَزْوَةَ ذِي قَرَدٍ] ثُمّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَلَمْ يُقِمْ بِهَا إلّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ، حَتّى أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ، فِي خَيْلٍ مِنْ غَطَفَانَ عَلَى لِقَاحٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْغَابَةِ، وَفِيهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ وَامْرَأَةٌ لَهُ، فَقَتَلُوا الرجل، واحتملوا المرأة فى اللّقاح. قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر، وَمَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، كُلّ قَدْ حَدّثَ فِي غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ بَعْضَ الْحَدِيثِ: أَنّهُ كَانَ أَوّلَ مَنْ نَذَرَ بِهِمْ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ الْأَسْلَمِيّ، غَدا يُرِيدُ الْغَابَةَ مُتَوَشّحًا قَوْسَهُ وَنَبْلَهُ، وَمَعَهُ غُلَامٌ لِطَلْحَةِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ مَعَهُ فَرَسٌ لَهُ يَقُودُهُ، حَتّى إذَا علا ثنيّة الواداع نَظَرَ إلَى بَعْضِ خُيُولِهِمْ، فَأَشْرَفَ فِي نَاحِيَةِ سلع. ثم صرخ: وا صباحاه، ثم خرج يشتدّ فى آثار القوم، ـــــــــــــــــــــــــــــ قَدْ طَرّقَتْ بِبِكْرِهَا أُمّ طَبَقْ ... فَدَبّرُوهُ خَبَرًا ضَخْمَ الْعُنُقْ فَقِيلَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: مَوْتُ الإمام فلقة من الفلق «1»

_ (1) قاله لما نعى إليه المنصور، ورواية الشطرة الثانية فى اللسان هكذا: فذمروها وهمة. ويقال للدواهى بنات طبق، ويروى أن أصلها الحية أى أنها استدارت حتى صارت مثل الطبق.

تسابق الفرسان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم

وَكَانَ مِثْلَ السّبُعِ حَتّى لَحِقَ بِالْقَوْمِ، فَجَعَلَ يردّهم بالنّبل، ويقول إذا رمى: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، الْيَوْمُ يَوْمُ الرّضّعِ، فَإِذَا وُجّهَتْ الْخَيْلُ نَحْوَهُ انْطَلَقَ هَارِبًا، ثُمّ عَارَضَهُمْ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ الرّمْيُ رَمَى، ثُمّ قَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، الْيَوْمُ يَوْمُ الرّضّعِ، قال. فيقول قائلهم: أو يكعنا هو أوّل النهار. [تسابق الفرسان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم] قَالَ: وَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صِيَاحُ ابْنِ الْأَكْوَعِ، فَصَرَخَ بِالْمَدِينَةِ: الْفَزَعُ الْفَزَعُ، فَتَرَامَتْ الْخُيُولُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ أَوّلَ مَنْ انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفُرْسَانِ: الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ: الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ؛ ثُمّ كَانَ أَوّلَ فَارِسٍ وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الْمِقْدَادِ مِنْ الْأَنْصَارِ، عَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشِ بْنِ زُغْبَةَ بْنِ زَعُورَاءَ، أَحَدُ بَنِي عبد الأشهل، وسعد ابن زَيْدٍ، أَحَدُ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وأسيد بن ظهير، أخو بنى حارثة ابن الْحَارِثِ، يُشَكّ فِيهِ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ؛ وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيّ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ؛ وَأَبُو عَيّاشٍ، وَهُوَ عُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الصّامِتِ، أَخُو بَنِي زُرَيْقٍ. فَلَمّا اجْتَمَعُوا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمّرَ عَلَيْهِمْ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ فِيمَا بَلَغَنِي، ثُمّ قَالَ: اُخْرُجْ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، حَتّى أَلْحَقَك فِي الناس. [نصيحة الرسول لأبى عياش] وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل محرز بن نضلة

زُرَيْقٍ، لِأَبِي عَيّاشٍ: يَا أَبَا عِيَاشٍ، لَوْ أَعْطَيْت هَذَا الْفَرَسَ رَجُلًا، هُوَ أَفْرَسُ مِنْك فَلَحِقَ بِالْقَوْمِ؟ قَالَ أَبُو عَيّاشٍ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَفْرَسُ النّاسِ، ثُمّ ضَرَبْتُ الْفَرَسَ، فَوَاَللهِ مَا جَرَى بِي خَمْسِينَ ذِرَاعًا حَتّى طَرَحَنِي، فَعَجِبْت أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ: لَوْ أَعْطَيْتَهُ أَفْرَسَ مِنْك، وأنا أقول: أنا أفرس الناس، فزعم رِجَالٌ من بني زُرَيْق أن رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْطَى فَرَسَ أَبِي عَيّاشٍ مُعَاذَ بْنَ مَاعِصٍ، أَوْ عَائِذَ بْنَ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ، وَكَانَ ثَامِنًا، وبعض الناس يعدّ سَلَمَةِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ أَحَدَ الثّمَانِيَةِ، ويطرح أسيد ابن ظُهَيْرٍ، أَخَا بَنِي حَارِثَةَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ. وَلَمْ يَكُنْ سَلَمَةُ يَوْمَئِذٍ، فَارِسًا، وَقَدْ كَانَ أَوّلَ مَنْ لَحِقَ بِالْقَوْمِ عَلَى رِجْلَيْهِ. فَخَرَجَ الْفُرْسَانُ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ حَتّى تلاحقوا. [مقتل محرز بن نضلة] قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ أَوّلَ فَارِسٍ لَحِقَ بِالْقَوْمِ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ- وَكَانَ يُقَالُ لِمُحْرَزِ: الْأَخْرَمُ؛ وَيُقَالُ لَهُ قُمَيْرٌ- وَأَنّ الْفَزَعَ لَمّا كَانَ جَالَ فَرَسٌ لِمَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي الْحَائِطِ، حِينَ سَمِعَ صَاهِلَةَ الْخَيْلِ، وَكَانَ فَرَسًا صَنِيعًا جَامّا، فَقَالَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، حِينَ رَأَيْنَ الْفَرَسَ يَجُولُ فِي الْحَائِطِ بِجِذْعِ نَخْلٍ هُوَ مَرْبُوطٌ فِيهِ: يَا قُمَيْرُ، هَلْ لَك فِي أَنْ تَرْكَبَ هَذَا الْفَرَسَ؟ فَإِنّهُ كَمَا تَرَى، ثُمّ تَلْحَقُ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِالْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَعْطَيْنَهُ إيّاهُ. فَخَرَجَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَذّ الْخَيْلَ بِجَمَامِهِ، حَتّى أَدْرَكَ الْقَوْمَ، فَوَقَفَ لَهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، ثُمّ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسماء أفراس المسلمين

قِفُوا يَا مَعْشَرَ بَنِي اللّكِيعَةِ حَتّى يَلْحَقَ بِكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ مِنْ أَدْبَارِكُمْ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. قَالَ: وَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَتَلَهُ، رجال الْفَرَسُ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتّى وَقَفَ عَلَى آرِيّهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَلَمْ يُقْتَلْ من المسلمين غيره. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مع محرز، وقّاص بن مجزّز المدلجّى، فيما ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. [أَسَمَاءُ أفراس المسلمين] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ اسْمُ فَرَسِ مَحْمُودٍ: ذَا اللّمّةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ اسْمُ فَرَسِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ: لَاحِقَ، وَاسْمُ فَرَسِ الْمِقْدَادِ بَعْزَجَةُ، وَيُقَالُ: سُبْحَةُ، وَاسْمُ فَرَسِ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ: ذو اللّمّةِ؛ وَاسْمُ فَرَسِ أَبِي قتادة: جزوة، وَفَرَسُ عَبّادِ بْنِ بِشْرٍ: لَمّاعٌ، وَفَرَسُ أُسَيْدِ بْنِ ظُهَيْرٍ: مَسْنُونٌ، وَفَرَسُ أَبِي عَيّاشٍ: جُلْوَةُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنّ مُجَزّزًا إنّمَا كَانَ عَلَى فَرَسٍ لِعُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، يُقَالُ لَهُ: الْجَنَاحُ، فَقُتِلَ مجزّز واستلبت الجناح. [قتلى الْمُشْرِكِينَ] وَلَمّا تَلَاحَقَتْ الْخَيْلُ قَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثَ بْنَ رِبْعِيّ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، حَبِيبُ بْنُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَغَشّاهُ بُرْدَهُ، ثُمّ لحق بالناس. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

استعمال ابن أم مكتوم على المدينة

وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ. [اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى المدينة] قال ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَإِذَا حَبِيبٌ مُسَجّى بِبُرْدِ أَبِي قَتَادَةَ، فَاسْتَرْجَعَ النّاسُ وَقَالُوا: قُتِلَ أَبُو قَتَادَةَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس بأبى قتادة، ولكنه قتيل لِأَبِي قَتَادَةَ، وَضَعَ عَلَيْهِ بُرْدَهُ، لِتَعْرِفُوا أَنّهُ صَاحِبُهُ. وَأَدْرَكَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَوْبَارًا وَابْنَهُ عمرو بن أوبار، وهما على بعير واحد، فانتظمهما بالرّمح، فقتلهما جميعا، واستنقذوا بعض اللّقاح، وَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ بِالْجَبَلِ مِنْ ذِي قَرَدٍ، وَتَلَاحَقَ بِهِ النّاسُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ وقال له سلمة ابن الْأَكْوَعِ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ سَرّحْتنِي فِي مائة رَجُلٍ لَاسْتَنْقَذْتُ بَقِيّةَ السّرْحِ، وَأَخَذْت بِأَعْنَاقِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي: إنّهُمْ الْآنَ لَيُغْبَقُونَ فِي غطفان. [تَقْسِيمُ الْفَيْءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ] فَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ فِي كل مائة رَجُلٍ جَزُورًا، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا، ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا حَتّى قدم المدينة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

امرأة الغفارى وما نذرت مع الرسول

[امْرَأَةُ الْغِفَارِيّ وَمَا نَذَرَتْ مَعَ الرّسُولِ] وَأَقْبَلَتْ امْرَأَةُ الْغِفَارِيّ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إبِلِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، فَلَمّا فَرَغَتْ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي قَدْ نَذَرْت لِلّهِ أَنْ أَنَحْرَهَا إنْ نَجّانِي اللهُ عَلَيْهَا؛ قَالَ: فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ قَالَ: بِئْسَ مَا جَزَيْتهَا أَنْ حَمَلَك اللهُ عَلَيْهَا وَنَجّاك بِهَا ثُمّ تَنْحَرِينَهَا! إنّهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ وَلَا فِيمَا لَا تَمْلِكِينَ، إنّمَا هِيَ نَاقَةٌ مِنْ إبِلِي، فَارْجِعِي إلَى أَهْلِك عَلَى بَرَكَةِ اللهِ. وَالْحَدِيثُ عَنْ امْرَأَةِ الْغِفَارِيّ وَمَا قَالَتْ، وَمَا قَالَ لَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أَبِي الزّبَيْرِ الْمَكّيّ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ. [شِعْرُ حَسّانَ فِي ذِي قَرَدٍ] وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ قول حسّان بن ثابت: لَوْلَا الّذِي لَاقَتْ وَمَسّ نُسُورُهَا ... بِجَنُوبِ سَايَةَ أَمْسِ فِي التّقْوَادِ لَلَقِينَكُمْ يَحْمِلْنَ كُلّ مُدَجّجٍ ... حَامِي الْحَقِيقَةِ مَاجِدُ الْأَجْدَادِ وَلَسَرّ أَوْلَادَ اللّقِيطَةِ أَنّنَا ... سِلْمٌ غَدَاةَ فَوَارِسِ الْمِقْدَادِ كُنّا ثَمَانِيَةً وَكَانُوا جَحْفَلًا ... لِجَبَا فَشُكّوا بِالرّمَاحِ بَدَادِ كُنّا مِنْ الْقَوْمِ الّذِينَ يَلُونَهُمْ ... وَيُقَدّمُونَ عِنَانَ كُلّ جَوَادٍ كَلّا وَرَبّ الرّاقِصَاتِ إلَى مِنًى ... يَقْطَعْنَ عُرْضَ مَخَارِمِ الْأَطْوَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غضب سعد على حسان ومحاولة حسان استراضاءه

حَتّى نُبِيلَ الْخَيْلَ فِي عَرَصَاتِكُمْ ... وَنُؤَوّبُ بِالْمَلَكَاتِ وَالْأَوْلَادِ رَهْوًا بِكُلّ مُقَلّصٍ وَطِمَرّةٍ ... فِي كُلّ معترك عطفن روادى أَفْنَى دَوَابِرَهَا وَلَاحَ مُتُونَهَا ... يَوْمٌ تُقَادُ بِهِ وَيَوْمٌ طِرَادُ فَكَذَاك إنّ جِيَادَنَا مَلْبُونَةٌ ... وَالْحَرْبُ مُشْعَلَةٌ بِرِيحِ غَوَادٍ وَسُيُوفُنَا بِيضُ الْحَدَائِدِ تَجْتَلِي ... جُنَنَ الْحَدِيدِ وَهَامَةَ الْمُرْتَادِ أَخَذَ الْإِلَهُ عَلَيْهِمْ لِحَرَامِهِ ... وَلِعِزّةِ الرّحْمَنِ بِالْأَسْدَادِ كَانُوا بِدَارٍ نَاعِمِينَ فَبُدّلُوا ... أَيّامَ ذِي قَرَدٍ وُجُوهَ عِبَادٍ [غَضَبُ سعد على حسان ومحاولة حسان استراضاءه] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَلَمّا قَالَهَا حَسّانُ غَضِبَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ، وَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلّمَهُ أَبَدًا؛ قَالَ: انْطَلَقَ إلَى خَيْلِي وَفَوَارِسِي فَجَعَلَهَا لِلْمِقْدَادِ! فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ حَسّانُ وَقَالَ: وَاَللهِ مَا ذَاكَ أَرَدْتُ، وَلَكِنّ الرّوِيّ وَافَقَ اسْمَ الْمِقْدَادِ؛ وَقَالَ أَبْيَاتًا يُرْضِي بِهَا سَعْدًا: إذَا أَرَدْتُمْ الْأَشَدّ الْجَلْدَا ... أَوْ ذَا غَنَاءٍ فَعَلَيْكُمْ سَعْدًا سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ لَا يُهَدّ هَدّا فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ سَعْدٌ وَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا. [شِعْرٌ آخَرُ لِحَسّانَ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ] وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ ذِي قرد: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر كعب فى يوم ذى قرد

أَظَنّ عُيَيْنَةُ إذْ زَارَهَا ... بِأَنْ سَوْفَ يَهْدِمُ فِيهَا قُصُورًا فَأُكْذِبْتَ مَا كُنْتَ صَدّقْته ... وَقُلْتُمْ سَنَغْنَمُ أَمْرًا كَبِيرًا فَعِفْتَ الْمَدِينَةَ إذْ زُرْتهَا ... وآنست للأسد فيها زئيرا فولّوا صراعا كَشَدّ النّعَامِ ... وَلَمْ يَكْشِفُوا عَنْ مُلِطّ حَصِيرًا أَمِيرٌ عَلَيْنَا رَسُولُ الْمَلِيكِ ... أَحْبِبْ بِذَاكَ إلَيْنَا أميرا رسول نصدّق ما جاءه ... ويتلوا كِتَابًا مُضِيئًا مُنِيرًا [شِعْرُ كَعْبٍ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ] وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ للفوارس: أَتَحْسَبُ أَوْلَادُ اللّقِيطَةِ أَنّنَا ... عَلَى الْخَيْلِ لَسْنَا مِثْلَهُمْ فِي الْفَوَارِسِ وَإِنّا أُنَاسٌ لَا نَرَى الْقَتْلَ سُبّةً ... وَلَا نَنْثَنِي عِنْدَ الرّمَاحِ الْمَدَاعِسِ وَإِنّا لَنَقْرِي الضّيْفَ مِنْ قَمَعِ الذّرَا ... وَنَضْرِبُ رَأْسَ الْأَبْلَخِ الْمُتَشَاوِسِ نَرُدّ كُمَاةَ الْمُعْلَمِينَ إذَا انْتَخَوْا ... بِضَرْبٍ يُسْلِي نَخْوَةَ الْمُتَقَاعِسِ بِكُلّ فَتًى حَامِي الْحَقِيقَةَ مَاجِدٍ ... كَرِيمٍ كَسِرْحَانِ الْغَضَاةِ مُخَالِسِ يَذُودُونَ عَنْ أَحْسَابهِمْ وَتِلَادِهِمْ ... بِبِيضٍ تَقُدّ الْهَامَ تَحْتَ الْقَوَانِسِ فَسَائِلْ بَنِي بَدْرٍ إذَا مَا لَقِيتَهُمْ ... بِمَا فَعَلَ الْإِخْوَانُ يَوْمَ التّمَارُسِ إذَا مَا خَرَجْتُمْ فَاصْدُقُوا مَنْ لَقِيتُمْ ... وَلَا تَكْتُمُوا أَخْبَارَكُمْ فِي الْمَجَالِسِ وَقُولُوا زَلِلْنَا عَنْ مَخَالِبِ خَادِرٍ ... بِهِ وَحَرٌ فِي الصّدْرِ مَا لَمْ يُمَارِسْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ: «وَإِنّا لَنَقْرِي الضّيْفَ» أَبُو زَيْدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر شداد لعيينة

[شِعْرُ شَدّادٍ لِعُيَيْنَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ شَدّادُ بْنُ عَارِضٍ الْجُشَمِيّ، فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ: لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَكَانَ عُيَيْنَةُ بْنُ حصن يكنى بأبى مالك: فَهَلّا كَرَرْتَ أَبَا مَالِكٍ ... وَخَيْلُك مُدْبِرَةٌ تُقْتَلُ ذَكَرْتَ الْإِيَابَ إلَى عَسْجَرٍ ... وَهَيْهَاتَ قَدْ بَعُدَ الْمُقْفَلُ وَطَمّنْتَ نَفْسَك ذَا مَيْعَةَ ... مِسَحّ الْفَضَاءِ إذَا يُرْسَلُ إذَا قَبّضَتْهُ إلَيْك الشّمَا ... لُ جَاشَ كَمَا اضْطَرَمَ الْمِرْجَلُ فَلَمّا عَرَفْتُمْ عِبَادَ الْإِلَهِ ... لَمْ يَنْظُرْ الْآخَرَ الْأَوّلَ عَرَفْتُمْ فَوَارِسَ قَدْ عُوّدُوا ... طِرَادَ الْكُمَاةِ إذَا أَسْهَلُوا إذَا طَرَدُوا الْخَيْلَ تَشْقَى بِهِمْ ... فِضَاحًا وَإِنْ يُطْرَدُوا يَنْزِلُوا فَيَعْتَصِمُوا فِي سَوَاءِ اُلْمُقَا ... مِ بِالْبِيضِ أخلصها الصّيقل [غزوة بنى المصطلق] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْضَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا ثُمّ غَزَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، فى شعبان سنة ست قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذرّ الغفارىّ؛ ويقال: نميلة ابن عبد الله الليثى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سبب الغزوة

[سبب الْغَزْوَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بَكْرٍ. وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ، كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، قَالُوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ، وَقَائِدُهُمْ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ أَبُو جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ خَرَجَ إلَيْهِمْ، حَتّى لَقِيَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: الْمُرَيْسِيعُ، مِنْ نَاحِيَةِ قديد إلى الساحل، فَتَزَاحَفَ النّاسُ وَاقْتَتَلُوا، فَهَزَمَ اللهُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَنَفّلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فأقاءهم عليه. [مقتل ابن صبابة خطأ] وَقَدْ أُصِيبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي كَلْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ ابن بَكْرٍ، يُقَالُ لَهُ: هِشَامُ بْنُ صُبَابَةَ، أَصَابَهُ رجل من الأنصار من رهط عبادة ابن الصّامِتِ، وَهُوَ يَرَى أَنّهُ مِنْ الْعَدُوّ، فَقَتَلَهُ خطأ. [فتنة] فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، وَرَدَتْ وَارِدَةُ النّاسِ وَمَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ أَجِيرٌ لَهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، يُقَالُ لَهُ. جَهْجَاه بْنُ مَسْعُودٍ يَقُودُ فَرَسَهُ، فَازْدَحَمَ جَهْجَاه وَسِنَانُ بْنُ وَبَرٍ الْجُهَنِيّ، حَلِيفُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَلَى الْمَاءِ، فَاقْتَتَلَا، فَصَرَخَ الْجُهَنِيّ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَصَرَخَ جهجاه: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حول فتنة ابن أبى ونفاقه

يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؛ فَغَضِبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أبىّ بن سلول، وعنده رهط من قومه فيهم: زيد بن أرقم، غلام حدث، فقال: أوقد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا فى بلادنا، والله ما أعدّنا وجلابيب قُرَيْشٍ إلّا كَمَا قَالَ الْأَوّلُ: سَمّنْ كَلْبَك يَأْكُلْك، أَمَا وَاَللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ. ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا مَا فَعَلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ، أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِلَادَكُمْ، وَقَاسَمْتُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ، أَمَا وَاَللهِ لَوْ أَمْسَكْتُمْ عَنْهُمْ مَا بِأَيْدِيكُمْ لَتَحَوّلُوا إلَى غَيْرِ دَارِكُمْ. فَسَمِعَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَمَشَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ عِنْدَ فَرَاغِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عَدُوّهِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، فَقَالَ: مُرْ بِهِ عَبّادَ بْنِ بِشْرٍ فَلْيَقْتُلْهُ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: فَكَيْفَ يَا عُمَرُ إذَا تَحَدّثَ النّاسُ أَنّ مُحَمّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ! لَا وَلَكِنْ أَذّنَ بِالرّحِيلِ، وَذَلِكَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْتَحِلُ فِيهَا، فارتحل الناس. [حول فتنة ابن أبىّ ونفاقه] وقد مشى عبد الله بن أبىّ بن سَلُولَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ بَلَغَهُ أَنّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَدْ بَلّغَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُ، فَحَلَفَ بِاَللهِ: مَا قُلْت مَا قَالَ، وَلَا تَكَلّمْت بِهِ. - وَكَانَ فِي قَوْمِهِ شَرِيفًا عَظِيمًا- فَقَالَ مَنْ حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَسَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ قَدْ أَوْهَمَ فِي حَدِيثِهِ، وَلَمْ يَحْفَظْ مَا قَالَ الرّجُلُ، حَدَبًا على ابن أبىّ بن سلول، ودفعا عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا اسْتَقَلّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَارَ، لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَحَيّاهُ بِتَحِيّةِ النّبُوّةِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: يَا نَبِيّ اللهِ، وَاَللهِ لَقَدْ رُحْتَ فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ، مَا كُنْتَ تَرُوحُ فى مثلها، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أَوْ مَا بَلَغَك مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ؟ قَالَ: وَأَيّ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ، قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنّهُ إنْ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَن الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ، قَالَ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ وَاَللهِ تُخْرِجُهُ مِنْهَا إنْ شِئْت، هُوَ وَاَللهِ الذّلِيلُ وَأَنْتَ الْعَزِيزُ؛ ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُرْفُقْ بِهِ فَوَاَللهِ لَقَدْ جَاءَنَا اللهُ بِك، وَإِنّ قَوْمَهُ لَيَنْظِمُونَ لَهُ الحرز لِيُتَوّجُوهُ، فَإِنّهُ لَيَرَى أَنّك قَدْ اسْتَلَبْته مُلْكًا. ثُمّ مَشْيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنّاسِ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ حَتّى أَمْسَى، وَلَيْلَتَهُمْ حَتّى أَصْبَحَ، وَصَدْرَ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ حَتّى آذَتْهُمْ الشّمْسُ، ثُمّ نَزَلَ بِالنّاسِ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ وَجَدُوا مَسّ الْأَرْضِ فَوَقَعُوا نِيَامًا، وَإِنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَشْغَلَ النّاسَ عَنْ الْحَدِيثِ الّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ، من حديث عبد الله بن أبىّ. ثُمّ رَاحَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ، وَسَلَكَ الْحِجَازَ حَتّى نَزَلَ عَلَى مَاءٍ بِالْحِجَازِ فُوَيْقَ النّقِيعِ؛ يُقَالُ لَهُ: بَقْعَاءُ. فَلَمّا رَاحَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَبّتْ عَلَى النّاسِ رِيحٌ شَدِيدَةٌ آذَتْهُمْ وَتَخَوّفُوهَا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَخَافُوهَا، فَإِنّمَا هَبّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفّارِ. فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَجَدُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ، أَحَدَ بَنِي قينقاع، وكان ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى ابن أبى من القرآن

عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ، وَكَهْفًا لِلْمُنَافِقِينَ، مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. [مَا مَا نَزَلَ فِي ابْنِ أُبَيّ مِنْ الْقُرْآنِ] وَنَزَلَتْ السّورَةُ الّتِي ذَكَرَ اللهُ فِيهَا الْمُنَافِقِينَ فِي ابْنِ أُبَيّ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ، فَلَمّا نَزَلَتْ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُذُنِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، ثُمّ قَالَ: هَذَا الّذِي أَوْفَى اللهُ بِأُذُنِهِ. وَبَلَغَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبىّ الذى كان من أمر أبيه. [موقف عبد الله من أبيه] قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أَنّ عَبْدَ اللهِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنّهُ بَلَغَنِي أَنّك تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ فِيمَا بَلَغَك عَنْهُ، فَإِنْ كُنْت لَا بُدّ فَاعِلًا فَمُرْنِي بِهِ، فَأَنَا أَحْمِلُ إلَيْك رَأْسَهُ، فَوَاَللهِ لَقَدْ عَلِمَتْ الْخَزْرَجُ مَا كَانَ لَهَا مِنْ رَجُلٍ أَبَرّ بِوَالِدِهِ مِنّي، وَإِنّي أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ، فَلَا تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْظُرُ إلَى قَاتِلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ يَمْشِي فِي النّاسِ، فَأَقْتُلَهُ فَأَقْتُلَ (رَجُلًا) مُؤْمِنًا بِكَافِرِ، فَأَدْخُلَ النّارَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ نَتَرَفّقُ بِهِ، وَنُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا. وَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ كَانَ قَوْمُهُ هُمْ الّذِينَ يُعَاتِبُونَهُ وَيَأْخُذُونَهُ وَيُعَنّفُونَهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ، حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ: كَيْفَ تَرَى يَا عُمَرُ؛ أَمَا وَاَللهِ لَوْ قتلته يوم قلت لى اقتله، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قدوم مقيس مسلما وشعره

رعدت له آنف، لو أمرتها اليوم بقتله لقتله؛ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: قَدْ وَاَللهِ عَلِمْتُ لَأَمْرُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْظَمُ بركة من أمرى. [قدوم مقيس مسلما وشعره] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ مِنْ مَكّةَ مُسْلِمًا، فِيمَا يَظْهَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُك مُسْلِمًا، وَجِئْتُك أَطُلُبُ دِيَةَ أَخِي، قُتِلَ خَطَأً. فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدِيَةِ أَخِيهِ هِشَامِ بْنِ صُبَابَةَ؛ فَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَيْرَ كَثِيرٍ، ثُمّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ، ثُمّ خَرَجَ إلَى مكة مرتدّا؛ فقال فى شعر يقوله: شَفَى النّفْسَ أَنْ قَدْ مَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا ... تُضَرّجُ ثَوْبَيْهِ دِمَاءُ الْأَخَادِعِ وَكَانَتْ هُمُومُ النّفْسِ مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ ... تُلِمّ فَتَحْمِينِي وِطَاءَ الْمَضَاجِعِ حَلَلْت بِهِ وِتْرِي وَأَدْرَكْتُ ثؤرتي ... وَكُنْتُ إلَى الْأَوْثَانِ أَوّلَ رَاجِعٍ ثَأَرْتُ بِهِ فِهْرًا وَحَمَلْت عَقْلَهُ ... سَرَاةَ بَنِي النّجّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ وَقَالَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ أَيْضًا: جَلّلْته ضَرْبَةً بَاءَتْ لَهَا وَشَلٌ ... مِنْ نَاقِعِ الْجَوْفِ يَعْلُوهُ وَيَنْصَرِمُ فقلت والموت تغشاه أسرّنه ... لَا تَأْمَنَن بَنِي بَكْرٍ إذَا ظُلِمُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعار المسلمين

[شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ: يَا مَنْصُورُ، أَمِتْ أمت. [قَتْلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأُصِيبَ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَوْمَئِذٍ نَاسٌ، وَقَتَلَ عَلِيّ ابن أَبِي طَالِبٍ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ، مَالِكًا وَابْنَهُ، وَقَتَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَجُلًا مِنْ فُرْسَانِهِمْ، يُقَالُ لَهُ: أَحْمَرُ، أَوْ أُحَيْمِرٌ. [أَمْرُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ] وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَصَابَ مِنْهُمْ سَبْيًا كَثِيرًا، فَشَا قَسْمُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ؛ وَكَانَ فِيمَنْ أُصِيبَ يَوْمَئِذٍ مِنْ السّبَايَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الحارث ابن أَبِي ضِرَارٍ، زَوْجُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمّا قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي السّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ، أَوْ لِابْنِ عَمّ لَهُ، فَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتْ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلّاحَةً، لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إلّا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا قَالَتْ عَائِشَةُ: فَوَاَللهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ رَأَيْتهَا عَلَى باب حجرتى فكرهتها، وعرفت ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أنه سيرى منها صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا رَأَيْتُ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا جُوَيْرِيَةُ بنت الحارث بن أبى صرار، سَيّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنْ الْبَلَاءِ، مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك، فَوَقَعْت فِي السّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ، أَوْ لِابْنِ عَمّ لَهُ، فَكَاتَبْتُهُ عَلَى نَفْسِي فَجِئْتُك أَسْتَعِينُك عَلَى كِتَابَتِي، قَالَ: فَهَلْ لَك فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَقْضِي عَنْك كِتَابَتك وَأَتَزَوّجُك؛ قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: قَدْ فَعَلْت. قَالَتْ: وَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النّاسِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَزَوّجَ جُوَيْرِيَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، فَقَالَ النّاسُ: أَصْهَارُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ، قَالَتْ: فَلَقَدْ أُعْتِقَ بِتَزْوِيجِهِ إياها مائة أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَمَا أَعْلَمُ امرأة كانت أعظ عَلَى قَوْمِهَا بَرَكَةً مِنْهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويقال: لما انصرف رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَمَعَهُ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَكَانَ بِذَاتِ الْجَيْشِ، دَفَعَ جُوَيْرِيَةَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَدِيعَةً، وَأَمَرَهُ بِالِاحْتِفَاظِ بِهَا، وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَقْبَلَ أَبُوهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ بِفِدَاءِ ابْنَتِهِ، فَلَمّا كَانَ بِالْعَقِيقِ نَظَرَ إلَى الْإِبِلِ الّتِي جَاءَ بِهَا لِلْفِدَاءِ، فَرَغِبَ فِي بَعِيرَيْنِ مِنْهَا، فَغَيّبَهُمَا فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الْعَقِيقِ، ثُمّ أَتَى إلَى النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، أَصَبْتُمْ ابْنَتِي، وَهَذَا فِدَاؤُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ الْبَعِيرَانِ اللّذَانِ غَيّبْتهمَا بِالْعَقِيقِ، فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ الحارث: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلا اللهُ، وَأَنّك مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَوَاَللهِ مَا اطّلَعَ عَلَى ذَلِكَ إلّا اللهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل من القرآن فى حق الوليد بن عقبة

فَأَسْلَمَ الْحَارِثُ، وَأَسْلَمَ مَعَهُ ابْنَانِ لَهُ، وَنَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَأَرْسَلَ إلَى الْبَعِيرَيْنِ، فَجَاءَ بِهِمَا، فَدَفَعَ الْإِبِلَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ودفعت إليه ابنته جويرية، فأسلمت، وحسن إسْلَامُهَا، فَخَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إلى أبيها، فزوّجه إياها، وأصدقها أربعمائة درهم. [ما نزل من القرآن فى حق الوليد بن عقبة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إلَيْهِمْ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَلَمّا سَمِعُوا بِهِ رَكِبُوا إلَيْهِ، فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ هَابَهُمْ، فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره أَنّ الْقَوْمَ قَدْ هَمّوا بِقَتْلِهِ، وَمَنَعُوهُ مَا قبلهم من صدقتهم، فَأَكْثَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي ذِكْرِ غَزْوِهِمْ، حَتّى هَمّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنْ يغزوهم، فبيناهم عَلَى ذَلِكَ قَدِمَ وَفْدُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ سَمِعْنَا بِرَسُولِك حِينَ بَعَثْته إلَيْنَا، فَخَرَجْنَا إلَيْهِ لِنُكْرِمَهُ، وَنُؤَدّيَ إلَيْهِ مَا قِبَلَنَا مِنْ الصّدَقَةِ، فَانْشَمَرَ رَاجِعًا، فَبَلَغْنَا أَنّهُ زَعَمَ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّا خَرَجْنَا إلَيْهِ لِنَقْتُلَهُ، وَوَاللهِ مَا جِئْنَا لِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ وَفِيهِمْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ، فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ. وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ... إلَى آخر الآيات. (الحجرات 6- 8) . وَقَدْ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ، كَمَا حَدّثَنِي مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خبر الإفك فى غزوة بنى المصطلق سنة ست

لَا أَتّهِمُ عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، حَتّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ مَعَهُ عَائِشَةُ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ، قَالَ فِيهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قالوا. [خَبَرُ الْإِفْكِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ سَنَةَ سِتّ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنَا الزّهْرِيّ، عَنْ علقمة بن وقّاص، وعن سعيد ابن جُبَيْرٍ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، وَقَدْ جمعت لك الذى حدّثنى القوم. [الهدى فى السفر مع الزوجات] قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ نَفْسِهَا، حِينَ قَالَ فِيهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَكُلّ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثِهَا عَنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا يُحَدّثُ بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يُحَدّثْ صَاحِبَهُ، وَكُلّ كَانَ عَنْهَا ثِقَةً، فَكُلّهُمْ حَدّثَ عَنْهَا مَا سَمِعَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيّتُهُنّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَلَمّا كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، كَمَا كَانَ يصنع، فخرج سمهى عَلَيْهِنّ مَعَهُ، فَخَرَجَ بِي رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث الإفك

[حديث الإفك] قَالَتْ: وَكَانَ النّسَاءُ إذْ ذَاكَ إنّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلَقَ لَمْ يَهِجْهُنّ اللّحْمُ فَيَثْقُلْنَ وَكُنْت إذَا رَحَلَ لِي بَعِيرِي جَلَسْتُ فِي هَوْدَجِي، ثُمّ يَأْتِي الْقَوْمُ الّذِينَ يُرَحّلُونَ لِي وَيَحْمِلُونَنِي، فَيَأْخُذُونَ بِأَسْفَلَ الْهَوْدَجِ، فَيَرْفَعُونَهُ، فَيَضَعُونَهُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ، فَيُشِدّونَهُ بِحِبَالِهِ، ثُمّ يَأْخُذُونَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ، فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ. قَالَتْ: فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ، وَجّهَ قَافِلًا حَتّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ نزل منزلا، فبات بِهِ بَعْضَ اللّيْلِ، ثُمّ أَذّنَ فِي النّاسِ بِالرّحِيلِ، فَارْتَحَلَ النّاسُ، وَخَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، وَفِي عنقى عقد لى، فيه جزع ظفاره فَلَمّا فَرَغْت انْسَلّ مِنْ عُنُقِي وَلَا أَدْرِي، فَلَمّا رَجَعْت إلَى الرّحْلِ ذَهَبْتُ أَلْتَمِسُهُ فِي عُنُقِي، فَلَمْ أَجِدْهُ، وَقَدْ أَخَذَ النّاسُ فِي الرّحِيلِ، فَرَجَعْت إلَى مَكَانِي الّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ، فَالْتَمَسْته حَتّى وَجَدْته، وَجَاءَ الْقَوْمُ خِلَافِي، الّذِينَ كَانُوا يُرَحّلُونَ لِي الْبَعِيرَ، وَقَدْ فَرَغُوا مِنْ راحلته، فَأَخَذُوا الْهَوْدَجَ، وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّي فِيهِ، كَمَا كُنْت أَصْنَعُ، فَاحْتَمَلُوهُ، فَشَدّوهُ عَلَى الْبَعِيرِ، وَلَمْ يَشُكّوا أَنّي فِيهِ، ثُمّ أَخَذُوا بِرَأْسِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقُوا بِهِ، فَرَجَعْتُ إلَى الْعَسْكَرِ وَمَا فِيهِ مِنْ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٍ، قَدْ انْطَلَقَ النّاسُ. قَالَتْ: فَتَلَفّفْت بِجِلْبَابِي، ثُمّ اضْطَجَعْتُ فِي مَكَانِي، وَعَرَفْت أَنْ لَوْ قَدْ اُفْتُقِدْت لَرُجِعَ إلَيّ. قَالَتْ: فَوَاَللهِ إنّي لَمُضْطَجِعَةٌ إذْ مَرّ بِي صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطّلِ السّلَمِيّ، وَقَدْ كَانَ تَخَلّفَ عَنْ الْعَسْكَرِ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَلَمْ يَبِتْ مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النّاسِ، فَرَأَى سَوَادِي، فَأَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ عَلَيّ، وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ، فَلَمّا رَآنِي قَالَ: إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، ظَعِينَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وَأَنَا مُتَلَفّفَةٌ فِي ثِيَابِي، قَالَ: مَا خَلّفَك يَرْحَمُك اللهُ؟ قَالَتْ: فَمَا كَلّمَتْهُ، ثُمّ قَرّبَ الْبَعِيرَ، فَقَالَ: ارْكَبِي، وَاسْتَأْخَرَ عَنّي. قَالَتْ: فَرَكِبْتُ، وَأَخَذَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ سَرِيعًا، يَطْلُبُ النّاسَ، فَوَاَللهِ مَا أَدْرَكْنَا النّاسَ، وَمَا افْتَقَدْت حَتّى أَصْبَحْتُ، وَنَزَلَ النّاسُ، فَلَمّا اطْمَأَنّوا طَلَعَ الرّجُلُ يَقُودُ بِي، فَقَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَارْتَعَجَ الْعَسْكَرُ، وَوَاللهِ مَا أَعْلَمُ بشىء من ذلك. ثُمّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَلَمْ أَلْبَثَ أَنْ اشْتَكَيْتُ شكوى شديدة، ولا يبلغنى من ذلك شىء، وقد انتهى الحديث إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَى أَبَوَيّ لَا يَذْكُرُونَ لِي مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، إلّا أَنّي قَدْ أَنْكَرْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض لُطْفِهِ بِي، كُنْت إذَا اشْتَكَيْتُ رَحِمَنِي، وَلَطَفَ بِي، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِي فِي شَكْوَايَ تِلْكَ، فَأَنْكَرْت ذَلِكَ مِنْهُ، كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيّ وَعِنْدِي أُمّي تُمَرّضُنِي- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أُمّ رُومَانَ، وَاسْمُهَا زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ دُهْمَانَ، أَحَدُ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ- قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ، لَا يزيد على ذلك. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَتْ: حَتّى وَجَدْتُ فِي نَفْسِي، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، حِينَ رَأَيْتُ مَا رَأَيْت مِنْ جَفَائِهِ لِي: لَوْ أَذِنْتَ لِي، فَانْتَقَلْت إلَى أُمّي، فَمَرّضْتنِي؟ قَالَ: لَا عَلَيْك. قَالَتْ: فَانْتَقَلْت إلَى أُمّي، وَلَا عِلْمَ لِي بِشَيْءِ مِمّا كَانَ، حَتّى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نَقِهْت مِنْ وَجَعِي بَعْدَ بِضْعٍ وَعَشْرَيْنِ لَيْلَةً، وَكُنّا قَوْمًا عَرَبًا، لَا نَتّخِذُ فِي بُيُوتِنَا هَذِهِ الْكُنُفَ الّتِي تَتّخِذُهَا الْأَعَاجِمُ، نَعَافُهَا وَنَكْرَهُهَا، إنّمَا كُنّا نَذْهَبُ فِي فُسَحِ الْمَدِينَةِ، وَإِنّمَا كَانَتْ النّسَاءُ يَخْرُجْنَ كُلّ لَيْلَةٍ فِي حَوَائِجِهِنّ، فَخَرَجْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَتْ أُمّهَا بِنْتَ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، خَالَةَ أبى بكر الصدّيق رضى عَنْهُ؛ قَالَتْ: فَوَاَللهِ إنّهَا لَتَمْشِي مَعِي إذْ عَثَرْت فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ! وَمِسْطَحٌ لَقَبٌ وَاسْمُهُ: عَوْفٌ؛ قَالَتْ: قُلْت: بِئْسَ لَعَمْرُ اللهِ مَا قُلْت لِرَجُلٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَتْ: أَوْ مَا بَلَغَك الْخَبَرُ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: قُلْت: وَمَا الْخَبَرُ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِاَلّذِي كَانَ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، قَالَتْ: قُلْت: أَوَ قَدْ كَانَ هَذَا؟ قالت: نعم والله فقد كَانَ. قَالَتْ: فَوَاَللهِ مَا قَدَرْت عَلَى أَنْ أَقْضِيَ حَاجَتِي، وَرَجَعْت، فَوَاَللهِ مَا زِلْت أَبْكِي حَتّى ظَنَنْت أَنّ الْبُكَاءَ سَيَصْدَعُ كَبِدِي؛ قَالَتْ: وَقُلْت لِأُمّي: يَغْفِرُ اللهُ لَك، تَحَدّثَ النّاسُ بِمَا تَحَدّثُوا بِهِ، وَلَا تَذْكُرِينَ لِي مِنْ ذلك شيئا! قالت: أى بنيّة، خفّضى عليك الشأن، فوالله لقلّما كَانَتْ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ، عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبّهَا، لَهَا ضرائر، إلّا كثّرن وكثّر الناس عليها. قَالَتْ: وَقَدْ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النّاسِ يَخْطُبُهُمْ وَلَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: أَيّهَا النّاسُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يُؤْذُونَنِي فِي أَهْلِي، وَيَقُولُونَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ الْحَقّ، وَاَللهِ مَا عَلِمْت مِنْهُمْ إلّا خَيْرًا، وَيَقُولُونَ ذَلِكَ لِرَجُلِ وَاَللهِ مَا عَلِمْت مِنْهُ إلّا خَيْرًا، وَمَا يَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إلّا وَهُوَ مَعِي. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَتْ: وَكَانَ كُبْر ذَلِكَ عِنْدِ عَبْدِ اللهِ بن أبىّ بن سَلُولَ فِي رِجَالٍ مِنْ الْخَزْرَجِ مَعَ الّذِي قَالَ مِسْطَحٌ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَذَلِكَ أَنّ أُخْتَهَا زَيْنَبَ بِنْتُ جَحْشٍ كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ نِسَائِهِ امْرَأَةٌ تُنَاصِينِي فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ غَيْرُهَا، فَأَمّا زَيْنَبُ فَعَصَمَهَا اللهُ تَعَالَى بِدِينِهَا فَلَمْ تَقُلْ إلّا خَيْرًا وَأَمّا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَأَشَاعَتْ مِنْ ذَلِكَ مَا أَشَاعَتْ، تُضَادّنِي لأختها، فشقيت بذلك. فَلَمّا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنْ يَكُونُوا مِنْ الْأَوْسِ نَكْفِكَهُمْ، وَإِنْ يَكُونُوا مِنْ إخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ، فَمُرْنَا بِأَمْرِك، فَوَاَللهِ إنّهُمْ لَأَهْلٌ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَرَى رَجُلًا صَالِحًا، فَقَالَ: كَذَبْت لَعَمْرُ اللهِ، لَا نَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ، أَمَا وَاَللهِ مَا قُلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إلّا أَنّك قَدْ عَرَفْت أَنّهُمْ مِنْ الْخَزْرَجِ، وَلَوْ كَانُوا مِنْ قَوْمِك مَا قُلْتَ هَذَا، فَقَالَ أُسَيْدٌ: كَذَبْت لَعَمْرُ اللهِ، وَلَكِنّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ، قَالَتْ: وَتَسَاوَرَ النّاسُ، حَتّى كَادَ يَكُونُ بَيْنَ هذين الحيّين من الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرّ. وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ علىّ. (قَالَتْ) فَدَعَا عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ الله عليه، وأسامة بن زيد فاستشارها، فَأَمّا أُسَامَةُ فَأَثْنَى عَلَيّ خَيْرًا وَقَالَهُ، ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَهْلُك وَلَا نَعْلَمُ مِنْهُمْ إلّا خَيْرًا، وَهَذَا الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ، وَأَمّا عَلِيّ فَإِنّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إنّ النّسَاءَ لَكَثِيرٌ، وَإِنّك لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ تَسْتَخْلِفَ، وَسَلْ الْجَارِيَةَ، فَإِنّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

القرآن وبراءة عائشة

سَتُصْدِقُك. فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَرِيرَةَ لِيَسْأَلَهَا، قَالَتْ: فَقَامَ إلَيْهَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: اُصْدُقِي رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَتْ: فَتَقُولُ: وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ إلّا خَيْرًا، وَمَا كُنْت أَعِيبُ عَلَى عَائِشَةَ شَيْئًا، إلّا أَنّي كُنْت أَعْجِنُ عَجِينِي، فَآمُرُهَا أَنْ تَحْفَظَهُ، فتنام عنه فتأتى الشاة فتأكله. [القرآن وبراءة عَائِشَةَ] قَالَتْ: ثُمّ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَعِنْدِي أَبَوَايَ، وَعِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَنَا أَبْكِي، وَهِيَ تَبْكِي مَعِي، فَجَلَسَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ يَا عَائِشَةُ، إنّهُ قَدْ كَانَ مَا قَدْ بَلَغَك مِنْ قَوْلِ النّاسِ، فَاتّقِي اللهَ، وإن كنت قد قارفت سوآ، مِمّا يَقُولُ النّاسُ فَتُوبِي إلَى اللهِ، فَإِنّ اللهَ يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبَادِه، قَالَتْ: فَوَاَللهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ قَالَ لِي ذَلِكَ، فَقَلَصَ دَمْعِي، حَتّى مَا أُحِسّ مِنْهُ شَيْئًا، وَانْتَظَرْت أَبَوَيّ أَنْ يُجِيبَا عَنَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَتَكَلّمَا. قَالَتْ: وَاَيْمُ اللهِ لَأَنَا كُنْت أَحْقَرَ فِي نَفْسِي، وَأَصْغَرَ شَأْنًا مِنْ أَنْ يُنْزِلَ اللهُ فِيّ قُرْآنًا يُقْرَأُ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَيُصَلّى بِهِ، وَلَكِنّي قَدْ كُنْت أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَوْمِهِ شَيْئًا يُكَذّبُ بِهِ اللهُ عَنّي، لِمَا يَعْلَمُ منى بَرَاءَتِي، أَوْ يُخْبِرُ خَبَرًا، فَأَمّا قُرْآنٌ يَنْزِلُ فِيّ، فَوَاَللهِ لَنَفْسِي كَانَتْ أَحْقَرَ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ. قَالَتْ: فَلَمّا لَمْ أَرَ أَبَوَيّ يَتَكَلّمَانِ، قَالَتْ: قُلْت لَهُمَا: أَلَا تُجِيبَانِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: فَقَالَا: وَاَللهِ مَا نَدْرِي بِمَاذَا نُجِيبُهُ، قَالَتْ: وَوَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ دَخَلَ عَلَيْهِمْ مَا دَخَلَ عَلَى آلِ أَبِي بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فِي تِلْكَ الْأَيّامِ، قَالَتْ: فَلَمّا أَنْ اسْتَعْجَمَا عَلَيّ، اسْتَعْبَرْتُ فَبَكَيْتُ، ثُمّ قُلْت: وَاَللهِ لَا أَتُوبُ إلَى اللهِ مِمّا ذَكَرْت أَبَدًا. وَاَللهِ إنّي لَأَعْلَمُ لَئِنْ أَقْرَرْتُ بِمَا يَقُولُ النّاسُ، وَاَللهُ يَعْلَمُ أَنّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ، لَأَقُولَن مَا لَمْ يَكُنْ، وَلَئِنْ أَنَا أَنْكَرْت مَا يَقُولُونَ لَا تُصَدّقُونَنِي. قَالَتْ: ثُمّ الْتَمَسْت اسْمَ يَعْقُوبَ فَمَا أَذْكُرُهُ، فَقُلْت: وَلَكِنْ سَأَقُولُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ. قَالَتْ: فَوَاَللهِ مَا بَرِحَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَجْلِسَهُ حَتّى تَغَشّاهُ مِنْ اللهِ مَا كَانَ يَتَغَشّاهُ، فَسُجّيَ بِثَوْبِهِ وَوُضِعَتْ لَهُ وِسَادَةُ مِنْ أَدَمٍ تَحْت رَأْسِهِ، فَأَمّا أَنَا حِينَ رَأَيْت مِنْ ذَلِكَ مَا رَأَيْت، فَوَاَللهِ مَا فَزِعْت وَلَا بَالَيْتُ، قَدْ عَرَفْت أَنّي بَرِيئَةٌ، وَأَنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ غَيْرُ ظَالِمِي، وَأَمّا أَبَوَايَ، فَوَاَلّذِي نَفْسُ عَائِشَةَ بِيَدِهِ، مَا سُرّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى ظَنَنْتُ لَتَخْرُجَن أَنَفْسُهُمَا، فَرَقًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ اللهِ تَحْقِيقُ مَا قَالَ النّاسُ، قَالَتْ: ثُمّ سُرّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجلس، وإنه ليتحذّر مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ، وَيَقُولُ: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنَزَلَ اللهُ بَرَاءَتَك، قَالَتْ: قُلْت: بِحَمْدِ اللهِ، ثُمّ خَرَجَ إلَى النّاسِ، فَخَطَبَهُمْ، وَتَلَا عَلَيْهِمْ مَا أَنَزَلَ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ، ثُمّ أَمَرَ بِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ، وَحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، وكانو ممن أفصح بالفاحشة، فضربوا حدّهم. قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي النّجّارِ: أَنّ أَبَا أَيّوبٍ خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ أَيّوبَ: يَا أَبَا أَيّوبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النّاسُ فِي عَائِشَةَ؟ قَالَ: بَلَى، وَذَلِكَ الْكَذِبُ، أَكُنْت يَا أُمّ أَيّوبَ فَاعِلَةٌ؟ قَالَتْ: لَا وَاَللهِ مَا كُنْتُ لأفعله؛ قال: فعائشة والله خير منك. قَالَتْ: فَلَمّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِذِكْرِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْفَاحِشَةِ مَا قَالَ مِنْ أَهْلِ الإفك، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ، لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ، وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ، وَذَلِكَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَصْحَابُهُ الّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: وَذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ وَأَصْحَابُهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاَلّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ عَبْد اللهِ بْنُ أُبَيّ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً: أَيْ فَقَالُوا كَمَا قَالَ أَبُو أَيّوبَ وَصَاحِبَتُهُ، ثُمّ قَالَ: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ. فَلَمّا نَزَلَ هَذَا فِي عَائِشَةَ، وَفِيمَنْ قَالَ لَهَا مَا قَالَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَحَاجَتِهِ: وَاَللهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، وَلَا أَنْفَعُهُ بِنَفْعِ أَبَدًا بَعْدَ الّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، وَأَدْخَلَ عَلَيْنَا، قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِك وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلْيَعْفُوا، وَلْيَصْفَحُوا، أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. [تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: يُقَالُ: كِبْرُهُ وَكُبْرُهُ فِي الرّوَايَةِ، وَأَمّا فِي الْقُرْآنِ فَكِبْرُهُ بِالْكَسْرِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ) وَلَا يَأْلُ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حجر الكندى: أَلَا رُبّ خَصْمٌ فِيك أَلْوَى رَدَدْتُهُ ... نَصِيحٌ عَلَى تَعْذَالِهِ غَيْرُ مُؤْتَلِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قصيدة له، ويقال: (ولا يأتل أولو الْفَضْلِ) : وَلَا يَحْلِفُ أُولُو الْفَضْلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، فِيمَا بَلَغْنَا عنه. وفى كتاب الله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ وَهُوَ مِنْ الْأَلْيَةِ، وَالْأَلْيَةُ: الْيَمِينُ. قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ: آلَيْتُ ما في جميع الناس مجتهدا ... مني ألية بِرّ غَيْرَ إفْنَادِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللهُ فِي مَوْضِعِهَا. فمعنى: أن يؤتوا فى هذا الذهب: أَنْ لَا يُؤْتَوْا، وَفِي كِتَابِ اللهِ عَزّ وَجَلّ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا يُرِيدُ: أَنْ لَا تَضِلّوا، وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ يُرِيدُ أَنْ لَا تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ ابْنُ مُفَرّغٍ الْحِمْيَرِيّ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن المعطل يهم بقتل حسان

لَا ذَعَرْت السّوَامَ فِي وَضَحِ الصّبْحِ ... مُغِيرًا وَلَا دُعِيتُ يَزِيدَا يَوْم أُعْطَى مَخَافَةَ الْمَوْتِ ضيما ... والمنايا يرصدننى أن أحيدا بريد: أَنْ لَا أَحِيدَ، وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاَللهِ، إنّي لَأُحِبّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجّعَ إلَى مِسْطَحٍ نَفَقَتَهُ الّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاَللهِ لَا أَنْزِعُهَا منه أبدا. [ابن المعطل يهمّ بِقَتْلِ حَسّانَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطّلِ اعْتَرَضَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ بِالسّيْفِ، حِينَ بَلَغَهُ مَا كَانَ يَقُولُ فِيهِ، وَقَدْ كَانَ حَسّانُ قَالَ شِعْرًا مَعَ ذَلِكَ يُعَرّضُ بِابْنِ الْمُعَطّلِ فِيهِ وَبِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ العرب من مضر، فقال: أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ عَزّوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وَابْنُ الْفُرَيْعَةَ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَدِ قَدْ ثَكِلَتْ أُمّهُ مَنْ كُنْتَ صَاحِبَهُ ... أَوْ كَانَ مُنْتَشِبًا فِي برنن الْأَسَدِ مَا لِقَتِيلِي الّذِي أَغْدُو فَآخُذُهُ ... مِنْ دِيَةٍ فِيهِ يُعْطَاهَا وَلَا قَوَدِ مَا الْبَحْرُ حِينَ تَهُبّ الرّيحُ شَامِيّةً ... فَيَغْطَئِلُ وَيَرْمِي الْعِبْرَ بِالزّبَدِ يَوْمًا بِأَغْلَبَ مِنّي حِينَ تُبْصِرُنِي ... مِلْغَيِظٍ أَفْرِي كَفَرْيِ الْعَارِضِ الْبَرِدِ أُمّا قُرَيْشٌ فَإِنّي لن أسالمهم ... حتى ينيبوا من الغيّات الرّشد وَيَتْرُكُوا اللّاتَ وَالْعُزّى بِمَعْزِلَةٍ ... وَيَسْجُدُوا كُلّهُمْ لِلْوَاحِدِ الصّمد ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَيَشْهَدُوا أَنّ مَا قَالَ الرّسُولُ لَهُمْ ... حَقّ وَيُوفُوا بِعَهْدِ اللهِ وَالْوُكُدِ فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطّلِ، فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ، ثُمّ قَالَ: كَمَا حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ: تَلَقّ ذُبَابُ السّيْفِ عَنّي فإنى ... غلام إذا هو جيت لَسْتُ بِشَاعِرٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ: أَنّ ثَابِتَ ابن قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ وَثَبَ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطّلِ، حِينَ ضَرَبَ حَسّانَ، فَجَمَعَ يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلِ، ثُمّ انْطَلَقَ بِهِ إلَى دَارِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: أَمَا أَعْجَبَك ضَرْبُ حَسّانَ بِالسّيْفِ وَاَللهِ مَا أَرَاهُ إلّا قَدْ قَتَلَهُ، قَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: هَلْ عَلِمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِشَيْءِ مِمّا صَنَعْت؟ قَالَ: لَا وَاَللهِ، قَالَ: لَقَدْ اجْتَرَأْت، أَطْلِقْ الرّجُلَ، فَأَطْلَقَهُ، ثُمّ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَدَعَا حَسّانَ وَصَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطّلِ، فَقَالَ ابْنُ الْمُعَطّلِ: يَا رَسُولَ اللهِ: آذَانِي وَهَجَانِي، فَاحْتَمَلَنِي الْغَضَبُ، فَضَرَبْته، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسّانَ: أَحْسِنْ يَا حَسّانُ، أَتَشَوّهْتَ عَلَى قَوْمِي أَنْ هَدَاهُمْ اللهُ لِلْإِسْلَامِ، ثُمّ قَالَ: أَحْسِنْ يَا حَسّانُ فِي الّذِي أَصَابَك، قَالَ: هِيَ لك يا رسول الله. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَبَعْدَ أَنْ هُدَاكُمْ اللهُ لِلْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْطَاهُ عِوَضًا مِنْهَا بَيْرُحَاءَ، وَهِيَ قَصْرُ بَنِي حُدَيْلَةَ الْيَوْمَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مَالًا لِأَبِي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ تَصَدّقَ بِهَا عَلَى آلِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَسّانَ فِي ضَرْبَتِهِ، وَأَعْطَاهُ سِيرِينَ، أَمَةً قبطيّة، فولدت له عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ حَسّانَ، قَالَتْ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: لَقَدْ سُئِلَ عَنْ ابْنِ الْمُعَطّلِ، فَوَجَدُوهُ رَجُلًا حَصُورًا، مَا يَأْتِي النّسَاءَ، ثُمّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِيدًا. قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَعْتَذِرُ مِنْ الّذِي كَانَ قَالَ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تزنّ بريبة ... وتصبح غرنى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ عَقِيلَةُ حَيّ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامِ الْمَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ مُهَذّبَةٌ قَدْ طَيّبَ اللهُ خِيمَهَا ... وَطَهّرَهَا مِنْ كُلّ سُوءٍ وَبَاطِلِ فَإِنْ كُنْتُ قَدْ قُلْت الّذِي قَدْ زَعَمْتُمْ ... فَلَا رَفَعَتْ سَوْطِي إلَيّ أَنَامِلِي وَكَيْفَ وَوُدّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي ... لِآلِ رَسُولِ اللهِ زَيْنُ الْمَحَافِلِ لَهُ رَتَبٌ عَالٍ عَلَى النّاسِ كُلّهِمْ ... تَقَاصَرَ عَنْهُ سَوْرَةُ الْمُتَطَاوِلِ فَإِنّ الّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِطٍ ... وَلَكِنّهُ قول امرىء بى ماحل قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ: «عَقِيلَةُ حَيّ» وَاَلّذِي بَعْدَهُ، وَبَيْتُهُ: «لَهُ رَتَبٌ عَالٍ» عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ امْرَأَةً مَدَحَتْ بِنْتَ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر فى هجاء حسان ومسطح

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنّ بِرِيبَةِ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَكِنْ أَبُوهَا. [شِعْرٌ فِي هِجَاءِ حَسّانَ وَمِسْطَحٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَرْبِ حَسّانَ وَأَصْحَابِهِ فِي فِرْيَتِهِمْ عَلَى عَائِشَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فِي ضَرْبِ حَسّانَ وَصَاحِبَيْهِ: لَقَدْ ذَاقَ حَسّانُ الّذِي كَانَ أَهْلَهُ ... وَحَمْنَةُ إذْ قَالُوا هَجِيرًا وَمِسْطَحُ تَعَاطَوْا بِرَجْمِ الْغَيْبِ زَوْجَ نَبِيّهِمْ ... وَسَخْطَةَ ذِي الْعَرْشِ الْكَرِيمِ فَأُتْرِحُوا وَآذَوْا رَسُولَ اللهِ فِيهَا فَجُلّلُوا ... مَخَازِيَ تَبْقَى عُمّمُوهَا وَفُضّحُوا وَصُبّتْ عَلَيْهِمْ مُحْصَدَاتٌ كَأَنّهَا ... شَآبِيبُ قَطْرٍ من ذر المزن تسفح ـــــــــــــــــــــــــــــ غَزْوَةُ ذِي قَرَد وَيُقَالُ فِيهِ: قُرُدٌ بِضَمّتَيْنِ هَكَذَا أَلْفَيْته مُقَيّدًا عَنْ أَبِي عَلِيّ، وَالْقَرَدُ فِي اللّغَةِ الصّوفُ الرّدِيءُ، يُقَالُ فِي مِثْلِ: عَثَرْت عَلَى الْغَزْلِ بِأُخْرَةٍ فَلَمْ تَدَعْ بِنَجْدِ قَرَدَةً «1» . أَسْمَاءُ أَفْرَاسِ الْمُسْلِمِينَ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ أَسْمَاءَ خَيْلِ جَمَاعَةٍ مِمّنْ حضرها،

_ (1) مثل لمن ترك الحاجة ممكنة، وطلبها فائتة، وأصله أن تترك المرأة الغزل، وهى تجد ما تغزله، حتى إذا فاتها تتبعت القرد فى القمامات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَذَكَرَ بَعْزَجَةَ فَرَسَ الْمِقْدَادِ، وَالْبَعْزَجَةُ: شِدّةُ جَرْيٍ فِي مُغَالَبَةٍ كَأَنّهُ مَنْحُوتٌ مِنْ بَعَجَ إذَا شَقّ، وَعَزّ، أَيْ: غَلَبَ. وَأَمّا سُبْحَةُ فَمِنْ سَبَحَ إذَا عَلَا عُلُوّا فِي اتّسَاعٍ، وَمِنْهُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَسُبُحَاتُ اللهِ: عَظَمَتُهُ وَعُلُوّهُ، لِأَنّ النّاظِرَ الْمُفَكّرَ فِي [اللهِ] سُبْحَانَهُ يَسْبَحُ فِي بَحْرٍ لَا سَاحِلَ لَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ حَقَائِقَ وَدَقَائِقَ أَسْرَارٍ فِي شَرْحِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ. وَأَمّا حَزْوَةُ، فَمِنْ حَزَوْت الطّيْرَ إذَا زَجَرْتهَا، أَوْ مِنْ حَزَوْت الشّيْءَ إذَا أَظْهَرْته. قَالَ الشّاعِرُ: تَرَى الْأَمْعَزَ الْمَحْزُوّ فِيهِ كَأَنّهُ ... مِنْ الْحَرّ وَاسْتِقْبَالِهِ الشّمْسَ مَسْطَحُ «1» وَجُلْوَةُ مِنْ جَلَوْت السّيْفَ، وَجَلَوْت الْعَرُوسَ، كأنها تجلو الغمّ عَنْ قَلْبِ صَاحِبِهَا. وَمَسْنُونٌ مِنْ سَنَنْت الْحَدِيدَةَ إذَا صَقَلْتهَا. سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ: وَذَكَرَ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ، وَاسْمُ الْأَكْوَعِ: سِنَانٌ، وَخَبَرُ سَلَمَةَ فِي ذَلِك الْيَوْمِ أَطْوَلُ مِمّا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَأَعْجَبُ، فَإِنّهُ اسْتَلَبَ وَحْدَهُ فِي ذَلِك الْيَوْمِ مِنْ الْعَدُوّ وَهُوَ رَاجِلٌ قَبْلَ أَنْ تَلْحَقَ بَهْ الْخَيْلُ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً وَثَلَاثِينَ دَرَقَةً، وَقَتَلَ مِنْهُمْ بِالنّبْلِ كَثِيرًا، فَكُلّمَا هَرَبُوا أَدْرَكَهُمْ، وكلما

_ (1) المسطح: حصير يسف من خوص الدوم، والبيت لتميم بن مقبل وروايته فى اللسان هكذا: إذا الأمعز المحزو أجن كأنه ... من الحر فى حد الظهيرة مسطح والأمعز: أرض صلبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ راموه أنلت مِنْهُمْ، وَشُهْرَةُ حَدِيثِهِ تُغْنِي عَنْ سَرْدِهِ، فَإِنّهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ «1» ، وَقِيلَ إنّ سَلَمَةَ هَذَا هُوَ الّذِي كَلّمَهُ الذّئْبُ، وَقِيلَ: إنّ الّذِي كَلّمَهُ الذّئْبُ هُوَ أُهْبَانُ بْنُ صَيْفِيّ «2» وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ. شَرْحُ الْيَوْمَ يَوْمُ الرّضّعِ: وَقَوْلُهُ: الْيَوْمَ يَوْمُ الرّضّعِ، يُرِيدُ يَوْمَ اللّئَامِ، أَيْ يَوْمُ جُبْنِهِمْ، وَفِي قَوْلِهِمْ: لَئِيمٌ رَاضِعٌ أَقْوَالٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيّ. قِيلَ: الرّاضِعُ هُوَ الّذِي رَضَعَ اللّؤْمَ فِي ثَدْيَيْ أُمّهِ أَيْ: غدى بِهِ، وَقِيلَ هُوَ الّذِي يَرْضِعُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ يَسْتَكْثِرُ مِنْ الْجَشَعِ بِذَلِك. وَشَاهِدُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ امْرَأَةٍ مِنْ الْعَرَبِ تَذُمّ رَجُلًا: إنّهُ لَأُكُلَةٌ ثُكُلَةٌ يَأْكُلُ مِنْ جَشَعِهِ خِلَلَهُ، أَيْ: مَا يَتَخَلّلُ بَيْنَ أَسْنَانِهِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَلَمْ أَسْمَعْ فِي الْجَشَعِ، وَالْحِرْصِ أَبْلَغَ مِنْ هَذَا، وَمِنْ قَوْلِهِمْ: هُوَ يُثِيرُ الْكِلَابَ من مربضها، أَيْ يَلْتَمِسُ تَحْتَهَا عَظْمًا يَتَعَرّقُهُ، وَقِيلَ فِي اللّئِيمِ الرّاضِعِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِمّا هُوَ معروف عند الناس ومذكور فى كتبهم.

_ (1) ورد فى حديث رواه البخارى ومسلم «فحملت أرميهم بنبلى، وكنت راميا، وأقول: أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع وأرتجز حتى استنقذت اللقاح منهم، واستلبت ثلاثين بردة» وللقاح الإبل الحوامل ذرات الألبان، وقد رواه الإمام أحمد. مطر لا وفيه: ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون منها» وسلمة هو ابن عمرو بن الأكوع وهو ممن بايع الرسول تحت الشجرة على الموت، مات وسنه أربع وسبعون سنة. (2) وقيل اسمه: أهبهان، أو. وهبان. ولقد علم سليمان النبى منطق الطير، فهل علم احد غيره منطق السبع والوحش؟.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: الْيَوْمَ يَوْمُ الرّضّعِ بِالرّفْعِ فِيهِمَا، وَبِنَصْبِ الْأَوّلِ، وَرَفْعِ الثّانِي، حَكَى سِيبَوَيْهِ: الْيَوْمَ يَوْمُك، عَلَى أَنْ تَجْعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا فِي مَوْضِعِ خَبَرٍ لِلثّانِي، لِأَنّ ظُرُوفَ الزّمَانِ يُخْبَرُ بِهَا عَنْ زَمَانٍ مِثْلِهَا إذَا كَانَ الظّرْفُ يَتّسِعُ، وَلَا يَضِيقُ عَلَى الثّانِي، مِثْلُ أَنْ تَقُولَ: السّاعَةَ يَوْمُك، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ الْمُدّثّرُ 90 أَنّ يَوْمَئِذٍ ظَرْفٌ لِيَوْمٌ عَسِيرٌ، وَذَلِك أَنّ ظُرُوفَ الزّمَانِ أَحْدَاثٌ، وَلَيْسَتْ بِجُثَثِ فَلَا يَمْتَنِعُ فِيهَا مِثْلُ هَذَا، كَمَا لَا يَمْتَنِعُ فِي سَائِرِ الْأَحْدَاثِ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِلْغِفَارِيّةِ، وَاسْمُهَا لَيْلَى، وَيُقَالُ هِيَ امْرَأَةُ أَبِي ذَرّ حِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنّهَا نَذَرَتْ إنْ اللهُ نَجّاهَا، عَلَيْهَا أَنْ تَنْحَرَهَا، قَالَ: فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمّ قَالَ: بِئْسَ مَا جَزَيْتهَا أَنْ حَمَلَك اللهُ عَلَيْهَا وَنَحّاك بِهَا، ثُمّ تَنْحَرِينَهَا إنّهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِي مَا لَا تَمْلِكِينَ، فِيهِ حُجّةٌ لِلشّافِعِيّ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ: إنّ مَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوّ مِنْ مَالٍ إنّهُ لَهُمْ بِلَا ثَمَنٍ قَبْلَ الْقَسْمِ وَبَعْدَهُ، لِأَنّهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِ حَوْزُ الْعَدُوّ لَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ أَوْلَى بِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ وَصَاحِبُهُ بَعْدَ الْقَسْمِ أَوْلَى بِهِ بِالثّمَنِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ آخَرَانِ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ. حَوْلَ النّذْرِ وَالطّلَاقِ وَالْعِتْقِ: وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنّهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا لَا تَمْلِكِينَ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا نَذْرَ لِأَحَدِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لِأَحَدِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِأَحَدِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، حَدِيثٌ مَرْوِيّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنّهُ لَمْ يُخَرّجْ فِي الصّحِيحَيْنِ لِعِلَلِ فِي أَسَانِيدِهِ، وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا طَلَاقَ قَبْلَ الْمِلْكِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصّحَابَةِ وَفُقَهَاءِ التّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَسَوَاءٌ عِنْدَهُمْ عَيّنَ امْرَأَةً، أَوْ لَمْ يُعَيّنْ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَاحْتَجّ ابْنُ عَبّاسٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ الْأَحْزَابُ: 49 قَالَ: فَإِذًا لَا طَلَاقَ إلّا بَعْدَ نِكَاحٍ، وَقَالَ شَرِيكٌ الْقَاضِي: النّكَاحُ عَقْدٌ وَالطّلَاقُ حَلّ، فَلَا يَكُونُ الْحَلّ إلّا بَعْدَ الْعَقْدِ. مِنْ شَرْحِ شِعْرِ حَسّانَ أَعْضَاءَ الْخَيْلِ: وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ: لَوْلَا الّذِي لَاقَتْ وَمَسّ نُسُورَهَا يَعْنِي: الْخَيْلَ، وَالنّسْرَ كَالنّوَاةِ فِي بَاطِنِ الْحَافِرِ، وَفِي الْفَرَسِ عِشْرُونَ عُضْوًا، كُلّ عُضْوٍ مِنْهَا يُسَمّى بِاسْمِ طَائِرٍ، فَمِنْهَا النّسْرُ وَالنّعَامَةُ وَالْهَامَةُ وَالسّمَامَةُ وَالسّعْدَانَةُ وَهِيَ الْحَمَامَةُ وَالْقَطَاةُ الذّبَاب وَالْعُصْفُورُ وَالْغُرَابُ وَالصّرَدُ وَالصّقْرُ وَالْخَرَبُ وَالنّاهِضُ، وَهُوَ فَرْخُ «1» الْعُقَابِ وَالْخُطّابِ، ذَكَرَهَا وَبَقِيّتَهَا الْأَصْمَعِيّ» ، وَرَوَى فِيهَا شِعْرًا لِأَبِي حَزْرَةَ جَرِيرٍ، وَهُوَ:

_ (1) فى الأصل: فرج. (2) أنظر ص 193 من ذيل الأمالى والنوادر للقالى ط 2 فثم أكثر مما ذكر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَقَبّ كَالسّرْحَانِ تَمّ لَهُ ... مَا بَيْنَ هَامَتِهِ إلَى النّسْرِ رَحِبَتْ نَعَامَتُهُ وَوُفّرَ فَرْخُهُ ... وَتَمَكّنَ الصّرْدَانُ فِي النّحْرِ وَأَنَافَ بِالْعُصْفُورِ فِي سَعَفٍ ... هَامٍ أَشَمّ مُوَثّقُ الْجِذْرِ وَازْدَانَ بِالدّيكَيْنِ صَلْصَلُهُ ... وَنَبَتْ دَجَاجَتُهُ عَنْ الصّدْرِ وَالنّاهِضَانِ أُمِرّ جَلْزُهُمَا ... فَكَأَنّمَا عُثِمَا عَلَى كَسْرِ مُسْحَنْفِرُ الْجَنْبَيْنِ مُلْتَئِمٌ ... مَا بَيْنَ شِيمَتِهِ إلَى الْغُرّ وَصَفَتْ سُمَانَاهُ وَحَافِرُهُ ... وَأَدِيمُهُ وَمَنَابِتُ الشّعْرِ «1» وَسَمَا الْغُرَابُ لِمَوْقِعَيْهِ مَعًا ... فَأَبَيْنَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَاكْتَنّ دُونَ قَبِيحِهِ خُطّافُهُ ... وَنَأْتِ سَمَامَتُهُ «2» عَلَى الصّقْرِ وَتَقَدّمَتْ عَنْهُ الْقَطَاةُ لَهُ ... فَنَأْتِ بِمَوْقِعِهَا عَنْ الْحُرّ «3» وَسَمَا عَلَى نِقْوَيْهِ دُونَ حِدَاتِهِ ... خَرَبَانُ بَيْنَهُمَا مَدَى الشّبْرِ يَدَعُ الرّضِيمَ إذَا جَرَى فِلَقًا ... بتوائم كمواسم سمر

_ - السهيلى. ويذكرون أن الرشيد قال للأصمعى: قيل إن فى الفرس عشرين اسما من أسماء الطير، فقال: نعم، وأنشده شعرا جامعا لها من قول جرير، فأمر له بعشرة آلاف درهم. (1) فى الأصل. وأديمة والشفر. (2) فى الأصل: سمانته. (3) فى الأصل: فبانت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رُكّبْنَ فِي مَحْضِ الشّوَى سَبِطٍ ... كَفْتِ الْوُثُوبِ مُشَدّدِ الْأَسْرِ «1» بَدَادٌ وَفِجَارٌ: وَقَوْلُهُ: فَشَكّوا بِالرّمَاحِ بَدَادِ. بَدَادُ مِنْ التّبَدّدِ، وَهُوَ التّفَرّقُ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ غَيْرَ أَنّهُ مَبْنِيّ وَنَصْبُهُ كَانْتِصَابِ الْمَصْدَرِ، إذَا قُلْت: مَشَيْت الْقَهْقَرَى، وَقَعَدْت الْقُرْفُصَاءَ، وَكَأَنّهُ قَالَ: طَعَنُوا الطّعْنَةُ الّتِي يُقَالُ لَهَا بَدَادِ، وَبَدَادُ مِثْلُ فَجَارِ مِنْ قَوْلِهِ: احْتَمَلْت فَجَارِ «2» جَعَلُوهُ اسْمًا عَلَمًا لِلْمَصْدَرِ، كَمَا قَالُوا: فَحَمَلْت بَرّةَ، فَجُعِلَ بَرّةُ عَلَمًا لِلْبِرّ، وَسِرّ هَذِهِ الْعَلَمِيّةِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ أَنّهُمْ أَرَادُوا الْفِعْلَ الْأَتَمّ الّذِي يُسَمّى بِاسْمِ ذَلِكَ الْفِعْلِ حَقِيقَةً، فَقَدْ يَقُولُ الْإِنْسَانُ بَرّ فُلَانٌ وَفَجَرَ أَيْ قَارَبَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِك، أَوْ فَعَلَ مِنْهُ بَعْضَهُ، فَإِذَا قَالَ: فَعَلْت بَرّةَ، فَإِنّمَا يُرِيدُ الْبِرّ الّذِي يُسَمّى بِرّا عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَجَاءَ بِالِاسْمِ الْعَلَمِ الّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مُسَمّاهُ حَقِيقَةً، إذْ لَا يُتَصَوّرُ هَذَا الضّرْبُ مِنْ الْمَجَازِ فِي الْأَعْلَامِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ الْفُجُورَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَأَرَادَ رَفْعَ الْمَجَازِ سَمّاهُ، فَجَازَ تَحْقِيقًا لِلْمَعْنَى، أَيْ: مِثْلَ هَذِهِ الْفَعْلَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُسَمّى بِاسْمِ الْفُجُورِ حَقِيقَةً، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي النّدَاءِ: يَا فَسَاقِ وَيَا فسق فجاؤا بِالصّيغَةِ الْمَعْرُوفَةِ الْعَلَمِيّةِ الْمَعْرُوفَةِ مَعَ النّدَاءِ خَاصّةً، أَيْ: إنّ هَذَا الِاسْمَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ

_ (1) انظر القصيدة وشرحها وقصة الأصمعى مع الرشيد فى نهاية الأرب ص 23 لسفر العاشر وانظر أيضا العقد الفريد لابن عبد ربه ح 1 ص 61 ط بولاق وص 91 ح 3 سمط اللآلى للبكرى. (2) يعنى قول النابغة: إنا اقتسمنا خطئينا بيننا ... فحملت برة، واحتملت فجار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اسْمَهُ الّذِي يُدْعَى بِهِ، إذْ الِاسْمُ الْعَلَمُ أَلْزَمُ لِمُسَمّاهُ مِنْ اسْمٍ مُشْتَقّ مِنْ فِعْلٍ فَعَلَهُ، لِأَنّ الْفِعْلَ لَا يَثْبُتُ، وَالِاسْمَ الْعَلَمَ يَثْبُتُ، فَهَذَا هُوَ مَعْزَاهُمْ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الّتِي هِيَ عَلَى صِيَغِ الْأَعْلَامِ فِي هَذِهِ المواطن، فتأملها، وقد بسطنا هذا الْغُرُضَ بَسْطًا شَافِيًا فِي أَسْرَارِ مَا يَنْصَرِفُ، وَمَا لَا يَنْصَرِفُ، فَلْتُنْظَرْ هُنَالِكَ، فَثَمّ تَرَى سِرّ بِنَائِهَا عَلَى الْكَسْرِ مَعَ مَا يَتّصِلُ بِمَعَانِيهَا إنْ شَاءَ اللهُ، وَأَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ رَحِمَهُ اللهُ عَلَى قَوْلِهِ: فَشُكّوا بِالرّمَاحِ فَشُلّوا «1» بِاللّامِ الرّوَايَةُ الصّحِيحَةُ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى، وَوَقَعَ فِي الْأَصْلَيْنِ: فَشُكّوا بِالْكَافِ كَمَا فِي هَذَا الْأَصْلِ. إلَى هَاهُنَا انْتَهَى كَلَامُ الشّيْخِ، وَالشّلّ بِاللّامِ: الطّرْدُ، وَالشّكّ بِالْكَافِ: الطّعْنُ كَمَا قَالَ: شَكّ الْفَرِيصَةَ بِالْمِدْرَى فَأَنْفَذَهَا «2» ... [شَكّ الْمُبَيْطَرِ إذْ يَشْفِي مِنْ الْعَضَدِ] عَوْدٌ إلَى شَرْحِ شِعْرِ حَسّانَ: وَقَوْلُهُ: رَهْوًا أَيْ: مَشْيًا بِسُكُونِ، وَيُقَالُ لِمُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ أَيْضًا رَهْوٌ وَالرّهْوُ أَسْمَاءُ الْكُرْكِيّ، والرّهو المرآة الواسعة.

_ (1) أنظر مادة بدد وفجر وفسق فى للسان. وشلوا هى رواية للسان. وضبط لجبا بضم اللام والجيم. (2) البيت للنابغة وتمامه: شك المبيطر إذ يشفى من العضد. والمدرى والمدراة شىء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المنط والفريصة: لحمة عن نفض الكف فى وسط الحنب عند منبض القلب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: رَوَادِي، أَيْ تَرْدِي بِفُرْسَانِهَا، أَيْ: تُسْرِعُ «1» . قَصِيدَةٌ أُخْرَى لِحَسّانَ: وَقَوْلُ حَسّانَ فِي خَيْلِ عيينة: فولّوا سراعا كشدّ النّعا ... م لم يَكْشِفُوا عَنْ مُلِطّ حَصِيرَا أَيْ: لَمْ يَغْنَمُوا بَعِيرًا، وَلَا كَشَفُوا عَنْهُ حَصِيرًا، يَعْنِي: بِالْحَصِيرِ مَا يُكَنّفُ بِهِ حَوْلَ الْإِبِلِ مِنْ عِيدَانِ الْحَظِيرَةِ، وَالْمُلِطّ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَطّتْ النّاقَةُ، وَأَلَطّتْ بِذَنَبِهَا إذَا أَدْخَلَتْهُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا «2» . غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ بَنُو جُذَيْمَةَ بْنِ كَعْبٍ مِنْ خُزَاعَةَ، فَجُذَيْمَةُ هُوَ الْمُصْطَلِقُ وَهُوَ مُفْتَعِلٌ مِنْ الصّلْقِ، وَهُوَ رَفْعُ الصّوْتِ «3» . وَذَكَرَ الْمُرَيْسِيعَ، وَهُوَ مَاءٌ لِخُزَاعَةَ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَسَعَتْ عَيْنُ الرجل: إذا دمعت من فساد.

_ (1) يقول الخشنى: ومن رواه بكسر الراء. فهو من المشى الرويد، وهو الذى فيه فتور ص 331. (2) يقول أبو ذر: الملط بالطاء المهملة اللاصق بالأرض هنا. والحصير: وجه الأرض هنا ص 332. (3) يقول ابن دريد فى الاشتقاق «سمى المصطلق لحسن صوته كأنه مفتعل من الصلق، والصلق شدة الصوت وحدته» ص 476 وقد ضبط الزرقانى جذيمة بضم الجيم وفتح الذال. والقاموس يضبطها بالضبطين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ سِنَانَ بْنَ وَبْرَةَ «1» وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ سِنَانُ بْنُ تَمِيمٍ مِنْ جُهَيْنَةَ بْنِ سَوْدِ بْنِ أَسْلَمَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ. تَحْرِيمُ دَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ: وَذَكَرَ أَنّهُ نَادَى: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَنَادَى جَهْجَاهٌ الغفارىّ يا للماجرين، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَهُمَا، وَفِي الصّحِيحِ «2» أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ سَمِعَهُمَا مِنْهُمَا، قَالَ: دَعُوهَا فَإِنّهَا مُنْتِنَةٌ، يَعْنِي: إنّهَا كَلِمَةٌ خَبِيثَةٌ، لِأَنّهَا مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ، وَجَعَلَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ إخْوَةً وَحِزْبًا وَاحِدًا، فَإِنّمَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الدّعْوَةُ يَا لَلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ دَعَا فِي الْإِسْلَامِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ فَيَتَوَجّهُ لِلْفُقَهَاءِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُجْلَدَ مَنْ اسْتَجَابَ لَهَا بِالسّلَاحِ خَمْسِينَ سَوْطًا اقْتِدَاءً بِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي جَلْدِهِ النّابِغَةَ الْجَعْدِيّ خَمْسِينَ سَوْطًا، حِينَ سَمِعَ: يَا لَعَامِرٍ، فَأَقْبَلَ يَشْتَدّ بِعُصْبَةِ لَهُ. وَالْقَوْلُ الثّانِي: أَنّ فِيهَا الْجَلْدَ دُونَ الْعَشْرَةِ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنْ يُجْلَدَ أَحَدٌ فَوْقَ الْعَشْرَةِ إلّا فِي حَدّ، وَالْقَوْلُ الثّالِثُ: اجْتِهَادُ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ مِنْ سَدّ الذّرِيعَةِ وَإِغْلَاقِ بَابِ الشّرّ، إمّا بِالْوَعِيدِ، وَإِمّا بِالسّجْنِ، وَإِمّا بِالْجَلْدِ. فَإِنْ قِيلَ: إنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَاقِبْ الرّجُلَيْنِ حِينَ دَعَوْا بِهَا قُلْنَا: قَدْ قَالَ: دَعُوهَا فَإِنّهَا مُنْتِنَةٌ، فَقَدْ أَكّدَ النّهْيَ، فَمَنْ عَادَ إلَيْهَا بَعْدَ هَذَا النّهْيِ، وَبَعْدَ وَصْفِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا بِالْإِنْتَانِ وَجَبَ أن يؤدّب،

_ (1) فى السيرة: وبر. (2) هو فى صحيح البخارى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَتّى يَشُمّ نَتْنَهَا، كَمَا فَعَلَ أَبُو مُوسَى رَحِمَهُ اللهُ بِالْجَعْدِيّ، فَلَا مَعْنَى لِنَتْنِهَا إلّا سُوءُ الْعَاقِبَةِ فِيهَا وَالْعُقُوبَةُ عَلَيْهَا. جَهْجَاهٌ: وَأَمّا جَهْجَاهٌ فَهُوَ ابْنُ مَسْعُودِ «1» بْنِ سَعْدِ بْنِ حَرَامٍ، وَهُوَ الّذِي رَوَى عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَهُوَ كَانَ صَاحِبَ هَذِهِ الْقِصّةِ فِيمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَزّارُ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا: إنّ الرّجُلَ الّذِي قَالَ فِيهِ عَلَيْهِ السّلَامُ هَذِهِ المقالة، هو نمامة بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ، ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ أَبُو بَصْرَةَ [جَمِيلُ بْن بَصْرَةَ] الْغِفَارِيّ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَمَاتَ جَهْجَاهٌ هَذَا بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللهُ، أَخَذَتْهُ الْأَكِلَةُ فِي رُكْبَتِهِ فَمَاتَ مِنْهَا، وَكَانَ قَدْ كَسَرَ بِرُكْبَتِهِ عَصَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الّتِي كَانَ يَخْطُبُ بِهَا، وَذَلِكَ أَنّهُ انْتَزَعَهَا مِنْ عُثْمَانَ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَمُنِعَ مِنْ الصّلَاةِ فِيهِ، فَكَانَ هُوَ أَحَدَ الْمُعِينِينَ عَلَيْهِ، حَتّى كَسَرَ الْعَصَا عَلَى رُكْبَتِهِ، فِيمَا ذَكَرُوا، فَابْتُلِيَ بِمَا اُبْتُلِيَ بِهِ مِنْ الْأَكِلَةِ، نَعُوذُ بِاَللهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَنَسْتَجِيرُ بِهِ مِنْ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلّةِ «2» . مَوْقِفُ عَبْدِ اللهِ الصّحَابِيّ مِنْ أَبِيهِ الْمُنَافِقِ وَدِلَالَتُهُ: وَذَكَرَ مَقَالَةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ، وَأَنّ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ بن عبد الله استأذن

_ (1) فى الإصابة: ابن سعيد، وقيل: ابن قيس. (2) أنظر ترجمته فى الإصابة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ أَبِيهِ مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الْمَقَالَةِ، وَفِي هَذَا الْعِلْمُ الْعَظِيمُ وَالْبُرْهَانُ النّيّرُ مِنْ أَعْلَامِ النّبُوّةِ، فَإِنّ الْعَرَبَ كَانَتْ أَشَدّ خَلْقِ اللهِ حَمِيّةً وَتَعَصّبًا، فَبَلَغَ الْإِيمَانُ مِنْهُمْ وَنُورُ الْيَقِينِ مِنْ قُلُوبِهِمْ إلَى أَنْ يَرْغَبَ الرّجُلُ مِنْهُمْ فِي قَتْلِ أَبِيهِ وَوَلَدِهِ، تَقَرّبًا إلَى اللهِ، وَتَزَلّفًا إلَى رَسُولِهِ، مَعَ أَنّ الرّسُولَ- عَلَيْهِ السّلَامُ- أَبْعَدُ النّاسِ نَسَبًا مِنْهُمْ، وَمَا تَأَخّرَ إسْلَامُ قَوْمِهِ وَبَنِيّ عَمّهِ وَسَبَقَ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ الْأَبَاعِدُ إلّا لِحِكْمَةِ عَظِيمَةٍ، إذْ لَوْ بَادَرَ أَهْلُهُ وَأَقْرَبُوهُ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ، لَقِيلَ: قَوْمٌ أَرَادُوا الْفَخْرَ بِرَجُلِ مِنْهُمْ، وَتَعَصّبُوا لَهُ، فَلَمّا بَادَرَ إلَيْهِ الْأَبَاعِدُ، وَقَاتَلُوا عَلَى حُبّهِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، عُلِمَ أَنّ ذلك عن يصيرة صَادِقَةٍ وَيَقِينٍ قَدْ تَغَلْغَلَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَرَهْبَةٍ مِنْ اللهِ أَزَالَتْ صِفَةً، قَدْ كَانَتْ سَدِكَتْ «1» فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيّةِ لَا يَسْتَطِيعُ إزَالَتُهَا إلّا الّذِي فَطَرَ الْفِطْرَةَ الْأُولَى، وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَأَمّا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَكَانَ مِنْ كُتّابِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ اسْمُهُ حُبَابٌ، وَبِهِ كَانَ يُكَنّى أَبُوهُ، فَسَمّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ، مَاتَ شَهِيدًا بِالْيَمَامَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَرَوَى الدّارَقُطْنِيّ مُسْنَدًا أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرّ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمّ وَلّى، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَقَدْ عَنَا ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ، فَسَمِعَهَا ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ، فَاسْتَأْذَنَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَأْتِيَهُ بِرَأْسِ أَبِيهِ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ بِرّ أَبَاك وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بلغته مقالة

_ (1) لزمت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ: مَتَنَ النّاسَ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ، وَيُرْوَى مَشَى، فَأَمّا مَتَنَ، فَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: يُقَالُ: سَارُوا سَيْرًا مُمَاتِنًا، أَيْ: بَعِيدًا. حَوْلَ حَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ «مُلّاحَةٌ وَمَلِيحٌ» : فَصْلٌ: وَذَكَرَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَوُقُوعَهَا فِي السّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، أَوْ لِابْنِ عَمّ لَهُ، ثُمّ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ فِي كِتَابَتِهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَتْ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلّاحَةً. الْمُلّاحُ أَبْلَغُ مِنْ الْمَلِيحِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ الْوَضّاءُ أَبْلَغُ مِنْ الْوَضِيءِ، وَالْكُبّارُ كَذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ الْكَبِيرِ، غَيْرَ أَنّهُ لَا يُوصَفُ الْبَارِي سُبْحَانَهُ بِهَذَا اللّفْظِ، فَيُقَالُ فِيهِ كُبّارٌ بِمَعْنَى كَبِيرٍ، لِأَنّهُ عَلَى بِنْيَةِ الْجَمْعِ، نَحْوَ ضُرّابٍ وَشُهّادٍ، فَكَانَ لَفْظُ الْكَبِيرِ وَنَحْوُهُ أَبْعَدَ مِنْ الِاشْتِرَاكِ، وَأَدَلّ عَلَى الْوَحْدَانِيّةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَأَمّا مَعْنَى: الْمُلّاحَةِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنّهَا مِنْ الْمُلْحَةِ وَهِيَ الْبَيَاضُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: عِنَبٌ مُلّاحِيّ «1» وَالصّحِيحُ فِي مَعْنَى الْمَلِيحِ، أَنّهُ مُسْتَعَارٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: طَعَامٌ مَلِيحٌ إذَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْمِلْحِ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ، وَلِذَلِكَ إذَا بَالَغُوا فِي الْمَدْحِ قَالُوا: مَلِيحٌ قَزِيحٌ، فَمَلِيحٌ مِنْ مَلَحْت الْقِدْرَ، وَقَزِيحٌ مِنْ قَزَحْتهَا إذَا طَيّبْت نَكْهَتَهَا بِالْأَفَاوِيَةِ، وَهِيَ الأقزاح، ويدلك عَلَى بُعْدِ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْبَيَاضِ قَوْلُهُمْ: فِي الْأَسْوَدِ: مَلِيحٌ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ إذَا اشْتَدّ سَوَادُهُمَا وَحُسْنُهُمَا كَمَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي طَه: 29. أَنّهَا

_ (1) وقد تشدد اللام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَلَاحَةٌ فِي الْعَيْنَيْنِ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ: الْحُسْنُ فِي الْعَيْنَيْنِ، وَالْجَمَالُ فِي الْأَنْفِ، وَالْمَلَاحَةُ فِي الْفَمِ. وَقَالَتْ امْرَأَةُ خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ لِبَعْلِهَا: إنّك لَجَمِيلٌ يَا أَبَا صَفْوَانَ، فَقَالَ: وَكَيْفَ وَلَيْسَ عِنْدِي رِدَاءُ الْجَمَالِ وَلَا بُرْنُسُهُ وَلَا عَمُودُهُ؟ ثُمّ قَالَ: عَمُودُهُ الطّولُ، وَأَنَا رَبْعَةٌ، وَبُرْنُسُهُ سَوَادُ الشّعْرِ، وَأَنَا أَشْمَطُ، وَرِدَاؤُهُ الْبَيَاضُ، وَأَنَا آدَمُ، وَلَكِنْ قُولِي: إنّك مَلِيحٌ ظَرِيفٌ. فَعَلّمَهَا أن الملاحة قد تكون من صفة لآدم، فَهِيَ إذًا لَيْسَتْ مِنْ مَعْنَى الْبَيَاضِ فِي شَيْءٍ، وَإِنّمَا هِيَ ضِدّ الْمَسَاسَةِ. غَيْرَةُ نِسَاءِ النبى، وَالنّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ: وَقَوْلُ عَائِشَةَ فِي جُوَيْرِيَةَ: فَوَاَللهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ رَأَيْتهَا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَكَرِهْتهَا. فِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَزْوَاجُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ، وَالْعِلْمِ بِمَوْقِعِ الْجَمَالِ مِنْهُ، كَمَا قَدْ رُوِيَ أَنّهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- أَنّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَرْسَلَ عَائِشَةَ لِتَنْظُرَ إلَيْهَا، فَلَمّا رَجَعَتْ إلَيْهِ قَالَتْ: مَا رَأَيْت طَائِلًا، فَقَالَ: بَلَى لقد رأيت: خالا فى خَدّهَا اقْشَعَرّتْ مِنْهُ كُلّ شَعْرَةٍ فِي جَسَدِك. وَأَمّا نَظَرُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِجُوَيْرِيَةَ حَتّى عَرَفَ مِنْ حُسْنِهَا مَا عَرَفَ، فَإِنّمَا ذَلِكَ لِأَنّهَا كَانَتْ امْرَأَةً مَمْلُوكَةً، وَلَوْ كَانَتْ حُرّةً مَا مَلَأَ عَيْنَهُ مِنْهَا، لِأَنّهُ لَا يُكْرَهُ النّظَرُ إلَى الْإِمَاءِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَظَرَ إلَيْهَا، لِأَنّهُ نَوَى نِكَاحَهَا، كَمَا نَظَرَ إلَى الْمَرْأَةِ الّتِي قَالَتْ لَهُ: إنّي قَدْ وَهَبْت نَفْسِي لَك يَا رَسُولَ اللهِ، فَصَعّدَ فِيهَا النّظَرَ ثُمّ صَوّبَ، ثُمّ أَنْكَحَهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ الرّخْصَةُ فِي النّظَرِ إلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ إرَادَةِ نِكَاحِهَا، وَقَالَ لِلْمُغِيرَةِ حِينَ شَاوَرَهُ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَوْ نَظَرْت إلَيْهَا، فَإِنّ ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا، وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ لِمُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ حِينَ أَرَادَ نِكَاحَ ثُبَيْتَةَ بِنْتَ الضّحّاكِ، وَقَدْ أَجَازَهُ مَالِكٌ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ. وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرَةَ لَا حَرَجَ أَنْ يَنْظُرَ الرّجُلُ إلَى الْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَ تَزَوّجَهَا، وَهِيَ لَا تَشْعُرُ وَفِي تَرَاجِمِ الْبُخَارِيّ: النّظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ التّزْوِيجِ، وَأَوْرَدَ فِي الْبَابِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِعَائِشَة أَرَيْتُك فِي الْمَنَامِ يَجِيءُ بِك الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَكُشِفَتْ عَنْ وَجْهِك، فَقَالَ: هَذِهِ امْرَأَتُك، فَقُلْت: إنْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ اللهِ يَمْضِهِ. وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ حَسَنٌ. وَفِي قَوْلِهِ: إنْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُؤَالٌ، لِأَنّ رُؤْيَاهُ وَحْيٌ، فَكَيْفَ يُشَكّ فِي أَنّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ. وَالْجَوَابُ: أَنّهُ لَمْ يَشُكّ فِي صِحّةِ الرّؤْيَا، وَلَكِنّ الرّؤْيَا قَدْ تَكُونُ عَلَى ظَاهِرِهَا. وَقَدْ تَكُونُ لِمَنْ هُوَ نَظِيرُ الْمَرْءِ أَوْ سَمِيّهُ، فَمِنْ هَاهُنَا تَطَرّقَ الشّكّ مَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهَا، أَوْ لَهَا تَأْوِيلٌ كَذَلِكَ، وَسَمِعْت شَيْخَنَا يَقُولُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَلِغَيْرِهِ فِيهِ قَوْلٌ لَا أَرْضَاهُ، فَلَا يَخْلُو نَظَرُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ إلَيْهَا مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ، وَإِلّا فَقَدْ قَالَ الله تعالى له: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَهُوَ إمَامُ الْمُتّقِينَ وَقُدْوَةُ الورعين «1» صلى الله عليه وسلم.

_ (1) هذا هو الحق، ولا يلتفت أبدا إلى سواه. وللأستاذ العقاد فصل ممتاز عن زواج النبى صلى الله عليه وسلم نختار منه ما يأتى: «لا حجة المسلم على صدق محمد عليه السلام فى رسالته أصدق من سيرته فى زواجه. وفى اختيار زوجاته، وليس النبوة من آية أشرف من آيتها فى معيشة نبى الإسلام من مطلع حياته-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جُوَيْرِيَةُ: وَأَمّا جُوَيْرِيَةُ فَهِيَ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَائِدِ بْنِ مالك ابن جذيمة، وجذيمة هو الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، كَانَ اسْمُهَا بَرّةُ، فَسَمّاهَا

_ - إلى يوم وفاته. ما الذى يفعله الرجل الشهوان الفاسق فى لذات الجسد إذا بلغ من المكانة والسلطان ما بلغه محمد بين قومه؟ لم يكن عسيرا عليه أن يجمع إليه أجمل بنات العرب، وأفتن جوارى الفرس والروم. ولم يكن عسيرا عليه أن يوفر لنفسه، ولأهله من الطعام والكساء والزينة ما لم يتوفر لسيد من سادات الجزيرة فى زمان. فهل فعل محمد «ص» ذلك بعد نجاحه؟ هل فعل محمد ذلك فى مطلع حياته؟ كلا لم يفعله قط، بل فعل نقيضه، وكاد أن يفقد زوجاته لشكايتهن من شظف العيش فى داره. ولم يحدث قط أن اختار زوجة واحدة، لأنها مليحة أو وسيمة، ولم يبن بعذراء قط إلا العذراء التى علم قومه جميعا أنه اختارها، لأنها بنت صديقه وصفيه، وخليفته من بعده أبى بكر الصديق رضى الله عنه ... وما بنى- عليه السلام- بواحدة من أمهات المسلمين، لما وصفت به عنده من جمال ونضارة، وإنما كانت صلة الرحم، والضن بها على المهانة هى الباعث الأكبر فى نفسه الشريفة على التفكير فى الزواج منهن» ... ثم يتحدث عن كل زوجة من أزواجه صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: «والسيدة جويرية بنت الحارث سيد قومه كانت بين السبايا فى غزوة بنى المصطلق، فأكرمها النبى- عليه السلام- أن تذل ذلة السباء، فتزوجها، وأعتقها، وحض المسلمين على إعتاق سباياهم، فأسلموا جميعا، وحسن إسلامهم، وخيرها أبوها بين العودة إليه، والبقاء عند رسول الله، فاختارت البقاء فى حرم رسول الله، ص 190 وما بعدها حقائق الإسلام ط 1

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُوَيْرِيَةَ «1» ، وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ وَكَذَلِكَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، كَانَ اسْمُهَا بَرّةَ أَيْضًا، وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبَتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ، كَانَ اسْمُهَا بَرّةُ فَسَمّاهُنّ جُمَعٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ الِاسْمِ، تُوُفّيَتْ جُوَيْرِيَةُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ سِتّ أَوْ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَكَانَتْ قَبْلَ أَنْ تُسْبَى عِنْدَ مُسَافِعِ بْنِ صَفْوَانَ الْخُزَاعِيّ. حَدِيثُ الْإِفْكِ فِيهِ مِنْ الْغَرِيبِ قَوْلُ عَائِشَةَ: وَالنّسَاءُ يَوْمَئِذٍ لم يهبّجهنّ «2» اللحم فيثقلن.

_ (1) فى حديث رواه مسلم وأبو داود عن محمد بن عمرو بن عطاء أن زينب سألته: ما سميت بنتك؟ فقال: سميتها: برة، فقالت زينت: كان اسم جويرية برة، فغيره رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بِاسْمِ جويرية» وفى حديث رواه أبو داود «نهى رسول الله أن يسمى بهذا الاسم، فقال: لا تركوا أنفسكم، والله أعلم بأهل البر منكم» . (2) فى جميع النسخ المطبوعة: يهجهن أو يهيجهن. على حين ينقل المحققون السيرة فى كل طبعة شرح الكلمة عن أبى ذر وعن الروض. وهى فى الروض يهجهن أيضا، والسهيلى يشرحها بقوله: التهييج: انتفاخ فى الجسم، أما أبو ذر فيقول: والتهييج كالورم فى الجسد، وفى الجمهرة: التهيج: انتفاخ الوجه وتقبضه. وما قاله أبو ذر هو الصواب ولعله خطأ من الناسخ فى الروض ومن الطابع فى السيرة!! وفى اللسان: هبجه بالباء تهبيجا فتهبج، أى ورمه فتورم. والتهبيج: شبه الورم فى الجسد. والكلمة عدة روايات: لم يثقلهن اللحم، أو لم يغشهن اللحم، وفى رواية: لم يهبلهن اللحم. وهبله اللحم وأهبله إذا أثقله وأصبح فلان مهبلا أى كثير اللحم أو وارم الوجه، وفلان مهبل أى مهيج، كان به ورما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التّهييج: انْتِفَاخٌ فِي الْجِسْمِ قَدْ يَكُونُ مِنْ سِمَنٍ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ آفَةٍ، قَالَ الْأَصْمَعِيّ أَوْ غَيْرُهُ: هَجَمْت عَلَى حَيّ مِنْ الْعَرَبِ بِوَادٍ خَصِيبٍ، وَإِذَا أَلْوَانُهُمْ مُصْفَرّةٌ وَوُجُوهُهُمْ مُهَيّجَةٌ، فَقُلْت لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ؟ وَادِيكُمْ أَخْصَبُ واد، وأنتم لا تشبهون الْمَخَاصِبَ، فَقَالَ لِي شَيْخٌ مِنْهُمْ: إنّ بَلَدَنَا لَيْسَتْ لَهُ رِيحٌ، يُرِيدُ: أَنّ الْجِبَالَ أَحَاطَتْ بِهِ فَلَا تُذْهِبُ الرّيَاحُ وَبَاءَهُ وَلَا رَمَدَهُ. صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطّلِ: وَفِيهِ ذِكْرُ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطّلِ بْنِ رُبَيْضَةَ بْنِ خُزَاعِيّ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ مُرّةَ بْنِ فَالِجِ بْن ذَكُوَانُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمٍ السّلَمِيّ، ثُمّ الذّكُوَانِيّ يُكَنّى أَبَا عَمْرٍو، وَكَانَ يَكُونُ عَلَى سَاقَةِ الْعَسْكَرُ يَلْتَقِطُ مَا يَسْقُطُ مِنْ مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ، حَتّى يَأْتِيَهُمْ بِهِ، وَلِذَلِكَ تَخَلّفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الّذِي قَالَ فِيهِ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، وَقَدْ رُوِيَ فِي تَخَلّفِهِ سَبَبٌ آخِرُ، وَهُوَ أَنّهُ كَانَ ثَقِيلُ النّوْمِ لَا يَسْتَيْقِظُ حَتّى يَرْتَحِلَ النّاسُ. وَيَشْهَدُ لِصِحّةِ هَذَا حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ أَنّ امْرَأَةَ صَفْوَانَ اشْتَكَتْ بِهِ إلَى النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكرت أشياء منها أنه لا يصلى الصبخ، فقال صفوان: يا رسول الله إنى امرؤ ثَقِيلُ الرّأْسِ لَا أَسْتَيْقِظُ حَتّى تَطْلُعَ الشّمْسُ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: فَإِذَا اسْتَيْقَظْت فَصَلّ وَقَدْ ضَعّفَ الْبَزّارُ حَدِيثَ أَبِي دَاوُدَ «1» هذا فى مسنده. وقتل صفوان

_ (1) يرويه أبو ذر فى سننه والبزار وابن سعد وابن حيان والحاكم من طريق الأعمش عن أبى صالح عن أبى سعيد. وقد قال البزار: هذا الحديث كلامه منكر، ولعل الأعمش أخذه من غير ثقة، فدلسه فصار ظاهر سنده الصحة، وليس للحديث عندى أصل وقد رد الحافظ فى الفتح على البزار ردا مطولا فانظره ص 272 ح 8 ط 1 1348 عبد الرحمن محمد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن الْمُعَطّلِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَانْدَقّتْ رِجْلُهُ يَوْمَ قُتِلَ، فَطَاعَنَ بِهَا، وَهِيَ مُنْكَسِرَةٌ، حَتّى مات، وذلك بالجزيرة بموضع لَهُ شِمْطَاطٌ. تَفْسِيرُ أَسْقَطُوا: وَفِيهِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّهُمْ دَعَوْا الْجَارِيَةَ، فَسَأَلُوهَا حَتّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ، يُرِيدُ: أَفْصَحُوا بِالْأَمْرِ، ونقرّوا عنه، يقال: ساقطته الحديث ساقطة وَأَسْقَطُوا بِهِ، فِي هَذَا الْمَعْنَى قَالَ أَبُو حَيّةَ [النّمَيْرِيّ] : إذَا هُنّ سَاقَطْنَ الْحَدِيثَ كَأَنّهُ ... سقاط حصا الْمَرْجَانِ مِنْ سِلْكٍ نَاظِمٍ «1» كَذَا فَسّرَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطّالٍ، وَفِيمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ رِوَايَةِ الشّيْبَانِيّ عَنْهُ، أَنّهُمْ أَدَارُوا الْجَارِيَةَ عَلَى الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَصْرُخُوا لَهَا حَتّى فَطِنَتْ بِمَا أَرَادُوا، فَقَالَتْ: مَا أَعْلَمُ عَلَيْهَا عَيْبًا، الْحَدِيثُ. وَأَمّا ضَرْبُ عَلِيّ لِلْجَارِيَةِ وَهِيَ حُرّةٌ، وَلَمْ تَسْتَوْجِبْ ضَرْبًا، وَلَا اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ضَرْبِهَا، فَأَرَى مَعْنَاهُ أَنّهُ أَغْلَظَ لَهَا بِالْقَوْلِ، وَتَوَعّدَهَا بِالضّرْبِ، وَاتّهَمَهَا أَنْ تَكُونَ خَانَتْ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَكَتَمَتْ مِنْ الْحَدِيثِ مَا لَا يَسَعُهَا كَتْمُهُ مَعَ إدْلَالِهِ، وَأَنّهُ كَانَ مِنْ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَفِي غير حديث ابن إسحاق

_ (1) البيت من قصيدة طويلة ذكر منها القالى ثمانية أبيات منها هذا البيت ورواية الشطرة الأولى هكذا: إذا هن ساقطن الأحاديث الفتى كما ذكرها البكرى فى السمط وزاد فيها، وبين روايته ورواية القالى اختلاف يسير. ص 280 ح 2 ط 2 الأمالى، ص 925 سمط اللآلى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَتْ الْجَارِيَةُ: وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ عَلَيْهَا إلّا مَا يَعْلَمُ الصّائِغُ عَلَى الذّهَبِ الْأَحْمَرِ. بَرِيرَةُ: وَأَمّا بَرِيرَةُ فَهِيَ مَوْلَاةُ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- الّتِي اشْتَرَتْهَا مِنْ بَنِي كَاهِلٍ فَأَعْتَقَتْهَا، وَخُيّرَتْ فِي زَوْجِهَا، وَكَانَ عَبْدًا لِبَنِي جَحْشٍ. هَذِهِ رِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنّهُ كَانَ حُرّا، وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ، وَالْأَوْلَى رِوَايَةُ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمِ، بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ بِتَخْيِيرِ الْأَمَةِ إذَا عَتَقَتْ، وَإِنْ كَانَ بَعْلُهَا حُرّا، وَقَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ عَلَى حَسَبِ رِوَايَتِهِمْ، فَلَا يَرَوْنَ تَخْيِيرَهَا، إلّا إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا، وَعَاشَتْ بَرِيرَةُ حَتّى رَوَى عَنْهَا الْحَدِيثَ بَعْضُ التّابِعِينَ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: كُنْت أُجَالِسُ بَرِيرَةَ قَبْلَ أَنْ أَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ، فَتَقُولُ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ، إنّ فِيك خِصَالًا خَلِيقَةً بِهَذَا الْأَمْرِ، فَإِنْ وُلّيت هَذَا الْأَمْرَ فَاتّقِ اللهَ فِي الدّمَاءِ، فَإِنّي سَمِعْت رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إنّ الرّجُلَ لَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنّةِ بَعْدَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا بِمِحْجَمَةِ دَمٍ أَرَاقَهَا مِنْ مُسْلِمٍ فِي غَيْرِ حَقّ. وَالْبَرِيرَةُ وَاحِدَةُ الْبَرِيرِ وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ. أُمّ رُومَانَ: وَأَمّا أُمّ رُومَانَ، وَهِيَ أُمّ عَائِشَةَ فَقَدْ مَرّ ذِكْرُهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ دُهْمَانَ، وَهِيَ مِنْ كِنَانَةَ، وَاخْتُلِفَ فِي عَمُودِ نَسَبِهَا، وُلِدَتْ لِأَبِي بَكْرٍ عَائِشَةُ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ، وَكَانَتْ قَبْلَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَخْبَرَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ الطّفَيْلَ، وَتُوُفّيَتْ أُمّ رُومَانَ سَنَةَ سِتّ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَنَزَلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَبْرِهَا، وَقَالَ «اللهُمّ إنّهُ لَمْ يَخَفْ عَلَيْك مَا لَقِيَتْ أُمّ رُومَانَ فِيك، وَفِي رَسُولِك» وَقَالَ: «مَنْ سَرّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، فَلْيَنْظُرْ إلَى أُمّ رُومَانَ «1» . وَهْمٌ لِلْبُخَارِيّ: وَرَوَى الْبُخَارِيّ حَدِيثًا عَنْ مَسْرُوقٍ، وَقَالَ فِيهِ: «سَأَلْت أُمّ رُومَانَ وَهِيَ أُمّ عَائِشَةَ عَمّا قِيلَ فِيهَا» وَمَسْرُوقٌ وُلِدَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَا خِلَافٍ، فَلَمْ يَرَ أُمّ رُومَانَ قَطّ «2» ، فَقِيلَ إنّهُ وَهِمَ فِي الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: بَلْ الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَهُوَ مُقَدّمٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ السّيرَةِ مِنْ مَوْتِهَا فِي حَيَاةِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَكَلّمَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ- رَحِمَهُ اللهُ- عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَاعْتَنَى بِهِ لِإِشْكَالِهِ، فَأَوْرَدَهُ مِنْ طُرُقٍ، فَفِي بَعْضِهَا: حَدّثَتْنِي أُمّ رُومَانَ، وَفِي بَعْضِهَا عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ أُمّ رومان معنعنا، قال رحمه الله: والصنعنة أَصَحّ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مُعَنْعَنًا كَانَ مُحْتَمَلًا، وَلَمْ يَلْزَمْ فِيهِ مَا يَلْزَمُ فِي حدّثنا،

_ (1) الأول رواه أبو عمر، والآخر رواه ابن سعد. وانظر الإصابة. (2) أنكر سماع مسروق من أم رومان جماعة من الحفاظ منهم الخطيب البغدادى، وذلك لما ذكره أهل التاريخ أنها ماتت فى زمن النبى «ص» قال الخطيب: وقد كان مسروق يرسله، فيقول: سئلت أم رومان، ويسوقه، فلعل بعضهم كتب سئلت بألف فاعتقد الراوى أنها سألت، فظنه متصلا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي سَأَلْت، لِأَنّ لِلرّاوِي أَنْ يَقُولَ: عَنْ فُلَانٍ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْحَدِيثِ. تُنَاصِبُنِي أَوْ تُنَاصِينِي: وَقَوْلُ عَائِشَةَ: لَمْ تَكُنْ امْرَأَةٌ تُنَاصِبُنِي فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ غَيْرَهَا، هَكَذَا فِي الْأَصْلِ تُنَاصِبُنِي «1» ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الْحَدِيثِ: تُنَاصِينِي مِنْ الْمُنَاصَاةُ، وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ، وَأَصْلُهُ مِنْ النّاصِيَةِ. شِعْرُ حَسّانَ فِي الْتعَرِيضِ بِابْنِ الْمُعَطّلِ: وَذَكَرَ قَوْلَ حَسّانَ: أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ عَزّوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وَابْنُ الْفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَدِ يَعْنِي بِالْجَلَابِيبِ الْغُرَبَاءَ، وَبَيْضَةُ الْبَلَدِ، يَعْنِي: مُنْفَرِدًا، وَهِيَ كَلِمَةٌ يُتَكَلّمُ بِهَا فِي الْمَدْحِ تَارَةً وَفِي مَعْنَى الْقِلّ أُخْرَى، يُقَالُ: فُلَانٌ بَيْضَةُ الْبَلَدِ، أَيْ: أَنّهُ وَاحِدٌ فِي قَوْمِهِ، عَظِيمٌ فِيهِمْ، وَفُلَانٌ بَيْضَةُ الْبَلَدِ، يُرِيدُ: أَنّهُ ذَلِيلٌ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ. وَأَمّا قَوْلُهُ: قَدْ ثَكِلَتْ أُمّهُ مَنْ كُنْت صَاحِبَهُ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مَنْ مُبْتَدَأٌ، وَقَدْ ثَكِلَتْ أُمّهُ فى موضع الخبر

_ (1) لعلها كانت كذلك فى نسخته، أما هى فى السيرة: تناصينى بالياء لا بالباء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُقَدّمِ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ مَفْعُولًا بِثَكِلَتْ، وَأُضْمِرَ قَبْلَ الذّكْرِ مَعَ اتّصَالِ الضّمِيرِ بِالْفَاعِلِ، فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِهِ: جَزَى رَبّهُ عَنّي عَدِيّ بْنَ حَاتِمٍ وَمِثْلُ قَوْلِهِ: أَبْقَى الْيَوْمَ مَجْدُهُ مُطْعِمَا وَقَدْ تَقَدّمَ الْقَوْلُ فِيهِ «1» . وَقَوْلُهُ: فَيَغْطَئِلُ، يُرِيدُ: الْبَحْرَ أَيْ، يَهِيجُ وَيَعْتَلِمُ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الْغَيْطَلَةِ، وَهِيَ الظّلْمَةُ، وَأَصْلُهَا يَغْطَالّ مِثْلَ يَسْوَادّ، لَكِنّهُ هَمَزَ الْأَلِفَ لِئَلّا يَجْتَمِعَ سَاكِنَانِ، وَإِنْ كَانَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ حَسَنًا كَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَا الضَّالِّينَ «2» ، وَلَكِنّهُمَا فِي الشّعْرِ لَا يَجْتَمِعَانِ إلّا فِي عُرُوضٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ الْمُتَقَارِبُ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ قَرَأَ أَيّوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ [كَيْسَانُ] السّخْتِيَانِيّ وَلَا الضّالّينَ بِهَمْزَةِ مَفْتُوحَةٍ «3» وَقَرَأَ عَمْرُو

_ (1) هو كما قال قد سبق القول فى هذا. والشطرة الأولى بقيتها: جزاء الكلاب العاويات، وقد فعل. والبيت كما زعم ابن جنى وغيره للنابغة. وقيل لأبى الأسود الديلى يهجو به عدى بن حاتم الطائى. وأبقى مجده مطعما. هى من بيت شعر لحسان يرثى به جبير بن مطعم هو: ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا ... من الناس أبقى مجده الدهر مطعما (2) أصلها: الضالين فحذفت حركة اللام الأولى، ثم أدغمت اللام فى اللام، فاجتمع ساكنان: مدة الألف واللام المدغمة. (3) وغير ممدودة كأنه فر من التقاء الساكنين، وهى لغة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عُبَيْدٍ: إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ «1» الرّحْمَنُ: 56 وَأَنْشَدَ الْخَطّابِيّ: سَقَى مُطْغِيَاتِ الْمَحْلِ سَكْبًا وَدِيمَةً ... عِظَامُ ابْنُ لَيْلَى حَيْثُ كَانَ رَمِيمُهَا فَأَصْبَحَ مِنْهَا كُلّ وَادٍ وَتَلْعَةٍ ... حَدَائِقَ خُضْرًا مُزْهَئِرّا عَمِيمُهَا أنشدأ: خَاطِمَهَا زَأَمّهَا أَنْ تَهْرُبَا «2» فَإِنْ قِيلَ: الْهَمْزَةُ فِي هَذَا كُلّهِ مَفْتُوحَةٌ، وَفِي قَوْلِهِ يَغْطَئِلّ مكسورة،

_ (1) حكى أبو زيد قال: سمعت عمرو بن عبيد يقرأ (فيومئذ لا يسأل عن ذئبه إنس، ولا جأن) فظننته قد لحن حتى سمعت من العرب دأبة، وشأبة. قال أبو الفتح: وعلى هذه اللغة قول كثير: إذا ما الغوالى بالعبيط احمأرت وانظر ص 428 ح 4 من شرح الشافية المرضى وص 105، وما بعدها، ص 149 ح 1 وما بعدها شرح تصريف المازنى لابن جنى وقد أفاض ابن جنى فى الكلام على هذا فى قراءة من قرأ ولا الضألين بهمز الألف فى ص 22 وما بعدها من كتابه المحتسب. (2) استعار بعض الرجاز الخطام فى الحشرات، فقال: يا عجبا لقد رأيت عجبا ... حمار قبان يسوق أرنبا عاقلها خاطمها أن تذهبا ... فقلت: أردفنى، فقال أراد: لئلا تذهب، أو مخاقة أن تذهب. ورواه ابن جنى كما روى السهيلى: خاطمها زأمها أن تذهبا. أراد: زأمها. وزممت البعير: خطمته، ويقول اللسان إنه حرك الهمزة ضرورة لاجتماع الساكنين كما جاء فى الشعر: اسوأدت بمعنى: اسوادت. أنظر مادة خطم وزمم فى اللسان. وزأمها فى الأصل: رامها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك فى الحديث الصحيح: أسود مر بئدّ فِي رِوَايَةٍ. قُلْنَا: إنّمَا كُسِرَتْ الْهَمْزَةُ فِي مزهئرّ ومر بئدّ وَيَغْطَئِلّ، بَعْدَ أَنْ فُتِحَتْ فِي الْمَاضِي، فَقِيلَ: اغْطَأَلّ، وَازْهَأَرّ، فَصَارَ عَلَى وَزْنِ اطْمَأَنّ، فَجَاءَ اسْمُ الْفَاعِلِ وَالْمُسْتَقْبَلِ عَلَى ذَلِكَ الْقِيَاسِ مَكْسُورًا كَمَا يُكْسَرُ فِي مُطْمَئِنّ تَفْسِيرُ الْعَجَبِ: وَقَوْلُ ثَابِتٍ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ: أَمَا أَعْجَبَك ضَرْبُ حَسّانَ بِالسّيْفِ، مَعْنَاهُ: أَمَا جَعَلَك تَعْجَبُ، تَقُولُ: عَجِبْت مِنْ الشّيْءِ وَأَعْجَبَنِي الشّيْءُ، إذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَجَبُ مِنْ مَكْرُوهٍ أَوْ مَحْبُوبٍ، وَهُوَ عِنْدَ النّاسِ بِمَعْنَى سَرّنِي لَا غَيْرَ، وَفِي الْحَدِيثِ، وَكَلَام الْعَرَبِ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْهَا فِي الْكَامِل فَلَأَعْجَبَنِي أَنْ أَعْجَبَهُ بُكَاءُ أَبِيهِ، وَفِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ عَنْ عبد الرحمن بن حسان «1» ، وكذلك أنشد:

_ (1) فى اللسان: ذكر أبو زيد خارجة بن زيد أن حسان بن ثابت أنشد قوله: انظر خليلى ببطن جلق هل ... تؤنس دون البلقاء من أحد فبكى حسان بذكر ما كان فيه من صحة البصر والشباب بعد ما كف بصره، وكان ابنه عبد الرحمن حاضرا، فسر ببكاء أبيه، قال خارجه: يقول: عجبت من سروره ببكاء أبيه. قال ومثله قوله: فقالت لى ابن قيس ذا ... وبعض الشىء يعجبها وفى مكان آخر من نفس المادة أنشد اللسان لابن قيس الرقيات: رأت فى الرأس منى شيبة لست أغيبها ... فقالت لى: ابن قيس ذا وبعض الشىء يعجبها أى يكسبها التعجب، أو تتعجب منه وأراد: أبى قيس فترك الألف الأولى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَلَا هُزِئَتْ بِنّا قُرَشِيّةٌ يَهْتَزّ مَنْكِبُهَا تَقُول لِي: ابْنُ قَيْسٍ ذَا وَبَعْضُ الشّيْبِ يُعْجِبُهَا وَقَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ: لَوْ كُنْت أَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ لَأَعْجَبَنِي ... سَعْيُ الْفَتَى، وَهُوَ مَخْبُوءٌ لَهُ الْقِدْرُ «1» لَهُ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَتَشَوّهْت عَلَى قَوْمِي أَنْ هَدَاهُمْ اللهُ، مَعْنَاهُ: أَقَبّحْت ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ حِينَ سَمّيْتهمْ بِالْجَلَابِيبِ مِنْ أَجْلِ هِجْرَتِهِمْ إلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ؟ بِيرُحَاءٍ: وَقَوْلُهُ: فَأَعْطَاهُ عِوَضًا مِنْهَا بِيرَحَاءٍ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنّ هَذِهِ الْبِئْرَ سُمّيَتْ بِيرَحَاءٍ بِزَجْرِ الْإِبِلِ عَنْهَا، وَذَلِكَ أَنّ الْإِبِلَ يُقَالُ لَهَا إذَا زجرت عن الماء، وقد رويت حاحا، وَهَكَذَا كَانَ الْأَصِيلِيّ يُقَيّدُهُ بِرَفْعِ الرّاءِ إذَا كَانَ الِاسْمُ مَرْفُوعًا، وَبِالْمَدّ، وَغَيْرُ الْأَصِيلِيّ يَقُولُ: بيرحاء بالفتح على كل حال وبالقصر

_ (1) وبعده: يَسْعَى الْفَتَى لِأُمُورٍ لَيْسَ يُدْرِكُهَا ... فَالنّفْسُ وَاحِدَةٌ، وَالْهَمّ مُنْتَشِرُ وَالْمَرْءُ- مَا عَاشَ- مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ ... لَا تَنْتَهِي الْعَيْنُ حَتّى يَنْتَهِي الْأَثَرُ أنظر الاستيعاب لابن عبد البر والإصابة لابن حجر. وقال ابن عبد البر: كان كعب شاعرا مجودا كثير الشعر مقدما فى طبقته هو وأخوه يجير، وكعب أشعرهما، وأبوه زهير فوقهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَجْعَلُهُ اسْمًا وَاحِدًا، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ فيه بيرحاء بِفَتْحِ الْبَاء مَعَ الْقَصْرِ، وَفِي الصّحِيحِ أَنّ أَبَا طَلْحَةَ دَفَعَ بِيرَحَاءٍ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعَلَهَا صَدَقَةً، فَأَمَرَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَجْعَلَهَا فى الأقربين، فقسمها بين أتىّ وَحَسّانَ، وَفَسّرَ الْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُدَ الْقَرَابَةَ الّتِي بَيْنَ أَبِي طَلْحَةَ وَبَيْنَهُمَا قَالَا: فَأَمّا حَسّانُ فَهُوَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ حَرَامٍ، وَأَبُو طَلْحَةَ هُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ حَرَامٍ «1» ، فَهَذِهِ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ، وَأَمّا أُبَيّ، فَيَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي الْأَبِ السّادِسِ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ، وَقَدْ كَانَ أُبَيّ غَنِيّا، فَكَيْفَ تَرَكَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَخَصّهُ؟ وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنّ أُبَيّا كَانَ ابْنَ عَمّةِ أَبِي طَلْحَةَ، وَهِيَ صُهَيْلَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ، فمن أجل ذلك النسب خصّه بها، لامن أَجْلِ النّسَبِ الّذِي ذَكَرْنَاهُ فَإِنّهُ بَعِيدٌ، وَإِنّمَا قَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجعلها فى الأقربين. حول براءة عائشة: وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنّهُ لَمّا أنزل الله يراءتها قَامَ إلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَبّلَ رَأْسَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: هَلّا كُنْت عَذَرْتنِي، فَقَالَ: أَيّ سَمَاءٍ تظلّنى، وأى

_ (1) فى الجمهرة لابن حزم: ابن سهل بن الأسود بن حرام ص 227 فلعل الأسود سقط من الناسخ، وقد استوفى السمهودى القول فى بيرحاء فانظره ص 133 ح 2 وفاء الوفاء، وانظر معاجم أسماء الأماكن كمعجم البكرى وياقوت ومراصد الإطلاع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أرض تقلّنى، إن قلت بمالا أَعْلَمُ، وَكَانَ نُزُولُ بَرَاءَةِ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- بَعْدَ قُدُومِهِمْ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِ وَثَلَاثِينَ لَيْلَةً فِي قَوْلِ بَعْضِ الْمُفَسّرِينَ. شِعْرُ حَسّانَ فِي مَدْحِ عَائِشَةَ: وَقَوْلُ حَسّانَ فِي عَائِشَةَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنّ بِرِيبَةِ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ حَصَانٌ: فَعَالٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ يَكْثُرُ فِي أَوْصَافِ الْمُؤَنّثِ، وَفِي الْأَعْلَامِ مِنْهَا، كَأَنّهُمْ قَصَدُوا بِتَوَالِي الْفَتَحَاتِ مُشَاكَلَةَ خِفّةِ اللّفْظِ لِخِفّةِ الْمَعْنَى، أَيْ الْمُسَمّى بِهَذِهِ الصّفَاتِ خَفِيفٌ عَلَى النّفْسِ، وَحَصَانٌ مِنْ الْحِصْنِ وَالتّحَصّنِ، وَهُوَ الِامْتِنَاعُ عَلَى الرّجَالِ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَيْهَا، وَقَالَتْ جَارِيَةٌ مِنْ الْعَرَبِ لِأُمّهَا: يَا أُمّتَا أَبْصَرَنِي رَاكِبٌ ... يَسِيرُ فِي مُسْحَنْفَرٍ لَاحِبِ «1» جَعَلْت أَحْثِي التّرَابَ فِي وَجْهِهِ ... حُصْنًا وَأَحْمِي حَوْزَةَ الْغَائِبِ «2» فَقَالَتْ لَهَا أُمّهَا: الْحُصْنُ أَدْنَى لَوْ تَآبَيْتِهِ ... مِنْ حَثْيِك التّرَبَ عَلَى الرّاكِبِ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ السّيرَافِيّ فِي شَرْحِ أبيات الإيضاح

_ (1) المسحنفر: الممتد. واللاحب: الطريق الواسع المنقاد. (2) روايته فى اللسان هكذا: فظلت أحثى التراب فى وجهه ... عنى وأحمى حوزة الغائب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالرّزَانُ وَالثّقَالُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهِيَ الْقَلِيلَةُ الْحَرَكَةِ. وَقَوْلُهُ: وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ، أَيْ خَمِيصَةَ الْبَطْنِ مِنْ لُحُومِ النّاسِ، أَيْ اغْتِيَابِهِمْ وَضَرَبَ الْغَرْثَ مَثَلًا، وَهُوَ عَدَمُ الطّعْمِ وَخُلُوّ الْجَوْفِ، وَفِي التّنْزِيلِ: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً الْحُجُرَاتُ: 12 ضَرَبَ الْمَثَلَ لِأَخْذِهِ فِي الْعِرْضِ بِأَكْلِ اللّحْمِ، لِأَنّ اللّحْمَ سِتْرٌ عَلَى الْعَظْمِ، وَالشّاتِمُ لِأَخِيهِ كَأَنّهُ يُقَشّرُ وَيَكْشِفُ مَا عَلَيْهِ مِنْ سِتْرٍ. وَقَالَ: مَيْتًا، لِأَنّ الْمَيّتَ لَا يُحِسّ، وَكَذَلِكَ الْغَائِبُ لَا يَسْمَعُ مَا يَقُولُ فِيهِ الْمُغْتَابُ، ثُمّ هُوَ فِي التّحْرِيمِ كَأَكْلِ لَحْمِ الْمَيّتِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ، يُرِيدُ: الْعَفَائِفَ الْغَافِلَةُ قُلُوبُهُنّ عَنْ الشّرّ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ النّورُ: 23 جَعَلَهُنّ غَافِلَاتٍ، لِأَنّ الّذِي رُمِينَ بِهِ مِنْ الشّرّ لَمْ يَهْمُمْنَ بِهِ قَطّ وَلَا خَطَرَ عَلَى قُلُوبِهِنّ، فَهُنّ فِي غَفْلَةٍ عَنْهُ، وَهَذَا أَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنْ الْوَصْفِ بِالْعَفَافِ. وَقَوْلُهُ: لَهُ رَتَبٌ عَالٍ عَلَى النّاسِ كُلّهِمْ الرّتَبُ: مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ وَعَلَا، وَالرّتَبُ أَيْضًا: قُوّةٌ فِي الشّيْءِ وَغِلَظٌ فِيهِ، وَالسّوْرَةُ رُتْبَةٌ رَفِيعَةٌ مِنْ الشّرَفِ مَأْخُوذَةُ اللّفْظِ مِنْ سُورِ الْبِنَاءِ. وَقَوْلُهُ: فَإِنّ الّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِطِ، أَيْ: بِلَاصِقِ، يُقَالُ: ما يليط

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَلِكَ بِفُلَانِ، أَيْ: مَا يُلْصَقُ بِهِ، وَمِنْهُ سُمّيَ الرّبَا: لِيَاطًا، لِأَنّهُ أُلْصِقَ بِالْبَيْعِ، وَلَيْسَ بِبَيْعِ. وَفِي الْكِتَابِ الّذِي كَتَبَ لِثَقِيفِ: وَمَا كَانَ مِنْ دَيْنٍ لَيْسَ فِيهِ رَهْنٌ، فَإِنّهُ لِيَاطٌ مُبَرّأٌ مِنْ اللهِ. وَسَيَأْتِي حَدِيثُهُ مُفَسّرًا إنْ شَاءَ اللهُ. وَقَوْلُهُ فِي الشّعْرِ: فَلَا رفعت سو على إلَيّ أَنَامِلِي دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِيهِ تَصْدِيقٌ لِمَنْ قَالَ: إنّ حَسّانَ لَمْ يُجْلَدْ فِي الْإِفْكِ، وَلَا خَاضَ فِيهِ، وَأَنْشَدُوا الْبَيْتَ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ: لَقَدْ ذَاقَ حَسّانُ الّذِي كَانَ أَهْلَهُ عَلَى خِلَافِ هَذَا اللّفْظِ: لَقَدْ ذَاقَ عَبْدُ اللهِ مَا كَانَ أَهْلَهُ ... وَحَمْنَةُ إذْ قَالُوا: هَجِيرًا وَمِسْطَحُ مَا نَزَلَ فِي حول أَصْحَابِ الْإِفْكِ: وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي أَصْحَابِ الْإِفْكِ وَقَوْلَهُ تَعَالَى: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ النّورُ: 15 وَكَانَتْ عَائِشَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَقْرَؤُهَا: إذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ مِنْ الْوَلَقِ، وَهُوَ اسْتِمْرَارُ اللّسَانِ بِالْكَذِبِ. وَأَمّا إقَامَةُ الْحَدّ عَلَيْهِمْ فَفِيهِ التّسْوِيَةُ بَيْنَ أَفْضَلِ النّاسِ بَعْدَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَدْنَى النّاسِ دَرَجَةً فِي الْإِيمَانِ، لَا يُزَادُ الْقَاذِفُ عَلَى الثّمَانِينَ، وَإِنْ شَتَمَ خَيْرَ النّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهَا، فَإِنْ قَذَفَ قَاذِفٌ الْيَوْمَ إحْدَى أُمّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ سِوَى عَائِشَةَ، فَيَتَوَجّهُ فِيهِ لِلْفُقَهَاءِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُجْلَدَ ثَمَانِينَ كَمَا يَقْتَضِيهِ عُمُومُ التّنْزِيلِ، وَكَمَا فَعَلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاَلّذِينَ قَذَفُوا أَهْلَهُ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِبَرَاءَتِهَا، وَأَمّا بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِبَرَاءَتِهَا فَيُقْتَلُ قَاذِفُهَا قَتْلَ كُفْرٍ، وَلَا يُصَلّى عَلَيْهِ، وَلَا يُورَثُ، لِأَنّهُ كَذّبَ اللهَ تَعَالَى. وَالْقَوْلُ الثّانِي فِي قَاذِفِ أُمّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُنّ أَنْ يُقْتَلَ أَيْضًا، وَبِهِ كَانَ يَأْخُذُ شَيْخُنَا- رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وَيَحْتَجّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ الْأَحْزَابُ: 57 الْآيَةُ، وَإِذَا قَذَفَ أَزْوَاجَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَقَدْ سَبّهُ فَمِنْ أَعْظَمِ الْإِذَايَةِ، أَنْ يُقَالَ عَنْ الرّجُلِ: قَرْنَانٌ «1» وَإِذَا سُبّ نَبِيّ بِمِثْلِ هَذَا فَهُوَ كُفْرٌ صُرَاحٌ وَقَدْ قَالَ الْمُفَسّرُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (فَخَانَتَاهُمَا) أَيْ: خَانَتَا فِي الطّاعَةِ لَهُمَا، وَالْإِيمَانِ، وَمَا بَغَتْ امْرَأَةُ نَبِيّ قَطّ، أَيْ مَا زَنَتْ. إهْدَاءُ سِيرِينَ إلَى حَسّانَ: وَذَكَرَ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى حَسّانَ جَارِيَتَهُ بِضَرْبِ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطّلِ لَهُ، وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ اسْمُهَا سِيرِينُ بِنْتُ شَمْعُونَ أُخْتُ مَارِيَةَ سُرّيّةُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِيَ أُمّ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حَسّانَ الشّاعِرِ، وَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ يَفْخَرُ بِأَنّهُ ابْنُ خالة إبْرَاهِيمَ بْنِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ (1) القرنان هو الذى يشارك فى امرأته كأنه يقرن به غيره أو هو نعت سوء فى الرجل الذى لا غيرة له. قال الأزهرى: هذا من كلام الحاضرة، ولم أر البوادى لفظوا به ولا عرفوه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ رَوَتْ سِيرِينُ هَذِهِ عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا قَالَتْ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَلًا فِي قَبْرِ إبْرَاهِيمَ ابْنِهِ فَأَصْلَحَهُ، وَقَالَ: إنّ اللهَ يُحِبّ مِنْ الْعَبْدِ إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَنْ يصلحه «1» .

_ (1) أخرج البخارى ومسلم حديث قصة الإفك فى صحيحيهما من حديث الزهرى. وفى روايتهما أن أمها قالت لها عقب تبشير الرسول «ص» لعائشة ببراءتها. «قومى إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل هو الذى أنزل براءتى» . وفى رواية للبخارى قالت: «لا والله، لا أقوم إليه، ولا أحمده، ولا أحدكما، ولكن أحمد الله الذى أنزل براءتى، لقد سمعتموه، فما أنكرتموه، ولا غيرتموه» ويقول ابن كثير عن الذى تولى كبره: «قيل: المراد به حسان، وهو قول غريب، ولولا أنه وقع فى صحيح البخارى ما قد يدل على إيراد ذلك لما كان لإيراده كبير فائدة، فإنه من الصحابة الذين لهم فضائل ومناقب ومآثر، وأحسن مآثره أنه كان يذب عن رسول الله «ص» بشعره، وهو الذى قال له رسول الله «ص» : هاجهم، وجبريل معك» . هذا وفى رواية البخارى أن الرسول «ص» لبث شهرا لا يوحى إليه فى شأن عائشة، وعند ابن حزم أن المدة كانت خمسين يوما أو أزيد، ويجمع بأنها المدة التى كانت بين قدومهم المدينة ونزول القرآن فى قصة الإفك، وأما التقييد بالشهر فهو المدة التى أولها إتيان عائشة بيت أبويها حين بلغها الخبر. ويقول الزمخشرى: لم يقع فى القرآن من التغليظ فى معصية ما وقع فى قصة الإفك بأوجز عبارة، وأشبعها، لاشتماله على الوعيد الشديد والعقاب البليغ، والزجر العنيف، واستعظام القول فى ذلك واستثناعه بطريق مختلفة، وأساليب متقنة، كل واحد منها كاف فى بابه، بل ما وقع منها من وعيد عبدة الأوثان إلا بما هو دون ذاك، وما ذلك إلا لإظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانظر القول فى العصبة الذين جاؤا بالإفك فى ص 373 ح 8 ط عبد الرحمن محمد فتح البارى. هذا وقد زاد الحاكم فى شعر حسان اللامى بيتين من غير رواية ابن اسحاق-

أمر الحديبية فى آخر سنة ست، وذكر بيعة الرضوان والصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين سهيل بن عمرو

[أَمْرُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتّ، وَذِكْرُ بَيْعَةِ الرّضْوَانِ وَالصّلْحِ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ شَهْرَ رَمَضَانَ وَشَوّالًا، وَخَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مُعْتَمِرًا، لَا يريد حربا. قال ابن هشام: واستعمل على المدينة نميلة بن عبد الله اللّيثى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَاسْتَنْفَرَ الْعَرَبَ وَمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي مِنْ الْأَعْرَابِ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ، وَهُوَ يَخْشَى مِنْ قُرَيْشٍ الّذِي صَنَعُوا، أَنْ يَعْرِضُوا لَهُ بِحَرْبِ أَوْ يَصُدّوهُ عَنْ الْبَيْتِ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَعْرَابِ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنْ الْعَرَبِ، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لِيَأْمَنَ النّاسُ مِنْ حَرْبِهِ، وَلِيَعْلَمَ النّاسُ أَنّهُ إنّمَا خرج زائرا لهذا البيت ومعظّما له. قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ مِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أنهما حدّثاه قالا: خرج ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ - حليلة خير الخلق دينا ومنصبا ... نبى الهدى والمكرمات الفواضل رأيتك وليغفر لك الله حرة ... من المحصنات غير ذات الغوائل وقد روى من طريق صالح بن كيسان عن الزهرى. قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول: إنه الذى قال فإن أتى ووالده وعرضى ... لعرض محمد منكم وفاء

الرسول صلى الله عليه وسلم يسلك طريقا غير طريق قريش

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الحديبية يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لَا يُرِيدُ قِتَالًا، وَسَاقَ معه الهدى سبعين بدنة، وكان الناس سبع مائة رَجُلٍ، فَكَانَتْ كُلّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةِ نَفَرٍ. وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فِيمَا بَلَغَنِي، يقول: كنّا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة. قَالَ الزّهْرِيّ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى إذَا كَانَ بِعُسْفَانَ لَقِيَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيّ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويقال بشر- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ قُرَيْشٌ، قَدْ سَمِعْت بِمَسِيرِك، فَخَرَجُوا مَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النّمُورِ، وَقَدْ نَزَلُوا بِذِي طُوًى، يُعَاهِدُونَ اللهَ لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَهَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خَيْلِهِمْ قَدْ قَدّمُوهَا إلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ! لَقَدْ أَكَلَتْهُمْ الْحَرْبُ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ هُمْ أَصَابُونِي كَانَ الّذِي أَرَادُوا، وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللهُ عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَافِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوّةٌ، فَمَا تَظُنّ قُرَيْشٌ، فَوَاَللهِ لَا أَزَالُ أُجَاهِدُ عَلَى الّذِي بَعَثَنِي اللهُ بِهِ حَتّى يُظْهِرَهُ اللهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السّالفة. [الرسول صلى الله عليه وسلم يسلك طريقا غير طريق قريش] ثُمّ قَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرَجُ بِنَا عَلَى طريق غير طريقهم التى هم بها؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَسَلَكَ بِهِمْ طَرِيقًا وَعْرًا أَجْرَلَ بَيْنَ شِعَابٍ، فَلَمّا خَرَجُوا مِنْهُ، وَقَدْ شَقّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَفْضَوْا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادى؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنّاسِ: قُولُوا: نَسْتَغْفِرُ اللهَ وَنَتُوبُ إلَيْهِ؛ فَقَالُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاَللهِ إنّهَا لَلْحِطّةُ الّتِي عُرِضَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَمْ يَقُولُوهَا. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النّاسَ فَقَالَ: اُسْلُكُوا ذَاتَ الْيَمِينِ بَيْنَ ظَهْرَيْ الْحَمْشِ، فِي طَرِيقٍ تُخْرِجُهُ عَلَى ثَنِيّةِ الْمُرَارِ مَهْبِطِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكّةَ؛ قَالَ: فَسَلَكَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الطّرِيقَ، فَلَمّا رَأَتْ خَيْلُ قُرَيْشٍ قَتَرَةَ الْجَيْشِ قَدْ خَالَفُوا عَنْ طَرِيقِهِمْ، رَجَعُوا رَاكِضِينَ إلَى قُرَيْشٍ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى إذَا سَلَكَ، فِي ثَنِيّةِ الْمُرَارِ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ، فَقَالَتْ النّاسُ: خَلَأَتْ النّاقَةُ، قَالَ: مَا خَلَأَتْ وَمَا هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكّةَ. لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إلَى خُطّةٍ يَسْأَلُونَنِي فِيهَا صِلَةَ الرّحَمِ إلّا أَعْطَيْتُهُمْ إيّاهَا. ثُمّ قَالَ لِلنّاسِ: انْزِلُوا، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ: مَا بِالْوَادِي مَاءٌ نَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَنَزَلَ بِهِ فِي قَلِيبٍ مِنْ تِلْكَ الْقُلُبِ. فَغَرّزَهُ فِي جَوْفِهِ، فَجَاشَ بِالرّوّاءِ حَتّى ضرب الناس عنه بعطن. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَسْلَمَ: أَنّ الّذِي نَزَلَ فِي الْقَلِيبِ بِسَهْمِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبِ بْنِ عُمَيْرِ ابن يَعْمُرَ بْنِ دَارِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَائِلَةَ بْنِ سَهْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ سَلَامَانِ بْنِ أسلم بن أفصى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن أَبِي حَارِثَةَ، وَهُوَ سَائِقُ بُدْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن هشام: أَفْصَى بْنُ حَارِثَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ زَعَمَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَ يَقُولُ: أَنَا الّذِي نَزَلْت بِسَهْمِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاَللهُ أعلم أى ذلك كان. وَقَدْ أَنْشَدَتْ أَسْلَمُ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ قَالَهَا نَاجِيَةُ، قَدْ ظَنَنّا أَنّهُ هُوَ الّذِي نَزَلَ بِالسّهْمِ، فَزَعَمَتْ أَسْلَمُ أَنّ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ أَقْبَلَتْ بِدَلْوِهَا، وَنَاجِيَةُ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ عَلَى النّاسِ، فَقَالَتْ: يَا أَيّهَا الْمَائِحُ دَلْوَى دُونَكَا ... إنى رأيت الناس يحمدنكا يُثْنُونَ خَيْرًا وَيُمَجّدُونَكَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: إنّي رَأَيْت النّاسَ يَمْدَحُونَكَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ نَاجِيَةُ، وَهُوَ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ عَلَى النّاسِ: قَدْ عَلِمَتْ جَارِيَةٌ يَمَانِيَهْ ... أَنّي أَنَا الْمَائِحُ وَاسْمِي نَاجِيَهْ وَطَعْنَةٍ ذَاتِ رَشَاشٍ وَاهِيَهْ ... طعنتها عند صدور العاديه فَقَالَ الزّهْرِيّ فِي حَدِيثِهِ: فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتَاهُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ، فِي رِجَالٍ مِنْ خُزَاعَةَ، فكلّموه وسألوه: ما الذ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جَاءَ بِهِ؟ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ لَمْ يَأْتِ يُرِيدُ حَرْبًا، وَإِنّمَا جَاءَ زَائِرًا لِلْبَيْتِ، وَمُعَظّمًا لِحُرْمَتِهِ، ثُمّ قَالَ لَهُمْ نَحْوًا مِمّا قَالَ لِبِشْرِ بْنِ سُفْيَانَ، فَرَجَعُوا إلَى قُرَيْشٍ فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّكُمْ تَعْجَلُونَ عَلَى مُحَمّدٍ، إنّ مُحَمّدًا لَمْ يَأْتِ لِقِتَالِ، وَإِنّمَا جَاءَ زَائِرًا هذا البيت، قاتهموهم وَجَبَهُوهُمْ وَقَالُوا: وَإِنْ كَانَ جَاءَ وَلَا يُرِيدُ قتالا، فوالله لَا يَدْخُلُهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً أَبَدًا، وَلَا تَحَدّثَ بذلك عنّا العرب. قَالَ الزّهْرِيّ: وَكَانَتْ خُزَاعَةُ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، مُسْلِمُهَا وَمُشْرِكُهَا، لا يخفون عنه شيئا كان بمكة. قَالَ: ثُمّ بَعَثُوا إلَيْهِ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ، أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلًا قَالَ: هَذَا رَجُلٌ غَادِرٌ، فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلّمَهُ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْوًا مِمّا قَالَ لِبُدَيْلٍ وَأَصْحَابِهِ، فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. ثُمّ بَعَثُوا إلَيْهِ الْحُلَيْسَ بْنَ عَلْقَمَةَ أَوْ ابن زيّان، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ سَيّدَ الْأَحَابِيشِ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ؛ فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: إنّ هَذَا مِنْ قَوْمٍ يَتَأَلّهُونَ، فَابْعَثُوا الهدى فى وجهه حتى براه، فَلَمّا رَأَى الْهَدْيَ يَسِيلُ عَلَيْهِ مِنْ عُرْضِ الْوَادِي فِي قَلَائِدِهِ، وَقَدْ أَكَلَ أَوْبَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلّهِ، رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إعْظَامًا لَمَا رَأَى، فَقَالَ لَهُمْ ذلك. قال: فقالوا له: جلس، فَإِنّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيّ لَا عِلْمَ لَك. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّ الْحُلَيْسَ غَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَللهِ مَا عَلَى هَذَا حَالَفْنَاكُمْ، وَلَا عَلَى هَذَا عَاقَدْنَاكُمْ. أَيُصَدّ عَنْ بَيْتِ اللهِ مَنْ جَاءَ مُعَظّمًا لَهُ! والذى نفس الحنيس بِيَدِهِ، لَتُخَلّنّ بَيْنَ مُحَمّدٍ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ، أَوْ لَأَنْفِرَن بِالْأَحَابِيشِ نَفْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ. قَالَ: فَقَالُوا لَهُ: مَهْ، كُفّ عَنّا يَا حُلَيْسُ حَتّى نَأْخُذَ لِأَنْفُسِنَا مَا نَرْضَى بِهِ. قال الزهرىّ فى حديثه: ثم بعثو إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثّقَفِيّ؛ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّي قَدْ رَأَيْت مَا يَلْقَى مِنْكُمْ مَنْ بَعَثْتُمُوهُ إلَى مُحَمّدٍ إذْ جَاءَكُمْ مِنْ التّعْنِيفِ وَسُوءِ اللّفْظِ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّكُمْ وَالِدٌ وَإِنّي وَلَدٌ- وَكَانَ عُرْوَةُ لِسُبَيْعَةَ بِنْتِ عَبْدِ شَمْسٍ- وَقَدْ سَمِعْت بِاَلّذِي نَابَكُمْ، فَجَمَعْتُ مَنْ أَطَاعَنِي مِنْ قَوْمِي، ثُمّ جِئْتُكُمْ حَتّى آسَيْتُكُمْ بِنَفْسِي، قَالُوا: صَدَقْت، مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتّهَمٍ. فَخَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمّ قَالَ: يا محمد، أجمعت أو شاب النّاسِ، ثُمّ جِئْتَ بِهِمْ إلَى بَيْضَتِك لِتَفُضّهَا بِهِمْ، إنّهَا قُرَيْشٌ قَدْ خَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ. قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النّمُورِ، يُعَاهِدُونَ اللهَ لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا وَاَيْمُ اللهِ، لِكَأَنّي بِهَؤُلَاءِ قَدْ انْكَشَفُوا عَنْك غَدًا. قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَاعِدٌ؛ فَقَالَ: اُمْصُصْ بَظْرَ اللّات، أَنَحْنُ نَنْكَشِفُ عَنْهُ؟ قَالَ: مَنْ هَذَا يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ: هَذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَ: أَمَا وَاَللهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَك عِنْدِي لَكَافَأْتُك بِهَا، وَلَكِنْ هَذِهِ بِهَا، قَالَ: ثُمّ جَعَلَ يَتَنَاوَلُ لِحْيَةَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُكَلّمُهُ قَالَ: وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَاقِفٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رَأْسَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيدِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَقْرَعُ يَدَهُ إذَا تَنَاوَلَ لِحْيَةَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَيَقُولُ: اُكْفُفْ يَدَك عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ لَا تَصِلَ إلَيْك، قَالَ: فَيَقُولُ عُرْوَةُ: وَيْحَك! مَا أَفَظّكَ وَأَغْلَظَك! قَالَ: فَتَبَسّمَ. رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: مَنْ هَذَا يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ: هَذَا ابْنُ أَخِيك الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَالَ: أَيْ غُدَرُ، وهل غسلت سوء تك إلّا بِالْأَمْسِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَرَادَ عُرْوَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَبْلَ إسلامه قتل ثلاثة عَشَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَالِكٍ، مِنْ ثَقِيفٍ، فَتَهَايَجَ الْحَيّانِ مِنْ ثَقِيفٍ: بَنُو مَالِكٍ رَهْطُ الْمَقْتُولِينَ، وَالْأَحْلَافُ رَهْطُ الْمُغِيرَةِ، فَوَدَى عُرْوَةُ الْمَقْتُولِينَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ دِيَةً، وَأَصْلَحَ ذَلِكَ الْأَمْرَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: فَكَلّمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَحْوٍ مِمّا كَلّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنّهُ لَمْ يَأْتِ يُرِيدُ حَرْبًا. فَقَامَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَقَدْ رَأَى مَا يَصْنَعُ بِهِ أَصْحَابُهُ، لَا يَتَوَضّأُ إلّا ابْتَدَرُوا وُضُوءَهُ، وَلَا يَبْصُقُ بُصَاقًا إلّا ابْتَدَرُوهُ. وَلَا يَسْقُطُ حين شَعْرِهِ شَيْءٌ إلّا أَخَذُوهُ. فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ، فقال: يا مشعر قُرَيْشٍ، إنّي قَدْ جِئْت كِسْرَى فِي مُلْكِهِ، وَقَيْصَرَ فِي مُلْكِهِ. وَالنّجَاشِيّ فِي مُلْكِهِ. وَإِنّي وَاَللهِ مَا رَأَيْت مَلِكًا فِي قَوْمٍ قَطّ مِثْلَ مُحَمّدٍ فِي أَصْحَابِهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا لا يسلمونه لشى أبدا، فروا رأيكم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم دَعَا خِرَاشَ بْنَ أُمَيّةَ الْخُزَاعِيّ، فَبَعَثَهُ إلَى قُرَيْشٍ بِمَكّةَ، وَحَمَلَهُ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الثّعْلَبُ، لِيُبَلّغَ أَشْرَافَهُمْ عَنْهُ مَا جَاءَ لَهُ، فَعَقَرُوا بِهِ جَمْلَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَمَنَعَتْهُ الْأَحَابِيشُ، فَخَلّوْا سَبِيلَهُ، حَتّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ قُرَيْشًا كَانُوا بَعَثُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَوْ خَمْسِينَ رَجُلًا، وَأَمَرُوهُمْ أَنْ يُطِيفُوا بِعَسْكَرِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، لِيُصِيبُوا لَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا، فَأُخِذُوا أَخْذًا، فَأُتِيَ بِهِمْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَعَفَا عنهم، وخلّى سبيلهم، وقد كَانُوا رَمَوْا فِي عَسْكَرِ رَسُولِ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم بالحجارة والنّبل. ثم دَعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ لِيَبْعَثَهُ إلَى مَكّةَ، فَيُبَلّغُ عَنْهُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مَا جَاءَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي، وَلَيْسَ بِمَكّةَ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إيّاهَا، وَغِلْظَتِي عَلَيْهَا، وَلَكِنّي أَدُلّك عَلَى رَجُلٍ أَعَزّ بِهَا مِنّي، عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ. فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ، فَبَعَثَهُ إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ، يُخْبِرُهُمْ أَنّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبِ، وَإِنّهُ إنّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ، وَمُعَظّمًا لحرمته. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ عُثْمَانُ إلَى مَكّةَ، فَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بيعة الرضوان

حِينَ دَخَلَ مَكّةَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمّ أَجَارَهُ حَتّى بَلّغَ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ حَتّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُظَمَاءَ قُرَيْشٍ، فَبَلّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما أَرْسَلَهُ بِهِ؛ فَقَالُوا لِعُثْمَانِ حِينَ فَرَغَ مِنْ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَيْهِمْ: إنْ شِئْت أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ؛ فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهَا، فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمِينَ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ قد قتل. [بيعة الرضوان] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ حِينَ بَلَغَهُ أَنّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ: لَا نَبْرَحُ حَتّى نُنَاجِزَ الْقَوْمَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النّاسَ إلَى الْبَيْعَةِ. فَكَانَتْ بَيْعَةُ الرّضْوَانِ تَحْتَ الشّجَرَةِ، فَكَانَ النّاسُ يَقُولُونَ: بَايَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمَوْتِ، وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُبَايِعْنَا عَلَى الْمَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعَنَا عَلَى أَنْ لَا نفرّ. فبايع رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النّاسَ، وَلَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَهَا، إلّا الْجَدّ بْنَ قَيْسٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، فَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: وَاَللهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَيْهِ لَاصِقًا بِإِبْطِ نَاقَتِهِ. قَدْ ضَبَأَ إلَيْهَا، يَسْتَتِرُ بِهَا مِنْ النّاسِ. ثُمّ أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنّ الّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ بَاطِلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر الهدنة

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَذَكَرَ وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ الشّعْبِيّ: أَنّ أَوّلَ مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْعَةَ الرّضْوَانِ أَبُو سِنَانٍ الْأَسَدِيّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَمّنْ حَدّثَهُ بِأَسْنَادٍ لَهُ، عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَرَ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَايَعَ لِعُثْمَانِ، فَضَرَبَ بإحدى يديه على الأخرى. [أمر الهدنة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: ثُمّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا لَهُ: ائْتِ مُحَمّدًا فَصَالِحْهُ وَلَا يَكُنْ فِي صُلْحِهِ إلّا أَنْ يَرْجِعَ عَنّا عَامَهُ هَذَا، فَوَاَللهِ لَا تُحَدّثُ الْعَرَبُ عَنّا أَنّهُ دَخَلَهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً أَبَدًا. فَأَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو؛ فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلًا، قَالَ: قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرّجُل: فَلَمّا انْتَهَى سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلّمَ فَأَطَالَ الكلام، وتراجعا ثم جرى بينهما الصّلْحَ. فَلَمّا الْتَأَمَ الْأَمْرُ وَلَمْ يَبْقَ إلّا الكتاب، وثب عمر بن الخطّاب، فأتى أبابكر، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ بِرَسُولِ اللهِ؟ قال: بلى: قال أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى؛ قال: أوليسوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطَى الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ، الْزَمْ غَرْزَهُ، فَإِنّي أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللهِ؛ قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللهِ؛ ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

على يكتب شروط الصلح

يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْتَ بِرَسُولِ اللهِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَوَ لَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فغلام نُعْطَى الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ، وَلَنْ يُضَيّعَنِي! قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: مَا زِلْت أَتَصَدّقُ وَأَصُومُ وَأُصَلّي وَأُعْتِقُ، مِنْ الّذِي صَنَعْتُ يَوْمَئِذٍ! مَخَافَةَ كَلَامِي الّذِي تَكَلّمْت بِهِ، حَتّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا. [عَلِيّ يَكْتُبُ شُرُوطَ الصّلْحِ] قَالَ: ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم على بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال: اُكْتُبْ: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، قَالَ: فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَا أَعْرِفُ هَذَا، وَلَكِنْ اُكْتُبْ بِاسْمِك اللهُمّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اُكْتُبْ بِاسْمِك اللهُمّ، فَكَتَبَهَا، ثُمّ قَالَ: اُكْتُبْ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمّدٌ رَسُولَ اللهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ: فَقَالَ سُهَيْلٌ: لَوْ شَهِدْت أَنّك رَسُولُ اللهِ لَمْ أُقَاتِلْك، وَلَكِنْ اُكْتُبْ اسْمَك وَاسْمَ أَبِيك، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اُكْتُبْ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، اصْطَلَحَا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَنْ النّاسِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهِنّ النّاسُ، وَيَكُفّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، عَلَى أَنّهُ مَنْ أَتَى مُحَمّدًا مِنْ قُرَيْشٍ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ رَدّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ جَاءَ قُرَيْشًا مِمّنْ مَعَ مُحَمّدٍ لَمْ يَرُدّوهُ عَلَيْهِ، وَإِنّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وَأَنّهُ لَا إسْلَالَ وَلَا إغْلَالَ، وَأَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خزاعة فى عهد محمد، وبنو بكر فى عهد قريش

[خزاعة فى عهد محمد، وبنو بَكْرٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ] فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ مُحَمّدٍ وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ، فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، وَأَنّك تَرْجِعُ عَنّا عَامَك هَذَا، فَلَا تَدْخُلُ عَلَيْنَا مَكّةَ، وَأَنّهُ إذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ، خَرَجْنَا عَنْك فَدَخَلْتهَا بِأَصْحَابِك، فَأَقَمْتَ بِهَا ثَلَاثًا، مَعَك سِلَاحُ الرّاكِبِ، السّيُوفُ فِي الْقُرُبِ، لَا تدخلها بغيرها. [جندل بن سهيل] فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ هُوَ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، إذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو يَرْسُفَ فِي الْحَدِيدِ، قَدْ انْفَلَتَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خَرَجُوا وَهُمْ لَا يَشُكّونَ فِي الْفَتْحِ، لِرُؤْيَا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَلَمّا رَأَوْا مَا رَأَوْا مِنْ الصّلْحِ وَالرّجُوعِ، وَمَا تَحَمّلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفْسِهِ دَخَلَ عَلَى النّاسِ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، حَتّى كَادُوا يُهْلِكُونَ: فَلَمّا رَأَى سُهَيْلٌ أَبَا جَنْدَلٍ قَامَ إلَيْهِ فَضَرَبَ وَجْهَهُ، وَأَخَذَ بِتَلْبِيبِهِ؛ ثُمّ قَالَ: يَا مُحَمّدُ؛ قَدْ لَجّتْ الْقَضِيّةُ بَيْنِي وَبَيْنَك قَبْل أَنْ يَأْتِيَك هَذَا؛ قَالَ: صَدَقْتَ، فَجَعَلَ يَنْتُرُهُ بِتَلْبِيبِهِ، وَيَجُرّهُ لِيَرُدّهُ إلَى قُرَيْشٍ، وَجَعَلَ أَبُو جَنْدَلٍ يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَأُرَدّ إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونِي فِي دِينِي؟ فَزَادَ ذَلِكَ النّاسَ إلَى مَا بِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا جَنْدَلٍ؛ اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ فَإِنّ اللهَ جَاعِلٌ لَك وَلِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إنّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا، وَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَعْطَوْنَا عَهْدَ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الذين شهدوا على الصلح

وَإِنّا لَا نَغْدِرُ بِهِمْ؛ قَالَ: فَوَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ مَعَ أَبِي جَنْدَلٍ يَمْشِي إلَى جَنْبِهِ، وَيَقُولُ: اصْبِرْ يَا أَبَا جَنْدَلٍ، فَإِنّمَا هُمْ الْمُشْرِكُونَ وَإِنّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ. قَالَ: وَيُدْنِي قَائِمَ السّيْفِ مِنْهُ. قَالَ: يَقُولُ عمر: رجوت أن يأخذ السّيف فيضرب به أَبَاهُ، قَالَ: فَضَنّ الرّجُلُ بِأَبِيهِ، وَنَفَذَتْ الْقَضِيّةُ. [الذين شَهِدُوا عَلَى الصّلْحِ] فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْكِتَابِ أَشْهَدَ عَلَى الصّلْحِ رِجَالًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرِجَالًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ: أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، وَمَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَمِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَكَتَبَ، وكان هو كاتب الصحيفة. [الإحلال] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُضْطَرَبًا فِي الْحِلّ، وَكَانَ يُصَلّي فِي الْحُرُمِ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الصّلْحِ قَدِمَ إلَى هَدْيِهِ فَنَحَرَهُ، ثُمّ جَلَسَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَكَانَ الّذِي حَلَقَهُ، فِيمَا بَلَغَنِي، فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خِرَاشَ بْنَ أُمَيّةَ بْنِ الْفَضْلِ الْخُزَاعِيّ، فَلَمّا رَأَى النّاسُ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ نَحَرَ وَحَلَقَ تواثبوا ينحرون ويحلقون. [المحلّقون والمقصرون] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نزول سورة الفتح

عَبّاسٍ، قَالَ: حَلَقَ رِجَالٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَصّرَ آخَرُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْحَمُ اللهُ الْمُحَلّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: يَرْحَمُ اللهُ الْمُحَلّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: يَرْحَمُ اللهُ الْمُحَلّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَالْمُقَصّرِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: فَلِمَ: ظَاهَرْت التّرْحِيمَ لِلْمُحَلّقِينَ دُونَ الْمُقَصّرِينَ؟ قَالَ: لَمْ يَشُكّوا. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: حَدّثَنِي مُجَاهِدٌ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْدَى عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي هَدَايَاهُ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ، فِي رَأْسِهِ بَرّةٌ مِنْ فِضّةٍ، يَغِيظُ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ. [نُزُولُ سُورَةِ الْفَتْحِ] قَالَ الزّهْرِيّ فِي حَدِيثِهِ: ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ قَافِلًا، حَتّى إذَا كَانَ بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ، نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً. [ذِكْرُ الْبَيْعَةِ] ثُمّ كَانَتْ الْقِصّةُ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ، حَتّى انْتَهَى إلَى ذِكْرِ الْبَيْعَةِ، فَقَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ، فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر من تخلف

[ذِكْرُ مَنْ تَخَلّفَ] ثُمّ ذَكَرَ مَنْ تَخَلّفَ عَنْهُ مِنْ الْأَعْرَابِ، ثُمّ قَالَ: حِينَ اسْتَفَزّهُمْ لِلْخُرُوجِ مَعَهُ فَأَبْطَئُوا عَلَيْهِ: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا. ثُمّ الْقِصّةُ عَنْ خَبَرِهِمْ، حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ، يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ، قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا، كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ.. ثُمّ الْقِصّةُ عَنْ خَبَرِهِمْ وَمَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِهَادِ الْقَوْمِ أُولِي الْبَأْسِ الشّدِيدِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: فَارِسٌ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: أُولُو الْبَأْسِ الشّدِيدِ: حَنِيفَةُ مَعَ الْكَذّابِ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً. وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً. وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ، وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً. وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر كف الرسول عن القتال

[ذِكْرُ كَفّ الرّسُولِ عَنْ الْقِتَالِ] ثُمّ ذَكَرَ مَحْبِسَهُ وَكَفّهُ إيّاهُ عَنْ الْقِتَالِ، بَعْدَ الظّفَرِ مِنْهُ بِهِمْ، يَعْنِي النّفَرَ الّذِينَ أَصَابَ مِنْهُمْ وَكَفّهُمْ عَنْهُ، ثُمّ قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً ثُمّ قَالَ تَعَالَى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ. [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: الْمَعْكُوفُ: الْمَحْبُوسُ، قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: وَكَأَنّ السّمُوطَ عَكّفَهُ السّلْكُ بِعِطْفِي جَيْدَاءَ أُمّ غَزَالِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَالْمَعَرّةُ: الْغُرْمُ، أَيْ أَنْ تُصِيبُوا مِنْهُمْ (مَعَرّةً) بِغَيْرِ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوا دِيَتَهُ، فَإِمّا إثْمٌ فَلَمْ يُخَشّهِ عَلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ أَنّهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الوليد بن الْمُغِيرَةِ، وَسَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ، وَعَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ. وَأَشْبَاهِهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ

فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ، حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ يَعْنِي سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو حِينَ حَمِيَ أَنْ يَكْتُبَ بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ، ثُمّ قَالَ تَعَالَى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى، وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها: أَيْ التّوْحِيدُ، شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَه إلّا اللهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ، فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا: أَيْ لِرُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّتِي رَأَى، أَنّهُ سَيَدْخُلُ مَكّةَ آمِنًا لا يخاف؛ يقول: محلّقين رؤسكم، وَمُقَصّرِينَ مَعَهُ لَا تَخَافُونَ، فَعَلِمَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا، صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ. يَقُولُ الزّهْرِيّ: فَمَا فُتِحَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ قَبْلَهُ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ، إنّمَا كَانَ الْقِتَالُ حَيْثُ الْتَقَى النّاسُ؛ فَلَمّا كَانَتْ الْهُدْنَةُ، وَوُضِعَتْ الْحَرْبُ، وَآمَنَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالْتَقَوْا، فَتَفَاوَضُوا فِي الْحَدِيثِ وَالْمُنَازَعَةِ، فَلَمْ يُكَلّمْ أَحَدٌ بِالْإِسْلَامِ يَعْقِلُ شَيْئًا إلّا دَخَلَ فِيهِ، وَلَقَدْ دَخَلَ فِي تِينِك السّنَتَيْنِ مِثْلُ مَنْ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالدّلِيلُ عَلَى قَوْلِ الزّهْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم خرج إلى الحديبية فى ألف وأربع مائة، فِي قَوْلِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، ثُمّ خَرَجَ عَامَ فَتْحِ مَكّةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما جرى عليه أمر قوم من المستضعفين بعد الصلح

[مَا جَرَى عَلَيْهِ أَمْرُ قَوْمٍ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ بعد الصلح] [مجىء أبى بصير إلى المدينة وطلب قريش له] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَتَاهُ أَبُو بَصِيرٍ عُتْبَةُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ، وَكَانَ مِمّنْ حُبِسَ بِمَكّةَ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فِيهِ أَزْهَرُ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويعثا رجلا من بنى لُؤَيّ، وَمَعَهُ مَوْلًى لَهُمْ، فَقَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِ الْأَزْهَرِ وَالْأَخْنَسِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا بِصَيْرِ إنّا قَدْ أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَلَا يَصْلُحُ لَنَا فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَإِنّ اللهَ جَاعِلٌ لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، فَانْطَلِقْ إلَى قَوْمِك، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَرُدّنِي إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونَنِي فِي دِينِي؟ قَالَ: يَا أَبَا بِصَيْرِ، انْطَلِقْ، فَإِنّ اللهَ تَعَالَى سَيَجْعَلُ لَك وَلِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرْجًا وَمَخْرَجًا. [قَتْلُ أَبِي بِصَيْرِ لِلْعَامِرِيّ، وَمَقَالَةُ الرّسُولِ فِي ذَلِكَ] فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا، حَتّى إذَا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، جَلَسَ إلَى جِدَارٍ، وَجَلَسَ مَعَهُ صَاحِبَاهُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَصَارِمٌ سَيْفُك هَذَا يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ: أَنَظَرَ إلَيْهِ؟ قَالَ: اُنْظُرْ، إنْ شِئْت. قَالَ: فَاسْتَلّهُ أَبُو بَصِيرٍ، ثُمّ عَلَاهُ بِهِ حَتّى قَتَلَهُ، وَخَرَجَ الْمَوْلَى سَرِيعًا حَتّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أبو بصير وزملاؤه فى العيص

جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَالِعًا، قَالَ: إنّ هَذَا الرّجُلَ قَدْ رَأَى فَزِعًا، فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ويحك! مالك؟ قَالَ: قَتَلَ صَاحِبُكُمْ صَاحِبِي. فَوَاَللهِ مَا بَرِحَ حَتّى طَلَعَ أَبُو بَصِيرٍ مُتَوَشّحًا بِالسّيْفِ، حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَفَتْ ذِمّتُك، وَأَدّى اللهُ عَنْك، أَسْلَمْتنِي بِيَدِ الْقَوْمِ وَقَدْ امتنعت بدينى أن أفتن فيه، أو يبعث بِي. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلُ أُمّهِ مِحَشّ حَرْبٍ لَوْ كان معه رجال! [أبو بصير وزملاؤه فى العيص] ثُمّ خَرَجَ أَبُو بَصِيرٍ حَتّى نَزَلَ الْعِيصَ، مِنْ نَاحِيَةِ ذِي الْمَرْوَةِ، عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، بِطَرِيقِ قُرَيْشٍ الّتِي كَانُوا يَأْخُذُونَ عَلَيْهَا إلَى الشّامِ، وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الّذِينَ كَانُوا اُحْتُبِسُوا بِمَكّةَ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بِصَيْرِ: «وَيْلُ أُمّهِ مِحَشّ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ!» ، فَخَرَجُوا إلَى أَبِي بِصَيْرِ بِالْعِيصِ، فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ مِنْهُمْ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا، وَكَانُوا قَدْ ضَيّقُوا عَلَى قُرَيْشٍ، لَا يَظْفَرُونَ بِأَحَدِ مِنْهُمْ إلّا قَتَلُوهُ، وَلَا تَمُرّ بِهِمْ عِيرٌ إلّا اقْتَطَعُوهَا، حَتّى كَتَبَتْ قُرَيْشٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُ بِأَرْحَامِهَا إلّا آوَاهُمْ، فَلَا حَاجَةَ لَهُمْ بِهِمْ. فَآوَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَدِمُوا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَلَمّا بَلَغَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو قَتْلُ أَبِي بصير صاحبهم ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر موهب فى ودى أبى بصير

الْعَامِرِيّ، أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ، ثُمّ قَالَ: وَاَللهِ لَا أُؤَخّرُ ظَهْرِي عَنْ الْكَعْبَةِ حَتّى يُودِيَ هَذَا الرّجُلُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: وَاَللهِ إنّ هَذَا لَهُوَ السّفِهُ، وَاَللهِ لَا يُودَى ثَلَاثًا. فَقَالَ فِي ذَلِكَ مَوْهِبُ بْنُ رِيَاحٍ أَبُو أُنَيْسٍ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ: قال ابن هشام: أبو أنيس أشعرىّ. [شعر موهب فى ودى أبى بصير] أَتَانِي عَنْ سُهَيْلٍ ذَرْءُ قَوْلٍ ... فَأَيْقَظَنِي وَمَا بِي مِنْ رُقَادِ فَإِنْ تَكُنِ الْعِتَابَ تُرِيدُ مِنّي ... فَعَاتِبْنِي فَمَا بِكَ مِنْ بِعَادِي أَتُوعِدُنِي وَعَبْدُ مَنَافٍ حَوْلِي ... بِمَخْزُومٍ أَلَهْفًا مَنْ تُعَادَى فَإِنْ تَغْمِزْ قَنَاتِي لَا تَجِدْنِي ... ضَعِيفَ الْعُودِ فِي الْكُرَبِ الشّدَادِ أُسَامِي الْأَكْرَمِينَ أَبًا بِقَوْمِي ... إذا وطىء الضّعِيفُ بِهِمْ أُرَادَى هُمْ مَنَعُوا الظّوَاهِرَ غَيْرَ شَكّ ... إلَى حَيْثُ الْبَوَاطِنُ فَالْعَوَادِي بِكُلّ طِمِرّةٍ وَبِكُلّ نَهْدٍ ... سَوَاهِمَ قَدْ طُوِينَ مِنْ الطّرَادِ لَهُمْ بِالْخَيْفِ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدّ ... رِوَاقِ الْمَجْدِ رفّع بالعماد [ابن الزبعرى يرد عَلَى مَوْهَبٍ] فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَعْرَى، فَقَالَ: وَأَمْسَى مَوْهِبٌ كَحِمَارِ سَوْءٍ ... أَجَازَ بِبَلْدَةٍ فيها ينادى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر المهاجرات بعد الهدنة

فَإِنّ الْعَبْدَ مِثْلَك لَا يُنَاوِي ... سُهَيْلًا ضَلّ سعيك من تعادى فأقصر يابن قَيْنِ السّوءِ عَنْهُ ... وَعَدّ عَنْ الْمَقَالَةِ فِي الْبِلَادِ وَلَا تَذْكُرْ عِتَابَ أَبِي يَزِيدٍ ... فَهَيْهَاتَ الْبُحُورُ مِنْ الثّمَادِ [أَمْرُ الْمُهَاجِرَاتِ بَعْدَ الْهُدْنَةِ] الرسول صلى الله عليه وسلم يأبى رد أم كلثوم (قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ) : وَهَاجَرَتْ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعِيطٍ فِي تِلْكَ الْمُدّةِ، فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة، حتى قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلَانِهِ أَنْ يَرُدّهَا عَلَيْهِمَا بِالْعَهْدِ الّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، أبى الله ذلك. [حول آية المهاجرات المؤمنات] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَكْتُبُ كِتَابًا إلَى ابْنِ أَبِي هُنَيْدَةَ، صَاحِبِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاحِدَةُ الْعِصَمِ: عِصْمَةٌ، وَهِيَ الحبل والسّبب. قال عشى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: إلَى الْمَرْءِ قَيْسٍ نُطِيلُ السّرَى ... وَنَأْخُذُ مِنْ كُلّ حَيّ عِصَمِ وهذا البيت فى قصيدة له. وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ، وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا، ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. قَالَ: فَكَتَبَ إلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ، فَلَمّا هَاجَرَ النّسَاءُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى الإسلام أتى اللهُ أَنْ يُرْدَدْنَ إلَى الْمُشْرِكِينَ إذَا هُنّ اُمْتُحِنّ بِمِحْنَةِ الْإِسْلَامِ، فَعَرَفُوا أَنّهُنّ إنّمَا جِئْنَ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، وَأَمَرَ بِرَدّ صَدُقَاتِهِنّ إلَيْهِمْ إنْ احْتَبَسْنَ عَنْهُمْ، إنْ هُمْ رَدّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَدَاقَ مَنْ حُبِسُوا عَنْهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ، ذلكم حكم الله يحكم بينكم، والله عليم حَكِيمٌ. فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم النساء وردّ الرجال، وسأل الذى أَمَرَهُ اللهُ بِهِ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ صَدُقَاتِ نساء من مَنْ حُبِسُوا مِنْهُنّ، وَأَنْ يَرُدّوا عَلَيْهِمْ مِثْلَ الّذِي يَرُدّونَ عَلَيْهِمْ، إنْ هُمْ فَعَلُوا، وَلَوْلَا الّذِي حَكَمَ اللهُ بِهِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ لَرَدّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّسَاءَ كَمَا رَدّ الرّجَالَ، وَلَوْلَا الْهُدْنَةُ وَالْعَهْدُ الّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ لَأَمْسَكَ النّسَاءَ، وَلَمْ يَرْدُدْ لَهُنّ صَدَاقًا، وَكَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ بِمَنْ جَاءَهُ مِنْ الْمُسْلِمَاتِ قَبْلَ العهد. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بشرى فتح مكة وتعجيل بعض المسلمين

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَأَلْت الزّهْرِيّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَوْلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ فِيهَا: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ، فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ فَقَالَ: يَقُولُ: إنْ فَاتَ أَحَدًا مِنْكُمْ أَهْلُهُ إلَى الْكُفّارِ، وَلَمْ تَأْتِكُمْ امْرَأَةٌ تَأْخُذُونَ بِهَا مِثْلَ الّذِي يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ، فَعَوّضُوهُمْ مِنْ فَيْءٍ إنْ أَصَبْتُمُوهُ، فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ... إلَى قَوْلِ اللهِ عَزّ وَجَلّ: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ، كَانَ مِمّنْ طَلّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، طَلّقَ امْرَأَتَهُ قُرَيْبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَتَزَوّجَهَا بَعْدَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا بِمَكّةَ، وَأُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ جَرْوَلَ أُمّ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ الْخُزَاعِيّةُ، فَتَزَوّجَهَا أَبُو جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا. [بشرى فتح مكة وتعجيل بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ: أَلَمْ تَقُلْ يَا رَسُولَ اللهِ إنّك تَدْخُلُ مَكّةَ آمِنًا؟ قَالَ: بَلَى، أَفَقُلْت لَكُمْ مِنْ عَامِي هَذَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهُوَ كَمَا قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلام. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ يُقَالُ فِيهَا: الْحُدَيْبِيَةُ بِالتّخْفِيفِ، وَهُوَ الْأَعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيّةِ. قَالَ الْخَطّابِيّ: أَهْلُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ: الْحُدَيْبِيَةُ بِالتّشْدِيدِ، وَالْجِعْرَانَةُ كَذَلِكَ، وَأَهْلُ الْعَرَبِيّةِ يَقُولُونَهُمَا: بِالتّخْفِيفِ، وَقَالَ الْبَكْرِيّ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يُشَدّدُونَ الرّاءَ وَالْيَاءَ فِي الْجِعْرَانَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُخَفّفُونَ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النّحّاسُ: سَأَلْت كُلّ مَنْ لَقِيته مِمّنْ أَثِقُ بِعِلْمِهِ عَنْ الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمْ يَخْتَلِفُوا عَلَى أَنّهَا بِالتّخْفِيفِ «1» . الْمِيقَاتُ وَالْإِشْعَارُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ خُرُوجَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعْتَمِرًا إلَى مَكّةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ: مِنْ أَيْنَ أَحْرَمَ، وَفِي الصّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ الزّهْرِيّ أَنّهُ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيّ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ قَوْلِهِ: إنّ تَمَامَ الْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك، وَهَذَا مِنْ قَوْلِ عَلِيّ مُتَأَوّلٌ فِيمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ مِنْ وَرَاءِ الْمِيقَاتِ، فَهُوَ الّذِي يُحْرِمُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، كَمَا يُحْرِمُ أَهْلُ مَكّةَ مِنْ مَكّةَ فِي الْحَجّ. وَفِيهِ: أَنّهُ أَشْعَرَ الْهَدْيَ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ النّخَعِيّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ فِي قَوْلِهِمْ إنّ الْإِشْعَارَ مَنْسُوخٌ بِنَهْيِهِ عَنْ الْمُثْلَةِ، ويقال لهم: إن

_ (1) وأهل الحديث يكسرون العين وأهل الأدب يخففون الراء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النّهْيَ عَنْ الْمُثْلَةِ كَانَ بِإِثْرِ غَزْوَةِ أُحُدٍ، فلا يكون الناسخ متقدما على المنسوخ فيه شَرْحِ حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ: وَفِيهِ أَنّهُمْ مَرّوا بِطَرِيقِ أَجْرَدَ، وَمَعْنَاهُ: كَثِيرُ الْحِجَارَةِ «1» ، وَالْجَرَدُ: الْحَجَرُ. وَفِيهِ أَنّهُ بَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ إلَى مَكّةَ، فَدَلّ عَلَى أَنّهُ يَجُوزُ لِلرّجُلِ أَنْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ، إذَا مَسّتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ، أَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ صَلَاحٌ لِلْمُسْلِمَيْنِ. وَفِي الْبُخَارِيّ وَالنّسَوِيّ أَنّ عَيْنَهُ الّذِي أَرْسَلَ جَاءَهُ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ، وَالْأَشْطَاطُ: جَمْعُ شَطّ، وَهُوَ السّنَامُ، قَالَ الرّاجِزُ «2» : شَطّا رَمَيْت فَوْقَهُ بِشَطّ وَشَطّ الْوَادِي: أَيْضًا جَانِبُهُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ الْأَشْظَاظُ بِالظّاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَاسْمُ عَيْنِهِ ذَلِكَ بُسْرُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الْخُزَاعِيّ «3» ، وَهُوَ الذى

_ (1) فى السيرة أجرل. والجرل: بالتحريك: الحجارة أو مع الشجر أو المكان الصلب الغليظ، والجرد من الأرض ما لا ينبت، والفضاء لا نبت فيه وهذا الإسم للفضاء، ومن هذا يتبين أن السهيلى وضع للجرد معنى الجرل، أو لعله خطأ من الناسخ، إذ جعل اللام دالا. (2) الرجز لأبى النجم، وهو الفضل بن قدامة بن عبيد الله عجلى من بنى عجل ابن لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بن وائل، والرجز هكذا. علقت خودا من بنات الزط ... ذات جهاز مضغط ملط كأن تحت درعها المنعط ... شطا رميت فوقه بشط لم ينز فى الرفع ولم ينحط (3) أوعو يمر الخزاعى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مع بديل بن أم أصرم «1» وهو بديل ابن سَلَمَةَ «2» إلَى خُزَاعَةَ يَسْتَنْفِرُهُمْ إلَى قِتَالِ أَهْلِ مَكّةَ عَامَ الْفَتْحِ. وَفِيهِ أَنّ قُرَيْشًا خَرَجَتْ وَمَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ. الْعُوذُ: جَمْعُ عَائِذٍ، وَهِيَ النّاقَةُ الّتِي مَعَهَا وَلَدُهَا، يُرِيدُ أَنّهُمْ خَرَجُوا بذوات الألبان من الإبل، ليتزوّدوا ألباسها، وَلَا يَرْجِعُوا، حَتّى يُنَاجِزُوا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فِي زَعْمِهِمْ، وَإِنّمَا قِيلَ لِلنّاقَةِ: عَائِذٌ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ هُوَ الّذِي يَعُوذُ بِهَا، لِأَنّهَا عَاطِفٌ عليه، كما قالوا نجارة رَابِحَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوحًا فِيهَا، لِأَنّهَا فِي مَعْنَى نَامِيَةٍ وَزَاكِيَةٍ، وَكَذَلِكَ عِيشَةٌ رَاضِيَةٌ لِأَنّهَا فِي مَعْنَى صَالِحَةٍ، وَمِنْ نَحْوِ هَذَا قَوْلُهُ: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً الْفَتْحُ: 25 وَإِنْ كَانَ عَاكِفًا، لِأَنّهُ مَحْبُوسٌ فِي الْمَعْنَى، فَتَحَوّلَ وَزْنُهُ فِي اللّفْظِ إلَى وَزْنِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ، كَمَا قَالُوا فِي الْمَرْأَةِ: تُهْرَاقُ الدّمَاءَ، وَقِيَاسُهُ: تُهْرِيقُ الدّمَاءَ، وَلَكِنّهُ فِي مَعْنَى: تُسْتَحَاضُ، فَحُوّلَ إلَى وزن ما لم يسمّ فاعله وبقيت الدماء منصوبة على المفعول كما كانت «3» .

_ (1) فى الأصل: أصوم. (2) فى القاموس: بديل بن ميسرة بن أم أصرم، وبديل بن سلمة. وفى الاشتقاق: بديل بن أم أصرم. (3) قد يكون منصوبا على التمييز، وإن كان معرفة، وله نظائر، أو يكون قد أجرى تهراق مجرى: نفست المرأة غلاما، ونتج الفرس مهرا، ويجوز رفع الدم على تقدير تهراق دماؤها، وتكون الألف واللام بدلا من الإضافة كقوله تعالى: (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) أى عقدة نكاحه أو نكاحها واللسان مادة هرق» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ فِي بِئْرِ الْحُدَيْبِيَةِ: إنّمَا يُتَبَرّضُ مَاؤُهَا تبرّضا من البرض، وهو الماء الدى يَقْطُرُ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَالْبَارِضُ مِنْ النّبَاتِ الّذِي كأنه يقطر من مِنْ الرّيّ وَالنّعْمَةِ. قَالَ الشّاعِرُ: رَعَى بَارِضَ الْبُهْمَى جَمِيمًا وَبُسْرَةً ... وَصَمْعَاءَ حَتّى آنَفَتْهُ نِصَالُهَا «1» يُقَالُ لِكُلّ شَيْءٍ فِي أَوّلِهِ: بُسْرَةٌ حَتّى لِلشّمْسِ عِنْدَ طُلُوعِهَا، وَصَمْعَاءُ: مُتّحِدَةٌ قَدْ شَوّكَتْ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ أَنْ رَجُلًا مِنْ أسلم سلك بهم طريقا وعرا أجول يُقَالُ: إنّ ذَلِكَ الرّجُلُ هُوَ نَاجِيَةُ الْأَسْلَمِيّ، وَهُوَ سَائِقُ بُدْنِهِ، وَهُوَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَيُقَالُ فِيهِ ابْنُ عُمَيْرٍ، وَكَانَ اسْمُهُ: ذَكْوَانُ، فَسَمّاهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَاجِيَةَ حِينَ نَجَا مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ، وَعَاشَ إلَى زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَمّا صَاحِبُ بُدْنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي الْمُوَطّإِ وَغَيْرِهِ، فَاسْمُهُ: ذُؤَيْبُ بْنُ حَلْحَلَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كُلَيْبِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُمَيْرِ بْنِ حُبْشِيّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ربيعة، وهو لحىّ بن

_ (1) البيت فى اللسان وروايته: رعت. وفى الأصل: حميما وآلفته والتصويب من اللسان. وآنفته: جعلتها تشتكى- أنوفها بسفاها. ويروى حتى أنصاتها. والبهمى: نبات تحبه الغنم حبا شديدا مادام أخضر. قال الأزهرى: البهمى أول ما يبدو منها البارض، فاذا تحرك قليلا فهو جميم، فاذا أرتفع وتم قبل أن يتفقأ، فهو الصمعاء. والبسرة: الغض من البهمى «انظر اللسان فى مادة يسر، وصمع، وبهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَارِثَةَ جَدّ خُزَاعَةَ، وَذُؤَيْبٌ هَذَا هُوَ وَالِدُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ الْقَاضِي صَاحِبُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَعَاشَ ذُؤَيْبٌ إلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ أَيْضًا. وَذَكَرَ فِي نَسَبِ أَسْلَمَ بْنِ أَفْصَى بْنِ أَبِي حَارِثَةَ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَقَدْ أَصْلَحَهُ ابن هشام، فقال: هو حارثة يعنى بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ مَاءِ السّماء ابن حارثة الغطريف بن امرىء الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسَدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ إسْحَاقَ لَمْ يَهِمْ فِيهِ، وَلَكِنّهُ نَسَبَهُ إلَى أَبِي حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَهُوَ عَمّ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَحَارِثَةُ هُوَ أَبُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ «1» . وَذَكَرَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إلَى خُطّةٍ، الْحَدِيثُ، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَدْعُونِي قُرَيْش، وَلَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيثِ: إنْ شَاءَ اللهُ، وَقَدْ تَكَلّمُوا فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: إنّمَا أَسْقَطَ الِاسْتِثْنَاءَ، لِأَنّهُ أَمْرٌ وَاجِبٌ كَانَ قَدْ أَمَرَ بِهِ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ: إنّمَا أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ، وَلَنْ يُضَيّعَنِي «2» ، وَقِيلَ إنّ إسْقَاطَ الِاسْتِثْنَاءِ إنّمَا هُوَ مِنْ الرّاوِي إمّا نَسِيَهُ وَإِمّا لَمْ يَحْفَظْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: أَوْ تَنْفَرِدُ هَذِهِ السّالِفَةُ. السّالِفَةُ: صَفْحَةُ الْعُنُقِ، وانفرادها

_ (1) هذا لأن حارثة ولد ربيعة، وولد ربيعة عمرا، وهو أبو خزاعة. (2) رأى غير جيد، لأنه تعالى قال فى هذه القصة: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) مع تحقيق وقوع ذلك تعليما وإرشادا «عن فتح البارى» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عبارة عن القتل أو الذيح، وَفِي الرّجَزِ الّذِي أَنْشَدَهُ: يَا أَيّهَا الْمَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا لَوْ قَالَ دُونَك دَلْوِي لَكَانَ الدّلْوُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْإِغْرَاءِ، فَلَمّا قَدّمَهَا عَلَى دُونَك، لَمْ يَجُزْ نَصْبُهَا بِدُونِك، وَلَكِنّهُ بِفِعْلِ آخَرَ، كَأَنّهُ قَالَ: امْلَأْ دَلْوِي، فَقَوْلُهُ: دُونَكَا أَمْرٌ بَعْدَ أَمْرٍ. وَفِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الْحُلَيْسِ: إنّ هَذَا مِنْ قَوْمٍ يَتَأَلّهُونَ، أَيْ: يُعَظّمُونَ أَمْرَ الْإِلَهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ: سَبّحْنَ، وَاسْتَرْجَعْنَ مَنْ تَأَلّهَ «1» أَيْ: مِنْ تَنَسّكٍ وَتَعْظِيمٍ لِلّهِ سُبْحَانَهُ. وَصْفُ الْجَمْعِ بِالْمُفْرَدِ: وَقَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ لِقُرَيْشِ: قَدْ عَرَفْتُمْ أَنّكُمْ وَالِدٌ: أَيْ كُلّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَالْوَالِدِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنْتُمْ حَيّ قَدْ وَلَدَنِي، لِأَنّهُ كَانَ لِسُبَيْعَةَ «2» بِنْتِ عَبْدِ شَمْسٍ «3» ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَمَاعَةِ: هم لى صديق وعدوّ. وفى

_ (1) القصيدة فى ديوان رؤية والبيت هكذا: لله در الغانيات المده ... سبحن واسترجعن من تألهى. (2) فى الأصل: سفيعة، وهو خطأ. (3) وعبد شمس هو ابن عبد مناف بن قصى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التّنْزِيلِ: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً النّسَاءُ: 69 فَيُفْرَدُ لِأَنّهُ صِفَةٌ لِفَرِيقِ وَحِزْبٍ وَيَقْبُحُ أَنْ تَقُولَ: قَوْمُك ضَاحِكٌ أَوْ بَاكٍ، وَإِنّمَا يَحْسُنُ هَذَا إذَا وَصَفْت بِصَدِيقِ وَرَفِيقٍ وَعَدُوّ لِأَنّهَا صِفَةٌ تَصْلُحُ لِلْفَرِيقِ وَالْحِزْبِ، لِأَنّ الْعَدَاوَةَ وَالصّدَاقَةَ صِفَتَانِ مُتَضَادّتَانِ، فَإِذَا كَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا الْفَرِيقُ الْوَاحِدُ، كَانَ الْآخَرُ عَلَى ضِدّهَا، وَكَانَتْ قُلُوبُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فِي تِلْكَ الصّفَةِ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي عُرْفِ الْعَادَةِ، فَحَسُنَ الْإِفْرَادُ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِثْلُ هَذَا فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَنَحْوِهِ، حَتّى يُقَالَ: هُمْ قَاعِدٌ أَوْ قَائِمٌ كَمَا يُقَالُ: هُمْ صَدِيقٌ لِمَا قَدّمْنَاهُ مِنْ الِاتّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ. وَأَمّا قَوْلُهُ تَعَالَى: يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا غَافِرٌ: 67، بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ النّورُ: 59 فَالْأَحْسَنُ فِي حُكْمِ الْبَلَاغَةِ أَنْ يُعَبّرَ عَنْ الْأَطْفَالِ الرّضّعِ بِالطّفْلِ فِي الْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ، لِأَنّهُمْ مَعَ حِدْثَانِ الْوِلَادَةِ كَالْجِنْسِ الّذِي يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِلَفْظِ وَاحِدٍ، أَلَا تَرَى أَنّ بَدْءَ الْخَلْقِ طِينٌ، ثُمّ مَنِيّ، وَالْمَنِيّ جِنْسٌ لَا يَتَمَيّزُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، فَلِذَلِكَ لَا يُجْمَعُ، وَكَذَلِكَ الطّينُ، ثُمّ يَكُونُ الْخَلْقُ عَلَقًا، وَهُوَ الدّمُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ جِنْسًا، ثُمّ يُخْرِجُهُمْ اللهُ طِفْلًا، أَيْ: جِنْسًا تَالِيًا لِلْعَلَقِ وَالْمَنِيّ لَا يَكَادُ يَتَمَيّزُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إلّا عِنْدَ آبَائِهِمْ، فَإِذَا كَبُرُوا وَخَالَطُوا النّاسَ، وَعَرَفَ النّاسُ صُوَرَهُمْ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَصَارُوا كَالرّجَالِ وَالْفِتْيَانِ، قِيلَ فِيهِمْ: حِينَئِذٍ أَطْفَالٌ، كَمَا يُقَالُ: رِجَالٌ وَفِتْيَانٌ، وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بِالْأَجِنّةِ أَنّهُمْ مُغَيّبُونَ فِي الْبُطُونِ، فَلَمْ يَكُونُوا كَالْجِنْسِ الظّاهِرِ لِلْعُيُونِ كَالْمَاءِ وَالطّينِ وَالْعَلَقِ، وَإِنّمَا جَمْعُ الْجَنِينِ عَلَى أَجِنّةٍ، وَحَسُنَ ذَلِكَ فِيهِ، لِأَنّهُ تَبَعٌ لِلْبَطْنِ الّذِي هُوَ فِيهِ، وَيُقَوّي هَذَا الْغَرَضَ الّذِي صمدنا إليه فى الطّال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَوْلُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَجَاعَةَ لِعُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَدْ سَأَلَهُ: هَلْ بَقِيَ مِنْ كُهُولِ بَنِي مَجَاعَةَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَشَكِيرٌ كَثِيرٌ، فَانْظُرْ كَيْفَ قَالَ: الْكُهُولُ وَجَمَعَ، وَقَالَ فِي الصّغَارِ: شَكِيرٌ كَمَا تَقُولُ: حَشِيشٌ، وَنَبَاتٌ، فَتُفْرَدُ، لِأَنّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالطّفْلُ فِي مَعْنَى الشّكِيرِ مَا دَامُوا رُضّعًا، حَتّى يَتَمَيّزُوا بِالْأَسْمَاءِ وَالصّوَرِ عِنْدَ النّاسِ، فَهَذَا حُكْمُ الْبَلَاغَةِ، وَمَسَاقُ الفصاحة فافهمه. وأما قول عروة: جمعت أو شاب النّاسِ، يُرِيدُ: أَخْلَاطًا، وَكَذَلِكَ الْأَوْبَاشُ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ: أَمّا الْمَالُ فَلَسْت مِنْهُ «1» فِي شَيْء فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنّ أَمْوَالَ الْمُشْرِكِينَ حَرَامٌ إذَا أَمّنُوك وَأَمّنْتهمْ، وَإِنّمَا يَحِلّ بِالْمُحَارَبَةِ والمبالغة لَا عِنْدَ طُمَأْنِينَتِهِمْ إلَيْك وَأَمَنَتِهِمْ مِنْك، فَإِنّ ذلك هو الغدر،

_ (1) كان المغيرة قبل إسلامه صحب قوما فى الجاهلية ثلاثة عشر من ثقيف من بنى مالك لما خرجوا المقوقس بمصر بهدايا، فأحسن إليهم، وأعطاهم، وقصر بالمغيرة، لأنه ليس من القوم، بل من أحلافهم، فغار منهم ولم يواسه أحد منهم، فلما كان ببعض الطريق شربوا الخمر، وناموا، فوثب المغيرة، فقتلهم كلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء إلى المدينة، فأسلم فقال أبو بكر: ما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قال: قتلتهم، وجئت بأسلابهم إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليحسن، أو ليرى رأيه فيها، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا الإسلام- بالنصب على المفعولية- فأقبل، وأما المال فلست منه فى شىء «المواهب ص 191 ح 2» ورواية البخارى ومسلم «صحب قوما فى الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبى «ص» أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه فى شىء» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى آثَارٌ قَدْ مَضَى بَعْضُهَا، وَسَيَأْتِي بَعْضُهَا فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ وَغَيْرِهَا. وَفِيهِ: أَنّهُمْ كَانُوا يَتَدَلّكُونَ بِنُخَامَةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَنَخّمَ. وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى طَهَارَةِ النّخَامَةِ خِلَافًا لِلنّخَعِيّ، وَمَا يُرْوَى فِي ذَلِكَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ. وَحَدِيثُ: إذَا تَنَخّمَ أَحَدُكُمْ فِي الصّلَاة أَبْيَنُ فِي الْحُجّةِ، لِأَنّ حَدِيثَ السّيرَةِ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» . حَوْلَ الْمُصَالَحَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ مُصَالَحَةَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِقُرَيْشِ وَشَرْطَهُمْ أَنْ لَا يَأْتِيَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ مِمّنْ هُوَ عَلَى دِينِهِ إلّا رَدّهُ عَلَيْهِمْ، وَفِي هذا الحديث مصالحة

_ (1) لا يعتبر عمل الصحابة هنا هدا يهتدى به أو أسوة يقتدى بها، أو عملا يمكن أن يضاف إلى الإسلام كشعيرة أو سنة. فإنه عمل إن صح الحديث مرتبط بما فعل من أجله، لا يتعداه، ولا يحتسب قاعدة. بدليل أن أحدا من الصحابة لم يفعله بعد ذلك، وهى لمحة رئعة من لمحات صاحب الفتح أن يقول: «ولعل الصحابة فعلوا ذلك بحضرة عروة بالغوا فى ذلك إشارة إلى الرد على ما حشيه من فرارهم، فكانهم قالوا بلسان الحال: من نحبه هذه المحبة. ونعظمه هذا التعظيم، كيف يظن به أن نفر عنه ونسلمه لعدو، بل هم أشد اعتباطا به وبدينه ونصره من هذه القبائل التى تداعى بعضها بمجرد الرحم، ص 192 ح 2 المواهب. ولعل من دنس الفهم وقذارته أن نتصور فى الإسلام أنه بمجد مثل هذا أو يفتح له بابا يدخل منه إلى شريعته. أو يحث الناس على التدلك بنخامة شيوخهم كما يفترون!! هذا وقد روى عن أبى هريرة وأبى سعيد أن رسول الله «ص» رأى تخامة فى جدار المسجد فتناول حصاة. فحتها، وقال إذا تخم احدكم فلا يتنخمن قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه اليسرى «متفق عليه» وفى رواية البخارى: فيدفها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُشْرِكِينَ عَلَى غَيْرِ مَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ، وَقَدْ تَقَدّمَ مُصَالَحَتُهُمْ عَلَى مَالٍ يُعْطُونَهُ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَاخْتُلِفَ: هَلْ يَجُوزُ صُلْحُهُمْ إلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا رَآهُ الْإِمَامُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَتَجَاوَزُ فِي صُلْحِهِمْ إلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، وَحُجّتُهُمْ أَنّ حَظْرَ الصّلْحِ هُوَ الْأَصْلُ بِدَلِيلِ آيَةِ الْقِتَالِ، وَقَدْ وَرَدَ التّحْدِيدُ بِالْعَشْرِ فِي حَدِيثِ ابْنِ إسْحَاقَ فَحَصَلَتْ الْإِبَاحَةُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ متحقّقة، وبقيت الزيادة على الأصلى وَهُوَ الْحَظْرُ، وَفِيهِ الصّلْحُ عَلَى أَنْ يُرَدّ الْمُسْلِمُ إلَى دَارِ الْكُفْرِ، وَهَذَا مَنْسُوخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ سُرّيّةِ خَالِدٍ حِينَ وَجّهَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَثْعَمٍ، وَفِيهِمْ نَاسٌ مُسْلِمُونَ فَاعْتَصَمُوا بِالسّجُودِ فَقَتَلَهُمْ خَالِدٌ، فَوَدَاهُمْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِصْفَ الدّيَةِ، وَقَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ مُسْلِمٍ بَيْنَ مُشْرِكِين، وَقَالَ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ: هُوَ جَائِزٌ، وَلَكِنْ لِلْخَلِيفَةِ الْأَكْبَرِ لَا لِمَنْ دُونَهُ، وَفِيهِ: نَسْخُ السّنّةِ بِالْقُرْآنِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنّ هَذَا الْعَهْدَ كَانَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَأْتِيَهُ مُسْلِمٌ إلّا رَدّهُ، فَنَسَخَ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي النّسَاءِ خَاصّةً، فَقَالَ عَزّ وَجَلّ: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ [فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ] الْمُمْتَحَنَةُ: 10 هَذَا عَلَى رِوَايَةِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزّهْرِيّ، فَإِنّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: أَنْ لَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ، وَأَحَدٌ يَتَضَمّنُ الرّجَالَ وَالنّسَاءَ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ هَذَا تَخْصِيصُ عُمُومٍ لَا نَسْخٌ، عَلَى أَنّ بَعْضَ حُذّاقِ الْأُصُولِيّينَ قَدْ قَالَ فِي الْعُمُومِ: إذَا عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ فِي عَصْرِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاعْتُقِدَ فِيهِ الْعُمُومُ، ثُمّ وَرَدَ التّخْصِيصُ فَهُوَ نَسْخٌ، وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنْ لَا يَأْتِيَهُ رَجُلٌ. فَهَذَا اللّفْظُ لَا يَتَنَاوَلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النّسَاءَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنّمَا اسْتَجَازَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَدّ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ فِي هَذَا الصّلْحِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ إلَى خُطّةٍ يُعَظّمُونَ فِيهَا الْحَرَمَ إلّا أَجَبْتهمْ إلَيْهَا، وَفِي رَدّ الْمُسْلِمِ إلَى مَكّةَ عِمَارَةُ الْبَيْتِ، وَزِيَادَةُ خَيْرٍ لَهُ فِي الصّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالطّوَافِ بِالْبَيْتِ، فَكَانَ هَذَا مِنْ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللهِ تَعَالَى، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ حُكْمًا مَخْصُوصًا بِمَكّةَ، وَبِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَكُونُ غَيْرَ جَائِزٍ لِمَنْ بَعْدَهُ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيّونَ. حُكْمُ الْمُهَاجِرَاتِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ سُبْحَانَهُ: إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ، فَامْتَحِنُوهُنَّ الْمُمْتَحَنَةُ: 1. هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَخْصُوصٌ بِنِسَاءِ أَهْلِ الْعَهْدِ وَالصّلْحِ، وَكَانَ الِامْتِحَانُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمَرْأَةَ الْمُهَاجِرَةَ أَنّهَا مَا خَرَجَتْ نَاشِزًا وَلَا هَاجَرَتْ إلّا لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ «1» ، فَإِذَا حَلَفَتْ لَمْ تُرَدّ وَرُدّ صَدَاقُهَا إلَى بَعْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعَهْدِ لَمْ تُسْتَحْلَفْ، وَلَمْ يُرَدّ صَدَاقُهَا. وَفِيهِ: أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحَا اسْمَهُ، وَهُوَ رَسُولُ اللهِ، وَكَتَبَ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، لِأَنّهُ قَوْلُ حَقّ كُلّهُ، وَظَنّ بَعْضُ النّاسِ أَنّهُ كَتَبَ بِيَدِهِ، وَفِي الْبُخَارِيّ أَنّهُ كَتَبَ، وَهُوَ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ، فَتَوَهّمَ أَنّ اللهَ تَعَالَى أَطْلَقَ يَدَهُ بِالْكِتَابَةِ فِي تِلْكَ السّاعَةِ خَاصّةً، وَقَالَ: هِيَ آيَةٌ، فَيُقَالُ لَهُ: كَانَتْ تَكُونُ آيَةً لَوْلَا أَنّهَا مُنَاقِضَةٌ لِآيَةِ أُخْرَى، وَهُوَ كَوْنُهُ أُمّيّا لَا يكتب،

_ (1) اقرأ تفسير ابن كثير للآية فقد روى غير هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَبِكَوْنِهِ أُمّيّا فِي أُمّةٍ أُمّيّةٍ قَامَتْ الْحُجّةُ، وَأُفْحِمَ الْجَاحِدُ، وَانْحَسَمَتْ الشّبْهَةُ، فَكَيْفَ يُطْلِقُ اللهُ يَدَهُ، لِتَكُونَ آيَةً؟ وَإِنّمَا الْآيَةُ أَنْ لَا يَكْتُبَ وَالْمُعْجِزَاتُ «1» يَسْتَحِيلُ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَإِنّمَا مَعْنَى: كَتَبَ أَيْ: أَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ «2» وَكَانَ الْكَاتِبُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلِيّ بْنَ أبى طالب، وقد كتب له عدّة

_ (1) أذكر هنا بأن الله سبحانه سمى ما أعطاه لرسله آيات، لا معجزات. (2) نص رواية البخارى والنسائى وأحمد «فأخذ الكتاب، وليس يحسن أن يكتب، فكتب مكان رسول الله محمد بن عبد الله» ولهذا يتبين لنا ان تأويل السهيلى غير جيد. ولأن هذه الرواية مخالفة لكل الروايات الصحيحة أنكر بعض المأخرين على أبى موسى المدينى نسبتها للبخارى فقال: ليست فى البخارى ولا فى مسلم. وهو كما قال عن مسلم، ولكنها ثابتة فى البخارى. وقد تمسك بظاهر رواية البخارى أبو الوليد الباجى سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب المتوفى سنة 474 هـ، فزعم أن النبى «ص» كتب بعد أن لم يكن يحسن أن يكتب، فشنع عليه علماء الأندلس، وبهتوه بالزندقة، وشنعوا عليه من على المنابر فى الجمع، فجمعهم به الأمير، فاستظهر الباجى بما كان يعرف من فنون القول والمجادلة، وزعم أن رأيه غير مخالف للقرآن، بل إنه يؤخذ من مفهوم القرآن، لأنه قيد نفى الكتابة عنه بما قبل ورود القرآن: (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ، وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) وبعد أن تحققت أمنيته، وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب فى ذلك، لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم، فيكون معجزة أخرى وقد وافقه جماعة، وأنكر عليه آخرون كثيرون. أنظر فتح البارى فى شرح الحديث والمواهب اللدنية ص 196 وما عدها ح 2. أقول: وما استنبطه الباجى مخالف لما تواتر وللروايات الصحيحة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْأَرْقَمِ، وخالد بن سعيد، وأخوه أبان، وزيد ابن ثَابِتٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي بن سَلُولَ، وَأُبَيّ بْنُ كَعْبٍ الْقَارِي، وَقَدْ كَتَبَ لَهُ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَكَتَبَ لَهُ كَثِيرًا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بَعْدَ عَامِ الفتح، وكتب له أيضا الزّبير ابن الْعَوّامِ، وَمُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وعمرو بن العاصى، وجهيم بن الصّلت، وعبد الله ابن رَوَاحَةَ، وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَحَنْظَلَةُ الْأُسَيْدِيّ، وَهُوَ حَنْظَلَةُ بْنُ الرّبِيعِ، وَفِيهِ يَقُولُ الشّاعِرُ بَعْدَ مَوْتِهِ: إنّ سَوَادَ الْعَيْنِ أَوْدَى بِهِ ... حُزْنٌ عَلَى حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ وَالْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ، ذَكَرَهُمْ عُمَرُ بْنُ شَبّةَ فِي كِتَابِ الْكُتّابِ لَهُ «1» . بِاسْمِك اللهُمّ: وَأَمّا قَوْلُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو لَهُ: وَلَكِنْ اُكْتُبْ: بِاسْمِك اللهُمّ، فَإِنّهَا كَلِمَةٌ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُهَا وَلِقَوْلِهِمْ لَهَا سَبَبٌ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ، وَأَوّلُ مَنْ قَالَهَا أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ، وَمِنْهُ تَعَلّمُوهَا وَتَعَلّمَهَا هُوَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْجِنّ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ ذَكَرَهُ الْمَسْعُودِيّ «2» وَهُوَ الْخَبَرُ الّذِي لخصناه فى الكتاب المذكور.

_ (1) ذكر ابن القيم فى زاد المعاد منهم عامر بن فهيرة، وثابت بن قيس ابن شماس. (2) يثير الدهشة أن يصدق الرجل الكثير مثل هذا الخرف الصغير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَيْبَةٌ مَكْفُوفَةٌ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ: وَأَنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ عَيْبَةً مَكْفُوفَةً «1» أَيْ: صُدُورٌ مُنْطَوِيَةٌ عَلَى مَا فِيهَا لَا تُبْدِي عَدَاوَةً، وَضَرَبَ الْعَيْبَةَ مَثَلًا، وَقَالَ الشّاعِرُ: وَكَادَتْ عِيَابُ الْوُدّ منّا ومتهم ... وَإِنْ قِيلَ أَبْنَاءُ الْعُمُومَةِ تَصْفَرُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي «2» فَضَرَبَ الْعَيْبَةَ مَثَلًا لِمَوْضِعِ السّرّ، وَمَا يُعْتَدّ بِهِ مِنْ وُدّهِمْ. وَالْكَرِشُ وِعَاءٌ يُصْنَعُ مِنْ كَرِشِ البعبر، يُجْعَلُ فِيهِ مَا يُطْبَخُ مِنْ اللّحْمِ، يُقَالُ: مَا وَجَدْت لِهَذِهِ الْبَضْعَةِ فَاكَرِشٍ، أَيْ: إنّ الْكَرِشَ قَدْ امْتَلَأَ، فَلَمْ يَسَعْهَا فَمُهُ. وَيُضْرَبُ أيضا هذا مثلا «3» ،

_ (1) ليس فى السيرة وبينكم. (2) أراد «ص» أنهم بطانه وموضع سره وأمانته، والذين يعتمد إليهم فى اموره. واستعار الكرش وتعيبه لذلك، لأن المجتر بجمع لمفه فى كرشه، والرجل يضع ثيابه فى عيبته. وقيل: أراد بالكرش: الجماعة أى: جماعتى وصحابتى، يقال. عليه كرش، أى جماعة «النهاية لابن الأثير» والحديث فى البخارى: «أوصيكم بالأنصار، فانهم كرشى وعيبتى، وقد قضوا الذى عليهم، وبقى الذى لهم فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» . (3) أى لم أجد إليه سبيلا؛ وعن اللحيانى: لو وجدت إليه فاكرش، وباب كرش، وإنى فى كرش لأتيته، يعنى قدر ذلك من السبل، ومثله قولهم لو وجدت إليه: فاسبيل، وأصل المثل أن رجلا فصل شاة. فأدخلها فى كرشتها. ليطبحها، فقيل له: أدخل الرأس، فقال: إن وجدت إلى ذلك فاكرش يعنى: إن وجدت إليه سبيلا، وقيل غير ذلك ولكنه قريب من هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَمَا قَالَ الْحَجّاجُ: مَا وَجَدْت إلَى دَمِ فُلَانٍ فَاكَرِشٍ. وَقَوْلُهُ: وَلَا إغْلَالَ، هِيَ الْخِيَانَةُ، يُقَالُ: فُلَانٌ مُغِلّ الْأُصْبُعِ، أَيْ خَائِنُ الْيَدِ. قَالَ الشّاعِرُ: حَدّثْت نَفْسَك بِالْوَفَاءِ، وَلَمْ تَكُنْ ... بِالْغَدْرِ خَائِنَةً مِثْلَ الْأُصْبُعِ وَالْإِسْلَالُ: السّرِقَةُ، وَالْخُلْسَةُ وَنَحْوُهَا، وَهِيَ السّلّةُ قَالُوا فِي الْمَثَلِ: الْخَلّةُ تدعو إلى السّنّة. أبو جندل وصاحباه فِي الْخَمْرِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ خُرُوجَ أَبِي جَنْدَلٍ يرسف فى الحديد. أبو جندل، هو العاصى بْنُ سُهَيْلٍ، وَأَمّا أَخُوهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سُهَيْلٍ، فَكَانَ قَدْ فَرّ يَوْمَ بَدْرٍ إلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَحِقَ بِهِمْ، وَشَهِدَ بَدْرًا، وَالْمَشَاهِدَ كُلّهَا، وَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا، وَأَمّا أَبُو جَنْدَلٍ، فَاسْتُشْهِدَ مَعَ أَبِيهِ بِالشّامِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَهُوَ الّذِي شَرِبَ الْخَمْرَ مُتَأَوّلًا لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا [إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا؛ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ] الْمَائِدَةُ: 93 فَجَلَدَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَمْرِ عُمَرَ وَجَلَدَ صَاحِبَهُ، وَهُوَ ضِرَارٌ، ثُمّ إنّ أَبَا جَنْدَلٍ أَشْفَقَ مِنْ الذّنْبِ حَتّى قَالَ: لَقَدْ هَلَكْت، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنّ الّذِي زَيّنَ لَك الْخَطِيئَةَ هُوَ الّذِي حَظَرَ عَلَيْك التوبة:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم «1» تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ الْآيَةُ. وَكَانَ شَرِبَهَا مَعَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ، وَأَبُو الْأَزْوَرِ، فَلَمّا أَمَرَ عُمَرُ أَنْ يُجْلَدُوا، قَالُوا: دَعْنَا نَلْقَى الْعَدُوّ، فَإِنْ قُتِلْنَا فَذَاكَ، وَإِلّا حَدَدْتُمُونَا، فَقُتِلَ أَبُو الْأَزْوَرِ، وَحُدّ الْآخَرَانِ. الدنية التى رفضها عمر: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فغلام نُعْطَى الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا، هِيَ فَعِيلَةٌ مِنْ الدّنَاءَةِ، وَأَصْلُهَا الْهَمْزُ، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرِ: إنّي عَبْدُ اللهِ وَلَسْت أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي، وَأَنّهُ أَتَى أَبَا بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاوَبَهُ أَبُو بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا جَاوَبَهُ بِهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرْفًا بِحَرْفِ، ثُمّ قَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ الْزَمْ غَرْزَهُ «2» ، فَإِنّي أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللهِ، قَالَ عُمَرُ: وَمَا شَكَكْت مُنْذُ أَسْلَمْت إلّا تِلْكَ السّاعَةَ، وَفِي هَذَا أَنّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يَشُكّ، ثُمّ يُجَدّدُ النّظَرَ فِي دَلَائِلِ الْحَقّ فَيَذْهَبُ شَكّهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ: هُوَ شَيْءٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ، ثُمّ ذَكَرَ ابْنُ عَبّاسٍ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ولكن ليطمئنّ قلبى) وَلَوْلَا الْخُرُوجُ عَمّا صَمَدْنَا إلَيْهِ فِي هَذَا الكتاب

_ (1) تقرأ هكذا: حاميم، وكل أخواتها. (2) أى اعتلق به، وأمسكه. واتبع قوله وفعله ولا تخالفه، فاستعار له الغرز كالذى يمسك بركاب الراكب ويسير بسيره. والغرز هو ركاب كور الجمل، وقيل: هو الكور مطلقا مثل الركاب للسرج «مختصر عن النهاية» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي) ، وَذَكَرْنَا النّكْتَةَ الْعُظْمَى فِي ذَلِكَ، وَلَعَلّنَا أَنْ نَلْقَى لَهَا مَوْضِعًا، فَنَذْكُرَهَا. وَالشّكّ الّذِي ذَكَرَهُ عُمَرُ وابن عباس مالا يُصِرّ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، وَإِنّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْوَسْوَسَةِ الّتِي قَالَ فِيهَا عَلَيْهِ السّلَامُ مُخْبِرًا عَنْ إبْلِيسَ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي رَدّ كَيْدَهُ إلَى الْوَسْوَسَةِ. مَوْقِفُ أُمّ سَلَمَةَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ: وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ الصّحِيحِ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ دَخَلَ عَلَى أُمّ سَلَمَةَ، وَشَكَا إلَيْهَا مَا لَقِيَ مِنْ النّاسِ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْلِقُوا وَيَنْحَرُوا، فَلَمْ يَفْعَلُوا لِمَا بِهِمْ مِنْ الْغَيْظِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ اُخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَلَا تُكَلّمْهُمْ، حَتّى تَحْلِقَ وَتَنْحَرَ، فَإِنّهُمْ إذَا رَأَوْك قَدْ فَعَلْت ذَلِكَ، لَمْ يُخَالِفُوك. فَفَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَعَلَ النّاسُ، وَكَانَ الّذِي حَلَقَ رَأْسَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خِرَاشَ بْنَ أُمَيّةَ [بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُنْقِذِ بْنِ عَفِيفِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ حبشية بن سَلُولَ] الْخُزَاعِيّ [ثُمّ الْكَلْبِيّ] «1» وَهُوَ الّذِي كَانَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ إلى مَكّةَ فَعَقَرُوا جَمَلَهُ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَحِينَئِذٍ بَعَثَ إلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَفِي تَرْكِهِمْ لِلْبِدَارِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ الْأَمْرَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ، كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْأُصُولِيّينَ، وَفِيهِ أَنّهُمْ حَمَلُوا الْأَمْرَ عَلَى غَيْرِ الْوُجُوبِ لِقَرِينَةِ، وَهِيَ أَنّهُمْ رَأَوْهُ لم يحلق ولم ينحر،

_ (1) الزيادة من الإصابة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَمْ يُقَصّرْ، فَلَمّا رَأَوْهُ قَدْ فَعَلَ اعْتَقَدُوا وُجُوبَ الْأَمْرِ وَامْتَثَلُوهُ. وَفِيهِ أَيْضًا إبَاحَةُ مُشَاوَرَةِ النّسَاءِ، وَذَلِكَ أَنّ النّهْيَ عَنْ مُشَاوَرَتِهِنّ إنّمَا هُوَ عِنْدَهُمْ فِي أَمْرِ الْوِلَايَةِ خَاصّةً، كَذَلِكَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النّحّاسُ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ. الْمُقَصّرُونَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ اسْتِغْفَارَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمُحَلّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصّرِينَ مَرّةً وَاحِدَةً. وَلَمْ يَكُنْ الْمُقَصّرُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إلّا رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ، وَالْآخَرُ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ، كَذَلِكَ جَاءَ فِي مُسْنَدِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أَبُو بَصِيرٍ: وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي بَصِيرٍ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ، فَقِيلَ: عُبَيْدُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ، وَقِيلَ عتبة. وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ حِينَ قَتَلَ أَحَدَ الرّجُلَيْنِ: وَيْلُ أُمّهِ مَحَشّ حَرْبٍ. وَفِي الصّحِيحِ: وَيْلُ أُمّهِ مُسَعّرُ حَرْب، يُقَالُ: حَشَشْت النّارَ، وَأَرّثْتُهَا، وَأَذْكَيْتهَا، وَأَثْقَبْتُهَا وَسَعّرْتهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَسُمّيَ الْأَسْعَرُ الْجُعْفِيّ أَسْعَرَ بِقَوْلِهِ: فَلَا يدعنى قومى لسعد بن مالك ... لئن أتا لَمْ أُسْعِرْ عَلَيْهِمْ وَأُثْقِبِ وَكَانَ اسْمُهُ مَرْثَدَ بْنَ حُمْرَانَ «1» ، وَمَالِكٌ فِي هَذَا الْبَيْتِ: هُوَ مذحج،

_ (1) فى المؤتلف للآمدى ص 58 ابن أبى حمران وكذلك فى الاشتقاق ص 408-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا لُحُوقُ أَبِي بَصِيرٍ بِسَيْفِ الْبَحْرِ، فَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ الزّهْرِيّ، أَنّهُ كَانَ يُصَلّي بِأَصْحَابِهِ هُنَالِكَ، حَتّى لَحِقَ بِهِمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ فَقَدّمُوهُ، لِأَنّهُ قُرَشِيّ، فَلَمْ يَزَلْ أَصْحَابُهُ يَكْثُرُونَ، حَتّى بَلَغُوا ثَلَاثَمِائَةٍ، وَكَانَ أَبُو بَصِيرٍ كَثِيرًا مَا يَقُولُ هُنَالِكَ: اللهُ الْعَلِيّ الْأَكْبَرُ، مَنْ يَنْصُرُ اللهَ فَسَوْفَ يُنْصَرْ، فَلَمّا جَاءَهُمْ الْفَرَجُ مِنْ اللهِ تَعَالَى، وَكَلّمَتْ قُرَيْشٌ النبىّ عليه السلام أَنْ يُؤْرِبَهُمْ إلَيْهِ لَمّا ضَيّقُوا عَلَيْهِمْ، وَرَدَ كِتَابُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَصِيرٍ فِي الْمَوْتِ، يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَأُعْطِي الْكِتَابَ فجعل يقرأه ويسرّبه، حَتّى قُبِضَ وَالْكِتَابُ عَلَى صَدْرِهِ، فَبُنِيَ عَلَيْهِ هُنَاكَ مَسْجِدٌ، يَرْحَمُهُ اللهُ «1» . عُمْرَةٌ: وَفِي الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ السّيرَةِ أَنّ الْمُسْلِمِينَ حِينَ حَلَقُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُمْ بِالْحِلّ قَدْ مُنِعُوا أَنْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ جَاءَتْ الرّيحُ، فَاحْتَمَلَتْ شُعُورَهُمْ حتى

_ - ولكنه فى سمط البكرى ص 94 كما هنا، والكل على أن كنيته: أبو حمران، وهو شاعر جاهلى. (1) لا ريب فى أنه بنى بعد ذلك بكثير، فليس من هدى الإسلام إقامة المساجد على القبور. فقد وصف الرسول «ص» - كما جاء فى البخارى ومسلم- الذين يفعلون ذلك بأنهم شرار الخلق عند الله يوم القيامة ولعن الذين يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، أما إقامة مسجد على كهف أهل الكهف فكان من عمل الذين علبوا على الأمر، أما الذين قالوا: ربهم أعلم بهم- وهذه كلمة الإيمان العظيم- فقالوا ابنوا عليهم بنيانا. أى سدوا عليهم باب الكهف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَلْقَتْهَا فِي الْحَرَمِ، فَاسْتَبْشَرُوا بِقَبُولِ اللهِ عُمْرَتَهُمْ. ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ. وَالْعُمْرَةُ مُشْتَقّةٌ مِنْ عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَبُنِيَتْ عَلَى فُعْلَةٍ، لِأَنّهَا فِي مَعْنَى قُرْبَةٍ وَوُصْلَةٍ إلَى اللهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنّهَا الزّيَارَةُ فِي اللّغَةِ بِبَيّنِ، وَلَا فِي قَوْلِ الْأَعْشَى حُجّةٌ لَهُمْ لِأَنّهُ مُحْتَمَلُ التّأْوِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَجَاشَتْ النّفْسُ لَمّا جَاءَ فَلّهُمْ ... وَرَاكِبٌ جَاءَ مِنْ تَثْلِيثَ مُعْتَمِرُ قَتْلُ أَبِي بَصِيرٍ لِلْكَافِرِ: فَصْلٌ: وَمِمّا يُسْأَلُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَصِيرٍ قَتْلُهُ الرّجُلَ الْكَافِرَ، وَهُوَ فِي الْعَهْدِ: أَكَانَ ذَلِكَ حَرَامًا أَمْ مُبَاحًا لَهُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْهُ، لِأَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُثَرّبْ، بَلْ مَدَحَهُ، وَقَالَ: وَيْلُ أُمّهِ مِحَشّ حَرْبٍ. فَإِنْ قِيلَ: وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ، وَقَدْ حَقَنَ الصّلْحُ الدّمَاءَ؟ قُلْنَا: إنّمَا ذَلِكَ فِي حَقّ أَبِي بَصِيرٍ عَلَى الْخُصُوصِ، لِأَنّهُ دَافَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَدِينِهِ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَإِنّمَا لَمْ يُطَالِبْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بِدِيَةِ. لأن أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ لَمْ يُطَالِبُوهُ، إمّا لِأَنّهُمْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا، وَإِمّا لِأَنّ اللهَ شَغَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، حَتّى انْتَكَثَ الْعَهْدُ، وَجَاءَ الْفَتْحُ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدِي مَنْ قُتِلَ خَطَأً مِنْ أَهْلِ الصّلْحِ كَمَا وَدَى الْعَامِرِيّيْنِ «1» وَغَيْرَهُمَا قُلْنَا: عَنْ هذا جوابان، أحدهما:

_ (1) هذا بنص القرآن (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنّ أَبَا بَصِيرٍ كَانَ قَدْ رَدّهُ إلَى الْمُشْرِكِينَ، فَصَارَ فِي حُكْمِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ فِي فِئَةِ الْمُسْلِمِينَ وَحِزْبِهِمْ، فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ. وَالْجَوَابُ الثّانِي: أَنّهُ إنْ كَانَ قَتَلَ عَمْدًا، وَلَمْ يَكُنْ قَتَلَ خَطَأً، كَمَا كَانَ قَتَلَ الْعَامِرِيّيْنِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا [وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا] «1» مِنْ مَوَاقِفِ عُمَرَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ: فَصْلٌ: وَقَوْلُ عُمَرَ لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ تَعِدْنَا أَنّا تَأْتِي الْبَيْتَ، وَنَطُوفُ بِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. كَانَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أُرِيَ ذَلِكَ فِي مَنَامِهِ، وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، ثُمّ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ الآية الفتح: 27 وَيُسْأَلُ عَنْ قَوْلِهِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ: مَا فَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ خَبَرٌ وَاجِبٌ؟ وَفِي الْجَوَابِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: أَنّهُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: آمِنِينَ، لَا إلَى نَفْسِ الدّخُولِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنّ الْوَعْدَ بِالْأَمَانِ قَدْ انْدَرَجَ فِي الوعد بالدخول.

_ (1) سبق الحديث عن العقل والعاقلة وهى العصبة والأقارب من قبل الأب الذين يعطون دية قتيل الخطأ. والمعنى أن كل جناية عمد، فانها من مال الجانى خاصة، ولا يلزم العاقلة منها شىء، وكذلك ما اصطلحوا عليه من الجنايات فى الخطأ، وكذلك إذا اعترف الجانى بالجناية من غير بينة تقوم عليه، وإن ادعى أنها خطأ لا يقبل منه، ولا تلزم بها العاقلة، وأما العبد، فهو أن يجنى حر على عبد، فليس على عاقلة الجانى شىء، إنما جنايته فى ماله خاصة. أنظر مادة عقل فى النهاية لابن الأثير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثّانِي أَنّهُ وَعْدٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى التّفْصِيلِ، إذْ لَا يَدْرِي كُلّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ: هَلْ يَعِيشُ إلَى ذَلِكَ، أَمْ لَا، فَرَجَعَ الشّكّ إلَى هَذَا الْمَعْنَى، لَا إلَى الْأَمْرِ الْمَوْعُودِ بِهِ، وَقَدْ قِيلَ إنّمَا هُوَ تَعْلِيمٌ لِلْعِبَادِ أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ، ويستعملونها فِي كُلّ فِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ أَعْنِي: إنْ شَاءَ اللهُ «1» . بَيْعَةُ الشّجَرَةِ وَأَوّلُ مَنْ بَايَعَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ بَيْعَةَ الشّجَرَةِ، وَسَبَبَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَوّلَ مَنْ بَايَعَ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ أَنّ أَوّلَ مَنْ بَايَعَ بَيْعَةَ الرّضْوَانِ سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الأسدىّ وقال موسى ابن عُقْبَةَ: أَوّلُ مَنْ بَايَعَ أَبُو سِنَانٍ، وَاسْمُهُ: وهب بن محصن أخى عكّاشة ابن مِحْصَنٍ الْأَسَدِيّ، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ أَبُو سِنَانٍ أَسَنّ مِنْ أَخِيهِ عُكّاشَةَ بِعَشْرِ «2» سِنِينَ، شَهِدَ بَدْرًا، وَتُوُفّيَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَيُرْوَى أَنّهُ حين قال

_ (1) يقول البيضاوى «هى تعليق للعدة بالمشيئة تعليما للعباد أو إشعارا بأن بعضهم لا يدخل لموت أو غيبة أو حكاية لما قاله ملك الرؤيا، أو النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه» . (2) فى رواية: بعشرين. تعليق عام على الحديبية الحديبية: بئر سمى المكان بها، وقيل شجرة سمى بها المكان، أو هى قرية ليست كبيرة بعضها فى الحل وبعضها فى الحرم، وهى على تسعة أميال من مكة عدد أبطالها: فى الصحيحين عن جابر أنهم كانوا خمسائة وألفا. وفيهما عن جابر نفسه أنهم كانوا أربعمائة وألفا. ويقول ابن القيم: والقلب إلى هذا أميل. وفى الصحيحين أيضا عن عبد الله بن أبى أنهم كانوا ثلثمائة وألفا. المبايعة: كانت على ألا يفرو كما فى الصحيحين. أول من بايع: هو أبو سنان الأسدى، وبايعه سلمة بن الأكوع ثلاث مرات-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُبْسُطْ يَدَك أُبَايِعْك، قَالَ: عَلَامَ تُبَايِعُنِي؟ قَالَ: عَلَى مَا فِي نَفْسِك يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَمّا سِنَانٌ ابْنُهُ، فَهُوَ أَيْضًا بَدْرِيّ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، وَأَمّا مُبَايَعَتُهُمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشّجَرَةِ، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ جَابِرٍ وَأَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فِي الرّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ، فَبَايَعُوهُ فِي قَوْلِ جَابِرٍ عَلَى أَنْ لَا يَفِرّوا. قَالَ: وَلَمْ يُبَايِعُوهُ عَلَى الْمَوْتِ. وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ: بَايَعَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الموت، قال

_ - فى أول الناس وأوسطهم وآخرهم من كلام عروة لقريش عن النبى «ص» وصحبه: «إذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه تعظيما له، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها» الصحيحان. كلام عمر: فى رواية الصحيحين أنه قال: «والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ» وقالها عقب مجىء أبى جندل ورفض سهيل بن عمر تركه، وصرخة أبى جندل الحزينة ثم قوله «وقد جئت مسلما، ألا ترون ما لقيت» ويقول الراوى فى الصحيحين: «وكان قد عذب فى الله عذابا شديدا، وكان مما قاله عمر للنبى «ص» : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ فرد عليه الرسول «ص» بمثل ما ورد فى السيرة، فقال عمر: «أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتى البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قلت- القائل عمر- لا، قال: فانك آتيه ومطوف به» . مشورة أم سلمة: فعل بها رسول الله «ص» . ويقول الراوى فى الصحيحين: «فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضهم غما» ويقول ابن القيم: «وقد اعتذر عن تأخيرهم الامتثال بأنهم كانوا يرجون النسخ، فأخروا متأولين لذلك، وهذا الاعتذار أولى أن يعتذر عنه، وهو باطل، فانه «ص» لو فهم منهم ذلك لم يشتد غضبه عليهم لتأخير أمره، ويقول: مالى لا أغضب، وأنا آمر بالأمر، فلا أتبع، وإنما-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التّرْمِذِيّ: وَكِلَا الْحَدِيثِينَ صَحِيحٌ، لِأَنّ بَعْضَهُمْ بَايَعَ عَلَى أَنْ لَا يَفِرّوا، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمَوْتَ، وبعضهم قال: أبايعك على الموت.

_ - كان تأخيرهم من السعى المغفور لا المشكور، وقد رضى الله عنهم، وغفر لهم وأوجب لهم الجنة» ص 216 ح 2 زاد المعاد. الماء فى الحديبية: فى الصحيح «أن النبى «ص» توضأ، ومج فى بئر الحديبية من فمه، فجاشت بالماء» كذلك قال البراء بن عازب وسلمة بن الأكوع فى الصحيحين. وفى الصحيحين أيضا فى حديث جابر «عطش الناس يوم الحديبية، وبين يدى رسول الله «ص» ركوة يتوضأ منها، فأقبل الناس نحوه، فقال: ما لكم، قالوا: يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ منه، ولا نشرب إلا ما فى ركوتك، فوضع يده فى الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا» وقد أخرج أحمد حديث جابر، وفيه: فجاءه رجل بإداوة فيها شىء من ماء ليس فى القوم ماء غيره، فصبه «ص» فى قدح، ثم توضأ، فأحسن الوضوء، ثم انصرف، وترك القدح، فتزاحم الناس عليه، فقال: على رسلكم فوضع كفه فى القدح، ثم قال: أسبغوا الوضوء. قال: فلقد رأيت العيون عيون الماء تخرج من بين أصابعه» وفى حديث زيد بن خالد أنهم أصابهم مطر بالحديبية، فلما صلى الصبح قال: أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بى كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بى مؤمن بالكواكب، هذا وقد استنبط الامام ابن القيم من قصة الحديبية ستأ وثلاثين فائدة فقهية تشهد له بالبراعة والألمعية، كما استنبط منها عدة حكم، فانظر كل هذا فى كتابه القيم «زاد المعاد» ص 311 ح 2 ط السنة المحمدية.

ذكر المسير إلى خيبر فى المحرم سنة سبع

[ذِكْرُ الْمَسِيرِ إلَى خَيْبَرَ فِي الْمُحَرّمِ سَنَةَ سبع] بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو محمد عبد الملك بن هشام، قال: حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبى قال: ثُمّ أَقَامَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ حِينَ رَجَعَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، ذَا الْحَجّةِ وَبَعْضَ الْمُحَرّمِ، وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ، ثُمّ خَرَجَ فِي بَقِيّةِ الْمُحَرّمِ إلَى خَيْبَرَ. قال ابن هشام: واستعمل على المدينة نميلة بْنَ عَبْدِ اللهِ اللّيْثَيّ، وَدَفَعَ الرّايَةَ إلَى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكانت بيضاء. ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا قَالَهُ أَبُو جَنْدَلٍ: فَصْلٌ: وَمِمّا قَالَهُ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ أَيّامَ كَوْنِهِ مَعَ أَبِي بَصِيرٍ بِسَيْفِ الْبَحْرِ: أَبْلِغْ قُرَيْشًا عَنْ أَبِي جَنْدَلٍ ... أَنّا بِذِي الْمَرْوَةِ فَالسّاحِلِ فِي مَعْشَرٍ تَخْفُقُ أَيْمَانُهُمْ ... بِالْبِيضِ فِيهَا وَالْقَنَا الذّابِلِ يَأْبَوْنَ أَنْ تَبْقَى لَهُمْ رُفْقَةٌ ... مِنْ بَعْدِ إسْلَامِهِمْ الْوَاصِلِ أَوْ يَجْعَلُ اللهُ لَهُمْ مَخْرَجًا ... وَالْحَقّ لَا يُغْلَبُ بِالْبَاطِلِ فَيَسْلَمُ الْمَرْءُ بِإِسْلَامِهِ ... أو يقتل المرء ولم يأتل

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بن الحارث التّيمى عن أبى الهيثم ابن نَصْرِ بْنِ دَهْرٍ الْأَسْلَمِيّ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ: أَنّهُ سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي مَسِيرِهِ إلَى خَيْبَرَ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَهُوَ عَمّ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو ابن الأكوع، وكان إسم الأكوع سنان: انزل يابن الأكوع، فخذ لنا من مِنْ هَنَاتِك، قَالَ: فَنَزَلَ يَرْتَجِزُ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ: وَاَللهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدّقْنَا وَلَا صَلّيْنَا إنّا إذَا قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبّتْ الْأَقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْحَمُك اللهُ؛ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: وَجَبَتْ وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَمْتَعْتنَا بِهِ! فَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ شَهِيدًا، وَكَانَ قَتَلَهُ، فِيمَا بَلَغَنِي، أَنّ سَيْفَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ، فَكَلَمَهُ كَلْمًا شَدِيدًا، فَمَاتَ مِنْهُ؛ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ شَكّوا فِيهِ، وَقَالُوا: إنّمَا قَتَلَهُ سِلَاحُهُ، حَتّى سَأَلَ ابْنُ أَخِيهِ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النّاسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّهُ لَشَهِيدٌ، وَصَلّى عَلَيْهِ، فَصَلّى عَلَيْهِ المسلمون. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ عَطَاءِ بْن أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُعَتّبِ بْنِ عَمْرٍو: أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ، وَأَنَا فِيهِمْ: قفوا، ثم قال: اللهمّ ربّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السماوات وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقَلَلْنَ، وَرَبّ الشّياطين وما أظللن، وَرَبّ الرّيَاحِ وَمَا أَذْرَيْنَ، فَإِنّا نَسْأَلُك خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرّهَا وَشَرّ أَهْلِهَا وَشَرّ مَا فِيهَا، أَقَدِمُوا بِسْمِ اللهِ. قَالَ: وَكَانَ يقولها عليه السلام لكلّ قرية دخلها. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ عَلَيْهِمْ حَتّى يُصْبِحَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ. فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلًا، فَبَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى إذَا أَصْبَحَ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا، فَرَكِبَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ، فَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنّ قَدَمِي لَتَمَسّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَقْبَلْنَا عُمّالَ خَيْبَرَ غَادِينَ، قَدْ خَرَجُوا بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ والجيش، قالوا: محمد والخميس مَعَهُ! فَأَدْبَرُوا هُرّابًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ، فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنَا هَارُونَ عَنْ حميد، عن أنس بمثله. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى خَيْبَرَ سَلَكَ عَلَى عَصْرٍ فَبَنَى لَهُ فيها مسجد، ثم على الصّبهاء، ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَيْشِهِ، حَتّى نَزَلَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ: الرّجِيعُ، فَنَزَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَطَفَانَ، لِيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يُمِدّوا أَهْلَ خَيْبَرَ، وَكَانُوا لَهُمْ مُظَاهِرِينَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فى خيبر

فَبَلَغَنِي أَنّ غَطَفَانَ لَمّا سَمِعَتْ بِمَنْزِلِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ جَمَعُوا لَهُ ثُمّ خَرَجُوا لِيُظَاهِرُوا يَهُودَ عَلَيْهِ، حَتّى إذَا سَارُوا مَنْقَلَةً سَمِعُوا خَلْفَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ حِسّا ظَنّوا أَنّ الْقَوْمَ قَدْ خَالَفُوا إلَيْهِمْ، فَرَجَعُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ، فَأَقَامُوا فِي أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَخَلّوْا بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم وبين خيبر. وَتَدَنّى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَمْوَالَ يَأْخُذُهَا مَالًا مَالًا، وَيَفْتَتِحُهَا حِصْنًا حِصْنًا، فَكَانَ أَوّلُ حُصُونِهِمْ اُفْتُتِحَ حِصْنُ نَاعِمٍ، وَعِنْدَهُ قتل محمود ابن مسلمة، ألقيت عليه منه رحا فقتلته، ثم الْقَمُوصُ، حِصْنُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَصَابَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ سَبَايَا، مِنْهُنّ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ، وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَبِنْتَيْ عَمّ لَهَا، فَاصْطَفَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ لِنَفْسِهِ. وَكَانَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ قَدْ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ، فَلَمّا أَصْفَاهَا لِنَفْسِهِ أَعْطَاهُ ابْنَتَيْ عَمّهَا، وَفَشَتْ السّبَايَا من خيبر فى المسلمين. [ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فى خيبر] وَأَكَلَ الْمُسْلِمُونَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ مِنْ حُمُرِهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهى النّاسَ عَنْ أُمُورٍ سَمّاهَا لَهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ ضمرة الفزارى عن عبد الله ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن أَبِي سَلِيطٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: أَتَانَا نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيّةِ، وَالْقُدُورُ تَفُورُ بِهَا، فَكَفَأْنَاهَا عَلَى وُجُوهِهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مَكْحُولٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَاهُمْ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ إتْيَانِ الْحَبَالَى مِنْ السّبَايَا، وَعَنْ أَكْلِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيّ، وَعَنْ أَكْلِ كُلّ ذِي نَابٍ مِنْ السّبَاعِ، وَعَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتّى تُقْسَمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي سَلّامُ بْنُ كِرْكِرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيّ، وَلَمْ يَشْهَدْ جَابِرٌ خَيْبَرَ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ نَهَى النّاسَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ، أَذِنَ لَهُمْ فِي أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ مولى تجيب، عن حَنْشٍ الصّنْعَانِيّ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ الْمَغْرِبَ، فَافْتَتَحَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهَا جِرْبَةٌ، فَقَامَ فِينَا خَطِيبًا، فقال: يا أيها النّاسُ. إنّي لَا أَقُولُ فِيكُمْ إلّا مَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُهُ فِينَا يَوْمَ خَيْبَرَ، قَامَ فِينَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا يحلّ لامرىء يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى مِنْ السّبَايَا، ولا يحلّ لامرىء يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَةً من السّبى حتى يستبرئها، ولا يحلّ لامرىء يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شأن بنى سهم

الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتّى يَقْسِمَ، وَلَا يحلّ لامرىء يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَرْكَبَ دَابّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدّهَا فِيهِ، وَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدّهُ فِيهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، أَنّهُ حُدّثَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم يوم خيبر عن عَنْ أَنْ نَبِيعَ أَوْ نَبْتَاعَ تِبْرَ الذّهَبِ بِالذّهَبِ الْعَيْنِ، وَتِبْرَ الْفَضّةِ بِالْوَرِقِ الْعَيْنِ، وَقَالَ: ابْتَاعُوا تِبْرَ الذّهَبِ بِالْوَرِقِ الْعَيْنِ، وَتِبْرَ الْفِضّةِ بِالذّهَبِ الْعَيْنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَدَنّى الحصون والأموال. [شأن بنى سهم] فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حَدّثَهُ بَعْضُ أَسْلَمَ: أَنّ بَنِي سَهْمٍ مِنْ أَسْلَمَ أَتَوْا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ جَهَدْنَا وَمَا بِأَيْدِينَا مِنْ شَيْءٍ؛ فَلَمْ يَجِدُوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شَيْئًا يُعْطِيهِمْ إيّاهُ؛ فَقَالَ: اللهُمّ إنّك قَدْ عَرَفْت حَالَهُمْ وَأَنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوّةٌ، وَأَنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إيّاهُ، فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُصُونِهَا عَنْهُمْ غَنَاءً، وَأَكْثَرَهَا طَعَامًا وَوَدَكًا، فَغَدَا النّاسُ، فَفَتَحَ اللهُ عَزّ وَجَلّ حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمَا بِخَيْبَرِ حِصْنٌ كَانَ أَكْثَرَ طَعَامًا وَوَدَكًا مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل مرحب اليهودى

[مَقْتَلُ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيّ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حُصُونِهِمْ مَا افْتَتَحَ، وَحَازَ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا حَازَ، انْتَهَوْا إلَى حِصْنَيْهِمْ الْوَطِيحِ وَالسّلَالِمِ، وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ أَهْلِ خَيْبَرَ افْتِتَاحًا، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِضْعَ عشرة ليلة. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: يَا مَنْصُورُ، أَمِتْ أَمِتْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيّ مِنْ حِصْنِهِمْ، قَدْ جَمَعَ سِلَاحَهُ، يَرْتَجِزُ وَهُوَ يَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي مَرْحَبْ ... شَاكِي السّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرّبْ أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أصرب ... إذَا اللّيُوثُ أَقْبَلَتْ تَحَرّبْ إنّ حِمَايَ لِلْحِمَى لَا يُقَرّبْ وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أتى كَعْبُ ... مُفَرّجُ الْغَمّى جَرِيءٌ صُلْبُ إذْ شَبّتْ الْحَرْبُ تَلَتْهَا الْحَرْبُ ... مَعِي حُسَامٌ كَالْعَقِيقِ عَضْبُ نَطَؤُكُمْ حَتّى يَذِلّ الصّعْبُ ... نُعْطِي الْجَزَاءَ أَوْ يَفِيءَ النّهْبُ بِكَفّ مَاضٍ لَيْسَ فِيهِ عَتْبُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتل ياسر أخى مرحب

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي كَعْبُ ... وَأَنّنِي مَتَى تُشَبّ الْحَرْبُ مَاضٍ عَلَى الْهَوْلِ جَرِيءٌ صُلْبُ ... مَعِي حُسَامٌ كَالْعَقِيقِ عَضْبُ بِكَفّ مَاضٍ لَيْسَ فِيهِ عَتْبُ ... نَدُكّكُمْ حَتّى يَذِلّ الصّعْبُ قَالَ ابن هشام: ومرحب من حِمْيَرَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيّ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لِهَذَا؟ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا وَاَللهِ الْمَوْتُورُ الثّائِرُ، قُتِلَ أَخِي بِالْأَمْسِ؛ فَقَالَ: فقم إليه، اللهمّ أعنه عليه. قَالَ: فَلَمّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ عُمْرِيّةٌ مِنْ شَجَرِ الْعُشَرِ فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَلُوذُ بِهَا مِنْ صَاحِبِهِ، كَلّمَا لَاذَ بِهَا مِنْهُ اقْتَطَعَ صَاحِبُهُ بِسَيْفِهِ مَا دُونَهُ مِنْهَا، حَتّى بَرَزَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرّجُلِ الْقَائِمِ، مَا فِيهَا فَنَنٌ، ثُمّ حَمَلَ مَرْحَبٌ عَلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَضَرَبَهُ، فَاتّقَاهُ بِالدّرَقَةِ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيهَا، فَعَضّتْ بِهِ فَأَمْسَكَتْهُ، وَضَرَبَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَتّى قتله. [مَقْتَلُ يَاسِرٍ أَخِي مَرْحَبٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ بَعْدَ مَرْحَبٍ أَخُوهُ يَاسِرٌ، وَهُوَ يقول: من ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شأن على يوم خيبر

يُبَارِزُ؟ فَزَعَمَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنّ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ خَرَجَ إلَى يَاسِرٍ، فَقَالَتْ أُمّهُ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: يَقْتُلُ ابْنِي يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: بَلْ ابْنُك يَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ اللهُ. فَخَرَجَ الزّبَيْرُ فَالْتَقَيَا، فَقَتَلَهُ الزّبَيْرُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: أَنّ الزّبَيْرَ كَانَ إذَا قِيلَ لَهُ: وَاَللهِ إنْ كَانَ سَيْفُك يَوْمَئِذٍ لَصَارِمًا عَضْبًا، قَالَ: وَاَللهِ مَا كَانَ صَارِمًا، وَلَكِنّي أَكْرَهْتُهُ. [شَأْنُ عَلِيّ يَوْمَ خَيْبَرَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيّ، عَنْ أَبِيهِ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِرَايَتِهِ، وَكَانَتْ بَيْضَاءَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، إلَى بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ، فَقَاتَلَ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَكُ فَتْحٌ، وَقَدْ جَهَدَ؛ ثُمّ بَعَثَ الْغَدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ، فَقَاتَلَ، ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَكُ فَتَحَ، وَقَدْ جَهَدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَأُعْطِيَنّ الرّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبّ اللهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ، لَيْسَ بِفَرّارٍ. قَالَ: يَقُولُ سَلَمَةُ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّا رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَرْمَدُ، فَتَفَلَ فِي عَيْنِهِ، ثُمّ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الرّايَةَ، فَامْضِ بِهَا حَتّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْك. قَالَ: يَقُولُ سَلَمَةُ: فَخَرَجَ وَاَللهِ بِهَا يَأْنِحُ، يُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً، وَإِنّا لَخَلْفَهُ نَتّبِعُ أَثَرَهُ، حَتّى رَكَزَ رَايَتَهُ فِي رَضْمٍ مِنْ حِجَارَةٍ تَحْتَ الْحِصْنِ، فَاطّلَعَ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر أبى اليسر

يَهُودِيّ مِنْ رَأْسِ الْحِصْنِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ يَقُولُ الْيَهُودِيّ: عَلَوْتُمْ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَمَا رَجَعَ حَتّى فَتَحَ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَايَتِهِ؛ فَلَمّا دَنَا مِنْ الْحِصْنِ خَرَجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ فَقَاتَلَهُمْ، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَطَاحَ تُرْسُهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ فَتَرّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ حَتّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، ثُمّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ حِينَ فَرَغَ، فَلَقَدْ رَأَيْتنِي فِي نَفَرٍ سَبْعَةٍ مَعِي، أَنَا ثَامِنُهُمْ، نَجْهَدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ، فَمَا نُقَلّبُهُ. [أمر أبى اليسر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ الْأَسْلَمِيّ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: وَاَللهِ إنّا لَمَعَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرِ ذَات عَشِيّةٍ، إذْ أَقْبَلَتْ غَنَمٌ لِرَجُلِ مِنْ يَهُودَ تُرِيدُ حِصْنَهُمْ، وَنَحْنُ مُحَاصِرُوهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يُطْعِمُنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ؟ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ: فَقُلْت: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَالَ: فَافْعَلْ، قَالَ: فَخَرَجْت أَشْتَدّ مِثْلَ الظّلِيمِ، فلما نظر إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صفية أم المؤمنين

مُوَلّيًا قَالَ: اللهُمّ أَمْتِعْنَا بِه؛ قَالَ: فَأَدْرَكْتُ الْغَنَمَ وَقَدْ دَخَلَتْ أُولَاهَا الْحِصْنَ فَأَخَذْت شَاتَيْنِ مِنْ أُخْرَاهَا، فَاحْتَضَنْتهمَا تَحْتَ يَدَيّ، ثُمّ أَقْبَلْت بِهِمَا أَشْتَدّ، كَأَنّهُ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ، حَتّى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَذَبَحُوهُمَا فَأَكَلُوهُمَا، فَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ مِنْ آخِرِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هَلَاكًا، فَكَانَ إذَا حَدّثَ هَذَا الْحَدِيثَ بَكَى، ثُمّ قَالَ: أُمْتِعُوا بِي، لَعَمْرِي، حَتّى كُنْت من آخرهم هلكا. [صَفِيّةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقَمُوصَ، حِصْنُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصَفِيّةَ بِنْتِ حيىّ ابن أَخْطَبَ، وَبِأُخْرَى مَعَهَا، فَمَرّ بِهِمَا بِلَالٌ، وَهُوَ الّذِي جَاءَ بِهِمَا عَلَى قَتْلَى مِنْ قَتْلَى يَهُودَ، فَلَمّا رَأَتْهُمْ الّتِي مَعَ صَفِيّةَ صَاحَتْ، وَصَكّتْ وَجْهَهَا وَحَثّتْ التّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا؛ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: أَعْزِبُوا عَنّي هَذِهِ الشّيْطَانَةَ، وَأَمَرَ بِصَفِيّةَ فَحِيزَتْ خَلْفَهُ، وَأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ، فَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالِ، فِيمَا بَلَغَنِي، حِينَ رَأَى بِتِلْكَ الْيَهُودِيّةِ مَا رَأَى: أَنُزِعَتْ مِنْك الرّحْمَةُ يَا بِلَالُ، حِينَ تَمُرّ بِامْرَأَتَيْنِ عَلَى قَتْلَى رِجَالِهِمَا؟ وَكَانَتْ صَفِيّةُ قَدْ رَأَتْ فِي الْمَنَامِ وَهِيَ عَرُوسٌ بِكِنَانَةِ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أبى الحقيق، أن قمرا وقع فى حِجْرُهَا، فَعَرَضَتْ رُؤْيَاهَا عَلَى زَوْجِهَا، فَقَالَ: مَا هَذَا إلّا أَنّك ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بقية أمر خيبر

تَمَنّيْنَ مُلْكَ الْحِجَازِ مُحَمّدًا، فَلَطَمَ وَجْهَهَا لَطْمَةً خَضّرَ عَيْنَهَا مِنْهَا. فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِهَا أَثَرٌ مِنْهُ، فَسَأَلَهَا مَا هُوَ؟ فَأَخْبَرَتْهُ هَذَا الْخَبَرَ. [بَقِيّةُ أمر خيبر] وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِكِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ، وَكَانَ عِنْدَهُ كَنْزُ بَنِي النّضِيرِ، فَسَأَلَهُ عَنْهُ، فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ مَكَانَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: إنّي رَأَيْت كِنَانَةَ يُطِيفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ كُلّ غَدَاةٍ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكنانة: أَرَأَيْت إنْ وَجَدْنَاهُ عِنْدَك، أَأَقْتُلُك؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْخَرِبَةِ فَحُفِرَتْ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَعْضَ كَنْزِهِمْ، ثُمّ سَأَلَهُ عَمّا بَقِيَ، فَأَبَى أَنْ يُؤَدّيَهُ، فَأَمَرَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ، فَقَالَ: عَذّبْهُ حَتّى تَسْتَأْصِل مَا عِنْدَهُ، فَكَانَ الزّبَيْرُ يَقْدَحُ بِزَنْدٍ فِي صَدْرِهِ، حَتّى أَشْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمّ دَفَعَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِأَخِيهِ مَحْمُودِ بن مسلمة. [صلح خَيْبَرَ] وَحَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمْ الْوَطِيحِ وَالسّلَالِمِ، حَتّى إذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، سَأَلُوهُ أَنْ يُسَيّرَهُمْ وَأَنْ يَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، فَفَعَلَ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ حَازَ الْأَمْوَالَ كُلّهَا: الشّقّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشاة المسمومة

وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ، إلّا مَا كَانَ مِنْ ذَيْنِك الْحِصْنَيْنِ. فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ أَهْلُ فَدَكَ قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا، بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُسَيّرَهُمْ، وَأَنّ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ، وَيُخَلّوا لَهُ الْأَمْوَالَ، فَفَعَلَ. وَكَانَ فِيمَنْ مَشَى بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَهُمْ فِي ذلك محيّصة ابن مَسْعُودٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ، فَلَمّا نَزَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ، سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُعَامِلَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى النّصْفِ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ، وَأَعْمَرُ لَهَا؛ فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى النّصْفِ، عَلَى أَنّا إذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ؛ فَصَالَحَهُ أَهْلُ فَدَكَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَكَانَتْ خَيْبَرُ فَيْئًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ فَدَكُ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، لِأَنّهُمْ لَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهَا بخيل ولا ركاب. [الشّاةِ الْمَسْمُومَةِ] فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْدَتْ لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ، امْرَأَةُ سَلّامِ بْنِ مِشْكَمٍ، شَاةً مَصْلِيّةً، وَقَدْ سَأَلَتْ أَيّ عُضْوٍ مِنْ الشّاةِ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقِيلَ لَهَا: الذّرَاعُ، فَأَكْثَرَتْ فِيهَا مِنْ السّمّ، ثم سَمّتْ سَائِرَ الشّاةِ، ثُمّ جَاءَتْ بِهَا؛ فَلَمّا وَضَعَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَنَاوَلَ الذّرَاعَ، فَلَاكَ مِنْهَا مُضْغَةً، فَلَمْ يُسِغْهَا، وَمَعَهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، قَدْ أَخَذَ مِنْهَا كَمَا أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؛ فَأَمّا بِشْرٌ فَأَسَاغَهَا؛ وَأَمّا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَفَظَهَا، ثُمّ قَالَ: إنّ هَذَا الْعَظْمَ لَيُخْبِرُنِي أَنّهُ مَسْمُومٌ، ثُمّ دَعَا بِهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فقال: ما حملك على ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رجوع الرسول إلى المدينة

ذلك؟ قالت: بَلَغْتَ مِنْ قَوْمِي مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك، فَقُلْت: إنْ كَانَ مَلِكًا اسْتَرَحْتُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ نَبِيّا فَسَيُخْبَرُ، قَالَ: فَتَجَاوَزَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَمَاتَ بِشْرٌ مِنْ أَكْلَتِهِ الّتِي أَكَلَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَرْوَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قَالَ فِي مَرَضِهِ الّذِي تُوُفّيَ فِيهِ، وَدَخَلَتْ أُمّ بِشْرٍ بِنْتُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ تَعُودُهُ: يَا أُمّ بِشْرٍ، إنّ هَذَا الْأَوَانَ وَجَدْتُ فِيهِ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ الْأَكْلَةِ الّتِي أَكَلْت مَعَ أَخِيك بِخَيْبَرِ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَيَرَوْنَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَاتَ شَهِيدًا، مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللهُ بِهِ مِنْ النّبُوّةِ. [رُجُوعُ الرّسُولِ إلَى الْمَدِينَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ انْصَرَفَ إلَى وَادِي الْقُرَى، فَحَاصَرَ أَهْلَهُ لَيَالِيَ، ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى المدينة. [مقتل غلام للرسول صلى الله عليه وسلم] قال ابن إسحاق: فحدثنى ثور بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَالِمٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: فَلَمّا انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَيْبَرَ إلَى وَادِي الْقُرَى نَزَلْنَا بِهَا أَصِيلًا مَعَ مَغْرِبِ الشّمْسِ، وَمَعَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غُلَامٌ لَهُ أَهْدَاهُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ، ثُمّ الضّبينىّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر ابن مغفل والجراب

قال ابن هشام: جذام، أخو لحم. قَالَ: فَوَاَللهِ إنّهُ لَيَضَعُ رَحْلَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ، فَقُلْنَا: هَنِيئًا لَهُ الْجَنّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَلّا، وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ، إنّ شَمْلَتَهُ الْآنَ لَتَحْتَرِقُ عَلَيْهِ فِي النّارِ، كَانَ غَلّهَا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ خَيْبَرَ. قَالَ: فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَبْتُ شِرَاكَيْنِ لِنَعْلَيْنِ لِي، قَالَ: فَقَالَ: يُقَدّ لك مثلهما من النار. [أمر ابن مغفل والجراب] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفّلٍ الْمُزَنِيّ، قَالَ: أَصَبْت مِنْ فَيْءِ خَيْبَرَ جِرَابَ شَحْمٍ، فَاحْتَمَلْته عَلَى عَاتِقِي إلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي. قَالَ: فَلَقِيَنِي صَاحِبُ الْمَغَانِمِ الّذِي جُعِلَ عَلَيْهَا، فَأَخَذَ بِنَاحِيَتِهِ وَقَالَ: هَلُمّ هَذَا نَقْسِمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: قُلْت: لَا وَاَللهِ لَا أُعْطِيكَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يُجَابِذُنِي الْجِرَابَ. قَالَ: فَرَآنَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ نَصْنَعُ ذَلِكَ. قَالَ: فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ضَاحِكًا، ثُمّ قَالَ لِصَاحِبِ الْمَغَانِمِ: لَا أَبَا لَك، خَلّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. قَالَ: فَأَرْسَلَهُ، فَانْطَلَقْتُ به إلى رحلى وأصحابى، فأكلناه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أبو أيوب يحرس الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة بنائه بصفية

[أبو أيوب يحرس الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة بنائه بصفية] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا أَعْرَسَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصَفِيّةَ، بِخَيْبَرِ أَوْ بِبَعْضِ الطّرِيقِ، وَكَانَتْ الّتِي جَمّلَتْهَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ومشّطتها وأصلحت من أَمْرِهَا أُمّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ، أُمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. فَبَاتَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قُبّةٍ لَهُ، وَبَاتَ أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَنِي النّجّارِ مُتَوَشّحًا سَيْفَهُ، يَحْرَسُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَيُطِيفُ بِالْقُبّةِ، حَتّى أَصْبَحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى مكانه قال: مالك يَا أَبَا أَيّوبَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، خِفْت عَلَيْك مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَكَانَتْ امْرَأَةً قَدْ قَتَلْتَ أَبَاهَا وَزَوْجَهَا وَقَوْمَهَا، وَكَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، فَخِفْتهَا عَلَيْك. فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ: اللهُمّ احفظ أبا أيوب كما بات يحفظنى. [بلال يغلبه النوم وهو يرقب الفجر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ: لَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ، فَكَانَ بِبَعْضِ الطّرِيقِ، قَالَ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ: مَنْ رَجُلٌ يَحْفَظُ عَلَيْنَا الْفَجْرَ لَعَلّنَا. نَنَام؟ قَالَ بِلَالٌ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَحْفَظُهُ عَلَيْك. فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَنَزَلَ النّاسُ فَنَامُوا، وَقَامَ بِلَالٌ يُصَلّي، فَصَلّى مَا شَاءَ اللهُ عَزّ وَجَلّ أَنْ يُصَلّيَ ثُمّ اسْتَنَدَ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر ابن لقيم فى فتح خيبر

بَعِيرِهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْفَجْرَ يَرْمُقُهُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، فَنَامَ، فَلَمْ يُوقِظْهُمْ إلّا مَسّ الشّمْسِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوّلَ أَصْحَابِهِ هَبّ، فَقَالَ: مَاذَا صَنَعْتَ بِنَا يَا بِلَالُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخَذَ بِنَفْسِي الّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك، قَالَ: صَدَقْت، ثُمّ اقْتَادَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعِيرَهُ غَيْرَ كَثِيرٍ، ثُمّ أَنَاخَ فَتَوَضّأَ، وَتَوَضّأَ النّاسُ، ثُمّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصّلَاةَ، فَصَلّى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ، فَلَمّا سَلّمَ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ: «إذَا نَسِيتُمْ الصّلَاةَ فَصَلّوهَا إذَا ذَكَرْتُمُوهَا» ، فَإِنّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي. [شِعْرُ ابْنِ لُقَيْمٍ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم، فيما بلغنى، قد أعطى ابن لُقَيْمٍ الْعَبْسِيّ، حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، مَا بِهَا مِنْ دَجَاجَةٍ أَوْ دَاجِنٍ، وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ فِي صَفَرٍ، فَقَالَ ابْنُ لُقَيْمٍ الْعَبْسِيّ فِي خيبر: رُمِيَتْ نَطَاةٌ مِنْ الرّسُولِ بِفَيْلَقٍ ... شَهْبَاءَ ذَاتِ مَنَاكِبَ وَفَقَارِ وَاسْتَيْقَنَتْ بِالذّلّ لَمَا شُيّعَتْ ... وَرِجَالُ أَسْلَمَ وَسْطَهَا وَغِفَارِ صَبّحَتْ بَنِي عَمْرِو بْنِ زُرْعَةَ غُدْوَةً ... وَالشّقّ أَظْلَمَ أَهْلُهُ بِنَهَارِ جَرّتْ بِأَبْطَحِهَا الذّيُولُ فَلَمْ تَدَعْ ... إلّا الدّجَاجَ تَصِيحُ فِي الْأَسْحَارِ وَلِكُلّ حِصْنٍ شَاغِلٌ مِنْ خَيْلِهِمْ ... مِنْ عَبْدِ أَشْهَلَ أَوْ بَنِي النّجّارِ وَمُهَاجِرِينَ قد اعلموا سماهم ... فَوْقَ الْمَغَافِرِ لَمْ يَنُوا لِفِرَارِ وَلَقَدْ عَلِمْتُ لَيَغْلِبَن مُحَمّدٌ ... وَلَيَثْوِيَن بِهَا إلَى أَصْفَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث المرأة الغفارية

فَرّتْ يَهُودُ يَوْمَ ذَلِكَ فِي الْوَغَى ... تَحْتَ العجاج غمائم الأبصار قال ابن هشام: فَرّتْ: كَشَفَتْ، كَمَا تُفَرّ الدّابّةُ بِالْكَشَفِ عَنْ أَسْنَانِهَا، يُرِيدُ كَشَفَتْ عَنْ جُفُونِ الْعُيُونِ غَمَائِمَ الأبصار، يريد الأنصار. [حديث الْمَرْأَةِ الْغِفَارِيّةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَشَهِدَ خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَرَضَخَ لَهُنّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْفَيْءِ، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنّ بِسَهْمٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، قَدْ سَمّاهَا لِي، قَالَتْ: أَتَيْت رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ مَعَك إلَى وَجْهِك هَذَا، وَهُوَ يَسِيرُ إلَى خَيْبَرَ، فَنُدَاوِي الْجَرْحَى، وَنُعِينُ الْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَطَعْنَا، فَقَالَ: عَلَى بَرَكَةِ اللهِ. قَالَتْ: فَخَرَجْنَا مَعَهُ، وَكُنْت جَارِيَةً حَدَثَةً، فَأَرْدَفَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم على حَقِيبَةِ رَحْلِهِ. قَالَتْ: فَوَاَللهِ لَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الصّبْحِ وَأَنَاخَ، وَنَزَلْت عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلِهِ، وَإِذَا بِهَا دَمٌ مِنّي، وَكَانَتْ أَوّلَ حَيْضَةٍ حِضْتَهَا، قَالَتْ: فَتَقَبّضْت إلَى النّاقَةِ وَاسْتَحْيَيْت، فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِي وَرَأَى الدم، قال: مالك؟ لَعَلّك نُفِسْت، قَالَتْ: قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِك، ثُمّ خُذِي إنَاءً مِنْ مَاءٍ، فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا، ثُمّ اغْسِلِي بِهِ مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنْ الدّمِ، ثُمّ عُودِي لِمَرْكَبِك. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شهداء خيبر

قَالَتْ: فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْبَرَ، رَضَخَ لَنَا مِنْ الْفَيْءِ، وَأَخَذَ هَذِهِ الْقِلَادَةَ الّتِي تَرَيْنَ فِي عُنُقِي فَأَعْطَانِيهَا، وَعَلّقَهَا بِيَدِهِ فِي عُنُقِي، فَوَاَللهِ لَا تُفَارِقُنِي أَبَدًا. قَالَتْ: فَكَانَتْ فِي عُنُقِهَا حَتّى مَاتَتْ، ثُمّ أَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ مَعَهَا. قَالَتْ: وَكَانَتْ لَا تَطَهّرَ مِنْ حَيْضَةٍ إلّا جَعَلَتْ فِي طَهُورِهَا مِلْحًا، وَأَوْصَتْ بِهِ أَنْ يُجْعَلَ فى غسلها حين ماتت. [شهداء خيبر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ قُرَيْشٍ ثُمّ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، ثُمّ مِنْ حَلْفَائِهِمْ: رَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُكَيْزِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ، وَثَقِيفُ بْنُ عَمْرٍو، وَرِفَاعَةُ بْنُ مَسْرُوحٍ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: عَبْدُ اللهِ بْنُ الْهُبَيْبِ، وَيُقَالُ: ابْنُ الْهَبِيبِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، ابْنُ أُهَيْبِ بْنِ سُحَيْمِ بْنِ غِيرَةَ، مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، حَلِيفٌ لِبَنِي أَسَدٍ، وَابْنُ أُخْتِهِمْ. وَمِنْ الْأَنْصَارِ ثُمّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، مَاتَ مِنْ الشّاةِ الّتِي سُمّ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَفُضَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ: مَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قيس بن خلدة بن عامر ابن زريق. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر الأسود الراعى فى حديث خيبر

وَمِنْ الْأَوْسِ ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيّ ابن مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ، حَلِيفٌ لَهُمْ من بنى حارثة. ومن بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: أَبُو ضَيّاحِ بْنُ ثابت بن النّعمان بن أميّة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف، والحارث بن حاطب؛ وعروة ابن مُرّةَ بْنِ سُرَاقَةَ، وَأَوْسُ بْنُ الْقَائِدِ، وَأُنَيْفُ بْنُ حَبِيبٍ، وَثَابِتُ بْنُ أَثَلَةَ، وَطَلْحَةُ. وَمِنْ بَنِي غِفَارٍ: عِمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ، رُمِيَ بِسَهْمِ. وَمِنْ أَسْلَمَ: عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْأَسْوَدُ الرّاعِي، وَكَانَ اسْمُهُ أَسْلَمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَسْوَدُ الرّاعِي مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ. وَمِمّنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، مِنْ بَنِي زُهْرَةُ: مَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْقَارَةِ وَمِنْ الْأَنْصَارِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: أَوْسُ بْنُ قَتَادَةَ. [أَمْرُ الْأَسْوَدِ الرّاعِي فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ] قَالَ ابن إسحاق: وكان من حديث الْأَسْوَدِ الرّاعِي، فِيمَا بَلَغَنِي: أَنّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ لِبَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ، وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ، كَانَ فِيهَا أَجِيرًا لِرَجُلِ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اعْرِضْ عَلَيّ الْإِسْلَامَ، فَعَرّضَهُ عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ- وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَحْقِرُ أَحَدًا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر الحجاج بن علاط السلمى

يَدْعُوَهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَيَعْرِضَهُ عَلَيْهِ- فَلَمّا أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي كُنْت أَجِيرًا لِصَاحِبِ هَذِهِ الْغَنَمِ، وَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدِي، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: اضْرِبْ فِي وُجُوهِهَا فَإِنّهَا سَتَرْجِعُ إلَى رَبّهَا- أَوْ كَمَا قَالَ- فَقَالَ الْأَسْوَدُ: فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْحَصَى فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهَا، وَقَالَ: ارْجِعِي إلَى صَاحِبِك، فَوَاَللهِ لَا أَصْحَبُك أَبَدًا، فَخَرَجَتْ مُجْتَمَعَةً كَأَنّ سَائِقًا يَسُوقُهَا، حَتّى دَخَلَتْ الْحِصْنَ، ثُمّ تَقَدّمَ إلَى ذَلِكَ الْحِصْنِ لِيُقَاتِلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَصَابَهُ حَجَرٌ فَقَتَلَهُ، وَمَا صَلّى لِلّهِ صَلَاةً قَطّ، فَأُتِيَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَوُضِعَ خَلْفَهُ، وَسُجّيَ بِشَمْلَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمّ أَعَرَضَ عَنْهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ أَعَرَضْت عَنْهُ؟ قَالَ: إنّ مَعَهُ الْآنَ زَوْجَتَيْهِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنّهُ ذُكِرَ لَهُ: أَنّ الشّهِيدَ إذَا مَا أُصِيبَ تَدَلّتْ (لَهُ) زَوْجَتَاهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، عَلَيْهِ تَنْفُضَانِ التّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ، وَتَقُولَانِ: تَرّبَ اللهُ وَجْهَ مَنْ تَرّبَك، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَك. [أَمْرُ الْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ السّلَمِيّ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ، كَلّمَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، الْحَجّاجُ بْنُ عِلَاطٍ السّلَمِيّ ثُمّ الْبَهْزِيّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ لِي بِمَكّةَ مَالًا عِنْدَ صَاحِبَتِي أُمّ شَيْبَةَ بِنْتِ أَبِي طَلْحَةَ- وَكَانَتْ عِنْدَهُ، لَهُ مِنْهَا مُعْرِضُ بْنِ الْحَجّاجِ وَمَالٌ مُتَفَرّقٌ فِي تُجّارِ أَهْلِ مَكّةَ، فَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ الله، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَأَذِنَ لَهُ، قَالَ: إنّهُ لَا بُدّ لِي يَا رَسُولَ اللهِ مِنْ أَنْ أَقُولَ، قَالَ: قُلْ قَالَ الْحَجّاجُ: فَخَرَجْتُ حَتّى إذَا قَدِمْت مَكّةَ وَجَدْت بِثَنِيّةِ الْبَيْضَاءِ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ يَتَسَمّعُونَ الْأَخْبَارَ، وَيَسْأَلُونَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَقَدْ بَلَغَهُمْ أَنّهُ قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ، وَقَدْ عَرَفُوا أَنّهَا قَرْيَةُ الْحِجَازِ، رِيفًا وَمَنَعَةً وَرِجَالًا، فَهُمْ يَتَحَسّسُونَ الأخبار، ويسألون الركبان، فلما رأونى قَالُوا: الْحَجّاجُ بْنُ عِلَاطٍ- قَالَ: وَلَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا بِإِسْلَامِي، عِنْدَهُ وَاَللهِ الْخَبَرُ- أَخْبِرْنَا يَا أَبَا مُحَمّدٍ، فَإِنّهُ قَدْ بَلَغْنَا أَنّ الْقَاطِعَ قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ، وَهِيَ بَلَدُ يَهُودُ وَرِيفُ الْحِجَازِ، قَالَ: قُلْت: قَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ وَعِنْدِي مِنْ الْخَبَرِ مَا يَسُرّكُمْ، قَالَ: فَالْتَبَطُوا بِجَنْبَيْ نَاقَتِي يَقُولُونَ: إيهِ يَا حَجّاجُ، قَالَ: قلت: هزم هزيمة لم يسمعوا بِمِثْلِهَا قَطّ، وَقُتِلَ أَصْحَابُهُ قَتْلًا لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهِ قَطّ، وَأُسِرَ مُحَمّدٌ أَسْرًا، وَقَالُوا: لَا نَقْتُلُهُ حَتّى نَبْعَثَ بِهِ إلَى أَهْلِ مَكّةَ، فَيَقْتُلُوهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِمَنْ كَانَ أَصَابَ مِنْ رِجَالِهِمْ. قَالَ: فَقَامُوا وَصَاحُوا بِمَكّةَ، وَقَالُوا: قَدْ جَاءَكُمْ الْخَبَرُ، وَهَذَا مُحَمّدُ إنّمَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ يُقْدَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ، فَيُقْتَلُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. قَالَ: قُلْت: أَعِينُونِي عَلَى جَمْعِ مَالِي بِمَكّةَ وَعَلَى غُرَمَائِي، فَإِنّي أُرِيدُ أَنْ أَقْدَمَ خَيْبَر، فَأُصِيبُ مِنْ فَلّ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التّجّارُ إلَى مَا هُنَالِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويقال: من فىء محمد. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ: فَقَامُوا فَجَمَعُوا لِي مَالِي كَأَحَثّ جَمْعٍ سَمِعْت بِهِ. قَالَ: وَجِئْت صَاحِبَتِي فَقُلْت، مَالِي، وَقَدْ كَانَ لِي عِنْدَهَا مَالٌ مَوْضُوعٌ، لَعَلّي أَلْحَقُ بِخَيْبَرِ، فَأُصِيبَ مِنْ فُرَصِ الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التّجّارُ، قَالَ: فَلَمّا سَمِعَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ الْخَبَرَ، وَجَاءَهُ عَنّي، أَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جَنْبِي وَأَنَا فِي خَيْمَةٍ مِنْ خِيَامِ التّجّارِ، فَقَالَ: يَا حَجّاجُ، مَا هَذَا الْخَبَرُ الّذِي جِئْت بِهِ؟ قَالَ: فَقُلْت: وَهَلْ عِنْدَك حِفْظٌ لِمَا وَضَعْتُ عِنْدَك؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْت: فَاسْتَأْخِرْ عَنّي حَتّى أَلْقَاك عَلَى خَلَاءٍ، فَإِنّي فِي جَمْعِ مَالِي كَمَا تَرَى، فَانْصَرِفْ عَنّي حَتّى أَفَرُغَ: قَالَ: حَتّى إذَا فَرَغْت مِنْ جَمْعِ كُلّ شَيْءٍ كَانَ لِي بِمَكّةَ، وَأَجْمَعْت الخروج، لقيت العباس، فقلت: احْفَظْ عَلَيّ حَدِيثِي. يَا أَبَا الْفَضْلِ، فَإِنّي أَخْشَى الطّلَبَ ثَلَاثًا، ثُمّ قُلْ مَا شِئْت، قَالَ: أَفْعَلُ. قُلْت: فَإِنّي وَاَللهِ لَقَدْ تَرَكْت ابْنَ أَخِيك عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ يَعْنِي صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ، وَلَقَدْ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَانْتَثَلَ مَا فِيهَا، وَصَارَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا حَجّاجُ؟ قَالَ: قُلْت: إي وَاَللهِ فَاكْتُمْ عَنّي، وَلَقَدْ أَسْلَمْتُ وَمَا جِئْت إلّا لآخذ مالى، فرقا من أن أغلب عَلَيْهِ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثٌ فَأَظْهِرْ أَمْرَك، فَهُوَ وَاَللهِ عَلَى مَا تُحِبّ، قَالَ: حَتّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الثّالِثُ لَبِسَ الْعَبّاسُ حُلّةً لَهُ، وتحلّق، وَأَخَذَ عَصَاهُ، ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى الْكَعْبَةَ، فَطَافَ بِهَا، فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا: يَا أَبَا الْفَضْلِ، هَذَا وَاَللهِ التّجَلّدُ لِحَرّ الْمُصِيبَةِ، قَالَ: كَلّا، وَاَللهِ الّذِي حَلَفْتُمْ بِهِ، لَقَدْ افْتَتَحَ مُحَمّدٌ خَيْبَرَ وَتُرِكَ عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ، وَأَحْرَزَ أَمْوَالَهُمْ وَمَا فِيهَا فَأَصْبَحَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ، قَالُوا: مَنْ جَاءَك بِهَذَا الْخَبَرِ؟ قَالَ: الّذِي جَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ، وَلَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ مُسْلِمًا، فَأَخَذَ مَالَهُ، فَانْطَلَقَ لِيَلْحَقَ بِمُحَمّدِ وَأَصْحَابِهِ، فَيَكُونُ مَعَهُ. قَالُوا: يَا لِعِبَادِ اللهِ! انْفَلَتَ عَدُوّ اللهِ، أَمَا وَاَللهِ لَوْ عَلِمْنَا لَكَانَ لَنَا وَلَهُ شَأْنٌ، قَالَ: وَلَمْ يَنْشَبُوا أَنْ جاءهم الخبر بذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان عن خيبر

[شعر حسان عن خَيْبَرَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ قَوْلُ حَسّانَ ابن ثَابِتٍ: بِئْسَمَا قَاتَلَتْ خَيَابِرُ عَمّا ... جَمَعُوا مِنْ مَزَارِعَ وَنَخِيلِ كَرِهُوا الْمَوْتَ فَاسْتُبِيحَ حِمَاهُمْ ... وَأَقَرّوا فِعْلَ اللّئِيمِ الذّلِيلِ أَمِنْ الْمَوْتِ يَهْرَبُونَ فَإِنّ ... الموت موت الهزال غير جميل [حسان يعتذر عن أيمن] وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، وَهُوَ يَعْذِرُ أَيْمَنَ بْنِ أُمّ أَيْمَنَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَانَ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ خَيْبَرَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَتْ أُمّهُ أُمّ أَيْمَنَ مَوْلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ أُمّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَكَانَ أَخَا أسامة لأمه: عَلَى حِينِ أَنْ قَالَتْ لِأَيْمَنَ أُمّهُ ... جَبُنْتَ وَلَمْ تَشْهَدْ فَوَارِسَ خَيْبَر وَأَيْمَنُ لَمْ يَجْبُنْ وَلَكِنّ مُهْرَهُ ... أَضَرّ بِهِ شُرْبُ الْمَدِيدِ الْمُخَمّرِ وَلَوْلَا الّذِي قَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ مُهْرِهِ ... لَقَاتَلَ فِيهِمْ فَارِسًا غَيْرَ أَعْسَرَ وَلَكِنّهُ قَدْ صَدّهُ فِعْلُ مُهْرِهِ ... وَمَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَهُ غَيْرَ أَيْسَرَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَنْشَدَنِي: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر ناجية فى يوم خيبر

وَلَكِنّهُ قَدْ صَدّهُ شَأْنُ مُهْرِهِ ... وَمَا كَانَ لَوْلَا ذَاكُمْ بِمُقَصّرِ [شِعْرُ نَاجِيَةَ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيّ: يَا لِعِبَادِ لَلّهَ فِيمَ يُرْغَبُ ... مَا هُوَ إلّا مَأْكَلٌ وَمَشْرَبُ وَجَنّةٌ فِيهَا نَعِيمٌ مُعْجِبُ وَقَالَ ناجية بن جندب الأسلىّ أَيْضًا: أَنَا لِمَنْ أَنْكَرَنِي ابْنُ جُنْدُبِ ... يَا رُبّ قِرْنٍ فِي مَكَرّي أَنْكَبِ طَاحَ بِمَغْدَى أَنْسُرٍ وَثَعْلَبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ الرّوَاةِ لِلشّعْرِ قَوْلَهُ: «في مَكَرّي» ، و «طاح بمغدى» . [شِعْرُ كَعْبٍ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ] وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ، فِيمَا ذَكَرَ ابن هشام، عن أبى زيد الأنصارى: وَنَحْنُ وَرَدْنَا خَيْبَرًا وَفُرُوضَهُ ... بِكُلّ فَتًى عَارِي الأشاجع مذود جواد لذى الْغَايَاتِ لَا وَاهِنِ الْقُوَى ... جَرِيءٍ عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي كُلّ مَشْهَدِ عَظِيمِ رَمَادِ الْقِدْرِ فِي كُلّ شَتْوَةٍ ... ضَرُوبٍ بِنَصْلِ الْمَشْرَفِيّ الْمُهَنّدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر مقاسم خيبر وأموالها

يَرَى الْقَتْلَ مَدْحًا إنْ أَصَابَ شَهَادَةً ... مِنْ اللهِ يَرْجُوهَا وَفَوْزًا بِأَحْمَدِ يَذُودُ وَيَحْمِي عَنْ ذِمَارِ مُحَمّدٍ ... وَيَدْفَعُ عَنْهُ بِاللّسَانِ وَبِالْيَدِ وَيَنْصُرُهُ مِنْ كُلّ أَمْرٍ يَرِيبُهُ ... يَجُودُ بِنَفْسٍ دُونَ نَفْسِ مُحَمّدٍ يُصَدّقُ بِالْأَنْبَاءِ بِالْغَيْبِ مُخْلِصًا ... يُرِيدُ بِذَاكَ الْفَوْزَ وَالْعِزّ فِي غَدٍ [ذِكْرُ مَقَاسِمِ خَيْبَرَ وَأَمْوَالِهَا] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وكانت القاسم عَلَى أَمْوَالِ خَيْبَرَ، عَلَى الشّقّ وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةِ، فَكَانَتْ الشّقّ وَنَطَاةُ فِي سُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ خُمُسَ اللهِ، وَسَهْمَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَسَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَطُعْمَ أَزْوَاجِ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَطُعْمَ رِجَالٍ مَشَوْا بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ فَدَكَ بِالصّلْحِ؛ مِنْهُمْ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ، وَثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَقُسِمَتْ خَيْبَرُ على أهل الحديبية، من شهد خيبر، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَلَمْ يَغِبْ عَنْهَا إلّا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، فَقَسَمَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَهَا، وَكَانَ وَادِيَاهَا، وَادِي السّرَيْرَةِ، وَوَادِي خَاصّ، وَهُمَا اللّذَانِ قُسِمَتْ عَلَيْهِمَا خَيْبَرُ، وَكَانَتْ نَطَاةُ وَالشّقّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سهما، نطاة من ذلك خمسة أسهم، وَالشّقّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَقُسِمَتْ الشّقّ وَنَطَاةُ على ألف سهم، وثمانمائة سهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من قسمت عليهم خيبر

[مَنْ قُسِمَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَرُ] وَكَانَتْ عِدّةُ الّذِينَ قُسِمَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ألف سهم وثمانمائة سهم، برجالهم وخيلهم، الرجال أربع عشرة مائة والخيل مائتا فَارِسٍ، فَكَانَ لِكُلّ فَرَسٍ سَهْمَانِ، وَلِفَارِسِهِ سَهْمٌ، وَكَانَ لِكُلّ رَاجِلٍ سَهْمٌ؛ فَكَانَ لِكُلّ سَهْمٍ رأس جمع إليه مائة رَجُلٍ، فَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا جُمِعَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَفِي يَوْم خَيْبَرَ عَرّبَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَرَبِيّ مِنْ الخيل، وهجّن الهجين. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَأْسًا، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيّ، أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَسَهْمُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَسَهْمُ نَاعِمِ، وَسَهْمُ بَنِي بَيَاضَةَ، وَسَهْمُ بَنِي عُبَيْدٍ، وَسَهْمُ بَنِي حَرَامٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَعُبَيْدٍ السّهَامِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا قِيلَ لَهُ عُبَيْدٌ السّهَامُ لِمَا اشْتَرَى مِنْ السّهَامِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَهُوَ عُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بن عمرو ابن مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَهْمُ سَاعِدَةَ، وَسَهْمُ غِفَارٍ وَأَسْلَمَ، وَسَهْمُ النّجّارِ وَسَهْمُ حَارِثَةَ، وَسَهْمُ أَوْسٍ. فَكَانَ أَوّلُ سَهْمٍ خَرَجَ من خيبر بنطاة سهم الزبير ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن الْعَوّامِ، وَهُوَ الْخَوْعُ وَتَابَعَهُ السّرَيْرُ، ثُمّ كَانَ الثّانِي سَهْمَ بَيَاضَةَ، ثُمّ كَانَ الثّالِثُ سَهْمَ أُسَيْدٍ، ثُمّ كَانَ الرّابِعُ سَهْمَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمّ كَانَ الْخَامِسُ سَهْمَ نَاعِمٍ لبنى عوف بن الْخَزْرَجِ وَمُزَيْنَةَ وَشُرَكَائِهِمْ، وَفِيهِ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَهَذِهِ نَطَاةُ. ثُمّ هَبَطُوا إلَى الشّقّ، فَكَانَ أَوّلُ سَهْمٍ خَرَجَ مِنْهُ سَهْمَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيّ، أَخِي بَنِي الْعَجْلَانِ، وَمَعَهُ كَانَ سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمّ سَهْمُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، ثُمّ سَهْمُ سَاعِدَةَ، ثُمّ سَهْمُ النّجّارِ، ثُمّ سَهْمُ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، ثُمّ سَهْمُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، ثُمّ سَهْمُ غِفَارٍ وَأَسْلَمَ، ثُمّ سَهْمُ عُمَرَ بْنِ الخطّاب، ثم سهما سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَبَنِيّ حَرَامٍ، ثُمّ سَهْمُ حَارِثَةَ، ثُمّ سَهْمُ عُبَيْدٍ السّهَامِ، ثُمّ سَهْمُ أَوْسٍ، وَهُوَ سَهْمُ اللّفِيفِ، جَمَعَتْ إلَيْهِ جُهَيْنَةُ وَمَنْ حَضَرَ خَيْبَرَ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ، وَكَانَ حَذْوهُ سَهْمَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، الّذِي كَانَ أَصَابَهُ فِي سَهْمِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيّ. ثُمّ قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَتِيبَةَ، وَهِيَ وَادِي خَاصّ، بَيْنَ قَرَابَتِهِ وَبَيْنَ نِسَائِهِ، وَبَيْنَ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَاءٍ أَعْطَاهُمْ مِنْهَا، فَقَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته مائتى وسق، ولعلىّ بن أبى طالب مائة وسق، ولأسامة بن زيد مائتى وَسْقٍ، وَخَمْسِينَ وَسْقًا مِنْ نَوًى، وَلِعَائِشَةَ أُمّ المؤمنين مائتى وسق، ولأبى بكر بن أبى قحافة مائة وسق، ولعقيل بن أبى طالب مائة وَسْقٍ وَأَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِبَنِي جَعْفَرٍ خَمْسِينَ وَسْقًا، ولربيعة بن الحارث مائة وسق، وللصّلت بن مخرمة وابنيه مائة وَسْقٍ، لِلصّلْتِ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَرْبَعُونَ وَسْقًا، وَلِأَبِي نَبْقَةَ خَمْسِينَ وَسْقًا وَلِرُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِقَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِبَنَاتِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنَةِ الحصين بن الحارث مائة وَسْقٍ، وَلِبَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ سِتّينَ وَسْقًا، وَلِابْنِ أَوْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا. وَلِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ وَابْنِ إلْيَاسَ خَمْسِينَ وَسْقًا، ولأمّ رميثة أربعين وسقا، ولنعيم بن هِنْدٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِبُحَيْنَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِعُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، ولأمّ الحكم ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِجُمَانَةِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِابْنِ الْأَرْقَمِ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِأُمّ الزّبَيْرِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وِلِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزّبَيْرِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِابْنِ أَبِي خُنَيْسٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِأُمّ طَالِبٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِأَبِي بَصْرَةَ عِشْرِينَ وَسْقًا، وَلِنُمَيْلَةَ الْكَلْبِيّ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَلِعَبْدِ اللهِ بْنِ وَهْبٍ وَابْنَتَيْهِ تِسْعِينَ وَسْقًا، لَابْنَيْهِ مِنْهَا أَرْبَعِينَ وَسْقًا، وَلِأُمّ حَبِيبٍ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِمَلْكُو بْنِ عَبَدَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا، وَلِنِسَائِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سبع مائة وَسْقٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَمْحٌ وَشَعِيرٌ وَتَمْرٌ وَنَوًى وَغَيْرُ ذَلِكَ، قَسَمَهُ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَكَانَتْ الْحَاجَةُ فِي بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَكْثَرَ، وَلِهَذَا أَعْطَاهُمْ أَكْثَرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بسم الله الرحمن الرحيم ذكر ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه من قمح خيبر

[بسم الله الرحمن الرحيم ذِكْرُ مَا أَعْطَى مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِسَاءَهُ مِنْ قَمْحِ خَيْبَرَ] قسم لهنّ مائة وَسْقٍ وَثَمَانِينَ وَسْقًا، وَلِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خمسة وثمانين وسقا، ولأسامة بن زيد أربعين وسقا، وللمقداد بن الأسود خمسة عَشَرَ وَسْقًا، وَلِأُمّ رُمَيْثَةَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. شَهِدَ عثمان بن عفّان وعباس وكتب. [وصاة الرّسُولُ عِنْدَ مَوْتِهِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ إلا بثلاث، أوصى للرّهاويين بجادّ مائة وسق من خيبر، وللداريين بجادّ مائة وسق من خيبر، وللسبائيين، وللأشعريين بجادّ مائة وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ، وَأَوْصَى بِتَنْفِيذِ بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَأَلّا يُتْرَكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ. [أَمْرُ فَدَكِ فِي خَبَرِ خَيْبَرَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ قَذَفَ اللهُ الرّعْبَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ فَدَكِ، حِينَ بَلَغَهُمْ مَا أوقع الله تعالى بأهل خيبر، فبعوا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصالحونه على النصف من فدك، فقدمت عَلَيْهِ رُسُلُهُمْ بِخَيْبَرِ، أَوْ بِالطّائِفِ، أَوْ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَكَانَتْ فَدَكُ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِصَةً، لِأَنّهُ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا ركاب. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تسمية النفر الداريين الذين أوصى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر

[تَسْمِيَةُ النّفَرِ الدّارِيّينَ الّذِينَ أَوْصَى لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ] وهم بنو الدار بن هانى بن حبيب بن نمارة بن لخم، الّذِينَ سَارُوا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشّامِ: تَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ وَنُعَيْمُ بْنُ أَوْسٍ أَخُوهُ، وَيَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ، وَعَرَفَةُ بْنُ مَالِكٍ، سَمّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرّحْمَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَزّةُ بْنُ مَالِكٍ: وَأَخُوهُ مُرّانُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مَرْوَانُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفَاكِهُ بْنُ نُعْمَانَ، وجبلة بن مالك، وأبو هند بن، وَأَخُوهُ الطّيّبُ بْنُ بَرّ، فَسَمّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، يَبْعَثُ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ خَارِصًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَهُودَ، فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا قَالُوا: تَعَدّيْت عَلَيْنَا؛ قَالَ: إنْ شِئْتُمْ فلكم، وإن شئتم قلنا، فتقول يهود: بهذا قامت السماوات وَالْأَرْضُ. وَإِنّمَا خَرَصَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَامًا وَاحِدًا، ثُمّ أُصِيبَ بِمُؤْتَةِ يَرْحَمُهُ اللهُ، فَكَانَ جَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، هُوَ الّذِي يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَأَقَامَتْ يَهُودُ عَلَى ذَلِكَ، لَا يَرَى بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ بَأْسًا فِي مُعَامَلَتِهِمْ، حَتّى عَدَوْا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ سَهْلِ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ، فَقَتَلُوهُ، فَاتّهَمَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم والمسلمون عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ؛ وَحَدّثَنِي أَيْضًا بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ، مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: أُصِيبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ بِخَيْبَرِ، وَكَانَ خَرَجَ إلَيْهَا فِي أَصْحَابٍ لَهُ يَمْتَارُ مِنْهَا تَمْرًا، فَوُجِدَ فِي عين قد كسرت عنقه، ثم طُرِحَ فِيهَا؛ قَالَ: فَأَخَذُوهُ فَغَيّبُوهُ، ثُمّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فَذَكَرُوا لَهُ شَأْنَهُ، فَتَقَدّمَ إلَيْهِ أَخُوهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَمَعَهُ ابْنَا عَمّهِ حُوَيّصَةُ وَمُحَيّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ، وَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا، وَكَانَ صَاحِبَ الدّمِ، وَكَانَ ذَا قَدَمٍ فِي الْقَوْمِ، فَلَمّا تَكَلّمَ قَبْل ابْنَىْ عَمّهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْكُبْرَ الْكُبْرَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: كَبّرْ كَبّرْ- فِيمَا ذَكَرَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ- فَسَكَتَ؛ فَتَكَلّمَ حُوَيّصَةُ وَمُحَيّصَةُ، ثُمّ تَكَلّمَ هُوَ بَعْدُ، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَتْلَ صَاحِبِهِمْ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُسَمّونَ قَاتِلَكُمْ، ثُمّ تَحْلِفُونَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا فَنُسَلّمُهُ إلَيْكُمْ؟ قَالُوا: يَا رسول الله، ما كنا لنحلف على مالا نَعْلَمُ؛ قَالَ: أَفَيَحْلِفُونَ بِاَللهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا قتلوه ولا يعلمون له قاتلا ثم يبرؤن مِنْ دَمِهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كُنّا لِنَقْبَلَ أَيْمَانَ يَهُودَ، مَا فِيهِمْ مِنْ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى إثْمٍ قَالَ: فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من عنده مائة ناقة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عمر يجلى يهود خيبر

قَالَ سَهْلٌ: فَوَاَللهِ مَا أَنْسَى بَكْرَةً مِنْهَا حَمْرَاءَ ضَرَبَتْنِي وَأَنَا أَحُوزُهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدِ بْنِ قَيْظِيّ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ، قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: وَاَيْمُ اللهِ، مَا كَانَ سَهْلٌ بِأَكْثَرَ عِلْمًا منه، ولكنّه كان أسنّ منه؛ وإنه قَالَ لَهُ: وَاَللهِ مَا هَكَذَا كَانَ الشّأْنُ! وَلَكِنّ سَهْلًا أَوْهَمَ، مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احلفوا على ما لا علم لكم به ولكنه كتب إلى يهود خَيْبَرَ حِينَ كَلّمَتْهُ الْأَنْصَارُ: إنّهُ قَدْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَبْيَاتِكُمْ فَدُوهُ، فَكَتَبُوا إلَيْهِ يَحْلِفُونَ بِاَللهِ مَا قَتَلُوهُ، وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا. فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عِنْدِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ، إلّا أَنّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: دُوهُ أَوْ ائْذَنُوا بِحَرْبِ. فَكَتَبُوا يَحْلِفُونَ بِاَللهِ مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا؛ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عِنْدِهِ. [عمر يجلى يهود خيبر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَسَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ: كَيْفَ كَانَ إعْطَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ خَيْبَرَ نَخْلَهُمْ، حِينَ أَعْطَاهُمْ النخل على عَلَى خَرْجِهَا، أَبَتّ ذَلِكَ لَهُمْ حَتّى قُبِضَ، أَمْ أَعْطَاهُمْ إيّاهَا لِلضّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ، وَكَانَتْ خَيْبَرُ مِمّا أَفَاءَ اللهُ عَزّ وَجَلّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَسَلّمَ، خَمّسَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَزَلَ مَنْ نَزَلَ مِنْ أَهْلِهَا عَلَى الْجَلَاءِ بَعْدَ الْقِتَالِ، فَدَعَاهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنْ شِئْتُمْ دَفَعْت إلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ عَلَى أن تعلموها، وَتَكُونَ ثِمَارُهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، وَأُقِرّكُمْ مَا أَقَرّكُمْ اللهُ، فَقَبِلُوا، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ يُعْمِلُونَهَا. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَيَقْسِمُ ثَمَرَهَا، وَيَعْدِلُ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرْصِ، فَلَمّا تَوَفّى اللهُ نَبِيّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، أَقَرّهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَيْدِيهِمْ، عَلَى الْمُعَامَلَةِ الّتِي عَامَلَهُمْ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى تُوُفّيَ؛ ثُمّ أَقَرّهَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَدْرًا مِنْ إمَارَتِهِ. ثُمّ بَلَغَ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فِي وَجَعِهِ الّذِي قَبَضَهُ اللهُ فِيهِ: لَا يَجْتَمِعَنّ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ؛ فَفَحَصَ عُمَرُ ذَلِكَ، حَتّى بَلَغَهُ الثّبْتُ، فَأَرْسَلَ إلىَ يَهُودَ، فَقَالَ: إنّ اللهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ أَذِنَ فِي جَلَائِكُمْ، قَدْ بَلَغَنِي أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لَا يَجْتَمِعَنّ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَهُودِ فَلْيَأْتِنِي بِهِ، أُنْفِذُهُ له، ومن لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَهُودِ، فَلْيَتَجَهّزْ لِلْجَلَاءِ، فَأَجْلَى عُمَرُ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي نَافِعٌ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الله ابن عُمَرَ قَالَ: خَرَجْت أَنَا وَالزّبَيْرُ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ إلَى أَمْوَالِنَا بِخَيْبَرِ نَتَعَاهَدُهَا، فَلَمّا قَدِمْنَا تَفَرّقْنَا فِي أَمْوَالِنَا، قَالَ: فَعُدِيَ عَلَيّ تَحْتَ الليل، وأنا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قسمة عمر لوادى القرى بين المسلمين

نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِي، فَفُدِعَتْ يَدَايَ مِنْ مِرْفَقَيّ، فَلَمّا أَصْبَحْت اسْتَصْرَخَ عَلَيّ صَاحِبَايَ، فَأَتَيَانِي فَسَأَلَانِي: مَنْ صَنَعَ هَذَا بِك؟ فَقُلْت: لَا أَدْرِي؛ قَالَ: فَأَصْلَحَا مِنْ يَدَيّ، ثُمّ قَدِمَا بِي عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: هَذَا عَمَلُ يَهُودَ، ثُمّ قَامَ فِي النّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ: أَيّهَا النّاسُ، إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنّا نُخْرِجُهُمْ إذَا شِئْنَا، وَقَدْ عَدَوْا على عبد الله ابن عمر، ففدعوا يديه، كما قد بغلكم، مَعَ عَدْوِهِمْ عَلَى الْأَنْصَارِيّ قَبْلَهُ، لَا نَشُكّ أَنّهُمْ أَصْحَابُهُ، لَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوّ غَيْرُهُمْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ بِخَيْبَرِ فَلْيَلْحَقْ بِهِ، فَإِنّي مُخْرِجٌ يَهُودَ، فَأَخْرَجَهُمْ. [قِسْمَةُ عُمَرَ لِوَادِي الْقُرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَكْنَفٍ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ، قَالَ: لَمّا أَخْرَجَ عُمَرُ يَهُودَ مِنْ خَيْبَرَ رَكِبَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَخَرَجَ مَعَهُ جَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خنساء، أخو بنى سلمة، وكان خَارِصَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَاسِبَهُمْ- وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُمَا قَسَمَا خَيْبَرَ بَيْنَ أَهْلِهَا، عَلَى أَصْلِ جَمَاعَةِ السّهْمَانِ، الّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا. وَكَانَ مَا قَسَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ مِنْ وَادِي الْقُرَى؛ لِعُثْمَانِ بْنِ عَفّانَ خَطَرٌ، وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ خَطَرٌ، وَلِعُمَرِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ خَطَرٌ، وَلِعَامِرِ بْنِ أَبِي رَبِيعَة خَطَرٌ، وَلِعَمْرِو بْنِ سُرَاقَةَ خَطَرٌ، وَلِأُشَيْمٍ خَطَرٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: وَلِأَسْلَمَ وَلِبَنِي جَعْفَرٍ خَطَرٌ، وَلِمُعَيْقِيبٍ خَطَرٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر قدوم جعفر بن أبى طالب من الحبشة وحديث المهاجرين إلى الحبشة

وَلِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْأَرْقَمِ خَطَرٌ، وَلِعَبْدِ اللهِ وعبيد الله خطران، ولابن عبد الله ابن جحش خَطَرٌ، وَلِابْنِ الْبُكَيْرِ خَطَرٌ، وَلِمُعْتَمِرٍ خَطَرٌ، وَلِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ خَطَرٌ، وَلِأُبَيّ بْنِ كَعْبٍ خَطَرٌ، وَلِمُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ خَطَرٌ، وَلِأَبِي طَلْحَةَ وَحَسَنٍ خَطَرٌ، وَلِجَبّارِ بْنِ صَخْرٍ خَطَرٌ، وَلِجَابِرِ بْنِ عبد الله بن رئاب خطر، ولمالك ابن صَعْصَعَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو خَطَرٌ، وَلِابْنِ حُضَيْرٍ خَطَرٌ، وَلِابْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَطَرٌ، وَلِسَلَامَةِ بْنِ سَلَامَةَ خَطَرٌ، وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي شَرِيكٍ خَطَرٌ، وَلِأَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ خَطَرٌ، وَلِمُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ خَطَرٌ، وَلِعُبَادَةَ بْنِ طَارِقٍ خَطَرٌ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: لِقَتَادَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلِجَبْرِ بن عتيك نصف خطر، ولا بنى الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ نِصْفُ خَطَرٍ، وَلِابْنِ حَزَمَةَ وَالضّحّاكِ خَطَرٌ، فَهَذَا مَا بَلَغَنَا مِنْ أَمْرِ خَيْبَرَ وَوَادِي الْقُرَى وَمَقَاسِمِهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْخَطَرُ: النّصِيبُ يُقَالُ: أَخْطَرَ لِي فُلَانٌ خَطَرًا. [ذِكْرُ قُدُومِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ الْحَبَشَةِ وَحَدِيثُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الْحَبَشَةِ] قَالَ ابْنُ هشام: وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَجْلَحِ، عَنْ الشّعْبِيّ: أَنّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَتْحِ خَيْبَرَ، فَقَبّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عيينه، والتزمه وَقَالَ: مَا أَدْرِي بِأَيّهِمَا أَنَا أُسَرّ: بِفَتْحِ خيبر، أم بقدوم جعفر؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مَنْ أَقَامَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى النّجَاشِيّ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ، فَحَمَلَهُمْ فِي سَفِينَتَيْنِ، فَقَدِمَ بِهِمْ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِخَيْبَرِ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ. مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيّةُ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَكَانَتْ وَلَدَتْهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. قُتِلَ جَعْفَرٌ بِمُؤْتَةِ مِنْ أَرْضِ الشّامِ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: خَالِدُ بن سعيد بن العاص بن أميّة ابن عَبْدِ شَمْسٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَمِينَةُ بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أَسْعَد- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: هُمَيْنَةُ بِنْتُ خَلَفٍ- وَابْنَاهُ سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ، وَأُمّهُ بنت خالد، ولدتهما بأرض الْحَبَشَةِ. قُتِلَ خَالِدٌ بِمَرْج الصّفّرِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ بِأَرْضِ الشّامِ؛ وَأَخُوهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بنت صفوان ابن أُمَيّةَ بْنِ محرّث الْكِنَانِيّ، هَلَكَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. قُتِلَ عَمْرٌو بِأَجْنَادِينَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ فِي خلافة أبى بكر رضى الله عنه. وَلِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ يَقُولُ أَبُوهُ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ أَبُو أُحَيْحَةَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي عَنْك يَا عَمْرُو سَائِلًا ... إذَا شَبّ وَاشْتَدّتْ يَدَاهُ وَسُلّحَا أَتَتْرُكُ أَمْرَ الْقَوْمِ فِيهِ بَلَابِلُ ... تُكَشّفُ غَيْظًا كَانَ فِي الصّدر موجحا وَلِعَمْرِو وَخَالِدٍ يَقُولُ أَخُوهُمَا أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، حِينَ أَسْلَمَا، وَكَانَ أَبُوهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ هَلَكَ بِالظّرَيْبَةِ، مِنْ نَاحِيَةِ الطّائِفِ، هَلَكَ فِي مَالٍ لَهُ بِهَا: أَلَا لَيْتَ مَيْتًا بِالظّرَيْبَةِ شَاهِدُ ... لِمَا يَفْتَرِي فِي الدّينِ عَمْرٌو وَخَالِدُ أَطَاعَا بِنَا أَمْرَ النّسَاءِ فَأَصْبَحَا ... يُعِينَانِ مِنْ أَعْدَائِنَا مَنْ نُكَايِدُ فَأَجَابَهُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، فَقَالَ: أَخِي مَا أَخِي لَا شَاتِمٌ أَنَا عِرْضَهُ ... وَلَا هُوَ مِنْ سُوءِ الْمَقَالَةِ مُقْصِرُ يَقُولُ إذَا اشْتَدّتْ عَلَيْهِ أُمُورُهُ ... أَلَا لَيْتَ مَيْتًا بِالظّرَيْبَةِ يُنْشَرُ فَدَعْ عَنْكَ مَيْتًا قَدْ مَشَى لِسَبِيلِهِ ... وَأَقْبِلْ عَلَى الْأَدْنَى الّذِي هُوَ أَفْقَرُ وَمُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ، خَازِنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ عَلَى بَيْتِ مَالِ المسلمين وكان إلى آلِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ؛ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ، حَلِيفُ آلِ عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، أَرْبَعَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: الْأَسْوَدُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: جَهْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ، مَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابْنَاهُ عَمْرُو بْنُ جَهْمٍ وَخُزَيْمَةُ بْنُ جَهْمٍ، وَكَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ حَرْمَلَةَ بِنْتُ عَبْدِ الْأَسْوَدِ هَلَكَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَابْنَاهُ لَهَا. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: عَامِرُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ هُذَيْلٍ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبٍ: الْحَارِثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ صَخْرٍ، وَقَدْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ جُبَيْلَةَ، هَلَكَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. رَجُلٌ. ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بْنِ كَعْبٍ: عُثْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ أُهْبَانَ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ، مَحْمِيّةُ بْنُ الْجَزْءِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَعَلَهُ عَلَى خُمُسِ الْمُسْلِمِينَ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ: مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نضلة. رجل. ومن بني عامر بن لؤي بن غالب: أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس؛ وَمَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شمس، معه امرأته عمرة بنت السعدى ابن وَقْدَانَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي الحارث بن فهران بْنِ مَالِكٍ: الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطٍ. رَجُلٌ. وَقَدْ كَانَ حُمِلَ مَعَهُمْ فِي السّفِينَتَيْنِ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ مَنْ هَلَكَ هنالك من المسلمين. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَهَؤُلَاءِ الّذِينَ حَمَلَ النّجَاشِيّ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ فِي السّفِينَتَيْنِ، فَجَمِيعُ مَنْ قَدِمَ فِي السّفِينَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة عشر رجلا. وَكَانَ مِمّنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَلَمْ يَقْدَمْ إلّا بَعْدَ بَدْرٍ، وَلَمْ يَحْمِلْ النّجَاشِيّ فِي السّفِينَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَنْ هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؛ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ: مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُبَيْدُ اللهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأُسْدِيّ، أُسْدَ خُزَيْمَةَ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَابْنَتُهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ اللهِ، وَبِهَا كَانَتْ تُكْنَى أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سفيان، وكان اسمها رملة. خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُهَاجِرًا، فَلَمّا قَدِمَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ تَنَصّرَ بِهَا وَفَارَقَ الْإِسْلَامَ، وَمَاتَ هُنَالِكَ نَصْرَانِيّا، فَخَلَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى امْرَأَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عن عروة، قال خرج عُبَيْدُ اللهِ بْنُ جَحْشٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمًا، فلما قدم أرض الحبشة تقصّر، قَالَ فَكَانَ إذَا مَرّ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: فَتّحْنَا وَصَأْصَأْتُمْ، أيَ قَدْ أَبْصَرْنَا وَأَنْتُمْ تَلْتَمِسُونَ الْبَصَرَ وَلَمْ تُبْصِرُوا بَعْدُ. وَذَلِكَ أَنّ وَلَدَ الْكَلْبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ عَيْنَيْهِ لِلنّظَرِ صَأْصَأَ قَبْلَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَضَرَبَ ذَلِكَ لَهُ وَلَهُمْ مَثَلًا: أَيْ أَنّا قَدْ فَتّحْنَا أَعْيُنَنَا فَأَبْصَرْنَا، وَلَمْ تَفْتَحُوا أَعْيُنَكُمْ فَتُبْصِرُوا، وَأَنْتُمْ تَلْتَمِسُونَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُسْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَهُوَ أَبُو أُمَيّةَ بِنْتِ قَيْسٍ الّتِي كَانَتْ مَعَ أُمّ حَبِيبَةَ؛ وَامْرَأَتُهُ بركة بنت يسار، مولاة، أبي سفيان بن حَرْبٍ، كَانَتَا ظِئْرَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ، وَأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، فَخَرَجَا بِهِمَا مَعَهُمَا حِينَ هَاجَرَا إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ: يَزِيدُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ المطلّب بن أَسَدٍ، قُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ، هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: أَبُو الرّومِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ؛ وَفِرَاسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ علقمة ابن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ. رَجُلَانِ. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ: الْمُطّلِبُ بن أزهر بن عبد عوف ابن عَبْدِ (بْنِ) الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ رملة بنت أبى عوف بن ضبيرة ابن سعيد بن سعد بن سهم، هلك بأرض الحبشة، ولدت له هنالك عبد الله ابن الْمُطّلِبِ فَكَانَ يُقَالُ: إنْ كَانَ لَأَوّلُ رَجُلٍ وَرِثَ أَبَاهُ فِي الْإِسْلَامِ رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ: عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ، قُتِلَ بِالْقَادِسِيّةِ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ. رَجُلٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومن بني مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ: هَبّارُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، قُتِلَ بِأَجْنَادِينَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ، فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سُفْيَانَ، قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ بِالشّامِ، فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يُشَكّ فِيهِ أَقُتِلَ ثَمّ أَمْ لَا؛ وَهِشَامُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ: حَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ بن معمر بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جمح، وابناه مُحَمّدٌ وَالْحَارِثُ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُجَلّلِ هَلَكَ حَاطِبٌ هُنَالِكَ مُسْلِمًا، فَقَدِمَتْ امْرَأَتُهُ وَابْنَاهُ، وَهِيَ أُمّهُمَا، فِي إحْدَى السّفِينَتَيْنِ؛ وَأَخُوهُ حَطّابُ بْنُ الْحَارِثِ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ هَلَكَ هُنَالِكَ مُسْلِمًا، فَقَدِمَتْ امْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ فِي إحْدَى السّفِينَتَيْنِ؛ وَسُفْيَانُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبٍ، وَابْنَاهُ جُنَادَةُ وَجَابِرٌ، وَأُمّهُمَا مَعَهُ حَسَنَةُ، وَأَخُوهُمَا لِأُمّهِمَا شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ؛ وَهَلَكَ سُفْيَانُ وَهَلَكَ ابْنَاهُ جُنَادَةُ وَجَابِرٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنه. سِتّةُ نَفَرٍ. وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ: عبد الله بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ الشّاعِرُ، هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَقَيْسُ بن حذافة بن قيس بن عدي بن سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ؛ وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سعد بن سَهْمٍ، قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَعَبْدُ اللهِ بن حذافة بن قيس بن عدي بن سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وَهُوَ رَسُولَ (رَسُولِ) اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى كِسْرَى، وَالْحَارِثُ بن الحارث ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن قَيْسِ بْنِ عَدِيّ، وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قيس بن عدىّ، وبشر بن الحارث ابن قَيْسِ بْنِ عَدِيّ، وَأَخٌ لَهُ مِنْ أُمّهِ، مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، يُقَالُ لَهُ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، قُتِلَ بِأَجْنَادِينَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ، قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَالسّائِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ، جُرِحَ بِالطّائِفِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُتِلَ يَوْمَ فِحْلٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَيُقَالُ: قُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ، يُشَكّ فِيهِ، وَعُمَيْرُ بْنُ رِئَابِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ مِهْشَمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، قُتِلَ بِعَيْنِ التّمْرِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، مُنْصَرَفَهُ مِنْ الْيَمَامَةِ، فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ: عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بن عبيد بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ، هَلَكَ بأرض الحبشة، وعدىّ ابن نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ، هَلَكَ بأرض الحبشة. رجلان. وقد كَانَ مَعَ عَدِيّ ابْنُهُ النّعْمَانُ بْنُ عَدِيّ، فَقَدِمَ النّعْمَانُ مَعَ مَنْ قَدِمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَبَقِيَ حَتّى كَانَتْ خِلَافَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَيْسَانَ، مِنْ أَرْضِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ، وَهِيَ: أَلَا هَلْ أَتَى الْحَسْنَاءَ أَنّ حَلِيلَهَا ... بِمَيْسَانَ يُسْقَى فِي زُجَاجٍ وَحَنْتَمِ إذَا شِئْتُ غَنّتِني دَهَاقِينُ قَرْيَةٍ ... وَرَقّاصَةٌ تَجْذُو عَلَى كُلّ مَنْسِمِ فَإِنْ كُنْت نَدْمَانِي فَبِالْأَكْبَرِ اسْقِنِي ... وَلَا تَسْقِنِي بالأصغر المتثلّم لعلّ أمير المؤمنين يسوؤه ... تَنَادُمُنَا فِي الجَوْسَقِ الْمُتَهَدّمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَلَمّا بَلَغَتْ أَبْيَاتُهُ عُمَرَ، قَالَ: نَعَمْ وَاَللهِ، إنّ ذَلِكَ لَيَسُوءنِي، فَمَنْ لَقِيَهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنّي قَدْ عَزَلْته، وَعَزَلَهُ. فَلَمّا قَدِمَ عَلَيْهِ اعْتَذَرَ إلَيْهِ وَقَالَ: وَاَللهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا صَنَعْت شَيْئًا مِمّا بَلَغَك أَنّي قُلْته قَطّ، وَلَكِنّي كُنْت امْرَأً شَاعِرًا، وَجَدْت فَضْلًا مِنْ قَوْلٍ، فَقُلْت فِيمَا تَقُولُ الشّعَرَاءُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَاَيْمُ اللهِ، لَا تَعْمَلُ لِي عَلَى عَمَلٍ مَا بَقِيت، وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ. ومن بني عامر بن لؤي بن غالب بْنِ فِهْرٍ: سَلِيطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شمس ابن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ، وَهُوَ كَانَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيّ الحنفى باليمامة. رجل. وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ: عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ غَنْمِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادٍ، وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لقيط بن عامر بن أمية بن ظرب بن الحارث ابن فِهْرٍ، وَعِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادٍ. ثَلَاثَةُ نَفَرٍ. فَجَمِيعُ مَنْ تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ، وَلَمْ يَقْدَمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ، وَمَنْ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَحْمِلْ النّجَاشِيّ فِي السّفِينَتَيْنِ، أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا. وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ جُمْلَةِ مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ وَمِنْ أَبْنَائِهِمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ: مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُبَيْدُ اللهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ، مَاتَ بِهَا نَصْرَانِيّا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مهاجرات الحبشة

وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قصىّ: عمرو بن أميّة بن الحارث ابن أَسَدٍ. وَمِنْ بَنِي جُمَحٍ: حَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَخُوهُ حَطّابُ بْنُ الْحَارِثِ. وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ: عبد الله بن الحارث ابن قَيْسٍ. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ: عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ ابن عَوْفٍ، وَعَدِيّ بْنُ نَضْلَةَ. سَبْعَةُ نَفَرٍ. وَمِنْ أَبْنَائِهِمْ، مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ: مُوسَى بْنُ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عامر. رجل. [مهاجرات الحبشة] وجميع من هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ النّسَاءِ، مَنْ قَدِمَ مِنْهُنّ وَمَنْ هَلَكَ هُنَالِكَ سِتّ عَشْرَةَ امْرَأَةً، سِوَى بَنَاتِهِنّ اللّاتِي وُلِدْنَ هُنَالِكَ، مَنْ قَدِمَ مِنْهُنّ وَمَنْ هَلَكَ هُنَالِكَ، وَمَنْ خَرَجَ بِهِ مَعَهُنّ حِينَ خَرَجْنَ. مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: رُقَيّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ: أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، مَعَهَا ابْنَتُهَا حَبِيبَةُ، خرجت بها مِنْ مَكّةَ، وَرَجَعَتْ بِهَا مَعَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ، قَدِمَتْ مَعَهَا بِزَيْنَبِ ابْنَتِهَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ وَلَدَتْهَا هُنَالِكَ. وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مرّة: ربطة بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ جُبَيْلَةَ، هَلَكَتْ بِالطّرِيقِ، وَبِنْتَانِ لَهَا كَانَتْ وَلَدَتْهُمَا هُنَالِكَ عَائِشَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَزَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ هَلَكْنَ جَمِيعًا، وَأَخُوهُنّ مُوسَى بْنُ الْحَارِثِ، مِنْ مَاءٍ شَرِبُوهُ فِي الطّرِيقِ، وَقَدِمَتْ بِنْتٌ لَهَا وَلَدَتْهَا هُنَالِكَ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَلَدِهَا غَيْرُهَا، يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ. وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو: رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عوف بن صبيرة. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ: لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ بْنِ غَانِمٍ. وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: سَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسٍ، وسهلة بنت سهييل بن عمرو، وابنة المجلّل، وَعَمْرَةُ بِنْتُ السّعْدِيّ بْنِ وَقْدَانَ، وَأُمّ كُلْثُومِ بنت سهيل بن عمرو. وَمِنْ غَرَائِبِ الْعَرَبِ: أَسَمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ الْخَثْعَمِيّةُ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُحرّث الْكِنَانِيّةُ، وَفُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، وَبَرَكَةُ بِنْتُ يَسَارٍ، وَحَسَنَةُ، أُمّ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَة. وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ وُلِدَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ. وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ: عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: مُحَمّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَأُخْتُهُ أَمَةُ بِنْتُ خَالِدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ الْأَسَدِ. وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ: عَبْدُ اللهِ بن المطّلب بن أزهر. ومن بنى تيم: مُوسَى بْنُ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدٍ، وَأَخَوَاتُهُ عَائِشَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ. الرّجَالُ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ: عَبْدُ اللهِ بْنُ جعفر، ومحمد بن أبى حذيفة، وسعيد ابن خَالِدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُطّلِبِ، وَمُوسَى بْنُ الحارث. وَمِنْ النّسَاءِ خَمْسٌ: أَمَةُ بِنْتُ خَالِدٍ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ، وَعَائِشَةُ وَزَيْنَبُ وَفَاطِمَةُ، بَنَاتُ الحارث بن خالد بن صخر. ـــــــــــــــــــــــــــــ غَزْوَةُ خَيْبَرَ ذَكَرَ الْبَكْرِيّ أَنّ أَرْضَ خَيْبَرَ سُمّيَتْ بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ الْعَمَالِيقِ نَزَلَهَا، وَهُوَ خَيْبَرُ بْنُ قَانِيَةَ بْنِ مَهْلَايِلَ «1» ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْوَطِيحِ، وَهُوَ مِنْ حُصُونِهَا أَنّهُ سُمّيَ بِالْوَطِيحِ بْنِ مَازِنٍ، رَجُلٌ مِنْ ثَمُودَ وَلَفْظُهُ مأخوذ من مِنْ الْوَطْحِ، وَهُوَ مَا تَعَلّقَ بِالْأَظَافِرِ، وَمَخَالِبِ الطّيْرِ مِنْ الطّينِ. شَرْحُ هَنَةٍ وَالْحُدَاءِ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِسَلَمَةَ بْنِ الأكوع: خذلنا من

_ (1) قاله فى المعجم منسوبا إلى محمد بن سهل، وفيه قاينة بدلا من قانية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَنَاتِك. الْهَنَةُ: كِنَايَةٌ عَنْ كُلّ شَيْءٍ لَا تَعْرِفُ اسْمَهُ، أَوْ تَعْرِفُهُ، فَتُكَنّي عَنْهُ، وَأَصْلُ الْهَنَةِ: هَنْهَةٌ وَهَنْوَةٌ. قَالَ الشّاعِرُ: [أَرَى ابْنَ نَزَارٍ قَدْ جَفَانِي وَقَلّنِي] ... عَلَى هَنَوَاتٍ شَأْنُهَا مُتَتَابِعُ وَفِي الْبُخَارِيّ: أَنّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ الْأَكْوَعِ: أَلَا تَنْزِلُ فَتُسْمِعَنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ، صَغّرَهُ بِالْهَاءِ، وَلَوْ صَغّرَهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ هَنَوَاتٍ، لَقَالَ هُنَيّاتِك، وَإِنّمَا أَرَادَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَحْدُوَ بِهِمْ، وَالْإِبِلُ تُسْتَحَثّ بِالْحِدَاءِ، وَلَا يَكُونُ الْحِدَاءُ إلّا بِشِعْرِ أَوْ رَجَزٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَوّلَ مَنْ سَنّ حُدَاءَ الْإِبِلِ، وَهُوَ مُضَرُ بْنُ نَزَارٍ، وَالرّجَزُ شِعْرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيضًا، وَقَدْ قِيلَ لَيْسَ بِشِعْرِ، وَإِنّمَا هِيَ أَشْطَارُ أَبْيَاتٍ، وَإِنّمَا الرّجَزُ الّذِي هُوَ شِعْرٌ سُدَاسِيّ الْأَجْزَاءِ، نَحْوَ مَقْصُورَةِ ابْنِ دُرَيْدٍ «1» أَوْ رُبَاعِيّ الْأَجْزَاءِ نَحْوَ قَوْلِ الشاعر: يامر يا خير أخ ... نازعت درّ الحلمه

_ (1) من جيد شعر ابن دريد المقصورة التى يمدح بها الشاه ميكائيل وولديه وهو الأمير أبو العباس إسماعيل بن عبد الله بن ميكائيل رئيس نيسابور، أحاط فيها بأكثر المقصورة: وأولها: إما ترى رأسى حاكى لونه ... طرة صبح تحت أذيال الدجى وقد اعتنى بشرحها كثير من المتقدمين والمتأخرين منهم العلامة أحمد بن خالويه. ولكن أولها فى المطبوعة: يا ظبية أشبه شىء بالمها ... ترعى الخزامى بين أشجار النقا وهى أكثر من مائتين وخمسين بيتا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَاحْتَجّ مَنْ قَالَ فِي مَشْطُورِ الرّجَزِ أَنّهُ لَيْسَ بِشِعْرِ أَنّهُ قَدْ جَرَى عَلَى لِسَانِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ لَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ الشّعْرُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّهُ أَنْشَدَ هَذَا الرّجَزَ الّذِي قَالَهُ ابْنُ الْأَكْوَعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَيْضًا إمّا مُتَمَثّلًا وَإِمّا مُنْشِئًا: هَلْ أَنْتَ إلّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ ... وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيت وَفِي هَذَا الزجز مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ مِمّا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ وَغَيْرِهِ: فَاغْفِرْ فِدَاءً لَك «1» مَا أَبْقَيْنَا وَيُرْوَى مَا اقْتَفَيْنَا أَيْ «2» : مَا تَتَبّعْنَا مِنْ الْخَطَايَا، مِنْ قَفَوْت الْأَثَرَ، وَاقْتَفَيْته. وَفِي التّنْزِيلِ: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، وَأَمّا قَوْلُهُ: مَا أَبْقَيْنَا، أَيْ: مَا خَلّفْنَا مِمّا اكْتَسَبْنَا، أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: مَا أَبْقَيْنَا من لذنوب، فَلَمْ نُحَقّقْ التّوْبَةَ مِنْهُ كَمَا يَنْبَغِي. وَقَوْلُهُ فِدَاءً لَك قَدْ قِيلَ: إنّ الْخِطَابَ لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْ: اغْفِرْ لَنَا تَقْصِيرَنَا فِي حَقّك وَطَاعَتِك، إذْ لَا يُتَصَوّرُ أَنْ يُقَالَ لِلّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ، وَذَلِكَ أَنّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: فِدَاءً لَك أَيْ: فِدَاءً لَك أَنْفُسُنَا وَأَهْلُونَا، وَحُذِفَ الِاسْمُ الْمُبْتَدَأُ لِكَثْرَةِ دَوْرِهِ فِي الْكَلَامِ مَعَ الْعِلْمِ به، وإنما

_ (1) قد تكون فداء مرفوعة على أنها مبتدأ. (2) هذه رواية مسلم والبخارى فى الأدب، وللقابسى: ما لقينا، وفى رواية ما اتقينا، أى ما تركنا من الأوامر. وما ظرفية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَفْدِي الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْفَنَاءُ. اسْتِعْمَالُ الْكَلِمَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا: وَأَقْرَبُ مَا قِيلَ فِيهِ مِنْ الْأَقْوَالِ إلَى الصّوَابِ أَنّهَا كَلِمَةٌ يُتَرْجَمُ بِهَا عَنْ مَحَبّةٍ وَتَعْظِيمٍ، فَجَازَ أَنْ يُخَاطَبَ بِهَا مَنْ لَا يَجُوزُ فِي حَقّهِ الْفِدَاءُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْفَنَاءُ قَصْدًا لِإِظْهَارِ الْمَحَبّةِ وَالتّعْظِيمِ «1» لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْكَلِمَةِ مَا ذَكَرْنَا، فَرُبّ كَلِمَةٍ تُرِكَ أَصْلُهَا، واستعملت كالمثل فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ أَوّلَ، كَمَا جاؤا بِلَفْظِ الْقَسَمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقَسَمِ، إذَا أَرَادُوا تَعَجّبًا وَاسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيّ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ، وَمُحَالٌ أَنْ يَقْصِدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَسَمَ بِغَيْرِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، لَا سِيّمَا بِرَجُلِ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ، وَإِنّمَا هُوَ تَعَجّبٌ مِنْ قَوْلِ الْأَعْرَابِيّ، وَالْمُتَعَجّبُ مِنْهُ هُوَ مُسْتَعْظَمٌ، وَلَفْظُ الْقَسَمِ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ لِمَا يُعَظّمُ، فَاتّسَعَ فِي اللفظ حتى قيل على هذا الْوَجْهِ. وَقَالَ الشّاعِرُ: فَإِنْ تَكُ لَيْلَى اسْتَوْدَعَتْنِي أَمَانَةً ... فَلَا وَأَبِي أَعْدَائِهَا لَا أَخُونُهَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يُقْسِمَ بِأَبِي أَعْدَائِهَا، وَلَكِنّهُ ضَرْبٌ مِنْ التّعَجّبِ، وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ شُرّاحِ الْحَدِيثِ إلَى النّسْخِ فِي قَوْله أَفْلَحَ وَأَبِيهِ، قَالُوا نَسَخَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَصِحّ، لِأَنّهُ لَمْ يَثْبُتْ أن النبي صلى الله عليه وسلم- كان يَحْلِفُ قَبْلَ النّسْخِ بِغَيْرِ اللهِ، وَيُقْسِمُ بِقَوْمِ كُفّارٍ، وَمَا أَبْعَدَ هَذَا مِنْ شِيمَتِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَاللهِ مَا فَعَلَ هَذَا قط «2» ، ولا كان

_ (1) هذا كلام محمد بن على بن عمر التميمى المازرى. (2) هذا كلام ممتاز لأن القسم بغير الله كفر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَهُ بِخُلُقِ. وَقَالَ قَوْمٌ: رِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ مُصَحّفَةٌ، وَإِنّمَا هُوَ أَفْلَحَ وَاَللهِ إنْ صَدَقَ. وَهَذَا أَيْضًا مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ، وَاعْتِرَاضٌ عَلَى الْأَثْبَاتِ الْعُدُولِ فِيمَا حَفِظُوا «1» ، وَقَدْ خَرّجَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الزّكَاةِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِرَجُلِ سَأَلَهُ: أَيّ الصّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: وَأَبِيك لَأُنْبِئك أَوْ قَالَ لَأُخْبِرَنّكَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَخَرّجَ فِي كِتَابِ الْبِرّ وَالصّلَةِ قَوْلَهُ لِرَجُلِ سَأَلَهُ: مَنْ أَحَقّ النّاسِ بِأَنْ أَبَرّهُ، أَوْ قَالَ: أَصْلُهُ؟ فَقَالَ: وَأَبِيك لَأُنْبِئكَ، صِلْ أُمّك، ثُمّ أَبَاك ثُمّ أَدْنَاك فَأَدْنَاك، فَقَالَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَمَا تَرَى وَأَبِيك، فَلَمْ يَأْتِ إسْمَاعِيلُ ابن جَعْفَرٍ إذًا فِي رِوَايَتِهِ بِشَيْءِ إمْرٍ، وَلَا بِقَوْلِ بِدْعٍ، وَقَدْ حَمَلَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ بِلَادِنَا وَعُظَمَاءِ مُحَدّثِيهَا، وَغَفَلَ- عَفَا اللهُ عَنْهُ- عَنْ الْحَدِيثَيْنِ اللّذَيْنِ تَقَدّمَ ذِكْرُهُمَا، وَقَدْ خَرّجَهُمَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجّاجِ. وَفِي تَرَاجِمِ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي مُصَنّفِهِ مَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ كَانَ يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالنّسْخِ، وَأَنّ الْقَسَمَ بِالْآبَاءِ كَانَ جَائِزًا، وَاَلّذِي ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ كَمَا قَدّمْنَا، وَلَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ: وَأَبِي، وَإِنّمَا قَالَ: وَأَبِيهِ، أَوْ وَأَبِيك بِالْإِضَافَةِ إلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ أَوْ الْغَائِبِ، وَبِهَذَا الشّرْطِ يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَى الْحَلِفِ إلَى معنى التعجب الذى ذكرناه «2» .

_ (1) ولم لا يكون الأمر أنه قد تشابه على النساخ حروف أبيه بحروف الله؟ وليس فى هذا أى طعن على العدول. (2) وأكثر هذا الرجز الذى جر كل هذا نسبه البخارى فى الجهاد إلى عبد الله بن رواحة. ولكن هنا زيادات عما نسب إلى ابن رواحة. وللبخارى فى قصة خيبر رواية فيها اختلاف عما روى ابن إسحاق هنا من هذا الرجز فراجعه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْإِسْنَادُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ، وَقَالَ: فِي إسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ [أَبِي] مَرْوَانَ، وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ، لِأَنّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيّ مَعْرُوفٌ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُكَنّى أَبَا مُصْعَبٍ، قَالَهُ الْبُخَارِيّ فِي التّارِيخِ، وَبَعْضُ مَنْ يَرْوِي السّيرَةَ يَقُولُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيّ وَالصّحِيحُ مَا قَدّمْنَاهُ. الْمَكَاتِلُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ حِينَ اسْتَقْبَلَتْهُمْ عُمّالُ خَيْبَرَ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ الْمَكَاتِلُ: جَمْعُ مكتل وهى القفّة العظيمة، سمّيت بذلك لتكثّل الشىء فيها، وهو تلاصق بعضه ببعض، والكنلة من التّمْرِ وَنَحْوِهِ فَصِيحَةٌ، وَإِنْ ابْتَذَلَتْهَا الْعَامّةُ. خَرِبَتْ خَيْبَرُ: وَقَوْلُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ: اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ. فِيهِ إبَاحَةُ التّفَاؤُلِ وَقُوّةٌ لِمَنْ اسْتَجَازَ الرّجَزَ، وَقَدْ قَدّمْنَا فِي ذَلِكَ قَوْلًا مُقْنِعًا، وَذَلِكَ أَنّهُ رَأَى الْمَسَاحِيّ وَالْمَكَاتِلَ وَهِيَ مِنْ آلَةِ الْهَدْمِ وَالْحَفْرِ مَعَ أَنّ لَفْظَ الْمِسْحَاةِ مِنْ سَحَوْت الأرض إذ قَشّرْتهَا، فَدَلّ ذَلِكَ عَلَى خَرَابِ الْبَلْدَةِ الّتِي أَشْرَفَ عَلَيْهَا «1» ، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ قال: حين ذكر المساحى: كانوا

_ (1) وأشرف من هذا ما ذكره الحافظ فى الفتح: ويحتمل أن يكون قال: خربت خيبر بطريق الوحى، ويؤيده قوله بعد ذلك: إنا إذا نزلنا بساحة قوم لساء صباح المنذرين، وقد اقتبس من القرآن فى كلامه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يُؤْتُونَ الْمَاءَ إلَى زَرْعِهِمْ مَعْنَاهُ: يَسُوقُونَ. وَالْأَتِيّ هِيَ الصّافِيَةُ «1» . الْخَمِيسُ: وَقَوْلُ الْيَهُودِ: مُحَمّدٌ وَالْخَمِيسُ، سُمّيَ الْجَيْشُ الْعَظِيمُ خَمِيسًا، لِأَنّ لَهُ سَاقَةً وَمُقَدّمَةً، وَجَنَاحَيْنِ «2» وَقَلْبًا، لَا مِنْ أَجْلِ تَخْمِيسِ الْغَنِيمَةِ، فَإِنّ الْخُمُسَ مِنْ سُنّةِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ كَانَ الْجَيْشُ يُسَمّى خَمِيسًا فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الشّاهِدَ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا تَقَدّمَ. تَدَنّي الْحُصُونِ: وَقَوْلُهُ: يَتَدَنّى الْحُصُونَ، أَيْ يَأْخُذُ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى. حُكْمُ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَالْخَيْلِ: وَذِكْرُ نَهْيِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَنّهُ نَهَى عَلَيْهِ السّلَامُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ، وَأَرْخَصَ لَهُمْ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ، أَمّا الْحُمُرُ الْأَهْلِيّةُ فَمُجْتَمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا إلّا شَيْئًا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وَعَائِشَةَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ التابعين. وحجّة من أباحها قوله تعالى:

_ (1) فى اللسان: الأتى بوزن غنى: النهر يسوقه الرجل إلى أرضه، وكل مسيل سهلته لماء أتى، وكل جدول ماء أتى. وأتى الماء- بفتح الهمزة وتشديد التاء مع فتح- وجه له مجرى. (2) وكانا يسميان: الميمنة والميسرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قُلْ: لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ الْآيَةُ وَهِيَ مَكّيّةٌ، وَحَدِيثُ النّهْيِ عَنْ الْحُمُرِ كَانَ بِخَيْبَرِ فَهُوَ الْمُبَيّنُ لِلْآيَةِ، وَالنّاسِخُ لِلْإِبَاحَةِ «1» ، وَمِنْ حُجّتِهِمْ أَيْضًا قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لرجل استفتاه فى أكل الحمار

_ (1) عجيب والله أمر هؤلاء الذين يزعمون أن رسول الله «ص» يحرم ما أحله الله. وقد أخرج البخارى عن عمرو بن دينار قال: «قلت لجابر بن زيد: يزعمون أن رسول الله «ص» نهى عن الحمر الأهلية، قال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمر الغفارى عندنا بالبصرة، ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس، وقرأ: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) وفهم ابن عباس دقيق. ففى الآية حصر لا يأذن لشىء أن يطيف بقدسه، ولا أن يضاف إلى المحصور، ومن يتدبر الآية يهدى الإيمان فى قلبه، والتقديس لما يقول القرآن يمجد فهم ابن عباس رضى الله عنه. أو يمكن أن نظن بالقرآن الكريم أن بيانه الحكيم القوى تنها حكمته وتهى قوته بهذه السهولة؟! (قُلْ: لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ، فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً، أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ، فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام: 145. وقد ورد بعدها ما حرم الله على الذين هادوا. فتدبر النفى السابق للفعل أجد، ثم كلمة إلا ليتبين أن الآية تؤكد بهذا البيان المحكم أن الله سبحانه لم يحرم شيئا غير ما ورد فى الآية القرآنية. ثم إذا تبين بالدليل القطعى الذى تؤيده التجربة أو الواقع أن شيئا ما يضر الناس تناوله، فانه يكون محرما بنص آية أخرى حيث وصف الرسول صلى الله عليه وسلم فى سورة الأعراف بأن «يحل الطيبات ويحرم الخبائث» فكل طيب حلال، وكل خبيث حرام بهذا النص. هذا ولا يصح ترديد أن الحديث ينسخ القرآن، وإلا بهتناه صلى الله عليه وسلم، بأنه كان يتقول على الله بعض الأقاويل. وأضرع إلى الله أن يفتح القلوب لكلمة الحق هذه، فلا يرجمنا بسببها قوم لا نكن لهم إلا ما نكن للصفاء والحب والخير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَهْلِيّ، يُقَالُ فِي اسْمِهِ: غَالِبُ بْنُ أَبْحَرَ الْمُزَنِيّ: أَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ سَمِينِ مَالِك «1» ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ حَدِيثُ النّهْيِ مَعَ أَنّهُ مُحْتَمِلٌ لِتَأْوِيلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الرّجُلُ مِمّنْ أَصَابَتْهُ مَسْغَبَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأُرْخِصَ لَهُ فِيهِ، أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِالتّحْرِيمِ، عَلَى أَنّ بَعْضَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ زَادَ فِيهِ بَيَانًا، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِلرّجُلِ: إنّمَا نُهِيت عَنْ حَوَالِي الْقَرْيَةِ أَوْ جَوّالِي «2» الْقَرْيَةِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الرّوَايَةِ، وَأَمّا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي إباحة لحوم الْخَيْلِ، فَصَحِيحٌ وَيُعَضّدُهُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ أَنّهَا قَالَتْ: ضَحّيْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِفَرَسِ «3» . وَقَالَ بِإِبَاحَةِ لُحُومِ الْخَيْلِ الشّافِعِيّ وَاللّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيّ إلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَالْبِغَالِ وَالْخَيْلِ، وقد خرّجه أبو داوود، وحديث لإباحة أَصَحّ غَيْرَ أَنّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللهُ نَزَعَ بِآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَهِيَ أَنّ اللهَ جَلّ ذِكْرُهُ ذَكَرَ الْأَنْعَامَ، فَقَالَ: وَمِنْها تَأْكُلُونَ ثُمّ ذَكَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ فَقَالَ: لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وهذا انْتِزَاعٌ حَسَنٌ. وَوَجْهُ الدّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنّهُ قال: وَالْأَنْعامِ

_ (1) أخرجه أبو داود وفيه «أطعم أهلك من سمين حمرك» ولست أدرى كيف يحرم الحمار الأهلى، ويقال بحل أكل الحمار الوحشى؟!. (2) هى جوال بفتح الجيم والواو وتشديد اللام جمع جالة مثل دواب وسوام وعوام جمع دابة وسامة وهامة. والجوال هى التى تأكل العذرة. (3) عن أسماء بنت أبى بكر قالت: «ذبحنا على عهد رسول الله «ص» فرسا، ونحن بالمدينة، فأكلناه، متفق عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ النّحْلُ: 5 فَذَكَرَ الدّفْءَ وَالْمَنَافِعَ وَالْأَكْلَ، ثُمّ أَفْرَدَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ بِالذّكْرِ، ثُمّ جَاءَ بِلَامِ الْعِلّةِ وَالنّسَبِ، فَقَالَ: لِتَرْكَبُوهَا، أَيْ لِهَذَا سَخّرْتهَا لَكُمْ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدّى مَا سُخّرَتْ «1» لَهُ، وَأَمّا نَهْيُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْجَلّالَةِ وَعَنْ رُكُوبِهَا «2» ، فَهِيَ الّتِي تَأْكُلُ الْجَلّةَ وَهُوَ الرّوْثُ وَالْبَعْرُ، وَفِي السّنَنِ لِلدّارَقُطْنِيّ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلّالَةِ، حَتّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَهَذَا نَحْوٌ مِمّا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ الدّجَاجَ الْمُخَلّاةَ، حَتّى تُقْصَرَ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ. ذَكَرَهُ الْهَرَوِيّ. الْوَرِقُ: وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ نَهْيَهُ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْفِضّةِ بِالْفِضّةِ، وَإِبَاحَةِ بَيْعِ الذّهَبِ بِالْوَرِقِ، فَدَلّ عَلَى أَنّ الْوَرِقَ وَالْفِضّةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ فَرّقَ بَيْنَهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، فَقَالَ: الرّقَةُ وَالْوَرِقُ مَا كَانَ سِكّةً مَضْرُوبَةً، فَإِنْ كَانَ حُلِيّا أَوْ حُلِيّةً، أَوْ نُقَرًا «3» لَمْ يُسَمّ وَرِقًا، يُرِيدُ بِهَذِهِ التّفْرِقَةِ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي حُلِيّ الْفِضّةِ والذّهب، لأن النّبى- صلى الله عليه

_ (1) وإن كانت اللام للعلة، فانها لا تفيد الحصر فى الركوب والزينة، فإنه ينتفع بالخيل فى غيرهما، وفى غير الأكل اتفاقا. (2) عن ابن عمر قال: «نهى رسول الله «ص» عن أكل الجلالة وألبانها» رواه الخمسة إلا النسائى. وفى رواية أن رسول الله «ص» نهى عن الجلالة فى الإبل أن يركب عليها، أو يشرب من ألبانها. رواه أبو داود. (3) جمع نقرة، وهى القطعة المذابة من الذهب والفضة، وقيل: هو ما سبك مجتمعا منها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَسَلَّمَ- حِينَ ذَكَرَ الزّكَاةَ قَالَ: فِي الرّقَةِ الْخُمْسُ «1» ، وَحِينَ ذَكَرَ الرّبَا قَالَ الْفِضّةُ بِالْفِضّةِ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَفِي أَحَادِيثَ سِوَاهُ قَدْ تَتَبّعْتهَا مَا يَدُلّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ، مِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ: يَصُبّ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنْ الْجَنّةِ أَحَدُهُمَا [مِنْ ذَهَبٍ وَالْآخَرُ] مِنْ وَرِقٍ «2» ، وَفِي حَدِيثِ عَرْفَجَةَ حِينَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ قَالَ: فَاِتّخَذْت أَنْفًا من ورق «3» الحديث، فى شَوَاهِدَ كَثِيرَةٍ تَدُلّ عَلَى أَنّ الْفِضّةَ تُسَمّى ورقا على أىّ حال كانت.

_ (1) زكاة الفضة هى ربع العشر، ففى حديث رواه أحمد وأبو داود والترمذى «هاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهما» وفى حديث آخر رواه البخارى فى الرقة- بكر الراء وتخفيف القاف- وهى الفضة الخالصة- فى مائتى درهم ربع العشر وهذا حر. (2) من حديث رواه مسلم. (3) لما اتخذ أنفا من ورق أنتن، فاتخذ أنفا من ذهب، وقد ظنه الأصمعى ورقا بفتح الراء، ظنا منه أن الفضة لا تنتن، وخطأه القتبى. والكلاب بضم القاف وفتح اللام اسم ماء كان به يوم من أيام العرب بين البصرة والكوفة. قال أبو عبيد: كلاب الأول وكلاب الثانى يومان كانا بين ملوك كندة، وبنى تميم وفيه أسرت بنو تميم عبد يغوث بن أبى وقاص الحارثى فقال قصيدته الياثية التى أولها: ألا لا تلومانى كفى اللوم ما بيا ... فما لكما فى اللوم خير ولا ليا ومنها جزى الله قومى بالكلاب ملامة ... حريمهم والآخرين المواليا-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: بِالذّهَبِ الْعَيْنِ وَالْوَرِقِ الْعَيْنِ، يُرِيدُ النّقْدَ، لِأَنّ الْغَائِبَ تُسَمّى ضِمَارًا، كَمَا قَالَ، وَعَيْنُهُ كالكالىء الضّمَارِ «1» ، وَسُمّيَ الْحَاضِرُ: عَيْنًا لِمَوْضِعِ الْمُعَايَنَةِ، فَالْعَيْنُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ عِنْته أَعِينُهُ إذَا أَبْصَرْته بِعَيْنِك، وَسُمّيَ الْمَفْعُولُ بِالْمَصْدَرِ، وَنَحْوٌ مِنْهُ الصّيْدُ، لِأَنّهُ مَصْدَرٌ صِدْت أَصِيدُ، وَقَدْ جَاءَ فِي التّنْزِيلِ: لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ الْمَائِدَةُ: 95 فَسَمّاهُ بِالْمَصْدَرِ، وَلَعَلّك أَنْ تَلْحَظَ مِنْ هَذَا الْمَطْلَعِ مَعْنَى الْعَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي طَه: 39 فَقَدْ أَمْلَيْنَا فِيهَا، وَفِي مَسْأَلَةِ الْيَدِ مَسْأَلَتَيْنِ لَا يُعْدَلُ بِقِيمَتِهِمَا الدّنْيَا بحذافيرها «2»

_ - ويقول ابن دريد عن الكلاب: «والكلاب موضع بالدهناء بين اليمامة والبصرة كانت فيه وقعتان إحداهما بين ملوك كندة الإخوة، والأخرى بين بنى الحارث وبين بنى تميم يذكر ذلك أبو عبيدة فى كتاب الأيام» أنظر ص 45 ح 2، ص 267 ح 4 البيان الجاحظ، واللسان، وابن الأثير فى مادتى كلب وورق وص 21 الاشتقاق لابن دريد. (1) المال الضمار: الغائب الذى لا يرجى. والكالىء فى حديث أنه نهى عن الكالىء بالكالىء، أى النسيئة بالنسيئة، وذلك أن يشترى الرجل شيئا إلى أجل، فاذا حل الأجل لم يجد ما يقضى به، فيقول يعنيه إلى أجل آخر بزيادة شىء فيبيعه منه، ولا يجرى بينهما تقابض، يقال: كلأ الدين كلوء، فهو كالىء إذا تأخر. (2) من خير من كتب عن هذا الإمام ابن القيم فى كتابه «الصواعق المرسلة» فراجعه، وقد سبق القول بأنه يجب الإيمان. بكل ما نسبه إلى نفسه من مثل اليد والعين وغيرهما إيمانا مطمئنا بأن الله سبحانه له كل هذا الذى نسبه إلى نفسه، فله يدان وله عينان، ولكن لا تشبه يده بد، ولا عينه عين، لأنه جل شأنه ليس كمثله شىء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَتَى حُرّمَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ؟: فَصْلٌ: وَمِمّا يَتّصِلُ بِحَدِيثِ النّهْيِ عَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ تَنْبِيهٌ عَلَى إشْكَالٍ فِي رِوَايَةُ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، فَإِنّهُ قَالَ فِيهَا: نَهَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ، وَهَذَا شَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السّيَرِ، وَرُوَاةِ الْأَثَرِ، أَنّ الْمُتْعَةَ حُرّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمّدٍ، فَقَالَ فِيهِ: إنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ عَامَ خَيْبَرَ، وَعَنْ الْمُتْعَةِ، فَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا اللّفْظِ: وَنَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَهُوَ إذًا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَقَعَ فِي لَفْظِ ابْنِ شِهَابٍ، لَا فِي لَفْظِ مَالِكٍ، لِأَنّ مَالِكًا قَدْ وَافَقَهُ عَلَى لَفْظِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فَأَغْرَبُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ: إنّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمّ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنّ ذَلِكَ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَالْمَشْهُورُ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ رِوَايَةُ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ «1» عَنْ أَبِيهِ أَنّ ذَلِكَ كَانَ عَامَ الْفَتْحِ. وَقَدْ خَرّجَ مسلم الحديث بطوله «2» وفى هذا أَيْضًا حَدِيثٌ آخَرُ خَرّجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَنّ تحريم

_ (1) نص النودى فى التهذيب على ضبطها بفتح السين وسكون الياء، وضبطت فى نيل الأوطار بضمها. (2) ورواه أيضا أحمد. هذا وقد روى عن ابن مسعود أنه قال: «كنا نغزو مع رسول الله «ص» ليس معنا نساء، فقلنا: ألا تختصى، فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) الآية. متفق عليه. وعن-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ كَانَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ، وَمَنْ قال من الرّواة كان فى غزوة

_ - أبى جمرة قال: «سألت ابن عباس عن متعة النساء، فرخص، فقال له مولى له: إنما ذلك فى الحال الشديد وفى النساء قلة أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم» رواه البخارى. وقد روى ابن حزم فى المحلى عن جماعة من الصحابة غير ابن عباس، فقال: وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله «ص» جماعة من السلف منهم من الصحابة: أسماء بنت أبى بكر، وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية وعمر بن حريث وأبو سعيد وسلمة ابنا أمية بن خلف، ورواه جابر عن الصحابة مدة رسول الله ومدة أبى بكر ومدة عمر إلى قرب آخر خلافته، وروى عنه أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وقال بها من التابعين: طاوس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة. وقال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها، ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها إلا بعض الرافضة» . وقال عياض: «ثم وقع الإجماع من جميع العلماء إلا الروافض» وقال ابن بطال: «روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروى عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة عنه أصح، وهو مذهب الشيعة. ونقل البيهقى عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هى الزنا بعينه» وقال القرطبى «الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل، وأنه حرم، ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا من لا يلتفت إليه من الروافض» انظر ص 135 ح 6 نيل الأوطار. أقول: وقد أسرفت فتات من الآخذين بحلها فأحالوها زنا بأجر، وبغاء فاجر الفسوق، أيتفق وقداسة الإسلام، وجلال هديه، وسمو الصفاء فى روحانيته، أن يتصل رجل بأمرأة أياما أو أشهرا ثم يتركها بما حملت؟! ترى لمن ينتسب هذا الجنين؟ وكيف يعيش وتعيش أمه، وهى لا تعرف لابنها أبا، وهو لا يدرى له أبا؟ وأية علاقة بالغة السوء تكون بينه وبين أمه. ومر سيرت يا ترى؟ تلك هى نكبة الزنا بعينه. وإذا اقمنا وجوهنا وأفكارنا وقلوبنا لله فى كتابه. فإنا لا نجد فى الذكر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَوْطَاسٍ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَنْ قَالَ عَامَ الْفَتْحِ، فَتَأَمّلْهُ وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ. وَذَكَرَ قَوْلَهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ-: لَأُعْطِيَنّ الرّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبّ اللهَ وَرَسُولَهُ

_ - الحكيم شيئا مما يروج له دعاة المتعة، أو دعاة الفسوق. فقوله سبحانه فى سورة النساء (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ، فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) هذا القول ليس نصا لا من بعيد، ولا من قريب يدل على إباحة المتعة ولا بأثارة من فهم إلا فهم الذين يبتغون البغاء اليوم فى إباحة المتعتة، فالله سبحانه قد بين فى الآية ما يحل من نكاح النساء فى مقابلة ما حرم فيما قبلها. وفى صدرها. وبين أنه إذا استمتع الإنسان بامرأة أحلها الله فيمن أحلّ أى تزوجها فعليه الأجر، وهو المهر. ولو تدبرنا قوله جل شأنه فى صفات المؤمنين (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ، فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) المؤمنون 5، 6. لو تدبرنا هذا لعلمنا أن هذه المتعة بالمعنى الذى فسروه بها أمر باطل. فما ثم فى الآية إلا نوعان: زوجات وملك يمين، فأين نضع صاحبة المتعة بين هذين النوعين؟؟ لا يمكن اعتبارها زوجة لأن للزواج شروطه المبينة فى القرآن وهذه الشروط لا تنطبق على صاحبة المتعة، ولا يمكن اعتبارها أمة، فمن ابتغى وراء هذين فهو من التادين. ويقول الإمام ابن القيم «ولم يحرم المتعة يوم خيبر، وإنما كان تحريمها عام الفتح، هذا هو الصواب، وقد ظن طائفة من أهل العلم أنه حرمها يوم خيبر، واحتجوا بما فى الصحيحين، ثم ذكر ما ورد فى الصحيحين، ثم ضعف رأى القائلين بأنها حرمت، ثم أبيحت ثم حرمت ثم قال: «وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات، ولا استأذنوا فى ذلك رسول الله «ص» ولا نقله أحد قط فى هذه الغزوة، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة، لا فعلا ولا تحريما بخلاف غزاة الفتح، فإن قصة المتعة كانت فيها فعلا وتحريما مشهورة، وهذه الطريقة أصح الطريقتين، ص 346 ح 2 زاد المعاد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيَفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ: فَبَاتَ النّاسُ يَدُوكُونَ أَيّهُمْ يُعْطَاهَا «1» وَمَعْنَاهُ مِنْ الدّوكَةِ، وَالدّوْكَةِ، وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ. عَلِيّ وَدُعَاءُ الرّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَذَكَرَ أَنّ عَلِيّا- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- انْطَلَقَ بِالرّايَةِ يَأْنِحُ، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ يَؤُجّ، فَمَنْ رَوَاهُ يَأْنِحُ، فَهُوَ مِنْ الْأَنِيحِ وَهُوَ عُلُوّ النّفَسِ، يُقَالُ فَرَسٌ أَنْوَحُ مِنْ هَذَا، وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنّهُ رَأَى رَجُلًا يَأْنِجُ بِبَطْنِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: بَرَكَةٌ مِنْ اللهِ، فَقَالَ: بَلْ هُوَ عَذَابٌ عَذّبَك بِهِ وَمَنْ رَوَاهُ يَؤُجّ، فَمَعْنَاهُ: يُسْرِعُ، يُقَالُ: أَجّتْ النّاقَةُ تَؤُجّ إذَا أَسْرَعَتْ فِي مَشْيِهَا، وَزَادَ الشّيْبَانِيّ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حِينَ ذَكَرَ أَنّ عَلِيّا كَانَ أَرْمَدَ، وَأَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ، قَالَ: فَمَا وَجِعَتْ عَيْنُهُ حَتّى مَضَى سَبِيلُه «2» ، قَالَ: وَكَانَ عَلِيّ يَلْبَسُ الْقَبَاءَ الْمَحْشُوّ الثّخِينَ فِي شِدّةِ الْحَرّ، فَلَا يُبَالِي بِالْحَرّ، وَيَلْبَسُ الثّوْبَ الْخَفِيفَ فِي شِدّةِ الْبَرْدِ، فَلَا يُبَالِي بِالْبَرْدِ، وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا لَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ حِينَ رَمِدَتْ عَيْنُهُ أَنْ يَشْفِيَهُ اللهُ، وَأَنْ يُجَنّبَهُ الْحَرّ وَالْبَرْدَ، فَكَانَ ذَلِكَ. صَاحِبُ الْمَغَانِمِ وَابْنُ مُغَفّلٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مغفل حين احتمل جراب الشّحم،

_ (1) فى حديث أبى حازم عن سهل بن سعد فى البخارى. (2) فى الدلائل للبيهقى: فما وجعها حتى مضى لسبيله، أى: مات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَرَادَ صَاحِبُ الْمَغَانِمِ أَخْذَهُ مِنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ صَاحِبِ الْمَغَانِمِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنّهُ قَالَ: كَانَ عَلَى الْمَغَانِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ أَبُو الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ هَكَذَا وَجَدْته فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ مَرْوِيّا عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَلَمْ يَتّصِلْ لِي بِهِ إسْنَادٌ. الصّفِيّ وَالْمِرْبَاعُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ، وَأُمّهَا بُرْدَةَ بِنْتَ سَمَوْأَلٍ، أُخْتَ رفاعة ابن سَمَوْأَلٍ الْمَذْكُورِ فِي الْمُوَطّإِ، وَأَنّهُ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ صَفِيّةُ مِنْ الصّفِيّ، وَالصّفِيّ مَا يَصْطَفِيهِ أَمِيرُ الْجَيْشِ لِنَفْسِهِ قَالَ الشّاعِرُ [عَبْدُ اللهِ بْنُ غَنَمَةَ الضّبّيّ يُخَاطِبُ بِسْطَامَ بْنِ قَيْسٍ] : لَك الْمِرْبَاعُ مِنْهَا وَالصّفَايَا ... [وَحُكْمُك وَالنّشِيطَةُ وَالْفُضُولُ «1» ] فَالْمِرْبَاعُ رُبْعُ الْغَنِيمَةِ. وَالصّفِيّ مَا يُصْطَفَى لِلرّئِيسِ، وَكَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَنُسِخَ الْمِرْبَاعُ بِالْخُمْسِ وَبَقِيَ أَمْرُ الصّفِيّ. مَصْدَرُ أَمْوَالِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَوَاجُهُ مِنْ صَفِيّةَ: وَكَانَتْ أَمْوَالُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: مِنْ الصّفِيّ، وَالْهَدِيّةِ تُهْدَى «2» إلَيْهِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ لَا فِي الْغَزْوِ مِنْ بِلَادِ الحرب، ومن

_ (1) الزيادة التى بين قوسين من اللسان مادة «نشط وصفى» . (2) روى أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم من طريق أبى أحمد-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَرَوَى يُونُسُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمّعٍ الْأَنْصَارِيّ، قَالَ: حَدّثَنِي عُثْمَانُ بن كعب القرظىّ، قال: حدثنى فى رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّضِيرِ، كَانَ فِي حِجْرِ صَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ مِنْ رَهْطِهَا يُقَالُ لَهُ: رَبِيعٌ، عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ قَالَتْ: مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطّ أَحْسَنَ خُلُقًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ رَأَيْته رَكِبَ بِي مِنْ خَيْبَرَ حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ عَلَى نَاقَتِهِ لَيْلًا فَجَعَلْت أَنْعَسُ فَيَضْرِبُ رَأْسِي مُؤَخّرَةُ الرّحْلِ، فَيَمَسّنِي بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: يَا هَذِهِ مَهْلًا يَا ابْنَةَ حُيَيّ، حَتّى إذَا جَاءَ الصّهْبَاءَ «1» ، قَالَ: أَمَا إنّي أَعْتَذِرُ إلَيْك يَا صَفِيّةُ مِمّا صَنَعْت بِقَوْمِك، إنّهُمْ قَالُوا لِي: كَذَا، وَقَالُوا لِي: كَذَا. وَحَدِيثُ اصْطِفَائِهِ صَفِيّةَ يُعَارِضُهُ فِي الظّاهِرِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ عَنْ أَنَسٍ أَنّهَا صَارَتْ لِدِحْيَةَ فَأَخَذَهَا مِنْهُ، وَأَعْطَاهُ سبعة أرؤس، وَيُرْوَى أَنّهُ أَعْطَاهُ بِنْتَيْ عَمّهَا عِوَضًا مِنْهَا، وَيُرْوَى أَيْضًا أَنّهُ قَالَ لَهُ: خُذْ رَأْسًا آخَرَ مَكَانهَا «2» ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَإِنّمَا أخذها من دحية

_ - الزبيدى عن سفيان الثورى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مائشة قالت: كانت صفية من الصفى، وقد فسره ابن سيرين فيما أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عنه قال: كان يضرب للنبى «ص» بسهم مع المسلمين، والصفى يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شىء. ومن طريق الشعبى قال: كان للنبى «ص» سهم يدعى الصفى إن شاء، عبدا، وإن شاء أمة، وإن شاء فرسا يختاره من الخمس. ومن طريق قتادة: كان النبى «ص» إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث شاء، وكانت صفية من ذلك السهم. (1) الصهباء موضع بينه وبين خيبر يريد كما ذكر ابن سعد، وهى التى بنى فيها رسول الله «ص» بصفية كما جاء فى البخارى وفى رواية عند سد الروحاء. (2) قد ذكر البخارى فى رواية له أن صفية كانت فى السبى، فصارت إلى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَبْلَ الْقَسْمِ: وَمَا عَوّضَهُ مِنْهَا لَيْسَ عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ عَلَى جِهَةِ النّفْلِ وَالْهِبَةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. غَيْرَ أَنّ بَعْضَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ فِي الْمُسْنَدِ الصّحِيحِ يَقُولُونَ فِيهِ: إنّهُ اشْتَرَى صَفِيّةَ مِنْ دِحْيَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ فِيهِ: بَعْدَ الْقَسْمِ، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ. وَكَانَ أَمْرُ الصّفِيّ أَنّهُ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ إذَا غَزَا فِي الْجَيْشِ اخْتَارَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ رَأْسًا وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فإذا قعد، ولم يخرج مع

_ - دحية، وفى رواية أن دحية جاء إلى رسول الله «ص» فقال: أعطنى يا رسول الله جارية من السبى، قال اذهب، فخذ جارية، فأخذ صفية، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله: أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير، لا تصلح إلا لك، قال: ادعوه بها، فجاء بها، فلما نظر إليها «ص» قال: خذ جارية من السبى غيرها، ثم صارت إلى النبى «ص» فتزوجها، فجعل عنقها صداقها، ورواية سبعة أرؤس رواية مسلم عن أنس نفسه الذى روى عنه البخارى أنه أعطاه جارية!! ولا شك فى أن تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم فوق ما قيل نبلا وحكمة وسموا فالرجل العظيم الذى اصطفاه الله للنبيين خاتما، واستطاع- بتوفيق الله- تطبيق القرآن كما أمر الله، وأنشأ به خير أمة أخرجت للناس. هذا الإنسان العظيم لا يجوز أن يقال عنه إن جمال صفية هو الذى دعاه إلى هذا التصرف. إن هذا التصرف قد يترفع عنه قائد عسكرى ممتاز الخلق. فما بالك بنبى هو خاتم النبيين يصفه الله بأنه على خلق عظيم؟ ومن خير ما يقال هنا ما ذكر الحافظ فى الفتح لو أن رسول الله «ص» خص بها دحية- وهى كما روى ابن سعد من أضوأ ما يكون من النساء- لأمكن تغير خاطر بعض الصحابة، فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه، واختصاصه عليه الصلاة والسلام، فإن فى ذلك رضا الجميع ص 232 ح 2 المواهب. وانظر ما كتب العقاد عنها ص 193 حقائق الإسلام ط 1.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْجَيْش ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ صَفِيّ، ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَمْرُ الصّفِيّ بَعْدَ الرّسُولِ عَلَيْهِ السّلَامُ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ، وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالُوا: كَانَ خُصُوصًا لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ «1» . صَدَاقُ صَفِيّةَ: وَقَوْلُهُ: أَعْتَقَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، هُوَ صَحِيحٌ فِي النقل، وَقَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ تَأَوّلَهُ خُصُوصًا بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَنْسُوخًا، وَمِمّنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُ لَا يَرَوْنَ مُجَرّدَ الْعِتْقِ يُغْنِي عَنْ صَدَاقٍ «2» . حَنَشٌ الصّنْعَانِيّ: وَذَكَرَ حَدِيثَ حَنَشٍ الصّنْعَانِيّ عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ. هُوَ حَنَشُ بْنُ

_ (1) سبق الكلام عن الصفى فى الشرح. (2) فى حديث متفق عليه عن أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ أعتق صفية وجعل عتقها صداقها. وقد ذهب الأكثر إلى عدم صحة جعل العتق مهرا متأولين بأنه «ص» أعتقها بشرط أن يتزوجها، فوجب له عليها قيمتها، وكانت معلومة، فتزوجها بها. والذى يرد هذا التأويل أنه ورد فى مسلم بلفظ «ثم تزوجها. وجعل عتقها صداقها» والحق مع القائلين بعدم صحة جعل العتق صداقا، لأن الله يقول: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً، فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً. فالصداق فرض، ولا يجوز للمرأة أن تتنازل عنه كله، بل عن بعضه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَبْدِ اللهِ السّبَائِيّ «1» جَاءَ إلَى الْأَنْدَلُسِ مَعَ مُوسَى بْنِ نَصِيرٍ، وَهُوَ الّذِي ابْتَنَى جَامِعَ سَرَقُسْطَةَ، وَأَسّسَ جَامِعَ قُرْطُبَةَ أَيْضًا، فِيمَا ذَكَرُوا، وَتَوَهّمَ الْبُخَارِيّ أَنّهُ حَنَشُ بْنُ عَلِيّ، وَأَنّ الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِ أَبِيهِ، وَقَدْ فَرّقَ بَيْنَهُمَا عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ فَقَالَ: حَنَشُ بْنُ عَلِيّ السّبَائِيّ مِنْ صَنْعَاءِ الشّامِ، وَمِنْهَا أَبُو الْأَشْعَثِ الصّنْعَانِيّ، وَحَنَشُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السّبَائِيّ مِنْ صَنْعَاءِ الْيَمَنِ، وَكِلَاهُمَا يَرْوِي عَنْ عَلِيّ، فَمِنْ هَهُنَا دَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى الْبُخَارِيّ، هَكَذَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيّ أَيْضًا حَنَشُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَحَنَشُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَهُمَا غير هذين «2» . وطأ مَنْهِيّ عَنْهُ: وَفِيهِ: أَنّ لَا تُوطَأَ حَامِلٌ مِنْ السّبَايَا حَتّى تَضَعَ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّهُ نَظَرَ إلَى أَمَةٍ مُجِحّ أَيْ مُقْرِبٍ «3» ، فَسَأَلَ عَنْ صَاحِبِهَا، فَقِيلَ: إنّهُ يُلِمّ بِهَا، فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ. وذكر الحديث.

_ (1) ضبطها الخزرجى فى خلاصة تذهيب الكمال بدون ألف، وهى فى تهذيب اللباب السباى. وقال عنه الخزرجى ابن عبيد الله أو ابن على، وفى التهذيب: وابن الملقن عبد الله يروى عن على وابن عباس وفضالة بن عبيد مات سنة 100. (2) فى تذهيب الكمال: حنش بن المعتمر أو ابن ربيعة بن المعتمر الكنانى أبو المعتمر الكنانى. (3) هى الحامل التى دنا ولادها. وفى الأصل: مغرب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَهَذَا وَجْهٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا يَحِلّ لامرىء يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، يَعْنِي إتْيَانِ الْحَبَالَى مِنْ السّبَايَا، فَإِنْ فَعَلَ فَالْوَلَدُ مُخْتَلَفٌ فِي إلْحَاقِهِ بِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشّافِعِيّ: لَا يَلْحَقُ بِهِ، وَقَالَ اللّيْثُ: يَلْحَقُ بِهِ لِقَوْلِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ يَسْتَعْبِدُهُ، وَقَدْ غَذّاهُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ. عَلِيّ يَقْتُلُ مَرْحَبًا: فَصْلٌ: وَمِمّا يَتّصِلُ بِقِصّةِ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيّ مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْكِتَابِ قَوْلُ عَلِيّ: أَنَا الّذِي سَمّتْنِي أُمّي حَيْدَرَهْ ... أَضْرِبُ بالسّيف رؤس الكفره أكيلهم بالصّاع كيل السّندره «1»

_ (1) هى من رواية يونس عن ابن إسحاق، وفيها: كليث غابات شديد القسورة. بدلا من الشطرة الثانية. وفيها أيضا: أكيلكم. وفى رواية البزار: كليث غابات كريه المنظره، أو فيهم بالصاع كيل السندرة. أنظر ص 187 وما بعدها- 4 البداية والنهاية لابن كثير. وهى فى صحيح مسلم أيضا. ويقول الحافظ: وخالف أهل السير فى هذا، فجزم ابن إسحاق وابن عقبة والواقدى بأن الذى قتل مرحبا هو محمد بن مسلمة، وكذا روى أحمد بإسناد حسن عن جابر. وقيل: إن ابن مسلمة كان بارزه فقطع رجليه. فأجهز على عليه، وقيل: قاتله هو الحارث أخو مرحب. ولكن الحافظ يميل إلى أن ما فى الصحيح مقدم على ما سواه، ولا سيما وقد جاء عن بريدة أيضا عند أحمد والنسائى وابن حبان والحاكم. يقصد أن عليا هو قاتل مرحب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْ أَجْزِيهِمْ بِالْوَفَاءِ. وَالسّنْدَرَةُ: شَجَرَةٌ يُصْنَعُ مِنْهَا مَكَايِيلُ عِظَامٌ حَيْدَرَةُ: وَفِي قَوْلِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: سَمّتْنِي أُمّي حَيْدَرَهْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، ذَكَرَهَا قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ، أَحَدُهَا: أَنّ اسْمَهُ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدّمَةِ أَسَدٌ، وَالْأَسَدُ: هُوَ الْحَيْدَرَةُ. الثّانِي: أَنّ أُمّهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ حِينَ وَلَدَتْهُ كَانَ أَبُوهُ غَائِبًا، فَسَمّتْهُ، بِاسْمِ أَبِيهَا أَسَدٍ، فَقَدِمَ أَبُوهُ فَسَمّاهُ عَلِيّا. الثّالِثُ: أَنّهُ لُقّبَ فِي صِغَرِهِ بِحَيْدَرَةَ، لِأَنّ الْحَيْدَرَةَ الْمُعْتَلِي لَحْمًا مَعَ عَظْمِ بَطْنٍ، وَكَذَلِكَ كَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ اللّصُوصِ حِينَ فَرّ مِنْ سِجْنِهِ الّذِي كَانَ يُسَمّى نَافِعًا، وَقِيلَ فِيهِ: يَافِعٌ أَيْضًا بِالْيَاءِ: وَلَوْ أَنّي مَكَثْت لَهُمْ قَلِيلًا ... لَجَرّونِي إلَى شَيْخٍ بِطِينِ مِنْ حُصُونِ خَيْبَرَ: وَذَكَرَ شَقّا وَالنّطَاةَ وَشَقّ بِالْفَتْحِ أَعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ اللّغَةِ كَذَلِكَ قَيّدَهُ الْبَكْرِيّ. وَذَكَرَ وَادِيَ خَاصٍ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: إنّمَا هُوَ وَادِي خَلْصٍ بِاللّامِ، وَالْأَوّلُ تَصْحِيفٌ. وَقَالَ الْبَكْرِيّ: هُوَ خَلْصٌ بِاللّامِ وَأَنْشَدَ الْبَكْرِيّ لِخَالِدِ بْنِ عَامِرٍ: وَإِنّ بِخَلْصٍ خَلْصِ آرَةَ بُدّنًا ... نَوَاعِمَ كَالْغِزْلَانِ مَرْضَى عيونها الحال المعرفة لَفْظًا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي أَشْعَارِ خَيْبَرَ قَوْلَ الْعَبْسِيّ، وَفِي آخِرِهِ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فرّت يهود يوم ذلك فى الوغا ... تَحْتَ الْعَجَاجِ غَمَائِمَ الْأَبْصَارِ وَهُوَ بَيْتٌ مُشْكِلٌ غَيْرَ أَنّ فِي بَعْضِ النّسَخِ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ عَنْ ابْنِ هِشَامٍ أَنّهُ قَالَ: فَرّتْ فَتَحَتْ، مِنْ قَوْلِك: فَرَرْت «1» الدّابّةَ، إذَا فَتَحْت فَاهَا. وَغَمَائِمُ الْأَبْصَارِ، هِيَ مَفْعُولُ فَرّتْ، وَهِيَ جُفُونُ أَعْيُنِهِمْ، هَذَا قَوْلٌ، وَقَدْ يَصِحّ أَنْ يَكُونَ فَرّتْ مِنْ الْفِرَارِ، وَغَمَائِمُ الْأَبْصَارِ مِنْ صِفَةِ الْعَجَاجِ، وَهُوَ الْغُبَارُ وَنَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْعَجَاجِ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْمَعْرِفَةِ عِنْدَ مَنْ لَيْسَ بِشَاذّ فِي النّحْوِ، وَلَا مَاهِرٍ فِي الْعَرَبِيّةِ، وَأَمّا عِنْدَ أَهْلِ التّحْقِيقِ، فَهُوَ نَكِرَةٌ، لِأَنّهُ لَمْ يُرِدْ الْغَمَائِمَ حَقِيقَةً وَإِنّمَا أراد مثل الغمائم، فهو مثل قول امرىء الْقَيْسِ: بِمُنْجَرِدِ قَيْدِ الْأَوَابِدِ هَيْكَلِ «2» فَقَيْدُهَا هُنَا نَكِرَةٌ، لِأَنّهُ أَرَادَ مِثْلَ الْقَيْدِ، وَلِذَلِكَ نَعَتَ بِهِ مُنْجَرِدًا، أَوْ جَعَلَهُ فِي مَعْنَى مُقَيّدٍ، وكذلك قول عبدة بن الطّيب «3» : تَحِيّةُ مَنْ غَادَرْته غَرَضَ الرّدَى فَنَصَبَ غَرَضًا عَلَى الْحَالِ: وَأَصَحّ الْأَقْوَالِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: زَهْرَةَ

_ (1) فى الأصل: فرت. وفى اللسان: فر الدابة يفرها كشف عن أسنانها. (2) من معلقته، وأوله: وقد أغتدى والطير فى وكناتها. (3) فى الأصل: الطيب، والتصويب من الأمالى للقالى والسمط البكرى والبيان للجاحظ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحَياةِ الدُّنْيا «1» طَه: 131 أَنّهُ حَالٌ مِنْ الْمُضْمَرِ الْمَخْفُوضِ، لِأَنّهُ أَرَادَ التّشْبِيهَ بِالزّهْرَةِ مِنْ النّبَاتِ، وَمِنْ هَذَا النّحْوِ قَوْلُهُمْ: جَاءَ الْقَوْمُ الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ، وَفِيهِ الْأَلِفُ وَاللّامُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ التّشْبِيهِ، وَذَلِكَ أَنّ الْجَمّاءَ هِيَ بَيْضَةُ الْحَدِيدِ تُعْرَفُ بِالْجَمّاءِ وَالصّلْعَاءِ، فَإِذَا جُعِلَ مَعَهَا الْمِغْفَرُ، فَهِيَ غفير، فإذا قلت: جاؤا الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ، فَإِنّمَا أَرَدْت الْعُمُومَ وَالْإِحَاطَةَ بِجَمِيعِهِمْ، أى جاؤا جَيْئَةً تَشْمَلُهُمْ وَتَسْتَوْعِبُهُمْ، كَمَا تُحِيطُ الْبَيْضَةُ الْغَفِيرُ بِالرّأْسِ، فَلَمّا قَصَدُوا مَعْنَى التّشْبِيهِ دَخَلَ الْكَلَامُ الْكَثِيرُ كَمَا تَقَدّمَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: تَفَرّقُوا أَيْدِيَ سَبَا، وَأَيَادِيَ سَبَا، أَيْ: مِثْلَ أَيْدِي سَبَا، فَحَسُنَتْ فِيهِ الْحَالُ لِذَلِكَ، وَاَلّذِي قُلْنَاهُ فِي مَعْنَى الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَكَانَ عَلَامَةً بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَقَعْ سِيبَوَيْهِ عَلَى هَذَا الْغَرَضِ فِي مَعْنَى الْجَمّاءِ، فَجَعَلَهَا كَلِمَةً شَاذّةً عَنْ الْقِيَاسِ، وَاعْتَقَدَ فِيهَا التّعْرِيفَ وَقَرَنَهَا بِبَابِ وَحْدَهُ، وَفِي بَابِ وَحْدَهُ «2» أَسْرَارٌ قَدْ أَمْلَيْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الكتاب،

_ (1) فى إعرابها أقوال: أولها أن تكون منصوبا بفعل محذوف اى جعلنا لهم زهرة، ثانيها أن تكون بدلا من موضع به، ثالثها: أن تكون بدلا من أزواج والتقدير: ذوى زهرة فحذف المضاف. رابعها: أن يكون النصب على الذم، أى أذم أو أعنى، خامسها: أن يكون بدلا من ما. ولكن يلزم من هذا الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبى. سادسها: أن يكون حالا من الهاء. أو من ما، وحذف التنوين لالتقاء الساكنين، وجر الحياة على البدل من ماء، سابعها: أنه تمييز لما أو للهاء فى به، حكى عن الفراء وهو غلط «إملاء ما من به الرحمن للعكبرى» . (2) قال أبو بكر: وحده منصوب فى جميع كلام العرب إلا فى ثلاثة مواضع تقول: لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، ومررت بزيد وحده، وبالقوم-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمَسْأَلَةُ وَحْدَهُ تَخْتَصّ بِبَابِ وَحْدَهُ، وَهَذَا الّذِي ذَكَرْنَا مِنْ التّنْكِيرِ بِسَبَبِ التّشْبِيهِ، إنّمَا يَكُونُ إذَا شَبّهْت الْأَوّلَ بِاسْمِ مُضَافٍ، وَكَانَ التّشْبِيهُ بِصِفَةِ مُتَعَدّيَةٍ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: قَيْدِ الْأَوَابِدِ، أَيْ مُقَيّدَ الْأَوَابِدِ، وَلَوْ قُلْت: مَرَرْت بِامْرَأَةِ الْقَمَرُ عَلَى التّشْبِيهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنّ الصفة التى وقع بها التشبيه غير غَيْرُ مُتَعَدّيَةٍ إلَى الْقَمَرِ، فَهَذَا شَرْطٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمِمّا يَحْسُنُ فِيهِ التّنْكِيرُ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى مَعْرِفَةٍ اتّفَاقُ اللّفْظَيْنِ كَقَوْلِهِ: لَهُ صَوْتٌ صَوْتٌ الْحِمَارِ وَزَئِيرٌ زَئِيرُ الْأَسَدِ، فَإِنْ قُلْت: فَمَا بَالُ الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ، جَازَ فِيهَا الْحَالُ، وَلَيْسَتْ بِمُضَافَةِ؟ قُلْنَا: لَمْ تَقُلْ الْعَرَبُ جَاءَ الْقَوْمَ الْبَيْضَةُ، فَيَكُونُ مِثْلَ مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِك: مَرَرْت بِهَذَا الْقَمَرِ، وَإِنّمَا قَالُوا: الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ بِالصّفَةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ مَا هِيَ حَالٌ مِنْهُ، وَتِلْكَ الصّفَةُ الْجَمَمُ، وَهُوَ الاستواء والغفر، وهى التغطية فمعنى الكلام: جاؤا جَيْئَةً مُسْتَوِيَةً لَهُمْ، مُوعِبَةً لِجَمِيعِهِمْ، فَقَوِيَ مَعْنَى التّشْبِيهِ بِهَذَا الْوَصْفِ، فَدَخَلَ التّنْكِيرُ لِذَلِكَ، وَحَسُنَ النّصْبُ عَلَى الْحَالِ وَهِيَ حَالٌ مِنْ الْمَجِيءِ. الشّاةُ الْمَسْمُومَةُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الشّاةِ الْمَسْمُومَةِ، وأكل بشر بن البراء منها،

_ - وحدى، قال: وفى نصب وحده ثلاثة أقوال. قال جماعة من البصريين: هو منصوب على الحال، وقال يونس: وحده هو بمنزلة عنده، وقال هشام: وحده منصوب على المصدر. وقال أبو عبيد: العرب تنصب وحده، فى الكلام كله لا ترفعه ولا تخفضه إلا فى ثلاثة أحرف: نسيج وحده، وعيير وحده، وجحيش وحده. اللسان. ولكلامه عنها بقية أخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهِ: أَنّ الذّرَاعَ كَانَتْ تُعْجِبُهُ، لِأَنّهَا هَادِي الشّاةِ، وَأَبْعَدُهَا مِنْ الْأَذَى، فَلِذَلِكَ جَاءَ مُفَسّرًا فِي هَذَا اللّفْظِ. فَأَمّا الْمَرْأَةُ الّتِي سَمّتْهُ، فَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: صَفَحَ عَنْهَا، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنّهُ قَتَلَهَا، وَوَقَعَ فِي كِتَابِ شَرَفِ الْمُصْطَفَى، أَنّهُ قَتَلَهَا وَصَلَبَهَا؛ وَهِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ سَلَامٍ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهِيَ أُخْتُ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيّ، وَرَوَى أَيْضًا مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ. وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرّوَايَتَيْنِ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ صَفَحَ عَنْهَا، أَوّلَ لِأَنّهُ كَانَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ، فَلَمّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مِنْ تِلْكَ الْأَكْلَةِ، قَتَلَهَا، وَذَلِكَ أَنّ بِشْرًا لَمْ يَزَلْ مُعْتَلّا مِنْ تِلْكَ الْأَكْلَةِ حَتّى مَاتَ مِنْهَا بَعْدَ حَوْلٍ، وَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ: «مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَادّنِي، فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي» وَكَانَ يَنْفُثُ مِنْهَا مِثْلَ عَجْمِ الزّبِيبِ. وَتُعَادّنِي، أَيْ تَعْتَادُنِي الْمَرّةَ بَعْدَ الْمَرّةِ، قَالَ الشّاعِرُ: أُلَاقِي مِنْ تَذَكّرِ آلِ لَيْلَى ... كَمَا يَلْقَى السّلَيْمُ مِنْ الْعِدَادِ وَالْأَبْهَرُ: عِرْقٌ مُسْتَبْطَنُ الْقَلْبِ. قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ: وَلِلْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِهِ ... لَدْمَ الْوَلِيدِ وَرَاءَ الْغَيْبِ بِالْحَجَرِ وَقَدْ رَوَى مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ فِي جَامِعِهِ عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: أَسْلَمَتْ فَتَرَكَهَا النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ مَعْمَرٌ: هَكَذَا قَالَ الزّهْرِيّ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَسْلَمَتْ، وَالنّاسُ يَقُولُونَ: قَتَلَهَا، وَأَنّهَا لَمْ تُسْلِمْ «1» ، وَفِي جَامِعِ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ أَيْضًا أَنّ أُمّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ قَالَتْ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَرَضِ الّذِي مَاتَ مِنْهُ مَا تَتّهِمُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنّي لَا أَتّهِمُ بِبِشْرِ إلّا الْأَكْلَةَ الّتِي أَكَلَهَا مَعَك بِخَيْبَرِ، فَقَالَ: وَأَنَا لَا أَتّهِمُ بِنَفْسِي إلّا ذَلِكَ، فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي. حَوْلَ حَدِيثِ الْمَرْأَةِ الْغِفَارِيّةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الْغِفَارِيّةِ الّتِي شَهِدَتْ خَيْبَرَ، وَلَمْ يُسَمّهَا، وَقَدْ يُقَالُ: اسْمُهَا لَيْلَى، وَيُقَالُ: هِيَ امْرَأَةُ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ، وَقَوْلُهَا رَضَخَ لِي رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْلُ الرّضْخِ أَنْ تَكْسِرَ من الشّىء الرّطب كسرة فتعطبها، وَأَمّا الرّضْحُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، فَكَسْرُ الْيَابِسِ، الصّلْبِ. قَالَ الشّاعِرُ: كَمَا تَطَايَرَ عَنْ مِرْضَاحِهِ الْعَجَمُ

_ (1) يقول الحافظ «ولم ينفرد الزهرى بدعواه أنها أسلمت فقد جزم بذلك سليمان التيمى فى مغازيه. وجعلها فى الإصابة فى القسم الأول من الصحابيات، هذا وقد روى البخارى قصة الشاة المسمومة، وفى الصحيحين من حديث شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك أن امرأة يهودية أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- بشاة مسمومة، فأكل منها. فجىء بِهَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألها عن ذلك، قالت: أردت لأقتلك، فقال: ما كان الله ليسلطك على، أو قال: على ذلك. قالوا: ألا تقتلها؟ قال: لا. قال أنس، فما زلت أعرفها فى لهوات رسول الله «ص» واللهوات جمع لهاة، وهى اللحمات فى سقف أقصى الفم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منه أَحْكَامِ الْمَاءِ: وَقَوْلُهَا: أَمَرَنِي أَنْ أَجْعَلَ فِي طَهُورِي مِلْحًا. فِيهِ رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنّ الْمِلْحَ فِي الْمَاءِ إذَا غَيّرَ طَعْمَهُ صَيّرَهُ مُضَافًا طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهّرٍ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدْفَعُ قَوْلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ النّظَرِ أَنّ الْمُخَالِطَ لِلْمَاءِ إذَا غَلَبَ عَلَى أَحَدِ أَوْصَافِهِ الثّلَاثَةِ: الطّعْمِ، أَوْ اللّوْنِ، أَوْ الرّائِحَةِ، كَانَ حُكْمُ الْمَاءِ كَحُكْمِ الْمَخَالِطِ لَهُ، فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهّرٍ كَانَ الْمَاءُ بِهِ كَذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ لَا طَاهِرًا وَلَا مُطَهّرًا كَالْبَوْلِ كَانَ الْمَاءُ لِمُخَالَطَتِهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمَخَالِطُ لَهُ طَاهِرًا مُطَهّرًا كَالتّرَابِ كَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا مُطَهّرًا، وَالْمِلْحُ إنْ كَانَ مَاءً جَامِدًا، فَهُوَ فِي الْأَصْلِ طَاهِرٌ مُطَهّرٌ، وَإِنْ كَانَ مَعْدِنِيّا تُرَابِيّا، فَهُوَ كَالتّرَابِ فِي مُخَالَطَةِ الْمَاءِ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ نَاقِلًا لِلْمَاءِ عَنْ حُكْمِ الطّهَارَةِ وَالتّطْهِيرِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فِي السّيرَةِ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ جَفْنَةٍ فِيهَا مَاءٌ وَكَافُورٌ، وَمَحْمَلُ هَذِهِ الرّوَايَةِ عِنْدِي إنْ صَحّتْ عَلَى أَنّهُ قَصَدَ بِهَا التّطَيّبَ، وَأَنّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا، وَلِأَبِي جنيفة فِي هَذِهِ الرّوَايَةِ مُتَعَلّقٌ لِتَرْخِيصِهِ. مِنْ شُهَدَاءِ خَيْبَرَ: وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ: أَبَا الضّيّاحِ بْنَ ثَابِتٍ، وَلَمْ يُسَمّهِ، وَقَالَ الطّبَرِيّ: اسْمُهُ النّعْمَانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: اسْمُهُ عُمَيْرٌ. وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ: عَامِرَ بْنَ الْأَكْوَعِ، وَهُوَ الّذِي رَجَعَ عَلَيْهِ سَيْفُهُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَتَلَهُ، فَشَكّ النّاسُ فِيهِ، فَقَالُوا: قَتَلَهُ سِلَاحُهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنّهُ جَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، وَقَلّ عَرَبِيّ، مُشَابِهًا مثله، وفى رواية: مشى بها مِثْلُهُ، وَيُرْوَى أَيْضًا: نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ، كُلّ هَذَا يُرْوَى فِي الْجَامِعِ الصّحِيحِ، وَهَذَا اضْطِرَابٌ مِنْ رُوَاةِ الْكِتَابِ، فَمَنْ قَالَ: مَشَى بِهَا مِثْلَهُ فَالْهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمَدِينَةِ، كَمَا تَقُولُ: لَيْسَ بَيْنَ لَابَتَيْهَا مِثْلُ فُلَانٍ، يُقَالُ هَذَا فِي الْمَدِينَةِ، وَفِي الْكُوفَةِ، وَلَا يُقَالُ فِي بَلَدٍ لَيْسَ حَوْلَهُ لَابَتَانِ، أَيْ حَرّتَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ عَائِدَةً عَلَى الْأَرْضِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الرّحْمَنُ: 26. الْحَالُ مِنْ النّكِرَةِ: وَمَنْ رَوَاهُ مُشَابِهًا مُفَاعِلًا مِنْ الشّبَهِ، فَهُوَ حَالٌ مِنْ عَرَبِيّ، وَالْحَالُ مِنْ النّكِرَةِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا دَلّتْ عَلَى تَصْحِيحِ مَعْنًى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: فَصَلّى خَلْفَهُ رِجَالٌ قِيَامًا. الْحَالُ هَاهُنَا مُصَحّحَةٌ لِفِقْهِ الْحَدِيثِ، أَيْ: صَلّوْا فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَمَنْ احْتَجّ فِي الْحَالِ مِنْ النّكِرَةِ بِقَوْلِهِمْ: وَقَعَ أَمْرٌ فَجْأَةً، فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، لِأَنّ فَجْأَةً، لَيْسَ حَالًا مِنْ أَمْرٍ، إنّمَا هُوَ حَالٌ مِنْ الْوُقُوعِ، كَمَا تَقُولُ: جَاءَنِي رَجُلٌ مَشْيًا، فَلَيْسَ مَشْيًا حَالٌ مِنْ رَجُلٍ، كَمَا تَوَهّمُوا، وَإِنّمَا هِيَ حَالٌ مِنْ الْمَجِيءِ لِأَنّ الْحَالَ هِيَ صَاحِبُ الْحَالِ، وَتَنْقَسِمُ أَقْسَامًا: حَالٌ مِنْ فَاعِلٍ كَقَوْلِك: جَاءَ زَيْدٌ مَاشِيًا، وَحَالٌ مِنْ الْفِعْلِ، كَقَوْلِك: جَاءَ زَيْدٌ مَشْيًا وَرَكْضًا، وَحَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ، كَقَوْلِك: جَاءَنِي الْقَوْمُ جَالِسًا، فَهِيَ صِفَةُ الْمَفْعُولِ فِي وَقْتِ وُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، أَوْ صِفَةُ الْفَاعِلِ فِي وَقْتِ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُ، أَوْ صِفَةُ الْفِعْلِ فِي وَقْتِ وُقُوعِهِ وَنَعْنِي بِالْفِعْلِ: الْمَصْدَرَ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَدِيثُ الْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ السّلَمِيّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ إسْلَامِهِ خَبَرًا عَجِيبًا اتّفَقَ لَهُ مَعَ الْجِنّ، وَهُوَ وَالِدُ نَصْرِ بْنِ حَجّاجٍ الّذِي حَلَقَ عُمَرُ رَأْسَهُ، وَنَفَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ لَمّا سَمِعَ قَوْلَ الْمَرْأَةِ فِيهِ: أَلَا سَبِيلَ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا ... أَمْ لَا سَبِيلَ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجّاجِ وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ هَمّامٍ، وَيُقَالُ: إنّهَا أُمّ الْحَجّاجِ بْنِ يُوسُفَ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ: يَا ابْنَ الْمُتَمَنّيَةِ «1» ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النّاسِ لِمّةً وَوَجْهًا، فَأَتَى الشّامَ، فَنَزَلَ عَلَى أَبِي الْأَعْوَرِ السّلَمِيّ، فَهَوِيَتْهُ امْرَأَتُهُ، وَهَوَاهَا «2» ، وَفَطِنَ أَبُو الْأَعْوَرِ لِذَلِكَ بِسَبَبِ يَطُولُ ذِكْرُهُ، فَابْتَنَى لَهُ قُبّةً فِي أَقْصَى الْحَيّ، فَكَانَ بِهَا، فَاشْتَدّ ضَنَاهُ بِالْمَرْأَةِ، حَتّى مَاتَ كَلَفًا بِهَا، وَسُمّيَ الْمُضْنَى وَضُرِبَتْ بِهِ الْأَمْثَالُ. وَذَكَرَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِ الأمثال له خبره بطوله «3» .

_ (1) زعموا أنهما كانا بحضرة عبد الملك بن مروان، فذكر عروة أخاه عبد الله بن الزبير، فقال له الحجاج: أعند أمير المؤمنين تكنى أخاك المنافق لا أم لك، فقال له عروة: يا ابن المتمنية!! إلى تقول هذا لا أم لك، وأنا ابن عجائز الجنة. (2) المعرف فى اللغة أن هوى كرضى، وهو ولا شك خطأ فى الطبع أو النقل وقد ذكرها البغدادى «وهويها» نقلا عن الروض. (3) سبق الحديث عن قصتهما وذكرنا بعض مراجع قصتهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: الحجاج بن علاط، والعلاط وسم فِي الْعُنُقِ، وَيُقَالُ لَهُ: الْعُلْطَةُ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا بُدّ لِي أَنْ أَقُولَ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ، يَعْنِي التّكَذّبَ «1» ، فَأَبَاحَهُ لَهُ، لِأَنّهُ مِنْ خُدَعِ الْحَرْبِ، وَقَالَ: الْمُبَرّدُ: إنّمَا صَوَابُهُ: أَتَقَوّلُ إذا أَرَدْت مَعْنَى التّكَذّبِ، وَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى حَبِيبٌ فَقَالَ: بحسب أمرىء أَثْنَى عَلَيْك بِأَنّهُ ... يَقُولُ، وَإِنْ أَرْبَى فَلَا يَتَقَوّلُ أَيْ: يَقُولُ الْحَقّ إذَا مَدَحَك، وَإِنْ أَفْرَطَ فَلَيْسَ إفْرَاطُهُ بِتَقَوّلِ. تَفْسِيرُ أَوْلَى لَك: وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي حَدِيثِ حَجّاجٍ أَنْ قُرَيْشًا قَالَتْ: حِينَ أَفْلَتَهُمْ: أَوْلَى لَهُ، وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا: الْوَعِيدُ، وَفِي التّنْزِيلِ: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى الْقِيَامَةُ: 34، فَهِيَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ، مِنْ وَلِيَ أَيْ: قَدْ وَلِيَهُ الشّرّ، وَقَالَ الْفَارِسِيّ: هِيَ اسْمُ عِلْمٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِفْ، وَجَدْت هَذَا فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ، وَلَا تَتّضِحُ لِي الْعَلَمِيّةُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَإِنّمَا هُوَ عِنْدِي كَلَامٌ حُذِفَ مِنْهُ، وَالتّقْدِيرُ: الّذِي تَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ الشّرّ أَوْ الْعُقُوبَةِ أَوْلَى لَك، أَيْ أَلْزَمُ لَك، أَيْ إنّهُ يَلِيك، وَهُوَ أَوْلَى لَك، مِمّا فَرَرْت مِنْهُ، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَلَمْ يَنْصَرِفْ لِأَنّهُ وَصْفٌ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ «2» ، وَقَوْلُ الْفَارِسِيّ: هُوَ فِي مَوْضِعِ نصب جعله من

_ (1) فى قصة الحجاج عند أحمد أنه قال للرسول (ص) «أفأنا فى حل إن أنا نلت منك، أو قلت شيئا، فأذن له «ص» أن يقول ما شاء» . (2) مما فى اللسان عنها أنها اسم لدنوت وقاربت. وقال ثعلب: لم يقل أحد فى أولى لك أحسن مما قال الأصمعى. وقد قال الأصمعى عنها: أولى لك: قاربك ما تكره. وانظر مادة أول ففيها الكثير عنها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باب تبّاله «1» ، غَيْرَ أَنّهُ جَعَلَهُ عَلَمًا لِمَا رَآهُ غَيْرَ مُنَوّنٍ. أُمّ أَيْمَنَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ فِي ابْنِ أُمّ أَيْمَنَ، وَاسْمُ أَبِيهِ عُبَيْدٌ، وَاسْمُ أُمّهِ أُمّ أَيْمَنَ بَرَكَةٌ، وَهِيَ أُمّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، يُقَالُ لَهَا: أُمّ الظّبَاءِ، قَالَ الْوَاقِدِيّ: اسْمُهَا بَرَكَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ [بْنِ عَمْرِو بْنِ حِصْنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ النّعْمَانِ] «2» وَكَانَتْ أُمّةُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَكَانَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أُمّ أَيْمَنَ أُمّي بَعْدَ أُمّي «3» ، وَيُقَالُ: كَانَتْ لِآمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُمّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِيَ الّتِي هَاجَرَتْ عَلَى قَدَمَيْهَا مِنْ مَكّةَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ، وَذَلِكَ فِي حَرّ شَدِيدٍ، فَعَطِشَتْ، فَسَمِعَتْ حَفِيفًا فَوْقَ رَأْسِهَا، فَالْتَفَتَتْ، فَإِذَا دَلْوٌ قَدْ أُدْلِيَتْ لَهَا مِنْ السّمَاءِ فَشَرِبَتْ مِنْهَا، فَلَمْ تَظْمَأْ أَبَدًا «4» ، وَكَانَتْ تَتَعَهّدُ الصّوْمَ فِي حَمّارَةِ الْقَيْظِ، لِتَعْطَشَ فَلَا تَعْطَشُ

_ (1) تباله دعاء، نصب، لأنه مصدر محمول على فعله كما تقول شقيا لفلان، معناه: شقى فلان شقيا، ولم يجعل اسما مسندا إلى ما قبله. (2) الزيادة فى نسب أم أيمن من الإصابة من أول ابن عمرو بن حصن الخ. (3) ذكره ابن أبى خيثمة وانظر ترجمتها فى الإصابة فى الجزء الثامن. (4) أخرجه ابن سعد بسنده إلى عثمان بن القاسم يقول: لما هاجرت. الحديث، وأخرجه ابن السكن من طريق هشام بن حسان عن عثمان بنحوه. وقد أخرج البخارى فى تاريخه ومسلم وابن السكن أن أم أيمن كانت وصيفة لعبد الله ابن عبد المطلب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَانَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزُورُهَا، وَكَانَ الْخَلِيفَتَانِ يَزُورَانِهَا بَعْدَهُ، وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قِصّتِهَا عَنْ أُمّ شَرِيكٍ الدّوْسِيّةِ «1» أَنّهَا عَطِشَتْ فِي سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدْ مَاءً إلّا عِنْدَ يَهُودِيّ، وَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا إلّا أَنْ تَدِينَ بِدِينِهِ، فَأَبَتْ إلّا أَنْ تَمُوتَ عَطَشًا، فَدُلِيَتْ لَهَا دَلْوٌ مِنْ السّمَاءِ فَشَرِبَتْ، ثُمّ رُفِعَتْ الدّلو، وهى تنظر. ذَكَرَ خَبَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ فِي السّيرَةِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ، وَهُوَ أَطْوَلُ مِمّا ذكرنا وَقَوْلُ حَسّانَ: وَأَيْمَنُ لَمْ يَجْبُنْ، وَلَكِنّ مُهْرَهُ ... أَضَرّ بِهِ شُرْبُ الْمَدِيدِ الْمُخَمّرِ «2» الْمَدِيدُ: وَقَعَ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَلَكِنْ أَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ: الْمَرِيدُ بِرَاءٍ، وَالْمَرِيسُ أَيْضًا، وَهُوَ تَمْرٌ يُنْقَعُ ثُمّ يُمْرَسُ وَأَنْشَدَ: مُسْنَفَاتٍ تُسْقَى ضَيَاحَ الْمَرِيدِ أَبُو أَيّوبَ فِي حِرَاسَةِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي أَيّوبَ حِينَ بَاتَ يَحْرُسُهُ: حَرَسَك اللهُ يَا أَبَا أَيّوبَ، كَمَا بِتّ تَحْرُسُ نَبِيّهُ.

_ (1) قصتها وقصة عطش أم أيمن لم يخرجهما غير أصحاب السير، وأما المحدثون أصحاب الصحيح والمسانيد والسنن، فلم يخرجوا شيئا من ذلك. (2) شرحه أبو ذر الخشنى: بقوله «هو الدقيق يخلط مع الماء فتشربه الخيل» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ الْمُؤَلّفُ: فَحَرَسَ اللهُ أَبَا أَيّوبَ بِهَذِهِ الدّعْوَةِ، حَتّى إنّ الرّومَ لَتَحْرُسُ قَبْرَهُ، وَيَسْتَسْقُونَ بِهِ، وَيَسْتَصِحّونَ «1» ، وَذَلِكَ أَنّهُ غَزَا مَعَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ خَمْسِينَ، فَلَمّا بَلَغُوا الْقُسْطَنْطِينَةَ مَاتَ أَبُو أَيّوبَ هُنَالِكَ، وَأَوْصَى يَزِيدَ أَنْ يَدْفِنَهُ فِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْ مَدِينَةِ الرّومِ، فَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ، وَمَشَوْا بِهِ حَتّى إذَا لَمْ يَجِدُوا مَسَاغًا، دَفَنُوهُ، فَسَأَلَتْهُمْ الرّومُ عَنْ شَأْنِهِمْ، فَأَخْبَرُوهُمْ أَنّهُ كَبِيرٌ مِنْ أَكَابِرِ الصّحَابَةِ، فَقَالَتْ الرّومُ لِيَزِيدَ مَا أَحْمَقَك وَأَحْمَقَ مَنْ أَرْسَلَك أَأَمِنْت أَنْ نَنْبُشَهُ بَعْدَك، فَنُحَرّقَ عِظَامَهُ، فَأَقْسَمَ لهم يزيد لئن فعلوا ذلك لنهد منّ كُلّ كَنِيسَةٍ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وَلَنَنْبِشَنّ قُبُورَهُمْ، فَحِينَئِذٍ حلفوا لهم بدينهم ليكرّ منّ قَبْرَهُ، وَلَيَحْرُسُنّهُ مَا اسْتَطَاعُوا، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنّ الرّومَ يَسْتَسْقُونَ بِقَبْرِ أَبِي أَيّوبَ رَحِمَهُ اللهُ، فَيُسْقَوْنَ «2» . قَسْمُ أَمْوَالِ خَيْبَرَ وَأَرَاضِيهَا أَمّا قَسْمُ غَنَائِمِهَا، فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَفِي كُلّ مَغْنَمٍ بِنَصّ الْقُرْآنِ كَمَا تَقَدّمَ فِي غَزَاةِ بَدْرٍ، وَأَمّا أَرْضُهَا، فَقَسَمَهَا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَخْرَجَ الْخُمُسَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السبيل، وقد تقدم الكلام فى معنى: لله ولرسوله، وما معنى سهم اللهِ، وَسَهْمِ الرّسُولِ، وَلَوْلَا الْخُرُوجُ عَمّا صَمَدْنَا إلَيْهِ لَذَكَرْنَا سِرّا بَدِيعًا وَفِقْهًا عَجِيبًا فِي قوله تعالى: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى باللام، ولم يقل ذلك فى

_ (1) عمل جهال قلوبهم فى أكنة. (2) ليس هذا من هدى الإسلام فى شىء، هذا وكان غزو القسطنطينة سنة 55.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَقَالَ: وَلِلرّسُولِ، وَقَالَ فِي أَوّلِ السورة قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَقَالَ فِي آيَةِ الْفَيْءِ مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ولم يقل: رسوله، وكل هذا الحكمة، وَحَاشَا لِلّهِ أَنْ يَكُونَ حَرْفٌ مِنْ التّنْزِيلِ خَالِيًا مِنْ حِكْمَةٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: قَسَمَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضَ خَيْبَرَ أَثْلَاثًا أَثْلَاثًا، السّلَالِمُ وَالْوَطِيحُ وَالْكَتِيبَةُ، فَإِنّهُ تَرَكَهَا لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَعْرُوهُمْ، وَفِي هَذَا مَا يُقَوّي أَنّ الْإِمَامَ مُخَيّرٌ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ إنْ شَاءَ قَسَمَهَا أَخْذًا بِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ الْآيَةُ فَيُجْرِيهَا مَجْرَى الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ شَاءَ وَقَفَهَا كَمَا فَعَلَ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَخْذًا بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى إلَى قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاسْتَوْعَبَتْ آيَةُ الْفَيْءِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ، فَسَمّى آيَةَ الْقُرَى فَيْئًا وَسَمّى الْأُخْرَى غَنِيمَةً، فَدَلّ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا فِي الْحُكْمِ، كَمَا افْتَرَقَا فِي التّسْمِيَةِ، وَكَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ مِنْهُمْ: مَنْ يَرَى قَسْمَ الْأَرْضِ كَمَا فَعَلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَاهَا وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِبَيْتِ مَالِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِتَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ افْتَرَقَ رَأْيُ الصّحَابَةِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الْبِلَادِ، فَكَانَ رَأْيُ الزّبَيْرِ الْقَسْمَ، فَكَلّمَ عَمْرَو بْنَ العاصى حين افتتح مصرفى قَسْمِهَا فَكَتَبَ عَمْرٌو بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: أَنْ دَعْهَا، وَلَا تَقْسِمْهَا، حَتّى يُجَاهِدَ مِنْهَا حَبَلُ الْحَبَلَةِ» ، وَقَدْ شرحنا هذه الكلمة فى

_ (1) يريد: حتى يغزو منها أولاد الأولاد، ويكون عاما فى الناس والدواب، أى يكثر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي الْمَبْعَثِ قَبْلَ هَذَا بِأَجْزَاءِ، وَكَذَلِكَ اسْتَأْمَرَ عُمَرُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الصّحَابَةَ فِي قَسْمِ أَرْضِ السّوَادِ حِينَ اُفْتُتِحَتْ، فَكَانَ رَأْيُ عَلِيّ مَعَ رَأْيِ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنْ يَقِفَهَا، وَلَا يَقْسِمَهَا، وَأَرْضُ السّوَادِ أَوّلُهَا مِنْ تُخُومِ الْمَوْصِلِ مَدَامِعُ الْمَاءِ إلَى عَبّادَانَ مِنْ السّاحِلِ عَنْ يَسَارِ دِجْلَةَ، وَفِي الْعَرْضِ مِنْ جِبَالِ حُلْوَانَ إلَى الْقَادِسِيّةِ مُتّصِلًا بِالْعُذَيْبِ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ، كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ: دَلَعَ الْبَرّ لِسَانَهُ فِي السّوَادِ، لأن أرض القادسية كلسان من الْبَرِيّةِ دَاخِلٌ فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ، حَكَاهَا الطّبَرِيّ. وَلَمّا سَارَ عُمَرُ إلَى الشّامِ، وَكَانَ بِالْجَابِيَةِ شَاوَرَ فِيمَا افْتَتَحَ مِنْ الشّامِ: أَيَقْسِمُهَا؟ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: إنْ قَسَمْتهَا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ، أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَأَخَذَ بِقَوْلِ مُعَاذٍ، فَأَلَحّ عَلَيْهِ بِلَالٌ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَطَلَبُوا الْقَسْمَ، فَلَمّا أَكْثَرُوا، قَالَ: اللهُمّ اكْفِنِي بِلَالًا وَذَوِيهِ، فَلَمْ يَأْتِ الْحَوْلُ، وَمِنْهُمْ عَلَى الْأَرْضِ عَيْنٌ تَطْرِفُ، وَكَانَتْ أَرْضُ الشّامِ كُلّهَا عَنْوَةٌ إلّا مَدَائِنَهَا، فَإِنّ أَهْلَهَا صَالَحُوا عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ فَتَحَهَا عُمَرُ صُلْحًا بَعْدَ أَنْ وَجّهَ إلَيْهَا خَالِدَ بْنَ ثَابِتٍ الْفَهْمِيّ فَطَلَبُوا مِنْهُ الصّلْحَ، فَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ، وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَدِمَهَا، وَقَبِلَ صُلْحَ أَهْلِهَا. وَأَرْضُ السّوَادِ كُلّهَا عَنْوَةٌ إلّا الْحِيرَةَ فَإِنّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ صَالَحَ أهلها، وكذلك أرض باقيا «1»

_ - المسلمون فيها بالتوالد، فإذا قسمت لم يكن قد انفرد بها الآباء دون الأولاد، أو يكون: أرد المنع من القسمة حيث علقه على أمر مجهول «النهاية لابن الأثير» (1) هى أرض بالنجف دون الكوفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْضًا صُلْحٌ، وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا: اللّيسُ «1» . وَأَرْضُ خراسان عنوة إلّا رمذ، فَإِنّهَا قَلْعَةٌ مَنِيعَةٌ وَقِلَاعٌ سِوَاهَا، وَأَمّا أَرْضُ مِصْرَ، فَكَانَ اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَدْ اقْتَنَى بِهَا مَالًا وَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، لِأَنّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ لَا تُشْتَرَى، وَكَانَ اللّيْثُ يَرْوِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَكِلَا الْخَبَرَيْنِ حَقّ لِأَنّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا أَوّلَ، ثُمّ انْتَكَثَتْ بَعْدُ، فَأُخِذَتْ عَنْوَةً، فَمِنْ ههنا نَشَأَ الْخِلَافُ فِي أَمْرِهَا، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَقَدْ احْتَجّ مَنْ قَالَ بِالْقَسْمِ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ بِأَنّ عُمَرَ لَمْ يَقِفْ أَرْضَ السّوَادِ وَغَيْرِهَا حَتّى اسْتَطَابَ نَفُوسَ الْمُفْتَتِحِينَ لَهَا، وَأَعْطَاهُمْ حَتّى أَرْضَاهُمْ، وَرَوَوْا أَنّ أُمّ كُرْزٍ الْبَجَلِيّةَ سَأَلَتْ سَهْمَ أَبِيهَا فِي أَرْضِ السّوَادِ، وَأَبَتْ أَنْ تَتْرُكَهُ فَيْئًا، حَتّى أَعْطَاهَا عُمَرُ رَاحِلَةً وَقَطِيفَةً حَمْرَاءَ وَثَمَانِينَ دِينَارًا، وَكَذَلِكَ رَوَوْا عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيّ فِي سَهْمِهِ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ نَحْوًا مِنْ هَذَا، وَقَالَ مَنْ يَحْتَجّ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ: إنّمَا تَرَضّى عُمَرُ جَرِيرًا، لِأَنّهُ كَانَ نَفَلَهُ تِلْكَ الْأَرْضَ، فَكَانَتْ مِلْكًا لَهُ، حَتّى مَاتَ، وَكَذَلِكَ أُمّ كُرْزٍ كَانَ سَهْمُ أَبِيهَا نَفْلًا أَيْضًا، جَاءَتْ بِذَلِكَ كُلّهِ الآثار الثابتة والله المستعان «2» .

_ (1) فى معجم البكرى: أليس بضم الهمزة وتشديد اللام مع فتحها، وهى بلدة بالجزيرة وكذلك ضبطت فى المراصد، وقال: الموضع الذى فيه الوقعة بين المسلمين والفرس فى أول أرض العراق من ناحية البادية، وقيل: قرية من قرى الأنبار. (2) يقول الإمام ابن القيم «ومن تأمل السير والمغازى حق التأمل تبين له أن خيبر إنما فتحت عنوة، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استولى على أرضها كلها بالسيف عنوة» ثم ساق الأدلة على هذا ثم قال: فالصواب-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبُو نَبِقَةَ: وَذَكَرَ فِيمَنْ قَسَمَ لَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ أَبَا نَبِقَةَ قَسَمَ لَهُ خَمْسِينَ وَسْقًا، واسمه:

_ - الذى لا شك فيه أنها فتحت عنوة، والإمام مخير فى أرض العنوة بين قسمها ووقفها، ووقف البعض، وقد فعل رسول الله «ص» الأنواع الثلاثة، فقسم قريظة والنضير، ولم يقسم مكة، وقسم شطر خيبر، وترك شطرها، وإنما قسمت- أى أرض خيبر- على ألف وثمانمائة سهم، لأنها كانت طعمة من الله لأهل الحديبية من شهد منهم، ومن غاب» ص 325 ح 2. زاد المعاد. ويقول- رحمه الله- فى مكان آخر: «وقد اختلف الفقهاء فى الفىء. هل كان ملكا لرسول الله «ص» يتصرف فيه كيف يشاء أو لم يكن ملكا له؟ على قولين فى مذهب أحمد وغيره. والذى تدل عليه سنته وهديه أنه كان يتصرف فيه بالأمر، فيضعه حيث أمره الله، ويقسمه على من أمر بقسمته عليهم، فلم يكن يتصرف فيه تصرف المالك بشهوته وإرادته، يعطى من أحب. ويمنع من أحب، وإنما كان يتصرف فيه تصرف العبد المأمور ينفذ ما أمره به سيده، ومولاه، فيعطى من أمر باعطائه، ويمنع من أمر بمنعه، وقد صرح، فقال: والله إنى لا أعطى أحدا، ولا أمنعه إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت، فكان عطاؤه ومنعه وقسمته بمجرد الأمر، فإن الله سبحانه خيره بين أن يكون عبدا رسولا وبين أن يكون ملكا رسولا، فاختار أن يكون عبدا رسولا، والفرق بينهما أن العبد الرسول لا يتصرف إلا بأمر سيده ومرسله، والملك الرسول له أن يعطى من يشاء، ويمنع من يشاء كما قال تعالى للملك الرسول سليمان (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) ص: 39، أى: أعط من شئت، وامنع من شئت، لا نحاسبك، وهذه المرتبة هى التى عرضت على نبينا «ص» فرغب عنها إلى ما هو أعلى منها، وهى رتبة العبودية المحضة التى يكون تصرف صاحبها فيها مقصورا على أمر السيد فى كل دقيق وجليل» ص 467 ح 4 زاد المعاد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلْقَمَةُ بْنُ الْمُطّلِبِ، وَيُقَالُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ مَجْهُولٌ، وَقَالَ ابْنُ الْفَرَضِيّ: أَبُو نَبِقَةَ بْنُ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَاسْمُ أَبِي نَبِقَةَ: عَبْدُ اللهِ، ومن ولده: محمد بن القلاء بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَبِقَةَ، وَمِنْ وَلَدِهِ: أَبُو الْحُسَيْنِ الْمُطّلِبِيّ إمَامُ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَحْيَى بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي نَبِقَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. أُمّ الْحَكَمِ: وَذَكَرَ فِيهِمْ أُمّ الْحَكَمِ، وَهِيَ بِنْتُ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أُخْتُ ضُبَاعَةَ، هَكَذَا قَالَ: أُمّ الْحَكَمِ، وَالْمَعْرُوفُ فِيهَا أَنّهَا أُمّ حَكِيمٍ، وَكَانَتْ تحت ربيعة ابن الْحَارِثِ، وَأَمّا أُمّ حَكَمٍ فَهِيَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَهِيَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقُلْت: إنّ ابْنَ إسْحَاقَ إيّاهَا أَرَادَ، لَكِنّهَا لَمْ تَشْهَدْ خَيْبَرَ، وَلَا كَانَتْ أَسْلَمَتْ بَعْدُ. أُمّ رِمْثَةَ وَغَيْرُهَا: وَذَكَرَ فِيمَنْ قَسَمَ لَهُ أُمّ رِمْثَةَ «1» ، وَلَا تُعْرَفُ إلّا بِهَذَا الْخَبَرِ، وشهودها فتح خيبر.

_ (1) ذكرها ابن سعد، وزاد مع التمر خمسة أوسق من الشعير، ونسبها، فقال: أم رمثة بنت عمرو بن هاشم بن المطلب؛ بن عبد مناف، ويقال أم رميثة بالتصغير أسلمت وبايعت. وهى والدة حكيم والد القعقاع، وذكرها فيمن بايع النبى «ص» من المهاجرات «الإصابة» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ بُحَيْنَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ. وَبُحَيْنَةُ تَصْغِيرُ: بَحْنَةٍ، وَهِيَ نَخْلَةٌ مَعْرُوفَةٌ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَفْظُهَا مِنْ الْبَحُونَةِ، وَهِيَ جُلّةُ التّمْرِ، وَهِيَ أُمّ عبد الله بن بُحَيْنَةَ الْفَقِيهِ، وَهُوَ ابْنُ مَالِكِ بْنِ الْقِشْبِ الْأَزْدِيّ. الْقَسْمُ لِلنّسَاءِ مِنْ الْمَغْنَمِ: وَفِي قَسْمِهِ لِهَؤُلَاءِ النّسَاءِ حُجّةٌ لِلْأَوْزَاعِيّ لِقَوْلِهِ: إنّ النّسَاءَ يُقْسَمُ لَهُنّ مَعَ الرّجَالِ فِي الْمَغَازِي، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَرَوْنَ لِلنّسَاءِ مَعَ الرّجَالِ قَسْمًا، وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُنّ مِنْ الْمَغْنَمِ أَخْذًا بِحَدِيثِ أُمّ عَطِيّةَ قَالَتْ: كُنّا نَغْزُو مَعَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُدَاوِي الْجَرْحَى، وَنُمَرّضُ الْمَرْضَى وَيُرْضَخُ لَنَا مِنْ الْمَغْنَمِ «1» . الْمُصَافَحَةُ وَالْمُعَانَقَةُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قُدُومَ أَصْحَابِ السّفِينَةِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَفِيهِمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنّ النبى صلى الله عليه وسلم التزمة وفبّل بين عينيه «2» ، وقد

_ (1) الرضخ: العطية القليلة، وفى حديث عن ابن عباس «أن النبى «ص» كان يغزو بالنساء، فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة؛ وأما بسهم فلم يضرب لهن» أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى وصححه. ويحذين: يعطين ولهذا قال الترمذى: إنه لا يسهم لهن عند أكثر أهل العلم، وهو قول سفيان الثورى والشافعى. وقال الخطابى عن قول الأوزاعى: أحسهه ذهب إلى حديث حشرج ابن زياد، وإسناده ضعيف لا تقوم به حجة. (2) روى قصة أصحاب السفينة البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى مع اختلاف يسير وليس فى روايته الالتزام والتقبيل ولكنهما فى رواية البيهقى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ احْتَجّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الثّوْرِيّ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي جَوَازِ الْمُعَانَقَةِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنّهُ خُصُوصٌ بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ سُفْيَانُ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ أَظْهَرُ، وَقَدْ الْتَزَمَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ مَكّةَ. وَأَمّا الْمُصَافَحَةُ بِالْيَدِ عِنْدَ السّلَامِ ففيها أحاديث منها قَوْلُهُ عَلَيْهِ السلام: تمام تحيّتكم المصافحة، ومنها حَدِيثٌ آخَرُ أَنّ أَهْلَ الْيَمَنِ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ صَافَحُوا النّاسَ بِالسّلَامِ، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ أَهْلَ الْيَمَنِ قَدْ سَنّوا لَكُمْ الْمُصَافَحَةَ، ثُمّ نَدَبَ إلَيْهَا بِلَفْظِ لَا أَذْكُرُهُ الْآنَ غَيْرَ أَنّ مَعْنَاهُ: تَنْزِلُ عليها مائة رحمة تسعون منها للبادىء «1» ، وَعَنْ مَالِكٍ فِيهَا رِوَايَتَانِ: الْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ، وَلَا أدرى ما وجه الكراهية فى ذلك.

_ (1) روى الطبرانى بإسناد فيه نظر إلى أبى هريرة قال: قال رسول الله «ص» «إن المسلمين إذا التقيا، فتصافحا؛ وتساءلا أنزل الله بينهما مائة رحمة تسعة وتسعين لأبشهما وأطلقهما وجها، وأبرهما، واحسنهما مسألة بأخيه» وروى البزار بسنده عن عمر بن الخطاب إذا التقى الرجلان المسلمان فسلم أحدهما على صاحبه، فإن أحبهما إلى الله أحسنهما بشرا لصاحبه، فإذا نصافحا نزلت عليهما مائة رحمة للبادى منها تسعون، وللمصافح عشرة. وفى المصافحة روى البخارى والترمذى عن قتادة قال: «قلت لأنس بن مالك رضى الله عنه: أكانت المصافحة فى أصحاب رسول الله «ص» ؟ قال: نعم» وروى الطبرانى بسنده إلى أنس قال: «كان أصحاب النبى «ص» إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا» ورواته محتج بهم فى الصحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَدُ جَعْفَرٍ وَالنّجَاشِيّ: وَكَانَ جَعْفَرٌ قَدْ وُلِدَ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مُحَمّدٌ وَعَوْنٌ وَعَبْدُ اللهِ، وَكَانَ النّجَاشِيّ قَدْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ يَوْمَ وُلِدَ عَبْدُ اللهِ، فَأَرْسَلَ إلَى جَعْفَرٍ يَسْأَلُهُ: كَيْفَ أَسْمَيْت ابْنَك؟ فَقَالَ: أَسْمَيْته عَبْدَ اللهِ، فَسَمّى النّجَاشِيّ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ، وَأَرْضَعَتْهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ امْرَأَةُ جَعْفَرٍ مَعَ ابْنِهَا عَبْدِ اللهِ، فَكَانَا يَتَوَاصَلَانِ بِتِلْكَ الْأُخُوّةِ. ضَبْطُ أَجْنَادِينَ: وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ، وَأَنّهُ اُسْتُشْهِدَ بِأَجْنَادِينَ، هَكَذَا تَقَيّدَ فِي الْأَصْلِ بِكَسْرِ الدّالِ وَفَتْحِ أَوّلِهِ، وَكَذَا سَمِعْت الشّيْخَ الْحَافِظَ أَبَا بَكْرٍ يَنْطِقُ بِهِ، وَقَيّدْنَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ طَاهِرٍ عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ: إجْنَادِينَ بِكَسْرِ أَوّلِهِ وَفَتْحِ الدّالِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ مُعْجَمِ مَا اسْتَعْجَمَ: أَجْنَادِينَ بِفَتْحِ أَوّلِهِ، وَفَتْحِ الدّالِ، وَقَالَ كَأَنّهُ تَثْنِيَةُ أَجْنَادٍ. الفارسية وَيَوْمُ الْهَرِيرِ: وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ التّيْمِيّ، وَأَنّهُ قُتِلَ بِالْقَادِسِيّةِ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ وَالْقَادِسِيّةُ آخِرُ أَرْضِ الْعَرَبِ، وَأَوّلُ أَرْضِ السّوَادِ، وَفِي أَيّامِهَا قُتِلَ رُسْتُمُ مَلِكُ الْفُرْسِ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيّامهَا يُسَمّى يَوْمَ الْهَرِيرِ، وَكَانَ قَدْ أَقْبَلَ بِالْفِيَلَةِ، وَجُمُوعٍ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، وَالْمُسْلِمُونَ فِي عَدَدٍ دُونِ الْعَشْرِ مِنْ عدد المجوس،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَكَانَ الظّفَرُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ الْأَمِيرُ عَلَيْهِمْ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ، وَخَبَرُهَا طَوِيلٌ يَشْتَمِلُ عَلَى أَعَاجِيبَ مِنْ فَتْحِ اللهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمّةِ اسْتَقْصَاهَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي كِتَابِ الْفُتُوحِ، ثُمّ الطّبَرِيّ بَعْدَهُ، وَسُمّيَتْ الْقَادِسِيّةُ بِرَجُلِ من الهراة، وَكَانَ كِسْرَى قَدْ أَسْكَنَهُ بِهَا اسْمُهُ: قَادِسٌ، وقيل: سميت بِقَوْمِ نَزَلُوهَا مِنْ قَادِسٍ، وَقَادِسٌ بِخُرَاسَانَ، وَأَمّا الْقَادِسُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، فَمِنْ أَسْمَاءِ السّفِينَةِ «1» . عَنْ بَعْضِ الْقَادِمِينَ مِنْ الْحَبَشَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِيمَنْ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ هِشَامَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَاسْمُ أَبِي حُذَيْفَةَ مهشّم، وذكر

_ (1) ما ذكره عن قادس أخذه عن البكرى، وقد بدأ أمر القادسية- كما روى الطبرى- فى السنة الرابعة عشرة من الهجرة وقيل سنة 16، فى عهد عمر وقد زحف فيها رستم القائد بستين ألفا وقيل 120 ألفا، وكان المسلمون إثنى عشر ألفا أو عشرة آلاف، وكان مع رستم ثلاثة وثلاثون قيلا وقيل: ثلاثون. وسميت ليلة الهرير ياسمها هذا؛ لأن المقاتلين اجتلدوا فى تلك الليلة من أولها حتى الصباح لا ينطقون كلامهم الهرير. وقد قتل فيها من المسلمين قرابة نصفهم، وحطم جيش كسرى وقتل رستم، واقتحم المسلمون القادسية صدر النهار- الذى أعقب ليلة الهرير، وقد أتت الصلاة وقد أصيب المؤذن فتشاح الناس فى الأذان حتى كادوا أن يجتلدوا بالسيوف فأقرع سعد بينهم. فخرج سهم رجل. فأذن، وقيل- كما روى الواقدى- كان قتال القادسية الخميس والجمعة وليلة السبت، وهى ليلة الهرير. أنظر الطبرى ج 3 ص 480 إلى ص 597 وانظر فتوح البلدان ص 268. إن قوما يكادون يجتلدون بالسيوف من أجل الأذان. ولا ينسون الصلاة لا بد أن ينتصر الله لهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْوَاقِدِيّ هِشَامًا. هَذَا فِيمَنْ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ غَيْرَ أَنّهُ قَالَ فِيهِ: هَاشِمٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَلَا أَبُو مَعْشَرٍ فِي الْقَادِمِينَ مِنْ الْحَبَشَةِ. وَذَكَرَ فِيمَنْ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ عَبْدَ اللهِ بْنَ حُذَافَةَ، وَأَنّهُ الّذِي أَرْسَلَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى كِسْرَى. وَذَكَرَ أَيْضًا سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو، وَأَنّهُ كَانَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيّ الْحَنَفِيّ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ. فَأَمّا كِسْرَى فَهُوَ أبرويز بْنُ هُرْمُزَ بن أنو شروان، وَمَعْنَى أبرويز الْمُظَفّرُ فِيمَا ذَكَرَ الْمَسْعُودِيّ، وَهُوَ الّذِي كَانَ غَلَبَ الرّومَ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ فِي قِصّتِهِمْ: الم «1» غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَأَدْنَى الْأَرْض هِيَ بُصْرَى وَفِلَسْطِينُ، وَأَذْرِعَاتُ «2» مِنْ أرض الشام، قاله الطبرى. معه رُسُلِ النّبِيّ إلَى الْمُلُوكِ وَالرّؤَسَاءِ: وَذَكَرَ أَبُو رِفَاعَةَ وَثِيمَةُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفُرَاتِ، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ عَلَى كِسْرَى قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْفُرْسِ إنّكُمْ عِشْتُمْ بِأَحْلَامِكُمْ لِعِدّةِ أَيّامِكُمْ بِغَيْرِ نَبِيّ، وَلَا كِتَابٍ، وَلَا تَمَلّكٍ مِنْ الْأَرْضِ إلّا مَا فِي يَدَيْك، وَمَا لَا تَمْلِكُ مِنْهَا أَكْثَرُ، وَقَدْ مَلَكَ قَبْلَك مُلُوكٌ أَهْلُ دُنْيَا وَأَهْلُ آخِرَةٍ، فَأَخَذَ أهل الآخرة

_ (1) تقرأ هكذا: ألف لام ميم. (2) قال الخليل: هى منسوبة إلى أذرع مكان أيضا. قال: ومن كسر الألف لم يصرفها، ومن فتحها صرفها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِحَظّهِمْ مِنْ الدّنْيَا، وَضَيّعَ أَهْلُ الدّنْيَا حَظّهُمْ مِنْ الْآخِرَةِ، فَاخْتَلَفُوا فِي سَعْيِ الدّنْيَا، وَاسْتَوَوْا فِي عَدْلِ الْآخِرَةِ، وَقَدْ صَغّرَ هَذَا الْأَمْرَ عِنْدَك أَنّا أَتَيْنَاك بِهِ، وَقَدْ وَاَللهِ جَاءَك مِنْ حَيْثُ خِفْت، وَمَا تَصْغِيرُك إيّاهُ بِاَلّذِي يَدْفَعُهُ عَنْك، وَلَا تَكْذِيبُك بِهِ بِاَلّذِي يُخْرِجُك مِنْهُ، وَفِي وَقْعَةِ ذِي قَارٍ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ، فَأَخَذَ الْكِتَابَ فَمَزّقَهُ، ثُمّ قَالَ: لِي ملك هنىء لا أخثى أَنْ أُغْلَبَ عَلَيْهِ، وَلَا أُشَارَكَ فِيهِ، وَقَدْ مَلَكَ فِرْعَوْنُ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلَسْتُمْ بِخَيْرِ مِنْهُمْ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْلِكَكُمْ، وَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، فَأَمّا هَذَا الْمُلْكُ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنّهُ يَصِيرُ إلَى الْكِلَابِ، وَأَنْتُمْ أُولَئِكَ تَشْبَعُ بُطُونُكُمْ، وَتَأْبَى عُيُونُكُمْ، فَأَمّا وَقْعَةُ ذِي قَارٍ، فَهِيَ بِوَقْعَةِ الشّامِ. فَانْصَرَفَ عَنْهُ عَبْدُ اللهِ. وَإِنّمَا خَصّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدَ اللهِ بْنَ حُذَافَةَ بِإِرْسَالِهِ إلَى كِسْرَى، لِأَنّهُ كَانَ يَتَرَدّدُ عَلَيْهِمْ كَثِيرًا وَيَخْتَلِفُ إلَى بِلَادِهِمْ، وَكَذَلِك سَلِيطُ بْنُ عَمْرٍو كَانَ يَخْتَلِفُ إلَى الْيَمَامَةِ، قَالَ وَثِيمَةُ: لَمّا قَدِمَ سَلِيطُ بْنُ عَمْرٍو الْعَامِرِيّ عَلَى هَوْذَةَ، وَكَانَ كِسْرَى قَدْ تَوَجّهَ، قَالَ: يَا هَوْذَةُ إنّك سَوّدَتْك «1» أَعْظُمٌ حَائِلَةٌ، وَأَرْوَاحٌ فِي النّارِ، وَإِنّمَا السّيّدُ مَنْ مُنّعَ بِالْإِيمَانِ ثُمّ زُوّدَ التّقْوَى، وَإِنّ قَوْمًا سَعِدُوا بِرَأْيِك فَلَا تَشْقَ بِهِ، وَإِنّي آمِرُك بِخَيْرِ مَأْمُورٍ بِهِ، وَأَنْهَاك عَنْ شَرّ مَنْهِيّ عَنْهُ، آمُرُك بِعِبَادَةِ اللهِ، وَأَنْهَاك عَنْ عِبَادَةِ الشّيْطَانِ، فَإِنّ فِي عِبَادَةِ اللهِ الْجَنّةَ وَفِي عِبَادَةِ الشيطان النار، فإن قبلت نلت مارجوت، وَأَمِنْت مَا خِفْت، وَإِنْ أَبَيْت فَبَيْنَنَا وَبَيْنَك كَشْفُ الْغِطَاءِ، وَهَوْلُ الْمَطْلَعِ «2» ، فَقَالَ هَوْذَةُ: يَا سَلِيطُ سَوّدَنِي مَنْ لَوْ سَوّدَك شَرُفْت بِهِ، وقد

_ (1) فى الأصل: إنه سودت: والتصويب من المواهب ص 355 ح 3. (2) فى الأصل: وهو المطلع، والتصويب من المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَانَ لِي رَأْيٌ أَخْتَبِرُ بِهِ الْأُمُورَ، فَفَقَدْته فَمَوْضِعُهُ مِنْ قَلْبِي هَوَاءٌ، فَاجْعَلْ لِي فُسْحَةً يَرْجِعُ إلَيّ رَأْيِي، فَأُجِيبُك بِهِ إنْ شَاءَ الله. قال: ومن شعر عبد الله ابن حُذَافَةَ فِي رِسَالَتِهِ إلَى كِسْرَى وَقُدُومِهِ عَلَيْهِ: أَبَى اللهُ إلّا أَنّ كِسْرَى فَرِيسَةٌ ... لِأَوّلِ دَاعٍ بِالْعِرَاقِ مُحَمّدَا تَقَاذَفَ فِي فُحْشِ الْجَوَابِ مُصَغّرًا ... لِأَمْرِ الْعَرِيبِ الْخَائِضِينَ لَهُ الرّدَى فَقُلْت لَهُ: أَرْوِدْ، فَإِنّك دَاخِلٌ ... مِنْ الْيَوْمِ فِي الْبَلْوَى وَمُنْتَهَبٌ غَدَا فَأَقْبِلْ وَأَدْبِرْ حَيْثُ شِئْت، فَإِنّنَا ... لَنَا الْمُلْكُ فَابْسُطْ لِلْمُسَالَمَةِ الْيَدَا وَإِلّا فَأَمْسِكْ قَارِعًا سِنّ نَادِمٍ ... أَقَرّ يُذِلّ الْخَرْجَ أومت مُوَحّدَا سَفِهْت بِتَمْزِيقِ الْكِتَابِ، وَهَذِهِ ... بِتَمْزِيقِ مُلْكِ الْفُرْسِ يَكْفِي مُبَدّدَا وَقَالَ هَوْذَةُ بْنُ عَلِيّ فِي شَأْنِ سَلِيطٍ: أَتَانِي سَلِيطُ وَالْحَوَادِثُ جَمّةٌ ... فَقُلْت لَهُمْ: مَاذَا يَقُولُ سَلِيطُ؟ فَقَالَ الّتِي فِيهَا عَلَيّ غَضَاضَةٌ ... وَفِيهَا رَجَاءٌ مُطْمِعٌ وَقُنُوطُ فَقُلْت لَهُ: غَابَ الّذِي كُنْت أَجْتَلِي ... بِهِ الْأَمْرَ عَنّي فَالصّعُودُ هُبُوطُ وَقَدْ كَانَ لِي وَاَللهُ بَالِغُ أَمْرِهِ ... أَبَا النّضْرِ جَأْشٌ فِي الْأُمُورِ رَبِيطُ فَأَذْهَبَهُ خَوْفُ النّبِيّ مُحَمّدٍ ... فَهَوْذَةُ فَهّ فِي الرّجَالِ سَقِيطُ فَأَجْمَعُ أَمْرِي مِنْ يَمِينٍ وَشَمْأَلٍ ... كَأَنّي رُدُودٌ لِلنّبَالِ لَقِيطُ فَأَذْهَبَ ذَاكَ الرّأْيَ إذْ قَالَ قَائِلٌ ... أَتَاك رَسُولٌ لِلنّبِيّ خَبِيطُ رَسُولُ رَسُولِ اللهِ رَاكِبُ نَاضِحٍ ... عَلَيْهِ مِنْ أَوْبَارِ الْحِجَازِ غَبِيطُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سَكَرْت وَدَبّتْ فِي الْمَفَارِقِ وَسْنَةٌ ... لَهَا نَفَسٌ عَالِي الْفُؤَادِ غَطِيطُ أُحَاذِرُ مِنْهُ سَوْرَةٌ هَاشِمِيّةٌ ... فَوَارِسُهَا وَسْطَ الرّجَالِ عَبِيطُ فَلَا تُعَجّلْنِي يَا سَلِيطُ فَإِنّنَا ... نُبَادِرُ أَمْرًا وَالْقَضَاءُ مُحِيطُ وَسَنَذْكُرُ بَقِيّةَ إرْسَالِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُلُوكِ، وَمَا قَالُوا، وَمَا قِيلَ لَهُمْ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللهُ. حَدِيثُ النّوْمِ عَنْ الصّلَاةِ: وَذَكَرَ حَدِيثَ نَوْمِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الصّلَاةِ مَقْفَلَهُ مِنْ خَيْبَرَ، وَهَذِهِ الرّوَايَةُ أَصَحّ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ فِي غَزَاةِ حُنَيْنٍ، وَمَنْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ لِلْحَدِيثِ كَانَ ذَلِكَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُخَالِفِ لِلرّوَايَةِ الْأُولَى، وَأَمّا رِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ لِلْحَدِيثِ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ مُرْسَلًا، فَهَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الزّهْرِيّ، وَرَوَاهُ عَنْهُ صَالِحُ ابن أَبِي الْأَخْضَرِ، وَقَالَ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَهُ التّرْمِذِيّ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَدْ رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ الزّهْرِيّ مُسْنَدًا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَمَعْمَرٌ مِنْ طَرِيقِ أَبَانِ الْعَطّارِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ مُسْنَدًا أَيْضًا، وَذَكَرَ فِيهِ هُوَ وَأَبَانُ الْعَطّارُ أَنّهُ أَذّنَ، وَأَقَامَ فِي تِلْكَ الصّلَاةِ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْوَادِي «1» ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَذَانَ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ إلّا قليل.

_ (1) حديث توكيل بلال بالفجر رواه مسلم أيضا وابن ماجة. وقد روى قصة النوم عن صلاة الصبح عمران بن حصين ولم يذكر فى أى غزوة كانت، ولم يوقت مدتها. وروى مالك عن زيد بن أسلم أن ذلك كان بطريق مكة وهذا مرسل، وقيل إنها كانت فى غزوة تبوك. وقيل إن الحارس فى قصة النوم كان ابن مسعود.

تم بحمد الله الجزء السادس، ويليه الجزء السابع ان شاء الله تعالى وأوله: عمرة القضاء

تصحيح الكتاب انتدبت للتدريس فى قسم الدراسات الإسلامية العليا بكلية الشريعة بمكة المكرمة، فتولى تصحيح الكتاب الأخ الفاضل محمود غانم غيث، فله جزيل شكرى على مجهوده السخى الكريم؟ عبد الرحمن الوكيل

فهرس الجزء السادس من الروض الأنف

فهرس الجزء السادس من الروض الأنف ص 5 مقدمة الجزء السادس 7 قتل الرسول لأبى بن خلف «س» «1» 8 شِعْرُ حَسّانَ فِي مَقْتَلِ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ «س» 8 انتهاء الرسول إلى الشعب «س» 9 حِرْصُ ابْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَلَى قَتْلِ عُتْبَة «س» 9 صعود قريش الجبل وقتال عمر لهم «س» 9 ضَعْفُ الرّسُولِ عَنْ النّهُوضِ وَمُعَاوَنَةُ طَلْحَةَ لَهُ «س» 10 صلاة الرسول قاعدا «س» 10 مقتل اليمان وابن وقش «س» 11 مقتل حاطب ومقالة أبيه «س» 12 مَقْتَلُ قُزْمَانَ مُنَافِقًا كَمَا حَدّثَ الرّسُولُ بِذَلِكَ «س» 12 قتل مخيريق «س» 12 أمر الحارث بن سويد «س» 13 تحقيق ابن هشام فيمن قتل المجذر «س» 14 أمر أصيرم «س» 14 مقتل عمرو بن الجموح «س» ص 15 هند وتمثيلها بحمزة «ش» 16 شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ فِي الرّدّ عَلَى هند بنت عتبة «س» 16 شعر لهند بنت عتبة أيضا «س» 16 تَحْرِيضُ عُمَرَ لِحَسّانَ عَلَى هَجْوِ هِنْدَ بِنْتِ عتبة «س» 17 اسْتِنْكَارُ الْحُلَيْسِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ تَمْثِيلَهُ بِحَمْزَةِ «س» 17 شَمَاتَةُ أَبِي سُفْيَانَ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أُحُدٍ وَحَدِيثُهُ مع عمر «س» 18 توعد أبى سفيان المسلمين «س» 18 خروج على فى آثار المشركين «س» 19 أمر القتلى بأحد «س» 20 حُزْنُ الرّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَتَوَعّدُهُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُثْلَةِ «س» 21 ما نزل فى النهى عن المثلة «س» 21 صلاة الرسول على حمزة والقتلى «س» 21 صفية وحزنها على حمزة «س» 22 دَفْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ مَعَ حَمْزَةَ «س»

_ (1) «س» رمز عن السيرة. و «ن. ل» رمز عن النحو واللغة. و «ش» رمز عن الشرح وأما الروض فبدون رمز.

ص 22 دفن الشهداء «س» 23 حزن حمنة على حمزة «س» 24 بكاء نساء الأنصار على حمزة «س» 24 شأن المرأة الدينارية «س» 25 غسل السيوف «س» 26 خروج الرسول فى أثر العدو ليرهبه «س» 27 مثل استماتة من المسلمين فى نصرة الرسول «س» 27 استعمال ابن أم مكتوم على المدينة «س» 28 شأن معبد الخزاعى «س» 29 رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى الرّسُولِ عَلَى لِسَانِ ركب «س» 29 كَفّ صَفْوَانَ لِأَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُعَاوَدَةِ الْكَرّةِ «س» 30 مقتل أبى عزة ومعاوية ابن المغيرة «س» 30 مقتل معاوية بن المغيرة «س» 31 شَأْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيّ بَعْدَ ذَلِكَ «س» 31 كان يوم أحد محنة «س» 32 قتل الرسول لأبى بن خلف 32 حول عين قتادة 34 حول نسب حذيفة اليمانى 35 الهامة والظمأ ص 36 حول بعض رجال أحد 36 ابن الجموح 37 حكم (من) والساكن بعدها «ن. ل» 37 لكاع ولكع «ن، ل» 40 الرسول يسأل عن ابن الربيع 40 حميد الطويل وطلحة الطلحات 41 أحاديث المثلة والنهى عنها «ش» 42 الصلاة على الشهداء 44 عبد الله بن جحش المجدع 46 حديث عمر وأبى سفيان 47 حديث مخيريق وأول وقف فى الإسلام. 48 غزوة حمراء الأسد 50 أبو عزة الجمحى 51 قول لعبد الله بن أبى 52 ذِكْرُ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي أُحُدٍ مِنْ القرآن «س» . 53 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 55 النهى عن الربا «س» 56 الحض على الطاعة «س» 57 ذكر ما أصابهم وتعزيتهم عنه «س» . 58 دعوة الجنة للمجاهدين «س» 59 ذكره أن الموت باذن الله

ص 59 ذِكْرُ شَجَاعَةِ الْمُجَاهِدِينَ مِنْ قَبْلُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ «س» . 60 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» . 61 تحذيره إياهم من إطاعة الكفار «س» . 63 تأنيبه إياهم لفرارهم عن نبيهم «س» . 64 تَحْذِيرُهُمْ أَنْ يَكُونُوا مِمّنْ يَخْشَوْنَ الْمَوْتَ فِي الله «س» . 65 ذكره رحمة الرسول عليهم «س» 66 ما نزل فى الغلول «س» 66 فضل الله على الناس ببعث الرسل «س» . 67 ذكره المصيبة التى أصابتهم «س» 68 الترغيب فى الجهاد «س» 69 مصير قتلى أحد «س» 71 ذكر من خرجوا على الرسول إلى حمراء الأسد «س» . 72 ذكر من استشهد بأحد من المهاجرين «س» . 72 من بنى هاشم «س» 72 من بنى أمية «س» 72 من بنى عبد الدار «س» 72 من بنى مخزوم «س» 73 من الأنصار «س» 73 من راتج «س» 74 من بنى ظفر «س» 74 من بنى ضبيعة «س» 74 من بنى عبيد «س» 74 من بنى السلم «س» 75 من بنى العجلان «س» 75 من بنى معاوية «س» 75 من بنى النجار «س» 75 من بنى مبذول «س» 75 من بنى عمرو «س» 76 من بنى عدى «س» 76 من بنى مازن «س» 76 من بنى دينار «س» 76 من بنى الحارث «س» 76 من بنى الأبجر «س» 77 من بنى ساعدة «س» 77 من بنى طريف «س» 77 من بنى عوف «س» 78 من بنى الحبلى «س» 78 من بنى سلمة «س» 78 من بنى سواد «س» 78 من بنى زريق «س» 79 عدد الشهداء «س» 79 من بنى معاوية «س» 79 من بنى خطمة «س» 79 من بنى الخزرج «س»

79 من بنى عمرو «س» 79 من بنى سالم «س» 80 ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ «س» 80 من بنى عبد الدار «س» 81 من بنى أسد «س» 81 من بنى زهرة «س» 81 من بنى مخزوم «س» 81 من بنى جمح «س» 82 من بنى عامر «س» 82 عدد قتلى المشركين «س» 82 تَفْسِيرُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي أُحُدٍ 83 معنى اتخذ «ن. ل» 84 أدلة على صحة خلافة أبى بكر 85 ربيون ورفعها فى الآية «ن. ل» 86 من تفسير أيات أحد 87 حكم الغلول 89 الشهادة والشهداء 93 أرواح الشهداء «ش» 97 إغفال ابن إسحاق نسب عبيد ابن التيهان 98 أبو حنة أو حبة 99 ذِكْرُ مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ يَوْمَ أُحُدٍ «س» 99 شعر هبيرة «س» 100 شعر حسان فى الرد على هبيرة «س» 101 شعر كعب فى الرد على هبيرة «س» 104 شعر لابن الزبعرى «س» 105 رد حسان على ابن الزبعرى «س» 106 شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ وَقَتْلَى أُحُدٍ «س» 107 شعر ضرار فى الرد على كعب «س» 108 شعر ابن الزبعرى فى يوم أحد «س» 109 شِعْرُ حَسّانٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى «س» 111 شِعْرُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ «س» 111 شعر كعب فى الرد على ابن العاصى 112 شعر ضرار فى يوم أحد «س» 113 شعر عمرو فى يوم أحد «س» 114 شعر كعب فى الرد على عمير بن العاصى «س» 115 شعر حسان فى أصحاب اللواء «س» 117 شعر حسان فى قتلى يوم أحد «س» 120 شعر حسان فى بكاء حمزة «س» 121 شعر كعب فى بكاء حمزة «س» 123 شعر كعب فى أحد «س» 125 شعر ابن رواحة فى بكاء حمزة «س» 126 شعر كعب فى أحد «س» 127 شعر ضرار فى أحد «س»

128 رجز أبى زعنة يوم أحد «س» 128 رجز ينسب لعلى فى يوم أحد «س» 129 رجز عكرمة فى يوم أحد «س» 129 شِعْرُ الْأَعْشَى التّمِيمِيّ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بَنِي عبد الدار يوم أحد «س» 130 شعر صفية فى بكاء حمزة «س» 131 شعر نعم فى بكاء شماس «س» 131 شعر أبى الحكم فى تعزية نعم «س» 132 شعر هند بعد عودتها من أحد «س» 132 شَرْحُ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنْ الأشعار 133 حول جمع ندى وأسماء الشهور «ن. ل» 135 شرح شعر كعب 137 إقرار الجاهلية بالقدر 138 شِعْرُ حَسّانَ يَرُدّ بِهِ عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى 139 متى يضر حذف حرف الجر؟ «ن. ل» 140 عود إلى شعر حسان 140 شعر كعب بن مالك 142 من شعر حسان 140 شعر كعب بن مالك 143 فى شعر عمرو بن العاص 144 شعر كعب 145 أجود ما قال حسان 147 شعر ابى علاط 148 شعر حسان الحائى 151 شعر حسان اللامى 151 ترك تنوين العلم للضرورة «ن. ل» 152 شعر كعب 152 قصيدة كعب الزائية 153 نونية كعب 259 شعر ضرار 160 رجز عكرمة 160 شعر نعيم 160 شعر كعب اللامى 162 ذكر يوم الرجيع «س» 162 فى سنة ثلاث مقتل خبيب وأصحابه «س» 163 نسب عضل والقارة «س» 164 مقتل مرثد وابن البكير وعاصم «س» 164 حماية الدبر لعاصم «س» 165 مصرع خبيب وابن طارق وابن الدثنة «س» 166 مثل من وفاء ابن الدثنة للرسول «س» 166 مقتل خبيب وحديث دعوته «س» 168 مَا نَزَلَ فِي سَرِيّةِ الرّجِيعِ مِنْ الْقُرْآنِ «س»

169 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 170 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» . 170 شعر خبيب حين أريد صلبه «س» . 171 شعر حسان فى بكاء خبيب «س» 173 من اجتمعوا لقتل خبيب «س» 173 شِعْرُ حَسّانٍ فِي هِجَاءِ هُذَيْلٍ لِقَتْلِهِمْ خُبَيْبًا «س» . 176 شعر حسان فى بكاء خبيب وأصحابه «س» 177 حديث بئر معونة «س» 177 سبب إرسال بعث بئر معونة «س» . 177 رجال البعث «س» 178 عامر يقتل صحابيا «س» 179 قتل العامرين «س» 180 كراهية الرسول عمل أبى براء «س» 180 ابن فهيرة والسماء «س» 180 سبب إسلام ابن سلمى «س» 181 شِعْرُ حَسّانٍ فِي تَحْرِيضِ بَنِي أَبِي بَرَاءٍ على عامر «س» 181 نسب حكم وأم البنين «س» 181 طعن ربيعة لعامر «س» 181 مَقْتَلُ ابْنِ وَرْقَاءَ وَرِثَاءُ ابْنِ رَوَاحَةَ لَهُ «س» 182 شِعْرُ حَسّانٍ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ «س» 182 شعر كعب فى يوم بئر معونة «س» 183 نسب القرطاء «س» 183 مقتل خبيب وأصحابه 189 ذكر قصة عاصم 190 مقتل حجر بن عدى 191 لقاء عائشة ومعاوية «ش» 192 لم صارت صلاة خبيب سنة؟ 193 مَا أَنَزَلَ اللهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي حَقّ خبيب وأصحابه 197 عدس فى شعر حسان فى خبيب. 197 دعوة خبيب على قاتليه 198 ابن كهيبة فى شعر حسان 199 حول العلم ومنعه من التنوين مع الخفض «ن. ل» . 200 اشتقاق اسم خبيب وهذيل «ن. ل» . 201 سالت بدون همزة «ن. ل» 201 خبر بئر معونة 202 ملاعب الأسنة وإخواته ومعوذ الحكماء. 203 شعر لبيد عن ملاعب وإخواته أمام النعمان.

205 مصير ابن فهيرة 205 أم البنين الأربعة 206 الزبان أو الريان 206 القرطاء 206 شىء منسوخ 208 أَمْرُ إجْلَاءِ بَنِي النّضِيرِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ «س» 208 بنو النضير يأتمرون بالرسول صلى الله عليه وسلم «س» 209 الله يعلم نبيه بما دبروا «س» 210 حصار الرسول النبى النضير «س» 210 تحريض الرهط لهم ثم محاولتهم الصلح «س» 210 من هاجر منهم إلى خيبر «س» 211 تقسيم الرسول أموالهم بين المهاجرين «س» 211 من أسلم من بنى النضير «س» 211 تحريض يامين على قتل ابن جحاش «س» 212 ما نزل فى بنى النضير من القرآن «س» 212 تفسير بن هشام لبعض الغريب «س» 214 مَا قِيلَ فِي بَنِي النّضِيرِ مِنْ الشّعْرِ «س» 217 شعر كعب فى إجلاء بنى النضير وقتل ابن الأشرف «س» 218 شعر سماك فى الرد على كعب «س» 219 شعر ابن مرادس فى امتداح رجال بنى النضير «س» 219 شِعْرُ خَوّاتٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ «س» 220 شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي الرّدّ عَلَى خَوّاتٍ «س» 221 شِعْرٌ لِكَعْبِ أَوْ ابْنِ رَوَاحَةَ فِي الرّدّ على ابن مرداس «س» 221 غزوة ذات الرقاع فى سنة أربع «س» 222 لم سميت بذات الرقاع؟ «س» 222 صلاة الخوف 223 هم غورث بن الحارث بقتل الرسول «س» 224 قصة جمل جابر «س» 226 ابْنُ يَاسِرٍ وَابْنُ بِشْرٍ، وَقِيَامُهُمَا عَلَى حِرَاسَةِ جيش الرسول، وما أصببا به «س» 227 رجوع الرسول «س» 228 غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ «س» 228 خروج الرسول «س» 228 استعماله ابن أبى على المدينة «س» 228 رجوع أبى سفيان فى رجاله «س» 228 الرسول ومخشى الضمرى «س»

ص 229 معبد وشعره فى ناقة للرسول هوت «س» 229 شِعْرٌ لِابْنِ رَوَاحَةَ أَوْ كَعْبٍ فِي بَدْرٍ «س» 230 شعر حسان فى بدر «س» 230 شعر أبي سفيان في الرد على حسان «س» 232 غزوة بنى النضير وما نزل فيها 232 قطع اللينة وتأويله. 233 حول أول سورة الحشر 236 الكاهنان 236 خروج بنى النضير إلى خيبر 237 صاحبة عروة بن الورد 241 غزوة ذات الرقاع 242 صلاة الخوف 244 رفع المنصوب «ن. ل» 246 مُسَاوَمَةُ جَابِرٍ فِي جَمَلِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ الفقه 247 شُعَيْبٌ لَا يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ وَإِنّمَا عَنْ جده 248 الحكمة من مساومة النبى لجابر 249 سياقه الحديث عن عمرو بن عبيد 250 عمرو بن عبيد 151 تعريف ابن تيمية للقدرية «ش» 253 وقعة الحرة وموقف الصحابة منها ص 256 معنى الربيئة «ن. ل» 257 فقه الحديث 257 حَوْلَ رَجَزِ مَعْبَدٍ وَشِعْرِ حَسّانَ وَأَبِي سُفْيَانَ 260 غزوة دومة الجندل «س» 260 غزوة الخندق «س» 261 اليهود تحرض قريشا «س» 262 اليهود تحرض غطفان «س» 262 خروج الأحزاب من المشركين «س» 262 حفر الخندق وتخاذل المنافقين وجد المؤمنين «س» 263 ما نزل فى حق العاملين فى الخندق «س» 264 تفسير بعض الغريب «س» 264 المسلمون يرتجزون فى الحفر «س» 265 الآيات التى ظهرت فى حفر الخندق «س» 268 تحريض حيى بن أخطب لكعب ابن أسد «س» 269 التحرى عن نقض كعب للعهد «س» 270 ظهور نفاق المنافقين واشتداد خوف المسلمين «س» 270 أكان معتب منافقا؟ «س» 271 الهم بعقد الصلح مع غطفان «س»

ص 272 عبور نفر من المشركين الخندق «س» 272 سلمان وإشارته بحفر الخندق «س» 273 مبارزة على لعمرو بن عبدود «س» 274 شعر حسان فى عكرمة «س» 274 شعار المسلمين يوم الخندق «س» 274 حديث سعد بن معاذ «س» 275 من قاتل سعد؟ «س» 276 الحديث عن جبن حسان «س» 277 نعم يخذل المشركين «س» 280 تعريف ما حل بالمشركين «س» 281 أبو سفيان ينادى بالرحيل «س» 282 الانصراف عن الخندق «س» 282 غزوة بنى قريظة «س» 282 الأمر الإلهى بحرب بنى قريظة «س» 282 على يبلغ الرسول ما سمعه من بنى قريظة «س» 283 جبريل فى صورة دحية «س» . 283 تلاحق الناس بالرسول «س» 284 الحصار «س» 284 نصيحة كعب بن أسد لقومه «س» 285 قصة أبى لبابة «س» 286 توبة الله على أبى لبابة «س» 287 إسلام بعض بنى هدل «س» 287 عمرو بن سعدى «س» ص 288 تحكيم سعد فى أمر بنى قريظة ورضاء الرسول به «س» 290 تنفيذ الحكم فى بنى قريظة س 290 مقتل حيى بن أخطب س 291 المرأة القتيل من بنى قريظة س 292 شأن الزبير بن باطا س 293 عطية القرظى ورفاعة س 294 الرسول صلّى الله عليه وسلم يقسم فىء بنى قريظة س 295 شأن ريحانة س 295 ما نزل من القرآن فى الخندق وبنى قريظة «س» 296 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 301 إكرام سعد فى موته «س» 303 شهداء الغزوة «س» 304 قتلى المشركين «س» 305 شهداء المسلمين يوم بنى قريظة «س» 305 البشارة بغزو قريش «س» 306 غزوة دومة الجندل 306 غزوة الخندق 307 عيينة بن حصن 309 البرقات التى لمعت 310 ما قيل من الرجز يوم الخندق «ش» 211 تحقيق اسم زغابة 311 يفتل فى الذروة والغارب

ص 312 اللحن 315 مصالحة الأحزاب 316 سلمان منا 316 حول مبارزة ابن أد لعلى 319 الفرعل 320 ابن العرقة وأم سعد 321 حول اهتزاز العرش 324 أكان حسان جبانا؟ 324 الحديث عن الصور بن ودحية 325 فِقْهُ لَا يُصَلّيَنّ أَحَدُكُمْ الْعَصْرَ إلّا فِي بنى قريظة. 328 حول قصة أبى لبابة 328 لعل وعسى وليت 330 من أسماء السماء 331 فوقية الله سبحانه 333 كيسة 334 رفيدة 334 غزوة الخندق 335 قتل المرتدة 335 الزبير بن باطا 337 حلة حيى 338 سلمى بنت أيوب 338 سلمى بنت قيس 338 تفسير آيات قرآنية 340 اهتزاز العرش ص 341 مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي أَمْرِ الْخَنْدَقِ وبنى قريظة «س» 341 شعر ضرار «س» 342 كعب يرد على ضرار «س» 343 شعر ابن الزبعرى «س» 344 حسان يرد على ابن الزبعرى «س» . 345 كعب يرد على ابن الزبعرى «س» 351 مسافع يبكى عمرا فى شعره «س» . 352 مسافع يؤنب الفرسان الذين كانوا مع عمرو «س» 352 هبيرة يبكى عمرا ويعتذر من فراره «س» 353 هبيرة يكبى عمرا فى شعره «س» 353 حسان يفتخر بقتل عمرو «س» 355 شِعْرُ حَسّانَ فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبُكَاءُ ابن معاذ «س» . 355 شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ ابْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ «س» . 356 شعر آخر لحسان فى يوم بنى قريظة «س» . 357 شعر أبي سفيان في الرد على حسان «س» . 358 شِعْرُ ابْنِ جَوّالٍ فِي الرّدّ عَلَى حَسّانَ «س» .

ص 358 مقتل سلام بن أبى الحقيق «س» 358 الخزرج يستأذنون فى قتل ابن أبى الحقيق «س» . 359 التنافس بين الأوس والخزرج فى عمل الخير «س» . 360 قصة الذين خرجوا لقتل ابن أبى الحقيق «س» . 361 شِعْرُ حَسّانَ فِي قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أبى الحقيق «س» . 362 إسلام عمرو بن العاص وخالد ابن الوليد «س» . 362 عمرو وصحبه عند النجاشى «س» 363 اجتماع عمرو مع خالد فى الطريق «س» . 364 إسلام ابن طلحة «س» 364 شعر ابن الزبعرى فى إسلام ابن طلحة وخالد «س» . 365 غزوة بنى لحيان «س» . 366 فَصْلٌ فِي أَشْعَارِ يَوْمِ الْخَنْدَقِ 366 شِعْرُ ضِرَارٍ 367 شعر كعب 367 من شعر حسان حول أسماء الله 369 من شعر كعب 373 شعر آخر لكعب 376 حكم بله وما بعدها (ن. ل) 377 قصيدة كعب العينية ص 277 قيس عيلان وقيس كبة. 378 شعر كعب فى الخندق 382 مقتل ابن أبى الحقيق 386 إسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ. 387 ما قاله الضمرى للنجاشى. 387 الرسل إلى الملوك 388 السمهرية 389 غزوة بنى لحيان. 391 غزوة ذى قرد «س» 392 نصيحة الرسول لأبى عياش «س» 393 مقتل محرز بن نضلة «س» 394 أسماء أفراس المسلمين «س» 394 قتلى المشركين «س» 395 استعمال ابن أم مكتوم على المدينة «س» 395 تقسيم الفىء بين المسلمين «س» 396 أمرأة الغفارى وما نذرت مع الرسول «س» 396 شعر حسان فى ذى قرد «س» 397 غَضَبُ سَعْدٍ عَلَى حَسّانَ وَمُحَاوَلَةُ حَسّانَ اسْتِرْضَاءَهُ «س» 397 شِعْرٌ آخَرُ لِحَسّانَ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ «س» . 398 شعر كعب فى يوم ذى قرد «س» 399 شعر شداد لعيينة «س»

ص 399 غزوة بنى المصطلق «س» 400 سبب الغزوة «س» 400 مقتل ابن صبابة خطأ «س» 400 فتنة «س» 401 حول فتنة ابن أبى ونفاقه «س» 403 مَا نَزَلَ فِي ابْنِ أُبَيّ مِنْ الْقُرْآنِ «س» 403 موقف عبد الله من أبيه «س» 404 قدوم مقيس مسلما وشعره «س» 405 شعار المسلمين «س» 405 قتلى بنى المصطلق «س» 405 أمر جويرية بنت الحارث «س» 407 ما نزل من القرآن فى حق الوليد بن عقبة «س» . 408 خبر الإفك فى غزوة بنى المصطلق «س» . 408 الهدى فى السفر مع الزوجات «س» 409 حديث الإفك «س» 413 القرآن وبراءة عائشة «س» 416 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 417 ابن المعطل يهم بقتل حسان «س» 420 شعر فى هجاء حسان ومسطح «س» 420 غزوة ذى قرد 420 اسماء أفراس المسلمين. 421 سلمة بن الأكوع 422 شرح اليوم يوم الرضع ص 423 جول النذر والطلاق والعتق 424 من شرح شعر حسان أعضاء الخيل. 426 بداد وفجار 427 عود إلى شرح شعر حسان 428 قصيدة أخرى لحسان 428 غزوة بنى المصطلق 429 تحريم دعوى الجاهلية 430 جهجاه 430 موقف عبد الله للصحابى من أبيه المنافق ودلالته. 432 حول حديث جويرية (ملاحة ومليح) (ن. ل) 433 غيرة نساء النبى، والنظر إلى المرأة. 436 حديث الإفك 437 صفوان بن المعطل 438 تفسير أسقطوا 439 بريرة 439 أم رومان 440 وهم للبخارى 441 تناصبنى أو تناصينى 441 شعر حسان فى التعريض بابن المعطل 444 تفسير العجب 445 بيرحاء

ص 446 حول براءة عائشة 447 شعر حسان فى مدح عائشة 449 ما نزل فى حق أصحاب الإفك 450 إهداء سيرين إلى حسان 452 أَمْرُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتّ، وَذِكْرُ بيعة الرضوان، والصلح بين رسول الله (ص) وبين سهيل بن عمرو «س» 453 الرسول (ص) يسلك طريقا غير طريق قريش «س» 455 ذكر من بعثتهم قريش إلى الرسول (ص) «س» 459 عثمان بن عفان فى مكة «س» 460 بيعة الرضوان «س» 461 أمر الهدنة «س» 462 على يكتب شروط الصلح «س» 463 خزاعة فى عهد محمد، وبنو بكر فى عهد قريش «س» 463 جندل بن سهيل «س» 464 الذين شهدوا على الصلح «س» 464 الإحلال «س» 464 الملحقون والمقصرون «س» 465 نزول سورة الفتح «س» ص 465 ذكر البيعة س 466 ذكر من تخلف «س» 467 ذكر كف الرسول عن القتال «س» 467 تفسير ابن هشام لبعض الغريب «س» 469 مَا جَرَى عَلَيْهِ أَمْرُ قَوْمٍ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ بعد الصلح «س» 469 مجىء أبى بصير إلى المدينة وطلب قريش له «س» 469 قتل أبى بصير العامرى ومقالة الرسول فى ذلك «س» 470 أبو بصير وزملاؤ فى العيص «س» 471 شعر موهب فى ودى أبى بصير «س» 471 ابن الزبعرى يرد على موهب «س» 472 أمر المهاجرات بعد الهدنة «س» 472 الرسول (ص) يأبى رد أم كلثوم «س» 472 حول آية المهاجرات المؤمنات «س» 474 بشرى فتح مكة وتعجيل بعض المسلمين «س»

ص 475 غزوة الحديبية 475 الميقات والإشعار 476 من شرح حديث الحديبية 480 وصف الجمع بالمفرد «ن. ل» 483 حول المصالحة 485 حكم المهاجرات 487 باسمك اللهم 488 عيبة مكفوفة 489 أبو جندل وصاحباه فى الخمر 490 الدنية التى رفضها عمر 491 موقف أم سلمة فى الحديبية 192 المقصرون 492 أبو بصير 493 عمره 494 قتل أبى بصير للكافر 495 من مواقف عمر فى الحديبية 496 بيعة الشجرة وأول من بايع 496 تعليق عام على الحديبية «ش» 499 ذكر المسير إلى خيبر «س» 499 ما قاله أبو جندل 502 ما نهى عنه الرسول (ص) فى خيبر «س» 504 شأن بنى سهم «ش» 505 مقتل مرحب اليهودى «س» 506 مقتل ياسر أخى مرحب «س» ص 507 شأن على يوم خيبر «س» 508 أمر أبى اليسر «س» 509 صفية أم المؤمنين «س» 510 بقية أمر خيبر «س» 510 صلح خيبر «س» 511 الشاة المسمومة «س» 512 رجوع الرسول إلى المدينة «س» 512 مقتل غلام للرسول (ص) «س» 513 أمر ابن مغفل والجراب «س» 514 أبو أيوب يحرس الرسول (ص) ليلة بنائه بصفية «س» 514 بلال يغلبه النوم وهو يرقب «س» الفجر «س» 515 شعر ابن لقيم فى فتح خيبر «س» 516 حديث المرأة الغفارية «س» 517 شهداء خيبر «س» 518 أمر الأسود الراعى فى حديث خيبر «س» 519 أمر الحجاج بن علاط السلمى 522 شعر حسان عن خيبر

ص 522 حسان يعتذر عن أيمن «س» 523 شعر ناجية فى يوم خيبر «س» 523 شعر كعب فى يوم خيبر «س» 524 ذكر مقاسم خيبر «س» وأموالها «س» 525 من قسمت عليهم خيبر «س» 528 ذكر ما أعطى محمد (ص) «س» نساءه من قمح خيبر «س» 528 وصاة الرسول عند موته «س» 528 أمر فدك فى خبر خيبر «س» 529 تَسْمِيَةُ النّفَرِ الدّارِيّينَ الّذِينَ أَوْصَى لَهُمْ رَسُولُ الله (ص) من خيبر «س» 531 عمر يجلى يهود خيبر «س» 533 قسمة عمر لوادى القرى بين المسلمين «س» 534 ذكر قدوم جعفر ابن أَبِي طَالِبٍ مِنْ الْحَبَشَةِ وَحَدِيثُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الحبشة «س» 543 مهاجرات الحبشة «س» 545 غزوة خيبر 545 شرح هنة والحداء ص 548 استعمال الكلمة فى غير موضعها 550 الإسناد عن عطاء بن أبى مروان 550 المكاتل 550 خربت خيبر 551 الخميس 551 تدنى الحصون 551 حكم أكل لحوم الحمر الأهلية والخيل 554 الورق 557 متى حرم نكاح المتعة؟ 560 على ودعاء الرسول (ص) 560 صاحب المغانم وابن مغفل 561 الصفى والمرباع 564 صداق صفية 564 حنش الصنعائى 565 وطأ منهى عنه 566 على يقتل مرحبا 567 حيدرة 567 من حصون خيبر 567 الحال المعرفة لفظا «ن. ل» 570 الشاة المسمومة 572 حول حديث المرأة الغفارية 573 من أحكام الماء 573 من شهداء خيبر

ص 574 الحال من النكرة «ن. ل» 575 حديث الحجاج بن علاط 576 تفسير أولى لك 577 أم أيمن 578 أبو أيوب فى حراسة النبى (ص) 579 قسم اموال خيبر وأراضيها 583 أبو نبقة 584 أم الحكم 584 أم رمثة وغيرها 585 القسم النساء من المغنم ص 585 المصافحة والمعانقة 587 ولد جعفر والنجاشى 587 ضبط أجنادين «ن. ل» 587 القادسية ويوم الهرير 588 عن بعض القادمين من الحبشة 589 من رسل النبى إلى الملوك والرؤساء 592 حديث النوم عن الصلاة فهرس الجزء السادس

بعون الله وجميل توفيقه قد تم طبع الجزء السادس من كتاب الروض الأنف بمطابع دار النصر للطباعة 13 شارع سعد الله بالدرب الأحمر بالقاهرة: المحرم سنة 1390 هـ أبريل سنة 1970 م

الجزء السابع

الجزء السابع مقدمة بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، محمد صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الأئمة المهتدين. «وبعد» فهذا هو الجزء السابع من السيرة وشرحها «الروض الأنف» للإمام السهيلى، والله وحده أسأل أن يعين على تمامه؟ عبد الرحمن الوكيل

عمرة القضاء في ذى القعدة سنة سبع

[عُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ خَيْبَرَ، أَقَامَ بِهَا شَهْرَيْ رَبِيعٍ وَجُمَادَيَيْنِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَشَوّالًا، يَبْعَثُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوِهِ وَسَرَايَاهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. ثُمّ خَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشّهْرِ الّذِي صَدّهُ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مُعْتَمِرًا عُمْرَةَ الْقَضَاءِ، مكان عمرة الّتِي صَدّوهُ عَنْهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ على المدينة عوف بن الأضبط الدّيلى. وَيُقَالُ لَهَا عُمْرَةُ الْقِصَاصِ، لِأَنّهُمْ صَدّوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ مِنْ سَنَةِ سِتّ، فَاقْتَصّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ، فَدَخَلَ مَكّةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ الّذِي صَدّوهُ فِيهِ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ. وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ: وأنزل الله في ذلك: (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَخَرَجَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِمّنْ كَانَ صُدّ مَعَهُ فِي عُمْرَتِهِ تِلْكَ، وَهِيَ سَنَةَ سَبْعٍ، فَلَمّا سَمِعَ بِهِ أَهْلُ مَكّةَ خَرَجُوا عَنْهُ، وَتَحَدّثَتْ قُرَيْشٌ بَيْنَهَا أَنّ مُحَمّدًا وأصحابه في عسرة وجهد وشدّة. قال ابن إسحاق: فحدثنى من لا انهم، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: صَفّوا لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عِنْدَ دَارِ النّدْوَةِ لِيَنْظُرُوا إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ، فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْجِدَ اضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ، وَأَخْرَجَ عَضُدَهُ الْيُمْنَى، ثُمّ قَالَ: رَحِمَ اللهُ امْرَأً أَرَاهُمْ الْيَوْمَ مِنْ نَفْسِهِ قُوّةً، ثُمّ اسْتَلَمَ الرّكْنَ، وَخَرَجَ يُهَرْوِلُ وَيُهَرْوِلُ أَصْحَابُهُ مَعَهُ، حَتّى إذَا وَارَاهُ الْبَيْتُ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَمَ الرّكْنَ الْيَمَانِيّ، مَشَى حَتّى يَسْتَلِمَ الرّكْنَ الْأَسْوَدَ، ثُمّ هَرْوَلَ كَذَلِك ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى سَائِرَهَا. فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُول: كَانَ النّاسُ يَظُنّونَ أَنّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ. وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إنّمَا صَنَعَهَا لِهَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ لِلّذِي بَلَغَهُ عَنْهُمْ، حَتّى إذَا حَجّ حَجّةَ الْوَدَاعِ فلزمها، فمضت السّنة بها. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ دَخَلَ مَكّةَ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ دَخَلَهَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ يَقُولُ: خَلّوا بَنِي الْكُفّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... خَلّوا فَكُلّ الْخَيْرِ فِي رَسُولِهِ يَا رَبّ إنّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ ... أَعْرِفُ حَقّ اللهِ فِي قَبُولِهِ *** نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ ... كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تنزيله ضربا يزبل الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ» إلى آخر الأبيات، لعمّار بن ياسر فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ، وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أن ابن رواحة إنما أراد المشركين، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والمشركون لم يقرّوا بالتنزيل، وإنما يقتل على التأويل من أقرّ بالتنزيل. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجّاجِ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ حَرَامٌ، وَكَانَ الّذِي زَوّجَهُ إيّاهَا الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَتْ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى أُخْتِهَا أُمّ الفضل، وَكَانَتْ أُمّ الْفَضْلِ تَحْتَ الْعَبّاسِ، فَجَعَلَتْ أُمّ الْفَضْلِ أَمْرَهَا إلَى الْعَبّاسِ، فَزَوّجَهَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ، وَأَصْدَقَهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مائة درهم. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ ثَلَاثًا، فَأَتَاهُ حُوَيْطِبُ بن عبد العزى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نصر بن مالك بن حِسْلٍ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ وَكّلَتْهُ بِإِخْرَاجِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ؛ فَقَالُوا لَهُ: إنّهُ قَدْ انْقَضَى أَجَلُك، فَاخْرُجْ عَنّا؛ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَمَا عَلَيْكُمْ لَوْ تَرَكْتُمُونِي فَأَعْرَسْت بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، وَصَنَعْنَا لَكُمْ طَعَامًا فَحَضَرْتُمُوهُ؟ قَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي طَعَامِك، فَاخْرُجْ عَنّا. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَخَلّفَ أَبَا رافع مولاه على ميمونة، أَتَاهُ بِهَا بِسَرِفَ، فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُنَالِكَ، ثُمّ انْصَرَفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ذى الحجة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر غزوة مؤتة

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ عليه، فيما حدثنى أبو عبيدة: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ، لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ، فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً يَعْنِي خيبر. [ذِكْرُ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ] فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ، وَمَقْتَلُ جَعْفَرٍ وَزَيْدٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ ذِي الْحِجّةِ، وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ، وَالْمُحَرّمَ وَصَفَرًا وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ، وَبَعَثَ فِي جُمَادَى الْأُولَى بعثه إلى الشام الذين أصيبوا بمؤتة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْثَةَ إلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ: إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النّاسِ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بن رواحة على الناس. فَتَجَهّزَ النّاسُ ثُمّ تَهَيّئُوا لِلْخُرُوجِ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَلَمّا حَضَرَ خُرُوجَهُمْ وَدّعَ النّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَلّمُوا عَلَيْهِمْ. فَلَمّا وَدّعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ مَنْ وَدّعَ مِنْ أُمَرَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَكَى؛ فَقَالُوا: مَا يُبْكِيك يَا بْنَ رَوَاحَةَ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاَللهِ مَا بِي حُبّ الدّنْيَا وَلَا صَبَابَةٌ بِكُمْ، وَلَكِنّي سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَزّ وَجَلّ، يَذْكُرُ فِيهَا النّارَ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا مَرْيَمَ: 71، فَلَسْت أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصّدَرِ بَعْدَ الْوُرُودِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمْ اللهُ وَدَفَعَ عَنْكُمْ، وَرَدّكُمْ إلَيْنَا صالحين؛ فقال عبد الله ابن رَوَاحَةَ: لَكِنّنِي أَسْأَلُ الرّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فرغ تَقْذِفُ الزّبَدا أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرّانَ مُجْهِزَةً ... بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا حَتّى يُقَالَ إذَا مَرّوا عَلَى جَدَثِي ... أَرْشَدَهُ اللهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ الْقَوْمَ تَهَيّئُوا لِلْخُرُوجِ، فَأَتَى عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَدّعَهُ، ثُمّ قَالَ: فَثَبّتَ اللهُ مَا آتَاك مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَاَلّذِي نُصِرُوا إنّي تَفَرّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً ... اللهُ يَعْلَمُ أَنّي ثَابِتُ الْبَصَرِ أَنْتَ الرّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نوافله ... والوجه منه فقد أزرى به القدر قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ: أَنْتَ الرّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نوافله ... والوجه منه فقد أزرى به القدر فَثَبّتَ اللهُ مَا آتَاك مِنْ حَسَنٍ ... فِي الْمُرْسَلِينَ وَنَصْرًا كَاَلّذِي نُصِرُوا إنّي تَفَرّسْت فِيك الْخَيْرَ نَافِلَةً ... فِرَاسَةً خَالَفَتْ فِيكَ الّذِي نَظَرُوا يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ؛ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ الْقَوْمُ، وَخَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذَا وَدّعَهُمْ وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: خَلَفَ السّلَامُ عَلَى امْرِئٍ وَدّعْته ... فى النّخل خير مشيّع وخليل ثم مضوا حتى نزلوا مَعَانَ، مِنْ أَرْضِ الشّامِ، فَبَلَغَ النّاسَ أَنّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ، مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، في مائة أَلْفٍ مِنْ الرّومِ، وَانْضَمّ إلَيْهِمْ مِنْ لَخْم وجذام والقين وبهراء وبلىّ مائة أَلْفٍ مِنْهُمْ، عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ بَلِيّ ثُمّ أَحَدُ إرَاشَةَ، يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ زَافِلَةَ. فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا عَلَى مَعَانَ لَيْلَتَيْنِ يُفَكّرُونَ فِي أَمْرِهِمْ وَقَالُوا: نَكْتُبُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُخْبِرُهُ يعدد عَدُوّنَا، فَإِمّا أَنْ يُمِدّنَا بِالرّجَالِ، وَإِمّا أَنْ يأمرنا بأمره، فنمضى له. قَالَ: فَشَجّعَ النّاسَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَقَالَ: يَا قَوْمِ، وَاَللهِ إنّ الّتِي تَكْرَهُونَ، لَلّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشّهَادَةُ، وَمَا نُقَاتِلُ النّاسَ بِعَدَدِ وَلَا قُوّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ، مَا نُقَاتِلُهُمْ إلّا بِهَذَا الدّينِ الّذِي أَكْرَمَنَا اللهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا فَإِنّمَا هِيَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إمّا ظُهُورٌ وَإِمّا شَهَادَةٌ. قَالَ: فَقَالَ النّاسُ: قَدْ وَاَللهِ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ. فَمَضَى النّاسُ، فَقَالَ عَبْدُ الله بن رواحة في محبسهم ذلك: جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ أَجَإٍ وَفَرْعٍ ... تُغَرّ مِنْ الْحَشِيشِ لَهَا الْعُكُومُ حَذَوْنَاهَا مِنْ الصّوّانِ سِبْتًا ... أَزَلّ كَأَنّ صَفْحَتَهُ أَدِيمُ أَقَامَتْ لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَعَانٍ ... فَأَعْقَبَ بَعْدَ فَتْرَتِهَا جُمُومُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ مُسَوّمَاتٌ ... تَنَفّسُ فِي مَنَاخِرِهَا السّمُومُ فَلَا وَأَبِي مَآبَ لَنَأْتِيَنْهَا ... وَإِنْ كَانَتْ بِهَا عَرَبٌ وَرُومُ فَعَبّأْنَا أَعِنّتَهَا فَجَاءَتْ ... عَوَابِسَ وَالْغُبَارُ لَهَا بَرِيمُ بِذِي لَجَبٍ كَأَنّ الْبَيْضَ فِيهِ ... إذا بررت قَوَانِسُهَا النّجُومُ فَرَاضِيَةُ الْمَعِيشَةِ طَلّقَتْهَا ... أَسِنّتُهَا فَتَنْكِحُ أَوْ تَئِيمُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «وَيُرْوَى: جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ آجَامِ قُرْحٍ» ، وَقَوْلُهُ: «فَعَبّأْنَا أَعِنّتَهَا» عن غير ابن إسحاق. قال ابن إسحاق: ثُمّ مَضَى النّاسُ، فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنْت يَتِيمًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِي حَجْرِهِ، فَخَرَجَ بِي فِي سَفَرِهِ ذلك مردفي على حقيبة رحله، فو الله إنّهُ لَيَسِيرُ لَيْلَةً إذْ سَمِعْته وَهُوَ يُنْشِدُ أبياته هذه: إذَا أَدّيْتِنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي ... مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الحساء قشأنك أَنْعُمٌ وَخَلّاكِ ذَمّ ... وَلَا أَرْجِعْ إلَى أَهْلِي ورائى وجاء المسلمون وغادرونى ... بأرض الشام مستنهى الثّوَاءِ وَرَدّك كُلّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ ... إلَى الرّحْمَنِ مُنْقَطِعَ الْإِخَاءِ هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ بَعْلٍ ... وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا رِوَاءُ فَلَمّا سَمِعْتُهُنّ مِنْهُ بَكَيْت. قَالَ: فَخَفَقَنِي بِالدّرّةِ، وَقَالَ: مَا عليك بالكع ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لقاء الروم

أَنْ يَرْزُقَنِي اللهُ شَهَادَةً وَتَرْجِعَ بَيْنَ شُعْبَتَيْ الرّحْلِ! قَالَ: ثُمّ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي بَعْضِ سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ يَرْتَجِزُ: يَا زَيْدُ زَيْدَ الْيَعْمَلَاتِ الذّبّلِ ... تَطَاوَلَ اللّيْلُ هديت فانزل [لقاء الروم] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَمَضَى النّاسُ، حَتّى إذَا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل، سن الروم وَالْعَرَبِ، بِقَرْيَةِ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا مَشَارِفُ، ثُمّ دَنَا الْعَدُوّ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مُؤْتَةُ، فَالْتَقَى النّاسُ عِنْدَهَا، فَتَعَبّأَ لَهُمْ الْمُسْلِمُونَ، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلًا من بنى عذرة، يقال له: قطبة ابن قَتَادَةَ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عُبَايَةُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ويقال عبادة بن مالك. [مقتل ابن حارثة] قال ابن إسحاق: ثم الْتَقَى النّاسُ وَاقْتَتَلُوا، فَقَاتَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِرَايَةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ. [إمَارَةُ جَعْفَرٍ وَمَقْتَلُهُ] ثُمّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بهاء حَتّى إذَا أَلْحَمَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ، فَعَقَرَهَا، ثُمّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ. فَكَانَ جَعْفَرٌ أَوّلَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَقَرَ فِي الْإِسْلَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

استشهاد جعفر وابن رواحة

وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ، قَالَ: حَدّثَنِي أَبِي الّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدُ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ قَالَ: وَاَللهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ، ثُمّ عَقَرَهَا ثُمّ قَاتَلَ حَتّى قُتِلَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا حَبّذَا الْجَنّةُ وَاقْتِرَابُهَا ... طَيّبَةً وَبَارِدًا شَرَابُهَا وَالرّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا ... كَافِرَةٌ بَعِيدَةٌ أَنْسَابُهَا عَلَيّ إذْ لَاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخَذَ اللّوَاءَ بِيَمِينِهِ فَقَطِعَتْ، فَأَخَذَهُ بِشِمَالِهِ فَقُطِعَتْ، فَاحْتَضَنَهُ بِعَضُدَيْهِ حَتّى قُتِلَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَأَثَابَهُ اللهُ بِذَلِكَ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنّةِ يَطِيرُ بِهِمَا حَيْثُ شَاءَ. وَيُقَالُ إنّ رَجُلًا مِنْ الرّومِ ضَرَبَهُ يَوْمَئِذٍ ضربة، فقطعه بنصفين [استشهاد جعفر وابن رواحة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ: حَدّثَنِي أَبِي الّذِي أَرْضَعَنِي، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: فَلَمّا قُتِلَ جَعْفَرٌ أَخَذَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ الرّايَةَ، ثُمّ تَقَدّمَ بِهَا، وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ، وَيَتَرَدّدُ بَعْضَ التّرَدّدِ، ثُمّ قَالَ: أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنّهْ ... لَتَنْزِلِنّ أَوْ لتكرهنّه ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عمل خالد

إنْ أَجْلَبَ النّاسُ وَشَدّوا الرّنّهْ ... مَالِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنّهْ قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنّهْ ... هَلْ أَنْتِ إلّا نُطْفَةٌ فِي شَنّهْ وَقَالَ أَيْضًا: يَا نَفْسُ إلّا تُقْتَلِي تَمُوتِي ... هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيَتْ وَمَا تَمَنّيْتِ فقد أعطيت ... إن تفعلى فعلهما هدبت يريد صاحبيه: زَيْدًا وَجَعْفَرًا؛ ثُمّ نَزَلَ. فَلَمّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عَمّ لَهُ بِعَرْقٍ مِنْ لَحْمٍ فَقَالَ: شُدّ بِهَذَا صُلْبَك، فَإِنّك قَدْ لَقِيت فِي أَيّامِك هَذِهِ مَا لَقِيت، فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ ثُمّ انْتَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً، ثُمّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النّاسِ، فَقَالَ: وَأَنْتَ فِي الدّنْيَا! ثُمّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فتقدّم، فقاتل حتى قتل. [عمل خالد] ثم أَخَذَ الرّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ، قَالُوا: أَنْتَ، قَالَ: مَا أَنَا بفاعل. فاصطلح الناس على خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلَمّا أَخَذَ الرّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ، وَحَاشَى بِهِمْ، ثُمّ انْحَازَ وَانْحِيزَ عَنْهُ، حَتّى انْصَرَفَ بِالنّاسِ. تَنَبّؤُ الرّسُولِ بِمَا حَدَثَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا أُصِيبَ الْقَوْمُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيما بَلَغَنِي: أَخَذَ الرّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا؛ ثُمّ أَخَذَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حزن الرسول على جعفر

جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا؛ قَالَ: ثُمّ صَمَتَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تَغَيّرَتْ وُجُوهُ الْأَنْصَارِ، وَظَنّوا أَنّهُ قَدْ كَانَ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ بَعْضُ مَا يَكْرَهُونَ، ثُمّ قَالَ: ثُمّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا؛ ثُمّ قَالَ: لَقَدْ رُفِعُوا إلَيّ فِي الْجَنّةِ، فِيمَا يَرَى النّائِمُ، عَلَى سُرُرٍ من مِنْ ذَهَبٍ، فَرَأَيْت فِي سَرِيرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا عَنْ سَرِيرَيْ صَاحِبَيْهِ، فَقُلْت: عَمّ هَذَا؟ فَقِيلَ لِي: مَضَيَا وَتَرَدّدَ عَبْدُ اللهِ بَعْضَ التّرَدّدِ، ثُمّ مَضَى. [حُزْنُ الرّسُولِ على جعفر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أُمّ عِيسَى الْخُزَاعِيّةِ، عَنْ أُمّ جَعْفَرِ بِنْتِ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ جَدّتِهَا أَسَمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: لَمّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وقد دَبَغْت أَرْبَعِينَ مَنًا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: أَرْبَعِينَ مَنِيئَةً- وَعَجَنْت عَجِينِي، وَغَسَلْت بَنِيّ وَدَهَنْتهمْ وَنَظّفْتهمْ. قَالَتْ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ، قَالَتْ: فَأَتَيْته بِهِمْ، فَتَشَمّمَهُمْ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْت: يَا رسول الله، بِأَبِي أَنْت وَأُمّي، مَا يُبْكِيك؟ أَبَلَغَك عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، أُصِيبُوا هَذَا الْيَوْمَ. قَالَتْ: فَقُمْت أَصِيحُ، وَاجْتَمَعَتْ إلَيّ النّسَاءُ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: لَا تُغْفِلُوا آلَ جَعْفَرٍ مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا فَإِنّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ. وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمّا أَتَى نَعْيُ جَعْفَرٍ عَرَفْنَا فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كاهنة حدس

صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحُزْنَ. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ النّسَاءَ عَنّيْنَنَا وَفَتَنّنَا، قَالَ: فَارْجِعْ إلَيْهِنّ فَأَسْكِتْهُنّ. قَالَتْ: فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ- قَالَ: تَقُولُ وَرُبّمَا ضَرّ التّكَلّفُ أَهْلَهُ- قَالَتْ: قَالَ: فَاذْهَبْ فَأَسْكِتْهُنّ، فَإِنْ أَبَيْنَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنّ التّرَابَ، قَالَتْ: وَقُلْت فِي نَفْسِي: أبعدك الله! فو الله مَا تَرَكْتَ نَفْسَك وَمَا أَنْتَ بِمُطِيعٍ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ: وَعَرَفْت أَنّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْثِيَ فِي أَفْوَاهِهِنّ التّرَابَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ الْعُذْرِيّ، الّذِي كَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ الْمُسْلِمِينَ، قَدْ حَمَلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ زَافِلَةَ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ: طَعَنْتُ ابن رافلة بْنِ الْإِرَا ... شِ بِرُمْحٍ مَضَى فِيهِ ثُمّ انْحَطَمْ ضَرَبْتُ عَلَى جِيدِهِ ضَرْبَةً ... فَمَالَ كَمَا مَالَ غُصْنُ السّلَمْ وَسُقْنَا نِسَاءَ بَنِي عَمّهِ ... غَدَاةَ رَقُوقَيْنَ سَوْقَ النّعَمْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «ابْنِ الْإِرَاشِ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. والبيت الثالث عن خَلّادِ بْنِ قُرّةَ؛ وَيُقَالُ: مَالِكُ بْنُ رَافِلَةَ: [كاهنة حدس] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَتْ كَاهِنَةٌ مِنْ حَدَسٍ حِينَ سَمِعَتْ بِجَيْشِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلًا، قَدْ قَالَتْ لِقَوْمِهَا مِنْ حَدَسٍ- وَقَوْمُهَا بَطْنٌ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو غَنْمٍ- أُنْذِرُكُمْ قَوْمًا خُزْرًا، يَنْظُرُونَ شَزْرًا، وَيَقُودُونَ الْخَيْلَ تَتْرَى، ويُهْرِيقُونَ دَمًا عَكْرًا. فَأَخَذُوا بِقَوْلِهَا، وَاعْتَزَلُوا مِنْ بَيْنِ لَخْمٍ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كيف تلقى الجيش؟!

فَلَمْ تَزَلْ بَعْدُ أَثْرَى حَدَسٍ. وَكَانَ الّذِينَ صَلَوْا الْحَرْبَ يَوْمَئِذٍ بَنُو ثَعْلَبَةَ، بَطْنٌ مِنْ حَدَسٍ، فَلَمْ يَزَالُوا قَلِيلًا بَعْدُ. فَلَمّا انْصَرَفَ خالد بالناس أقبل بهم قافلا. [كيف تلقى الجيش؟!] قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ: لَمّا دَنَوْا مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ تَلَقّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ، قَالَ: وَلَقِيَهُمْ الصّبْيَانُ يَشْتَدّونَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلٌ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى دَابّةٍ، فَقَالَ: خُذُوا الصّبْيَانَ فَاحْمِلُوهُمْ، وَأَعْطُونِي ابْنَ جَعْفَرٍ. فَأَتَى بِعَبْدِ اللهِ فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: وَجَعَلَ النّاسُ يَحْثُونَ عَلَى الْجَيْشِ التّرَابَ، وَيَقُولُونَ: يَا فُرّارُ، فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: لَيْسُوا بِالْفُرّارِ، وَلَكِنّهُمْ الْكُرّارُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ بَعْضِ آلِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: وَهُمْ أَخْوَالُهُ، عَنْ أُمّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ لِامْرَأَةِ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: مَالِي لَا أَرَى سَلَمَةَ يَحْضُرُ الصّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَتْ: وَاَللهِ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ، كُلّمَا خَرَجَ صَاحَ بِهِ النّاسُ يَا فُرّارُ، فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، حَتّى قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَمَا يَخْرُجُ. [شِعْرُ قَيْسٍ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ تَقَهْقُرِ خَالِدٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النّاسِ وَأَمْرِ خَالِدٍ وَمُخَاشَاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى بكاء قتلى مؤتة

بِالنّاسِ وَانْصِرَافِهِ بِهِمْ، قَيْسُ بْنُ الْمُسَحّرِ الْيَعْمَرِيّ، يعتذر مما صنع يومئذ وصنع الناس: فو الله لَا تَنْفَكّ نَفْسِي تَلُومُنِي ... عَلَى مَوْقِفِي وَالْخَيْلُ قَابِعَةٌ قُبْلُ وَقَفْتُ بِهَا لَا مُسْتَجِيرًا فَنَافِذًا ... وَلَا مَانِعًا مَنْ كَانَ حُمّ لَهُ الْقَتْلُ عَلَى أَنّنِي آسَيْتُ نَفْسِي بِخَالِدِ ... أَلَا خَالِدٌ فِي الْقَوْمِ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ وَجَاشَتْ إلَيّ النّفْسُ مِنْ نَحْوِ جَعْفَرٍ ... بِمُؤْتَةِ إذْ لَا يَنْفَعُ النّابِلَ النّبْلُ وَضَمّ إلَيْنَا حَجْزَتَيْهِمْ كِلَيْهِمَا ... مُهَاجِرَةٌ لَا مُشْرِكُونَ وَلَا عُزْلُ فَبَيّنَ قَيْسٌ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النّاسُ مِنْ ذَلِكَ فِي شِعْرِهِ، أَنّ الْقَوْمَ حَاجَزُوا وَكَرِهُوا الْمَوْتَ، وَحَقّقَ انْحِيَازَ خَالِدٍ بِمَنْ مَعَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَأَمّا الزّهْرِيّ فَقَالَ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْهُ: أَمّرَ المسلمون عليهم خالد ابن الْوَلِيدِ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَتّى قَفَلَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. [شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ قَتْلَى مُؤْتَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّا بُكِيَ بِهِ أَصْحَابُ مُؤْتَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قول حسّان بن ثابت: تَأَوّبَنِي لَيْلٌ بِيَثْرِبَ أَعْسَرُ ... وَهَمّ إذَا مَا نوّم الناس مسهر لذكرى حَبِيبٍ هَيّجَتْ لِي عَبْرَةً ... سَفُوحًا وَأَسْبَابُ الْبُكَاءِ التّذَكّرُ بَلَى، إنّ فِقْدَانَ الْحَبِيبِ بَلِيّةٌ ... وَكَمْ مِنْ كَرِيمٍ يُبْتَلَى ثُمّ يَصْبِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر كعب فى بكاء قتلى مؤتة

رأيت خيار المؤمنين تَوَارَدُوا ... شَعُوبَ وَخَلْفًا بَعْدَهُمْ يَتَأَخّرُ فَلَا يُبْعِدَنّ الله قتلى تتابعوا ... بمؤتة مِنْهُمْ ذُو الْجَنَاحَيْنِ جَعْفَرُ وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللهِ حِينَ تَتَابَعُوا ... جَمِيعًا وَأَسْبَابُ الْمَنِيّةِ تَخْطِرُ غَدَاةَ مَضَوْا بِالْمُؤْمِنِينَ يَقُودُهُمْ ... إلَى الْمَوْتِ مَيْمُونُ النّقِيبَةِ أَزْهَرُ أَغَرّ كَضَوْءِ الْبَدْرِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... أَبِيّ إذَا سِيمَ الظّلَامَةَ مِجْسَرُ فَطَاعَنَ حَتّى مَالَ غَيْرَ مُوَسّدٍ ... لِمُعْتَرَكٍ فِيهِ قَنًا مُتَكَسّرُ فَصَارَ مَعَ الْمُسْتَشْهَدِينَ ثَوَابَهُ ... جِنَانٌ وَمُلْتَفّ الْحَدَائِقِ أَخْضَرُ وَكُنّا نَرَى فِي جَعْفَرٍ مِنْ مُحَمّدٍ ... وَفَاءً وَأَمْرًا حَازِمًا حِينَ يَأْمُرُ فَمَا زَالَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... دَعَائِمُ عِزّ لَا يَزُلْنَ وَمَفْخَرُ هُمْ جَبَلُ الْإِسْلَامِ وَالنّاسُ حولهم ... رضام إلى طود يروق ويقهر بها ليل مِنْهُمْ جَعْفَرٌ وَابْنُ أُمّهِ ... عَلِيّ وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ الْمُتَخَيّرُ وَحَمْزَةُ وَالْعَبّاسُ مِنْهُمْ وَمِنْهُمْ ... عَقِيلٌ وَمَاءُ الْعُودِ مِنْ حَيْثُ يُعْصَرُ بِهِمْ تُفْرَجُ اللّأْوَاءُ فِي كُلّ مَأْزِقٍ ... عِمَاسٍ إذا ماضاق بِالنّاسِ مَصْدَرُ هُمْ أَوْلِيَاءُ اللهِ أَنْزَلَ حُكْمَهُ ... عَلَيْهِمْ، وَفِيهِمْ ذَا الْكِتَابُ الْمُطَهّرُ [شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ قَتْلَى مُؤْتَةَ] وَقَالَ كعب بن مالك: قام الْعُيُونُ وَدَمْعُ عَيْنِك يَهْمُلُ ... سَحّا كَمَا وَكَفَ الطّبَابُ الْمُخْضَلُ فِي لَيْلَةٍ وَرَدَتْ عَلَيّ هُمُومُهَا ... طورا أخنّ وتارة أتململ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى بكاء جعفر بن أبى طالب

وَاعْتَادَنِي حُزْنٌ فَبِتّ كَأَنّنِي ... بِبَنَاتِ نَعْشٍ وَالسّمَاكِ مُوَكّلُ وَكَأَنّمَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالْحَشَى ... مِمّا تَأَوّبَنِي شِهَابٌ مُدْخَلُ وَجْدًا عَلَى النّفَرِ الّذِينَ تَتَابَعُوا ... يوما بمؤتة أُسْنِدُوا لَمْ يُنْقَلُوا صَلّى الْإِلَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فِتْيَةٍ ... وَسَقَى عِظَامَهُمْ الْغَمَامُ الْمُسْبِلُ صَبَرُوا بِمُؤْتَة لِلْإِلَهِ نُفُوسَهُمْ ... حَذَرَ الرّدَى وَمَخَافَةً أَنْ يَنْكُلُوا فَمَضَوْا أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ كَأَنّهُمْ ... فُنُقٌ عَلَيْهِنّ الْحَدِيدُ الْمُرْفَلُ إذْ يَهْتَدُونَ بِجَعْفَرٍ وَلِوَائِهِ ... قُدّامَ أَوّلِهِمْ فَنِعْمَ الْأَوّلُ حَتّى تَفَرّجَتْ الصّفُوفُ وَجَعْفَرٌ ... حَيْثُ التقى وعث الصّفوف مجدّل فتغيّر القمر المنبر لِفَقْدِهِ ... وَالشّمْسُ قَدْ كَسَفَتْ وَكَادَتْ تَأْفِلُ قَرْمٌ عَلَا بُنْيَانُهُ مِنْ هَاشِمٍ ... فَرْعًا أَشَمّ وَسُؤْدُدًا مَا يُنْقَلُ قَوْمٌ بِهِمْ عَصَمَ الْإِلَهُ عِبَادَهُ ... وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْكِتَابُ الْمُنْزَلُ فَضَلُوا الْمَعَاشِرَ عِزّةً وَتَكَرّمًا ... وَتَغَمّدَتْ أَحْلَامُهُمْ مَنْ يَجْهَلُ لَا يُطْلِقُونَ إلَى السّفَاهِ حُبَاهُمْ ... وَيُرَى خَطِيبُهُمْ بِحَقّ يَفْصِلُ بِيضُ الْوُجُوهِ تُرَى بُطُونُ أَكُفّهِمْ ... تَنْدَى إذَا اعْتَذَرَ الزّمَانُ الْمُمْحِلُ وَبِهَدْيِهِمْ رَضِيَ الْإِلَهُ لِخَلْقِهِ ... وَبِجَدّهِمْ نُصِرَ النّبِيّ الْمُرْسَلُ [شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ] وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي جَعْفَرَ بن أبى طالب رضى الله عنه: وَلَقَدْ بَكَيْتُ وَعَزّ مُهْلَكُ جَعْفَرٍ ... حِبّ النّبِيّ عَلَى الْبَرِيّةِ كُلّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى بكاء ابن حارثة وابن رواحة

وَلَقَدْ جَزِعْت وَقُلْت حِينَ نُعِيتَ لِي ... مَنْ لِلْجِلَادِ لَدَى الْعُقَابِ وَظِلّهَا بِالْبِيضِ حِينَ تُسَلّ مِنْ أَغْمَادِهَا ... ضَرْبًا وَإِنْهَالِ الرّمَاحِ وَعَلّهَا بَعْدَ ابْنِ فَاطِمَةَ الْمُبَارَكِ جَعْفَرٍ ... خَيْرِ الْبَرِيّةِ كُلّهَا وأجلّها وزآ وأكرمها جميعا محتدا ... وأعزّها متظلّما وأذلّها لِلْحَقّ حِينَ يَنُوبُ غَيْرَ تَنَحّلٍ ... كَذِبًا، وَأَنْدَاهَا يدا، وأقلّها فحشا، وأكثرها إذا ما يحتدى ... فَضْلًا، وَأَبْذَلِهَا نَدَى، وَأَبَلّهَا بِالْعُرْفِ غَيْرَ مُحَمّدٍ لَا مِثْلُهُ ... حَيّ مِنْ احْيَاءِ الْبَرِيّةِ كُلّهَا [شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ ابْنِ حَارِثَةَ وَابْنِ رواحة] وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ مُؤْتَةَ يَبْكِي زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَبْدَ اللهِ ابن رواحة: عَيْنِ جُودِي بِدَمْعِك الْمَنْزُورِ ... وَاذْكُرِي فِي الرّخَاءِ أَهْلَ الْقُبُورِ وَاذْكُرِي مُؤْتَةً وَمَا كَانَ فِيهَا ... يَوْمَ رَاحُوا فِي وَقْعَةِ التّغْوِيرِ حِينَ رَاحُوا وغادروا ثمّ زيد ... نِعْمَ مَأْوَى الضّرِيكِ وَالْمَأْسُورِ حِبّ خَيْرِ الْأَنَامِ طُرّا جَمِيعًا ... سَيّدَ النّاسِ حُبّهُ فِي الصّدُورِ ذَاكُمْ أَحْمَدُ الّذِي لَا سِوَاهُ ... ذَاكَ حُزْنِي لَهُ مَعًا وَسُرُورِي إنّ زَيْدًا قَدْ كَانَ مِنّا بِأَمْرٍ ... لَيْسَ أَمْرَ الْمُكَذّبِ الْمَغْرُورِ ثُمّ جودى للخزر حىّ بدمع ... سيّدا كان نمّ غَيْرَ نَزُورِ قَدْ أَتَانَا مِنْ قَتْلِهِمْ مَا كفانا ... فبحزن كبيت؟؟؟ غير سرور ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شهداء مؤتة

وَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ: كَفَى حَزَنًا أَنّي رَجَعْتُ وَجَعْفَرٌ ... وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللهِ فِي رَمْسِ أَقْبُرْ قَضَوْا نَحْبَهُمْ لَمّا مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخُلّفْتُ لِلْبَلْوَى مَعَ الْمُتَغَبّرِ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ قُدّمُوا فَتَقَدّمُوا ... إلَى وَرْدِ مكروه من الموت أحمر [شُهَدَاءُ مُؤْتَةَ] وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ: مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وزيد ابن حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ: مَسْعُودُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ نَضْلَةَ. وَمِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ: وَهْبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ. وَمِنْ الْأَنْصَارِ ثُمّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَعَبّادُ بْنُ قَيْسٍ. ومن بني غنم بن مالك بن النجار: الْحَارِثُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أَسَافَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ. وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ: سُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِمّنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شهاب. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ: أَبُو كُلَيْبٍ وَجَابِرٌ، ابنا عمرو بن زيد بن عوف ابن مَبْذُولٍ، وَهُمَا لِأَبٍ وَأُمّ. وَمِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ أَفْصَى: عَمْرٌو وَعَامِرٌ، ابْنَا سَعْدِ بْنِ الحارث بن عبّاد ابن سَعْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَفْصَى. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أَبُو كلاب وجابر، ابنا عمرو. ـــــــــــــــــــــــــــــ عُمْرَةُ الْقَضِيّةِ وَيُرْوَى أَيْضًا: عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، وَيُقَالُ لَهَا: عُمْرَةُ الْقِصَاصِ، وَهَذَا الِاسْمُ أَوْلَى بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ الْبَقَرَةِ: 194 وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا نَزَلَتْ، فَهَذَا الِاسْمُ أَوْلَى بِهَا، وَسُمّيَتْ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، لِأَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاضَى قُرَيْشًا عَلَيْهَا، لَا لِأَنّهُ قَضَى الْعُمْرَةَ الّتِي صُدّ عَنْ الْبَيْتِ فِيهَا «1» ، فَإِنّهَا لَمْ تَكُ فَسَدَتْ بِصَدّهِمْ عَنْ الْبَيْتِ، بَلْ كَانَتْ عُمْرَةً تَامّةً متقبّلة، حتى إنهم حين حلقوا رؤسهم بِالْحِلّ احْتَمَلَتْهَا الرّيحُ فَأَلْقَتْهَا فِي الْحَرَمِ، فَهِيَ مَعْدُودَةٌ فِي عُمَرِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِيَ أَرْبَعٌ: عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَةُ الْقَضَاءِ، وعمرة الجعرّانة، والعمرة التى

_ (1) هذا هو الصواب، لأن الذين صدوا عن المسجد الحرام كانوا ألفا وأربعمائة، وهؤلاء لم يكونوا معه «ص» فى عمرة القضية، ولو كانت قضاء لم يتخلف منهم أحد. أما قصة الشعر التى سيقصها السهيلى. فهى من الطرائف لا الحقائق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَرَنَهَا مَعَ حَجّهِ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ، فَهُوَ أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ أَنّهُ كَانَ قَارِنًا فِي تِلْكَ الْحَجّةِ «1» وَكَانَتْ إحْدَى عُمَرِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي شَوّالٍ كَذَلِكَ رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ «2» ، وَأَكْثَرُ الرّوَايَاتِ أَنّهُنّ كُنّ كُلّهُنّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إلّا الّتِي قَرَنَ مَعَ حَجّهِ «3» ، كَذَلِكَ رَوَى الزّهْرِيّ، وَانْفَرَدَ مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ بِأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ قَارِنًا، وَأَنّ عُمَرَهُ كُنّ أَرْبَعًا بِعُمْرَةِ الْقِرَانِ. وَأَمّا حَجّاتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَقَدْ رَوَى التّرْمِذِيّ أَنّهُ حَجّ ثَلَاثَ حَجّاتٍ ثِنْتَيْنِ بِمَكّةَ، وَوَاحِدَةً بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ حَجّةُ الْوَدَاعِ «4» ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ إلّا حَجّةُ الْوَدَاعِ، وَإِنْ كَانَ حَجّ مَعَ النّاسِ إذْ كَانَ بِمَكّةَ كَمَا رَوَى التّرْمِذِيّ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحَجّ عَلَى سُنّةِ الْحَجّ، وَكَمَالِهِ، لأنه كان مغلوبا على

_ (1) كان قارنا لأنه «ص» جمع بين النسكين، وكان مفردا باعتبار اقتصاره على أحد الطوافين والسعيين. (2) هذا من رواية لمالك فى الموطأ أن رسول الله «ص» لم يعتمر إلا ثلاثا إحداهن فى شوال واثنتين فى ذى القعدة ولكنه مرسل، وهو غلط إما من هشام وإما من عروة. ورواه أبو داود مرفوعا عن عائشة. ولا يصح رفعه. ويدل على بطلانه قول عائشة وابن عباس وأنس: لم يعتمر رسول الله «ص» إلا فى ذى القعدة. (3) بل كانت أيضا فى ذى القعدة. لأن خروجه صلى الله عليه وسلم كان لست ليال بقين من ذى القعدة. (4) قال عنه الترمذى: حديث غريب. قال: وسألت محمدا يعنى: البخارى- عن هذا فلم يعرفه من حديث الثورى، وفى رواية: لا يعد هذا الحديث محفوظا، وليس له «ص» سوى حجة واحدة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَمْرِهِ، وَكَانَ الْحَجّ مَنْقُولًا عَنْ وَقْتِهِ، كَمَا تَقَدّمَ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ، فَقَدْ ذَكَرَ أَنّهُمْ كَانُوا يَنْقُلُونَهُ عَلَى حَسَبِ الشّهُورِ الشّمْسِيّةِ، وَيُؤَخّرُونَهُ فِي كُلّ سَنَةٍ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَذَا هُوَ الّذِي مَنَعَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَحُجّ مِنْ الْمَدِينَةِ، حَتّى كَانَتْ مَكّةُ دَارَ إسْلَامٍ، وَقَدْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَحُجّ مَقْفَلَهُ مِنْ تَبُوكَ، وَذَلِكَ بِإِثْرِ فَتْحِ مَكّةَ بِيَسِيرِ، ثُمّ ذَكَرَ أَنّ بَقَايَا الْمُشْرِكِينَ يَحُجّونَ، وَيَطُوفُونَ عُرَاةً فَأَخّرَ الْحَجّ، حَتّى نَبَذَ إلَى كُلّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، وَذَلِكَ فِي السّنَةِ التّاسِعَةِ، ثُمّ حَجّ فِي السّنَةِ الْعَاشِرَةِ بَعْدَ امّحَاءِ رُسُومِ الشّرْكِ، وَانْحِسَامِ سِيَرِ الْجَاهِلِيّةِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ: إنّ الزّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السماوات وَالْأَرْضَ. حُكْمُ الْعُمْرَةِ: وَالْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَر وَابْنِ عَبّاسٍ، وَقَالَ الشّعْبِيّ: لَيْسَتْ بِوَاجِبَةِ، وَذُكِرَ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ بِالرّفْعِ لَا يَعْطِفُهَا عَلَى الْحَجّ، وَقَالَ عَطَاءٌ: هِيَ وَاجِبَةٌ إلّا عَلَى أَهْلِ مَكّةَ، وَيَكْرَهُ مَالِكٌ أَنْ يَعْتَمِرَ الرّجُلُ فِي الْعَامِ مِرَارًا، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْإِبَاحَةِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيّ وَابْنِ عَبّاسٍ وَعَائِشَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ قَالُوا: يعتمر الرجل فى العام ما شاء «1» .

_ (1) حقق الإمام ابن القيم هذه المسألة، وانتهى إلى نتيجة هى أن المسلم يجوز له أن يعتمر فى العام ما شاء، فانظر ص 363 وما بعدها ح 1 زاد المعاد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَفْسِيرُ شِعْرِ عَمّارٍ: وَذَكَرَ قَوْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَهُوَ آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَلّوا بَنِي الْكُفّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ «1» وَيُرْوَى الْيَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي الضّرُورَةِ نَحْوَ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ: فَالْيَوْمَ أَشْرَبُ غَيْرَ مُسْتَحْقِبِ «2» وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا فِي الْكَلَامِ إذَا اتّصَلَ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَمْرٍو أَنّهُ كَانَ يَقْرَأُ يَأْمُرُكُمْ وَيَنْصُرْكُمْ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ الْأَخِيرَانِ هُمَا لِعَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، قَالَهُمَا يَوْمَ صِفّينَ، وَهُوَ الْيَوْمُ الّذِي قُتِلَ فِيهِ عَمّارٌ، قَتَلَهُ أَبُو الْغَادِيَةِ الْفَزَارِيّ وَابْنُ جَزْءٍ اشْتَرَكَا فِيهِ. حُكْمُ الزّوَاجِ لِلْمُحْرِمِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَزَوّجَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَيْمُونَةَ بِنْتِ

_ (1) يعنى: إنكار تنزيله. (2) رواية البيت فى اللسان هكذا: فاليوم أسقى غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحَارِثِ الْهِلَالِيّةِ، وَأُمّهَا هِنْدُ بِنْتُ عَوْفٍ الْكِنَانِيّةُ إلَى آخِرِ قِصّتِهَا، وَفِيهِ أَنّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى، قَالَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ: اُخْرُجْ عَنّا، وَقَدْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَبْتَنِيَ بِمَيْمُونَةَ فِي مَكّةَ، وَيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَقَالَ لَهُ حُوَيْطِبٌ: لَا حَاجَةَ لَنَا بِطَعَامِك فَاخْرُجْ عَنّا، فَقَالَ لَهُ سعد: يا عاضّا ببظر أمّه أأرضك وَأَرْضُ أُمّك؟ هِيَ دُونَهُ؟! فَأَسْكَتَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ وَفَاءً لَهُمْ بِشَرْطِهِمْ، وَابْتَنَى بِهَا بِسَرِفِ، وَبِسَرِفِ، كَانَتْ وَفَاتُهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا حِينَ مَاتَتْ، وَذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتّينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ سِتّ وَسِتّينَ، وَصَلّى عَلَيْهَا ابْنُ عَبّاسٍ، وَيَزِيدُ بْنُ الْأَصَمّ، وَكِلَاهُمَا ابْنُ أُخْتٍ لَهَا، وَيُقَالُ: فِيهَا نَزَلَتْ: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ الْأَحْزَابِ: 50 فِي أَحَدِ الأفوال، وَذَلِكَ أَنّ الْخَاطِبَ جَاءَهَا، وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا، فَقَالَتْ: الْبَعِيرُ وَمَا عَلَيْهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاخْتَلَفَ النّاسُ فِي تَزْوِيجِهِ إيّاهَا أَكَانَ مُحْرِمًا أَمْ حَلَالًا، فَرَوَى ابْنُ عَبّاسٍ أَنّهُ تَزَوّجَهَا مُحْرِمًا، وَاحْتَجّ بِهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ فِي تَجْوِيزِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وَخَالَفَهُمْ أَهْلُ الْحِجَازِ، وَاحْتَجّوا بِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ عَنْ أَنْ يُنْكِحَ الْمُحْرِمُ أَوْ يَنْكِحَ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِيهِ: أَوْ يَخْطُبَ «1» مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَعَارَضُوا حَدِيثَ ابن عبّاس بحديث يزيد ابن الْأَصَمّ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج ميمونة وهو حلال «2» وخرّج

_ (1) رواية مسلم عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله «ص» يقول: «لا ينكح المحرم، ولا ينكح ولا يخطب» وحديث ابن عباس فى الصحيحين والموطأ والسنن. (2) رواه مسلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدّارَقُطْنِيّ وَالتّرْمِذِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ حَلَالِ. وَرَوَى الدّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ تَزَوّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ كَرِوَايَةِ ابْنِ عَبّاسٍ. وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ مِنْ حَدِيثِ مَسْرُوقٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: تَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَيْمُونَةُ، فَنِكَاحُهَا أَرَادَتْ، وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَخَرّجَ الْبُخَارِيّ حَدِيثَ ابن عباس، ولم يعلله هُوَ، وَلَا غَيْرُهُ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ قَالَ، غَلِطَ ابْنُ عَبّاسٍ أَوْ قَالَ وَهِمَ، مَا تَزَوّجَهَا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلّا وَهُوَ حَلَالٌ، وَلَمّا أَجْمَعُوا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوّجَهَا مُحْرِمًا، وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُحَدّثِينَ غَيْرَ ذَلِكَ اسْتَغْرَبْت اسْتِغْرَابًا شَدِيدًا مَا رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ فِي السّنَنِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَسْوَدِ يَتِيمِ عُرْوَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ مَطَرٍ الْوَرّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ حَلَالٌ، فَهَذِهِ الرّوَايَةُ عَنْهُ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ، فَقِفْ عَلَيْهَا، فَإِنّهَا غَرِيبَةٌ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَقَدْ كَانَ مِنْ شُيُوخِنَا رَحِمَهُمْ اللهُ مَنْ يَتَأَوّلُ قَوْلَ ابْنِ عَبّاسٍ: تَزَوّجَهَا مُحْرِمًا، أَيْ: فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ، وَفِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَذَلِكَ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ رَجُلٌ عَرَبِيّ فَصِيحٌ، فَتَكَلّمَ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يُرِدْ الْإِحْرَامَ بِالْحَجّ، وَقَدْ قَالَ الشّاعِرُ: قَتَلُوا ابْنَ عَفّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا ... وَدَعَا فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَخْذُولَا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَلِكَ أَنّ قَتْلَهُ كَانَ فِي أَيّامِ التّشْرِيقِ «1» ، والله أعلم أأراد ذلك ابن عباس، أولا. غَزْوَةُ مُؤْتَةَ وَهِيَ مَهْمُوزَةُ الْوَاوِ، وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ مِنْ الشّامِ، وَأَمّا الْمُوتَةُ بِلَا هَمْزٍ، فَضَرْبٌ مِنْ الْجُنُونِ، وَفِي الْحَدِيثِ أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: أَعُوذُ بِاَللهِ مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ. وَفَسّرَهُ رَاوِي الحديث، فقال: نفثه: الشّعْرُ، وَنَفْخُهُ: الْكِبْرُ، وَهَمْزُهُ: الْمُوتَةُ. تَفْسِيرُ (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) : ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ قَوْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ حِينَ ذَكَرَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها مَرْيَمَ: 71: فَلَسْت أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصّدَرِ بَعْدَ الْوُرُودِ، وَقَدْ تَكَلّمَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا بِأَقْوَالِ، مِنْهَا أَنّ الْخِطَابَ مُتَوَجّهٌ إلَى الْكُفّارِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَاحْتَجّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ عَبّاسٍ: وَإِنْ مِنْهُمْ إلّا وَارِدُهَا «2» ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْوُرُودُ ههنا هو الإشراف عليها ومعاينتها،

_ (1) يقال: أحرم الرجل إذا عقد الإحرام، وأحرم: إذا دخل فى الشهر الحرام، وإن كان حلالا. (2) لا يصلح هذا القول، فالخطاب للانسان، بدليل قوله سبحانه (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَحَكَوْا عَنْ الْعَرَبِ: وَرَدْت الْمَاءَ، فَلَمْ أَشْرَبْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْوُرُودُ هَهُنَا هُوَ الْمُرُورُ عَلَى الصّرَاطِ، لِأَنّهُ عَلَى مَتْنِ جَهَنّمَ أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهَا، وَرُوِيَ أَنّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَجْمَعُ الْأَوّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِيهَا، ثُمّ يُنَادِي مُنَادٍ: خُذِي أَصْحَابَك وَدَعِي أَصْحَابِي، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْوُرُودُ أَنْ يأخذ العبد بخظّ مِنْهَا، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الدّنْيَا بِالْحُمّيّاتِ، فَإِنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الْحُمّى كِيرٌ مِنْ جَهَنّمَ، وَهُوَ حَظّ كُلّ مُؤْمِنٍ مِنْ النّارِ «1» . شَرْحُ شِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ: وَذَكَرَ شِعْرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَفِيهِ: تُقَرّ مِنْ «2» الْحَشِيشِ لَهَا الْعُكُومُ تُقَرّ: أَيْ يُجْمَعُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَالْعُكُومُ: جَمْعُ عِكْمٍ «3» وفيه: من الغبار لها بريم «4»

_ (1) أما نظم الآية فيؤكد الورود لكل بر وفاجر، غير أن آيات إنجاء المؤمنين منها، والقطع فى القرآن بأنهم لن يعذبوا فيها آيات كثيرة، ولهذا يجب أن نفهم فى الورود هنا أنه ليس دخولا فيها وهى تكاد تتميز من الغيظ، وإنما هو أشبه شىء بالإشراف عليها وشهودها والله أعلم. (2) هى فى السيرة: تغر. وفسرها الخشنى بقوله: أى تطم شيئا بعد شىء، وفى البداية لابن كثير: تعر بفتح التاء وضم العين. (3) فسرها الخشنى بأنها الجنوب. (4) فى السيرة: الْغُبَارِ لَهَا بَرِيمٌ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْبَرِيمُ: خَيْطٌ تَحْتَزِمُ بِهِ الْمَرْأَةُ، وَالْبَرِيمُ أَيْضًا: لَفِيفُ النّاسِ، وَأَخْلَاطُهُمْ، وَيُقَالُ: هُمْ بَرِيمَانِ، أَيْ لَوْنَانِ مُخْتَلِطَانِ. وَفِيهِ: أَقَامَتْ لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَعَانٍ قَالَ الشّيْخُ أَبُو بَحْرٍ: مُعَانُ بِضَمّ الْمِيمِ، وَجَدْته فِي الْأَصْلَيْنِ، وَأَصْلَحَهُ عَلَيْنَا الْقَاضِي- رَحِمَهُ اللهُ- حِينَ السّمَاعِ: مَعَانَ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ، وَذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ بِضَمّ الْمِيمِ، وَقَالَ: هُوَ اسْمُ جَبَلٍ، وَالْمَعَانُ أَيْضًا: حَيْثُ تُحْبَسُ الْخَيْلُ وَالرّكَابُ، وَيَجْتَمِعُ النّاسُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَمْعَنْت النّظَرَ، أَوْ مِنْ الْمَاءِ الْمَعِينِ، فَيَكُونُ وَزْنُهُ فَعَالًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَوْنِ، فَيَكُونُ وَزْنُهُ مَفْعَلًا، وَقَدْ جَنّسَ الْمَعَرّي بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، فَقَالَ: مَعَانٌ مِنْ أَحِبّتِنَا مَعَانُ ... تُجِيبُ الصّاهِلَاتِ بِهَا الْقِيَانِ «1» وَقَوْلُهُ: فَرَاضِيَةُ الْمَعِيشَةِ طلّقتها

_ (1) البيت من أول قصيدة له فى سقط الزند. ومعان الأولى موضع والآخرى: المنزل. تقول العرب: الكوفة معان منا أى منزل. والمعنى: إن هذا الموضع الذى يقال له معان: هو منزل أحبتنا ينزلون به، ولهم خيول تصهل، وقيان تغنى، وكأن المغنيات تجيب الخيل. ويقصد أنهم ملوك عندهم أداة الحرب، وأسباب الرفاهية. أنظر ص 54 من شرح التنوير على سقط الزند ط 1324 هـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْ: الْمَعِيشَةُ الْمَرْضِيّةُ، وَبَنَاهَا عَلَى فَاعِلَةٍ، لِأَنّ أَهْلَهَا رَاضُونَ، لِأَنّهَا فِي مَعْنَى صَالِحَةٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ طَرَفٌ مِنْ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَقَوْلُهُ: وَخَلَاك ذَمّ، أَيْ: فَارَقَك الذّمّ، فَلَسْت بِأَهْلِ لَهُ، وَقَدْ أَحْسَنَ فِي قَوْلِهِ: فَشَأْنُك أَنْعُمٌ وَخَلَاك ذَمّ بَعْدَ قَوْلِهِ: إذَا بَلَغَتْنِي «1» ، وَأَحْسَنَ أَيْضًا مَنْ اتّبَعَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، كَقَوْلِ أَبِي نُوَاسٍ: وَإِذَا الْمَطِيّ بِنَا بَلَغْنَ مُحَمّدًا ... فَظُهُورُهُنّ عَلَى الرّجَالِ حَرَامُ وَكَقَوْلِ الْآخَرِ: نجوت من حلّ ومن رحلة ... ياناق إنْ قَرّبْتنِي مِنْ قُثَمْ «2» وَقَدْ أَسَاءَ الشّمّاخُ حَيْثُ يَقُولُ: إذَا بَلّغْتنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي ... عَرَابَةَ فاشرقى بدم الوتين «3»

_ (1) فى السيرة: أديتنى. (2) البيت لداود بنى سلم التميمى يماح قثم بن العباس ومنها خمسة أبيات لى فى ذيل الأمالى للقالى ص 129 ط 2 ومنها: أصم عن قول الخنا سمعه ... وما عن الخير به صمم (3) يمدح عرابة بن أوس. وغرضه أنه لا يبالى لأن الممدوح يحمله ويعطيه. وانظر ص 219 سمط اللآلى ففيها الموازنة بين هذه الأبيات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيَذْكُرُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ هَانِئٍ أَنّهُ كَانَ يشنؤه إذا ذَكَرَ هَذَا الْبَيْتَ، وَذَكَرَ مُهَلْهِلُ بْنُ يَمُوتَ بْنِ الْمُزْرِعِ عَنْ أَبِي تَمّامٍ أَنّهُ قَالَ: كان الحسن يشنؤ الشّمّاخَ، وَأَنَا أَلْعَنُهُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ هَذَا. وَقَوْلُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغِفَارِيّةِ: بِئْسَ مَا جَزَيْتِيهَا «1» يَشُدّ الْغَرَضَ الْمُتَقَدّمَ، وَيَشْهَدُ لِصِحّتِهِ. وَقَوْلُهُ: مُسْتَنْهِي الثّوَاءِ: مُسْتَفْعِلٌ مِنْ النّهَايَةِ وَالِانْتِهَاءِ، أَيْ حَيْثُ انْتَهَى مَثْوَاهُ، وَمَنْ رَوَاهُ: مُشْتَهِيَ الثّوَاءِ، أَيْ لَا أُرِيدُ رُجُوعًا. وَقَوْلُهُ: حَذَوْنَاهَا مِنْ الصّوّانِ سِبْتًا «2» أَيْ حَذَوْنَاهَا نِعَالًا مِنْ حَدِيدٍ جَعَلَهُ سِبْتًا لَهَا «3» ، مَجَازًا. وَصَوّانٌ مِنْ الصّوْنِ، أَيْ: يَصُونَ حَوَافِرَهَا، أَوْ أَخْفَافَهَا، إنْ أَرَادَ الْإِبِلَ، فَهُوَ فَعّالٌ مِنْ الصّوْنِ، فَقَدْ كَانُوا يَحْذُونَهَا السّرِيحَ وَهُوَ جِلْدٌ يَصُونَ أَخْفَافَهَا، وَأَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالصّوّانِ يَبِيسَ الْأَرْضِ، أَيْ لَا سِبْتَ لَهُ إلّا ذَلِكَ، وَوَزْنُهُ فَعَلَانٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَخْلَةٌ خاوية أى يابسة، وأنشد أبو على:

_ (1) هاجرت الغفارية إليه من مكة على ناقة، فقالت: إنى نذرت إن بلغتنى إليك أن أنحرها. (2) عيب السهيلى أنه لا يرتب فى شرحه. فهو ينتقل من قصيدة إلى أخرى، ثم يعود إلى التى تركها. (3) السبت: النعال التى تصنع من الجلود المدبوغة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قدأو بيت كُلّ مَاءٍ فَهْيَ صَاوِيَةٌ ... [مَهْمَا تُصِبْ أُفُقًا مِنْ بَارِقٍ تَشِمُ] «1» وَيَشْهَدُ لِمَعْنَى الصّوّانِ هُنَا قول النابغة الذّبيانى: برى وَقْعُ الصّوّانِ حَدّ نُسُورِهَا ... [فَهُنّ لِطَافٌ كَالصّعَادِ الذّوَابِلِ] وَعَيْنُ الْفِعْلِ فِي صَوّانٍ وَلَامُهُ وَاوٌ، وَأَدْخَلَ صَاحِبُ الْعَيْنِ فِي بَابِ الصّادِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ هَذَا اللّفْظَ، فَقَالَ: صَوِيَ يَصْوِي: إذَا يَبِسَ، وَنَخْلَةٌ صَاوِيَةٌ، وَلَوْ كَانَ مِمّا لَامُهُ يَاءً، لَقِيلَ فِي صَوّانٍ صَيّانٍ، كَمَا قِيلَ طَيّانُ وَرَيّانُ، وَلَكِنْ لَمّا انْقَلَبَتْ الْوَاوُ يَاءً من أجل الكسرة تَوَهّمَ الْحَرْفَ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ وَقَوْلُ عَبْدِ اللهِ: هَلْ أَنْتَ إلّا نُطْفَةٌ فِي شَنّةِ النّطفة: القليل من الماء، والشّنة: السّقاء البال، فَيُوشِكُ أَنْ تُهْرَاقَ النّطْفَةُ، وَيَنْخَرِقَ السّقَاءُ، ضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا لِنَفْسِهِ فِي جَسَدِهِ. عَقْرُ جَعْفَرٍ فَرَسَهُ وَمَقْتَلُهُ: وَأَمّا عَقْرُ جَعْفَرٍ فَرَسَهُ، وَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَدَلّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ إذَا خِيفَ أَنْ يَأْخُذَهَا الْعَدُوّ، فَيُقَاتِلَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَدْخُلْ هَذَا فِي بَابِ النّهى عن تعذيب البهائم، وقعلها عَبَثًا. غَيْرَ أَنّ أَبَا دَاوُدَ خَرّجَ هَذَا الحديث،

_ (1) البيت لساعدة يصف بقر وحش. والنخلة الصاوية التى إذا عطشت ويبست وضمرت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَالَ: حَدّثَنَا النّفَيْلِيّ قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ عَبّادٍ يَعْنِي: يَحْيَى بْنَ عَبّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ حَدّثَنِي: أَبِي الّذِي أَرْضَعَنِي، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ غَزَاةِ مُؤْتَةَ، قَالَ: وَاَللهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ فَعَقَرَهَا، ثُمّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْقَوِيّ «1» ، وَقَدْ جاء فيه نهى كَثِيرٌ عَنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَعْفَرٍ: فَأَثَابَهُ اللهُ بِذَلِكَ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنّةِ يَطِيرُ بِهِمَا حَيْثُ شَاءَ. وَرَوَى عكرمة عن ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قال: دَخَلْت الْجَنّةَ الْبَارِحَةَ، فَرَأَيْت جَعْفَرًا يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَجَنَاحَاهُ مُضَرّجَانِ بِالدّمِ «2» . وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُثِلَ لِي جَعْفَرٌ وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي خَيْمَةٍ مِنْ دَرّ عَلَى أَسِرّةٍ، فَرَأَيْت زَيْدًا وَعَبْدَ اللهِ وَفِي أَعْنَاقِهِمَا صُدُودٌ، وَرَأَيْت جَعْفَرًا مُسْتَقِيمًا. فَقِيلَ لِي: إنّهُمَا حِينَ غَشِيَهُمَا الْمَوْتُ أَعْرَضَا بِوُجُوهِهِمَا، وَمَضَى جَعْفَرٌ، فَلَمْ يَعْرِضْ، وَسَمِعَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ حِينَ جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ تقول: واعمّاه،

_ (1) جزم الحافظ أنه حديث حسن. والأصح أن جعفر مات وقد استوفى أربعين سنة وزاد عليها، وجزم ابن عبد البر أن سنه كان إحدى وأربعين سنة. وفى رواية للبخارى أنهم وجدوا بجسمه بضعا وتسعين من طعنة برمح ورمية بسهم. (2) رواه الحاكم والطبرانى عن ابن عباس مرفوعا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَالَ: عَلَى مِثْلِ جَعْفَرٍ، فَلْتَبْكِ الْبَوَاكِي. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا احْتَذَى النّعَالَ، وَلَا رَكِبَ الْمَطَايَا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ جَعْفَرٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ: كُنْت إذَا سَأَلْت عَلِيّا حَاجَةً، فَمَنَعَنِي أُقْسِمُ عَلَيْهِ بِحَقّ جَعْفَرٍ فَيُعْطِينِي «1» . مَعْنَى الْجَنَاحَيْنِ: وَمِمّا يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فِي مَعْنَى الْجَنَاحَيْنِ أَنّهُمَا لَيْسَا كَمَا يَسْبِقُ إلَى الْوَهْمِ عَلَى مِثْلِ جَنَاحَيْ الطّائِرِ وَرِيشِهِ، لِأَنّ الصّورَةَ الْآدَمِيّةَ أَشْرَفُ الصّوَرِ، وَأَكْمَلُهَا، وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: إنّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ «2» تَشْرِيفٌ لَهُ عَظِيمٌ، وَحَاشَا لِلّهِ مِنْ التّشْبِيهِ وَالتّمْثِيلِ، وَلَكِنّهَا عِبَارَة عَنْ صِفَةٍ مَلَكِيّةٍ وَقُوّةٍ رُوحَانِيّةٍ، أُعْطِيَهَا جَعْفَرٌ كَمَا أُعْطِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ، وقد قال الله تعالى لموسى: اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ طَه: 23 فَعَبّرَ عَنْ الْعَضُدِ بِالْجَنَاحِ تَوَسّعًا، وَلَيْسَ ثَمّ طَيَرَانٌ، فَكَيْفَ بِمَنْ أُعْطِيَ الْقُوّةَ عَلَى الطّيَرَانِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ أَخْلِقْ بِهِ إذًا: أَنْ يُوصَفَ بِالْجَنَاحِ مَعَ كَمَالِ الصّورَةِ الْآدَمِيّةِ وَتَمَامِ الْجَوَارِحِ الْبَشَرِيّةِ، وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ لَيْسَتْ كَمَا يُتَوَهّمُ مِنْ أَجْنِحَةِ الطّيْرِ، وَلَكِنّهَا صِفَاتٌ مَلَكِيّةٌ لَا تُفْهَمُ إلّا بِالْمُعَايَنَةِ، وَاحْتَجّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَاطِرِ: 1 فَكَيْفَ تكون كأجنحة

_ (1) هذا دليل وضعه، فما كان لعلى أن يقبل من امرىء الحلف بغير الله!!. (2) مخرج فى الصحيحين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الطّيْرِ عَلَى هَذَا، وَلَمْ يُرَ طَائِرٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَجْنِحَةٍ، وَلَا أَرْبَعَةٌ، فَكَيْفَ بِسِتّمِائَةِ جَنَاحٍ، كَمَا جَاءَ فِي صِفَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَدَلّ عَلَى أَنّهَا صِفَاتٌ لَا تَنْضَبِطُ كَيْفِيّتُهَا لِلْفِكْرِ، وَلَا وَرَدَ أَيْضًا فِي بَيَانِهَا، خَبَرٌ، فَيَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِهَا «1» ، وَلَا يُفِيدُنَا عِلْمًا إعمال الفكر فى كيفيّتها، وكل امرىء قَرِيبٌ مِنْ مُعَايَنَةِ ذَلِكَ. فَإِمّا أَنْ يَكُونَ من الذين تتنزّل عليهم الملائكة أن لا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنّةِ الّتِي كُنْتُمْ توعدون، وَإِمّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الّذِينَ تَقُولُ لَهُمْ الملائكة، وهم باسطوا أَيْدِيَهُمْ: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ. فَضْلُ ابْنِ رَوَاحَةَ: وَأَمّا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا ذَكَرَ مِنْ فَضَائِلِهِ. وَذَكَرَ قَوْلَهُ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: فتبّت اللهُ مَا آتَاك مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى ونصرا كالذى نصروا

_ (1) لقد بين الله فى القرآن أنها أجنحة، فيجب علينا الإيمان بأنها أجنحة لكنها لا تشبه جناح الطيور، فكل شىء يناسب خلقه. ولا يجوز بحال تأويلها بأنها صفات، فهو قول على الله بغير علم. ولهذا رد الحافظ فى الفتح كلام السهيلى بقوله: «وهذا الذى جزم به فى مقام المنع، والذى نقله عن العلماء ليس صريحا فى الدلالة لما ادعاه، ولا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة ما ذكره من المعهود، وهو من قياس الغائب على الشاهد، وهو ضعيف، وكون الصورة البشرية أشرف الصور لا يمنع من حمل الخبر على ظاهره لأن الصورة باقية» ص 416 ح 7 فتح البارى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَرَوَى غَيْرُهُ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ لَهُ: قل شعرا تقتضبه اقتضابا، وأنا أنظر إليك، فَقَالَ مِنْ غَيْرِ رَوِيّةٍ: إنّي تَفَرّسْت فِيك الْخَيْرَ الْأَبْيَاتِ، حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ: فَثَبّتَ اللهُ مَا آتَاك مِنْ حَسَنٍ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنْتَ فَثَبّتَك اللهُ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ «1» فَضْلُ زَيْدٍ: وَأَمّا زَيْدٌ فَقَدْ تَقَدّمَ التّعْرِيفُ بِهِ وَبِجُمْلَةِ مِنْ فَضَائِلِهِ فِي أَحَادِيثِ الْمَبْعَثِ، وَحَسْبُك بِذِكْرِ اللهِ لَهُ بِاسْمِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَحَدٌ مِنْ الصّحَابَة بِاسْمِهِ سِوَاهُ، وَقَدْ بَيّنّا النّكْتَةَ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْأَعْلَامِ، فَلْيُنْظَرْ هُنَالِكَ. رُجُوعُ أَهْلِ مُؤْتَةَ: فَصْلٌ وَذَكَرَ رُجُوعَ أَهْلِ مُؤْتَة، وَمَا لَقَوْا مِنْ النّاسِ، إذْ قَالُوا لَهُمْ: يَا فُرّارُ، فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَرِوَايَةُ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّهُمْ قَالُوا لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْنُ الْفَرّارُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمْ الْكَرّارُونَ، وَقَالَ لَهُمْ: أَنَا فِئَتُكُمْ، يُرِيدُ: أَنّ مَنْ فرّ متحيّزا إلى فئة المسلمين «2» ،

_ (1) لم يسند قوله هذا. (2) رواه أبو داود والترمذى وابن ماجة، وقال الترمذى: حسن لا نعرفه إلا من حديث ابن أبى زياد، وفيه: لا، بل أنتم العكارون، أنا فئتكم، وأنا فئة المسلمين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَإِنّمَا جَاءَ الْوَعِيدُ فِيمَنْ فرّعن الْإِمَامِ، وَلَمْ يَتَحَيّزْ إلَيْهِ، أَيْ لَمْ يَلْجَأْ إلَى حَوْزَتِهِ، فَيَكُونُ مَعَهُ، فَالْمُتَحَيّزُ، مُتَفَيْعِلٌ مِنْ الْحَوْزِ، وَلَوْ كَانَ وَزْنُهُ مُتَفَعّلًا، كَمَا يَظُنّ بَعْضُ النّاسِ لَقِيلَ فِيهِ: مُتَحَوّزٌ. وَرُوِيَ أَنّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَيّامِ الْقَادِسِيّةِ، قَالَ: هَلّا تَحَيّزُوا إلَيْنَا، فَإِنّا فَيْئَةٌ لِكُلّ مُسْلِمٍ. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مُخَاشَاةَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِالنّاسِ يَوْمَ مُؤْتَة. وَالْمُخَاشَاةُ: الْمُحَاجَزَةُ، وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْخَشْيَةِ، لِأَنّهُ خَشِيَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِقِلّةِ عَدَدِهِمْ، فَقَدْ قِيلَ: كَانَ الْعَدُوّ مِائَتَيْ أَلْفٍ مِنْ الرّومِ، وَخَمْسِينَ أَلْفًا مِنْ الْعَرَبِ، وَمَعَهُمْ مِنْ الْخُيُولِ وَالسّلَاحِ مَا لَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْعَدُوّ مِائَةَ أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفًا، وَقَدْ قِيلَ: إنّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَبْلُغْ عَدَدُهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَمَنْ رَوَاهُ: حَاشَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، فَهُوَ مِنْ الْحَشَى، وَهِيَ النّاحِيَةُ، وَفِي رِوَايَةِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبُغَ عَنْ ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: حَاشَى بِهِمْ، فَقَالَ: مَعْنَاهُ: انْحَازَ بِهِمْ، وَشِعْرُ قُطْبَةَ بْنِ قَتَادَةَ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ قَدْ كَانَ ثَمّ ظَفَرٌ وَمَغْنَمٌ لِقَوْلِهِ: وَسُقْنَا نِسَاءَ بَنِي عَمّهِ ... غَدَاةَ رَقُوقَيْنَ سَوْقَ النّعَمْ وَفِي هَذَا الشّعْرِ أَنّهُ قَتَلَ رَئِيسًا مِنْهُمْ وَهُوَ مَالِكُ بْنُ رَافِلَةَ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ، فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخَذَ خَالِدٌ الرّايَةَ حَتّى فَتَحَ اللهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَخْبَرَ أَنّهُ قَدْ كَانَ ثَمّ فَتْحٌ، وَفِي الرّايَةِ الْأُخْرَى حِينَ قِيلَ لَهُمْ: يَا فُرّارُ، دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ قَدْ كَانَ ثَمّ مُحَاجَزَةٌ، وَتَرْكٌ لِلْقِتَالِ، حَتّى قَالُوا:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَحْنُ الْفَرّارُونَ، فَقَالَ لَهُمْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَقَدّمَ، فَاَللهُ أَعْلَمُ «1» . طَعَامُ التّعْزِيَةِ وَغَيْرِهَا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَنْ يُصْنَعَ لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامٌ، فَإِنّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ، وَهَذَا أَصْلٌ فِي طَعَامِ التّعْزِيَةِ وَتُسَمّيهِ الْعَرَبُ الْوَضِيمَةَ، كَمَا تُسَمّي طَعَامَ الْعُرْسِ الْوَلِيمَةَ، وَطَعَامَ الْقَادِمِ مِنْ السّفَرِ: النّقِيعَةَ، وَطَعَامَ الْبِنَاءِ الْوَكِيرَةَ، وَكَانَ الطّعَامُ الّذِي صُنِعَ لِآلِ جَعْفَرٍ فِيمَا ذَكَرَ الزّبَيْرُ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: فَعَمَدَتْ سَلْمَى

_ (1) عند الحاكم أن خالد قاتلهم، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وأصاب غنيمة، وفى صحيح البخارى عن خالد: لقد انقطعت فى يدى يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقى فى يدى إلا صفيحة يمانية. وعند أحمد ومسلم وأبى داود أن رجلا من أهل اليمن رافقه، فقتل روميا، وأخذ سلبه، فاستكثره خالد، فشكاه إلى رسول الله «ص» كل هذا يدل على أن خالدا قاتل بالمسلمين الروم قتالا شديدا. ورواية الصحيح: حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم، وهذا يؤكد النصر. ولهذا يقول ابن كثير عن رواية ابن إسحاق التى يقول فيها إن المسلمين جعلوا يحثون عليهم بالتراب ويقولون: يا فرار الخ يقول عنها: هذا مرسل من هذا الوجه، وفيه غرابة، وعندى أن ابن إسحاق قد وهم فى هذا السياق. فظن أن هذا الجمهور الجيش، وإنما كان للذين فروا حين التقى الجمعان، وأما بقيتهم، فلم يفروا، بل نصروا كما أخبر بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ المسلمين، وهو على المنبر فى قوله: ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه، فما كان المسلمون ليسمونهم فرارا بعد ذلك، وإنما تلقوهم إكراما وإعظاما، وإنما كان التأنيب، وحثى التراب للذين فروا وتركوهم هنالك، وقد كان فيهم عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ص 248 ح 4 البداية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَوْلَاةُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى شَعِيرٍ، فَطَحَنَتْهُ، ثُمّ آدَمَتْهُ بِزَيْتِ، وَجَعَلَتْ عَلَيْهِ فُلْفُلًا، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَأَكَلْت مِنْهُ، وَحَبَسَنِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ إخْوَتِي فِي بَيْتِهِ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ. مِنْ شِعْرِ حَسّانٍ فِي رِثَاءِ جَعْفَرٍ: وَذَكَرَ قَوْلَ حَسّانٍ يَرْثِي جَعْفَرًا: تَأَوّبَنِي لَيْلٌ بِيَثْرِبَ أَعْسَرُ أَعْسَرُ: بِمَعْنَى: عسر، وفى التّنزيل: يَوْمٌ عَسِرٌ، وفيه أيضا عَسِيرٌ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، فَمَنْ قَالَ: عَسِرَ [يَعْسَرُ] قَالَ: عَسِيرٌ بِالْيَاءِ، وَمَنْ قَالَ: عَسِرَ يَعْسَرُ، قَالَ فِي الِاسْمِ: عَسِرٌ وَأَعْسَرُ، مِثْلَ حَمِقٌ وَأَحْمَقُ. وَفِي هَذَا الشّعْرِ قَوْلُهُ: بَهَالِيلُ مِنْهُمْ: جَعْفَرٌ وَابْنُ أُمّهِ ... عَلِيّ وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ الْمُتَخَيّرُ الْبَهَالِيلُ: جَمْعُ بُهْلُولٍ، وَهُوَ الْوَضِيءُ الْوَجْهِ مَعَ طول. وقوله: منهم أَحْمَدُ الْمُتَخَيّرُ، فَدَعَا بِهِ بَعْضُ النّاسِ لَمّا أَضَافَ أَحْمَدَ الْمُتَخَيّرَ إلَيْهِمْ، وَلَيْسَ بِعَيْبِ؛ لِأَنّهَا لَيْسَتْ بِإِضَافَةِ تَعْرِيفٍ، وَإِنّمَا هُوَ تَشْرِيفٌ لَهُمْ حَيْثُ كَانَ مِنْهُمْ، وَإِنّمَا ظَهَرَ الْعَيْبُ فِي قَوْلِ أَبِي نُوَاسٍ: كَيْفَ لَا يُدْنِيك مِنْ أَمَلٍ ... مَنْ رَسُولُ اللهِ مِنْ نفره لأنه ذكر واحدا، وَأَضَافَ إلَيْهِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا عِيبَ عَلَى الأعشى:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شَتّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا ... وَيَوْمُ حَيّانَ أَخِي جَابِرِ وَكَانَ حَيّانُ أَسَنّ مِنْ جَابِرٍ، وَأَشْرَفَ، فَغَضِبَ عَلَى الْأَعْشَى حَيْثُ عَرّفَهُ بِجَابِرِ، وَاعْتَذَرَ إلَيْهِ مِنْ أَجْلِ الرّوِيّ، فَلَمْ يَقْبَلْ عُذْرَهُ، وَوَجَدْت فِي رِسَالَةِ الْمُهَلْهَلِ بْنِ يَمُوتَ بْنِ الْمُزْرِعِ، قَالَ: قَالَ عَلِيّ بْنُ الْأَصْفَرِ، وَكَانَ مِنْ رُوَاةِ أَبِي نُوَاسٍ قَالَ: لَمّا عمل أَبُو نُوَاسٍ: أيها المنتاب عن عُفُرِهِ أَنْشَدَنِيهَا فَلَمّا بَلَغَ قَوْلَهُ: كَيْفَ لَا يُدْنِيك مِنْ أَمَلٍ ... مَنْ رَسُولُ اللهِ مِنْ نَفَرِهِ وَقَعَ لِي أَنّهُ كَلَامٌ مُسْتَهْجَنٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، إذْ كَانَ حَقّ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ، وَلَا يُضَافَ إلَى أَحَدٍ، فَقُلْت لَهُ: أَعَرَفْت عَيْبَ هَذَا الْبَيْتِ؟ قَالَ: مَا يَعِيبُهُ إلّا جَاهِلٌ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وَإِنّمَا أَرَدْت أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْقَبِيلِ الّذِي هَذَا الْمَمْدُوحُ مِنْهُ، أَمَا سَمِعْت قَوْلَ حَسّانِ بْنِ ثَابِتِ شَاعِرِ دِينِ الْإِسْلَامِ: وَمَا زَالَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... دَعَائِمُ عز لا ترام وَمَفْخَرُ بَهَالِيلُ مِنْهُمْ جَعْفَرٌ وَابْنُ أُمّهِ ... عَلِيّ وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ الْمُتَخَيّرُ وَقَوْلُهُ: بِهِمْ تُفْرَجُ اللّأْوَاءُ فِي كُلّ مَأْزِقٍ* عِمَاسٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَأْزِقُ: الْمَضِيقُ مِنْ مَضَائِقِ الْحَرْبِ وَالْخُصُومَةِ، وَهُوَ مِنْ أَزَقْت الشّيْءَ إذَا ضَيّقْته «1» ، وَفِي قِصّةِ ذِي الرّمّةِ قَالَ: سَمِعْت غُلَامًا يَقُولُ لِغِلْمَةِ، قَدْ أَزَقْتُمْ هَذِهِ الْأُوقَةَ حَتّى جَعَلْتُمُوهَا كَالْمِيمِ، ثم أدخل منجمه «2» ، يعنى: عقبة فيها، فنجنجه، حَتّى أَفْهَقَهَا، أَيْ حَرّكَهُ حَتّى وَسّعَهَا. وَالْعِمَاسُ: الْمُظْلِمُ، وَالْأَعْمَسُ: الضّعِيفُ الْبَصَرُ، وَحُفْرَةٌ معمسة، أي مغطّاة، قَالَ الشّاعِرُ: فَإِنّك قَدْ غَطّيْت أَرْجَاءَ هُوّةٍ ... مُعَمّسَةٍ لَا يُسْتَبَانُ تُرَابُهَا بِثَوْبِك فِي الظّلْمَاءِ، ثُمّ دَعَوْتنِي ... فَجِئْت إلَيْهَا سَادِرًا لَا أَهَابُهَا أنشده ابن الأنبارىّ فى خبر لِزُرَارَةَ بْنِ عُدُسٍ. حَوْلُ شِعْرِ كَعْبٍ: وَذَكَرَ شِعْرَ كَعْبٍ وَفِيهِ: سَحّا كَمَا وَكَفَ الطّبَابُ الْمُخْضِلُ الطّبَابُ: جَمْعُ طِبَابَةٍ، وَهِيَ سَيْرٌ بَيْنَ خَرَزَتَيْنِ فِي الْمَزَادَةِ، فَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُحْكَمٍ وَكَفَ مِنْهُ الْمَاءُ، وَالطّبَابُ أَيْضًا: جَمْعُ طَبّةٍ، وَهِيَ شِقّةٌ مُسْتَطِيلَةٌ. وَقَوْلُهُ: طَوْرًا أَخِنّ. الْخَنِينُ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ حَنِينٌ بِبُكَاءِ، فَإِذَا كَانَ بِالْحَاءِ المهملة، فليس معه بكاء ولا دمع.

_ (1) فى القاموس: أزق صدره كفرح وضرب، ضاق أو تضايق فى الحرب كتأزق، ولم يذكر اللسان غير أزق كفرح. (2) هى على وزن منبر ومجلس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستسقاء لِلْقُبُورِ عِنْدَ الْعَرَبِ: وَقَوْلُهُ: وَسَقَى عِظَامَهُمْ الْغَمَامُ الْمُسْبِلُ. يَرُدّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنّمَا اسْتَسْقَتْ الْعَرَبُ لِقُبُورِ أَحِبّتِهَا لِتَخْصَبَ أَرْضُهَا فَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى الِانْتِقَالِ عَنْهَا لِمَطْلَبِ النّجْعَةِ فِي الْبِلَادِ. وَقَالَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ: فَهَذَا كَعْبٌ يَسْتَسْقِي لِعِظَامِ الشّهَدَاءِ بِمُؤْتَة، وَلَيْسَ مَعَهُمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ: سَقَى مُطْغِيَاتِ الْمَحْلِ جُودًا وديمة ... عظام ابن ليلى حيث كان رميمها فَقَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ رَمِيمُهَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ لَيْسَ مُقِيمًا مَعَهُ، وَإِنّمَا اسْتِسْقَاؤُهُمْ لِأَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِرْحَامٌ لَهُمْ، لِأَنّ السّقْيَ رَحْمَةٌ، وَضِدّهَا عَذَابٌ. وَقَوْلُهُ: كَأَنّهُمْ فُنُقٌ، جَمْعُ: فَنِيقٍ، وَهُوَ الْفَحْلُ، كَمَا قَالَ الْآخَرُ، وَهُوَ طُخَيْمٌ: مَعِي كُلّ فَضْفَاضِ الرّدَاءِ كَأَنّهُ ... إذَا مَا سَرَتْ فِيهِ الْمُدَامُ فَنِيقُ وَقَوْلُهُ: فَتَغَيّرَ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ لِفَقْدِهِ ... وَالشّمْسُ قَدْ كَسَفَتْ وَكَادَتْ تَأْفِلُ قَوْلُهُ حَقّ، لأنه إن كان عنى بِالْقَمَرِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَهُ قَمَرًا، ثُمّ جَعَلَهُ شَمْسًا، فَقَدْ كَانَ تَغَيّرَ بِالْحُزْنِ لِفَقْدِ جَعْفَرٍ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْقَمَرَ نَفْسَهُ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ وَمَغْزَاهُ حَقّ أَيْضًا، لِأَنّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ تَعْظِيمُ الْحُزْنِ وَالْمُصَابِ، وَإِذَا فُهِمَ مَغْزَى الشّاعِرِ فِي كَلَامِهِ، وَالْمُبَالِغُ فِي الشّيْءِ فَلَيْسَ بِكَذِبِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَمّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، أَرَادَ بِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي شِدّةِ أَدَبِهِ لِأَهْلِهِ، فَكَلَامُهُ كُلّهُ حَقّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي مِثْلِ قَوْلِ الشّاعِرِ [طُفَيْلٍ الْغَنَوِيّ] : إذَا مَا غَضِبْنَا غَضْبَةً مُضَرِيّةً ... هَتَكْنَا حِجَابَ الشّمْسِ، أَوْ قَطَرَتْ دَمًا «1» قَالَ: إنّمَا أَرَادَ فَعَلْنَا فِعْلَةً شَنِيعَةً عَظِيمَةً، فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِهَتْكِ حِجَابِ الشّمْسِ، وَفُهِمَ مَقْصِدُهُ، فَلَمْ يَكُنْ كَذِبًا، وَإِنّمَا الْكَذِبُ أَنْ يَقُولَ: فَعَلْنَا، وَهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا، وَقَتَلْنَا وَهُمْ لَمْ يَقْتُلُوا. مِنْ شِعْرِ حَسّانٍ فِي رِثَاءِ جَعْفَرٍ: وَذَكَرَ أَبْيَاتِ حَسّانٍ، وَفِي بَعْضِهَا تَضْمِينٌ، نَحْوَ قَوْلِهِ: وَأَذَلّهَا، ثُمّ قَالَ فِي أَوّلِ بَيْتٍ آخَرَ: لِلْحَقّ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي بَيْتٍ آخَرَ: وَأَقَلّهَا، وَقَالَ فِي الّذِي بَعْدَهُ: فُحْشًا، وَهَذَا يُسَمّى التّضْمِينُ. وَذَكَرَ قُدَامَةُ فِي كِتَابِ نَقْدِ الشّعْرِ أَنّهُ عَيْبٌ عِنْدَ الشّعَرَاءِ، وَلَعَمْرِي إنّ فِيهِ مَقَالًا، لِأَنّ آخِرَ الْبَيْتِ يُوقَفُ عَلَيْهِ، فَيُوهِمُ الذّمّ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: وَأَذَلّهَا، وَكَذَلِكَ، وَأَقَلّهَا، وَقَدْ غَلَبَ الزّبْرِقَانُ عَلَى الْمُخَبّلِ السّعْدِيّ «2» ، وَاسْمُهُ: كَعْبٌ بِكَلِمَةِ قَالَهَا الْمُخَبّلُ أَشْعَرَ مِنْهُ، وَلَكِنّهُ لَمّا قال يهجوه:

_ (1) فى رواية: مطرت، وهى أليق. (2) هو ربيعة بن مالك بن ربيعة بن عوف بن قتال بن أنف الناقة الحمجى. هذا قول محمد بن حبيب. وقال ابن الكلبى: الربيع بن ربيعة بن عوف. وقال ابن رآب: اسمه: كعب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَبُوك بَدْرٌ كَانَ يَنْتَهِزُ الْخُصْيَ ... وَأَبِي الْجَوَادُ رَبِيعَةُ بْنِ قِتَالِ «1» وَصَلَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ: وَأَبِي، وَأَدْرَكَهُ بُهْرٌ أَوْ سُعْلَةٌ، فَقَالَ لَهُ الزّبْرِقَانُ: فَلَا بَأْسَ إذًا، فَضُحِكَ مِنْ الْمُخَبّلِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ الزّبْرِقَانُ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعِيبًا فِي وَسَطِ الْبَيْتِ، فَأَحْرَى أَنْ يُعَابَ فِي آخِرِهِ، إذَا كَانَ يُوهِمُ الذّمّ، وَلَا يَنْدَفِعُ ذَلِكَ الْوَهْمُ إلّا بِالْبَيْتِ الثّانِي، فَلَيْسَ هَذَا مِنْ التّحْصِينِ عَلَى الْمَعَانِي وَالتّوَقّي لِلِاعْتِرَاضِ «2» . وَقَوْلُ حَسّانٍ: عَيْنِ جُودِي بِدَمْعِك الْمَنْزُورِ النّزْرُ: الْقَلِيلُ، وَلَا يَحْسُنُ هَهُنَا ذِكْرُ الْقَلِيلِ، وَلَكِنّهُ مَنْ نَزَرْت الرّجل إذا ألححت عَلَيْهِ، وَنَزَرْت الشّيْءَ إذَا اسْتَنْفَدْته، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ- رَحِمَهُ اللهُ- نَزَرْت رَسُولَ اللهِ- صَلَّى الله عليه وسلم «3» - الأصح فيه التّخفيف،

_ (1) فى الأصل: قنال وصوابه ما أثبت. (2) المضمن من الشعر ما ضمنته بيتا، وقيل ما لم تتم معانى قوافيه إلا بالبيت الذى يليه. ولا يعيب الأخفش هذا، وقال ابن جنى: هذا الذى رآه أبو الحسن من أن التضمين ليس بعيب مذهب تراه العرب، وتستجيزه وانظر اللسان مادة ضمن ففيه المزيد. (3) لأنه كان قد سأل رسول الله عن شىء مرارا فلم يجبه، فقال لنفسه: ثكلتك أمك يا عمر: نَزَرْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرارا لا يجيبك. أى ألححت عليه فى المسألة.

ذكر الأسباب الموجبة المسير إلى مكة وذكر فتح مكة فى شهر رمضان سنة ثمان

[ذِكْرُ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ الْمَسِيرَ إلَى مَكّةَ وَذِكْرُ فَتْحِ مَكّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ بَعْثِهِ إلَى مؤتة جمادى الآخرة ورجبا. ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ الشّاعِرُ: فَخُذْ عَفْوَ مَنْ تَهْوَاهُ لَا تنزرنّه ... فعند بلوغ الكدرنق الْمَشَارِبَ «1» وَقَوْلُهُ: يَوْمَ رَاحُوا فِي وَقْعَةِ التّغْوِيرِ، هُوَ مَصْدَرُ غَوّرْت إذَا تَوَسّطَ الْقَائِلَةَ مِنْ النّهَارِ، وَيُقَالُ أَيْضًا: أَغْوَرُ فَهُوَ مُغْوِرٌ، وَفِي حَدِيثِ الْإِفْكِ: مُغْوِرِينَ فِي نَحْرِ الظّهِيرَةِ، وَإِنّمَا صَحّتْ الْوَاوُ فِي مُغْوِرٍ، وَفِي أَغْوَرَ مِنْ هَذَا، لِأَنّ الْفِعْلَ بُنِيَ فِيهِ عَلَى الزّوَائِدِ، كما يا بنى اسْتَحْوَذَ، وَأُغِيلَتْ الْمَرْأَةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَغَارَ عَلَى الْعَدُوّ، وَلَا أَغَارَ الْحَبْلَ. وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ بِمُؤْتَة أَبَا كُلَيْبِ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فِيهِ أَبُو كِلَابٍ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا يُعْرَفُ فِي الصحابة أحد يقال له أبو كليب «2» .

_ (1) هو فى اللسان وشطرته الأول هكذا: «فخذ عفو ما آتاك لا تنزرنه» . (2) يقول الحافظ فى الإصابة: يحتمل أن يكون أراد هذا. يعنى أبا كليب بن عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول الأنصارى أخا جابر شقيقه، ويحتمل أن يكون جد عاصم بن كليب فإن لعاصم رواية عن أبيه عن جده.

ثُمّ إنّ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ عَدَتْ عَلَى خُزَاعَةَ، وَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ بِأَسْفَلِ مَكّةَ يُقَالُ لَهُ: الْوَتِيرُ، وَكَانَ الّذِي هَاجَ مَا بَيْنَ بَنِي بَكْرٍ وَخُزَاعَةَ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْحَضْرَمِيّ، وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ عَبّادٍ- وَحِلْفُ الْحَضْرَمِيّ يَوْمَئِذٍ إلَى الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ- خَرَجَ تَاجِرًا، فَلَمّا تَوَسّطَ أَرْضَ خُزَاعَةَ، عَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا مَالَهُ، فَعَدَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ فَقَتَلُوهُ، فَعَدَتْ خُزَاعَةُ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ عَلَى بَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ الدّيلِيّ- وَهُمْ مَنْخَرُ بَنِي كِنَانَةَ وَأَشْرَافُهُمْ- سَلْمَى وَكُلْثُومٌ وَذُؤَيْبٌ- فَقَتَلُوهُمْ بِعَرَفَةَ عِنْدَ أَنْصَابِ الْحَرَمِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي الدّيلِ، قَالَ: كَانَ بَنُو الأسود ابن رَزْنٍ يُودَوْنَ فِي الْجَاهِلِيّةِ دِيَتَيْنِ دِيَتَيْنِ، وَنُودَى دية دية، لفضلهم فينا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَيْنَا بَنُو بَكْرٍ وَخُزَاعَةُ عَلَى ذَلِكَ حَجَزَ بَيْنَهُمْ الْإِسْلَامُ، وَتَشَاغَلَ النّاسُ بِهِ. فَلَمّا كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، كَانَ فِيمَا شَرَطُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَرَطَ لَهُمْ، كَمَا حَدّثَنِي الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا: أَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ. فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا كَانَتْ الْهُدْنَةُ اغْتَنَمَهَا بَنُو الدّيلِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ مِنْ خُزَاعَةَ، وَأَرَادُوا أَنْ يُصِيبُوا مِنْهُمْ ثَأْرًا بِأُولَئِكَ النّفَرِ الّذِينَ أَصَابُوا مِنْهُمْ بِبَنِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر تميم فى الاعتذار من فراره عن منبه

الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ، فَخَرَجَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ فِي بَنِي الدّيلِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَائِدُهُمْ، وَلَيْسَ كُلّ بَنِي بَكْرٍ تَابَعَهُ حَتّى بَيّتَ خُزَاعَةَ وَهُمْ عَلَى الْوَتِيرِ، مَاءٌ لَهُمْ، فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رَجُلًا، وَتَحَاوَزُوا وَاقْتَتَلُوا، وَرَفَدَتْ بَنِي بَكْرٍ قُرَيْشٌ بِالسّلَاحِ، وَقَاتَلَ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْ قَاتَلَ بِاللّيْلِ مُسْتَخْفِيًا، حَتّى حَازُوا خُزَاعَةَ إلَى الْحَرَمِ، فَلَمّا انْتَهَوْا إلَيْهِ، قَالَتْ بَنُو بَكْرٍ: يَا نَوْفَلُ، إنّا قَدْ دَخَلْنَا الْحَرَمَ، إلَهَكَ إلَهَكَ، فَقَالَ: كَلِمَةً عَظِيمَةً، لَا إلَهَ لَهُ الْيَوْمَ، يَا بَنِي بَكْرٍ أَصِيبُوا ثَأْرَكُمْ، فَلَعَمْرِي إنّكُمْ لَتَسْرِقُونَ، فِي الْحَرَمِ، أَفَلَا تُصِيبُونَ ثَأْرَكُمْ فِيهِ؛ وَقَدْ أَصَابُوا مِنْهُمْ لَيْلَةَ بَيّتُوهُمْ بِالْوَتِيرِ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مُنَبّهٌ، وَكَانَ مُنَبّهٌ رَجُلًا مَفْئُودًا خَرَجَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ تَمِيمُ بْنُ أَسَدٍ، وَقَالَ لَهُ مُنَبّهٌ: يا تميم، انج بنفسك، فأما أنا فو الله إنّي لَمَيّتٌ، قَتَلُونِي أَوْ تَرَكُونِي لَقَدْ انْبَتّ فؤادى، وانطلق تميم فأقلت، وأدركوا منبّها فقتلوه، فلما دخلت خزاعة مكة، لجئوا إلى دار بديل ابن وَرْقَاءَ، وَدَارِ مَوْلَى لَهُمْ يُقَالُ لَهُ رَافِعٌ؛ فَقَالَ تَمِيمُ بْنُ أَسَدٍ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ عَنْ مُنَبّهٍ: [شِعْرُ تَمِيمٍ فِي الِاعْتِذَارِ مِنْ فِرَارِهِ عَنْ مُنَبّهٍ] لَمّا رَأَيْتُ بَنِي نُفَاثَةَ أَقْبَلُوا ... يَغْشَوْنَ كُلّ وَتِيرَةٍ وَحِجَابِ صَخْرًا وَرَزْنًا لَا عَرِيبَ سِوَاهُمْ ... يُزْجُونَ كُلّ مُقَلّصٍ خنّاب ودكرت ذَحْلًا عِنْدَنَا مُتَقَادِمًا ... فِيمَا مَضَى مِنْ سَالِفِ الْأَحْقَابِ ونَشَيْتُ رِيحَ الْمَوْتِ مِنْ تِلْقَائِهِمْ ... وَرَهِبْتُ وَقْعَ مُهَنّدٍ قَضّابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر الأخزر فى الحرب بين كنانة وخزاعة

وَعَرَفْت أَنْ مَنْ يَثْقَفُوهُ يَتْرُكُوا ... لَحْمًا لِمُجْرِيَةٍ وَشِلْوَ غُرَابِ قَوّمْتُ رِجْلًا لَا أَخَافُ عِثَارَهَا ... وَطَرَحْت بِالْمَتْنِ الْعَرَاءِ ثِيَابِي وَنَجَوْتُ لَا يَنْجُو نَجَائِي أحْقَبٌ ... عِلْجٌ أَقَبّ مُشَمّرُ الْأَقْرَابِ تَلْحَى وَلَوْ شَهِدَتْ لَكَانَ نَكِيرُهَا ... بَوْلًا يَبُلّ مَشَافِرَ الْقَبْقَابِ الْقَوْمُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ مُنَبّهًا ... عَنْ طيب نفس فاسألى أصحابى قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِحَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ (الْأَعْلَمِ) الْهُذَلِيّ. وَبَيْتُهُ: «وَذَكَرْت ذَحْلًا عِنْدَنَا مُتَقَادِمًا» عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَقَوْلُهُ «خَنّابِ» وَ «عِلْجٌ أَقَبّ مُشَمّرُ الْأَقْرَابِ» عنه أيضا. [شِعْرُ الْأَخْزَرِ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْأَخْزَرُ بْنُ لُعْطٍ الدّيلِيّ، فِيمَا كَانَ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ فِي تلك الحرب: ألاهل أَتَى قُصْوَى الْأَحَابِيشِ أَنّنَا ... رَدَدْنَا بَنِي كَعْبٍ بِأَفْوَقِ نَاصِلِ حَبَسْنَاهُمْ فِي دَارَةِ الْعَبْدِ رَافِعٍ ... وَعِنْدَ بُدَيْلٍ مَحْبِسًا غَيْرَ طَائِلِ بِدَارِ الذّلِيلِ الْآخِذِ الضّيْمِ بَعْدَمَا ... شَفَيْنَا النّفُوسَ مِنْهُمْ بِالْمَنَاصِلِ حَبَسْنَاهُمْ حَتّى إذَا طَالَ يَوْمُهُمْ ... نَفَحْنَا لَهُمْ مِنْ كُلّ شِعْبٍ بِوَابِلِ نُذَبّحْهُمُ ذَبْحَ التّيُوسِ كَأَنّنَا ... أَسُودٌ تَبَارَى فِيهِمْ بِالْقَوَاصِلِ هُمْ ظَلَمُونَا واعَتَدَوْا فِي مَسِيرِهِمْ ... وَكَانُوا لَدَى الْأَنْصَابِ أَوّلَ قاتل كأنهم بالجزع إذ يطردونهم ... قفاثور حفّان النعام الجوافل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بديل يرد على الأخزر

[بديل يرد على الأخزر] فأجابه بُدَيْلُ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَجَبّ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ بُدَيْلُ بن أمّ أصرم، فقال: تفاقد قوم بفخرون وَلَمْ نَدَعْ ... لَهُمْ سَيّدًا يَنْدُوهُمُ غَيْرَ نَافِلِ أَمِنْ خِيفَةِ الْقَوْمِ الْأُلَى تَزْدَرِيهِمْ ... تُجِيزُ الْوَتِيرَ خائفا غير آيل وَفِي كُلّ يَوْمٍ نَحْنُ نَحْبُو حِبَاءَنَا ... لِعَقْلٍ وَلَا يُحْبَى لَنَا فِي الْمَعَاقِلِ وَنَحْنُ صَبَحْنَا بِالتّلَاعَةِ دَارَكُمْ ... بِأَسْيَافِنَا يَسْبِقْنَ لَوْمَ الْعَوَاذِلِ وَنَحْنُ مَنَعْنَا بَيْنَ بَيْضٍ وَعِتْوَدٍ ... إلَى خَيْفِ رَضْوَى مِنْ مِجَرّ الْقَنَابِلِ وَيَوْمَ الْغَمِيمِ قَدْ تَكَفّتَ سَاعِيًا ... عُبَيْسٌ فَجَعْنَاهُ بِجَلْدٍ حُلَاحِلِ أَإِنْ أَجْمَرْت فِي بَيْتِهَا أُمّ بَعْضِكُمْ ... بِجُعْمُوسِهَا تَنْزُونَ أَنْ لَمْ نُقَاتِلْ كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ مَا إنْ قَتَلْتُمْ ... وَلَكِنْ تَرَكْنَا أَمْرَكُمْ فِي بَلَابِلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «غَيْرَ نَافِلِ» ، وَقَوْلُهُ «إلَى خَيْفِ رَضْوَى» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. [شِعْرُ حَسّانَ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ: لَحَا اللهُ قَوْمًا لَمْ نَدَعْ مِنْ سَرَاتِهِمْ ... لَهُمْ أَحَدًا يَنْدُوهُمُ غَيْرَ نَاقِبْ أَخُصْيَيْ حِمَارٍ مَاتَ بِالْأَمْسِ نَوْفَلًا ... مَتَى كُنْتَ مِفْلَاحًا عَدُوّ الْحَقَائِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر عمرو الخزاعى للرسول يستنصره ورده عليه

[شِعْرُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّ لِلرّسُولِ يَسْتَنْصِرُهُ وَرَدّهُ عَلَيْهِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا تَظَاهَرَتْ بَنُو بَكْرٍ وَقُرَيْشٌ عَلَى خُزَاعَةَ، وَأَصَابُوا مِنْهُمْ مَا أَصَابُوا، وَنَقَضُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ بِمَا اسْتَحَلّوا مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانَ فِي عَقْدِهِ وعهده، خرج عمرو ابن سَالِمٍ الْخُزَاعِيّ، ثُمّ أَحَدُ بَنِي كَعْبٍ، حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمّا هَاجَ فَتْحَ مَكّةَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بين ظهرانى الناس، فقال: يَا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا قَدْ كُنْتُمْ وُلْدًا وَكُنّا وَالِدَا ... تمّت أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا فَانْصُرْ هَدَاكَ اللهُ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللهِ يَأْتُوا مَدَدَا فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرّدَا ... إنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبّدَا فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدًا ... إنّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُوَكّدَا ... وَجَعَلُوا لِي فِي كَدَاءٍ رُصّدَا وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدَا ... وَهُمْ أَذَلّ وَأَقَلّ عَدَدَا هُمْ بَيّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجّدًا ... وَقَتَلُونَا رُكّعًا وَسُجّدَا يَقُولُ: قُتِلْنَا وَقَدْ أَسْلَمْنَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى أَيْضًا: فَانْصُرْ هَدَاك اللهُ نَصْرًا أيدا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن ورقاء يشكو إلى الرسول بالمدينة

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى أَيْضًا: نَحْنُ وَلَدْنَاك فَكُنْت وَلَدًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُصِرْتَ يَا عمرو ابن سَالِمٍ. ثُمّ عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنَانٌ مِنْ السّمَاءِ، فَقَالَ: إنّ هذه السّحابة لتستهلّ بنصر بنى كعب. [ابن ورقاء يشكو إلى الرسول بالمدينة] ثم خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ، وَبِمُظَاهَرَةِ قُرَيْشٍ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ، ثُمّ الصرفوا رَاجِعِينَ إلَى مَكّةَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنّاسِ: كَأَنّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ جَاءَكُمْ لِيَشُدّ الْعَقْدَ، وَيَزِيدَ فِي الْمُدّةِ، وَقَدْ رَهِبُوا الّذِي صَنَعُوا. فَلَمّا لَقِيَ أَبُو سُفْيَانَ بُدَيْلِ بْنَ وَرْقَاءَ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت يَا بُدَيْلُ؟ وَظَنّ أَنّهُ قَدْ أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ تَسَيّرْت فِي خُزَاعَةَ فِي هَذَا السّاحِلِ، وَفِي بَطْنِ هَذَا الْوَادِي، قَالَ: أَوَ مَا جِئْت مُحَمّدًا؟ قَالَ: لَا؛ فَلَمّا رَاحَ بُدَيْلِ إلَى مَكّةَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَئِنْ جَاءَ بُدَيْلِ الْمَدِينَةَ لَقَدْ عَلَفَ بِهَا النّوَى فَأَتَى مَبْرَكَ رَاحِلَتِهِ، فَأَخَذَ مِنْ بَعْرِهَا فَفَتّهُ، فَرَأَى فِيهِ النّوَى، فَقَالَ: أَحْلِفُ بِاَللهِ لَقَدْ جَاءَ بديل محمدا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أبو سفيان يحاول المصالحة

[أبو سفيان يحاول المصالحة] ثُمّ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم المدينة، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَوَتْهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيّةُ، مَا أَدْرِي أَرَغِبْت بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ أَمْ رَغِبْت بِهِ عَنّي؟ قَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَأَنْتَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ نَجَسٌ، وَلَمْ أُحِبّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَسَلّمَ؛ قَالَ: وَاَللهِ لَقَدْ أَصَابَك يَا بُنَيّةُ بَعْدِي شَرّ. ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَلّمَهُ، فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا، ثُمّ ذَهَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَكَلّمَهُ أَنْ يُكَلّمَ لَهُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؛ فَقَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ، ثُمّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فَكَلّمَهُ، فَقَالَ: أَأَنَا أَشْفَعُ لَكُمْ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فو الله لَوْ لَمْ أَجِدْ إلّا الذّرّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ. ثُمّ خَرَجَ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ورضي عَنْهَا، وَعِنْدَهَا حَسَنُ بْنُ عَلِيّ، غُلَامٌ يَدِبّ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيّ، إنّك أَمَسّ الْقَوْمِ بِي رَحِمًا، وَإِنّي قَدْ جِئْت فِي حَاجَةٍ، فَلَا أَرْجِعَنّ كَمَا جِئْت خَائِبًا، فَاشْفَعْ لى إلى رسول الله، فَقَالَ: وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ! وَاَللهِ لَقَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَمْرٍ مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلّمَهُ فِيهِ. فَالْتَفَتَ إلَى فَاطِمَةَ فَقَالَ: يَا بْنَةَ مُحَمّدٍ، هل لك أن تأمرى بنيّك هذا فيحير بَيْنَ النّاسِ، فَيَكُونَ سَيّدَ الْعَرَبِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ؟ قَالَتْ: وَاَللهِ مَا بَلَغَ بُنَيّ ذَاكَ أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النّاسِ، وَمَا يُجِيرُ أَحَدٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الرسول صلى الله عليه وسلم يعد لفتح مكة

عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، إنّي أَرَى الْأُمُورَ قَدْ اشْتَدّتْ عَلَيّ، فَانْصَحْنِي؛ قَالَ: وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ لَك شَيْئًا يُغْنِي عَنْك شَيْئًا، وَلَكِنّك سَيّدُ بَنِي كِنَانَةَ، فَقُمْ فَأَجِرْ بَيْنَ النّاسِ، ثُمّ الْحَقْ بِأَرْضِك؛ قَالَ: أَوَ تَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنّي شَيْئًا؟ قَالَ: لَا وَاَللهِ، مَا أَظُنّهُ، وَلَكِنّي لَا أَجِدُ لَك غَيْرَ ذَلِكَ. فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: أَيّهَا النّاسُ، إنّي قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النّاسِ. ثُمّ رَكِبَ بَعِيرَهُ فَانْطَلَقَ، فَلَمّا قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ، قَالُوا: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: جِئْتُ محمدا فكلّمته، فو الله مَا رَدّ عَلَيّ شَيْئًا، ثُمّ جِئْت ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ خَيْرًا، ثُمّ جئت ابن الخطاب، فوجدته أدنى العدوّ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَعْدَى الْعَدُوّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ جِئْت عَلِيّا فَوَجَدْته أَلْيَنَ الْقَوْمِ، وقد أشار علىّ بشىء صنعته، فو الله مَا أَدْرِي هَلْ يُغْنِي ذَلِك شَيْئًا أَمْ لَا؟ قَالُوا: وَبِمَ أَمَرَك؟ قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أُجِيرَ بَيْنَ النّاسِ، فَفَعَلْت؛ قَالُوا: فَهَلْ أَجَازَ ذَلِكَ مُحَمّدٌ؟ قَالَ: لَا، قَالُوا: وَيْلَك! وَاَللهِ إنْ زَادَ الرّجُلُ عَلَى أَنْ لَعِبَ بِك، فَمَا يُغْنِي عَنْك مَا قُلْت. قَالَ: لَا والله، ما وجدت غير ذلك. [الرسول صلى الله عليه وسلم يعد لِفَتْحِ مَكّةَ] وَأَمّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَهَازِ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُجَهّزُوهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ابْنَتِهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَهِيَ تُحَرّكُ بَعْضَ جَهَازِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؛ فَقَالَ: أَيْ بُنَيّةُ: أَأَمَرَكُمْ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حسان يحرض الناس

صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ تُجَهّزُوهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَتَجَهّزْ، قَالَ: فَأَيْنَ تَرَيْنَهُ يُرِيدُ؟ قَالَتْ: (لَا) وَاَللهِ مَا أَدْرِي. ثُمّ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْلَمَ النّاسَ أَنّهُ سَائِرٌ إلَى مَكّةَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْجِدّ وَالتّهَيّؤِ، وَقَالَ: اللهُمّ خُذْ الْعُيُونَ وَالْأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ حتى نبغتها فى بلادها. فتجهّز الناس. [حسان يحرض النّاسِ] فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرّضُ النّاسَ، ويذكر مصاب رجال خزاعة: عَنَانِي وَلَمْ أَشْهَدْ بِبَطْحَاءِ مَكّةٍ ... رِجَالُ بَنِي كَعْبٍ تُحَزّ رِقَابُهَا بِأَيْدِي رِجَالٍ لَمْ يَسُلّوا سُيُوفَهُمْ ... وَقَتْلَى كَثِيرٌ لَمْ تُجَنّ ثِيَابُهَا أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَنَالَنّ نُصْرَتِي ... سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَخْزُهَا وَعُقَابُهَا وَصَفْوَانُ عَوْدٌ حَنّ مِنْ شفراسته ... فَهَذَا أَوَانُ الْحَرْبِ شُدّ عِصَابُهَا فَلَا تَأْمَنَنّا يابن أُمّ مُجَالِدٍ ... إذَا اُحْتُلِبَتْ صَرْفًا وَأَعْصَلَ نَابُهَا ولاَ تَجْزَعُوا مِنّا فَإِنّ سُيُوفَنَا ... لَهَا وَقْعَةٌ بِالْمَوْتِ يُفْتَحُ بَابُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُ حَسّانَ: «بأيدي رِجَالٍ لَمْ يَسُلّوا سُيُوفَهُمْ» يَعْنِي قُرَيْشًا؛ «وَابْنُ أُمّ مُجَالِدٍ» يَعْنِي عِكْرِمَةَ بْنَ أبى جهل. [كتاب حاطب إلى قريش] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا، قَالُوا: لَمّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسِيرَ إلَى مَكّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ كِتَابًا إلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِاَلّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَمْرِ فِي السّيْرِ إلَيْهِمْ، ثُمّ أَعْطَاهُ امْرَأَةً، زَعَمَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنّهَا مِنْ مُزَيْنَةَ، وَزَعَمَ لِي غَيْرُهُ أَنّهَا سَارَةُ، مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تُبَلّغَهُ قُرَيْشًا، فَجَعَلَتْهُ فِي رَأْسِهَا، ثُمّ فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا، ثُمّ خَرَجَتْ بِهِ؛ وَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ السّمَاءِ بِمَا صَنَعَ حَاطِبٌ، فَبَعَثَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: أَدْرِكَا امْرَأَةً قَدْ كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ بِكِتَابِ إلَى قُرَيْشٍ، يُحَذّرُهُمْ ما قد أجمعنا له فى أمرهم، فخرجا حتى أدركاها بالخليفة، خليقة بنى أبى أحمد، فاستنزلاها، فالتمساه فِي رَحْلِهَا، فَلَمْ يَجِدَا شَيْئًا، فَقَالَ لَهَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إنّي أَحْلِفُ بِاَللهِ مَا كَذَبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا كَذَبْنَا؛ وَلَتُخْرِجِنّ لَنَا هَذَا الْكِتَابَ أَوْ لَنَكْشِفَنّك، فَلَمّا رَأَتْ الْجِدّ مِنْهُ، قَالَتْ: أَعْرِضْ؛ فَأَعْرَضَ، فَحَلّتْ قُرُونَ رَأْسِهَا، فَاسْتَخْرَجَتْ الْكِتَابَ مِنْهَا، فَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ، فَأَتَى بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَاطِبًا، فَقَالَ: يَا حَاطِبُ، مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمَا وَاَللهِ إنّي لَمُؤْمِنٌ بِاَللهِ وَرَسُولِهِ، مَا غَيّرْت وَلَا بَدّلْت، وَلَكِنّي كُنْت أَمْرَأً لَيْسَ لِي فِي الْقَوْمِ مِنْ أَصْلٍ وَلَا عَشِيرَةٍ، وَكَانَ لِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَلَدٌ وأهل، فصلعتهم عَلَيْهِمْ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَإِنّ الرّجُلَ قَدْ نَافَقَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا يُدْرِيك يَا عُمَرُ، لَعَلّ اللهَ قَدْ اطّلَعَ إلَى أَصْحَابِ بَدْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ؛ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي حَاطِبٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خروج الرسول فى رمضان

أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ... إلَى قَوْلِهِ: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ، إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ... إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. الممتحنة. [خروج الرسول فى رمضان] قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن مسلم بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن عتبة بن مسعود، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسَفَرِهِ، واستخلف على المدينة أبارهم، كُلْثُومَ بْنَ حُصَيْنِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ خَلَفٍ الغفارىّ، وخرج لعشر مصين مِنْ رَمَضَانَ، فَصَامَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَصَامَ النّاسُ مَعَهُ، حَتّى إذَا كان بالكديد، بين عسفان وأمج أفطر. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ مَضَى حَتّى نَزَلَ مَرّ الظّهْرَانِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَسَبّعَتْ سُلَيْمٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ أَلّفَتْ سُلَيْمٌ، وَأَلّفَتْ مُزَيْنَةُ. وَفِي كُلّ الْقَبَائِلِ عُدَدٌ وَإِسْلَامٌ، وَأَوْعَبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، فَلَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَلَمّا نَزَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرّ الظّهْرَانِ، وَقَدْ عُمّيَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَأْتِهِمْ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ فَاعِلٌ، وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللّيَالِي أَبُو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبدبل بن ورقاء، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يَتَحَسّسُونَ الْأَخْبَارَ، وَيَنْظُرُونَ هَلْ يَجِدُونَ خَبَرًا أَوْ يَسْمَعُونَ بِهِ، وَقَدْ كَانَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببعض الطريق. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَقِيَهُ بِالْجُحْفَةِ مُهَاجِرًا بِعِيَالِهِ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِك مُقِيمًا بِمَكّةَ عَلَى سِقَايَتِهِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ رَاضٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَدْ لَقِيَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْضًا بنيق العقاب، فِيمَا بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَالْتَمَسَا الدّخُولَ عَلَيْهِ، فَكَلّمَتْهُ أُمّ سَلَمَةَ فِيهِمَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنُ عَمّك وَابْنُ عَمّتِك وَصِهْرُك؛ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا، أَمَا ابْنُ عَمّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمّا ابْنُ عَمّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الّذِي قَالَ لى بِمَكّةَ مَا قَالَ. قَالَ: فَلَمّا خَرَجَ الْخَبَرُ إلَيْهِمَا بِذَلِكَ، وَمَعَ أَبِي سُفْيَان بُنَيّ لَهُ. فَقَالَ: وَاَللهِ لَيَأْذَنَنّ لِي أَوْ لَآخُذَنّ بِيَدَيْ بُنَيّ هَذَا، ثُمّ لَنَذْهَبَنّ فِي الْأَرْضِ حَتّى نَمُوتَ عَطَشًا وَجُوعًا؛ فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقّ لَهُمَا، ثم أذن لهما، فدخلا عليه، فأسلما. وَأَنْشَدَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ قَوْلَهُ فِي إسلامه، واعتذر إليه مما كَانَ مَضَى مِنْهُ، فَقَالَ: لَعَمْرُك إنّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً ... لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللّاتِ خَيْلَ مُحَمّدِ لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ ... فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أهدى وأهتدى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصة إسلام أبى سفيان على يد العباس

هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي ... مَعَ اللهِ مَنْ طَرّدْتُ كُلّ مُطَرّدِ أَصُدّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمّدٍ ... وَأُدْعَى وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِنْ محمّد هم ماهم مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَوَاهُمْ ... وَإِنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ يُلَمْ وَيُفَنّدْ أُرِيدُ لِأُرْضِيَهُمْ وَلَسْتُ بِلَائِطٍ ... مَعَ الْقَوْمِ مَا لَمْ أُهْدَ فِي كُلّ مَقْعَدِ فَقُلْ لِثَقِيفٍ لَا أُرِيدُ قِتَالَهَا ... وَقُلْ لِثَقِيفِ تِلْكَ: غَيْرِي أَوْعِدِي فَمَا كُنْت فِي الْجَيْشِ الّذِي نَالَ عَامِرًا ... وَمَا كَانَ عَنْ جَرّا لِسَانِي وَلَا يَدِي قَبَائِلَ جَاءَتْ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ ... نَزَائِعَ جَاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسُرْدَدِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى «وَدَلّنِي عَلَى الْحَقّ مَنْ طَرّدْتُ كُلّ مُطَرّدِ» قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنّهُ حِينَ أَنْشَدَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَوْلَهُ: «وَنَالَنِي مَعَ اللهِ مَنْ طَرّدْتُ كُلّ مُطَرّدِ» ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: أَنْتَ طَرّدْتَنِي كُلّ مُطَرّدٍ. [قِصّةُ إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى يَدِ الْعَبّاسِ] فَلَمّا نَزَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرّ الظّهْرَانِ، قَالَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ: فَقُلْت: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ، وَاَللهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ، إنّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إلَى آخِرِ الدّهْرِ. قَالَ: فَجَلَسْت عَلَى بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الْبَيْضَاءِ، فَخَرَجْتُ عَلَيْهَا. قَالَ: حَتّى جِئْت الْأَرَاكَ، فَقُلْت: لَعَلّي أَجِدُ بَعْضَ الْحَطّابَةِ أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ أَوْ ذَا حَاجَةٍ يَأْتِي مَكّةَ، فَيُخْبِرَهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لِيَخْرُجُوا إلَيْهِ فَيَسْتَأْمِنُوهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عنوة. قال: فو الله إنّي لَأَسِيرُ عَلَيْهَا، وَأَلْتَمِسُ مَا خَرَجْت لَهُ، إذْ سَمِعْت كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ نِيرَانًا قَطّ وَلَا عَسْكَرًا، قَالَ: يَقُولُ بُدَيْلِ: هَذِهِ وَاَللهِ خُزَاعَةُ حَمَشَتْهَا الْحَرْبُ. قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ أَذَلّ وَأَقَلّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِيرَانَهَا وَعَسْكَرَهَا؛ قَالَ: فَعَرَفْت صَوْتَهُ؛ فَقُلْت: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ فَعَرَفَ صَوْتِي، فَقَالَ: أَبُو الْفَضْلِ؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ؛ قَالَ: مَالَك؟ فِدَاك أَبِي وَأُمّي؛ قَالَ: قُلْت: وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ، وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاَللهِ. قَالَ: فَمَا الْحِيلَةُ؟ فِدَاك أَبِي وَأُمّي؛ قَالَ: قُلْت: وَاَللهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِك لَيَضْرِبَنّ عُنُقَك، فَارْكَبْ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ حَتّى آتِيَ بِك رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْتَأْمِنَهُ لَك؛ قَالَ: فَرَكِبَ خَلْفِي وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ؛ قَالَ: فَجِئْت بِهِ، كُلّمَا مَرَرْت بِنَارِ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَإِذَا رَأَوْا بَغْلَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَيْهَا، قَالُوا عَمّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ، حَتّى مَرَرْت بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ وَقَامَ إلَيّ، فَلَمّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ عَلَى عَجُزِ الدّابّةِ، قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ عَدُوّ اللهِ! الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَمْكَنَ مِنْك بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، ثُمّ خَرَجَ يَشْتَدّ نَحْوَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَرَكَضْت الْبَغْلَةَ، فَسَبَقَتْهُ بِمَا تسبق الدابة البطيئة الرجل البطىء قَالَ: فَاقْتَحَمْت عَنْ الْبَغْلَةِ، فَدَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَدْ أَمْكَنَ اللهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، فَدَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ؛ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي قَدْ أَجَرْتُهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثُمّ جَلَسْت إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذْت بِرَأْسِهِ، فَقُلْت: وَاَللهِ لَا يُنَاجِيهِ اللّيْلَةَ دُونِي رَجُلٌ؛ فَلَمّا أَكْثَرَ عُمَرُ فِي شَأْنِهِ، قَالَ: قُلْت: مَهْلًا يَا عُمَرُ، فو الله أن لو كان مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْت هَذَا، وَلَكِنّك قَدْ عَرَفْت أَنّهُ مِنْ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ؛ فَقَالَ: مَهْلًا يَا عَبّاسُ، فو الله لَإِسْلَامُك يَوْمَ أَسْلَمْت كَانَ أَحَبّ إلَيّ مِنْ إسْلَامِ الْخَطّابِ لَوْ أَسْلَمَ، وَمَا بِي إلّا أَنّي قَدْ عَرَفْت أَنّ إسْلَامَك كَانَ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إسْلَامِ الْخَطّابِ لَوْ أَسْلَمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ بِهِ يَا عَبّاسُ إلَى رَحْلِك، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَأْتِنِي بِهِ، قَالَ: فَذَهَبْت بِهِ إلَى رَحْلِي، فَبَاتَ عِنْدِي، فَلَمّا أَصْبَحَ غَدَوْت بِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمّا رَآهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنّهُ لَا إلَهَ إلّا اللهُ؟ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، مَا أَحْلَمَك وَأَكْرَمَك وَأَوْصَلَك، وَاَللهِ لَقَدْ ظَنَنْت أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللهِ إلَهٌ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى عَنّي شَيْئًا بَعْدُ، قَالَ: وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ! أَلَمْ يَأْنِ لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنّي رَسُولُ الله؟ قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وَأَكْرَمَك وَأَوْصَلَك! أَمّا هَذِهِ وَاَللهِ فَإِنّ فِي النّفْسِ مِنْهَا حَتّى الْآنَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهُ الْعَبّاسُ: وَيْحَك! أَسْلِمْ وَاشْهَدْ أَنْ لَا إلَه إلّا اللهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ قَبْلَ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُك. قَالَ: فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ، فَأَسْلَمَ، قَالَ الْعَبّاسُ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبّ هَذَا الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، فَلَمّا ذَهَبَ لِيَنْصَرِفَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَبّاسُ، احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عرض الجيش

الْجَبَلِ، حَتّى تَمُرّ بِهِ جُنُودُ اللهِ فَيَرَاهَا. قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتّى حَبَسْتُهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي، حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أحبسه. [عرض الجيش] قَالَ: وَمَرّتْ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا، كُلّمَا مَرّتْ قَبِيلَةٌ قَالَ: يَا عَبّاسُ، مَنْ هَذِهِ؟ فَأَقُولُ: سليم، فيقول: مالى واسليم، ثُمّ تَمُرّ الْقَبِيلَةُ فَيَقُولُ: يَا عَبّاسُ، مَنْ هؤلاء؟ فأفول: مُزَيْنَةُ، فَيَقُولُ: مَالِي وَلِمُزَيْنَةَ، حَتّى نَفِدَتْ الْقَبَائِلُ، مَا تَمُرّ بِهِ قَبِيلَةٌ إلّا يَسْأَلُنِي عَنْهَا، فَإِذَا أَخْبَرْته بِهِمْ، قَالَ: مَالِي وَلِبَنِي فُلَانٍ، حَتّى مَرّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنّمَا قِيلَ لَهَا الْخَضْرَاءُ لِكَثْرَةِ الْحَدِيدِ وَظُهُورِهِ فِيهَا. قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلّزَةَ الْيَشْكُرِيّ: ثُمّ حُجْرًا أَعْنِي ابْنَ أُمّ قَطَامٍ ... وَلَهُ فَارِسِيّةٌ خَضْرَاءُ يَعْنِي الْكَتِيبَةَ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ: لَمّا رأى بدرا تسيل جلاهه ... بكتيبة خضراء من بَلْخَزْرَجِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ قَدْ كَتَبْنَاهَا فِي أَشْعَارِ يَوْمِ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، لَا يُرَى مِنْهُمْ إلّا الْحَدَقُ مِنْ الْحَدِيدِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ: يَا عَبّاسُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قال: قلت: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أبو سفيان يحذر أهل مكة

هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، قَالَ: مَا لِأَحَدِ بِهَؤُلَاءِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ، وَاَللهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيك الْغَدَاةَ عَظِيمًا، قَالَ: قُلْت: يَا أَبَا سُفْيَانَ، إنّهَا النّبُوّةُ. قال: فنعم إذن. [أبو سفيان يحذر أهل مكة] قَالَ: قُلْت: النّجَاءَ إلَى قَوْمِك، حَتّى إذَا جَاءَهُمْ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذَا مُحَمّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ فِيمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فهو آمن، فَقَامَتْ إلَيْهِ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَأَخَذَتْ بِشَارِبِهِ، فَقَالَتْ: اُقْتُلُوا الْحَمِيتَ الدّسِمَ الْأَحْمَسَ، قُبّحَ مِنْ طَلِيعَةِ قَوْمٍ! قَالَ: وَيْلَكُمْ لَا تَغُرّنّكُمْ هَذِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَإِنّهُ قَدْ جَاءَكُمْ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، قَالُوا: قَاتَلَك اللهُ! وَمَا تُغْنِي عَنّا دَارُك، قَالَ: وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، فَتَفَرّقَ النّاسُ إلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ. وصول النبى صلى الله عليه وسلم إلَى ذِي طُوَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا انْتَهَى إلَى ذِي طُوًى وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُعْتَجِرًا بِشُقّةِ بُرْدٍ حِبَرَةٍ حَمْرَاءَ، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَضَعَ رَأْسَهُ تَوَاضُعًا لِلّهِ حِينَ رَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللهُ بِهِ مِنْ الْفَتْحِ، حَتّى إنّ عُثْنُونَهُ لَيَكَادُ يَمَسّ واسطة الرحل. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام والد أبى بكر

[إسلام والد أبى بكر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عن جدته أسماء بنت أبي بكر، قالت: لَمّا وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذِي طُوَى قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِابْنَةِ مِنْ أَصْغَرِ وَلَدِهِ: أَيْ بُنَيّةُ، اظْهَرِي بِي عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، قَالَتْ: وَقَدْ كُفّ بَصَرُهُ، قَالَتْ: فَأَشْرَفَتْ بِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيّةُ، مَاذَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ: أَرَى سَوَادًا مُجْتَمِعًا، قَالَ: تِلْكَ الْخَيْلُ، قَالَتْ: وَأَرَى رَجُلًا يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، قَالَ: أَيْ بُنَيّةُ، ذَلِكَ الْوَازِعُ، يَعْنِي الّذِي يَأْمُرُ الْخَيْلَ وَيَتَقَدّمُ إلَيْهَا، ثُمّ قَالَتْ: قَدْ وَاَللهِ انْتَشَرَ السّوَادُ، قَالَتْ: فَقَالَ: قَدْ وَاَللهِ إذَنْ دُفِعَتْ الْخَيْلُ، فَأَسْرِعِي بِي إلَى بَيْتِي، فَانْحَطّتْ بِهِ، وَتَلَقّاهُ الخيل قبل أن يصل إلى بيته، قَالَتْ: وَفِي عُنُقِ الْجَارِيَةِ طَوْقٌ مِنْ وَرِقٍ، فَتَلَقّاهَا رَجُلٌ فَيَقْتَطِعُهُ مِنْ عُنُقِهَا، قَالَتْ: فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، أَتَى أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: هَلّا تَرَكْت الشّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتّى أَكُونَ أَنَا آتِيَهُ فِيهِ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ، يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ أَحَقّ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْك مِنْ أَنْ تَمْشِيَ إلَيْهِ أنت، قال: فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمّ مَسَحَ صَدْرَهُ، ثُمّ قَالَ لَهُ: أَسْلِمْ فَأَسْلَمَ، قَالَتْ: فَدَخَلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَكَأَنّ رَأْسُهُ ثَغَامَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَيّرُوا هَذَا مِنْ شَعَرِهِ، ثُمّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِيَدِ أُخْتِهِ، وَقَالَ: أُنْشِدُ اللهَ وَالْإِسْلَامَ طَوْقَ أُخْتِي، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، قَالَتْ: فَقَالَ: أَيْ أخيّة، احتسبى طوقك، إنّ الأمانة فى الناس اليوم لقليل. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جيوش المسلمين تدخل مكة

[جيوش المسلمين تدخل مَكّةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ فَرّقَ جَيْشَهُ مِنْ ذِي طُوَى، أَمَرَ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النّاسِ مِنْ كُدَى، وَكَانَ الزّبير على المجنّبة اليسرى، وأمر سعد ابن عُبَادَةَ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النّاسِ مِنْ كداء. [المهاجرون وسعد] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ سَعْدًا حِينَ وُجّهَ دَاخِلًا، قَالَ: الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمُ تُسْتَحَلّ الْحُرْمَةُ، فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: اسْمَعْ ما قال سعد ابن عُبَادَةَ، مَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ صَوْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلى بن طَالِبٍ: أَدْرِكْهُ، فَخُذْ الرّايَةَ مِنْهُ فَكُنْ أَنْتَ الذى تدخل بها. [كيف دخل الجيش مَكّةَ؟] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ فِي حَدِيثِهِ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أمر خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَدَخَلَ مِنْ اللّيطِ، أَسْفَلَ مَكّةَ، فِي بَعْضِ النّاسِ، وَكَانَ خَالِدٌ عَلَى المحنّبة اليمنى، وفيها أسلم وسليم وغفار ومرينة وَجُهَيْنَةُ وَقَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ. وَأَقْبَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ بِالصّفّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَنْصَبّ لِمَكّةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الذين تعرضوا للمسلمين

وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَذَاخِرَ، حَتّى نَزَلَ بِأَعْلَى مَكّةَ، وَضُرِبَتْ له هنالك قبّته. [الذين تعرضوا لِلْمُسْلِمِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو كَانُوا قَدْ جَمَعُوا نَاسًا بِالْخَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلُوا، وَقَدْ كَانَ حِمَاسُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ، أَخُو بَنِي بَكْرٍ، يُعِدّ سِلَاحًا قَبْلَ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَيُصْلِحُ مِنْهُ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: لِمَاذَا تُعِدّ مَا أَرَى؟ قَالَ: لِمُحَمّدِ وَأَصْحَابِهِ، قَالَتْ: وَاَللهِ مَا أَرَاهُ يَقُومُ لِمُحَمّدِ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ، قَالَ: وَاَللهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أُخْدِمَك بَعْضَهُمْ، ثُمّ قَالَ: إنْ يُقْبِلُوا الْيَوْمَ فَمَا لِي عِلّهْ ... هَذَا سِلَاحٌ كَامِلٌ وَأَلّهْ وَذُو غِرَارَيْنِ سَرِيعُ السّلّهْ ثُمّ شَهِدَ الْخَنْدَمَةَ مَعَ صَفْوَانَ وَسُهَيْلٍ وَعِكْرِمَةَ، فَلَمّا لَقِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، نَاوَشُوهُمْ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ، فَقُتِلَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ، أَحَدُ بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، وَخُنَيْسُ بْنُ خَالِدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَصْرَمَ، حَلِيفُ بَنِي مُنْقَذٍ، وَكَانَا فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَشَذّا عنه فسلكا طريقا غير طريقه فقاتلا جميعا، قتل خنيس بن خالد قبل كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ، فَجَعَلَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، ثُمّ قَاتَلَ عَنْهُ حَتّى قُتِلَ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ مِنْ بَنِي فِهِرْ ... نَقِيّةُ الْوَجْهِ نَقِيّةُ الصّدِرْ لَأَضْرِبَنّ الْيَوْمَ عَنْ أَبِي صَخِرْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ خُنَيْسٌ يُكْنَى أبا صخر، قال ابن هشام: خنيس ابن خَالِدٍ، مِنْ خُزَاعَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ، قَالَا: وَأُصِيبَ مِنْ جُهَيْنَةَ سَلَمَةُ بْنُ الْمَيْلَاءِ، مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَأُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ نَاسٌ قَرِيبٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، ثُمّ انْهَزَمُوا، فَخَرَجَ حِمَاسٌ مُنْهَزِمًا حَتّى دَخَلَ بَيْتَهُ؛ ثُمّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَغَلِقِي عَلَيّ بَابِي، قَالَتْ: فَأَيْنَ مَا كُنْت تَقُولُ؟ فَقَالَ: إنّكِ لَوْ شَهِدْت يَوْمَ الْخَنْدَمَهْ ... إذْ فَرّ صَفْوَانُ وَفَرّ عِكْرِمَهْ وَأَبُو يَزِيدَ قَائِمٌ كَالْمُوتَمَهْ ... وَاسْتَقْبَلَتْهُمْ بِالسّيُوفِ الْمُسْلِمَهْ يَقْطَعْنَ كُلّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ ... ضَرْبًا فَلَا يُسْمَعُ إلّا غَمْغَمَهْ لَهُمْ نَهِيتٌ خَلْفَنَا وَهَمْهَمَهْ ... لم تنطقى فى اللّوم أدنى كلمه قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ قَوْلَهُ «كَالْمُوتَمَهْ» ، وَتُرْوَى للرعاش الْهُذَلِيّ. شِعَارُ المسلمين يوم الفتح وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم يوم فتح مكة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وحنين وَالطّائِفِ، شِعَارُ الْمُهَاجِرِينَ: يَا بَنِي عَبْدِ الرّحْمَنِ، وَشِعَارُ الْخَزْرَجِ: يَا بَنِي عَبْدِ اللهِ، وَشِعَارُ الأوس: يا بنى عبيد الله. من أمر الرسول بقتلهم قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ عَهِدَ إلَى أُمَرَائِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مَكّةَ، أَنْ لَا يُقَاتِلُوا إلّا مَنْ قَاتَلَهُمْ، إلّا أَنّهُ قَدْ عَهِدَ فِي نَفَرٍ سَمّاهُمْ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَإِنْ وُجِدُوا تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدٍ، أَخُو بَنِي عَامِرِ بن لؤىّ. وَإِنّمَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِ لِأَنّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَحْيَ، فَارْتَدّ مُشْرِكًا رَاجِعًا إلَى قُرَيْشٍ، فَفَرّ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ، وَكَانَ أَخَاهُ لِلرّضَاعَةِ، فَغَيّبَهُ حَتّى أَتَى بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ أَنْ اطْمَأَنّ النّاسُ وَأَهْلُ مَكّةَ، فَاسْتَأْمَنَ لَهُ: فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَمَتَ طَوِيلًا، ثُمّ قَالَ: نَعَمْ؛ فَلَمّا انْصَرَفَ عَنْهُ عُثْمَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: لَقَدْ صَمَتّ لِيَقُومَ إلَيْهِ بَعْضُكُمْ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: فَهَلّا أَوْمَأْت إلَيّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إنّ النّبِيّ لَا يَقْتُلُ بِالْإِشَارَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمّ أَسْلَمَ بَعْدُ، فَوَلّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بَعْضَ أَعْمَالِهِ، ثُمّ وَلّاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بَعْدَ عُمَرَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي تيم بن غالب: إنما أمر ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بقتله أنه كَانَ مُسْلِمًا، فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُصَدّقًا، وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ مَعَهُ مَوْلَى لَهُ يَخْدُمُهُ، وَكَانَ مُسْلِمًا، فَنَزَلَ مَنْزِلًا، وَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ لَهُ تَيْسًا، فَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا، فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ، ثم ارتدّ مشركا. وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ: فَرْتَنَى وَصَاحِبَتُهَا، وَكَانَتَا تُغَنّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِمَا مَعَهُ. وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ بْنِ قُصَيّ، وَكَانَ مِمّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكّةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَمَلَ فَاطِمَةَ وَأُمّ كُلْثُومٍ، ابْنَتَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مَكّةَ يُرِيدُ بِهِمَا الْمَدِينَةَ، فَنَخَسَ بِهِمَا الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ، فَرَمَى بِهِمَا إلَى الْأَرْضِ. قَالَ ابن إسحاق: ومقيس بن حبابة [أو ضبابة، أو صبابة] وَإِنّمَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِ، لِقَتْلِ الْأَنْصَارِيّ الّذِي كَانَ قَتَلَ أَخَاهُ خَطَأً، وَرُجُوعُهُ إلَى قُرَيْشٍ مُشْرِكًا. وَسَارَةُ، مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ. وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ. وَكَانَتْ سَارَةُ مِمّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكّةَ، فأما عكرمة فهرب إلى اليمن، وأسامت امْرَأَتُهُ أُمّ حَكِيمِ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمّنَهُ فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ إلَى الْيَمَنِ، حَتّى أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَسْلَمَ. وَأَمّا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ، فَقَتَلَهُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيّ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيّ، اشْتَرَكَا فِي دَمِهِ؛ وَأَمّا مقيس بن حبابة فقتله نميلة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أم هانىء تؤمن رجلين

ابن عَبْدِ اللهِ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَتْ أُخْتُ مقيس فى قتله: لَعَمْرِي لَقَدْ أَخْزَى نُمَيْلَةُ رَهْطَهُ ... وَفَجّعَ أَضْيَافَ الشّتَاءِ بِمِقْيَسِ فَلِلّهِ عَيْنَا مَنْ رَأَى مِثْلَ مِقْيَسٍ ... إذَا النّفَسَاءُ أَصْبَحَتْ لَمْ تُخَرّسْ وَأَمّا قَيْنَتَا ابْنِ خَطَلٍ فَقُتِلَتْ إحْدَاهُمَا، وَهَرَبَتْ الْأُخْرَى، حَتّى اُسْتُؤْمِنَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ، فَأَمّنَهَا. وَأَمّا سَارَةُ فَاسْتُؤْمِنَ لَهَا فَأَمّنَهَا، ثُمّ بَقِيَتْ حَتّى أَوْطَأَهَا رَجُلٌ مِنْ النّاسِ فَرَسًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ بِالْأَبْطَحِ فَقَتَلَهَا. وَأَمّا الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ فقتله علىّ بن أبى طالب. [أم هانىء تؤمن رجلين] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي مُرّةَ، مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أبى طالب، أن أمّ هانىء بنت أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ: لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَعْلَى مَكّةَ، فَرّ إلَيّ رَجُلَانِ مِنْ أَحْمَائِي، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيّ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيّ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخِي، فَقَالَ: وَاَللهِ لَأَقْتُلَنّهُمَا، فَأَغْلَقْت عَلَيْهِمَا بَابَ بَيْتِي، ثُمّ جِئْت رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكّةَ، فَوَجَدْته يَغْتَسِلُ مِنْ جَفْنَةٍ إنّ فِيهَا لَأَثَرَ الْعَجِينِ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمّا اغْتَسَلَ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَتَوَشّحَ بِهِ، ثُمّ صَلّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مِنْ الضّحَى ثُمّ انْصَرَفَ إلَيّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا يا أمّ هانىء، مَا جَاءَ بِك؟ فَأَخْبَرْته خَبَرَ الرّجُلَيْنِ وَخَبَرَ عَلِيّ، فَقَالَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، وَأَمّنّا مَنْ أَمّنْت، فَلَا يَقْتُلْهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طواف الرسول بالكعبة

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ. [طَوَافُ الرسول بالكعبة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بن الزّبير، عن عبيد الله ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا نَزَلَ مَكّةَ، وَاطْمَأَنّ النّاسُ، خَرَجَ حَتّى جَاءَ الْبَيْتَ، فَطَافَ بَهْ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ، يَسْتَلِمُ الرّكْنَ بِمِحْجَنِ فِي يَدِهِ، فلما قضى طوافه، دعا عثمان ابن طَلْحَةَ، فَأَخَذَ مِنْهُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ، فَفُتِحَتْ لَهُ، فَدَخَلَهَا، فَوَجَدَ فِيهَا حَمَامَةً مِنْ عِيدَانٍ، فَكَسَرَهَا بيده ثم طَرَحَهَا، ثُمّ وَقَفَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَقَدْ استكفّ له الناس فى المسجد. [خطبته على باب الكعبة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: «لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا كُلّ مَأْثُرَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ يُدّعَى فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيّ هَاتَيْنِ إلّا سَدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجّ، أَلَا وَقَتِيلُ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ بالسّوط والعصا، ففيه الدّية مغلّظة، مائة مِنْ الْإِبِلِ، أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا. يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيّةِ، وَتَعَظّمَهَا بِالْآبَاءِ، النّاسُ مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى، وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إقرار الرسول عثمان بن طلحة على السدانة

لِتَعارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ الحجرات: 13. الْآيَةَ كُلّهَا. ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ: اذْهَبُوا فأنتم الطّلفاء» . [إقرار الرسول عثمان بْنَ طَلْحَةَ عَلَى السّدَانَةِ] ثُمّ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَامَ إلَيْهِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْمَعْ لَنَا الْحِجَابَةَ مَعَ السّقَايَةِ صَلّى اللهُ عَلَيْك؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ؟ فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ: هَاكَ مِفْتَاحَك يَا عُثْمَانُ، الْيَوْمُ يَوْمُ بِرّ وَوَفَاءٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِعَلِيّ: إنّمَا أُعْطِيكُمْ مَا ترزؤن لا ما ترزؤن. [طمس الصور التى بالبيت] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم دَخَلَ الْبَيْتَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَرَأَى فِيهِ صُوَرَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَرَأَى إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ مُصَوّرًا فِي يَدِهِ الْأَزْلَامُ يَسْتَقْسِمُ بِهَا، فَقَالَ: قَاتَلَهُمْ اللهُ، جَعَلُوا شَيْخَنَا يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ، مَا شَأْنُ إبراهيم والألازم! مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ آل عمران: 67 ثم أمر بتلك الصّور كلها فطمست. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دخول الكعبة والصلاة فيها

[دخول الكعبة والصلاة فيها] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خل دالكعبة وَمَعَهُ بِلَالٌ، ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَخَلّفَ بِلَالٌ، فَدَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى بِلَالٍ، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَلَمْ يَسْأَلْهُ كَمْ صَلّى، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ الْبَيْتَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ، وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ، حَتّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ قَدْرُ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ، ثُمّ يُصَلّي، يَتَوَخّى بذلك الموضع الذى قال له بلال. [إسْلَامِ عَتّابٍ وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَحَدّثَنِي: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، دَخَلَ الْكَعْبَةَ عَامَ الْفَتْحِ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذّنَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَعَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ جُلُوسٌ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ عَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ أَسِيدًا أَلّا يَكُونَ سَمِعَ هَذَا، فَيَسْمَعَ مِنْهُ مَا يَغِيظُهُ. فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ: أَمَا وَاَللهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّهُ محقّ لا تّبعته، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَا أَقُولُ شَيْئًا، لَوْ تَكَلّمْت لَأَخْبَرَتْ عَنّي هَذِهِ الْحَصَى، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ النبىّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ الّذِي قُلْتُمْ، ثُمّ ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَقَالَ الْحَارِثُ وَعَتّابٌ: نَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللهِ، وَاَللهِ مَا اطّلَعَ عَلَى هَذَا أحد كان معنا، فنقول: أخبرك. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خراش وابن الأثوع

[خراش وابن الأثوع] قال ابن إسحاق: حدثنى سعيد بن أَبِي سَنْدَرٍ الْأَسْلَمِيّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ. قَالَ: كَانَ مَعَنَا رَجُلٌ يُقَال لَهُ أَحْمَرُ بَأْسًا، وَكَانَ رَجُلًا شُجَاعًا، وَكَانَ إذَا نَامَ غَطّ غَطِيطًا مُنْكَرًا لَا يَخْفَى مَكَانُهُ، فَكَانَ إذَا بَاتَ فِي حَيّهِ بَاتَ مُعْتَنِزًا، فَإِذَا بُيّتَ الْحَيّ صَرَخُوا يَا أَحْمَرُ، فَيَثُورُ مِثْلَ الْأَسَدِ، لَا يَقُومُ لِسَبِيلِهِ شَيْءٌ. فَأَقْبَلَ غَزِيّ من هذيل يُرِيدُونَ حَاضِرَهُ، حَتّى إذَا دَنَوْا مِنْ الْحَاضِرِ، قَالَ ابْنُ الْأَثْوَعِ الْهُذَلِيّ: لَا تَعْجَلُوا عَلَيّ حَتّى أَنْظُرَ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَاضِرِ أَحْمَرُ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِمْ، فَإِنّ لَهُ غَطِيطًا لَا يَخْفَى، قَالَ: فَاسْتَمَعَ، فَلَمّا سَمِعَ غَطِيطَهُ مَشَى إلَيْهِ حَتّى وَضَعَ السّيْفَ فِي صَدْرِهِ، ثُمّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتّى قَتَلَهُ، ثُمّ أَغَارُوا عَلَى الْحَاضِرِ، فَصَرَخُوا يَا أَحْمَرُ وَلَا أَحْمَرَ لَهُمْ، فَلَمّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ، وَكَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، أَتَى ابْنُ الْأَثْوَعِ الْهُذَلِيّ حَتّى دَخَلَ مَكّةَ يَنْظُرُ وَيَسْأَلُ عَنْ أَمْرِ النّاسِ، وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ، فَرَأَتْهُ خُزَاعَةُ، فَعَرَفُوهُ، فَأَحَاطُوا بِهِ وَهُوَ إلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ جُدُرِ مَكّةَ، يَقُولُونَ: أَأَنْتَ قَاتِلُ أَحْمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنَا قَاتِلُ أَحْمَرَ فَمَهْ؟ قَالَ: إذْ أَقْبَلَ خِرَاشُ بْنُ أُمَيّةَ مُشْتَمِلًا عَلَى السّيْفِ، فَقَالَ: هكذا عن الرجل، ووالله مَا نَظُنّ إلّا أَنّهُ يُرِيدُ أَنْ يُفْرِجَ النّاسَ عَنْهُ. فَلَمّا انْفَرَجْنَا عَنْهُ حَمَلَ عَلَيْهِ، فطعنه بالسيف فى بطنه، فوالله لكأنّى أنظر إليه وحشوته تسيل من بطنه، وإن عينيه لترنّقان فى رأسه، وهو يقول: أقد فعلتموها يا معشر خُزَاعَةَ؟ حَتّى انْجَعَفَ فَوَقَعَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بين أبى شريح وابن سعد

صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ، ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ عَنْ الْقَتْلِ، فَقَدْ كَثُرَ الْقَتْلُ إنْ نَفَعَ، لَقَدْ قَتَلْتُمْ قَتِيلًا لَأَدِيَنّهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ الأسلمى، عن سعيد ابن الْمُسَيّبِ، قَالَ: لَمّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا صَنَعَ خِرَاشُ بْنُ أُمَيّةَ، قَالَ: إنّ خِرَاشًا لَقَتّالٌ، يَعِيبُهُ بِذَلِكَ. [بين أبى شريح وابن سعد] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيّ، قَالَ: لَمّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الزّبَيْرِ مَكّةَ لِقِتَالِ أَخِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، جِئْته، فَقُلْت لَهُ: يَا هَذَا، إنّا كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حِينَ افْتَتَحَ مَكّةَ، فَلَمّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ عَدَتْ خُزَاعَةُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَتَلُوهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فينا خطيبا، فقال: يا أيها النّاسُ، إنّ اللهَ حَرّمَ مَكّةَ يَوْمَ خَلَقَ السّماوات وَالْأَرْضَ، فَهِيَ حَرَامٌ مِنْ حَرَامٍ إلَى يَوْمِ القيامة، فلا يحلّ لامرءى يُؤْمِنُ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ يَسْفِكَ فِيهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ فِيهَا شَجَرًا، لَمْ تَحْلِلْ لِأَحَدِ كَانَ قَبْلِي، وَلَا تَحِلّ لِأَحَدِ يَكُونُ بَعْدِي، وَلَمْ تَحْلِلْ لِي إلّا هَذِهِ السّاعَةَ، غَضَبًا عَلَى أَهْلِهَا أَلَا: ثُمّ قَدْ رَجَعَتْ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، فَلْيُبَلّغْ الشّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ، فَمَنْ قال لكم: إن رسول الله قَاتَلَ فِيهَا، فَقُولُوا: إنّ اللهَ قَدْ أَحَلّهَا لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يُحْلِلْهَا لَكُمْ، يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ عَنْ الْقَتْلِ، فَلَقَدْ كَثُرَ الْقَتْلُ إنْ نَفَعَ، لَقَدْ قَتَلْتُمْ قَتِيلًا لَأَدِيَنّهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أول من ودى يوم الفتح

فَمَنْ قُتِلَ بَعْدَ مُقَامِي هَذَا فَأَهْلُهُ بِخَيْرِ النّظرين: إن شاؤا فدم قاتله، وإن شاؤا فعقله. ثم وَدَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ الرّجُلَ الّذِي قَتَلَتْهُ خُزَاعَةُ، فَقَالَ عَمْرٌو لِأَبِي شُرَيْحٍ: انْصَرِفْ أَيّهَا الشّيْخُ، فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِحُرْمَتِهَا مِنْك، إنّهَا لَا تَمْنَعُ سَافِكَ دَمٍ، وَلَا خَالِعَ طَاعَةٍ، وَلَا مَانِعَ جِزْيَةٍ، فَقَالَ أَبُو شُرَيْحٍ: إنّي كُنْتُ شَاهِدًا وَكُنْتَ غَائِبًا، وَلَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَلّغَ شَاهِدُنَا غَائِبَنَا، وَقَدْ أَبَلَغْتُكَ، فأنت وشأنك. [أول من ودى يَوْمَ الْفَتْحِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنّ أَوّلَ قَتِيلٍ وَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ جُنَيْدَبُ بْنُ الْأَكْوَعِ، قتلته بنو كعب، فوداه بمائة ناقة. [الأنصار يتخوّفون من بقاء النبى صلى الله عليه وسلم فى مكة] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ مَكّةَ وَدَخَلَهَا، قَامَ عَلَى الصّفَا يَدْعُو اللهَ، وَقَدْ أَحْدَقَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ، فَقَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: أَتُرَوْنَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، إذْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ أَرْضَهُ وَبَلَدَهُ يُقِيمُ بِهَا؟ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ دُعَائِهِ قَالَ: مَاذَا قُلْتُمْ؟ قَالُوا: لَا شَيْءَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتّى أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: مَعَاذَ الله المحيا محياكم، والممات مماتكم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بدء فتح مكة ذكر فيه الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ الْكِنَانِيّ بِفَتْحِ الرّاءِ، وَذَكَرَ الشّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو بَحْرٍ أَنّ أَبَا الْوَلِيدِ أَصْلَحَهُ: رِزْنًا بِكَسْرِ الرّاءِ «1» ، قَالَ: وَالرّزْنُ: نُقْرَةٌ فِي حَجَرٍ يُمْسِكُ الْمَاءَ، وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ: الرّزْنُ أَكَمَةٌ تُمْسِكُ الْمَاءَ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، وَذَكَرَ أَنّ بَنِي رِزْنٍ مِنْ بَنِي بَكْرٍ، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ: الدّئِلُ، وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْقَوْلَ فِيهِ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ، وَمَا قَالَهُ اللّغَوِيّونَ وَالنّسّابُونَ، وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ كُلّ دِيلٍ فِي الْعَرَبِ، وَكُلّ دُوَلٍ وَالْحَمْدُ لِلّهِ. حَوْلَ شِعْرِ تَمِيمٍ: وَذَكَرَ شِعْرَ تَمِيمِ بْنِ أَسَدٍ، وَفِيهِ: يُزْجُونَ كُلّ مُقَلّصٍ خِنّابِ الْخِنّابُ: الطّوِيلُ مِنْ الْخَيْلِ، وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْجَمْهَرَةِ، وَيُقَالُ: الْخِنّابُ: الْوَاسِعُ الْمَنْخِرَيْنِ، وَالْخِنّابَةُ «2» جَانِبُ الْأَنْفِ، وَفِي الْعَيْنِ: الْخِنّابُ «3» الرّجُلُ

_ (1) يروى هنا بكسر الراء، وفتحها وإسكان الزاء وفتحها، وقيده الدارقطنى بفتح الراء، وإسكان الزاء لا غير «الخشنى» ص 363. (2) خنابة بكسر الخاء وضمها. (3) فى التهذيب: هذا مما جاء على أصله شاذا لأن كل ما كان على فقال من الأحماء أبدل من أحد حرفى تضعيفه ياء مثل دينار وقيراط كرامية أن بلنبس بالمصادر إلا أن يكون بالهاء، فيخرج على أصله مثل: دنابة وصناوة وخنابة لأنه الآن قد أمن الباسه بالمصادر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الضّخْمُ، وَهُوَ الْأَحْمَقُ أَيْضًا، وَالْمُقَلّصُ مِنْ الْخَيْلِ الْمُنْضَمّ الْبَطْنِ وَالْقَوَائِمِ، وَإِنْ قُلْت: الْمُقَلّصُ بِكَسْرِ اللام، فهو من قنصت الْإِبِلُ إذَا شَمّرَتْ، قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ. وَفِيهِ: ظِلّ عُقَابِ، وَهِيَ الرّايَةُ، وَكَانَ اسْمُ رَايَةِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعُقَابَ، وَالدّلِيلُ عَلَى أَنّهُ يُقَالُ لِكُلّ رَايَةٍ عُقَابٌ قَوْلُ قَطَرِيّ بْنِ الْفُجَاءَةِ «1» وَيُكَنّى أَبَا نَعَامَةَ رَئِيسَ الخوارج: يا ربّ ظلّ عقاب قد وقيت بِهَا ... مُهْرِي مِنْ الشّمْسِ وَالْأَبْطَالُ تَجْتَلِدُ وَفِيهِ: يَبُلّ مَشَافِرَ الْقَبْقَابِ، الْقَبْقَابُ: أَرَادَ بِهِ الْفَرْجَ، والقبقب والقبقاب: البطن أيضا. حول شعر الأخرز: وذكر قول الأخرز، وفيه: قفاثور حفّان النّعام الجوافل

_ (1) اختلف فى اسم الفجاءة، فقيل: اسمه: جعوتة، وقيل: مازن بن يزيد ابن زياد بن خنثر احد بَنِي مَازِنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تميم، سمى الفجاءة لأنه غاب دهرا باليمن، ثم جاءهم فجاءة، وقد أنشد أبو عبيدة قصيدة قطرى التى منها هذا البيت لأبى حاتم، ثم قال: هذا الشعر لا ما تعللون به أنفسكم من أشعار المخانيث. أنظر ص 265 ح 1 أمالى القالى ط 2، ص 590 سمط اللآلى للبكرى. هذا وليس فى قصيدة تميم ذكر للعقاب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قفاثور، يَعْنِي: الْجَبَلَ، وَقَفَا ظَرْفٌ لِلْفِعْلِ الّذِي قَبْلَهُ، وقال: قفاثور، وَلَمْ يُنَوّنْ لِأَنّهُ اسْمُ عَلَمٍ مَعَ ضَرُورَةِ الشّعْرِ، وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَلَى هَذَا فِيمَا قَبْلُ، ولو قال: قفاثور بِنَصْبِ الرّاءِ، وَجَعَلَهُ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ، لَمْ يَبْعُدْ، لِأَنّ مَا لَا تَنْوِينَ فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْرَبٍ بِأَلِفِ وَلَامٍ، وَلَا إضَافَةٍ، فَلَا يَدْخُلُهُ الْخَفْضُ لِئَلّا يُشْبِهَ مَا يُضِيفُهُ الْمُتَكَلّمُ إلَى نفسه، وقفاثور بِهَذَا اللّفْظِ تَقَيّدَ فِي الْأَصْلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَرْقِيّ فِي شَرْحِ هَذَا الْبَيْتِ أَنّهُ بِفَاثُورَ، لِأَنّهُ قَالَ: الْفَاثُورُ سَبِيكَةُ الْفِضّةِ، وَكَأَنّهُ شَبّهَ المكان بالفضّة لنقائه واستوائه، فإن كانت لرواية كَمَا قَالَ، فَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ، وَالْفَاثُورُ: خِوَانٌ مِنْ فِضّةٍ، وَيُقَالُ: إبْرِيقٌ مِنْ فِضّةٍ، قِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ جَمِيلٍ: وَصَدْرٍ كَفَاثُورِ اللّجَيْنِ وَجِيدُ «1» وَفِي قَوْلِ لَبِيَدٍ: حَقَائِبُهُمْ رَاحٌ عَتِيقٌ وَدَرْمَكٌ ... وَمِسْكٌ وَفَاثُورِيّةٌ وَسُلَاسِلُ وَكَمَا قَالَ الْبَرْقِيّ: أَلْفَيْته فِي نُسَخٍ صَحِيحَةٍ سِوَى نُسْخَةِ الشّيْخِ، وَإِنْ صَحّ، مَا فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ، فَهُوَ كَلَامٌ حُذِفَ مِنْهُ وَمَعْنَاهُ: قَفَا فَاثُورَ، وَحَسُنَ حَذْفُ الْفَاءِ الثّانِيَةِ، كَمَا حَسُنَ حَذْفُ اللّامِ الثّانِيَةِ فِي قَوْلِهِمْ: عُلَمَاءُ بَنِي فُلَانٍ، لَا سيّما

_ (1) أوله: سبتنى بعينى جزذر وسط ربرب. والشطرة الأخرى فى تزيين الأسواق لداود الأفطالى ص 40: وصدر حكى لون اللجين وجيد. ولم أجده فى ترجمة جميل فى الأغانى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَعَ ضَرُورَةِ الشّعْرِ، وَتَرْكِ الصّرْفِ، لِأَنّهُ جَعَلَهُ اسم بقعة، ومن الشاهد على عَلَى أَنّ فَاثُورَ اسْمُ بُقْعَةٍ قَوْلُ لَبِيَدٍ: وَيَوْمَ طَعَنْتُمْ فَاسْمَعَدّتْ وُفُودُكُمْ ... بِأَجْمَادِ فَاثُورٍ كَرِيمِ مُصَابِرِ أَيْ أَنَا كَرِيمٌ مُصَابِرٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْبَكْرِيّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اخْتِلَافًا، وَقَالَ هُوَ اسْمُ جَبَلٍ يَعْنِي فَاثُورَ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ: حَيّ مَحَاضِرُهُمْ شَتّى وَجَمْعُهُمْ ... دَوْمُ الْإِيَادِ، وَفَاثُورٌ إذَا انْتَجَعُوا وَقَالَ لَبِيدٌ: وَلَدَى النّعْمَانِ مِنّي موطن ... بين فاثور أفاق فالدّخل وحفّان النّعَامِ: صِغَارُهَا، وَهُوَ مَرْفُوعٌ لِأَنّهُ خَبَرُ كَأَنّ. حول شعر بديل: وذكر شعر بديل بن أُمّ أَصْرَمَ، وَفِيهِ: غَيْرُ آيِلٍ، هُوَ فَاعِلٌ مِنْ آلَ إذَا رَجَعَ، وَلَكِنّهُ قَلَبَ الْهَمْزَةَ الّتِي هِيَ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ يَاءً، لِئَلّا تَجْتَمِعَ هَمْزَتَانِ، وَكَانَتْ الْيَاءُ أَوْلَى بِهَا لِانْكِسَارِهَا. وَفِيهِ ذِكْرُ عُيَيْسٍ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْكِتَابِ عُبَيْسٌ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِوَاحِدَةِ مِنْ أَسْفَلَ «1» .

_ (1) اسم رجل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهِ: أَإِنْ أَجْمَرْت فِي بَيْتِهَا أُمّ بَعْضِكُمْ بِجُعْمُوسِهَا «1» أَيْ: رَمَتْ بِهِ بِسُرْعَةِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ ضَرْبٍ مِنْ الْحَرْثِ يَسْمُجُ وَصْفُهُ. حَوْلَ شِعْرِ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ: وَذَكَرَ أَبْيَاتِ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ، وَفِيهَا: قَدْ كُنْتُمْ وُلْدًا وَكُنّا وَالِدًا يُرِيدُ: أَنّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أُمّهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَذَلِكَ: قُصَيّ أُمّهُ: فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدٍ الْخُزَاعِيّةُ، وَالْوُلْدُ بِمَعْنَى الْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ: ثُمّتَ أَسْلَمْنَا، هُوَ مِنْ السّلْمِ لِأَنّهُمْ لَمْ يَكُونُوا آمَنُوا بَعْدُ، غَيْرَ أَنّهُ، قَالَ: رُكّعًا وَسُجّدَا، فَدَلّ عَلَى أَنّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ صَلّى لِلّهِ، فَقُتِلَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ فِيهِ الْوَتِيرَ، وَهُوَ اسْمُ مَاءٍ مَعْرُوفٍ فِي بِلَادِ خُزَاعَةَ، وَالْوَتِيرُ فِي اللّغَةِ الْوَرْدُ الْأَبْيَضُ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْهُ بَرّيّ، فَمُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَاءُ سُمّيَ بِهِ، وَأَمّا الْوَرْدُ الْأَحْمَرُ فَهُوَ الْحَوْجَمُ «2» وَيُقَالُ لِلْوَرْدِ كُلّهِ جَلّ «3» قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ،

_ (1) أجمرت: بخرت. والجعموس: العذرة والبعر أيضا، أو هو كما عرفه أبو زيد: ما يطرحه الإنسان من ذى بطنه. (2) مفردها: حوجمة. (3) وتقال أيضا على الياسمين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَأَنّ لَفْظَ الْحَوْجَمِ مِنْ الْحَجْمَةِ وَهِيَ حُمْرَةٌ فِي الْعَيْنَيْنِ، يُقَالُ مِنْهُ رَجُلٌ أَحْجَمُ. مَا قَالَ عُمَرُ لِأَبِي سُفْيَانَ وَمَعْنَاهُ: وَذَكَرَ قَوْلَ عمر رضى الله عنه: فو الله لَوْ لَمْ أَجِدْ إلّا الذّرّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ، وَهُوَ كَلَامٌ مَفْهُومُ الْمَعْنَى، وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ مِثْلَ هَذَا لَيْسَ بِكَذِبِ، وَإِنْ كَانَ الذّرّ لَا يُقَاتَلُ بِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأِ: وَاَللهِ لَيَمُرّن بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِك، يَعْنِي الْجَدْوَلَ، وَهُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا يُعَدّ كَذِبًا، لِأَنّهُ جَرَى فِي كَلَامِهِمْ كَالْمَثَلِ. شَرْحُ قَوْلِ فَاطِمَةَ لِأَبِي سُفْيَانَ: وَذَكَرَ قَوْلَ فَاطِمَةَ: وَاَللهِ مَا بَلَغَ بُنَيّ أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النّاسِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ هَذَا مُحْتَجّا بِهِ عَلَى مَنْ أَجَازَ أَمَانَ الصّبِيّ وَجِوَارَهُ، وَمَنْ أَجَازَ جِوَارَ الصّبِيّ إنّمَا أَجَازَهُ إذَا عَقَلَ الصّبِيّ، وَكَانَ كَالْمُرَاهِقِ. وَقَوْلُهَا: وَلَا يُجِيرُ أَحَدٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُم، فَمَعْنَى هَذَا- وَاَللهُ أَعْلَمُ- كَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ جِوَارُهُ، فِيمَا قَلّ، مِثْلَ أَنْ يُجِيرَ وَاحِدًا مِنْ الْعَدُوّ، أَوْ نَفَرًا يَسِيرًا، وَأَمّا أَنْ يُجِيرَ عَلَى الْإِمَامِ قَوْمًا يُرِيدُ الْإِمَامُ غَزْوَهُمْ وَحَرْبَهُمْ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَى الْإِمَامِ، وَهَذَا هُوَ الّذِي أَرَادَتْ فَاطِمَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَأَمّا جِوَارُ الْمَرْأَةِ وتأمينها فجائز عند جماعة الْفُقَهَاءِ إلّا سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، فَإِنّهُمَا قَالَا: هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْإِمَامِ، وَقَدْ قَالَ عليه السلام لأم هانىء: قد أجرنا من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أجرت يا أمّ هانىء، وروى معنى قولهما عن عمرو بن العاصى وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ. وَأَمّا جِوَارُ الْعَبْدِ، فَجَائِزٌ إلّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ. حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ وَمَا كَانَ فِي كِتَابِهِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ كِتَابَ حَاطِبٍ إلَى قُرَيْشٍ، وَهُوَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَالْبَلْتَعَةُ فِي اللّغَةِ التّظَرّفُ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَاسْمُ أَبِي بَلْتَعَةَ، عَمْرٌو، وَهُوَ لَخْمِيّ، فِيمَا ذَكَرُوا، وَمِنْ ذُرّيّتِهِ: زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ [بْنِ زِيَادٍ] الْأَنْدَلُسِيّ الّذِي رَوَى الْمُوَطّأَ عَنْ مَالِكٍ «1» ، وَهُوَ زِيَادُ شَبْطُونَ، وَكَانَ قَاضِي طُلَيْطِلَةَ «2» ، وكان شبطون زوجا لأمّه، فعرف بِهِ رَحِمَهُ اللهُ، وَقَدْ قِيلَ: إنّهُ كَانَ فِي الْكِتَابِ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجّهَ إلَيْكُمْ بِجَيْشِ كَاللّيْلِ يَسِيرُ كَالسّيْلِ، وَأُقْسِمُ بِاَللهِ لَوْ سَارَ إلَيْكُمْ وَحْدَهُ لَنَصَرَهُ اللهُ عَلَيْكُمْ فَإِنّهُ مُنْجِزٌ لَهُ مَا وعده، وفى تفسير [يحيى] ابن سَلّامٍ أَنّهُ كَانَ فِي الْكِتَابِ الّذِي كَتَبَهُ حَاطِبٌ أَنّ النّبِيّ مُحَمّدًا قَدْ نَفَرَ إمّا إليكم وإمّا إلى غيركم، فعليكم الحذر «3» .

_ (1) قال عنه ابن حزم فى الجمهرة أول من أدخل الموطأ الأندلس. (2) فى المراصد: ضبطه الحميدى بضم الطاءين وفتح اللامين، قال: وأكثر ما سمعناه من المغاربة بضم الأولى وفتح الثانية. (3) ذكر الواقدى بسند له مرسل أن حاطب كتب إلى سهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبى جهل، - وقد أسلم الثلاثة- أن رسول الله «ص» أذن فى الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن تكون لى عندكم يد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَصْحِيفُ هُشَيْمٍ لِخَاخٍ: وَذَكَرَ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ أَدْرَكُوهَا بِرَوْضَةِ خَاخٍ بِخَاءَيْنِ مَنْقُوطَتَيْنِ، وَكَانَ هُشَيْمٌ يَرْوِيهِ: حَاجٍ بِالْحَاءِ وَالْجِيمِ، وَهُوَ مِمّا حُفِظَ مِنْ تَصْحِيفِ هُشَيْمٍ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَرْوِي: سَدّادًا مِنْ عَوْنِ [بْنِ أَبِي شَدّادٍ] بِفَتْحِ السّينِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ يَقُولُ فِيهِ: بَرْزَةُ بِالزّايِ «1» وَفَتْحِ الْبَاءِ فِي تَصْحِيفِ كَثِيرٍ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ ثَبْتٌ مُتّفَقٌ عَلَى عَدَالَتِهِ، عَلَى أَنّ الْبُخَارِيّ، قَدْ ذَكَرَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ أَيْضًا أَنّهُ قَالَ فِيهِ: حَاجٍ كَمَا قِيلَ عَنْ هُشَيْمٍ، فَاَللهُ أَعْلَمُ، وَفِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ رِوَايَةِ الشّيْبَانِيّ أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيّ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا أُغَرْبِلُ حِنْطَةً لَنَا، فَسَأَلَنِي، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَكْلُهُمْ لِلْبُرّ، وَإِنْ كَانَ أَغْلَبُ أَحْوَالِهِمْ أَكْلَ الشّعِيرِ، وَلَا يُقَالُ حِنْطَةٌ إلّا لِلْبُرّ. تَفْسِيرُ (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) : فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ اللهِ عَزّ وَجَلّ فِي حاطب تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أَيْ تَبْذُلُونَهَا لَهُمْ، وَدُخُولُ الْبَاءِ وَخُرُوجُهَا عِنْدَ الْفَرّاءِ سَوَاءٌ، وَالْبَاءُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لَا تُزَادُ فِي الْوَاجِبِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْبَصْرِيّينَ: تُلْقُونَ إلَيْهِمْ النّصِيحَةَ بِالْمَوَدّةِ، قَالَ النّحّاسُ: مَعْنَاهُ تُخْبِرُونَهُمْ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ الرّجُلُ أَهْلَ

_ (1) هناك المغيرة بن أبى بردة الكنانى يروى عن أبى هريرة ويروى عنه سعيد ابن سلمة وثقه النسائى، وهناك المغيرة بن أبى برزة الأسلمى يروى عن أبيه، ويروى عنه جدعان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَوَدّتِهِ، وَهَذَا التّقْدِيرُ إنْ نَفَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَمْ يَنْفَعْ فِي مِثْلِ قَوْلِ الْعَرَبِ: أَلْقَى إلَيْهِ بِوِسَادَةِ أَوْ بِثَوْبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيُقَالُ: إذًا إنْ أَلْقَيْت تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنْ تُرِيدَ وَضْعَ الشّيْءِ فِي الْأَرْضِ، فَتَقُولَ: أَلْقَيْت السّوْطَ مِنْ يَدِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالثّانِي: أَنْ تُرِيدَ مَعْنَى الرّمْيِ بِالشّيْءِ، فَتَقُولَ: أَلْقَيْت إلَى زَيْدٍ بِكَذَا: أَرْمَيْته بِهِ، وَفِي الْآيَةِ إنّمَا هُوَ إلْقَاءٌ بِكِتَابِ، وَإِرْسَالٌ بِهِ، فَعَبّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْمَوَدّةِ لِأَنّهُ مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ الْمَوَدّةِ، فَمِنْ ثَمّ حَسُنَتْ الْبَاءُ لِأَنّهُ إرْسَالٌ بِشَيْءِ فَتَأَمّلْهُ. قَتْلُ الْجَاسُوسِ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى قَتْلِ الْجَاسُوسِ، فَإِنّ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا يُدْرِيك يَا عُمَرُ لَعَلّ اللهَ اطّلَعَ إلَى أَصْحَابِ بَدْرٍ، الْحَدِيثَ، فَعَلّقَ حُكْمَ الْمَنْعِ مِنْ قَتْلِهِ بِشُهُودِ بَدْرٍ، فَدَلّ عَلَى أَنّ مَنْ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ، وَلَيْسَ بِبَدْرِيّ أَنّهُ يُقْتَلُ. زَادَ الْبُخَارِيّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ، قَالَ: فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، يَعْنِي حِينَ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي أَهْلِ بَدْرٍ مَا قَالَ «1» ، وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ أَنّ حَاطِبًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كُنْت عريرا فى قريش، وكانت أمى بين

_ (1) يرى مالك جواز قتل كل جاسوس، وإن كان مسلما، أما الشافعى وأبو حنيفة فيريان أنه لا يقتل، ويقول ابن القيم: والصحيح أن قتله راجع إلى رأى الإمام، فإن رأى فى قتله مصلحة للمسلمين قتله، وإن كان بقاؤه أصلح استبقاه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ظَهْرَانِيهِمْ، فَأَرَدْت أَنْ يَحْفَظُونِي فِيهَا، أَوْ نَحْوَ هذا، ثم فسّر العرير، وَقَالَ: هُوَ الْغَرِيبُ. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ: وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأُمّ سَلَمَةَ حِينَ اسْتَأْذَنَتْهُ فِي أَخِيهَا عَبْدِ اللهِ بْنِ أُمَيّةَ: وَأَمّا ابْنُ عَمّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الّذِي قَالَ لِي بِمَكّةَ مَا قَالَ، يَعْنِي حِينَ قَالَ لَهُ: وَاَللهِ لَا آمَنْت بِك حَتّى تَتّخِذَ سُلّمًا إلَى السّمَاءِ، فَتَعْرُجَ فِيهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ ثُمّ تَأْتِيَ بِصَكّ وَأَرْبَعَةٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَك أَنّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَك، وَقَدْ تَقَدّمَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ. وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ هُوَ أَخُو أُمّ سَلَمَةَ لِأَبِيهَا، وَأُمّهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأُمّ سَلَمَةَ أُمّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ جِذْلِ الطّعَانِ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ «1» الْفِرَاسِيّ، وَاسْمُ أَبِي أُمَيّةَ حُذَيْفَةُ «2» وَكَانَتْ عِنْدَهُ أَرْبَعُ عَوَاتِكَ، قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهُنّ هَهُنَا ثِنْتَيْنِ «3» . عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِهِ وَقَصِيدَتِهِ: وَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ: أَوْ لَآخُذَن بِيَدِ بُنَيّ هذا، ثم لنذهبنّ

_ (1) فى القاموس: علقمة بن فراس وكذلك فى المحبر لابن حبيب ص 233 ونسب عاتكة عند ابن حبيب هو: بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة ابن علقمة بن جذل الطعان بن فِرَاسِ بْنِ غَنَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ. (2) هو ابن الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مخزوم. (3) أنظر العواتك فى المحبر لابن حبيب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي الْأَرْضِ. لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ اسْمَ ابْنِهِ ذَلِكَ، وَلَعَلّهُ أَنْ يَكُونَ جَعْفَرًا، فَقَدْ كَانَ إذْ ذَاكَ غُلَامًا مُدْرِكًا، وَشَهِدَ مَعَ أَبِيهِ حُنَيْنًا، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَلَا عقب له. وذكر الزّبير لأبى سفيان ولدا يُكَنّى أَبَا الْهِيَاجِ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ لَا أَدْرِي: أَهُوَ جَعْفَرٌ أَمْ غَيْرُهُ، وَمَاتَ أَبُو سُفْيَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: لَا تَبْكُنّ عَلَيّ، فَإِنّي لَمْ أَنْتَطِفْ بِخَطِيئَةِ مُنْذُ أَسْلَمْت، وَمَاتَ مِنْ ثُؤْلُولٍ حَلَقَهُ الْحَلّاقُ فِي حَجّ فَقَطَعَهُ مَعَ الشّعْرِ فَنَزَفَ مِنْهُ، وَقِيلَ فِي اسْمِ أَبِي سُفْيَانَ: الْمُغِيرَةُ، وَقِيلَ: بَلْ الْمُغِيرَةُ أَخُوهُ، قَالَ الْقُتَبِيّ: إخْوَتُهُ: الْمُغِيرَةُ وَنَوْفَلٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ وَرَبِيعَةُ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ «1» . وَزْنُ فُعْلَلٍ: وَقَوْلُهُ: نَزَائِعَ جَاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسُرْدَدِ، عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَسُرْدَدِ بِضَمّ أَوّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ وَيَعْقُوبُ، وَبِفَتْحِ الدّالِ ذَكَرَهُ غَيْرُهُمَا، وَهُمَا مَوْضِعَانِ مِنْ أَرْضِ عَكّ، وَذَلِكَ أَنّ سِيبَوَيْهِ مِنْ أَصْلِهِ أَنّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فُعْلَلٌ بِالْفَتْحِ، وَحَكَاهُ الْكُوفِيّونَ فِي جُنْدُبٍ وَسُرْدَدٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَلَا يَنْبَغِي أَيْضًا عَلَى أَصْلِ سِيبَوَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ الْفَتْحُ فِي سردد، لأن

_ (1) أولاد الحارث بن عبد المطلب- كما ذكر المصعب- هم: نوفل وأبو سفيان الشاعر واسمه: المغيرة، وربيعة. عبد شمس، وعبد المطلب، وأمية، وأروى، ونوفل هو أسن ولد الحارث ص 85 نسب قريش. أما السدوسى فذكر أن له ثلاثة فقط هم ربيعة. ونوفل، وأبو سفيان ص 22 حذف نسب قريش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إحدى الدالين زائدة من أجل التضعيف، وَإِنّمَا الّذِي يَمْتَنِعُ فِي الْأَبْنِيَةِ مِثْلُ جُعْفُرٍ بِضَمّ أَوّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ، فَمِثْلُ سُرْدَدٍ وَالسّودَدِ وَالْحُولَلِ «1» جَمْعُ حَائِلٍ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ طحلب وبرفع وَجُؤْذَرٍ، فَهُوَ دَخِيلٌ فِي الْكَلَامِ، وَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا، وَلَا يَمْتَنِعُ أَيْضًا جُنْدَبٌ بِفَتْحِ الدّالِ، لأن النون زائدة «2» .

_ (1) فى الأصل والحلل وهو خطأ. (2) نقل ابن خالويه عن ابن دريد أنه قال: ليس فى كلامهم فعلل- بضم الفاء وفتح اللام إلا سؤدد وجؤذر وجندب وخنطب كلها مفتوحة ومضمومة وقال الزبيدى فى الاستدراك على العين: ليس فى الكلام على مثال فعلل إلا أحرف لا يقول بها البصريون مثل: طحلب- بضم الطاء واللام- وبرقع وجؤذر ص 63 ح 3 المزهر للسيوطى. وفى كتاب التصريف للمازنى وشرحه لابن جنى ذكر ان الإجماع وقع على خمسة أمثلة للأسماء الرباعية التى لا زيادة فيها، ثم ذكر مثالا سادسا تجاذبه الخلاف وهو فعلل بضم الفاء وفتح اللام، ثم قال ابن جنى: وأما السادس الذى يتنازع الناس فيه فجخدب ومثاله: فعلل- بضم الفاء وفتح اللام- حكاه أبو الحسن وحده بالفتح، وخالفه فيه جميع البصريين إلا من قال بقوله. والذى رواه الناس غيره جخدب بضم الدال، وهو اسم لا صفة، وقد حكى غيره: برقع وبرقع، وطحلب وطحلب وجؤذر وجؤذر كلها بضم وفتح إلا أن جؤذرا ذكر أبو على أنه أعجمى، قال: فلا حجة فيه، والضم فى برقع وطلحب هو الشائع ص 25، 27 المنصف فى شرح التصريف ح 1 وفى إصلاح المنطق لأبى يوسف يعقوب بن السكيت فى باب فعلل بضم اللام وفعلل- بفتحها- بمعنى واحد. الفراء: يقال: برقع وبرقع وبرقوع.. ابن الأعرابى: عنصل وعنصل للبصل البرى، وهو لئيم العنصر والعنصر أى الأصل، وهو دخلله ودخلله، أى خاصته. ويقال: قنفذ وقنفذ وجؤذر، وجؤذر لولد البقرة ورجل قعدد وقعدد إذا كان قريب الآباء إلى الجد الأكبر.. ويقال: طحلب وطحلب، ويقال فى غير هذا الباب منخل ومنخل، ومنصل ومنصل للسيف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَوْدٌ إلَى أَبِي سُفْيَانَ: وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ رَضِيعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْضَعَتْهُمَا حَلِيمَةُ، وَكَانَ آلَفَ النّاسِ لَهُ قَبْلَ النّبُوّةِ لَا يُفَارِقُهُ، فَلَمّا نُبّئَ كَانَ أَبْعَدَ النّاسِ عَنْهُ، وَأَهْجَاهُمْ لَهُ إلَى أَنْ أَسْلَمَ، فَكَانَ أَصَحّ النّاسِ إيمَانًا، وَأَلْزَمَهُمْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَبِي سُفْيَانَ هَذَا قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، كَمَا قِيلَ كُلّ الصّيْدِ فِي جَوْفِ الْفَرَا «1» ، وَقِيلَ: بَلْ قَالَهَا لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَالْأَوّلُ أَصَحّ. وَقَوْلُ بُدَيْلٍ: حَمَشَتْهُمْ الْحَرْبُ، يُقَالُ: حَمَشْت الرّجُلَ إذَا أَغْضَبْته، وَحَمَشْت النّارَ أَيْضًا إذَا أَوْقَدْتهَا، وَيُقَالُ: حَمَسْت بِالسّينِ. عَنْ إسْلَامِ سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ: وَذَكَرَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ «2» فِي إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ أَنّ الْعَبّاسَ لَمّا احْتَمَلَهُ مَعَهُ إلَى قُبّتِهِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَهُ، رَأَى النّاسَ وَقَدْ ثَارُوا إلى ظهورهم،

_ (1) الفرا: الحمار الوحشى. ويقول الذين رووا هذا إن أبا سفيان استأذن على النبى «ص» فحجب قليلا، ثم أذن له، فلما دخل قال: ما كدت تأذن لى حتى تأذن لحجارة الجهلتين- وهما جانبا الوادى- فقال «ص» يا أبا سفيان أنت كَمَا قِيلَ: كُلّ الصّيْدِ فِي جَوْفِ الْفَرَا، يتألفه على الإسلام، وقيل معناه: إذا حجبتك قنع كل محجوب. يضرب المثل لمن يفضل على أقرانه. وانظر أصل المثل فى الأمثال للميدانى ص 136 ح 2 ط السنة المحمدية. (2) رواه ابن أبى شيبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ مَا لِلنّاسِ!! أَأُمِرُوا فِيّ بِشَيْءِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنّهُمْ قَامُوا إلَى الصّلَاةِ، فَأَمَرَهُ الْعَبّاسُ فَتَوَضّأَ، ثُمّ انْطَلَقَ بِهِ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي الصّلَاةِ كَبّرَ فَكَبّرَ النّاسُ بِتَكْبِيرِهِ، ثُمّ رَكَعَ فَرَكَعُوا، ثُمّ رَفَعَ فَرَفَعُوا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ طَاعَةَ قَوْمٍ جَمَعَهُمْ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا، وَلَا فَارِسَ الْأَكَارِمِ، وَلَا الرّومِ ذَاتِ الْقُرُونِ بِأَطْوَعَ مِنْهُمْ لَهُ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ عَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْعُزّى؟ فَسَمِعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ وَرَاءِ الْقُبّةِ، فَقَالَ لَهُ: نَخْرَا عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: وَيْحَك يَا عُمَرُ!! إنّك رَجُلٌ فَاحِشٌ دَعْنِي مَعَ ابْنِ عَمّي، فَإِيّاهُ أُكَلّمُ. وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي سُفْيَانَ: لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيك الْغَدَاةَ عَظِيمًا، وَقَوْلَ الْعَبّاسِ لَهُ: إنّهَا النّبُوّةُ، قَالَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللهُ: إنّمَا أَنْكَرَ الْعَبّاسُ عَلَيْهِ أَنْ ذَكَرَ الْمُلْكَ مُجَرّدًا مِنْ النّبُوّةِ مَعَ أَنّهُ كَانَ فِي أَوّلِ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِلّا فَجَائِزٌ أَنْ يُسَمّى مِثْلُ هَذَا مُلْكًا، وَإِنْ كَانَ لِنَبِيّ فَقَدْ قَالَ الله تعالى فى داود وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وقال سليمان: وَهَبْ لِي مُلْكاً غَيْرَ أَنّ الْكَرَاهِيَةَ أَظْهَرُ فِي تَسْمِيَةِ حَالِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلْكًا لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُيّرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيّا عَبْدًا، أَوْ نَبِيّا مَلِكًا، فَالْتَفَتَ إلَى جِبْرِيلَ، فَأَشَارَ إلَيْهِ أَنْ تَوْضَعْ، فَقَالَ: بَلْ نَبِيّا عَبْدًا أَشْبَعُ يَوْمًا، وَأَجُوعُ يَوْمًا وَإِنْكَارُ الْعَبّاسِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ يُقَوّي هَذَا الْمَعْنَى، وَأَمْرُ الخلفاء الأربعة بعده يكره أيضا أن أَنْ يُسَمّى مَلِكًا، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: يَكُونُ بَعْدَهُ خُلَفَاءُ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثُمّ يَكُونُ أُمَرَاءُ، ثُمّ يَكُونُ مُلُوكٌ، ثُمّ جبابرة، ويروى: ثم يعود الأمر بربزيّا،؟؟؟ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، قَالَ الْخَطّابِيّ: إنّمَا هُوَ بِزّيزَيّ، أَيْ قَتْلٌ وَسَلْبٌ قَوْلُ هِنْدٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ: وَقَوْلُ هِنْدٍ: اُقْتُلُوا الْحَمِيتَ الدّسِمَ الْأَحْمَسَ. الْحَمِيتُ: الزّقّ، نَسَبَتْهُ إلَى الضّخْمِ وَالسّمَنِ، وَالْأَحْمَسُ أَيْضًا الّذِي لَا خَيْرَ عِنْدَهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: عَامٌ أَحْمَسُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَطَرٌ، وَزَادَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي حَدِيثِهِ أَنّهَا قَالَتْ: يَا آلَ غَالِبٍ اُقْتُلُوا الْأَحْمَقَ، فَقَالَ لَهَا أَبُو سُفْيَانَ: وَاَللهِ لَتُسْلِمَن أَوْ لَأَضْرِبَن عُنُقَك، وَفِي إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ قَبْلَ هِنْدٍ وَإِسْلَامُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدّتِهَا، ثُمّ اسْتَقَرّا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَكَذَلِكَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مَعَ امْرَأَتِهِ حُجّةٌ لِلشّافِعِيّ، فَإِنّهُ لَمْ يُفَرّقْ بَيْنَ أَنْ تسلم قبله، أو يسلم قبلها، مادامت فِي الْعِدّةِ. وَفَرّقَ مَالِكٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى مَا فِي الْمُوَطّأِ وَغَيْرِهِ. إسْلَامُ أَبِي قُحَافَةَ: وَذَكَرَ إسْلَامُ أَبِي قُحَافَةَ، وَاسْمُهُ: عُثْمَانُ بْنُ عَامِرٍ، وَاسْمُ أُمّهِ: قَيْلَةُ بِنْتُ أَذَاةَ. وَقَوْلُهُ لِبِنْتِ لَهُ: وَهِيَ أَصْغَرُ وَلَدِهِ، يُرِيدُ وَاَللهُ أَعْلَمُ أَصْغَرُ أَوْلَادِهِ الّذِينَ لِصُلْبِهِ، وَأَوْلَادِهِمْ، لِأَنّ أَبَا قُحَافَةَ لَمْ يَعِشْ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ إلّا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا تُعْرَفُ لَهُ بِنْتٌ إلّا أُمّ فَرْوَةَ الّتِي أَنْكَحَهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ تَمِيمٍ الدّارِيّ، فَهِيَ هَذِهِ التى ذكر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابْنُ إسْحَاقَ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قِيلَ: كَانَتْ له بنت أخرى تسمّمى قُرَيْبَةَ تَزَوّجَهَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَالْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي قُحَافَةَ هِيَ إحْدَى هَاتَيْنِ عَلَى هَذَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْحَدِيثِ: وَكَانَ رَأْسُهُ ثَغَامَةً، وَالثّغَامُ مِنْ نَبَاتِ الْجِبَالِ، وَهُوَ مِنْ الْجَنَبَةِ، وَأَشَدّ مَا يَكُونُ بَيَاضًا إذَا أَمْحَلَ، وَالْحَلِيّ مِثْلُهُ يُشَبّهُ بِهِ الشّيْبُ، قَالَ الرّاجِزُ: وَلِمّتِي كَأَنّهَا حَلِيّةٌ «1» حُكْمُ الْخِضَابِ: وَقَوْلُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَيْبِ أَبِي قُحَافَةَ غَيّرُوا هَذَا مِنْ شَعْرِهِ، هُوَ عَلَى النّدْبِ، لَا عَلَى الْوُجُوبِ، لِمَا دَلّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ عَنْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّهُ لَمْ يُغَيّرْ شَيْبَهُ، وَقَدْ رَوَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ؟؟؟ خَضَبَ. وَقَالَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ: إنّمَا كَانَتْ شَيْبَاتٍ يَسِيرَةً يُغَيّرُهَا بِالطّيبِ. وَقَالَ أَنَسٌ: لَمْ يَبْلُغْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدّ الْخِضَابِ، وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: أَرَتْنِي أُمّ سَلَمَةَ شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: بَعَثَنِي أَهْلِي بِقَدَحِ إلى أمّ سلمة، وذكر

_ (1) الرجز هكذا: لما رأت حليلتى عينيه ... ولمنتى كأنها حليه تقول: هذى قرة عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحَدِيثَ،: وَفِيهِ اطّلَعْت فِي الْجُلْجُلِ فَرَأَيْت شَعَرَاتٍ حمرا، وهذا كلام مشكل وشرحه فى مسند وَكِيعِ بْنِ الْجَرّاحِ قَالَ: كَانَ جُلْجُلًا مِنْ فِضّةٍ صُنِعَ صِيوَانًا لِشَعَرَاتِ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ كَانَ مَخْضُوبَ الشّيْبِ، وَقَدْ صَحّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ. أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يَكُنْ بَلَغَ أَنْ يَخْضِبَ إنّمَا كَانَتْ شَعَرَاتٍ تُعَدّ. فَالْجَوَابُ: أَنّهُ لَمّا تُوُفّيَ خَضَبَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهِ تِلْكَ الشّعَرَاتِ لِيَكُونَ أَبْقَى لها، كذلك قال الدّار قطنى فِي أَسْمَاءِ رِجَالِ الْمُوَطّأِ لَهُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْضِبُ بِالْحِنّاءِ وَالْكَتَمِ، وَكَانَ عُمَرُ يَخْضِبُ بِالصّفْرَةِ، وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَخْضِبُ بِالْخِطْرِ، وَهُوَ الْوَسْمَةُ، وَأَمّا الصّفْرَةُ، فَكَانَتْ مِنْ الْوَرْسِ، أَوْ الْكُرْكُمِ وَهُوَ الزّعْفَرَانُ، وَالْوَرْسُ يَنْبُتُ بِالْيَمَنِ يُقَالُ لِجَيّدِهِ: بَادِرَةُ الْوَرْسِ، وَمِنْ أَنْوَاعِهِ: الْعَسْفُ وَالْحَبَشِيّ وَهُوَ آخِرُهُ، وَيُقَالُ مِنْ الْحِنّاءِ: حَنّا شَيْبَهُ وَرَقّنَهُ، وَجَمْعُ الْحِنّاءِ حِنّانٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، قَالَ الشّاعِرُ: وَلَقَدْ أَرُوحُ بِلِمّةِ فَيْنَانَةٍ ... سَوْدَاءَ قَدْ رُوِيَتْ مِنْ الْحِنّانِ مِنْ كِتَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَزِيدُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ فِي شَيْبِ أَبِي قُحَافَةَ: وَجَنّبُوهُ السّوَادَ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ الْخِضَابِ بِالسّوَادِ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَمِنْ أَجْلِ حَدِيثٍ آخَرَ جاء فيه الْوَعِيدِ وَالنّهْيِ لِمَنْ خَضَبَ بِالسّوَادِ، وَقِيلَ: أَوّلُ مَنْ خَضَبَ بِالسّوَادِ فِرْعَوْنُ، وَقِيلَ: أَوّلُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَنْ خَضَبَ بِهِ مِنْ الْعَرَبِ عَبْدُ الْمُطّلِبِ، وترخّص قوم فى الخضاب بالسّواد منهم مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ: اخْضِبُوا بِالسّوَادِ، فَإِنّهُ أَنْكَى لِلْعَدُوّ، وَأَحَبّ لِلنّسَاءِ. وَقَالَ ابْنُ بَطّالٍ فِي الشّرْحِ: إذَا كَانَ الرّجُلُ كَهْلًا لَمْ يَبْلُغْ الْهَرَمَ جَازَ لَهُ الْخِضَابُ بِالسّوَادِ، لِأَنّ فِي ذَلِكَ مَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ الْإِرْهَابِ عَلَى الْعَدُوّ وَالتّحَبّبِ إلَى النّسَاءِ، وَأَمّا إذَا قوّس واحد ودبّ فَحِينَئِذٍ يُكْرَهُ لَهُ السّوَادُ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَبِي قحافة: غيّروا شيبه، وجنّبوه السواد «1» .

_ (1) عن ثابت قال: سئل أنس عن خضاب النبى «ص» فقال: لو شئت أن أعد شمطات كن فى رأسه فعلت، قال: ولم يختضب، زاد فى رواية: وقد اختضب أبو بكر بالحناء والكتم، واختضب عمر بالحناء بحتا «أى: صرفا ومحضا» متفق عليه. وعن ابن عمر أنه كان يصفر لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، فقيل له: لم تصبغ بالصفرة؟ قال: إنى رأيت رسول الله يصبغ بها، ولم يكن شىء أحب إليه منها، وقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته «أبو داود والنسائى» . وعن عثمان بن عبد الله بن موهب، قال: دخلت على أم سلمة. فأخرجت إلينا شعرا من شعر النبى «ص» مخضوبا «البخارى» . وهى أحاديث أقوى مما روى عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون قوم يخضبون فى آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة «أبو داود والنسائى وابن حبان فى صحيحه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَدَاءُ وَكُدًى: فَصْلٌ: وَذَكَرَ كَدَاءَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدّ، وَهُوَ بِأَعْلَى مَكّةَ، وَكُدًى وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ عَرَفَةَ، وَبِمَكّةَ مَوْضِعٌ ثَالِثٌ يُقَالُ: كُدَا بِضَمّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ، وَأَنْشَدُوا فِي كَدَاءٍ وَكُدًى «1» : أَقْفَرَتْ بَعْدَ عَبْدِ شَمْسٍ كَدَاءُ ... فَكُدَيّ فَالرّكْنُ وَالْبَطْحَاءُ وَالْبَيْتُ لِابْنِ قَيْسٍ الرّقَيّاتِ يَذْكُرُ بَنِي عبد شمس بن عبدودّ «2» الْعَامِرِيّينَ رَهْطَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو. مَوْقِفُ إبْرَاهِيمَ بِكَدَاءَ: وَبِكَدَاءَ وَقَفَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ دَعَا لِذُرّيّتِهِ بِالْحَرَمِ، كَذَلِكَ رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، فَقَالَ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ

_ (1) هناك خلاف واسع فى هذه المواضع الثلاث وأوضح الأقوال ما ذكره البكرى فى معجمه منسوبا إلى على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى: كدا بالضم والتنوين مقصور بأسفل مكة بقرب شعب الشافعيين وشعب ابن الزبير عند قعيقعان، وأما كدى مصغر فإنما هو لمن خرج من مكة إلى اليمن، أما هو فقال عن كدى بالتصغير فى معجمه وفى السمط: إنه جبل قريب من كدا.، وأما كداء فقال البكرى: جبل بمكة. وكداء هذا الجبل هو عرفة بعينها. وفى المراصد عن كداء: ثنية بأعلى مكة عند المحصب دار النبى عليه السلام من ذى طوى إليها، وكدا بالتنوين بأسفل مكة. وانظر النهاية فى المفردات لابن الأثير وص 399 السمط. (2) ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى بن غالب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَهْوِي إِلَيْهِمْ فَاسْتُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ، وَقِيلَ لَهُ: أَذّنْ فِي النّاسِ بالحجّ يأتوك رجالا، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: يَأْتُوك، وَلَمْ يَقُلْ يَأْتُونِي، لِأَنّهَا اسْتِجَابَةٌ لِدَعْوَتِهِ، فَمِنْ ثَمّ- وَاَللهُ أَعْلَمُ- اسْتَحَبّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَى لِمَكّةَ أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ كَدَاءَ، لِأَنّهُ الْمَوْضِعُ الّذِي دَعَا فِيهِ إبْرَاهِيمُ بِأَنْ يَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنْ النّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ. مَوْقِفُ الرّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَعْدٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ نَزْعَ الرّايَةِ مِنْ سَعْدٍ حِينَ قَالَ: الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ. وَزَادَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي الْخَبَرِ أَنّ ضِرَارَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ يَوْمَئِذٍ شِعْرًا حِينَ سَمِعَ قَوْلَ سَعْدٍ اسْتَعْطَفَ فِيهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قُرَيْشٍ، وَهُوَ مِنْ أَجْوَدِ شِعْرٍ لَهُ: يَا نَبِيّ الْهُدَى إليك لجا «1» ... حي قُرَيْشٍ، وَلَاتَ حِينَ لَجَاءِ «2» حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ سَعَةُ الْأَرْ ... ض وعاداهم إله السّماء

_ (1) ترك همز لجأ للوزن. (2) أثبت الألف فى لجاء للضرورة، وإلا فلجأ مهموز من بابى نفع وتعب، وفى الاستيعاب فى ترجمة ضرار: وأنت خير لجاء. وقد روى ابن عساكر من طريق أبى الزبير محمد بن مسلم المكى عن جابر قال: لما قال سعد بن عبادة ذلك عارضت امرأة رسول الله «ص» فقالت، ثم ذكر هذه القصيدة. وعند الواقدى والأموى أن هذا الشعر لضرار. قال الحافظ: فكأن ضرارا أرسل به المرأة ليكون أبلغ فى انعطافه صلى الله عليه وسلم على قريش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْتَقَتْ حَلْقَتَا البطان على القوم ... وَنُودُوا بِالصّيْلَمِ الصّلْعَاءِ إنّ سَعْدًا يريد قاصمة الظهر ... بِأَهْلِ الْحَجُونِ وَالْبَطْحَاءِ خَزْرَجِيّ لَوْ يستطيع من الغيظ ... رَمَانَا بِالنّسْرِ وَالْعَوّاءِ «1» فَلَئِنْ أَقْحَمَ اللّوَاءَ، وَنَادَى ... يَا حُمَاةَ اللّوَاءِ أَهْلَ اللّوَاءِ «2» لَتَكُونَن بِالْبِطَاحِ قريش ... بقعة «3» القاع فى أكفّ الإماء «4»

_ (1) جاء بعد هذا البيت: دغر الصدر لا يهم بشىء ... غير سفك الدما وسبى النساء قد تلظى على البطاح وجاءت ... عنه هند بالسوءة الوء؟؟؟ اء إذ ينادى بذل حى قريش ... وابن حرب بذا من الشهداء (2) بعده: ثم ثابت إليه من بهم الخزرج ... والأوس أنجم الهيجاء (3) فى رواية: فقعة بكسر الفاء وسكون القاف وفتح العين جمع فقع بفتح الفاء وكسرها وسكون القاف ضرب من الكمأة، وهى الرخوة البيضاء يشبه به الرجل الذليل، لأن للدواب تنحله بأرجلها. وأما البقعة فمكان يستنقع فيه الماء، وبضم الباء وفتحها أيضا القطعة من الأرض على غير هيئة التى إلى جنبها. (4) وبعده فانهينه فإنه أسد الأسد ... لدى الغاب والغ فى الدماء إنه مطرق يريد لنا ... الأمر سكوتا كالحية الصماء من مفردات القصيدة: البطان- حزام يجعل تحت بطن البعير يقال ذلك إذا اشتد الأمر. الصيلم- الداهية أو الأمر الشديد. الصلعاء: الداهية، وقد حذف حرف العطف بينها وبين الصيلم للنظم وهو جائز فى غيره أيضا. قاصمة الظهر- الخصلة المانعة لهم من كل الأمور حتى كأنها كسرت ظهورهم. النسر- نجم. العواء- سيأتى شرحه، دغر- اسم فاعل من دغر والدغرة- شدة-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَحِينَئِذٍ انْتَزَعَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرّايَةَ مِنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِيمَا ذَكَرُوا، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَمَدّ فِي هَذَا الشّعْرِ الْعَوّاءَ، وَأَنْكَرَ الْفَارِسِيّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ مَدّهَا، وَقَالَ: لَوْ مُدّتْ لَقِيلَ فِيهَا الْعَيّاءُ، كَمَا قِيلَ فِي الْعَلْيَاءِ، لِأَنّهَا لَيْسَتْ بِصِفَةِ كَالْعَشْوَاءِ، قَالَ: وَإِنّمَا هِيَ مَقْصُورَةٌ كَالشّرْوَى وَالنّجْوَى، وَغَفَلَ عَنْ وَجْهٍ ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيّ الْقَالِي، فَإِنّهُ قَالَ: من مَدّ الْعَوّاءِ فَهِيَ عِنْدَهُ فَعّالٌ مِنْ عَوَيْت الشىء إذا لويت طرفه، وَهَذَا حَسَنٌ جِدّا لَا سِيّمَا، وَقَدْ صَحّ مَدّهَا فِي الشّعْرِ الّذِي تَقَدّمَ «1» ، وَغَيْرِهِ، وَالْأَصَحّ فِي مَعْنَاهَا: أَنّ الْعَوّاءَ مِنْ الْعَوّةِ، وَالْعَوّةُ هِيَ الدّبُرُ، فَكَأَنّهُمْ سَمّوْهَا بِذَلِكَ، لِأَنّهَا دُبُرُ الْأَسَدِ مِنْ الْبُرُوجِ «2» . خُنَيْسُ بْنُ خَالِدٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ خُنَيْسَ بْنَ خَالِدٍ، وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ: خُنَيْسٌ مِنْ خُزَاعَةَ، لَمْ يَخْتَلِفُوا عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّهُ خُنَيْسٌ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ وَالنّونِ، وَأَكْثَرُ مَنْ أَلّفَ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ يَقُولُ: الصّوَابُ فيه: حبيش بالحاء

_ - توقد الحر. بهم- بضم الباء وفتح الهاء جمع بهمة الفارس الذى لا يؤتى من شدة بأسه. ويقال أيضا للجيش. الهيجاء- الحرب. القاع: المكان المستوى الواسع. أنظر ص 306- 12 المواهب اللدنية، 295 ح 4 البداية لابن كثير. (1) قال الأزهرى: من قصر العوا شبهها بإست الكلب، ومن مدها جعلها تعوى كما يعوى الكلب والقصر فيها أكثر، وقول الفارسى الذى ذكره السهيلى موجود فى اللسان بتفصيل فى مادة عوا وكذلك الرد عليه فراجعه. (2) فى اللسان: تدعى وركى الأسد وعرقوب الأسد، والعواء: منزل من منازل القمر، وقيل: نجم من أنواء البرد، وقيل غير هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ وَالشّيْنِ الْمَنْقُوطَةِ، وَكَذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ أَنّ الصّوَابَ فِيهِ حُبَيْشٌ، وَأَبُوهُ خَالِدٌ هُوَ الْأَشْعَرُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَقَدْ رَفَعْنَا نَسَبَهُ عِنْدَ ذِكْرِ أُمّ مَعْبَدٍ، لِأَنّهَا بِنْتُهُ، وَهُوَ بِالشّيْنِ الْمَنْقُوطَةِ، وَأَمّا الْأَسْعَرُ بِالسّينِ الْمُهْمَلَةِ، فَهُوَ الْأَسْعَرُ الْجُعْفِيّ، وَاسْمُهُ: مَرْثَدُ بْنُ عِمْرَانَ «1» ، وَسُمّيَ الْأَسْعَرُ لِقَوْلِهِ: فَلَا يَدْعُنِي قَوْمِي لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ ... لَئِنْ أَنَا لَمْ أَسْعَرْ عَلَيْهِمْ وَأُثْقِبِ يَعْنِي بِمَالِكِ: مَذْحِجٍ. وَذَكَرَ الرّجَزَ الّذِي لِكُرْزِ: قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ مِنْ بَنِي فِهِرْ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: صَفْرَاءَ إلَى صُفْرَةِ الْخَلُوقِ، وَقِيلَ: بَلْ أَرَادَ مَعْنَى: قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ: كَبِكْرِ مُقَانَاةِ الْبَيَاضُ بِصُفْرَةِ ... غَذَاهَا نَمِيرُ الْمَاءِ غَيْرَ مُحَلّلِ «2» وَكَقَوْلِ الْأَعْشَى: [نُرْضِيك مِنْ دَلّ وَمِنْ ... حُسْنٍ مُخَالِطُهُ غَرَارَة «3» ] حَمْرَاءُ غَدْوَتهَا، وصفر ... اء العشيّة كالعراره «4»

_ (1) ابن حمران فى السمط ص 94، وفى المؤتلف للآمدى: ابن أبى حمران، وكذلك فى الإكمال والاشتقاق. وقد سبق. (2) سبق البيت وشرحه، وفى المعلقة واللسان: المقاناة. وقد أضاف البكر إلى وصفها، وقيل: أراد كبكر الصدقة المقاناة الخ. وانظر شرح الزوزنى للمعلقات ص 15 ط 1288. والزيادة من المعلقة. (3) هذا البيت زدته من السمط. (4) رواية البيت هكذا فى السمط: بيضاء ضحوتها الخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: مِنْ بَنِي فِهِرْ بِكَسْرِ الْهَاءِ، وَكَذَلِكَ الصّدِرْ فِي الْبَيْتِ الثّانِي، وَأَبُو صَخْرٍ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي الْوَقْفِ عَلَى مَا أَوْسَطُهُ سَاكِنٌ، فَإِنّ مِنْهُمْ مَنْ يَنْقُلُ حَرَكَةَ لَامِ الْفِعْلِ إلَى عَيْنِ الْفِعْلِ فِي الْوَقْفِ، وذلك إذا كان لاسم مَرْفُوعًا أَوْ مَخْفُوضًا، وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي النّصْبِ، وَعِلَلُهُ مُسْتَقْصَاةٌ فِي النّحْوِ. حَوْلَ: لِمَاذَا وَمُوتِمَةِ: وَذَكَرَ خَبَرَ حِمَاسٍ وَقَوْلَ امْرَأَتِهِ لَهُ: لِمَاذَا تُعِدّ السّلَاحَ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُهَا مِنْ أَجْلِ تَرْكِيبِ ذَا مَعَهَا، وَالْمَعْرُوفُ فِي مَا إذَا كَانَتْ اسْتِفْهَامًا مَجْرُورَةً أَنْ تُحْذَفَ مِنْهَا الْأَلِفُ، فَيُقَالُ: لِمَ، وَبِمَ، قَالَ ابْنُ السّرّاجِ: الدّلِيلُ عَلَى أَنّ ذَا جُعِلَتْ مَعَ مَا اسْمًا وَاحِدًا أَنّهُمْ اتّفَقُوا عَلَى إثْبَاتِ الْأَلِفِ مَعَ حَرْفِ الْجَرّ، فَيَقُولُونَ: لِمَاذَا فَعَلْت، وَبِمَاذَا جِئْت، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ. حَوْلَ رَجَزَيْ حِمَاسٍ: وَقَوْلُهُ: وَذُو غِرَارَيْنِ سَرِيعُ السّلّهْ بِكَسْرِ السّينِ هُوَ الرّوَايَةُ، يُرِيدُ الْحَالَةَ مِنْ سَلّ السّيْفِ، وَمَنْ أَرَادَ الْمَصْدَرَ فَتَحَ. وَقَوْلُهُ: وَأَبُو يَزِيدَ قَائِمٌ كَالْمُوتِمَهْ، يُرِيدُ: الْمَرْأَةَ لَهَا أَيْتَامٌ، وَالْأَعْرَفُ فِي مِثْلِ هَذَا مُوتِمٌ مثل مُطْفِلٌ، وَجَمْعُهَا مَيَاتِمُ، وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غير هذه الرواية: الموتمة: الاسطواته، وَهُوَ تَفْسِيرٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ أَصَحّ مِنْ التّفْسِيرِ الْأَوّلِ، لِأَنّهُ تَفْسِيرُ رَاوِي الْحَدِيثِ، فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ هَذَا يَكُونُ لَفْظُ الْمُوتِمَةِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَتَمّ وَأَتَمّ إذَا ثَبَتَ، لِأَنّ الْأُسْطُوَانَةَ تَثْبُتُ مَا عَلَيْهَا، وَيُقَالُ فِيهَا عَلَى هذا مؤتمة بِالْهَمْزِ، وَتُجْمَعُ مَآتِمُ، وَمُوتِمَةٌ بِلَا هَمْزٍ، وَتُجْمَعُ: مَوَاتِمُ. وَقَوْلُهُ: وَأَبُو يَزِيدَ بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَبُو أَلِفًا سَاكِنَةً، فِيهِ حُجّةٌ لِوَرْشِ [وَاسْمُهُ: عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ] حَيْثُ أَبْدَلَ الْهَمْزَةَ أَلِفًا سَاكِنَةً، وَهِيَ مُتَحَرّكَةٌ، وَإِنّمَا قِيَاسُهَا عِنْدَ النّحْوِيّينَ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ بَيْنَ. وَمِثْلُ قَوْلِهِ: وَأَبُو يَزِيدَ، قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ: فَارْعَيْ فَزَارَةَ لَا هَنَاكِ الْمَرْتَعُ «1» وَإِنّمَا هُوَ هَنَأَكِ بِالْهَمْزِ وَتَسْهِيلِهَا بَيْنَ بَيْنَ، فَقَلْبُهَا أَلِفًا عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ الْمَعْرُوفِ فِي النّحْوِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْمِنْسَاةِ، وَهِيَ الْعَصَا، وَأَصْلُهَا الْهَمْزُ، لِأَنّهَا مِفْعَلَةٌ مِنْ نَسَأْت، وَلَكِنّهَا فِي التّنْزِيلِ كَمَا تَرَى «2» ، وَأَبُو يَزِيدَ الّذِي عَنَى فِي هَذَا الْبَيْتِ، هُوَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو خَطِيبُ قُرَيْشٍ. وَقَوْلُهُ: لَهُمْ نَهِيتٌ: النّهِيتُ: صَوْتُ الصّدْرِ، وَأَكْثَرُ مَا تُوصَفُ بِهِ الْأُسْدُ، قَالَ ابْنُ الْأَسْلَتِ: كَأَنّهُمْ أُسْدٌ لَدَى أَشْبُلٍ ... يَنْهِتْنَ فِي غِيلٍ وأجزاع

_ (1) شطرته الأولى: راحت بمسلمة البغال عشية. وهو من شواهد سيبويه ح 2 ص 170. (2) أى مهموزة فى سورة سبأ فى قصة موت سليمان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْغَمْغَمَةُ: أَصْوَاتٌ غَيْرُ مَفْهُومَةٍ مِنْ اخْتِلَاطِهَا. طَرَفٌ مِنْ أَحْكَامِ أَرْضِ مَكّةَ: وَنَذْكُرُ هَاهُنَا طَرَفًا مِنْ أَحْكَامِ أَرْضِ مَكّةَ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ: هَلْ افْتَتَحَهَا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا، لِيَبْتَنِيَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمُ: هَلْ أَرْضُهَا مِلْكٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا؟ وَذَلِكَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ يَأْمُرُ بِنَزْعِ أَبْوَابِ دُورِ مَكّةَ إذَا قَدِمَ الْحَاجّ، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَامِلِهِ بِمَكّةَ أَنْ يُنْهِيَ أَهْلَهَا عَنْ كِرَاءِ دُورِهَا إذَا جَاءَ الْحَاجّ فَإِنّ ذَلِكَ لَا يَحِلّ لَهُمْ. وَقَالَ مَالِكٌ- رَحِمَهُ اللهُ- إنْ كَانَ النّاسُ لَيَضْرِبُونَ فَسَاطِيطَهُمْ بِدُورِ مَكّةَ لَا يَنْهَاهُمْ أَحَدٌ، وَرُوِيَ أَنّ دُورَ مَكّةَ كَانَتْ تُدْعَى السّوَائِبُ «1» ، وَهَذَا كُلّهُ مُنْتَزَعٌ مِنْ أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ الْحَجّ: 25 وقال ابن عمرو ابْنُ عَبّاسٍ: الْحَرَمُ كُلّهُ مَسْجِدٌ. وَالْأَصْلُ الثّانِي: أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَهَا عَنْوَةً غَيْرَ أَنّهُ مَنّ عَلَى أَهْلِهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا مِنْ الْبِلَادِ، كَمَا ظَنّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَإِنّهَا مُخَالِفَةٌ لِغَيْرِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: مَا خَصّ اللهُ بِهِ نَبِيّهُ، فَإِنّهُ قَالَ: قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ الأنفال: 1 والثانى: ما خَصّ اللهُ تَعَالَى بِهِ مَكّةَ فَإِنّهُ جَاءَ: لَا تَحِلّ غَنَائِمُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا، وَهِيَ حرم الله تعالى وأمنه،

_ (1) روى الإمام أحمد عن علقمة بن نضلة قال: «كانت رباع مكة تدعى السوائب عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأبى بكر وعمر، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَكَيْفَ تَكُونُ أَرْضُهَا أَرْضَ خَرَاجٍ، فَلَيْسَ لِأَحَدِ افْتَتَحَ بَلَدًا أَنْ يَسْلُكَ بِهِ سَبِيلَ مَكّةَ، فَأَرْضُهَا إذًا وَدُورُهَا لِأَهْلِهَا، وَلَكِنْ أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ التّوْسِعَةَ عَلَى الْحَجِيجِ إذَا قَدِمُوهَا، وَلَا يَأْخُذُوا مِنْهُمْ كِرَاءً فِي مَسَاكِنِهَا، فَهَذَا حُكْمُهَا فَلَا عَلَيْك بَعْدَ هَذَا، فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صلحا، وإن كانت ظواهر الحديث أَنّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً «1» . الْهُذَلِيّ الْقَتِيلُ: وَذَكَرَ الْهُذَلِيّ الّذِي قُتِلَ، وَهُوَ وَاقِفٌ، فَقَالَ: أَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا يا معشر خزاعة، وروى الدّار قطنى فى السّنن أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ كُنْت قَاتِلَ مُسْلِمٍ بِكَافِرِ لَقَتَلْت خِرَاشًا بِالْهُذَلِيّ، يَعْنِي بِالْهُذَلِيّ: قَاتِلَ ابْنِ أَثْوَعَ، وَخِرَاشٌ هُوَ قَاتِلُهُ، وَهُوَ مِنْ خُزَاعَةَ. هَلْ تُعِيذُ الْكَعْبَةُ عَاصِيًا؟ فَصْلٌ: وَذَكَرَ قِصّةَ ابْنِ خَطَلٍ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ، وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِهِ:

_ (1) يقول الإمام ابن القيم عن مكة: «إنها لا تملك، فإنها دار النسك، ومتعبد الخلق، وحرم الرب سبحانه وتعالى الذى جعله للناس سواء العاكف فيه والباد، فهى وقف من الله تعالى على العالمين، وهم فيه سواء. ومنى مناخ من سبق» ثم يقول: «ذهب جمهور الأثمة من السلف والخلف إلى أنه لا يجوز بيع أراضى مكة، ولا إجارة بيوتها. هذا مذهب مجاهد وعطاء فى أهل مكة، ومالك فى أهل المدينة، وأبى حنيفة فى أهل العراق، وسفيان الثورى والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه» ثم فصل الأمر فى أسلوب جميل فانظره ص 413 وما بعدها فى زاد المعاد ط السنة المحمدية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هِلَالٌ، وَقَدْ قِيلَ: هِلَالٌ كَانَ أَخَاهُ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُمَا الْخَطَلَانِ، وَهُمَا مِنْ بَنِي تَيْمِ ابن غَالِبِ «1» بْنِ فِهْرٍ، وَأَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقُتِلَ وَهُوَ مُتَعَلّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَفِي هَذَا أَنّ الْكَعْبَةَ لَا تُعِيذُ عَاصِيًا، وَلَا تَمْنَعُ مِنْ إقَامَةِ حَدّ وَاجِبٍ «2» ، وَأَنّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً إنّمَا مَعْنَاهُ الْخَبَرُ عَنْ تَعْظِيمِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ فِي الْجَاهِلِيّةِ نِعْمَةً مِنْهُ عَلَى أَهْلِ مَكّةَ، كما قال تعالى:

_ (1) هو من قريش الظواهر. وذكر ابن دريد أن ابن خطل كان اسمه هلال، وأن أخاه كان عبد الله. وفى المقريزى أنه هلال. أنظر ص 106، 479 الاشتقاق، ص 378 إمتاع الأسماع. (2) فى المسألة خلاف طويل. ولقد كان العربى فى الجاهلية يرى قاتل أبيه أو ابنه فى الحرم فلا يهيجه. وروى الإمام أحمد عن عمر أنه قال: لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه، وذكر عن عبد الله بن عمر أنه قال: لو وجدت فيه قاتل عمر ما بدهته. وروى مثله عن ابن عباس، وهذا قول جمهور التابعين ومن بعدهم، بل لا يحفظ عن تابعى ولا صحابى خلافه. وإليه ذهب أبو حنيفة ومن وافقه من أهل العراق، والإمام أحمد ومن وافقه من أهل الحديث: أما مالك والشافعى فيريان أنه يستوفى منه فى الحرم، كما يستوفى منه فى الحل، وهو اختيار ابن المنذر. وقد وفى ابن القيم هذه المسألة بحثا، وذكر بالتفصيل أدلة الفريقين فى زاد المعاد ص 420 وما بعدها ج 2. وأقوى دليل لمن قال باستيفاء الحد منه فى الحرم قوله سبحانه (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ، فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) البقرة: 191 وقد روى الإمام أحمد عن ابن عباس قوله: «من سرق أو قتل فى الحل، ثم دخل الحرم، فإنه لا يجالس، ولا يكلم، ولا يؤوى حتى يخرج، فيؤخذ، فيقام عليه الحد، وإن سرق أو قتل فى الحرم أقيم عليه الحد» ففرق بهذا بين اللاجئ إلى الحرم، وبين الجانى فيه. وهذا رأى بينه وبين هدى القرآن نسب متين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ إلَى آخِرِ الْآيَةِ، الْمَائِدَةِ: 97 فَكَانَ فِي ذَلِكَ قوام للناس، ومضلحة لِذُرّيّةِ إسْمَاعِيلَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ قُطّانُ الْحَرَمِ، وَإِجَابَةً لِدَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ حَيْثُ يَقُولُ: اجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النّاسَ تَهْوِي إلَيْهِمْ، وَعِنْدَمَا قَتَلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ خَطَلٍ قَالَ: لَا يُقْتَلُ قُرَشِيّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا، كَذَلِكَ قَالَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ. صَلَاةُ الْفَتْحِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ صَلَاةَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ أُمّ هانىء، وَهِيَ صَلَاةُ الْفَتْحِ، تُعْرَفُ بِذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وكان الأمراء يصلونها إذَا افْتَتَحُوا بَلَدًا. قَالَ الطّبَرِيّ: صَلّى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، حِينَ افْتَتَحَ الْمَدَائِنَ، وَدَخَلَ إيوَانَ كِسْرَى، قَالَ: فَصَلّى فِيهِ صَلَاةَ الْفَتْحِ، قَالَ: وَهِيَ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهَا، وَلَا تُصَلّى بِإِمَامِ، فَبَيّنَ الطّبَرِيّ سُنّةَ هَذِهِ الصّلَاةِ وَصِفَتَهَا، وَمِنْ سُنّتِهَا أَيْضًا أَنْ لَا يُجْهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَالْأَصْلُ مَا تَقَدّمَ مِنْ صَلَاةِ النّبِيّ- صَلَّى الله عليه وسلم- فى حديث أمّ هانىء وذلك ضحى «1» .

_ (1) عن أم هانىء أنه لما كان عام الفتح أتت رسول الله «ص» وهو بأعلى مكة، فقام رسول الله «ص» إلى غسله، فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه فالتحف به، ثم صلى ثمانى ركعات سبحة الضحى «متفق عليه» ولكن فى رواية للبخارى ومسلم أنها قالت إن النبى «ص» دخل بيتها يوم فتح مكة فأغتسل وصلى ثمان ركعات، وقد قيل فى الجمع بين الروايتين أن يكون قد نزل فى بيتها بأعلى مكة، وكانت فى بيت آخر بمكة، فجاءت إليه، فوجدته يغتسل. وفى حديث لأبى داود أنه «ص» كان يسلم بين كل ركعتين، وكذلك ذكر-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أم هانيء: وأم هانىء اسمها: هند تكنى بابنها هانىء بْنِ هُبَيْرَةَ، وَلَهَا ابْنٌ مِنْ هُبَيْرَةَ اسْمُهُ يُوسُفُ، وَثَالِثٌ وَهُوَ الْأَكْبَرُ اسْمُهُ: جَعْدَةُ، وَقِيلَ: إيّاهُ عَنَتْ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ، زَعَمَ ابْنُ أُمّي عَلَى أَنّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْته فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ، وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِ أُمّ هانىء. فَاخِتَةُ «1» . عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ يُكَنّى أَبَا يَحْيَى، وَكَانَ كَاتَبَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- ثم ارتدّ ولحق بمكة،

_ - ابن خزيمة. وقد صلى سعد بن أبى وقاص يوم فتح المدائن فى إيوان كسرى ثمانى ركعات يسلم من كل ركعتين، وَفِي هَذَا رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنّ الصلاة هذه موصولة هذا وقد حقق الإمام ابن القيم رضى الله عنه الصلاة المسماة بصلاة الضحى، تحقيقا عظيما، وجمع أكثر ما قيل فيها من أحاديث، ومنها ما رواه البخارى: «لم يكن رسول الله «ص» يصلى الضحى إلا أن يقدم من مغيبه» ثم قال ابن القيم: فالذى أثبتته فعلها بسبب كقدومه من سفر، وفتحه وزيارته لقوم ونحوه، وكذلك إتيانه مسجد قباء للصلاة فيه.. ولم يكن من هديه فعلها لغير سبب وقد أوصى بها وندب إليها وحض عليها، وكان يستغنى عنها بقيام الليل، فإن فيه غنية عنها، وهى كالبدل منه.. وابن عباس كان يصليها يوما ويدعها عشرة، وكان ابن عمر لا يصليها، فإذا أتى مسجد قباء صلاها. أما صلاة الفتح فهى هذه التى مر ذكرها، وكانت ضحى، فظنها من ظنها صلاة الضحى. (1) هى أم هانىء بنت أبى طالب ابنة عم النبى «ص» وقد اختلف فى اسمها، فقيل فاختة، وقيل فاطمة، وقيل هند، والأول أشهر، وكانت زوج ن عائذ المخزومى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثُمّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَعُرِفَ فَضْلُهُ وَجِهَادُهُ، وكان على ميمنة عمرو ابن العاصى حِينَ افْتَتَحَ مِصْرَ، وَهُوَ الّذِي افْتَتَحَ إفْرِيقِيّةَ سنة سبع وعشر بن، وَغَزَا الْأَسَاوِدَ مِنْ النّوْبَةِ، ثُمّ هَادَنَهُمْ الْهُدْنَةَ الْبَاقِيَةَ إلَى الْيَوْمِ، فَلَمّا خَالَفَ مُحَمّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ عَلَى عُثْمَانَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- اعْتَزَلَ الْفِتْنَةَ، وَدَعَا اللهَ عَزّ وَجَلّ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَيَجْعَلَ وَفَاتَهُ بِأَثَرِ صَلَاةِ الصّبْحِ، فَصَلّى بِالنّاسِ الصّبْحَ، وَكَانَ يُسَلّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، فَلَمّا سَلّمَ التّسْلِيمَةَ الْأُولَى عَنْ يَمِينِهِ، وَذَهَبَ لِيُسَلّمَ الْأُخْرَى، قُبِضَتْ نَفْسُهُ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِعُسْفَانَ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِي حِصَارِ عُثْمَانَ: أَرَى الْأَمْرَ لَا يَزْدَادُ إلّا تَفَاقُمًا ... وَأَنْصَارُنَا بِالْمَكّتَيْنِ قَلِيلُ وَأَسْلَمْنَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَالْهَوَى ... إلَى أَهْلِ مِصْرَ وَالذّلِيلُ ذَلِيلُ نُمَيْلَةُ: وَأَمّا نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فَهُوَ لَيْثِيّ أَحَدُ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثٍ، صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدَ كَثِيرًا مِنْ مَشَاهِدِهِ وَغَزَوَاتِهِ. عَنْ ابْنِ نُقَيْذٍ وَالْقَيْنَتَيْنِ: وَأَمّا الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ «1» الّذِي أَمَرَ بِقَتْلِهِ مَعَ ابْنِ خطل، فهو الذى

_ (1) بقية نسبه: ابن بجير بن عبد قصى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَخَسَ بِزَيْنَبِ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم حين أدركها، هو وهبّار ابن الْأَسْوَدِ، فَسَقَطَتْ عَنْ دَابّتِهَا، وَأَلْقَتْ جَنِينَهَا. وَأَمّا الْقَيْنَتَانِ اللّتَانِ أَمَرَ بِقَتْلِهِمَا، وَهُمَا سَارّةُ «1» وَفَرْتَنَى فأسلمت فرتنى، وآمنت سارّة وعاشت إلَى زَمَنِ عُمَرَ رَحِمَهُ اللهُ، ثُمّ وَطِئَهَا فَرَسٌ، فَقَتَلَهَا. عَنْ الدّيَاتِ فِي خُطْبَةِ الرّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ خُطْبَةَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِيهَا ذِكْرُ الدّيَاتِ، وَذِكْرُ قَتِيلِ الْخَطَأِ، وَذِكْرُ شِبْهِ الْعَمْدِ وَتَغْلِيظِ الدّيَةِ فِيهِ، وَهِيَ أَنْ يُقْتَلَ الْقَتِيلُ بِسَوْطِ أَوْ عَصًا، فَيَمُوتَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: أَنْ لَا قَوَدَ «2» فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ الشّافِعِيّ أَنّ فِيهِ الدّيَةَ مُغَلّظَةً أثلاثا «3» ، وليس

_ (1) فى بعض الروايات أنها ليست من القينتين، وإنما هى مولاة عمرو ابن هشام، وقيل مولاة لبنى عبد المطلب، لأنها كانت تؤذى رسول الله فى مكة، وقد قيل إنها التى تحملت الكتاب من حاطب بن أبى بلتعة، وكأنها عفى عنها، أو هربت، ثم أهدر دمها، فهربت حتى اسنؤمن لها من الرسول «ص» . وقيل قتلها على بن أبى طالب وقيل غيره وأما الجاريتان فهما قرتنا وقريبة، أو فرتنا وأرنبة وقد قتلت أرنب أو قريبة. أنظر ص 298 ح 4 البداية لابن كثير ص 378، 394 إمتاع الأسماع للمقريزى. (2) القود: القصاص وقتل القاتل بدل القتيل. (3) أى ثلاث وثلاثون حقة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ثنية. الثنية من الغنم، ما دخل فى الثالثة، ومن البقر كذلك، ومن الإبل فى السادسة، والجذعة ما دخل فى السنة الخامسة من الإبل، ومن البقر والغنم ما دخل فى السنة الثانية. وقيل البقر فى الثالثة، ومن الضأن ما تمت له سنة. وقيل غير ذلك. وحديث شبه العمد أخرجه الخمسة إلا الترمذى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ إلّا قَوَدٌ فِي عَمْدٍ أو دية فِي خَطَإِ تُؤْخَذُ أَخْمَاسًا «1» عَلَى مَا فَسّرَ الْفُقَهَاءُ. وَهُوَ قَوْلُ اللّيْثِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ إنّ الْقَوَدَ لَا يَكُونُ إلّا بِالسّيْفِ، وَاحْتَجّوا بِأَثَرِ يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا أن لا فود إلّا بِحَدِيدَةِ، وَعَنْ عَلِيّ مَرْفُوعًا أَيْضًا: لَا قَوَدَ إلّا بِالسّيْفِ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا قَوَدَ إلّا بِحَدِيدَةِ، وَهُوَ يَدُورُ عَلَى أَبِي مُعَاذٍ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ بِإِجْمَاعِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ يَدُورُ عَلَى الْمُعَلّى بْنِ هِلَالٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيّ لَا تَقُومُ بِإِسْنَادِهِ حُجّةٌ، وَحُجّةُ الْآخَرِينَ فِي أَنّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ بِمَا قَتَلَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ الْبَقَرَةِ: 194، وَحَدِيثُ الْيَهُودِيّ الّذِي رَضَخَ رَأْسَ الْجَارِيَةِ عَلَى أَوْضَاحٍ «2» لَهَا، فَأَمَرَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْضَخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. الصّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ: وَأَمّا دُخُولُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ الْكَعْبَةَ وصلاته فيها، فحديث بلال أنه صلى

_ (1) عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات لبون، وعشرون غير لبون، وعشرون بنات مخاض. ابن اللبون أو بنت اللبون: ما دخل من الإبل فى الثالثة. والمخاض: اسم للنوق الحوامل، وبنت المخاض ما دخلت فى السنة الثانية. وفى بنى اللبون خلاف. بل فى نفس الدية خلاف. (2) الأوضاح نوع من الحلى يعمل من الفضة وهو من حديث متفق عليه، فقد وجدوا جارية رض رأسها، فسألوها: من صنع بك هذا، حتى ذكروا يهوديا، فأومأت برأسها، فأخذ اليهودى، فأقر، فأمر الرسول «ص» برض رأسه بين حجرين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِيهَا، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ لَمْ يُصَلّ فِيهَا، وَأَخَذَ النّاسُ بِحَدِيثِ بِلَالٍ، لِأَنّهُ أَثْبَتَ الصّلَاةَ وَابْنُ عَبّاسٍ نَفَى، وَإِنّمَا يُؤْخَذُ بِشَهَادَةِ المثبت، لا بشهادة الناقى، وَمَنْ تَأَوّلَ قَوْلَ بِلَالٍ أَنّهُ صَلّى، أَيْ دَعَا، فَلَيْسَ بِشَيْءِ، لِأَنّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنّهُ صَلّى فِيهَا رَكْعَتَيْنِ، وَلَكِنّ رِوَايَةَ ابْنِ عَبّاسٍ وَرِوَايَةَ بِلَالٍ صَحِيحَتَانِ، لِأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ دَخَلَهَا يَوْمَ النّحْرِ فَلَمْ يُصَلّ، وَدَخَلَهَا مِنْ الْغَدِ فَصَلّى، وَذَلِكَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْوِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ، خرجه الدارقطنى، وهو من فوائده «1» .

_ (1) عن ابن قال: دخل رسول الله «ص» البيت هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم الباب، فلما فتحوا كنت أول من ولج، فلقيت بلالا، فسألته: هل صلى فيه رسول الله «ص» ؟ قال: نعم، بين العمودين اليمانيين «متفق عليه» وفى حديث البخارى وأحمد أنه «ص» صلى ركعتين بين الساريتين عن يسارك إذا دخلت وأنه خرج، فصلى فى وجهة الكعبة ركعتين. وحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كبر فى البيت ولم يصل فيه قد أخرجه البخارى، وفقال إن إثبات بلال أرجح، لأنه كان مع النبى، ولم يكن ابن عباس معه» وإنما استند فى نفيه إلى أسامة تارة، وإلى الفضل تارة. وقد روى نفى الصلاة مسلم عن أسامة من طريق ابن عباس، ووقع إثبات صلاته فى الكعبة أيضا عن أسامة من رواية ابن عمر، ولهذا تترجح رواية بلال إذ ليس فيها مثل هذا التعارض «وعن عائشة قالت: خرج رسول الله «ص» من عندى وهو قرير العين طيب النفس، ثم رجع إلى، وهو حزين، فقلت له؟ فقال: إننى دخلت الكعبة، ووددت أنى لم أكن فعلت، إنى أخاف أن أكون أتعبت امتى من بعدى «الخمسة إلا النسائى وصححه الترمذى» وعن إسماعيل ابن أبى خالد قال: قلت لعبد الله ابن أبى أوفى: أدخل النبى «ص» البيت فى عمرته؟ قال: لا «متفق عليه» وبهذا استدل الجمهور على أن دخول الكعبة ليس من مناسك الحج.

كسر الأصنام

[كسر الأصنام] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الرّوَايَةِ فِي إسْنَادٍ لَهُ، عَنْ ابن شهاب الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَطَافَ عَلَيْهَا وَحَوْلَ الْبَيْتِ أَصْنَامٌ مَشْدُودَةٌ بِالرّصَاصِ، فَجَعَلَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُشِيرُ بِقَضِيبِ فِي يَدِهِ إلَى الْأَصْنَامِ وَيَقُولُ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فَمَا أَشَارَ إلَى صَنَمٍ مِنْهَا فِي وَجْهِهِ إلّا وَقَعَ لِقَفَاهُ، وَلَا أَشَارَ إلَى قَفَاهُ إلّا وَقَعَ لِوَجْهِهِ، حَتّى مَا بَقِيَ مِنْهَا صَنَمٌ إلّا وَقَعَ؛ فَقَالَ تَمِيمُ بْنُ أَسَدٍ الْخُزَاعِيّ فِي ذَلِكَ: وَفِي الْأَصْنَامِ مُعْتَبَرٌ وَعِلْمٌ ... لِمَنْ يَرْجُو الثّوَابَ أو العقابا [قصة إسلام فَضَالَةُ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي: أَنّ فَضَالَةَ بْن عُمَيْرِ بْنِ الْمُلَوّحِ اللّيْثِيّ أَرَادَ قَتْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَامَ الْفَتْحِ، فَلَمّا دَنَا مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَضَالَةُ؟ قال: نعم فضالة يا رسول الله؛ قَالَ: مَاذَا كُنْت تُحَدّثُ بِهِ نَفْسَك؟ قَالَ لَا شَيْءَ، كُنْت أَذْكُرُ اللهَ، قَالَ: فَضَحِكَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ قَالَ: اسْتَغْفِرْ اللهَ، ثُمّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، فَسَكَنَ قَلْبُهُ؛ فَكَانَ فَضَالَةُ يَقُولُ: وَاَللهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي حَتّى مَا مِنْ خَلْقِ اللهِ شَيْءٌ أَحَبّ إلَيّ مِنْهُ. قَالَ فَضَالَةُ: فَرَجَعْت إلَى أَهْلِي، فَمَرَرْت بِامْرَأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمان الرسول لصوان بن أمية

كُنْت أَتَحَدّثُ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: هَلُمّ إلَى الْحَدِيثِ، فَقُلْت: لَا، وَانْبَعَثَ فَضَالَةُ يَقُولُ: قَالَتْ هَلُمّ إلَى الْحَدِيثِ فَقُلْت لَا ... يَأْبَى عَلَيْك اللهُ والإسلام لو ما رَأَيْتِ مُحَمّدًا وَقَبِيلَهُ ... بِالْفَتْحِ يَوْمَ تَكَسّرَ الْأَصْنَامُ لرأيت دين أَضْحَى بَيّنًا ... وَالشّرْكُ يَغْشَى وَجْهَهُ الْإِظْلَامُ [أمان الرسول لصوان بْنِ أُمَيّةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ: خَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ يُرِيدُ جُدّةَ لِيَرْكَبَ مِنْهَا إلَى الْيَمَنِ، فَقَالُ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ: يَا نَبِيّ اللهِ إنّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ سَيّدُ قَوْمِهِ، وَقَدْ خَرَجَ هَارِبًا مِنْك لِيَقْذِفَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، فَأَمّنْهُ، صَلّى اللهُ عَلَيْك؛ قَالَ، هُوَ آمِنٌ؛ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَعْطِنِي آيَةً يَعْرِفُ بِهَا أَمَانَك؛ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِمَامَتَهُ الّتِي دَخَلَ فِيهَا مَكّةَ، فَخَرَجَ بِهَا عُمَيْرٌ حَتّى أَدْرَكَهُ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ: يَا صَفْوَانُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي، اللهَ اللهَ فِي نَفْسِك أَنْ تُهْلِكَهَا، فَهَذَا أَمَانٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جِئْتُك بِهِ؛ قَالَ: وَيْحَك! اُغْرُبْ عَنّي فلا تكلّمتى؛ قَالَ: أَيْ صَفْوَانُ فِدَاك أَبِي وَأُمّي، أَفْضَلُ النّاسِ، وَأَبَرّ النّاسِ، وَأَحْلَمُ النّاسِ، وَخَيْرُ النّاسِ، ابْنُ عَمّك، عِزّهُ عِزّك، وَشَرَفُهُ شَرَفُك، وَمُلْكُهُ مُلْكُك؛ قَالَ: إنّي أَخَافُهُ عَلَى نَفْسِي، قَالَ: هُوَ أَحْلَمُ مِنْ ذَاكَ وَأَكْرَمُ: فَرَجَعَ مَعَهُ، حَتّى وَقَفَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام عكرمة وصفوان

عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ صَفْوَانُ: إنّ هَذَا يَزْعُمُ أَنّك قَدْ أَمّنْتَنِي، قَالَ: صَدَقَ؛ قَالَ: فَاجْعَلْنِي فِيهِ بِالْخِيَارِ شَهْرَيْنِ؛ قَالَ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ صَفْوَانَ قَالَ لِعُمَيْرِ وَيْحَك! اُغْرُبْ عَنّي، فَلَا تُكَلّمْنِي، فَإِنّك كَذّابٌ، لِمَا كَانَ صَنَعَ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي آخِرِ حَدِيثِ يَوْمِ بَدْرٍ. [إسْلَامُ عِكْرِمَةَ وَصَفْوَانَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ: أَنّ أُمّ حَكِيمِ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَفَاخِتَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ- وَكَانَتْ فَاخِتَةُ عِنْدَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ، وَأُمّ حَكِيمٍ عِنْدَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ- أَسْلَمَتَا؛ فَأَمّا أُمّ حَكِيمٍ فَاسْتَأْمَنَتْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعِكْرِمَةَ فَأَمّنَهُ؛ فَلَحِقَتْ بِهِ بِالْيَمَنِ، فَجَاءَتْ بِهِ، فَلَمّا أَسْلَمَ عِكْرِمَةُ وَصَفْوَانُ أَقَرّهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَهُمَا عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ. [إسْلَامُ ابْنِ الزّبَعْرَى وَشِعْرُهُ فِي ذَلِك] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ: قَالَ: رَمَى حَسّانُ ابن الزّبَعْرَى وَهُوَ بِنَجْرَانَ بِبَيْتِ وَاحِدٍ مَا زَادَهُ عليه: لا تعد من رَجُلًا أَحَلّك بُغْضُهُ ... نَجْرَانَ فِي عَيْشٍ أَحَذّ لئيم فلما بلغ ذلك ابن الزّبَعْرَى خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ حِينَ أَسْلَمَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يَا رَسُولَ الْمَلِيكِ إنّ لِسَانِي ... رَاتِقٌ مَا فتقت إذ أنا بور إذْ أُبَارِي الشّيْطَانَ فِي سُنَنِ الْغَيّ ... وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُورُ آمَنَ اللّحْمُ وَالْعِظَامُ لِرَبّي ... ثُمّ قَلْبِي الشّهِيدُ أَنْتَ النّذِيرُ إنّنِي عَنْكَ زاجر تمّ حَيّا ... مِنْ لُؤَيّ وَكُلّهُمْ مَغْرُورُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزّبَعْرَى أَيْضًا حين أسلم: مَنَعَ الرّقَادَ بَلَابِلٌ وَهُمُومُ ... واللَيْلُ مُعْتَلِجُ الرّوَاقِ بَهِيمُ مِمّا أَتَانِي أَنّ أَحْمَدَ لَامَنِي ... فِيهِ فَبِتّ كَأَنّنِي مَحْمُومُ يَا خَيْرَ مَنْ حَمَلَتْ عَلَى أَوْصَالِهَا ... عَيْرَانَةٌ سُرُحُ الْيَدَيْنِ غَشُومُ إنّي لَمُعْتَذِرٌ إلَيْكَ مِنْ الّذِي ... أَسْدَيْتُ إذْ أَنَا فِي الضّلَالِ أَهِيمُ أَيّامَ تَأْمُرُنِي بِأَغْوَى خُطّةٍ ... سَهْمٌ وَتَأْمُرُنِي بِهَا مَخْزُومُ وَأَمُدّ أَسْبَابَ الرّدَى وَيَقُودُنِي ... أَمْرُ الْغُوَاةِ وَأَمْرُهُمْ مَشْئُومُ فَالْيَوْمَ آمَنَ بِالنّبِيّ مُحَمّدٍ ... قَلْبِي وَمُخْطِئُ هَذِهِ مَحْرُومُ مَضَتْ الْعَدَاوَةُ وَانْقَضَتْ أَسْبَابُهَا ... وَدَعَتْ أَوَاصِرُ بَيْنَنَا وَحُلُومُ فاغفر فدى لك والدى كِلَاهُمَا ... زَلَلِي، فَإِنّك رَاحِمٌ مَرْحُومُ وَعَلَيْكَ مِنْ عِلْمِ الْمَلِيكِ عَلَامَةٌ ... نُورٌ أَغَرّ وَخَاتَمٌ مَخْتُومُ أَعْطَاكَ بَعْدَ مَحَبّةٍ بُرْهَانَهُ ... شَرَفًا وَبُرْهَانُ الْإِلَهِ عَظِيمُ وَلَقَدْ شَهِدْت بِأَنّ دِينَكَ صَادِقٌ ... حَقّ وَأَنّك فِي الْعِبَادِ جَسِيمُ وَاَللهُ يَشْهَدُ أَنّ أَحْمَدَ مُصْطَفًى ... مُسْتَقْبَلٌ فِي الصّالِحِينَ كَرِيمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بقاء هبيرة على كفره وشعره فى إسلام زوجه أم هانىء

قَرْمٌ عَلَا بُنْيَانَهُ مِنْ هَاشِمٍ ... فَرْعٌ تَمَكّنَ فِي الذّرَا وَأُرُومُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ. [بَقَاءُ هُبَيْرَةَ عَلَى كُفْرِهِ وَشِعْرُهُ فِي إسْلَامِ زَوْجِهِ أُمّ هانىء] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيّ فَأَقَامَ بِهَا حَتّى مَاتَ كَافِرًا، وكانت عنده أمّ هانىء بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، وَاسْمُهَا هِنْدٌ، وَقَدْ قَالَ حين بلغه إسلام أمّ هانىء: أَشَاقَتْكَ هِنْدٌ أَمْ أَتَاكَ سُؤَالُهَا ... كَذَاكَ النّوَى أَسْبَابُهَا وَانْفِتَالُهَا وَقَدْ أَرّقَتْ فِي رَأْسِ حِصْنٍ مُمَنّعٍ ... بِنَجْرَانَ يُسْرِي بَعْدَ لَيْلٍ خَيَالُهَا وَعَاذِلَةٍ هَبّتْ بِلَيْلٍ تَلُومُنِي ... وَتَعْذِلُنِي بِاللّيْلِ ضَلّ ضَلَالُهَا وَتَزْعُمُ أَنّي إنْ أَطَعْتُ عَشِيرَتِي ... سَأُرْدَى وَهَلْ يُرْدِينِ إلّا زِيَالُهَا فَإِنّي لَمِنْ قَوْمٍ إذَا جَدّ جِدّهُمْ ... عَلَى أَيّ حَالٍ أَصْبَحَ الْيَوْمَ حَالُهَا وَإِنّي لَحَامٍ مِنْ وَرَاءِ عَشِيرَتِي ... إذَا كَانَ مِنْ تَحْتِ الْعَوَالِي مَجَالُهَا وَصَارَتْ بِأَيْدِيهَا السّيُوفُ كَأَنّهَا ... مَخَارِيقُ وِلْدَانٍ وَمِنْهَا ظِلَالُهَا وَإِنّي لَأَقْلَى الْحَاسِدِينَ وَفِعْلَهُمْ ... عَلَى اللهِ رِزْقِي نَفْسُهَا وَعِيَالُهَا وَإِنّ كَلَامَ الْمَرْءِ فيَ غَيْرِ كُنْهِهِ ... لكا النّبل تَهْوِي لَيْسَ فِيهَا نِصَالُهَا فَإِنْ كُنْتِ قَدْ تَابَعْت دِينَ مُحَمّدٍ ... وَعَطّفَتْ الْأَرْحَامَ مِنْك حِبَالُهَا فكونى على أعلى سحيق بهضبة ... ململمة غبراه يَبْسٍ بِلَالُهَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُرْوَى: «وَقَطّعَتْ الْأَرْحَامَ مِنْك حِبَالُهَا» . ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عدة من شهد فتح مكة من المسلمين

[عِدّةُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةَ آلَافٍ. مِنْ بنى سليم سبع مائة، ويقول بعضهم: ألف؛ ومن بنى غفار أربع مائة، ومن أسلم أربع مائة؛ وَمِنْ مُزَيْنَةَ أَلْفٌ وَثَلَاثَةُ نَفَرٍ، وَسَائِرُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَحُلَفَائِهِمْ، وَطَوَائِفُ الْعَرَبِ مِنْ تَمِيمٍ وَقَيْسٍ وَأَسَدٍ. [شِعْرُ حَسّانَ فِي فَتْحِ مَكّةَ] وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ قَوْلُ حسّان بن ثابت الأنصارى: عَفَتْ ذَاتُ الْأَصَابِعِ فَالْجِوَاءُ ... إلَى عَذْرَاءَ مَنْزِلُهَا خَلَاءُ دِيَارٌ مِنْ بَنِي الْحَسْحَاسِ قَفْرٌ ... تُعَفّيهَا الرّوَامِسُ وَالسّمَاءُ وَكَانَتْ لَا يَزَالُ بِهَا أَنِيسٌ ... خِلَالَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ فَدَعْ هَذَا وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفِ ... يُؤَرّقُنِي إذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ لِشَعْثَاءَ الّتِي قَدْ تَيّمَتْهُ ... فَلَيَسَ لِقَلْبِهِ مِنْهَا شِفَاءُ كَأَنّ خَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ إذَا مَا الْأَشْرِبَاتُ ذُكِرْنَ يَوْمًا ... فهنّ لطيّب الراح الفداء فولّيها الْمَلَامَةَ إنْ أَلَمْنَا ... إذَا مَا كَانَ مَغْثٌ أَوْ لِحَاءُ وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا ... وَأُسْدًا مَا يُنَهْنِهُنَا اللّقَاءُ عَدِمْنَا خَيْلَنَا إنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النّقْعَ مَوْعِدُهَا كَدَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يُنَازِعْنَ الْأَعِنّةَ مُصْغِيَاتٍ ... عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظّمَاءُ تَظَلّ جِيَادُنَا مُتَمَطّرَاتٍ ... يُلَطّمُهُنّ بِالْخُمُرِ النّسَاءُ فَإِمّا تُعْرِضُوا عَنّا اعْتَمَرْنَا ... وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ وَإِلّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَوْمٍ ... يُعِينُ اللهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَجِبْرِيلُ رَسُولُ اللهِ فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ وَقَالَ اللهُ: قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا ... يَقُولُ الْحَقّ إنْ نَفَعَ الْبَلَاءُ شَهِدْتُ بِهِ فَقُومُوا صَدّقُوهُ ... فَقُلْتُمْ: لَا نَقُومُ وَلَا نَشَاءُ وَقَالَ اللهُ قَدْ سَيّرْتُ جُنْدًا ... هُمْ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللّقَاءُ لَنَا فِي كُلّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدّ ... سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ فَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا ... وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدّمَاءُ أَلَا أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي ... مُغَلْغَلَةً فَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ بِأَنّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْكَ عَبْدًا ... وَعَبْدُ الدّارِ سَادَتُهَا الْإِمَاءُ هَجَوْتَ مُحَمّدًا وَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ ... فَشَرّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ هَجَوْتَ مُبَارَكًا بَرّا حَنِيفًا ... أَمِينَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ؟ فَإِنّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ ... وَبَحْرِي لَا تُكَدّرُهُ الدّلَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر أنس بن زنيم فى الإعتذار إلى الرسول مما قال ابن سالم

قال ابن هشام: قَالَهَا حَسّانُ يَوْمَ الْفَتْحِ. وَيُرْوَى: «لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَتْبَ فِيهِ» وَبَلَغَنِي عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: لَمّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النّسَاءَ يَلْطِمْنَ الْخَيْلَ بِالْخُمُرِ تَبَسّمَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. [شِعْرُ أَنَسِ بْنِ زُنَيْمٍ فِي الِاعْتِذَارِ إلَى الرسول مما قَالَ ابْنُ سَالِمٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَنَسُ بْنُ زُنَيْمٍ الدّيلِيّ يَعْتَذِرُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن كَانَ قَالَ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيّ: أَأَنْتَ الّذِي تُهْدَى مَعَدّ بِأَمْرِهِ ... بَلْ اللهُ يَهْدِيهِمْ وَقَالَ لَك اشْهَدْ وَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَبَرّ وَأَوْفَى ذِمّةً مِنُ مُحَمّدِ أَحَثّ عَلَى خَيْرٍ وَأَسْبَغَ نَائِلًا ... إذَا رَاحَ كَالسّيْفِ الصّقِيلِ الْمُهَنّدِ وَأَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ ... وَأَعْطَى لِرَأْسِ السّابِقِ الْمُتَجَرّدِ تَعَلّمْ رَسُولَ اللهِ أَنّك مُدْرِكِي ... وَأَنّ وَعِيدًا مِنْك كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ تَعَلّمْ رَسُولَ اللهِ أَنّكَ قَادِرٌ ... عَلَى كُلّ صِرْمٍ مُتْهِمِينَ وَمُنْجِدِ تَعَلّمْ بِأَنّ الرّكْبَ رَكْبُ عُوَيْمِرٍ ... هُمْ الْكَاذِبُونَ الْمُخْلِفُو كُلّ مَوْعِدِ ونَبّوْا رَسُولَ اللهِ أَنّي هَجَوْتُهُ ... فَلَا حَمَلَتْ سَوْطِي إلَيّ إذَنْ يَدِي سِوَى أَنّنِي قَدْ قُلْتُ وَيْلُ امّ فِتْيَةٍ ... أُصِيبُوا بِنَحْسٍ لا يطلق وَأَسْعُدِ أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ... كِفَاءً فَعَزّتْ عَبْرَتِي وَتَبَلّدِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر بديل فى الرد على ابن زنيم

فَإِنّكَ قَدْ أَخَفَرْتَ إنْ كُنْتَ سَاعِيًا ... بِعَبْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَابْنَةِ مَهْوِدِ ذُوَيْبٌ وَكُلْثُومٌ وَسَلْمَى تَتَابَعُوا ... جَمِيعًا فَإِلّا تَدْمَعْ الْعَيْنُ اكْمَدْ وَسَلْمَى وَسَلْمَى لَيْسَ حَيّ كَمِثْلِهِ ... وَإِخْوَتِهِ وَهَلْ مُلُوكٌ كَأَعْبُدِ؟ فَإِنّي لَا دِينًا فَتَقْتُ وَلَا دَمًا ... هَرَقْتُ تَبَيّنْ عَالِمَ الْحَقّ وَاقْصِدْ [شِعْرُ بُدَيْلٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ زُنَيْمٍ] فَأَجَابَهُ بُدَيْلُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ أُمّ أَصْرَمَ، فَقَالَ: بَكَى أَنَسٌ رَزْنًا فَأَعْوَلَهُ اُلْبُكَا ... فَأَلّا عَدِيّا إذْ تُطَلّ وَتُبْعَدُ بَكَيْتَ أَبَا عَبْسٍ لِقُرْبِ دِمَائِهَا ... فَتُعْذِرَ إذْ لَا يُوقِدُ الْحَرْبَ مُوقِدُ أَصَابَهُمْ يَوْمَ الْخَنَادِمِ فِتْيَةٌ ... كِرَامٌ فَسَلْ، مِنْهُمْ نُفَيْلٌ وَمَعْبَدُ هُنَالِكَ إنْ تُسْفَحْ دُمُوعُك لَا تُلَمْ ... عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ تَدْمَعْ الْعَيْنُ فَاكْمَدُوا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. [شِعْرُ بُجَيْرٍ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سلمى فى يوم الفتح: نَفَى أَهْلَ الْحَبَلّقِ كُلّ فَجّ ... مُزَيْنَةُ غُدْوَةً وبنو خفاف ضربناهم بمكة يوم فتح النّبىّ ... الْخَيْرِ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ صَبَحْنَاهُمْ بِسَبْعٍ مِنْ سُلَيْمٍ ... وَأَلْفٍ مِنْ بَنِي عُثْمَانَ وَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر ابن مرداس فى فتح مكة

نَطَا أَكْتَافَهُمْ ضَرْبًا وَطَعْنًا ... وَرَشْقًا بِالْمُرَيّشَةِ اللّطَافِ نرى بَيْنَ الصّفُوفِ لَهَا حَفِيفًا ... كَمَا انْصَاعَ الْفُوَاقُ مِنْ الرّصَافِ فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ تَجُولُ فِيهِمْ ... بِأَرْمَاحٍ مُقَوّمَةِ الثّقَافِ فَأُبْنَا غَانِمِينَ بِمَا اشْتَهَيْنَا ... وَآبُوا نَادِمِينَ عَلَى الْخِلَافِ وَأَعْطَيْنَا رَسُولَ اللهِ مِنّا ... مَوَاثِقَنَا عَلَى حُسْنِ التّصَافِي وَقَدْ سَمِعُوا مَقَالَتَنَا فَهَمّوا ... غَدَاةَ الرّوْعِ مِنّا بِانْصِرَافِ [شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي فَتْحِ مَكّةَ] قَالَ ابن هشام: وقال ابن مرداس السلمى فى فتح مكة: منا بمكة يوم فتح محمد ... ألف تسهيل به البطاح مسوم نصروا الرسول وأشاهدا أَيّامَهُ ... وَشِعَارُهُمْ يَوْمَ اللّقَاءِ مُقَدّمُ فِي مَنْزِلٍ ثَبَتَتْ بِهِ أَقْدَامُهُمْ ... ضَنْكٍ كَأَنّ الْهَامَ فِيهِ الْحَنْتَمُ جَرّتْ سَنَابِكَهَا بِنَجْدٍ قَبْلَهَا ... حَتّى اسْتَقَادَ لها الحجاز الأدهم الله مسكنه لَهُ وَأَذَلّهُ ... حُكْمُ السّيُوفِ لَنَا وَجَدّ مِزْحَمُ عود الرياسة شامخ عرنيته ... مُتَطَلّعٌ ثُغَرَ الْمَكَارِمِ خِضْرِمُ [إسْلَامُ عَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ إسْلَامُ عَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، فِيمَا حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ، وَحَدِيثُهُ أَنّهُ كَانَ لِأَبِيهِ مِرْدَاسٍ وَثَنٌ يَعْبُدُهُ، وَهُوَ حَجَرٌ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر جعدة فى يوم الفتح

يُقَالُ لَهُ ضِمَارِ، فَلَمّا حَضَرَ مِرْدَاسٌ قَالَ لِعَبّاسِ: أَيْ بُنَيّ، اُعْبُدْ ضِمَارِ فَإِنّهُ يَنْفَعُك وَيَضُرّك، فَبَيْنَا عَبّاسٌ يَوْمًا عِنْدَ ضِمَارِ، إذْ سَمِعَ مِنْ جَوْفِ ضِمَارِ مُنَادِيًا يَقُولُ: قُلْ لِلْقَبَائِلِ مِنْ سُلَيْمٍ كُلّهَا ... أَوْدَى ضِمَارِ وَعَاشَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ إنّ الّذِي وَرِثَ النّبُوّةَ وَالْهُدَى ... بَعْدَ ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ قُرَيْشٍ مُهْتَدِي أَوْدَى ضِمَارِ وَكَانَ يُعْبَدُ مَرّةً ... قَبْلَ الْكِتَابِ إلَى النّبِيّ مُحَمّدِ فَحَرّقَ عَبّاسٌ ضِمَارِ، وَلَحِقَ بِالنّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ. [شِعْرُ جَعْدَةَ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ جَعْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْخُزَاعِيّ يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ: أَكَعْبَ بْنُ عَمْرٍو دَعْوَةً غَيْرَ بَاطِلِ ... لِحَيْنٍ لَهُ يَوْمَ الْحَدِيدِ مُتَاحِ أُتِيحَتْ لَهُ مِنْ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ ... لِتَقْتُلَهُ لَيْلًا بِغَيْرِ سِلَاحِ وَنَحْنُ الْأُلَى سَدّتْ غَزَالَ خُيُولُنَا ... وَلِفْتًا سَدَدْنَاهُ وَفَجّ طِلَاحِ خَطَرْنَا وَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ بجحفل ... ذوى عضد من خيلنا ورماح وهذه الأبيات فى أبيات له. [شِعْرُ بُجَيْدٍ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ] وَقَالَ بُجَيْدُ بْنُ عِمْرَانَ الْخُزَاعِيّ: وَقَدْ أَنْشَأَ اللهُ السّحَابَ بِنَصْرِنَا ... رُكَامَ صِحَابِ الْهَيْدَبِ الْمُتَرَاكِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مسير خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بنى جذيمة من كنانة ومسير على لتلافى خطأ خالد

وَهِجْرَتُنَا فِي أَرْضِنَا عِنْدَنَا بِهَا ... كِتَابٌ أَتَى مِنْ خَيْرِ مُمْلٍ وَكَاتِبِ وَمِنْ أَجْلِنَا حَلّتْ بِمَكّةَ حُرْمَةٌ ... لِنُدْرِكَ ثَأْرًا بِالسّيُوفِ الْقَوَاضِبِ [مَسِيرُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ مِنْ كِنَانَةَ وَمَسِيرُ عَلِيّ لِتَلَافِي خَطَأِ خَالِد] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حَوْلَ مَكّةَ السّرَايَا تَدْعُو إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقِتَالِ، وَكَانَ مِمّنْ بَعَثَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ بِأَسْفَلِ تِهَامَةَ دَاعِيًا، وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا، فَوَطِئَ بَنِي جَذِيمَةَ، فَأَصَابَ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ فِي ذَلِكَ: فَإِنْ تك قد أمرت في القوم خالدا ... وقدمته فإنه قد تقدما بجند هداه الله أنت أَمِيرُهُ ... نُصِيبُ بِهِ فِي الْحَقّ مَنْ كَانَ أَظْلَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي حَدِيثِ يَوْمِ حُنَيْنٍ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللهُ فِي مَوْضِعِهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مَكّةَ دَاعِيًا، وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا، وَمَعَهُ قَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ: سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُدْلِجُ بْنُ مُرّةَ، فَوَطِئُوا بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةِ بْنِ كِنَانَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من عمل خالد

فَلَمّا رَآهُ الْقَوْمُ أَخَذُوا السّلَاحَ، فَقَالَ خَالِدٌ: ضَعُوا السّلَاحَ، فَإِنّ النّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، قَالَ: لَمّا أَمَرَنَا خَالِدٌ أَنْ نَضَعَ السّلَاحَ قَالَ رَجُلٌ مِنّا يُقَالُ لَهُ جَحْدَمٌ: وَيْلَكُمْ يَا بَنِي جَذِيمَةَ! إنّهُ خَالِدٌ وَاَللهِ! مَا بَعْدَ وَضْعِ السّلَاحِ إلّا الْإِسَارُ، وَمَا بَعْدَ الْإِسَارِ إلّا ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ، وَاَللهِ لَا أَضَعُ سِلَاحِي أَبَدًا. قَالَ: فَأَخَذَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالُوا: يَا جَحْدَمُ، أَتُرِيدُ أَنْ تَسْفِكَ دِمَاءَنَا؟ إنّ النّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا وَوَضَعُوا السّلَاحَ، وَوُضِعَتْ الْحَرْبُ وَأَمِنَ النّاسُ. فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتّى نَزَعُوا سِلَاحَهُ، وَوَضَعَ القوم السلاح لقول خالد. [براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من عمل خَالِدٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ، قَالَ: فَلَمّا وَضَعُوا السّلَاحَ أَمَرَ بِهِمْ خَالِدٌ عِنْدَ ذَلِكَ، فَكُتِفُوا، ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى السّيْفِ فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ؛ فَلَمّا انْتَهَى الْخَبَرُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السّمَاءِ، ثُمّ قَالَ: اللهُمّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الوليد. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنّهُ حُدّثَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَحْمُودِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: رَأَيْتُ كَأَنّي لَقِمْت لُقْمَةً مِنْ حَيْسٍ، فَالْتَذَذْتُ طَعْمَهَا، فَاعْتَرَضَ فِي حَلْقِي مِنْهَا شَيْءٌ حِينَ ابْتَلَعْتهَا، فَأَدْخَلَ عَلِيّ يَدَهُ فَنَزَعَهُ؛ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يا رسول الله، هَذِهِ سَرِيّةٌ مِنْ سَرَايَاك تَبْعَثُهَا، فَيَأْتِيك مِنْهَا بَعْضُ مَا تُحِبّ، وَيَكُونُ فِي بَعْضِهَا اعْتِرَاضٌ، فَتَبْعَثُ عَلِيّا فَيُسَهّلُهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَنّهُ انْفَلَتَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَبْيَضُ رَبْعَةٌ، فَنَهَمَهُ خَالِدٌ، فَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ طَوِيلٌ مُضْطَرِبٌ فَرَاجَعَهُ، فَاشْتَدّتْ مُرَاجَعَتُهُمَا؛ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخطّاب: أما الأوّل يا رسول الله فَابْنِي عَبْدُ اللهِ، وَأَمّا الْآخَرُ فَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ قَالَ: ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا عَلِيّ، اُخْرُجْ إلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَانْظُرْ فِي أَمْرِهِمْ، وَاجْعَلْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ تَحْتَ قَدَمَيْك. فَخَرَجَ عَلِيّ حَتّى جَاءَهُمْ وَمَعَهُ مَالٌ قَدْ بَعَثَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَوَدَى لَهُمْ الدّمَاءَ وَمَا أُصِيبَ لَهُمْ مِنْ الْأَمْوَالِ، حَتّى إنّهُ لَيَدِي لَهُمْ مِيلَغَةَ الْكَلْبِ، حَتّى إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ وَلَا مَالٍ إلا وداء، بَقِيَتْ مَعَهُ بَقِيّةٌ مِنْ الْمَالِ، فَقَالَ لَهُمْ عَلِيّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْهُمْ: هَلْ بَقِيَ لَكُمْ بَقِيّةٌ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ لَمْ يُودَ لَكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنّي أُعْطِيكُمْ هَذِهِ الْبَقِيّةَ مِنْ هَذَا الْمَالِ، احْتِيَاطًا لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، مِمّا يَعْلَمُ وَلَا تَعْلَمُونَ، فَفَعَلَ. ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ: فَقَالَ أَصَبْت وَأَحْسَنْت. قَالَ: ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا شَاهِرًا يَدَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الاعتذار عن خالد

حَتّى إنّهُ لَيُرَى مِمّا تَحْتَ مَنْكِبَيْهِ، يَقُولُ: اللهُمّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمّا صَنَعَ خَالِدُ ابن الوليد، ثلاث مرّات. [الاعتذار عن خالد] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ يَعْذِرُ خَالِدًا إنّهُ قَالَ: مَا قَاتَلْت حَتّى أَمَرَنِي بِذَلِك عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ السّهْمِيّ، وَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لا متناعهم من الإسلام. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ: لما أتاهم خالد، قالوا: صبأنا صبأنا. [بين خالد وبين ابن عوف] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ جَحْدَمٌ قَالَ لَهُمْ حِينَ وَضَعُوا السّلَاحَ وَرَأَى مَا يَصْنَعُ خَالِدٌ بِبَنِي جَذِيمَةَ: يَا بَنِي جَذِيمَةَ، ضَاعَ الضّرْبُ، قَدْ كُنْت حَذّرْتُكُمْ مَا وَقَعْتُمْ فِيهِ. قَدْ كَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَبَيْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فِيمَا بَلَغَنِي، كَلَامٌ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: عَمِلْت بِأَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ: إنّمَا ثَأَرْت بِأَبِيك. فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: كَذَبْت، قَدْ قَتَلْتُ قَاتِلَ أَبِي، وَلَكِنّك ثَأَرْتَ بِعَمّك الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَتّى كَانَ بَيْنَهُمَا شَرّ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: مهلا يا خالد، دع عنك أصحابى، فو الله لَوْ كَانَ لَك أُحُدٌ ذَهَبًا ثُمّ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللهِ مَا أَدْرَكَتْ غَدْوَةَ رَجُلٍ من أصحابى ولا روحته. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بين قريش وبنى جذيمة

[بين قريش وبنى جذيمة] وَكَانَ الْفَاكِهُ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَعَوْفُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ، وَعَفّانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ قَدْ خَرَجُوا تُجّارًا إلَى الْيَمَنِ، وَمَعَ عَفّانَ ابْنُهُ عُثْمَانُ، وَمَعَ عَوْفٍ ابْنُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ، فَلَمّا أَقْبَلُوا حَمَلُوا مَالَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرٍ، كَانَ هَلَكَ، بِالْيَمَنِ، إلَى وَرَثَتِهِ، فَادّعَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ خَالِدُ بْنُ هِشَامٍ، وَلَقِيَهُمْ بِأَرْضِ بَنِي جَذِيمَةَ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إلَى أَهْلِ الْمَيّتِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَقَاتَلَهُمْ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى الْمَالِ لِيَأْخُذُوهُ، وَقَاتَلُوهُ، فَقُتِلَ عَوْفُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ، وَالْفَاكِهُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَنَجَا عَفّانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَابْنُهُ عُثْمَانُ، وَأَصَابُوا مَالَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَمَالَ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ، فَانْطَلَقُوا بِهِ، وَقَتَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ خَالِدَ بْنَ هِشَامٍ قَاتِلَ أَبِيهِ، فَهَمّتْ قُرَيْشٌ بِغَزْوِ بَنِي جَذِيمَةَ، فَقَالَتْ بَنُو جَذِيمَةَ: مَا كان مصاب أصحابكم عن ملإمنا، إنما عدا عليهم قوم بجهالة، فأصابوهم ولم نعلم، فنحن نعقل لكم ما كَانَ لَكُمْ قِبَلَنَا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ، فَقَبِلَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ، وَوَضَعُوا الْحَرْبَ. [شِعْرُ سَلْمَى فيما بين جذيمة وقريش] وقد قَائِلٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا سَلْمَى: وَلَوْلَا مَقَالُ الْقَوْمِ لِلْقَوْمِ أَسْلِمُوا ... لَلَاقَتْ سُلَيْمٌ يَوْمَ ذَلِكَ نَاطِحَا لَمَاصَعَهُمْ بُسْرٌ وَأَصْحَابُ جَحْدَمٍ ... وَمُرّةُ حَتّى يَتْرُكُوا الْبَرْكَ ضابحا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر ابن مرداس فى الرد على سلمى

فكائن ترى يوم القميصاء مِنْ فَتًى ... أُصِيبَ وَلَمْ يَجْرَحْ وَقَدْ كَانَ جَارِحَا أَلَظّتْ بِخُطّابِ الْأَيَامَى وَطَلّقَتْ ... غَدَاتَئِذٍ مِنْهُنّ مَنْ كَانَ نَاكِحَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «يسر» «وَأَلَظّتْ بِخُطّابِ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ [شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي الرّدّ عَلَى سَلْمَى] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، ويقال: بل الجحّاف بن حكيم السّلمى: دَعِي عَنْك تِقْوَال الضّلَالِ كَفَى بِنَا ... لِكَبْشِ الْوَغَى فِي الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ نَاطِحَا فَخَالِدُ أَوْلَى بِالتّعَذّرِ مِنْكُمْ ... غَدَاةَ عَلَا نَهْجًا مِنْ الْأَمْرِ وَاضِحَا مُعَانًا بِأَمْرِ اللهِ يُزْجِي إلَيْكُمْ ... سَوَانِحَ لا تكيو لَهُ وَبَوَارِحَا نَعَوْا مَالِكًا بِالسّهْلِ لَمّا هَبَطْنَهُ ... عَوَابِسَ فِي كَابِي الْغُبَارِ كَوَالِحَا فَإِنْ نَكُ أَثْكَلْنَاكِ سَلْمَى فَمَالِكٌ ... تَرَكْتُمْ عَلَيْهِ نَائِحَاتٍ وَنَائِحَا [الجحاف يرد على سلمى] قال الْجَحّافُ بْنُ حَكِيمٍ السّلَمِيّ: شَهِدْنَ مَعَ النّبِيّ مُسَوّمَاتٍ ... حُنَيْنًا وَهْيَ دَامِيَةُ الْكِلَامِ وَغَزْوَةَ خَالِدٍ شهدت وجرّت ... سنابكهنّ بالبلد الحرام نعرص لِلطّعَانِ إذَا الْتَقَيْنَا ... وُجُوهًا لَا تُعَرّضُ لِلّطَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث ابن أبى حدرد يوم الفتح

وَلَسْتُ بِخَالِعٍ عَنّي ثِيَابِي ... إذَا هَزّ الْكُمَاةُ وَلَا أُرَامِي وَلَكِنّي يَجُولُ الْمُهْرُ تَحْتِي ... إلَى الْعَلَوَاتِ بِالْعَضْبِ الْحُسَامِ [حديث ابن أبى حدرد يَوْمَ الْفَتْحِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ، قَالَ: كُنْت يَوْمَئِذٍ فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقَالَ لِي فَتَى مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، وَهُوَ فِي سِنّي، وَقَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ برمّة، ونسوة مجتمعات غير بعيد منه: يافتى؛ فَقُلْت: مَا تَشَاءُ؟ قَالَ: هَلْ أَنْتَ آخِذٌ بِهَذِهِ الرّمّةِ، فَقَائِدِي إلَى هَؤُلَاءِ النّسْوَةِ حَتّى أقضى إليهنّ حاجة، ثم تَرُدّنِي بَعْدُ، فَتَصْنَعُوا بِي مَا بَدَا لَكُمْ؟ قَالَ: قُلْت: وَاَللهِ لَيَسِيرٌ مَا طَلَبْت. فَأَخَذْت بِرُمّتِهِ فَقُدْته بِهَا، حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِنّ، فَقَالَ: اسلمى حبيش، على نفد من العيش: أَرَيْتُكِ إذْ طَالَبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ ... بِحَلْيَةَ أَوْ أَلْفَيْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ أَلَمْ يَكُ أَهْلًا أَنْ يُنَوّلَ عَاشِقٌ ... تَكَلّفَ إدْلَاجَ السّرَى وَالْوَدَائِقِ فَلَا ذَنْبَ لِي قَدْ قُلْت إذْ أَهْلُنَا مَعًا ... أَثِيبِي بِوُدّ قَبْلَ إحْدَى الصّفَائِقِ أَثِيبِي بِوُدّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ النّوَى ... وَيَنْأَى الْأَمِيرُ بِالْحَبِيبِ الْمُفَارِقِ فَإِنّي لَا ضَيّعْتُ سِرّ أَمَانَةٍ ... وَلَا رَاقَ عَيْنِي عَنْك بَعْدَك رَائِقُ سِوَى أَنّ مَا نَالَ الْعَشِيرَةَ شَاغِلٌ ... عَنْ الْوُدّ إلّا أَنْ يَكُونَ التّوَامُقُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ الْبَيْتَيْنِ الْآخِرَيْنِ مِنْهَا لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر جذيمى فى الفتح

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ ابن أبى حدرد الأسلمى قَالَتْ: وَأَنْتَ فَحُيّيت سَبْعًا وَعَشْرَا ... وِتْرًا وَثَمَانِيًا تَتْرَى قَالَ: ثُمّ انْصَرَفْتُ بِهِ. فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي أَبُو فِرَاسِ بْنُ أَبِي سُنْبُلَةَ الْأَسْلَمِيّ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْهُمْ، عَمّنْ كَانَ حَضَرَهَا مِنْهُمْ، قَالُوا: فَقَامَتْ إلَيْهِ حِينَ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، فَأَكَبّتْ عَلَيْهِ، فَمَا زَالَتْ تُقَبّلُهُ حتى ماتت عنده. [شعر جذيمى فى الْفَتْحِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بنى جذيمة: جزى الله عنامد لجا حَيْثُ أَصْبَحَتْ ... جَزَاءَةَ بُوسَى حَيْثُ سَارَتْ وَحَلّتْ أَقَامُوا عَلَى أَقْضَاضِنَا يَقْسِمُونَهَا ... وَقْدَ نُهِلَتْ فِينَا الرّماح وعلّت فو الله لَوْلَا دِينُ آلِ مُحَمّدٍ ... لَقَدْ هَرَبَتْ مِنْهُمْ خُيُولُ فَشَلّتْ وَمَا ضَرّهُمْ أَنْ لَا يُعِينُوا كَتِيبَةً ... كَرِجْلِ جَرَادٍ أُرْسِلَتْ فَاشْمَعَلّتِ فَإِمّا يَنْبُوا أَوْ يَثُوبُوا لِأَمْرِهِمْ ... فَلَا نَحْنُ نَجْزِيهِمْ بِمَا قد أضلّت [وهب يرد على الجذيمى] فَأَجَابَهُ وَهْبٌ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، فَقَالَ: دَعَوْنَا إلَى الْإِسْلَامِ وَالْحَقّ عَامِرًا ... فَمَا ذَنْبُنَا فِي عَامِرٍ إذْ تَوَلّتْ وَمَا ذَنْبُنَا فِي عامر لا أبالهم ... لِأَنْ سَفِهَتْ أَحْلَامُهُمْ ثُمّ ضَلّتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ارتجاز بنى مساحق حين سمعوا بخالد

وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ: لِيَهْنِئْ بَنِي كَعْبٍ مُقَدّمُ خَالِدٍ ... وَأَصْحَابِهِ إذْ صَبّحَتْنَا الْكَتَائِبُ فَلَا تِرَةٌ يَسْعَى بِهَا ابْنُ خُوَيْلِدٍ ... وَقَدْ كنت مكفيّا لوانك غَائِبُ فَلَا قَوْمُنَا يَنْهَوْنَ عَنّا غُوَاتَهُمْ ... وَلَا الدّاءُ مِنْ يَوْمِ الْغُمَيْصَاءِ ذَاهِبُ شِعْرُ غُلَامٍ جَذْمِيّ هَارِبٍ أَمَامَ خَالِدٍ وَقَالَ غُلَامٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، وَهُوَ يَسُوقُ بِأُمّهِ وَأُخْتَيْنِ لَهُ وَهُوَ هَارِبٌ بِهِنّ مِنْ جَيْشِ خَالِدٍ: رَخّينَ أَذْيَالَ الْمُرُوطِ وَارْبَعَنْ ... مَشْيَ حَيِيّاتٍ كَأَنْ لَمْ يُفْزَعَنْ إنْ تُمْنَعْ الْيَوْمَ نِسَاءٌ تُمْنَعَنْ [ارتجاز بنى مساحق حِينَ سَمِعُوا بِخَالِدِ] وَقَالَ غِلْمَةٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو مُسَاحِقٍ، يَرْتَجِزُونَ حِينَ سَمِعُوا بِخَالِدِ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ بَيْضَاءُ الْإِطِلْ ... يَحُوزُهَا ذُو ثَلّةٍ وَذُو إبِلْ لأغنينّ اليوم ما أغنى رجل وَقَالَ الْآخَرُ: قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ تُلْهِي الْعِرْسَا ... لَا تَمْلَأُ الْحَيْزُومَ مِنْهَا نَهْسَا لَأَضْرِبَنّ الْيَوْمَ ضَرْبًا وَعْسَا ... ضَرْبَ الْمُحِلّينَ مَخَاضًا قُعْسَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مسير خالد بن الوليد لهدم العزى

وَقَالَ الْآخَرُ: أَقْسَمْتُ مَا إنْ خَادِرٌ ذُو لِبْدَهْ ... شَثْنُ الْبَنَانِ فِي غَدَاةٍ بَرْدَهْ جَهْمُ الْمُحَيّا ذُو سِبَالٍ وَرْدَهْ ... يُرْزِمُ بَيْنَ أَيْكَةٍ وَجَحْدَهْ ضَارٍ بِتَأْكَالِ الرّجَالِ وَحْدَهْ ... بِأَصْدَقَ الْغَدَاةَ مَنّي نَجْدَهْ [مَسِيرُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِهَدْمِ الْعُزّى] ثُمّ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى الْعُزّى، وَكَانَتْ بِنَخْلَةَ، وَكَانَتْ بَيْتًا يُعَظّمُهُ هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَمُضَرَ كُلّهَا، وَكَانَتْ سَدَنَتُهَا وَحُجّابُهَا بَنِي شَيْبَانَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ حَلْفَاءِ بَنِي هَاشِمٍ، فَلَمّا سَمِعَ صَاحِبُهَا السّلَمِيّ بِمَسِيرِ خَالِدٍ إلَيْهَا، عَلّقَ عَلَيْهَا سَيْفَهُ، وَأَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ الّذِي هى فيه وهو يقول: أَيَا عُزّ شُدّي شِدّةً لَا شَوَى لَهَا ... عَلَى خَالِدٍ أَلْقِي الْقِنَاعَ وَشَمّرِي يَا عُزّ إنْ لَمْ تَقْتُلِي الْمَرْءَ خَالِدًا ... فَبُوئِي بِإِثْمِ عَاجِلٍ أَوْ تَنَصّرِي فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهَا خَالِدٌ هَدَمَهَا، ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن إسحاق: وحدثني ابن شهاب الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابن عثبة بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ بَعْدَ فَتْحِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصّلَاةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فَتْحُ مَكّةَ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْ إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ وَصَاحِبَيْهِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ كَسْرَ الْأَصْنَامِ، وَطَمْسَ التّمَاثِيلِ، وَمَقَالَةَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ حِينَ اجْتَمَعَ هُوَ وَأَبُو سُفْيَانَ، وَعَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ، فَتَكَلّمُوا فَأَخْبَرَهُمْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِاَلّذِي قَالُوهُ، فَصَحّ بِذَلِكَ يَقِينُهُمْ وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ، وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَعَنَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَارِثَ وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ الْآيَةَ آلِ عِمْرَانَ: 128 قَالَ: فَتَابُوا بَعْدُ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ، وَرُوِينَا بإسناد متّصل عن عبد الله ابن أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: خَرَجَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: لَيْتَ شِعْرِي بِأَيّ شَيْءٍ غَلَبْتنِي، فَأَقْبَلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتّى ضَرَبَ بِيَدِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَقَالَ: بِاَللهِ غَلَبْتُك يَا أَبَا سُفْيَانَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللهِ. مِنْ مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ، وَرَوَى الزّبَيْرُ بِإِسْنَادِ يَرْفَعُهُ إلَى مَنْ سَمِعَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمَازِحُ أَبَا سُفْيَانَ فِي بَيْتِ أُمّ حَبِيبَةَ وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ لَهُ تَرَكْتُك، فَتَرَكَتْك الْعَرَبُ، وَلَمْ تَنْتَطِحْ بَعْدَهَا جَمّاءُ وَلَا قَرْنَاءُ، وَالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ، وَيَقُولُ: أَنْتَ تَقُولُ هَذَا يَا أَبَا حَنْظَلَة. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ جَلّ وَعَزّ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً الْمُمْتَحِنَةِ: 7 قَالَ هِيَ مُعَاهَدَةُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي سُفْيَانَ. وَقَالَ أَهْلُ التّفْسِيرِ: رَأَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ أَسِيدَ بْنَ أَبِي الْعِيصِ وَالِيًا عَلَى مكة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مُسْلِمًا، فَمَاتَ عَلَى الْكُفْرِ، فَكَانَتْ الرّؤْيَا لِوَلَدِهِ عتّاب حين أسلم، فولاء رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ، وَهُوَ ابْنُ إحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَرَزَقَهُ كُلّ يَوْمٍ دِرْهَمًا، فَقَالَ: أَيّهَا النّاسُ أَجَاعَ اللهُ كَبِدَ مَنْ جَاعَ عَلَى دِرْهَمٍ، الْحَدِيثَ، وَقَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: وَاَللهِ مَا اكْتَسَبْت فِي وِلَايَتِي كُلّهَا إلّا قَمِيصًا مُعَقّدًا «1» كَسَوْته غُلَامِي كَيْسَانَ، وَكَانَ قَدْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَسَمِعَ بِلَالًا يُؤَذّنُ عَلَى الْكَعْبَةِ، لَقَدْ أَكْرَمَ اللهُ أَسِيدًا، يَعْنِي: أَبَاهُ أَنْ لَا يَكُونَ سَمِعَ هَذَا فَيَسْمَعَ مِنْهُ مَا يَغِيظُهُ، وَكَانَتْ تَحْتَ عَتّابٍ جُوَيْرِيّةُ بِنْتُ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَهِيَ الّتِي خَطَبَهَا عَلِيّ عَلَى فَاطِمَةَ، فَشَقّ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا آذَنُ ثُمّ لَا آذَنُ، إنّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنّي، الْحَدِيثَ «2» ، فَقَالَ عَتّابٌ: أَنَا أُرِيحُكُمْ مِنْهَا فَتَزَوّجَهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ الْمَقْتُولَ يَوْمَ الجمل، يروى أن عقابا طَارَتْ بِكَفّهِ يَوْمَ قُتِلَ، وَفِي الْكَفّ خَاتَمُهُ، فَطَرَحَتْهَا بِالْيَمَامَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَعُرِفَتْ بِالْخَاتَمِ. الْحَنْفَاءُ بِنْتُ أَبِي جَهْلٍ: وَكَانَتْ لِأَبِي جَهْلٍ بِنْتٌ أُخْرَى، يُقَالُ لَهَا الْحَنْفَاءُ كَانَتْ تَحْتَ سهيل

_ (1) ضرب من برود هجر. (2) قصة جويرية فى الصحيحين من حديث المسور بن مخرمة من غير أن تسمى. وفيها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا» . والسبب خوفه «ص» أن تفتن فاطمة فى دينها كما جاء مصرحا به فى الحديث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عَمْرٍو، يُقَالُ: إنّهَا وَلَدَتْ لَهُ ابْنَهُ أَنَسًا الّذِي كَانَ يَضْعُفُ «1» ، وَفِيهِ جَرَى الْمَثَلُ: أَسَاءَ سَمْعًا فَأَسَاءَ إجَابَةً «2» وَيُقَالُ: إنّهُ نَظَرَ يَوْمًا إلَى رَجُلٍ عَلَى نَاقَةٍ يَتْبَعُهَا خَرُوفٌ فَقَالَ: يَا أَبَتْ أَذَاكَ الْخَرُوفُ مِنْ تِلْكَ النّاقَةِ؟ فَقَالَ أَبُوهُ: صَدَقَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، وَكَانَتْ حِينَ خَطَبَهَا قَالَتْ: إنْ جَاءَتْ مِنْهُ حَلِيلَتُهُ بِوَلَدِ أَحْمَقَتْ، وَإِنْ أَنْجَبَتْ فَعَنْ خَطَأٍ مَا أَنْجَبَتْ، وَقَدْ قِيلَ فِي بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ: الْحَنْفَاءِ: إنّ اسْمَهَا صَفِيّةُ «3» فَاَللهُ أَعْلَمُ. إسْلَامُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ: أَلَا تَرَى مَا يَصْنَعُ محمّد من مِنْ كَسْرِ الْآلِهَةِ، وَنِدَاءِ هَذَا الْعَبْدِ الْأَسْوَدِ عَلَى الْكَعْبَةِ «4» فَقَالَ: إنْ كَانَ اللهُ يَكْرَهُ هَذَا، فَسَيُغَيّرُهُ، ثُمّ حَسُنَ إسْلَامُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعْدُ، وَهَاجَرَ إلَى الشّامِ، فَلَمْ يَزَلْ جَاهِدًا مُجَاهِدًا، حَتّى اُسْتُشْهِدَ هُنَالِكَ رَحِمَهُ اللهُ.

_ (1) من الضعفة ضعف الفؤاد وقلة الفطنة. (2) فى اللسان: جابة وقال «هكذا يتكلم به، لأن الأمثال تحكى على موضوعاتها» وهى اسم وضع موضع المصدر مثل الطاعة والطافة والغارة والعارة، وأصل المثل أن الأخنس بن شريق لقيه مع أبيه، فقال له: أبن أمك يا فتى «أمك مصدر الفعل أم، أى أين قصدك» فظن أنس أنه يسأل عن أمه، فقال: انطلقت إلى أم حنظلة تطحن دقيقا، فقال أبوه: أساء سمعا فأساء جابة. أنظر اللسان مادة جوب والأمثال للميدانى ص 330 ط السنة المحمدية. (3) وفى الأمثال أن اسمها صفية. (4) وفى رواية أنه قال: واثكلاه ليتنى مت قبل هذا اليوم، قبل أن أسمع بلالا ينهق فوق الكعبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إسْلَامُ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ: وَأَمّا بِنْتُ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَتْ حِينَ سَمِعَتْ الْأَذَانَ عَلَى الْكَعْبَةِ، فلما قال لمؤذن: أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ، قَالَتْ: عَمْرِي لَقَدْ أَكْرَمَك اللهُ وَرَفَعَ ذِكْرَك، فَلَمّا سَمِعَتْ: حَيّ عَلَى الصّلَاةِ، قَالَتْ: أَمّا الصّلَاةُ فَسَنُؤَدّيهَا، وَلَكِنْ وَاَللهِ مَا تُحِبّ قُلُوبُنَا مَنْ قَتَلَ الْأَحِبّةَ، ثُمّ قَالَتْ: إنّ هَذَا الْأَمْرَ لَحَقّ، وَقَدْ كَانَ الْمَلَكُ جَاءَ بِهِ أَبِي، وَلَكِنْ كَرِهَ مُخَالَفَةَ قَوْمِهِ وَدِينَ آبَائِهِ. وَأَمّا أَبُو مَحْذُورَةَ الْجُمَحِيّ، وَاسْمُهُ: سَلَمَةُ بْنُ مِعْيَرٍ، وَقِيلَ سَمُرَةُ «1» ، فَإِنّهُ لَمّا سَمِعَ الْأَذَانَ، وَهُوَ مَعَ فتية من قريش خارج مكة أقبلوا يستهزؤن، وَيَحْكُونَ صَوْتَ الْمُؤَذّنِ غَيْظًا، فَكَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ مِنْ أَحْسَنِهِمْ صَوْتًا، فَرَفَعَ صَوْتَهُ مُسْتَهْزِئًا بِالْأَذَانِ، فَسَمِعَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِهِ فَمَثَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ مَقْتُولٌ، فَمَسَحَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاصِيَتَهُ وَصَدْرَهُ بِيَدِهِ، قَالَ: فَامْتَلَأَ قَلْبِي وَاَللهِ إيمَانًا وَيَقِينًا وَعَلِمْت أَنّهُ رَسُولُ اللهِ، فَأَلْقَى عَلَيْهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْأَذَانَ، وَعَلّمَهُ إيّاهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذّنَ لِأَهْلِ مَكّةَ، وَهُوَ ابْنُ سِتّ عَشْرَةَ سَنَةً، فَكَانَ مُؤَذّنَهُمْ حَتّى مَاتَ ثُمّ عَقِبَهُ بَعْدَهُ يَتَوَارَثُونَ الْأَذَانَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، وَفِي أَبِي مَحْذُورَةَ يَقُولُ الشاعر:

_ (1) فى الاصابة عند البلاذرى عن اسمه: الأثبت أنه أدمس، وجزم ابن حزم فى أن سمرة أخوه. وخالف أبو اليقظان فجزم بأن أدمس بن معير قتل يوم بدر كافرا وأن اسم أبى مجذورة سلمان بن سمرة، وقيل غير ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما وربّ الكعبة المستوره ... وماتلا مُحَمّدٌ مِنْ سُورَهْ وَالنّغَمَاتِ مِنْ أَبِي مَحْذُورَهْ ... لَأَفْعَلَن فِعْلَةً مَذْكُورَهْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ: وَأَمّا هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ، فَإِنّ مِنْ حَدِيثِهَا يَوْمَ الْفَتْحِ أَنّهَا بَايَعَتْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَى الصّفَا، وَعُمَرُ دُونَهُ بِأَعْلَى الْعَقَبَةِ، فَجَاءَتْ فِي نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ يُبَايِعْنَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَعُمَرُ يُكَلّمُهُنّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمّا أَخَذَ عَلَيْهِنّ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللهِ شَيْئًا قَالَتْ هِنْدُ: قَدْ عَلِمْت أَنّهُ لَوْ كَانَ مَعَ اللهِ غَيْرُهُ لَأَغْنَى عَنّا، فَلَمّا قَالَ: وَلَا يَسْرِقْنَ قَالَتْ: وَهَلْ تَسْرِقُ الْحُرّةُ، لَكِنْ يَا رَسُولَ اللهِ أَبُو سُفْيَانَ رَجُلٌ مَسِيكٌ رُبّمَا أَخَذْت مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ مَا يُصْلِحُ وَلَدَهُ، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ، ثُمّ قَالَ: إنّك لَأَنْتِ هِنْدُ؟ «1» قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ اُعْفُ عَنّي، عَفَا اللهُ عَنْك، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حَاضِرًا، فَقَالَ: أَنْتِ فِي حِلّ مِمّا أَخَذْت، فَلَمّا قَالَ: وَلَا يَزْنِينَ، قَالَتْ: وَهَلْ تَزْنِي الْحُرّةُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمّا قَالَ: وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوفٍ، قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي مَا أَكْرَمَك، وَأَحْسَنَ مَا دَعَوْت إلَيْهِ، فَلَمّا سَمِعَتْ: وَلَا يَقْتُلْنَ أولادهن،

_ (1) هذا لأنها كانت متنكرة خوفا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورواية الصحيحين: «إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطينى من النفقة ما يكفينى، ويكفى بنى فهل على جناح إن أخذت من ماله بغير علمه؟ فقال رسول الله «ص» خذى من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفى بنيك» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَتْ: وَاَللهِ قَدْ رَبّيْنَاهُمْ صِغَارًا، حَتّى قَتَلْتهمْ أَنْتَ وَأَصْحَابُك بِبَدْرِ كِبَارًا، قَالَ: فَضَحِكَ عُمَرُ مِنْ قَوْلِهَا حَتّى مَالَ. عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ لَا عَمْرُو بْنُ الزّبَيْرِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيّ، وَاسْمُهُ: خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو، وَقِيلَ: عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ، وَقِيلَ: كَعْبُ بْنُ عمرو، وقيل: هانىء بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: لَمّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الزّبَيْرِ مَكّةَ لِقِتَالِ أَخِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ بِمَكّةَ، هَذَا وَهْمٌ مِنْ ابْنِ هِشَامٍ، وصوابه: عمرو بن سعيد بن العاصى بْنِ أُمَيّةَ، وَهُوَ الْأَشْدَقُ، وَيُكَنّى أَبَا أُمَيّةَ، وَهُوَ الّذِي كَانَ يُسَمّى لَطِيمَ الشّيْطَانِ، وَكَانَ جَبّارًا شَدِيدَ الْبَأْسِ، حَتّى خَافَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى مَكّةَ، فَقَتَلَهُ بِحِيلَةِ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ، وَرَأَى رَجُلٌ عِنْدَ مَوْتِهِ فِي الْمَنَامِ قَائِلًا يَقُولُ: أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلسّفَاهَةِ وَالْوَهْنِ ... وَلِلْعَاجِزِ الموهون والرّأى ذى الْأَفْنِ وَلِابْنِ سَعِيدٍ بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ ... عَلَى قَدَمَيْهِ خَرّ لِلْوَجْهِ وَالْبَطْنِ رَأَى الْحِصْنَ مَنْجَاةً مِنْ الْمَوْتِ فَالْتَجَا ... إلَيْهِ، فَزَارَتْهُ الْمَنِيّةُ فِي الْحِصْنِ فَقَصّ رُؤْيَاهُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُمَهَا، حَتّى كَانَ مِنْ قَتْلِهِ مَا كَانَ، وَهُوَ الّذِي خَطَبَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَعَفَ حَتّى سَالَ الدّمُ إلَى أَسْفَلِهِ فَعُرِفَ بِذَلِكَ مَعْنَى حَدِيثِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ الّذِي يُرْوَى عَنْهُ كَأَنّي بِجَبّارِ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ يَرْعُفُ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا حَتّى يَسِيلَ الدّمُ إلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَسْفَلِهِ «1» ، أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعُرِفَ الْحَدِيثُ فِيهِ. فَالصّوَابُ إذًا عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ لَا عَمْرُو بْنُ الزّبَيْرِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَهَكَذَا وَقَعَ فِي الصّحِيحَيْنِ. ذَكَرَ هَذَا التّنْبِيهَ عَلَى ابْنِ هِشَامٍ أَبُو عُمَرَ- رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِ الْأَجْوِبَةِ عَنْ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَغْرَبَةِ، وَهِيَ مَسَائِلُ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ لِلْبُخَارِيّ تَكَلّمَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَإِنّمَا دَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى ابْنِ هِشَامٍ أَوْ عَلَى الْبَكّائِيّ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ أَجْلِ أَنّ عَمْرَو بْنَ الزّبَيْرِ، كَانَ مُعَادِيًا لِأَخِيهِ عَبْدِ اللهِ وَمُعِينًا لِبَنِي أُمَيّةَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. أُمّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أُمّ حَكِيمٍ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَكَانَتْ تَحْتَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ «2» ، وَأَنّهَا اتّبَعَتْهُ حِينَ فَرّ مِنْ الْإِسْلَامِ، فَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتُشْهِدَ عِكْرِمَةُ بِالشّامِ، فَخَطَبَهَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، فَخُطِبَتْ إلَى خَالِدٍ، فَتَزَوّجَهَا، فَلَمّا أَرَادَ الْبِنَاءَ بِهَا، وَجُمُوعُ الرّومِ قَدْ احْتَشَدَتْ، قَالَتْ لَهُ: لَوْ أَمْهَلْت حتى يفضّ الله جمعهم، قال: إن

_ (1) من الأحاديث التى ابتدعتها الأهواء السياسية. (2) روى أبو داود والنسائى أنه ركب البحر فأصابتهم ريح عاصف فنادى عكرمة اللات والعزى، فقال أهل السفينة: أخلصوا فآلهتكم لا تغنى عنكم شيئا هاهنا، فقال عكرمة والله لئن لم ينجنى من البحر إلا الإخلاص لا ينجينى فى البر غيره اللهم لك عهد إن أنت عافيتنى مما أنا فيه أن آتى محمدا حتى أضع يدى فى يده فلأجدنه عفوا غفورا كريما، فجاء فأسلم. وقد روى البيهقى قصة إسلامه مطولة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَفْسِي تُحَدّثُنِي أَنّي أُصَابُ فِي جُمُوعِهِمْ، فَقَالَتْ: دُونَك، فَابْتَنَى بِهَا، فَلَمّا أَصْبَحَ الْتَقَتْ الْجُمُوعُ وَأَخَذَتْ السّيُوفُ مِنْ كُلّ فَرِيقٍ مَأْخَذَهَا فَقُتِلَ خَالِدٌ، وَقَاتَلَتْ يَوْمَئِذٍ أُمّ حَكِيمٍ، وَإِنّ عَلَيْهَا لِلرّدْعِ الْخَلُوقَ «1» ، وَقَتَلَتْ سَبْعَةً مِنْ الرّومِ بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ بِقَنْطَرَةِ تُسَمّى إلَى الْيَوْمِ بِقَنْطَرَةِ أُمّ حَكِيمٍ وَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ أَجْنَادِينَ «2» . دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ: وَذَكَرَ فِي خُطْبَةِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا كُلّ مَأْثُرَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ يُدَعّى، فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيّ هَاتَيْنِ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ: وَأَوّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ. كَانَ لِرَبِيعَةَ ابْنٌ قُتِلَ فِي الْجَاهِلِيّةِ اسْمُهُ آدَمُ، وَقِيلَ تَمّامٌ، وَهُوَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. حَوْلَ التّخْيِيرِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ الدّيَةِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ شُرَيْحٍ «3» قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: فَمَنْ قُتِلَ

_ (1) يعنى: كانت متطيبة حديثا. (2) فى الإصابة: فى معركة مرج الصفر. (3) أصل حديث أبى شريح فى الصحيحين عن أبى هريرة: من قتل له قتيل، فهو بخير النظرين، إما أن يفتدى، وإما أن يقتل. وقد رواه الجماعة لكن لفظ الترمذى، إما أن يعفو وإما أن يقتل. وقد رواه أبو داود والنسائى. وقد رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة هكذا «من أصيب بدم أو خبل- والخبل الجراح- فهو بالخيار بين إحدى ثلاث: إما أن يقتص أو يأخذ العقل، أو يعفو، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بَعْدَ مُقَامِي هَذَا، فَأَهْلُهُ بِخَيْرِ النّظَرَيْنِ، إنْ شاؤا فدم قاتله، وإن شاؤا فَعَقْلُه، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فِيهِ أَلْفَاظُ الرّوَاةِ وَظَاهِرُهُ عَلَى هَذِهِ الرّوَايَةِ أَنّ وَلِيّ الدّمِ، هُوَ الْمُخَيّرُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الدّيَةَ، وَهُوَ الْعَقْلُ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَصْلٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَنْ يَخْتَارَ وَلِيّ الْمَقْتُولِ أَخْذَ الدّيَةِ، وَيَأْبَى الْقَاتِلُ إلّا أَنْ يُقْتَصّ مِنْهُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَلَا اخْتِيَارَ لِلْقَاتِلِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْمَالِ، وَتَأَوّلُوا الْحَدِيثَ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ بِهَا طَائِفَةٌ، مِنْ السّلَفِ، وَقَالَ آخَرُونَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ، وَأَشْهَبَ، وَمَنْشَأُ الِاخْتِلَافِ مِنْ الِاحْتِمَالِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ عِنْدَ قَوْمٍ أَنْ تَكُونَ مِنْ وَاقِعَةً عَلَى وَلِيّ الْمَقْتُولِ، وَمِنْ أَخِيهِ أَيْ مِنْ وَلِيّهِ الْمَقْتُولِ، أَيْ: مِنْ دِيَتِهِ، وَعُفِيَ لَهُ أَيْ: يُسّرَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ مِنْ وَاقِعَةً عَلَى الْقَاتِلِ وَعُفِيَ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ الدّمِ، وَلَا خِلَافَ أَنّ الْمُتّبِعَ بِالْمَعْرُوفِ، هُوَ وَلِيّ الدّمِ، وَأَنّ الْمَأْمُورَ بِأَدَاءِ بِإِحْسَانِ هُوَ الْقَاتِلُ، وَإِذَا تَدَبّرْت الآية، عرفت منشأ الخلاف منها، وَلَاحَ مِنْ سِيَاقَةِ الْكَلَامِ أَيّ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى بِالصّوَابِ. وَأَمّا مَا ذَكَرْت مِنْ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ النقلة فى الحديث، فيحصرها سبعة ألفاظ

_ - فإن أراد رابعة، فخذوا على يديه» أى أراد زيادة على القصاص أو الدية أو العفو. وقد فسر ابن عباس. (فمن عفى له) . الآية: العفو أن يقبل فى العمد الدية، والاتباع بالمعروف: يتبع الطالب بمعروف، ويؤدى إليه المطلوب بإحسان البخارى والنسائى والدارقطنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَحَدُهَا: إمّا أَنْ يَقْتُلَ وَإِمّا أَنْ يُفَادِيَ. وَالثّانِي: إمّا أَنْ يُعْقَلَ أَوْ يُقَادَ. الثّالِثُ: إمّا أَنْ يَفْدِيَ وَإِمّا أَنْ يُقْتَلَ. الرّابِعُ: إمّا أَنْ تُعْطَى الدّيَةُ أَوْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ. الْخَامِسُ: إمّا أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَقْتُلَ. السّادِسُ: يُقْتَلُ أَوْ يُفَادَى. السّابِعُ: مَنْ قَتَلَ متعمّدا دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤا قتلوا وإن شاؤا أَخَذُوا الدّيَةَ. خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ. وَرِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي السّيرَةِ ثَامِنَةٌ، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الرّوَايَاتِ قُوّةٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي بَعْضِهَا قُوّةٌ لِرِوَايَةِ أَشْهَبَ فَتَأَمّلْهَا «1» . النّهْيُ عَنْ اشْتِمَالِ الصّمّاءِ وَالِاحْتِبَاءِ: وَخُطْبَتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَطْوَلُ مِمّا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ، وَفِيهَا مِنْ رِوَايَةِ الشّيْبَانِيّ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ نَهْيُهُ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ، وَصَلَاةِ سَاعَتَيْنِ: يَعْنِي طُلُوعَ الشّمْسِ وَغُرُوبَهَا، وَأَنْ لَا يتوارث أهل ملّتين، وعن لبستين وطعمتين،

_ (1) وفى روايته «وإن أحبوا أخذوا العقل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة، وأربعين خاتمة فى بطونها أولادها» وقد أخرجه الترمذى وابن ماجة عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده. ويقول الشوكانى فى نيل الأوطار عن حديث أبى شريح: فى إسناده محمد بن إسحاق، وقد أورده معنعنا، وهو معروف بالتدليس، فإذا عنعن ضعف حديثه» ص 7 ج 7.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفُسّرَتَا فِي الْحَدِيثِ، فَقَالَ: اللّبْسَتَانِ: اشْتِمَالُ الصّمّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرّجُلُ «1» وَلَيْسَ بَيْنَ عَوْرَتِهِ وَالسّمَاءِ حِجَابٌ. وَالطّعْمَتَانِ: الْأَكْلُ بِالشّمَالِ، وَأَنْ يَأْكُلَ مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنِهِ. شِعْرُ ابْنِ الزّبَعْرَى: فَصْلٌ: وَذَكَرَ شعر ابن لزّبعرى: الزّبَعْرَى: الْبَعِيرُ الْأَزَبّ «2» مَعَ قِصَرٍ، وَفِيهِ: رَاتِقٌ مَا فَتَقْت إذْ أَنَا بُورُ قَوْلُهُ: فَتَقْت يَعْنِي: فِي الدّينِ، فَكُلّ إثْمٍ فَتْقٌ وَتَمْزِيقٌ، وَكُلّ تَوْبَةٍ، رَتْقٌ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قِيلَ للتوبة: نصوح من نصحت الثوب إذَا خِطْته، وَالنّصَاحُ: الْخَيْطُ «3» ، وَيَشْهَدُ لِصِحّةِ هَذَا المعنى قول إبراهيم بن أدهم:

_ (1) اشتمال الصماء: أن يتجلل الرجل بثوبه، ولا يرفع منه جانبا، وإنما قيل لها صماء، لأنه يسد على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء. والفقهاء يقولون: هو أن يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه على منكبه، فتنكشف عورته. والاحتباء: أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب نجمعهما به مع ظهره، ويشده عليها، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب، وإنما نهى عنه، لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك أو زال الثوب فتبدو عورته. (2) الزبب فى الإبل كثرة شعر الوجه والعثنون. وابن دريد يقول هو من قولهم: رجل زبعرى إذا كان غليظا كثير الشعر. (3) والنصاح كشداد، والناصح والناصحى: الخياط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نُرَقّعُ دُنْيَانَا بِتَمْزِيقِ دِينِنَا ... فَلَا دِينُنَا يَبْقَى، وَلَا مَا نُرَقّعُ وَقَوْلُهُ: إذْ أَنَا بُورُ، أَيْ: هَالِكٌ، يُقَالُ: رَجُلٌ بُورٌ وَبَائِرٌ، وَقَوْمٌ بُورٌ، وَهُوَ جَمْعُ بَائِرٍ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ فُعُلٌ بِتَحْرِيكِ الْوَاوِ، وَأَمّا رَجُلٌ بُورٌ، فَوَزْنُهُ فُعْلٌ بِالسّكُونِ، لِأَنّهُ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ، وَمِنْهُ قِيلَ: أَرْضٌ بُورٌ مِنْ الْبَوَارِ، وَهُوَ هَلَاكُ الْمَرْعَى وَيُبْسُهُ. وَقَوْلُ ابْنِ الزّبَعْرَى: وَاللّيْلُ مُعْتَلِجُ الرّوَاقِ بَهِيمُ الِاعْتِلَاجُ: شِدّةٌ وَقُوّةٌ، وَقَدْ تَقَدّمَ شَرْحُهَا. وَالْبَهِيمُ: الّذِي لَيْسَ فِيهِ لَوْنٌ يُخَالِطُ لَوْنَهُ. وَقَوْلُهُ: سُرُحُ الْيَدَيْنِ غَشُومُ. الْغَشُومُ: الّتِي لَا تُرَدّ عَنْ وَجْهِهَا، وَيُرْوَى سَعُومُ، وَهِيَ الْقَوِيّةُ عَلَى السّيْرِ. حَوْلَ شِعْرِ حَسّانٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانٍ يَوْمَ الْفَتْحِ وَأَوّلُهُ: عَفَتْ ذَاتُ الْأَصَابِعِ فَالْجِوَاءُ ذَاتُ الْأَصَابِعِ: مَوْضِعٌ بِالشّامِ، وَالْجِوَاءُ كَذَلِكَ، وَبِالْجِوَاءِ كَانَ مَنْزِلُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، وَكَانَ حَسّانُ كَثِيرًا مَا يَرِدُ عَلَى مُلُوكِ غَسّانَ بِالشّامِ يَمْدَحُهُمْ، فَلِذَلِكَ يَذْكُرُ هَذِهِ المنازل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: إلَى عَذْرَاءَ، هِيَ قَرْيَةٌ عِنْدَ دِمَشْقَ، فِيهَا قُتِلَ حُجْرُ بْنُ عَدِيّ وَأَصْحَابُهُ. وَقَوْلُهُ: نَعَمٌ وَشَاءُ. النّعَمُ: الْإِبِلُ، فَإِذَا قِيلَ أَنْعَامٌ دَخَلَ فِيهَا الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ وَالْإِبِلُ. وَالشّاءُ وَالشّوِيّ: اسْمٌ لِلْجَمِيعِ كَالضّأْنِ وَالضّئِينِ وَالْإِبِلِ وَالْإِبِيلِ، وَالْمَعْزِ وَالْمَعِيزِ، وَأَمّا الشّاةُ، فَلَيْسَتْ مِنْ لَفْظِ الشّاءِ، لِأَنّ لَامَ الْفِعْلِ مِنْهَا هَاءٌ. وَبَنُو الْحَسْحَاسِ: حَيّ مِنْ بَنِي أَسَدٍ. وَقَوْلُهُ: الرّوَامِسُ وَالسّمَاءُ، يَعْنِي: الرّيَاحَ وَالْمَطَرَ. وَالسّمَاءُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يَقَعُ عَلَى الْمَطَرِ، وَعَلَى السّمَاءِ الّتِي هِيَ السّقْفُ، وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ وَلَا مِنْ قَوْلِهِ: إذَا سَقَطَ السّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا «1» لِأَنّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَطَرَ السّمَاءِ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ، وَلَكِنْ إنّمَا عَرَفْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي جَمْعِهِ: سُمَيّ وهم يقولون فى جمع السماء: سماوات وَأَسْمِيَةٌ، فَعَلِمْنَا أَنّهُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ. وَقَوْلُهُ: وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفِ. الطّيْفُ: مَصْدَرُ طَافَ الْخَيَالُ يَطِيفُ طَيْفًا، وَلَكِنْ لَا يُقَالُ لِلْخَيَالِ: هُوَ طَائِفٌ عَلَى وَزْنِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ طاف، لأنه

_ (1) الشعر لمعاوية بن مالك معود الحكماء، وبعده: بكل مقلص عبل شواه ... إذا وضعت أعنتهن ثابا ومحفزة؟؟؟ الحزام بمرفقيها ... كشاة الربل؟؟؟ أفلتت الكلابا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَا حَقِيقَةَ لِلْخَيَالِ، فَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى أَنّهُ هو الطّيف، وهو توهّم ونخيّل، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ لَهُ حَقِيقَةٌ قُلْت فِيهِ: طَائِفٌ، وَفِي مَصْدَرِهِ: طَيْفٌ كَمَا فِي التّنْزِيلِ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ الْأَعْرَافِ: 201 وَقَدْ قُرِئَ أَيْضًا طَيْفٌ مِنْ الشّيْطَان، لِأَنّ غُرُورَ الشّيْطَانِ وَأَمَانِيّهُ تُشَبّهُ بِالْخَيَالِ، وَمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ. وَأَمّا قوله: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ ن: 19 فَلَيْسَ فِيهِ إلّا اسْمُ الْفَاعِلِ دُونَ الْمَصْدَرِ، لِأَنّ الّذِي طَافَ عَلَيْهَا لَهُ حَقِيقَةٌ، وَهُوَ فَاعِلٌ مَعْرُوفٌ بِالْفِعْلِ، يُقَالُ إنّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ، فَتَحَصّلَ مِنْ هَذَا ثَلَاثُ مَرَاتِبَ: الْخَيَالُ وَلَا حَقِيقَةَ لَهُ، فَلَا يُعَبّرُ عَنْهُ إلّا بِالطّيْفِ، وَحَدِيثُ الشّيْطَانِ وَوَسْوَسَتُهُ، يُقَالُ فِيهِ: طَائِفٌ وَطَيْفٌ، وَكُلّ طَائِفٍ سِوَى هَذَيْنِ فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ، لَا يُعَبّرُ عَنْهُ بِطَيْفِ، وَلَا بِطَوَافِ، فَقِفْ عَلَى هَذِهِ النّكْتَةِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: يُؤَرّقُنِي إذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ، أَيْ: يُسَهّرُنِي، فَيُقَالُ: كَيْفَ يُسَهّرُهُ الطّيْفُ، وَالطّيْفُ حُلْمٌ فِي الْمَنَامِ؟. فَالْجَوَابُ: أَنّ الّذِي يُؤَرّقُهُ لَوْعَةٌ يَجِدُهَا عِنْدَ زَوَالِهِ كَمَا قَالَ [حَبِيبُ بْنُ أَوْسٍ أَبُو تَمّامٍ] الطّائِيّ: ظَبْيٌ تَقَنّصْتُهُ لَمّا نَصَبْت لَهُ ... مِنْ آخِرِ اللّيْلِ أَشْرَاكًا مِنْ الْحُلْمِ ثُمّ انْثَنَى، وَبِنَا مِنْ ذِكْرِهِ سَقَمٌ ... بَاقٍ، وَإِنْ كَانَ معسولا من السّقم «1»

_ (1) من قصيدة له يمدح بها مالك بن طوق. أولها: سلم على الربع من سلم بذى سلم ... عليه وسم من الأيام والقدم-.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ أَحْسَنَ فِي قَوْلِهِ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنّهُ سَهِرَ لَيْلَهُ كُلّهُ، إلّا سَاعَةً جَاءَ الْخَيَالُ مِنْ آخِرِهِ، فَكَأَنّهُ مُسْتَرَقٌ مِنْ قَوْلِ حَسّانٍ: وَخَيَالٌ إذَا تَقُومُ النّجُومُ ونظير قوله: يؤرّقنى، أى يورقنى بِزَوَالِهِ عَنّي قَوْلُ الْبُحْتُرِيّ: أَلَمّتْ بِنَا بَعْدَ الْهُدُوّ فَسَامَحَتْ ... بِوَصْلِ مَتَى تَطْلُبْهُ فِي الْجِدّ تَمْنَعْ وَوَلّتْ كَأَنّ الْبَيْنَ يَخْلُجُ شَخْصَهَا ... أَوَانَ تَوَلّتْ مِنْ حِشَائِي وَأَضْلُعِي «1» وَقَوْلُهُ: لِشَعْثَاءَ الّتِي قَدْ تَيّمَتْهُ. شَعْثَاءُ الّتِي يُشَبّبُ بِهَا حَسّانُ هِيَ بِنْتُ سَلّامِ بْنِ مِشْكَمٍ الْيَهُودِيّ، وَرُوِيَ أَنّهُ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ مُحَمّدًا نَبِيّ، وَلَوْلَا أَنْ تُعَيّرَ بِهَا شعثاء ابنتى لتبعته، وقد كان تَحْتَ حَسّانٍ أَيْضًا امْرَأَةٌ اسْمُهَا شَعْثَاءُ بِنْتُ كاهن الأسلميّة، ولدت له أمّ فراس.

_ - وقبل البيتين قوله: زار الخيال لها لابل أزاركه ... فكر إذا نام فكر الخلق لم ينم وانظر نقد الآمدى لهذا البيت، ثم اعتذاره عنه، وما قاله الشريف المرتضى فى طيف الخيال ص 7 ط 1962 بتحقيق الأستاذ الصيرفى، ص 6 ح 3 أمالى المرتضى والسعادة. (1) ذكر معهما المرتضى فى أماليه ستة أبيات ص 6 ح 3 وفيه: نطلبه وهو الصواب بدلا من تطلبه. ويقول المرتضى عن البحترى «ولأبى عبادة البحترى فى وصف الخيال الفضل على كل متقدم ومتأخر، فانه تغلغل فى أوصافه، واهتدى من معانيه إلى ما لا يوجد لغيره» المصدر للسابق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: كَأَنّ خَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ إلَى آخِرِهِ، خَبَرُ كَأَنّ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: كَأَنّ فِي فِيهَا خَبِيئَةً، وَمِثْلُ هَذَا الْمَحْذُوفِ فِي النّكِرَاتِ حَسَنٌ كَقَوْلِهِ: إنّ مَحَلّا وَإِنّ مُرْتَحِلًا «1» أَيْ: إنّ لَنَا مَحَلّا، وَكَقَوْلِ الْآخَرِ: وَلَكِنّ زِنْجِيّا طَوِيلًا مَشَافِرُهْ «2» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ فِي صِفَةِ الدّجّالِ: أَعْوَرَ كَأَنّ عِنَبَةً طَافِيَةً، أَيْ: كَأَنّ فِي عَيْنِهِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنّ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ بَيْتًا فِيهِ الْخَبَرُ وَهُوَ: عَلَى أَنْيَابِهَا أَوْ طَعْمُ غَضّ ... مِنْ التّفّاح هصّره اجتناء «3»

_ (1) هو للأعشى، والشطرة الأخرى: وإن فى السفر ما مضى مهلا. (2) روى سيبويه للفرزدق بيتا هو: فلو كنت ضبيا عرفت قرابتى ... ولكن زنجى عظيم المشافر هكذا برفع زنجى. ثم قال: والنصب أكثر فى كلام العرب كأنه قال: ولكن زنجيا عظيم المشافر لا يعرف قرابتى، ولكنه أضمر هذا كما يضمر ما يا بنى على الابتداء. انتهى. وعلى رفع زنجى يكون اسم لكن محذوفا والتقدير: ولكنك زنجى، وقد أنشده اللسان بنصب زنجى بإضمار الخبر، وهو أقيس. والبيت فى هجاء رجل من ضبة، فنفاه عنها، ونسبه إلى الزنج. أنظر ص 282 ح 1 كتاب سيبويه واللسان مادة شفر. (3) هو فى ديوانه المطبوع فى أوربا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَهَذَا الْبَيْتُ مَوْضُوعٌ لَا يُشْبِهُ شِعْرَ حَسّانٍ وَلَا لَفْظَهُ. وَقَوْلُهُ: نُوَلّيهَا الْمَلَامَةَ إنْ أَلَمْنَا، أَيْ: إنْ أَتَيْنَا بِمَا نُلَامُ عَلَيْهِ صَرَفْنَا اللّوْمَ إلَى الْخَمْرِ وَاعْتَذَرْنَا بِالسّكْرِ. وَالْمَغْتُ: الضّرْبُ بِالْيَدِ، وَاللّحَاءُ: الْمُلَاحَاةُ بِاللّسَانِ، وَيُرْوَى أَنّ حَسّانًا مَرّ بِفِتْيَةِ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَنَهَاهُمْ، فَقَالُوا: وَاَللهِ لَقَدْ أَرَدْنَا تَرْكَهَا فَيُزَيّنُهَا لَنَا قَوْلُك: وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا فَقَالَ: وَاَللهِ لَقَدْ قُلْتهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَمَا شَرِبْتهَا مُنْذُ أَسْلَمْت، وَكَذَلِكَ قِيلَ: إنّ بَعْضَ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ قَالَهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَقَالَ آخِرَهَا فِي الْإِسْلَامِ. مَعْنَى التفضيل في شركا: وَفِيهَا يَقُولُ لِأَبِي سُفْيَانَ: فَشَرّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ. وَفِي ظَاهِرُ اللّفْظِ بَشَاعَةٌ، لِأَنّ الْمَعْرُوفَ أَنْ لَا يُقَالَ هُوَ شَرّهُمَا إلّا وَفِي كِلَيْهِمَا شَرّ، وَكَذَلِكَ: شَرّ مِنْك، وَلَكِنّ سِيبَوَيْهِ قَالَ فِي كِتَابِهِ: تَقُولُ مَرَرْت بِرَجُلِ شَرّ مِنْك، إذَا نَقَصَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ، وَهَذَا يَدْفَعُ الشّنَاعَةَ عَنْ الْكَلَامِ الْأَوّلِ، وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: «شَرّ صُفُوفِ الرّجَالِ آخِرُهَا» يُرِيدُ: نُقْصَانَ حَظّهِمْ عَنْ حَظّ الْأَوّلِ، كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ التّفْضِيلَ فى الشر والله أعلم. يلطلم أَوْ يُطَلّمُ: وَفِيهَا قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الْخَيْلِ: يَلْطِمُهُنّ بِالْخُمُرِ النّسَاءُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي الْجَمْهَرَةِ: كَانَ الْخَلِيلُ رَحِمَهُ اللهُ يَرْوِي بَيْتَ حَسّانٍ يُطَلّمُهُنّ بِالْخُمُرِ، وَيُنْكِرُ يُلَطّمُهُنّ وَيَجْعَلُهُ بِمَعْنَى: يَنْفُضُ النّسَاءُ بِخُمُرِهِنّ مَا عَلَيْهِنّ مِنْ غُبَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَأَتْبَعَ بِذَلِكَ ابْنُ دُرَيْدٍ قَوْلُهُ: الطّلْمُ ضَرْبُك خُبْزَةَ الْمَلّةِ بِيَدِك لِتَنْفُضَ مَا عَلَيْهَا مِنْ الرّمَادِ، وَالطّلْمَةُ: الْخُبْزَةُ، ومنه حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَرَرْنَا بِقَوْمِ يُعَالِجُونَ طَلْمَةً لهم، فنفّرناهم عنها، فاقتسمناها، فأصابتنى منها كِسْرَةٌ، وَكُنْت أَسْمَعُ فِي بَلَدِي أَنّهُ مَنْ أَكَلَ الْخُبْزَ سَمِنَ، فَجَعَلْت أَنْظُرُ فِي عِطْفِي: هَلْ ظَهَرَ فِيّ السّمَنُ بَعْدُ. وَمِمّا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رؤى يَمْسَحُ وَجْهَ فَرَسِهِ بِرِدَائِهِ، فَقَالَ: عُوتِبْت اللّيْلَةَ فِي الْخَيْلِ. وَفِيهَا: وَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا نُحْكِمُ: أَيْ نَرُدّ وَنَقْرَعُ، هُوَ مِنْ حَكَمَةِ الدّابّةِ، وَهُوَ لِجَامُهَا، وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَيْضًا: نُفْحِمُهُمْ ونحرسهم، فَتَكُونُ قَوَافِينَا لَهُمْ كَالْحَكَمَاتِ لِلدّوَابّ قَالَ زُهَيْرٌ: قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَمَاتِ الْقَدّ وَالْأَبْقَا «1» وَفِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ: مَوْعِدُهَا كَدَاءُ، وَفِي رِوَايَةِ الشّيْبَانِيّ: يَسِيلُ بها كدىّ أو كداء.

_ (1) أوله: القائد الخيل منكوبا دوائرها، والقد: السير يقد من جلد غير مدبوغ. والأبق: القنب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ ذَكَرْنَا كُدَيّا وَكَدَاءَ، وَذَكَرْنَا مَعَهُمَا كُدًى، وَزَادَ الشّيْبَانِيّ فِي رِوَايَتِهِ أَبْيَاتًا فِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ وَهِيَ: وَهَاجَتْ دُونَ قَتْلِ بَنِي لُؤَيّ ... جَذِيمَةُ إنّ قَتْلَهُمْ شِفَاءُ وَحِلْفُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ... وَحِلْفُ قُرَيْظَةَ فِينَا سَوَاءُ أُولَئِكَ مَعْشَرٌ أَلّبُوا عَلَيْنَا ... فَفِي أَظْفَارِنَا مِنْهُمْ دِمَاءُ سَتُبْصِرُ كَيْفَ نَفْعَلُ بِابْنِ حَرْبٍ ... بِمَوْلَاك الّذِينَ هُمْ الرّدَاءُ حَوْلَ شِعْرِ أَنَسِ بْنِ سُلَيْمٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ شِعْرَ أَنَسِ بْنِ سُلَيْمٍ «1» الدّيلِيّ وَفِيهِ: وَأَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ الْخَالُ: مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ وَهُوَ مِنْ رَفِيعِ الثّيَابِ. وَأَحْسَبُهُ سُمّيَ بِالْخَالِ الّذِي بِمَعْنَى الْخُيَلَاءِ كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: الْبَرّ أَبْغِي لَا الْخَالَ، وَفِيهِ: تَعَلّمْ رَسُولَ اللهِ أَنّك مُدْرِكِي ... وَأَنّ وَعِيدًا مِنْك كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ وَهَذَا الْبَيْتُ سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ، كَذَا أَلْفَيْته فِي حَاشِيَةِ كِتَابِ الشّيْخِ، رَحِمَهُ اللهُ، وَمَعْنَاهُ مِنْ أَحْسَنِ الْمَعَانِي يُنْظَرُ إلَى قَوْلِ النّابِغَةِ: فَإِنّك كَاللّيْلِ الّذِي هُوَ مُدْرِكِي ... وَإِنْ خِلْت أَنّ الْمُنْتَأَى عَنْك واسع

_ (1) فى السيرة: زنيم وهو الصواب، ولعله سهو من السهيلى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَطَاطِيفُ حُجْنٍ فِي حِبَالٍ مَتِينَةٍ ... تُمَدّ بِهَا أَيْدٍ إلَيْك نَوَازِعُ فَالْقَسِيمُ الْأَوّلُ كَالْبَيْتِ الْأَوّلِ من قول النابغة، وَالْقَسِيمُ الثّانِي كَالْبَيْتِ الثّانِي، لَكِنّهُ أَطْبَعُ مِنْهُ، وَأَوْجَزُ. وَقَوْلُ النّابِغَةِ كَاللّيْلِ فِيهِ مِنْ حُسْنِ التّشْبِيهِ مَا لَيْسَ فِي قَوْلِ الدّيلِيّ، إلّا أَنّهُ يَسْمُجُ مِثْلُ هَذَا التّشْبِيهِ فِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنّهُ نُورٌ وَهُدًى، فَلَا يُشَبّهُ بِاللّيْلِ، وَإِنّمَا حَسُنَ فِي قَوْلِ النّابِغَةِ أَنْ يَقُولَ كَاللّيْلِ، وَلَمْ يَقُلْ كَالصّبْحِ، لِأَنّ اللّيْلَ تُرْهَبُ غَوَائِلُهُ، وَيُحْذَرُ مِنْ إدْرَاكِهِ مَا لَا يَحْذَرُ مِنْ النّهَارِ، وَقَدْ أَخَذَ بَعْضُ الأندلسيين هَذَا الْمَعْنَى، فَقَالَ فِي هَرَبِهِ مِنْ ابْنِ عَبّادٍ: كَأَنّ بِلَادَ اللهِ وَهِيَ عَرِيضَةٌ ... تَشُدّ بِأَقْصَاهَا عَلَيّ الْأَنَامِلَا فَأَيْنَ مَفَرّ الْمَرْءِ عَنْك بِنَفْسِهِ ... إذَا كَانَ يَطْوِي فِي يَدَيْك الْمَرَاحِلَا وَهَذَا كُلّهُ مَعْنًى مُنْتَزَعٌ مِنْ الْقُدَمَاءِ. رَوَى الطّبَرِيّ أَنّ «منوشهر بْنَ إيرج بْنِ أفريدون بْنِ أَثَفَيَانِ» وَهُوَ الّذِي بُعِثَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ فِي زَمَانِهِ أَعْنِي زَمَانَ منوشهر قَالَ حِينَ عَقَدَ التّاجَ عَلَى رَأْسِهِ فِي خُطْبَةٍ لَهُ طَوِيلَةٍ: «أَيّهَا النّاسُ إنّ الْخَلْقَ لِلْخَالِقِ، وَإِنّ الشّكْرَ لِلْمُنْعِمِ، وَإِنّ التّسْلِيمَ لِلْقَادِرِ، وَإِنّهُ لَا أَضْعَفَ مِنْ مَخْلُوقٍ طَالِبًا أَوْ مَطْلُوبًا، وَلَا أَقْوَى مِنْ طَالِبٍ طِلْبَتُهُ فِي يَدِهِ، وَلَا أَعْجَزَ مِنْ مَطْلُوبٍ هُوَ فِي يَدِ طَالِبِهِ. حَوْلَ شِعْرِ بُجَيْرِ بْنِ زُهَيْرٍ: وَأَنْشَدَ لِبُجَيْرِ بْنِ زُهَيْرٍ: نَفَى أَهْلَ الْحَبَلّقِ كُلّ فَجّ ... مُزَيْنَةُ غُدْوَةً وبنو خفاف

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحبلق: أَرْضٌ يَسْكُنُهَا قَبَائِلُ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَقَيْسٍ، وَالْحَبَلّقُ: الْغَنَمُ، الصّغَارُ، وَلَعَلّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: أَهْلَ الْحَبَلّقِ أَصْحَابَ الْغَنَمِ، وَبَنُو عُثْمَانَ هُمْ مُزَيْنَةُ وهم بنو عثمان بن لاطم بن أدبن طَابِخَةَ، وَمُزَيْنَةُ أُمّهُمْ بِنْتُ كَلْبِ بْنِ وَبَرَةَ ابن تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ، وَأُخْتُهَا: الْحَوْأَبُ الّتِي عُرِفَ بِهَا مَاءُ الْحَوْأَبِ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَصْلُ الْحَوْأَبِ فِي اللّغَةِ: الْقَدَحُ الضّخْمُ الْوَاسِعُ، وَبَنُو خِفَافٍ: بَطْنٌ مِنْ سُلَيْمٍ، وَقَوْلُهُ: ضَرَبْنَاهُمْ بِمَكّةَ يَوْمَ فَتْحِ النّبى ... الخير بالبيض الخفاف فِي الْبَيْتِ مُدَاخَلَةٌ وَهُوَ انْتِهَاءُ الْقَسِيمِ الْأَوّلِ فِي بَعْضِ كَلِمَةٍ مِنْ الْقَسِيمِ الثّانِي، وَهُوَ عَيْبٌ عِنْدَهُمْ إلّا فِي الْخَفِيفِ وَالْهَزَجِ، وَمَعْنَى الْخَيْرِ أَيْ ذُو الْخَيْرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الْخَيّرَ فَخَفّفَ، كَمَا يُقَالُ هَيْنٌ وَهَيّنٌ. وَفِي التّنْزِيلِ: خَيْراتٌ حِسانٌ الرّحْمَنِ: 70. وَقَوْلُهُ: كَمَا انْصَاعَ الْفُوَاقُ مِنْ الرّصَافِ، أَيْ: ذَهَبَ، وَالرّصَافُ: عَصَبَةٌ تُلْوَى عَلَى فَوْقِ السّهْمِ، وَأَرَادَ بِالْفُوَاقِ الْفَوْقَ، وَهُوَ غَرِيبٌ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعَيْنِ فِي الْفُوَاقِ صَوْتَ الصّدْرِ، وَهُوَ بِالْهَمْزِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْأَعْرَابِيّ، لِأَنّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ. عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ وَاَلّذِينَ حَرّمُوا الْخَمْرَ: وَذَكَرَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، وَيُكَنّى أَبَا الْفَضْلِ، وَقِيلَ: أَبَا الْهَيْثَمِ، وَمِنْ ذُرّيّتِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ فَقِيهُ الْأَنْدَلُسِ، وَنَسَبُهُ: عَبّاسُ بْنُ مرداس بن أبى عامر بن جارية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عَبْدِ بْنِ عَبّاسِ «1» بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ الْحَارِثِ «2» بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمٍ السّلَمِيّ كَانَ أَبُوهُ حَاجِبًا لِحَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ، وَقَتَلَتْهُمَا الْجِنّ فِي خَبَرٍ مَشْهُورٍ «3» وَعَبّاسٌ مِمّنْ حَرّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَحَرّمَهَا أَيْضًا عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَقَبْلَ هَؤُلَاءِ حَرّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جُدْعَانَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَمِنْ قُدَمَاءِ الْجَاهِلِيّةِ عَامِرُ بْنُ الظّرِبِ الْعُدْوَانِيّ. وَذَكَرَ فِي سَبَبِ إسْلَامِ عَبّاسٍ مَا سَمِعَ مِنْ جَوْفِ الصّنَمِ الّذِي كَانَ يَعْبُدُهُ، وَهُوَ ضَمَارِ بكسر الراء وهو مثل حذام ورفاش، وَلَا يَكُونُ مِثْلُ هَذَا الْبِنَاءِ إلّا فِي أسماء المؤنّث، وكانوا يجعلون آلهتهم إناثا كاللّات وَالْعُزّى وَمَنَاةَ، لِاعْتِقَادِهِمْ الْخَبِيثَ فِي الْمَلَائِكَةِ أَنّهَا بَنَاتٌ. وَفِي ضَمَارِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَبَنِيّ تَمِيمٍ الْبِنَاءُ عَلَى الْكَسْرِ لَا غَيْرُ مِنْ أَجْلِ أَنّ آخِرَهُ رَاءٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي آخِرِهِ رَاءٌ كَحَذَامِ وَرَقَاشِ، فَهُوَ مَبْنِيّ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمُعْرَبٌ غَيْرُ مُجْرًى فى لغة غيرهم «4» كذلك قال سيبويه.

_ (1) فى الإصابة: ابن حارثة بن عبد بن عبس. (2) فى الإصابة: ابن الحارث بن يحيى بن الحارث بن بهثة. (3) خرافة أخرى مما يقال عن الجن. (4) أى يجرونه مجرى ما لا ينصرف فيرفع بالضم بدون تنوين، وينصب ويجر بالكسرة. وقد جاءت الأشعار على لغة أهل الحجاز. وقد ضبط القاموس ضمار على وزن كتاب وكذلك ضبط فى المراصد وهى بفتح الضاد-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدّنْيَا فِي سَبَبِ إسْلَامِ عَبّاسٍ حَدِيثًا أَسْنَدَهُ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ، بْنِ أَنَسٍ السّلْمَانِيّ عَنْ عَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنّهُ كَانَ فِي لِقَاحٍ لَهُ نِصْفَ النّهَارِ، فَاطّلَعَتْ عَلَيْهِ نَعَامَةٌ بَيْضَاءُ عَلَيْهَا رَاكِبٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٌ فَقَالَ لِي: يَا عَبّاسُ أَلَمْ تَرَ أَنّ السّمَاءَ كَفّتْ أَحْرَاسَهَا، وَأَنّ الْحَرْبَ جَرَعَتْ أَنْفَاسَهَا، وَأَنّ الْخَيْلَ وَضَعَتْ أَحْلَاسَهَا، وَأَنّ الّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ الْبِرّ وَالتّقَى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لَيْلَةَ الثّلَاثَاءِ صَاحِبَ النّاقَةِ الْقَصْوَاءِ. قَالَ: فَخَرَجْت مَرْعُوبًا قَدْ رَاعِنِي مَا رَأَيْت، وَسَعَيْت، حَتّى جِئْت وَثَنًا لِي، يُقَالُ لَهُ الضّمَارِ كُنّا نَعْبُدُهُ وَنُكَلّمُ مِنْ جَوْفِهِ، فَكَنَسْت مَا حَوْلَهُ، ثُمّ تَمَسّحْت بِهِ، فَإِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ مِنْ جَوْفِهِ: قُلْ لِلْقَبَائِلِ مِنْ قُرَيْشٍ كُلّهَا ... هَلَكَ الضّمَارُ وَفَازَ أَهْلُ الْمَسْجِد «1» هَلَكَ الضّمَارُ وَكَانَ يُعْبَدُ مُدّةً ... قَبْلَ الصّلَاةِ عَلَى النّبِيّ مُحَمّدِ إنّ الّذِي وَرِثَ النّبُوّةَ وَالْهُدَى ... بَعْدَ ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ قُرَيْشٍ مُهْتَدِي قَالَ فَخَرَجْت مَذْعُورًا حَتّى جِئْت قَوْمِي، فَقَصَصْت عَلَيْهِمْ الْقِصّةَ، وَأَخْبَرْتهمْ الْخَبَرَ فَخَرَجْت فِي ثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ قَوْمِي مِنْ بَنِي جَارِيَةَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَلَمّا رَآنِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسّمَ، وَقَالَ: إلَيّ يَا عَبّاسُ، كَيْفَ إسْلَامُك؟ فقصصت عليه القصة، فقال:

_ - موضع للعرب به وقعة. أما البكرى فضبط ضمار بفتح الضاد وقال: حجر كل لبنى سليم يعبدونه، كان سبب إسلام عباس بن مرداس. (1) فى السيرة والبكرى: من سليم. وأودى ضمار وعاش أهل المسجد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صَدَقْت، فَأَسْلَمْت أَنَا وَقَوْمِي «1» . شِعْرُ جَعْدَةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي شِعْرِ جَعْدَةَ الْخُزَاعِيّ غَزَالَ، وَهُوَ اسْمُ طَرِيقٍ غَيْرُ مَصْرُوفٍ، وَقَالَ كُثَيّرُ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ يَذْكُرُ غَزَالَ: أُنَادِيك مَا حَجّ الْحَجِيجُ وَكَبّرَتْ ... بِفَيْفَا غَزَالٍ رُفْقَةٌ وَأَهَلّتْ «2» وَكَذَلِكَ لَفْتٌ اسْمُ مَوْضِعٍ، وَفِي لَفْتٍ «3» يَقُولُ مَعْقِلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ: لَعَمْرُك مَا خَشِيت وَقَدْ بَلَغْنَا ... جِبَالَ الْجَوْزِ مِنْ بَلَدٍ تَهَامِ نَزِيعًا «4» مُحْلِبًا مِنْ أَهْلِ لَفْتٍ ... لِحَيّ بَيْنَ أثلة والنجام وَقَدْ تَقَدّمَ هَذَا الْبَيْتُ الْأَخِيرُ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ «5» . سَرِيّةُ خَالِدٍ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ: وَذَكَرَ سَرِيّةَ خَالِدٍ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ، وَتُعْرَفُ بِغَزْوَةِ الغميط، وهو اسم ماء لبنى جذيمة.

_ (1) الشعر مصنوع ولا شك، فليس فيه نفحة من عصره، والقصة كذلك موضوعة ولا شك أو لعلها رؤيا كما فهم ابن حجر فى الإصابة. (2) القصيدة بطولها كلها فى الأمالى ص 107 ح 3 ط 2. (3) لفت قيدها البكرى بكسر اللام وفتحها. وقيدها القاضى عياض- كما فى المراصد بثلاثة أوجه منها ما ذكرنا، وبفتح اللام والفاء، وقد سبق الكلام عنها. (4) سبق الكلام عن البيتين فى باب الهجرة. (5) بل تقدم البيتان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ شِعْرَ امْرَأَةٍ، اسْمُهَا: سَلْمَى، وَفِيهِ: وَمُرّةُ حَتّى يَتْرُكُوا الْبَرْكَ ضَابِحَا الْبَرْكُ: جَمَاعَةُ الْإِبِلِ، وَمَاصَعَ: جَالَدَ وَقَاتَلَ، وَضَابِحَا مِنْ الضّبْحِ، وَهُوَ نَفْسُ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ إذَا عُيّيَتْ، وَفِي التّنْزِيلِ وَالْعادِياتِ ضَبْحاً وَفِي الْخَبَرِ: مَنْ سَمِعَ ضَبْحَةً بِلَيْلِ، فَلَا يَخْرُجُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ شَرّ. قَالَ الرّاجِزُ: نَحْنُ نَطَحْنَاهُمْ غَدَاةَ الْجَمْعَيْنِ ... بِالضّابِحَاتِ فِي غُبَارِ النّقْعَيْنِ نَطْحًا شَدِيدًا لَا كَنَطْحِ الطّورَيْنِ وَالضّبْحُ وَالضّبْيُ مَصْدَرُ ضَبَحَتْ وَضُبِيَتْ أَيْ شُوِيَتْ وَقُلِيَتْ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ: وَالْمَضَابِي وَالْمَضَابِحُ هُوَ المقالى. وذكر تبرّأ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمّا فَعَلَ خَالِدٌ، وَهَذَا نَحْوٌ مِمّا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ حِينَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: إنّ فِي سَيْفِ خَالِدٍ رَهَقًا. إنّ فِي سَيْفِ خَالِدٍ رَهَقًا فَاقْتُلْهُ، وَذَلِكَ حِينَ قَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ، وَجَعَلَ رَأْسَهُ تَحْتَ قِدْرٍ حَتّى طُبِخَ بِهِ «1» ، وَكَانَ مَالِكٌ ارْتَدّ، ثُمّ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ، وَلَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ لِخَالِدِ، وَشَهِدَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ مِنْ الصّحَابَةِ بِرُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَقْبَلْهُمَا، وَتَزَوّجَ امْرَأَتَهُ، فَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: اُقْتُلْهُ، فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ لانه متأوّل،

_ (1) لا يظن برجل مجده التاريخ كخالد أن يقترف مثل هذه القسوة والمثلة التى نهاه عنها دينه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَالَ: اعْزِلْهُ، فَقَالَ: لَا أَغْمِدُ سَيْفًا سَلّهُ اللهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَلَا أَعْزِلُ وَالِيًا وَلّاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر قَوْلَ الرّجُلِ لِلْمَرْأَةِ: اسْلِمِي حُبَيْشُ عَلَى نَفَدِ الْعَيْشِ «1» النّفَدُ مَصْدَرُ نَفِدَ إذَا فَنِيَ، وَهُوَ النّفَادُ، وَحُبَيْشٌ مُرَحّمٌ مِنْ حُبَيْشَةَ. شِعْرُ أَبِي حدرد: وحليبة وَالْخَوَانِقُ: مَوْضِعَانِ، وَالْوَدَائِقُ: جَمْعُ وَدِيقَةٍ، وَهُوَ شِدّةُ الْحَرّ فِي الظّهِيرَةِ، سُمّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ الْوَدْقِ، لِأَنّ فِي ذَلِك الْوَقْتِ يَسِيلُ لُعَابُ الشّمْسِ، وَهُوَ مَا تَرَاهُ الْعَيْنُ كَالسّرَابِ وَنَحْوِهِ، وَقَالَ الرّاجِزُ: وَقَامَ مِيزَانُ النّهَارِ، فَاعْتَدَلْ ... وَسَالَ لِلشّمْسِ لُعَابٌ فَنَزَلْ وَقَالَ: الْأَحْوَلُ: يُقَالُ: وَدَقَ إذَا دَنَا مِنْ الْأَرْضِ، وَيُقَالُ: هُوَ وَادِقُ السّرّةِ إذَا كَانَتْ مَائِلَةً إلَى جِهَةِ الْأَرْضِ وَأَنْشَدَ: وَادِقًا سُرّاتُهَا فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْوَدِيقَةُ مِنْ وَدَقَتْ الشّمْسُ إذَا دَنَتْ مِنْ الْأُفُقِ، فَاشْتَدّ حرّها، والله أعلم. وقوله: فهمه خالد، أى: زجره، وبحهه، وَرَوَى النّسَائِيّ فِي قِصّةِ الْمَرْأَةِ الّتِي مَاتَتْ مُكِبّةً عَلَى الرّجُلِ الْمَقْتُولِ قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بن على بن حرب

_ (1) فى السيرة: من العيش.

غزوة حنين فى سنة ثمان بعد الفتح

[غَزْوَةُ حُنَيْنٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ بَعْدَ الْفَتْحِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا سَمِعَتْ هَوَازِنُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ مَكّةَ، جَمَعَهَا مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النّصْرِيّ، فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ مَعَ هَوَازِنَ ثَقِيفٌ كُلّهَا، وَاجْتَمَعَتْ نَصْرٌ وَجُشَمٌ كُلّهَا، وَسَعْدُ بْنُ بَكْرٍ، وَنَاسٌ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، وَهُمْ قَلِيلٌ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ إلّا هَؤُلَاءِ، وَغَابَ عَنْهَا فَلَمْ يَحْضُرْهَا مِنْ هَوَازِنَ كَعْبٌ وَلَا كِلَابٌ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ لَهُ اسْمٌ، وَفِي بَنِي جُشَمٍ دُرَيْدُ بْنُ الصّمّةِ. شَيْخٌ كَبِيرٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ إلّا التّيَمّنَ بِرَأْيِهِ وَمُعْرِفَتَهُ بِالْحَرْبِ، وَكَانَ شَيْخًا مُجَرّبًا، وَفِي ثقيف سيدان لهم. فى الأحلاف: قارب بن الأسود ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَافِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النّحْوِيّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيّةً، قَالَ: فَغَنِمُوا وَفِيهِمْ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُمْ: إنّي لَسْت مِنْهُمْ، عَشِقْت امْرَأَةً فَلَحِقْتهَا، فَدَعَوْنِي أَنْظُرُ إلَيْهَا نَظْرَةً، ثُمّ اصْنَعُوا بى ما بدالكم، قَالَ: فَإِذَا امْرَأَةٌ طَوِيلَةٌ أَدْمَاءُ، فَقَالَ لَهَا: اسْلِمِي حُبَيْشُ قَبْلَ نَفَدِ الْعَيْشِ، وَذَكَرَ الْبَيْتَيْنِ الْأَوّلِينَ مِنْ الْقِطْعَةِ الْقَافِيّةِ أَوّلَ هَذَا الْخَبَرِ نَاقِصِي الْوَزْنِ، وَبَعْدَهُمَا قَالَتْ: نَعَمْ فَدَيْتُك، فَقَدّمُوهُ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ فَوَقَفَتْ عَلَيْهِ، فَشَهِقَتْ شَهْقَةً أَوْ شَهْقَتَيْنِ، ثُمّ مَاتَتْ، فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَحِيمٌ. خَرّجَهُ النّسَوِيّ فى باب قتل الأسارى من مصنّفه.

ابن مَسْعُودِ بْنِ مُعَتّبٍ، وَفِي بَنِي مَالِكٍ: ذُو الْخِمَارِ سُبَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَخُوهُ أَحْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَجِمَاعُ أَمْرِ النّاسِ إلَى مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النّصْرِيّ. فَلَمّا أَجْمَعَ السّيْرَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَطّ مَعَ النّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ، فَلَمّا نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس، وفيهم دُرَيْدُ بْنُ الصّمّةِ فِي شِجَارٍ لَهُ يُقَادُ بِهِ، فَلَمّا نَزَلَ قَالَ: بِأَيّ وَادٍ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: بِأَوْطَاسٍ، قَالَ: نِعْمَ مَجَالُ الْخَيْلِ! لَا حزن ضرس، ولا سهل دهس، مالى أسمع رعاء الْبَعِيرِ، وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ، وَبُكَاءَ الصّغِيرِ، وَيُعَارَ الشّاءِ؟ قَالُوا: سَاقَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ مَعَ النّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ. قَالَ: أَيْنَ مَالِكٌ؟ قِيلَ: هَذَا مَالِكٌ وَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ: يَا مَالِكُ، إنّك قَدْ أَصْبَحْتَ رَئِيسَ قَوْمِك، وَإِنّ هَذَا يَوْمٌ كَائِنٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَيّامِ. مَالِي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ، وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ، وَبُكَاءَ الصّغِيرِ، وَيُعَارَ الشّاءِ؟ قَالَ: سُقْت مَعَ النّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، قَالَ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: أَرَدْت أَنْ أَجْعَلَ خَلْفَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، لِيُقَاتِلَ عَنْهُمْ، قَالَ: فَأَنْقَضَ بِهِ. ثُمّ قَالَ: رَاعِي ضَأْنٍ وَاَللهِ! وَهَلْ يَرُدّ الْمُنْهَزِمَ شَيْءٌ؟ إنّهَا إنْ كَانَتْ لَك لَمْ يَنْفَعْك إلّا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْك فُضِحْت فِي أَهْلِك وَمَالِك، ثُمّ قَالَ: مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ؟ قَالُوا: لَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَالَ: غَابَ الْحَدّ وَالْجِدّ، وَلَوْ كَانَ يَوْمَ عَلَاءٍ وَرِفْعَةٍ لَمْ تَغِبْ عَنْهُ كَعْبٌ وَلَا كِلَابٌ، وَلَوَدِدْتُ أَنّكُمْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ، فَمَنْ شَهِدَهَا مِنْكُمْ؟ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ، وَعَوْفُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: ذَانِكَ الْجَذَعَانِ مِنْ عَامِرٍ، لَا يَنْفَعَانِ وَلَا يَضُرّانِ، يَا مَالِكُ، إنّك لَمْ تَصْنَعْ بِتَقْدِيمِ البيضة بيضة هَوَازِنَ إلَى نُحُورِ الْخَيْلِ شَيْئًا، ارْفَعْهُمْ إلَى مُتَمَنّعِ بِلَادِهِمْ وَعُلْيَا قَوْمِهِمْ، ثُمّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْقَ الصّبَاءَ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ، فَإِنْ كَانَتْ لَك لَحِقَ بِك مَنْ وَرَاءَك، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْك أَلْفَاك ذَلِكَ قَدْ أَحْرَزْت أَهْلَك وَمَالَك قَالَ: وَاَللهِ لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ، إنّك قَدْ كَبِرْت وَكَبِرَ عَقْلُك. وَاَللهِ لَتُطِيعُنّنِي يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ أَوْ لَأَتّكِئَنّ عَلَى هَذَا السّيْفِ حَتّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي. وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ لِدُرَيْدِ ابن الصّمّةِ فِيهَا ذِكْرٌ أَوْ رَأْيٌ؛ فَقَالُوا: أَطَعْنَاك؛ فَقَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصّمّةِ: هَذَا يَوْمٌ لَمْ أَشْهَدْهُ وَلَمْ يَفُتْنِي: يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعْ ... أَخُبّ فِيهَا وَأَضَعْ أَقُودُ وَطْفَاءَ الزّمَعْ ... كَأَنّهَا شَاةٌ صَدَعْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ قَوْلَهُ: «يَا ليتنى فيها جذع» قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ مَالِكٌ لِلنّاسِ: إذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاكْسِرُوا جُفُونَ سُيُوفِكُمْ، ثُمّ شُدّوا شَدّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ. قَالَ: وَحَدّثَنِي أُمَيّةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَنّهُ حدّث: أنّ مالك ابن عَوْفٍ بَعَثَ عُيُونًا مِنْ رِجَالِهِ، فَأَتَوْهُ وَقَدْ تَفَرّقَتْ أَوْصَالُهُمْ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ! مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، فو الله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، فو الله مَا رَدّهُ ذَلِكَ عَنْ وَجْهِهِ أَنْ مَضَى على ما يريد. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ نَبِيّ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَيْهِمْ عبد الله ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عمرو بن طلة ونسبه:

ابنَ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي النّاسِ فَيُقِيمَ فِيهِمْ حَتّى يَعْلَمَ عِلْمَهُمْ ثُمّ يَأْتِيهِ بِخَبَرِهِمْ. فَانْطَلَقَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ فَدَخَلَ فِيهِمْ فَأَقَامَ فِيهِمْ حَتّى سَمِعَ وَعَلِمَ مَا قَدْ أَجْمَعُوا لَهُ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ مِنْ مَالِكٍ وَأَمْرَ هَوَازِنَ مَا هُمْ عَلَيْهِ ثُمّ أَقْبَلَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ, فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ عُمَرُ كَذَبَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ " إنّ أَكْذَبْتنِي فَرُبّمَا كَذَبْت بِالْحَقّ يَا عُمَرُ فَقَدْ كَذّبْت مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي, فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَدْ كُنْت ضَالّا فَهَدَاك اللهُ يَا عمر". سَأَلَ الرَّسُول صَفْوَان أدرعه وسلاحه فَقبل فَلَمّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّيْرَ إلَى هَوَازِنَ لِيَلْقَاهُمْ ذُكِرَ لَهُ أَنّ عِنْدَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ أَدْرَاعًا لَهُ وَسِلَاحًا, فَأَرْسَلَ إلَيْهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ فَقَالَ " يَا أَبَا أُمَيّةَ أَعِرْنَا سِلَاحَك هَذَا نَلْقَ فِيهِ عَدُوّنَا غَدًا ", فَقَالَ صَفْوَانُ أَغَصْبًا يَا مُحَمّدُ؟ قَالَ " بَلْ عَارِيّةً وَمَضْمُونَةً حَتّى نُودِيهَا إلَيْك "فَقَالَ لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ فَأَعْطَاهُ مِائَةَ دُرْعٍ بِمَا يَكْفِيهَا مِنْ السّلَاحِ فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ أَنْ يَكْفِيَهُمْ حملهَا, فَفعل. خُرُوج الرَّسُول بجيشه إِلَى هوزان قَالَ: ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ أَلْفَانِ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ مَعَ عَشْرَةِ آلَافٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ فَفَتَحَ اللهُ بِهِمْ مَكّةَ، فَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا, وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَتّابَ بْنَ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ "عَلَى مَكّةَ أَمِيرًا عَلَى مَنْ تَخَلّفَ عَنْهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصيدة ابن مرداس

النّاسِ، ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى وَجْهِهِ يُرِيدُ لِقَاءَ هَوَازِنَ. [قصيدة ابن مِرْدَاسٍ] فَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ: أَصَابَتْ الْعَامَ رِعْلًا غُولُ قَوْمِهِمْ ... وَسْطَ الْبُيُوتِ وَلَوْنُ الغول ألوان بالهف أُمّ كِلَابٍ إذْ تُبَيّتُهُمْ ... خَيْلُ ابْنِ هَوْذَةَ لَا تُنْهَى وَإِنْسَانُ لَا تَلْفِظُوهَا وَشُدّوا عَقْدَ ذِمّتِكُمْ ... أَنّ ابْنَ عَمّكُمْ سَعْدٌ وَدُهْمَانُ لَنْ ترجعوها وإن كانت مجلّلة ... مادام فِي النّعَمِ الْمَأْخُوذِ أَلْبَانُ شَنْعَاءُ جُلّلَ مِنْ سَوْآتِهَا حَضَنٌ ... وَسَالَ ذُو شَوْغَرٍ مِنْهَا وَسُلْوَانُ ليست بأطيب مما يشتوى خذف ... إذْ قَالَ: كُلّ شِوَاءِ الْعَيْرِ جُوفَانُ وَفِي هَوَازِنَ قَوْمٌ غَيْرَ أَنّ بِهِمْ ... دَاءَ الْيَمَانِيّ فَإِنْ لَمْ يَغْدِرُوا خَانُوا فِيهِمْ أَخٌ لَوْ وَفَوْا أَوْ بَرّ عَهْدُهُمْ ... وَلَوْ نَهَكْنَاهُمْ بِالطّعْنِ قد لانوا أبلغ هوازان أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا ... مِنّي رِسَالَةَ نُصْحٍ فِيهِ تِبْيَانُ أَنّي أَظُنّ رَسُولَ اللهِ صَابِحَكُمْ ... جَيْشًا لَهُ فِي فَضَاءِ الْأَرْضِ أَرْكَانُ فِيهِمْ أَخُوكُمْ سُلَيْمٌ غَيْرَ تَارِكِكُمْ ... وَالْمُسْلِمُونَ عِبَادَ اللهِ غَسّانُ وَفِي عِضَادَتِهِ الْيُمْنَى بَنُو أَسَدٍ ... وَالْأَجْرَبَانِ بَنُو عَبْسٍ وَذُبْيَانُ تَكَادُ تَرْجُفُ مِنْهُ الْأَرْضُ رَهْبَتَهُ ... وَفِي مقدّمه أوس وعثمان قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَوْسٌ وَعُثْمَانُ: قَبِيلَا مُزَيْنَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذات أنوط

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مِنْ قَوْلِهِ «أَبْلِغْ هَوَازِنَ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا» إلَى آخِرِهَا، فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ، وَهُمَا مَفْصُولَتَانِ، وَلَكِنّ ابْنَ إسْحَاقَ جَعَلَهُمَا وَاحِدَةً. [ذات أنوط] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدّؤَلِيّ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللّيْثِيّ، أَنّ الْحَارِثَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيّةِ، قَالَ: فَسِرْنَا مَعَهُ إلَى حُنَيْنٍ، قَالَ: وَكَانَتْ كُفّارُ قُرَيْشٍ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْعَرَبِ لَهُمْ شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ خَضْرَاءُ، يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ، يَأْتُونَهَا كُلّ سَنَةٍ، فَيُعَلّقُونَ أَسْلِحَتَهُمْ عَلَيْهَا، وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا، وَيَعْكُفُونَ عَلَيْهَا يَوْمًا. قَالَ: فَرَأَيْنَا وَنَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِدْرَةً خَضْرَاءَ عَظِيمَةً، قَالَ: فَتَنَادَيْنَا مِنْ جَنَبَاتِ الطّرِيقِ: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُ أَكْبَرُ، قُلْتُمْ، وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ، كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ، قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إنّهَا السّنَنُ، لَتَرْكَبُنّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قبلكم. [ثبات الرّسُولِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمّا اسْتَقْبَلْنَا وَادِيَ حُنَيْنٍ انْحَدَرْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الذين ثبتوا

فِي وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ أَجْوَفَ حَطُوطٍ، إنّمَا نَنْحَدِرُ فِيهِ انْحِدَارًا، قَالَ: وَفِي عَمَايَةِ الصّبْحِ، وَكَانَ الْقَوْمُ قَدْ سَبَقُونَا إلَى الْوَادِي، فَكَمَنُوا لَنَا فِي شِعَابِهِ وَأَحْنَائِهِ وَمَضَايِقِهِ وَقَدْ أجمعوا وتهيّئوا وأعدّوا، فو الله مَا رَاعَنَا وَنَحْنُ مُنْحَطّونَ إلّا الْكَتَائِبُ قَدْ شَدّوا عَلَيْنَا شَدّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَانْشَمَرَ النّاسُ رَاجِعِينَ، لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. وَانْحَازَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ، ثُمّ قَالَ: أَيْنَ أَيّهَا النّاسُ؟ هَلُمّوا إلَيّ أَنَا رَسُولُ اللهِ، أَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. قَالَ: فَلَا شَيْءَ، حَمَلَتْ الْإِبِلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَانْطَلَقَ النّاسُ، إلّا أَنّهُ قَدْ بَقِيَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَهْلِ بيته. [الذين ثبتوا] وَفِيمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بن الحارث، وابنه، والفضل بن العباس، وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. وَأَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ، قُتِلَ يَوْمَئِذٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: اسْمُ ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ جَعْفَرٌ، وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُغِيرَةُ، وَبَعْضُ النّاسِ يَعُدّ فِيهِمْ قُثَمَ بْنَ الْعَبّاسِ، وَلَا يَعُدّ ابْنَ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ ابن جَابِرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: وَرَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشماتة بالمسلمين

أَحْمَرَ، بِيَدِهِ رَايَةٌ سَوْدَاءُ فِي رَأْسِ رُمْحٍ لَهُ طَوِيلٍ، أَمَامَ هَوَازِنَ، وَهَوَازِنُ خَلْفَهُ، إذَا أَدْرَكَ طَعَنَ بِرُمْحِهِ، وَإِذَا فَاتَهُ النّاسُ رَفَعَ رمحه لمن وراءه فاتّبعوه. [الشماتة بِالْمُسْلِمِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْهَزَمَ النّاسُ وَرَأَى مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُفَاةِ أَهْلِ مَكّةَ الْهَزِيمَةَ، تَكَلّمَ رِجَالٌ مِنْهُمْ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ الضّغْنِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: لَا تَنْتَهِي هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبَحْرِ، وَإِنّ الْأَزْلَامَ لَمَعَهُ فِي كِنَانَتِهِ. وَصَرَخَ جَبَلَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ- قال ابن هشام: كلدة ابن الحنبل- وهو مع أَخِيهِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ مُشْرِكٌ فِي الْمُدّةِ الّتِي جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أَلَا بَطَلَ السّحْرُ الْيَوْمَ! فَقَالَ له صفوان: اسكت فضّ الله فاك، فو الله لَأَنْ يَرُبّنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ أَنْ يَرُبّنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ. [شِعْرُ حَسّانَ فِي هِجَاءِ كَلَدَةَ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَهْجُو كَلَدَةَ: رَأَيْتُ سَوَادًا مِنْ بَعِيدٍ فَرَاعَنِي ... أَبُو حَنْبَلٍ يَنْزُو عَلَى أُمّ حَنْبَلِ كَأَنّ الّذِي يَنْزُو بِهِ فَوْقَ بَطْنِهَا ... ذِرَاعُ قَلُوصٍ مِنْ نِتَاجِ ابْنِ عِزْهِلِ أَنْشَدَنَا أَبُو زَيْدٍ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ، وَذَكَرَ لَنَا أَنّهُ هَجَا بِهِمَا صَفْوَانَ بْنَ أميّة، وكان أخا كلدة لأمّه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شيبة يحاول قتل الرسول

[شيبة يحاول قتل الرسول] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ. قُلْت: الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي مِنْ مُحَمّدٍ، وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، الْيَوْمَ أَقْتُلُ مُحَمّدًا. قال: فأدرت برسول الله لِأَقْتُلَهُ، فَأَقْبَلَ شَيْءٌ حَتّى تَغَشّى فُؤَادِي، فَلَمْ أُطِقْ ذَاكَ، وَعَلِمْت أَنّهُ مَمْنُوعٌ مِنّي. قَال ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ مَكّةَ، أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حِينَ فَصَلَ مِنْ مَكّةَ إلَى حُنَيْنٍ، وَرَأَى كَثْرَةَ مَنْ مَعَهُ مِنْ جُنُودِ اللهِ: لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلّة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَزَعَمَ بَعْضُ النّاسِ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي بكر قالها. [الانتصار بَعْدَ الْهَزِيمَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ. عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْعَبّاسِ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، قَالَ: إنّي لَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِحَكَمَةِ بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قَالَ: وَكُنْتُ امْرَأً جَسِيمًا شَدِيدَ الصّوْتِ، قَالَ. وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ رَأَى مَا رَأَى مِنْ النّاسِ: أَيْنَ أَيّهَا النّاسُ؟ فَلَمْ أَرَ النّاسَ يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ، فَقَالَ: يَا عَبّاسُ، اُصْرُخْ، يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ: يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ السّمُرَةِ، قَالَ: فَأَجَابُوا: لَبّيْكَ، لَبّيْكَ! قَالَ: فَيَذْهَبُ الرّجُلُ لِيُثْنِيَ بَعِيرَهُ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَأْخُذُ دِرْعَهُ، فَيَقْذِفُهَا فِي عُنُقِهِ؛ وَيَأْخُذُ سَيْفَهُ وَتُرْسَهُ، وَيَقْتَحِمُ عَنْ بَعِيرِهِ، وَيُخَلّي سَبِيلَهُ، فَيَؤُمّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رأى أم سليم

الصّوْتَ، حَتّى يَنْتَهِيَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَتّى إذَا اجْتَمَعَ إلَيْهِ منهم مائة، اسْتَقْبَلُوا النّاسَ، فَاقْتَتَلُوا، وَكَانَتْ الدّعْوَى أَوّلَ مَا كَانَتْ: يَا لَلْأَنْصَارِ. ثُمّ خَلَصَتْ أَخَيْرًا: يَا لَلْخَزْرَجِ. وَكَانُوا صُبْرًا عِنْدَ الْحَرْبِ، فَأَشْرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي رَكَائِبِهِ. فَنَظَرَ إلَى مُجْتَلَدِ الْقَوْمِ وَهُمْ يَجْتَلِدُونَ، فَقَالَ: الآن حمى الوطيس. قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَيْنَا ذَلِكَ الرّجُلُ مِنْ هَوَازِنَ صَاحِبُ الرّايَةِ عَلَى جَمَلِهِ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ، إذْ هَوَى لَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُرِيدَانِهِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ علىّ بن أبى طالب من خلفه، فصرب عُرْقُوبَيْ الْجَمَلِ، فَوَقَعَ عَلَى عَجُزِهِ، وَوَثَبَ الْأَنْصَارِيّ عَلَى الرّجُلِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَطَنّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ، فَانْجَعَفَ عَنْ رَحْلِهِ، قَالَ: وَاجْتَلَدَ النّاسُ، فَوَاَللهِ مَا رَجَعَتْ رَاجِعَةُ النّاسِ مِنْ هَزِيمَتِهِمْ حَتّى وَجَدُوا الْأُسَارَى مُكَتّفِينَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَالْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إلى أبى سفيان بن الحارث ابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَكَانَ مِمّنْ صَبَرَ يَوْمَئِذٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان حَسَنَ الْإِسْلَامِ حِينَ أَسْلَمَ، وَهُوَ آخِذٌ بِثَفَرِ بَغْلَتِهِ، فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا ابْنُ أمك يا رسول الله. [رأى أُمّ سُلَيْمٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر مالك بن عوف فى الهزيمة

عليه وسلم التفت، فرأى أمّ سليم بنت مِلْحَانَ، وَكَانَتْ مَعَ زَوْجِهَا أَبِي طَلْحَةَ وَهِيَ حَازِمَةٌ وَسَطَهَا بِبُرْدٍ لَهَا، وَإِنّهَا لَحَامِلٌ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَمَعَهَا جَمَلُ أَبِي طَلْحَةَ، وَقَدْ خَشِيَتْ أَنْ يَعُزّهَا الْجَمَلُ، فَأَدْنَتْ رَأْسَهُ مِنْهَا، فَأَدْخَلَتْ يَدَهَا فِي خِزَامَتِهِ مَعَ الْخِطَامِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أُمّ سُلَيْمٍ؟ قُلْت: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللهِ، اُقْتُلْ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يَنْهَزِمُونَ عَنْك كَمَا تَقْتُلُ الّذِينَ يُقَاتِلُونَك، فَإِنّهُمْ لِذَلِكَ أَهْلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَ يَكْفِي اللهُ يَا أُمّ سُلَيْمٍ؟ قَالَ: وَمَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ لَهَا أَبُو طَلْحَةَ: مَا هَذَا الْخِنْجَرُ مَعَكِ يَا أُمّ سُلَيْمٍ؟ قَالَتْ: خِنْجَرٌ أَخَذْته، إنْ دَنَا منى أحد من المشركين بعجته به. قَالَ: يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: أَلَا تَسْمَعُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا تَقُولُ أُمّ سُلَيْمٍ الرّمَيْصَاءُ. [شعر مالك بن عوف فى الهزيمة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حِينَ وَجّهَ إلَى حُنَيْنٍ، قَدْ ضَمّ بَنِي سُلَيْمٍ الضّحّاكَ بْنَ سُفْيَانَ الْكِلَابِيّ، فَكَانُوا إلَيْهِ وَمَعَهُ، وَلَمّا انْهَزَمَ النّاسُ قَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ يَرْتَجِزُ بِفَرَسِهِ: أَقْدِمْ مُحَاجُ إنّهُ يَوْمٌ نُكُرْ ... مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ يَحْمِي وَيَكُرّ إذَا أُضِيعَ الصّفّ يَوْمًا والدّبُرْ ... ثُمّ احْزَأَلّتْ زُمَرٌ بَعْدَ زُمَرْ كَتَائِبٌ يَكِلّ فِيهِنّ الْبَصَرْ ... قَدْ أَطْعَنُ الطّعْنَةَ تَقْذِي بِالسّبُرْ حِينَ يُذَمّ الْمُسْتَكِينُ الْمُنْجَحِرْ ... وَأَطْعَنُ النّجْلَاءَ تعوى وتهر ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من قتل قتيلا فله سلبه

لَهَا مِنْ الْجَوْفِ رَشَاشٌ مُنْهَمِرْ ... تَفْهَقُ تَارَاتٍ وَحِينًا تَنْفَجِرْ وَثَعْلَبُ الْعَامِلِ فِيهَا مُنْكَسِرْ ... يَا زيد يابن هَمْهَمٍ أَيْنَ تَفِرّ قَدْ نَفِدَ الضّرْسُ وَقَدْ طَالَ الْعُمُرْ ... قَدْ عَلِمَ الْبِيضُ الطّوِيلَاتُ الْخُمُرْ أَنّي فِي أَمْثَالِهَا غَيْرُ غَمِرْ ... إذْ تُخْرَجُ الحاصن من تحت السّتر وَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ أَيْضًا: أَقْدِمْ مُحَاجُ إنّهَا الْأَسَاوِرَهْ ... وَلَا تَغُرّنّكَ رِجْلٌ نَادِرَهْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِغَيْرِ مَالِكِ بْنِ عوف فى غير هذا اليوم [من قتل قتيلا فله سلبه] قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ، أَنّهُ حُدّثَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ قَالَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى بَنِي غِفَارٍ أَبِي مُحَمّدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَا: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: رَأَيْت يَوْمَ حُنَيْنٍ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ: مُسْلِمًا وَمُشْرِكًا، قَالَ: وَإِذَا رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُ أَنْ يُعِينَ صَاحِبَهُ الْمُشْرِكَ عَلَى الْمُسْلِمِ. قَالَ: فَأَتَيْته فَضَرَبْت يَدَهُ فَقَطَعْتُهَا، وَاعْتَنَقَنِي بِيَدِهِ الْأُخْرَى، فو الله مَا أَرْسَلَنِي حَتّى وَجَدْت رِيحَ الدّمِ- وَيُرْوَى: رِيحَ الْمَوْتِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ. وَكَادَ يَقْتُلُنِي، فَلَوْلَا أَنّ الدّمَ نَزَفَهُ لَقَتَلَنِي، فَسَقَطَ، فَضَرَبْته فَقَتَلْته، وَأَجْهَضَنِي عَنْهُ الْقِتَالُ، وَمَرّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ فَسَلَبَهُ، فَلَمّا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَفَرَغْنَا مِنْ الْقَوْمِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُه، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاَللهِ لَقَدْ قَتَلْت قَتِيلًا ذَا سَلَبٍ، فَأَجْهَضَنِي عنه ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نزول الملائكة

الْقِتَالُ، فَمَا أَدْرِي مَنْ اسْتَلَبَهُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ عَنّي مِنْ سَلَبِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا وَاَللهِ، لَا يُرْضِيهِ مِنْهُ، تَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ، يُقَاتِلُ عَنْ دِينِ اللهِ، تُقَاسِمُهُ سَلَبَهُ! اُرْدُدْ عَلَيْهِ سَلَبَ قَتِيلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدق فاردد عَلَيْهِ سَلَبَهُ. فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَأَخَذْته مِنْهُ، فبعته، فاشتريت منه مَخْرَفًا، فَإِنّهُ لَأَوّلُ مَالٍ اعْتَقَدْتُهُ. قَالَ ابْنُ إسحاق: وحدثنى من لا أنهم، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَقَدْ اسْتَلَبَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَ حنين وحده عشرين رجلا [نزول الْمَلَائِكَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بن يسار، أنه حدث عن جبير ابن مُطْعِمٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ قَبْلَ هَزِيمَةِ الْقَوْمِ، وَالنّاسُ يَقْتَتِلُونَ مِثْلَ الْبِجَادِ الْأَسْوَدِ، أَقْبَلَ مِنْ السّمَاءِ حَتّى سَقَطَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ، فَنَظَرْت، فَإِذَا نَمَلٌ أَسْوَدُ مَبْثُوثٌ قَدْ مَلَأَ الْوَادِيَ، لَمْ أَشُكّ أَنّهَا الْمَلَائِكَةُ، ثُمّ لَمْ يَكُنْ إلا هزيمة القوم. [هزيمة المشركين من أهل حنين] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا هَزَمَ اللهُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ حُنَيْنٍ، وَأَمْكَنَ رَسُولَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ، قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَدْ غَلَبَتْ خَيْلُ اللهِ خَيْلَ اللّاتِ ... وَاَللهُ أَحَقّ بِالثّبَاتِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالرّوَايَةِ لِلشّعْرِ: غَلَبْتِ خَيْلُ اللهِ خَيْلَ اللّاتِ ... وَخَيْلُهُ أَحَقّ بِالثّبَاتِ قَالَ ابْنُ إسحاق: فلما انهزمت هوارن اسْتَحَرّ الْقَتْلُ مِنْ ثَقِيفٍ فِي بَنِي مَالِكٍ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا تَحْتَ رَايَتِهِمْ، فِيهِمْ عثمان بن عبد الله بن ربيعة ابن الحارث بن حبيب، وَكَانَتْ رَايَتُهُمْ مَعَ ذِي الْخِمَارِ فَلَمّا قُتِلَ أخذها عثمان ابن عَبْدِ اللهِ فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى قُتِلَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: لَمّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَتْلُهُ، قَالَ: أَبْعَدَهُ اللهُ! فإنه كان يبغض قريشا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ. أَنّهُ قُتِلَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ غُلَامٌ لَهُ نَصْرَانِيّ أَغْرَلُ، قَالَ: فَبَيْنَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَسْلُبُ قَتْلَى ثَقِيفٍ، إذْ كَشَفَ الْعَبْدَ يَسْلُبُهُ، فَوَجَدَهُ أَغْرَلَ. قَالَ: فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ: يَعْلَمُ اللهُ أَنّ ثَقِيفًا غُرْلٌ. قَالَ المغيرة ابن شُعْبَةَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، وَخَشِيت أَنْ تَذْهَبَ عَنّا فِي الْعَرَبِ، فَقُلْتُ: لَا تَقُلْ ذَاكَ، فَدَاك أَبِي وَأُمّي، إنّمَا هُوَ غُلَامٌ لَنَا نَصْرَانِيّ قَالَ: ثُمّ جَعَلْت أَكْشِفُ لَهُ عَنْ الْقَتْلَى، وأقول له: ألا تراهم مختّنين كما ترى! قال ابن إسْحَاقَ: وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَحْلَافِ مَعَ قَارِبِ بْنِ الْأَسْوَدِ، فَلَمّا انْهَزَمَ النّاسُ أَسْنَدَ رَايَتَهُ إلَى شَجَرَةٍ، وَهَرَبَ هُوَ وَبَنُو عَمّهِ وَقَوْمُهُ مِنْ الأحلاف، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رائية ابن مرداس

فَلَمْ يُقْتَلْ مِنْ الْأَحْلَافِ غَيْرُ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ مِنْ غِيَرَةَ، يُقَالُ لَهُ وَهْبٌ، وَآخَرُ مِنْ بَنِي كُبّةَ، يُقَال لَهُ الْجُلَاحُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ الْجُلَاحِ: قُتِلَ الْيَوْمَ سَيّدُ شَبَابِ ثَقِيفٍ، إلّا مَا كَانَ مِنْ ابْنِ هُنَيْدَةَ، يَعْنِي بابن هنيدة الحارث بن أويس. [رائية ابن مِرْدَاسٍ] فَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ يَذْكُرُ قَارِبَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَفِرَارَهُ مِنْ بَنِي أَبِيهِ وذا الخمار وحبسه قومه للموت: أَلَا مِنْ مُبَلّغٍ غَيْلَانَ عَنّي ... وَسَوْفَ- إخَالُ- يَأْتِيهِ الْخَبِيرُ وَعُرْوَةَ إنّمَا أُهْدِي جَوَابًا ... وَقَوْلًا غَيْرَ قَوْلِكُمَا يَسِيرُ بِأَنّ مُحَمّدًا عَبْدٌ رَسُولٌ ... لربّ لا يضلّ ولا يجوز وَجَدْنَاهُ نَبِيّا مِثْلَ مُوسَى ... فَكُلّ فَتَى يُخَايِرُهُ مَخِيرُ وَبِئْسَ الْأَمْرُ أَمْرُ بَنِي قَسِيّ ... بِوَجّ إذْ تُقُسّمَتْ الْأُمُورُ أَضَاعُوا أَمْرَهُمْ وَلِكُلّ قَوْمٍ ... أَمِيرٌ وَالدّوَائِرُ قَدْ تَدُورُ فَجِئْنَا أُسْدَ غَابَاتٍ إلَيْهِمْ ... جُنُودُ اللهِ ضَاحِيَةً تَسِيرُ يَؤُمّ الْجَمْعَ جَمْعَ بَنِي قَسِيّ ... عَلَى حَنَقٍ نَكَادُ لَهُ نَطِيرُ وَأُقْسِمُ لَوْ هُمْ مَكَثُوا لَسِرْنَا ... إلَيْهِمْ بِالْجُنُودِ وَلَمْ يَغُورُوا فَكُنّا أُسْدَ لِيّةَ ثَمّ حَتّى ... أَبَحْنَاهَا وَأُسْلِمَتْ النّصُورُ وَيَوْمٌ كَانَ قَبْلُ لَدَى حُنَيْنٍ ... فَأَقْلَعَ وَالدّمَاءُ بِهِ تَمُورُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مِنْ الْأَيّامِ لَمْ تَسْمَعْ كَيَوْمٍ ... وَلَمْ يَسْمَعْ بِهِ قَوْمٌ ذُكُورُ قَتَلْنَا فِي الْغُبَارِ بَنِي حُطَيْطٍ ... عَلَى رَايَاتِهَا وَالْخَيْلُ زُورُ وَلَمْ يَكُ ذُو الْخِمَارِ رَئِيسَ قَوْمٍ ... لَهُمْ عَقْلٌ يُعَاقِبُ أَوْ مَكِيرُ أَقَامَ بِهِمْ عَلَى سَنَنِ الْمَنَايَا ... وَقَدْ بَانَتْ لِمُبْصِرِهَا الْأُمُورُ فَأَفْلَتَ مَنْ نَجَا مِنْهُمْ جَرِيضًا ... وَقُتّلَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرُ وَلَا يُغْنِي الْأُمُورَ أَخُو الْتَوَانِي ... وَلَا الْغَلِقُ الصّرَيّرَةُ الْحَصُورُ أَحَانَهُمُ وَحَانَ وَمَلّكُوهُ ... أُمُورَهُمْ وَأَفْلَتَتْ الصّقُورُ بنو عوف تميح بهم حياد ... أُهِينَ لَهَا الْفَصَافِصُ وَالشّعِيرُ فَلَوْلَا قَارِبٌ وَبَنُو أَبِيهِ ... تُقُسّمتَ الْمَزَارِعُ وَالْقُصُورُ وَلَكِنّ الرّيَاسَةَ عُمّمُوهَا ... عَلَى يُمْنٍ أَشَارَ بِهِ الْمُشِيرُ أَطَاعُوا قَارِبًا وَلَهُمْ جُدُودٌ ... وَأَحْلَامٌ إلَى عِزّ تَصِيرُ فَإِنْ يهدوا إلى الإسلام يلقوا ... أُنُوفَ النّاسِ مَا سَمَرَ السّمِيرُ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا فَهُمْ أَذَانٌ ... بِحَرْبِ اللهِ لَيْسَ لَهُمْ نَصِيرُ كَمَا حَكّتْ بَنِي سَعْدٍ وَحَرْبٌ ... بِرَهْطِ بَنِي غَزِيّةَ عَنْقَفِيرُ كَأَنّ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ بكر ... إلى الإسلام ضائنة نخور فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إنّا أَخُوكُمْ ... وَقَدْ بَرَأَتْ مِنْ الإحن الصّدور كأن القوم إذ جاؤا إلَيْنَا ... مِنْ الْبَغْضَاءِ بَعْد السّلْمِ عُورُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: غَيْلَانُ: غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ الثّقَفِيّ، وعروة: عروة بن مسعود الثّقفى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مصرع دريد

[مصرع دريد] قال ابن إسحاق: وَلَمّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، أَتَوْا الطّائِفَ وَمَعَهُمْ مَالِكُ ابن عَوْفٍ وَعَسْكَرَ بَعْضُهُمْ بِأَوْطَاسٍ، وَتَوَجّهَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ نَخْلَةَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيمَنْ تَوَجّهَ نَحْوَ نَخْلَةَ إلّا بَنُو غِيَرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ، وَتَبِعَتْ خَيْلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سَلَكَ فِي نَخْلَةَ مِنْ النّاسِ، وَلَمْ تَتْبَعْ مَنْ سَلَكَ الثّنَايَا. فَأَدْرَكَ رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعِ بْنِ أُهْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ يربوع بن سمّان ابن عَوْفِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الدّغُنّةِ وَهِيَ أُمّهُ، فَغَلَبَتْ عَلَى اسْمِهِ، وَيُقَالُ: ابْنُ لَذْعَةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- دُرَيْدَ بْنَ الصّمّةِ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ جَمَلِهِ وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ امْرَأَةٌ، وَذَلِكَ أَنّهُ فِي شِجَارٍ لَهُ، فَإِذَا بِرَجُلِ، فَأَنَاخَ بِهِ، فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَإِذَا هُوَ دُرَيْدُ بْنُ الصّمّةِ وَلَا يَعْرِفُهُ الْغُلَامُ، فَقَالَ لَهُ دُرَيْدٌ: مَاذَا تُرِيدُ بِي؟ قَالَ: أَقْتُلُك. قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ أَنَا رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعٍ السّلَمِيّ، ثُمّ ضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ، فَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا، فَقَالَ: بِئْسَ مَا سَلّحَتْك أُمّك! خُذْ سَيْفِي هَذَا مِنْ مُؤَخّرِ الرحل، وكان الرحل فى الشّجار، ثم ضرب بِهِ، وَارْفَعْ عَنْ الْعِظَامِ، وَاخْفِضْ عَنْ الدّمَاغِ، فَإِنّي كُنْت كَذَلِكَ أَضْرِبُ الرّجَالَ، ثُمّ إذَا أتيت أمّك فأخبرها أنك قتلت دربد بْنَ الصّمّةِ، فَرُبّ وَاَللهِ يَوْمٍ قَدْ مَنَعْتُ فِيهِ نِسَاءَك. فَزَعَمَ بَنُو سُلَيْمٍ أَنّ رَبِيعَةَ لَمّا ضَرَبَهُ فَوَقَعَ تَكَشّفَ، فَإِذَا عِجَانُهُ وَبُطُونُ فَخِذَيْهِ مِثْلُ الْقِرْطَاسِ، مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ أَعْرَاءً؛ فَلَمّا رَجَعَ رَبِيعَةُ إلَى أُمّهِ أَخْبَرَهَا بِقَتْلِهِ إيّاهُ، فَقَالَتْ: أَمَا وَاَللهِ لَقَدْ أَعْتَقَ أُمّهَاتٍ لك ثلاثا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مصرع أبى عامر الأشعرى

فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ دُرَيْدٍ فِي قَتْلِ رَبِيعَةَ دريدا: لَعَمْرُكَ مَا خَشِيت عَلَى دُرَيْدٍ ... بِبَطْنِ سُمَيْرَة جَيْشَ الْعَنَاقِ جَزَى عَنْهُ الْإِلَهُ بَنِي سُلَيْمٍ ... وَعَقّتْهُمْ بِمَا فَعَلُوا عَقَاقِ وَأَسْقَانَا إذَا قُدْنَا إلَيْهِمْ ... دِمَاءَ خِيَارِهِمْ عِنْدَ التّلَاقِي فَرُبّ عَظِيمَةٍ دَافَعْتَ عَنْهُمْ ... وَقَدْ بَلَغَتْ نَفُوسُهُمْ التّرَاقِي وَرُبّ كَرِيمَةٍ أَعْتَقْتَ مِنْهُمْ ... وَأُخْرَى قَدْ فَكَكْتَ مِنْ الْوَثَاقِ وَرُبّ مُنَوّهٍ بِكَ مِنْ سُلَيْمٍ ... أَجَبْتَ وَقَدْ دَعَاكَ بِلَا رَمَاقِ فَكَانَ جَزَاؤُنَا مِنْهُمْ عُقُوقًا ... وَهَمّا مَاعَ مِنْهُ مُخّ سَاقِي عَفَتْ آثَارُ خَيْلِك بَعْدَ أَيْنٍ ... بِذِي بَقَرٍ إلَى فَيْفِ النّهَاقِ وَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ دُرَيْدٍ أَيْضًا: قَالُوا قَتَلْنَا دُرَيْدًا قُلْتُ قَدْ صَدَقُوا ... فَظَلّ دمغى عَلَى السّرْبَالِ يَنْحَدِرُ لَوْلَا الّذِي قَهَرَ الْأَقْوَامَ كُلّهُمْ ... رَأَتْ سُلَيْمٌ وَكَعْبٌ كَيْفَ تَأْتَمِرُ إذَنْ لَصَبّحَهُمْ غِبّا وَظَاهِرَةً ... حَيْثُ اسْتَقَرّتْ نَوَاهُمْ جَحْفَلٌ ذَفِرُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ اسْمُ الّذِي قَتَلَ دُرَيْدًا: عَبْدُ اللهِ بْنُ قُنَيْعِ بْنِ أهبان بن ثعلبة بن ربيعة [مصرع أَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آثَارِ مَنْ تَوَجّهَ قِبَلَ أَوْطَاسٍ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ، فَأَدْرَكَ مِنْ النّاسِ بَعْضَ مَنْ انْهَزَمَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حال بنى رئاب فى المعركة

فَنَاوَشُوهُ الْقِتَالَ، فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ بِسَهْمِ فَقُتِلَ؛ فَأَخَذَ الرّايَةَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَهُوَ ابْنُ عمه، فقاتلهم، ففتح الله على يديه، وَهَزَمَهُمْ. فَيَزْعُمُونَ أَنّ سَلَمَةَ بْنَ دُرَيْدٍ هُوَ الّذِي رَمَى أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ بِسَهْمِ، فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ، فَقَتَلَهُ، فَقَالَ: إنْ تَسْأَلُوا عَنّي فَإِنّي سلمه ... ابن سمادر لمن توسّمه أضرب بالسّيف رؤس المسلمه وسمادير: أمه. [حال بنى رئاب فى المعركة] واستحرّ القتل من بنى نصر فِي بَنِي رِئَابٍ، فَزَعَمُوا أَنّ عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ- وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَوْرَاءِ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي وَهْبِ بْنِ رِئَاب- قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتْ بَنُو رِئَابٍ فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قال: اللهمّ اجبر مصيبتهم. [موقف قوم مالك بن عوف] وخرج مالك بن عوف عِنْدَ الْهَزِيمَةِ، فَوَقَفَ فِي فَوَارِسَ مِنْ قَوْمِهِ، عَلَى ثَنِيّةٍ مِنْ الطّرِيقِ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: قِفُوا حَتّى تَمْضِيَ ضُعَفَاؤُكُمْ، وَتَلْحَقَ أُخْرَاكُمْ فَوَقَفَ هُنَاكَ حَتّى مَضَى مَنْ كَانَ لَحِقَ بِهِمْ مِنْ منهزمة الناس؛ فقال مالك بن عوف فى ذلك: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَلَوْلَا كَرّتَانِ عَلَى مُحَاجٍ ... لَضَاقَ عَلَى الْعَضَارِيطِ الطّرِيقُ وَلَوْلَا كَرّ دُهْمَانَ بْنِ نَصْرٍ ... لَدَى النّخَلَاتِ مُنْدَفَعَ الشّدِيقِ لَآبَتْ جَعْفَرٌ وَبَنُو هِلَالٍ ... خَزَايَا مُحْقِبِينَ عَلَى شُقُوقِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِمَالِكِ بْنِ عَوْفٍ فِي غَيْرِ هذا اليوم. ومما يدلك على ذلك قول دُرَيْدِ بْنِ الصّمّةِ فِي صَدْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ؟ فَقَالُوا لَهُ: لَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَجَعْفَرٌ بْنُ كِلَابٍ. وَقَالَ مالك ابن عوف فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ: «لَآبَتْ جَعْفَرٌ وَبَنُو هِلَالٍ» . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنّ خَيْلًا طَلَعَتْ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الثّنِيّةِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ فَقَالُوا: نَرَى قَوْمًا وَاضِعِي رِمَاحِهِمْ بَيْنَ آذَانِ خَيْلِهِمْ، طَوِيلَةً بَوَادّهُمْ؛ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ بَنُو سُلَيْمٍ، وَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ، فَلَمّا أَقْبَلُوا سَلَكُوا بَطْنَ الْوَادِي. ثُمّ طَلَعَتْ خَيْلٌ أُخْرَى تَتْبَعُهَا، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: نَرَى قَوْمًا عَارِضِي رِمَاحِهِمْ، أَغْفَالًا عَلَى خَيْلِهِمْ؛ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى أَصْلِ الثّنِيّةِ سَلَكُوا طَرِيقَ بَنِي سُلَيْمٍ. ثُمّ طَلَعَ فَارِسٌ؛ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: نَرَى فَارِسًا طَوِيلَ الْبَادّ، وَاضِعًا رُمْحَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، عَاصِبًا رَأْسَهُ بِمُلَاءَةِ حَمْرَاءَ، فَقَالَ هَذَا الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ وَأَحْلِفُ بِاللّاتِ لَيُخَالِطَنّكُمْ، فَاثْبُتُوا لَهُ. فَلَمّا انْتَهَى الزّبَيْرُ إلَى أَصْلِ الثّنِيّةِ أَبْصَرَ الْقَوْمَ، فَصَمَدَ لَهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ يُطَاعِنُهُمْ حَتّى أَزَاحَهُمْ عَنْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر سلمة فى فرارة

[شِعْرُ سَلَمَةَ فِي فِرَارِهِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ دُرَيْدٍ وَهُوَ يَسُوقُ بِامْرَأَتِهِ حَتّى أَعْجَزَهُمْ: نَسّيْتِنِي مَا كُنْتِ غَيْرَ مُصَابَةٍ ... وَلَقَدْ عَرَفْتِ غَدَاةَ نَعْفِ الْأَظْرُبِ أَنّي مَنَعْتُكِ وَالرّكُوبُ مُحَبّبٌ ... وَمَشَيْتُ خَلْفَكِ مِثْلَ مَشْيِ الْأَنْكَبِ إذْ فَرّ كُلّ مُهَذّبٍ ذِي لِمّةٍ ... عَنْ أمّه وخليله لم يعقب [عود إلى حديث مصرع أَبِي عَامِرٍ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ، وَحَدِيثُهُ: أَنّ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ لَقِيَ يَوْمَ أَوْطَاسٍ عَشَرَةَ إخْوَةٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ: فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمْ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَامِرٍ وَهُوَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ: اللهُمّ اشْهَدْ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ أَبُو عَامِرٍ؛ ثُمّ حَمَلَ عَلَيْهِ آخَرُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَامِرٍ، وَهُوَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ: اللهُمّ اشْهَدْ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُ أَبُو عَامِرٍ. ثُمّ جَعَلُوا يَحْمِلُونَ عَلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا، وَيَحْمِلُ أَبُو عامر وهو يقول ذَلِكَ، حَتّى قَتَلَ تِسْعَةً، وَبَقِيَ الْعَاشِرُ، فَحَمَلَ عَلَى أَبِي عَامِرٍ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَامِرٍ، وَهُوَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ: اللهُمّ اشْهَدْ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ الرّجُلُ: اللهُمّ لَا تَشْهَدْ عَلَيّ، فَكَفّ عَنْهُ أَبُو عَامِرٍ، فَأَفْلَتْ؛ ثُمّ أَسْلَمَ بَعْدُ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ. فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَآهُ قَالَ: هَذَا شَرِيدُ أَبِي عَامِرٍ وَرَمَى أَبَا عَامِرٍ أَخَوَانِ: الْعَلَاءُ وَأَوْفَى ابْنَا الْحَارِثِ، مِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا قَلْبَهُ، وَالْآخَرُ رُكْبَتَهُ، فقاتلاه وَوَلِيَ النّاسَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَحَمَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النهى عن قتل الضعفاء

عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ يَرْثِيهِمَا: إنّ الرّزِيّةَ قَتْلُ الْعَلَاءِ ... وَأَوْفَى جَمِيعًا وَلَمْ يُسْنَدَا هُمَا الْقَاتِلَانِ أَبَا عَامِرٍ ... وَقَدْ كَانَ ذَا هَبّةٍ أَرْبَدَا هُمَا تَرَكَاهُ لَدَى مَعْرَكٍ ... كَأَنّ عَلَى عِطْفِهِ مُجْسَدَا فَلَمْ تَرَ فِي النّاسِ مِثْلَيْهِمَا ... أَقَلّ عِثَارًا وأرمى يدا [النهى عَنْ قَتْلِ الضّعَفَاءِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالنّاسُ مُتَقَصّفُونَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: امْرَأَةٌ قَتَلَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِ مَنْ مَعَهُ: أَدْرِكْ خَالِدًا، فَقُلْ له: إن رسول الله يَنْهَاك أَنْ تَقْتُلَ وَلِيدًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ عسيفا [شأن الشيماء وبجاد] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَحَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ: إنْ قَدَرْتُمْ عَلَى بجاد، رجل من بنى سعد ابن بَكْرٍ، فَلَا يُفْلِتَنّكُم، وَكَانَ قَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا، فَلَمّا ظَفِرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ سَاقُوهُ وَأَهْلَهُ، وَسَاقُوا مَعَهُ الشّيْمَاءَ، بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى أُخْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرّضَاعَةِ، فَعَنُفُوا عَلَيْهَا فِي السّيَاقِ، فَقَالَتْ لِلْمُسْلِمِينَ: تَعَلَمُوا وَاَللهِ أَنّي لَأُخْتُ صَاحِبِكُمْ مِنْ الرّضَاعَةِ؛ فَلَمْ يُصَدّقُوهَا حَتّى أَتَوْا بِهَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شهداء يوم حنين

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ السّعْدِيّ، قَالَ: فَلَمّا اُنْتُهِيَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي أُخْتُك مِنْ الرّضَاعَةِ؛ قَالَ: وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: عَضّةٌ عَضَضْتَنِيهَا فِي ظَهْرِي وَأَنَا مُتَوَرّكَتُك؛ قَالَ: فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَلَامَةَ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، فَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ، وَخَيّرَهَا، وَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتِ فَعِنْدِي مُحَبّةٌ مُكْرَمَةٌ، وَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ أُمَتّعَك وَتَرْجِعِي إلَى قَوْمِك فَعَلْتُ؛ فَقَالَتْ: بَلْ تُمَتّعُنِي وَتَرُدّنِي إلَى قَوْمِي، فَمَتّعَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَرَدّهَا إلَى قَوْمِهَا. فَزَعَمَتْ بَنُو سَعْدٍ أَنّهُ أَعْطَاهَا غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ مَكْحُولٌ، وَجَارِيَةً، فَزَوّجَتْ أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى، فَلَمْ يزل فيهم من نسلهما بقية. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ... إلَى قَوْلِهِ: وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ. [شهداء يَوْمَ حُنَيْنٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: مِنْ قُرَيْشٍ ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ. وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى: يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب ابن أسد، جمح بن فَرَسٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ الْجَنَاحُ، فَقُتِلَ. وَمِنْ الْأَنْصَارِ: سُرَاقَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ، مِنْ بنى العجلان. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سبايا حنين يجمعون

ومن الأشعريين: أبو عامر الأشعرى. [سبايا حنين يجمعون] ثُمّ جُمِعَتْ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَايَا حُنَيْنٍ وَأَمْوَالُهَا، وَكَانَ عَلَى الْمَغَانِمِ مَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ، وَأَمّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسّبَايَا وَالْأَمْوَالِ إلَى الْجِعْرَانَةِ، فَحُبِسَتْ بِهَا [شِعْرُ بُجَيْرٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ] وَقَالُ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ: لَوْلَا الْإِلَهُ وَعَبْدُهُ وَلّيْتُمْ ... حِينَ اسْتَخَفّ الرّعْبُ كُلّ جَبَانِ بِالْجِزْعِ يَوْمَ حَبَا لَنَا أَقْرَانُنَا ... وَسَوَابِحٌ يَكْبُونَ لِلْأَذْقَانِ مِنْ بَيْنِ سَاعٍ ثَوْبُهُ فِي كَفّهِ ... وَمُقَطّرٍ بِسَنَابِكِ وَلَبَانِ وَاَللهُ أَكْرَمَنَا وَأَظْهَرَ دِينَنَا ... وَأَعَزّنَا بِعِبَادَةِ الرّحْمَنِ وَاَللهُ أَهْلَكَهُمْ وفرّق جمعهم ... وأذلّهم بعبادة الشّيطان قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيَرْوِي فِيهَا بَعْضُ الرّوَاةِ: إذ قام عمّ نبيّكم ووليّه ... يدعون: لَكَتِيبَةِ الْإِيمَانِ أَيْنَ الّذِينَ هُمْ أَجَابُوا رَبّهُمْ ... يَوْمَ الْعُرَيْضِ وَبَيْعَةِ الرّضْوَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر لعباس بن مرداس فى يوم حنين

[شِعْرٌ لِعَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ: إنّي وَالسّوَابِحَ يَوْمَ جَمْعٍ ... وَمَا يَتْلُو الرّسُولُ مِنْ الْكِتَابِ لَقَدْ أَحْبَبْتُ مَا لَقِيَتْ ثَقِيفٌ ... بِجَنْبِ الشّعْبِ أَمْسِ مِنْ الْعَذَابِ هُمْ رَأْسُ الْعَدُوّ مِنْ اهْلِ نَجْدٍ ... فَقَتْلُهُمْ أَلَذّ مْنَ الشّرَابِ هَزَمْنَا الْجَمْعَ جَمْعَ بَنِي قَسِيّ ... وَحَكّتْ بَرْكَهَا بِبَنِي رِئَابِ وَصِرْمًا مِنْ هِلَالٍ غَادَرَتْهُمْ ... بِأَوْطَاسٍ تُعَفّرُ بِالتّرَابِ وَلَوْ لَاقَيْنَ جَمْعَ بَنِي كِلَابٍ ... لَقَامَ نِسَاؤُهُمْ وَالنّقْعُ كَابِي رَكَضْنَا الْخَيْلَ فِيهِمْ بَيْنَ بُسّ ... إلَى الْأَوْرَالِ تَنْحِطُ بِالنّهَابِ بِذِي لَجَبٍ رَسُولُ اللهِ فِيهِمْ ... كَتِيبَتُهُ تَعَرّضُ لِلضّرَابِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «تُعَفّرُ بِالتّرَابِ» : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. [ابن عفيّف يرد عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ] فَأَجَابَهُ عَطِيّةُ بْنُ عُفَيّفٍ النّصرىّ، فيما حدثنا ابن هشام، فقال: أَفَاخِرَةٌ رِفَاعَةُ فِي حُنَيْنٍ ... وَعَبّاسُ بْنُ رَاضِعَةِ اللّجَابِ فَانّكَ وَالْفِجَارَ كَذَاتِ مِرْطٍ ... لِرَبّتِهَا وَتَرْفُلُ فِي الْإِهَابِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ عَطِيّةُ بْنُ عُفَيّفٍ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ لَمّا أَكْثَرَ عَبّاسٌ عَلَى هَوَازِنَ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ وَرِفَاعَةُ مِنْ جهينة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شِعْرٌ آخَرُ لِعَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا: يَا خَاتَمُ النّبَآءِ إنّكَ مُرْسَلٌ ... بِالْحَقّ كُلّ هُدَى السّبِيلِ هُدَاكَا إنّ الْإِلَهَ بَنَى عَلَيْك مَحَبّةً ... فِي خَلْقِهِ وَمُحَمّدًا سَمّاكَا ثُمّ الّذِينَ وَفَوْا بِمَا عَاهَدْتَهُمْ ... جُنْدٌ بَعَثْتَ عَلَيْهِمْ الضّحّاكَا رَجُلًا بِهِ ذَرَبُ السّلَاحِ كَأَنّهُ ... لَمّا تَكَنّفَهُ الْعَدُوّ يَرَاكَا يَغْشَى ذَوِي النّسَبِ الْقَرِيبِ وَإِنّمَا ... يَبْغِي رِضَا الرّحْمَنِ ثُمّ رِضَاكَا أُنْبِيكَ أَنّي قَدْ رَأَيْتُ مَكَرّهُ ... تَحْتَ الْعَجَاجَةِ يَدْمَغُ الْإِشْرَاكَا طَوْرًا يُعَانِقُ بِالْيَدَيْنِ وَتَارَةً ... يَفْرِي الْجَمَاجِمَ صَارِمًا بَتّاكَا يَغْشَى بِهِ هَامَ الْكُمَاةِ وَلَوْ تَرَى ... مِنْهُ الّذِي عَايَنْتُ كَانَ شِفَاكَا وَبَنُو سُلَيْمٍ مُعْنِقُونَ أَمَامَهُ ... ضَرْبًا وَطَعْنًا فِي الْعَدُوّ دِرَاكًا يَمْشُونَ تَحْتَ لِوَائِهِ وَكَأَنّهُمْ ... أُسْدُ الْعَرِينِ أَرَدْنَ ثَمّ عِرَاكَا مَا يَرْتَجُونَ مِنْ الْقَرِيبِ قَرَابَةً ... إلّا لِطَاعَةِ رَبّهِمْ وَهَوَاكَا هَذِي مَشَاهِدُنَا الّتِي كَانَتْ لَنَا ... مَعْرُوفَةً وَوَلِيّنَا مَوْلَاكَا وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مرداس أيضا: إمّا تَرَيْ يَا أُمّ فَرْوَةَ خَيْلَنَا ... مِنْهَا معطّلة نقاد وظلّع أوهى مقارعة الأعادى دمّها ... فيها رافذ؟؟؟ مِنْ جِرَاحٍ تَنْبَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَلَرُبّ قَائِلَةٍ كَفَاهَا وَقْعُنَا ... أَزْمَ الْحُرُوبِ فَسِرْبُهَا لَا يُفْزَعُ لَا وَفْدَ كَالْوَفْدِ الْأُلَى عَقَدُوا لَنَا ... سَبَبًا بِحَبْلِ مُحَمّدٍ لَا يُقْطَعُ وَفْدٌ أبو قطن حزابة منهم ... وأبو الْغُيُوثِ وَوَاسِعٌ وَالْمِقْنَعُ وَالْقَائِدُ الْمِئَةُ الّتِي وَفّى بِهَا ... تِسْعَ الْمِئِينَ فَتَمّ أَلْفٌ أَقْرَعُ جَمَعَتْ بَنُو عَوْفٍ وَرَهْطُ مُخَاشِنٍ ... سِتّا وَأَحْلُبُ مِنْ خُفَافٍ أَرْبَعُ فَهُنَاكَ إذْ نُصِرَ النّبِيّ بِأَلْفِنَا ... عقد النّبىّ لنا لواء يلمع فُزْنَا بِرَايَتِهِ وَأَوْرَثَ عَقْدُهُ ... مَجْدَ الْحَيَاةِ وسُودَدًا لَا يُنْزَعُ وَغَدَاةَ نَحْنُ مَعَ النّبِيّ جَنَاحُهُ ... بِبِطَاحِ مَكّةَ وَالْقَنَا يَتَهَزّعُ كَانَتْ إجَابَتُنَا لِدَاعِي رَبّنَا ... بِالْحَقّ مِنّا حَاسِرٌ وَمُقَنّعُ فِي كُلّ سَابِغَةٍ تَخَيّرَ سَرْدَهَا ... دَاوُدُ إذْ نَسَجَ الْحَدِيدَ وَتُبّعُ وَلَنَا عَلَى بِئْرَيْ حُنَيْنٍ مَوْكِبٌ ... دَمَغَ النّفَاقَ وَهَضْبَةٌ مَا تُقْلَعُ نُصِرَ النّبِيّ بِنَا وَكُنّا مَعْشَرًا ... فِي كُلّ نَائِبَةٍ نَضُرّ وَنَنْفَعُ ذُدْنَا غَدَاتَئِذٍ هَوَازِنَ بِالْقَنَا ... وَالْخَيْلُ يَغْمُرُهَا عَجَاجٌ يَسْطَعُ إذْ خَافَ حَدّهُمْ النّبِيّ وَأَسْنَدُوا ... جَمْعًا تَكَادُ الشّمْسُ مِنْهُ تَخْشَعُ تُدْعَى بَنُو جُشَمٍ وَتُدْعَى وَسْطَهُ ... أَفْنَاءُ نَصْرٍ وَالْأَسِنّةُ شُرّعُ حَتّى إذَا قَالَ الرّسُولُ مُحَمّدٌ ... أَبَنِي سُلَيْمٍ قَدْ وَفَيْتُمْ فَارْفَعُوا رُحْنَا وَلَوْلَا نَحْنُ أَجْحَفَ بَأْسُهُمْ ... بالمؤمنين وأحرزوا ما جمّعوا وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ: عَفَا مِجْدَلٌ مِنْ أَهْلِهِ فَمُتَالِعُ ... فَمِطْلَا أَرِيكٍ قَدْ خَلَا فَالْمَصَانِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دِيَارٌ لَنَا يَا جُمْلُ إذْ جُلّ عَيْشِنَا ... رَخِيّ وَصَرْفُ الدّارِ لِلْحَيّ جَامِعُ حُبَيّبَةٌ أَلْوَتْ بِهَا غُرْبَةُ النّوَى ... لِبَيْنِ فَهَلْ مَاضٍ مِنْ الْعَيْشِ رَاجِعُ فَإِنْ تَبْتَغِي الْكُفّارَ غَيْرَ مَلُومَةٍ ... فَإِنّي وَزِيرٌ لِلنّبِيّ وَتَابِعُ دَعَانَا إلَيْهِمْ خَيْرُ وَفْدٍ عَلِمْتُهُمْ ... خُزَيمَةُ وَالْمَرّارُ مِنْهُمْ وَوَاسِعُ فَجِئْنَا بِأَلْفِ مِنْ سُلَيْمٍ عَلَيْهِمْ ... لَبُوسٌ لَهُمْ مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ رَائِعُ نُبَايِعُهُ بِالْأَخْشَبَيْنِ وَإِنّمَا ... يَدَ اللهِ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ نُبَايِعُ فَجُسْنَا مَعَ الْمَهْدِيّ مَكّةَ عَنْوَةً ... بِأَسْيَافِنَا وَالنّقْعُ كَابٍ وَسَاطِعُ عَدَنِيّةً وَالْخَيْلُ يَغْشَى مُتُونَهَا ... حَمِيمٌ وَآنٍ مِنْ دَمِ الْجَوْفِ نَاقِعُ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ سَارَتْ هَوَازِنُ ... إلَيْنَا وَضَاقَتْ بِالنّفُوسِ الْأَضَالِعُ صَبَرْنَا مَعَ الضّحّاكِ لَا يَسْتَفِزّنَا ... قِرَاعُ الْأَعَادِي مِنْهُمْ وَالْوَقَائِعُ أَمَامَ رَسُولِ اللهِ يَخْفِقُ فَوْقَنَا ... لِوَاءٌ كَخُذْرُوفِ السّحَابَةِ لا مع عَشِيّةَ ضَحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ مُعْتَصٍ ... بِسَيْفِ رَسُولِ اللهِ وَالْمَوْتُ كَانِعُ نَذُودُ أَخَانَا عَنْ أَخِينَا وَلَوْ نَرَى ... مَصَالًا لَكُنّا الْأَقْرَبِينَ نُتَابِعُ وَلَكِنّ دِينَ اللهِ دِينُ مُحَمّدٍ ... رَضِينَا بِهِ فِيهِ الْهُدَى وَالشّرَائِعُ أَقَامَ بِهِ بَعْدَ الضّلَالَةِ أَمْرَنَا ... وليس لأمر حمّه الله دافع وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ حنين: تَقَطّعَ بَاقِي وَصْلِ أُمّ مُؤَمّلٍ ... بِعَاقِبَةِ وَاسْتَبْدَلَتْ نِيّةً خُلْفَا وَقَدْ حَلَفَتْ بِاَللهِ لَا تَقْطَعُ الْقُوَى ... فَمَا صَدَقَتْ فِيهِ وَلَا بَرّتْ الْحَلْفَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خُفَافِيّةٌ بَطْنُ الْعَقِيقِ مَصِيفُهَا ... وَتَحْتَلّ فِي الْبَادِينَ وَجْرَةَ فَالْعُرْفَا فَإِنْ تَتْبَعْ الْكُفّارَ أُمّ مُؤَمّلٍ ... فَقَدْ زَوّدَتْ قَلْبِي عَلَى نَأْيِهَا شَغْفَا وَسَوْفَ يُنَبّيهَا الْخَبِيرُ بِأَنّنَا ... أَبَيْنَا وَلَمْ نَطْلُبْ سِوَى رَبّنَا حِلْفَا وَأَنّا مَعَ الْهَادِي النّبِيّ مُحَمّدٍ ... وَفَيْنَا وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا مَعْشَرٌ أَلْفَا بِفِتْيَانِ صِدْقٍ مِنْ سُلَيْمٍ أَعِزّةٍ ... أَطَاعُوا فَمَا يَعْصُونَ مِنْ أَمْرِهِ حَرْفَا خُفَافٌ وذَكْوَانٌ وَعَوْفٌ تَخَالُهُمْ ... مَصَاعِبَ زَافَتْ فِي طَرُوقَتِهَا كُلْفَا كَأَنّ النّسِيجَ الشُهْبَ وَالْبِيضَ مُلْبَسٌ ... أُسُودًا تَلَاقَتْ فِي مَرَاصِدِهَا غُضْفَا بِنَا عَزّ دِينُ اللهِ غَيْرَ تَنَحّلٍ ... وَزِدْنَا عَلَى الْحَيّ الّذِي مَعَهُ ضِعْفَا بِمَكّةَ إذْ جِئْنَا كَأَنّ لِوَاءَنَا ... عُقَابٌ أَرَادَتْ بَعْدَ تَحْلِيقِهَا خَطْفَا عَلَى شُخّصِ الْأَبْصَارِ تَحْسِبُ بَيْنَهَا ... إذَا هِيَ جَالَتْ فِي مَرَاوِدِهَا عَزْفَا غَدَاةَ وَطِئْنَا الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ نَجِدْ ... لِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ عَدْلًا وَلَا صَرْفَا بِمُعْتَرَكٍ لَا يَسْمَعُ الْقَوْمُ وَسْطَهُ ... لَنَا زَجْمَةٌ إلّا التّذَامُرَ وَالنّقْفَا بِبِيضٍ نُطِيرُ الْهَامَ عَنْ مُسْتَقَرّهَا ... وَنَقْطِفُ أَعْنَاقَ الْكُمَاةِ بِهَا قَطْفَا فَكَائِنْ تَرَكْنَا مِنْ قَتِيلٍ مُلَحّبٍ ... وَأَرْمَلَةٍ تَدْعُو عَلَى بَعْلِهَا لَهْفَا رِضَا اللهِ نَنْوِي لَا رِضَا النّاسِ نَبْتَغِي ... وَلِلّهِ مَا يَبْدُو جميعا وما يخفى وقال عباس بن مرداس أَيْضًا: مَا بَالُ عَيْنِكَ فِيهَا عَائِرٌ سَهِرٌ ... مِثْلُ الْحَمَاطَةِ أَغْضَى فَوْقَهَا الشّفُرُ عَيْنٌ تَأَوّبَهَا مِنْ شَجْوِهَا أَرَقٌ ... فَالْمَاءُ يَغْمُرُهَا طَوْرًا وَيَنْحَدِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كَأَنّهُ نَظْمُ دُرّ عِنْدَ نَاظِمَةٍ ... تَقَطّعُ السّلْكُ منه فهو مئتتر يَا بُعْدَ مَنْزِلِ مَنْ تَرْجُو مَوَدّتَهُ ... وَمَنْ أَتَى دُونَهُ الصّمّانُ فَالْحَفَرُ دَعْ مَا تَقَدّمَ مِنْ عَهْدِ الشّبَابِ فَقَدْ ... وَلّى الشّبَابُ وَزَارَ الشّيْبُ وَالزّعَرُ وَاذْكُرْ بَلَاءَ سُلَيْمٍ فِي مَوَاطِنِهَا ... وَفِي سُلَيْمٍ لِأَهْلِ الْفَخْرِ مُفْتَخَرُ قَوْمٌ هُمْ نَصَرُوا الرّحْمَنَ وَاتّبَعُوا ... دِينَ الرّسُولِ وَأَمْرُ النّاسِ مُشْتَجِرُ لَا يَغْرِسُونَ فَسِيلَ النّخْلِ وَسْطَهُمْ ... وَلَا تَخَاوَرُ فِي مَشْتَاهُمْ الْبَقَرُ إلّا سَوَابِحَ كَالْعِقْبَانِ مَقْرَبَةً ... فِي دَارَةٍ حَوْلَهَا الْأَخْطَارُ وَالْعَكَرُ تُدْعَى خُفَافٌ وَعَوْفٌ فِي جَوَانِبِهَا ... وَحَيّ ذَكْوَانَ لَا مِيلٌ وَلَا ضُجُرُ الضّارِبُونَ جُنُودَ الشّرْكِ ضَاحِيَةً ... بِبَطْنِ مَكّةَ وَالْأَرْوَاحُ تَبْتَدِرُ حَتّى دَفَعْنَا وَقَتْلَاهُمْ كَأَنّهُمْ ... نَخْلٌ بِظَاهِرَةِ الْبَطْحَاءِ مُنْقَعِرُ وَنَحْنُ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ مَشْهَدُنَا ... لِلدّينِ عِزّا وَعِنْدَ اللهِ مُدّخَرُ إذْ نَرْكَبُ الْمَوْتَ مُخْضَرّا بَطَائِنُهُ ... وَالْخَيْلُ يَنْجَابُ عَنْهَا سَاطِعٌ كَدِرُ تَحْتَ اللّوَاءِ مَعَ الضّحّاكِ يَقْدُمُنَا ... كَمَا مَشَى اللّيْثُ فِي غَابَاتِهِ الْخَدِرُ فِي مَأْزِقٍ مِنْ مَجَرّ الْحَرْبِ كَلْكَلُهَا ... تَكَادُ تَأْفِلُ مِنْهُ الشّمْسُ وَالْقَمَرُ وَقَدْ صَبَرْنَا بِأَوْطَاسٍ أَسِنّتَنَا ... لِلّهِ نَنْصُرُ مَنْ شِئْنَا وَنَنْتَصِرُ حَتّى تَأَوّبَ أَقْوَامٌ مَنَازِلَهُمْ ... لَوْلَا الْمَلِيكُ وَلَوْلَا نحن ما صدروا فما ترى معشر قَلّوا وَلَا كَثُرُوا ... إلّا قَدَ اصْبَحَ مِنّا فيهم أثر وقال عبّاس بن مرداس أيضا: يا أيّها الرّجُلُ الّذِي تَهْوِي بِهِ ... وَجْنَاءُ مُجْمَرَةُ الْمَنَاسِمِ عرمس ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إمّا أَتَيْتَ عَلَى النّبِيّ فَقُلْ لَهُ ... حَقّا عَلْيَكَ إذَا اطْمَأَنّ الْمَجْلِسُ يَا خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطِيّ وَمَنْ مَشَى ... فَوْقَ التّرَابِ إذَا تُعَدّ الْأَنْفُسُ إنّا وَفَيْنَا بِاَلّذِي عَاهَدْتَنَا ... وَالْخَيْلُ تقدع بالكماة وتضرس إذ سَالَ مِنْ أَفْنَاءِ بُهْثَةَ كُلّهَا ... جَمْعٌ تَظَلّ بِهِ الْمَخَارِمُ تَرْجُسُ حَتّى صَبَحْنَا أَهْلَ مَكّةَ فَيْلَقًا ... شَهْبَاءَ يَقْدُمُهَا الْهُمَامُ الْأَشْوَسُ مِنْ كُلّ أَغْلَبَ مِنْ سُلَيْمٍ فَوْقَهُ ... بَيْضَاءُ مُحْكَمَةُ الدّخَالِ وَقَوْنَسُ يُرْوِي الْقَنَاةَ إذَا تَجَاسَرَ فِي الْوَغَى ... وتخاله أسدا إدا مَا يَعْبِسُ يَغْشَى الْكَتِيبَةَ مُعْلِمًا وَبِكَفّهِ ... عَضْبٌ يَقُدّ بِهِ وَلَدْنٌ مِدْعَسُ وَعَلَى حُنَيْنٍ قَدْ وَفَى مِنْ جَمْعِنَا ... أَلْفٌ أُمِدّ بِهِ الرّسُولُ عَرَنْدَسُ كَانُوا أَمَامَ الْمُؤْمِنِينَ دَرِيئَةً ... وَالشّمْسُ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهِمْ أَشْمُسُ نَمْضِي وَيَحْرُسُنَا الْإِلَهُ بِحِفْظِهِ ... وَاَللهُ لَيْسَ بِضَائِعِ مَنْ يَحْرُسُ وَلَقَدْ حُبِسْنَا بِالْمَنَاقِبِ مَحْبِسًا ... رَضِىَ الْإِلَهُ بِهِ فَنِعْمَ الْمَحْبِسُ وَغَدَاةَ أَوْطَاسٍ شَدَدْنَا شَدّةً ... كَفَتْ الْعَدُوّ وَقِيلَ مِنْهَا: يَا احْبِسُوا تَدْعُو هَوَازِنُ بِالْإِخَاوَةِ بَيْنَنَا ... ثَدْيٌ تَمُدّ بِهِ هَوَازِنُ أَيْبَسُ حَتّى تَرَكْنَا جَمْعَهُمْ وَكَأَنّهُ ... عَيْرٌ تَعَاقَبَهُ السّبَاعُ مُفَرّسُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي خَلَفٌ الْأَحْمَرُ قَوْلَهُ: «وَقِيلَ مِنْهَا يا احبسوا» . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا: نَصَرْنَا رَسُولَ اللهِ مِنْ غَضَبٍ لَهُ ... بِأَلْفِ كَمِيّ لَا تُعَدّ حَوَاسِرُهْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حَمَلْنَا لَهُ فِي عَامِلِ الرّمْحِ رَايَةً ... يَذُودُ بِهَا فِي حَوْمَةِ الْمَوْتِ نَاصِرُهْ وَنَحْنُ خَضَبْنَاهَا دَمًا فَهْوَ لَوْنُهَا ... غَدَاةَ حُنَيْنٍ يَوْمَ صَفْوَانُ شَاجِرُهْ وَكُنّا عَلَى الْإِسْلَامِ مَيْمَنَةً لَهُ ... وَكَانَ لنا عقد اللواء وشاهره وكنّا له درن الْجُنُودِ بِطَانَةً ... يُشَاوِرُنَا فِي أَمْرِهِ وَنُشَاوِرُهْ دَعَانَا فَسَمّانَا الشّعَارَ مُقَدّمًا ... وَكُنّا لَهُ عَوْنًا عَلَى مَنْ يُنَاكِرُهْ جَزَى اللهُ خَيْرًا مِنْ نَبِيّ مُحَمّدًا ... وَأَيّدَهُ بِالنّصْرِ وَاَللهُ نَاصِرُهْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي مِنْ قَوْلِهِ: «وَكُنّا عَلَى الْإِسْلَامِ» إلَى آخِرِهَا، بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ، وَلَمْ يَعْرِفْ الْبَيْتَ الّذِي أَوّلُهُ: «حَمَلْنَا لَهُ فِي عَامِلِ الرّمْحِ رَايَةً» . وَأَنْشَدَنِي بَعْدَ قَوْلِهِ: «وَكَانَ لَنَا عَقْدُ اللّوَاءِ وَشَاهِرُهْ» ، «وَنَحْنُ خَضَبْنَاهُ دَمًا فَهُوَ لَوْنُهُ» . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَيْضًا: مَنْ مُبْلِغُ الْأَقْوَامِ أَنّ مُحَمّدًا ... رَسُولَ الْإِلَهِ رَاشِدٌ حَيْثُ يَمّمَا دَعَا رَبّهُ وَاسْتَنْصَرَ اللهَ وَحْدَهُ ... فَأَصْبَحَ قَدْ وَفّى إلَيْهِ وَأَنْعَمَا سَرَيْنَا وَوَاعَدْنَا قُدَيْدًا مُحَمّدًا ... يَؤُمّ بِنَا أَمْرًا مِنْ اللهِ مُحْكَمَا تَمَارَوْا بِنَا فِي الْفَجْرِ حَتّى تَبَيّنُوا ... مَعَ الْفَجْرِ فِتْيَانًا وَغَابًا مُقَوّمًا عَلَى الْخَيْلِ مَشْدُودًا عَلَيْنَا دُرُوعُنَا ... وَرَجْلًا كَدُفّاعِ الْأَتِيّ عَرَمْرَمَا فَإِنّ سَرَاةَ الْحَيّ إنْ كُنْتَ سَائِلًا ... سُلَيْمٌ وَفِيهِمْ مِنْهُمْ مَنْ تَسَلّمَا وَجُنْدٌ مِنْ الْأَنْصَارِ لَا يَخْذُلُونَهُ ... أَطَاعُوا فَمَا يَعْصُونَهُ مَا تَكَلّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر ضمضم فى يوم حنين

فإن تك قد أمرت في القوم خالدا ... وقدمته فإنه قد تقدما بجند هداه الله أَنْتَ أَمِيرُهُ ... تُصِيبُ بِهِ فِي الْحَقّ مَنْ كَانَ أَظْلَمَا حَلَفْتُ يَمِينًا بَرّةً لِمُحَمّدٍ ... فَأَكْمَلْتُهَا أَلْفًا مِنْ الْخَيْلِ مُلْجَمَا وَقَالَ نَبِيّ الْمُؤْمِنِينَ تَقَدّمُوا ... وَحُبّ إلَيْنَا أَنْ نَكُونَ الْمُقَدّمَا وَبِتْنَا بِنَهْيِ الْمُسْتَدِيرِ وَلَمْ يَكُنْ ... بِنَا الْخَوْفُ إلّا رغبة وتحزّما أَطَعْنَاكَ حَتّى أَسْلَمَ النّاسُ كُلّهُمْ ... وَحَتّى صَبَحْنَا الْجَمْعَ أَهْلَ يَلَمْلَمَا يَضِلّ الْحِصَانُ الْأَبْلَقُ الْوَرْدُ وَسْطَهُ ... وَلَا يَطْمَئِنّ الشّيْخُ حَتّى يُسَوّمَا سَمَوْنَا لَهُمْ وِرْدَ الْقَطَا زَفّهُ ضُحَى ... وَكُلّ تَرَاهُ عَنْ أَخِيهِ قَدَ احْجَمَا لَدُنْ غُدْوَةً حَتّى تَرَكْنَا عَشِيّةً ... حُنَيْنًا وَقَدْ سَالَتْ دَوَافِعُهُ دَمَا إذَا شِئْتَ مِنْ كُلّ رَأَيْتَ طِمِرّةً ... وَفَارِسَهَا يَهْوِى وَرُمْحًا مُحَطّمَا وَقَدْ أَحْرَزَتْ مِنّا هَوَازِنُ سَرْبَهَا ... وَحُبّ إلَيْهَا أَنْ نَخِيبَ وَنُحْرَمَا [شِعْرُ ضَمْضَمٍ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ضَمْضَمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جُشَمِ بن عبد بن حبيب ابن مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ عُصَيّةَ السّلَمِيّ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ، وَكَانَتْ ثَقِيفٌ أَصَابَتْ كِنَانَةَ بْنَ الْحَكَمِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الشّرِيدِ، فَقَتَلَ بِهِ مِحْجَنًا وَابْنَ عَمّ لَهُ، وَهُمَا من ثقيف: نَحْنُ جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ غَيْرِ مَجْلَبٍ ... إلَى جُرَشٍ مِنْ أَهْلِ زَيّانَ وَالْفَمِ نُقَتّلُ أَشْبَالَ الْأُسُودِ وَنَبْتَغِي ... طَوَاغِيَ كَانَتْ قَبْلَنَا لَمْ تُهَدّمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رثاء أبى خراش لابن العجوة

فَإِنْ تَفْخَرُوا بِابْنِ الشّرِيدِ فَإِنّنِي ... تَرَكْتُ بِوَجّ مَأْتَمًا بَعْدَ مَأْتَمِ أَبَأْتُهُمَا بِابْنِ الشّرِيدِ وَغَرّهُ ... جِوَارُكُمْ وَكَانَ غَيْرَ مُذَمّمِ تُصِيبُ رِجَالًا مِنْ ثَقِيفٍ رِمَاحُنَا ... وَأَسْيَافُنَا يَكْلِمْنَهُمْ كُلّ مَكْلَمِ وَقَالَ ضَمْضَمُ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا: أَبْلِغْ لَدَيْكَ ذَوِي الْحَلَائِلِ آيَةً ... لَا تَأْمَنَنّ الدّهْرَ ذَاتَ خِمَارِ بَعْدَ الّتِي قَالَتْ لِجَارَةِ بَيْتِهَا ... قَدْ كُنْتُ لَوْ لَبِثَ الْغَزِيّ بِدَارِ لَمّا رَأَتْ رَجُلًا تَسَفّعَ لَوْنَهُ ... وَغْرُ الْمَصِيفَةِ وَالْعِظَامُ عَوَارِي مُشُطَ الْعِظَامِ تَرَاهُ آخِرَ لَيْلِهِ ... مُتَسَرْبِلًا فِي دِرْعِهِ لغوار إذا لَا أَزَالُ عَلَى رِحَالَةِ نَهْدَةٍ ... جَرْدَاءَ تُلْحِقُ بِالنّجَادِ إزَارِي يَوْمًا عَلَى أَثَرِ النّهَابِ وَتَارَةً ... كُتِبَتْ مُجَاهَدَةً مَعَ الْأَنْصَارِ وَزُهَاءَ كُلّ خَمِيلَةٍ أَزْهَقْتهَا ... مَهَلًا تَمَهّلُهُ وَكُلّ خَبَارِ كَيْمَا أُغَيّرَ مابها مِنْ حَاجَةٍ ... وَتَوَدّ أَنّي لَا أَؤُوبُ فَجَارِ [رثاء أبى خراش لابن العجوة] قال ابن هشام: حدثنى أبو عُبَيْدَةَ، قَالَ: أُسِرَ زُهَيْرُ بْنُ الْعَجْوَةِ الْهُذَلِيّ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَكُتّفَ، فَرَآهُ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الجيجىّ، فَقَالَ لَهُ: أَأَنْتَ الْمَاشِي لَنَا بِالْمَغَايِظِ؟ فَضَرَبَ عُنُقَهُ؛ فَقَالَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ يَرْثِيهِ، وَكَانَ ابن عمه: عَجّفَ أَضْيَافِي جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ ... بِذِي فَجَرٍ تَأْوِي إلَيْهِ الْأَرَامِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن عوف يعتذر عن فراره

طَوِيلِ نِجَادِ السّيْفِ لَيْسَ بِجَيْدَرٍ ... إذَا اهْتَزّ وَاسْتَرْخَتْ عَلَيْهِ الْحَمَائِلُ تَكَادُ يَدَاهُ تُسْلَمَانِ إزَارَهُ ... مِنْ الْجُودِ لَمّا أَذْلَقَتْهُ الشّمَائِلُ إلَى بَيْتِهِ يَأْوِي الضّرِيكُ إذَا شَتَا ... وَمُسْتَنْبَحٌ بالي الدريسين عَائِلُ تَرَوّحَ مَقْرُورًا وَهَبّتْ عَشِيّةً ... لَهَا حَدَبٌ تَحْتَثّهُ فَيُوَائِلُ فَمَا بَالُ أَهْلِ الدّارِ لَمْ يتصدّعوا ... وقد بان منها اللّودعىّ الحلاحل فأقمم لَوْ لَاقَيْتَهُ غَيْرَ مُوثَقٍ ... لَآبَك بِالنّعْفِ الضّبَاعُ الْجَيَائِلُ وَإِنّك لَوْ وَاجَهْته إذْ لَقِيته ... فَنَازَلْته أَوْ كُنْتَ مِمّنْ يُنَازِلُ لَظَلّ جَمِيلٌ أَفْحَشَ الْقَوْمِ صِرْعَةً ... وَلَكِنّ قِرْنَ الظّهْرِ لِلْمَرْءِ شَاغِلُ فَلَيْسَ كَعَهْدِ الدّارِ يَا أُمّ ثَابِتٍ ... وَلَكِنْ أَحَاطَتْ بِالرّقَابِ السّلَاسِلُ وَعَادَ الْفَتَى كَالشّيْخِ لَيْسَ بِفَاعِلِ ... سِوَى الْحَقّ شَيْئًا وَاسْتَرَاحَ الْعَوَاذِلُ وَأَصْبَحَ إخْوَانُ الصّفَاءِ كَأَنّمَا ... أَهَالَ عَلَيْهِمْ جَانِبَ التّرْبِ هَائِلُ فَلَا تَحْسَبِي أَنّي نَسِيتُ لَيَالِيَا ... بِمَكّةَ إذْ لَمْ نَعْدُ عَمّا نُحَاوِلُ إذْ النّاسُ نَاسٌ وَالْبِلَادُ بِغِرّةٍ ... وَإِذْ نَحْنُ لَا تُثْنِي علينا المداخل [ابن عوف يعتذر عن فراره] قال ابن إسحاق: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ وَهُوَ يَعْتَذِرُ يَوْمَئِذٍ من فراره: منع الرّفاد فَمَا أُغَمّضُ سَاعَةً ... نَعَمٌ بِأَجْزَاعِ الطّرِيقِ مُخَضْرَمُ سَائِلْ هَوَازِنَ هَلْ أَضُرّ عَدُوّهَا ... وَأُعِينُ غَارِمَهَا إذَا مَا يَغْرَمُ وَكَتِيبَةٍ لَبّسْتُهَا بِكَتِيبَةٍ ... فِئَتَيْنِ مِنْهَا حَاسِرٌ وَمُلَأّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هوازنى يذكر إسلام قومه

وَمُقَدّمٍ تَعْيَا النّفُوسُ لِضِيقِهِ ... قَدّمْته وَشُهُودُ قَوْمِي أَعْلَمُ فَوَرَدْته وَتَرَكْتُ إخْوَانًا لَهُ ... يَرِدُونَ غَمْرَتَهُ وَغَمْرَتُهُ الدّمُ فَإِذَا انْجَلَتْ غَمَرَاتُهُ أَوْرَثْنَنِي ... مَجْدَ الْحَيَاةِ وَمَجْدَ غُنْمٍ يُقْسَمُ كَلّفْتُمُونِي ذَنْبَ آلِ مُحَمّدٍ ... وَاَللهُ أَعْلَمُ مَنْ أَعَقّ وَأَظْلَمُ وَخَذَلْتُمُونِي إذْ أُقَاتِلُ وَاحِدًا ... وَخَذَلْتُمُونِي إذْ تُقَاتِلُ خَثْعَمُ وَإِذَا بَنَيْتُ الْمَجْدَ يَهْدِمُ بَعْضُكُمْ ... لَا يَسْتَوِي بَانٍ وَآخَرُ يَهْدِمُ وَأَقَبّ مِخْمَاصِ الشّتَاءِ مُسَارِعٍ ... فِي الْمَجْدِ يَنْمِي لِلْعُلَى مُتَكَرّمُ أَكْرَهْتُ فِيهِ أَلّةً يَزَنِيّةً ... سَحْمَاءَ يَقْدُمُهَا سِنَانٌ سَلْجَمُ وَتَرَكْت حَنّتَهُ تَرُدّ وَلِيّهُ ... وَتَقُولُ لَيْسَ عَلَى فُلَانَةَ مقدم ونصبت نفسى للرّماح مدجّجا ... مثل الدّريئة تستحلّ وتشرم [هوازنى يذكر إسلام قومه] قال ابن إسحاق: وَقَالَ قَائِلٌ فِي هَوَازِنَ أَيْضًا، يَذْكُرُ مَسِيرَهُمْ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ بَعْدَ إسْلَامِهِ: أَذْكُرْ مَسِيرَهُمْ لِلنّاسِ إذْ جَمَعُوا ... وَمَالِكٌ فَوْقَهُ الرّايَاتُ تَخْتَفِقُ وَمَالِكُ مَالِكٌ مَا فَوْقَهُ أَحَدٌ ... يَوْمَ حُنَيْنٍ عَلَيْهِ التّاجُ يَأْتَلِقُ حَتّى لَقُوا الْبَاسَ حِينَ الْبَاسُ يَقْدُمُهُمْ ... عَلَيْهِمْ الْبِيضُ وَالْأَبْدَانُ وَالدّرَقُ فَضَارَبُوا النّاسَ حَتّى لَمْ يَرَوْا أَحَدًا ... حَوْلَ النّبِيّ وَحَتّى جَنّهُ الْغَسَقُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جشمية ترثى أخويها

ثُمّتَ نُزّلَ جِبْرِيلُ بِنَصْرِهِمْ ... مِنْ السّمَاءِ فَمَهْزُومٌ وَمُعْتَنَقُ مِنّا وَلَوْ غَيْرُ جِبْرِيلِ يُقَاتِلُنَا ... لَمَنّعَتْنَا إذَنْ أَسْيَافُنَا الْعُتُقُ وَفَاتَنَا عُمَرُ الْفَارُوقُ إذْ هزموا ... بطعنة بلّ منها سرجه العلق [جشمية ترثى أَخَوَيْهَا] وَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي جُشَمٍ تَرْثِي أَخَوَيْنِ لَهَا أُصِيبَا يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَعَيْنَيّ جُودَا عَلَى مَالِكٍ ... مَعًا وَالْعَلَاءِ وَلَا تَجْمُدَا هُمَا الْقَاتِلَانِ أَبَا عَامِرٍ ... وَقَدْ كَانَ ذَا هَبّةٍ أَرْبَدَا هُمَا تَرَكَاهُ لَدَى مُجْسَدٍ ... يَنُوءُ نَزِيفًا وما وسّدا [أبو ثواب يهجو قريشا] وَقَالَ أَبُو ثَوَابٍ زَيْدُ بْنُ صُحَارٍ، أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ: أَلَا هَلْ أَتَاك أَنْ غَلَبَتْ قُرَيْشٌ ... هَوَازِنَ وَالْخُطُوبُ لَهَا شُرُوطُ وَكُنّا يَا قُرَيْشُ إذَا غَضِبْنَا ... يَجِيءُ مِنْ الْغِضَابِ دَمٌ عَبِيطُ وَكُنّا يَا قُرَيْشُ إذَا غَضِبْنَا ... كَأَنّ أُنُوفَنَا فِيهَا سَعُوطُ فَأَصْبَحْنَا تَسَوّقُنَا قُرَيْشٌ ... سِيَاقَ الْعِيرِ يَحْدُوهَا النّبِيطُ فَلَا أَنَا إنْ سُئِلْتُ الْخَسْفَ آبٍ ... وَلَا أَنَا أَنْ أَلِينَ لَهُمْ نَشِيطُ سَيُنْقَلُ لَحْمُهَا فِي كُلّ فَجّ ... وَتُكْتَبُ فِي مَسَامِعِهَا الْقُطُوطُ وَيُرْوَى «الْخُطُوطُ» ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعْدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن وهب يرد على ابن أبى ثواب

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَبُو ثَوَابٍ زِيَادُ بن ثواب. وأنشدنى خلف الأحمر قوله: «يجىء من الغضاب دم عبيط» وآخرها بيتا عن غير ابن إسحاق. [ابن وهب يرد عَلَى ابْنِ أَبِي ثَوَابٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي أُسَيّدٍ، فَقَالَ: بِشَرْطِ اللهِ نَضْرِبُ مَنْ لَقِينَا ... كَأَفْضَلِ مَا رَأَيْتَ مِنْ الشّرُوطِ وَكُنّا يَا هَوَازِنُ حِينَ نَلْقَى ... نَبُلّ الْهَامَ مِنْ عَلَقٍ عَبِيطِ بِجَمْعِكُمْ وَجَمْعِ بَنِي قَسِيّ ... نَحُكّ الْبَرْكَ كَالْوَرَقِ الْخَبِيطِ أَصَبْنَا مِنْ سَرَاتِكُمْ وَمِلْنَا ... بِقَتْلٍ فِي الْمُبَايِنِ وَالْخَلِيطِ بِهِ الْمُلْتَاثُ مُفْتَرِشٌ يَدَيْهِ ... يَمُجّ الْمَوْتَ كَالْبَكْرِ النّحِيطِ فَإِنْ تَكُ قَيْسُ عَيْلَانٍ غِضَابًا ... فَلَا يَنْفَكّ يُرْغِمُهُمْ سَعُوطِي [شِعْرُ خَدِيجٍ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ] وَقَالَ خَدِيجُ بْنُ الْعَوْجَاءِ النّصْرِيّ: لَمّا دَنَوْنَا مِنْ حُنَيْنٍ وَمَائِهِ ... رَأَيْنَا سَوَادًا مُنْكَرَ اللّوْنِ أَخْصَفَا بِمَلْمُومَةٍ شَهْبَاءَ لَوْ قَذَفُوا بِهَا ... شَمَارِيخَ مِنْ عُزْوَى إذَنْ عَادَ صَفْصَفَا وَلَوْ أَنّ قَوْمِي طَاوَعَتْنِي سَرَاتُهُمْ ... إذَنْ مَا لَقِينَا الْعَارِضَ الْمُتَكَشّفَا إذَنْ مَا لَقِينَا جُنْدَ آلِ مُحَمّدٍ ... ثَمَانِينَ أَلْفًا واستمدّوا بخندفا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذِكْرُ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَحُنَيْنٌ الّذِي عُرِفَ بَهْ الْمَوْضِعُ هُوَ: حُنَيْنُ بْنُ قَانِيَةَ بْنِ مَهْلَايِلَ «1» كَذَا قَالَ الْبَكْرِيّ، وَقَدْ قَدّمْنَا أَنّهُ قَالَ فِي خَيْبَرَ مِثْلَ هَذَا أَنّهُ ابْنُ قَانِيَةَ، فَاَللهُ أَعْلَمُ. مِنْ الْبَلَاغَةِ النّبَوِيّةِ: وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا غَزْوَةُ أَوْطَاسٍ سُمّيَتْ بِالْمَوْضِعِ الّذِي كَانَتْ فِيهِ الْوَقْعَةُ وَهُوَ مِنْ وَطَسْت الشّيْءَ وَطْسًا إذَا كَدّرْته، وَأَثّرْت فِيهِ. وَالْوَطِيسُ: نَقْرَةٌ فِي حُجَرٍ تُوقَدُ حَوْلَهُ النّارُ، فَيُطْبَخُ بِهِ اللّحْمُ، وَالْوَطِيسُ التّنّورُ، وَفِي غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ «2» ، وَذَلِكَ حِينَ اسْتَعَرْت الْحَرْبُ، وَهِيَ مِنْ الْكَلِمِ الّتِي لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمِنْهَا هَذِهِ، وَمِنْهَا: مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، قَالَهَا فِي فَضْلِ مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللهِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ عَنْهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ، قَالَ: ابْنُ عَتِيكٍ: وَمَا سَمِعْت هَذِهِ الْكَلِمَةَ يَعْنِي: حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ أَحَدِ الْعَرَبِ قَبْلَهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْهَا لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ «3» قَالَهَا لِأَبِي عَزّةَ الْجُمَحِيّ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدْ مَضَى حديثه.

_ (1) فى البكرى: قاينة بن مهلائيل. (2) قيل عن الوطيس- غير التنور- إنه الضراب في الحرب. والوطء الذى يطس الناس أى يدقهم، وقال الأصمعى: هو حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطؤها. وقد عبر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق. (3) متفق عليه ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجة عن أبى هريرة «السيوطى» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمِنْهَا: لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ، وَسَيَأْتِي سَبَبُهُمَا. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: يَا خَيْلَ اللهِ ارْكَبِي، قَالَهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ خَرّجَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ عَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ: لَمْ يَبْلُغْنَا مِنْ رَوَائِعِ الْكَلَامِ مَا بَلَغَنَا عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» ، وَغَلِطَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَنُسِبَ إلَى التّصْحِيفِ، وَإِنّمَا قَالَ الْقَائِلُ: مَا بَلَغَنَا عَنْ الْبَتّيّ، يُرِيدُ عُثْمَانَ الْبَتّيّ «2» فَصَحّفَهُ الجاحظ، قالوا: وَالنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجَلّ مِنْ أَنْ يُخْلَطَ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْفُصَحَاءِ، حَتّى يُقَالَ: مَا بَلَغَنَا عَنْهُ مِنْ الْفَصَاحَةِ أَكْثَرُ مِنْ الّذِي بَلَغَنَا عَنْ غَيْرِهِ، كَلَامُهُ أَجَلّ مِنْ ذَلِك، وَأَعْلَى، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ. ابْنُ الصّمّةِ وَالْخَنْسَاءُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ دُرَيْدَ بْنَ الصّمّةِ الْجُشَمِيّ أَحَدَ بَنِي جُشَمِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، وَفِيهِ تَقُولُ الْخَنْسَاءُ حِينَ خَطَبَهَا: مَا كُنْت تَارِكَةً بَنِي عَمّي، كَأَنّهُمْ صُدُورُ الرّمَاحِ ومرتتة شَيْخًا مِنْ بَنِي جُشَمٍ «3» ، وَهُوَ دريّد بن الصّمّة بن بكر

_ (1) فى البيان: ما جاءنا عن أحد من روائع الكلام ما جاءنا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ص 18 ح 2 البيان والنبيين ط 1948. (2) نسبة إلى بت موضع بنواحى البصرة. رأى عثمان أنسا وروى عن الحسن البصرى. (3) العبارة فى الأغانى فى ترجمة دريد بن الصمة «يا أبت أترانى تاركة بنى عمى مثل عوالى الرماح، وناكحة شيخ بنى جشم هامة اليوم أو غد» وفى الإصابة: «أدع بنى عمى الطوال مثل عوالى الرماح، وأتزوج شيخا» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عَلْقَمَةَ بْنِ خُزَاعَةَ بْنِ غَزِيّةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، يُكَنّى أَبَا قُرّةَ، وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ زِيَادٍ يُقَالُ: كَانَ يَوْمَئِذٍ ابْنَ سِتّينَ وَمِائَةٍ، وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللّيْثِ عَنْ اللّيْثِ قَالَ: كَانَ دُرَيْدٌ يَوْمَئِذٍ ابْنَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. وَقَوْلُهُ: فِي شِجَارٍ لَهُ، الشّجَارُ: مِثْلُ الْهَوْدَجِ، وَفِي الْعَيْنِ: الشّجَارُ خَشَبُ الْهَوْدَجِ. وقوله: فأنقض بِهِ، أَيْ: صَوّتَ، بِلِسَانِهِ فِي فَمِهِ مِنْ النّقِيضِ، وَهُوَ الصّوْتُ، وَقِيلَ: الْإِنْقَاضُ بِالْإِصْبَعِ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامِ، كَأَنّهُ يَدْفَعُ بِهِمَا شَيْئًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْبَرْقِيّ. وَقَوْلُهُ: رَاعِي ضَأْنٍ، يُجَهّلُهُ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ الشّاعِرُ: أَصْبَحْت هُزُءَ الرّاعِي الضّأْنِ أُعْجِبُهُ ... مَاذَا يَرِيبُك مِنّي رَاعِيَ الضّانِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِرَجُلٍ: قُمْ فَمَا نَفَعَك صِدَاغٌ وَلَا رَاعِي ضَأْنٍ. وَالدّرَيْدُ فِي اللّغَةِ: تَصْغِيرُ أَدْرَدَ، وَهُوَ تَصْغِيرُ التّرْخِيمِ، وَالصّمّةُ: الشّجَاعُ، وَجَمْعُهُ: صِمَمٌ. مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ حَدْرَدٍ: وَذَكَرَ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ النّصْرِيّ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ يَرْبُوعَ بْنِ وَاثِلَةَ بْنِ دُهْمَانَ بْنِ نَصْرِ ابن مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ النّصْرِي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ بَعْثَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي حَدْرَدٍ عَيْنًا إلَى هَوَازِنَ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَسَلَامَةُ هُوَ أَبُو حَدْرَدٍ، وَهُوَ مِنْ بَنِي هَوَازِنَ بْنِ أَسْلَمَ بْن أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ، وَهُمْ إخْوَةُ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، أَعْنِي بَنِي أَسْلَمَ بْنِ أَفْصَى، مَاتَ عَبْدُ اللهِ سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ، وَهُوَ الْعَامُ الّذِي قُتِلَ فِيهِ مُصْعَبُ بْنُ الزّبَيْرِ. شَهِدَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ مَعَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحُدَيْبِيَةَ، وَمَا بَعْدَهَا، وَفَاتَهُ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ. حَوْلَ قَصِيدَةِ عَبّاسٍ النّونِيّةِ: وَذَكَرَ شِعْرَ عَبّاسٍ وَفِيهِ: أَصَابَتْ الْعَامَ رِعْلًا وَهِيَ قَبِيلَةٌ مِنْ سُلَيْمٍ، وَفِي الْحَدِيثِ: قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرَيْنِ يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعَصِيّةَ، وَهُمْ الّذِينَ غَدَرُوا بِأَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ. وَقَوْلُهُ: خَيْلُ ابْنِ هَوْذَةَ لَا تُنْهَى وَإِنْسَانُ إنْسَانُ: قَبِيلَةٌ مِنْ قَيْسٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي نَصْرٍ، قَالَهُ الْبَرْقِيّ، وَقِيلَ: هُمْ مِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ بَكْرٍ، وَمِنْ بَنِي إنْسَانَ: شيطان بن مدلج صاحب حميدة «1» وهى

_ (1) فى الأمثال للميدانى: حميرة. وقد قال شيطان يذكر شؤمها. جاءت بما يزبى الدهيم لأهلها ... حميرة أو عرى؟؟؟ حميرة أشأم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَرَسٌ لَهُ تَضْرِبُ بِهَا الْعَرَبُ الْمَثَلَ فِي الشّؤْمِ، فَيُقَالُ أَشْأَمُ مِنْ حَمِيدَةَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ خَبَرٌ يَطُولُ، ذَكَرَهُ الْأَصْبَهَانِيّ فِي الْأَمْثَالِ. سَعْدٌ وَدَهْمَانُ: وَسَعْدٌ وَدَهْمَانُ ابْنَا نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ، كَذَا وَجَدْته فِي بَعْضِ الْمُعَلّقَاتِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي قَيْسٍ: دُهْمَانَ بْنُ أَشْجَعَ بْنِ ريث بن غطفان والد نصر ابن دُهْمَانَ الّذِي عَاشَ مِائَةً وَتِسْعِينَ سَنَةً، حَتّى تقوّم ظَهْرُهُ بَعْدَ انْحِنَاءٍ، وَاسْوَدّ شَعْرُهُ بَعْدَ ابْيِضَاضٍ، فَكَانَ أُعْجُوبَةً فِي الْعَالَمِ، وَقَالَ الشّاعِرُ: لِنَصْرِ بْنِ دُهْمَانَ الْهُنَيْدَةُ عَاشَهَا ... وَتِسْعِينَ حَوْلًا ثُمّ قُوّمَ فَانْصَاتَا وَعَادَ سَوَادُ الرّأْسِ بَعْدَ ابْيِضَاضِهِ ... وَلَكِنّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ قَدْ مَاتَا «1» وَمِمّنْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ أَبُو الْحَسَنِ الدّارَقُطْنِيّ رَحِمَهُ اللهُ. وَحُنَيْنٌ: اسْمُ جَبَلٍ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ: أَنْجَدَ مَنْ رَأَى حُنَيْنًا. وَقَوْلُهُ: مِمّا يَشْتَوِي حَذَفٌ. الْحَذَفُ: غَنَمٌ سُودٌ صِغَارٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ، وَفِي الْحَدِيثِ سَوّوا صُفُوفَكُمْ، لَا تَخَلّلَكُمْ الشّيَاطِينُ كَأَنّهَا بنات حذف «2»

_ (1) سبق هذا الشعر، والهنيدة: المائة. (2) رواية أحمد: «سووا صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم، ولينوا فى أيدى إخوانكم، وسدوا الخلل، فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الحذف» وقال المنذرى فى الترغيب والترهيب فى باب «الحث على تسوية الصفوف» رواه أحمد بإسناد لا بأس به والطبرانى، وأخرج نحوه أبو داود والنسائى من حديث ابن عمر، وأخرجا نحوه أيضا من حديث أنس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يَعْنِي فِي الصّفّ فِي الصّلَاةِ، هَكَذَا قَالَ الْبَرْقِيّ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْبَيْتِ، وَاَلّذِي أَرَادَ الشّاعِرُ: إنّمَا هُوَ رَجُلٌ، فَلَعَلّهُ كَانَ يُسَمّى بحذف، ولحذف هِيَ الْغَنَمُ السّودُ الّتِي ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ: كُلّ شِوَاءِ الْعِيرِ جُوفَانُ «1» يُقَالُ: إنّهُ شُوِيَ لَهُ غُرْمُولُ حِمَارٍ، فَأَكَلَهُ فِي الشّوَاءِ فَوَجَدَهُ أَجْوَفَ، وَقِيلَ لَهُ: إنّهُ الْقُنْبُ، أَيْ: وِعَاءُ الْقَضِيبِ، فَقَالَ: كُلّ شِوَاءِ الْعِيرِ جُوفَانُ، فَضُرِبَ هَذَا الْكَلَامُ مَثَلًا، وَقِيلَ: كَانَ فَزَارِيّ وَتَغْلِبِيّ وَكَلْبِيّ اجتمعوا فى سفر، وَقَدْ اشْتَوَوْا حِمَارَ وَحْشٍ، فَغَابَ الْفَزَارِيّ فِي بعض حاجاته، فأكل صاحباه العير واختباله غرمولاه، فَلَمّا جَاءَ قَالَا لَهُ: هَذَا خَبْؤُنَا لَك، فَجَعَلَ يَأْكُلُ، وَلَا يُسِيغُهُ، فَضَحِكَا مِنْهُ، فَاخْتَرَطَ سيفه، وقال: لا قتلتكما إنْ لَمْ تَأْكُلَاهُ، فَأَبَى أَحَدُهُمَا فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ، فَأَبَانَ رَأْسَهُ، وَكَانَ اسْمُهُ: مِرْقَمَهْ، فَقَالَ صَاحِبُهُ طَاحَ مِرْقَمَهْ، فَقَالَ الْفَزَارِيّ، وَأَنْتَ إنْ لَمْ تَلْقُمْهُ أَرَادَ: تَلْقُمَهَا، فَطَرَحَ حَرَكَةَ الْهَاءِ عَلَى الْمِيمِ، وَحَذَفَ الْأَلِفَ كَمَا قَدْ قِيلَ فِي الْحِيرَةِ أَيّ رِجَالٍ بِهِ أَيْ بِهَا، وَقَدْ عُيّرَتْ فَزَارَةُ بِهَذَا الْخَبَرِ حَتّى قَالَ سَالِمُ بْنُ دَارَةَ: لَا تَأْمَنَن فَزَارِيّا خَلَوْت بِهِ ... عَلَى قُلُوصِك، وَاكْتُبْهَا بِأَسْيَارِ لَا تَأْمَنَنهُ وَلَا تَأْمَنْ بَوَائِقَهُ ... بَعْدَ الّذِي امْتَلّ أَيْرَ الْعَيْرِ فى النار

_ (1) يضرب فى تساوى الشىء فى الشرارة، والمثل فى مجمع الأمثال للميدانى ولكن ليس فيه القتل الذى سيذكر، وفيه الرجال: عبسى وفزارى وغطفانى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَطْعَمْتُمْ الضّيْفَ غُرْمُولًا مُخَاتَلَةً ... فَلَا سَقَاكُمْ إلَهِي الْخَالِقُ الْبَارِي مِنْ كِتَابِ الْأَمْثَالِ لِلْأَصْبَهَانِيّ. فَهَذَا الْفَزَارِيّ هُوَ حَذَفٌ الْمَذْكُورُ فِي الْبَيْتِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: وَالْأَجْرَبَانِ بَنُو عَبْسٍ وَذُبْيَانُ سَمّاهُمَا بِالْأَجْرَبَيْنِ تَشْبِيهًا بِالْأَجْرَبِ الّذِي لَا يُقْرَبُ، وَقَالَ مَجْذُومٌ مِنْ الْعَرَبِ: بِأَيّ فَعَالٍ رَبّ أُوتِيت مَا أَرَى ... أَظَلّ كَأَنّي كُلّمَا قُمْت أَجْرَبُ أَيْ: يُفَرّ مِنّي، وَفِي الْخَبَرِ أَنّ عُمَرَ لَمّا نُهِيَ النّاسُ عن مجالسة صبيغ بْنِ عَسَلٍ كَانَ كُلّمَا حَلّ مَوْضِعًا تَفَرّقَ النّاسُ عنه كأنه بعير أجرب «1» ، ومن

_ (1) فى القاموس: عسيل بالتصغير، وفى غيره: عسل. وقصة صبيغ مع عمر أنه سأله عن الذاريات، ثم عن المقسمات، ثم عن الجاريات، فأجابه عمر، ثم أمر بضربه، فضرب مائة، وجعل فى بيت، فلما برأ دعا به فضربه مائة أخرى، وحمله على قتب، وكتب إلى أبى موسى: امنع الناس من مجالسته، فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى. فحلف بالأيمان المغلظة ما يجد فى نفسه مما كان يجد شيئا، فكتب فى ذلك إلى عمر، رضى الله عنه، فكتب عمر: ما إخاله إلا قد صدق، فخل بينه وبين مجالسة الناس. ويقول البزار عن أبى بكر بن أبى سيرة راوى الحديث: إنه لين، وعن سعيد بن سلام راوى الحديث عن أبى أسيرة: ليس من أصحاب الحديث: ويقول ابن كثير: الحديث ضعيف رفعه. وأقرب فيه أنه موقوف على عمر رضى الله عنه، فإن قصة صبيغ بن عسل مشهورة مع عمر، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَوَاهُ الْأَجْرَبَانُ بِضَمّ النّونِ، فَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلّ اثْنَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ كَالْجَلَمَيْنِ، يُقَالُ فِيهِمَا. الْجَلَمَانُ «1» بِضَمّ النّونِ، وَكَذَلِكَ الْقَمَرَانِ، وَرُوِيَ أَنّ فَاطِمَةَ- رضى الله عنها- نادت الميها فِي لَيْلَةِ ظُلْمَةٍ: يَا حَسَنَانُ يَا حُسَيْنَانُ بِضَمّ النّونِ، قَالَهُ الْهَرَوِيّ فِي الْغَرِيبَيْنِ. أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبْ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْنَ أَيّهَا النّاسُ؟! أَنَا مُحَمّدٌ، أَنَا رَسُولُ اللهِ، وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ: أَنَا النّبِيّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِب «2» وَهُوَ كَلَامٌ مَوْزُونٌ، وَقَدْ تَقَدّمَ الْكَلَامُ فِي مِثْلِ هَذَا، وَأَنّهُ لَيْسَ بِشِعْرٍ حَتّى يُقْصَدَ بِهِ الشّعْرُ. وَلِلْخَطّابِيّ فِي كِتَابِ الْأَعْلَامِ تَنْبِيهٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبْ، قَالَ: إنّمَا خَصّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ بِالذّكْرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَقَدْ انْهَزَمَ النّاسُ تَشْبِيهًا لِنُبُوّتِهِ، وَإِزَالَةً لِلشّكّ لِمَا اشْتَهَرَ، وَعُرِفَ مِنْ رُؤْيَا عَبْدِ الْمُطّلِبِ الْمُبَشّرَةِ بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهَا، وَلِمَا أَنْبَأَتْ بِهِ الْأَحْبَارُ وَالرّهْبَانُ، فَكَأَنّهُ يَقُولُ: أَنَا ذاك، فلابد مما وعدت به لئلا ينهزموا عنه،

_ - وإنما ضربه لأنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنتا وعنادا. وأقول: وشيئا آخر قد يكون ارتيابا، أو محاولة لتشكيك. وقد روى الحافظ ابن عساكر قصة صبيغ مطولة. (1) المقراضان، واحدهما: جلم، والجلم: اسم يقع على الجلمين. (2) فى رواية البخارى ومسلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيَظُنّوا أَنّهُ مَقْتُولٌ وَمَغْلُوبٌ، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَأَرَادَ ذَلِكَ رَسُولُهُ أَمْ لَا. شَيْبَةُ وَمُحَاوَلَةُ قَتْلِ الرّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَذَكَرَ قِصّةَ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ حِينَ أَرَادَ قَتْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فَجَاءَ شَيْءٌ حَتّى تَغَشّى فُؤَادِي، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ، قَالَ شَيْبَةُ: الْيَوْمَ آخُذُ بِثَأْرِي، فَجِئْت النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَلْفِهِ، فَلَمّا هَمَمْت بِهِ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَنْدَقٌ مِنْ نَارٍ وَسُوَرٌ مِنْ حَدِيدٍ، قَالَ: فَالْتَفَتَ إلَيّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَبَسّمَ، وَعَرَفَ الّذِي أَرَدْت، فَمَسَحَ صَدْرِي، وَذَهَبَ عَنّي الشّكّ، أَوْ كَمَا قَالَ، ذَهَبَ عَنّي بَعْضُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ «1» . أُمّ سُلَيْمٍ وَالْفِرَارُ يَوْمَ حُنَيْنٍ: وَذَكَرَ أُمّ سُلَيْمٍ وَهِيَ مُلَيْكَةُ بِنْتُ مِلْحَانَ، وَقَالَ فِي اسْمِهَا رُمَيْلَةَ، وَيُقَالُ: سُهَيْلَةُ، وَتُعْرَفُ بِالْغُمَيْصَاءِ ولرّميصاء لِرَمَصٍ كَانَ فِي عَيْنَيْهَا، وَأَبُو طَلْحَةَ بَعْلُهَا هُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ وهو القائل:

_ (1) فى رواية البيهقى قال شيبة: فذهبت لأجيئه عن يمينه فإذا بالعباس ابن عبد المطلب قائم عليه درع بيضاء كأنها فضة ينكشف عنها العجاج، فقلت: عمه ولن يخذله، قال: ثم جئته عن يساره فإذا أنا بأبى سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب، فقلت: ابن عمه ولن يخذله، قال: ثم جئته من خلفه، فلم يبق إلا أن أساوره سورة بالسيف إذ رفع شواظ من نار بينى وبينه كأنه برق فخفت أن يمحشنى، فوضعت يدى على بصرى، ومشيت القهقرى فالتفت رسول الله-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنَا أَبُو طَلْحَةَ، وَاسْمِي: زَيْدٌ ... وَكُلّ يَوْمٍ فِي سِلَاحِي صَيْدٌ وَقَوْلُ أُمّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ اُقْتُلْ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يَنْهَزِمُونَ عَنْك. إنْ قِيلَ: كَيْفَ فَرّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ حَتّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْهُمْ إلّا ثَمَانِيَةٌ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزّحْفِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ مَا أَنْزَلَ. قُلْنَا: لَمْ يُجْمِعْ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ إلّا فِي يَوْمِ بَدْرٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ وَنَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلّ عَلَى هَذَا، فَإِنّهُ قَالَ: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ فَيَوْمَئِذٍ إشَارَةٌ إلَى يَوْمِ بَدْرٍ، ثُمّ نَزَلَ التّحْقِيقُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فِي الْفَارّينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَذَلِكَ أَنْزَلَ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ إلَى قَوْلِهِ: غَفُورٌ رَحِيمٌ وفى تفسير ابن سلام: كان الْفِرَارُ مِنْ الزّحْفِ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَكَذَلِك يَكُونُ مِنْ الْكَبَائِرِ فِي مَلْحَمَةِ الرّومِ الْكُبْرَى «1» ، وَعِنْدَ الدّجّالِ، وَأَيْضًا فَإِنّ الْمُنْهَزِمِينَ عَنْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ رَجَعُوا لِحِينِهِمْ، وَقَاتَلُوا مَعَهُ حَتّى فتح الله عليهم.

_ - صلى الله عليه وسلم وقال: يا شيب ادن منى، اللهم أذهب عنه الشيطان، قال: قرفعت إليه بصرى ولهو أحب إلى من سمعى وبصرى، فقال: يا شيب قاتل الكفار. (1) عن أبى هريرة قال: قال رسول الله «ص» : لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا تقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلى بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَوْلَ رَجَزٍ مَالِكٍ: وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي رَجَزِهِ: قد أطعن الطّعنة تقذى بالسّبر

_ - فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، وبفتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتحون قسطنطينية، فبيناهم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم فى أهليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاموا الشام خرج، فبيناهم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح فى الماء، فلو تركه لا نذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه فى حربته» مسلم. وفى مسلم نفسه ولكن عن عبد الله بن مسعود أن ملحمة الروم تكون بين أهل الشام وبين الروم، وأن المعركة تستمر أربعة أيام، وأن صريخ الدجال يجيئهم، فيترك المسلمون ما بأيديهم. وفى مسلم نفسه أن صريخ الدجال يظهر حين يغز وسبعون ألفا من بني إسحاق مدينة جانب منها فى البر، وجانب منها فى البحر وأن هؤلاء السبعين ألفا تقاتلونها بغير سلاح!! وعند أبى داود عن معاذ: «عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح قسطنطينية، وفتح قسطنطينية خروج الدجال» . وفى رواية لأبى داود والترمذى «الملحمة العظمى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال فى سبعة أشهر» . وفى رواية لأبى داود أن المسلمين سيصالحون الروم، وأن الروم والمسلمين يغزون معاعدوا، وأن نصرانيا سيصيح: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السّبُرُ: جَمْعُ سَابِرٍ، وَهُوَ الْفَتِيلُ الّذِي يُسْبَرُ به الجرح أى: يخبر. وَقَوْلُهُ فِي الرّجَزِ الْآخَرِ: أَقْدِمْ مُحَاجُ إنّهَا الْأَسَاوِرَهْ وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ: هُمَا لِغَيْرِ مَالِكٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ، يَعْنِي يَوْمَ الْقَادِسِيّةِ، وَكَانَتْ الدّوْلَةُ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْفُرْسِ، وَالْأَسَاوِرَةُ: مُلُوكُ الْفُرْسِ، وَقُتِلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رُسْتُمُ مَلِكُهُمْ دُونَ الْمَلِكِ الْأَكْبَرِ، وَكَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ: بِمَ سُمّيَتْ الْقَادِسِيّةُ. وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ فِي سَلَبِ الْقَتِيلِ، قَالَ: فَاشْتَرَيْت بِثَمَنِهِ مَخْرَفًا فَإِنّهُ لَأَوّلُ مَالٍ اعْتَقَدْته، يُقَالُ: اعْتَقَدْت مَالِي، أَيْ: اتّخَذْت مِنْهُ عُقْدَةً، كَمَا تَقُولُ: نُبْذَةٌ، أَوْ قِطْعَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مِنْ الْعَقْدِ، وَأَنّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا عَقَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْشَدَ أبو على [الفالى] : وَلَمّا رَأَيْت الدّهْرَ أَنْحَتْ صُرُوفُهُ ... عَلَيّ وَأَوْدَتْ بالذّخائر والعقد

_ - ويكسر الصليب. فتغدر لروم، وتجمع للملحمة. ويستشهد الذين يحملون السلام من المسلمين. هكذا الروايات، وفيها اضطراب واضح كما ترى. ويحدثنا التاريخ أن معاوية حاول فتح القسطنطينية فى سنة 35 هـ 655 م وأنه هزم بأسطوله العربى قسطنطين هزيمة ماحقة، لكنه لم يدخل المدينة التى كانت عاصمة الدولة البيزنطية، ولم تفتح القسطنطينية إلا فى عهد محمد الثانى العثمانى وذلك فى أواخر 856 هـ- 1451 م أى فى القرن التاسع الهجرى فلنعتصم بهدى القرآن حين تضطرب بنا الشعاب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَذَفْت فُضُولَ الْعَيْشِ حَتّى رَدَدْتهَا ... إلَى الْقُوتِ خَوْفًا أَنْ أُجَاءَ إلَى أَحَدْ «1» وَيُرْوَى: تَأَثّلْته، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُوَطّأِ، وَيُقَالُ: مَخْرَفٌ بِفَتْحِ الرّاءِ وَكَسْرِهَا، وَأَمّا كَسْرُ الْمِيمِ فَإِنّمَا هُوَ لِلْمِخْرَفِ، وَهِيَ الْآلَةُ الّتِي تُخْتَرَفُ بِهَا التّمْرَةُ أَيْ تُجْتَنَى «2» بِفَتْحِ الْمِيمِ مَعْنَاهُ الْبُسْتَانُ مِنْ النّخْلِ، هَكَذَا فَسّرُوهُ، وَفَسّرَهُ الْحَرْبِيّ، وَأَجَادَ فِي تَفْسِيرِهِ، فَقَالَ: الْمَخْرَفُ: نَخْلَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ نَخَلَاتٌ يَسِيرَةٌ إلَى عَشْرٍ، فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، فَهُوَ بُسْتَانٌ أَوْ حَدِيقَةٌ، وَيُقَوّي مَا قَالَهُ الْحَرْبِيّ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، قَالَ: الْمَخْرَفُ: مِثْلُ الْخَرُوفَةِ، وَالْخَرُوفَةُ: هِيَ النّخْلَةُ يَخْتَرِفُهَا الرّجُلُ لِنَفْسِهِ وَلِعِيَالِهِ، وَأَنْشَدَ: مِثْلُ الْمَخَارِفِ مِنْ خَيْلَانَ أَوْ هَجَرَا؟؟؟ قال: ويقال للخروفة: خَرِيفَةٌ أَيْضًا. السّلَبُ لِلْقَاتِلِ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ من الفقه أن السّلب للقاتل حكما شرعيّا جعل ذلك الإمام له، أو لم يَجْعَلُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ «3» ، وَقَالَ مَالِكٌ: إنّمَا ذلك إلى

_ (1) بعدهما: وقلت لنفسى: أبشرى وتوكلى ... على قاسم الأرزاق والواحد الصمد فإن لا تكن عندى دراهم جمة ... فعندى بحمد الله ما شئت من جلد ص 127 ج 2 الأمالى للقالى. وقد قال: أنشدنا أبو بكر، قال: أنشدنا عبد الأول: قال: أنشدنى حماد، قال: أنشدنى أبى لنفسه. (2) فى القاموس: زنبيل صغير يخترف فيه أطايب الرطب. (3) وهى إحدى الروايتين عن أحمد. ويرى أبو حنيفة أيضا أنه لا يستحق إلا بشرط الإمام بعد القتال، فلو نص قبله لم يجز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْإِمَامِ لَهُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ مَعْمَعَةِ الْحَرْبِ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ «1» ، وَيَكْرَهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِتَالِ لِئَلّا يُخَالِطَ النّيّةَ غَرَضٌ آخَرُ غَيْرُ احْتِسَابِ نَفْسِهِ لِلّهِ تَعَالَى، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. نُزُولُ الْمَلَائِكَةِ: وَقَوْلُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ الْبِجَادِ، يَعْنِي الْكِسَاءَ مِنْ النّمْلِ مَبْثُوثًا، يَعْنِي رَآهُ يَنْزِلُ مِنْ السّمَاءِ. قَالَ: لَمْ أَشُكّ أَنّهَا الْمَلَائِكَةُ، وَقَدْ قَدّمَ ابْنُ إسْحَاقَ قَوْلَ الْآخَرِ: رَأَيْت رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ، وَكَانَتْ الْمَلَائِكَةُ فَأَرَاهُمْ اللهُ لِذَلِكَ الْهَوْاَزنِيّ عَلَى صُوَرِ الْخَيْلِ وَالرّجَالِ تَرْهِيبًا لِلْعَدُوّ، وَرَآهُمْ جُبَيْرٌ عَلَى صُورَةِ النّمْلِ الْمَبْثُوثِ إشْعَارًا بِكَثْرَةِ عَدَدِهَا، إذْ النّمْلُ لَا يُسْتَطَاعُ عَدّهَا مَعَ أَنّ النّمْلَةَ يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ فِي الْقُوّةِ، فَيُقَالُ: أَقْوَى مِنْ النّمْلَةِ، لِأَنّهَا تَحْمِلُ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ جِرْمِهَا بِأَضْعَافٍ، وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ لِبَعْضِ الْمُلُوكِ: جَعَلَ اللهُ قُوّتَك قُوّةَ النّمْلَةِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ مَا يَحْمِلُ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ إلّا النّمْلَةُ «2» ، وَهَذَا الْمَثَلُ قَدْ ذكره الأصبهانى فى كتاب الأمثال مَقْرُونًا بِهَذَا الْخَبَرِ، وَقَدْ أُهْلِكَ بِالنّمْلِ أُمّةٌ من الأمم، وهم جرهم.

_ (1) حديث: من قتل قتيلا فله سلبه حديث منفق عليه من حديث أبى قتادة. وقد قال مالك: لم يبلغنى أن النبى «ص» قال ذلك إلا يوم حنين، وإنما نفل النبى «ص» بعد أن برد القتال. وللامام ابن القيم تفصيل فى منشأ النزاع فى هذا الأمر وغيره فانظره ص 457 ج 2 زاد المعاد. (2) النملة بضم النون: النميمة. وكنية النمل: أبو مشغول، والنملة: أم نوبة وأم مازن. وسميت النملة نملة لتنملها، وهو كثرة حركتها وقلة قوائمها. يقول-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَوْلَ قَصِيدَةِ ابْنِ مِرْدَاسٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ عَبّاسٍ: وَسَوْفَ إخَالُ يَأْتِيك «1» الْخَبِيرُ الْفِعْلُ الْمُسْتَقْبَلُ هُوَ: يَأْتِيك، وَإِنْ كَانَ حَرْفُ سَوْفَ دَاخِلًا عَلَى إخَالُ فِي اللّفْظِ، فَإِنّ مَا يَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ إنّمَا هُوَ الْفِعْلُ الثّانِي كَمَا قَالَ: وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إخَالُ أَدْرِي «2» وَذَلِكَ أَنّ إخَالُ فِي مَعْنَى: أَظُنّ، وَلَيْسَ يُرِيدُ أَنّهُ يَظُنّ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، وَإِنّمَا يُرِيدُ أَنْ يَخَالَ الْآنَ أَنْ سَيَكُونُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: فإن يهدوا إلى الإسلام يلقوا ... أُنُوفَ النّاسِ مَا سَمَرُ السّمِيرُ أُنُوفَ النّاسِ انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ، لِأَنّهُ نَكِرَةٌ لَمْ يَتَعَرّفْ بِالْإِضَافَةِ، لِأَنّهُ لَمْ يَرِدْ الْأُنُوفُ بِأَعْيَانِهَا، وَلَكِنّ أشرافا، وهذا كقوله: بمنجرد قيد الأوابد «3»

_ - الدميرى: «وليس فى الحيوان ما يحمل ضعف بدنه مرارا غيره، على أنه لا يرضى بأضعاف الأضعاف حتى إنه يتكلف لحمل نوى التمر» حياة الحيوان. (1) فى السيرة: يأتيه. (2) بقية البيت: أقوم آل حصن أم نساء، وبعده: فمن فى كفه منهم خضاب ... كمن فى كفه منهم قباء (3) من معلقة امرئ القيس فى وصف فرسه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِأَنّهُ جَعَلَهُ كَالْقَيْدِ، وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي: نَصْبِ غَمَائِمَ الْأَبْصَارِ، عَلَى الْحَالِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ مَا مَنَعَهُ سِيبَوَيْهِ حِينَ قال معترضا على الخيل: لَوْ قُلْت مَرَرْت بِقَصِيرٍ الطّوِيلَ، تُرِيدُ: مِثْلَ الطّوِيلِ، لَمْ يَجُزْ، وَاَلّذِي أَرَادَهُ الْخَلِيلُ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ اسْتِعَارَةِ الْكَلِمَةِ عَلَى جِهَةِ التّشْبِيهِ، نَحْوَ قَيْدِ الْأَوَابِدِ، وَأُنُوفِ النّاسِ تُرِيدُ: أَشْرَافَهُمْ، فَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ وَصْفًا لِلنّكِرَةِ وَحَالًا مِنْ الْمَعْرِفَةِ، وَقَدْ أَلْحَقَ بِهَذَا الْبَابِ: لَهُ صَوْتٌ صَوْتُ الْحِمَارِ، عَلَى الصّفة، وضعّفه سيبويه فى الحال، قال: وَهُوَ فِي الصّفّةِ أَقْبَحُ، وَإِنّمَا أَلْحَقَهُ الْخَلِيلُ بِمَا تَنَكّرَ، وَهُوَ مُضَافٌ إلَى مُعْرِفَةٍ مِنْ أَجْلِ تُكَرّرْ اللّفْظِ فِيهِ، فَحَسُنَ لِذَلِك. وَقَوْلُهُ: وَأُسْلِمَتْ النّصُورُ. ذَكَرَ الْبَرْقِيّ أَنّ النّصُورَ هَاهُنَا جَمْعُ: نَاصِرٍ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي كَذَلِك. فَإِنّ فَاعِلًا قَلّ مَا يُجْمَعُ عَلَى فَعُولٍ، وَإِنْ جُمِعَ فَلَيْسَ هُوَ بِالْقِيَاسِ الْمُطّرِدِ، وَإِنّمَا هُمْ بنو نصر مِنْ هَوَازِنَ رَهْطُ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النّصْرِيّ يُقَال لَهُمْ النّصُورُ، كَمَا يُقَال لِبَنِي الْمُهَلّبِ الْمَهَالِبَةُ، وَلِبَنِي الْمُنْذِرِ: الْمَنَاذِرَةِ، وَكَمَا يُقَال الْأَشْعَرُونَ، وَهُمْ بَنُو أَشْعَرَ بْنِ أُدَدٍ، وَالتّوَتْيَاتُ لِبَنِي تويت بْنِ أَسَدٍ جَمْعُ أَخ وَابْنٍ: وَقَوْلُهُ: إنّا أَخُوكُمْ، جَمَعَ أَخًا جَمْعًا مُسْلَمًا بِالْوَاوِ وَالنّونِ، ثُمّ حُذِفَتْ النّونُ لِلْإِضَافَةِ، كَمَا أَنْشَدُوا:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَمّا تَبَيّنّ أَصْوَاتَنَا بَكَيْنَ ... وَفَدّيْنَنَا بِالْأَبِينَا «1» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَضْعُ الْوَاحِدِ مَوْضِعَ الْجَمِيعِ، كَمَا تَقَدّمَ فِي قَوْلِهِ: أَنْتُمْ الْوَلَدُ، وَنَحْنُ الْوُلْدُ. مِنْ وَصْفِ الزّبَيْرِ: وَقَوْلُهُ فِي صِفَةِ الزّبَيْرِ: طَوِيلُ الْبَادّ، أَيْ: الْفَخْرِ، وَالْبَدَدُ: تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ. مِنْ أَحْكَامِ الْقِتَالِ: وَقَوْلُهُ فِي الْمَرْأَةِ الْمَقْتُولَةِ: أَدْرِكْ خَالِدًا، فَقُلْ: أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاك أَنْ تَقْتُلَ وَلِيدًا، أَوْ امْرَأَةً، أَوْ عَسِيفًا الْعَسِيفُ: الْأَجِيرُ، وَهَذَا مُنْتَزَعٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، لِأَنّهُ يَقُولُ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ فَاقْتَضَى دَلِيلُ الْخِطَابِ أَلَا تُقْتَلَ الْمَرْأَةُ إلّا أَنْ تُقَاتِلَ، وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ قَاسَ مَسْأَلَةَ الْمُرْتَدّةِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنّ الْمُرْتَدّةَ لَا تسترقّ ولا تسبى،

_ (1) نقل سيبويه عن الخليل قوله: «إن ألخقت فيه النون والزيادة التى قبلها قلت: أبون، وكذلك أخ تقول: أخون لا تغير البناء، إلا أن تحدث العرب شيئا كما يقولون: دمون، ولا تغير بناء للقرب عن حال الحرفين لأنه بنى عليه إلا أن تحدث العرب شيئا، كما بنوه على غير الحرفين ثم استشهد بالبيت، وقال: إنه جاهلى. وإن شئت كسرت، فقلت آباء وآخاء. ويقول السيرافى عن البيت إنه لزياد بن واصل السلمى. أنظر خزانة البغدادى ص 362 ج 4 ط السلفية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَمَا تُسْبَى نِسَاءُ الْحَرْبِ وَذَرَارِيّهُمْ، فَتَكُونُ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَنَهَى عَنْ قَتْلِهِنّ لِذَلِكَ. حُكْمُ رَفْعِ الْيَدِ فِي الدّعَاءِ: وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ أَبَا عَامِرٍ، وَاسْمُهُ: عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمِ بْنِ حَصّارٍ، وَهُوَ عَمّ أَبِي مُوسَى عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيّ، وَهُوَ الّذِي اسْتَغْفَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قُتِلَ رَافِعًا يَدَيْهِ جِدّا، يَقُولُ: اللهُمّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ ثَلَاثًا، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الدّعَاءِ، وَقَدْ كَرِهَهُ قَوْمٌ، رَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَنّهُ رَأَى قَوْمًا يرفعون أيديهم فى الدعاء، فقال: أو قد رَفَعُوهَا؟ قَطَعَهَا اللهُ، وَاَللهِ لَوْ كَانُوا بِأَعْلَى شَاهِقٍ مَا ازْدَادُوا مِنْ اللهِ بِذَلِكَ قُرْبًا وَذُكِرَ لِمَالِكٍ أَنّ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ كَانَ يَدْعُو بِإِثْرِ كُلّ صَلَاةٍ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَقَالَ: ذَلِكَ حَسَنٌ، وَلَا أَرَى أَنْ يَرْفَعَهُمَا جِدّا. وَحُجّةُ مَنْ رَأَى الرّفْعَ أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، وَمِنْهَا حَدِيثٌ تَقَدّمَ فِي سَرِيّةِ الْغُمَيْصَاءِ حِينَ رَفَعَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللهُمّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَلَاثَ مَرّاتٍ وَلِكُلّ شَيْءٍ وَجْهٌ، فَمَنْ كَرِهَ، فَإِنّمَا كَرِهَ الْإِفْرَاطَ فِي الرّفْعِ كَمَا كُرِهَ رَفْعُ الصّوْتِ بِالدّعَاءِ جِدّا. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمّ وَلَا غَائِبًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ الّذِي قَدّمْنَاهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ. الْحَفْنَةُ وَشَاهَتْ الْوُجُوهُ: فَصْلٌ: وَمِمّا ذُكِرَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ الحفنة التى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَخَذَهَا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَطْحَاءِ، وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ، فَرَمَى بِهَا أَوْجُهَ الْكُفّارِ، وَقَالَ: شَاهَتْ الْوُجُوهُ «1» ، فَانْهَزَمُوا. وَالْمُسْتَقْبَلُ مِنْ شَاهَتْ: تَشَاهُ، لِأَنّ وَزْنَهُ فَعَلَ، وَفِيهِ أَنّ الْبَغْلَةَ حَضَجَتْ بِهِ إلَى الْأَرْضِ حِينَ أَخَذَ الحفنة، ثم قامت به، وفسروا حَضَجَتْ، أَيْ: ضَرَبَتْ بِنَفْسِهَا إلَى الْأَرْضِ، وَأَلْصَقَتْ بَطْنَهَا بِالتّرَابِ، وَمِنْهُ الْحِضَاجُ، وَهُوَ زِقّ مَمْلُوءٌ قَدْ أُسْنِدَ إلَى شَيْءٍ، وَأَمِيلُ إلَيْهِ، وَالْبَغْلَةُ الّتِي كَانَ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ هِيَ الّتِي تُسَمّى الْبَيْضَاءَ «2» ، وَهِيَ الّتِي أَهْدَاهَا إلَيْهِ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ، وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُ الْأُخْرَى، وَاسْمُهَا: دُلْدُلُ وَذِكْرُ مَنْ أَهْدَاهَا إلَيْهِ. نِدَاءُ أَصْحَابِ الشّجَرَةِ: وَذَكَرَ نِدَاءَ الْعَبّاسِ: يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ السّمُرَةِ، وَكَانَ الْعَبّاسُ صِيّتَا جَهِيرًا. وَأَصْحَابُ السّمُرَةِ: هُمْ أَصْحَابُ بَيْعَةِ الرّضْوَانِ الّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشّجَرَةِ، وكانت الشجرة سمرة.

_ (1) فى رواية لمسلم أنهم لما غشوا النبى «ص» نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال: شاهت الوجوه فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأت عينه ترابا تلك القبضة فولوا منهزمين. وفى رواية أخرى أنه تناول حصيات من الأرض، وأنه لم ينزل من على البغلة. فالله أعلم. (2) عن ابن سعد وجماعة ممن صنفوا فى السيرة أنها دلدل، وفيه نظر، لأن دلدل أهداها له المقوقس، وقد روى مسلم أنه كان على بغلة له بيضاء كما ورد فى الروض ولكن فى مسلم أيضا أنه كان على بغلته الشهباء، وقد زعم النووى أن البيضاء والشهباء واحدة، ولا يعرف له غيرها، ولكن ذكر غير واحد بغلته دلدل، غير أن ابن الصلاح زعم أن دلدل والبيضاء اسمان لبغلة واحدة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لضحاك بْنُ سُفْيَانَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ الضّحّاكَ بْنَ سُفْيَانَ الكلابى، وهو الضّحّاك بن سفيان ابن عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ كلاب الكلابىّ، يُكَنّى أَبَا سَعِيدٍ، وَكَانَ يَقُومُ عَلَى رَأْسِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَشّحًا بِالسّيْفِ، وَكَانَ يُعَدّ وَحْدَهُ بِمِائَةِ فَارِسٍ، وَكَانَتْ بَنُو سُلَيْمٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ تِسْعَمِائَةٍ، فَأَمّرَهُ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَهُ أَنّهُ قَدْ تَمّمَهُمْ بِهِ أَلْفًا، وَإِيّاهُ أَرَادَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ بِقَوْلِهِ: جُنْدٌ بَعَثْت عَلَيْهِمْ الضّحّاكَا وَقَالَ الْبَرْقِيّ: لَيْسَ الضّحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ هَذَا بالكلابى، إنما هو الضحاك ابن سُفْيَانَ السّلَمِيّ. وَذَكَرَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ نَسَبَهُ مَرْفُوعًا إلَى بُهْثَةَ ابن سُلَيْمٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو عُمَرَ فِي الصّحَابَةِ إلّا الْأَوّلُ، وَهُوَ الْكِلَابِيّ، فَاَللهُ أَعْلَمُ. قَصِيدَةُ ابْنِ مِرْدَاسٍ الْعَيْنِيّةُ: وَذَكَرَ شِعْرَ عَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ الّذِي أَوّلُهُ: عَفَا مِجْدَلٌ مِنْ أَهْلِهِ فَمُتَالِعُ الْمِجْدَلُ: الْقَصْرُ، وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ اسم علم لمكان. وَفِيهِ: فَمِطْلَا أَرِيكٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المطل: يمدّ ويقصر، وهى أرض تعقل لرّجل عن الشى، فَقِيلَ: إنّهَا مِفْعَالٌ مِنْ الطّلْيِ وَهُوَ الْجَرْيُ يُطْلَى، أَيْ تُعْقَلُ رِجْلُهُ، وَقِيلَ: إنّ الْمِطْلَاءَ فِعْلَاءُ مِنْ مَطَلْت إذَا مَدَدْت، وَجَمْعُهُ: مِطَالٌ فِي الْأَمَالِي: أَمَا تَسْأَلَانِ اللهَ أَنّ يَسْقِيَ الحمى ... ألا فسقى الله الحمى فالمطايا «1» وفيه: نَذُودُ أَخَانَا عَنْ أَخِينَا، وَلَوْ نَرَى ... مَصَالًا لَكُنّا الْأَقْرَبِينَ نُتَابِعُ يُرِيدُ أَنّهُ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَسُلَيْمٌ مِنْ قَيْسٍ، كَمَا أَنّ هَوَازِنَ مِنْ قَيْسٍ، كِلَاهُمَا ابْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسٍ، فَمَعْنَى الْبَيْتِ: نُقَاتِلُ إخْوَتَنَا، وَنَذُودُهُمْ عَنْ إخْوَتِنَا مِنْ سُلَيْمٍ، وَلَوْ نَرَى فِي حُكْمِ الدّينِ مَصَالًا مُفْعِلًا مِنْ الصّوْلَةِ، لَكُنّا مَعَ الْأَقْرَبِينَ هَوَازِنُ: وَلَكِنّ دِينَ اللهِ دِينُ مُحَمّدٍ ... رَضِينَا بِهِ فِيهِ الْهُدَى وَالشّرَائِعُ وَفِيهِ قَوْلُهُ: دَعَانَا إلَيْهِ خَيْرُ وَفْدٍ عَلِمَتْهُمْ ... خُزَيْمَةُ وَالْمَدّارُ «2» مِنْهُمْ وَوَاسِعُ هَؤُلَاءِ وَفْدُ بَنِي سُلَيْمٍ وَفَدُوا عَلَى النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- فأسلموا،

_ (1) فى الأهالى أن هذا الشعر لرجل طلق امرأتين من أهل الحمى ص 191 ج 1 ط 2. ومن الشعر: وإنى لأستسقى لثنتين بالحمى ... ولو تملكان البحر ما سقتانيا (2) فى رواية: المرار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثُمّ دَعَوْا قَوْمَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَذَكَرَ فِيهِمْ الْمَدّارَ السّلَمِيّ، وَوَاسِعًا السّلَمِيّ، وَخُزَيْمَةَ، وَهُوَ خُزَيْمَةُ بْنُ جُزَيّ أَخُو حِبّانَ بْنِ جُزَيّ، وَكَانَ الدّارَقُطْنِيّ يَقُولُ فِيهِ: جِزَيّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالزّايِ. وَفِيهَا: يَدَ اللهِ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ نُبَايِعُ مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ أَقَامَ يَدَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامَ يَدِهِ، كَمَا قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: هُوَ يَمِينُ اللهِ فِي الْأَرْضِ «1» ، أَقَامَهُ فِي الْمُصَافَحَةِ وَالتّقْبِيلِ مَقَامَ يَمِينِ الْمَلِكِ الّذِي يُصَافِحُ بِهَا، لِأَنّ الْحَاجّ وَافِدٌ عَلَى الْمَلِكِ الْأَعْلَى وَزَائِرٌ بَيْتَهُ، فَجَعَلَ تَقْبِيلَهُ الْحَجَرَ مُصَافَحَةً لَهُ، وَكَمَا جُعِلَتْ يَمِينُ السّائِلِ الْآخِذِ لِلصّدَقَةِ الْمُتَقَبّلَةِ يَمِينَ الرّحْمَنِ سُبْحَانَهُ تَرْغِيبًا فِي الصّدَقَةِ، وَتَبْشِيرًا بِقَبُولِهَا، وَتَعْظِيمًا لِحُرْمَةِ مَنْ أُعْطِيَتْ لَهُ، فَإِنّمَا أَعْطَاهَا الْمُتَصَدّقُ لله سبحانه، وإياه سبحانه أقرض،

_ (1) رواه الطبرانى فى معجمه، وهو موقوف على ابن عباس وهو سقط من القول لا يصح نسبته إلى مؤمن. وإليك ما يقوله الإمام ابن القيم فى قوله سبحانه: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) .. «لما كانوا يبايعون رَسُولِ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَيْدِيهِمْ، ويضرب بيده على أيديهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو السفير بينه وبينهم كانت مبايعتهم له مبايعة لله تعالى، ولما كان سبحانه فوق سماواته على عرشه، وفوق الخلائق كلهم، كانت يده فوق أيديهم، كما أنه سبحانه فوقهم» ص 172 ج 2 الصواعق المراسلة. وهذا خير من تأويل السهيلى الذى يعطى لأصحاب وحدة الوجود وجها!!

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ «1» التّوْبَةُ: 104 وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّمَا يَضَعُهَا فِي كَفّ الرّحْمَنِ يُرَبّيهَا لَه الْحَدِيثُ. شِعْرُ عَبّاسٍ الْكَافِي: وَقَوْلُ عَبّاسٍ فِي الشّعْرِ الْكَافِي: إنّ الْإِلَهَ بَنَى عَلَيْك مَحَبّةً ... فِي خَلْقِهِ وَمُحَمّدًا سَمّاكَا مَعْنًى دَقِيقٌ وَغَرَضٌ نَبِيلٌ وَتَفَطّنٌ لِحِكْمَةٍ نَبَوِيّةٍ قَدْ بَيّنّاهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ فِي تَسْمِيَةِ اللهِ تَعَالَى لِنَبِيّهِ مُحَمّدًا وَأَحْمَدَ «2» ، وَأَنّهُ اسْمٌ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ قَوْمِهِ قَبْلَهُ، وَأَنّ أُمّهُ أُمِرَتْ فِي الْمَنَامِ أَنْ تُسَمّيَهُ مُحَمّدًا، فَوَافَقَ مَعْنَى الِاسْمِ صِفَةَ الْمُسَمّى بِهِ مُوَافَقَةً تَامّةً قَدْ بَيّنّا شَرْحَهَا «3» هُنَالِكَ، وَلِذَلِك قَالَ: بَنَى عَلَيْك مَحَبّةً، لِأَنّ الْبِنَاءَ تَرْكِيبٌ عَلَى أُسّ، فَأَسّسَ لَهُ سُبْحَانَهُ مُقَدّمَاتٍ لِنُبُوّتِهِ مِنْهَا: تَسْمِيَتُهُ بِمُحَمّدٍ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ، ثُمّ لَمْ يَزَلْ يُدْرِجُهُ فى محامد الأخلاق

_ (1) رواية البخارى ومسلم والنسائى والترمذى وابن ماجة وابن خزيمة فى صحيحه هى: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب- ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها» كما يربى أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل» والفلو- بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو: المهر الصغير، وقيل: الفطيم من أولاد ذوات الحافر. (2) سبق الكلام عن هذا. وأنه كان هناك من سمى بمحمد وأحمد فى الجاهلية وأنظر ص 8، 9 الاشتقاق لابن دريد، وص 130 المحبر لابن حبيب فقد ذكر سبعة ممن سموا باسم محمد. (3) علقنا على شرحه بما قاله ابن القيم وأبدع فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمَا تُحِبّهُ الْقُلُوبُ مِنْ الشّيَمِ، حَتّى بَلَغَ إلَى أَعْلَى الْمَحَامِدِ مَرْتَبَةً، وَتَكَامَلَتْ لَهُ الْمَحَبّةُ مِنْ الْخَالِقِ وَالْخَلِيقَةِ، وَظَهَرَ مَعْنَى اسْمِهِ فِيهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَهُوَ اللّبِنَةُ الّتِي اسْتَتَمّ بِهَا الْبِنَاءُ، كَمَا أَخْبَرَ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَهَذَا كُلّهُ مَعْنَى بَيْتِ عَبّاسٍ، حَيْثُ قَالَ: إنّ الْإِلَهَ بَنَى عَلَيْك، الْبَيْتُ. الدّامّاءُ وَالدّأْمَاءُ: وَقَوْلُهُ: فِي العينيّة الأخرى يصف الخيل: أو هى مُقَارَعَةُ الْأَعَادِي دَمّهَا يُرِيدُ شَحْمَهَا، يُقَالُ: أَدْمِمْ قِدْرَك بِوَدَكٍ، وَدَمَمْت الشّيْءَ: طَلَيْته، وَمِنْهُ: الدّامّاءُ أَحَدُ جُحْرَةِ الْيَرْبُوعِ، لِأَنّهُ يَدُمّ بَابَهُ بِقِشْرٍ رقيق من الأرض، فلا يراه الصائد، فإذ طلب من القاصعاء أو لرّاهطاء أَوْ النّافِقَاءِ أَوْ الْعَانُقَاءِ، وَهِيَ الْأَبْوَابُ الْأُخَرُ نَطَحَ بِرَأْسِهِ بَابَ الدّامّاءِ فَخَرَقَهُ، وَأَمّا الدّأْمَاءُ بِالتّخْفِيفِ، فَهُوَ الْبَحْرُ وَهُوَ فَعْلَاءُ، لِأَنّهُ يُهْمَزُ فَيُقَالُ: دَأْمَاءُ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ شِعْرُ عَبّاسٍ الْفَاوِيّ: وَذَكَرَ شِعْرَ عَبّاسٍ الْفَاوِيّ، وَفِيهِ: بِعَاقِبَةٍ وَاسْتَبْدَلَتْ نِيّةً خُلْفَا النّيّةُ: مِنْ النّوَى وَهُوَ الْبُعْدُ. وَخُلْفَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ أَيْ: فَعَلْت ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْخُلْفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مُؤَكّدًا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِلِاسْتِبْدَالِ، لِأَنّ اسْتِبْدَالَهَا بِهِ خُلْفٌ مِنْهَا لِمَا وَعَدَتْهُ بِهِ، وَيُقَوّي هَذَا الْبَيْتَ الْبَيْتُ الّذِي بَعْدَهُ: وَقَدْ حَلَفَتْ بِاَللهِ لَا تَقْطَعُ الْقُوَى يَعْنِي: قُوَى الْحَبْلِ، وَالْحَبْلُ هُنَا: هُوَ الْعَهْدُ، ثُمّ قَالَ: فَمَا صَدَقَتْ فِيهِ، وَلَا بَرّتْ الْحَلْفَا وَهَذَا هُوَ الْخُلْفُ الْمُتَقَدّمُ ذِكْرُهُ. وَقَوْلُهُ: وَفِينَا وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا مَعْشَرٌ أَلْفَا أَيْ: وَفِينَا أَلْفًا وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا غَيْرُنَا، أَيْ: لَمْ يَسْتَوْفِ هَذِهِ الْعُدّةَ غَيْرُنَا مِنْ الْقَبَائِلِ. وَقَوْلُهُ: إذَا هى حالت فِي مَرَاوِدِهَا عَزْفَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ مِرْوَدٍ «1» وَهُوَ الْوَتَدُ، كَمَا قَالَ الْآخَرُ يَصِفُ طعنة: ومستنّة كاستنان الخرو ... ف قَدْ قَطَعَ الْحَبْلَ بِالْمِرْوَدِ وَالْخَرُوفُ هَاهُنَا فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ: الْمُهْرُ، وَقَالَ آخَرُونَ: وَالْفَرَسُ يُسَمّى خَرُوفًا، وَمَعْنَاهُ عِنْدِي فِي هَذَا الْبَيْتِ أَنّهَا صفة من خرفت الثمرة إذا جنيتها

_ (1) فى الأصل: مردود.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَالْفَرَسُ خَرُوفٌ لِلشّجَرِ وَالنّبَاتِ، لَا نَقُولُ: إنّ الْفَرَسَ يُسَمّى خَرُوفًا فِي عُرْفِ اللّغَةِ، وَلَكِنْ خَرُوفٌ فِي مَعْنَى أَكُولٍ، لِأَنّهُ يَخْرُفُ، أَيْ: يَأْكُلُ، فَهُوَ صِفَةٌ لِكُلّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ مِنْ الدّوَابّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَرَاوِدِهَا جَمْعُ مُرَادٍ، وَهُوَ حَيْثُ تَرُودُ الْخَيْلِ تَذْهَبُ وَتَجِيءُ فَمُرَادُ وَمَرَاوِدُ، مِثْلُ مَقَامٍ وَمَقَاوِمَ، وَمَنَارٍ وَمَنَاوِرَ. وَقَوْلُهُ: لَنَا زَجْمَةً إلّا التّذَامُرَ وَالنّقْفَا. يُقَالُ: مَا زَجَمَ زَجْمَةً «1» ، أَيْ مَا نَبَسَ بِكَلِمَةٍ، وَقَوْسٌ زَجُومٌ، أَيْ: ضَعِيفَةُ الْإِرْنَانِ. وَقَوْلُهُ: إلّا التّذَامُرَ، أَيْ يَذْمُرُ بَعْضُنَا بَعْضًا، ويحرّضه على القتل والنّقف: كسر الرّؤس، وَنَاقِفُ الْحَنْظَلَةِ: كَاسِرُهَا وَمُسْتَخْرِجُ مَا فِيهَا. النّسَبُ إلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَتَصْغِيرُهَا: قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَإِنّمَا قُلْنَا فِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ وَفِي التي بعدها الفاوية وَالرّاوِيَةُ، لِأَنّ النّسَبَ إلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ الّتِي أَوَاخِرُهَا أَلِفٌ هَكَذَا، هُوَ بِالْوَاوِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ، وَفِي التّصْغِيرِ تُقْلَبُ أَلِفُهَا يَاءً، تَقُولُ فِي تَصْغِيرِ بَاءٍ: بُيَيّةٌ، وَخَاءٍ: خُيَيّةٌ، وَمَا كَانَ آخِرُهُ حَرْفًا سَالِمًا مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ قُلِبَتْ أَلِفُهُ وَاوًا فِي التّصْغِيرِ، فَتَقُولُ فِي الذّالِ: ذُوَيْلَةُ، وَفِي الضّادِ: ضُوَيْدَةُ، وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَقِيَاسُ الْوَاوِ فِي النّحْوِ أَنْ تُصَغّرَ: أُوَيّةٌ بِهَمْزَةٍ [فِي] أَوّلِهَا.

_ (1) فى الأصل: رجمة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْقَصِيدَةُ الرّاوِيَةُ: وَقَوْلُ عَبّاسٍ فِي الْقَصِيدَةِ الرّاوِيَةُ: مثل الحماطة أغضى فوقها الشّفر الحماطة مِنْ وَرَقِ الشّجَرِ: مَا فِيهِ خُشُونَةٌ وَحُرُوشَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْحُمَاطُ: وَرَقُ التّينِ الْجَبَلِيّ. وَقَالَ أَيْضًا فِي بَاب الْقَطَانِيّ: الْحَمَاطُ: تِبْنُ الذّرَةِ، إذَا ذُرّيَتْ، وَلَهُ أُكَالٌ فِي الْجِلْدِ. وَالْعَائِرُ: كَالشّيْءِ يَتَنَخّسُ فِي الْعَيْنِ كَأَنّهُ يَعُورُهَا، وَجَعَلَهُ سَهِرًا، وَإِنّمَا السّهِرُ الرّجُلُ، لِأَنّهُ لَمْ يفتر عنه، فكأنه قد سهر، وَلَمْ يَنَمْ، كَمَا قَالَ آخَرُ فِي وَصْفِ برق: حتى شئاها كليل موهنا عَمَلُ ... بَاتَتْ طِرَابًا وَبَاتَ اللّيْلُ لَمْ يَنَمْ شَئَاهَا: شَاقّهَا، يُقَالُ: شَاهَ وَشَاءَهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ شَاقّهُ، وَأَنْشَدَ: وَلَقَدْ عَهِدْت تَشَاءُ بِالْأَظْعَانِ فَتَأَمّلْهُ فَإِنّهُ بَدِيعٌ مِنْ الْمَعَانِي. وَقَوْلُهُ: الصّمّانُ وَالْحَفَرُ: هُمَا مَوْضِعَانِ، وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيّ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَالْعَكَرُ: جَمْعُ عَكَرَةٍ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ الضّخْمَةُ مِنْ الْمَالِ. وَعَكَرَةُ اللّسَانِ أَيْضًا: أَصْلُهُ، وَمَا غَلُظَ مِنْهُ، وَعَكَدَتُهُ «1» أَيْضًا بالدال.

_ (1) فى اللسان: العكدة- بضم العين وسكون الكاف- والعكدة بفتحهما أصل اللسان والذنب وعقدته. أما فى القاموس فقال: العكدة بضم العين وسكون الكاف: العصعص. وبالتحريك: أصل اللسان وأصل القلب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَصِيدَةُ عَبّاسٍ السّينِيّةُ: وَقَوْلُهُ فِي السّينِيّةِ: وَجْنَاءُ مُجْمَرَةُ الْمَنَاسِمِ عِرْمِسُ وَجْنَاءُ: غَلِيظَةُ الْوَجَنَاتِ بَارِزَتُهَا، وذلك يدل على غئور عَيْنَيْهَا، وَهُمْ يَصِفُونَ الْإِبِلَ بِغُئُورِ الْعَيْنَيْنِ عِنْدَ طُولِ السّفَارِ، وَيُقَالُ: هِيَ الْوَجْنَةُ فِي الْآدَمِيّينَ، رَجُلٌ مُوجَنٌ وَامْرَأَةٌ مُوجَنَةٌ، وَلَا يُقَالُ: وَجْنَاءُ، قَالَهُ يَعْقُوبُ. وَمُجْمَرَةُ الْمَنَاسِمِ، أَيْ: نَكَبَتْ مَنَاسِمَهَا الْجِمَارُ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ، وَالْعِرْمِسُ: الصّخْرَةُ الصّلْبَةُ، وَتُشَبّهُ بِهَا النّاقَةُ الْجَلْدَةُ، وَقَدْ يُرِيدُ بِمُجْمَرَةٍ أَيْضًا أَنّ مَنَاسِمَهَا مُجْتَمِعَةٌ مُنْضَمّةٌ، فَذَلِكَ أَقْوَى لَهَا، وَقَدْ حُكِيَ أَجْمَرَتْ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا إذَا ظَفّرَتْهُ وَأَجْمَرَ الْأَمِيرُ الْجَيْشَ أَيْ حَبَسَهُ عَنْ الْقُفُولِ قَالَ الشّاعِرُ: مُعَاوِيَ إمّا أَنْ يُجَهّزَ أَهْلُنَا ... إلينا، وإما أن نؤوب مُعَاوِيَا أَأَجْمَرْتنَا إجْمَارَ كِسْرَى جُنُودَهُ ... وَمَنّيْتنَا حَتّى نَسِينَا الْأَمَانِيَا وَقَوْلُهُ: كَانُوا أَمَامَ الْمُؤْمِنِينَ دَرِيئَةً الدّرِيئَةُ: الْحَلْقَةُ الّتِي يُتَعَلّمُ عَلَيْهَا الرّمْيُ، أَيْ: كَانُوا كَالدّرِيئَةِ لِلرّمَاحِ وَقَوْلُهُ: وَالشّمْسُ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهِمْ أَشْمَسُ يُرِيدُ: لَمَعَانَ الشّمْسِ، فِي كُلّ بَيْضَةٍ مِنْ بَيْضَاتِ الْحَدِيدِ، وَالسّيُوفِ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَأَنّهَا شَمْسٌ. وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ وَتَشْبِيهٌ مَلِيحٌ. وَفِيهَا قَوْلُهُ: وَالْخَيْلُ تَقْرَعُ بِالْكُمَاةِ وَتُضْرَسُ أَيْ: تَضْرِبُ أَضْرَاسَهَا بِاللّجُمِ. تَقُولُ: ضَرَسَتْهُ، أَيْ ضَرَبَتْ أَضْرَاسَهُ، كَمَا تَقُولُ: رَأَسْته، أَيْ أَصَبْت رَأْسَهُ. قَصِيدَةُ عَبّاسٍ الْمِيمِيّةِ: وَقَوْلُهُ: فِي كَلِمَتِهِ الْمِيمِيّةِ: وَفِيهِمْ مِنْهُمْ مَنْ تَسَلّمَا يُرِيدُ: وَفِي سُلَيْمٍ مِنْ اعْتَزَى إلَيْهِمْ مِنْ حُلَفَائِهِمْ، فَتَسَلّمَ بِذَلِكَ، كَمَا تَقُولُ: تَقَيّسَ الرّجُلُ، إذَا اعْتَزَى إلَى قَيْسٍ. أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ: وَقَيْسُ عَيْلَانَ وَمَنْ تَقَيّسَا «1»

_ (1) يقول ابن قتيبة: تأتى تفعلت بمعنى إدخالك نفسك فى أمر حتى تضاف إليه، أو تصير من أهله، ثم أتى بأمثلة واستشهد بهذا الرجز المنسوب إلى رؤبة ولكن ابن يرى يقول: الرجز للعجاج وليس لرؤبة. وصواب إنشاده: وقيس بالنصب، لأن قبله: وإن دعوت من تميم أرؤسا وجواب إن فى البيت الثالث: تقاعس العز بنا فاقعنسسا أنظر اللسان مادة قيس، وأدب الكاتب لابن قتيبة ص 457، ص 322 من شرح أدب الكاتب للجواليقى، وقد سبق الحديث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَوْلَ قَصِيدَةِ ضَمْضَمِ بْنِ الْحَارِثِ: وَأَنْشَدَ لِضَمْضَمِ بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ مِمّنْ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِأَبِي عُمَرَ رَحِمَهُ اللهُ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي الصّحَابَةِ، لِأَنّهُ مِنْ شَرْطِهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَقَدْ أَنْشَدَ لَهُ ابْنُ إسْحَاقَ مَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ: يَوْمًا عَلَى أَثَرِ النّهَابِ وَتَارَةً ... كُتِبَتْ مُجَاهَدَةً مَعَ الْأَنْصَارِ يَعْنِي: فَرَسَهُ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ أَبُو عُمَرَ ضَمْضَمَ بْنَ قَتَادَةَ الْعِجْلِيّ، وَلَهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ فِي قُدُومِهِ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنّهُ قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي قَدْ تَزَوّجْت امْرَأَةً فَوَلَدَتْ لِي غُلَامًا أَسْوَدَ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ، فَقَالَ: نَعَمْ «1» وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ، غَيْرَ أَنّهُ لَمْ يُسَمّ بِاسْمِهِ فِي الصّحِيحَيْنِ، وَسُمّيَ فِي بَعْضِ الْمُسْنَدَاتِ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْغَنِيّ فِي الْمُبْهَمَاتِ، وَذَكَرَ عَبْدُ الْغَنِيّ فِي الْحَدِيثِ زِيَادَةً حَسَنَةً قَالَ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَنِي عِجْلٍ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَجَائِزُ مِنْ عِجْلٍ، فَسُئِلْنَ عَنْ الْمَرْأَةِ الّتِي وَلَدَتْ الْغُلَامَ الْأَسْوَدَ، فَقُلْنَ: كَانَ فِي آبَائِهَا رجل أسود.

_ (1) بقية الحديث: قال: فما ألوانها؟ قال: فيها الأحمر والأسود وغير ذلك، قال: فأنى ذلك؟ قال: عرق نزع، قال: هذا عرق نزع، قال: فقدم عجائز من بنى عجل، فأخبرن أنه كان للمرأة جدة سوداء. قال أبو موسى فى الذيل: إسناده عجيب. قال الحافظ: أصل القصة فى الصحيحين من حديث أبى هريرة. وسيأتى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شِعْرُ أَبِي خِرَاشٍ: وَذَكَرَ شِعْرَ أَبِي خِرَاشٍ، وَاسْمُهُ: خُوَيْلِدُ بْنُ مُرّةَ شَاعِرٌ إسْلَامِيّ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ رَحِمَهُ اللهُ: مِنْ نَهْشِ حَيّةٍ نَهَشَتْهُ، كَانَ سَبَبُهَا أَضْيَافٌ نَزَلُوا بِهِ، وَخَبَرُهُ بِذَلِكَ عَجِيبٌ، وَلَهُ فِيهِ شِعْرٌ. وَالْخِرَاشُ: وَسْمٌ لِإِبِلٍ يَكُونُ مِنْ الصّدْغِ إلَى الذّقْنِ: فَقَوْلُهُ: تَكَادُ يَدَاهُ تُسْلَمَانِ إزَارَهُ ... مِنْ الْجُودِ لَمّا أَذْلَفَتْهُ الشّمَائِلُ يُرِيدُ: أَنّهُ مِنْ سَخَائِهِ، يُرِيدُ أَنْ يَتَجَرّدَ مِنْ إزَارِهِ لِسَائِلِهِ، فَيُسَلّمَهُ إلَيْهِ، وَأَلْفَيْت بِخَطّ أَبِي الْوَلِيدِ الْوَقْشِيّ: الْجُودُ هَاهُنَا، وَعَلَى هَذِهِ الرّوَايَةِ، وَبِهَذِهِ الرّتْبَةِ: السّخَاءُ، وَكَذَلِكَ فَسّرَهُ الْأَصْمَعِيّ وَالطّوسِيّ، وَأَمّا عَلَى مَا وَقَعَ فِي شِعْرِ الْهُذَلِيّ، وَفُسّرَ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفِ، فَهُوَ الْجُوعُ «1» وَمَوْضِعُهُ فِي الشّعْرِ الْمَذْكُورِ يَتْلُو قَوْلَهُ: تَرَوّحَ مَقْرُورًا. وَفِي الْغَرِيبِ رِدَاءَهُ بَدَلَ إزَارِهِ. وَقَوْلُهُ: وَلَكِنّ قَرْنَ الظّهْرِ لِلْمَرْءِ شَاغِلُ قَرْنٌ بِالْقَافِ: جَمْعُهُ: أَقْرَانٍ، وَيُرْوَى: وَلَكِنّ أقران الظهور مقاتل

_ (1) عقب الخشنى على تفسيره بالجوع: ويكاد أن يكون الجود هنا على أصله يعنى به كثرة العطاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَقَاتِلُ: جَمْعُ مَقْتَلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ، مِثْلُ مِحْرَبٍ من الحرب، أى من كان قرن ظهر، فَإِنّهُ قَاتِلٌ وَغَالِبٌ. وَقَوْلُهُ يَصِفُ الرّيحَ: لَهَا حَدَبٌ تَحْتَثّهُ فَيُوَائِلُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَقَعَ فِي الْأَصْلِ، وَقَدْ يُسَمّى انْحِدَارُ الْمَاءِ وَنَحْوُهُ حَدَبًا، فَيَكُونُ هَذَا مِنْهُ، وَإِلّا فَالْخَدَبُ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْبَيْتِ، لِأَنّهُمْ يَقُولُونَ: رِيحٌ خَدْبَاءُ كَانَ بِهَا خَدْبًا «1» ، وَهُوَ الْهَوَجُ «2» . مِنْ شِعْرِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ: وَذَكَرَ فِي آخِرِ بَيْتٍ مِنْ شِعْرِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ: مِثْلَ الدّرِيئَةِ تُسْتَحَلّ وَتُشْرَمُ الدّرِيئَةُ: الْحَلْقَةُ الّتِي يُتَعَلّمُ عَلَيْهَا الطّعْنُ، وَهُوَ مَهْمُوزٌ «3» ، وَتُسْتَحَلّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَعَ فِي الْأَصْلِ، وَفِي غَيْرِهِ: تُسْتَخَلّ بِالْخَاءِ مُعْجَمَةً، وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى مِنْ الْخِلَالِ، وَقَدْ يَكُونُ لِتَسْتَحِلّ وَحَيّه مِنْ الْحَلّ إذْ بَعْدَهُ تشرم، وكلاهما قريب فى المعنى.

_ (1) كذا بالأصل. (2) فى الأصل: الهودج والتصويب من المعاجم. (3) جعلها القاموس فى باب درى أيضا.

ذكر غزوة الطائف بعد حنين فى سنة ثمان

[ذِكْرُ غَزْوَةِ الطّائِفِ بَعْدَ حُنَيْنٍ فِي سَنَةِ ثمان] ولما قدم فلّ ثَقِيفٍ الطّائِفَ أَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ مَدِينَتِهَا، وَصَنَعُوا الصنائع للقتال. وَلَمْ يَشْهَدْ حُنَيْنًا وَلَا حِصَارَ الطّائِفِ عُرْوَةُ بن مسعود، ولا غيلان بن سلمة، كانا بجرش يتعلّمان صنعة الدّبّاباب والمجانيق والضّبور. ثُمّ سَارّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الطّائِفِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ؛ فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، حِينَ أَجْمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّيْرَ إلَى الطائف: [شعر كعب] قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلّ رَيْبٍ ... وَخَيْبَرَ ثُمّ أجممنا السّيُوفَا نُخَيّرُهَا وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ ... قَوَاطِعُهُنّ: دَوْسًا أَوْ ثَقِيفًا فَلَسْتُ لِحَاضِنٍ إنْ لَمْ تَرَوْهَا ... بساحة داركم منّا أُلُوفَا وَنَنْتَزِعُ الْعُرُوشَ بِبَطْنِ وَجّ ... وَتُصْبِحُ دُورُكُمْ مِنْكُمْ خُلُوفَا وَيَأْتِيكُمْ لَنَا سَرَعَانُ خَيْلٍ ... يُغَادِرُ خَلْفَهُ جَمْعًا كَثِيفَا إذَا نَزَلُوا بِسَاحَتِكُمْ سَمِعْتُمْ ... لَهَا مِمّا أَنَاخَ بِهَا رَجِيفَا بِأَيْدِيهِمْ قَوَاضِبُ مُرْهَفَاتٌ ... يُزِرْنَ الْمُصْطَلِينَ بِهَا الْحُتُوفَا كَأَمْثَالِ الْعَقَائِقِ أَخْلَصَتْهَا ... قُيُونُ الْهِنْدِ لَمْ تَضْرِبْ كَتِيفَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تَخَالُ جَدِيّةَ الْأَبْطَالِ فِيهَا ... غَدَاةَ الزّحْفِ جَادِيّا مَدُوفَا أَجِدّهُمْ أَلَيْسَ لَهُمْ نَصِيحٌ ... مِنْ الْأَقْوَامِ كَانَ بِنَا عَرِيفَا يُخَبّرُهُمْ بِأَنّا قَدْ جَمَعْنَا ... عِتَاقَ الْخَيْلِ وَالنّجُبَ الطّرُوفَا وَأَنّا قَدْ أَتَيْنَاهُمْ بزحف ... يحيط بسور حصنهم صفوفا رئيسم النّبِيّ وَكَانَ صُلْبًا ... نَقِيّ الْقَلْبِ مُصْطَبِرًا عَزُوفَا رَشِيدُ الْأَمْرِ ذُو حُكْمٍ وَعِلْمٍ ... وَحِلْمٍ لَمْ يَكُنْ نَزِقًا خَفِيفَا نُطِيعُ نَبِيّنَا وَنُطِيعُ رَبّا ... هو الرّحمن كان بنا رؤفا فَإِنْ تُلْقُوا إلَيْنَا السّلْمَ نَقْبَلْ ... وَنَجْعَلْكُمْ لَنَا عَضُدًا وَرِيفَا وَإِنْ تَأْبَوْا نُجَاهِدْكُمْ وَنَصْبِرْ ... وَلَا يَكُ أَمْرُنَا رَعِشًا ضَعِيفَا نُجَالِدُ مَا بَقِينَا أَوْ تُنِيبُوا ... إلَى الْإِسْلَامِ إذْعَانًا مُضِيفَا نُجَاهِدُ لَا نُبَالِي مَنْ لَقِينَا ... أَأَهْلَكْنَا التّلَادَ أَمْ الطّرِيفَا وَكَمْ مِنْ مَعْشَرٍ أَلَبُوا عَلَيْنَا ... صَمِيمَ الْجِذْمِ مِنْهُمْ وَالْحَلِيفَا أَتَوْنَا لَا يَرَوْنَ لَهُمْ كِفَاء ... فَجَدّعْنَا الْمَسَامِعَ وَالْأُنُوفَا بِكُلّ مُهَنّدٍ لَيْنٍ صَقِيلٍ ... يَسُوقُهُمْ بِهَا سَوْقًا عَنِيفَا لِأَمْرِ اللهِ وَالْإِسْلَامِ حَتّى ... يَقُومَ الدّينُ مُعْتَدِلًا حَنِيفَا وَتُنْسَى اللّاتُ وَالْعُزّى وَوَدّ ... وَنَسْلُبُهَا الْقَلَائِدَ وَالشّنُوفَا فَأَمْسَوْا قَدْ أَقَرّوا وَاطْمَأَنّوا ... وَمَنْ لَا يَمْتَنِعْ يَقْبَلْ خسوفا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كنانة يرد على كعب

[كنانة يرد على كعب] فأجابه كنانة بن عبد يا ليل بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ يَبْغِينَا يُرِيدُ قِتَالَنَا ... فَإِنّا بِدَارٍ مَعْلَمٍ لَا نَرِيمُهَا وَجَدْنَا بِهَا الْآبَاءَ مِنْ قَبْلِ مَا تَرَى ... وَكَانَتْ لَنَا أَطْوَاؤُهَا وَكُرُومُهَا وَقَدْ جَرّبَتْنَا قَبْلُ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ ... فَأَخْبَرَهَا ذُو رَأْيِهَا وَحَلِيمُهَا وَقَدْ عَلِمَتْ إنْ قَالَتْ الْحَقّ أَنّنَا ... إذَا مَا أَبَتْ صُعْرُ الْخُدُودِ نُقِيمُهَا نُقَوّمُهَا حَتّى يَلِينَ شَرِيسُهَا ... وَيُعْرَفُ لِلْحَقّ الْمُبِينِ ظَلُومُهَا عَلَيْنَا دِلَاصٌ مِنْ تُرَاثِ مُحَرّقٍ ... كَلَوْنِ السّمَاءِ زَيّنَتْهَا نُجُومُهَا نُرَفّهُهَا عَنّا بِبِيضٍ صَوَارِمٍ ... إذَا جرّدت فى غمرة لا نشيمها [قصيدة شَدّادٍ فِي الْمَسِيرِ إلَى الطّائِفِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ شَدّادُ بْنُ عَارِضٍ الْجُشَمِيّ فِي مَسِيرِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلى الطائف: لا تنصرو اللّاتَ إنّ اللهَ مُهْلِكُهَا ... وَكَيْفَ يُنْصَرُ مَنْ هُوَ لَيْسَ يَنْتَصِرُ إنّ الّتِي حُرّقَتْ بِالسّدّ فَاشْتَعَلَتْ ... وَلَمْ يُقَاتَلْ لَدَى أَحْجَارِهَا هَدَرُ إنّ الرّسُولَ مَتَى يَنْزِلْ بِلَادَكُمْ ... يَظْعَنْ وَلَيْسَ بِهَا من أهلها بشر [الطّرِيقُ إلَى الطّائِفِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْيَمَانِيَةِ، ثُمّ عَلَى قَرْنٍ، ثُمّ عَلَى الْمُلَيْحِ، ثُمّ عَلَى بُحْرَةِ الرّغَاءِ مِنْ لِيّةَ، فَابْتَنَى بِهَا مَسْجِدًا فَصَلّى فِيهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: أَنّهُ أَقَادَ يَوْمَئِذٍ بِبُحْرَةِ الرّغَاءِ، حِينَ نَزَلَهَا، بِدَمِ، وَهُوَ أَوّلُ دَمٍ أُقِيدَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَتَلَهُ بِهِ؛ وَأَمّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِلِيّةَ، بِحِصْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ فَهُدِمَ، ثُمّ سَلَكَ فِي طَرِيقٍ يُقَالُ لَهَا الضّيْقَةُ، فَلَمّا تَوَجّهَ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ عَنْ اسْمِهَا، فَقَالَ: مَا اسْمُ هَذِهِ الطّرِيقِ؟ فَقِيلَ لَهُ: الضّيْقَةُ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ الْيُسْرَى، ثُمّ خَرَجَ مِنْهَا عَلَى نَخْبٍ، حَتّى نَزَلَ تَحْتَ سِدْرَةٍ يُقَالُ لَهَا الصّادِرَةُ، قَرِيبًا مِنْ مَالِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إمّا أَنْ تَخْرُجَ، وَإِمّا أَنْ نُخْرِبَ عَلَيْك حَائِطَك؛ فَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ، فَأَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِإِخْرَابِهِ ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ الطّائِفِ، فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ، فَقُتِلَ بِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالنّبْلِ، وَذَلِكَ أَنّ الْعَسْكَرَ اقْتَرَبَ مِنْ حَائِطِ الطّائِفِ، فَكَانَتْ النّبْلُ تَنَالُهُمْ، وَلَمْ يَقْدِرْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنْ يَدْخُلُوا حَائِطَهُمْ، أَغْلَقُوهُ دُونَهُمْ؛ فَلَمّا أُصِيبَ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالنّبْلِ وَضَعَ عَسْكَرَهُ عِنْدَ مَسْجِدِهِ الّذِي بِالطّائِفِ الْيَوْمَ، فَحَاصَرَهُمْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعَهُ امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِهِ، إحْدَاهُمَا أُمّ سَلَمَةَ بنت ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أول من رمى بالمنجنيق

أبى أميّة، فَضَرَبَ لَهُمَا قُبّتَيْنِ، ثُمّ صَلّى بَيْنَ الْقُبّتَيْنِ. ثُمّ أَقَامَ، فَلَمّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ بَنَى عَلَى مُصَلّى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُعَتّبِ ابن مَالِكٍ مَسْجِدًا، وَكَانَتْ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ سَارِيَةٌ، فِيمَا يَزْعُمُونَ، لَا تَطْلُعُ الشّمْسُ عَلَيْهَا يَوْمًا مِنْ الدّهْرِ إلّا سُمِعَ لَهَا نَقِيضٌ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَقَاتَلَهُمْ قتالا شديدا، وتراموا بالنّبل. [أَوّلُ مَنْ رَمَى بِالْمَنْجَنِيقِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَرَمَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَنْجَنِيقِ. حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوّلُ مَنْ رَمَى فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَنْجَنِيقِ، رَمَى أَهْلَ الطّائِفِ. [يَوْمُ الشّدْخَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ الشّدْخَةِ عِنْدَ جِدَارِ الطّائِفِ، دَخَلَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْتَ دَبّابَةٍ، ثُمّ زَحَفُوا بِهَا إلى جدار الطائف ليحرقوه، فَأَرْسَلَتْ عَلَيْهِمْ ثَقِيفٌ سِكَكَ الْحَدِيدِ مُحْمَاةً بِالنّارِ، فَخَرَجُوا مِنْ تَحْتِهَا، فَرَمَتْهُمْ ثَقِيفٌ بِالنّبْلِ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ رِجَالًا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَطْعِ أَعْنَابِ ثَقِيفٍ؛ فَوَقَعَ النّاسُ فيها يقطعون. [بين أبى سفيان وثقيف] وَتَقَدّمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شعبة إلى الطائف، فناديا ثقيفا: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير أبى بكر لرؤيا الرسول

أَنْ أَمّنُونَا حَتّى نُكَلّمَكُمْ، فَأَمّنُوهُمَا، فَدَعَوْا نِسَاءً مِنْ نِسَاءٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَبَنِيّ كِنَانَةَ لِيَخْرُجْنَ إلَيْهِمَا، وَهُمَا يَخَافَانِ عَلَيْهِنّ السّبَاءَ، فَأَبَيْنَ، مِنْهُنّ: آمِنَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، كَانَتْ عِنْدَ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، لَهُ مِنْهَا دَاوُدُ بْنُ عُرْوَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ إنّ أُمّ دَاوُدَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي مُرّةَ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي مُرّةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَالْفِرَاسِيّةُ بِنْتُ سُوَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ، لها عبد الرحمن بن قارب، والفقيميّة أميمة بنت الناسئ أُمَيّةَ بْنِ قَلْعٍ؛ فَلَمّا أَبَيْنَ عَلَيْهِمَا، قَالَ لَهُمَا ابْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ: يَا أَبَا سُفْيَانَ وَيَا مُغِيرَةُ، أَلَا أَدُلّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمّا جِئْتُمَا لَهُ، إنّ مَالَ بَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطّائِفِ، نَازِلًا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الْعَقِيقُ، إنّهُ لَيْسَ بِالطّائِفِ مَالٌ أَبْعَدُ رِشَاءً، وَلَا أَشَدّ مُؤْنَةً، وَلَا أَبْعَدُ عِمَارَةً مِنْ مَالِ بَنِي الْأَسْوَدِ، وَإِنّ مُحَمّدًا إنْ قَطَعَهُ لَمْ يُعْمَرْ أَبَدًا، فَكَلّمَاهُ فَلْيَأْخُذْ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِيَدَعْهُ لِلّهِ وَالرّحِمِ، فَإِنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِنْ الْقَرَابَةِ مَا لَا يُجْهَلُ؛ فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم تركه لهم. [تفسير أبى بكر لرؤيا الرسول] وَقَدْ بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ وَهُوَ مُحَاصِرٌ ثَقِيفًا: يَا أَبَا بَكْرٍ، إنّي رَأَيْت أَنّي أُهْدِيَتْ لِي قَعْبَةٌ مَمْلُوءَةٌ زُبْدًا، فَنَقَرَهَا دِيكٌ، فَهَرَاقَ مَا فِيهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَظُنّ أَنْ تُدْرِكَ مِنْهُمْ يَوْمَك هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سبب ارتحال المسلمين

مَا تُرِيدُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأنا لا أرى ذلك. [سبب ارتحال المسلمين] ثُمّ إنّ خُوَيْلَةَ بِنْتَ حَكِيمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السّلَمِيّةَ، وَهِيَ امْرَأَةُ عُثْمَانَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطِنِي إنْ فتح الله عليك الطائف حلىّ بادية ابنة غيلان بْنِ سَلَمَةَ، أَوْ حُلِيّ الْفَارِعَةِ بِنْتِ عُقَيْلٍ، وَكَانَتَا مِنْ أَحْلَى نِسَاءِ ثَقِيفٍ. فَذُكِرَ لِي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْذَنْ لِي فِي ثَقِيفٍ يَا خُوَيْلَةُ؟ فَخَرَجَتْ خُوَيْلَةُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا حَدِيثٌ حَدّثَتْنِيهِ خُوَيْلَةُ، زَعَمَتْ أَنّك قُلْته؟ قَالَ: قد قلته؛ قال: أو ما أُذِنَ لَك فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَفَلَا أُؤَذّنُ بِالرّحِيلِ؟ قَالَ: بَلَى. قال: فأذّن عمر بالرّحيل. [عيينة بن حصن] فلما استقلّ الناس نادى سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْن عِلَاجٍ: أَلَا إنّ الْحَيّ مُقِيمٌ قال: يقول عيينة بن خصن: أَجَلْ، وَاَللهِ مَجَدَةً كِرَامًا؛ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: قَاتَلَك اللهُ يَا عُيَيْنَةُ، أَتَمْدَحُ الْمُشْرِكِينَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ جِئْت تَنْصُرُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ! فَقَالَ: إنّي وَاَللهِ مَا جِئْت لِأُقَاتِلَ ثَقِيفًا مَعَكُمْ، وَلَكِنّي أَرَدْت أَنْ يَفْتَحَ مُحَمّدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

العبيد الذين نزلوا من حصن الطائف

الطّائِفَ، فَأُصِيبَ مِنْ ثَقِيفٍ جَارِيَةً أَتّطِئُهَا، لَعَلّهَا تَلِدُ لِي رَجُلًا، فَإِنّ ثَقِيفًا قَوْمٌ مَنَاكِيرُ. وَنَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إقَامَتِهِ مِمّنْ كَانَ مُحَاصَرًا بِالطّائِفِ عَبِيدٌ، فَأَسْلَمُوا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم. [العبيد الذين نزلوا من حصن الطائف] قال ابن إسحاق: وحدثنى من لا أنهم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُكَدّمٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ ثَقِيفٍ، قَالُوا: لَمّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطّائِفِ تَكَلّمَ نَفَرٌ مِنْهُمْ فِي أُولَئِكَ الْعَبِيدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا، أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللهِ؛ وَكَانَ مِمّنْ تَكَلّمَ فِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ كَلَدَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ سَمّى ابْنُ إسْحَاقَ مَنْ نَزَلَ مِنْ أُولَئِكَ العبيد. [شعر الضحاك وموضوعه] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَتْ ثَقِيفٌ أَصَابَتْ أَهْلًا لِمَرْوَانَ بْنِ قَيْسٍ الدّوْسِيّ، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ، وَظَاهَرَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ثَقِيفٍ، فَزَعَمَتْ ثَقِيفٌ، وَهُوَ الّذِي تَزْعُمُ بِهِ ثَقِيفٌ أَنّهَا مِنْ قَيْسٍ: أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لِمَرْوَانَ بْنِ قَيْسٍ: خُذْ يَا مَرْوَانُ بِأَهْلِك أَوّلَ رَجُلٍ مِنْ قَيْسٍ تَلْقَاهُ، فَلَقِيَ أُبَيّ بْنَ مَالِكٍ الْقُشَيْرِيّ، فَأَخَذَهُ حَتّى يُؤَدّوا إلَيْهِ أَهْلَهُ، فَقَامَ فِي ذَلِكَ الضّحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيّ، فَكَلّمَ ثَقِيفًا حَتّى أَرْسَلُوا أَهْلَ مَرْوَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشهداء فى يوم الطائف

وَأَطْلَقَ لَهُمْ أُبَيّ بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ الضّحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ فِي شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أبىّ بن مالك: أَتَنْسَى بَلَائِي يَا أُبَيّ بْنَ مَالِكٍ ... غَدَاةَ الرّسُولُ مُعْرِضٌ عَنْك أَشْوَسُ يَقُودُك مَرْوَانُ بْنُ قَيْسٍ بِحَبْلِهِ ... ذَلِيلًا كَمَا قِيدَ الذّلُولُ الْمُخَيّسُ فَعَادَتْ عَلَيْكَ مِنْ ثَقِيفٍ عِصَابَةٌ ... مَتَى يَأْتِهِمْ مُستَقْبِسُ الشّرّ يُقْبِسُوا فَكَانُوا هُمْ الْمَوْلَى فَعَادَتْ حُلُومُهُمْ ... عَلَيْك وَقَدْ كَادَتْ بِك النّفْسُ تَيْأَسُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «يُقْبِسُوا» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسحاق [الشهداء فى يوم الطائف] قال ابن إسحاق: هذه تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الطّائِفِ: مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ: سَعِيدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ الْعَاصِ ابن أُمَيّةَ، وَعُرْفُطَةُ بْنُ جَنّابٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ، مِنْ الْأُسْدِ بْنِ الْغَوْثِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ابْنُ حُبَابٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقُ، رُمِيَ بِسَهْمِ، فَمَاتَ مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، مِنْ رَمْيَةٍ رُمِيَهَا يَوْمَئِذٍ. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصيدة بجير فى حنين والطائف

وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو: السّائِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ. وَمِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ: جُلَيْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْأَنْصَارِ: مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: ثَابِتُ بْنُ الْجَذَعِ. ومن بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ: الْحَارِثُ بْنُ سَهْلِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ. وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ: الْمُنْذِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَمِنْ الْأَوْسِ: رُقَيْمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ. فَجَمِيعُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِالطّائِفِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اثا عَشَرَ رَجُلًا، سَبْعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَرْبَعَةٌ مِنْ الأنصار، ورجل من بنى ليث. [قصيدة بُجَيْرٍ فِي حُنَيْنٍ وَالطّائِفِ] فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الطّائِفِ بَعْدَ الْقِتَالِ وَالْحِصَارِ، قَالُ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى يَذْكُرُ حُنَيْنًا وَالطّائِفَ: كَانَتْ عُلَالَةَ يَوْمَ بَطْنِ حُنَيْنٍ ... وَغَدَاةَ أَوْطَاسٍ وَيَوْمَ الْأَبْرَقِ جَمَعَتْ بِإِغْوَاءِ هَوَازِنُ جَمْعَهَا ... فَتَبَدّدُوا كَالطّائِرِ الْمُتَمَزّقِ لَمْ يَمْنَعُوا مِنّا مَقَامًا وَاحِدًا ... إلّا جِدَارَهُمْ وَبَطْنَ الْخَنْدَقِ وَلَقَدْ تَعَرّضْنَا لِكَيْمَا يَخْرُجُوا ... فَتَحَصّنُوا مِنّا بِبَابٍ مُغْلَقِ تَرْتَدّ حَسْرَانًا إلَى رَجْرَاجَةٍ ... شَهْبَاءَ تَلْمَعُ بِالْمَنَايَا فَيْلَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر أموال هوازن وسباياها وعطايا المؤلفة قلوبهم منها وإنعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها

مَلْمُومَةٍ خَضْرَاءَ لَوْ قَذَفُوا بِهَا ... حَضَنًا لَظَلّ كَأَنّهُ لَمْ يُخْلَقْ مَشْيَ الضّرَاءِ عَلَى الْهَرَاسِ كَأَنّنَا ... قُدْرٌ تَفَرّقُ فِي الْقِيَادِ وَتَلْتَقِي فِي كُلّ سَابِغَةٍ إذَا مَا اسْتَحْصَنَتْ ... كَالنّهْيِ هَبّتْ رِيحُهُ الْمُتَرَقْرِقِ جُدُلٌ تَمَسّ فُضُولُهُنّ نِعَالَنَا ... مِنْ نَسْجِ دَاوُدٍ وَآلِ مُحَرّقِ [أَمْرُ أَمْوَالِ هَوَازِنَ وَسَبَايَاهَا وَعَطَايَا الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْهَا وَإِنْعَامُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا] ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ عَنْ الطّائِفِ عَلَى دَحْنَا حَتّى نَزَلَ الْجِعْرَانَةَ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ النّاسِ، وَمَعَهُ مِنْ هَوَازِنَ سَبْيٌ كَثِيرٌ وَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَوْمَ ظَعَنَ عَنْ ثَقِيفٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُدْعُ عَلَيْهِمْ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اهد ثقيفا وأت بهم. ثُمّ أَتَاهُ وَفْدُ هَوَازِنَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سَبْيِ هَوَازِنَ سِتّةُ آلَافٍ مِنْ الذّرَارِيّ وَالنّسَاءِ، وَمِنْ الْإِبِلِ وَالشّاءِ مَا لَا يُدْرَى مَا عِدّتُهُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ عَبْدِ اللهِ ابن عَمْرٍو: أَنّ وَفْدَ هَوَازِنَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ أَسْلَمُوا، فَقَالُوا: يا رسول، إنّا أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ، وَقَدْ أَصَابَنَا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك، فَامْنُنْ عَلَيْنَا، مَنّ اللهُ عَلَيْك. قَالَ: وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ، ثم أحد بنى سعد ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن بَكْرٍ، يُقَالُ لَهُ زُهَيْرٌ، يُكْنَى أَبَا صُرَدٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّمَا فِي الْحَظَائِرِ عمّاتك وخالاتك وحواضنك اللاتى كُنّ يَكْفُلْنَك، وَلَوْ أَنّا مَلَحْنَا لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِي شَمِرٍ، أَوْ لِلنّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، ثُمّ نَزَلَ مِنّا بِمِثْلِ الّذِي نَزَلْت بِهِ، رَجَوْنَا عَطْفَهُ وَعَائِدَتَهُ عَلَيْنَا، وَأَنْتَ خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: وَلَوْ أَنّا مَالَحْنَا الْحَارِثَ بن أبى شمر، أو النّعمان ابن المنذر. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ عبد الله ابن عَمْرٍو، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبّ إلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالُكُمْ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، خَيّرْتَنَا بَيْنَ أَمْوَالِنَا وَأَحْسَابِنَا، بَلْ تَرُدّ إلَيْنَا نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَهُوَ أَحَبّ إلَيْنَا؛ فَقَالَ لَهُمْ: أَمّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، وَإِذَا مَا أَنَا صَلّيْت الظّهْرَ بِالنّاسِ، فَقُومُوا فَقُولُوا: إنّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللهِ إلَى الْمُسْلِمِينَ، وبالمسلمين إلى رسول الله فى أبناءنا وَنِسَائِنَا، فَسَأُعْطِيكُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَأَسْأَلُ لَكُمْ، فَلَمّا صَلّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنّاسِ الظّهْرَ، قَامُوا فَتَكَلّمُوا بِاَلّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَمّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ. فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: أَمّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلَا. وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: أَمَا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلَا. وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ: أَمّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: بلى، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ: يَقُولُ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ لِبَنِي سُلَيْمٍ: وَهّنْتُمُونِي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمّا مَنْ تَمَسّكَ منكم بحقه من هذا السبى فله بكلّ إنسان ستّ فَرَائِضَ، مِنْ أَوّلِ سَبْيٍ أُصِيبُهُ، فَرَدّوا إلَى النّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبُو وَجْزَةَ يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ السّعْدِيّ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْطَى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جَارِيَةً، يُقَالُ لَهَا رَيْطَةُ بِنْتُ هِلَالِ بْنِ حَيّانَ بْنِ عُمَيْرَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ نَاصِرَةَ بن قصيّة ابن نَصْرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَأَعْطَى عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ جَارِيَةً، يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ بِنْتُ حَيّانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَيّانَ، وَأَعْطَى عُمَرَ بن الخطّاب جارية، فوهها لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ابْنِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عمر، عن عبد الله ابن عُمَرَ، قَالَ: بَعَثْتُ بِهَا إلَى أَخْوَالِي مِنْ بَنِي جُمَحٍ، لِيُصْلِحُوا لِي مِنْهَا، وَيُهَيّئُوهَا، حَتّى أَطُوفَ بِالْبَيْتِ، ثُمّ آتِيَهُمْ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُصِيبَهَا إذَا رَجَعْت إلَيْهَا. قَالَ: فَخَرَجْت مِنْ الْمَسْجِدِ حِينَ فَرَغْتُ، فَإِذَا النّاسُ يَشْتَدّونَ؛ فَقُلْت: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: رَدّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا؛ فَقُلْت: تِلْكُمْ صَاحِبَتُكُمْ فِي بَنِي جُمَحٍ، فَاذْهَبُوا فَخُذُوهَا، فَذَهَبُوا إلَيْهَا، فَأَخَذُوهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمّا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، فَأَخَذَ عَجُوزًا مِنْ عَجَائِزِ هَوَازِنَ، وَقَالَ حِينَ أَخَذَهَا: أَرَى عَجُوزًا إنّي لَأَحْسِبُ لَهَا فِي الْحَيّ نَسَبًا، وَعَسَى أَنْ يَعْظُمَ فِدَاؤُهَا فَلَمّا رَدّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّبَايَا بِسِتّ فَرَائِضَ، أَبَى أَنْ يَرُدّهَا، فَقَالَ له زهير أبو صرد: خذها عنك، فو الله مافوها بِبَارِدِ، وَلَا ثَدْيُهَا بِنَاهِدِ، وَلَا بَطْنُهَا بِوَالِدِ، وَلَا زَوْجُهَا بِوَاجِدِ، وَلَا دَرّهَا بِمَاكِدِ. فَرَدّهَا بِسِتّ فَرَائِضَ حِينَ قَالَ لَهُ زُهَيْرٌ مَا قَالَ؛ فَزَعَمُوا أَنّ عُيَيْنَةَ لَقِيَ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، فَشَكَا إلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنّك وَاَللهِ مَا أَخَذْتهَا بَيْضَاءَ غَرِيرَةً، وَلَا نَصَفًا وَثِيرَةً. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوفد هوازن، وَسَأَلَهُمْ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ مَا فَعَلَ؟ فَقَالُوا: هُوَ بِالطّائِفِ مَعَ ثَقِيفٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرُوا مَالِكًا أَنّهُ إنْ أَتَانِي مُسْلِمًا رَدَدْت عَلَيْهِ أَهْلَهُ وماله، وأعطيته مائة مِنْ الْإِبِلِ، فَأَتَى مَالِكٌ بِذَلِكَ، فَخَرَجَ إلَيْهِ مِنْ الطّائِفِ. وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ خَافَ ثَقِيفًا عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَعْلَمُوا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ مَا قَالَ، فَيَحْبِسُوهُ، فَأَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَهُيّئَتْ لَهُ، وَأَمَرَ بِفَرَسِ لَهُ فَأُتِيَ بِهِ إلَى الطّائِفِ، فَخَرَجَ ليلا، فجلس على فرسا، فَرَكَضَهُ حَتّى أَتَى رَاحِلَتَهُ حَيْثُ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُحْبَسَ، فَرَكِبَهَا، فَلَحِقَ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَدْرَكَهُ بِالْجِعْرَانَةِ أَوْ بِمَكّةَ، فردّ عليه أهله وماله، وأعطاه مائة مِنْ الْإِبِلِ، وَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ؛ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ حِينَ أَسْلَمَ: مَا إنْ رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ بِمِثْلِهِ ... فِي النّاسِ كُلّهِمْ بِمِثْلِ محمّد ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أو فى وَأَعْطَى لِلْجَزِيلِ إذَا اُجْتُدِيَ ... وَمَتَى تَشَأْ يُخْبِرْكَ عَمّا فِي غَدِ وَإِذَا الْكَتِيبَةُ عَرّدَتْ أَنْيَابُهَا ... بِالسّمْهَرِيّ وَضَرْبِ كُلّ مُهَنّدِ فَكَأَنّهُ لَيْثٌ عَلَى أَشْبَالِهِ ... وَسْطَ الْهَبَاءَةِ خَادِرٌ فِي مَرْصَدِ فَاسْتَعْمَلَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ؛ وَتِلْكَ الْقَبَائِلُ: ثُمَالَةُ، وَسَلِمَةُ، وَفَهْمٌ، فَكَانَ يُقَاتِلُ بِهِمْ ثَقِيفًا، لَا يَخْرُجُ لَهُمْ سَرْحٌ إلّا أَغَارَ عَلَيْهِ، حَتّى ضَيّقَ عَلَيْهِمْ؛ فَقَالَ أَبُو مِحْجَنِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِي: هَابَتْ الْأَعْدَاءُ جانبنا ... ثم تغزونا بنو اسلمه وَأَتَانَا مَالِكٌ بِهِمْ ... نَاقِضًا لِلْعَهْدِ وَالْحُرْمَهْ وَأَتَوْنَا فى منازلنا ... ولقد كنّا أولى نقمه قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ رَدّ سَبَايَا حُنَيْنٍ إلَى أَهْلِهَا، رَكِبَ، وَاتّبَعَهُ النّاسُ يَقُولُونَ: يا رسول الله، أقسم علينا فيئنا مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، حَتّى أَلْجَئُوهُ إلَى شَجَرَةٍ، فَاخْتَطَفَتْ عَنْهُ رِدَاءَهُ؛ فَقَالَ: أَدّوا عَلَيّ رِدَائِي أيّها النّاس، فو الله أَنْ لَوْ كَانَ لَكُمْ بِعَدَدِ شَجَرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْته عَلَيْكُمْ، ثُمّ مَا أَلْفَيْتُمُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذّابًا، ثُمّ قَامَ إلَى جَنْبِ بَعِيرٍ، فَأَخَذَ وَبَرَةً مِنْ سَنَامِهِ، فَجَعَلَهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، ثُمّ رَفَعَهَا، ثُمّ قَالَ: أَيّهَا النّاسُ، وَاَللهِ مَالِي مِنْ فَيْئِكُمْ وَلَا هَذِهِ الْوَبَرَةُ إلّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ. فَأَدّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ، فَإِنّ الْغُلُولَ يَكُونُ عَلَى أَهْلِهِ عَارًا وَنَارًا وَشَنَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِكُبّةٍ مِنْ خُيُوطِ شَعَرٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخَذْت هَذِهِ الْكُبّةَ أَعْمَلُ بِهَا بَرْذَعَةَ بَعِيرٍ لِي دَبِرَ؛ فَقَالَ: أَمّا نَصِيبِي مِنْهَا فَلَك! قَالَ: أَمّا إذْ بَلَغَتْ هَذَا فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا، ثُمّ طَرَحَهَا مِنْ يَدِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنّ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ عَلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَيْفُهُ مُتَلَطّخٌ دَمًا، فَقَالَتْ: إنّي قَدْ عَرَفْت أَنّك قَدْ قَاتَلْت، فَمَاذَا أَصَبْت مِنْ غَنَائِمِ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ: دُونَكِ هَذِهِ الْإِبْرَةَ تَخِيطِينَ بِهَا ثِيَابَك، فَدَفَعَهَا إلَيْهَا، فَسَمِعَ مُنَادِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَلْيَرُدّهُ، حَتّى الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ. فَرَجَعَ عَقِيلٌ، فَقَالَ: مَا أَرَى إبْرَتَكِ إلّا قَدْ ذَهَبَتْ، فَأَخَذَهَا، فألقاها فى الغنائم. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُؤَلّفَةَ قُلُوبُهُمْ، وَكَانُوا أَشْرَافًا مِنْ أَشْرَافِ النّاسِ، يَتَأَلّفُهُمْ وَيَتَأَلّفُ بِهِمْ قَوْمَهُمْ، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير، وأعطى حكيم ابن حزام مائة بَعِيرٍ، وَأَعْطَى الْحَارِثَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ، أخا بنى عبد الدار مائة بَعِيرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَصِيرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُ اسْمُهُ الْحَارِثَ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَعْطَى الْحَارِثَ بْنَ هشام مائة بعير، وأعطى سهيل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن عمرو مائة بَعِيرٍ، وَأَعْطَى حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أبى قيس مائة بَعِيرٍ، وَأَعْطَى الْعَلَاءَ بْنَ جَارِيَةَ الثّقَفِيّ، حَلِيفَ بنى زهرة مائة بَعِيرٍ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بن بدر مائة بعير، وأعطى الأقرع بن حابس التميمى مائة بعير. وأعطى مالك بن عوف النّصرىّ مائة بعير، وأعطى صفوان بن أميّة مائة بعير، فهؤلاء أصحاب المئين. وأعطى دون المائة رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الزّهْرِيّ، وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ، وَهِشَامُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، لَا أَحْفَظُ مَا أَعْطَاهُمْ، وَقَدْ عَرَفْت أَنّهَا دُونَ المائة، وأعطى سعيد بن يربوع بن عنكثة ابن عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى السّهْمِيّ خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: واسمه عدىّ بن قيس. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَعْطَى عَبّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ أَبَاعِرَ فَسَخِطَهَا، فَعَاتَبَ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ يعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت نِهَابًا تَلَافَيْتُهَا ... بِكَرّي عَلَى الْمُهْرِ فِي الْأَجْرَعِ وَإِيقَاظِي الْقَوْمَ أَنْ يَرْقُدُوا ... إذَا هَجَعَ النّاسُ لَمْ أَهْجَعْ فَأَصْبَحَ نَهْبِي وَنَهْبُ الْعَبِيدِ ... بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ وَقَدْ كُنْتُ فِي الْحَرْبِ ذَا تُدْرَإٍ ... فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا وَلَمْ أُمْنَعْ إلّا أَفَائِلَ أُعْطِيتُهَا ... عَدِيدَ قَوَائِمِهَا الْأَرْبَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلَا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ شَيْخِي فِي الْمَجْمَعِ وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئِ مِنْهُمَا ... ومن تضع اليوم لا يرفع قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي يُونُسُ النّحْوِيّ: فَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلَا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي الْمَجْمَعِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبُوا بِهِ، فَاقْطَعُوا عَنّي لِسَانَهُ، فَأَعْطَوْهُ حَتّى رَضِيَ، فَكَانَ ذَلِك قَطْعَ لِسَانِهِ الّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قال ابن هشام: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنّ عَبّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أَنْتَ الْقَائِلُ: «فَأَصْبَحَ نَهْبِي وَنَهْبُ الْعَبِيدِ بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةِ» ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ: بَيْنَ عيينة والأفرع؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمَا وَاحِدٌ؛ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنّك كَمَا قَالَ اللهُ: (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إسْنَادٍ لَهُ، عَنْ ابن شهاب لزهرى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: بَايَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم من قريش وَغَيْرِهِمْ، فَأَعْطَاهُمْ يَوْمَ الْجِعْرَانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ: أَبُو سفيان بن حرب بن أميّة، وطليق ابن سُفْيَانَ بْنِ أُمَيّةَ، وَخَالِدُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ أبى العيص بن أميّة. ومن بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ: شَيْبَةُ بْنُ عثمان بن أبى طحة بن عبد العزّى ابن عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ، وَأَبُو السّنَابِلِ بْنِ بَعْكَكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ السّبّاقِ بن عبد الدار، وعكرمة بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ. وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ: زُهَيْرُ بن أبى أميّة بن المغيرة، والحارث ابن هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَخَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَهِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَسُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَالسّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ: مُطِيعُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ نَضْلَةَ، وَأَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ. وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرٍو: صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَأُحَيْحَةُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبِ بْنِ خَلَفٍ. وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ: عَدِيّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ. وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ: حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ العزى بن أبي قيس بن عبد ود هِشَامُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حُبَيّبٍ. وَمِنْ أَفْنَاءِ الْقَبَائِلِ: مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ: نَوْفَلُ بن معاوية ابن عُرْوَةَ بْنِ صَخْرِ بْنِ رَزْنِ بْنِ يَعْمَرَ بْنِ نُفَاثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ الدّيلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَمِنْ بَنِي قَيْسٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِي كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ: عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ. وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: خَالِدُ بْنُ هَوْذَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بن عمرو بن عامر ابن رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ هَوْذَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرٍو. وَمِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: مَالِكُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ وَمِنْ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ: عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمٍ وَمِنْ بَنِي غَطَفَانَ، ثُمّ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ: عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر. ومن بَنِي تَمِيمٍ ثُمّ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ: الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسِ بْنِ عِقَالٍ، مِنْ بَنِي مُجَاشِعِ بْنِ دَارِم. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ: أَنّ قَائِلًا قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطَيْت عُيَيْنَةَ بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة، وَتَرَكْت جُعَيْلَ بْنَ سُرَاقَةَ الضّمْرِيّ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاَلّذِي نفس محمد بيده لجميل بْنُ سُرَاقَةَ خَيْرٌ مِنْ طِلَاعِ الْأَرْضِ، كُلّهُمْ مِثْلُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَلَكِنّي تَأَلّفْتهمَا لِيُسْلِمَا، وَوَكَلْتُ جُعَيْلَ بْنَ سُرَاقَةَ إلى إسلامه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى جرمان الأنصار

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ مِقْسَمِ أَبِي الْقَاسِمِ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: خَرَجْت أَنَا وَتَلِيدُ بْنُ كِلَابٍ اللّيْثِيّ، حَتّى أَتَيْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، مُعَلّقًا نَعْلَهُ بِيَدِهِ، فَقُلْنَا لَهُ: هَلْ حَضَرْتَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ كَلّمَهُ التّمِيمِيّ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، يُقَالُ لَهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُعْطِي النّاسَ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، قَدْ رَأَيْتُ مَا صَنَعْتَ فِي هَذَا اليوم؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ، فَكَيْفَ رَأَيْت؟ فَقَالَ: لَمْ أَرَك عَدَلْت؛ قَالَ: فَغَضِبَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ قَالَ: وَيْحَك! إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَدْلُ عِنْدِي، فَعِنْدَ مَنْ يَكُونُ؟! فَقَالَ عُمَرُ ابن الْخَطّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ: لَا، دَعْهُ فَإِنّهُ سَيَكُونُ لَهُ شِيعَةٌ يَتَعَمّقُونَ فِي الدّينِ حَتّى يَخْرُجُوا مِنْهُ كَمَا يَخْرُجُ السّهْمُ مِنْ الرّمِيّةِ، يُنْظَرُ فِي النّصْلِ، فَلَا يوجد شىء، ثم فى القدح، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ، ثُمّ فِي الْفُوقِ، فَلَا يوجد شىء، سبق الفرث والدّم. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَسَمّاهُ ذَا الْخُوَيْصِرَةِ. [شِعْرُ حَسّانَ فِي جرمان الْأَنْصَارِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بن أبى نجيج، عَنْ أَبِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلَمّا أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أعطى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا، قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُعَاتِبُهُ فِي ذَلِكَ: زَادَتْ هُمُومٌ فَمَاءُ الْعَيْنِ مُنْحَدِرُ ... سَحّا إذَا حَفَلَتْهُ عَبْرَةٌ دَرِرُ وَجْدًا بِشَمّاءَ إذْ شَمّاءُ بهكنة ... هيفاء لاذنن فِيهَا وَلَا خَوَرُ دَعْ عَنْك شَمّاءَ إذْ كَانَتْ مَوَدّتُهَا ... نَزْرًا وَشَرّ وِصَالِ الْوَاصِلِ النّزِرُ وَأْتِ الرّسُولَ فَقُلْ يَا خَيْرَ مُؤْتَمَنٍ ... لِلْمُؤْمِنِينَ إذَا مَا عُدّدَ الْبَشَرُ عَلَامَ تُدْعَى سُلَيْمٌ وَهْي نَازِحَةٌ ... قُدّامَ قَوْمٍ هُمْ آوَوْا وَهُمْ نَصَرُوا سَمّاهُمْ اللهُ أَنْصَارًا بِنَصْرِهِمْ ... دِينَ الْهُدَى وَعَوَانُ الْحَرْبِ تَسْتَعِرُ وَسَارَعُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْتَرَفُوا ... لِلنّائِبَاتِ وَمَا خَامُوا وَمَا ضَجِرُوا وَالنّاسُ أَلْبٌ عَلَيْنَا فِيك لَيْسَ لَنَا ... إلّا السّيُوفَ وَأَطْرَافَ الْقَنَا وَزَرُ نُجَالِدُ النّاسَ لَا نُبْقِي عَلَى أَحَدٍ ... وَلَا نُضَيّعُ مَا تُوحِي بِهِ السّوَرُ وَلَا تَهِرّ جُنَاةُ الْحَرْبِ نَادِيَنَا ... وَنَحْنُ حِينَ تَلَظّى نَارُهَا سُعُرُ كَمَا رَدَدْنَا بِبَدْرٍ دُونَ مَا طَلَبُوا ... أَهْلَ النّفَاقِ وَفِينَا يُنْزَلُ الظّفَرُ وَنَحْنُ جُنْدُك يَوْمَ النّعْفِ مِنْ أُحُدٍ ... إذْ حَزّبَتْ بَطَرًا أَحْزَابَهَا مُضَرُ فَمَا وَنِيّنَا وَمَا خِمْنَا وَمَا خَبَرُوا ... مِنّا عِثَارًا وَكُلّ الناس قد عثروا قال ابن هشام: حدثنى زياد بن عبد الله، قَالَ: حَدّثَنَا ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: لَمّا أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فِي قُرَيْشٍ وَفِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ، حَتّى كَثُرَتْ مِنْهُمْ الْقَالَةُ حَتّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقَدْ لَقِيَ وَاَللهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْك فِي أَنْفُسِهِمْ، لِمَا صَنَعْت فى هذا الفىء الذى أصبت، قسمت فى قومك، وأعطيت عطايا عظاما فى قبائل الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُ فِي هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ. قَالَ: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَنَا إلّا مِنْ قَوْمِي. قَالَ: فَاجْمَعْ لِي قَوْمَك فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ. قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ، فَجَمَعَ الْأَنْصَارَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ قَالَ: فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ، فَدَخَلُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدّهُمْ فَلَمّا اجْتَمَعُوا لَهُ أَتَاهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: قَدْ اجْتَمَعَ لَك هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ: مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ، وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا عَلَيّ فِي أنفسكم؟ ألم آتكم ضلّالا فهذاكم اللهُ، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللهُ، وَأَعْدَاءً فَأَلّفَ اللهُ بين قلوبكم! قالوا: يلى، اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنّ وَأَفْضَلُ ثُمّ قَالَ: أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ قَالُوا: بِمَاذَا نُجِيبُك يَا رَسُولَ اللهِ؟ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنّ وَالْفَضْلُ. قَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أَمَا وَاَللهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ، فَلَصَدَقْتُمْ وَلَصُدّقْتُمْ: أَتَيْتَنَا مُكَذّبًا فصدّقناك، ومخذولا فنصرنك، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاك، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاك. أَوَجَدْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِكُمْ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدّنْيَا تَأَلّفْت بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إسْلَامِكُمْ، أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَنْ يَذْهَبَ النّاسُ بِالشّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللهِ إلَى رحالكم؟ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عمرة الرسول من الجعرانة واستخلافه عتاب بن أسيد على مكة، وحج عتاب بالمسلمين سنة ثمان

فو الذى نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ. اللهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ. قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللهِ قَسْمًا وَحَظّا. ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وتفرّقوا. [عُمْرَةُ الرّسُولِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَاسْتِخْلَافُهُ عَتّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَى مَكّةَ، وَحَجّ عَتّابٌ بِالْمُسْلِمِينَ سَنَةَ ثمان] [اعتمار الرسول واستخلافه ابن أسيد على مكة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ مُعْتَمِرًا، وَأَمَرَ بِبَقَايَا الْفَيْءِ فَحُبِسَ بِمَجَنّةَ، بِنَاحِيَةِ مَرّ الظّهْرَانِ، فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عُمْرَتِهِ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ وَاسْتَخْلَفَ عَتّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَى مَكّةَ، وَخَلّفَ مَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، يُفَقّهُ النّاسَ فِي الدّينِ، وَيُعَلّمُهُمْ الْقُرْآنَ، وَاتّبِعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَقَايَا الْفَيْءِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنّهُ قَالَ: لَمّا اسْتَعْمَلَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَتّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَى مَكّةَ رَزَقَهُ كُلّ يَوْمٍ دِرْهَمًا، فَقَامَ فَخَطَبَ النّاسَ، فَقَالَ: أَيّهَا النّاسُ، أَجَاعَ اللهُ كَبِدَ مَنْ جَاعَ عَلَى دِرْهَمٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقت العمرة

فَقَدْ رَزَقَنِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دِرْهَمًا كُلّ يَوْمٍ، فَلَيْسَتْ بِي حَاجَةٌ إلى أحد. [وَقْتُ الْعُمْرَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ عُمْرَةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ فِي بَقِيّةِ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ فِي ذِي الْحِجّةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ لِسِتّ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فِيمَا زَعَمَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَجّ النّاسُ تِلْكَ السّنَةَ عَلَى مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَحُجّ عَلَيْهِ، وَحَجّ بِالْمُسْلِمِينَ تِلْكَ السّنَةَ عَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ، وَهِيَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وأقام أهل الطائف على شِرْكِهِمْ وَامْتِنَاعِهِمْ فِي طَائِفِهِمْ، مَا بَيْنَ ذِي الْقَعْدَةِ إذْ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ. [أَمْرُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ بَعْدَ الِانْصِرَافِ عَنْ الطّائِفِ] وَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُنْصَرَفِهِ عَنْ الطّائِفِ كَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى إلَى أَخِيهِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ يُخْبِرُهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَتَلَ رِجَالًا بِمَكّةَ، مِمّنْ كَانَ يَهْجُوهُ وَيُؤْذِيهِ، وَأَنّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شُعَرَاءِ قُرَيْشٍ، ابْنَ الزّبَعْرَى وَهُبَيْرَةَ بن أبى وهب، قد هروا فِي كُلّ وَجْهٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَك فِي نَفْسِك حَاجَةٌ، فَطِرْ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَإِنّهُ لَا يَقْتُلُ أَحَدًا جَاءَهُ تَائِبًا، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَانْجُ إلَى نَجَائِك مِنْ الْأَرْضِ؛ وَكَانَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ قَدْ قَالَ: أَلَا أَبْلِغَا عَنّي بُجَيْرًا رِسَالَةً ... فَهَلْ لَكَ فِيمَا قُلْتُ وَيْحَك هَلْ لَكَا؟ فَبَيّنْ لَنَا إنْ كُنْتَ لَسْتَ بِفَاعِلٍ ... عَلَى أَيّ شَيْءٍ غَيْرَ ذَلِكَ دَلّكَا عَلَى خلق لم ألف يوما أباله ... عَلَيْهِ وَمَا تُلْفِي عَلَيْهِ أَبَا لَكَا فَإِنْ أنت لم تفعل فلست بآسف ... ولا قائل إِمّا عَثَرْتَ: لَعًا لَكَا سَقَاكَ بِهَا الْمَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيّةً ... فَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلّكَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى «الْمَأْمُورُ» . وَقَوْلُهُ «فَبَيّنْ لَنَا» عن غير ابن إسحاق. وأنشدنى بعض أهل العلم بالشعر وحديثه: مَنْ مُبْلِغٌ عَنّي بُجَيْرًا رِسَالَةً ... فَهَلْ لَكَ فِيمَا قُلْت بِالْخَيْفِ هَلْ لَكَا شَرِبْتَ مَعَ المأمون كأسا روية ... فأنهلك المأمون منها وعلكا وَخَالَفْتَ أَسْبَابَ الْهُدَى وَاتّبَعْتَهُ ... عَلَى أَيّ شَيْءٍ وَيْبَ غَيْرِك دَلّكَا عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمّا وَلَا أَبًا ... عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْتُ بآسف ... ولا قائل إما عثرت: لعا لكا قَالَ: وَبَعَثَ بِهَا إلَى بُجَيْرٍ، فَلَمّا أَتَتْ بُجَيْرًا كَرِهَ أَنْ يَكْتُمَهَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْشَدَهُ إيّاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمّا سَمِعَ «سَقَاك بِهَا الْمَأْمُونُ» . صَدَقَ وَإِنّهُ لَكَذُوبٌ، أَنَا الْمَأْمُونُ: وَلَمّا سَمِعَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قدوم كعب على الرسول وقصيدته اللامية

«عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمّا وَلَا أَبًا عليه» قال: أجل، لم يلف عَلَيْهِ» قَالَ: أَجَلْ، لَمْ يُلْفِ عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلَا أُمّهُ. ثُمّ قَالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبِ: مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا فَهَلْ لَكَ فِي الّتِي ... تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلًا وَهْيَ أَحْزَمُ إلَى اللهِ (لَا الْعُزّى وَلَا اللّاتِ) وَحْدَهُ ... فَتَنْجُو إذَا كَانَ النّجَاءُ وَتَسْلَمُ لَدَى يَوْمِ لَا يَنْجُو وَلَيْسَ بِمُفْلِتٍ ... مِنْ النّاسِ إلّا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِمُ فَدِينُ زُهَيْرٍ وَهُوَ لَا شَيْءَ دِينُهُ ... وَدِينُ أَبِي سُلْمَى عَلَى مُحَرّمِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنّمَا يَقُولُ كَعْبٌ: «الْمَأْمُونُ» ، وَيُقَالُ: «الْمَأْمُورُ» فِي قَوْلِ ابْنِ هِشَامٍ، لِقَوْلِ قُرَيْشٍ الّذِي كَانَتْ تَقُولُهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. [قُدُومُ كَعْبٍ عَلَى الرّسُولِ وَقَصِيدَتُهُ اللّامِيّةُ] قَالَ ابن إسحاق: فلما بلغ كعبا الكتاب ضافت به الأرض، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كَانَ فِي حَاضِرِهِ مِنْ عَدُوّهِ، فَقَالُوا: هُوَ مَقْتُولٌ: فَلَمّا لَمْ يَجِدْ مِنْ شَيْءٍ بُدّا، قَالَ قَصِيدَتَهُ الّتِي يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَذَكَرَ فِيهَا خَوْفَهُ وَإِرْجَافَ الْوُشَاةِ بِهِ مِنْ عَدُوّهِ، ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ عَلَى رَجُلٍ كَانَتْ بينه وبينه معرفة، من جهينة، كما ذكرلى، فَغَدَا بِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلّى الصّبْحَ، فَصَلّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أَشَارَ لَهُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَذَا رَسُولُ اللهِ، فَقُمْ إليه فاستأمنه. فذكرلى أَنّهُ قَامَ إلَى رَسُولِ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى جَلَسَ إلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَعْرِفُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ قَدْ جَاءَ لِيَسْتَأْمِنَ مِنْك تَائِبًا مُسْلِمًا، فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ مِنْهُ إنْ أَنَا جِئْتُك بِهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ؛ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّهُ وَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي وَعَدُوّ اللهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ عَنْك، فَإِنّهُ قَدْ جَاءَ تَائِبًا، نَازِعًا (عَمّا كَانَ عَلَيْهِ) قَالَ فَغَضِبَ كَعْبٌ عَلَى هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ، لِمَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُمْ، وَذَلِكَ أَنّهُ لَمْ يَتَكَلّمْ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلّا بِخَيْرِ، فَقَالَ فِي قَصِيدَتِهِ الّتِي قَالَ حِينَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مُتَبْولُ ... مُتَيّمٌ إثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إذْ رَحَلُوا ... إلّا أَغَنّ غَضِيضُ الطّرْفِ مَكْحُولُ هَيْفَاءُ مُقْبِلَةً عَجْزَاءُ مُدْبِرَةً ... لَا يُشْتَكَى قِصَرٌ مِنْهَا وَلَا طُولُ تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إذا ابتسمت ... كأنّه منهل بالروح مَعْلُولُ شُجّتْ بِذِي شَيَمٍ مِنْ مَاءِ مَحْنِيَةٍ ... صَافٍ بِأَبْطَحَ أَضْحَى وَهْوَ مَشْمُولُ تَنْفِي الرّيَاحُ الْقَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطَهُ ... مِنْ صَوْبِ غَادِيَةٍ بِيضٌ يَعالِيلُ فَيَالَهَا خُلّةً لَوْ أَنّهَا صَدَقَتْ ... بِوَعْدِهَا أَوْ لَوَ انّ النّصْحَ مَقْبُولُ لَكِنّهَا خُلّةٌ قد سيط من دمها ... فجع وولع وإخلاف وتبديل فما تدرم عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا ... كَمَا تَلَوّنُ فِي أثوابها الغول ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَمَا تَمَسّكُ بِالْعَهْدِ الّذِي زَعَمَتْ ... إلّا كَمَا يُمْسِكُ الْمَاءَ الْغَرَابِيلُ فَلَا يَغُرّنْكَ مَا مَنّتْ وَمَا وَعَدَتْ ... إنّ الْأَمَانِيّ وَالْأَحْلَامَ تَضْلِيلُ كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا ... وَمَا مَوَاعِيدُهَا إلّا الْأَبَاطِيلُ أَرْجُو وَآمُلُ أَنْ تَدْنُو مَوَدّتُهَا ... وَمَا إخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ أَمْسَتْ سُعَادُ بِأَرْضٍ لَا يُبَلّغُهَا ... إلّا الْعِتَاقُ النّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ وَلَنْ يُبَلّغَهَا إلّا عُذَافِرَةٌ ... لَهَا عَلَى الْأَيْنِ إرْقَالٌ وَتَبْغِيلُ مِنْ كُلّ نَضّاخَةِ الذّفْرَى إذَا عَرِقَتْ ... عُرْضَتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ تَرْمِي الْغُيُوبَ بِعَيْنَيْ مُفْرِدٍ لَهَقٍ ... إذَا تَوَقّدَتْ الْحِزّانُ وَالْمِيلُ ضَخْمٌ مُقَلّدُهَا فَعْمٌ مُقَيّدُهَا ... فِي خَلْقِهَا عَنْ بَنَاتِ الْفَحْلِ تَفْضِيلُ غَلْبَاءُ وَجْنَاءُ عُلْكُومٌ مُذَكّرَةٌ ... فِي دَفّهَا سَعَةٌ قُدّامُهَا مِيلُ وَجِلْدُهَا مِنْ أُطُومٍ مَا يُؤَيّسُهُ ... طِلْحٌ بِضَاحِيَةِ الْمَتْنَيْنِ مَهْزُولُ حَرْفٌ، أَخُوهَا أَبُوهَا مِنْ مُهَجّنَةٍ ... وَعَمّهَا خَالُهَا قَوْدَاءُ شِمْلِيلُ يَمْشِي الْقُرَادُ عَلَيْهَا ثُمّ يُزْلِقُهُ ... مِنْهَا لَبَانٌ وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ عَيْرَانَةٌ قُذِفَتْ بِالنّحْضِ عَنْ عرض ... مرفقها عن بنات لزّور مَفْتُولُ كَأَنّمَا فَاتَ عَيْنَيْهَا وَمَذْبَحَهَا ... مِنْ خَطْمِهَا وَمِنْ اللّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ تَمُرّ مِثْلَ عَسِيبِ النّخْلِ ذَا خُصَلٍ ... فِي غَارِزٍ لَمْ تَخَوّنْهُ الْأَحَالِيلُ قَنْوَاءُ فِي حُرّتَيْهَا لِلْبَصِيرِ بِهَا ... عِتْقٌ مُبِينٌ وَفِي الْخَدّيْنِ تَسْهِيلُ تَخْدِي عَلَى يَسَرَاتٍ وَهْيَ لَاحِقَةٌ ... ذَوَابِلٍ مَسّهُنّ الْأَرْضَ تَحْلِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سُمْرِ الْعُجَايَاتِ يَتْرُكْنَ الْحَصَى زِيَمًا ... لَمْ يَقِهِنّ رؤس الْأُكْمِ تَنْعِيلُ كَأَنّ أَوْبَ ذِرَاعَيْهَا وَقَدْ عَرِقَتْ ... وقد تلفّع بالقور العساقيل يَوْمًا يَظَلّ بِهِ الْحِرْبَاءُ مُصْطَخِدًا ... كَأَنّ ضَاحِيَهُ بالشّمس مملول وقال للقوم حاديهم وقد جعلت ... ورق الجنادب يركضن الحصاقيلوا شَدّ النّهَارِ ذِرَاعَا عَيْطَلٍ نَصَفٍ ... قَامَت فَجَاوَبَهَا نُكْدٌ مَثَاكِيلُ نَوّاحَةٍ رِخْوَةِ الضّبْعَيْنِ لَيْسَ لَهَا ... لَمّا نَعَى بِكْرَهَا النّاعُونَ مَعْقُولُ تَفْرِى اللّبَانَ بِكَفّيْهَا وَمِدْرَعُهَا ... مُشَقّقٌ عَنْ تَرَاقِيهَا رَعَابِيلُ تَسْعَى الغواة جنابيها وقولهم ... إنّك يابن أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ وَقَالَ كُلّ صَدِيقٍ كُنْتُ آمُلُهُ ... لَا أُلْهِيَنّكَ إنّي عَنْكَ مَشْغُولُ فَقُلْتُ خَلّوا سَبِيلِي لَا أَبَا لَكُمْ ... فَكُلّ مَا قَدّرَ الرّحْمَنُ مَفْعُولُ كُلّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ ... يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ نبّئت أنّ رسول الله أو عدنى ... وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ مَأْمُولُ مَهْلًا هَدَاك الذى أعطاك نافلة ... القرآن فِيهَا مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ لَا تَأْخُذَنّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ ... أُذْنِبْ وَلَوْ كَثُرَتْ فِيّ الْأَقَاوِيلُ لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ بِهِ ... أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الْفِيلُ لَظَلّ يَرْعَدُ إلّا أَنْ يَكُونَ لَهُ ... مِنْ الرّسُولِ بِإِذْنِ اللهِ تَنْوِيلُ حَتّى وَضَعْتُ يَمِينِي مَا أُنَازِعُهُ ... فِي كَفّ ذِي نَقِمَاتٍ قِيلُهُ الْقِيلُ فَلَهْوَ أَخْوَفُ عِنْدِي إذْ أُكَلّمُهُ ... وَقِيلَ إنّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْئُولُ مِنْ ضَيْغَمٍ بِضَرَاءِ الْأَرْضِ مُخْدَرُهُ ... فِي بَطْنِ عَثّرَ غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يَغْدُو فَيُلْحِمُ ضِرْغَامَيْنِ عَيْشُهُمَا ... لَحْمُ مِنْ النّاسِ مَعْفُورٌ خَرَادِيلُ إذَا يُسَاوِرُ قِرْنًا لَا يَحِلّ لَهُ ... أَنْ يَتْرُكَ الْقِرْنَ إلّا وَهُوَ مَفْلُولُ مِنْهُ تَظَلّ سِبَاعُ الْجَوّ نَافِرَةً ... وَلَا تَمَشّى بِوَادِيهِ الْأَرَاجِيلُ وَلَا يَزَالُ بِوَادِيهِ أَخُو ثِقَةٍ ... مُضَرّجُ الْبَزّ وَالدّرْسَانِ مَأْكُولُ إنّ الرّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... مُهَنّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ فِي عُصْبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ ... بِبَطْنِ مَكّةَ لَمّا أَسْلَمُوا زُولُوا زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفُ ... عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ شُمّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالُ لَبُوسُهُمْ ... مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ بِيضٌ سَوَابِغُ قَدْ شُكّتْ لَهَا حَلَقٌ ... كَأَنّهَا حَلَقُ الْقَفْعَاءِ مَجْدُولُ لَيْسُوا مَفَارِيحَ إنْ نَالَتْ رِمَاحُهُمْ ... قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعًا إذَا نِيلُوا يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالِ الزّهْرِ يَعْصِمُهُمْ ... ضَرْبٌ إذَا عَرّدَ السّودُ التّنَابِيلُ لَا يَقَعَ الطّعْنُ إلّا فِي نُحُورِهِمْ ... وَمَا لَهُمْ عن حياض الموت تهليل قال ابن هشام: قَالَ كَعْبٌ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ بَعْدَ قُدُومِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وَبَيْتُهُ: «حَرْفٌ أَخُوهَا أَبُوهَا» وَبَيْتُهُ: «يَمْشِي الْقُرَادُ» ، وَبَيْتُهُ: «عَيْرَانَةٌ قُذِفَتْ» ، وَبَيْتُهُ: «تُمِرّ مِثْلَ عَسِيبِ النّخْلِ» ، وَبَيْتُهُ: «تَفْرِي اللّبَان» وَبَيْتُهُ: «إذَا يُسَاوِرُ قِرْنَا» وَبَيْتُهُ: «وَلَا يَزَالُ بِوَادِيهِ» : عَنْ غَيْرِ ابن إسحاق. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

استرضاء كعب الأنصار بمدحه إياهم

[اسْتِرْضَاءُ كَعْبٍ الْأَنْصَارَ بِمَدْحِهِ إيّاهُمْ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: فَلَمّا قَالَ كَعْبٌ: «إذَا عَرّدَ السّودُ التّنَابِيلُ» ، وَإِنّمَا يُرِيدُنَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، لِمَا كَانَ صَاحِبُنَا صَنَعَ بَهْ مَا صَنَعَ، وَخَصّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمِدْحَتِهِ، غَضِبَتْ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ؛ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ يَمْدَحُ الْأَنْصَارَ، وَيَذْكُرُ بَلَاءَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وموضعهم من اليمن: مَنْ سَرّهُ كَرْمُ الْحَيَاةِ فَلَا يَزَلْ ... فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَارِ وَرِثُوا الْمَكَارِمَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ ... إنّ الْخِيَارَ هُمْ بَنُو الْأَخْيَارِ الْمُكْرِهِينَ السّمْهَرِيّ بِأَذْرُعٍ ... كَسَوَالِفِ الْهِنْدِيّ غَيْرَ قِصَارِ وَالنّاظِرِينَ بِأَعْيُنٍ مُحْمَرّةٍ ... كَالْجَمْرِ غَيْرَ كَلَيْلَةِ الْأَبْصَارِ وَالْبَائِعِينَ نُفُوسَهُمْ لِنَبِيّهِمْ ... لِلْمَوْتِ يَوْمَ تَعَانُقٍ وَكِرَارِ وَالْقَائِدِينَ النّاسَ عَنْ أَدْيَانِهِمْ ... بِالْمَشْرَفِيّ وَبِالْقَنَا الْخَطّارِ يَتَطَهّرُونَ يَرَوْنَهُ نُسْكًا لَهُمْ ... بِدِمَاءِ مَنْ عَلِقُوا مِنْ الْكُفّارِ دَرِبُوا كَمَا دَرِبَتْ بِبَطْنٍ خَفِيّةٍ ... غُلْبُ الرّقَابِ مِنْ الْأَسْوَدِ ضَوَارِي وَإِذَا حَلَلْتَ لِيَمْنَعُوك إلَيْهِمْ ... أَصْبَحْتَ عِنْدَ مَعَاقِلِ الْأَعْفَارِ ضَرَبُوا عَلِيّا يَوْمَ بَدْرٍ ضَرْبَةً ... دَانَتْ لِوَقْعَتِهَا جَمِيعُ نِزَارِ لَوْ يَعْلَمُ الْأَقْوَامُ عِلْمِي كُلّهُ ... فِيهِمْ لَصَدّقَنِي الّذِينَ أُمَارِي قَوْمٌ إذَا خَوَتْ النّجُومُ فَإِنّهُمْ ... لِلطّارِقِينَ النّازِلِينَ مَقَارِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فِي الْغُرّ مِنْ غَسّانَ مِنْ جُرْثُومَةٍ ... أَعْيَتْ مَحَافِرُهَا عَلَى الْمِنْقَارِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ حَيْنَ أَنْشَدَهُ: «بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ» : لَوْلَا ذَكَرْت الْأَنْصَارَ بِخَيْرِ، فَإِنّهُمْ لِذَلِكَ أَهْلٌ، فَقَالَ كَعْبٌ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ، وَهِيَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ لِي عَنْ عَلِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ أَنّهُ قَالَ: أَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمَسْجِدِ: «بانت سعاد فقلبى اليوم متبول» ـــــــــــــــــــــــــــــ غَزْوَةُ الطّائِفِ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ النّسَبِ أَنّ الدّمون بن الصّدف، واسم الصّدف: ملك ابن مالك بن مرتّع بن كندة من حضر موت أَصَابَ دَمًا مِنْ قَوْمِهِ، فَلَحِقَ بِثَقِيفٍ، فَأَقَامَ فِيهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: أَلَا أَبْنِي لَكُمْ حَائِطًا يُطِيفُ بِبَلَدِكُمْ، فَبَنَاهُ، فَسُمّيَ بِهِ الطّائِفُ، ذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ هَكَذَا» قَالَ: وَإِنّمَا هُوَ الدّمُونُ بْنُ عبيد ابن مَالِكِ بْنِ دَهْقَلٍ، وَهُوَ مِنْ الصّدَفِ، وَلَهُ ابْنَانِ أَدْرَكَا النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَايَعَاهُ، اسْمُ أَحَدِهِمَا: الْهُمَيْلُ، وَالْآخَرُ: قَبِيصَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا أَبُو عُمَرَ فِي الصّحَابَةِ، وَذَكَرَهُمَا غَيْرُهُ.

_ (1) ذكر؟؟؟؟ معجم ما استعجم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ أَنّ أَصْلَ أَعْنَابِهَا أَنّ قَيْسَ «1» بْنَ مُنَبّهٍ، وَهُوَ ثَقِيفٌ أَصَابَ دَمًا فِي قَوْمِهِ أَيْضًا، وَهُمْ إيَادٌ فَفَرّ إلَى الْحِجَازِ، فَمَرّ بِامْرَأَةٍ يَهُودِيّةٍ فَآوَتْهُ «2» ، وَأَقَامَ عِنْدَهَا زَمَانًا، ثُمّ انْتَقَلَ عَنْهَا، فَأَعْطَتْهُ قُضُبًا مِنْ الْحُبْلَةِ وَأَمَرَتْهُ أَنْ يَغْرِسَهَا فِي أَرْضٍ وَصَفَتْهَا لَهُ، فَأَتَى بِلَادَ عَدْوَانَ، وَهُمْ سُكّانُ الطّائِفِ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ، فَمَرّ بِسُخَيْلَةَ «3» جَارِيَةِ عَامِرِ بْنِ الظّرِبِ الْعَدْوَانِيّ، وَهِيَ تَرْعَى غَنَمًا، فَأَرَادَ سِبَاءَهَا، وَأَخَذَ الْغَنَمَ، فَقَالَتْ لَهُ: أَلَا أَدُلّك عَلَى خَيْرٍ مِمّا هَمَمْت بِهِ، اقْصِدْ إلَى سَيّدِي وَجَاوِرْهُ فَهُوَ أَكْرَمُ النّاسِ، فَأَتَاهُ فَزَوّجَهُ مِنْ بِنْتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ عَامِرٍ، فَلَمّا جَلَتْ عَدْوَانُ عَنْ الطّائِفِ بِالْحُرُوبِ الّتِي وَقَعَتْ بَيْنَهَا أَقَامَ قَسِيّ، وَهُوَ ثَقِيفٌ، فَمِنْهُ تَنَاسَلَ أَهْلُ الطّائِفِ، وَسُمّيَ: قَسِيّا بِقَسْوَةِ قَلْبِهِ حِينَ قَتَلَ أَخَاهُ أَوْ ابْنَ عَمّهِ «4» ، وَقِيلَ: سمي ثقيفا لِقَوْلِهِمْ فِيهِ: مَا أَثْقَفَهُ حِينَ ثَقِفَ عَامِرًا حَتّى أَمّنَهُ وَزَوّجَهُ بِنْتَه. وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسّرِينَ وَجْهًا آخَرَ فِي تَسْمِيَتِهَا بِالطّائِفِ، فَقَالَ فِي الْجَنّةِ الّتِي ذَكَرَهَا اللهُ سُبْحَانَهُ فِي سُورَةِ «ن» حَيْثُ يَقُولُ: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ ن: 19. قَالَ: كَانَ الطّائِفُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ اقْتَلَعَهَا مِنْ مَوْضِعِهَا، فَأَصْبَحَتْ كَالصّرِيمِ، وَهُوَ اللّيْلُ، أَصْبَحَ موضعها كذلك،

_ (1) فى الأصل قيس. ولكنه قسى كما سيذكر، وكما ورد فى كتب النسب. (2) فى البكرى «فاتخذها أما، واتخذته ابنا» . (3) فى معجم البكرى: خصيلة، وقيل: زبينة. (4) فى البكرى: ابن عمه، وأنه قال هقب قتله: وحربة ناهل أوجرت عمرا ... فمالى بعده أبدا قرار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثُمّ سَارَ بِهَا إلَى مَكّةَ، فَطَافَ بِهَا حَوْلَ الْبَيْتِ، ثُمّ أَنْزَلَهَا حَيْثُ الطّائِفُ الْيَوْمَ، فَسُمّيَتْ بِاسْمِ الطّائِفِ الّذِي طَافَ عَلَيْهَا، وَطَافَ بِهَا، وَكَانَتْ تِلْكَ الْجَنّةُ بِضَرْوَانَ «1» عَلَى فَرَاسِخَ مِنْ صَنْعَاءَ، وَمِنْ ثَمّ كَانَ الْمَاءُ وَالشّجَرُ بِالطّائِفِ دُونَ مَا حَوْلَهَا مِنْ الْأَرَضِينَ، وَكَانَتْ قصة أصحاب الجنة بعد عيسى بن مَرْيَمَ صَلّى اللهُ عَلَى نَبِيّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلّمَ بِيَسِيرٍ، ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ النّقّاشُ وَغَيْرُهُ «2» . فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ ثَقِيفٌ هُوَ قَسِيّ بْنُ مُنَبّهٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، فَكَيْفَ قَالَ سِيبَوَيْهِ حَاكِيًا عَنْ الْعَرَبِ: ثَقِيفُ بْنُ قَسِيّ، فَجَعَلَهُ ابْنًا لِقَسِيّ؟ قِيلَ: إنّمَا أَرَادَ سِيبَوَيْهِ أَنّ الْحَيّ سُمّيَ ثَقِيفًا، وَهُمْ بَنُو قسىّ، كما قالوا باهلة ابن أَعْصَرَ، وَإِنّمَا هِيَ أُمّهُمْ، وَلَكِنْ سُمّيَ الْحَيّ بِهَا، ثُمّ قِيلَ فِيهِ: ابْنُ أَعْصَرَ «3» ، كَذَلِكَ قَالُوا: ثَقِيفُ بْنُ قَسِيّ عَلَى هَذَا، وَيُقَوّي هَذَا أَنّ سِيبَوَيْهِ إنّمَا قَالَ حَاكِيًا: هَؤُلَاءِ ثقيف بن قسىّ.

_ (1) فى الأصل: ضوارن والتصويب من البكرى وتفسير ابن كثير، وهى على بعد ستة أميال من صنعاء كما نقل ابن كثير عن سعيد بن جبير. (2) أقوال بلا سند. والنقاش يفترى الكثير، وقد ورد أنهم من أهل الحبشة، وأنهم كانوا أهل كتاب. (3) فى الاشتقاق: من قبائل سعد بن قيس: أعصر بن سعد، وهو أبو غنى وباهلة والطفاوة، ولقب أعصر لبيت قاله، وكان من المعمرين. والبيت كما هو فى اللسان: أبنى إن أباك غير لونه ... كر الليالى واختلاف الأعصر ثم قال عن باهلة إنها امرأة من مذحج أو من همدان، وإنها حضنت كل أولاد معن بن أعصر أو معن بن مالك بن أعصر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آلَاتُ الْحَرْبِ فِي الطّائِفِ فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَعَلّمَ أَهْلِ الطّائِفِ صَنْعَةَ الدّبّابَاتِ وَالْمَجَانِيقِ وَالضّبُورِ. الدّبّابَةُ آلَةٌ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ يَدْخُلُ فِيهَا الرّجَالُ فَيَدُبّونَ بِهَا إلَى الْأَسْوَارِ لِيَنْقُبُوهَا, وَالضّبُورُ مِثْلُ رُءُوسِ الْأَسْفَاطِ يُتّقَى بِهَا فِي الْحَرْبِ عِنْدَ الِانْصِرَافِ وَفِي الْعَيْنِ الضّبْرُ جُلُودٌ يُغْشَى بِهَا خَشَبٌ يُتّقَى بِهَا فِي الْحَرْبِ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ الزّهْرِيّ " أَنّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حِينَ مَسَخَ بَنِي إسْرَائِيلَ قِرَدَةً مَسَخَ رُمّانَهُمْ الْمَظّ وَبُرّهُمْ الذّرَةَ وَعِنَبَهُمْ الْأَرَاكَ, وَجَوْزَهُمْ الضّبْرَ "وَهُوَ مِنْ شَجَرِ الْبَرِيّةِ وَلَهُ ثَمَرٌ كَالْجَوْزِ لَا نَفْعَ فِيهِ فَهَذَا مَعْنًى آخَرُ غَيْرَ الْأَوّلِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الضّبْرِ إنّهُ كَالْجَوْزِ يُنَوّرُ وَلَا يُطْعَمُ «1» . قَالَ وَيُقَالُ أَظَلّ الظّلَالِ ظِلّ الضّبْرَةِ وَظِلّ التّنْعِيمَةِ وَظِلّ الْحَجَرِ, قَالَ وَوَرَقُهَا كَدَارٍ كَثِيفَةٍ فَكَانَ ظِلّهَا لِذَلِكَ أَلْمَى «2» , وَأَمّا الْمَظّ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ وَرُمّانُ الْبَرّ يُنَوّرُ وَلَا يُثْمِرُ وَلَهُ جُلّنَارُ كَمَا لِلرّمّانِ «3» يُمْتَصّ مِنْهُ الْمَذَخُ وَهُوَ عَسَلٌ كَثِيرٌ يُشْبِعُ مَنْ امْتَصّهُ حَتّى يَمْلَأَ بَطْنَهُ ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ في النّبَاتِ.

_ (1) في اللسان: ولا يعقد (2) ظل ألمى: كثيف (3) الجلنار: زدر الرمان، معرب كلنار. وفي الأصل: الزمان بدلا من الرمان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَأَمّا الْمَجَانِيقُ «1» : فَمَعْرُوفَةٌ وَهِيَ أَعْجَمِيّةٌ عَرّبَتْهَا الْعَرَبُ. قَالَ كُرَاعٌ: كُلّ كَلِمَةٍ فِيهَا جِيمٌ وَقَافٌ، أَوْ جِيمٌ وَكَافٌ فَهِيَ أَعْجَمِيّةٌ، وَذَلِكَ كَالْجُوَالِقِ وَالْجَوْلَقِ «2» وَجِلّقٍ وَالْكَيْلَجَةِ وَهِيَ مِكْيَالٌ صَغِيرٌ، وَالْكَفْجَلَارُ «3» وَهِيَ الْمِغْرَفَةُ وَالْقَبْجُ وَهُوَ الْحَجَلُ وَمَا كَانَ نَحْوَ ذَلِكَ، وَالْمِيمُ فِي مَنْجَنِيقٍ أَصْلِيّةٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَالنّونُ زَائِدَةٌ، وَلِذَلِكَ سَقَطَتْ فِي الْجَمْعِ «4» . حول شعر كعب: وذكر شعر كعب وفيه: وَكَمْ مِنْ مَعْشَرٍ أَلَبُوا عَلَيْنَا أَيْ جَمَعُوا، وَصَمِيمُ الْجِذْم مَفْعُولٌ بِأَلَبُوا، وَفِيهِ يَصِفُ السّيُوفَ: كأمثال العقاثق أخلصتها ... قيون الهند لم تضرب كتيفا

_ (1) جمع منجنيق بفتح الميم وكسرها آلة ترمى بها الحجارة كالمنجنوق معربة، وقد تذكر فارسيتها من جهنيك، أى: أنا ما أجودنى وجمعها منجنيقات ومجانق، وقد جنقوا، وجنقوا، ومجنقوا. (2) بكسر الجيم واللام، وبضم الجيم وفتح اللام وكسرها وجمعه جوالق كصحائف وجواليق بفتح الجيم وجوالقات بضم الجيم، أما الخفاجى فى شفاء الغليل فيقول: بالضم مفرد وجمعه جوالق بالفتح ناد- معرب. وبعضهم- ومنهم سيبويه سينكر جوالقات لأنهم جمعوا جوالق جمع تكسير. وفى اللسان: الجوالق بضم الجيم وفتح اللام وكسرها مفرد. ولم أجد جولق فلعله يعنى: جوسق، وهو اسم قصر صغير. (3) لم أهتد إلى ضبطها. (4) فى القاموس جمعها: منجنيقات ومجانق ومجانيق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْعَقَائِقُ: جَمْعُ عَقِيقَةٍ، وَهُوَ الْبَرْقُ تَنْعَقُ عَنْهُ السّحَابُ «1» . وَقَوْلُهُ: لَمْ تَضْرِبْ كَتِيفًا، جَمْعُ كَتِيفَةٍ، وَهِيَ صَحِيفَةٌ مِنْ حَدِيدٍ صَغِيرَةٌ، وَأَصْلُ الْكَتِيفِ: الضّيّقُ مِنْ كُلّ شَيْءٍ. شِعْرُ كِنَانَةَ: وَذَكَرَ شعر كنانة بن عبد يا ليل الثّقَفِيّ، وَفِيهِ: وَكَانَتْ لَنَا أَطْوَاؤُهَا وَكُرُومُهَا الْأَطْوَاءُ: جَمْعُ طَوِيّ، وَهِيَ الْبِئْرُ، جُمِعَتْ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ تَوَهّمُوا سُقُوطَ يَاءَ فَعِيلٍ مِنْهَا إذْ كَانَتْ زَائِدَةً «2» وَفِيهَا: وَقَدْ جَرّبَتْنَا قَبْلَ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ إنّمَا قَالَ هَذَا جَوَابًا لِلْأَنْصَارِ، لِأَنّهُمْ بَنُو حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بن عامر، وعمر وَهُوَ مُزَيْقِيَاءُ، وَعَامِرٌ هُوَ مَاءُ السّمَاءِ، وَلَمْ يَرِدْ أَنّ الْأَنْصَار جَرّبَتْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنّمَا أَرَادَ إخْوَتَهُمْ، وَهُمْ خُزَاعَةُ لِأَنّهُمْ بَنُو رَبِيعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَقَدْ كَانُوا حَارَبُوهُمْ عِنْدَ نُزُولِهِمْ مكة، وقال البكرى فى معنى

_ (1) عرفه القاموس: العقيقة من البرق ما يبقى فى السحاب من شعاعه، ولعل تنعق: تنشق. (2) يقول ابن الأثير: الطوى فى الأصل صفة فعيل بمعنى مفعول، فلذلك جمعوه على الأطواء، كشريف وأشراف، وإن كان قد انتقل إلى باب الإسمية

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَذَا الْبَيْتِ: إنّمَا أَرَادَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَكَانُوا مُجَاوِرِينَ لِثَقِيفٍ وَأُمّهُمْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ الظّرِبِ الْعَدْوَانِيّ، وَأُخْتُهَا زَيْنَبُ كَانَتْ تَحْتَ ثَقِيفٍ، وَأَكْثَرُ قَبَائِلِ ثَقِيفٍ مِنْهَا، وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَنْزَلَتْ بَنِي عَمْرِو ابن عَامِرٍ فِي أَرْضِهِمْ لِيَعْمَلُوا فِيهَا، وَيَكُونَ لَهُمْ النّصْفُ فِي الزّرْعِ وَالثّمَرِ، ثُمّ إنّ ثَقِيفًا مَنَعَتْهُمْ ذَلِكَ، وَتَحَصّنُوا مِنْهُمْ بِالْحَائِطِ الّذِي بَنَوْهُ حَوْلَ حَاضِرِهِمْ، فَحَارَبَتْهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، فَلَمْ يَظْفَرُوا مِنْهُمْ بِشَيْءٍ، وَجَلَوْا عَنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ كِنَانَةُ: وَقَدْ جَرّبَتْنَا قَبْلَ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ الْبَيْتُ ذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ لَخّصْته «1» . أَوّلُ مَنْ رَمَى بِالْمَنْجَنِيقِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَالْإِسْلَامِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حِصَارَ الطّائِفِ، وَأَنّ أَوّلَ مَنْ رَمَى بِالْمَنْجَنِيقِ فِي الْإِسْلَامِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْمُؤَلّفُ: وَأَمّا فِي الْجَاهِلِيّةِ: فَيُذْكَرُ أَنّ جَذِيمَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ فَهْمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دَوْسٍ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْأَبْرَشِ أَوّلُ مَنْ رَمَى بِالْمَنْجَنِيقِ، وكان من ملوك الطّوائف، وكان يعرف بِالْوَضّاحِ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا مُنَادِمُ الْفَرْقَدَيْنِ، لِأَنّهُ رَبَأَ بِنَفْسِهِ عَنْ مُنَادَمَةِ النّاسِ، فَكَانَ إذَا شرب نادم الفرقدين عجبا

_ (1) أنظر ص 77، 78 ج 1 معجم ما استعجم للبكرى، ولكن البكرى ينسب هذه القصيدة إلى الأجش بن مرداس بن عمرو بن عامرين سيار بْنِ مَالِكِ بْنِ حُطَيْطِ بْنِ جُشَمَ بْنِ قسى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِنَفْسِهِ، ثُمّ نَادَمَ بَعْدَ ذَلِكَ مَالِكًا وَعُقَيْلًا اللّذَيْنِ يَقُولُ فِيهِمَا مُتَمّمُ [بْنُ نُوَيْرَةَ يَرْثِي أَخَاهُ مَالِكًا] : وَكُنّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً ... مِنْ الدّهْرِ حَتّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدّعَا «1» وَيُذْكَرُ أَيْضًا أَنّهُ أَوّلُ مَنْ أَوْقَدَ الشّمْعَ. غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ: وَذَكَرَ حُلِيّ بَادِيَةَ بِنْتِ غَيْلَانَ، وَهُوَ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ الثّقَفِيّ، وَهُوَ الّذِي أَسْلَمَ، وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَأَمَرَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمْسِكَ أَرْبَعًا «2» ، وَيُفَارِقَ سَائِرَهُنّ، فَقَالَ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ: يَخْتَارُ أَرْبَعًا، وَقَالَ فُقَهَاءُ

_ (1) وبعده: وعشنا بخير فى الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا فلما تفرقنا كأنى ومالك ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا وكان ضرار بن الأزور الأسدى قد قتل مالكا بأمر خالد بن الوليد. ومالك وعقيل ابنا فارج هما اللذان عثرا على عمرو بن عدى بن أخت حذيمة فى أودية السماوة بعد ضلاله فيها عدة سنوات، فحملاه إلى خاله جذيمة، ثم سألاه منادمته، فلم يزالا نديميه حتى فرق الموت بينهم. وهما اللذان يذكرهما أبو خراش الهذلى فى شعره بقوله: ألم تعلمى أن قد تفرق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل ويضرب المثل بهما للمتواخيين، فيقال: كندمانى جذيمة وقد دامت لهما رتبة المنادمة- كما قيل- أربعين سنة. (2) روى حديثه هذا أحمد والترمذى وابن حبان والحاكم. ولحديثه هذا عند الحافظ فى الإصابة تخريجات عديدة فراجعه فى ترجمة غبلان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْعِرَاقِ: بَلْ يُمْسِكُ الّتِي تَزَوّجَ أَوّلًا، ثُمّ الّتِي تَلِيهَا إلَى الرّابِعَةِ «1» ، وَاحْتَجّ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ بِأَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْهُ أَيّتَهنّ تَزَوّجَ أَوّلَ، وَتَرْكُهُ لِلِاسْتِفْصَالِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ مُخَيّرٌ حَتّى جَعَلَ الْأُصُولِيّونَ مِنْهُمْ هَذَا أَصْلًا مِنْ أُصُولِ الْعُمُومِ، فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ: تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَاتِ الْأَحْوَالِ مَعَ الِاحْتِمَالِ يَتَنَزّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، كَحَدِيثِ غَيْلَانَ. وَغَيْلَانُ هَذَا هُوَ الّذِي قُدّمَ عَلَى كِسْرَى، فَسَأَلَهُ أَيّ وَلَدِهِ أَحَبّ إلَيْهِ؟ فَقَالَ غَيْلَانُ: الْغَائِبُ حَتّى يَقْدَمَ، وَالْمَرِيضُ حَتّى يُفِيقَ، وَالصّغِيرُ حَتّى يَكْبُرَ، فَقَالَ لَهُ كِسْرَى: مَا غِذَاؤُك فِي بَلَدِك؟ قَالَ: الْخُبْزُ: قَالَ: هَذَا عَقْلُ الْخُبْزِ، تَفْضِيلًا لِعَقْلِهِ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الْوَرّ، وَنَسَبَ الْمُبَرّدُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ مَعَ كِسْرَى إلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيّ الْحَنَفِيّ، وَالصّحِيحُ عِنْدَ الْإِخْبَارِيّينَ مَا قَدّمْنَاهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ. بَادِيَةُ بِنْتُ غَيْلَانَ: وَأَمّا بَادِيَةُ ابْنَتُهُ، فَقَدْ قِيلَ فِيهَا: بَادِنَةُ بِالنّونِ، وَالصّحِيحُ بِالْيَاءِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَهِيَ الّتِي قَالَ فِيهَا هِيتٌ الْمُخَنّثُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ: إنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ الطّائِفَ، فَإِنّي أَدُلّك عَلَى بَادِيَةَ بِنْتِ غَيْلَانَ، فَإِنّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَسَمِعَهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: قاتلك

_ (1) يقول أبو حنيفة: إن تزوجهن فى عقد واحد فسد نكاح الجميع، وإن تزوجهن مترتبات ثبت نكاح الأربع، وفسد نكاح من بعدهن، ولا تخيير، أما الجمهور فعلى التخيير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللهُ لَقَدْ أَمْعَنْت النّظَرَ، وَقَالَ: لَا يَدْخُلَنّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُنّ «1» ثُمّ نَفَاهُ إلَى رَوْضَةِ خَاخٍ، فَقِيلَ: إنّهُ يَمُوتُ بِهَا جُوعًا فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ كُلّ جُمُعَةٍ يَسْأَلُ النّاسَ، وَيُرْوَى فِي الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ لَمْ تَقَعْ فِي الصّحِيحِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ «2» مَعَ ثَغْرٍ كَالْأُقْحُوَانِ، إنْ قَامَتْ تَثَنّتْ، وَإِنْ قَعَدَتْ تَبَنّتْ «3» ، وَإِنْ تَكَلّمَتْ تَغَنّتْ، يَعْنِي مِنْ الْغُنّةِ، وَالْأَصْلُ تَغَنّنَتْ، فَقُلِبَتْ إحْدَى النّونَيْنِ يَاءً، وَهِيَ هَيْفَاءُ «4» شَمُوعٌ نَجْلَاءُ كَمَا قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ: بَيْضَاءُ فَرْعَاءٌ يُسْتَضَاءُ بِهَا ... كَأَنّهَا خُوطُ بَانَةٍ قصف

_ (1) الرواية فى صحيح البخارى: لا يدخل عليكم. هذا ولم قسم بادية فى صحيح البخارى. وحديث هيت عند مسلم وأبى داود والنسائى دون تسميته. (2) يعنى- كما قال القالى فى الأمالى- أنها تقبل بأربع عكن، فإذا رأيتها من خلف رأيت لكل عكنة طرفين، فصارت ثمانية ص 160، ج 1 الأمالى. والعكنة: الطى الذى فى البطن من السمن. (3) أى فرجت رجليها لضخم ركبها كأنه شبهها بالقبة من الأدم وهى المبناة لسمنها وكثرة لحمها، وقيل: شبهها بها إذا ضربت وطنبت انفرجت وكذلك هذه إذا قعدت تربعت وفرجت رجليها «النهاية لابن الأثير» وقيل من تبنت الناقة إذا باعدت ما بين فخذيها عند الحلب ص 422 سمط اللالى. (4) فى سمط البكرى: فإنها مبتلة هيفاء شموع نجلاء تناصف وجهها فى القسامة، وتجزأ معتدلا في الوسامة. وقد تسب هذا الوصف لنعيمان المخنث وهو يصف عائشة بنت طلحة ص 421 سمط الآلى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَنْتَرِقُ الطّرْفَ، وَهِيَ لَاهِيَةٌ ... كَأَنّمَا شَفّ وَجْهَهَا نُزَفُ «1» تَنَامُ عَنْ كِبْرِ شَأْنِهَا فَإِذَا قَا ... مَتْ رُوَيْدًا تَكَادُ تَنْغَرِفُ «2» وَفِي هَذَا الْبَيْتِ صَحّفَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَعْنِي قَوْلَهُ: تُغْتَرَقُ، فَقَالَ هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، حَتّى هُجّيَ بِذَلِكَ «3» ، فَقِيلَ: أَلَسْت قِدْمًا جَعَلْت تَعْتَرِقُ ... الطّرْفَ بِجَهْلِ مَكَانٍ تَغْتَرِقُ وَقُلْت: كَانَ الْخِبَاءُ مِنْ أَدَمٍ ... وَهُوَ حباء يهدى ويصطدق «4»

_ (1) بعده: بين شكول النساء خلقتها ... قصد فلا جبلة ولا قضف وقد ضبطت نزف فى اللسان كما ذكرت. والنزف الاسم من نزف فلان دمه ومن نزفه الدم ينزفه إذا خرج منه كثيرا. والنزف: الضعف الحادث عن ذلك. أما فى البيت، فقد قال ابن الأعرابى: من الضعف والانبهار- ولم يزد على ذلك قال غيره: النزف هنا الجرح الذى ينزف عنه دم الإنسان، وقال أبو منصور: أراد أنها رقيقة المحاسن حتى كأن دمها منزوف. ومعنى تغترق: تستغرق عيون الناس بالنظر إليها، وهى غافلة ثم هى رقيقة المحاسن كأن دمها ودم وجهها نزف والمرأة أحسن ما تكون غب نفاسها لأنه ذهب تهيج الدم، فصارت رقيقة المحاسن «اللسان مادة غرق ومادة نزف» . (2) تتثنى أو تنقصف من دقة خصرها. (3) هجاه المفجع البصرى، وقد تقدم ذكر هذا عند الحديث عز جنب. (4) ذكره الشيخ بدر الدين الزركشى فى كراسة له سماها: عمل من طب لمن حب، وروى البيت الأول هكذا: ألست مما صحفت تغترق الط ... رف بجهل فقلت تعترق ورواه التيجانى فى تحفة العروس: ألم تصحف، فقلت تعترق الط ... رف بجهل مكان تغترق ص 366 ج 2 المزهر للسيوطى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَانَ صَحّفَ أَيْضًا قَوْلَ مُهَلْهَلٍ، فَقَالَ فِيهِ: الْخِبَاءُ «1» ، وَبَادِيَةُ هَذِهِ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ جُوَيْرِيَةَ وَهِيَ امْرَأَةُ المسور ابن مَخْرَمَةَ. الْمُخَنّثُونَ الّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ: وَكَانَ الْمُخَنّثُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةً: هِيتٌ هَذَا، وَهَرِمٌ وَمَاتِعٌ «2» ، وَإِنْهٌ، وَلَمْ يَكُونُوا يَزْنُونَ بِالْفَاحِشَةِ الْكُبْرَى، وَإِنّمَا كَانَ تَأْنِيثُهُمْ لِينًا فِي الْقَوْلِ وَخِضَابًا فِي الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ كَخِضَابِ النّسَاءِ، وَلَعِبًا كَلَعِبِهِنّ، وَرُبّمَا لَعِبَ بَعْضُهُمْ بِالْكُرّجِ «3» ، وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُدَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، رَأَى لَاعِبًا يَلْعَبُ بِالْكُرّجِ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنّي رَأَيْت هَذَا يَلْعَبُ بِهِ عَلَى عَهْدِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَنَفَيْته مِنْ الْمَدِينَةِ. عُيَيْنَةُ وَذَكَرَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَاسْمُهُ: حُذَيْفَةُ، وَإِنّمَا قِيلَ لَهُ: عُيَيْنَةُ لِشَتْرٍ كَانَ بِعَيْنِهِ. الْعَبِيدُ الّذِينَ نَزَلُوا مِنْ حِصْنِ الطّائِفِ وَذَكَرَ الْعَبِيدَ الّذِينَ نَزَلُوا مِنْ الطّائِفِ، وَلَمْ يُسَمّهِمْ، وَمِنْهُمْ أبو بكرة

_ (1) سبق قول مهلهل عند الحديث عن جنب. (2) ذكرهم البكرى فى السمط ص 421 وقد نقله الحافظ فى الإصابة عن البكرى وقال: هدم بالدال. (3) دخيل معرب كره لا أصل له فى العربية وهو مثل المهر يتخذ ليعلب عليه، ولهذا نسب إليه المخنث فقيل عنه: الكرجى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نُفَيْعُ بْنُ مَسْرُوحٍ تَدَلّى مِنْ سُوَرِ الطّائِفِ عَلَى بَكْرَةٍ، فَكُنّيَ أَبَا بَكْرَةَ، وَهُوَ مِنْ أَفَاضِلِ الصّحَابَةِ، وَمَاتَ بِالْبَصْرَةِ، وَمِنْهُمْ الْأَزْرَقُ، وَكَانَ عَبْدًا لِلْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ الْمُتَطَبّبُ، وَهُوَ زَوْجُ سميّة مولاة الحارث أمّ زياد ابن أَبِي سُفْيَانَ، وَأُمّ سَلَمَةَ بْنِ الْأَزْرَقِ، وَبَنُو سَلَمَةَ بْنُ الْأَزْرَقِ، وَلَهُمْ صِيتٌ وَذِكْرٌ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ انْتَسَبُوا إلَى غَسّانَ، وَغَلِطَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ، فَجَعَلَ سُمَيّةَ هَذِهِ الْمَذْكُورَةَ أُمّ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَجَعَلَ سَلَمَةَ بْنَ الْأَزْرَقِ أَخَا عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ لِأُمّهِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَنّ الْأَزْرَقَ خَرَجَ مِنْ الطّائِفِ، فَأَسْلَمَ وَسُمَيّةُ قَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ قَتَلَهَا أَبُو جَهْلٍ، وَهِيَ إذْ ذَاكَ تَحْتَ يَاسِرٍ أَبِي عَمّارٍ، كَمَا تَقَدّمَ فِي بَابِ الْمَبْعَثِ. فَتَبَيّنَ غَلَطُ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَوَهْمُهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُمَرَ النّمِرِيّ كَمَا قُلْت. وَمِنْ أُولَئِكَ الْعَبِيدِ: الْمُنْبَعِثُ، وَكَانَ اسْمُهُ الْمُضْطَجِعُ، فَبَدّلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَهُ، وَكَانَ عَبْدًا لِعُثْمَانِ بن عامر ابن مُعَتّبٍ. وَمِنْهُمْ يُحَنّسُ النّبّالُ، وَكَانَ عَبْدًا لِبَعْضِ آلِ يَسَارٍ. وَمِنْهُمْ: وَرْدَانُ جَدّ الْفُرَاتِ بْنِ زَيْدِ بْنِ وَرْدَان، وَكَانَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ رييعة بْنِ خَرَشَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ، وَكَانَ أَيْضًا لِخَرَشَةَ، وَجَعَلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَاءَ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدِ لِسَادَتِهِمْ، حِينَ أَسْلَمُوا. كُلّ هَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابن هشام «1» .

_ (1) ومنهم: يسار، وأبو السائب، ومرزوق ص 418 إمتاع الأسماع للمقريزى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ فِيهِمْ نَافِعَ بْنَ مَسْرُوحٍ، وَهُوَ أَخُو نُفَيْعِ أَبِي بَكْرَةَ، وَيُقَالُ فِيهِ وَفِي أَخِيهِ ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ. وَذَكَرَ ابْنُ سَلَامٍ فِيهِمْ نَافِعًا مَوْلَى غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثّقَفِيّ، وَذَكَرَ أَنّ وَلَاءَهُ رَجَعَ إلَى غَيْلَانَ حِينَ أَسْلَمَ وَأَحْسَبُهُ وَهْمًا مِنْ ابْنِ سَلَامٍ، أَوْ مِمّنْ رَوَاهُ عَنْهُ، وَإِنّمَا الْمَعْرُوفُ نَافِعُ بْنُ غَيْلَانَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. مِنْ نَسَبِ بُجَيْرِ بْنِ زُهَيْرٍ: وَذَكَرَ شِعْرَ بُجَيْرِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَاسْمُ أَبِي سُلْمَى: رَبِيعَةُ، وَهُوَ مِنْ بَنِي لَاطِمِ بْنِ عُثْمَانَ، وهم مُزَيْنَةُ، عُرِفُوا بِأُمّهِمْ، وَقَدْ قَدّمْنَا أَنّهَا بِنْتُ كَلْبِ بْنِ وَبَرَةَ، وَأَنّ أُخْتَهَا الْحَوْأَبُ، وَبِهَا سُمّيَ مَاءُ الْحَوْأَبِ، وَعُثْمَانُ هُوَ ابْنُ أَدّ بْنِ طَابِخَةَ. حَوْلَ شِعْرِ بُجَيْرٍ: وَقَوْلُهُ: كَانَتْ عُلَالَةُ يَوْمَ بَطْنِ حُنَيْنٍ هَذَا مِنْ الْإِقْوَاءِ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ أَنْ يُنْقِصَ حَرْفًا مِنْ آخِرِ الْقَسِيمِ الْأَوّلِ مِنْ الْكَامِلِ، وَهُوَ الذى كان الأصمعىّ يسميه المقعد «1» .

_ (1) وكذلك كان يسميه الخليل لنقصانه من عروض البيت قوة. وأبو ذر الخشنى يقرأ حنينا مصغرة أى يتضعيف الياء مع كسرها مصغرة، وبهذا لا يكون فى البيت إقواء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: كَانَتْ عُلَالَةَ. الْعُلَالَةُ: جَرْيٌ بَعْدَ جَرْيٍ، أَوْ قِتَالٌ بَعْدَ قِتَالٍ» ، يُرِيدُ: أَنّ هَوَازِنَ جَمَعَتْ جَمْعَهَا عُلَالَةً فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَحُذِفَ التّنْوِينُ مِنْ عُلَالَةَ ضَرُورَةً، وَأُضْمِرَ فِي كَانَتْ اسْمُهَا، وَهُوَ الْقِصّةُ، وَإِنْ كَانَتْ الرّوَايَةُ بِخَفْضِ يَوْمٍ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْتِزَامِ الضّرُورَةِ الْقَبِيحَةِ بِالنّصْبِ، وَلَكِنّ أَلْفِيّتَهُ فِي النّسْخَةِ الْمُقَيّدَةِ، وَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ مَخْفُوضًا بِالْإِضَافَةِ جَازَ فِي عُلَالَةَ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى خَبَرِ كَانَ، فَيَكُونُ اسْمُهَا عَائِدًا عَلَى شَيْءٍ تَقَدّمَ ذِكْرُهُ، وَيَجُوزُ الرّفْعُ فِي عُلَالَةَ مَعَ إضَافَتِهَا إلَى يَوْمٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ كَانَ تَامّةً مُكْتَفِيَةً بِاسْمٍ واحد، ويجور أَنْ تَجْعَلَهَا اسْمًا عَلَمًا لِلْمَصْدَرِ مِثْلَ بَرّةَ وَفَجَارِ «2» ، وَيُنْصَبُ يَوْمٌ عَلَى الظّرْفِ كَمَا تَقَيّدَ فِي النّسْخَةِ. وَقَوْلُهُ: تَرْتَدّ حَسْرَانَا، جَمْعُ: حَسِيرٍ وَهُوَ الْكَلِيلُ. وَالرّجْرَاجَةُ: الْكَتِيبَةُ الضّخْمَةُ مِنْ الرّجْرَجَةِ، وَهِيَ شِدّةُ الْحَرَكَةِ وَالِاضْطِرَابِ. وَفَيْلَقٌ: مِنْ الْفِلْقِ، وَهِيَ الدّاهِيَةُ. وَالْهَرَاسُ: شَوْكٌ مَعْرُوفٌ وَالضّرَاءُ: الْكِلَابُ، وَهِيَ إذَا مَشَتْ فِي الْهَرَاسِ ابْتَغَتْ لِأَيْدِيهَا مَوْضِعًا، ثُمّ تَضَعُ أَرْجُلَهَا فِي مَوْضِعِ أَيْدِيهَا، شَبّهَ الْخَيْلَ بِهَا. وَالْفُدُرُ: الْوُعُولُ الْمُسِنّةُ. وَالنّهِيءُ: الْغَدِيرُ، سُمّيَ بِذَلِكَ، لِأَنّهُ مَاءٌ نَهَاهُ مَا ارتفع من الأرض عن السّيلان فوقف.

_ (1) وهى من العلل: الشرب بعد الشرب، وأراد به هاهنا معنى التكرار كما قال أبو ذر ص 410. (2) فجار اسم للفجرة والفجور مثل قطام، وهو معرفة علم غير مصروف وبرة كذلك اسم علم غير مصروف بمعنى البر، قال النابغة: إنا اقتسمنا خطتينا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: جُدُلٌ: جَمْعُ جَدْلَاءَ، وَهِيَ الشّدِيدَةُ الْفَتْلِ، وَمَنْ رَوَاهُ: جَدْلٌ، فَمَعْنَاهُ: ذَاتُ جَدْلٍ. وَقَوْلُهُ: وَآل مُحَرّقِ يَعْنِي عُمَرَ بْنِ هِنْدَ مَلِكَ الْحِيرَةِ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ بِمُحَرّقٍ، وَفِي زَمَانِهِ وُلِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرُوا- وَاَللهُ أَعْلَمُ. دَحْنَا وَمَسْحُ ظَهْرِ آدَمَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ انْصِرَافَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطّائِفِ عَلَى دَحْنَا. وَدَحْنَا هَذِهِ هِيَ الّتِي خُلِقَ مِنْ تُرْبِهَا آدَمُ صَلّى اللهُ عَلَى نَبِيّنَا وَعَلَيْهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: إنّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ دَحْنَا، وَمَسَحَ ظَهْرَهُ بِنُعْمَانِ الْأَرَاكِ «1» رَوَاهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وَكَانَ مَسْحُ ظَهْرِ آدَمَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْجَنّةِ بِاتّفَاقٍ مِنْ الرّوَايَاتِ، وَاخْتَلَفَتْ الرّوَايَةُ فِي مَسْحِ ظَهْرِهِ، فَرُوِيَ مَا تقدم، وهو أصح، وروى أن

_ (1) قال البكرى: موضع بسيف البحر، وفى اللسان: بين الطائف ومكة، وعند ياقوت أنها من مخاليف الطائف: ويرى البكرى أن ابن إسحاق أراد أنه سلك على وحى، إذ ليس فى الطائف سيف تجر. ونعمان: وادى عرفة دونها إلى منى، وهو كثير الأراك. وفى ياقوت: واد بنبته- أى ينبت الأراك- وبصب إلى ودان بلد غزاه النبى وهو بين مكة والطائف، يسكنه هذيل «معجم ياقوت وكتابه المشترك وضعا» وزعم أن الله خلق آدم من دحنا قول لا يثيته سند صحيح. ويخالف ما رواه أحمد وأبو داود والترمذى وابن حبان فى صحيحه من أن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض. ثم: ألا يكفينا ما ورد فى القرآن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَلِكَ كَانَ فِي سَمَاءِ الدّنْيَا قَبْلَ هُبُوطِهِ إلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ قَوْلُ السّدّيّ، وَكِلْتَا الرّوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الطّبَرِيّ. وَقَوْلُهُ: حَتّى نَزَلَ الْجِعْرَانَةَ، بِسُكُونِ الْعَيْنِ فِيهَا هُوَ أَصَحّ الرّوَايَتَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطّابِيّ أَنّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ يُشَدّدُونَ الرّاءَ «1» ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنّ الْمَرْأَةَ الّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ كَانَتْ تُلَقّبُ بِالْجِعْرَانَةِ، وَاسْمُهَا: رَيْطَةُ بِنْتُ سَعْدٍ، وَأَنّ الْمَوْضِعَ يُسَمّى بِهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ. حَوْلَ قَوْلِ زُهَيْرٍ أَبِي صُرَدٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ زُهَيْرًا أَبَا صُرَدٍ، وَقَوْلُهُ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَوْ أَنّا مَلَحْنَا لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِي شَمِرٍ، أَوْ لِلنّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ التّعْرِيفُ بِالْحَارِثِ وَبِالنّعْمَانِ، وَمَلَحْنَا: أَرْضَعْنَا، وَالْمِلْحُ: الرّضَاعُ قَالَ الشّاعِرُ: فَلَا يُبْعِدُ اللهُ رَبّ الْعِبَا ... دِ وَالْمِلْحُ مَا وَلَدَتْ خَالِدَهْ هُمْ الْمُطْعِمُو الضّيف شحم السّنا ... م والكاسرو والليلة الْبَارِدَهْ وَهُمْ يَكْسِرُونَ صُدُورَ الْقَنَاِ ... بِالْخَيْلِ تُطْرَدُ أَوْ طَارِدَهْ فَإِنْ يَكُنْ الْمَوْتُ أَفْنَاهُمْ ... فَلِلْمَوْتِ مَا تَلِدُ الْوَالِدَهْ وَأَمّا زُهَيْرٌ الّذِي ذَكَرَهُ فَهُوَ ابْنُ صُرَدٍ يُكَنّى أَبَا صُرَدٍ، وقيل أبا جرول،

_ (1) بكسر الجيم والعين وتشديد الراء هكذا يقوله العراقيون، أما لحجازيون فيخففون، فيقولونها بالضبط الأول. وكذلك الحديبية، العراقيون يشددون، والحجازيون يخففون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ بَنِي جُشَمٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ شِعْرَهُ فِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ وَذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْهُ وَهُوَ: أَمْنِنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللهِ فِي كَرَمٍ ... فَإِنّك الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَنْتَظِرُ اُمْنُنْ عَلَى بَيْضَةٍ قَدْ عَاقَهَا قَدَرٌ ... مُمَزّقٌ شَمْلَهَا فِي دَهْرِهَا غِيَرُ يَا خَيْرَ طِفْلٍ وَمَوْلُودٍ وَمُنْتَخَبٍ ... فِي الْعَالَمِينَ إذَا مَا حُصّلَ الْبَشَرُ إنْ لَمْ تُدَارِكْهُمْ نَعْمَاءُ تَنْشُرُهَا ... يَا أَرْجَحَ النّاسِ حِلْمًا حِينَ يُخْتَبَرُ اُمْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْت تَرْضَعُهَا ... إذْ فُوك تَمْلَأُهُ مِنْ مَحْضِهَا الدّرَرُ إذْ كُنْت طِفْلًا صَغِيرًا كُنْت تَرْضَعُهَا «1» ... وَإِذْ يُزَيّنْكَ مَا تَأْتِي وَمَا تَدَرُ لَا تَجْعَلَنّا كمن شالت نعامته ... واستبق منا فإنا مَعْشَرٌ زُهْرُ يَا خَيْرَ مَنْ مَرَحَتْ كُمْتُ الْجِيَادِ بِهِ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ إذَا مَا اسْتَوْقَدَ الشّرَرُ إنّا لَنَشْكُرُ آلَاءً وَإِنْ كُفِرَتْ ... وَعِنْدَنَا بعد هذا اليوم مدّخر

_ (1) فى البداية: امنن على نسوة قد كنت ترضعها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنّا نُؤَمّلُ عَفْوًا مِنْك تَلْبَسُهُ «1» ... هَذِي الْبَرِيّةِ إذْ تَعْفُو وَتَنْتَصِرُ فَاغْفِرْ عَفَا اللهُ عَمّا أَنْتَ رَاهِبُهُ ... يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذْ يُهْدَى لَك الظّفَرُ مِنْ أَحْكَامِ السّبَايَا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ رَدّ السّبَايَا إلَى هَوَازِنَ، وَأَنّهُ مَنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِالرّدّ عَوّضَهُ مِمّا كَانَ بِيَدِهِ، وَاسْتَطَابَ نُفُوسَ الْبَاقِينَ، وَذَلِكَ أَنّ الْمَقَاسِمَ كَانَتْ قَدْ وَقَعَتْ فِيهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمُنّ عَلَى الْأَسْرَى بَعْدَ الْقَسْمِ، وَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَقَاسِمِ، كَمَا فَعَلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَهْلِ خَيْبَرَ حِينَ مَنّ عَلَيْهِمْ، وَتَرَكَهُمْ عُمّالًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَرْضِهِمْ الّتِي افْتَتَحُوهَا عَنْوَةً، كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمُنّ عَلَيْهِمْ، فَيَرُدّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَكِنْ عَلَى أَنْ يُؤَدّوا الْجِزْيَةَ، وَيَكُونُوا تَحْتَ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ، وَالْإِمَامُ مُخَيّرٌ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْفِدَاءِ وَالْمَنّ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْفِدَاءِ بِالنّفُوسِ لَا بِالْمَالِ كَذَلِكَ، قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ هَذَا فِي الرّجَالِ، وَأَمّا الذّرَارِيّ وَالنّسَاءُ، فَلَيْسَ إلّا الِاسْتِرْقَاقُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ بِالنّفُوسِ دُونَ الْمَالِ كَمَا تَقَدّمَ. وَذَكَرَ الْجَارِيَةَ الّتِي أُعْطِيَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَنّهُ بَعَثَ بِهَا إلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي جُمَحٍ لِيُصْلِحُوا لَهُ مِنْهَا كَيْ يُصِيبَهَا، وَهَذَا لِأَنّهَا كَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ، لِأَنّهُ لَا يَجُوزُ وَطْءُ وَثَنِيّةٍ وَلَا مَجُوسِيّةٍ بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَلَا بِنِكَاحٍ حَتّى تُسْلِمَ، وإن

_ (1) فى الأصل: منك عفوا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كانت ذات زوج، فلابد أَيْضًا مِنْ اسْتِبْرَائِهَا، وَأَمّا الْكِتَابِيّاتُ، فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ وَطْئِهِنّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ التّابِعِينَ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ إبَاحَةُ وَطْءِ الْمَجُوسِيّةِ وَالْوَثَنِيّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ تَحْرِيمٌ عَامّ إلّا مَا خَصّصَتْهُ آيَةُ الْمَائِدَةِ مِنْ الْكِتَابِيّاتِ، وَالنّكَاحُ يَقَعُ عَلَى الْوَطْءِ بِالْعَقْدِ وَالْمِلْكِ. حَوْلَ سَبْيِ حُنَيْنٍ: وَكَانَ سَبْيُ حُنَيْنٍ سِتّةَ آلَافِ رَأْسٍ «1» ، وَكَانَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ وَلّى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَمْرَهُمْ، وَجَعَلَهُ أَمِينًا عَلَيْهِمْ، قَالَهُ الزّبَيْرُ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ ذَكَرَهُ الزّبَيْرُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أن أباجهم بْنَ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيّ كَانَ عَلَى الْأَنْفَالِ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَجَاءَهُ خَالِدُ بْنُ الْبَرْصَاءِ، فَأَخَذَ مِنْ الْأَنْفَالِ زِمَامَ شَعْرٍ فَمَانَعَهُ أَبُو جَهْمٍ، فَلَمّا تَمَانَعَا ضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ بِالْقَوْسِ فَشَجّهُ مُنَقّلَةٌ «2» ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ خَالِدٌ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: خُذْ خَمْسِينَ شَاةً ودعه، فقال أقدنى منه، فقال خذمائة، ودعه، فقال: أفدنى مِنْهُ، فَقَالَ: خُذْ خَمْسِينَ وَمِائَةً وَدَعْهُ، وَلَيْسَ لَك إلّا ذَلِكَ، وَلَا أُقِصّكَ مِنْ وَالٍ عَلَيْك، فَقُوّمَتْ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً مِنْ الْإِبِلِ، فَمِنْ هُنَالِكَ جُعِلَتْ دِيَةُ الْمُنَقّلَةِ خمس عشرة فريضة «3» .

_ (1) وقيل كان مع هذا من الإبل أربعة وعشرون وألف، ومن الغنم أكثر من أربعين ألف شاة، ومن الفضة أربعة آلاف أوقية. (2) منقلة كمحدثة: الشجة التى تنقل منها فراش العظام. (3) وردت ديتها فى حديث صحيفة عمرو بن حزم. الذى قال عنه أبو داود-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إعْطَاءُ الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ الْغَنَائِمِ: فَصْلٌ: وَأَمّا إعْطَاءُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ حَتّى تَكَلّمَتْ الْأَنْصَارُ فِي ذَلِكَ، وَكَثُرَتْ مِنْهُمْ الْقَالَةُ، وَقَالَتْ: يُعْطِي صَنَادِيدَ الْعَرَبِ وَلَا يُعْطِينَا، وَأَسْيَافُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنّهُ أَعْطَاهُمْ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْدُودٌ لِأَنّ خُمْسَ الْخُمْسِ مِلْكٌ لَهُ وَلَا كَلَامَ لِأَحَدٍ فِيهِ. الْقَوْلُ الثّانِي: أَنّهُ أَعْطَاهُمْ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَأَنّ ذَلِكَ خصوص بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) وَهَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا يَرُدّهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ نُسَخِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدْ تَقَدّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، غَيْرَ أَنّ بعض العلماء احتج لِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنّ الْأَنْصَارَ لَمّا انْهَزَمُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَأَيّدَ اللهُ رَسُولَهُ وَأَمَدّهُ بِمَلَائِكَتِهِ، فَلَمْ يَرْجِعُوا حَتّى كَانَ الْفَتْحُ، رَدّ اللهُ تَعَالَى أَمْرَ الْمَغَانِمِ إلَى رَسُولِهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَلَمْ يُعْطِهِمْ مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ لَهُمْ: أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النّاسُ بِالشّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللهِ إلَى رحالكم، فطيّب نفوسهم بذلك بعد ما فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ. وَالْقَوْلُ الثّالِثُ: وَهُوَ الّذِي اخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّ إعْطَاءَهُمْ كَانَ مِنْ الْخُمْسِ حَيْثُ يَرَى أَنّ فِيهِ مَصْلَحَةً للمسلمين.

_ - لا يصح.. ولا أحدث به: وقال ابن حزم فى المحلى: صحيفة عمرو بن حزم منقطعة لا تقوم بها حجة. والفريضة: أصلها البعير المأخوذ فى الزكاة، ثم اتسع فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَصْلٌ: وَمِمّا لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَنّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أُثْقِلَ بِالْجِرَاحَةِ يَوْمَئِذٍ، فَأَتَاهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ يَدُلّنِي عَلَى رَحْلِ خَالِدٍ حَتّى دُلّ عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُ قَدْ أُسْنِدَ إلَى مُؤَخّرَةِ رَحْلِهِ، فَنَفَثَ عَلَى جُرْحِهِ فَبَرِئَ، ذَكَرَهُ الْكَشّيّ. وَصْفُ عَجُوزِ ابْنِ حِصْنٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَقَوْلُ زُهَيْرِ بْنِ صُرَدٍ لَهُ فِي الْعَجُوزِ الّتِي أَخَذَهَا: مَا فُوهَا بِبَارِدٍ، وَلَا ثَدْيُهَا بِنَاهِدٍ، وَلَا دَرّهَا بِمَاكِدٍ، وَيُقَالُ أَيْضًا بِنَاكِدٍ، يُرِيدُ: لَيْسَتْ بِغَزِيرَةِ الدّرّ، وَالنّوقُ النّكْدُ: الْغَزِيرَاتُ اللّبَنِ، وَأَحْسَبُهُ مِنْ الْأَضْدَادِ، لِأَنّهُ قَدْ يُقَالُ أَيْضًا نَكِدَ لَبَنُهَا إذَا نَقَصَ، قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَالصّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ أَنّ النّكِدَ هِيَ الْقَلِيلَاتُ اللّبَنِ مِنْ قَوْلِهِ عَزّ وجل: (لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) وَأَنّ الْمُكْدَ بِالْمِيمِ هِيَ الْغَزِيرَاتُ اللّبَنِ، قَالَ ابْنُ سِرَاجٍ، لِأَنّهُ مِنْ مَكَدَ فِي الْمَكَانِ إذَا أَقَامَ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا: نَكِدَ فِي مَعْنَى مَكَدَ، أَيْ ثَبَتَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: وَذَكَرَ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، وَكَانَ مِنْ الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ، ثُمّ حَسُنَ إسْلَامُهُ بَعْدُ، وَهُوَ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) أَفِي كُلّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَوْ قُلْتهَا لَوَجَبَتْ، وَهُوَ الّذِي قَالَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَقْطَعَ أَبْيَضَ بْنَ حَمّالٍ الْمَاءَ الّذِي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِمَأْرِبٍ: أَتَدْرِي مَا أَقْطَعْته يَا رَسُولَ اللهِ؟ إنّمَا أَقْطَعْته الْمَاءَ الْعِدّ «1» ، فَاسْتَرْجَعَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، غَيْرَ أَنّهُ لَمْ يُسَمّ قَائِلَ هَذَا الْكَلَامَ فِيهِ إلّا الدّارَقُطْنِيّ فِي رِوَايَتِهِ، وَزَادَ فِيهِ أَيْضًا: قَالَ أَبْيَضُ: عَلَى أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً مِنّي يَا رَسُولَ اللهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: نَعَمْ، وَأَمّا نَسَبُ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، فَهُوَ ابْنُ حَابِسِ بْنِ عِقَالٍ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ مُجَاشِعِ [بْنِ دَارِمٍ] التّمِيمِيّ الْمُجَاشِعِيّ الدّارِمِيّ، وَأَمّا عُيَيْنَةُ، فَاسْمُهُ: حُذَيْفَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ، وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهُ. مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَوْلِيَةَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى ثُمَالَةَ وَبَنِيّ سَلِمَةَ وَفَهْمٍ. وَثُمَالَةُ هُمْ بَنُو أَسْلَمَ بْنُ أَحْجَنَ أُمّهُمْ: ثُمَالَةُ، وَقَوْلُ أَبِي مِحْجَنٍ فِيهِ: هَابَتْ الْأَعْدَاءُ جَانِبَنَا ... ثُمّ تَغْزُونَا بَنُو سَلَمَهْ هَكَذَا تَقَيّدَ فِي النّسْخَةِ بِكَسْرِ اللّامِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي قَبَائِلِ قَيْسٍ: سَلَمَةُ بِالْفَتْحِ إلّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْأَزْدِ، فَإِنّ ثُمَالَةَ الْمَذْكُورِينَ مَعَهُمْ حَيّ مِنْ الْأَزْدِ وَفَهْمٌ مِنْ دَوْسٍ، وَهُمْ مِنْ الْأَزْدِ أَيْضًا، وَأُمّهُمْ: جَدِيلَةُ وَهِيَ مِنْ غَطَفَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ غَيْلَانَ، عَلَى أَنّهُ لَا يُعْرَفُ فِي الْأَزْدِ سلمة إلا فى الأنصار، وهم من

_ (1) أى الدائم الذى لا انقطاع لمادته، وجمعه: أعداد. وقد روى حديثه هذا أبو داود والترمذى والنسائى فى الكبرى وابن ماجة وابن حبان فى صحيحه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْأَزْدِ وَسَلِمَةُ أَيْضًا فِي جُعْفَى هُمْ، وَسَلِمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ذُهْلِ بْنِ مُرّانَ بْنُ جُعْفِيّ، وَسَلِمَةُ فِي جُهَيْنَةَ أَيْضًا سَلِمَةُ بْنُ نَصْرِ بْنِ غَطَفَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ وَجُعْفِيّ مِنْ مَذْحِجَ، وَجُهَيْنَةُ مِنْ قُضَاعَةَ «1» . وَأَمّا مِحْجَنٌ، فَاسْمُهُ: مَالِكُ بْنُ حَبِيبٍ، وَقِيلَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ حَبِيبٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُقْدَةَ بْنِ غِيَرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ قَيْسٍ الثّقَفِيّ، وَقَدْ تَقَدّمَ نَسَبُ أُحْجَنَ عِنْدَ ذِكْرِنَا لَهَبَ بْنَ أُحْجَنَ قَبْلَ بَابِ الْمَبْعَثِ. وَذَكَرَ أَبَا السّنَابِلِ بْنَ بَعْكَكٍ، وَاسْمُهُ: حَبّةُ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الدّارِ، وَكَانَ شَاعِرًا وَحَدِيثُهُ مَعَ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيّةِ حِينَ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا مَذْكُورٌ فِي الصّحَاحِ «2» . قَوْلُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمِرْدَاسٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنْتَ الْقَائِلُ: فَأَصْبَحَ نَهْبِي وَنَهْبُ الْعَبِيدِ بَيْنَ الأقرع وعيينة؟

_ (1) فى القاموس «وبنو سلمة بطن من الأنصار، وابن كهلاء فى بجيلة، وابن الحارث فى كندة، وابن عمرو بن ذعل، واين غطفان بن قيس وعميرة ابن خفاف بن سلمة، وعبد الله بن سلمة البدرى الأحدى. وعمرو بن سلمة الهمدانى وعبد الله بن سلمة المرادى. وأخطأ الجوهرى فى قوله: وليس سلمة فى العرب غير بطن الأنصار» وقد نقل اللسان قول الجوهرى ولم يعقب عليه. (2) لما مات زوج سبيعة وضعت حملها وتهيأت للخطاب، فأنكر عليها أبو السنابل، وقال. حتى تعتدى أربعة أشهر وعشرا، فسألت النبى صلى الله عليه وسلم، فأعلمها أن قد حلت. هذا ما ورد فى الصحيحين. أقول: وفى القرآن عن عدة ذات الحمل: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وقد روى أنها ولدت بعد وفاة زوجها بنصف شهر. وقد أخرج قصة سبيعة البخارى ومسلم ومالك وأبو داود والنسائى. وفى الأصل عن نسبتها الإسلامية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمَا وَاحِدٌ، يَعْنِي فِي الْمَعْنَى، وَأَمّا فِي الْفَصَاحَةِ، فَاَلّذِي أُجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْأَفْصَحُ فِي تَنْزِيلِ الْكَلَامِ وَتَرْتِيبِهِ، وَذَلِكَ أَنّ الْقَبْلِيّةَ تَكُونُ بِالْفَضْلِ نَحْوَ قوله تعالى: مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَتَكُونُ بِالرّتْبَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى حِينَ ذَكَرَ الْيَهُودَ وَالنّصَارَى، فَقَدِمَ الْيَهُودُ لِمُجَاوَرَتِهِمْ الْمَدِينَةَ، فَهُمْ فِي الرّتْبَةِ قَبْلَ النّصَارَى، وَقَبْلِيّةٌ بِالزّمَانِ نَحْوَ ذِكْرِ التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بَعْدَهُ وَنُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ، وَقَبْلِيّةٌ بِالسّبَبِ، وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ مَا هُوَ عِلّةُ الشّيْءِ وَسَبَبُ وُجُودِهِ، ثُمّ يَذْكُرُ الْمُسَبّبَ بَعْدَهُ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ مِثْلُ أَنْ يَذْكُرَ مَعْصِيَةً وَعِقَابًا أَوْ طَاعَةً وَثَوَابًا فَالْأَجْوَدُ فِي حُكْمِ الْفَصَاحَةِ تَقْدِيمُ السّبَبِ. الْقَبْلِيّةُ بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ: وَالْأَقْرَعُ وَعُيَيْنَةُ مِنْ بَابِ قَبْلِيّةِ الْمَرْتَبَةِ، وَقَبْلِيّةِ الْفَضْلِ، أَمّا قَبْلِيّةُ الرّتْبَةِ فَإِنّهُ مِنْ خِنْدِفٍ، ثُمّ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُيَيْنَةَ، فَتَرَتّبَ فِي الذّكْرِ قَبْلَهُ، وَأَمّا قَبْلِيّةُ الْفَضْلِ، فَإِنّ الْأَقْرَعَ حَسُنَ إسْلَامُهُ وَعُيَيْنَةَ لَمْ يَزَلْ مَعْدُودًا فِي أَهْلِ الْجَفَاءِ حَتّى ارْتَدّ وَآمَنَ بِطُلَيْحَةَ، وَأُخِذَ، أَسِيرًا فَجَعَلَ الصّبْيَانُ يَقُولُونَ لَهُ- وَهُوَ يُسَاقُ إلَى أَبِي بَكْرٍ- وَيْحَك يَا عَدُوّ اللهِ ارْتَدَدْت بَعْدَ إيمَانِك، فَيَقُولُ: وَاَللهِ مَا كُنْت آمَنْت، ثُمّ أَسْلَمَ فِي الظّاهِرِ، وَلَمْ يَزَلْ جَافِيًا أَحْمَقَ حَتّى مَاتَ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَبِحَسْبِك تَسْمِيَةُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: الْأَحْمَقُ الْمُطَاعُ «1» وَمِمّا يُذْكَرُ مِنْ جَفَائِهِ أَنّ عَمْرَو بْنَ مَعْدِي كَرِبَ نَزَلَ بِهِ ضَيْفًا، فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَةُ: هَلْ لَك فِي الْخَمْرِ نَتَنَادَمُ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ عَمْرٌو: أَلَيْسَتْ مُحَرّمَةً فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ عُيَيْنَةُ إنّمَا قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ، فَقُلْنَا نَحْنُ: لَا، فَشَرِبَا. حَدِيثُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ وَذَكَرَ حَدِيثَ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التّمِيمِيّ، وَمَا قَالَ فِيهِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَفِي شِيعَتِهِ، وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِهِ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ إلَى صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ إلَى صِيَامِهِمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدّينِ كَمَا يَمْرُقُ السّهْمُ مِنْ الرّمِيّةِ الْحَدِيثُ «2» ، فَكَانَ كَمَا قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَظَهَرَ صِدْقُ الْحَدِيثِ فِي الْخَوَارِجِ، وَكَانَ أَوّلُهُمْ مِنْ ضِئْضِئِي ذَلِكَ الرّجُلِ، أَيْ: مِنْ أَصْلِهِ، وَكَانُوا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ الّتِي قَالَ فِيهَا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: منها يطلع قرن

_ (1) رواه سعيد بن منصور والطبرانى. لأنه كان قد دخل على النبى «ص» بدون استئذان، وعنده عائشة فقال: من هذه الجالسة إلى جانبك؟ قال: عائشة. قال: أفلا أنزل لك عن خير منها يعنى امرأته؟ فقال له النبى: أخرج فاستأذن، فقال: إنها يمين على ألا أستأذن على مضرى فقالت عائشة من هذا؟ فقال الأحمق المطاع. وقد ذكر الشافعى فى كتاب الأم فى باب من كتاب الركان أن عمر قتل عيينة على الردة. (2) أصل الحديث فى الصحيحين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشّيْطَانِ، فَكَانَ بَدْؤُهُمْ مِنْ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ، وَكَانَ آيَتُهُمْ ذُو الثّدَيّةِ الّذِي قَتَلَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَانَتْ إحْدَى يَدَيْهِ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ، وَاسْمُ ذِي الثّدَيّةِ نَافِعٌ، ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ، وغيره بقول اسْمُهُ: حُرْقُوصُ [بْنُ زُهَيْرٍ] «1» وَقَوْلُ أَبِي دَاوُدَ أَصَحّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. شِعْرُ حَسّانَ فِي عِتَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ وفيه: هيفاء لاذنن فِيهَا وَلَا خَوَرُ الذّنَنُ: الْغَدْرُ وَالتّفْلُ، وَالذّنِينُ الْمُخَاطُ، وَالذّنَنُ أَيْضًا أَلّا يَنْقَطِعَ حَيْضُ الْمَرْأَةِ، يقال: امرأة ذنّاء، وَلَوْ رُوِيَ بِالدّالِ الْمُهْمَلَةِ لَكَانَ جَيّدًا أَيْضًا، فَإِنّ الدّنَنَ بِالدّالِ هُوَ قِصَرُ الْعُنُقِ وَتَطَامُنُهَا، وَهُوَ عَيْبٌ. وَالْبَهْكَنَةُ: الضّخْمَةُ حَوْلَ عِتَابِ النّبِيّ لِلْأَنْصَارِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- للأنصار: ما قالة بلغتنى

_ (1) كذا فى القاموس، وفى الملل والنحل، للشهرستانى، وهو من المحكمة الأولى الذين خرجوا على على بن أبى طالب، واجتمعوا بحروراء قرية بظاهر الكوفة. ويقول أبو سعيد الخدرى فيما رواه الصحيحان عن الخوارج «آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل تدى المرأة أو مثل البضعة تدردر» ثم يقول: «وأشهد أن على بن أبى طالب قاتلهم. وأنا معه، وأمر بذلك للرجل فالتمس، فأتى به حتى نظرت إليه على نَعَتَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي نعت» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْكُمْ وَجْدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، هَكَذَا الرّوَايَةُ: جِدَةٌ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللّغَةِ: مَوْجِدَةٌ إذَا أَرَدْت الْغَضَبَ، وَإِنّمَا الْجِدَةُ فِي الْمَالِ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدّنْيَا تَأَلّفْت بِهَا قَوْمًا، لِيُسْلِمُوا. اللّعَاعَةُ بَقْلَةٌ نَاعِمَةٌ، وَهَذَا نَحْوٌ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: الْمَالُ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَاللّعَةُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى: وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمَلِيحَةُ الْعَفِيفَةُ، وَاللّعْلَعُ: السّرَابُ، وَلُعَاعُهُ: بَصِيصُهُ «1» . جُعَيْلَ بْنُ سُرَاقَةَ: وَذَكَرَ جُعَيْلَ بْنَ سُرَاقَةَ، وَقَوْلَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ: وَوَكَلْت جُعَيْلَ بْنَ سُرَاقَةَ إلَى إسْلَامِهِ. نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ جُعَيْلًا إلَى ضَمْرَةَ، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي غِفَارٍ، لِأَنّ غِفَارًا، هُمْ بَنُو مُلَيْلِ بْنِ ضمرة من بنى ليث بن بكر ابن عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ. وَأَمّا حَدِيثُ التّمِيمِيّ الّذِي قَالَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَعْطَى الْمُؤَلّفَةَ قُلُوبُهُمْ: لَمْ أَرَك عَدَلْت، فَغَضِبَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَدْلُ عِنْدِي، فَعِنْدَ مَنْ يَكُونُ؟ وَقَالَ أَيْضًا: إنّي أَرَى قِسْمَةَ مَا أُرِيدُ بِهَا وَجْهَ اللهِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَأْمَنُنِي اللهُ فِي السّمَاءِ، وَلَا تَأْمَنُونِي، أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالرّجُلُ هُوَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، كَذَلِكَ جاء ذكره فى الحديث «2» .

_ (1) فى اللسان: ولعاع الشمس: السراب، والأكثر: لعاب الشمس والعلع: السراب، واللعلعة: بصيصة. (2) هكذا ورد اسمه فى الصحيحين: ذو الخويصرة رجل من بنى تميم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيُذْكَرُ عَنْ الْوَاقِدِيّ أَنّهُ قَالَ: هُوَ حُرْقُوصُ بن زهير السّعدى من سند؟؟؟ تَمِيمٍ، وَقَدْ كَانَ لِحُرْقُوصٍ هَذَا مَشَاهِدُ مَحْمُودَةٌ فِي حَرْبِ الْعِرَاقِ مَعَ الْفُرْسِ أَيّامَ عُمَرَ، ثُمّ كَانَ خَارِجِيّا، وَفِيهِ يَقُولُ نُحَيْبَةُ الْخَارِجِيّ: حَتّى أُلَاقِيَ فِي الْفِرْدَوْسِ حُرْقُوصًا وَلِذَلِكَ قَالَ فِيهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّهُ سَيَكُونُ مِنْ ضِئْضِئِهِ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ إلَى صَلَاتِهِمْ، وَذَكَرَ صِفَةَ الْخَوَارِجِ، وَلَيْسَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ هذا ذا التّديّة الّذِي قَتَلَهُ عَلِيّ بِالنّهَرِ، وَأَنّ ذَلِكَ اسْمُهُ نافع، ذكره أبو داود، وكلام الوافدى حَكَاهُ ابْنُ الطّلّاعِ فِي الْأَحْكَامِ لَهُ. شِعْرُ بجير وكعب ابى زُهَيْرٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قِصّةَ بُجَيْرِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَاسْمُ أَبِي سُلْمَى: رَبِيعَةُ بْنُ رِيَاحٍ أَحَدُ بَنِي مُزَيْنَةَ. وَفِي شِعْرِ كعب إلى أخيه بجير: سقاك بها الْمَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيّةً وَيُرْوَى: الْمَحْمُودُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ، أَرَادَ بِالْمَحْمُودِ: مُحَمّدًا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَلِكَ الْمَأْمُونُ وَالْأَمِينُ كَانَتْ قُرَيْشٌ تُسَمّي بِهِمَا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ النّبُوّةِ. وَقَوْلُهُ لِأَخِيهِ بُجَيْرٍ:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمّا وَلَا أَبًا ... عَلَيْهِ، وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخَا لَكَا «1» إنّمَا قَالَ ذَلِكَ، لِأَنّ أُمّهُمَا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ كَبْشَةُ بِنْتُ عَمّارٍ السّحَيْمِيّةُ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ الْأَعْرَابِيّ عن ابن الكلبى. وقوله: إمّا عثرت لعالكا، كلمة تقال للعاثر دعاء له بالإقلة قَالَ الْأَعْشَى: فَالتّعْسُ أَدْنَى لَهَا ... مِنْ أَنْ يقال لعالها «2» وأنشد أبو عبيد: فلالعا لِبَنِي فَعْلَانَ إذْ عَثَرُوا وَقَوْلُ بُجَيْرٍ: وَدِينُ زُهَيْرٍ وَهُوَ لَا شَيْءَ دِينُهُ رِوَايَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْقَالِيّ، فَقَالَ: وَهُوَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ، وَفَسّرَهُ عَلَى التّقْدِيمِ وَالتّأْخِيرِ أَرَادَ: وَدِينُ زُهَيْرٍ غَيْرُهُ، وَهُوَ لَا شَيْءَ. وَرِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ أَبْعَدُ مِنْ الْإِشْكَالِ وَأَصَحّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَكَعْبٌ هَذَا مِنْ فُحُولِ الشّعَرَاءِ هُوَ وَأَبُوهُ زهير، وكذلك ابنه عقبة

_ (1) فى السيرة: على خلق لم ألف يوما أباله ... عليه وما تلقى عليه أبالكا (2) البيت فى اللسان هكذا: بذات لوث عفرناة إذا عثرت ... فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا وكذلك هو فى معجم ابن فارس، وفى ديوان الأعشى. وفى نوادر أبى زيد ص 38.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ يُعْرَفُ عُقْبَةُ بِالْمُضَرّبِ، وَابْنُ عُقْبَةَ الْعَوّامُ «1» شَاعِرٌ أَيْضًا، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَغَيّرَ بَعْدَنَا ... مَلَاحَةُ عَيْنَيْ أُمّ عَمْرٍو وَجِيدُهَا وَهَلْ بَلِيَتْ أَثْوَابُهَا بَعْدَ جِدّةٍ ... أَلَا حَبّذَ أَخْلَاقُهَا وَجَدِيدُهَا «2» وَمِمّا يُسْتَحْسَنُ وَيُسْتَجَادُ مِنْ قَوْلِ كَعْبٍ: لَوْ كُنْت أَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ لَأَعْجَبَنِي ... سَعْيُ الْفَتَى وَهُوَ مَخْبُوءٌ لَهُ الْقَدَرُ يَسْعَى الْفَتَى لِأُمُورٍ لَيْسَ يدركها ... فالنّفس واحدة والهمّ منتشر والمرء ماعاش مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ ... لَا تَنْتَهِي الْعَيْنُ حَتّى يَنْتَهِي الْأَثَرُ وَقَوْلُهُ: إنْ كُنْت لَا تَرْهَبُ ذَمّي ... لِمَا تَعْرِفُ مِنْ صَفْحِي عَنْ الْجَاهِلْ

_ (1) كان فى عهد بنى العباس. وفى سمط البكرى عنه «شاعر مفلق مقل من شعراء الحجاز.. والعوام من المعرقين فى الشعر، لأنهم خمسة شعراء فى نسق، وكان ربيعة أبو سلمى شاعرا» ص 373، 374. (2) بعده: نظرت إليها نظرة ما يسرنى ... بها حمر أنعام البلاد وسودها ومن القصيدة فى حماسة أبى تمام: ونبئت سوداء الغميم مريضة ... فأقبلت من مصر إليها أعودها فو الله ما أدرى إذا أنا جئتها ... أأبرئها من دائها أم أزيدها والشعر فى امرأة كلف بها من بنى عبد الله بن غطفان، فخرج فى ميرة إلى مصر فعلم أنها مريضة، فترك ميرته وكر راجعا إليها. فلما رأته أشارت إليه أن يرجع إلى ميرته، فرجع، فلما ماتت رثاها بقصيدة منها: سقى جدثا بين الغميم وزلفة ... أحم الذرى واهى العزالى مطيرها أنظر الحماسة بشرح التبريزى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَاخْشَ سُكُوتِي إذْ أَنَا مُنْصِتٌ ... فِيك لِمَسْمُوعِ خَنَا الْقَائِلْ فَالسّامِعُ الذّمّ شَرِيكٌ لَهُ ... وَمُطْعِمُ الْمَأْكُولِ كَالْآكِلْ مَقَالَةُ السّوءِ إلَى أَهْلِهَا ... أَسْرَعُ مِنْ مُنْحَدِرٍ سَائِلْ وَمَنْ دَعَا النّاسَ إلَى ذَمّهِ ... ذَمّوهُ بِالْحَقّ وَبِالْبَاطِلْ قَصِيدَةُ بَانَتْ سُعَادُ: وَذَكَرَ قَصِيدَتَهُ: بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ وفيها قوله: شجّت بذى شم يَعْنِي: الْخَمْرَ، وَشُجّتْ كُسِرَتْ مِنْ أَعْلَاهَا لِأَنّ الشّجّة لا تكون إلا فى الرأس، والشّبم الْبَرْدُ، وَأَفْرَطَهُ: أَيْ مَلَأَهُ. وَالْبِيضُ الْيَعَالِيلُ: السّحَابُ، وَقِيلَ: جِبَالٌ يَنْحَدِرُ الْمَاءُ مِنْ أَعْلَاهَا، وَالْيَعَالِيلُ أَيْضًا: الْغُدْرَانُ، وَاحِدُهَا يَعْلُولٌ؛ لِأَنّهُ يُعِلّ الْأَرْضَ بِمَائِهِ. وَقَوْلُهُ: يَا وَيْحَهَا «1» خُلّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِهَا أَيْ خُلِطَ بِلَحْمِهَا وَدَمِهَا هَذِهِ الْأَخْلَاقُ الّتِي وَصَفَهَا بِهَا مِنْ الْوَلَعِ وَهُوَ

_ (1) فى السيرة: لكنها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْخَلْفُ، وَالْكَذِبُ، وَالْمَطْلُ، يُقَالُ: سَاطَ الدّمَ وَالشّرَابَ إذَا ضَرَبَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ. وَقَالَ الشّاعِرُ يَصِفُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبّاسٍ: صَمُوتٌ إذَا مَا زَيّنَ الصّمْتُ أَهْلَهُ ... وَفَتّاقُ أَبْكَارِ الْكَلَامِ الْمُخَتّمِ وَعَى مَا حَوَى الْقُرْآنُ مِنْ كُلّ حِكْمَةٍ ... وَسِيطَتْ لَهُ الْآدَابُ بِاللّحْمِ وَالدّمِ وَالْغُولُ: الّتِي تَتَرَاءَى بِاللّيْلِ. وَالسّعْلَاةُ مَا تَرَاءَى بِالنّهَارِ مِنْ الْجِنّ، وَقَدْ أَبْطَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمَ الْغُولِ حَيْثُ قَالَ: لَا عَدْوَى وَلَا غُولَ «1» ، وَلَيْسَ يُعَارِضُ هَذَا مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: إذَا تَغَوّلَتْ

_ (1) لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا غول «أحمد ومسلم» عن جابر. والصفر فى زعم العرب: حية تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه، وأنها تعدى. وقيل أراد به النسىء الذى كانوا يفعلونه فى الجاهلية وهو تأخير المحرم إلى صفر ويجعلون صفر هو الشهر الحرام، فأبطله. والهامة تقدم ذكرها. ويقول ابن الأثير: هى من طير الليل، وقيل: هى البوم وكان العرب يتشاءمون بها، وقيل: كانت العرب تزعم أن روح القتيل الذى لا يدرك بثأره تصير هامة فتقول: اسقونى، فإذا أدرك بثأره طارت وقيل غير ذلك. والغول عند ابن الأثير جنس من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أن الغول فى القلاة تتراءى للناس، فتتغول تغولا، أى: تتلون تلونا فى صور شتى، وتغولهم أى: تضلهم عن الطريق وتهلكهم. والنفى إما الوجود، وإما للزعم. ولم لا يكون للأمرين؟! وقد تأول ابن الاثير نفى العدوى بقوله «وقد أبطله الإسلام، لأنهم كانوا يظنون أن المرض بنفسه يتعدى، فأعلمهم النبى «ص» أنه ليس الأمر كذلك، وإنما الله هو الذى-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْغِيلَانُ فَارْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْأَذَانِ «1» ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي أَيّوبَ مَعَ الْغُولِ حِينَ أَخَذَهَا، لِأَنّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا غُولَ إنّمَا أَبْطَلَ بِهِ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيّةُ تَتَقَوّلُهُ مِنْ أَخْبَارِهَا وَخُرَافَاتِهَا مَعَهَا وَقَوْلُهُ: كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا هُوَ: عُرْقُوبُ بْنُ صَخْرٍ مِنْ الْعَمَالِيقِ الّذِينَ سَكَنُوا يَثْرِبَ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَقِصّتُهُ فِي إخْلَافِ الْوَعْدِ مَشْهُورَةٌ حِينَ وَعَدَ أَخَاهُ بِجَنَا نَخْلَةٍ لَهُ وَعْدًا مِنْ بَعْدِ وَعْدٍ، ثُمّ جَذّهَا لَيْلًا، وَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا. وَالتّبْغِيلُ: ضَرْبٌ مِنْ السّيْرِ سَرِيعٌ، وَالْحِزّانُ جَمْعُ حَزْنٍ وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنْ الْأَرْضِ. وَالْمِيلُ مَا اتّسَعَ مِنْهَا: وَقَوْلُهُ: تَرْمِي النّجَادَ، وَأَنْشَدَهُ أَبُو عَلِيّ: تَرْمِي الْغُيُوبَ، وَهُوَ جَمْعُ غَيْبٍ، وَهُوَ مَا غَار مِنْ الْأَرْضِ، كَمَا قَالَ ابْنُ مِقْبَلٍ: لَزْمُ الْغُلَامِ وَرَاءَ الْغَيْبِ بِالْحَجَرِ وَقَوْلُهُ: حَرْفٌ أَبُوهَا أَخُوهَا مِنْ مُهَجّنَةٍ ... وَعَمّهَا خَالُهَا قَوْدَاءُ شِمْلِيلُ الْقَوْدَاءُ: الطّوِيلَةُ الْعُنُقِ. والشمليل: السريعة. والحرف: الناقة الضامر.

_ - يمرض وينزل الداء، ولهذا قال فى بعض الأحاديث: فمن أعدى البعير الأول، أى: من أين صار فيه الجرب» هذا لأن الواقع والتجربة تؤكد وجود العدوى (1) رواه الطبرانى فى الأوسط وهو ضعيف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: مِنْ مُهَجّنَةٍ، أَيْ: مِنْ إبِلٍ مُهَجّنَةٍ مُسْتَكْرَمَةٍ هِجَانٍ. وَقَوْلُهُ: أَبُوهَا أَخُوهَا أَيْ: أَنّهُمَا من جنس واحد فى الْكَرَمِ، وَقِيلَ: إنّهَا مِنْ فَحْلٍ حَمَلَ عَلَى أُمّهِ فَجَاءَتْ بِهَذِهِ النّاقَةِ، فَهُوَ أَبُوهَا وَأَخُوهَا، وَكَانَتْ لِلنّاقَةِ الّتِي هِيَ أُمّ هَذِهِ بِنْتٌ أُخْرَى مِنْ الْفَحْلِ الْأَكْبَرِ، فَعَمّهَا خَالُهَا عَلَى هَذَا، وَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَكْرَمِ النّتَاجِ، وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيّ الْقَالِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَاَللهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: أَقْرَابٌ زَهَالِيلُ، أَيْ: خَوَاصِرُ مُلْسٌ، وَاحِدُهَا: زُهْلُولٌ وَالْبِرْطِيلُ: حَجَرٌ طَوِيلٌ، وَيُقَالُ: لِلْمِعْوَلِ أَيْضًا: بِرْطِيلٌ. وَقَوْلُهُ: ذَوَابِلٌ وَقْعُهُنّ «1» الْأَرْضَ تَحْلِيلُ. تَحْلِيلُ، أَيْ قَلِيلٌ. يُقَالُ: مَا أفام عِنْدَنَا إلّا كَتَحْلِيلِ الْأَلِيّةِ، وَكَتَحِلّةِ الْمَقْسِمِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ ابْنُ قُتَيْبَةَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَنْ تَمَسّهُ النّارُ إلّا تَحِلّةَ الْقَسَمِ، وَغَلّطَ أَبَا عُبَيْدٍ حَيْثُ فَسّرَهُ عَلَى الْقَسَمِ حَقِيقَةً. قَالَ القتىّ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ قَسَمٌ لِأَنّهُ قَالَ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها وَلَمْ يُقْسِمْ. قَالَ: الْخَطّابِيّ: هَذِهِ غَفْلَةٌ مِنْ ابن قتيبة فإن فى أول الآية: فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها داخل تحت القسم المتقدم. وقوله: بالقور العساقبل. القور: جمع قارة، وهى الحجارة السّود.

_ (1) فى السيرة: مسهن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْعَسَاقِيلُ هُنَا السّرَابُ، وَهَذَا مِنْ الْمَقْلُوبِ، أَرَادَ وَقَدْ تَلَفّعَتْ الْقُودُ بِالْعَسَاقِيلِ. وَفِيهَا قَوْلُهُ: تَمْشِي «1» الْغُوَاةُ بِجَنْبَيْهَا، أَيْ بِجَنْبَيْ نَاقَتِهِ. عَنْ الْقَوْلِ والقيل إعرابا ومعنى: وقوله: إنك يابن أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ وَيُرْوَى: وَقَيْلُهُمْ، وَهُوَ أَحْسَنُ فِي الْمَعْنَى، وَأَوْلَى بِالصّوَابِ؛ لِأَنّ الْقِيلَ هُوَ الكلام المقول فهو مبتدأ، وقوله: إنك يابن أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ: خَبَرٌ، تَقُولُ: إذَا سُئِلْت مَا قِيلُك؟ قِيلِي: إنّ اللهَ وَاحِدٌ، فَقَوْلُك: إنّ اللهَ وَاحِدٌ هُوَ الْقِيلُ، وَالْقَوْلُ مَصْدَرٌ كَالطّحْنِ وَالذّبْحِ، وَالْقِيلُ اسْمٌ لِلْمَقُولِ كَالطّحْنِ وَالذّبْحِ بِكَسْرِ أَوّلِهِ، وَإِنّمَا حَسُنَتْ هَذِهِ الرّوَايَةُ، لِأَنّ القول مصدر فيصير: إنك يابن أَبِي سُلْمَى فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ فِيهِ، فَيَبْقَى الْمُبْتَدَأُ بِلَا خَبَرٍ إلّا أَنْ تَجْعَلَ الْمَقُولَ هو القول على المجار، كَمَا يُسَمّى الْمَخْلُوقُ خَلْقًا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قوله عزّ وجل: وَقِيلِهِ يا رَبِّ فِي مَوْضِعِ الْبَدَلِ مِنْ الْقِيلِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِلَّا قِيلًا: سَلاماً سَلاماً مُنْتَصِبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْبَدَلِ مِنْ قِيلًا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا أى: حديثا مقولا، ومن

_ (1) فى السيرة: تسعى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَذَا الْبَابِ مَسْأَلَةٌ مِنْ النّحْوِ ذَكَرَهَا سِيبَوَيْهِ، وَابْنُ السّرَاجِ فِي كِتَابِهِ، وَأَخَذَ الْفَارِسِيّ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ ابْنِ السّرَاجِ، فَكَثِيرًا مَا يَنْقُلُ مِنْ كِتَابِهِ بِلَفْظِهِ غَيْرَ أَنّهُ أَفْسَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَلَمْ يَفْهَمْ مَا أَرَادَ بِهَا، وَذَلِكَ أَنّهُمَا قَالَا: إذَا قُلْت أَوّلَ مَا أَقُولُ: إنّي أَحْمَدُ اللهَ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، فَهُوَ عَلَى الْحِكَايَةِ، فَظَنّ الْفَارِسِيّ أَنّهُ يُرِيدُ عَلَى الْحِكَايَةِ بِالْقَوْلِ، فَجَعَلَ إنّي أَحْمَدُ اللهَ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ بِأَقُولُ، فَلَمّا بَقِيَ لَهُ الْمُبْتَدَأُ بِلَا خَبَرٍ تَكَلّفَ لَهُ تَقْدِيرًا لَا يُعْقَلُ، فَقَالَ: تَقْدِيرُهُ أَوّلُ مَا أَقُولُ: إنّي أَحْمَدُ اللهَ مَوْجُودٌ أَوْ ثَابِتٌ، فَصَارَ مَعْنَى كَلَامِهِ: إلَى أَنّ أَوّلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الّتِي هِيَ إنّي أَحْمَدُ اللهَ مَوْجُودٌ أَيْ: أَوّلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَوْجُودٌ، فَآخِرُهَا إذًا مَعْدُومٌ، وَهَذَا خُلْفٌ مِنْ الْقَوْلِ، كَمَا تَرَى، وَقَدْ وَافَقَهُ ابْنُ جِنّي عَلَيْهِ، رَأَيْته فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ، قَالَ: قُلْت لِأَبِي عَلِيّ لِمَ لَا يَكُونُ: إنّي أَحْمَدُ اللهَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ، كَمَا تَقُولُ: أَوّلُ سورة أقرأها: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ أَوْ نَحْوَ هَذَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَذْفِ خَبَرٍ، قَالَ: فَسَكَتَ وَلَمْ يَجِدْ جَوَابًا، وَإِنّمَا مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوّلُ مَا أَقُولُ، أَيْ: أَوّلُ الْقِيلِ الّذِي أَقُولُهُ إنّي أَحْمَدُ اللهَ عَلَى حِكَايَةِ الْكَلَامِ الْمَقُولِ، وَهَذَا الّذِي أَرَادَ سِيبَوَيْهِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ السّرَاجِ، فَإِنْ فَتَحْت الْهَمْزَةَ مِنْ أَنّ صَارَ مَعْنَى الْكَلَامِ أَوّلُ الْقَوْلِ لَا أَوّلُ الْقِيلِ، وَكَانَتْ مَا وَاقِعَةً عَلَى الْمَصْدَرِ، وَصَارَ مَعْنَاهُ: أَوّلُ قَوْلِي الْحَمْدُ إذْ الْحَمْدُ قَوْلٌ وَلَمْ يُبَيّنْ مَعَ فَتْحِ الْهَمْزَةِ كَيْفَ حَمِدَ اللهَ، هَلْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ بِهَذَا اللّفْظِ، أَوْ غَيْرِهِ، وَعَلَى كَسْرِ الْهَمْزَةِ قَدْ بَيّنَ كَيْفَ حَمِدَ حِينَ افْتَتَحَ كَلَامَهُ، بِأَنّهُ قَالَ: إنّي أَحْمَدُ اللهَ بِهَذَا اللّفْظِ، أَوْ غَيْرِهِ وَعَلَى كَسْرِ الْهَمْزَةِ قَدْ بَيّنَ كَيْفَ حَمِدَ حِينَ افْتَتَحَ كَلَامَهُ، بِأَنّهُ قَالَ: إنّي أَحْمَدُ اللهَ بِهَذَا اللّفْظِ لَا بِلَفْظٍ آخَرَ، فَقِفْ عَلَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَتَدَبّرْهَا إعْرَابًا وَمَعْنًى، فَقُلْ: مَنْ أَحْكَمَهَا وَحَسْبُك أَنّ الْفَارِسِيّ لَمْ يَفْهَمْ عَمّنْ قَبْلَهُ، وَجَاءَ بِالتّخْلِيطِ الْمُتَقَدّمِ، وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ. عَوْدٌ إلَى بَانَتْ سُعَادُ: وَالْخَرَادِيلُ: الْقِطَعُ مِنْ اللّحْمِ، وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ الصّرَاطِ: فَمِنْهُمْ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ، أَيْ تُخَرْدِلُ لَحْمَهُ «1» الْكَلَالِيبُ الّتِي حَوْلَ الصّرَاطِ، سَمِعْت شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا بَكْرٍ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ: تِلْكَ الْكَلَالِيبُ هِيَ الشّهَوَاتُ، لِأَنّهَا تَجْذِبُ الْعَبْدَ فِي الدّنْيَا عَنْ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى سَوَاءِ الصّرَاطِ، فَتُمَثّلُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: بِضَرَاءِ الْأَرْضِ. الضّرَاءُ: مَا وَارَاك مِنْ شَجَرٍ، وَالْخَمْرُ: مَا وَارَاك مِنْ شَجَرٍ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: بِوَادِيهِ الْأَرَاجِيلُ، أَيْ: الرّجّالَةُ، قِيلَ: إنّهُ جَمْعٌ الْجَمْعُ، كَأَنّهُ جَمْعُ الرّجْلِ، وَهُمْ الرّجّالَةُ عَلَى أَرْجُلٍ، ثُمّ جَمَعَ أَرَجُلًا عَلَى أَرَاجِلَ، وَزَادَ الْيَاءَ ضَرُورَةً. وَالدّرْسُ: الثّوْبُ الْخَلِقُ. وَالْفَقْعَاءُ: شَجَرَةٌ لَهَا ثَمَرٌ كَأَنّهُ حَلَقٌ. وَيُرْوَى أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَنْشَدَهُ كَعْبٌ: إنّ الرّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... مُهَنّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ نَظَرَ إلَى أَصْحَابِهِ كَالْمُعْجَبِ لَهُمْ مِنْ حسن القول وجودة الشعر.

_ (1) خردلت اللحم بالدال والذال: فصلت أعضاءه وقطعته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُمْ «1» عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ التهليل: أن يَنْكُصُ الرّجُلُ عَنْ الْأَمْرِ جُبْنًا. وَقَوْلُهُ فِي الْأَنْصَارِ: ضَرَبُوا عَلِيّا يَوْمَ بَدْرٍ ضَرْبَةً «2» بَنُو عَلِيّ: هُمْ بَنُو كِنَانَةَ، يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَلِيّ لِمَا تَقَدّمَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَأَرَادَ: ضَرَبُوا قُرَيْشًا لِأَنّهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ. وَقَوْلُهُ: إذَا عَرّدَ «3» السّودُ التّنَابِيلُ: جَمْعُ تِنْبَالٍ وَهُوَ الْقَصِيرُ، وَقَوْلُهُ: عَرّدَ، أَيْ: هَرَبَ. قَالَ الشاعر: يعرّد عنه صحبه وصديقه ... وبنبش عَنْهُ كَلْبُهُ وَهُوَ ضَارِبُهْ عِلّةُ السّوَادِ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ وَشَرْحُ بَيْتٍ لِحَسّانَ: وَجَعَلَهُمْ سُودًا لِمَا خَالَطَ أَهْلَ الْيَمَنِ مِنْ السّودَانِ عِنْدَ غَلَبَةِ الْحَبَشَةِ عَلَى بِلَادِهِمْ «4» ، وَلِذَلِك قَالَ حَسّانُ فى آل جفنة:

_ (1) فى السيرة: ومالهم. (2) هذا من قصيدة كعب الراوية. (3) عاد إلى اللامية. (4) ترك السهيلى كثيرا من مفردات القصيدة دون شرح، وهنا أنقل عن الخشنى معانى ما ترك السهيلى: بانت: ذهبت وفارقت. متبول: هالك. متيم: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَوْلَادُ جَفْنَةَ حَوْلَ قَبْرِ أَبِيهِمْ ... بِيضُ الْوُجُوهِ مِنْ الطّرَازِ الْأَوّلِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: مِنْ الطّرَازِ الْأَوّلِ، أَنّ آلَ جَفْنَةَ كَانُوا مِنْ الْيَمَنِ، ثُمّ اسْتَوْطَنُوا الشّامَ بَعْدَ سَيْلِ الْعَرِمِ، فَلَمْ يُخَالِطْهُمْ السّودَانُ كَمَا خَالَطُوا مَنْ كَانَ مِنْ الْيَمَنِ، مِنْ الطّرَازِ الْأَوّلِ الّذِي كَانُوا عَلَيْهِ فى ألوانهم وأخلاقهم.

_ - معبد مذلل. أغن: الظبى الصغير الذى فى صوته غنة. غضيض: فاتر الطرف هيفاء: ضامرة البطن والخصر. عجزاء: عظيمة العجيزة، وهو الردف. تجلو: تصقل. والعوارض: الاسنان هنا. الظلم: شدة يريق الأسنان، ويقال: هو ماؤه. منهل: مسقى. الراح: من أسماء الخمر. محثية: منتهى الوادى، ويقال: ما انغطف منه. أبطح: موضع سهل. مشمول: هبت عليه ريح الشمال، وهى عندهم باردة إذا هبت. والقذا: ما يقع فى الماء من تبن أو عود أو غيره، وكذا ما يقع فى العين. صوب: مصر. غادية: سحابة مطرت بالغدو. اليعاليل: الحباب الذى يعلو على وجه الماء وهى رغوته «راجع شرح السهيلى» الخلة هنا: الصديقة المراسيل: السريعة. عذافرة: ناقة ضخمة. الاين: الفتور والإعياء. والإرقال والتبغيل: ضربان من السير. نضاحة: يرشح عرقها. الذقرى: عظم فى أصل الاذن. عرضتها: الشىء الذى يقوى عليه، ومن رواه ولاجها، فمعناه: أضعفها طامس: متغير. الأعلام: العلامات التى فكون فى الطرق يهتدى بها، وأراد أنه ليس بها علم. النجاد: جمع نجد وهو ما ارتفع من الأرض. المفرد: هنا الثور الوحشى الذى انفرد فى الصحراء. اللهق: الابيض بفتح الهاء وكسرها. مقلدها: عنقها. فعم: ممتلئ. مقيد: موضع القيد. قوداء: طويلة. شمليل: سريعة. لبان: صدر أقرب: جمع قرب وهى الخاصرة وما يليها. زهاليل: أملس. عيرانة: تشبه العير فى شدته ونشاطه، والعير هنا: حمار الوحش. النحض: اللحم الزور: أسفل الصدر. قنواء: فى أنفها ارتفاع. حرتاها: أذناها. قاب: قرب، تقول: بينى وبينه قاب قوس أى قرب قوس، لحييها: هو تثنية لحى، وهو العظم الذى عليه الخد،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: حَوْلَ قَبْرِ أَبِيهِمْ، أَيْ إنّهُمْ لِعِزّهِمْ لَمْ يَجْلُوا عَنْ مَنَازِلِهِمْ قَطّ، وَلَا فَارَقُوا قبر أبيهم.

_ - واللحية لذى اللحية: والخطم: الانف، وبرطيل: حجر طويل، ويقال: هى فاس طويلة، وتمر: تمد وتحرك، العسيب: جريد النخل الخصل: جمع خصالة اللفافة من الشعر، غارز: قليل اللبن، لم تخونه: لم تنقصه، ولم تضعفه، والاحاليل جمع إحليل وهو الثقب الذى يخرج منه اللبن، وهو من الذكر الذى يخرج منه البول. يسرات: يعنى قوائمها لانها تحسن السير بها كلها، ذوابل: شداد، عجايات جمع عجاية، وهى عصبة تكون فوق مربط القيد من ذى الخف، ومن ذى الحافر. وزيم: متكسر متفرق: الاكم: الكدى، واحدتها أكمة، الحرباء: ضرب من العظاء ويقال: هى أم حبيش. مرتبئ: مرتفع. ضاحية: ما برز منه للشمس، محلول: محرق، الملة: الحجارة والحمر والرماد، والحادى: الذى يسوق. والجنادب جمع جندب، وهو ذكر الجراد، قيلوا: أمر من القائلة، أى انزلوا واستريحوا كان أوب ذراعيها: الاوب الرجوع. تلغع: اشتمل، العساقيل: لمع السراب الفاقد: التى فقدت ولدها، الشمطاء: التى خالطها الشيب. معولة: رافعة صوتها بالبكاء. المثاكيل: جمع مثكال، وهى الفاقد أيضا، الضبعان: لحمتا العضدين، تفرى: تقطع، رعابيل: قطع متفرقة، على آلة حدباء محمول: النعش أو الداهية أى، لا يستقر عليها، لظل ترعد من وجد بوادره، البوادر: اللحم الذى بين العنق والكتف. ضيغم: أسد. مخدر الأسد: غابته وأجمته. عثر: اسم موضع تنسب إليه الأسود. غيل: أجمة أيضا. يلحم: يطعم اللحم. ضرغامين: أسدين، وأراد بهما شبيهه. معفور: ممرغ بالعفر، وهو التراب. خراديل: متقطعة. يساور: يواثب، مفلول. أى قد أثر فيه الجو: موضع. مضرج: مخضب بالدماء. أنكاس: جمع نكس: وهو المقصر عن غاية الكرم أو الضعيف «ليست من الخشنى» كشف: لا تراس لهم، أو الذى لا يحسن الركوب، فيميل عن السرج المعازيل: الذين لا سلاح معهم. الزهر: البيض. العرانين: الانوف. سوابغ: كاملة شكت: أدخل بعضها فى بعض، فقعاء: ضرب من الحسك، وهو نبات له شوك تشبه به.

غزوة تبوك فى رجب سنة تسع

[غزوة تبوك فى رجب سنة تسع] [التهيؤ لتبوك] قال: حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هِشَامٍ، قَالَ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَكّائِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ، قَالَ: ثُمّ أَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مَا بَيْن ذِي الْحَجّةِ إلَى رَجَبٍ، ثُمّ أَمَرَ النّاسَ بِالتّهَيّؤِ لِغَزْوِ الرّومِ وَقَدْ ذَكَرَ لَنَا الزّهْرِيّ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بن قتادة، ـــــــــــــــــــــــــــــ مَدْحٌ آخَرَ لِكَعْبٍ: وَمِمّا أَجَادَ فِيهِ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ قَوْلُهُ يَمْدَحُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَخْدِي بِهِ النّاقَةُ الْأَدْمَاءُ مُعْتَجِرًا ... بِالْبُرْدِ كَالْبَدْرِ جَلّى لَيْلَةَ الظّلَمِ فَفِي عَطَافَيْهِ أَوْ أَثْنَاءِ بُرْدَتِهِ ... مَا يَعْلَمُ اللهُ مِنْ دين ومن كرم

_ - حلق الدرع. مجدول: محكم السرد. تهليل: فرار «انتهى من ص 415- ص 421 شرح السيرة لابى ذر بن محمد بن مسعود الخشنى. وقد أورد ابن إسحاق القصيدة دون إسناد، ورواها البيهقى فى الدلائل بإسناد متصل. ويقول ابن كثير فى البداية عن كون النبى صلى الله عليه وسلم أعطى كعبا بردته «هذا من الأمور المشهورة حدا، ولكن لم أر ذلك فى شىء من هذه الكتب المشهورة باسناد أرتضيه» ص 373 ج 4 هذا وقد ذكر الربيدى فى طبقات النحاة أن بندار الأصفهانى كان يحفظ تسعمائة قصيدة أول كل منها بانت سعاد، ومنها قول زهير والد كعب بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا ... وليت وصلا لنا من حبلها رجعا ص 59 ج 3 المواهب،

شأن الجد بن قيس

وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلّ حَدّثَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مَا بَلَغَهُ عَنْهَا، وَبَعْضُ الْقَوْمِ يُحَدّثُ مَا لَا يُحَدّثُ بَعْضٌ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتّهَيّؤِ لِغَزْوِ الرّومِ، وَذَلِكَ فِي زَمَانٍ مِنْ عُسْرَةِ النّاسِ، وَشِدّةٍ مِنْ الْحَرّ، وَجَدْبٍ مِنْ الْبِلَادِ: وَحِينَ طَابَتْ الثّمَارُ، وَالنّاسُ يُحِبّونَ الْمُقَامَ فِي ثِمَارِهِمْ وَظِلَالِهِمْ، وَيَكْرَهُونَ الشّخُوصَ عَلَى الْحَالِ مِنْ الزّمَانِ الّذِي هُمْ عَلَيْهِ؛ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَلّمَا يَخْرُجُ فِي غَزْوَةٍ إلّا كَنّى عَنْهَا، وَأَخْبَرَ أَنّهُ يُرِيدُ غَيْرَ الْوَجْهِ الّذِي يَصْمُدُ لَهُ، إلّا مَا كَانَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَإِنّهُ بَيّنَهَا لِلنّاسِ، لِبُعْدِ الشّقّةِ، وَشِدّةِ الزّمَانِ، وَكَثْرَةِ الْعَدُوّ الّذِي يَصْمُدُ لَهُ، لِيَتَأَهّبَ النّاسُ لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ، فَأَمَرَ الناس بالجهاز، وأخبرهم أنه يريد الروم. [شأن الجد بن قيس] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ فِي جِهَازِهِ ذَلِك لِلْجَدّ ابن قِيسٍ أَحَدِ بَنِي سَلِمَةَ: يَا جَدّ، هَلْ لَك الْعَامَ فِي جِلَادِ بَنِي الْأَصْفَرِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْ تَأْذَنُ لِي وَلَا تفتنّى؟ فو الله لقد عرف قومى أنه مامن رَجُلٍ بِأَشَدّ عُجْبًا بِالنّسَاءِ مِنّي، وَإِنّي أَخْشَى إنْ رَأَيْتَ نِسَاءَ بَنِي الْأَصْفَرِ أَنْ لَا أَصْبِرَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لَك. فَفِي الجدّ ابن قِيسٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي، أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ التوبة: 49. أَيْ إنْ كَانَ إنّمَا خَشَى الْفِتْنَةَ مِنْ نِسَاءِ بَنِي الْأَصْفَرِ، وَلَيْسَ ذَلِك بِهِ، فَمَا سَقَطَ فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ أَكْبَرُ، بِتَخَلّفِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالرّغْبَة بِنَفْسِهِ عَنْ نَفْسِهِ، يَقُولُ تَعَالَى: وَإِنّ جَهَنّمَ لمن ورائه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنافقون المثبطون

[المنافقون المثبطون] وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرّ، زَهَادَةٌ فِي الْجِهَادِ، وَشَكّا فِي الْحَقّ، وَإِرْجَافًا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِمْ: وَقالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ، قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ. فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً، جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ التوبة: 81، 82. [شعر الضحاك فى تحريق بيت سويلم] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي الثّقَةُ عَمّنْ حَدّثَهُ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَارِثَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، قَالَ: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَنّ نَاسًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي بَيْتِ سُوَيْلِمٍ الْيَهُودِيّ، وَكَانَ بَيْتُهُ عِنْدَ جَاسُومَ، يُثَبّطُونَ الناس عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم طلحة ابن عُبَيْدِ اللهِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُحَرّقَ عَلَيْهِمْ بَيْتَ سُوَيْلِمٍ، فَفَعَلَ طَلْحَةُ. فَاقْتَحَمَ الضّحّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ، وَاقْتَحَمَ أَصْحَابُهُ، فَأَفْلَتُوا. فَقَالَ الضّحّاكُ فِي ذَلِكَ: كَادَتْ وَبَيْتِ اللهِ نَارُ مُحَمّدٍ ... يشيط بها الضّحّاك وابن أييرق وَظَلْتُ وَقَدْ طَبّقْتُ كِبْسَ سُوَيْلِمٍ ... أَنَوْءُ عَلَى رِجْلِي كَسِيرًا وَمِرْفَقَى سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا أَعُودُ لِمِثْلِهَا ... أَخَافُ وَمَنْ تَشْمَلْ بِهِ النّارُ يُحْرَق ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حض أهل الغنى على النفقة

[حض أهل الغنى على النفقة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَدّ فِي سَفَرِهِ، وأمر الناس بالجهاز والانكماش، وحضّ أَهْلَ الْغِنَى عَلَى النّفَقَةِ وَالْحُمْلَانِ فِي سَبِيلِ الله، فَحَمَلَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْغِنَى وَاحْتَسَبُوا، وَأَنْفَقَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ فِي ذَلِكَ نَفَقَةً عَظِيمَةً، لَمْ يُنْفِقْ أَحَدٌ مِثْلَهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: أَنّ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ أَنْفَقَ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمّ ارْضَ عَنْ عُثْمَانَ، فإنى عنه راض. [قصة البكائين والمعذرين والمتخلفين] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رِجَالًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَتَوْا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ البكّاؤن، وَهُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ، وَأَبُو ليلى عبد الرحمن ابن كَعْبٍ، أَخُو بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ، وَعَمْرُو بْنُ حُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُغَفّلِ الْمُزَنِيّ- وَبَعْضُ النّاسِ يقول: بل هو عبد الله ابن عَمْرٍو الْمُزَنِيّ- وَهَرَمِيّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخُو بَنِي وَاقِفٍ، وَعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ الْفَزَارِيّ. فَاسْتَحْمَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَكَانُوا أهل حاجة، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَقَالَ: لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ، فَتَوَلّوْا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا مَا يُنْفِقُونَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَلَغَنِي أَنّ ابْنَ يَامِينَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ كَعْبٍ النّضْرِيّ لَقَى أَبَا لَيْلَى عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفّلٍ وَهُمَا يَبْكِيَانِ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمَا؟ قَالَا: جِئْنَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَحْمِلَنَا، فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نَتَقَوّى بِهِ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ؛ فَأَعْطَاهُمَا نَاضِحًا لَهُ، فارتحلاه، وزوّدهما شَيْئًا مِنْ تَمْرٍ، فَخَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن إسحاق: وَجَاءَهُ الْمُعَذّرُونَ مِنْ الْأَعْرَابِ، فَاعْتَذَرُوا إلَيْهِ، فَلَمْ يَعْذِرْهُمْ اللهُ تَعَالَى. وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنّهُمْ نفر من بنى غفار. ثُمّ اسْتَتَبّ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَفَرُهُ، وَأَجْمَعَ السّيْرَ، وَقَدْ كَانَ نَفَرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْطَأَتْ بِهِمْ النّيّةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتّى تَخَلّفُوا عَنْهُ، عَنْ غَيْرِ شَكّ وَلَا ارْتِيَابٍ: مِنْهُمْ: كَعْبُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، وَمُرَارَةُ بْنُ الرّبِيعِ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيّةَ، أَخُو بَنِي وَاقِفٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ. وَكَانُوا نَفَرَ صِدْقٍ، لَا يُتّهَمُونَ فى إسلامهم. فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ عَسْكَرَهُ عَلَى ثَنِيّةِ الْوَدَاعِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمّدَ بْنَ مسلمة الأنصارىّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إرجاف المنافقين بعلى

وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ الدّرَاوَرْدِيّ عَنْ أَبِيهِ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ، مَخْرَجَهُ إلَى تَبُوكَ: سباع بن عرفطة. المنافقون المتخلفون قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَضَرَبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ مَعَهُ عَلَى حِدَةٍ عَسْكَرَهُ أَسْفَلَ مِنْهُ، نَحْوَ ذُبَابٍ، وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَيْسَ بِأَقَلّ الْعَسْكَرَيْنِ. فَلَمّا سَارّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَلّفَ عَنْهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ، فِيمَنْ تَخَلّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الرّيْبِ. [إرجاف المنافقين بعلىّ] وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ فِيهِمْ، فَأَرْجَفَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ، وَقَالُوا: مَا خَلّفَهُ إلّا اسْتِثْقَالًا لَهُ، وَتَخَفّفًا مِنْهُ. فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ، أَخَذَ على ابن أَبِي طَالِبٍ، رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ سِلَاحَهُ، ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجُرْفِ، فَقَالَ: يَا نَبِيّ اللهِ، زَعَمَ الْمُنَافِقُونَ أَنّكَ إنّمَا خَلّفَتْنِي أَنّك اسْتَثْقَلْتنِي وَتَخَفّفَتْ مِنّي؛ فَقَالَ: كَذَبُوا، وَلَكِنّنِي خَلّفْتُك لِمَا تَرَكْتُ وَرَائِي، فَارْجِعْ فَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي وَأَهْلِك، أَفَلَا تَرْضَى يَا عَلِيّ أَنْ تَكُونَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إلّا أَنّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي، فَرَجَعَ عَلَيّ إلَى الْمَدِينَةِ؛ وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم على سفره. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ طَلْحَةَ بن يزيد بن ركانة، عن إبراهيم ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصة أبى خيثمة

ابن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ: أَنّهُ سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لعلى هذه المقالة. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ رَجَعَ عَلِيّ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم على سفره. [قصة أبى خيثمة] ثُمّ إنّ أَبَا خَيْثَمَةَ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ سَارّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيّامًا إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمٍ حَارّ، فَوَجَدَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ فِي عَرِيشَيْنِ لَهُمَا فِي حَائِطِهِ، قَدْ رَشّتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَرِيشَهَا، وَبَرّدَتْ لَهُ فِيهِ مَاءً، وَهَيّأَتْ لَهُ فِيهِ طَعَامًا. فَلَمّا دَخَلَ، قَامَ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ، فَنَظَرَ إلَى امْرَأَتَيْهِ وَمَا صَنَعَتَا لَهُ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضّحّ وَالرّيحِ وَالْحَرّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ فِي ظِلّ بَارِدٍ، وَطَعَامٍ مُهَيّأٍ، وَامْرَأَةٍ حَسْنَاءَ، فِي مَالِهِ مُقِيمٌ، مَا هَذَا بِالنّصَفِ! ثُمّ قَالَ: وَاَللهِ لَا أَدْخُلُ عَرِيشَ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَتّى أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَهَيّئَا، لِي زَادًا، فَفَعَلَتَا. ثُمّ قَدّمَ نَاضِحَهُ فَارْتَحَلَهُ، ثُمّ خَرَجَ فِي طَلَبِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَدْرَكَهُ حِينَ نَزَلَ تَبُوكَ. وَقَدْ كَانَ أَدْرَكَ أَبَا خَيْثَمَةَ عُمَيْر بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ فِي الطّرِيقِ، يَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَتَرَافَقَا، حَتّى إذَا دَنَوَا مِنْ تَبُوكَ، قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ لِعُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ: إنّ لِي ذَنْبًا، فَلَا عَلَيْك أَنْ تَخَلّفَ عَنّي حَتّى آتِيَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَفَعَلَ، حَتّى إذَا دَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِتَبُوكَ، قَالَ النّاسُ: هَذَا رَاكِبٌ عَلَى الطّرِيقِ مُقْبِلٌ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ؛ فقالوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مرور النبى صلى الله عليه وسلم بالحجر

يَا رَسُولَ اللهِ هُوَ وَاَللهِ أَبُو خَيْثَمَةَ. فَلَمّا أَنَاخَ أَقْبَلَ فَسَلّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أَوْلَى لَكَ يَا أَبَا خَيْثَمَةَ. ثُمّ أَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرَ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خيرا، ودعا له بخير. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا، وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ قَيْسٍ: لَمّا رَأَيْتُ النّاسَ فِي الدّينِ نَافَقُوا ... أَتَيْتُ الّتِي كَانَتْ أَعَفّ وَأَكْرَمَا وَبَايَعْتُ بِالْيُمْنَى يَدِي لِمُحَمّدٍ ... فَلَمْ أَكْتَسِبْ إثْمًا وَلَمْ أَغْشَ مَحْرَمًا تَرَكْتُ خَضِيبًا فِي الْعَرِيشِ وَصِرْمَةً ... صفايا كِرَامًا بُسْرُهَا قَدْ تَحَمّمَا وَكُنْتُ إذَا شَكّ الْمُنَافِقُ أَسْمَحَتْ ... إلى الدين نفسى شطره حيث يمّما [مرور النبى صلى الله عليه وسلم بِالْحِجْرِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ مَرّ بِالْحِجْرِ نَزَلَهَا، وَاسْتَقَى النّاسُ مِنْ بِئْرِهَا. فَلَمّا رَاحُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا، وَلَا تَتَوَضّئُوا مِنْهُ لِلصّلَاةِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ فَاعْلِفُوهُ الْإِبِلَ، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا يَخْرُجَنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ اللّيْلَةَ إلّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَفَعَلَ النّاسُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أَنّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ خَرَجَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَتِهِ، وَخَرَجَ الْآخَرُ فِي طَلَبِ بَعِيرٍ لَهُ، فَأَمّا الّذِي ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَإِنّهُ خُنِقَ عَلَى مَذْهَبِهِ؛ وَأَمّا الّذِي ذَهَبَ فِي طَلَبِ بَعِيرِهِ فَاحْتَمَلَتْهُ الرّيحُ، حَتّى طَرَحَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيّئٍ. فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صَلّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلّا وَمَعَهُ صَاحِبُهُ ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلّذِي أُصِيبَ عَلَى مَذْهَبِهِ فَشُفِيَ، وَأَمّا الْآخَرُ الّذِي وَقَعَ بِجَبَلَيْ طَيّئٍ، فَإِنّ طَيّئًا أَهْدَتْهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قدم المدينة. وَالْحَدِيثُ عَنْ الرّجُلَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ، وَقَدْ حَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنْ قَدْ سَمّى لَهُ الْعَبّاسُ الرّجُلَيْنِ، وَلَكِنّهُ اسْتَوْدَعَهُ إيّاهُمَا، فَأَبَى عَبْدُ اللهِ أَنْ يُسَمّيَهُمَا لِي. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَلَغَنِي عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ: لَمّا مَرّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحِجْرِ سَجّى ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَاسْتَحَثّ رَاحِلَتَهُ، ثُمّ قَالَ: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ الّذِينَ ظَلَمُوا إلّا وَأَنْتُمْ بَاكُونَ، خَوْفًا أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا أَصْبَحَ النّاسُ وَلَا ماء معهم شكوا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَرْسَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ سَحَابَةً فَأَمْطَرَتْ حَتّى ارْتَوَى النّاسُ، وَاحْتَمَلُوا حَاجَتَهُمْ مِنْ الْمَاءِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالَ: قُلْت لِمَحْمُودِ: هَلْ كَانَ النّاسُ يَعْرِفُونَ النّفَاقَ فِيهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاَللهِ، إنْ كَانَ الرّجُلُ لَيَعْرِفُهُ مِنْ أَخِيهِ وَمِنْ أَبِيهِ وَمِنْ عَمّهِ وَفِي عَشِيرَتِهِ، ثُمّ يَلْبَسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى ذَلِكَ. ثُمّ قَالَ مَحْمُودٌ: لَقَدْ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقالة ابن اللصيت

مِنْ قَوْمِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مَعْرُوفٌ نِفَاقُهُ، كَانَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ سَارَ؛ فَلَمّا كَانَ مِنْ أَمْرِ النّاسِ بِالْحِجْرِ مَا كَانَ، وَدَعَا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دَعَا، فَأَرْسَلَ اللهُ السّحَابَةَ، فَأَمْطَرَتْ حَتّى ارْتَوَى النّاسُ، قَالُوا: أَقْبَلْنَا عَلَيْهِ نَقُولُ: وَيْحَك، هَلْ بعد هذا شىء! قال: سحابة مارّة. [مقالة ابْنِ اللّصَيْتِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَارَ حَتّى إذَا كَانَ بِبَعْضِ الطّرِيقِ ضَلّتْ نَاقَتُهُ، فَخَرَجَ أَصْحَابُهُ فِي طَلَبِهَا، وَعِنْدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ من أصحابه، يُقَالُ لَهُ، عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، وَكَانَ عَقَبِيّا بَدْرِيّا، وَهُوَ عَمّ بَنِي عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَكَانَ فِي رَحْلِهِ زَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ الْقَيْنُقَاعِيّ، وَكَانَ مُنَافِقًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: ابْنُ لُصَيْبٍ، بِالْبَاءِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، قَالُوا: فَقَالَ زَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ، وَهُوَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ، وَعُمَارَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أَلَيْسَ مُحَمّدٌ يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِيّ، وَيُخْبِرُكُمْ عَنْ خَبَرِ السّمَاءِ، وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَارَةُ عِنْدَهُ: إنّ رَجُلًا قَالَ: هَذَا مُحَمّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنّهُ نَبِيّ، وَيَزْعُمُ أَنّهُ يُخْبِرُكُمْ بِأَمْرِ السّمَاءِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ، وَإِنّي وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ إلّا مَا عَلّمَنِي اللهُ وَقَدْ دَلّنِي اللهُ عَلَيْهَا، وَهِيَ فِي هَذَا الْوَادِي، فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا، قَدْ حَبَسَتْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إبطاء أبى ذر

شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا، فَانْطَلِقُوا حَتّى تَأْتُونِي بِهَا، فَذَهَبُوا، فجاؤا بها. فرجع عمارة ابن حَزْمٍ إلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ: وَاَللهِ لَعَجَبٌ مِنْ شَيْءٍ حَدّثَنَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آنِفًا، عَنْ مَقَالَةِ قَائِلٍ أَخْبَرَهُ اللهُ عَنْهُ بِكَذَا وَكَذَا، لِلّذِي قَالَ زَيْدُ بْنُ لُصَيْتٍ؛ فَقَالَ رَجُلٌ مِمّنْ كَانَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ وَلَمْ يَحْضُرْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَيْدَ وَاَللهِ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ. فَأَقْبَلَ عُمَارَةُ عَلَى زَيْدٍ يَجَأُ فِي عُنُقِهِ وَيَقُولُ: إلَيّ عِبَادَ اللهِ، إنّ فِي رَحْلِي لَدَاهِيَةً وَمَا أَشْعُرُ، اُخْرُجْ أَيْ عَدُوّ اللهِ مِنْ رَحْلِي، فَلَا تَصْحَبْنِي. قال ابن إسحاق: فَزَعَمَ بَعْضُ النّاسِ أَنّ زَيْدًا تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَقَالَ بَعْضُ النّاسِ: لَمْ يَزَلْ مُتّهَمًا بشرّ حتى هلك. [إبطاء أبى ذر] ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا، فجعل يتخلّف عنه الرجل، فيقولون: يَا رَسُولَ اللهِ، تَخَلّفَ فُلَانٌ، فَيَقُولُ: دَعُوهُ، فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُهُ اللهُ تَعَالَى بِكَمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمْ اللهُ مِنْهُ، حَتّى قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ تَخَلّفَ أَبُو ذَرّ، وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيرُهُ؛ فَقَالَ: دَعُوهُ، فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُهُ اللهُ بِكَمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمْ اللهُ مِنْهُ؛ وَتَلَوّمَ أَبُو ذَرّ عَلَى بَعِيرِهِ، فَلَمّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ، أَخَذَ مَتَاعَهُ فَحَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمّ خَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَاشِيًا. وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بَعْضِ مَنَازِلِهِ، فَنَظَرَ نَاظِرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ هَذَا الرّجُلَ يَمْشِي عَلَى الطّرِيقِ وَحْدَهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ أَبَا ذَرّ. فَلَمّا تَأَمّلَهُ الْقَوْمُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ وَاَللهِ أَبُو ذَرّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرّ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ الْأَسْلَمِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرّ إلَى الرّبَذَةِ، وَأَصَابَهُ بِهَا قَدَرُهُ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ إلّا امْرَأَتُهُ وَغُلَامُهُ، فَأَوْصَاهُمَا أَنْ اغْسِلَانِي وَكَفّنَانِي، ثُمّ ضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطّرِيقِ، فَأَوّلُ رَكْبٍ يَمُرّ بِكَمْ فَقُولُوا: هَذَا أَبُو ذَرّ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ. فَلَمّا مَاتَ فَعَلَا ذَلِكَ بِهِ. ثُمّ وَضَعَاهُ عَلَى قارعة الطريق: وأقبل عبد الله ابن مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عُمّارٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إلّا بِالْجِنَازَةِ عَلَى ظَهْرِ الطّرِيقِ، قَدْ كَادَتْ الْإِبِلُ تَطَؤُهَا، وَقَامَ إلَيْهِمْ الْغُلَامُ. فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرّ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ. قَالَ: فَاسْتَهَلّ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي وَيَقُولُ: صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، تَمْشِي وَحْدَك، وَتَمُوتُ وَحْدَك، وَتُبْعَثُ وَحْدَك. ثُمّ نَزَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَوَارَوْهُ، ثُمّ حَدّثَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثَهُ، وَمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي مَسِيرِهِ إلَى تَبُوكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تخذيل المنافقين للمسلمين وما نزل فيهم

[تَخْذِيلُ الْمُنَافِقِينَ لِلْمُسْلِمَيْنِ وَمَا نَزَلَ فِيهِمْ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، مِنْهُمْ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ، حَلِيفٌ لِبَنِي سَلِمَةَ، يُقَالُ لَهُ: مُخَشّنُ بْنُ حُمَيّر- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ مَخْشِيّ- يُشِيرُونَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مُنْطَلِقٌ إلَى تَبُوكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: أَتَحْسِبُونَ جَلّادَ بَنِي الْأَصْفَرِ كَقِتَالِ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا! وَاَللهِ لَكَأَنّا بِكَمْ غَدًا مُقَرّنِينَ فِي الْحِبَالِ، إرْجَافًا وَتَرْهِيبًا لِلْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ مُخَشّنُ بْنُ حُمَيّرٍ: وَاَللهِ لَوَدِدْت أَنّي أُقَاضِي عَلَى أَنْ يُضْرَبُ كل رجل منّا مائة جَلْدَةٍ، وَإِنّا نَنْفَلِتُ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْآنٌ لِمَقَالَتِكُمْ هَذِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنِي- لِعَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ: أَدْرِكْ الْقَوْمَ، فَإِنّهُمْ قَدْ احْتَرَقُوا، فَسَلْهُمْ عَمّا قَالُوا، فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ: بَلَى، قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا. فَانْطَلَقَ إلَيْهِمْ عَمّارٌ، فَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ: فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ، فَقَالَ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاقِفٌ عَلَى نَاقَتِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ وَهُوَ آخِذٌ بِحَقَبِهَا يَا رَسُولَ اللهِ، إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. وَقَالَ مُخَشّنُ بْنُ حُمَيّرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَعَدَ بِي اسْمِي وَاسْمُ أَبِي، وَكَأَنّ الّذِي عُفِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُخَشّنُ بْنُ حُمَيّرٍ، فَتَسَمّى عَبْدَ الرّحْمَنِ، وَسَأَلَ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَقْتُلَهُ شَهِيدًا لَا يُعْلَمُ بِمَكَانِهِ، فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَلَمْ يُوجَدْ له أثر. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصلح مع صاحب أيلة

[الصلح مع صاحب أيلة] وَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى تَبُوكَ، أَتَاهُ يُحَنّةُ بْنُ رُؤْبَةَ، صَاحِبُ أَيْلَةَ، فَصَالَحَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ، وَأَتَاهُ أَهْلَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ، فَأَعْطَوْهُ الْجِزْيَةَ، فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمْ كِتَابًا، فَهُوَ عِنْدَهُمْ. [كتاب الرسول لصاحب أيلة] فكتب ليحنّة بن رؤبة: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ: هَذِهِ أَمَنَةٌ مِنْ الله ومحمد النبي رسول الله ليحنّة ابن رُؤْبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ، سُفُنُهُمْ وَسَيّارَتُهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ: لَهُمْ ذِمّةُ اللهِ، وَذِمّةُ مُحَمّدٍ النّبِيّ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشّامِ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ، وَأَهْلِ الْبَحْرِ، فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا، فَإِنّهُ لَا يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ، وَإِنّهُ طَيّبٌ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْ النّاسِ، وَإِنّهُ لَا يَحِلّ أَنْ يُمْنَعُوا مَاءً يَرِدُونَهُ، وَلَا طَرِيقًا يريدونه، من برّ أو بحر. [أكيدر] ثُمّ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَبَعَثَهُ إلَى أُكَيْدِرِ دَوْمَةَ، وَهُوَ أُكَيْدِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ كَانَ مَلِكًا عَلَيْهَا، وَكَانَ نَصْرَانِيّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخالد: إنك ستجده يصيد البقر. فحرج خَالِدٌ، حَتّى إذَا كَانَ مِنْ حِصْنِهِ بِمَنْظَرِ الْعَيْنِ، وَفِي لَيْلَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مُقْمِرَةٍ صَائِفَةٍ، وَهُوَ عَلَى سَطْحٍ لَهُ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ، فَبَاتَتْ الْبَقَرُ تَحُكّ بِقُرُونِهَا بَابَ الْقَصْرِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: هَلْ رَأَيْت مِثْلَ هَذَا قَطّ؟ قَالَ: لَا وَاَللهِ! قَالَتْ: فَمَنْ يَتْرُكُ هَذِهِ؟ قَالَ: لَا أَحَدَ. فَنَزَلَ فَأَمَرَ بِفَرَسِهِ، فَأُسْرِجَ لَهُ، وَرَكِبَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فِيهِمْ أَخٌ يُقَالُ لَهُ حَسّانُ. فَرَكِبَ، وَخَرَجُوا مَعَهُ بِمُطَارِدِهِمْ. فَلَمّا خَرَجُوا تَلَقّتْهُمْ خَيْلُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَخَذَتْهُ، وَقَتَلُوا أَخَاهُ؛ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُخَوّصٌ بِالذّهَبِ، فَاسْتَلَبَهُ خَالِدٌ، فَبَعَثَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ قُدُومِهِ بِهِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنَ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: رَأَيْت قَبَاءَ أُكَيْدِرٍ حِينَ قَدِمَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَلْمِسُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ، وَيَتَعَجّبُونَ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتعجبون من هذا؟ فو الذى نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ إنّ خَالِدًا قَدِمَ بِأُكَيْدِرٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَقَنَ لَهُ دَمَهُ، وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ، ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ، فَرَجَعَ إلَى قَرْيَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ طَيّئٍ: يُقَالُ لَهُ بُجَيْرُ بْنُ بُجْرَةَ، يَذْكُرُ قَوْلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: إنّك سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ، وَمَا صَنَعَتْ الْبَقَرُ تِلْكَ اللّيْلَةَ حَتّى اسْتَخْرَجَتْهُ، لِتَصْدِيقِ قَوْلِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: تَبَارَكَ سَائِقُ الْبَقَرَاتِ إنّي ... رَأَيْتُ اللهَ يَهْدِي كُلّ هَادِ فَمَنْ يَكُ حَائِدًا عَنْ ذِي تبوك ... فإنّا قد أمرنا بالجهاد ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث وادى المشقق ومائه

فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِتَبُوكَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، لَمْ يُجَاوِزْهَا ثُمّ انْصَرَفَ قَافِلًا إلَى الْمَدِينَةِ. [حَدِيثُ وَادِي الْمُشَقّقِ وَمَائِهِ] وَكَانَ فِي الطّرِيقِ مَاءٌ يَخْرُجُ مِنْ وَشَلٍ، مَا يَرْوِي الرّاكِبَ وَالرّاكِبَيْنِ وَالثّلَاثَةَ، بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ وَادِي الْمُشَقّقِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَبَقَنَا إلَى ذَلِكَ الْوَادِي فَلَا يَسْتَقِيَنّ مِنْهُ شَيْئًا حَتّى نَأْتِيَهُ. قَالَ: فَسَبَقَهُ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، فَاسْتَقَوْا مَا فِيهِ؛ فَلَمّا أَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَفَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا. فَقَالَ: مَنْ سَبَقَنَا إلَى هَذَا الْمَاءِ؟ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فُلَانٌ وَفُلَانٌ؛ فقال: أولم أَنْهَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْهُ شَيْئًا حَتّى آتِيَهُ! ثُمّ لَعَنَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَدَعَا عَلَيْهِمْ. ثُمّ نَزَلَ فَوَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ الْوَشَلِ، فَجَعَلَ يَصُبّ فِي يَدِهِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَصُبّ ثُمّ نَضَحَهُ بِهِ، وَمَسَحَهُ بِيَدِهِ، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ، فَانْخَرَقَ مِنْ الْمَاءِ- كَمَا يَقُولُ مَنْ سَمِعَهُ- مَا إنّ لَهُ حِسّا كَحِسّ الصّوَاعِقِ، فَشَرِبَ النّاسُ، وَاسْتَقَوْا حَاجَتَهُمْ مِنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَئِنْ بَقِيتُمْ أَوْ مَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ لَتَسْمَعُنّ بِهَذَا الْوَادِي، وَهُوَ أَخْصَبُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَا خَلْفَهُ. [قيام الرسول على دفن ذى البجادين] قَالَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيمى، أن عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدّثُ، قَالَ: قُمْت مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ، وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لم سمى ذو البجادين؟

فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ: فَرَأَيْت شُعْلَةً مِنْ نَارٍ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ، قَالَ: فَاتّبَعْتهَا أَنْظُرُ إلَيْهَا، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَإِذَا عَبْدُ اللهِ ذو النجادين المزنى قدمات، وَإِذَا هُمْ قَدْ حَفَرُوا لَهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُفْرَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُدَلّيَانِهِ إلَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَدْنِيَا إلىّ أخا كما، فَدَلّيَاهُ إلَيْهِ، فَلَمّا هَيّأَهُ لِشِقّهِ قَالَ: اللهُمّ إنّي أَمْسَيْت رَاضِيًا عَنْهُ، فَارْضَ عَنْهُ. قَالَ: يقول عبد اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ الحفرة. [لم سمى ذو البجادين؟] قال ابن هشام: وإنما سمّى ذو الْبِجَادَيْنِ، لِأَنّهُ كَانَ يُنَازِعُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَيَمْنَعُهُ قَوْمُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُضَيّقُونَ عَلَيْهِ، حَتّى تَرَكُوهُ فِي بِجَادِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْبِجَادُ: الْكِسَاءُ الْغَلِيظُ الْجَافِي، فَهَرَبَ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمّا كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، شَقّ بِجَادَهُ بِاثْنَيْنِ، فَاِتّزَرَ بِوَاحِدِ، وَاشْتَمَلَ بِالْآخَرِ ثُمّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقِيلَ لَهُ: ذُو الْبِجَادَيْنِ لِذَلِكَ، وَالْبِجَادُ أَيْضًا: الْمِسْحُ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: كَأَنّ أَبَانًا فِي عَرَانِينِ وَدْقِهِ ... كبير أناس فى بجاد مزمّل [أبو رهم فى تبوك] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عن ابن أكيمة اللّيثى، عن ابْنِ أَخِي أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيّ، أَنّهُ سَمِعَ أبارهم كُلْثُومَ بْنَ الْحُصَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشّجَرَةِ، يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر مسجد الضرار عند القفول من غزوة تبوك

غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَسِرْت ذَاتَ لَيْلَةٍ مَعَهُ وَنَحْنُ بِالْأَخْضَرِ قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَلْقَى اللهُ عَلَيْنَا النّعَاسَ فَطَفِقْتُ أَسْتَيْقِظُ وَقَدْ دَنَتْ رَاحِلَتِي مِنْ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَيُفْزِعُنِي دُنُوّهَا مِنْهُ، مَخَافَةَ أَنْ أُصِيبَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَطَفِقْت أَحُوزُ رَاحِلَتِي عَنْهُ، حَتّى غَلَبَتْنِي عَيْنَيّ فِي بَعْضِ الطّرِيقِ، وَنَحْنُ فِي بَعْضِ اللّيْلِ، فَزَاحَمَتْ رَاحِلَتِي رَاحِلَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلُهُ فِي الْغَرْزِ، فَمَا اسْتَيْقَظْت إلّا بِقَوْلِهِ: حَسّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي. فَقَالَ: سِرْ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُنِي عَمّنْ تَخَلّفَ عَنْ بَنِي غِفَارٍ، فَأَخْبَرَهُ بِهِ؛ فَقَالَ وَهُوَ يَسْأَلُنِي: مَا فَعَلَ النّفَرُ الْحُمْرُ الطّوَالُ الثّطَاطُ. فَحَدّثْته بِتَخَلّفِهِمْ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ النّفَرُ السّودُ الْجِعَادُ الْقِصَارُ؟ قَالَ: قُلْت: وَاَللهِ مَا أَعْرِفُ هَؤُلَاءِ مِنّا. قَالَ: بَلَى الّذِينَ لَهُمْ نَعَمٌ بِشَبَكَةِ شَدَخٍ؛ فَتَذَكّرْتهمْ فِي بَنِي غِفَارٍ، وَلَمْ أَذْكُرْهُمْ حَتّى ذَكَرْتُ أُمّ لَهُمْ رَهْطٌ مِنْ أَسْلَمَ كَانُوا حُلَفَاءَ فِينَا، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، أُولَئِكَ رَهْطٌ مِنْ أَسْلَمَ، حَلْفَاءُ فِينَا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مَنَعَ أَحَدٌ أُولَئِكَ حِينَ تَخَلّفَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إبِلِهِ امْرَأً نَشِيطًا فِي سَبِيلِ اللهِ؟ إنّ أَعَزّ أَهْلِي عَلَيّ أَنْ يَتَخَلّفَ عَنّي الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارُ وَغُفَارٌ وَأَسْلَمُ. [أَمْرُ مَسْجِدِ الضّرَارِ عِنْدَ الْقُفُولِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ بِذِي أَوَانَ، بَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ، وَكَانَ أَصْحَابُ مَسْجِدِ الضّرَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَدْ كَانُوا أَتَوْهُ وَهُوَ يَتَجَهّزُ إلَى تَبُوكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّا قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَاللّيْلَةِ الشّاتِيَةِ، وَإِنّا نُحِبّ أَنْ تَأْتِيَنَا، فَتُصَلّي لَنَا فِيهِ؛ فَقَالَ: إنّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ، وَحَالِ شُغْلٍ، أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ قَدْ قَدِمْنَا إنْ شَاءَ اللهُ لأتيناكم، فصلّينا لكم فيه. فَلَمّا نَزَلَ بِذِي أَوَانَ، أَتَاهُ خَبَرُ الْمَسْجِدِ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِكَ بْنَ الدّخْشُمِ أَخَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَمَعْنِ بْنِ عَدِيّ، أَوْ أَخَاهُ عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ، أَخَا بَنِي الْعَجْلَانِ، فَقَالَ: انْطَلِقَا إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظّالِمِ أَهْلُهُ، فَاهْدِمَاهُ وَحَرّقَاهُ. فَخَرَجَا سَرِيعَيْنِ حَتّى أَتَيَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُمْ رَهْطُ مَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ، فَقَالَ مَالِكٌ لِمَعْنِ: أَنْظِرْنِي حَتّى أَخْرُجَ إلَيْك بِنَارٍ مِنْ أَهْلِي. فَدَخَلَ إلَى أَهْلِهِ، فَأَخَذَ سَعَفًا مِنْ النّخْلِ، فَأَشْعَلَ فِيهِ نَارًا، ثُمّ خَرَجَا يَشْتَدّانِ حَتّى دَخَلَاهُ وَفِيهِ أَهْلُهُ، فَحَرّقَاهُ وَهَدّمَاهُ، وَتَفَرّقُوا عَنْهُ، وَنَزَلَ فِيهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ مَا نَزَلَ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ... إلى آخر القصة. وكان الذين بنوه اثنى عَشَرَ رَجُلًا: خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ، مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ، أَحَدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمِنْ دَارِهِ أُخْرِجَ مَسْجِدُ الشّقَاقِ، وَثَعْلَبَةُ ابن حَاطِبٍ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبُو حَبِيبَةَ بْنِ الْأَزْعَرِ، مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَخُو سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَجَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَابْنَاهُ مُجَمّعُ بْنُ جَارِيَةَ، وَزَيْدُ بْنُ جَارِيَةَ، وَنَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ، مِنْ ضبيعة، وبحزج، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر الثلاثة الذين خلفوا وأمر المعذرين فى غزوة تبوك

مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَبِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ، مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ رَهْطُ أَبِي لُبَابَةَ بن المنذر. وَكَانَتْ مَسَاجِدُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ إلَى تَبُوكَ مَعْلُومَةً مُسَمّاةً: مَسْجِدٌ بِتَبُوكَ، وَمَسْجِدٌ بِثَنِيّةِ مِدْرَانَ، وَمَسْجِدٌ بِذَاتِ الزّرَابِ، وَمَسْجِدٌ بِالْأَخْضَرِ، وَمَسْجِدٌ بِذَاتِ الْخِطْمِيّ، وَمَسْجِدٌ بِأَلَاءَ، وَمَسْجِدٌ بِطَرَفِ الْبَتْرَاءِ، مِنْ ذَنْبِ كَوَاكِب، وَمَسْجِدٌ بِالشّقّ، شِقّ تَارَا، وَمَسْجِدٌ بِذِي الجيفة، ومسجد بصدر حَوْضَى، وَمَسْجِدٌ بِالْحِجْرِ، وَمَسْجِدٌ بِالصّعِيدِ، وَمَسْجِدٌ بِالْوَادِي، الْيَوْمَ، وَادِي الْقُرَى، وَمَسْجِدٌ بِالرّقُعَة مِنْ الشّقّةِ، شِقّةِ بَنِي عُذْرَةَ، وَمَسْجِدٌ بِذِي الْمَرْوَةِ، وَمَسْجِدٌ بِالْفَيْفَاءِ، وَمَسْجِدٌ بِذِي خُشُبٍ. [أَمْرُ الثّلَاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا وَأَمْرُ الْمُعَذّرِينَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ] وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ كَانَ تَخَلّفَ عَنْهُ رَهْطٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَتَخَلّفَ أُولَئِكَ الرّهْطُ الثّلَاثَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ شَكّ وَلَا نِفَاقٍ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَمُرَارَةُ بْنُ الرّبِيعِ، وَهِلَالُ بْنُ أُمّيّةٍ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ: لَا تُكَلّمُنّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ، وَأَتَاهُ مَنْ تَخَلّفَ عَنْهُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَجَعَلُوا يَحْلِفُونَ لَهُ وَيَعْتَذِرُونَ، فَصَفَحَ عَنْهُمْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَعْذِرْهُمْ اللهُ وَلَا رَسُولُهُ. وَاعْتَزَلَ الْمُسْلِمُونَ كَلَامَ أولئك النفر الثلاثة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث كعب عن التخلف

[حديث كعب عن التخلف] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَذَكَرَ الزّهْرِيّ مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عبد الله بن كعب بن مالك: أن أَبَاهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ قَائِدَ أَبِيهِ حِينَ أُصِيبَ بَصَرُهُ، قَالَ: سَمِعْت أَبِي كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُحَدّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تَبُوكَ، وَحَدِيثَ صَاحِبَيْهِ، قَالَ: مَا تَخَلّفْت عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطّ، غَيْرَ أَنّي كُنْت قَدْ تخلّفت عنه فى غزوة بذر؛ وَكَانَتْ غَزْوَةً لَمْ يُعَاتِبْ اللهُ وَلَا رَسُولُهُ أَحَدًا تَخَلّفَ عَنْهَا، وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا خَرَجَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتّى جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوّهِ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْت مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العقبة، وَحِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ هِيَ أَذْكَرُ فِي النّاسِ مِنْهَا. قَالَ: كَانَ مِنْ خَبَرِي حِينَ تَخَلّفْت عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تَبُوكَ أَنّي لَمْ أَكُنْ قَطّ أَقْوَى وَلَا أيسر منى حين تخلّفت عنه فى تلك الغزوة، وو الله مَا اجْتَمَعَتْ لِي رَاحِلَتَانِ قَطّ حَتّى اجْتَمَعَتَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَلّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إلّا وَرّى بِغَيْرِهَا، حَتّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، فَغَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَرّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَاسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوّ كَثِيرٍ، فَجَلّى لِلنّاسِ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهّبُوا لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ وَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ بِوَجْهِهِ الّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَنْ تَبِعَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَثِيرٌ، لَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ، يَعْنِي بِذَلِكَ الدّيوَانَ، يَقُولُ: لَا يَجْمَعُهُمْ دِيوَانٌ مكتوب. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ كَعْبٌ: فَقَلّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيّبَ إلّا ظَنّ أَنّهُ سَيَخْفَى لَهُ ذَلِكَ، مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحَيّ مِنْ اللهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تِلْكَ الْغَزْوَةِ حِينَ طَابَتْ الثّمَارُ وَأُحِبّتْ الظّلَالُ، فَالنّاسُ إلَيْهَا صُعْرٌ؛ فَتَجَهّزَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَتَجَهّزَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَجَعَلْت أَغْدُو لِأَتَجَهّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ حَاجَةً، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي، أَنَا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إذَا أَرَدْت، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتّى شَمّرَ النّاسُ بِالْجَدّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَادِيًا، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْت: أَتَجَهّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمّ أَلْحَقُ بِهِمْ، فَغَدَوْت بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهّزَ، فَرَجَعْت وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمّ غَدَوْت فَرَجَعْت وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتّى أَسْرَعُوا، وَتَفَرّطَ الْغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ، فَأُدْرِكُهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ أَفْعَلْ، وَجَعَلْت إذَا خَرَجْت فِي النّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَطُفْتُ فِيهِمْ، يَحْزُنُنِي أَنّي لَا أَرَى إلّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النّفَاقِ، أَوْ رَجُلًا مِمّنْ عَذَرَ اللهُ مِنْ الضّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرنِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ، وَالنّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ؛ فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْت! وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا مِنْهُ إلّا خَيْرًا؛ فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم.. فلما بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَوَجّهَ قَافِلًا مِنْ تَبُوكَ، حَضَرَنِي بَثّي، فَجَعَلْت أَتَذَكّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ: بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخْطَةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَدًا وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ كُلّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَلَمّا قِيلَ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَظَلّ قَادِمًا زَاحَ عَنّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْت أَنّي لَا أَنْجُو مِنْهُ إلّا بِالصّدْقِ، فَأَجْمَعْت أَنْ أَصْدُقَهُ، وَصَبّحَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ، فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمّ جَلَسَ لِلنّاسِ، فَلَمّا فَعَلَ ذَلِكَ، جَاءَهُ الْمُخَلّفُونَ، فَجَعَلُوا يَحْلِفُونَ لَهُ وَيَعْتَذِرُونَ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَيَقْبَلُ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَانِيَتَهُمْ وَأَيْمَانَهُمْ، وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إلَى اللهِ تَعَالَى، حَتّى جِئْت فَسَلّمْت عَلَيْهِ، فَتَبَسّمَ تَبَسّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمّ قَالَ لِي: تَعَالَهْ، فَجِئْت أَمْشِي، حَتّى جَلَسْت بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَا خَلّفَك؟ أَلَمْ تَكُنْ ابْتَعْت ظَهْرَك؟ قَالَ: قُلْت: إنّي يَا رَسُولَ اللهِ، وَاَللهِ لَوْ جَلَسْت عِنْدَ غَيْرِك من أهل الدنيا، لرأيت أبى سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرِ، وَلَقَدْ أُعْطِيت جَدَلًا، لكن وَاَللهِ لَقَدْ عَلِمْت لَئِنْ حَدّثْتُك الْيَوْمَ حَدِيثًا كَذِبًا لَتَرْضِيَنّ عَنّي، وَلَيُوشِكَنّ اللهُ أَنْ يُسْخِطَك عَلَيّ، وَلَئِنْ حَدّثْتُك حَدِيثًا صِدْقًا تَجِدُ عَلَيّ فِيهِ، إنّي لَأَرْجُو عُقْبَايَ مِنْ اللهِ فِيهِ، وَلَا وَاَللهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ، وَاَللهِ مَا كُنْت قَطّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنّي حِينَ تَخَلّفْت عَنْك. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمّا هَذَا فَقَدْ صَدَقْت فِيهِ، فَقُمْ حَتّى يَقْضِيَ اللهُ فِيك. فَقُمْت، وَثَارَ مَعِي رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، فَاتّبَعُونِي فَقَالُوا لِي: وَاَللهِ مَا عَلِمْنَاك كُنْتَ أَذْنَبْت ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْت إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ إلَيْهِ الْمُخَلّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيك ذَنْبُكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَك، فَوَاَللهِ مَا زَالُوا بِي حَتّى أَرَدْت أَنْ أَرْجِعَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُكَذّبُ نَفْسِي، ثُمّ قُلْت لَهُمْ: هَلْ لَقَى هَذَا أَحَدٌ غَيْرِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَا مِثْلَ مَقَالَتِك، وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قيل لك؛ قلت: من هما؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرّبِيعِ العَمْرِيّ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهِلَالُ بْنُ (أَبِي) أُمَيّةَ الْوَاقِفِيّ؛ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ، فِيهِمَا أُسْوَةٌ، فَصَمَتّ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ كَلَامِنَا أَيّهَا الثّلَاثَةُ، مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النّاسُ، وَتَغَيّرُوا لَنَا، حَتّى تَنَكّرَتْ لِي نَفْسِي وَالْأَرْضُ، فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الّتِي كُنْت أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا، وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا، وَأَمّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْت أَخْرُجُ، وَأَشْهَدُ الصّلَوَاتِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَطُوفُ بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يُكَلّمُنِي أَحَدٌ، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَأُسَلّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي، هَلْ حَرّك شَفَتَيْهِ بِرَدّ السّلَامِ عَلَيّ أَمْ لَا؟ ثُمّ أُصَلّي قَرِيبًا منه، فأرسارقه النّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْت عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إلَيّ، وَإِذَا الْتَفَتّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنّي، حَتّى إذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ، مَشَيْتُ حتى توّرت جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ. وَهُوَ ابْنُ عَمّي، وأحبّ الناس إلىّ، فسلمت عليه، فو الله ماردّ عَلَيّ السّلَامَ، فَقُلْت: يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُك بِاَللهِ، هَلْ تَعْلَمُ أَنّي أُحِبّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ. فَعُدْت فَنَاشَدْته، فَسَكَتَ عَنّي، فَعُدْت فَنَاشَدْته فَسَكَتَ عَنّي، فَعُدْت فَنَاشَدْته، فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَوَثَبْت فَتَسَوّرْت الْحَائِطَ، ثُمّ غَدَوْت إلَى السّوقِ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِالسّوقِ، إذَا نَبَطِيّ يَسْأَلُ عَنّي مِنْ نَبَطِ الشّامِ، مما قدم بالطعام ببيعه بِالْمَدِينَةِ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلّ عَلَيّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ؟ قَالَ: فَجَعَلَ النّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إلَيّ، حَتّى جَاءَنِي، فَدَفَعَ إلَيّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسّانَ، وَكَتَبَ كِتَابًا فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَإِذَا فِيهِ: «أَمّا بَعْدُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَإِنّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنّ صَاحِبَك قَدْ جَفَاك، وَلَمْ يَجْعَلْك اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فالحق بنا نُوَاسِك» . قَالَ: قُلْت حِينَ قَرَأْتهَا: وَهَذَا مِنْ الْبَلَاءِ أَيْضًا، قَدْ بَلَغَ بِي مَا وَقَعْت فِيهِ أَنْ طَمِعَ فِيّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ. قَالَ: فَعَمَدْت بِهَا إلَى تَنّورٍ، فَسَجَرْته بِهَا. فَأَقَمْنَا عَلَى ذَلِكَ حَتّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنْ الْخَمْسِينَ إذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ يَأْتِينِي، فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُك أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَك، قَالَ: قُلْت: أُطَلّقُهَا أَمْ مَاذَا؟ قَالَ: لَا، بَلْ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا، وَأَرْسَلَ إلَيّ صَاحِبِي بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَقُلْت لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِك، فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتّى يَقْضِي اللهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ مَا هُوَ قَاضٍ. قَالَ: وَجَاءَتْ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيّةَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ هِلَالَ ابن أُمَيّةَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَائِعٌ لَا خَادِمَ لَهُ، أَفَتَكْرَهُ أَنْ أَخْدِمَهُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنّكِ؛ قَالَتْ: وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا به من حركة إلىّ، والله مازال يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إلَى يَوْمهِ هَذَا، وَلَقَدْ تَخَوّفَتْ عَلَى بَصَرِهِ. قَالَ: فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوْ اسْتَأْذَنْت رَسُولَ اللهِ لِامْرَأَتِك، فَقَدْ أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ؛ قَالَ: فَقُلْت: وَاَللهِ لَا اْسَتَأْذِنُهُ فِيهَا، مَا أَدْرِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِي فِي ذَلِكَ إذَا اسْتَأْذَنْته فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابّ. قَالَ: فَلَبِثْنَا بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً، مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا، ثُمّ صَلّيْت الصّبْحَ، صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، عَلَى الْحَالِ الّتِي ذَكَرَ اللهُ مِنّا، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْنَا الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَضَاقَتْ عَلَيّ نَفْسِي، وقد كنت ابتنيت خيمة فى ظهر مبلع، فَكُنْت أَكُونُ فِيهَا إذْ سَمِعْت صَوْتَ صَارِخٍ أو فى على ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر سَلْعٍ يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مالك، أبشر، قال: فخررت ا، وعرفت أن قد جاء الفرج. قال: وَآذَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النّاسَ بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلّى الْفَجْرَ، فَذَهَبَ النّاسُ يُبَشّرُونَنَا، وَذَهَبَ نَحْوَ صَاحِبَيّ مُبَشّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إلَيّ فَرَسًا. وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أسلم، حتى أو فى عَلَى الْجَبَلِ، فَكَانَ الصّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ، فَلَمّا جَاءَنِي الّذِي سَمِعْت صَوْتَهُ يُبَشّرُنِي، نَزَعْت ثَوْبَيّ، فَكَسَوْتهمَا إيّاهُ بِشَارَةً، وَاَللهِ مَا أَمْلِكُ يَوْمئِذٍ غَيْرَهُمَا، وَاسْتَعَرْت ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتهمَا، ثُمّ انْطَلَقْت أَتَيَمّمُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَتَلَقّانِي النّاسُ يُبَشّرُونَنِي بِالتّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِيَهْنِكَ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْك، حَتّى دَخَلْت الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النّاسُ، فَقَامَ إلَيّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، فَحَيّانِي وهنّأنى، وو الله مَا قَامَ إلَيّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ. قَالَ: فَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةِ. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمّا سَلّمْت عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي، وَوَجْهُهُ يَبْرُقُ مِنْ السّرُورِ: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرّ عَلَيْك مُنْذُ وَلَدَتْك أُمّك، قَالَ: قُلْت: أَمِنْ عِنْدَك يَا رَسُولَ اللهِ أَمْ مِنْ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا اسْتَبْشَرَ كَأَنّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ. قَالَ: وَكُنّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ. قَالَ: فَلَمّا جَلَسْت بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ مِنْ تَوْبَتِي إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي، صَدَقَةً إلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكْ عَلَيْك بَعْضَ مَالِكٍ، فَهُوَ خير لك. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ: قُلْت إنّي مُمْسِكٌ سَهْمِي الّذِي بِخَيْبَرِ؛ وَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ اللهَ قَدْ نَجّانِي بِالصّدْقِ، وَإِنّ مِنْ تَوْبَتِي إلَى اللهِ أن لا أحدّث إلا صدقا ما حيبت، وَاَللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ النّاسِ أَبْلَاهُ اللهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ أَفَضْلَ مِمّا أَبْلَانِي اللهُ، وَاَللهِ مَا تَعَمّدْت مِنْ كَذْبَةٍ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِي هَذَا، وَإِنّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظنِي اللهُ فِيمَا بَقِيَ. وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ... إلَى قَوْلِهِ: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ التوبة: 117- 119. قال كعب: فو الله مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيّ نِعْمَةً قَطّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ كَانَتْ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْته، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي الّذِينَ كَذّبُوهُ حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرّ مَا قَالَ لِأَحَدِ، قَالَ: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ، فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ، فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ. التوبة: 95، 96. قَالَ: وَكُنّا خُلّفْنَا أَيّهَا الثّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر وفد ثقيف وإسلامها فى شهر رمضان سنة تسع

صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَعَذَرَهُمْ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْرَنَا، حَتّى قَضَى اللهُ فِيهِ مَا قَضَى، فَبِذَلِكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا. وَلَيْسَ الّذِي ذَكَرَ اللهُ مِنْ تَخْلِيفِنَا لِتَخَلّفِنَا عَنْ الْغَزْوَةِ وَلَكِنْ لِتَخْلِيفِهِ إيّانَا، وَإِرْجَائِهِ أَمْرَنَا عَمّنْ حَلَفَ لَهُ، وَاعْتَذَرَ إلَيْهِ، فَقَبِلَ مِنْهُ. [أَمْرُ وَفْدِ ثَقِيفٍ وَإِسْلَامُهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ تَبُوكَ فِي رَمَضَانَ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الشّهْرِ وَفْدُ ثَقِيفٍ. وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انْصَرَفَ عَنْهُمْ، اتّبَعَ أَثَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثّقَفِيّ، حَتّى أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَسْلَمَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ بِالْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، كَمَا يَتَحَدّثُ قَوْمُهُ: إنّهُمْ قَاتَلُوك، وَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ فِيهِمْ نَخْوَةَ الِامْتِنَاعِ الّذِي كَانَ مِنْهُمْ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِهِمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: من أبصارهم. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فِيهِمْ كَذَلِكَ مُحَبّبًا مُطَاعًا، فَخَرَجَ يَدْعُو قَوْمَهُ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْإِسْلَامِ رَجَاءَ أَنْ لَا يُخَالِفُوهُ، لِمَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ؛ فَلَمّا أَشْرَفَ لَهُمْ عَلَى عَلِيّةٍ لَهُ، وَقَدْ دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَأَظْهَرَ لَهُمْ دِينَهُ، رَمَوْهُ بِالنّبْلِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ، فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ. فَتَزْعُمُ بَنُو مَالِكٍ أَنّهُ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ عَوْفٍ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ مَالِكٍ، وَتَزْعُمُ الْأَحْلَافُ أَنّهُ قَتَلَهُ رجل منهم، من بنى عتّاب ابن مَالِكٍ، يُقَالُ لَهُ وَهْبُ بْنُ جَابِرٍ، فَقِيلَ لِعُرْوَةِ: مَا تَرَى فِي دَمِك؟ قَالَ: كَرَامَةٌ أَكَرَمَنِي اللهُ بِهَا، وَشَهَادَةٌ سَاقَهَا اللهُ إلَيّ، فَلَيْسَ فِيّ إلّا مَا فِي الشّهَدَاءِ الّذِينَ قَتَلُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ عَنْكُمْ، فَادْفِنُونِي مَعَهُمْ، فَدَفَنُوهُ مَعَهُمْ، فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فِيهِ: إنّ مِثْلَهُ فِي قَوْمِهِ لَكَمِثْلِ صَاحِبِ يَاسِينَ فِي قَوْمِهِ. ثُمّ أَقَامَتْ ثَقِيفٌ بَعْدَ قَتْلِ عُرْوَةَ أَشْهُرًا، ثُمّ إنّهُمْ ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ، وَرَأَوْا أَنّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ وَقَدْ بَايَعُوا وَأَسْلَمُوا. حَدّثَنِي يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ: أَنّ عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ، أَخَا بَنِي عِلَاجٍ، كَانَ مُهَاجِرًا لِعَبْدِ ياليل بن عمرو، الذى بينهما سىء، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ مِنْ أَدْهَى الْعَرَبِ، فَمَشَى إلَى عَبْدِ يَالَيْلَ بْنِ عَمْرٍو، حَتّى دَخَلَ دَارَهُ، ثُمّ أَرْسَلَ إلَيْهِ أَنّ عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ يَقُولُ لَك: اخْرَجْ إلَيّ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ يَالَيْلَ لِلرّسُولِ: وَيْلَك! أَعَمْرٌو أَرْسَلَك إلَيّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَهَا هُوَ ذَا وَاقِفًا فِي دَارِك، فَقَالَ: إنّ هَذَا الشّيْءَ مَا كُنْت أَظُنّهُ، لَعَمْرٌو كَانَ أَمْنَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ إلَيْهِ، فَلَمّا رَآهُ رَحّبَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: إنّهُ قَدْ نَزَلَ بِنَا أَمْرٌ لَيْسَتْ مَعَهُ هِجْرَةٌ إنّهُ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ مَا قَدْ رَأَيْت، قَدْ أَسْلَمَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْعَرَبُ كُلّهَا، وَلَيْسَتْ لَكُمْ بِحَرْبِهِمْ طَاقَةٌ، فَانْظُرُوا فِي أَمْرِكُمْ: فَعِنْدَ ذَلِكَ ائْتَمَرَتْ ثَقِيفٌ بَيْنَهَا، وقال بعضهم لبعض: أفلا ترون أنه لا يأمن لكم سرب، ولا يخرج منكم أَحَدٌ إلّا اُقْتُطِعَ، فَأْتَمِرُوا بَيْنَهُمْ، وَأَجْمَعُوا أَنْ يُرْسِلُوا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا، كَمَا أَرْسَلُوا عُرْوَةَ، فَكَلّمُوا عَبْدَ يَالَيْلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَ سِنّ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَرَضُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ، وَخَشِيَ أَنْ يُصْنَعَ بِهِ إذَا رَجَعَ كَمَا صُنِعَ بِعُرْوَةِ. فَقَالَ: لَسْت فَاعِلًا حَتّى تُرْسِلُوا مَعِي رِجَالًا، فَأَجْمَعُوا أَنْ يَبْعَثُوا مَعَهُ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَحْلَافِ، وَثَلَاثَةً مِنْ بَنِي مَالِكٍ، فَيَكُونُوا سِتّةً، فَبَعَثُوا مَعَ عَبْدِ يَالَيْلَ الْحَكَمَ بْنَ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ بْنِ مُعَتّبٍ، وشر حبيل بْنَ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ مُعَتّبٍ، وَمِنْ بَنِي مَالِكٍ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ دُهْمَانَ، أَخَا بَنِي يَسَارٍ، وَأَوْسَ بْنَ عَوْفٍ، أَخَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ وَنُمَيْرَ بْنَ خَرَشَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، أَخَا بَنِي الْحَارِثِ. فَخَرَجَ بِهِمْ عَبْدُ يَالَيْلَ، وَهُوَ نَابَ الْقَوْمَ وَصَاحِبُ أَمْرِهِمْ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِمْ إلّا خَشْيَةَ مِنْ مِثْلِ مَا صُنِعَ بِعُرْوَةِ بْنِ مَسْعُودٍ، لِكَيْ يَشْغَلَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إذا رجعوا إلى الطائف رهطه.. فَلَمّا دَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ، وَنَزَلُوا قَنَاةَ أَلْفَوْا بها المغيرة بن شعبة، يرعى فى نوبته رِكَابَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَكَانَتْ رِعْيَتُهَا نُوَبًا عَلَى أَصْحَابِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَلَمّا رَآهُمْ تَرَكَ الرّكَابَ عِنْدَ الثّقَفِيّينَ، وَضَبَرَ يَشْتَدّ، لِيُبَشّرَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِ، فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره عن ركب ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثَقِيفٍ أَنْ قَدْ قَدِمُوا يُرِيدُونَ الْبَيْعَةَ وَالْإِسْلَامَ، بِأَنْ يَشْرُطَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُرُوطًا، وَيَكْتَتِبُوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا فِي قَوْمِهِمْ وَبِلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُغِيرَةِ: أَقْسَمْت عَلَيْك بِاَللهِ لَا تَسْبِقُنِي إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتّى أَكُونَ أَنَا أُحَدّثُهُ؛ فَفَعَلَ الْمُغِيرَةُ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره بِقُدُومِهِمْ عَلَيْهِ. ثُمّ خَرَجَ الْمُغِيرَةُ إلَى أَصْحَابِهِ، فَرَوّحَ الظّهْرَ مَعَهُمْ وَعَلّمَهُمْ كَيْفَ يُحَيّونَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَفْعَلُوا إلّا بِتَحِيّةِ الْجَاهِلِيّةِ، وَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ضَرَبَ عَلَيْهِمْ قُبّةً فِي نَاحِيَةِ مَسْجِدِهِ، كَمَا يَزْعُمُونَ، فَكَانَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، هُوَ الّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى اكْتَتَبُوا كِتَابَهُمْ. وَكَانَ خَالِدٌ هُوَ الّذِي كَتَبَ كِتَابَهُمْ بِيَدِهِ، وَكَانُوا لَا يَطْعَمُونَ طَعَامًا يَأْتِيهِمْ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى يَأْكُلَ مِنْهُ خَالِدٌ، حَتّى أَسْلَمُوا وَفَرَغُوا مِنْ كِتَابِهِمْ، وَقَدْ كَانَ فِيمَا سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَدَعَ لَهُمْ الطّاغِيَةَ، وَهِيَ اللات لَا يَهْدِمُهَا ثَلَاثَ سِنِينَ، فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَمَا بَرِحُوا يَسْأَلُونَهُ سَنَةً سَنَةً، وَيَأْبَى عَلَيْهِمْ حَتّى سَأَلُوا شَهْرًا وَاحِدًا بَعْدَ مَقْدَمِهِمْ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَنْ يَدَعَهَا شَيْئًا مُسَمّى، وَإِنّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِيمَا يُظْهِرُونَ أَنْ يَتَسَلّمُوا بِتَرْكِهَا مِنْ سُفَهَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيّهِمْ وَيَكْرَهُونَ أَنْ يُرَوّعُوا قَوْمَهُمْ بِهَدْمِهَا حَتّى يَدْخُلَهُمْ الْإِسْلَامُ: فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا أَنْ يَبْعَثَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَيَهْدِمَاهَا، وَقَدْ كَانُوا سَأَلُوهُ مَعَ تَرْكِ الطّاغِيَةِ أَنْ يعفيهم من الصلاة، وأن لا يكسروا أو ثانهم بأيديهم، فقال ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا كسر أو ثانكم بِأَيْدِيكُمْ فَسَنُعْفِيكُمْ مِنْهُ، وَأَمّا الصّلَاةُ، فَإِنّهُ لَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا صَلَاةَ فِيهِ، فَقَالُوا: يا محمد، فسنؤنيكها، وإن كانت دناءة. فَلَمّا أَسْلَمُوا وَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَهُمْ، أَمّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ، وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ أَحْرَصَهُمْ عَلَى التّفَقّهِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَعَلّمِ الْقُرْآنِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي قَدْ رَأَيْتُ هَذَا الْغُلَامَ مِنْهُمْ مِنْ أَحْرَصِهِمْ عَلَى التّفَقّهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَتَعَلّمِ القرآن قال ابن إسحاق: وحدثنى عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَطِيّةَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ، عَنْ بَعْضِ وَفْدِهِمْ. قَالَ: كَانَ بَلَالٌ يَأْتِينَا حِينَ أَسْلَمْنَا وَصُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ، بِفِطْرِنَا وَسَحُورنَا مِنْ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَيَأْتِينَا بِالسّحُورِ، وَإِنّا لَنَقُولُ: إنّا لَنَرَى الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ، فَيَقُولُ: قَدْ تَرَكْت رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَسَحّرُ، لِتَأْخِيرِ السّحُورِ، وَيَأْتِينَا بِفِطْرِنَا، وَإِنّا لَنَقُولُ: مَا نَرَى الشّمْسَ كُلّهَا ذَهَبَتْ بَعْدُ. فَيَقُولُ: مَا جِئْتُكُمْ حَتّى أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، ثُمّ يَضَعُ يَدَهُ فِي الْجَفْنَةِ، فَيَلْتَقِمُ مِنْهَا. قال ابن هشام: بفطورنا وسحورنا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هند، عن مطرّف بن عبد الله ابن الشّخّيرِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: كَانَ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ إلَيّ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَنِي عَلَى ثَقِيفٍ أَنْ قَالَ: يَا عُثْمَانُ، تُجَاوِزْ فِي الصّلَاةِ، وَاقْدُرْ النّاسَ بِأَضْعَفِهِمْ، فَإِنّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ، وَالصّغِيرَ، وَالضّعِيفَ، وَذَا الْحَاجَةِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ أَمْرِهِمْ، وَتَوَجّهُوا إلَى بِلَادِهِمْ رَاجِعِينَ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُمْ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فِي هَدْمِ الطّاغِيَةِ، فَخَرَجَا مَعَ الْقَوْمِ، حَتّى إذَا قَدِمُوا الطّائِفَ أَرَادَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنْ يُقَدّمَ أَبَا سُفْيَانَ، فَأَبَى ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اُدْخُلْ أَنْتَ عَلَى قَوْمِك؛ وَأَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَالِهِ بِذِي الْهَدْمِ؛ فَلَمّا دَخَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلَاهَا يَضْرِبُهَا بِالْمِعْوَلِ، وَقَامَ قَوْمُهُ دُونَهُ، بَنُو مُعَتّبٍ، خَشْيَةَ أَنْ يُرْمَى أَوْ يُصَابَ كَمَا أُصِيبَ عُرْوَةُ، وَخَرَجَ نِسَاءُ ثَقِيفٍ حُسّرًا يَبْكِينَ عَلَيْهَا وَيَقُلْنَ: لَتُبْكَيَنّ دُفّاعُ أَسْلَمَهَا الرضّاع ... لم يحسنوا المصاع قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: «لَتُبْكَيَنّ» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةُ يَضْرِبُهَا بِالْفَأْسِ: وَاهَا لَك! آهَا لَك! فَلَمّا هَدَمَهَا الْمُغِيرَةُ، وَأَخَذَ مَالَهَا وَحُلِيّهَا أَرْسَلَ إلى أبى سفيان وحليها مجموع، ومالها من الذهب والجزع. وَقَد كَانَ أَبُو مُلَيْحِ بْنِ عُرْوَةَ وَقَارِبُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفْدِ ثَقِيفٍ، حِينَ قُتِلَ عُرْوَةُ، يُرِيدَانِ فِرَاقَ ثَقِيفٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كتب لهم:

وَأَنْ لَا يُجَامِعَاهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، فَأَسْلَمَا؛ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَوَلّيَا مَنْ شِئْتُمَا؛ فَقَالَا: نَتَوَلّى اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَخَالَكُمَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، فَقَالَا: وخالنا أبا سفيان بن حرب. فَلَمّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطّائِفِ وَوَجّهَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةَ إلَى هَدْمِ الطّاغِيَةِ، سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبُو مُلَيْحِ بْنِ عُرْوَةَ أَنْ يَقْضِيَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الطّاغِيَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ قَارِبُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَعَنْ الْأَسْوَدِ يَا رَسُولَ اللهِ فَاقْضِهِ، وَعُرْوَةُ وَالْأَسْوَدُ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ الْأَسْوَدَ مَاتَ مُشْرِكًا. فَقَالَ قَارِبٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رسول الله، ولكن تَصِلُ مُسْلِمًا ذَا قَرَابَةٍ، يَعْنِي نَفْسَهُ، إنّمَا الدّيْنُ عَلَيّ، وَإِنّمَا أَنَا الّذِي أُطْلَبُ بِهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا سُفْيَانَ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ عُرْوَةَ وَالْأَسْوَدِ مِنْ مَالِ الطّاغِيَةِ، فَلَمّا جَمَعَ الْمُغِيرَةُ مَالَهَا قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ: أَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَك أَنْ تَقْضِيَ عن عروة والأسود دينهما، فقضى عنهما. [وَكَانَ كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم الذى كتب لهم:] بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ: مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ، رَسُولِ اللهِ، إلَى الْمُؤْمِنِينَ: إنّ عِضَاهَ وَجّ وَصَيْدَهُ لَا يُعْضَدُ، مَنْ وُجِدَ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنّهُ يُجْلَدُ وَتُنْزَعُ ثِيَابُهُ، فَإِنْ تَعَدّى ذَلِكَ فَإِنّهُ يُؤْخَذُ فَيَبْلُغُ بِهِ إلَى النّبِيّ مُحَمّدٍ، وَإِنّ هَذَا أَمْرُ النّبِيّ مُحَمّدٍ رسول الله. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حج أبى بكر بالناس سنة تسع واختصاص النبى صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب رضوان الله عليه بتأديه أول براءة عنه وذكر براءة والقصص فى تفسيرها

وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ: بِأَمْرِ الرّسُولِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَلَا يَتَعَدّهُ أَحَدٌ، فَيَظْلِمَ نَفْسَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. [حَجّ أَبِي بَكْرٍ بالناس سنة تسع واختصاص النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ بِتَأْدِيَةِ أَوّلِ بَرَاءَةٍ عَنْهُ وَذِكْرُ بَرَاءَةَ وَالْقَصَصِ فِي تَفْسِيرِهَا] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَقِيّةَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَشَوّالًا وَذَا الْقَعَدَةِ، ثُمّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْحَجّ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ، لِيُقِيمَ لِلْمُسْلِمِينَ حَجّهُمْ، وَالنّاسُ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ حَجّهِمْ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عنه ومن معه من المسلمين. وَنَزَلَتْ بَرَاءَةٌ فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَهْدِ، الّذِي كَانُوا عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ: أَنْ لَا يُصَدّ عَنْ الْبَيْتِ أَحَدٌ جَاءَهُ، وَلَا يَخَافُ أَحَدٌ فِي الشّهْرِ الْحِرَامِ. وَكَانَ ذَلِكَ عَهْدًا عَامّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النّاسِ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ، وَكَانَتْ بَيْنَ ذَلِكَ عُهُودٌ بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ قَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ خَصَائِص، إلَى آجَالٍ مُسَمّاةٍ، فَنَزَلَتْ فِيهِ وَفِيمَنْ تَخَلّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ عَنْهُ فِي تَبُوكَ، وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ، فَكَشَفَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا سَرَائِرَ أَقْوَامٍ كَانُوا يَسْتَخْفُونَ بِغَيْرِ مَا يُظْهِرُونَ، مِنْهُمْ مَنْ سَمّى لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسَمّ لَنَا، فَقَالَ عَزّ وَجَلّ: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَيْ لِأَهْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

العهد العام من أهل الشرك فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ. وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ: أَيْ بَعْدَ هَذِهِ الْحِجّةِ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ، وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ* إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَيْ العهد الخاصّ إلى الأجل المسمى وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ. فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ: يَعْنِي الْأَرْبَعَةَ الّتِي ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ، فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الّذِينَ أَمَرْتُك بِقَتْلِهِمْ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ، ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ. ثُمّ قَالَ: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ الّذِينَ كَانُوا هُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى الْعَهْدِ الْعَامّ أَنْ لَا يُخِيفُوكُمْ وَلَا يُخِيفُوهُمْ فِي الْحُرْمَةِ، وَلَا فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَهِيَ قَبَائِلُ مِنْ بَنِي بَكْرٍ الّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، إلَى الْمُدّةِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ نَقَضَهَا إلّا هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ؛ وَهِيَ الدّيلُ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، الّذِينَ كَانُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض المفردات

دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ. فَأُمِرَ بِإِتْمَامِ الْعَهْدِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ نَقَضَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ إلَى مُدّتِهِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ: أَيْ الْمُشْرِكُونَ الّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ إلَى مُدّةٍ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ الْعَامّ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً. [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْمُفْرَدَاتِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْإِلّ: الْحِلْفُ. قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ، أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم: لَوْلَا بَنُو مَالِكٍ وَالْإِلّ مَرْقَبَةٌ ... وَمَالِكٌ فِيهِمْ الْآلَاءُ وَالشّرَفُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَجَمَعَهُ: آلَالَ، قَالَ الشّاعِرُ: فَلَا إلّ مِنْ الآلال بينى ... وبينكم فلا تألنّ حهدا وَالذّمّةُ: الْعَهْدُ. قَالَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيّ، وهو أبو مسروق ابن الْأَجْدَعِ الْفَقِيهُ: وَكَانَ عَلَيْنَا ذِمّةٌ أَنْ تُجَاوِزُوا ... مِنْ الْأَرْضِ مَعْرُوفًا إلَيْنَا وَمُنْكَرًا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ لَهُ وَجَمْعُهَا: ذِمَمٌ. يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ* اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا، فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ، إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ* لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ أَيْ قَدْ اعْتَدَوْا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اختصاص الرسول عليا بتأدية براءة عنه

عَلَيْكُمْ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. [اخْتِصَاصُ الرّسُولِ عَلِيّا بِتَأْدِيَةِ بَرَاءَةٌ عَنْهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، أَنّهُ قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ لِيُقِيمَ لِلنّاسِ الْحَجّ، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ بَعَثْت بِهَا إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: لَا يُؤَدّي عَنّي إلّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، ثُمّ دَعَا عَلِيّ بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال لَهُ: اُخْرُجْ بِهَذِهِ الْقِصّةِ مِنْ صَدْرِ بَرَاءَةٍ، وَأَذّنْ فِي النّاسِ يَوْمَ النّحْرِ إذَا اجْتَمَعُوا بِمِنًى: أَنّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ كَافِرٌ، وَلَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدّتِهِ، فَخَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاءَ، حَتّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ بِالطّرِيقِ، فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ بِالطّرِيقِ قَالَ: أَأَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ: بَلْ مَأْمُورٌ، ثُمّ مَضَيَا. فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنّاسِ الْحَجّ، وَالْعَرَبُ إذْ ذَاكَ فِي تِلْكَ السّنَةِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ الْحَجّ، الّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ، حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ النّحْرِ، قَامَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَأَذّنَ فِي النّاسِ بِاَلّذِي أَمَرَهُ بِهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أَيّهَا النّاسُ، إنّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ كَافِرٌ، وَلَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدّتِهِ، وَأَجّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى الأمر بجهاد المشركين

النّاسَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَذّنَ فِيهِمْ، لِيَرْجِعَ كُلّ قَوْمٍ إلَى مَأْمَنِهِمْ أَوْ بِلَادِهِمْ؛ ثُمّ لَا عَهْدٌ لِمُشْرِكِ وَلَا ذِمّةٌ إلّا أَحَدٌ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَهْدٌ إلَى مُدّةٍ، فَهُوَ لَهُ إلَى مُدّتِهِ. فَلَمْ يَحُجّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. ثُمّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ هَذَا مِنْ بَرَاءَةٍ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامّ، وَأَهْلِ الْمُدّةِ إلَى الْأَجَلِ الْمُسَمّى. [مَا نَزَلَ فِي الْأَمْرِ بِجِهَادِ الْمُشْرِكِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجِهَادِ أَهْلِ الشّرْكِ، مِمّنْ نَقَضَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْخَاصّ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامّ، بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الّتِي ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا إلّا أَنْ يَعْدُوَ فِيهَا عَادٍ مِنْهُمْ، فَيُقْتَلُ بِعَدَائِهِ، فَقَالَ: أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ أى من بعد ذلك عَلى مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ، وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً، وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

[تفسير ابن هشام لبعض الغريب] قال ابن هِشَامٍ: وَلِيجَةً: دَخِيلٌ، وَجَمْعُهَا: وَلَائِجُ؛ وَهُوَ مِنْ وَلَجَ يَلِجُ: أَيْ دَخَلَ يَدْخُلُ، وَفِي كِتَابِ اللهِ عَزّ وَجَلّ: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ: أَيْ يَدْخُلُ، يَقُولُ: لَمْ يَتّخِذُوا دَخِيلًا مِنْ دُونِهِ يُسِرّونَ إلَيْهِ غَيْرَ مَا يُظْهِرُونَ، نَحْوَ مَا يَصْنَعُ الْمُنَافِقُونَ، يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ لِلّذِينَ آمَنُوا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ قَالَ الشّاعِرُ: وَاعْلَمْ بِأَنّك قَدْ جُعِلْتَ وَلِيجَةً ... سَاقُوا إلَيْك الْحَتْفَ غَيْرَ مَشُوبِ [مَا نَزَلَ فِي الرّدّ عَلَى قُرَيْشٍ بِادّعَائِهِمْ عُمَارَةَ الْبَيْتِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ ذَكَرَ قَوْلَ قُرَيْشٍ: إنّا أَهْلُ الْحَرَمِ، وَسُقَاةُ الْحَاجّ، وَعُمّارِ هَذَا الْبَيْتِ، فَلَا أَحَدَ أَفْضَلُ مِنّا، فَقَالَ: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ : أَيْ إنّ عِمَارَتَكُمْ لَيْسَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ أَيْ مَنْ عَمّرَهَا بِحَقّهَا مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ: أَيْ فَأُولَئِكَ عُمّارُهَا فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ وَعَسَى مِنْ اللهِ: حَقّ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ. [مَا نَزَلَ فِي الْأَمْرِ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ] ثُمّ الْقِصّةُ عَنْ عَدُوّهِمْ، حَتّى انْتَهَى إلَى ذِكْرِ حُنَيْنٍ، وَمَا كَانَ فِيهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى أهل الكتابين

وَتُوَلّيهِمْ عَنْ عَدُوّهِمْ، وَمَا أَنَزَلَ اللهُ تَعَالَى مِنْ نَصْرِهِ بَعْدَ تَخَاذُلِهِمْ، ثُمّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً وَذَلِكَ أن الناس قالوا: لتنقطعنّ عنّا الأسواق، فلتهكنّ التجارة، وليذهبنّ ما كنا نصيب فيها من المرافق، فَقَالَ اللهُ عَزّ وَجَلّ: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ: أَيْ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ ذَلِكَ إِنْ شاءَ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ: أَيْ فَفِي هَذَا عِوَضٌ مِمّا تَخَوّفْتُمْ مِنْ قَطْعِ الْأَسْوَاقِ، فَعَوّضَهُمْ اللهُ بِمَا قَطَعَ عَنْهُمْ بِأَمْرِ الشّرْكِ، مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ أَعْنَاقِ أَهْلِ الْكِتَابِ، مِنْ الْجِزْيَةِ. [مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ] ثُمّ ذَكَرَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ بِمَا فِيهِمْ مِنْ الشّرّ وَالْفِرْيَةِ عَلَيْهِ، حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ. [مَا نَزَلَ فِي النّسِيءِ] ثُمّ ذَكَرَ النّسِيءَ، وَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ أَحْدَثَتْ فِيهِ. وَالنّسِيءُ مَا كَانَ يُحِلّ مِمّا حَرّمَ اللهُ تَعَالَى مِنْ الشّهُورِ، وَيُحَرّمُ مِمّا أَحَلّ اللهُ مِنْهَا، فَقَالَ: إِنَّ عِدَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى تبوك

الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ: أَيْ لَا تَجْعَلُوا حَرَامَهَا حَلَالًا، وَلَا حَلَالهَا حَرَامًا: أَيْ كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الشّرْكِ إِنَّمَا النَّسِيءُ الّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ، يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ، فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ، زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ. [مَا نَزَلَ فِي تَبُوكَ] ثُمّ ذَكَرَ تَبُوكَ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ تَثَاقُلِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا، وَمَا أَعْظَمُوا مِنْ غَزْوِ الرّومِ، حِينَ دَعَاهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهادهم، ونفاق من نافق من المنافقين، حين دعوا إلى مادعوا إلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ، ثُمّ مَا نَعَى عَلَيْهِمْ مِنْ إحْدَاثِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمّ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ [مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النّفَاقِ] ثُمّ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، يَذْكُرُ أَهْلَ النّفَاقِ: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ، وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفسير ابن هشام لبعض الغريب

وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ، يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ: أَيْ إنّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ، لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ؟ ... إلَى قَوْلِهِ: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا، وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ، يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيب] قال ابن هِشَامٍ: أَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ: سَارُوا بَيْنَ أَضْعَافِكُمْ، فَالْإِيضَاعُ: ضَرْبٌ مِنْ السّيْرِ أَسْرَعَ مِنْ الْمَشْيِ؛ قَالَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيّ: يَصْطَادُك الْوَحَدَ الْمُدِلّ بِشَأْوِهِ ... بِشَرِيجٍ بَيْنَ الشّدّ وَالْإِيضَاعِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. [عَوْدٌ إلَى مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النّفَاقِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الّذِينَ اسْتَأْذَنُوهُ مِنْ ذوى الشرف، فيما بلغنى، منهم: عبد الله بن أبىّ بن سَلُولَ، وَالْجَدّ بْنُ قِيسٍ؛ وَكَانُوا أَشْرَافًا فِي قَوْمِهِمْ، فَثَبّطَهُمْ اللهُ لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ، فَيُفْسِدُوا عَلَيْهِ جُنْدَهُ، وَكَانَ فِي جُنْدِهِ قَوْمٌ أَهْلُ مَحَبّةٍ لَهُمْ، وَطَاعَةٍ فِيمَا يَدْعُونَهُمْ إلَيْهِ، لِشَرَفِهِمْ فِيهِمْ. فَقَالَ تَعَالَى: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ: أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَأْذِنُوك، وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ: أَيْ لِيَخْذُلُوا عَنْك أَصْحَابَك وَيَرُدّوا عَلَيْك أَمْرَك حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى ذكر أصحاب الصدقات

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، وَكَانَ الّذِي قَالَ ذَلِكَ، فِيمَا سُمّيَ لَنَا، الْجَدّ بْنُ قِيسٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جِهَادِ الرّومِ. ثُمّ كَانَتْ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ، فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ: أَيْ إنّمَا نِيّتُهُمْ وَرِضَاهُمْ وَسَخَطَهُمْ لِدُنْيَاهُمْ. [مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ أَصْحَابِ الصّدَقَاتِ] ثُمّ بَيّنَ الصّدَقَاتِ لِمَنْ هِيَ وَسَمّى أَهْلَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها، وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَفِي الرِّقابِ، وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. [مَا نَزَلَ فِيمَنْ آذَوْا الرّسُولَ] ثُمّ ذَكَرَ غَشّهُمْ وَأَذَاهُمْ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ، قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ، يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. وَكَانَ الّذِي يَقُولُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، فِيمَا بَلَغَنِي، نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: إنّمَا مُحَمّدٌ أُذُنٌ، مَنْ حَدّثَهُ شَيْئًا صَدّقَهُ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ: أى يسمع الخير ويصدّق به. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثُمّ قَالَ تَعَالَى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ، ثُمّ قَالَ: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ... إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً، وكان الذى قال وَدِيعَةَ بْنَ ثَابِتٍ، أَخُو بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ الّذِي عُفِيَ عَنْهُ، فِيمَا بَلَغَنِي: مُخَشّنَ بْنَ حُمَيّرٍ الْأَشْجَعِيّ، حَلِيفَ بَنِي سَلِمَةَ، وَذَلِكَ أَنّهُ أَنْكَرَ مِنْهُمْ بَعْضَ مَا سَمِعَ. ثُمّ الْقِصّةُ مِنْ صِفَتِهِمْ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا، وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ... إلَى قَوْلِهِ: مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. وَكَانَ الّذِي قَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ الْجُلَاسَ بْنَ سُوَيْد بْنِ صَامِتٍ، فَرَفَعَهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ فِي حِجْرِهِ، يُقَال لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، فَأَنْكَرَهَا وَحَلَفَ بِاَللهِ مَا قَالَهَا، فَلَمّا نَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآنُ تَابَ وَنَزَعَ، وَحَسُنَتْ حَالُهُ وَتَوْبَتُهُ، فِيمَا بَلَغَنِي. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَكَانَ الّذِي عَاهَدَ اللهَ مِنْهُمْ ثَعْلَبَةَ بْنَ حَاطِبٍ، وَمُعَتّبَ بْنَ قُشَيْرٍ، وَهُمَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ. ثُمّ قَالَ: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل بسبب صلاة النبى على ابن أبى

وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَكَانَ الْمُطّوّعُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَاتِ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَعَاصِمَ بْنَ عَدِيّ أَخَا بَنِي الْعَجْلَانِ، وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَغّبَ فِي الصّدَقَةِ، وَحَضّ عَلَيْهَا، فَقَامَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَتَصَدّقَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَامَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ، فَتَصَدّقَ بمائة وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَلَمَزُوهُمَا وَقَالُوا مَا هَذَا إلّا رِيَاءٌ، وَكَانَ الّذِي تَصَدّقَ بِجَهْدِهِ أَبُو عُقَيْلٍ أَخُو بَنِي أُنَيْفٍ، أَتَى بِصَاعِ مِنْ تَمْرٍ، فَأَفْرَغَهَا فِي الصّدَقَةِ، فَتَضَاحَكُوا بِهِ، وَقَالُوا: إنّ اللهَ لَغَنِيّ عَنْ صَاعِ أَبِي عُقَيْلٍ. ثُمّ ذَكَرَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ، حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْجِهَادِ وَأَمَرَ بِالسّيْرِ إلَى تَبُوكَ، عَلَى شِدّةِ الْحَرّ وَجَدْبِ الْبِلَادِ، فَقَالَ تَعَالَى: وَقالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ، قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ. فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً ... إلَى قَوْلِهِ: وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ. [مَا نَزَلَ بِسَبَبِ صَلَاةِ النّبِيّ عَلَى ابْنِ أَبَيّ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن عقبة، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ يَقُولُ: لَمّا تُوُفّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبَيّ، دُعِيَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلصّلَاةِ عَلَيْهِ، فَقَامَ إلَيْهِ؛ فَلَمّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصّلَاةَ تَحَوّلْتُ حَتّى قُمْت فِي صَدْرِهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُصَلّي عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما نزل فى المستأذنين

عدوّ الله عبد بن أبىّ بن سَلُولَ؟ الْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا، وَالْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا؟ أُعَدّدُ أَيّامَهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم يتبسم حتى إذ أَكْثَرْت قَالَ: يَا عُمَرُ أَخّرْ عَنّي، إنّي قَدْ خُيّرْت فَاخْتَرْت، قَدْ قِيلَ لِي: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، فَلَوْ أَعْلَمُ أَنّي إنْ زِدْت عَلَى السّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ، لَزِدْت. قَالَ ثُمّ صَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَمَشَى مَعَهُ حَتّى قَامَ عَلَى قَبْرِهِ، حَتّى فُرِغَ مِنْهُ. قَالَ: فَعَجِبْت لِي وَلِجُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللهُ وَرَسُولُهُ أعلم. فو الله مَا كَانَ إلّا يَسِيرًا حَتّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ، إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ فَمَا صَلّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ عَلَى مُنَافِقٍ حَتّى قَبَضَهُ اللهُ تَعَالَى. [مَا نَزَلَ فِي الْمُسْتَأْذِنِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَالَ تَعَالَى: وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ، وكان ابن أبىّ من مِنْ أُولَئِكَ، فَنَعَى اللهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ منه، ثم قال تعالى: لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها، ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ، وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. وَكَانَ الْمُعَذّرُونَ، فِيمَا بَلَغَنِي نَفَرًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ، مِنْهُمْ خُفَافُ بْنُ أَيْمَاءَ بْنِ رَحْضَةَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ

ما نزل فيمن نافق من الأعراب

ثُمّ كَانَتْ الْقِصّةُ لِأَهْلِ الْعُذْرِ، حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ، قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ وهم البكاؤن. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ، رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ، وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَالْخَوَالِفُ: النّسَاءُ. ثُمّ ذَكَرَ حَلِفَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَاعْتِذَارَهُمْ، فَقَالَ: فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ. [مَا نَزَلَ فِيمَنْ نَافَقَ مِنْ الْأَعْرَابِ] ثُمّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ وَمَنْ نَافَقَ مِنْهُمْ وَتَرَبّصُهُمْ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ: أَيْ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ، عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. ثُمّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ أَهْلَ الْإِخْلَاصِ وَالْإِيمَانِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ، أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ. [مَا نَزَلَ فِي السّابِقِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ] ثُمّ ذَكَرَ السّابِقِينَ الْأَوّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَفَضْلَهُمْ، وَمَا وَعَدَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان الذى عدد فيه المغازى

اللهُ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ إيّاهُمْ، ثُمّ أَلْحَقَ بِهِمْ التّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ، فَقَالَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، ثُمّ قَالَ تَعَالَى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ: أَيْ لَجّوا فِيهِ، وَأَبَوْا غيره سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ، والعذاب الذى أوعدها الله تعالى مرّتين، فيما بلغنى: غَمّهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ، وَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْظِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ حِسْبَةٍ، ثُمّ عَذَابُهُمْ فِي الْقُبُورِ إذَا صَارُوا إلَيْهَا، ثُمّ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ الّذِي يُرِدّونَ إلَيْهِ، عَذَابُ النّارِ وَالْخُلْدُ فِيهِ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ، إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ الثّلَاثَةُ الّذِينَ خُلّفُوا، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْرَهُمْ حَتّى أَتَتْ مِنْ اللهِ تَوْبَتُهُمْ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً ... إلَخْ. الْقِصّةُ ثُمّ قَالَ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ. ثُمّ كَانَ قِصّةُ الْخَبَرِ عَنْ تَبُوكَ، وَمَا كَانَ فِيهَا إلَى آخِرِ السّورَةِ. وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ تُسْمَى فِي زَمَانِ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَعْدَهُ الْمُبَعْثِرَةَ، لَمَا كَشَفَتْ مِنْ سَرَائِرِ الناس. وكانت تبوك آخِرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. [شِعْرُ حَسّانَ الّذِي عَدّدَ فِيهِ الْمَغَازِيَ] وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُعَدّدُ أَيّامَ الْأَنْصَارِ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَيَذْكُرُ مَوَاطِنَهُمْ مَعَهُ فِي أَيّامِ غَزْوِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لَابْنِهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بن حسان: أَلَسْتُ خَيْرَ مَعَدّ كُلّهَا نَفَرًا ... وَمَعْشَرًا إنْ هُمْ عُمّوا وَإِنْ حُصِلُوا قَوْمٌ هُمْ شَهِدُوا بَدْرًا بِأَجْمَعِهِمْ ... مَعَ الرّسُولِ فَمَا أَلَوْا وَمَا خَذَلُوا وَبَايَعُوهُ فَلَمْ يَنْكُثْ بِهِ أَحَدٌ ... مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُ فِي إيمَانِهِمْ دَخَلُ وَيَوْمَ صَبّحَهُمْ فِي الشّعْبِ مِنْ أُحُدٍ ... ضَرْبٌ رَصِينٌ كَحَرّ النّارِ مُشْتَعِلُ وَيَوْمَ ذِي قَرَدٍ يَوْمَ اسْتَثَارَ بِهِمْ ... عَلَى الْجِيَادِ فَمَا خَامُوا وَمَا نَكَلُوا وَذَا الْعَشِيرَةِ جَاسُوهَا بِخَيْلِهِمْ ... مَعَ الرّسُولِ عَلَيْهَا الْبَيْضُ وَالْأَسَلُ وَيَوْمَ وَدّانَ أَجْلَوْا أَهْلَهُ رَقَصًا ... بِالْخَيْلِ حَتّى نَهَانَا الْحَزْنُ وَالْجَبَلُ وَلَيْلَةً طَلَبُوا فِيهَا عَدُوّهُمْ ... لِلّهِ وَاَللهُ يَجْزِيهِمْ بِمَا عَمِلُوا وَغَزْوَةً يَوْمَ نَجْدٍ ثُمّ كَانَ لَهُمْ ... مَعَ الرّسُولِ بِهَا الْأَسْلَابُ وَالنّفَلُ وَلَيْلَةً بِحُنَيْنٍ جَالَدُوا مَعَهُ ... فِيهَا يَعُلّهُمْ بِالْحَرْبِ إذْ نَهِلُوا وَغَزْوَةَ الْقَاعِ فَرّقْنَا الْعَدُوّ بِهِ ... كَمَا تُفَرّقُ دُونَ الْمَشْرَبِ الرّسَلُ وَيَوْمَ بُويِعَ كَانُوا أَهْلَ بَيْعَتِهِ ... عَلَى الْجِلَادِ فَآسَوْهُ وَمَا عَدَلُوا وَغَزْوَةَ الْفَتْحِ كَانُوا فِي سَرِيّتِهِ ... مُرَابِطِينَ فَمَا طَاشُوا وَمَا عَجِلُوا وَيَوْمَ خَيْبَرَ كَانُوا فِي كَتِيبَتِهِ ... يَمْشُونَ كُلّهُمْ مُسْتَبْسِلٌ بَطَلُ بِالْبِيضِ تَرْعَشُ فِي الْأَيْمَانِ عَارِيَةً ... تَعْوَجّ فِي الضّرْبِ أَحْيَانًا وَتَعْتَدِلُ وَيَوْمَ سَارَ رَسُولُ اللهِ مُحْتَسِبًا ... إلَى تَبُوكَ وَهُمْ رَايَاتُهُ الْأُوَلُ وَسَاسَةُ الْحَرْبِ إنْ حَرْبٌ بَدَتْ لَهُمْ ... حَتّى بَدَا لَهُمْ الْإِقْبَالُ وَالْقَفَلُ أُولَئِكَ الْقَوْمُ أَنْصَارُ النّبِيّ وَهُمْ ... قَوْمِي أَصِيرُ إلَيْهِمْ حين أتّصل ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مَاتُوا كِرَامًا وَلَمْ تُنْكَثْ عُهُودُهُمْ ... وَقَتْلُهُمْ فِي سبيل الله إذ قتلوا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ عَجُزُ آخِرِهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: كُنّا مُلُوكَ النّاسِ قَبْلَ مُحَمّدٍ ... فَلَمّا أَتَى الْإِسْلَامُ كَانَ لَنَا الْفَضْلُ وَأَكْرَمَنَا اللهُ الّذِي لَيْسَ غَيْرَهُ ... إلَهٌ بِأَيّامٍ مَضَتْ مَا لَهَا شَكْلُ بِنَصْرِ الْإِلَهِ والرّسول ودينه ... وألبسناه اسما مضى ماله مِثْلُ أُولَئِكَ قَوْمِي خَيْرُ قَوْمٍ بِأَسْرِهِمْ ... فَمَا عُدّ مِنْ خَيْرٍ فَقَوْمِي لَهُ أَهْلُ يَرُبّونَ بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفِ مَنْ مَضَى ... وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ دُونَ مَعْرُوفِهِمْ قُفْلُ إذَا اخْتُبِطُوا لَمْ يُفْحِشُوا فِي نَدِيّهِمْ ... وَلَيْسَ عَلَى سُؤَالِهِمْ عِنْدَهُمْ بُخْلُ وَإِنْ حَارَبُوا أَوْ سَالَمُوا لَمْ يُشَبّهُوا ... فَحَرْبُهُمْ حَتْفٌ وَسِلْمُهُمْ سَهْلُ وَجَارُهُمْ مُوفٍ بِعَلْيَاءَ بَيْتُهُ ... لَهُ مَا ثَوَى فِينَا الْكَرَامَةُ وَالْبَذْلُ وَحَامِلُهُمْ مُوفٍ بِكُلّ حَمَالَةٍ ... تَحَمّلَ لَا غُرْمٌ عَلَيْهَا وَلَا خَذْلُ وَقَائِلهُمْ بِالْحَقّ إنْ قَالَ قَائِلٌ ... وَحِلْمُهُمْ عَوْدٌ وَحُكْمُهُمْ عَدْلُ وَمِنّا أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ حَيَاتَهُ ... ومن غسّلته من جنابته الرّسل قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَوْلُهُ «وَأَلْبَسْنَاهُ اسْمًا» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا: قَوْمِي أُولَئِكَ إنْ تَسْأَلِي ... كِرَامٌ إذَا الضّيْفُ يَوْمًا أَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عِظَامُ الْقُدُورِ لِأَيْسَارِهِمْ ... يَكُبّونَ فِيهَا الْمُسِنّ السّنِمْ يُؤَاسُونَ جَارَهُمْ فِي الْغِنَى ... وَيَحْمُونَ مَوْلَاهُمْ إنْ ظُلِمْ فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيّهِمْ ... يُنَادُونَ عَضْبًا بِأَمْرِ غُشُمْ مُلُوكًا عَلَى النّاسِ، لَمْ يُمْلَكُوا ... مِنْ الدّهْرِ يَوْمًا كَحِلّ الْقَسَمْ فَأَنْبَوْا بِعَادٍ وَأَشْيَاعِهَا ... ثَمُودَ وَبَعْضِ بَقَايَا إرَمْ بِيَثْرِبَ قَدْ شَيّدُوا فِي النّخِيلِ ... حُصُونًا وَدُجّنَ فِيهَا النّعَمْ نَوَاضِحَ قد علّمتها اليهو ... د (عل) إليك وقولا هلم وفيما اشْتَهَوْا مِنْ عَصِيرِ الْقِطَا ... فِ وَالْعَيْشِ رَخْوًا عَلَى غَيْرِ هَمْ فَسِرْنَا إلَيْهِمْ بِأَثْقَالِنَا ... عَلَى كُلّ فَحْلٍ هِجَانٍ قَطِمْ جَنَبْنَا بِهِنّ جِيَادَ الخيو ... لِ قَدْ جَلّلُوهَا جِلَالَ الْأَدَمْ فَلَمّا أَنَاخُوا بِجَنْبَيْ صِرَارٍ ... وَشَدّوا السّرُوجَ بَلِيّ الْحُزُمْ فَمَا رَاعَهُمْ غَيْرُ مَعْجِ الْخُيُو ... لِ وَالزّحْفُ مِنْ خَلْفِهِمْ قَدْ دَهِمْ فَطَارُوا سِرَاعًا وَقَدْ أُفْزِعُوا ... وَجِئْنَا إلَيْهِمْ كَأُسْدِ الْأُجُمْ عَلَى كُلّ سَلْهَبَةٍ فِي الصّيَا ... نِ لَا يَشْتَكِينَ نَحُولَ السّأَمْ وَكُلّ كُمَيْتٍ مُطَارُ الْفُؤَادِ ... أَمِينِ الْفُصُوصِ كَمِثْلِ الزّلَمْ عَلَيْهَا فَوَارِسُ قَدْ عُوّدُوا ... قِرَاعَ الْكُمَاةِ وَضَرْبَ الْبُهَمْ مُلُوكٌ إذَا غَشَمُوا فِي الْبِلَا ... دِ لَا يَنْكُلُونَ وَلَكِنْ قُدُمْ فَأُبْنَا بِسَادَاتِهِمْ وَالنّسَاءِ ... وَأَوْلَادُهُمْ فِيهِمْ تُقْتَسَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَرِثْنَا مَسَاكِنَهُمْ بَعْدَهُمْ ... وَكُنّا مُلُوكًا بِهَا لَمْ نرم فلمّا أتانا الرّسول الرّشي ... د بِالْحَقّ وَالنّورِ بَعْدَ الظّلْمْ قُلْنَا صَدَقْتَ رَسُولَ الْمَلِيكِ ... هَلُمّ إلَيْنَا وَفِينَا أَقِمْ فَنَشْهَدَ أَنّكَ عبد الإل ... هـ أُرْسِلَتْ نُورًا بِدِينٍ قِيَمْ فَأَنَا وَأَوْلَادُنَا جُنّةٌ ... نَقِيكَ وَفِي مَالِنَا فَاحْتَكِمْ فَنَحْنُ أُولَئِكَ إنْ كَذّبُوك ... فَنَادِ نِدَاءً وَلَا تَحْتَشِمْ وَنَادِ بِمَا كنت أخفيته ... نداء جهارا ولا تكتتم فصار الْغُوَاةُ بِأَسْيَافِهِمْ ... إلَيْهِ يَظُنّونَ أَنْ يُخْتَرَمْ فَقُمْنَا إلَيْهِمْ بِأَسْيَافِنَا ... نُجَالِدُ عَنْهُ بُغَاةَ الْأُمَمْ بِكُلّ صَقِيلٍ لَهُ مَيْعَةٌ ... رَقِيقِ الذّبّابِ عَضُوضٍ خَذِمْ إذَا مَا يُصَادِفُ صُمّ الْعِظَا ... مِ لَمْ ينب عنها ولم ينثلم فَذَلِكَ مَا وَرّثَتْنَا الْقُرُو ... مُ مَجْدًا تَلِيدًا وَعِزّا أَشَمْ إذَا مَرّ نَسْلٌ كَفَى نَسْلُهُ ... وَغَادَرَ نَسْلًا إذَا مَا انْفَصَمْ فَمَا إنْ مِنْ النّاسِ إلّا لَنَا ... عَلَيْهِ وَإِنْ خَاسَ فَضْلُ النّعَمْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ بَيْتَهُ: فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيّهِمْ ... يُنَادُونَ غُضْبًا بِأَمْرِ غُشُمْ وَأَنْشَدَنِي: بِيَثْرِبَ قَدْ شَيّدُوا فِي النّخِيلِ ... حُصُونًا وَدُجّنَ فِيهَا النّعَمْ وَبَيْتُهُ: «وكلّ كميت مطار الفؤاد» عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذِكْرُ سَنَةِ تِسْعٍ وَتَسْمِيَتِهَا سَنَةَ الْوُفُودِ وَنُزُولِ سُورَةِ الْفَتْحِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: لَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ، وَفَرَغَ مِنْ تَبُوكَ، وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ وَبَايَعَتْ ضَرَبَتْ إلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَنّهَا كَانَتْ تُسَمّى سَنَةَ الْوُفُودِ. انْقِيَادُ الْعَرَبِ وَإِسْلَامُهُمْ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَرَبّصُ بِالْإِسْلَامِ أَمْرَ هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ أَنّ قُرَيْشًا كَانُوا إمَامَ النّاسِ وَهَادِيَهُمْ وَأَهْلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَصَرِيحَ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ وَقَادَةَ الْعَرَبِ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ هِيَ الّتِي نَصَبَتْ لِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخِلَافِهِ فَلَمّا اُفْتُتِحَتْ مَكّةُ، وَدَانَتْ لَهُ قُرَيْشٌ، وَدَوّخَهَا الْإِسْلَامُ وَعَرَفَتْ الْعَرَبُ أَنّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَدَاوَتِهِ فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللهِ كَمَا قَالَ عَزّ وَجَلّ أَفْوَاجًا، يَضْرِبُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النَّصْر:1،3] أَيْ فَاحْمَدْ اللهَ عَلَى مَا أَظْهَرَ مِنْ دِينِك، وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كَانَ تَوّابًا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غَزْوَةُ تَبُوكَ سُمّيَتْ بِعَيْنِ تَبُوكَ، وَهِيَ الْعَيْنُ الّتِي أَمَرَ رَسُولُ الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النّاسَ أَلَا يَمَسّوا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا، فَسَبَقَ إلَيْهَا رَجُلَانِ، وَهِيَ تَبِضُ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَا يُدْخِلَانِ فِيهَا سَهْمَيْنِ لِيَكْثُرَ مَاؤُهَا، فَسَبّهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُمَا: مَا زُلْتُمَا تَبُوكَانِهَا مُنْذُ الْيَوْم فِيمَا ذَكَرَ الْقُتَبِيّ، قَالَ: وَبِذَلِكَ سُمّيَتْ الْعَيْنُ تَبُوكَ «1» ، وَالْبَوْكُ كَالنّقْشِ وَالْحَفْرِ فِي الشّيْءِ، وَيُقَالُ مِنْهُ: بَاكَ الْحِمَارُ الْأَتَانَ يَبُوكُهَا إذَا نَزَا عَلَيْهَا. وَوَقَعَ فِي السّيرَةِ: فَقَالَ: مَنْ سَبَقَنَا إلَى هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: فِيمَا ذُكِرَ لِي، سَبَقَهُ إلَيْهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ الطّائِيّ، وَوَدِيعَةُ بن ثابت، وزيد ابن لُصَيْتٍ. وَذَكَرَ الْجَدّ بْنَ قَيْسٍ، وَقَوْلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: يَا جَدّ هَلْ لَك الْعَامَ فِي جِلَادِ بَنِي الْأَصْفَر، يُقَالُ: إنّ الرّومَ قِيلَ لَهُمْ بَنُو الْأَصْفَرِ، لأن عيصو ابن إسْحَاقَ كَانَ بِهِ صُفْرَةٌ، وَهُوَ جَدّهُمْ، وَقِيلَ: إنّ الرّومَ بْنَ عِيصُو هُوَ الْأَصْفَرُ، وَهُوَ أَبُوهُمْ، وَأُمّهُ نَسْمَةُ بِنْتُ إسْمَاعِيلَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ مَنْ وَلَدَتْ مِنْ الْأُمَمِ، وَلَيْسَ كُلّ الرّومِ مِنْ وَلَدِ بَنِي الْأَصْفَرِ، فإن

_ (1) هو فى معجم البكرى. وقد روى مالك ومسلم هذا الحديث بغير هذا اللفظ راجع فتح البارى ص 89 وما بعدها ج 1.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرّومَ الْأُوَلَ هُمْ فِيمَا زَعَمُوا مِنْ وَلَدِ يُونَانِ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَصِحّتِهَا. وَذَكَرَ يُونُسَ بِإِثْرِ حَدِيثِ الْجَدّ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ أَنّ الْيَهُودَ أَتَوْا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إنْ كُنْت صَادِقًا أَنّك نَبِيّ فَالْحَقْ بِالشّامِ، فَإِنّ الشّامَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَأَرْضُ الْأَنْبِيَاءِ، فَصَدّقَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا قَالُوا فَغَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ لَا يُرِيدُ إلّا الشّامَ، فَلَمّا بَلَغَ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ بعد ما خُتِمَتْ السّورَةُ وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ، لِيُخْرِجُوكَ مِنْها، وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ- إلَى قَوْلِهِ: تَحْوِيلًا الْإِسْرَاءُ: 76، 77. فَأَمَرَهُ بِالرّجُوعِ إلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ: فِيهَا مَحْيَاك، وَفِيهَا مَمَاتُك، وَمِنْهَا تُبْعَثُ «1» ، ثُمّ قَالَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى قَوْلِهِ مَحْمُوداً الْإِسْرَاءُ. 78، 79 فَرَجَعَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: سَلْ

_ (1) بقول ابن كثير فى تفسيره عن هذا الحديث المذكور الذى رواه البيهقى «وفى هذا الإسناد نظر، والأظهر أن هذا ليس بصحيح. فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يغز تبوك عن قول اليهود، وإنما غزاها امتثالا لقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) ولقوله تعالى: (قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) الآية وغزاها ليقتص وينتقم بمن قتل أهل مؤتة من أصحابه. وقيل: إنها نزلت فى كفار قريش حين هموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، فتوعدهم الله بهذه الآية، وأنهم لو أخرجوه لما لبثوا بعده بمكة إلا يسيرا، وكذلك وقع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَبّك، فَإِنّ لِكُلّ نَبِيّ مَسْأَلَةً، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَهُ نَاصِحًا، وَكَانَ مُحَمّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مُطِيعًا، فَقَالَ: مَا تأمرنى أن أسأل؟ قال: (قل: رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) وَهَؤُلَاءِ نَزَلْنَ عَلَيْهِ فِي رَجْعَتِهِ مِنْ تَبُوكَ «1» . إبْطَاءُ أَبِي ذَرّ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَبَا ذَرّ الْغِفَارِيّ، وَإِبْطَاءَهُ. وَاسْمُهُ: جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ، هَذَا أَصَحّ مَا قِيلَ فِيهِ، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ: بَرِيرُ بْنُ عِشْرِقَةَ، وَجُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَابْنُ السّكَنِ «2» أَيْضًا. وَقَوْلُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ أَبَا ذَرّ، وَفِي أَبِي خَيْثَمَةَ: كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ، لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ الدّعَاءُ، كَمَا تَقُولُ: أَسْلِمْ سَلّمَك اللهُ إعْرَابُ كَلِمَةِ وَحْدَهُ: وَقَوْلُهُ فِي أَبِي ذَرّ: رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرّ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وحد «3» ،

_ (1) عن ابن عباس قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم أمر بالهجرة فأنزل الله هذه الآية. رواه أحمد وقال الترمذى: حسن صحيح. (2) فى الإصابة: ابن سكن، وقيل فى اسمه برير بالتصغير. ونسبه كما ورد فى الإمتاع للمقريزى بعد جنادة: «ابن قيس بن عمرو بن خليل بن صعير بن حرام بن غفار» وفى الإصابة «وقيل اسمه هو السكن بن جنادة بن قيس بن بياض» الخ كما ورد فى الإمتاع. (3) يقول ابن حجر فى الإصابة: عن سند قصة ابن إسحاق فهذا سند ضعيف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيْ: يَمُوتُ مُنْفَرِدًا، وَأَكْثَرُ مَا تُسْتَعْمَلُ هَذِهِ الْحَالُ لِنَفْيِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْفِعْلِ نَحْوَ كَلّمَنِي زَيْدٌ وَحْدَهُ، أَيْ: مُنْفَرِدًا بِهَذَا الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا مَعَهُ غَيْرُهُ، أَيْ: كَلّمَنِي خُصُوصًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قُلْت: كَلّمْته مِنْ بَيْنِهِمْ وَحْدَهُ، كَانَ مَعْنَاهُ خُصُوصًا كَمَا قَرّرَهُ سِيبَوَيْهِ، وَأَمّا الّذِي فِي الْحَدِيثِ، فَلَا يَتَقَدّرُ هَذَا التّقْدِيرَ، لِأَنّهُ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَمُوتَ خُصُوصًا، وَإِنّمَا مَعْنَاهُ: مُنْفَرِدًا بِذَاتِهِ، أَيْ: عَلَى حِدَتِهِ، كَمَا قَالَ يُونُسُ، فَقَوْلُ يُونُسَ صَالِحٌ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ، وَتَقْدِيرُ سِيبَوَيْهِ لَهُ بِالْخُصُوصِ يَصْلُحُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاطِنِ، وَإِنّمَا لَمْ يَتَعَرّفْ وَحْدَهُ بِالْإِضَافَةِ، لِأَنّ مَعْنَاهُ كَمَعْنَى لَا غير، ولأنها كلمة تنبىء عَنْ نَفْيٍ وَعَدَمٍ، وَالْعَدَمُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَرّفًا مُتَعَيّنًا بِالْإِضَافَةِ، وَإِنّمَا لَمْ يُشْتَقّ مِنْهُ فِعْلٌ، وَإِنْ كَانَ مَصْدَرًا فِي الظّاهِرِ لِمَا قَدّمْنَاهُ مِنْ أَنّهُ لَفْظٌ يُنْبِئُ عَنْ عَدَمٍ وَنَفْيٍ، وَالْفِعْلُ يَدُلّ عَلَى حدث وزمان، فكيف يشتق من شىء ليس بِحَدَثٍ إنّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ انْتِفَاءِ الْحَدَثِ عَنْ كُلّ أَحَدٍ إلّا عَنْ زَيْدٍ، مَثَلًا إذَا قُلْت: جَاءَنِي زَيْدٌ وَحْدَهُ، أَيْ: لَمْ يَجِئْ غَيْرُهُ، وَإِنّمَا يُقَالُ: انْعَدَمَ وَانْتَفَى بَعْدَ الْوُجُودِ لَا قَبْلَهُ، لِأَنّهُ أَمْرٌ مُتَجَدّدٌ كَالْحَدَثِ، وقد أطنبنا فى هذا الغرض، وردناه بَيَانًا فِي مَسْأَلَةِ سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ وَشَرْحِهَا. أَجَأٌ وَسَلْمَى: فَصْلٌ: وَذَكَرَ الرّجُلَ الّذِي طَرَحَتْهُ الريح بجبلى طىّء، وهما أجأ وسلمى وَعَرّفَ أَجَأً بِأَجَأِ بْنِ عَبْدِ الْحَيّ كَانَ صُلِبَ فِي ذَلِكَ الْجَبَلِ، وَسَلْمَى صُلِبَتْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي الْجَبَلِ الْآخَرِ، فَعُرِفَ بِهَا، وَهِيَ سَلْمَى بنت خام فِيمَا ذُكِرَ وَاَللهُ أَعْلَمُ «1» . أُكَيْدِرٌ وَالْكِتَابُ الّذِي أُرْسِلَ إلَيْهِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ كِتَابَهُ لِأُكَيْدِرِ دُومَةَ. وودومة بِضَمّ الدّالِ هِيَ هَذِهِ، وَعُرِفَتْ بِدُومِيّ «2» بْنِ إسْمَاعِيلَ فِيمَا ذَكَرُوا، وَهِيَ دُومَةُ الْجَنْدَلِ، وَدُومَةُ بِالضّمّ أُخْرَى، وَهِيَ عِنْدَ الْحِيرَةِ، وَيُقَالُ لِمَا حَوْلَهَا النّجَفُ، وَأَمّا دَوْمَةُ بِالْفَتْحِ فَأُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي أَخْبَارِ الرّدّةِ «3» . وَذَكَرَ أَنّهُ كَتَبَ لِأُكَيْدِرِ دُومَةَ كِتَابًا فِيهِ عَهْدٌ وَأَمَانٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَنَا قَرَأْته، أَتَانِي بِهِ شَيْخٌ هُنَالِكَ فِي قَضِيمٍ، وَالْقَضِيمُ الصّحِيفَةُ، وَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللهِ لِأُكَيْدِرٍ حِينَ أَجَابَ إلَى الْإِسْلَامِ، وَخَلَعَ الْأَنْدَادَ وَالْأَصْنَامَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ سَيْفِ اللهِ فِي دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَأَكْنَافِهَا، إنّ لَنَا الضّاحِيَةَ مِنْ الضّحْلِ وَالْبَوْرَ وَالْمَعَامِيَ، وَأَغْفَالَ الْأَرْضِ وَالْحَلْقَةَ وَالسّلَاحَ وَالْحَافِرَ وَالْحِصْنَ وَلَكُمْ الضّامِنَةُ مِنْ النّخْلِ وَالْمَعِينِ مِنْ الْمَعْمُورِ لَا تُعْدَلُ سَارِحَتُكُمْ، وَلَا تُعَدّ فَارِدَتُكُمْ وَلَا يُحْظَرُ عَلَيْكُمْ النّبَاتُ، تُقِيمُونَ الصلاة لوقتها، وتؤنون الزّكاة بحقّها، عليكم بذلك عهد الله

_ (1) أنظر معجم البكرى مادة أجأ وسلمى. (2) ويطلق عليه أيضا: دومان. (3) أنظر البكرى فى دومة. فهو يقول عن دومة بفتح الدال موضع بين الشام والموصل، وهى من منازل جذيمة الأبرش. ودومة الكوفة بضم الدال هى النجف بعينه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْمِيثَاقُ، وَلَكُمْ بِذَلِكَ الصّدْقُ وَالْوَفَاءُ. شَهِدَ اللهُ، وَمَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» الضّاحِيَةُ: أَطْرَافُ الْأَرْضِ، وَالْمَعَامِي: مَجْهُولُهَا، وَأَغْفَالُ الْأَرْضِ: مَا لَا أَثَرَ لَهُمْ فِيهِ مِنْ عِمَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَالضّامِنَةُ مِنْ النّخْلِ: مَا دَاخَلَ بَلَدَهُمْ، وَلَا يُحْظَرُ عَلَيْكُمْ النّبَاتُ، أَيْ لَا تُمْنَعُونَ مِنْ الرّعْيِ حَيْثُ شِئْتُمْ، وَلَا تُعْدَلُ سَارِحَتُكُمْ، أَيْ لَا تُحْشَرُ إلَى الْمُصَدّقِ «1» وَإِنّمَا أَخَذَ مِنْهُمْ بَعْضَ هَذِهِ الْأَرَضِينَ مَعَ الْحَلْقَةِ، وَهِيَ السّلَاحُ، وَلَمْ يفعل ذلك مع أهل الطائف حين جاؤا تَائِبِينَ، لِأَنّ هَؤُلَاءِ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ وَأَخَذَ مَلِكَهُمْ أَسِيرًا، وَلَكِنّهُ أَبْقَى لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا تَضَمّنَهُ الْكِتَابُ، لِأَنّهُ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ، حَتّى يَأْخُذَهُمْ عَنْوَةً كَمَا أَخَذَ خَيْبَر، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ كُلّهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ لَهُ الخيار فى رقابهم كما تقدم ولو جاؤا إلَيْهِ تَائِبِينَ أَيْضًا قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَيْهِمْ، كَمَا فَعَلَتْ ثَقِيفٌ مَا أَخَذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا. الْكِتَابُ إلَى هِرَقْلَ: وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ هِرَقْلَ، فَإِنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتَبَ إلَيْهِ مِنْ تَبُوكَ مَعَ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ، وَنَصّهُ مَذْكُورٌ فِي الصّحَاحِ مَشْهُورٌ، فَأَمَرَ هِرَقْلُ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلَا إنّ هِرَقْلَ قَدْ آمَن بِمُحَمّد وَاتّبَعَهُ، فَدَخَلَتْ الْأَجْنَادُ فِي سِلَاحِهَا، وأطافت بقصره تريد قتله،

_ (1) لا تعدل سارحتكم فسرها صاحب النهاية بقوله: لا تصرف ما شيتكم عن مرعاها. والغادرة: الزائدة على الفريضة، أى: لا تضم إلى غيرها، فتعد معها، وتحسب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ: إنّي أَرَدْت أَنْ أَخْتَبِرَ صَلَابَتَكُمْ فِي دِينِكُمْ، فَقَدْ رَضِيت عَنْكُمْ فَرَضُوا عَنْهُ، ثُمّ كَتَبَ كِتَابًا، وَأَرْسَلَهُ مَعَ دِحْيَةَ يَقُولُ فِيهِ لِلنّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنّي مُسْلِمٌ، وَلَكِنّي مَغْلُوبٌ عَلَى أَمْرِي، وَأَرْسَلَ إلَيْهِ بِهَدِيّةٍ، فَلَمّا قَرَأَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَهُ، قَالَ: كَذَبَ عَدُوّ اللهِ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، بَلْ هُوَ على نَصْرَانِيّتِهِ. مَوْقِفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ الْهَدَايَا: وَقَبِلَ هَدِيّتَهُ، وَقَسّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ لَا يَقْبَلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ مُحَارِبٍ، وَإِنّمَا قَبِلَ هَذِهِ لِأَنّهَا فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِذَلِكَ قَسّمَهَا عَلَيْهِمْ، وَلَوْ أَتَتْهُ فِي بَيْتِهِ كَانَتْ لَهُ خَالِصَةً، كَمَا كَانَتْ هَدِيّةُ الْمُقَوْقِسِ خَالِصَةً لَهُ، وَقَبِلَهَا مِنْ الْمُقَوْقِسِ؛ لِأَنّهُ لَمْ يَكُنْ مُحَارِبًا لِلْإِسْلَامِ، بَلْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْمَيْلَ إلَى الدّخُولِ فِي الدّينِ. وَقَدْ رَدّ هَدِيّةَ أَبِي بَرَاءٍ مُلَاعِبِ الْأَسِنّةِ، وَكَانَ أَهْدَى إلَيْهِ فَرَسًا، وَأَرْسَلَ إلَيْهِ: إنّي قَدْ أَصَابَنِي وَجَعٌ أَحْسَبُهُ قَالَ: يُقَالُ لَهُ: الدّبَيْلَةُ «1» ، فَابْعَثْ إلَيّ بِشَيْءٍ أَتَدَاوَى بِهِ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعُكّةِ عَسَلٍ «2» ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَشْفِيَ بِهِ وَرَدّ عَلَيْهِ هَدِيّتَهُ، وَقَالَ: إنّي نُهِيت عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَنْسُبُ هَذَا الْخَبَرَ لِعَامِرِ بن الطّفيل عدوّ الله، وإنما هو

_ (1) الدبيلة: خراج ودمل كبير تظهر فى الجوف، فنقتل صاحبها غالبا. (2) العكة من السمن أو العسل هى وعاء من جلود مستدير يختص بهما. وهو بالسمن أخص.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَمّهُ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ عَنْ زَبْدِ «1» الْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ هَدِيّتِهِمْ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ إنّمَا كَرِهَ مُلَايَنَتَهُمْ وَمُدَاهَنَتَهُمْ، إذَا كَانُوا حَرْبًا، لِأَنّ الزّبْدَ مُشْتَقّ مِنْ الزّبْدِ، كَمَا أَنّ الْمُدَاهَنَةَ مُشْتَقّةٌ مِنْ الدّهْنِ، فَعَادَ الْمَعْنَى إلَى مَعْنَى اللّينِ وَالْمُلَايَنَةِ، وَوُجُودِ الْجِدّ فِي حَرْبِهِمْ وَالْمُخَاشَنَةِ. وَقَدْ رَدّ هَدِيّةَ عياض بن حمّاد الْمُجَاشِعِيّ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، وَفِيهَا قَالَ: إنّي نُهِيت عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ. وَأَهْدَى إلَى أَبِي سُفْيَانَ عَجْوَةً وَاسْتَهْدَاهُ أَدَمًا فَأَهْدَاهُ أَبُو سُفْيَانَ وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ الْأَدَمَ، وَذَلِك فِي زَمَنِ الْهُدْنَةِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّ هِرَقْلَ وَضَعَ كِتَابُ رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الّذِي كَتَبَ إلَيْهِ فِي قَصَبَةٍ مِنْ ذَهَبٍ تعظيما له، وأنهم لم يزالوا يتوراثونه كارا عَنْ كَابِرٍ فِي أَرْفَعِ صِوَانٍ، وَأَعَزّ مَكَانٍ حَتّى كَانَ عِنْدَ «إذفونش» «2» الّذِي تَغَلّبَ عَلَى طُلَيْطِلَةَ، وَمَا أَخَذَ أَخَذَهَا مِنْ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ، ثُمّ كَانَ عِنْدَ ابْنِ بِنْتِهِ الْمَعْرُوفِ «بِالسّلِيطِينَ» حَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنّهُ حَدّثَهُ مَنْ سَأَلَهُ رُؤْيَتَهُ مِنْ قُوّادِ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ يُعْرَفُ بِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: فَأَخْرَجَهُ إلَيّ فَاسْتَعْبَرْته وَأَرَدْت تَقْبِيلَهُ، وَأَخْذَهُ بِيَدِي، فَمَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ صِيَانَةً لَهُ وَضَنّا بِهِ عَلَيّ. وَيُقَالُ: هِرَقْلُ وَهِرْقِلُ. حَوْلَ قِصّةِ الْبَكّائِينَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ البكّائين، وذكر فيهم عتبة بن زيد، وفى رواية يونس

_ (1) زبد: عطاه. (2) يقصد: الفونس بن فرديناند الذى استولى على طليطلة سنة 1085 م.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنّ عُلْبَةَ خَرَجَ مِنْ اللّيْلِ فَصَلّى مَا شَاءَ اللهُ، ثُمّ بَكَى، وَقَالَ: «اللهُمّ إنّك قَدْ أَمَرْت بِالْجِهَادِ، وَرَغّبْت فِيهِ، ثُمّ لَمْ تَجْعَلْ عِنْدِي، مَا أَتَقَوّى بِهِ مَعَ رَسُولِك وَلَمْ تَجْعَلْ فِي يَدِ رَسُولِك مَا يَحْمِلُنِي عَلَيْهِ، وَإِنّي أَتَصَدّقُ عَلَى كُلّ مُسْلِمٍ بِكُلّ مَظْلِمَةٍ أَصَابَنِي بِهَا فِي مَالٍ أَوْ جَسَدٍ أَوْ عِرْضٍ» ثُمّ أَصْبَحَ مَعَ النّاسِ، وَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ الْمُتَصَدّقُ فِي هَذِهِ اللّيْلَةِ؟ لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ، ثُمّ قَالَ أَيْنَ الْمُتَصَدّقُ فِي هَذِهِ اللّيْلَةِ فَلْيَقُمْ، وَلَا يَتَزَاهَدُ مَا صَنَعَ هَذِهِ اللّيْلَةَ، فَقَامَ إلَيْهِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أبشر فو الذى نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ كُتِبَ فِي الزّكَاةِ الْمُتَقَبّلَةِ. وَأَمّا سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُغَفّلِ، فَرَآهُمَا يَامِينُ بْنُ كَعْبٍ يَبْكِيَانِ، فَزَوّدَهُمَا، وَحَمَلَهُمَا، فَلَحِقَا بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مَعْنَى كَلِمَةِ حَسّ: فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ خَبَرًا عَنْ أَبِي رُهْمٍ: أَصَابَتْ رِجْلِي رِجْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلُهُ فِي الْغَرْزِ «1» فَمَا اسْتَيْقَظْت إلّا بِقَوْلِهِ: حَسّ. الْغَرْزُ لِلرّحْلِ كَالرّكَابِ لِلسّرْجِ، وَحَسّ: كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ عِنْدَ وُجُودِ الْأَلَمِ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنّ طَلْحَةَ لَمّا أُصِيبَتْ يَدُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: حَسّ، فَقَالَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَوْ أَنّهُ قَالَ: بِسْمِ اللهِ، يَعْنِي مَكَانَ حَسّ، لَدَخَلَ الْجَنّةَ وَالنّاسُ يَنْظُرُونَ، أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ، وَلَيْسَتْ حَسّ بِاسْمٍ وَلَا بِفِعْلٍ، إنّهَا لا موضع لها من

_ (1) يخكى الكلام بمعناه لا بنصه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْإِعْرَابِ، وَلَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ صَهْ، وَمَهْ، وَرُوَيْدٍ، لأن تلك أسماء سمّى الفعل بهاء وَإِنّمَا حَسّ «1» صَوْتٌ كَالْأَنِينِ الّذِي يُخْرِجُهُ الْمُتَأَلّمُ نحو آه، ونحو قول الغراب: غاق، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي أُفّ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مِنْ بَابِ الْأَصْوَاتِ مَبْنِيّةً، كَأَنّهُ يحكى بها صوت النّفخ، والثانى أن يكون معرفة مثل تبّا يراد بها الْوَسَخُ «2» . وَقَوْلُهُ: السّودُ الثّطَاطُ «3» جَمْعُ: ثَطّ، وَهُوَ الّذِي لَا لِحْيَةَ لَهُ. قَالَ الشّاعِرُ: كَهَامَةِ الشّيْخِ الْيَمَانِيّ الثّطّ «4» وَنَحْوٌ مِنْهُ: السّنَاطُ، وَمِنْ الْمُحَدّثِينَ مَنْ يَرْوِيهِ: الشّطَاطُ، وَأَحْسَبُهُ تَصْحِيفًا. وَقَوْلُهُ: شبكة شدخ «5» : موضع من بلاد غفار.

_ (1) تقال بفتح الحاء وكسر السين وبدون تنوين، وتقول: ضرب فما قال حس ولابس بالجر والتنوين، ومن العرب من يجر ولا ينون، ومنهم من يكسر حاء حس وباء بس. (2) فيها عشرة أوجه أفّ له بفتح الفاء وتشديدها وبكسرها وبضمها كل هذا بدون تنوين ثم بنصبها وكسرها وضمها مع التنوين، ثم أفى بإمالة الفاء المشددة إلى الكسر، ثم أفى بوزن كبرى ثم أفة بتشديد الفاء، وأف بإسكان الفاء. (3) فى السيرة: الحمر الطوال الثطاط أم السود فقال عنهم: الجعاد القصار والثط أيضا: ثقيل البطن بطىء. أو القليل شعر الحاجبين. (4) هو لأبى النجم الفضل بن قدامة بن عبيد الله العجلى، وفى اللسان: كهامة. (5) فى الأصل: شرخ، والتصويب من معجم البكرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَصْحَابُ مَسْجِدِ الضّرَارِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْمُنَافِقِينَ الّذِينَ اتّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا. وَذَكَرَ فِيهِمْ جَارِيَةَ بْنَ عَامِرٍ، وَكَانَ يُعْرَفُ بِحِمَارِ الدّارِ، وَهُوَ جَارِيَةُ ابن عَامِرِ بْنِ مُجَمّعِ بْنِ الْعَطّافِ. وَذَكَرَ فِيهِمْ ابْنَهُ مُجَمّعًا، وَكَانَ إذْ ذَاكَ غُلَامًا حَدَثًا قَدْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فَقَدّمُوهُ إمَامًا لَهُمْ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِشَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فِي أَيّامِهِ أَرَادَ عَزْلَهُ عَنْ الْإِمَامَةِ، وَقَالَ: أَلَيْسَ بِإِمَامِ مَسْجِدِ الضّرَارِ، فَأَقْسَمَ لَهُ مُجَمّعٌ أَنّهُ مَا عَلِمَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِمْ، وَمَا ظَنّ إلّا الْخَيْرَ، فَصَدّقَهُ عُمَرُ، وَأَقَرّهُ، وَكَانَتْ مَسَاجِدُ الْمَدِينَةِ تِسْعَةً سِوَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلّهُمْ يُصَلّونَ بِأَذَانِ بِلَالٍ، كَذَلِكَ قَالَ بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَشَجّ فِيمَا رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ، والدّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ، فَمِنْهَا مَسْجِدُ رَاتِجٍ «1» ، وَمَسْجِدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَمَسْجِدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ، وَمَسْجِدُ جُهَيْنَةَ وَأَسْلَمَ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَمَسْجِدُ بَنِي سَلِمَةَ، وَسَائِرُهَا مَذْكُورٌ فِي السّنَنِ، وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْمَسَاجِدِ الّتِي فِي الطّرِيقِ مَسْجِدًا بِذِي الْخِيفَةِ، كَذَا وَقَعَ فِي كِتَابِ أَبِي بَحْرٍ بِالْخَاءِ مُعْجَمَةً، وَوَقَعَ الْجِيفَةِ بِالْجِيمِ فِي كِتَابٍ قرئ على ابن أبى سراج، وابن الإفليلى وأحمد ابن خالد.

_ (1) فى معجم البكرى عن راتج: موضع تلقاء المدينة، كان ينزله بعض الأنصار، وفى المراصد: أطم من اطام اليهود بالمدينة، وتسمى الناحية به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَنْ الثّلَاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا: فَصْلٌ: وَذَكَرَ الثّلَاثَةَ الّذِينَ خُلّفُوا، وَنَهْيَ النّاسِ عَنْ كَلَامِهِمْ، وَإِنّمَا اشْتَدّ غَضَبُهُ عَلَى مَنْ تَخَلّفَ عَنْهُ وَنَزَلَ فِيهِمْ مِنْ الْوَعِيدِ مَا نَزَلَ حَتّى تَابَ اللهُ عَلَى الثّلَاثَةِ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ من فروض الكفاية، لامن فروض الأعيان، لكنه فى حقّ الأنصار خاصّة كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ، وَعَلَيْهِ بَايَعُوا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ: نَحْنُ الّذِينَ بَايَعُوا مُحَمّدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدا ومن تَخَلّفَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ إنّمَا تَخَلّفَ، لِأَنّهُمْ خَرَجُوا لِأَخْذِ عِيرٍ، وَلَمْ يَظُنّوا أَنْ سَيَكُونُ قِتَالٌ، فَكَذَلِكَ كَانَ تَخَلّفُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ كَبِيرَةً لِأَنّهَا كَالنّكْثِ لِبَيْعَتِهِمْ، كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَطّالٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَلَا أَعْرِفُ لَهَا وَجْهًا غَيْرَ الّذِي قَالَ، وَأَمّا الثّلَاثَةُ فَهُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبٍ، وَاسْمُ أَبِي كَعْبٍ عَمْرُو بْنُ الْقَيْنِ بن كعب ابن سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ ساردة ابن يَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَنْصَارِيّ السّلَمِيّ، يُكَنّى: أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَقِيلَ: أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ، [وَقِيلَ: أَبَا بَشِيرٍ] أُمّهُ: لَيْلَى بِنْتُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَيْضًا، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيّةَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي وَاقِفٍ، وَمُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَيُقَالُ ابْنُ الرّبِيعِ الْعُمَرِيّ الأنصارى من بنى عمر بن عوف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زَاحَ عَنّي الْبَاطِلُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ كَعْبٍ: زَاحَ عَنّي الْبَاطِلُ، يُقَال: زَاحَ وَانْزَاحَ: إذَا ذهب، والمصدر زبوحا وَزَيَحَانًا، إحْدَاهُمَا عَنْ الْأَصْمَعِيّ، وَالْأُخْرَى عَنْ الْكِسَائِيّ. وَقَوْلُهُ: فَقَامَ إلَيّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يُهَنّئُنِي، فَكَانَ كَعْبٌ يَرَاهَا لَهُ، فِيهِ: جَوَازُ السّرُورِ بِالْقِيَامِ إلَى الرّجُلِ كَمَا سُرّ كَعْبٌ بِقِيَامِ طَلْحَةَ إلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي خَبَرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: قُومُوا إلَى سَيّدِكُمْ، وَقَامَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قَوْمٍ، مِنْهُمْ: صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ، وَإِلَى عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ، وَإِلَى زيد بن حارثة حين قدم عليه من مَكّةَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُعَارِضٍ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ عَنْهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: «مَنْ سَرّهُ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرّجَالُ قِيَامًا فيتبوّأ مَقْعَدَهُ مِنْ النّارِ» وَيُرْوَى: يَسْتَجِمّ لَهُ الرّجَالُ «1» ؛ لِأَنّ هَذَا الْوَعِيدَ إنّمَا تَوَجّهَ لِلْمُتَكَبّرِينَ، وَإِلَى مَنْ يَغْضَبُ، أَوْ يَسْخَطُ أَلّا يُقَامَ لَهُ، وقد قال بعض السّلف: يقام إلى الولد بِرّا بِهِ، وَإِلَى الْوَلَدِ سُرُورًا بِهِ، وَصَدَقَ هَذَا الْقَائِلُ، فَإِنّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كَانَتْ تَقُومُ إلَى أَبِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرّا بِهِ، وَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ إلَيْهَا سُرُورًا بِهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَكَذَلِك كُلّ قِيَامٍ أَثْمَرَهُ الْحُبّ فِي اللهِ، وَالسّرُورُ بِأَخِيك بِنِعْمَةِ اللهِ، وَالْبِرّ بِمَنْ يُحِبّ بِرّهُ فِي اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فإنه خارج عن حديث الهى والله أعلم.

_ (1) يجتمعون له فى القيام. والحديث كما قال السيوطى: رواه أحمد فى مسنده، والترمذى وأبو داود.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إسْلَامُ ثَقِيفٍ فِيهِ قَوْلُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ حِينَ قُتِلَ: مَثَلُهُ كَمَثَلِ صَاحِبِ يَاسِينَ فِي قَوْمِهِ، يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَثَلِ صَاحِبِ يَاسِينَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَذْكُورَ فِي سُورَةِ يَاسِينَ، الّذِي قَالَ لِقَوْمِهِ (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) فَقَتَلَهُ قَوْمُهُ، وَاسْمُهُ حَبِيبُ بْنُ مُرّي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ صَاحِبَ إلْيَاسَ، وَهُوَ الْيَسَعُ، فَإِنّ إلْيَاسَ يُقَالُ فِي اسْمِهِ: يَاسِينُ أَيْضًا، وَقَالَ الطّبَرِيّ: هُوَ إلْيَاسُ بْنُ يَاسِينَ، وَفِيهِ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ الصّافّاتِ: 130 فَاَللهُ أَعْلَمُ: وَقَدْ بَيّنّا فِي التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ مَعْنَى إلْيَاسَ وَإِلْيَاسِينَ وَآلِ يَاسِينَ بَيَانًا شَافِيًا، وَأَوْضَحْنَا خَطَأَ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنّ إلْيَاسِينَ جَمْعٌ كَالْأَشْعَرِينَ، وَضَعْفَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنّ يَاسِينَ هُوَ مُحَمّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْيُنْظَرْ هُنَالِكَ. زَوْجُ عُرْوَةَ: وَكَانَتْ تَحْتَ عُرْوَةَ مَيْمُونَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَبَا مُرّةَ بْنَ عُرْوَةَ، وَبِنْتُ أَبِي مُرّةَ هِيَ: لَيْلَى امْرَأَةُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ عَلَيْهِمَا السّلَامُ وَلَدَتْ لِلْحُسَيْنِ عَلِيّا الْأَكْبَرَ قُتِلَ مَعَهُ بِالطّفّ «1» ، وَأَمّا عَلِيّ الْأَصْغَرُ فَلَمْ يُقْتَلْ مَعَهُ، وَأُمّهُ: أُمّ وَلَدٍ، وَاسْمُهَا سُلَافَةُ، وَهِيَ بِنْتُ كِسْرَى بْنِ يَزْدَجِرْدَ، وَأُخْتُهَا الْغَزَالُ هِيَ أُمّ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بن هشام.

_ (1) الطف: أرض من ضاحية الكوفة فى طرف البرية «المراصد» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَوْلَ هَدْمِ اللّاتِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ إسلام ثقيف وهدم طَاغِيَتِهِمْ، وَهِيَ اللّاتُ، وَأَنّ الْمُغِيرَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ هُمَا اللّذَانِ هَدَمَاهَا وَذَكَرَ بَعْضَ مَنْ أَلّفَ فِي السّيَرِ أَنّ الْمُغِيرَةَ قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ حِينَ هَدَمَهَا: أَلَا أُضْحِكُك مِنْ ثَقِيفٍ؟ فَقَالَ: بَلَى، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، وَضَرَبَ بِهِ اللّاتَ ضَرْبَةً، ثُمّ صَاحَ وَخَرّ عَلَى وَجْهِهِ، فَارْتَجّتْ الطّائِفُ بِالصّيَاحِ سُرُورًا بِأَنّ اللّاتَ قَدْ صَرَعَتْ الْمُغِيرَةَ، وَأَقْبَلُوا يَقُولُونَ: كَيْفَ رَأَيْتهَا يَا مُغِيرَةُ دُونَكَهَا إنْ اسْتَطَعْت، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّهَا تُهْلِكُ مَنْ عَادَاهَا، وَيْحَكُمْ أَلَا تَرَوْنَ مَا تَصْنَعُ؟ فَقَامَ الْمُغِيرَةُ يَضْحَكُ مِنْهُمْ، وَيَقُولُ لَهُمْ: يَا خُبَثَاءُ وَاَللهِ مَا قَصَدْت إلّا الْهُزُأَ بِكُمْ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى هَدْمِهَا، حَتّى اسْتَأْصَلَهَا، وَأَقْبَلَتْ عَجَائِزُ ثَقِيفٍ تَبْكِي حَوْلَهَا، وَتَقُولُ: أَسْلَمَهَا الرّضّاعُ، إذْ كَرِهُوا الْمِصَاعَ، أَيْ أَسْلَمَهَا اللّئَامُ حِينَ كرهوا القتال. فقه حديث كتاب النبي لِثَقِيفٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ كِتَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَقِيفٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ، وَذَكَرَ فِيهِ شَهَادَةَ عَلِيّ وَابْنَيْهِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، قَالَ: وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ شَهَادَةُ الصّبيان، وكتابة أسمائهم قبل البلوع، وَإِنّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إذَا أَدّوْهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَيْضًا شَهَادَةُ الِابْنِ مَعَ شَهَادَةِ أَبِيهِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ: وَجّا، وَأَنّهُ حَرَامٌ عِضَاهُهُ وَشَجَرُهُ، يَعْنِي حراما على

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غَيْرِ أَهْلِهِ كَتَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ وَمَكّةَ. وَوَجّ هِيَ أَرْضُ الطّائِفِ، وَهِيَ الّتِي جَاءَ فِيهَا الْحَدِيثُ: إنّ آخِرَ وَطْأَةٍ وَطِئَهَا الرّبّ بِوَج، وَمَعْنَاهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ: آخِرُ غَزْوَةٍ وَوَقْعَةٍ كَانَتْ بِأَرْضِ الْعَرَبِ بِوَجّ، لِأَنّهَا آخِرُ غَزَوَاتِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْعَرَبِ، وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ غَيْرُ هَذَا، مِمّا ذَكَرَهُ الْقُتَبِيّ، وَنَحْنُ نَضْرِبُ عَنْ ذِكْرِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ إيهام التّشْبِيهِ، وَاَللهُ الْمُسْتَعَانُ. وَجّ: وَقَدْ قِيلَ فِي وَجّ هِيَ الطّائِفُ نَفْسُهَا، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِوَادٍ بِهَا، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ أُمَيّةَ بن الأسكر: إذا يَبْكِي الْحَمَامُ بِبَطْنِ وَجّ ... عَلَى بَيْضَاتِهِ بَكَيَا كِلَابَا «1» وَقَالَ آخَرُ «2» . أَتُهْدِي لِي الْوَعِيدَ بِبَطْنِ وَجّ ... كَأَنّي لَا أَرَاك وَلَا تَرَانِي وَقَدْ أَلْفَيْت فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ وَجًا بِتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَالصّوَابُ تَشْدِيدُهَا كَمَا تَقَدّمَ وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أبى الصّلت:

_ (1) أول القصيدة: لمن شيخان قد نشدا كلابا ... كتاب الله إن رقب الكتابا والبيت الذى فى الروض ثالث بيت فى القصيدة وروايته فى الأمالى: إذا هتفت حمامة بطن واد ... على بيضاتها دعوا كلابا وللشعر خبر طريف فى الأمالى ص 108 ذيل الأمالى ط. 2. (2) نسبه البكرى فى معجمه للنابغة الذبيانى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنّ وَجّا وَمَا يَلِي بَطْنَ وَجّ ... دَارُ قَوْمِي بِرَبْوَةٍ وَزُتُوقِ «1» وَسُمّيَتْ وَجّا فِيمَا ذَكَرُوا بِوَجّ بْنِ عَبْدِ الْحَيّ مِنْ الْعَمَالِقَةِ «2» ، وَيُقَالُ: وَجّ، وَأَجّ بِالْهَمْزَةِ، قَالَهُ يَعْقُوبُ فِي كِتَابِ الْإِبْدَالِ، وَكِتَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الطّائِفِ أَطْوَلُ مِمّا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ بِكَثِيرٍ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِكَمَالِهِ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ. إنْزَالُ سُورَةِ بَرَاءَةٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مِنْ تَبُوكَ، فَذَكَرَ مُخَالَطَةَ الْمُشْرِكِينَ لِلنّاسِ فِي حَجّهِمْ، وَتَلْبِيَتِهِمْ بِالشّرْكِ وَطَوَافِهِمْ عُرَاةً بِالْبَيْتِ، وَكَانُوا يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ أَنْ يَطُوفُوا كَمَا وُلِدُوا بِغَيْرِ الثّيَابِ الّتِي أَذْنَبُوا فِيهَا، وَظَلَمُوا، فَأَمْسَكَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الْحَجّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِسُورَةِ بَرَاءَةٌ لِيَنْبِذَ إلَى كُلّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلّا بَعْضَ بَنِي بَكْرٍ الّذِينَ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ إلَى أَجَلٍ خَاصّ، ثُمّ أَرْدَفَ بِعَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ أُنْزِلَ فِيّ قُرْآنٌ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَرَدْت أَنْ يُبَلّغَ عَنّي مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَمَرَنِي عَلِيّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنْ

_ (1) فى الأصل: ربوة ورثوق، والتصويب من معجم البكرى وفيه أيضا: بريدة بدلا من بربوة. (2) فى معجم البكرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَطُوفَ فِي الْمَنَازِلِ مِنْ مِنًى بِبَرَاءَةٌ، فَكُنْت أَصِيحُ حَتّى صَحِلَ حَلْقِي، فَقِيلَ لَهُ: بِمَ كُنْت تُنَادِي؟ فَقَالَ: بِأَرْبَعٍ: أَلّا يَدْخُلَ الْجَنّةَ إلّا مُؤْمِنٌ، وَأَلّا يَحُجّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَأَلّا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ «1» ، وَمَنْ كَانَ له عهد، فله أحل أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمّ لَا عَهْدَ لَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إذَا سَمِعُوا النّدَاءَ بِبَرَاءَةٌ يَقُولُونَ لِعَلِيّ: سَتَرَوْنَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، بِأَنّهُ لَا عَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ عَمّك إلّا الطّعْنُ وَالضّرْبُ، ثُمّ إنّ النّاسَ فِي ذَلِكَ الْمُدّةِ رَغِبُوا فِي الْإِسْلَامِ حَتّى دَخَلُوا فِيهِ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَحَجّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العام القابل، وحجّ

_ (1) أصل الحديث فى البخارى ومسلم وأبى داود والنسائى. أما الإرداف بعلى وقول أبى بكر: يا رسول الله نزل فى شىء؟ قال: لا الحديث فقد رواه أحمد والطبرى. ويقول الطحاوى فى مشكل الآثار: «هذا مشكل، لأن الأخبار فى هذه القصة تدل على أنه (صلى الله عليه وسلم) كان بعث أبا بكر بذلك، ثم أتبعه عليا، فأمره أن يؤذن، فكيف يبعث أبو بكر أبا هريرة ومن معه بالتأذين مع صرف الأمر عنه فى ذلك إلى على، ثم أجاب بما حاصله: إن أبا بكر كان الأمير على الناس فى تلك الحجة، وكان على هو المأمور بالتأذين بذلك، وكان عليا لم يطق التأذين بذلك وحده، واحتاج إلى معين، فأرسل أبو بكر أبا هريرة. وغيره ليساعدوه «ص 90 ج 3 المواهب، وقد روى الطبرى عن محمد بن كعب أنه أمر أن يؤذن ببضع وثلاثين آية منتهاها: ولو كره المشركون، وقيل: باربعين ولقد قيل: كيف يؤمر بالتأذين ببراءة، ثم يؤذن بمثل ما ذكره؟ وقد أجيب بأنه أمر أن يؤذن ببراءة، ومن جملة ما اشتملت عليه ألا يحج بعد هذا العام مشرك من قوله سبحانه: (إنما المشركون نجس) . الآية ويحتمل أن يكون قد أمر بأن يؤذن ببراءة وبما ذكر. وللرابعة التى أذن بها وهى قوله: ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته وردت فى رواية لأحمد والترمذى. وزاد الطبرى من حديث على: ومن لم يكن له عهد أربعة أشهر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسلمون، وقد عاد الذين كُلّهُ وَاحِدًا لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ. وَأَمّا النّدَاءُ فِي أَيّامِ التّشْرِيقِ بِأَنّهَا أَيّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَفِي بَعْضِ الرّوَايَاتِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ «1» ، فَإِنّ الّذِي أُمِرَ أَنْ يُنَادِيَ بِذَلِكَ فِي أَيّامِ التّشْرِيقِ هُوَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَأَوْسُ بْنُ الْحَدَثَانِ، وَفِي الصّحِيحِ أَنّ زَيْدَ بْنَ مِرْبَعٍ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا: عَبْدُ اللهِ بْنُ مِرْبَعٍ كَانَ مِمّنْ أُمِرَ أَنْ يُنَادِيَ بِذَلِكَ، وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ الْغِفَارِيّ، وَقَدْ رُوِيَ أَنّ حُذَيْفَةَ كَانَ الْمُنَادِيَ بِذَلِكَ، وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ أَيْضًا، وَبِلَالٍ، ذَكَرَ بَعْضَ ذَلِكَ الْبَزّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ أَنّهُ أَرَادَ ذَا الْحِجّةِ وَالْمُحَرّمَ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ، وَأَنّهُ جَعَلَ ذَلِكَ أَجَلًا لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ جَعَلَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوّلُهَا يَوْمُ النّحْرِ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قِيلَ: أَرَادَ حِينَ الْحَجّ، أَيْ أَيّامَ الْمَوْسِمِ كُلّهَا، لِأَنّ نِدَاءَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِبَرَاءَةٌ كَانَ فِي تِلْكَ الْأَيّامِ. مَا نَزَلَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَأَهْلُ التّفْسِيرِ يَقُولُونَ إنّ آخِرَهَا نَزَلَ قَبْلَ أَوّلِهَا، فَإِنّ أَوّلَ مَا نَزَلَ منها: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا ثُمّ نَزَلَ أَوّلُهَا فِي نَبْذِ كُلّ عَهْدٍ إلى صاحبه كما تقدم.

_ (1) البعال: مباشرة الرجل زوجته وملاعبتها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا) فِيهِ أَقْوَالٌ، قِيلَ مَعْنَاهُ: شُبّانًا وَشُيُوخًا، وَقِيلَ: أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ، وَقِيلَ أَصْحَابَ شُغْلٍ وَغَيْرَ ذِي شُغْلٍ، وَقِيلَ: رُكْبَانًا وَرَجّالَةً. عَنْ الْأَجْدَعِ بْنِ مَالِكٍ: وَأَنْشَدَ شَاهِدًا عَلَى أَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ لِلْأَجْدَعِ بْنِ مَالِكٍ وَالِدِ مسروق ابن الْأَجْدَعِ، وَقَدْ غَيّرَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اسْمَ الْأَجْدَعِ، وَقَالَ: الْأَجْدَعُ: اسْمُ شَيْطَانٍ، فَسَمّاهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ وَيُكَنّى مَسْرُوقٌ أَبَا عَائِشَةَ. وَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ: يَصْطَادُك الْوَحَدَ، أَيْ: يَصْطَادُ بِك، وَأَرَادَ بِالْوَحَدِ: الثّوْرَ الْوَحْشِيّ. وَقَوْلُهُ: بِشَرِيجٍ بَيْنَ الشّدّ وَالْإِيضَاعِ، يُقَالُ: هُمَا شَرِيجَانِ، أَيْ: مُخْتَلِفَانِ، وَقَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ بِأَبْيَاتٍ فِي شِعْرِ الْأَجْدَعِ: أَسَأَلْتنِي بِرَكَائِبِي وَرِحَالِهَا ... وَنَسِيت قَتْلَى فَوَارِسِ الْأَرْبَاعِ «1» وَذَكَرَهُ أَبُو عَلِيّ [الْقَالِي] فِي الْأَمَالِي، فَقَالَ: وسألتنى «2» بالواو،

_ (1) كانت امرأته من بنى الحارث فأصاب وقتل من بنى الحصيرة أربعة فقالت له امرأته: أين الإبل والغنيمة؟ فقال البيت المذكور. وروايته فى السمط: أسألتنى بنجائب. وفى السمط من القصيدة سبعة أبيات. راجع ص 109، 146 السمط. (2) أنظر ص 23 ج 1 ط 2. وقد نبه على هذا الخطأ البكرى فى كتابه «التنبيه على أوهام أبى على فى أماليه» ص 35 فقال «إنما هو أسألتنى بالهمزة لا بالواو، وهو أول الشعر. بركائب منون لا بركائبى، لأنها إنما سألته عن إبل القوم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَدْ خَطّئُوهُ، وَقَالُوا: إنّمَا هُوَ أَسَأَلْتنِي. وَفَوَارِسُ الْأَرْبَاعِ قَدْ سَمّاهُمْ أَبُو عَلِيّ فِي الْأَمَالِي «1» ، وَذَكَرَ لَهُمْ خَبَرًا. إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ: وَذَكَرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ وَقِيلَ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أيضا: أَحَدُهَا: أَنْ يُؤَدّيَهَا الذّمّيّ بِنَفْسِهِ، وَلَا يُرْسِلَهَا مَعَ غَيْرِهِ. الثّانِي: أَنْ يُؤَدّيَهَا قَائِمًا، وَاَلّذِي يَأْخُذُهَا قَاعِدًا. الثّالِثُ: أَنّ مَعْنَاهُ: عَنْ قَهْرٍ وَإِذْلَالٍ. الرّابِعُ: أَنّ مَعْنَاهُ عَنْ يَدٍ مِنْكُمْ، أَيْ: إنْعَامٍ عَلَيْهِمْ بِحَقْنِ دِمَائِهِمْ، وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ بَدَلًا مِنْ الْقَتْلِ، كُلّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُفَسّرِينَ، وَلَفْظُ الْآيَةِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي هَذِهِ الْآيَةِ قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُصَدّقُونَ بِالْآخِرَةِ، فَمَعْنَاهُ فيما ذكر ابن سلّام

_ وركائبهم، لا عن ركائب نفسه، ثم ساق من القصيدة خمسة أبيات. وفوارس الأرباع هم أبناء الحصين ذى الغصة بن يزيد بن شداد الذى رأس بنى الحارث مائة سنة. والأرباع أرض قتلتهم بها همدان (1) من ولد الحصين كثير بن شهاب بن حصين ولاه معاوية الرى ودستبا، ومحمد بن زهير بن الحارث بن منصور بن قيس بن كثير» ص 25 تنبيه البكرى «حاشية» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يَقُولُونَ بِإِعَادَةِ الْأَجْسَادِ وَيَقُولُونَ إنّ الْأَرْوَاحَ هِيَ الّتِي تُبْعَثُ دُونَ الأجساد «1» . من المعذربن: وَذَكَرَ فِي الْمُعَذّرِينَ: خُفَافَ بْنَ إيمَاءَ بْنِ رَحْضَةَ، وَيُقَالُ فِيهِ: رُحْضَةُ بِالضّمّ ابْنُ خَرِبَةَ «2» ، وَكَانَ لَهُ وَلِأَبِيهِ إيمَاءَ، وَلِجَدّهِ رَحْضَةَ صُحْبَةٌ. مَاتَ خُفَافٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ إمَامًا لِبَنِي غِفَارٍ. وذكر أبا عُقَيْلٍ صَاحِبَ الصّاعِ «3» الّذِي لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ، وَاسْمُهُ جَثْجَاثٌ «4» وَقَدْ قِيلَ فِي صَاحِبِ الصّاعِ أَنّهُ رفاعة بن سهل «5» .

_ (1) بل لها معنى أوسع من ذلك، ففهمهم للآخرة عندهم لا يعطيهم صفة الإيمان بها، لأنهم يرون يسوع هو مالك يوم الدين، بل ويرون مع هذا فى أعماق جهنم، ويرون القديسين لهم شفعاء، ويرون أن الجنة لهم وحدهم. الخ. (2) قال فى الإصابة فى ترجمة رحضة والد إيماء وجد خفاف: بفتح أوله وثانيه ثم ضاد معجمة ابن خزيمة الغفارى، وفى ترجمة خفاف قال: ابن رحضة بفتح الراء المهملة ثم معجمة. وفى ترجمة إيماء قال: ابن رحضة بن خزمة (حربه) بن خفاف بن حارثة. وقال الحافظ: لا أعرف لأبى عمر مستندا فى إثياب صحبة رحضة. (3) عن أبى مسعود: لما نزلت آية الصدقة، كنا نحامل على ظهورنا، فجاء رجل، متصدق بشىء كثير فقالوا: مرائى، وجاء رجل فتصدق بصاع، فقالوا: إن الله لغنى عن صدقة هذا فنزلت (الذين يلمزون المطوعين) الآية رواه البخارى ومسلم. (4) ضبط. حثحاث. (5) فى بعض الروايات أن الذى تصدق بجهده وبصاع تمر هو أبو عقيل أخو-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَصِيدَةُ حَسّانَ الْمِيمِيّةُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ كَلِمَةَ حَسّانَ الْمِيمِيّةَ «1» وَفِيهَا: أَلَسْت خَيْرَ مَعَدّ كُلّهَا نَفَرًا وَحَسّانُ لَيْسَ مِنْ مَعَدّ، وَلَكِنْ أَرَادَ: أَلَسْت خَيْرَ النّاسِ، فَأَقَامَ مَعَدّا لِكَثْرَتِهَا مَقَامَ النّاسِ. وَفِيهَا: وَنَادِ جِهَارًا وَلَا تَحْتَشِمْ «2» وَفِيهَا رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنّ الْحِشْمَةَ لَا تَكُونُ إلّا بِمَعْنَى الْغَضَبِ وَأَنّهَا مِمّا يَضَعُهَا النّاسُ غَيْرَ مَوْضِعِهَا، وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: لكل طاعم حشمة، فابدؤه بِالْيَمِينِ، وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ: لَا يَرْفَعَنّ أَحَدُكُمْ يَدَهُ عَنْ الطّعَامَ قَبْلَ أَكِيلِهِ، فَإِنّ ذَلِكَ مِمّا يَحْشِمُه، وَأَنْشَدَ أَبُو الْفَرَجِ لِمُحَمّدِ بْنِ يَسِيرٍ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِثْلُ حَسّانَ فِي الْحُجّةِ: فِي انْقِبَاضٍ وَحِشْمَةٍ فَإِذَا ... جَالَسْت أَهْلَ الْوَفَاءِ وَالْكَرَمِ أَرْسَلْت نَفْسِي عَلَى سَجِيّتِهَا ... وَقُلْت ما شئت غير محتشم

_ - بنى أنيف الإراشى حليف بنى عمرو بن عوف، ويقال عبد الرحمن بن عبد الله ابن تعلية. (1) هذا سهو من السهيلى، فهى فى قصيدته اللامية. (2) هذا من قصيدته الميمية. وليست الشطرة هكذا وإنما هى: «فناد نداء ولا تحتشم»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَفِيهَا قَوْلُهُ: وَكَانُوا مُلُوكًا، وَلَمْ يَمْلِكُوا ... مِنْ الدّهْرِ يَوْمًا كَحِلّ القَسَمْ «1» فِيهِ شَاهِدٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي تَفْسِيرِ كَحِلّةِ الْقَسَمِ، وخلافه لأبى عبيد، وقد قدمنا قوليهما فِيمَا تَقَدّمَ مِنْ شَرْحِ قَصِيدَةِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ. وَأَنْشَدَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إذَا عَصَفَتْ رِيحٌ فَلَيْسَ بِقَائِمٍ ... بِهَا وَتَدٌ إلّا تَحِلّةَ مُقْسِمِ وَأَنْشَدَ أَيْضًا: قَلِيلًا كَتَحْلِيلِ الْأُلَى ثُمّ أَصْبَحَتْ الْبَيْتَ. وَقَوْلُهُ: وَعِزّا أَشَمْ، هُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ: عِزّةٌ قَعْسَاءُ، يُرِيدُ: شَمّاءُ، لِأَنّ الْأَقْعَسَ الّذِي يخرج صدره ويدخل ظهره، وقد فسيره الْمُبَرّدُ غَيْرَ هَذَا التّفْسِيرِ، وَبَيْتُ حَسّانَ يَشْهَدُ لِمَا قُلْنَاهُ، إنّمَا هُوَ الشّمَمُ الّذِي يُوصَفُ بِهِ ذُو الْعِزّةِ، فَوُصِفَتْ الْعِزّةُ بِهِ مَجَازًا. تَفْسِيرُ سُورَةِ النّصْرِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ سُورَةَ: إذَا جاء نصر الله. وتفسيره لها فى الظاهر خلاف

_ (1) رواية البيت مختلفة عما فى السيرة.

ذكر سنة تسع وتسميتها سنة الوفود ونزول سورة الفتح

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ حِينَ سَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ تَأْوِيلِهَا، فَأَخْبَرَهُ أَنّ اللهَ تَعَالَى أَعْلَمَ فِيهَا نَبِيّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إلّا مَا قُلْت. وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وَعُمَرُ؛ لِأَنّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: فَاشْكُرْ رَبّك، وَاحْمَدْهُ، كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: إنّمَا قَالَ: فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّك وَاسْتَغْفِرْهُ، إِنّهُ كَانَ تَوّابًا، فَهَذَا أَمْرٌ لِنَبِيّهِ عَلَيْهِ السّلَامُ بِالِاسْتِعْدَادِ لِلِقَاءِ رَبّهِ تَعَالَى وَالتّوْبَةِ إلَيْهِ، وَمَعْنَاهَا الرّجُوعُ عَمّا كَانَ بِسَبِيلِهِ مِمّا أُرْسِلَ بِهِ مِنْ إظْهَارِ الدّينِ، إذْ قَدْ فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ، وَتَمّ مُرَادُهُ فِيهِ، فَصَارَ جَوَابُ إذَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً مَحْذُوفًا. وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ فِي الْقُرْآنِ الْجَوَابُ مَحْذُوفًا، وَالتّقْدِيرُ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ، فَقَدْ انْقَضَى الْأَمْرُ، وَدَنَا الْأَجَلُ، وَحَانَ اللّقَاءُ، فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ، إِنّهُ كَانَ تَوّابًا ووقع فى مسند البزّاز مُبَيّنًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ فَقَالَ: فِيهِ: فَقَدْ دَنَا أَجَلُك فَسَبّحْ، هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الّذِي فَهِمَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وَهُوَ حَذْفُ جَوَابِ إذا، ولمّا يَتَنَبّهْ لِهَذِهِ النّكْتَةِ حَسِبَ أَنّ جَوَابَ إذَا فى قوله سبحانه: فسبّح، كَمَا تَقُولُ: إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَصُمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا التّأْوِيلِ مِنْ الْمُشَاكَلَةِ لِمَا قَبْلَهُ مَا فِي تَأْوِيلِ ابْنِ عَبّاسٍ فَتَدَبّرْهُ، فَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَحَسْبُك بِهِمَا فَهْمًا لِكِتَابِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَالْفَاءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ رَابِطَةٌ لِلْأَمْرِ بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ، وَعَلَى مَا ظَهَرَ لِغَيْرِهِ رَابِطَةٌ لِجَوَابِ الشّرط الذى فى إذا. [ذِكْرُ سَنَةِ تِسْعٍ وَتَسْمِيَتُهَا سَنَةَ الْوُفُودِ وَنُزُولُ سُورَةِ الْفَتْحِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: لَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ، وَفَرَغَ مِنْ تَبُوكَ، وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ وَبَايَعَتْ، ضَرَبَتْ إليه وفود العرب من كلّ وجه. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَنّ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وَأَنّهَا كَانَتْ تُسْمَى سنة الوفود. [انْقِيَادُ الْعَرَبِ وَإِسْلَامُهُمْ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِنّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَرَبّصَ بِالْإِسْلَامِ أَمْرَ هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَمّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنّ قُرَيْشًا كَانُوا إمَامَ النّاسِ وَهَادِيَهُمْ، وَأَهْلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَصَرِيحَ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ، وَقَادَةَ الْعَرَبِ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ هِيَ الّتِي نَصَبَتْ لِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخِلَافَهُ، فَلَمّا اُفْتُتِحَتْ مَكّةُ، وَدَانَتْ لَهُ قُرَيْشٌ، وَدَوّخَهَا الْإِسْلَامُ، وَعَرَفَتْ الْعَرَبُ أَنّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَدَاوَتِهِ، فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللهِ، كَمَا قَالَ عَزّ وَجَلّ، أَفْوَاجًا، يَضْرِبُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً: أَيْ فَاحْمَدْ اللهَ عَلَى مَا أَظْهَرَ مِنْ دِينِك، وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كَانَ توابا. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قدوم وفد بنى تميم ونزول سورة الحجرات

[قُدُومُ وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ وَنُزُولُ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ] [رجال الوفد] فَقَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفود العرب، فقدم عليه عطارد ابن حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عُدُسٍ التّمِيمِيّ، فِي أشراف بنى تميم، منهم لأقرع ابن حَابِسٍ التّمِيمِيّ، وَالزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ التّمِيمِيّ، أَحَدُ بَنِي سَعْدٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، وَالْحَبْحَابُ بْنُ يزيد. [شَيْءٌ عَنْ الْحُتَاتِ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُتَاتُ وَهُوَ الّذِي آخَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ آخَى بَيْنَ نفر من أصحابه مِنْ الْمُهَاجِرِينَ؛ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَبَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَبَيْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ وَالزّبِيرِ بْنِ العوّام، وبين أبى ذرّ الغفارى وَالْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيّ، وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَالْحُتَاتِ بْنِ يَزِيدَ الْمُجَاشِعِيّ، فَمَاتَ الْحُتَاتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فِي خِلَافَتِهِ، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ مَا تَرَكَ وِرَاثَةً بِهَذِهِ الْأُخُوّةِ، فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ لِمُعَاوِيَةَ: أَبُوكَ وَعَمّي يَا مُعَاوِيَ أَوْرَثَا ... تُرَاثًا فَيَحْتَازُ التّرَاثَ أَقَارِبُهْ فَمَا بَالُ مِيرَاثِ الْحُتَاتِ أَكَلْتَهُ ... وَمِيرَاثِ حَرْبٍ جَامِدٌ لَك ذَائِبُهْ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سائر رجال الوفد

[سَائِرُ رِجَالِ الْوَفْدِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ: نُعَيْمُ بْنُ يَزِيدَ، وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقِيسُ بْنُ عَاصِمٍ، أَخُو بَنِي سَعْدٍ، فِي وَفْدٍ عَظِيمٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَعُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، أَحَدُ بنى دارم بن مالك بن حنظلة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم، والأفرع بْنُ حَابِسٍ، أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ، وَالْحُتَاتُ بْنُ يَزِيدَ، أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ، وَالزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، أَحَدُ بَنِي بَهْدَلَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ ابن تَمِيمٍ، وَقِيسِ بْنِ عَاصِمٍ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعَهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ، وَقَدْ كَانَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ مَكّةَ وَحُنَيْنًا والطائف. [صياحهم بالرسول وكلمة عطارد] فَلَمّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ كَانَا مَعَهُمْ، فَلَمّا دَخَلَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ الْمَسْجِدَ نَادَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وَرَاءِ حُجُرَاتِهِ: أَنْ اُخْرُجْ إلَيْنَا يَا مُحَمّدُ، فآذى ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صِيَاحِهِمْ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ، جِئْنَاك نُفَاخِرُك، فَأْذَنْ لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا، قَالَ: قَدْ أَذِنْت لِخَطِيبِكُمْ فَلْيَقُلْ، فَقَامَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كلمة ثابت فى الرد على عطارد

الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَهُ عَلَيْنَا الْفَضْلُ وَالْمَنّ، وَهُوَ أَهْلُهُ، الّذِي جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَوَهَبَ لَنَا أَمْوَالًا عِظَامًا، نَفْعَلُ فِيهَا الْمَعْرُوفَ، وَجَعَلَنَا أَعَزّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَكْثَرَهُ عَدَدًا، وَأَيْسَرَهُ عِدّةً، فَمَنْ مثلنا فى الناس؟ ألسنا برؤس النّاسِ وَأُولِي فَضْلِهِمْ؟ فَمَنْ فَاخَرَنَا فَلْيُعَدّدْ مِثْلَ مَا عَدّدْنَا، وَإِنّا لَوْ نَشَاءُ لَأَكْثَرْنَا الْكَلَامَ، وَلَكِنّا نَحْيَا مِنْ الْإِكْثَارِ فِيمَا أَعْطَانَا، وَإِنّا نُعْرَفُ بِذَلِكَ. أَقُولُ هَذَا لِأَنْ تَأْتُوا بِمِثْلِ قَوْلنَا، وَأَمْرٍ أَفَضْلَ مِنْ أَمْرِنَا. ثُمّ جَلَسَ. [كَلِمَةُ ثَابِتٍ فِي الرّدّ عَلَى عُطَارِدٍ] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ، أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: قُمْ، فَأَجِبْ الرّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ. فَقَامَ ثَابِتٌ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ خَلْقُهُ، قَضَى فِيهِنّ أَمْرَهُ، وَوَسِعَ كُرْسِيّهُ عِلْمُهُ وَلَمْ يَكُ شَيْءٌ قَطّ إلّا مِنْ فَضْلِهِ، ثُمّ كَانَ مِنْ قُدْرَتِهِ أَنْ جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَاصْطَفَى مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ رَسُولًا، أَكْرَمَهُ نَسَبًا، وَأَصْدَقَهُ حَدِيثًا، وَأَفْضَلَهُ حَسَبًا، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كتابه وأأتمنه عَلَى خَلْقِهِ، فَكَانَ خِيرَةَ اللهِ مِنْ الْعَالَمِينَ، ثُمّ دَعَا النّاسَ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ، فَآمَنَ بِرَسُولِ اللهِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ، أَكْرَمُ النّاسِ حَسَبًا، وَأَحْسَنُ النّاسِ وُجُوهًا، وَخَيْرُ النّاسِ فِعَالًا. ثُمّ كَانَ أَوّلُ الْخَلْقِ إجَابَةً، وَاسْتَجَابَ لِلّهِ حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ وَوُزَرَاءُ رَسُولِهِ، نُقَاتِلُ النّاسِ حَتّى يُؤْمِنُوا بِاَللهِ، فَمَنْ آمَنْ بِاَللهِ وَرَسُولِهِ مَنَعَ مِنّا مَالَهُ وَدَمَهُ، وَمَنْ كَفَرَ جَاهَدْنَاهُ فِي اللهِ أَبَدًا، وكان قتله علينا بسيرا. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر الزبرقان فى الفخر بقومه

[شِعْرُ الزّبْرِقَانِ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ] فَقَامَ الزّبْرِقَانُ بن بدر، فقال: نَحْنُ الْكِرَامُ فَلَا حَيّ يُعَادِلُنَا ... مِنّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُنْصَبُ الْبِيَعُ وَكَمْ قَسَرْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ كُلّهِمْ ... عِنْدَ النّهَابِ وَفَضْلُ الْعِزّ يُتّبَعُ وَنَحْنُ يُطْعِمُ عِنْدَ الْقَحْطِ مُطْعِمُنَا ... مِنْ الشّوَاءِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ الْقَزَعُ بِمَا تَرَى النّاسَ تَأْتِينَا سُرَاتُهُمْ ... مِنْ كُلّ أَرْضٍ هُوِيّا ثُمّ تَصْطَنِعُ فَنَنْحَرُ الْكُوَمَ عُبْطًا فِي أَرُومَتِنَا ... لِلنّازِلِينَ إذَا مَا أُنْزِلُوا شَبِعُوا فَلَا تَرَانَا إلَى حَيّ نُفَاخِرُهُمْ ... إلّا اسْتَفَادُوا فَكَانُوا الرّأْسَ يُقْتَطَعُ فَمَنْ يفاخرنا فى ذاك نعرفه ... فيرجع القوم والأحبار تستمع منّا أَبَيْنًا وَلَا يَأْبَى لَنَا أَحَدٌ ... إنّا كَذَلِكَ عند الفخر نرتع قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: مِنّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُقْسَمُ الرّبَعُ وَيُرْوَى: مِنْ كُلّ أَرْضٍ هَوَانَا ثُمّ نُتّبَعُ رَوَاهُ لِي بَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِلزّبْرِقَانِ [شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى الزّبْرِقَانِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ حَسّانُ غَائِبًا، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَسَلّمَ. قَالَ حَسّانُ: جَاءَنِي رَسُولُهُ، فَأَخْبَرَنِي أَنّهُ إنّمَا دَعَانِي لِأُجِيبَ شَاعِرَ بَنِي تَمِيمٍ، فَخَرَجْت إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أقول: مَنَعْنَا رَسُولَ اللهِ إذْ حَلّ وَسْطَنَا ... عَلَى أَنْفٍ رَاضٍ مِنْ مَعَدّ وَرَاغِمِ مَنَعْنَاهُ لَمَا حَلّ بَيْنَ بُيُوتِنَا ... بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلّ بَاغٍ وَظَالِمِ بِبَيْتٍ حَرِيدٍ عِزّهُ وَثَرَاؤُهُ ... بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ هَلْ الْمَجْدُ إلّا السّودَدُ الْعَوْدُ وَالنّدَى ... وِجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ قَالَ: فَلَمّا انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ شَاعِرُ الْقَوْمِ، فَقَالَ مَا قَالَ، عَرَضْت فِي قَوْلِهِ، وَقُلْت عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ قَالَ: فَلَمّا فَرَغَ الزّبْرِقَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ: قُمْ يَا حَسّانُ، فَأَجِبْ الرّجُلَ فِيمَا قال. فقام حسان فقال: إنّ الذّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ ... قَدْ بَيّنُوا سُنّةً لِلنّاسِ تُتّبَعُ يَرْضَى بِهِمْ كُلّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ... تَقْوَى الْإِلَهِ وَكُلّ الْخَيْرِ يَصْطَنِعُ قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا ضَرّوا عَدُوّهُمْ ... أَوْ حَاوَلُوا النّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا سَجِيّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غير محدثة ... إنّ لخلائق فَاعْلَمْ شَرّهَا الْبِدَعُ إنْ كَانَ فِي النّاسِ سَبّاقُونَ بَعْدَهُمْ ... فَكُلّ سَبْقٍ لِأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ لَا يَرْقَعُ النّاسَ مَا أَوْهَتَ أَكَفّهُمْ ... عِنْدَ الدّفّاعِ وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا إنْ سَابَقُوا النّاسَ يَوْمًا فَازَ سَبْقُهُمْ ... أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنّدَى مَتَعُوا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر آخر للزبرقان

أعفّة ذكرت فى الوحى عفّتهم ... لا يطبعون وَلَا يُرْدِيهِمْ طَمَعُ لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بِفَضْلِهِمْ ... وَلَا يَمَسّهُمْ مِنْ مَطْمَعٍ طَبَعُ إذَا نَصَبْنَا لِحَيّ لَمْ نَدِبّ لَهُمْ ... كَمَا يَدُبّ إلَى الْوَحْشِيّةِ الذّرِعُ نَسْمُو إذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا مخالبها ... إذا الرّعانف مِنْ أَظْفَارهَا خَشَعُوا لَا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا عَدُوّهُمْ ... وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خُورٌ وَلَا هُلُعُ كَأَنّهُمْ فِي الْوَغَى وَالْمَوْتُ مُكْتَنِعٌ ... أُسْدٌ بِحِلْيَةِ فى أرساغها فدع خد مِنْهُمْ مَا أَتَى عَفْوًا إذَا غَضِبُوا ... وَلَا يَكُنْ هَمّكَ الْأَمْرَ الّذِي مَنَعُوا فَإِنّ فِي حَرْبِهِمْ فَاتْرُكْ عَدَاوَتَهُمْ ... شَرّا يُخَاضُ عَلَيْهِ السّمّ وَالسّلَعُ أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللهِ شِيعَتُهُمْ ... إذَا تَفَاوَتَتْ الْأَهْوَاءُ وَالشّيَعُ أَهْدِي لَهُمْ مِدْحَتِي قَلْبٌ يُؤَازِرُهُ ... فِيمَا أُحِبّ لِسَانٌ حَائِكٌ صَنَعُ فَإِنّهُمْ أَفْضَلُ الْأَحْيَاءِ كُلّهِمْ ... إنْ جَدّ بِالنّاسِ جِدّ الْقَوْلِ أَوْ شَمَعُوا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ: يَرْضَى بِهَا كُلّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ... تَقْوَى الْإِلَهِ وَبِالْأَمْرِ الّذِي شَرَعُوا [شِعْرٌ آخر للزبرقان] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بالشعر من بنى تميم: أنّ الزبرقان ابن بَدْرٍ لَمّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ قام فقال: أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْلَمَ النّاسُ فَضْلَنَا ... إذَا احْتَفَلُوا عِنْدَ احْتِضَارِ الْمَوَاسِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر آخر لحسان فى الرد على الزبرقان

بِأَنّا فُرُوعُ النّاسِ فِي كُلّ مَوْطِنٍ ... وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ وَأَنّا نَذُودُ الْمُعْلِمِينَ إذَا انْتَخَوْا ... وَنَضْرِبُ رَأْسَ الْأَصْيَدِ الْمُتَفَاقِمِ وَأَنّ لَنَا الْمِرْبَاعَ فِي كُلّ غَارَةٍ ... نُغِيرُ بِنَجْدٍ أَوْ بِأَرْضِ الْأَعَاجِمِ [شِعْرٌ آخَرُ لِحَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى الزّبْرِقَانِ] فقام حسان بن ثابت فأجابه، فقال: هَلْ الْمَجْدُ إلّا السّودَدُ الْعَوْدُ وَالنّدَى ... وِجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ نَصَرْنَا وَآوَيْنَا النّبِيّ مُحَمّدًا ... عَلَى أَنْفِ رَاضٍ مِنْ مَعَدّ وَرَاغِمِ بِحَيّ حَرِيدٍ أَصْلُهُ وَثَرَاؤُهُ ... بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ نَصَرْنَاهُ لَمّا حَلّ وَسْطَ دِيَارِنَا ... بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلّ بَاغٍ وَظَالِمِ جَعَلْنَا بَنِينَا دُونَهُ وَبَنَاتَنَا ... وَطِبْنَا لَهُ نَفْسًا بِفَيْءِ الْمَغَانِمِ وَنَحْنُ ضَرَبْنَا النّاسَ حَتّى تَتَابَعُوا ... عَلَى دِينهِ بِالْمُرْهَفَاتِ الصّوَارِمِ وَنَحْنُ وَلَدْنَا مِنْ قُرَيْشٍ عَظِيمَهَا ... وَلَدْنَا نَبِيّ الْخَيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمِ بَنِي دَارِمٍ لَا تَفْخَرُوا إنّ فَخْرَكُمْ ... يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمْ ... لَنَا خَوَلٌ مَا بَيْنَ ظِئْرٍ وَخَادِمِ فَإِنْ كُنْتُمْ جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ ... وَأَمْوَالِكُمْ أَنْ تُقْسَمُوا فِي الْمَقَاسِمِ فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ نِدّا وَأَسْلِمُوا ... وَلَا تَلْبَسُوا زِيّا كزى الأعاجم ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلامهم وتجويز الرسول إياهم

[إسْلَامُهُمْ وَتَجْوِيزُ الرّسُولِ إيّاهُمْ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فَرَغَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ، قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: وَأَبِي، إنّ هَذَا الرّجُلَ لَمُؤَتّى لَهُ، لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَلِأَصْوَاتِهِمْ أَحْلَى مِنْ أَصْوَاتِنَا. فَلَمّا فَرَغَ الْقَوْمُ أَسْلَمُوا، وَجَوّزَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ. [شِعْرُ ابْنِ الْأَهْتَمِ فِي هِجَاءِ قِيسٍ لِتَحْقِيرِهِ إياه] كان عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ قَدْ خَلّفَهُ الْقَوْمُ فِي ظَهْرِهِمْ، وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنّا، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَكَانَ يُبْغِضُ عَمْرَو بْنَ الْأَهْتَمِ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّهُ قَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنّا فِي رِحَالِنَا، وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ، وَأُزْرَى بِهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ما أعطى القوم، فقال عمرو بن الأهتم حين بلغه أن قيسا قال ذلك يهجوه: ظَلِلْتُ مَفْتَرِشَ الْهَلْبَاءِ تَشْتُمُنِي ... عِنْدَ الرّسُولِ فَلَمْ تصدق ولم تصب سدناكم سود دار هوا وَسُوْدُدُكُمْ ... بَادٍ نَوَاجِذُهُ مُقْعٍ عَلَى الذّنَبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَقِيَ بَيْتٌ وَاحِدٌ تَرَكْنَاهُ، لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِيهِمْ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قصة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس فى الوفادة عن بنى عامر

[قِصّةُ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ فى الوفادة عن بنى عامر] [بعض رجال الوفد] وقدم عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ بَنِي عَامِرٍ فِيهِمْ عَامِرُ بْنُ الطّفيل وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَزْءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَجَبّارُ بْنُ سَلْمَى بْنِ مَالِكِ ابن جَعْفَرٍ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةُ رُؤَسَاءَ الْقَوْمِ وَشَيَاطِينَهُمْ. [تَدْبِيرُ عَامِرٍ لِلْغَدْرِ بِالرّسُولِ] فَقَدِمَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ عَدُوّ اللهِ، عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُرِيدُ الْغَدْرَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: يَا عَامِرُ، إنّ النّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا فَأَسْلِمْ، قَالَ: وَاَللهِ لَقَدْ كُنْتُ آلَيْتُ أَنْ لَا أَنْتَهِيَ حَتّى تَتْبَعَ الْعَرَبُ عَقِبِي، أَفَأَنَا أَتْبَعُ عَقِبَ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ! ثُمّ قَالَ لِأَرْبَدَ: إذَا قَدِمْنَا عَلَى الرّجُلِ، فَإِنّي سَأَشْغَلُ عَنْك وَجْهَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَاعْلُهُ بِالسّيْفِ، فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، قال عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: يَا مُحَمّدُ، خَالِنِي، قَالَ: لَا وَاَللهِ حَتّى تُؤْمِنَ بِاَللهِ وَحْدَهُ. قَالَ: يَا مُحَمّدُ خَالِنِي. وَجَعَلَ يُكَلّمُهُ وَيَنْتَظِرُ مِنْ أَرْبَدَ مَا كَانَ أَمَرَهُ بِهِ فَجَعَلَ أَرْبَدُ لَا يُحِيرُ شَيْئًا، قَالَ: فَلَمّا رَأَى عَامِرُ مَا يَصْنَعُ أَرْبَدُ، قَالَ يَا مُحَمّدُ خَالِنِي قَالَ: لَا، حَتّى تُؤْمِنَ بِاَللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. فَلَمّا أَبَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: أَمَا وَاَللهِ لَأَمْلَأَنّهَا عَلَيْك خَيْلًا وَرِجَالًا، فَلَمّا وَلّى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

موت عامر بدعاء الرسول عليه

فَلَمّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عَامِرٌ لِأَرْبَدَ: وَيْلَك يَا أَرْبَدُ أَيْنَ مَا كنت أمرأتك بِهِ؟ وَاَللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجُلٌ هُوَ أَخْوَفَ عِنْدِي عَلَى نَفْسِي مِنْك. وَاَيْمُ اللهِ لَا أَخَافُك بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا. قَالَ: لَا أَبَا لَك! لَا تَعْجَلْ عَلَيّ، وَاَللهِ مَا هَمَمْت بِاَلّذِي أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ أَمْرِهِ إلّا دَخَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ الرّجُلِ، حَتّى مَا أَرَى غَيْرَك، أَفَأَضْرِبك بِالسّيْفِ؟ [مَوْتُ عَامِرٍ بِدُعَاءِ الرّسُولِ عَلَيْهِ] وَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ، حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطّرِيقِ، بَعَثَ اللهُ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ الطّاعُونَ فِي عُنُقِهِ، فَقَتَلَهُ اللهُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ من بنى سلول، فجعل يقول: يا بنى عامر، أَغُدّةٌ كَغُدّةِ الْإِبِلِ، وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيّةٍ! قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: أَغُدّةٌ كَغُدّةِ الْإِبِلِ، وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيّةٍ. [مَوْتُ أَرْبَدَ بِصَاعِقَةِ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي عَامِرٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ خَرَجَ أَصْحَابُهُ حِينَ وَارَوْهُ، حِينَ قَدِمُوا أَرْضَ بَنِي عَامِرٍ شَاتِينَ، فَلَمّا قَدِمُوا أَتَاهُمْ قَوْمُهُمْ فَقَالُوا: مَا وَرَاءَك يَا أَرْبَدُ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ وَاَللهِ، لَقَدْ دَعَانَا إلَى عِبَادَةِ شَيْءٍ لَوَدِدْتُ أَنّهُ عِنْدِي الْآنَ فَأَرْمِيَهُ بِالنّبْلِ حَتّى أَقْتُلَهُ، فَخَرَجَ بَعْدَ مَقَالَتِهِ بِيَوْمِ أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَهُ جَمْلٌ لَهُ يَتْبَعُهُ، فَأَرْسَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً، فَأَحْرَقَتْهُمَا. وَكَانَ أَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ أَخَا لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ لِأُمّهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر لبيد فى بكاء أربد

ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: وَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِي عَامِرٍ وَأَرْبَدَ: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ ... إلَى قَوْلِهِ: وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ قَالَ: الْمُعَقّبَاتُ: هِيَ مِنْ أَمْرِ اللهِ يَحْفَظُونَ مُحَمّدًا. ثُمّ ذَكَرَ أَرْبَدَ وَمَا قَتَلَهُ اللهُ بِهِ، فَقَالَ: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ إلَى قَوْلِهِ: شَدِيدُ الْمِحالِ. [شِعْرُ لَبِيَدٍ فِي بُكَاءِ أَرْبَدَ] قَالَ ابْنُ إسحاق: فقال لبيد يبكى أربد: مَا إنْ تُعَدّي الْمَنُونُ مِنْ أَحَدٍ ... لَا والد مشفق ولا ولد أخشى على أربدا لحتوف وَلَا ... أَرْهَبُ نَوْءَ السّمَاكِ وَالْأَسَدِ فَعَيْنٍ هَلّا بَكَيْت أَرْبَدَ إذْ ... قُمْنَا وَقَامَ النّسَاءُ فِي كَبَدِ إنْ يَشْغَبُوا لَا يُبَالِ شَغْبَهُمْ ... أَوْ يَقْصِدُوا فِي الحكوم يَقْتَصِدْ حُلْوٌ أَرِيَبٌ وَفِي حَلَاوَتِهِ ... مُرّ لَطِيفُ الْأَحْشَاءِ وَالْكَبِدِ وَعَيْنِ هَلّا بَكَيْت أَرْبَدَ إذْ ... أَلْوَتْ رِيَاحُ الشّتَاءِ بِالْعَضَدِ وَأَصْبَحَتْ لَاقِحًا مُصَرّمَةً ... حَتّى تَجَلّتْ غَوَابِرُ الْمُدَدِ أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ غَابَةٍ لَحِمٍ ... ذُو نَهْمَةٍ فِي الْعُلَا وَمُنْتَقَدِ لَا تَبْلُغُ الْعَيْنُ كُلّ نَهْمَتِهَا ... لَيْلَةَ تُمْسَى الْجِيَادُ كَالْقِدَدِ الْبَاعِثُ النّوْحَ فِي مَآتِمِهِ ... مِثْلَ الظّبَاءِ الْأَبْكَارِ بِالْجَرَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فجّعنى البرق والصّواعق بال ... فارس يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النّجُدِ وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ إذَا ... جَاءَ نَكِيبًا وَإِنْ يَعُدْ يَعُدْ يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ وَالسّؤَالِ كَمَا ... يُنْبِتُ غَيْثُ الرّبِيعِ ذُو الرّصَدِ كُلّ بَنِي حُرّةٍ مَصِيرُهُمْ ... قُلّ وَإِنْ أَكْثَرَتْ مِنْ الْعَدَدِ إنْ يُغْبَطُوا يَهْبِطُوا وَإِنْ أُمِرُوا ... يَوْمًا فَهُمْ لِلْهَلَاكِ وَالنّفَدِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَيْتُهُ: «وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ» عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَبَيْتُهُ: «يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ» : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ: أَلَا ذَهَبَ الْمُحَافِظُ وَالْمُحَامِي ... وَمَانِعُ ضَيْمِهَا يَوْمَ الْخِصَامِ وَأَيْقَنْتُ التّفَرّقَ يَوْمَ قَالُوا ... تُقُسّمَ مَالُ أَرْبَد بِالسّهَامِ تَطِيرُ عَدَائِدُ الْأَشْرَاكِ شَفْعًا ... وَوِتْرًا وَالزّعَامَةُ لِلْغُلَامِ فَوَدّعَ بِالسّلَامِ أَبَا حُرَيْزٍ ... وَقَلّ وَدَاعُ أَرْبَدَ بِالسّلَامِ وَكُنْتَ إمَامَنَا وَلَنَا نِظَامًا ... وَكَانَ الْجَزْعُ يُحْفَظُ بِالنّظَامِ وَأَرْبَدُ فَارِسُ الْهَيْجَا إذَا مَا ... تَقَعّرَتْ الْمَشَاجِرُ بِالْفِئَامِ إذَا بَكَرَ النّسَاءُ مُرَدّفَاتٍ ... حَوَاسِرَ لَا يُجِئْنَ عَلَى الْخِدَامِ فَوَاءَلَ يَوْمَ ذَلِكَ مَنْ أَتَاهُ ... كَمَا وَأَلَ الْمُحِلّ إلَى الْحَرَامِ وَيَحْمَدُ قِدْرَ أَرْبَد مَنْ عَرَاهَا ... إذَا مَا ذُمّ أَرْبَابُ اللّحَامِ وَجَارَتُهُ إذَا حَلّتْ لَدَيْهِ ... لَهَا نَفَلٌ وَحَظّ مِنْ سَنَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَإِنْ تَقْعُدْ فَمُكْرَمَةٌ حَصَانٌ ... وَإِنْ تَظْعَنْ فَمُحْسِنَةُ الْكَلَامِ وَهَلْ حُدّثْتَ عَنْ أَخَوَيْنِ دَامَا ... عَلَى الْأَيّامِ إلّا ابْنَيْ شَمَامِ وَإِلّا الْفَرْقَدَيْنِ وَآلَ نَعْشٍ ... خَوَالِدَ مَا تُحَدّثُ بِانْهِدَامِ قَالَ ابْنُ هشام: وهى فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ: انْعَ الْكَرِيمَ لِلْكَرِيمِ أَرْبَدَا ... انْعَ الرّئِيسَ وَاللّطِيفَ كَبَدَا يُحْذِي وَيُعْطِي ماله ليحمدا ... أدما يشبّهن صوارا أيّدا السّابِلَ الْفَضْلَ إذَا مَا عُدّدَا ... وَيَمْلَأُ الْجَفْنَةَ مَلْئًا مَدَدَا رِفْهَا إذَا يَأْتِي ضَرِيكٌ وَرَدَا ... مِثْلُ الّذِي فِي الْغِيلِ يَقْرُو جُمُدَا يَزْدَادُ قُرْبًا مِنْهُمْ أَنْ يُوعَدَا ... أَوْرَثْتَنَا تُرَاثَ غَيْرِ أَنْكَدَا غِبّا وَمَالًا طَارِفًا وَوَلَدَا ... شَرْخًا صُقُورًا يَافِعًا وَأَمْرَدَا وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا: لَنْ تُفْنِيَا خَيْرَاتِ أَرْ ... بَدَ فَابْكِيَا حَتّى يَعُودَا قُولَا هُوَ الْبَطَلُ الْمُحَا ... مِي حِينَ يَكْسُونَ الْحَدِيدَا وَيَصُدّ عَنّا الظّالِمِي ... نَ إذَا لَقِينَا الْقَوْمَ صِيدَا فَاعْتَاقَهُ رَبّ الْبَرِيّ ... ةِ إذْ رَأَى أَنْ لَا خُلُودًا فَثَوَى وَلَمْ يُوجَعْ وَلَمْ ... ولم يوصب وكان هو الفقيدا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا عن بنى سعد بن بكر

وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا: يُذَكّرُنِي بِأَرْبَدَ كُلّ خَصْمٍ ... أَلَدّ تَخَالُ خُطّتَهُ ضِرَارَا إذَا اقْتَصَدُوا فَمُقْتَصِدٌ كَرِيمٌ ... وَإِنْ جَارُوا سَوَاءُ الْحَقّ جَارَا وَيَهْدِي الْقَوْمَ مُطّلِعًا إذَا مَا ... دَلِيلُ الْقَوْمِ بِالْمَوْمَاةِ حَارَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا: أَصْبَحْتُ أَمْشِي بَعْدَ سَلْمَى بْنِ مَالِكٍ ... وَبَعْدَ أَبِي قَيْسٍ وَعُرْوَةَ كَالْأَجَبْ إذَا مَا رَأَى ظِلّ الْغُرَابِ أَضَجّهُ ... حِذَارًا عَلَى بَاقِي السّنَاسِنِ وَالْعَصَبْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ. [قُدُومُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا عَنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ. [سُؤَالُهُ الرّسُولَ أَسْئِلَةً ثُمّ إسْلَامُهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، عن ابن عباس، قال: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمّ عَقَلَهُ، ثُمّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فِي أَصْحَابِهِ؛ وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلًا جَلْدًا أَشْعَرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ، فَأَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيّكُمْ ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. قَالَ: أَمُحَمّدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ قال يابن عَبْدِ الْمُطّلِبِ، إنّي سَائِلُك وَمُغَلّظٌ عَلَيْك فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تَجِدَنّ فِي نَفْسِك، قَالَ: لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي، فَسَلْ عَمّا بَدَا لَك. قَالَ: أَنْشُدُك اللهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك، آللهُ بَعَثَك إلَيْنَا رَسُولًا؟ قَالَ: اللهُمّ نَعَمْ؛ قَالَ: فَأَنْشُدُك اللهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك، آللهُ أَمَرَك أَنْ تَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَهُ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الْأَنْدَادَ الّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ؟ قَالَ: اللهُمّ نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْشُدُك اللهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك، آللهُ أَمَرَك أَنْ نُصَلّيَ هَذِهِ الصّلَوَاتِ الْخَمْسَ؟ قَالَ: اللهُمّ نَعَمْ؛ قَالَ: ثُمّ جَعَلَ يَذْكُرُ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً. الزّكَاةَ وَالصّيَامَ وَالْحَجّ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ كُلّهَا، يَنْشُدُهُ عِنْدَ كُلّ فَرِيضَةٍ مِنْهَا كَمَا يَنْشُدُهُ فِي الّتِي قَبْلَهَا، حَتّى إذَا فَرَغَ قَالَ: فَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولَ اللهِ؛ وَسَأُؤَدّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ، وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتنِي عَنْهُ، لاثم أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ. ثُمّ انْصَرَفَ إلَى بَعِيرِهِ رَاجِعًا. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنْ صَدَقَ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ دَخَلَ الجنة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قدوم الجارود فى وفد عبد القيس

دَعْوَتُهُ قَوْمَهُ لِلْإِسْلَامِ قَالَ: فَأَتَى بَعِيرَهُ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ، ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ فَكَانَ أَوّلُ مَا تَكَلّمَ بِهِ أن قال: بئست اللّاتُ وَالْعُزّى! قَالُوا: مَهْ يَا ضِمَامُ اتّقِ الْبَرَصَ، اتّقِ الْجُذَامَ، اتّقِ الْجُنُونَ! قَالَ: وَيْلَكُمْ! إنّهُمَا وَاَللهِ لَا يَضُرّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ، إنّ اللهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا أَسْتَنْقِذُكُمْ بِهِ مِمّا كُنْتُمْ فِيهِ، وَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَمَا نها كم عنه، قال: فو الله مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَاضِرِهِ رجل ولا امرأة إلا مسلما. قَالَ: يَقُولُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبّاسٍ: فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ ابن ثَعْلَبَةَ. [قُدُومُ الْجَارُودِ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقِيسِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَارُودُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَنْشٍ أَخُو عَبْدِ الْقَيْسِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْجَارُودُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْمُعَلّى فِي وَفْدِ عبد القيس وكان نصرانيا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلّمَهُ، فَعَرَضَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الْإِسْلَامَ، وَدَعَاهُ إلَيْهِ، وَرَغّبَهُ فِيهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، إنّي قَدْ كُنْت عَلَى دِينٍ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

موقفه من قومه فى الردة

وَإِنّي تَارِكٌ دِينِي لِدِينِك، أَفَتَضْمَنُ لِي دَيْنِي؟ قال: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، أَنَا ضَامِنٌ أَنْ قَدْ هَدَاك اللهُ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ قَالَ: فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَ أَصْحَابُهُ، ثُمّ سَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحُمْلَانَ، فَقَالَ؛ وَاَللهِ مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بِلَادِنَا ضَوَالّ مِنْ ضَوَالّ النّاسِ: أَفَنَتَبَلّغُ عَلَيْهَا إلَى بِلَادِنَا؟ قَالَ: لَا، إيّاكَ وَإِيّاهَا، فَإِنّمَا تِلْكَ حَرَقُ النار. [مَوْقِفُهُ مِنْ قَوْمِهِ فِي الرّدّةِ] فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ الْجَارُودُ رَاجِعًا إلَى قَوْمِهِ، وَكَانَ حَسَنَ الْإِسْلَامِ، صُلْبًا عَلَى دِينِهِ، حَتّى هَلَكَ وَقَدْ أَدْرَكَ الرّدّةَ، فَلَمّا رَجَعَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَى دِينِهِمْ الْأَوّلِ مَعَ الْغَرُورِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، قام الجارود فتكلّم، فتشهّد شهادة الحق، وَدَعَا إلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ: أَيّهَا النّاسُ، إنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَه إلّا اللهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأُكَفّرُ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ. قال ابن هشام: يروى: وَأَكْفِي مَنْ لَمْ يَشْهَدْ. [إسْلَامُ ابْنِ سَاوَى] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بعث العلاء ابن الْحَضْرَمِيّ قَبْلَ فَتْحِ مَكّةَ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيّ، فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ ثُمّ هَلَكَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ رِدّةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْعَلَاءُ عِنْدَهُ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى البحرين. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قدوم وفد بنى حنيفة ومعهم مسيلمة الكذاب

[قُدُومُ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ وَمَعَهُمْ مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابِ] وقدم عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد بنى حنيفة، فيهم مسيلمة ابن حَبِيبٍ الْحَنَفِيّ الْكَذّابُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُسَيْلِمَةُ بْنُ ثُمَامَةَ، وَيُكَنّى أَبَا ثُمَامَةَ. [مَا كَانَ مِنْ الرّسُولِ لِمُسَيْلِمَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ مَنْزِلُهُمْ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّارِ، فَحَدّثَنِي بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَنّ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْتُرهُ بِالثّيَابِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ. مَعَهُ عَسِيبٌ مِنْ سَعَفِ النّخْلِ فِي رَأْسِهِ خوصات؛ فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَسْتُرُونَهُ بِالثّيَابِ، كَلّمَهُ وَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: لو سألتنى هذا العيب؟؟؟ مَا أَعْطَيْتُكَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي شَيْخٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ أَنّ حَدِيثَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا. زَعَمَ أَنّ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَخَلّفُوا مُسَيْلِمَةَ فِي رِحَالِهِمْ، فَلَمّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا مَكَانَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّا قَدْ خَلّفْنَا صَاحِبًا لَنَا فِي رِحَالِنَا وَفِي رِكَابِنَا يَحْفَظُهَا لَنَا، قَالَ: فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِلْقَوْمِ، وَقَالَ أَمَا إنّهُ لَيْسَ بِشَرّكُمْ مَكَانًا، أَيْ لِحِفْظِهِ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ الّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ارتداده وتنبؤه

[ارْتِدَادُهُ وَتُنَبّؤُهُ] قَالَ: ثُمّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وجاؤه بِمَا أَعْطَاهُ، فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى الْيَمَامَةِ ارْتَدّ عَدُوّ اللهِ وَتَنَبّأَ وَتَكَذّبَ لَهُمْ، وَقَالَ: إنّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ. وَقَالَ لِوَفْدِهِ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ: أَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ حِينَ ذَكَرْتُمُونِي لَهُ: أَمَا إنّهُ لَيْسَ بِشَرّكُمْ مَكَانًا؛ ماذاك إلّا لَمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنّي قَدْ أُشْرِكْت فِي الْأَمْرِ مَعَهُ، ثُمّ جَعَلَ يَسْجَعُ لَهُمْ الأساجيع، ويقول وَيَقُولُ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ مُضَاهَاةً لِلْقُرْآنِ: «لَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَى الْحُبْلَى، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى، مِنْ بَيْنَ صِفَاقٍ وَحَشًى» وَأَحَلّ لَهُمْ الْخَمْرَ وَالزّنَا، وَوَضَعَ عَنْهُمْ الصّلَاةَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَشْهَدُ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهُ نَبِيّ، فَأَصْفَقَتْ مَعَهُ حَنِيفَةُ عَلَى ذَلِكَ، فَاَللهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ. [قُدُومُ زيد الخيل فى وفد طيىء] [إسلامه وموته] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد طيىء، فِيهِمْ زَيْدُ الْخَيْلِ، وَهُوَ سَيّدُهُمْ؛ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَيْهِ كَلّمُوهُ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمُوا، فَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ رِجَالِ طيىء؛ مَا ذُكِرَ لِي رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ بِفَضْلِ، ثُمّ جَاءَنِي، إلّا رَأَيْته دُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ، إلّا زَيْدَ الْخَيْلِ: فَإِنّهُ لَمْ يَبْلُغْ كُلّ مَا كَانَ فِيهِ، ثُمّ سَمّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر عدى بن حاتم

الْخَيْرِ، وَقَطَعَ لَهُ فَيْدًا وَأَرَضِينَ مَعَهُ، وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم راجعا إلى قومه؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنْ يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمّى الْمَدِينَةِ، فَإِنّهُ قَالَ: قَدْ سَمّاهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاسْمِ غَيْرِ الْحُمّى، وَغَيْرِ أُمّ مَلْدَمٍ، فَلَمْ يَثْبُتْهُ- فَلَمّا انْتَهَى مِنْ بَلَدِ نَجْدٍ إلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِ، يُقَالُ لَهُ فَرَدَةَ، أَصَابَتْهُ الْحُمّى بِهَا فَمَاتَ، وَلَمّا أَحَسّ زيد بالموت قال: أمر تحل قَوْمِي الْمَشَارِقَ غُدْوَةً ... وَأُتْرَكُ فِي بَيْتٍ بِفَرَدَةَ منجد لا رُبّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْت لَعَادَنِي ... عَوَائِدُ مَنْ لَمْ يُبْرَ مِنْهُنّ يَجْهَد فَلَمّا مَاتَ عَمَدَتْ امْرَأَتُهُ إلَى مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ كُتُبِهِ، الّتِي قَطَعَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَحَرّقَتْهَا بِالنّارِ. [أَمْرُ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ] وَأَمّا عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ فَكَانَ يَقُولُ، فِيمَا بَلَغَنِي: مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ كَانَ أَشَدّ كَرَاهِيَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ مِنّي، أَمَا أَنَا فَكُنْت امْرَأً شَرِيفًا، وَكُنْت نَصْرَانِيّا، وَكُنْت أَسِيرُ فِي قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ، فَكُنْتُ فِي نَفْسِي عَلَى دِينٍ، وَكُنْت مَلِكًا فِي قَوْمِي، لِمَا كَانَ يُصْنَعُ بِي. فَلَمّا سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كَرِهْته، فَقُلْت لِغُلَامِ كَانَ لِي عَرَبِيّ، وَكَانَ رَاعِيًا لِإِبِلِي: لَا أَبَا لَك، أَعْدِدْ لِي مِنْ إبِلِي أَجَمَالًا ذُلُلًا سِمَانًا، فَاحْتَبِسْهَا قَرِيبًا مِنّي، فَإِذَا سَمِعْتَ بِجَيْشِ لِمُحَمّدِ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنّي، فَفَعَلَ، ثُمّ إنّهُ أَتَانِي ذات ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غَدَاةٍ، فَقَالَ: يَا عَدِيّ مَا كُنْتَ صَانِعًا إذَا غَشِيَتْك خَيْلُ مُحَمّدٍ، فَاصْنَعْهُ الْآنَ، فَإِنّي قَدْ رَأَيْت رَايَاتٍ، فَسَأَلْت عَنْهَا، فَقَالُوا: هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمّدٍ. قَالَ: فَقُلْت: فَقَرّبْ إلَيّ أَجْمَالِي، فَقَرّبَهَا، فَاحْتَمَلْت بِأَهْلِي وَوَلَدِي، ثُمّ قُلْت: أَلْحَقُ بأهل دينى من النّصارى بالشام فلكت الْجَوْشِيّةَ، وَيُقَالُ الْحَوْشِيّةُ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَخَلّفْت بِنْتًا لِحَاتِمِ فِي الْحَاضِرِ، فَلَمّا قَدِمْت الشام أقمت بها. وَتُخَالِفُنِي خَيْلٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَتُصِيبُ ابْنَةَ حَاتِمٍ، فِيمَنْ أَصَابَتْ، فَقُدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى سبايا من طىّء، وَقَدْ بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَرَبِي إلَى الشّامِ، قَالَ فَجُعِلَتْ بِنْتُ حَاتِمٍ فِي حَظِيرَةٍ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، كَانَتْ السّبَايَا يُحْبَسْنَ فِيهَا، فَمَرّ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَامَتْ إلَيْهِ، وَكَانَتْ امْرَأَةً جَزْلَةً، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيّ، مَنّ اللهُ عَلَيْك. قَالَ: وَمَنْ وَافِدُك؟ قَالَتْ: عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: الْفَارّ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَتْ: ثُمّ مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركنى، حتى إذا كان من الغد مرّبى، فَقُلْت لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ بِالْأَمْسِ. قَالَتْ: حَتّى إذَا كَانَ بعد الغد مرّبى وَقَدْ يَئِسْت مِنْهُ، فَأَشَارَ إلَيّ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ أَنْ قَوْمِي فَكَلّمِيهِ؛ قَالَتْ: فَقُمْت إلَيْهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيّ، مَنّ اللهُ عَلَيْك؛ فَقَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَلَا تَعْجَلِي بِخُرُوجِ حَتّى تَجِدِي مِنْ قَوْمِك مَنْ يَكُونُ لَك ثِقَةً، حَتّى يُبَلّغُك إلَى بِلَادِك، ثُمّ آذِنِينِي. فَسَأَلْت عَنْ الرّجُلِ الّذِي أَشَارَ إلَيّ أَنْ أُكَلّمَهُ، فَقِيلَ: عَلِيّ بْنُ أَبِي طالب رضوان ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام عدى

اللهِ عَلَيْهِ، وَأَقَمْت حَتّى قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَلِيّ أَوْ قُضَاعَةَ، قَالَتْ: وَإِنّمَا أُرِيدُ أَنْ آتِيَ أَخِي بِالشّامِ. قَالَتْ: فَجِئْت رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِي، لِي فِيهِمْ ثِقَةٌ وَبَلَاغٌ. قَالَتْ: فَكَسَانِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَحَمَلَنِي، وَأَعْطَانِي نَفَقَةً، فخرجت معهم حتى قدمت الشام. قال عدىّ: فو الله إنّي لَقَاعِدٌ فِي أَهْلِي، إذْ نَظَرْت إلَى ظَعِينَةٍ تَصُوبُ إلَيّ تُؤْمِنَا، قَالَ: فَقُلْت ابْنَةُ حَاتِمٍ، قَالَ: فَإِذَا هِيَ هِيَ، فَلَمّا وَقَفَتْ عَلَيّ انْسَحَلَتْ تَقُول: الْقَاطِعُ الظّالِمُ، احْتَمَلْتَ بِأَهْلِك وَوَلَدِك، وَتَرَكْت بَقِيّةَ وَالِدِك عَوْرَتَك، قَالَ: قُلْت: أى أخيّة، لا تقولى إلا خيرا، فو الله مالى مِنْ عُذْرٍ، لَقَدْ صَنَعْتُ مَا ذَكَرْت. قَالَ: ثُمّ نَزَلَتْ فَأَقَامَتْ عِنْدِي، فَقُلْت لَهَا: وَكَانَتْ امْرَأَةً حَازِمَةً، مَاذَا تَرَيْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ؟ قَالَتْ: أَرَى وَاَللهِ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ سَرِيعًا، فَإِنْ يَكُنْ الرّجُلُ نَبِيّا فَلِلسّابِقِ إلَيْهِ فَضْلُهُ، وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا فَلَنْ تَذِلّ فِي عِزّ الْيَمَنِ، وَأَنْتَ أَنْتَ. قَالَ: قُلْت: وَاَللهِ إن هذا الرأى. [إسلام عدىّ] قال: فَخَرَجْت حَتّى أَقْدَمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْت عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ، فَسَلّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ الرّجُلُ؟ فَقُلْت: عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ؛ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ بِي إلَى بيته، فو الله إنّهُ لَعَامِدٌ بِي إلَيْهِ، إذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضعيفة كبيرة، فاستوقفته، فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلًا تُكَلّمُهُ فِي حَاجَتِهَا؛ قَالَ: قُلْت فِي نَفْسِي: وَاَللهِ مَا هَذَا بِمَلِكِ؛ قَالَ: ثُمّ مَضَى بِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا دَخَلَ بِي بَيْتَهُ، تَنَاوَلَ وِسَادَةً ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقوع ما وعد به الرسول عديا

مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوّةٍ لِيفًا، فَقَذَفَهَا إلَيّ؛ فَقَالَ: اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ، قَالَ: قُلْت: بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا، فَقَالَ: بَلْ أَنْتَ، فَجَلَسْت عَلَيْهَا، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالْأَرْضِ؛ قَالَ: قُلْت فِي نَفْسِي: وَاَللهِ مَا هَذَا بِأَمْرِ مَلِكٍ، ثُمّ قَالَ: إيِهِ يَا عدتى بْنَ حَاتِمٍ! أَلَمْ تَكُ رَكُوسِيّا؟ قَالَ: قُلْت: بَلَى. (قَالَ) : أَوْ لَمْ تَكُنْ تَسِيرُ فِي قَوْمِك بِالْمِرْبَاعِ؟ قَالَ: قُلْت: بَلَى، قَالَ: فَإِنّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَحِلّ لَك فِي دِينِك؛ قَالَ: قُلْت: أَجَلْ وَاَللهِ، وَقَالَ: وَعَرَفْت أَنّهُ نَبِيّ مُرْسَلٌ، يَعْلَمُ مَا يُجْهَلُ، ثُمّ قَالَ: لَعَلّك يَا عَدِيّ إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ فِي هَذَا الدّينِ مَا تَرَى مِنْ حَاجَتِهِمْ، فو الله لَيُوشِكَنّ الْمَالُ أَنْ يَفِيضَ فِيهِمْ حَتّى لَا يوجد من يأخذه؛ وَلَعَلّك إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ فِيهِ مَا ترى من كثرة عدوّهم وقلة عددهم، فو الله لِيُوشِكَنّ أَنْ تَسْمَعَ بِالْمَرْأَةِ تَخْرَجُ مِنْ الْقَادِسِيّةِ عَلَى بَعِيرِهَا (حَتّى) تَزُورَ هَذَا الْبَيْتَ، لَا تَخَافُ؛ وَلَعَلّك إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ فِيهِ أَنّك تَرَى أَنّ الْمُلْكَ وَالسّلْطَانَ فِي غَيْرِهِمْ، وَاَيْمُ اللهِ لَيُوشِكَنّ أَنّ تَسْمَعَ بِالْقُصُورِ الْبِيضِ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ؛ قَالَ: فَأَسْلَمْت. [وُقُوعُ مَا وَعَدَ بِهِ الرّسُولُ عَدِيّا] وَكَانَ عَدِيّ يَقُولُ: قَدْ مَضَتْ اثْنَتَانِ وَبَقِيَتْ الثّالِثَةُ، وَاَللهِ لَتَكُونَنّ، قَدْ رَأَيْت الْقُصُورَ الْبِيضَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ، وَقَدْ رَأَيْت الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْقَادِسِيّةِ عَلَى بَعِيرِهَا لَا تَخَافُ حَتّى تَحُجّ هَذَا الْبَيْتَ، وَاَيْمُ اللهِ لَتَكُونَنّ الثّالِثَةُ، لَيَفِيضَنّ الْمَالُ حَتّى لَا يُوجَدَ مَنْ يأخذه. [قُدُومُ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيّ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ الْمُرَادّيّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ، وَمُبَاعِدًا لَهُمْ، إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ كَانَ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ بَيْنَ مُرَادَ وَهَمْدَانَ وَقْعَةٌ، أَصَابَتْ فِيهَا هَمْدَانُ مِنْ مُرَادَ مَا أَرَادُوا، حَتّى أَثْخَنُوهُمْ فِي يَوْمٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ: يَوْمَ الرّدْمِ، فَكَانَ الّذِي قَادَ هَمْدَانَ إلَى مُرَادَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الّذِي قَادَ هَمْدَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَالِكُ بْنُ حَرِيمٍ الْهَمْدَانِيّ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ فروة بن مسيك: مَرَرْنَا عَلَى لُفَاةَ وَهُنّ خَوْصٌ ... يُنَازِعْنَ الْأَعِنّةَ يَنْتَحِينَا فَإِنْ نَغْلِبْ فَغَلّابُونَ قِدْمًا ... وَإِنْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلّبِينَا وَمَا إنْ طِبّنَا جُبْنٌ وَلَكُنّ ... منايانا وطعمة آخرينا كذاك لدّهر دَوْلَتُهُ سِجَالٌ ... تَكُرّ صُرُوفُهُ حِينًا فَحِينًا فَبَيْنَا مَا نُسَرّ بِهِ وَنَرْضَى ... وَلَوْ لُبِسَتْ غَضَارَتُهُ سِنِينَا إذْ انْقَلَبَتْ بِهِ كَرّاتُ دَهْرٍ ... فَأَلْفَيْتَ الْأُلَى غُبِطُوا طَحِينًا فَمَنْ يُغْبَطْ بِرَيْبِ الدّهْرِ مِنْهُمْ ... يَجِدْ رَيْبَ الزّمَانِ لَهُ خَئُونًا فَلَوْ خَلَدَ الْمُلُوكُ إذَنْ خَلَدْنَا ... وَلَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إذَنْ بَقِينَا فَأَفْنَى ذَلِكُمْ سَرَوَاتِ قَوْمِي ... كَمَا أَفْنَى الْقُرُونَ الْأَوّلِينَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوّلُ بَيْتٍ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ: «فَإِنْ نَغْلِبْ» عَنْ غَيْرِ ابن إسحاق. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قدوم فروة على الرسول وإسلامه

[قُدُومُ فَرْوَةَ عَلَى الرّسُولِ وَإِسْلَامُهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا تَوَجّهَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ، قَالَ: لَمّا رَأَيْتُ مُلُوكَ كِنْدَةَ أَعَرَضَتْ ... كَالرّجُلِ خَانَ الرّجُلَ عَرَقَ نَسَائِهَا قَرّبْتُ راحلتى أؤمّ محمّدا ... أرجو فواضلها وحسن ثرائها قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: «أَرْجُو فَوَاضِلَهُ وَحُسْنَ ثَنَائِهَا» . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فِيمَا بَلَغَنِي: يَا فَرْوَةُ، هَلْ سَاءَك مَا أَصَابَ قَوْمَك يَوْمَ الرّدْمِ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ ذَا يُصِيبُ قَوْمَهُ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمِي يَوْمَ الرّدْمِ لَا يسوؤه ذَلِكَ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُ: أَمَا إنّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ قَوْمَك فِي الْإِسْلَامِ إلّا خَيْرًا. وَاسْتَعْمَلَهُ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مُرَادَ وَزُبَيْدٍ وَمَذْحِجٍ كُلّهَا، وَبَعَثَ مَعَهُ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الصّدَقَةِ، فَكَانَ مَعَهُ فِي بِلَادِهِ حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [قُدُومُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ فِي أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ] وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يكرب فى أتاس مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ، فَأَسْلَمَ؛ وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ قَالَ لِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ الْمُرَادِيّ، حِينَ انْتَهَى إلَيْهِمْ أَمْرُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: يَا قَيْسُ، إنّك سَيّدُ قَوْمِك، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمّدٌ قَدْ خَرَجَ بِالْحِجَازِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يَقُولُ إنّهُ نَبِيّ، فَانْطَلِقْ بِنّا إلَيْهِ حَتّى نَعْلَمَ عِلْمَهُ، فَإِنْ كَانَ نَبِيّا كَمَا يَقُولُ فَإِنّهُ لَنْ يَخْفَى عَلَيْك، وَإِذَا لَقَيْنَاهُ اتّبَعْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ عَلِمْنَا عِلْمَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ قَيْسٌ ذَلِكَ، وَسَفّهُ رَأْيَهُ، فَرَكِبَ عَمْرُو بن معديكرب حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَسْلَمَ، وَصَدّقَهُ، وَآمَنَ بِهِ. فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ قَيْسَ بْنَ مَكْشُوحٍ أَوْعَدَ عَمْرًا، وتحطّم عليه، وقال: خالفى وترك رأيى؛ فقال عمرو بن معديكرب فى ذلك: أمرتك يوم ذى صنعاء أَمْرًا بَادِيًا رُشْدَهْ ... أَمَرْتُكَ بِاتّقَاءِ اللهِ وَالْمَعْرُوفِ تَتّعِدُهْ خَرَجْتُ مِنْ الْمُنَى مِثْلَ الْحُمَيّرِ غَرّهُ وَتِدُهْ ... تَمُنّانِي عَلَى فَرَسٍ عَلَيْهِ جَالِسًا أُسْدُهْ عَلَيّ مُفَاضَةٌ كَالنّهْيِ أَخَلَصَ مَاءَهُ جَدَدُهْ ... تَرُدّ الرّمْحَ مُنْثَنَى السّنَانِ عَوَائِرًا قِصَدُهْ فَلَوْ لَاقَيْتَنِي لَلَقِيتُ لَيْثًا فَوْقَهُ لِبَدُهْ ... تُلَاقِي شَنْبَثًا شَثْنَ البرائن نَاشِزًا كَتَدُهْ يُسَامَى الْقِرْنَ إنْ قِرْنٌ تَيَمّمُهُ فَيَعْتَضِدُهْ ... فَيَأْخُذُهُ فَيَرْفَعُهُ فَيَخْفِضُهُ فَيَقْتَصِدُهْ فَيَدْمَغُهُ فَيَحْطِمُهُ فَيَخْضِمهُ فَيَزْدَرِدُهْ ... ظَلُومَ الشّرَكِ فِيمَا أَحْرَزَتْ أَنْيَابُهُ ويده ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ارتداده وشعره فى ذلك

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ: أَمَرْتُكَ يوم ذى صنعاء أَمْرًا بَيّنًا رُشْدُهُ ... أَمَرْتُكَ بِاتّقَاءِ اللهِ تَأْتِيهِ وتتّعده فكنت كذى الحميّر غرّره ممّا به وتده لم يعرف سائرها. [ارتداده وشعره فى ذلك] قال ابن إسحاق: فأقام عمرو بن معديكرب فى قومه من بنى زبيدة وعليهم فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ. فَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ارتدّ عمرو ابن معديكرب، وَقَالَ حِينَ ارْتَدّ: وَجَدْنَا مُلْكَ فَرْوَةَ شَرّ مُلْكٍ ... حِمَارًا سَافَ مُنْخُرَهُ بِثَفْرِ وَكُنْتَ إذَا رَأَيْتَ أَبَا عُمَيْرٍ ... تَرَى الْحُوَلَاءَ مِنْ خَبَثٍ وَغَدْرٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «بِثَفْرِ» عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. [قُدُومُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأشعث ابن قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ، فَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ بْنُ شِهَابٍ أَنّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ كِنْدَةَ، فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجده وقد رجّلوا جمعهم وَتَكَحّلُوا، وَعَلَيْهِمْ جُبَبُ الْحِبَرَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَقَدْ كَفّفُوهَا بِالْحَرِيرِ، فَلَمّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَمْ تسلموا؟ قالوا: بلى، قال: فمال بَالُ هَذَا الْحَرِيرِ فِي أَعْنَاقِكُمْ؟ قَالَ: فَشَقّوهُ منها، فالقوه. ثُمّ قَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللهِ: نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، وأنت ابن آكل الْمُرَارِ، قَالَ: فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَقَالَ: نَاسَبُوا بِهَذَا النّسَبِ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَرَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ، وَكَانَ الْعَبّاسُ وَرَبِيعَةُ رَجُلَيْنِ، تَاجِرَيْنِ وَكَانَا إذَا شَاعَا فِي بَعْضِ الْعَرَبِ، فَسُئِلَا مِمّنْ هُمَا؟ قَالَا: نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، يَتَعَزّزَانِ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنّ كِنْدَةَ كَانُوا مُلُوكًا. ثُمّ قَالَ لَهُمْ: لَا، بَلْ نَحْنُ بَنُو النّضْر بن كنانة، لَا نَقْفُو أُمّنَا، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: هَلْ فَرَغْتُمْ يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ؟ وَاَللهِ لَا أَسْمَعُ رَجُلًا يَقُولُهَا إلّا ضَرَبْته ثمانين. قال ابن هشام: الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: هَلْ فَرَغْتُمْ يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ؟ وَاَللهِ لَا أَسْمَعُ رَجُلًا يَقُولُهَا إلّا ضربته ثمانين. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ وَلَد آكِلِ الْمُرَارِ مِنْ قِبَلِ النّسَاءِ، وَآكِلُ الْمُرَارِ: الْحَارِثُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُجْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ مُرَتّعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ كِنْدِيّ، وَيُقَالُ كِنْدَةَ، وَإِنّمَا سُمّيَ آكِلَ الْمُرَارِ، لِأَنّ عَمْرَو بْنَ الْهَبُولَةِ الْغَسّانِيّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ الْحَارِثُ غَائِبًا، فَغَنِمَ وَسَبَى، وَكَانَ فِيمَنْ سَبَى أُمّ أُنَاسَ بِنْتُ عَوْفِ بْنِ مُحَلّمٍ الشّيْبَانِيّ، امْرَأَةُ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَتْ لِعَمْرِو فِي مَسِيرِهِ: لَكَأَنّي بِرَجُلِ أَدْلَمْ أَسْوَدَ، كَأَنّ مَشَافِرَهُ مَشَافِرُ بَعِيرِ آكِلِ مُرَارٍ قَدْ أَخَذَ بِرِقْبَتِك، تَعْنِي: الْحَارِثَ، فَسُمّيَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قدوم صرد بن عبد الله الأزدى

آكِلَ الْمُرَارِ، وَالْمُرَارُ: شَجَرٌ. ثُمّ تَبِعَهُ الْحَارِثُ فِي بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَلَحِقَهُ، فَقَتَلَهُ، وَاسْتَنْقَذَ امْرَأَتَهُ، وَمَا كَانَ أَصَابَ. فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلّزَةَ الْيَشْكُرِيّ لِعَمْرِو بْنِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ اللّخْمِيّ: وَأَقَدْنَاكَ رَبّ غَسّانَ بِالْمُنْذِرِ ... كَرْهًا إذْ لَا تُكَالُ الدّمَاءُ لِأَنّ الْحَارِثَ الْأَعْرَجَ الْغَسّانِيّ قَتَلَ الْمُنْذِرُ أَبَاهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَطْوَلُ مما ذكرت، وإنما منعني من استقصائه ما ذَكَرْت مِنْ الْقَطْعِ. وَيُقَالُ بَلْ آكِلُ الْمُرَارِ: حُجْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِنّمَا سُمّيَ آكِلَ الْمُرَارِ، لِأَنّهُ أَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ شَجَرًا يقال له المرار. [قدوم صرد بن عبد الله الأزدى] [إسلامه] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَزْدِيّ، فَأَسْلَمَ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، فِي وَفْدٍ مِنْ الْأَزْدِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ. وأمره أَنْ يُجَاهِدَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَنْ كَانَ يَلِيهِ من أهل الشرك، من قبل اليمن. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قتاله أهل جرش

[قتاله أهل جرش] فَخَرَجَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَسِيرُ بِأَمْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نَزَلَ بِجُرَشَ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ مَدِينَةٌ مُعَلّقَةٌ، وَبِهَا قَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، وَقَدْ ضَوَتْ إلَيْهِمْ خَثْعَمُ، فَدَخَلُوهَا مَعَهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِسَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ، فَحَاصَرُوهُمْ فِيهَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، وَامْتَنَعُوا فِيهَا مِنْهُ، ثُمّ إنّهُ رَجَعَ عَنْهُمْ قَافِلًا، حَتّى إذَا كَانَ إلَى جَبَلٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ شَكْرُ، ظَنّ أَهْلُ جُرَشَ أَنّهُ إنّمَا وَلّى عَنْهُمْ مُنْهَزِمًا، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، حَتّى إذَا أَدْرَكُوهُ عَطَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَهُمْ قَتْلًا شَدِيدًا. [إخْبَارُ الرّسُولِ وَافِدِي جُرَشَ بِمَا حَدّثَ لِقَوْمِهَا] وَقَدْ كَانَ أَهْلُ جَرْش بَعَثُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة يرتادان وينظران؛ فبيناهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عَشِيّةً بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، إذْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِأَيّ بِلَادِ اللهِ شَكْرُ؟ فَقَامَ إلَيْهِ الْجُرَشِيّانِ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللهِ، بِبِلَادِنَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ كَشْرُ؛ وَكَذَلِكَ يُسَمّيهِ أَهْلُ جُرَشَ، فَقَالَ: إنّهُ لَيْسَ بِكَشْرَ، وَلَكِنّهُ شَكْرُ؛ قَالَا: فَمَا شَأْنُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: إنّ بُدْنَ اللهِ لَتُنْحَرُ عِنْدَهُ الْآنَ، قَالَ: فَجَلَسَ الرّجُلَانِ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَوْ إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُمَا: وَيْحَكُمَا! أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيَنْعَى لَكُمَا قَوْمكُمَا، فَقُومَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْأَلَاهُ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْ قَوْمِكُمَا؛ فَقَامَا إلَيْهِ، فَسَأَلَاهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: اللهُمّ ارْفَعْ عَنْهُمْ، فَخَرَجَا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام أهل جرش

إلَى قَوْمِهِمَا، فَوَجَدَا قَوْمَهُمَا قَدْ أُصِيبُوا يَوْمَ أَصَابَهُمْ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فِي الْيَوْمِ الّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، وَفِي السّاعَةِ الّتِي ذكر فيها ما ذكر. [إسْلَامُ أَهْلِ جُرَشَ] وَخَرَجَ وَفْدُ جُرَشَ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فأسلموا، وحمى لهم حَوْلَ قَرْيَتِهِمْ، عَلَى أَعْلَامٍ مَعْلُومَةٍ، لِلْفَرَسِ وَالرّاحِلَةِ وَلِلْمُثِيرَةِ، بَقَرَةُ الْحَرْثِ، فَمَنْ رَعَاهُ مِنْ النّاسِ فَمَا لَهُمْ سُحْتٌ. فَقَالَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ رَجُلٌ مِنْ الْأَزْدِ: وَكَانَتْ خَثْعَمُ تُصِيبُ مِنْ الْأَزْدِ فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَكَانُوا يَعْدُونَ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ: يَا غَزْوَةً مَا غَزَوْنَا غَيْرَ خَائِبَةٍ ... فِيهَا الْبِغَالُ وَفِيهَا الْخَيْلُ وَالْحُمُرُ حَتّى أَتَيْنَا حُمَيْرًا فِي مَصَانِعِهَا ... وَجَمْعَ خَثْعَمَ قَدْ شَاعَتْ لَهَا النّذُرُ إذَا وَضَعَتْ غَلِيلًا كُنْتُ أَحْمِلُهُ ... فَمَا أُبَالِي أَدَانُوا بَعْدُ أَمْ كَفَرُوا [قُدُومُ رسول ملوك حمير بكتابهم] [قدوم رسول ملوك حمير] وقدم عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَرَ، مَقْدَمَهُ مِنْ تَبُوكَ، وَرَسُولُهُمْ إلَيْهِ بِإِسْلَامِهِمْ، الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ كُلَالٍ، ونعيم ابن عَبْدِ كُلَالٍ. وَالنّعْمَانُ قَيْلُ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وهمدان؛ وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرّة الرّهاوى بإسلامهم، ومفارقتهم الشرك وأهله. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كتاب الرسول إليهم

[كتاب الرسول إليهم] فَكَتَبَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ: مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ الله النبى، إلى الحارث ابن عَبْدِ كُلَالٍ، وَإِلَى نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَإِلَى النّعْمَانِ، قَيْلِ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ. أَمّا بَعْدُ ذَلِكُمْ، فَإِنّي أَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ، أَمّا بَعْدُ، فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم، فلقينا بالمدينة، فبلّغ ما أرسلتم به، وخبّرنا مَا قَبْلَكُمْ، وَأَنْبَأْنَا بِإِسْلَامِكُمْ وَقَتْلِكُمْ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنّ اللهَ قَدْ هَدَاكُمْ بِهُدَاهُ، إنْ أَصْلَحْتُمْ وَأَطَعْتُمْ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَقَمْتُمْ الصّلَاةَ، وَآتَيْتُمْ الزّكَاةَ، وَأَعْطَيْتُمْ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللهِ، وَسَهْمَ الرّسُولِ وَصَفِيّهُ، وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الصّدَقَةِ مِنْ الْعَقَارِ، عُشْرَ مَا سَقَتْ الْعَيْنُ وَسَقَتْ السّمَاءُ، وَعَلَى مَا سَقَى الْغَرْبُ نِصْفُ الْعُشْرِ: وَأَنّ فِي الْإِبِلِ الْأَرْبَعِينَ ابْنَةَ لَبُونٍ، وَفِي ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، وَفِي كُلّ خُمُسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي كُلّ عَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ، وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ؛ وَفِي كُلّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ، جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ؛ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةٌ وَحْدَهَا، شَاةٌ، وَأَنّهَا فَرِيضَةُ اللهِ الّتِي فَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَةِ؛ فَمَنْ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَمَنْ أَدّى ذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَى إسْلَامِهِ، وَظَاهَرَ الْمُؤْمِنِينَ على المشركين، فإنه من المؤمنين، له سالهم، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَلَهُ ذِمّةُ اللهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ، وَإِنّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ، فَإِنّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وصية الرسول معاذا حين بعثه إلى اليمن

وَمَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيّتِهِ أَوْ نَصْرَانِيّتِهِ فَإِنّهُ لَا يُرَدّ عَنْهَا، وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، عَلَى كُلّ حَالٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرّ أَوْ عَبْدٍ، دِينَارٌ وَافٍ، مِنْ قِيمَةِ الْمَعَافِرِ أَوْ عِوَضُهُ ثِيَابًا، فَمَنْ أَدّى ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنّ لَهُ ذِمّةُ اللهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ، وَمَنْ مَنَعَهُ فَإِنّهُ عَدُوّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ. أَمّا بَعْدُ، فَإِنّ رَسُولَ اللهِ مُحَمّدًا النّبِيّ أَرْسَلَ إلَى زُرْعَةَ ذِي يَزَنٍ أَنْ إذَا أَتَاكُمْ رُسُلِي فَأُوصِيكُمْ بِهِمْ خَيْرًا: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ، وَمَالِكُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعُقْبَةُ بْنُ نَمِرٍ. وَمَالِكُ بن مرّة، وأصحابهم وَأَنْ اجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنْ الصّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ مِنْ مُخَالِيفِكُمْ، وَأَبْلِغُوهَا رُسُلِي، وَأَنّ أَمِيرَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَا يَنْقَلِبَنّ إلّا رَاضِيًا. أَمّا بَعْدُ. فَإِنّ مُحَمّدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَأَنّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمّ إنّ مَالِكَ بْنَ مُرّةَ الرّهَاوِيّ قَدْ حَدّثَنِي أَنّك أَسْلَمْتَ مِنْ أَوّلِ حِمْيَرَ، وَقَتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَبْشِرْ بِخَيْرِ وَآمُرُك بِحِمْيَرَ خَيْرًا، وَلَا تَخُونُوا وَلَا تَخَاذَلُوا، فَإِنّ رَسُولَ اللهِ هُوَ وَلِيّ غَنِيّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ، وَأَنّ الصّدَقَةَ لَا تَحِلّ لِمُحَمّدِ وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِهِ، إنّمَا هِيَ زَكَاةٌ يُزَكّى بِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَابْنِ السّبِيلِ، وَأَنّ مَالِكًا قَدْ بَلّغَ الْخَبَرَ، وَحَفِظَ الْغَيْبَ، وَآمُرُكُمْ بِهِ خَيْرًا، وَإِنّي قَدْ أَرْسَلْتُ إلَيْكُمْ مِنْ صَالِحِي أَهْلِي وَأُولِي دِينِهِمْ وَأُولِي عِلْمِهِمْ، وَآمُرُك بِهِمْ خَيْرًا، فَإِنّهُمْ مَنْظُورٌ إلَيْهِمْ، وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وبركاته. [وَصِيّةُ الرّسُولِ مُعَاذًا حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ] [بعث الرسول معاذا على اليمن وشىء من أمره بها] قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَعَثَ مُعَاذًا، أَوْصَاهُ وَعَهِدَ إلَيْهِ، ثُمّ قَالَ لَهُ: يَسّرْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام فروة بن عمرو الجذامى

وَلَا تُعَسّرْ، وَبَشّرْ وَلَا تُنَفّرْ، وَإِنّك سَتَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، يَسْأَلُونَك مَا مِفْتَاحُ الْجَنّةِ؛ فَقُلْ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مُعَاذٌ، حَتّى إذَا قَدِمَ الْيَمَنَ قَامَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَتْ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ، مَا حَقّ زَوْجِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: وَيْحَك! إنّ الْمَرْأَةَ لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُؤَدّيَ حَقّ زَوْجِهَا، فَأَجْهِدِي نَفْسَك فِي أَدَاءِ حَقّهِ مَا اسْتَطَعْت، قَالَتْ: وَاَللهِ لَئِنْ كُنْت صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّك لَتَعْلَمُ مَا حَقّ الزّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ. قَالَ: وَيْحَك! لَوْ رَجَعْت إلَيْهِ فَوَجَدْته تَنْثَعِبُ مَنْخِرَاهُ قَيْحًا وَدَمًا، فَمَصَصْت ذَلِكَ حَتّى تُذْهِبِيهِ مَا أَدّيْت حَقّهُ. [إسلام فروة بن عمرو الجذامى] [إسلامه] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَعَثَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو النّافِرَةَ الْجُذَامِيّ، ثُمّ النّفَاثِيّ، إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا بِإِسْلَامِهِ، وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَانَ فَرْوَةُ عَامِلًا لِلرّومِ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْعَرَبِ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ معان وما حولها من أرض الشام. [حبس الروم له وشعره فى محبسه] فَلَمّا بَلَغَ الرّومَ ذَلِكَ مِنْ إسْلَامِهِ، طَلَبُوهُ حَتّى أَخَذُوهُ، فَحَبَسُوهُ عِنْدَهُمْ، فَقَالَ فِي مَحْبِسِهِ ذلك: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقتله

طَرَقَتْ سُلَيْمَى مَوْهِنًا أَصْحَابِي ... وَالرّومُ بَيْنَ الْبَابِ وَالْقِرْوَانِ صَدّ الْخَيّالُ وَسَاءَهُ مَا قَدْ رَأَى ... وَهَمَمْتُ أَنْ أُغْفِي وَقَدْ أَبْكَانِي لَا تَكْحَلِنّ الْعَيْنَ بَعْدِي إثْمِدًا ... سَلْمَى وَلَا تَدِيَنّ لِلْإِتْيَانِ وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَبَا كُبَيْشَةَ أَنّنِي ... وَسْطَ الْأَعِزّةِ لَا يُحَصْ لِسَانِي فَلَئِنْ هَلَكْتُ لَتَفْقِدُنّ أَخَاكُمْ ... وَلَئِنْ بَقِيتُ لَتَعْرِفُنّ مَكَانِي وَلَقَدْ جَمَعْتُ أَجَلّ مَا جَمَعَ الْفَتَى ... مِنْ جَوْدَةٍ وَشَجَاعَةٍ وَبَيَانِ فَلَمّا أَجَمَعَتْ الرّومُ لِصَلْبِهِ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ، يقال له عفراء بفلسطين، قال: أَلَا هَلْ أَتَى سَلْمَى بِأَنّ حَلِيلَهَا ... عَلَى مَاءِ عَفْرَا فَوْقَ إحْدَى الرّوَاحِلِ عَلَى نَاقَةٍ لَمْ يَضْرِبْ الْفَحْلُ أُمّهَا ... مُشّذّبَةٌ أَطْرَافُهَا بِالْمَنَاجِلِ [مقتله] فزعم الزهرىّ بن شِهَابٍ، أَنّهُمْ لَمّا قَدّمُوهُ لِيَقْتُلُوهُ. قَالَ: بَلّغْ سَرَاةَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنّنِي ... سَلْمٌ لِرَبّي أَعْظُمِي وَمَقَامِي ثُمّ ضَرَبُوا عُنُقَهُ، وَصَلَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، يَرْحَمُهُ اللهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسلام بنى الحارث بن كعب على يدى خالد بن الوليد لما سار إليهم

[إسْلَامُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ عَلَى يَدَيْ خالد بن الوليد لما سار إليهم] [دعوة خالد الناس إلى الإسلام وإسلامهم] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ أَوْ جُمَادَى الْأُولَى، سَنَةَ عَشْرٍ، إلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ بِنَجْرَانَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ ثَلَاثًا، فَإِنْ اسْتَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَاتِلِهِمْ. فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَبَعَثَ الرّكْبَانُ يَضْرِبُونَ فِي كُلّ وَجْهٍ، وَيَدْعُونَ إلَى الْإِسْلَامِ، وَيَقُولُونَ: أَيّهَا النّاسُ، أَسْلِمُوا تُسْلَمُوا. فَأَسْلَمَ النّاسُ، وَدَخَلُوا فِيمَا دُعُوا إلَيْهِ، فَأَقَامَ فِيهِمْ خَالِدٌ يُعَلّمُهُمْ الْإِسْلَامَ وَكِتَابَ اللهِ وَسُنّةَ نَبِيّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَبِذَلِكَ كَانَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ هُمْ أَسْلَمُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا. ثم كَتَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، السّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَإِنّي أَحْمَدُ إلَيْك اللهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ، أَمّا بَعْدُ، يَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْك، فَإِنّك بَعَثْتنِي إلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وَأَمَرْتنِي إذَا أَتَيْتهمْ أَلّا أُقَاتِلَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ، وَأَنْ أَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَسْلَمُوا أَقَمْت فِيهِمْ، وَقَبِلْت مِنْهُمْ، وَعَلّمْتهمْ مَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَكِتَابَ اللهِ وَسُنّةَ نَبِيّهِ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا قَاتَلْتهمْ. وَإِنّي قَدِمْت عَلَيْهِمْ فَدَعَوْتهمْ إلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ، كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعثت ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كتاب الرسول إلى خالد يأمره بالمجىء

فِيهِمْ رُكْبَانًا، قَالُوا: يَا بَنِي الْحَارِثِ، أَسَلِمُوا تُسْلَمُوا، فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا، وَأَنَا مُقِيمٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، آمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ اللهُ بِهِ وَأَنْهَاهُمْ عَمّا نَهَاهُمْ اللهُ عَنْهُ، وَأُعَلّمُهُمْ مَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَسُنّةَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى يَكْتُبَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالسّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. [كِتَابُ الرّسُولِ إلَى خَالِدٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَجِيءِ] فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ: مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ رَسُولِ اللهِ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ. سَلَامٌ عَلَيْك، فَإِنّي أَحْمَدُ إلَيْك اللهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ. أَمّا بَعْدُ، فَإِنّ كِتَابَك جَاءَنِي مَعَ رَسُولِك تُخْبِرُ أَنّ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ تُقَاتِلَهُمْ، وَأَجَابُوا إلَى مَا دَعَوْتهمْ إلَيْهِ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَشَهِدُوا أَنْ لَا إلَه إلّا اللهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ قَدْ هَدَاهُمْ اللهُ بِهُدَاهُ، فَبَشّرْهُمْ وَأَنْذِرْهُمْ، وَأَقْبِلْ وَلْيُقْبِلْ مَعَك وفدهم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. [قدوم خالد مع وفدهم على الرسول] فَأَقْبَلَ خَالِدٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ مَعَهُ وَفْدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، مِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ الْحُصَيْنِ ذِي الْغُصّةِ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ، وَيَزِيدُ بْنُ المحجّل، وعبد الله بن قرد الزّيَادِيّ؛ وَشَدّادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْقَنَانِيّ، وَعَمْرُو بن عبد الله الضبابى. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث وفدهم مع الرسول

[حديث وفدهم مع الرسول] فلما قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَآهُمْ، قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الّذِينَ كَأَنّهُمْ رِجَالُ الْهِنْدِ؟ قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، هؤلاء رجال بنى الحارث ابن كَعْبٍ؛ فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلّمُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللهِ، وَأَنّهُ لَا إلَهَ إلّا اللهُ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَأَنّي رَسُولُ اللهِ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتُمْ الّذِينَ إذَا زُجِرُوا اُسْتُقْدِمُوا؟ فَسَكَتُوا، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمّ أَعَادَهَا الثّانِيَةَ، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمّ أَعَادَهَا الثّالِثَةَ، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمّ أَعَادَهَا الرّابِعَةَ، فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ، نَحْنُ الّذِينَ إذَا زُجِرُوا اُسْتُقْدِمُوا، قَالَهَا أَرْبَعَ مِرَارٍ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنّ خَالِدًا لَمْ يَكْتُبْ إلَيّ أَنّكُمْ أسلمتم ولم نقاتلوا، لألقيت رؤسكم تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ؛ فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ: أَمَا وَاَللهِ مَا حَمِدْنَاك وَلَا حَمِدْنَا خَالِدًا، قَالَ: فَمَنْ حَمِدْتُمْ؟ قَالُوا: حَمِدْنَا اللهَ عَزّ وَجَلّ الّذِي هَدَانَا بِك يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَالَ: صَدَقْتُمْ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ؟ قَالُوا: لَمْ نَكُنْ نَغْلِبُ أَحَدًا؛ قَالَ: بَلَى، قَدْ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ؛ قَالُوا: كُنّا نَغْلِبُ مَنْ قَاتَلَنَا يَا رَسُولَ اللهِ إنّا كُنّا نَجْتَمِعُ وَلَا نَفْتَرِقُ، وَلَا نَبْدَأُ أَحَدًا بِظُلْمِ؛ قَالَ: صَدَقْتُمْ، وَأَمّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَيْسَ بْنَ الْحُصَيْنِ. فَرَجَعَ وَفْدُ بَنِي الْحَارِثِ إلَى قَوْمِهِمْ فِي بَقِيّةٍ مِنْ شَوّالٍ، أَوْ فِي صَدْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بعث الرسول عمرو بن حزم بعهده إليهم

ذِي الْقَعَدَةِ، فَلَمْ يَمْكُثُوا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا إلَى قَوْمِهِمْ إلّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَحِمَ وبارك، ورضى وأنعم. [بعث الرسول عمرو بن حزم بعهده إليهم] وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ وَلّى وَفْدُهُمْ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ، لِيُفَقّهَهُمْ فِي الدّينِ، وَيُعَلّمَهُمْ السّنّةَ وَمَعَالِمَ الْإِسْلَامِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ صَدَقَاتِهِمْ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا عَهِدَ إلَيْهِ فِيهِ عَهْدَهُ، وَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ. بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ: هَذَا بيان من الله ورسوله، يا أيها الّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، عَهْدٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ رَسُولِ اللهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ فِي أَمْرِهِ كُلّهِ، فَإِنّ اللهَ مَعَ الّذِينَ اتّقَوْا وَاَلّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَقّ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، وَأَنْ يُبَشّرَ النّاسَ بِالْخَيْرِ، وَيَأْمُرَهُمْ بِهِ، وَيُعَلّمَ النّاسَ الْقُرْآنَ، وَيُفَقّهَهُمْ فِيهِ، وَيَنْهَى النّاسَ، فَلَا يَمَسّ الْقُرْآنَ إنْسَانٌ إلّا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذى لهم، والدى عليهم، ويلين للنّاس فى الحقّ، ويشدّ عَلَيْهِمْ فِي الظّلْمِ، فَإِنّ اللهَ كَرِهَ الظّلْمَ، وَنَهَى عَنْهُ، فَقَالَ: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ، وَيُبَشّرَ النّاسَ بِالْجَنّةِ وَبِعَمَلِهَا، وَيُنْذِرَ النّاسَ النّارَ وَعَمَلَهَا، وَيَسْتَأْلِفَ النّاسَ حَتّى يُفَقّهُوا فِي الدّينِ، وَيُعَلّمَ النّاسَ مَعَالِمَ الْحَجّ وَسُنّتَهُ وَفَرِيضَتَهُ، وَمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ، وَالْحَجّ الْأَكْبَرَ: الْحَجّ الْأَكْبَرَ، وَالْحَجّ الْأَصْغَرَ: هُوَ الْعُمْرَةُ؛ وَيَنْهَى النّاسَ أَنْ يُصَلّيَ أَحَدٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ صَغِيرٍ، إلّا أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا يُثْنِي طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِيهِ؛ وينهى النّاسَ أن يَحْتَبِيَ أَحَدٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إلَى السّمَاءِ، وَيَنْهَى أَنْ يُعَقّصَ أَحَدٌ شَعَرَ رَأْسِهِ فِي قَفَاهُ، وَيَنْهَى إذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بَيْنَ النّاسِ هَيْجٌ عَنْ الدّعَاءِ إلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ، وَلْيَكُنْ دَعَوَاهُمْ إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَمَنْ لَمْ يَدْعُ إلَى اللهِ، وَدَعَا إلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ فَلْيُقْطَفُوا بِالسّيْفِ، حَتّى تَكُونَ دَعْوَاهُمْ إلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيَأْمُرُ النّاسَ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَأَرْجُلَهُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ ويمسحون برؤسهم كَمَا أَمَرَهُمْ اللهُ، وَأَمَرَ بِالصّلَاةِ لِوَقْتِهَا، وَإِتْمَامِ الرّكُوعِ وَالسّجُودِ وَالْخُشُوعِ، وَيُغَلّسُ بِالصّبْحِ، وَيُهَجّرُ بِالْهَاجِرَةِ حِينَ تَمِيلُ الشّمْسُ، وَصَلَاةُ الْعَصْرِ وَالشّمْسُ فِي الْأَرْضِ مُدْبِرَةٌ، وَالْمَغْرِبُ حِينَ يَقْبَلُ اللّيْلُ، لَا يُؤَخّرُ حَتّى تَبْدُوَ النّجُومُ فِي السّمَاءِ، وَالْعِشَاءُ أَوّلُ اللّيْلِ، وَأَمَرَ بِالسّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ إذَا نُودِيَ لَهَا، وَالْغُسْلِ عِنْدَ الرّوَاحِ إلَيْهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللهِ، وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَةِ مِنْ الْعَقَارِ عُشْرَ مَا سَقَتْ الْعَيْنُ وَسَقَتْ السّمَاءُ، وَعَلَى مَا سَقَى الْغَرْبُ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَفِي كُلّ عَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ، وَفِي كُلّ عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ، وَفِي كُلّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةٌ وَحْدَهَا: شَاةٌ، فَإِنّهَا فَرِيضَةُ اللهِ الّتِي افْتَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَةِ، فَمَنْ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَأَنّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ إسْلَامًا خَالِصًا مِنْ نَفْسِهِ، وَدَانَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، لَهُ مِثْلُ مَا لَهُمْ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَى نَصْرَانِيّتِهِ أَوْ يَهُودِيّتِهِ فَإِنّهُ لَا يُرَدّ عَنْهَا، وَعَلَى كُلّ حَالِمٍ: ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرّ أَوْ عَبْدٍ، دِينَارٌ وَافٍ أَوْ عِوَضُهُ ثِيَابًا. فَمَنْ أَدّى ذَلِكَ فَإِنّ لَهُ ذِمّةَ اللهِ وَذِمّةَ رَسُولِهِ، وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ، فَإِنّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قدوم رفاعة بن زيد الجذامى

عَدُوّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَى مُحَمّدٍ، وَالسّلَامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. [قدوم رفاعة بن زيد الجذامى] [إسلامه وحمله كتاب الرسول إلى قومه] وقدم عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَبْلَ خَيْبَرَ، رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ ثُمّ الضّبَيْبِيّ، فَأَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا، وَأَسْلَمَ، فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا إلَى قَوْمِهِ. وَفِي كِتَابِهِ: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللهِ، لِرِفَاعَةِ بْنِ زَيْدٍ. إنّي بَعَثْته إلَى قَوْمِهِ عَامّةً، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِمْ، يَدْعُوهُمْ إلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ فَفِي حِزْبِ اللهِ وَحِزْبِ رَسُولِهِ، وَمَنْ أَدْبَرَ فَلَهُ أَمَانُ شَهْرَيْنِ. فَلَمّا قَدِمَ رِفَاعَةُ عَلَى قَوْمِهِ أَجَابُوا وَأَسْلَمُوا، ثُمّ سَارُوا إلَى الْحَرّةِ: حَرّةِ الرّجْلَاءِ. وَنَزَلُوهَا. [قُدُومُ وَفْدِ همدان] [أسماؤهم وكلمة ابن نمط بين يدى الرسول] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدِمَ وَفْدُ هَمْدَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيما حدثنى من أثق به، عن عمرو بن عبد الله بن أذينة الْعَبْدِيّ، عَنْ أَبِي إسْحَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فيه:

السّبِيعِيّ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ هَمْدَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُمْ: مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ ذُو الْمِشْعَارِ، وَمَالِكُ بْنُ أَيْفَعَ وَضِمَامُ بْنُ مَالِكٍ السّلْمَانِيّ وَعَمِيرَةُ بْنُ مَالِكٍ الْخَارِفِيّ، فَلُقُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ وَعَلَيْهِمْ مُقَطّعَاتُ الْحِبَرَاتِ. وَالْعَمَائِمُ الْعَدَنِيّةُ؛ بِرِحَالِ الْمَيْسِ عَلَى الْمَهْرِيّة وَالْأَرْحَبِيّة وَمَالِكِ بْنِ نَمَطٍ وَرَجُلٍ آخَرَ يَرْتَجِزَانِ بِالْقَوْمِ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا: هَمْدَانُ خَيْرٌ سُوقَةً وَأَقْيَالْ ... لَيْسَ لَهَا فِي الْعَالَمِينَ أَمْثَالْ مَحَلّهَا الْهَضْبُ وَمِنْهَا الْأَبْطَالْ ... لَهَا إطَابَاتٌ بِهَا وَآكَالْ وَيَقُولُ الْآخَرُ: إلَيْكَ جَاوَزْنَ سَوَادَ الرّيفِ ... فِي هَبَوَاتِ الصّيْفِ وَالْخَرِيفِ مُخَطّمَاتٍ بِحِبَالِ اللّيفِ فَقَامَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَصّيةٌ مِنْ هَمْدَانَ، مِنْ كُلّ حَاضِرٍ وَبَادٍ، أَتَوْك عَلَى قُلُصٍ نَوَاجٍ، متّصلة بحبائل الإسلام، لا تأخذهم فى الله لومة لَائِمٍ، مِنْ مِخْلَافِ خَارِفٍ وَيَام وَشَاكِرٍ أَهْلُ السّود والقود، أجابوا دعوة الرسول، وفارقوا آلهات الْأَنْصَابَ عَهْدُهُمْ لَا يُنْقَضُ مَا أَقَامَتْ لَعْلَعٌ، وما جرى اليعفور بصلّع. [فَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابا فيه:] بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ. هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُحَمّدٍ، لِمِخْلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر الكذابين مسيلمة الحنفى والأسود العنسى

خَارِفٍ وَأَهْلِ جَنَابِ الْهَضْبِ وَحِقَافِ الرّمْلِ، مَعَ وفدها ذى المشعار مالك ابن نَمَطٍ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، عَلَى أَنّ لَهُمْ فِرَاعَهَا وَوِهَاطَهَا، مَا أَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوْا الزّكَاةَ، يَأْكُلُونَ عِلَافَهَا وَيَرْعُونَ عَافِيَهَا، لَهُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللهِ وَذِمَامُ رَسُولِهِ، وَشَاهِدُهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ. فقال فى ذلك مالك بن نمط: ذكرت رسول الله فى فحمة الدّحى ... وَنَحْنُ بِأَعْلَى رَحْرَحَانَ وَصَلْدَدِ وَهُنّ بِنَا خُوصٌ طلائح تعتلى ... بِرُكْبَانِهَا فِي لَاحِبٍ مُتَمَدّدِ عَلَى كُلّ فَتْلَاءِ الذّراعين جسرة ... تمرّ بنا مرّ الهجفّ الخفيدد حَلَفْتُ بِرَبّ الرّاقِصَاتِ إلَى مِنًى ... صَوَادِرَ بِالرّكْبَانِ مِنْ هَضْبِ قَرْدَدِ بِأَنّ رَسُولَ اللهِ فِينَا مُصَدّقُ ... رَسُولٌ أَتَى مِنْ عِنْدِ ذِي الْعَرْشِ مُهْتَدِي فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَشَدّ عَلَى أَعْدَائِهِ مِنْ مُحَمّدِ وَأَعْطَى إذَا مَا طَالِبُ الْعُرْفِ جَاءَهُ ... وَأَمْضَى بِحَدّ الْمَشْرَفِيّ الْمُهَنّدِ [ذِكْرُ الْكَذّابَينَ مُسَيْلِمَةَ الْحَنَفِيّ وَالْأَسْوَدِ الْعَنْسِيّ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ تَكَلّمَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَذّابَانِ مسيلمة بن حبيب باليمامة فى حنيفة، والأسود بن كعب العنسى بصنعاء. [رؤيا الرسول فيهما] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث الرسول عن الدجالين

أَوْ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَيّهَا النّاسُ، إنّي قَدْ رَأَيْت لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمّ أُنْسِيتهَا، وَرَأَيْت فِي ذِرَاعَيّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَرِهْتهمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوّلْتهمَا هَذَيْنِ الْكَذّابَيْنِ: صَاحِبِ الْيَمَنِ، وَصَاحِبِ الْيَمَامَةِ. [حَدِيثُ الرّسُولِ عَنْ الدّجّالِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يخرج ثلاثون دجالا، كلهم يدّعى النبوّة. [خروج الأمراء والعمال على الصدقات] [الأمراء وأسماء العمال وما تولوه] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ بَعَثَ أُمَرَاءَهُ وَعُمّالَهُ عَلَى الصّدَقَاتِ، إلَى كُلّ مَا أَوْطَأَ الْإِسْلَامُ من البلدان، فبعث المهاجر ابن أَبِي أُمَيّةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ إلَى صَنْعَاءَ، فَخَرَجَ عليه العنسىّ وهو بها، وبعث زيادة بْنَ لَبِيدٍ، أَخَا بَنِي بَيَاضَةَ الْأَنْصَارِيّ، إلَى حَضْرَمَوْتَ وَعَلَى صَدَقَاتِهَا؛ وَبَعَثَ عَدِيّ بْنَ حَاتِمٍ على طيئ وصدقاتها، وعلى بنى أسد، وبعث مالك ابن نُوَيْرَةَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْيَرْبُوعِيّ- عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي حَنْظَلَةَ، وَفَرّقَ صَدَقَةَ بَنِي سَعْدٍ عَلَى رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، فَبَعَثَ الزّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ عَلَى ناحية منها، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كتاب مسيلمة إلى رسول الله والجواب عنه

وَقَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ عَلَى نَاحِيَةٍ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَبَعَثَ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى أهل بحران، لِيَجْمَعَ صَدَقَتَهُمْ وَيَقْدَمَ عَلَيْهِ بِجِزْيَتِهِمْ. [كِتَابُ مُسَيْلِمَةَ إلَى رَسُولِ اللهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ] وَقَدْ كَانَ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ، قَدْ كَتَبَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللهِ، إلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللهِ: سَلَامٌ عَلَيْك، أَمّا بَعْدُ، فَإِنّي قَدْ أُشْرِكْت فِي الْأَمْرِ مَعَك، وَإِنّ لَنَا نِصْفَ الْأَرْضِ، وَلِقُرَيْشٍ نِصْفَ الْأَرْضِ وَلَكِنّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ. فَقَدِمَ عَلَيْهِ رَسُولَانِ لَهُ بِهَذَا الْكِتَابِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَشْجَعَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيّ، عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُمَا حِينَ قَرَأَ كِتَابَهُ: فَمَا تَقُولَانِ أَنْتُمَا؟ قَالَا: نَقُولُ كَمَا قَالَ، فَقَالَ: أَمَا وَاَللهِ لَوْلَا أَنّ الرّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْت أَعْنَاقَكُمَا. ثُمّ كَتَبَ إلَى مُسَيْلِمَةَ: بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللهِ، إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ: السّلَامُ على من اتبع الهدى. أما بعد، الْأَرْضَ لِلّهِ يُورَثُهَا مَنْ يُشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، والعاقبة للمتقين. وذلك فى آخر سنة عشر. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قُدُومُ الْوُفُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ: مِنْ أَصَحّ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَهُمْ الّذِينَ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى، وَقَدْ تَكَرّرَ حَدِيثُهُمْ فِي الصّحِيحَيْنِ دُونَ تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَمِنْهُمْ أَشَجّ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَهُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَائِذٍ، قَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ فِيك خَلّتَيْنِ يُحِبّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ: الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ، وَمِنْهُمْ أَبُو الْوَازِعِ الزّارِعُ بْنُ عَامِرٍ وَابْنُ أُخْتِهِ مَطَرُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنْزِيّ. وَلَمّا ذَكَرُوا لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ ابْنُ أُخْتِهِمْ قَالَ: ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ. وَمِنْهُمْ: ابْنُ أَخِي الزّارِعِ، وَكَانَ مَجْنُونًا، فَجَاءَ بِهِ مَعَهُ لِيَدْعُوَ لَهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَسَحَ ظَهْرَهُ، وَدَعَا لَهُ فَبَرِئَ لِحِينِهِ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا فَكُسِيَ جَمَالًا وَشَبَابًا، حَتّى كَانَ وَجْهُهُ وَجْهَ الْعَذْرَاءِ، وَمِنْهُمْ الْجَهْمُ بْنُ قُثَمَ لَمّا نَهَاهُمْ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ عَنْ الشّرْبِ فِي الْأَوْعِيَةِ وَحَذّرَهُمْ مَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْجِرَاحِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُمْ إذَا شربوا المسكر عَمَدَ أَحَدُهُمْ إلَى ابْنِ عَمّهِ، فَجَرَحَهُ، وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ قَدْ جُرِحَ فِي ذَلِكَ وَكَانَ يُخْفِي جُرْحَهُ وَيَكْتُمُهُ، وَذَلِكَ الرّجُلُ هُوَ جَهْمُ بْنُ قُثَمَ، عَجِبُوا مِنْ عِلْمِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ بِذَلِكَ، وَإِشَارَتِهِ إلَى ذَلِكَ الرّجُلِ. وَمِنْهُمْ: أَبُو خَيْرَةَ الصّبَاحِيّ مِنْ بَنِي صُبَاحِ بْنِ لُكَيْزٍ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ قَالَ: اللهُمّ اغْفِرْ لِعَبْدِ الْقَيْسِ، وَأَنّهُ زَوّدَهُمْ الْأَرَاكَ يَسْتَاكُونَ بِهِ، وَمِنْهُمْ: مَزِيدَةُ «1» الْعَصْرِيّ جَدّ هُودِ بْنِ عَبْدِ اللهِ «2» بْنِ سَعْدِ ابن مَزِيدَةَ، وَعَلَى هُودٍ يَدُورُ حَدِيثُهُ فِي التّمْرِ الْبَرْنِيّ، وَأَنّهُ دَوَاءٌ، وَلَيْسَ فِيهِ دَاءٌ، وَمِنْهُمْ: قَيْسُ بْنُ النّعْمَانِ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ، فَهَذَا مَا بَلَغَنِي مِنْ تَسْمِيَةِ مَنْ وَفَدَ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ. وَذَكَرَ فِي الْوُفُودِ الْحُتَاتَ بْنَ يَزِيدَ وَقَوْلَ الْفَرَزْدَقِ لِمُعَاوِيَةَ فِيهِ: فَمَا بَالُ مِيرَاثِ الْحُتَاتِ أَكَلْته الْبَيْتَ، وَبَعْدَهُ فِي غَيْرِ سِيرَةِ ابْنِ إسْحَاقَ: فَلَوْ أَنّ هَذَا كَانَ فِي غَيْرِ مُلْكِكُمْ ... لَبُؤْت بِهَا أَوْ غَصّ بِالْمَاءِ شَارِبُهْ شَرْحُ صَاحِبِ الْحُلّةِ: وَذَكَرَ فِيهِمْ عُطَارِدَ بْنَ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ الْحُلّةِ الّتِي قَالَ فِيهَا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ الْحُلّةَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ [فِي الآخرة] «3»

_ (1) قال عنه ابن مندة: مزيدة بن جابر العبدى العصرى. وسماه ابن الكلبى: مزيدة بن مالك بن همام بن معاوية بن شبابة بن عامر بن خطمة بن محارب ابن عمرو بن وديعة بن لكير بن أفصى. وقال الحافظ: وهذا هو المعتمد. والذى ذكره ابن مندة وهم، فان مزيدة بن جابر العبدى كان قاضى الخوارج فى زمان قطرى بن الفجاءة فى زمن بنى أمية. (2) هو جده لأمه كما جاء فى الإصابة. (3) الزيادة من الصحيح، هذا وقد ورد فى الصحيح من طريق جرير بن حازم عن نافع عن ابن عمر قال: رأى عمر بن الخطاب عطاردا التميمى يبيع-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَتَكْسُونِي هَذِهِ، وَقَدْ قُلْت فِي حُلّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْت، وَكَانَ سَبَبُ تِلْكَ الْحُلّةِ أَنّ حَاجِبَ بْنَ زُرَارَةَ أَبَا عُطَارِدٍ كَانَ وَفَدَ عَلَى كِسْرَى لِيَأْخُذَ مِنْهُ أَمَانًا لِقَوْمِهِ لِيَقْرُبُوا مِنْ رِيفِ الْعِرَاقِ لِجَدْبٍ أَصَابَ بِلَادَهُمْ، فَسَأَلَهُ كِسْرَى رَهْنًا لِيَسْتَوْثِقَ بِهَا مِنْهُمْ، فَدَفَعَ إلَيْهِ قَوْسَهُ رَهِينَةً فَاسْتَحْمَقَهُ الْمَلِكُ وَضَحِكَ مِنْهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَيّهَا الْمَلِكُ إنّهُمْ الْعَرَبُ لَوْ رَهَنَك أَحَدُهُمْ تِبْنَةً مَا أَسْلَمَهَا غَدْرًا فَقَبِلَهَا مِنْهُ كِسْرَى، فَلَمّا أَخْصَبَتْ بِلَادُهُمْ انْتَشَرُوا رَاجِعِينَ إلَيْهَا، وَجَاءَ حَاجِبٌ يَطْلُبُ قَوْسَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ كَسَاهُ كِسْرَى تِلْكَ الْحُلّةَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَ عُطَارِدٍ الْمَذْكُورَةَ فِي جَامِعِ الْمُوَطّإِ. ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ أَوْ مَعْنَاهُ، وَفِي الْمُوَطّإِ أَنّ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه- كسا الحلّة أخاله مُشْرِكًا بِمَكّةَ، قَالَ ابْنُ الْحَذّاءِ: كَانَ أَخَاهُ لِأُمّهِ، وَاسْمُهُ: عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الثّقَفِيّ، وَهُوَ جَدّ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ لِأُمّهِ، هَكَذَا ذَكَرَ فِي تَسْمِيَةِ رِجَالِ الْمُوَطّإِ، وَغَلِطَ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنّهُ قَالَ: كَانَ أَخَا عُمَرَ لِأُمّهِ، وإنما هو أخو زيد ابن الْخَطّابِ لِأُمّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ وَهْبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَمّا أُمّ عُمَرَ فَهِيَ حَنْتَمَةُ بِنْتُ هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ [بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَخْزُومٍ «1» ] ، وَالْغَلَطُ الثّانِي أَنّهُ جَعَلَهُ ثَقِيفِيّا وَإِنّمَا هُوَ سُلَمِيّ، وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمِ بن أميّة بن مرّة بن هلال

_ - فى السوق حلة سيراء، وكان رجلا يغشى الملوك، ويصيب منهم، فقال عمر: يا رسول الله لو اشتريتها فلبستها لوفود العرب، فقال: إنما يلبس الحرير فى الدنيا من لا خلاق له فى الآخرة ورواه مسلم عن شعبان بن أبى شيبة عن جرير، وله روايات أخرى عند الطبرانى وابن مندة. (1) الزيادة من نسب قريش ص 347.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن فَالِجِ بْنِ ذَكْوَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمٍ «1» ، هَكَذَا نَسَبَهُ الزّبَيْرُ وَبِنْتُهُ أُمّ سعيد، وَلَدَتْ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ. نَسَبُ ابْنِ الْأَهْتَمِ: وذكر فيهم عمرو بن الأهنم وَنَسَبَهُ، وَاسْمُ الْأَهْتَمِ: سُمَيّ بْنُ سِنَانٍ، وَهُوَ جَدّ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ وَخَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ الْخَطِيبَيْنِ الْبَلِيغَيْنِ، وَسُمّيَ سُمَيّ بِالْأَهْتَمِ، لِأَنّ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ ضَرَبَهُ فَهَتَمَ فَاهُ. عَنْ كرسي الله: وَذَكَرَ خُطْبَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَفِيهَا وَسِعَ كُرْسِيّهُ عِلْمُهُ، وَفِيهِ رَدّ عَلَى مَنْ قَالَ: الْكُرْسِيّ هُوَ الْعِلْمُ، وَكَذَلِك مَنْ قَالَ هُوَ الْقُدْرَةُ، لِأَنّهُ لَا تُوصَفُ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ بِأَنّ الْعِلْمَ وَسِعَهَا، وَإِنّمَا كُرْسِيّهُ مَا أَحَاطَ بِالسّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، وَهُوَ دُونَ الْعَرْشِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ، فَعِلْمُهُ سُبْحَانَهُ قَدْ وَسِعَ الْكُرْسِيّ بِمَا حَوَاهُ مِنْ دَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ وَجَلَائِلِهَا وَجُمَلِهَا وَتَفَاصِيلِهَا، وَقَدْ قِيلَ: إنّ الْكُرْسِيّ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الْعَرْشُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ حُجّةً لِهَذَا الْقَوْلِ، لِأَنّهُ لَمْ يُرِدْ أَنّ الْعِلْمَ وَسِعَ الْكُرْسِيّ، فما دونه

_ (1) أم زيد أسماء بنت وهب بن حبيب بن الحارث بن عيسى بن قعين من بنى أسد بن خزيم. ويقول المصعب الزبيرى فى كتابه: نسب قريش: «وأخوه لأمه عثمان بْنُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الأوقص السلمى، وعثمان بن حكيم هو جد سعيد بن المسيب أبو أمه» ص 348.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَى الْخُصُوصِ، دُونَ مَا فَوْقَهُ، فَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعَرْشَ، وَمَا تَحْتَهُ وَاَللهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ صَحّتْ الرّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ الْكُرْسِيّ هُوَ الْعِلْمُ، فَمُؤَوّلَةٌ، كَأَنّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَفْسِيرَ لَفْظِ الْكُرْسِيّ، وَلَكِنْ أَشَارَ إلَى أَنّ مَعْنَى الْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ يُفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ، لِأَنّ الْكُرْسِيّ الّذِي هُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ مِنْ سَرِيرِ الْمُلْكِ إذَا وَسِعَ مَا وَسِعَ، فَقَدْ وَسِعَهُ عِلْمُ الْمَلِكِ وَمُلْكُهُ وَقُدْرَتُهُ، وَنَحْوَ هَذَا، فَلَيْسَ فِي أَنْ يَسَعَ الْكُرْسِيّ مَا وَسِعَهُ مَدْحٌ وَثَنَاءٌ عَلَى الْمَلِكِ سُبْحَانَهُ، إلّا مِنْ حَيْثُ تَضَمّنِ سَعَةِ الْعِلْمِ وَالْمُلْكِ، وَإِلّا فَلَا مَدْحَ فِي وَصْفِ الْكُرْسِيّ بِالسّعَةِ، وَالْآيَةُ لَا مَحَالَةَ وَارِدَةٌ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالتّعْظِيمِ لِلْعَلِيّ الْعَظِيمِ الّذِي لَا يَئُودُهُ حِفْظُ مَخْلُوقَاتِهِ كُلّهَا، وَهُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ، وَقَرّى الطّبَرِيّ قَوْلَ ابْنِ عَبّاسٍ، وَاحْتَجّ لَهُ بِقَوْلِهِ عَزّ وجل (ولا يئوده حفظهما) وَبِأَنّ الْعَرَبَ تُسَمّي الْعُلَمَاءَ كَرَاسِيّ. قَالَ: وَمِنْهُ سُمّيَتْ الْكُرّاسُ «1» لِمَا تَضَمّنَتْهُ «2» وَتَجْمَعُهُ مِنْ الْعِلْمِ، وَأَنْشَدَ: تَحُفّهُمْ بِيضُ الْوُجُوهِ وَعَصَبَةٌ ... كَرَاسِيّ بِالْأَحْدَاثِ حين تنوب «3» أى عالمون بالأحداث.

_ (1) فى الأصل: الكراسى. والكراسى: واحدتها كراسة. (2) فى الأصل تضمنه فلعلها كما ضبطت أو تضمه. ونص تعبير الطبرى: قيل يكون فيها علم مكتوب: كراسة. (3) فى الطبرى: يحف بهم. وفى أساس البلاغة للزمخشرى عن قطرب: تحف بها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شِعْرُ الزّبْرِقَانِ: وَذَكَرَ شِعْرَ الزّبْرِقَانِ، وَأَنّ بَعْضَ النّاسِ يُنْكِرُ الشّعْرَ لَهُ، وَذَكَرَ الْبَرْقِيّ أَنّ الشّعْرَ لِقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيّ، وَكَانَ الزّبْرِقَانُ يُرْفَعُ لَهُ بَيْتٌ مِنْ عَمَائِمَ وَثِيَابٍ، وَيُنْضَخُ بِالزّعْفَرَانِ وَالطّيبِ، وَكَانَتْ بَنُو تَمِيمٍ تَحُجّ ذَلِكَ الْبَيْتَ. قَالَ الشّاعِرُ، وَهُوَ الْمُخَبّلُ السّعْدِيّ، وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ قِتَالٍ: وَأَشْهَدَ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً ... يَحُجّونَ سِبّ الزّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا «1»

_ (1) فى الأصل: ست وهو خطأ فى الطبع. ويقول الجاحظ: كان الزبرقان يصبغ عمامته بصفرة، وذكره الشاعر فقال: ثم ذكر البيت. ويرى قطرب أن المخبل نسب الزبرقان إلى الأبنة لأنه كان يصفر إسته، وأنه يعنى بالسب: الاست السمط ص 191 واللسان مادة زبرق. وفى إصلاح المنطق عن معنى البيت «يكثرون الاختلاف إليه، والسب: العمامة، وسب المرأة: خمارها، وإنما سمى الزبرقان لصفرة عمامته» ص 411 والحلول: الأحياء المجتمعة. انظر ص 97 ج 3 البيان ومادتى سبب وحجج فى اللسان ورواية البيت فى الاشتقاق: فهم أهلات حول قيس بن عاصم الخ. وفيه أيضا: قال قوم: سمى الزبرقان لخفة لحيته، وقال قوم: بل لجماله وقال قوم: لأنه كان يصبغ عمامته بالزعفران وكانت سادة العرب تفعل ذلك. وعن المخبل قال مغلطاى: اسمه: الربيع بن ربيعة، وقيل: ربيعة بن مالك بن ربيعة بن عوف بن قتال بن أنف الناقة شاعر مخضرم فحل يكنى أبا يزيد مات فى خلافة عمر أو عثمان. وقال السهيلى: اسمه: كعب بن ربيعة بن قتال، وهو وهم بينته فى كتاب الزهر الباسم» ص 254 الاشتقاق وفى السمط أنه ربيعة بن مالك من بنى شماس بن لأى ابن أنف النافة ص 418- وقبل بيت الزبرقان: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالسّبّ: الْعِمَامَةُ، وَأَحْسَبُهُ أَشَارَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: بِمَا تَرَى النّاسَ تَأْتِينَا سَرَاتُهُمْ الْبَيْتَ. وَلَيْسَ السّرَاةُ جَمْعَ سَرِيّ كَمَا ظَنّوا، وَإِنّمَا هُوَ كَمَا تَقُولُ ذُرْوَتُهُمْ وَسَنَامُهُمْ، وَسَرَاةُ كُلّ شَيْءٍ: أَعْلَاهُ، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَالزّبْرِقَانُ مِنْ أَسْمَاءِ الْقَمَرِ. قَالَ الشّاعِرُ: تُضِيءُ بِهِ الْمَنَابِرُ حِينَ يَرْقَى ... عَلَيْهَا مِثْلَ ضَوْءِ الزّبْرِقَانِ وَالزّبْرِقَانُ أَيْضًا: الْخَفِيفُ الْعَارِضَيْنِ، وَكَانَتْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءَ: الزّبْرِقَانُ وَالْقَمَرُ وَالْحُصَيْنُ، وَثَلَاثُ كُنًى: أَبُو الْعَبّاسِ، وَأَبُو شَذْرَةَ، وَأَبُو عَيّاشٍ، وَهُوَ الزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ خَلَفِ بْنِ بَهْدَلَةَ بْنِ عَوْفِ ابْنُ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ. شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى الزبرقان في المسيحية وَالْعَيْنِيّةِ: وَقَوْلُ حَسّانَ: بِبَيْتٍ حَرِيدٍ عِزّهُ وَثَرَاؤُهُ يُرِيدُ: بَيْتٍ شَرَفُهُمْ مِنْ غَسّانَ وَهُمْ مُلُوكُ الشّامِ، وَهُمْ وَسَطَ الْأَعَاجِمِ، وَالْبَيْتُ الْحَرِيدُ: الْمُنْفَرِدُ عَنْ الْبُيُوتِ، كَمَا انْفَرَدَتْ غَسّانُ، وَانْقَطَعَتْ عَنْ أرض

_ - ألم تعلمى يا أم عمرة أننى ... تخطأنى ريب المنون لأكبرا ولهذا ضبط ابن برى أشهد فى البيت بالنصب «مادة زبرق» اللسان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْعَرَبِ، وَكَانَ حَسّانُ يَضْرِبُ بِلِسَانِهِ أَرْنَبَةَ أَنْفِهِ هُوَ وَابْنُهُ وَأَبُوهُ وَجَدّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: لَوْ وَضَعْته يَعْنِي لِسَانَهُ عَلَى حَجَرٍ لَفَلَقَهُ، أَوْ عَلَى شَعْرٍ لَحَلَقَهُ، وَمَا يَسُرّنِي بِهِ مَقُولٌ مِنْ مَعَدّ. وَقَوْلُ حَسّانَ: يُخَاضُ إلَيْهِ السّمّ وَالسّلَعُ السّلَعُ: شَجَرٌ مُرّ. قَالَ أُمَيّةُ [بْنُ أَبِي الصّلْتِ] : عُشَرٌ مَا وَفَوْقَهُ سَلَعٌ مَا ... عَائِلٌ مَا، وَعَالَتْ الْبَيْقُورَا «1» يُرِيدُ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا اسْتَسْقَوْا فِي الْجَاهِلِيّةِ رَبَطُوا السّلَعَ وَالْعُشَرَ فِي أَذْنَابِ الْبَقَرِ. وَقَوْلُهُ: شَمَعُوا، أَيْ: ضَحِكُوا وَمَزَحُوا. قَالَ الشّاعِرُ [الْمُتَنَخّلُ الْهُذَلِيّ] يَصِفُ الْأَضْيَافَ: وَأَبْدَؤُهُمْ بِمَشْمَعَةٍ وَأُثْنِي ... بِجُهْدِي مِنْ طَعَامٍ أَوْ بِسَاطِ وَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ تَتَبّعَ الْمَشْمَعَةَ شَمّعَ اللهُ بِهِ. يُرِيدُ مِنْ ضَحِكَ مِنْ النّاسِ وأفرط فى المزح.

_ (1) البيت فى اللسان: سلع ما ومثله عشر ما الخ. وفى البيت كما قال الأزهرى وقاله السهيلى بعد، شاهد على ما يفعله العرب من استمطارهم بإضرام النار فى آذناب البقر، والسلع شجر، والعشر: شجر له صمغ. والبيقور: اسم جمع للبقر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَوْلُهُ: أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنّدَى مَتَعُوا أَيْ: ارْتَفَعُوا، يُقَال: مَتَعَ النّهَارُ إذَا ارْتَفَعَ. شِعْرٌ آخَرُ لِحَسّانَ فِي الرد عَلَى الزّبْرِقَانِ: وقول حسان: وطبنا له أنفسا بِفَيْءِ الْمَغَانِمِ يُرِيدُ: طِيبَ نُفُوسِهِمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَلّفَةَ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا. شَرْحُ قَوْلِ ابْنِ الْأَهْتَمِ لِابْنِ عَاصِمٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ عَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ لِقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: ظَلِلْت مُفْتَرِشَ الْهَلْبَاءِ تَشْتُمُنِي ... عِنْدَ النّبِيّ فَلَمْ تَصْدُقْ وَلَمْ تُصِبْ الْهَلْبَاءُ: فَعْلَاءُ مِنْ الْهُلْبِ وَهُوَ الْخَشِينُ مِنْ الشّعْرِ، يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ أَهْلَبُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشّعْبِيّ فِي مُشْكِلَةٍ نَزَلَتْ: هَلْبَاءُ زَبّاءُ ذَاتُ وَبَرٍ، كَأَنّهُ أَرَادَ بِمُفْتَرِشِ الْهَلْبَاءِ، أَيْ: مُفْتَرِشًا لِحْيَتَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِمُفْتَرِشِ الْهَلْبَاءِ، يَعْنِي امْرَأَةً. وَقِيلَ: الْهَلْبَاءُ، يُرِيدُ بِهَا هَاهُنَا دُبُرَهُ، فَإِنْ كَانَ عَنَى امْرَأَةً، فَهُوَ نَصْبٌ عَلَى النّدَاءِ. مَا نَزَلَ فِي وَفْدِ تَمِيمٍ مِنْ الْحُجُرَاتِ: وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِمْ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ، وَقَدْ كَانَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ اخْتَلَفَا فِي أَمْرِ الزّبْرِقَانِ وَعَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِتَقْدِيمِ الزّبْرِقَانِ، وَأَشَارَ الْآخَرُ بِتَقْدِيمِ عَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ حَتّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إلَى قَوْلِهِ: لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ فَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا كَلّمَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا يُكَلّمُهُ إلّا كَأَخِي السّرَارِ «1» . إنّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا: وَفِي هَذَا الْوَفْدِ جَاءَ الْحَدِيثُ أَنّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا مِنْ نَجْدٍ فَخَطَبَا، فَعَجِبَ النّاسُ لِبَيَانِهِمَا، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، وَأَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي بَابِ مَا يُذَمّ مِنْ الْقَوْلِ، مِنْ أَجْلِ أَنّ السّحْرَ مَذْمُومٌ شَرْعًا، وَغَيْرُهُ يَذْهَبُ إلَى أَنّهُ مَدْحٌ لَهُمَا بِالْبَيَانِ وَاسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ كَالسّحْرِ، وَكَانَ مِنْ قَوْلِهِمَا. إنّ عَمْرًا قَالَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الزّبرقان: إنه مطاع فى أذنيه سَيّدٌ فِي عَشِيرَتِهِ، فَقَالَ الزّبْرِقَانُ: لَقَدْ حَسَدَنِي يَا رَسُولَ اللهِ لِشَرَفِي، وَلَقَدْ عَلِمَ أَفْضَلَ مِمّا قَالَ. قَالَ: فَقَالَ عَمْرٌو: إنّهُ لَزَمِرُ الْمُرُوءَةِ ضَيّقُ الْعَطَنِ لَئِيمُ الْخَالِ، فَعَرَفَ الْإِنْكَارَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فقال: يا رسول الله

_ (1) عند البخارى فى رواية أن أحدهم أشار بالأقرع بن حابس، والآخر برجل آخر. قال نافع: لا أحفظ اسمه، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافى الخ، وقد انفرد به البخارى دون مسلم. وفى رواية أخرى أن أبا بكر أشار بتأمير القعقاع بن معبد، وأن عمر أشار بتأمير الأقرع بن حابس. وفى مسند البزار أن أبا بكر هو الذى قال: يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخى السرار. وهناك روايات أخرى تخالف هذه حول أسباب نزول الآية، فالله أعلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَضِيت فَقُلْت أَحْسَنَ مَا عَلِمْت، وَسَخِطْت فَقُلْت أَقْبَحَ مَا عَلِمْت، وَلَقَدْ صَدَقْت فِي الْأُولَى وَمَا كَذَبْت فِي الثّانِيَةِ، فَحِينَئِذٍ قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» وَقَوْلُهُ: لَئِيمُ الْخَالِ، قِيلَ: إنّ أُمّهُ كَانَتْ مِنْ بَاهِلَةَ، قَالَهُ ابْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا عَلَيْهِ، وَمِمّنْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَبُو مَرْوَانَ بْنُ سِرَاجٍ، فَاَللهُ أَعْلَمُ، لِأَنّ أَهْلَ النّسَبِ ذَكَرُوا أَنّ أُمّ الزّبْرِقَانِ عُكْلِيّةٌ مِنْ بَنِي أُقَيْشٍ، وَعُكْلٌ وَإِنْ كَانَتْ تَجْتَمِعُ مَعَ تَمِيمٍ فِي أُدّ بْنِ طَابِخَةَ لَكِنّ تَمِيمًا أَشْرَفُ مِنْهُمْ، وَلَا سِيّمَا بَنِي سَعْدٍ رَهْطُ الزّبْرِقَانِ، فَلِذَلِكَ جَعَلَهُ عَمْرٌو لَئِيمَ الْخَالِ. خَبَرُ عَامِرٍ وَأَرْبَد: فَصْلٌ: وَذَكَرَ خَبَرَ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ وَأَرْبَدَ، وَأَنّ أَرْبَدَ قَالَ لِعَامِرٍ: مَا هَمَمْت بِقَتْلِ مُحَمّدٍ إلّا رَأَيْتُك بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفَأَقْتُلُك؟! وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ: إلّا رَأَيْت بَيْنِي وَبَيْنَهُ سُورًا مِنْ حَدِيدٍ وَكَذَلِك فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ، قَالَ عَامِرٌ: لَأَمْلَأَنّهَا عَلَيْك خَيْلًا جُرْدًا، وَرِجَالًا مُرْدًا، وَلَأَرْبِطَنّ بكلّ نخلة فرسا، فجعل أسيد ابن حضير يضرب فى رؤسهما وَيَقُولُ: اُخْرُجَا أَيّهَا الْهِجْرِسَانِ، فَقَالَ لَهُ عَامِرٌ: وَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ: أَحُضَيْرُ بْنُ سِمَاكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَبُوك كَانَ خَيْرًا مِنْك، فَقَالَ: بَلْ أَنَا خَيْرٌ مِنْك، وَمِنْ أَبِي، لِأَنّ أَبِي كَانَ مُشْرِكًا، وَأَنْت مُشْرِكٌ. وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ قَوْلَ عَامِرٍ: أَغُدّةً «1» كغدّة

_ (1) مضبوطة فى اللسان برفع غدة وكذلك فى النهاية لابن كثير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْبَعِيرِ، وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيّةٍ، فِي بَابِ مَا يَنْتَصِبُ عَلَى إضْمَارِ الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إظْهَارُهُ، كَأَنّهُ قَالَ: أُغَدّ غُدّةً، وَالسّلُولِيّةُ امْرَأَةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى سَلُولَ بْنِ صَعْصَعَةَ وَهُمْ بَنُو مُرّةَ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَسَلُولُ أُمّهُمْ، وَهِيَ بِنْتُ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ، وَكَانَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَلِذَلِكَ اخْتَصّهَا لِقُرْبِ النّسَبِ بَيْنَهُمَا، حَتّى مَاتَ فِي بَيْتِهَا. وَأَمّا أَشْعَارُ لَبِيدٍ فِي أَرْبَدَ فَفِيهَا قَوْلُهُ: تَطِيرُ عَدَائِدُ «1» الْأَشْرَاكِ شَفْعًا ... وَوِتْرًا وَالزّعَامَةُ «2» لِلْغُلَامِ الزّعَامَةُ: الرّيَاسَةُ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالزّعَامَةِ هُنَا بَيْضَةَ السّلَاحِ، وَالْأَشْرَاكُ: الشّرَكَاءُ، وَالْعَدَائِدُ: الْأَنْصِبَاءُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَدَدِ، وَيُقَالُ: إنّ أَرْبَدَ حِينَ أَصَابَتْهُ الصّاعِقَةُ أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى مُحَمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ يَعْنِي أَرْبَدَ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَعَامِرٌ وَأَرْبَدُ يَجْتَمِعَانِ فِي جَعْفَرِ بْنِ كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَأُمّهُمَا وَاحِدَةٌ، وَسَائِرُ شِعْرِ لَبِيَدٍ فِي أَرْبَدَ مَرْغُوبٌ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِشَرْحِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا الْمُتَقَدّمِ، وَاَللهُ وَلِيّ التّوْفِيقِ. عَنْ لَبِيدٍ: على أنّ لبيد رَحِمَهُ اللهُ قَدْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَعَاشَ فِي الْإِسْلَامِ سِتّينَ سَنَةً، لَمْ يَقُلْ فِيهَا بَيْتَ شِعْرٍ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ تَرْكِهِ الشّعْرَ، فَقَالَ: مَا كُنْت لِأَقُولَ شِعْرًا بَعْدَ أَنْ علّمنى لله الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَزَادَهُ عُمَرُ فِي عَطَائِهِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، مِنْ أَجْلِ هَذَا الْقَوْلِ، فَكَانَ عطاؤه ألفين وخمسمائة،

_ (1) رواية أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابى: غدائر. (2) قيل عن الزعامة إنها الرياسة أو الدرع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلَمّا كَانَ مُعَاوِيَةُ، أَرَادَ أَنْ يَنْقُصَهُ مِنْ عَطَائِهِ الْخَمْسَمِائَةِ، وَقَالَ لَهُ: مَا بَالُ الْعِلَاوَةِ فَوْقَ الْفَوْدَيْنِ؟ فَقَالَ لَهُ لَبِيدٌ: الْآنَ أَمُوتُ، وَتَصِيرُ لَك الْعِلَاوَةُ وَالْفَوْدَانِ، فَرَقّ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَتَرَكَهَا لَهُ، فَمَاتَ لَبِيدٌ إثْرَ ذَلِكَ بِأَيّامٍ قَلِيلَةٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنّهُ قَالَ بَيْتًا وَاحِدًا فِي الْإِسْلَامِ: الْحَمْدُ لِلّهِ إذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي ... حَتّى اكْتَسَيْت مِنْ الْإِسْلَامِ سِرْبَالًا وَفْدُ جرس: فَصْلٌ: وَذَكَرَ وَفْدَ جُرَشٍ، وَأَنّ خَثْعَمَ ضَوَتْ إليها حين حاصرهم صرد ابن عَبْدِ اللهِ، وَأَنْشَدَ: حَتّى أَتَيْنَا حُمَيْرًا فِي مَصَانِعِهَا ... وَجَمْعَ خَثْعَمَ قَدْ صَاغَتْ «1» لَهَا النّذُرُ وَيُرْوَى خُمَيْرًا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي حِمْيَرَ حِمْيَرُ الْأَدْنَى، وَهُوَ حِمْيَرُ بْنُ الْغَوْثِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ شُدَدَ «2» بْنِ زُرْعَةَ وَهُوَ حِمْيَرُ الْأَصْغَرُ بْنُ سَبَأٍ الْأَصْغَرِ بْنِ كَعْبِ كَهْفِ الظّلْمِ بن زيد الجمهور ابن عمرو بن قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ وَائِلِ بْنِ الْغَوْثِ ابن حَيْدَان بْنِ قَطَنِ بْنِ عَرِيبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الهميسع بن حمير الأكبر «3»

_ (1) فى السيرة: شاعت. (2) فى جمهرة النسب: شرد. (3) النسب فى جمهرة ابن حزم من أول شرد: بن زرعة بن قيس بن صنعاء ابن سبأ الأصغر بن كعب بْنِ زَيْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ عَبْدِ شمس بن وائل بن عوف بن حمير بن قطن بن عوف بن زهير بن أيمن بن حمير بن سبأ. وهو كما ترى يختلف عما هنا. وعند ابن الكلبى: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو العزبحج، وَقَالَ الْأَبْرَهِيّ: وَهُوَ مِنْ عُلَمَاءِ حِمْيَرَ بِالنّسَبِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى أَبَرْهَةَ بْنِ الصّبَاحِ الْحِمْيَرِيّ فِي حِمْيَرَ الْأَدْنَى الْمَبْدُوءِ بِذِكْرِهِ حِمْيَرُ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَصِحّ رِوَايَةُ الْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ، وَمَنْ رَوَاهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ تَصْغِيرُ حِمْيَرَ تَصْغِيرَ التّرخيم، والعزبحج فِي لُغَةٍ: حِمْيَرُ الْعَتِيقُ. حَدِيثُ ضِمَامٍ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: جَاءَنَا أَعْرَابِيّ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيّ صَوْتِهِ، وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ، الْحَدِيثَ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطّإِ عَنْ عَمّهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ طَلْحَةَ، وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ لِمَا فِيهِ مِنْ دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ. وَذَكَرَ مَعَهُ حَدِيثَ الْيَهُودِ حِينَ دَخَلُوا الْمَسْجِدَ، وَذَكَرُوا أَنّ رَجُلًا مِنْهُمْ، وَامْرَأَةً زَنَيَا، وَقَالَ بِهِ الشّافِعِيّ، وَكَرِهَ مَالِكٌ دُخُولَ الذّمّيّ الْمَسْجِدَ، وَخَصّصَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِقَوْلِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ، فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ الْآيَةَ، وَتَعَلّقَ مَالِكٌ بِالْعِلّةِ الّتِي نَبّهَتْ عَلَيْهَا الآية، وهى التّنجيس، فعمّ المساجد كلّها.

_ - كعب بْنِ زَيْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ عَبْدِ شمس بْنِ الْغَوْثِ بْنِ حَيْدَان بْنِ قَطَنِ بْنِ عريب بن الهميسع. وقد سقط حيدان منه هنا، ولكنه ذكرها فى مكان آخر. أنظر 364، 365 المحبر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَوْلَ حَدِيثِ الْجَارُودِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ الْجَارُودَ الْعَبْدِيّ، وَهُوَ بِشْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُعَلّى، يُكَنّى أَبَا الْمُنْذِرِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: يُكَنّى أَبَا غِيَاثٍ وَأَبَا عِتَابٍ، وَسُمّيَ الْجَارُودَ، لِأَنّهُ أَغَارَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ بَكْرٍ، فَجَرّدَهُمْ «1» قَالَ الشّاعِرُ: وَدُسْنَاهُمْ بِالْخَيْلِ مِنْ كُلّ جَانِبٍ ... كَمَا جَرّدَ الْجَارُودُ بَكْرَ بْنَ وَائِلِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْجَارُودِ الْغَرُورَ بْنَ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَكَانَ كِسْرَى حِينَ قَتَلَ النّعْمَانَ صَيّرَ أَمْرَ الْحِيرَةِ إلَى هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ الشّيْبَانِيّ، وَلَمْ يَبْقَ لِآلِ الْمُنْذِرِ رَسْمٌ وَلَا أَمْرٌ يُذْكَرُ حَتّى كانت الرّدّة، ومات هانىء ابن قَبِيصَةَ فَأَظْهَرَ أَهْلُ الرّدّةِ أَمْرَ الْغَرُورِ بْنِ النّعْمَانِ، وَاسْمُهُ: الْمُنْذِرُ، وَإِنّمَا سُمّيَ الْغَرُورَ، لِأَنّهُ غَرّ قَوْمَهُ فِي تِلْكَ الرّدّةِ، أَوْ غَرّوهُ وَاسْتَعَانُوا بِهِ عَلَى حَرْبِهِمْ فَقُتِلَ هُنَالِكَ، وَزَعَمَ وَثِيمَةُ بْنُ مُوسَى أَنّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ ارْتِدَادِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ وَنَسَبُ مُسَيْلِمَةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ، وَاسْمُ حَنِيفَةَ أَثَالُ بْنُ لُجَيْمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ ابن بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ مَعَ مُسَيْلِمَةَ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وهو مسيلمة

_ (1) فى اللسان: لأنه فر بإبله إلى أخواله من بنى شيبان، وبإبله داء، ففشا ذلك الداء فى إبل أخواله، فأهلكها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن ثُمَامَةَ بْنِ كَبِيرِ «1» بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ هِفّانَ بْنِ ذُهْلِ بْنِ الدّوَلِ بْنِ حَنِيفَةَ يُكَنّى أَبَا ثُمَامَةَ، وَقِيلَ: أَبَا هَارُونَ، وكان يُسَمّى بِالرّحْمَنِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ الزّهْرِيّ قَبْلَ مَوْلِدِ عَبْدِ اللهِ والد رَسُولِ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وَقُتِلَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ حِينَ سَمِعَتْ بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ، قَالَ قَائِلُهُمْ: دُقّ فُوك، إنّمَا تَذْكُرُ مُسَيْلِمَةَ رَحْمَانَ الْيَمَامَةِ، وَكَانَ الرّحّالُ الْحَنَفِيّ «2» ، وَاسْمُهُ نَهَارُ بْنُ عُنْفُوَةَ، وَالْعُنْفُوَةُ يَابِسُ الْحَلِيّ، وَهُوَ نَبَاتٌ، وَذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ فِيهِ: عُنْثُوَ بِالثّاءِ الْمُثَلّثَةِ، وَقَالَ: هُوَ يَابِسُ الْحَلِيّ، وَالْحَلِيّ: النّصِيّ، وَهُوَ نَبْتٌ- قَدِمَ فِي وَفْدِ الْيَمَامَةِ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ وَتَعَلّمَ سُوَرًا مِنْ الْقُرْآنِ، فَرَآهُ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ، أَحَدُهُمَا فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ، وَالْآخَرُ: أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: ضِرْسُ أَحَدِكُمْ فِي النّارِ مِثْلُ أُحُدٍ، فَمَا زَالَا خَائِفَيْنِ حَتّى ارْتَدّ الرّحّالُ، وَآمَنَ بِمُسَيْلِمَةَ وَشَهِدَ زُورًا أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ شَرِكَهُ مَعَهُ فِي النّبُوّةِ، وَنَسَبَ إلَيْهِ بَعْضَ مَا تَعَلّمَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَكَانَ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ عَلَى بنى حنفية، وَقَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، ثُمّ قَتَلَ زَيْدَ بْنَ الْخَطّابِ سَلَمَةُ بْنُ صُبَيْحٍ الحنفىّ، وكان مسيلمة صاحب

_ (1) فى جهرة ابن حزم: كثير. (2) ذكره القاموس بالجيم على وزن شداد، وقال: ووهم من ضبطه بالحاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَيْرُوجَاتٍ «1» يُقَالُ: إنّهُ أَوّلُ مَنْ أَدْخَلَ الْبَيْضَةَ فِي الْقَارُورَةِ «2» ، وَأَوّلُ مَنْ وَصَلَ جَنَاحَ الطّائِرِ الْمَقْصُوصَ، وَكَانَ يَدّعِي أَنّ ظَبْيَةً تَأْتِيهِ مِنْ الْجَبَلِ، فَيَحْلُبُ لَبَنَهَا، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يَرْثِيهِ: لَهَفِي عَلَيْك أَبَا ثُمَامَةَ ... لَهَفِي عَلَى رُكْنِي شَمَامَةِ كَمْ آيَةٍ لَك فِيهِمْ ... كَالشّمْسِ تَطْلُعُ مِنْ غَمَامَةِ وَكَذَبَ بَلْ كَانَتْ آيَاتُهُ مَنْكُوسَةً، تَفَلَ فِي بِئْرِ قَوْمٍ سَأَلُوهُ ذَلِكَ تَبَرّكًا فَمَلُحَ مَاؤُهَا، وَمَسَحَ رَأْسَ صَبِيّ فَقَرِعَ قَرَعًا فَاحِشًا، وَدَعَا لِرَجُلٍ فِي ابْنَيْنِ لَهُ بِالْبَرَكَةِ، فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَوَجَدَ أَحَدَهُمَا قَدْ سَقَطَ فِي الْبِئْرِ، وَالْآخَرَ قَدْ أَكَلَهُ الذّئْبُ، وَمَسَحَ عَلَى عَيْنَيْ رَجُلٍ اسْتَشْفَى بِمَسْحِهِ، فَابْيَضّتْ عَيْنَاهُ. مُؤَذّنَا مُسَيْلِمَةَ وَسَجَاحَ: وَاسْمُ مُؤَذّنِهِ: حُجَيْرٌ، وَكَانَ أَوّلَ مَا أُمِرَ أَنْ يَذْكُرَ مُسَيْلِمَةَ فِي الْأَذَانِ تَوَقّفَ، فَقَالَ لَهُ مُحَكّمُ بْنُ الطّفَيْلِ: صَرّحْ حُجَيْرُ، فَذَهَبَتْ مَثَلًا. وَأَمّا سَجَاحُ الّتِي تَنَبّأَتْ فِي زَمَانِهِ وَتَزَوّجَهَا، فَكَانَ مُؤَذّنُهَا جَنَبَةَ بْنَ طَارِقٍ، وَقَالَ الْقُتَبِيّ: اسْمُهُ: زهير بن عمرو، وقيل: إن شبث بنى رِبْعِيّ أَذّنَ لَهَا أَيْضًا، وَتُكَنّى أُمّ صَادِرٍ، وَكَانَ آخِرُ أَمْرِهَا أَنْ أَسْلَمَتْ فِي زَمَانِ عُمَرَ، كُلّ هَذَا مِنْ كِتَابِ الوّاقِدِيّ وَغَيْرِهِ. وكان محكّم بن طفيل الحنفىّ، صاحب

_ (1) النيرنج: آخذ كالسحر وليس به، وجمعها: نيرنجات ونيارج. (2) عمل هين يأتيه طلابنا فى معاملهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَرْبِهِ وَمُدَبّرَ أَمْرِهِ، وَكَانَ أَشْرَفَ مِنْهُ فِي حَنِيفَةَ، وَيُقَالُ فِيهِ: مُحَكّمٌ وَمُحَكّمٌ، وَفِيهِ يَقُولُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ: يَا مُحَكّمُ بْنَ طُفَيْلٍ قَدْ أُتِيحَ لَكُمْ ... لِلّهِ دُرّ أَبِيكُمْ حَيّةِ الْوَادِي وَقَالَ أَيْضًا: يَخْبِطْنَ بِالْأَيْدِي حِيَاضَ مُحَكّمِ امْرَأَةُ مُسَيْلِمَةَ: وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ: انْزِلُوا، يَعْنِي وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ بِدَارِ الْحَارِثِ. الصّوَابُ: بِنْتُ الحارث، واسمها: كيسة بنت الحارث بن كريز بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي غَزْوَةِ قُرَيْظَةَ الْكَلَامُ عَلَى كَيْسَةَ: وَكَيْسَةُ بِالتّخْفِيفِ، وَأَنّهَا كَانَتْ امْرَأَةً لِمُسَيْلِمَةَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ أَنْزَلَهُمْ بِدَارِهَا وَكَانَتْ تَحْتَ مُسَيْلِمَةَ، ثُمّ خَلَفَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ، وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ أَنّ الصّوَابَ مَا قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ اسْمَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ، كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَالْمَذْكُورَةُ هَاهُنَا كَيْسَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَإِيّاهُ عَنَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَطَبَ، فَقَالَ: أُرِيت فِي يَدَيّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَرِهْتهمَا، فَنَفَخْت فِيهِمَا فَطَارَا فَأَوّلْتهمَا كَذّابَ الْيَمَامَةِ وَالْعَنْسِيّ، صَاحِبَ صَنْعَاءَ، فَأَمّا مُسَيْلِمَةُ فَقَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَفْنَى قَوْمَهُ قَتْلًا وَسَبْيًا. مَسْعُودٌ الْعَنْسِيّ: وَأَمّا مَسْعُودُ بْنُ كَعْبٍ الْعَنْسِيّ، وَعَنْسٌ مِنْ مَذْحِجٍ، فَاتّبَعَتْهُ قَبَائِلُ مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَذْحِجٍ وَالْيَمَنُ عَلَى أَمْرِهِ، وَغَلَبَ عَلَى صَنْعَاءَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ذُو الْخِمَارِ، وَيُلَقّبُ: عَيْهَلَةَ، وَكَانَ يَدّعِي أَنّ سَحِيقًا وَشَرِيقًا يَأْتِيَانِهِ بِالْوَحْيِ، وَيَقُول: هُمَا مَلَكَانِ يَتَكَلّمَانِ عَلَى لِسَانِي، فِي خُدَعٍ كَثِيرَةٍ يُزَخْرِفُ بِهَا، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ مَالِكِ بْنِ عَنْسٍ، وَبَنُو عَنْسٍ جُشَمُ وَجُشَيْمٌ وَمَالِكٌ وَعَامِرٌ وَعَمْرٌو، وَعَزِيزٌ وَمُعَاوِيَةُ وَعَتِيكَةُ وَشِهَابٌ وَالْقِرّيّةُ وَيَامُ «1» وَمِنْ وَلَدِ يَامَ بْنِ عَنْسٍ عمّار ابن يَاسِرٍ، وَأَخَوَاهُ عَبْدُ اللهِ وَحُوَيْرِثٌ ابْنَا يَاسِرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَالِكٍ، قَتَلَهُ فَيْرُوزُ الدّيْلَمِيّ، وَقَيْسُ بْنُ مَكْشُوحٍ وَدَاذَوَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَبْنَاءِ دَخَلُوا عَلَيْهِ مِنْ سِرْبٍ صَنَعَتْهُ لَهُمْ امْرَأَةٌ كَانَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَبْنَاءِ، فَوَجَدُوهُ سَكْرَانَ لَا يَعْقِلُ مِنْ الْخَمْرِ، فَخَبَطُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: ضَلّ نَبِيّ مَاتَ وَهُوَ سَكْرَانْ ... وَالنّاسُ تَلْقَى جُلّهُمْ كَالذّبّانْ النّورُ وَالنّارُ لَدَيْهِمْ سِيّانْ ذَكَرَهُ الدّوْلَابِيّ، وَزَادَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْهُ أَنّ امْرَأَتَهُ سَقَتْهُ الْبَنْجَ فِي شَرَابِهِ تِلْكَ اللّيْلَةَ، وَهِيَ الّتِي احْتَفَرَتْ السّرْبَ لِلدّخُولِ عَلَيْهِ، وَكَانَ اغْتَصَبَهَا، لِأَنّهَا كَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النّسَاءِ، وَكَانَتْ مُسْلِمَةً صَالِحَةً، وَكَانَتْ تحدّث عنه أنه لا ينتسل مِنْ الْجَنَابَةِ، وَاسْمُهَا الْمَرْزُبَانَةُ، وَفِي صُورَةِ قَتْلِهِ اخْتِلَافٌ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُرِيت سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَنَفَخْتهمَا فَطَارَا، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتّعْبِيرِ: تَأْوِيلُ نَفْخِهِ لَهُمَا أَنّهُمَا بريحه قتلا، لأنه لم يغزهما

_ (1) فى الجمهرة هم: سعد الأكبر وسعد الأصغر، وعمرو، وعامر ومعاوية، وعزيز وعتيك وشهاب ومالك ويام وجشم والقرية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِنَفْسِهِ، وَتَأْوِيلُ الذّهَبِ أَنّهُ زُخْرُفٌ، فَدَلّ لَفْظُهُ عَلَى زَخْرَفَتِهِمَا، وَكَذِبِهِمَا، وَدَلّ الْإِسْوَارَانِ بِلَفْظِهِمَا عَلَى مَلِكَيْنِ لِأَنّ الْأَسَاوِرَةَ هُمْ الْمُلُوكُ، وَبِمَعْنَاهُمَا عَلَى التّضْيِيقِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ السّوَارِ مُضَيّقًا عَلَى الذّرَاعِ. زَيْدُ الْخَيْلِ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ زَيْدَ الْخَيْلِ، وَهُوَ زَيْدُ بْنُ مُهَلْهِلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُنْهِبٍ، يكنى: أبا مكنف الطّائىّ، واسم طيّئ أُدَدُ، وَقِيلَ لَهُ: زَيْدُ الْخَيْلِ لِخَمْسِ أَفْرَاسٍ، كَانَتْ لَهُ، لَهَا أَسْمَاءُ أَعْلَامٍ ذَهَبَ عَنّي حِفْظُهَا الْآنَ «1» . وَذَكَرَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنْ يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمّى الْمَدِينَةِ. أَسْمَاءُ الْحُمّى: قَالَ الرّاوِي: وَلَمْ يُسَمّهَا بِاسْمِهَا الْحُمّى، وَلَا أُمّ مَلْدَمٍ، سَمّاهَا بِاسْمٍ آخَرَ ذَهَبَ عَنّي، وَالِاسْمُ الّذِي ذَهَبَ عَنْ الرّاوِي مِنْ أَسْمَاءِ الْحُمّى، هُوَ أُمّ كُلْبَةَ، ذُكِرَ لِي أَنّ أَبَا عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ فِي مَقَاتِلِ الْفُرْسَانِ، وَلَمْ أَرَهُ، وَلَكِنْ رَأَيْت الْبَكْرِيّ ذَكَرَهُ فِي بَابٍ أَفْرَدَهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْبِلَادِ، وَلَهَا أَيْضًا اسْمٌ سِوَى هَذِهِ الْأَسْمَاءِ ذَكَرَهُ ابْنُ دريد فى الجمهرة، قَالَ: سَبَاطِ، مِنْ أَسْمَاءِ الْحُمّى عَلَى وَزْنِ

_ (1) ضبط منهب فى السمط بوزن منبر، ويقول البكرى: «وإنما سمى زيد الخيل لكثرة خيله، لأنه لم يكن لأحد من قومه، ولا لكثير من العرب إلا الفرس والفرسان، وكانت لزيد خيل كثيرة، فالتى ذكر منها فى شعره ستة: الهطال والكميت والورد والكامل وذؤل، «ولاحق» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَقَاشِ، وَأَمّا أُمّ مَلْدَمٍ، فَيُقَالُ بِالدّالِ، وَبِالذّالِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ [مِنْ] اللّدْمِ وَهُوَ شِدّةُ الضّرْبِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُمّ كُلْبَةَ هَذَا الِاسْمُ مُغَيّرًا مِنْ كُلْبَةٍ بِضَمّ الْكَافِ؛ والكلبة شدّة الرّعدة، وكلب البرد سدائده، فَهَذِهِ أُمّ كُلْبَةَ بِالْهَاءِ، وَهِيَ الْحُمّى، وَأَمّا أُمّ كُلْبٍ، فَشَجَرَةٌ لَهَا نُورٌ حَسَنٌ، وَهِيَ إذَا حُرّكَتْ أَنْتَنُ شَيْءٍ، وَزَعَمَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنّ الْغَنَمَ إذَا مَسّتْهَا لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَقْرَبَ الْغَنَمَ لَيْلَتَهَا تِلْكَ مِنْ شدة إنتانها. خبر زَيْدٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: وَذَكَرَ فِي خَبَرِ زَيْدِ الْخَيْلِ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيّ الْبَغْدَادِيّ مَا هَذَا نَصّهُ: خَرَجَ نفر من طىّء يريدون النبىّ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ وُفُودًا، وَمَعَهُمْ زَيْدُ الْخَيْلِ، وَوَزَرُ بْنُ سُدُوسٍ النّبْهَانِيّ وَقَبِيصَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ جُوَيْنٍ الْجِرْمِيّ، وَهُوَ النّصْرَانِيّ، وَمَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَيْبَرِيّ بْنِ أَفْلَتَ بْنِ سَلْسَلَةَ وَقُعَيْنُ بْنُ خُلَيْفٍ الطّرِيفِيّ رَجُلٌ مِنْ جَدِيلَةَ، ثُمّ مِنْ بَنِي بَوْلَانَ، فَعَقَلُوا رَوَاحِلَهُمْ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَدَخَلُوا، فَجَلَسُوا قَرِيبًا مِنْ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ، فَلَمّا نَظَرَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَيْهِمْ، قَالَ: إنّي خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ الْعُزّى، وَلَاتِهَا، وَمِنْ الْجَمَلِ الْأَسْوَدِ الّذِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، وَمِمّا حَازَتْ مِنَاع «1» ، مِنْ كُلّ ضَارٍ غَيْرِ نَفّاعٍ، فَقَامَ زَيْدُ الْخَيْلِ، فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِهِمْ خُلُقًا وَأَحْسَنِهِمْ وَجْهًا وَشِعْرًا، وَكَانَ يركب الفرس العظيم الطويل

_ (1) فى معجم البكرى: مناع: هضبة فى جبال طىء، أو هو اسم لأجأ، سمى بذلك لا متناعهم فيه من ملوك العرب والعجم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَتَخُطّ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ كَأَنّهُ حِمَارٌ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَتَى بِك مِنْ سَهْلِك وَحَزَنِك، وَسَهّلَ قَلْبَك لِلْإِيمَانِ، ثُمّ قَبَضَ عَلَى يَدِهِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا زَيْدُ الْخَيْلِ بْنُ مُهَلْهِلٍ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وَأَنّك عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ لَهُ: بَلْ أنت زيد الخير، ثُمّ قَالَ: يَا زَيْدُ مَا خُبّرْت عَنْ رَجُلٍ شَيْئًا قَطّ إلّا رَأَيْته دُونَ مَا خُبّرْت عَنْهُ غَيْرَك، فَبَايَعَهُ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا عَلَى مَا أَرَادَ، وَأَطْعَمَهُ قِرًى كَثِيرَةً، مِنْهَا: فَيْدٌ، وَكَتَبَ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى قَوْمِهِ إلّا وَزَرَ بْنَ سُدُوسٍ، فَقَالَ: إنّي لَأَرَى رَجُلًا لَيَمْلِكَنّ رِقَابَ الْعَرَبِ، وَلَا وَاَللهِ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتِي عَرَبِيّ أَبَدًا، ثُمّ لَحِقَ بِالشّامِ، وَتَنَصّرَ وَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَلَمّا قَامَ زَيْدٌ مِنْ عِنْدِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَيْ فَتًى لَمْ تُدْرِكْهُ أُمّ كُلْبَةَ، يَعْنِي: الْحُمّى، وَيُقَالُ: بَلْ قَالَ: إنْ نَجَا مِنْ آجَامِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ زَيْدٌ حِينَ انْصَرَفَ: أُنِيخَتْ بِآجَامِ الْمَدِينَةِ أَرْبَعًا ... وَعَشْرًا يُغَنّي فَوْقَهَا اللّيْلَ طَائِرُ فَلَمّا قَضَتْ أَصْحَابُهَا كُلّ بُغْيَةٍ ... وَخَطّ كِتَابًا فِي الصّحِيفَةِ سَاطِرُ شَدَدْت عَلَيْهَا رَحْلَهَا وَشَلِيلَهَا ... مِنْ الدّرْسِ وَالشّعْرَاءِ وَالْبَطْنُ ضَامِر الدّرْسُ: الْجَرَبُ. وَالشّعْرَاءُ: ذُبَابٌ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ فِي حَدِيثِهِ: وَأَهْدَى زَيْدٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مخذما وَالرّسُوبَ، وَكَانَا سَيْفَيْنِ لِصَنَمِ بَلِيّ الْفَلْسِ «1» ، فَلَمّا انْصَرَفُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:

_ (1) الفلس بضم الفاء واللام، أو سكونها أو بفتح الفاء وسكون اللام هو-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا قَدِمَ عَلَيّ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ يُفَضّلُهُ قَوْمُهُ إلّا رَأَيْته دُونَ مَا يُقَالُ إلّا مَا كَانَ مِنْ زَيْدٍ، فَإِنْ يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمّى الْمَدِينَةِ فَلِأَمْرٍ مَا هُوَ. وَقَوْلُهُ: أَلَا رُبّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْت لَعَادَنِي ... عَوَائِدُ مَنْ لَمْ يُبْرَ مِنْهُنّ يُجْهَدْ وَبَعْدَهُ: فَلَيْتَ اللّوَاتِي عُدْنَنِي لَمْ يَعُدْنَنِي ... وَلَيْتَ اللّوَاتِي غِبْنَ عَنّي شُهّدِي قُدُومُ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ وَهُوَ عَدِيّ بْنُ حَاتِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سعد بن حشرج بن امرىء القيس ابن عَدِيّ «1» بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَرْوَلَ بْنِ ثُعَلَ بن عمرو بن الغوث بن طيّئ، يُكَنّى أَبَا ظَرِيفٍ «2» ، وَحَدِيثُ إسْلَامِهِ صَحِيحٌ عَجِيبٌ خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ، وَأُخْتُهُ الّتِي ذُكِرَ إسْلَامُهَا أَحْسَبُ اسْمَهَا سَفّانَةَ، لِأَنّي وَجَدْت فِي خَبَرٍ عَنْ امْرَأَةِ حَاتِمٍ تَذْكُرُ فِيهِ مِنْ سَخَائِهِ قَالَتْ: فَأَخَذَ حَاتِمٌ عَدِيّا يُعَلّلُهُ مِنْ الْجُوعِ، وَأَخَذْت أَنَا سَفّانَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لِعَدِيّ وَلَدًا نُقْرَضُ عقبه، ولحاتم عقب من قبل

_ - صنم طىء الذى بعث النبى «ص» عليا لهدمه سنة تسع. وكان آنقا أحمر فى وسط أجأ كأنه تمثال إنسان. وأخذ سيفين مشهورين يقال لهما المخذم ورسوب كان الحارث بن أبى شمر الغسلان؟؟؟ قلده إياهما. أنظر الطبرى ص 177 ج 3 ط المعارف، ولسان العرب مادة خذم والمراصد. (1) فى إمتاع الأسماع بعد عدى: ابن أخزم بن أبى أخزم بن ربيعة بن ثعل ابن جرول. (2) فى الإصابة: طريف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَاتِمٍ، ذَكَرَهُ الْقُتَبِيّ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ بِنْتٌ إلّا سَفّانَةُ، فَهِيَ إذًا هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي السّيرَةِ وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَأُمّ حاتم: عنبة «1» بنت عفيف [بن عمرو «2» ابن عَبْدِ الْقَيْسِ] كَانَتْ مِنْ أَكْرَمِ النّاسِ وَهِيَ الّتِي تَقُولُ: لَعَمْرِي لَقَدْ مَا عَضّنِي الْجُوعُ عَضّةً ... فَآلَيْت أَلّا أَحْرِمَ الدّهْرَ جَائِعًا «3» وَالسّفّانَةُ: الدّرّةُ، وَبِهَا كَانَ يُكَنّى حَاتِمٌ. حَدِيثُ فَرْوَةَ «مَعْنَى قَرْوٍ» . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ فَرْوَةَ وَقَوْلَهُ: طَرَقَتْ سُلَيْمَى مَوْهِنًا أَصْحَابِي ... وَالرّومُ بَيْنَ الْبَابِ وَالْقِرْوَانِ «4» الْقِرْوَانُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ قرو، وهو حوض الماء مثل صنوان،

_ (1) قال عنها القالى: غنية بِنْتُ عَفِيفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ. وقال البكرى: وصواب اسمها عنبة.. وقد تصحف فى عامة الكتب بعتبة وغنية. ص 23 ح 3 ط 2 الأمالى وص 13 ح 3 سمط اللآلى. (2) الزيادة من الأمالى المكان السابق. (3) فى الأمالى ألا أمنع، وقد حجر أهلها عليها لإتلافها ما لها فى الكرم، فلما ظنوا أنها قد وجدت الم ذلك أعطوها صرمة من إبلها، فجامتها هوازنية فأعطتها إياها، ثم أنشدت هذا البيت، وبعده: فقولا لهذا اللائم اليوم أعفنى ... فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا فماذا عسيتم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا ولا ما ترون الخلق إلا طبيعة ... فكيف بتركى يابن أم الطبائعا ص 24 ح 3 الأمالى ط 1. (4) هذا البيت ليس فى السيرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ: قَرِيّ مِثْلُ صَلِيبٍ وَصُلْبَانٍ. وَأَصَحّ مَا قِيلَ فِي الْقَرْوِ إنّهُ حُوَيْضٌ مِنْ خَشَبٍ تُسْقَى فِيهِ الدّوَابّ، وَتَلِغُ فِيهِ الْكِلَابُ، وَفِي الْمَثَلِ: مَا فِيهَا لَاعِي قَرْوٍ، أَيْ: «1» مَا فِي الدّارِ حَيَوَانٌ، وَأَرَادَ: بِلَاعِي قَرْوٍ، لَاعِقَ قَرْوٍ، وَقَلَبَ الْقَافَ الْأُولَى يَاءً لِلتّضْعِيفِ. إبْدَالُ آخِرِ حَرْفٍ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ: وَحَسّنَ ذَلِكَ أَنّهُ اسْمُ فَاعِلٍ، وَقَدْ يُبْدِلُونَ مِنْ آخِرِ حَرْفٍ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ يَاءً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمّ تَضْعِيفٌ، كَقَوْلِهِمْ فِي الْخَامِسِ: خَامِيهِمْ، وَفِي سَادِسِهِمْ سَادِيهِمْ، وَكَذَلِكَ إلَى الْعَاشِرِ؛ وَنَحْوٌ مِنْهُ: مَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ. وَلِضَفَادِي جَمّهِ نَقَانِقُ «2» أَيْ لِضَفَادِعِ جَمّهِ، وَأَنْشَدَ: من الثّعالى ووخز من أرانبها «3»

_ (1) فى الأصل: قروائى. (2) فى الأصل: جبه. وأول البيت: ومنهل ليس له حوازق وقيل: إن صانع البيت: خلف الأحمر. والحوازق الجماعات. والجم: جمع جمة، وهى معظم الماء ومجتمعه ص 344 ح 1 كتاب سيبويه. (3) البيت لرجل من بنى يشكر. وأوله: لها أشارير من لحم تتمره والأشارير: جمع إشرارة وهى القطعة من اللحم يجفف للادخار. وتتمره: تجففه. والبيت فى وصف عقاب «المصدر السابق» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَرَادَ الثّعَالِبَ وَأَرَانِبِهَا، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْرُوفًا فَلَاعِي قَرْوٍ أَحَقّ أَنْ يُقْلَبَ آخِرُهُ يَاءً كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ قَافَيْنِ. وَذَكَرَ قُدُومَ وَفْدِ كِنْدَةَ، وَفِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: لَا نَقْفُو أُمّنَا، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، وَفِي هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْأَشْعَثَ قَدْ أَصَابَ فِي بَعْضِ قَوْلِهِ: نَحْنُ وَأَنْتَ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، وَذَلِكَ أَنّ فِي جَدّاتِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هِيَ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ، مِنْهُنّ: دَعْدُ بِنْتُ سُرَيْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْكِنْدِيّ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ أُمّ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ، وَقِيلَ: بَلْ هِيَ جَدّةُ كِلَابٍ أُمّ أُمّهِ هِنْدٍ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ هِنْدًا هَذِهِ، وَأَنّهَا وَلَدَتْ كِلَابًا. قُدُومُ وَفْدِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ ذَكَرَ فِيهِمْ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَدَانِ، وَاسْمُ عَبْدِ الْمَدَانِ عَمْرُو بْنُ الدّيّانِ، وَالدّيّانُ اسْمُهُ: يَزِيدُ بْنُ قَطَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ بن كعب ابن الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ الْحَارِثِيّ. وَذَكَرَ فِيهِمْ أَيْضًا ذَا الْغُصّةِ، وَاسْمُهُ الْحُصَيْنُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ شَدّادٍ الْحَارِثِيّ، وَقِيلَ لَهُ: ذُو الْغُصّةِ، لِغُصّةٍ كَانَتْ فِي حَلْقِهِ لَا يَكَادُ يُبِينُ مِنْهَا، وذكره عمر ابن الْخَطّابِ يَوْمًا، فَقَالَ: لَا تُزَادُ امْرَأَةٌ فِي صَدَاقِهَا عَلَى كَذَا وَكَذَا، وَلَوْ كَانَتْ بِنْتَ ذِي الْغُصّةِ. وَذَكَرَ فِيهِمْ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللهِ الضّبَابِيّ، وَهُوَ ضِبَابٌ بِكَسْرِ الضّادِ فِي بنى الحارث بن كعب بن مذحج، وَضِبَابٌ أَيْضًا فِي قُرَيْشٍ وَهُوَ ابْنُ حُجَيْرِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرٍ أَخُو حَجَرِ بْنِ عَبْدٍ، وَفِي حَجَرٍ وَحُجَيْرٍ يَقُولُ الشّاعِرُ: أُنْبِئْت أَنّ غُوَاةً مِنْ بَنِي حَجَرٍ ... وَمِنْ حُجَيْرٍ بِلَا ذَنْبٍ أَرَاغُونِي أَغْنُوا بَنِي حَجَرٍ عَنّا غُوَاتَكُمْ ... وَيَا حُجَيْرُ إلَيْكُمْ لا تبوروني والضّباب فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَهُمْ ضِبَابٌ وَمُضِبّ وَحِسْلٌ وَحُسَيْلٌ بَنُو مُعَاوِيَةَ بْنِ كِلَابٍ، وَأَمّا الضّبَابُ بِالْفَتْحِ، فَفِي نَسَبِ النّابِغَةِ الذّبْيَانِيّ ضَبَابُ بْنُ يَرْبُوعِ بْنِ غَيْظٍ، وَأَمّا الضّبَابُ بِالضّمّ فَزَيْدٌ وَمَنْجَا «1» ابْنَا ضُبَابٍ مِنْ بَنِي بَكْرٍ، ذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ. وُفُودُ رِفَاعَةَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ وُفُودَ رِفَاعَةَ الضّبَيْبِيّ، وَأَنّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا، وَذَلِكَ الْغُلَامُ هُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي الْمُوَطّإِ «2» . وَذَكَرَ وَفْدَ هَمْدَانَ، وَمَالِكَ بْنَ نَمَطٍ الْهَمْدَانِيّ الّذِي يُقَالُ لَهُ ذُو الْمِشْعَارِ، وَكُنْيَتُهُ: أَبُو ثَوْرٍ وَقَعَ فِي النّسْخَةِ، وَفِي أَكْثَرِ النّسَخِ: وَأَبُو ثَوْرٍ بِالْوَاوِ، كَأَنّهُ غَيْرُهُ، وَالصّوَابُ سُقُوطُ الْوَاوِ، لِأَنّهُ هُوَ هُوَ، وَقَدْ يخرج إثبات الواو على

_ (1) فى القاموس: والمنجى للمفعول: سيف واسم. (2) وقع ذكره أيضا فى الصحيحين من طريق سالم مولى ابن مطيع عن أبى هريرة فى فتح خيبر. وفيه أن مدعما أصابه سهم عائر فقتله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إضْمَارِ هُوَ، كَأَنّهُ قَالَ: وَهُوَ أَبُو ثَوْرٍ ذُو الْمِشْعَارِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، فَقَالَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ: مَالِكٌ ذُو الْمِشْعَارِ، وَذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فَقَالَ: هُوَ ذُو الْمِشْعَارِ يُكَنّى: أَبَا ثَوْرٍ، وَفِي الْكِتَابِ الّذِي كَتَبَهُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللهِ إلَى مِخْلَافِ خَارِفٍ وَيَامٍ وَأَهْلِ جَنَابِ الْهَضْبِ وَحِقَافِ الرّمْلِ مَعَ وَافِدِهَا ذِي الْمِشْعَارِ مَالِكِ بْنِ نَمَطٍ، فَهَذَا كُلّهُ يَدُلّ عَلَى أَنّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: وَأَبُو ثَوْرٍ ذُو الْمِشْعَارِ لَا مَعْنَى لَهُ. وَقَوْلُهُ: عَلَيْهِمْ مُقَطّعَاتُ الْحِبَرَاتِ: الْمُقَطّعَاتُ مِنْ الثّيَابِ فِي تَفْسِيرِ أَبِي عُبَيْدٍ، هِيَ الْقِصَارُ، وَاحْتَجّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ فِي صَلَاةِ الضّحَى إذَا انْقَطَعَتْ الظّلَالُ، أَيْ: قَصُرَتْ، وَبِقَوْلِهِمْ فِي الْأَرَاجِيزِ: مُقَطّعَاتٍ، وَخَطّأَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي هَذَا التّأْوِيلِ، وَقَالَ: إنّمَا الْمُقَطّعَاتُ الثّيَابُ الْمَخِيطَةُ كَالْقُمُصِ وَنَحْوِهَا، سُمّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنّهَا تُقَطّعُ وَتُفَصّلُ ثُمّ تُخَاطُ «1» ، وَاحْتَجّ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عَنْ بَعْضِ وَلَدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَفِيهِ أَنّهُ خَرَجَ وَعَلَيْهِ مُقَطّعَاتٌ يَجُرّهَا، فَقَالَ لَهُ شَيْخٌ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ: لَقَدْ رَأَيْت أَبَاك، وَكَانَ مُشَمّرًا غَيْرَ جَرّارٍ لِثِيَابِهِ، فَقَالَ لَهُ الْفَتَى: لَقَدْ هَمَمْت بِتَقْصِيرِهَا، فَمَنَعَنِي قَوْلُ الشّاعِرِ فِي أَبِيك: قَصِيرُ الثّيَابِ فَاحِشٌ عِنْدَ ضَيْفِهِ ... لِشَرّ قُرَيْشٍ «2» فى قريش مركّبا

_ (1) فى شرح السيرة لأبى ذر: مقطعات: ثياب وشى يصنع باليمن. والميس خشب تصنع منه الرجال التى تكون على ظهر الإبل. (2) فى السمط: عند بيته وشر قريش. والقصة أن هشام بن عبد الملك خرج وهو سوقة إلى بيت المقدس، فمر بدمشق، فلقيه محمد بن الضحاك بن قيس-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالظّاهِرُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِمْ مُقَطّعَاتُ الْحِبَرَاتِ مَا قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَلَا مَعْنَى لِوَصْفِهَا بِالْقِصَرِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ. وَالْمَهْرِيّةُ مَنْسُوبَةٌ إلَى مَهْرَةَ بن حيدان «1» ابن الخاف بْنِ قُضَاعَةَ «2» . وَالْأَرْحَبِيّةُ: مَنْسُوبَةٌ إلَى أَرْحَبَ بَطْنٍ مِنْ هَمْدَانَ. وَيَامٌ هُوَ يَامُ بْنُ أُصْبَى، وَخَارِفُ بْنُ الْحَارِثِ بَطْنَانِ مِنْ هَمْدَانَ يُنْسَبُ إلَى يَامٍ: زُبَيْدُ [بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ] الْيَامِيّ الْمُحَدّثُ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ فِيهِ: الْأَيَامِيّ. وَالْفِرَاعُ: مَا عَلَا مِنْ الْأَرْضِ. وَالْوِهَاطُ: مَا انْخَفَضَ مِنْهَا، وَاحِدُهَا: وَهْطٌ. وَلَعْلَعٌ: اسْمُ جَبَلٍ. وَالصّلّعُ: الْأَرْضُ الْمَلْسَاءُ. وَالْخَفَيْدَدُ: وَلَدُ النّعَامَةِ. وَالْهِجَفّ: الضّخْمُ. وَذَكَرَ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكرب، وقيس بن مكشوح.

_ - الفهرى، وهو واليها يومئذ، وعلى هشام ثياب يجرها، فقال له: أما رأيت أمير المؤمنين عبد الملك يعرض له بجر ثيابه؟ فقال هشام: بلى، قال: فكيف رأيته؟ قال مهجرا مشمرا، قال: فما بالك أنت؟ قال: فعلت هذا لقول الشاعر. ثم ذكر للبيت. أنظر ص 165 سمط اللآلى، وص 174 ح 6 الحيوان للجاحظ. (1) فى الأصل: المهدية ومهدة بن حيران وهو خطأ وهو فى الاشتقاق: مهرة بن حيدان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وصوابه حيدان بن عمرو بن الحاف، وكذا فى جهرة الأنساب لابن الكلبى، وفى الجمهرة لابن حزم، أنظر ص 552 الاشتقاق. ص 52 قلائد الجمان للقلقشندى ولكنهم فى كتابه نهاية الأرب مهرة بين حيدان بن عمران بن الحافى بن قضاعة ص 247 وانظر ص 412 الجمهرة لابن حزم وص 296 ج 2 نهاية الأرب للنويرى. (2) ابن الحارث بن عبد الكريم زيادة من لباب الأنساب، وأصبى كما ورد فى اللباب ابن رافع بن مالك بن حسم بن حاشد بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان.

حجة الوداع

[حجة الوداع] [تجهز الرسول واستعماله على المدينة أبا دجانة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذُو الْقَعَدَةِ، تَجَهّزَ لِلْحَجّ، وَأَمَرَ النّاسَ بِالْجَهَازِ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْحَجّ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعَدَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أبا دجانة الساعدى، ويقال: سباع ابن عرفطة الغفارىّ. ـــــــــــــــــــــــــــــ وَذَكَرَ فِي الشّعْرِ: تُلَاقِ شَنْبَثًا شَثْنَ الْ ... بَرَاثِنِ نَاشِزًا قَتَدَهْ «1» أَلْفَيْت بِخَطّ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ قَالَ: قَالَ الْقَاضِي: لَا أَعْرِفُ شَنْبَثًا الْآنَ، وَلَعَلّهُ تُلَاقِ شَرْ نَبَثًا «2» ، وَجَزَمَ تُلَاقِ لِمَا فِي قَوْلِهِ: فَلَوْ لَاقَيْتنِي مِنْ قُوّةِ الشّرْطِ، فَكَأَنّهُ أَرَادَ: إنْ لا قيتنى تلاق.

_ (1) فى السيرة: كنده (2) للغليظ الكفين والرجلين والأشد.

ما أمر به الرسول عائشة فى حيضها

[مَا أَمَرَ بِهِ الرّسُولُ عَائِشَةَ فِي حَيْضِهَا] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَا يَذْكُرُ وَلَا يَذْكُرُ النّاسُ إلّا الْحَجّ، حَتّى إذَا كَانَ بِسَرِفٍ وَقَدْ سَاقَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ الْهَدْيَ وَأَشْرَافٌ مِنْ أَشْرَاف النّاسِ، أَمَرَ النّاسَ أَنْ يُحِلّوا بِعُمْرَةِ، إلّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ؛ قَالَتْ: وَحِضْت ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَدَخَلَ عَلَيّ وأنا أبكى، فقال: مالك يَا عَائِشَةُ؟ لَعَلّك نُفِسْت؟ قَالَتْ: قُلْت: نَعَمْ، وَاَللهِ لَوَدِدْت أَنّي لَمْ أَخْرُجْ مَعَكُمْ عَامِي فِي هَذَا السّفَرِ؛ فَقَالَ: لَا تَقُولِنّ ذَلِكَ، فَإِنّك تَقْضِينَ كُلّ مَا يَقْضِي الْحَاجّ إلّا أَنّك لَا تَطُوفِينَ بِالْبَيْتِ قَالَتْ: وَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكّةَ، فَحَلّ كُلّ مَنْ كَانَ لَا هَدْيَ مَعَهُ، وَحَلّ نِسَاؤُهُ بِعُمْرَةٍ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ النّحْرِ أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ كَثِيرٍ، فَطُرِحَ فِي بَيْتِي، فَقُلْت: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ، حَتّى إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ، بَعَثَ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَخِي عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَأَعْمَرَنِي مِنْ التّنعيم، مكان عمرتى التى فاتتنى. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي نَافِعٌ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عمر، عن حفصة بنت عُمَرَ، قَالَتْ: لَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِسَاءَهُ أَنْ يُحْلِلْنَ بِعُمْرَةٍ، قُلْنَ: فَمَا يَمْنَعُك يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ تُحِلّ مَعَنَا؟ فَقَالَ: إنّي أَهْدَيْتُ وَلَبّدْت، فَلَا أُحِلّ حَتّى أَنْحَرَ هَدْيِي. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

موافاة على فى قفوله من اليمن رسول الله فى الحج

[مُوَافَاةُ عَلِيّ فِي قُفُولِهِ مِنْ الْيَمَنِ رَسُولَ الله فى الحج] [ما أمر به الرسول عليّا من أمور الحج] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ بَعَثَ عَلِيّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلَى نَجْرَانَ، فَلَقِيَهُ بِمَكّةَ وَقَدْ أَحْرَمَ، فَدَخَلَ عَلَى فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرِضَى عَنْهَا، فَوَجَدَهَا قد حلّت وتهيّأت، فقال: مالك يَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ؟ قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحِلّ بِعُمْرَةِ فَحَلَلْنَا. ثُمّ أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ سَفَرِهِ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، انْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَحِلّ كَمَا حَلّ بِأَصْحَابِك. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إنّي أَهْلَلْتُ كَمَا أَهْلَلْتَ؛ فَقَالَ: ارْجِعْ فَاحْلِلْ كَمَا حَلّ أَصْحَابُك؛ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي قُلْت حِينَ أَحْرَمْتُ: اللهُمّ إنّي أُهِلّ بِمَا أَهَلّ بِهِ نَبِيّك وَعَبْدُك وَرَسُولُك مُحَمّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؛ قَالَ: فَهَلْ مَعَك مِنْ هَدْيٍ؟ قَالَ: لَا. فَأَشْرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي هَدْيِهِ، وَثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتّى فَرَغَا مِنْ الْحَجّ، وَنَحَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْهَدْيَ عنهما. [شَكَا عَلِيّا جَنَدُهُ إلَى الرّسُولِ لِانْتِزَاعِهِ عَنْهُمْ حُلَلًا مِنْ بَزّ الْيَمَنِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، قَالَ: لَمّا أَقْبَلَ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ الْيَمَنِ لِيَلْقَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ، تَعَجّلَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خطبة الرسول فى حجة الوداع

عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى جُنْدِهِ الّذِينَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَعَمِدَ ذَلِكَ الرّجُلُ فَكَسَا كُلّ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ حُلّةً مِنْ الْبَزّ الّذِي كَانَ مَعَ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَلَمّا دَنَا جَيْشُهُ خَرَجَ لِيَلْقَاهُمْ، فَإِذَا عَلَيْهِمْ الْحُلَلُ؛ قَالَ: وَيْلَك! مَا هَذَا؟ قَالَ: كَسَوْت الْقَوْمَ لِيَتَجَمّلُوا بِهِ إذَا قَدِمُوا فِي النّاسِ، قَالَ: وَيْلك! انْزِعْ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَانْتَزَعَ الْحُلَلَ مِنْ النّاسِ، فَرَدّهَا فِي الْبَزّ، قَالَ: وَأَظْهَرَ الْجَيْشَ شَكْوَاهُ لِمَا صُنِعَ بِهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: اشْتَكَى النّاسُ عَلِيّا رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا خَطِيبًا، فَسَمِعْته يَقُولُ: أَيّهَا النّاسُ، لا تشكوا عليّا، فو الله إنّهُ لَأَخْشَنُ فِي ذَاتِ اللهِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللهِ، مِنْ أَنْ يُشْكَى. [خُطْبَةُ الرّسُولِ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حَجّهِ، فَأَرَى النّاسَ مَنَاسِكَهُمْ، وَأَعْلَمَهُمْ سُنَنَ حَجّهِمْ، وَخَطَبَ النّاسَ خُطْبَتَهُ الّتِي بَيّنَ فِيهَا مَا بَيّنَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ قَالَ: أَيّهَا النّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي، فَإِنّي لَا أَدْرِي لَعَلّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا، أَيّهَا النّاسُ، إنّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، وَإِنّكُمْ سَتَلْقَوْنَ رَبّكُمْ، فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَقَدْ بَلّغْت، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلِيُؤَدّهَا إلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، وَإِنّ كُلّ رِبًا موضوع، ولكن لكم رؤس أَمْوَالِكُمْ، لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ. قَضَى اللهُ أنه لاربا، وَإِنّ رِبَا عَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلّهُ، وَأَنّ كُلّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ موضوع، وإن أوّل دمائكم أضع دم ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ فَهُوَ أَوّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيّةِ. أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ، فَإِنّ الشّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا، وَلَكِنّهُ إنْ يُطَعْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ مِمّا تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ، أَيّهَا النّاسُ: إنّ النّسِيءَ زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا، يُحِلّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا، لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ مَا حَرّمَ اللهُ، فَيَحِلّوا مَا حَرّمَ اللهُ، وَيُحَرّمُوا مَا أَحَلّ اللهُ. وَإِنّ الزّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَإِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ، فَإِنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّا، وَلَهُنّ عَلَيْكُمْ حَقّا، لَكُمْ عَلَيْهِنّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، وَعَلَيْهِنّ أَنْ لَا يَأْتِينَ بِفَاحِشَةِ مُبَيّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَإِنّ اللهَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَهْجُرُوهُنّ فِي الْمَضَاجِعِ وَتَضْرِبُوهُنّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرّحٍ، فَإِنْ انْتَهَيْنَ فَلَهُنّ رِزْقُهُنّ وَكُسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ، وَاسْتَوْصُوا بِالنّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنّهُنّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ لَا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنّ شَيْئًا، وَإِنّكُمْ إنّمَا أَخَذْتُمُوهُنّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنّ بِكَلِمَاتِ اللهِ، فَاعْقِلُوا أَيّهَا النّاسُ قَوْلِي، فَإِنّي قَدْ بَلّغْت، وقد تركت ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اسم الصارخ بكلام الرسول وما كان يردده

فِيكُمْ مَا إنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلّوا أَبَدًا، أَمْرًا بَيّنًا، كِتَابَ اللهِ وَسُنّةَ نَبِيّهِ. أَيّهَا النّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي وَاعْقِلُوهُ، تَعَلّمُنّ أَنّ كُلّ مُسْلِمٍ أَخٌ لِلْمُسْلِمِ، وَأَنّ الْمُسْلِمِينَ إخْوَةٌ، فلا يحل لا مرئ مِنْ أَخِيهِ إلّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ؛ فَلَا تَظْلِمُنّ أَنَفْسَكُمْ، اللهُمّ هَلْ بَلّغْت؟ فَذُكِرَ لِي أَنّ النّاسَ قَالُوا: اللهُمّ نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اشهد. [اسْمُ الصّارِخِ بِكَلَامِ الرّسُولِ وَمَا كَانَ يُرَدّدُهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ: كَانَ الرّجُلُ الّذِي يَصْرُخُ فِي الناس بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، رَبِيعَة بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلْفٍ. قَالَ: يَقُولُ له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قُلْ يَا أَيّهَا النّاسُ، إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ: هَلّا تَدْرُونَ أَيّ شَهْرٍ هَذَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ، فَيَقُولُونَ: الشّهْرُ الْحَرَامُ، فَيَقُولُ: قُلْ لَهُمْ: إنّ اللهَ قَدْ حَرّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا؛: ثُمّ يَقُولُ: قُلْ: يَا أَيّهَا النّاسُ، إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ: هَلْ تَدْرُونَ أَيّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالَ: فَيَصْرُخُ بِهِ، قَالَ: فَيَقُولُونَ. الْبَلَدُ الْحَرَامُ، قَالَ: فَيَقُولُ: قُلْ لَهُمْ: إنّ اللهَ قَدْ حَرّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أن تقلوا رَبّكُمْ، كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا. قَالَ: ثُمّ يَقُولُ: قُلْ: يَا أَيّهَا النّاسُ، إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ: هَلْ تَدْرُونَ أَيّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَ: فَيَقُولُهُ لَهُمْ. فَيَقُولُونَ: يَوْمُ الْحَجّ الْأَكْبَرِ؛ قَالَ: فَيَقُولُ: قُلْ لَهُمْ: إنّ اللهَ قَدْ حَرّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رواية ابن خارجة عما سمعه من الرسول فى حجة الوداع

[رِوَايَةُ ابْنِ خَارِجَةَ عَمّا سَمِعَهُ مِنْ الرّسُولِ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ: بَعَثَنِي عَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، فَبَلَغَتْهُ، ثُمّ وَقَفْت تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنّ لُغَامَهَا لَيَقَعُ عَلَى رَأْسِي، فَسَمِعْته وَهُوَ يَقُولُ: أَيّهَا النّاسُ، إنّ اللهَ قَدْ أَدّى إلَى كُلّ ذِي حَقّ حَقّهُ، وَإِنّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيّةٌ لِوَارِثِ، وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَمَنْ ادّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ تَوَلّى غَيْرَ مَوَالِيَهُ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا. [بَعْضُ تَعْلِيمِ الرّسُولِ فِي الْحَجّ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، قَالَ: هَذَا الْمَوْقِفَ، لِلْجَبَلِ الّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَكُلّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ. وَقَالَ حِينَ وَقَفَ عَلَى قُزَحَ صَبِيحَةَ الْمُزْدَلِفَةِ: هَذَا الْمَوْقِفَ، وَكُلّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ. ثُمّ لَمّا نَحَرَ بالمنحر بمنى قال: هذا المنحر، وَكُلّ مِنًى مَنْحَرٌ. فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَجّ وَقَدْ أَرَاهُمْ مَنَاسِكَهُمْ، وَأَعْلَمَهُمْ مَا فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَجّهِمْ: مِنْ الْمَوْقِفِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَطَوَافٍ بِالْبَيْتِ، وَمَا أُحِلّ لَهُمْ مِنْ حَجّهِمْ، وَمَا حُرّمَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَتْ حِجّةَ الْبَلَاغِ، وَحَجّةَ الْوَدَاعِ، وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لم يحجّ بعدها. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين

[بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمّ قَفَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِي الْحَجّةِ وَالْمُحَرّمِ وَصَفَرَ، وَضَرَبَ عَلَى النّاسِ بَعْثًا إلَى الشّامِ، وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَاهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُوطِئَ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، فَتَجَهّزَ النّاسُ، وَأَوْعَبَ مَعَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ المهاجرون الأوّلون. [خروج رسول الله إلى الملوك] [تذكير الرسول قومه بما حدث للحواريين] حين اختلفوا على عيسى قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَى الْمُلُوكِ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ مَعَهُمْ إلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ عُمْرَتِهِ الّتِي صُدّ عَنْهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: أَيّهَا النّاسُ، إنّ اللهَ قَدْ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَكَافّةً، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيّ كَمَا اخْتَلَفَ الْحَوَارِيّونَ عَلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؛ فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَكَيْفَ اخْتَلَفَ الْحَوَارِيّونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: دَعَاهُمْ إلَى الّذِي دَعَوْتُكُمْ إلَيْهِ، فَأَمّا مِنْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا قَرِيبًا فَرَضِيَ وَسَلِمَ، وَأَمّا مَنْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا بَعِيدًا فَكَرِهَ وَجْهُهُ وَتَثَاقَلَ، فَشَكَا ذَلِكَ عِيسَى إلَى اللهِ، فَأَصْبَحَ الْمُتَثَاقِلُونَ وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَكَلّمُ بِلُغَةِ الْأُمّةِ الّتِي بُعِثَ إلَيْهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسماء الرسل ومن أرسلوا إليهم

[أَسَمَاءُ الرّسُلِ وَمَنْ أُرْسِلُوا إلَيْهِمْ] فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ مَعَهُمْ كُتُبًا إلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ فِيهَا إلَى الْإِسْلَامِ. فَبَعَثَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ إلَى قَيْصَرَ، مَلِكِ الرّومِ؛ وَبَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ حُذَافَةَ السّهْمِيّ إلَى كِسْرَى، مَلِكِ فَارِسَ، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ إلَى النّجاشى، ملك الحبشة، وبعث حاطب ابن أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقَسِ، مَلِكِ الإسكندرية، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ السّهْمِيّ إلَى جَيْفَرٍ وَعَيّادٍ ابْنَيْ الْجُلُنْدَى الْأَزْدِيّيْنِ، مَلِكَيْ عُمَانَ، وَبَعَثَ سَلِيطَ بْنُ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، إلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ، وَهَوْذَةُ بْنُ عَلِيّ الْحَنَفِيّينَ، مَلِكَيْ الْيَمَامَةِ، وَبَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيّ، مَلِكَ الْبَحْرَيْنِ، وَبَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ الْأَسْدِيّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسّانِيّ، مَلِكِ تُخُومِ الشّامِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ إلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسّانِيّ، وَبَعَثَ الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيّةَ الْمَخْزُومِيّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ الْحِمْيَرِيّ، مَلِكِ الْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنَا نَسِيت سَلِيطًا وَثُمَامَةَ وَهَوْذَةَ وَالْمُنْذِرَ. [رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ بَعْثِ الرّسُولِ رُسُلَهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيّ: أَنّهُ وَجَدَ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُ مَنْ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْبُلْدَانِ وَمُلُوكِ الْعَرَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسماء رسل عيسى

وَالْعَجَمِ، وَمَا قَالَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ بَعَثَهُمْ. قَالَ: فَبَعَثْت بِهِ إلَى مُحَمّدِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ فَعَرَفَهُ؛ وَفِيهِ: أَنّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ: إنّ اللهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَكَافّةً، فَأَدّوْا عَنّي يَرْحَمُكُمْ اللهُ، وَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيّ كَمَا اخْتَلَفَ الْحَوَارِيّونَ عَلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، قَالُوا: وَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ؟ قَالَ: دَعَاهُمْ لِمِثْلِ مَا دَعَوْتُكُمْ لَهُ، فَأَمّا مَنْ قَرّبَ بِهِ فَأَحَبّ وَسَلّمَ، وَأَمّا مَنْ بَعُدَ بِهِ فِكْرُهُ وَأَبَى، فَشَكَا ذَلِكَ عِيسَى مِنْهُمْ إلَى اللهِ، فَأَصْبَحُوا وَكُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَتَكَلّمُ بِلُغَةِ القوم الذين وجّه إليهم. [أَسَمَاءُ رُسُلِ عِيسَى] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ من بعث عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ الْحَوَارِيّينَ وَالْأَتْبَاعِ، الّذِينَ كَانُوا بَعْدَهُمْ فِي الْأَرْضِ: بُطْرُس الْحَوَارِيّ، وَمَعَهُ بُولُسُ، وَكَانَ بُولُسُ مِنْ الْأَتْبَاعِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيّينَ، إلَى رُومِيّةَ، وَأَنْدَرَائِسُ وَمَنْتَا إلَى الْأَرْضِ الّتِي يَأْكُلُ أَهْلُهَا النّاسَ، وَتُومَاسُ إلَى أَرْضِ بَابِلَ، مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ؛ وَفِيلِبس إلَى أرض قرطا جنّة، وَهِيَ إفْرِيقِيّةُ، وَيُحَنّسُ، إلَى أَفْسُوسَ، قَرْيَةُ الْفِتْيَةِ، أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَيَعْقُوبُسُ إلَى أَوْرْاشَلِمَ، وَهِيَ إيلِيَاءُ، قَرْيَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَابْنُ ثَلْمَاءَ إلَى الْأَعْرَابِيّةِ، وَهِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ، وَسِيمُن إلَى أَرْضِ الْبَرْبَرِ، وَيَهُوذَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيّينَ، جُعِلَ مَكَانَ يودس. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر جملة الغزوات

[ذِكْرُ جُمْلَةِ الْغَزَوَاتِ] بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ قال: حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هِشَامٍ، قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي: وكان جَمِيعُ مَا غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، مِنْهَا غَزْوَةُ وَدّانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ، ثُمّ غَزْوَةُ بُوَاط، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى، ثُمّ غَزْوَةُ الْعَشِيرَةِ، مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ، ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى، بطلب كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ، ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى، الّتِي قَتَلَ اللهُ فِيهَا صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ، حَتّى بَلَغَ الْكُدْرَ، ثُمّ غَزْوَةُ السّوِيقِ، يَطْلُبُ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، ثُمّ غَزْوَةُ غَطَفَانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمِر، ثُمّ غَزْوَةُ بَحْرَانَ، مَعْدِنٌ بِالْحِجَازِ، ثُمّ غَزْوَةُ أُحُدٍ، ثُمّ غَزْوَةُ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ، ثُمّ غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ. ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ، ثُمّ غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، ثُمّ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ، مِنْ هُذَيْلٍ، ثُمّ غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، ثُمّ غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ، لا يريد قتالا، فَصَدّهُ الْمُشْرِكُونَ، ثُمّ غَزْوَةُ خَيْبَرَ، ثُمّ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، ثُمّ غَزْوَةُ الْفَتْحِ، ثُمّ غَزْوَةُ حُنَيْنٍ، ثُمّ غَزْوَةُ الطّائِفِ ثُمّ غَزْوَةُ تَبُوكَ. قَاتَلَ مِنْهَا فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ: بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ، وَقُرَيْظَةَ، وَالْمُصْطَلِقِ، وَخَيْبَرَ، وَالْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ، وَالطّائِفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر جملة السرايا والبعوث

[ذِكْرُ جُمْلَةِ السّرَايَا وَالْبُعُوثِ] وَكَانَتْ بُعُوثُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَرَايَاهُ ثَمَانِيّا وَثَلَاثِينَ، مِنْ بَيْنَ بَعْثٍ وَسَرِيّةٍ: غَزْوَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَسْفَلَ مِنْ ثَنِيّةِ ذِي الْمَرْوَةِ، ثُمّ غَزْوَةُ حمزة ابن عبد المطّلب سَاحِلَ الْبَحْرِ، مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ؛ وَبَعْضُ النّاسِ يُقَدّمُ غَزْوَةَ حَمْزَةَ قَبْلَ غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ؛ وَغَزْوَةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ الْخَرّارَ، وَغَزْوَةُ عَبْدِ الله ابن جَحْشٍ نَخْلَةَ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْقَرَدَةَ، وَغَزْوَةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، وَغَزْوَةُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ الرّجِيعَ، وَغَزْوَةُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو بِئْرَ مَعُونَةَ، وَغَزْوَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ ذَا الْقَصّةِ، مِنْ طريق العراق، وغزوة عمر بن الخطّاب ترية مِنْ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ، وَغَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْيَمَنَ، وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْكَلْبِيّ، كَلْبِ لَيْثٍ، الْكَدِيدَ، فَأَصَابَ بَنِي الْمُلَوّحِ. [خَبَرُ غَزْوَةِ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الليثى بَنِي الْمُلَوّحِ] [شأن ابن البرصاء] وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا أَنّ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، حَدّثَنِي عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ الْجُهَنِيّ، عَنْ الْمُنْذِرِ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ مَكِيثٍ الْجُهَنِيّ، قَالَ: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبى، كَلْبَ بْنِ عَوْفِ بْنِ لَيْثٍ، فِي سَرِيّةٍ كُنْت فِيهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنّ الْغَارَةَ عَلَى بَنِي الْمُلَوّحِ، وَهُمْ بِالْكَدِيدِ، فَخَرَجْنَا، حَتّى إذَا كنا بقديد لقينا الحارث ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بلاء ابن مكيث فى هذه الغزوة

ابن مَالِكٍ، وَهُوَ ابْنُ الْبَرْصَاءِ اللّيْثِيّ، فَأَخَذْنَاهُ، فَقَالَ: إنّي جِئْت أُرِيدُ الْإِسْلَامَ، مَا خَرَجْت إلّا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا لَهُ: إنْ تَكُ مُسْلِمًا فَلَنْ يَضِيرُك رِبَاطُ لَيْلَةٍ، وَإِنْ تَكُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كُنّا قَدْ اسْتَوْثَقْنَا مِنْك، فَشَدَدْنَاهُ رِبَاطًا، ثُمّ خَلّفْنَا عَلَيْهِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا أَسْوَدَ، وَقُلْنَا لَهُ: إنْ عَازّك فَاحْتَزّ رَأْسَهُ. [بَلَاءُ ابْنِ مَكِيثٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ] قَالَ: ثُمّ سِرْنَا حَتّى أَتَيْنَا الْكَدِيدَ عِنْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ، فَكُنّا فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي، وَبَعَثَنِي أَصْحَابِي رَبِيئَةً لَهُمْ، فَخَرَجْت حَتّى آتِيَ تَلّا مُشْرَفًا عَلَى الْحَاضِرِ، فَأَسْنَدْت فِيهِ، فَعَلَوْتُ عَلَى رَأْسِهِ، فنظرت إلى الحاضر، فو الله إنّي لَمُنْبَطِحٌ عَلَى التّلّ، إذْ خَرَجَ رَجُلٌ منهم من خبائه، فقال لا مرأته: إنّي لَأَرَى عَلَى التّلّ سَوَادًا مَا رَأَيْته فِي أَوّلِ يَوْمِي، فَانْظُرِي إلَى أَوْعِيَتِك هَلْ تَفْقِدِينَ مِنْهَا شَيْئًا، لَا تَكُونُ الْكِلَابُ جَرّتْ بَعْضَهَا، قَالَ: فَنَظَرَتْ، فَقَالَتْ: لَا، وَاَللهِ مَا أَفْقِدُ شَيْئًا، قَالَ: فَنَاوِلِينِي قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ، فَنَاوَلَتْهُ، قال: فأرسل سهما، فو الله مَا أَخَطَأ جَنْبِي، فَأَنْزِعُهُ، فَأَضَعُهُ، وَثَبّتّ مَكَانِي، قَالَ: ثُمّ أَرْسَلَ الْآخَرَ، فَوَضَعَهُ فِي مَنْكِبِي، فَأَنْزِعُهُ فَأَضَعُهُ، وَثَبّتّ مَكَانِي، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: لَوْ كَانَ رَبِيئَةً لِقَوْمِ لَقَدْ تَحَرّكَ، لَقَدْ خَالَطَهُ سَهْمَايَ لَا أَبَا لَك، إذَا أَصْبَحْتِ فَابْتَغِيهِمَا، فَخُذِيهِمَا، لَا يَمْضُغُهُمَا عَلَيّ الْكِلَابُ. قَالَ: ثُمّ دخل. [نجاء المسلمين بالنعم] قَالَ: وَأَمْهَلْنَاهُمْ، حَتّى إذَا اطْمَأَنّوا وَنَامُوا، وَكَانَ فى وجه السّحر شننّا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعار المسلمين فى هذه الغزوة

عليهم الغارة، قَالَ: فَقَتَلْنَا، وَاسْتَقْنَا النّعَمَ، وَخَرَجَ صَرِيخُ الْقَوْمِ، فجاء نادهم لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ، وَمَضَيْنَا بِالنّعَمِ، وَمَرَرْنَا بِابْنِ الْبَرْصَاءِ وَصَاحِبِهِ، فاحتملناهما مَعَنَا، قَالَ: وَأَدْرَكْنَا الْقَوْمَ حَتّى قَرِبُوا مِنّا، قَالَ: فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إلّا وَادِي قُدَيْدٍ، فَأَرْسَلَ اللهُ الْوَادِيَ بِالسّيْلِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، مِنْ غَيْرِ سَحَابَةٍ نَرَاهَا وَلَا مَطَرٍ، فَجَاءَ بِشَيْءِ لَيْسَ لِأَحَدِ بِهِ قُوّةٌ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُجَاوِزَهُ، فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إلَيْنَا، وَإِنّا لَنَسُوقُ نَعَمَهُمْ، مَا يَسْتَطِيعُ مِنْهُمْ رَجُلٌ أَنْ يُجِيزَ إلَيْنَا، وَنَحْنُ نَحْدُوهَا سِرَاعًا، حَتّى فُتْنَاهُمْ، فَلَمْ يقدروا على طلبنا. [شعار المسلمين فى هذه الغزوة] قَالَ: فَقَدِمْنَا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن إسحاق: وحدثني رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ: أَنّ شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كن تِلْكَ اللّيْلَةَ: أَمِتْ أَمِتْ. فَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَحْدُوهَا: أَبَى أَبُو الْقَاسِمِ أَنْ تَعَزّبِي ... فِي خَضِلٍ نَبَاتُهُ مُغْلَوْلِبِ صُفْرٍ أَعَالِيهِ كَلَوْنِ الْمُدْهَبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: «كَلَوْنِ الذّهَبِ» . تَمّ خَبَرُ الْغُزَاةِ، وَعُدْت إلَى ذِكْرِ تفصيل السرايا والبعوث. [تَعْرِيفٌ بِعِدّةِ غَزَوَاتٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنى عبد الله ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة زيد بن حارثة إلى جذام

ابن سعد من أهل فَدَكَ، وَغَزْوَةُ أَبِي الْعَوْجَاءِ السّلَمِيّ أَرْضَ بَنِي سُلَيْمٍ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا، وَغَزْوَةُ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْغَمْرَةَ، وَغَزْوَةُ أَبِي سَلَمَةَ ابن عَبْدِ الْأَسَدِ قَطَنًا، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي أَسَدٍ، مِنْ نَاحِيَةِ نَجْدٍ، قُتِلَ بِهَا مَسْعُودُ ابن عُرْوَةَ، وَغَزْوَةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَخِي بَنِي حَارِثَةَ، الْقُرَطَاءَ مِنْ هَوَازِنَ، وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ بَنِي مُرّةَ بِفَدَكَ، وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ نَاحِيَةَ خَيْبَرَ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْجَمُومَ مِنْ أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ جُذَامَ، مِنْ أَرْضِ خُشَيْنٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَنْ نَفْسِهِ، وَالشّافِعِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ: مِنْ أَرْضِ حِسْمَى. [غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى جُذَامَ] [سببها] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا كَمَا حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامَ كَانُوا عُلَمَاءَ بِهَا، أَنّ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ، لَمّا قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بِكِتَابِهِ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَاسْتَجَابُوا لَهُ، لَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ صَاحِبِ الرّومِ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ وَمَعَهُ تِجَارَةٌ لَهُ، حَتّى إذَا كَانُوا بِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهِمْ يُقَالُ لَهُ شَنَار، أَغَارَ عَلَى دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْهُنَيْدُ بْنُ عُوصٍ، وَابْنُهُ عُوصُ بْنُ الْهُنَيْدِ الضّلَعِيّانِ. وَالضّلَيْعُ. بَطْنٌ مِنْ جذام، فأصابا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تمكن المسلمين من الكفار

كُلّ شَيْءٍ كَانَ مَعَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قَوْمًا مِنْ الضّبَيْبِ، رَهْطُ رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، مِمّنْ كَانَ أَسْلَمَ وَأَجَابَ؛ فَنَفَرُوا إلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، فِيهِمْ مِنْ بَنِي الضّبَيْبِ النّعْمَانُ بْنُ أَبِي جِعَالٍ، حَتّى لَقُوهُمْ، فَاقْتَتَلُوا، وَانْتَمَى؟؟؟ يَوْمئِذٍ قُرّةُ بْنُ أَشْقَرَ الضّفَاوِيّ ثُمّ الضّلَعِيّ، فَقَالَ: أَنَا ابْنُ لُبْنَى، وَرَمَى النّعْمَانَ بْنَ أَبِي جِعَالٍ بِسَهْمٍ، فَأَصَابَ رُكْبَتِهِ؛ فَقَالَ حِينَ أَصَابَهُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ لُبْنَى، وَكَانَتْ لَهُ أُمّ تُدْعَى لُبْنَى، وَقَدْ كَانَ حَسّانُ بْنُ مِلّة الضّبَيْبِيّ قَدْ صَحِبَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ، فعلّمه أمّ الكتاب. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قُرّةُ بْنُ أَشْقَرَ الضّفارى، وحيّان بن ملّة. [تمكن المسلمين من الكفار] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامَ، قَالَ: فَاسْتَنْقَذُوا مَا كَانَ فِي يَدِ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، فَرَدّوهُ عَلَى دِحْيَةَ، فَخَرَجَ دِحْيَةُ، حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، وَاسْتَسْقَاهُ دَمَ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَذَلِكَ الّذِي هَاجَ غَزْوَةَ زَيْدٍ جُذَامَ، وَبَعَثَ مَعَهُ جَيْشًا، وَقَدْ وَجّهَتْ غَطَفَانُ مِنْ جُذَامَ وَوَائِلٌ وَمَنْ كَانَ مِنْ سَلَامَانَ وَسَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ، حِين جَاءَهُمْ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ، بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى نَزَلُوا الْحَرّةَ، حَرّةَ الرّجْلَاءِ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكُرَاعِ رِبَةَ، لَمْ يَعْلَمْ، وَمَعَهُ نَاسٌ من بنى الضّبيب، وسائر بنى الصبيب بِوَادِي مَدَانٍ، مِنْ نَاحِيَةِ الْحَرّةِ، مِمّا يَسِيلُ مُشَرّقًا، وَأَقْبَلَ جَيْشُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَوْلَاجِ، فَأَغَارَ بِالْمَاقِصِ مِنْ قِبَلِ الْحَرّةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شأن حسان وأنيف ابنى ملة

فَجَمَعُوا مَا وَجَدُوا مِنْ مَالٍ أَوْ نَاسٍ، وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ وَابْنَهُ وَرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي الْأَجْنَفِ. قال ابن هشام: من بنى الأجنف. [شَأْنُ حَسّانَ وَأُنَيْفٍ ابْنِي مِلّة] قَالَ ابْنُ إسحاق فى حديثه: ورجلان مِنْ بَنِي الْخَصِيبِ. فَلَمّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ بَنُو الضّبَيْبِ وَالْجَيْشُ بِفَيْفَاءِ مَدَانٍ رَكِبَ نَفَرٌ مِنْهُمْ، وَكَانَ فِيمَنْ رَكِبَ مَعَهُمْ حَسّانُ بْنُ مِلّة، عَلَى فَرَسٍ لِسُوَيْدِ بْنِ زَيْدٍ، يُقَالُ لَهَا العجاجة، وأنيف ابن مِلّة عَلَى فَرَسٍ لِمَلّةَ يُقَالُ لَهَا: رِغَالٌ، وَأَبُو زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى فَرَسٍ يُقَال لَهَا شَمِرٌ، فَانْطَلَقُوا حَتّى إذَا دَنَوْا مِنْ الجيش، قال أبو زيد وحسّان لأنيف ابن مِلّة: كُفّ عَنّا وَانْصَرِفْ، فَإِنّا نَخْشَى لِسَانَك، فَوَقَفَ عَنْهُمَا فَلَمْ يَبْعُدَا مِنْهُ حَتّى جَعَلَتْ فَرَسُهُ تَبْحَثُ بِيَدَيْهَا وَتَوَثّبَ، فَقَالَ: لَأَنَا أَضَنّ بِالرّجُلَيْنِ مِنْك بِالْفَرَسَيْنِ، فَأَرْخَى لَهَا، حَتّى أَدْرَكَهُمَا، فَقَالَا لَهُ: أَمّا إذَا فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ فَكُفّ عَنّا لِسَانَك، وَلَا تَشْأَمْنَا الْيَوْمَ، فَتَوَاصَوْا أن لا يتكلّم منهم إلا حسّان ابن مِلّة، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ كَلِمَةٌ فِي الْجَاهِلِيّةِ قَدْ عَرَفَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ قَالَ: بُورَى أَوْ ثُورَى، فَلَمّا بَرَزُوا عَلَى الْجَيْشِ، أَقْبَلَ الْقَوْم يَبْتَدِرُونَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ حَسّانُ: إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَدْهَمَ، فَأَقْبَلَ يَسُوقُهُمْ، فَقَالَ أُنَيْفٌ: بُورَى، فَقَالَ حَسّانُ: مَهْلًا، فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ حَسّانُ: إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، فَقَالَ لَهُ زيد: فاقرؤا أُمّ الْكِتَابِ، فَقَرَأَهَا حَسّانُ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قدومهم على الرسول وشعر أبى جعال

حَارِثَةَ: نَادُوا فِي الْجَيْشِ: أَنّ اللهَ قَدْ حرّم علينا ثغرة القوم التى جاؤا منها إلا من ختر. [قدومهم على الرسول وشعر أبى جعال] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَإِذَا أُخْتُ حَسّانَ بْنِ مِلّةَ، وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي وَبْرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الضّبَيْبِ فِي الْأُسَارَى، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: خُذْهَا، وَأَخَذَتْ بِحَقْوَيْهِ، فَقَالَتْ أُمّ الفزز الضّلَعِيّة: أَتَنْطَلِقُونَ بِبَنَاتِكُمْ وَتَذَرُونَ أُمّهَاتِكُمْ؟ فَقَالَ أَحَدُ بَنِي الْخَصِيبِ: إنّهَا بَنُو الضّبَيْبِ وَسِحْرُ أَلْسِنَتِهِمْ سَائِرَ الْيَوْمِ، فَسَمِعَهَا بَعْضُ الْجَيْشِ، فَأَخْبَرَ بِهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَأَمَرَ بِأُخْتِ حَسّانَ، فَفُكّتْ يَدَاهَا مِنْ حِقْوَيْهِ، وَقَالَ لَهَا: اجْلِسِي مَعَ بَنَاتِ عَمّك حَتّى يَحْكُمَ اللهُ فِيكُنّ حُكْمَهُ، فَرَجَعُوا، وَنَهَى الْجَيْشَ أَنْ يَهْبِطُوا إلَى وَادِيهِمْ الذى جاؤا مِنْهُ، فَأَمْسَوْا فِي أَهْلِيهِمْ، وَاسْتَعْتَمُوا ذَوْدًا لِسُوَيْدِ بْنِ زَيْدٍ، فَلَمّا شَرِبُوا عَتَمَتَهُمْ، رَكِبُوا إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَ مِمّنْ رَكِبَ إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ تِلْكَ اللّيْلَةَ، أَبُو زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَبُو شِمَاسِ بْنِ عَمْرٍو، وَسُوَيْد بْنُ زَيْدٍ، وَبَعْجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبَرْذَع بْنُ زَيْدٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَمُخَرّبَةُ بْنُ عَدِيّ، وأنيف بن ملّة، وحسّان بن ملّة، حَتّى صَبّحُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ بِكُرَاعِ رِبَةَ، بِظَهْرِ الْحَرّةِ عَلَى بِئْرٍ هُنَالِكَ مِنْ حَرّةِ لَيْلَى، فَقَالَ لَهُ حَسّانُ بْنُ مِلّةَ: إنّك لَجَالِسٌ تَحْلُب الْمِعْزَى وَنِسَاءُ جُذَامَ أُسَارَى قَدْ غَرّهَا كِتَابُك الّذِي جِئْت بِهِ، فَدَعَا رِفَاعَةُ ابن زَيْدٍ بِجَمَلِ لَهُ، فَجَعَلَ يَشُدّ عَلَيْهِ رَحْلَهُ وَهُوَ يَقُولُ: هَلْ أَنْتَ حَيّ أَوْ تُنَادِي حيا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثُمّ غَدَا وَهُمْ مَعَهُ بِأُمَيّةِ بْنِ ضَفَارَةَ أَخِي الْخَصِيبِيّ الْمَقْتُولِ، مُبَكّرِينَ مِنْ ظَهْرِ الْحَرّةِ، فَسَارُوا إلَى جَوْفِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ؛ فَلَمّا دَخَلُوا الْمَدِينَةَ، وَانْتَهَوْا إلَى الْمَسْجِدِ، نَظَرَ إلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ النّاسِ، فَقَالَ: لَا تُنِيخُوا إبِلَكُمْ، فَتُقَطّعَ أَيْدِيَهُنّ، فَنَزَلُوا عَنْهُنّ وَهُنّ قِيَامٌ؛ فَلَمّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَآهُمْ، أَلَاحَ إلَيْهِمْ بِيَدِهِ: أَنْ تُعَالُوا مِنْ وَرَاءِ النّاسِ؛ فَلَمّا اسْتَفْتَحَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْمَنْطِقَ، قَامَ رَجُلٌ مِنْ النّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ سَحَرَةٌ، فَرَدّدَهَا مَرّتَيْنِ، فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ: رَحِمَ اللهُ مَنْ لَمْ يَحْذُنَا فِي يَوْمِهِ هَذَا إلّا خَيْرًا. ثُمّ دَفَعَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ كِتَابَهُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الّذِي كَانَ كَتَبَهُ لَهُ. فَقَالَ: دُونَك يَا رَسُولَ اللهِ قَدِيمًا كِتَابُهُ، حَدِيثًا غَدْرُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَأْهُ يَا غُلَامُ، وَأَعْلِنْ؛ فَلَمّا قَرَأَ كِتَابَهُ اسْتَخْبَرَهُ فَأَخْبَرُوهُمْ الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى؟ (ثَلَاثَ مَرّاتٍ) . فَقَالَ رِفَاعَةُ: أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَعْلَمُ، لَا نُحَرّمُ عَلَيْك حَلَالًا، وَلَا نُحَلّلُ لَك حَرَامًا، فَقَالَ أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو: أَطْلِقْ لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ كَانَ حَيّا، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمِي هَذِهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: صَدَقَ أَبُو زَيْدٍ، ارْكَبْ مَعَهُمْ يَا عَلِيّ فَقَالَ لَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إنّ زَيْدًا لَنْ يُطِيعَنِي يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَخُذْ سَيْفِي هَذَا، فَأَعْطَاهُ سَيْفَهُ، فَقَالَ عَلِيّ: لَيْسَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ رَاحِلَةٌ أَرْكَبُهَا، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَعِيرٍ لِثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو، يُقَالُ لَهُ مِكْحَالٌ، فَخَرَجُوا، فَإِذَا رَسُولٌ لِزَيْدِ بن حارثة على ناقة من إبل أَبِي وَبْرٍ، يُقَالُ لَهَا: الشّمْر، فَأَنْزَلُوهُ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيّ، مَا شَأْنِي؟ فَقَالَ: مَا لَهُمْ، عَرَفُوهُ فَأَخَذُوهُ، ثُمّ سَارُوا فَلَقَوْا الْجَيْشَ بِفَيْفَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ، فَأَخَذُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حَتّى كَانُوا يَنْزِعُونَ لَبِيدَ الْمَرْأَةِ مِنْ تَحْتِ الرّحْلِ، فَقَالَ أَبُو جِعَالٍ حِينَ فَرَغُوا مِنْ شَأْنِهِمْ: وَعَاذِلَةٍ وَلَمْ تَعْذُلْ بِطِبّ ... وَلَوْلَا نَحْنُ حُشّ بِهَا السّعِيرَ تُدَافِعُ فِي الْأُسَارَى بِابْنَتَيْهَا ... وَلَا يُرْجَى لَهَا عِتْقٌ يَسِيرُ وَلَوْ وُكِلَتْ إلَى عُوصٍ وَأَوْسٍ ... لَحَارَ بِهَا عَنْ الْعِتْقِ الْأُمُورُ وَلَوْ شَهِدَتْ رَكَائِبَنَا بِمِصْرٍ ... تُحَاذِرُ أَنْ يُعَلّ بِهَا الْمَسِيرُ وَرَدْنَا مَاءَ يَثْرِبَ عَنْ حِفَاظٍ ... لِرَبْعٍ إنّهُ قَرَبَ ضَرِيرُ بِكُلّ مُجَرّبٍ كَالسّيدِ نَهْدٍ ... عَلَى أَقْتَادِ نَاجِيَةٍ صَبُورُ فِدًى لِأَبِي سُلَيْمَى كُلّ جَيْشٍ ... بِيَثْرِبَ إذْ تَنَاطَحَتْ النّحُورُ غَدَاةَ تَرَى الْمُجَرّبَ مُسْتَكِينًا ... خِلَافَ الْقَوْمِ هَامَتُهُ تَدُورُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ: وَلَا يُرْجَى لَهَا عِتْقٌ يَسِيرُ. وَقَوْلُهُ: عَنْ الْعِتْقِ الْأُمُورُ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ. تَمّتْ الْغَزَاةُ، وَعُدْنَا إلَى تَفْصِيلِ ذِكْرِ السّرَايَا وَالْبُعُوثِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا الطّرَفَ مِنْ نَاحِيَةِ نَخْلٍ. مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة زيد بن حارثة بنى فزارة ومصاب أم قرفة

[غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بَنِي فَزَارَةَ وَمُصَابُ أم قرفة] [بعض من أصيب بها] وغزوة زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا وَادِيَ الْقُرَى، لَقِيَ بِهِ بَنِي فَزَارَةَ، فَأُصِيبَ بِهَا نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَارْتُثّ زَيْدٌ مِنْ بَيْنَ الْقَتْلَى، وَفِيهَا أصيب ورد بن عمرو ابن مَدَاشٍ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ، أَصَابَهُ أَحَدُ بَنِي بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سعد بن هذيم. [معاودة زيد لهم] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ آلَى أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهُ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ بَنِي فَزَارَةَ؛ فَلَمّا اسْتَبَلّ مِنْ جِرَاحَتِهِ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بنى فزارة فِي جَيْشٍ، فَقَتَلَهُمْ بِوَادِي الْقُرَى، وَأَصَابَ فِيهِمْ، وَقَتَلَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحّرِ الْيَعْمُرِيّ مَسْعَدَةَ بْنَ حَكَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأُسِرَتْ أُمّ قِرْفَةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ بَدْرٍ، كَانَتْ عَجُوزًا كَبِيرَةٌ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَبِنْتٌ لَهَا، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعَدَةَ، فَأَمَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحّرِ أَنْ يَقْتُلَ أُمّ قِرْفَةَ، فَقَتَلَهَا قَتْلًا عَنِيفًا؛ ثُمّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِابْنَةِ أُمّ قِرْفَةَ، وبابن مسعدة. [شَأْنُ أُمّ قِرْفَةَ] وَكَانَتْ بِنْتُ أُمّ قِرْفَةَ لِسَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ، كَانَ هُوَ الذى أصابها، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر ابن المسحر فى قتل مسعدة

وَكَانَتْ فِي بَيْتِ شَرَفٍ مِنْ قَوْمِهَا؛ كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ: لَوْ كُنْتَ أَعَزّ مِنْ أُمّ قرفة مازدت. فَسَأَلَهَا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلَمَةُ، فَوَهَبَهَا لَهُ، فَأَهْدَاهَا لِخَالِهِ حَزْنَ بْنَ وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ حَزْنٍ [شعر ابن المسحر فى قتل مسعدة] فَقَالَ قيس بن المسحّر فى قتل مسعدة: سَعَيْتُ بِوَرْدٍ مِثْلَ سَعْيِ ابْنِ أُمّهِ ... وَإِنّي بِوَرْدٍ فِي الْحَيَاةِ لَثَائِرُ كَرَرْتُ عَلَيْهِ الْمُهْرَ لَمّا رَأَيْتُهُ ... عَلَى بَطَلٍ مِنْ آلِ بَدْرٍ مُغَاوِرِ فَرَكّبْتُ فِيهِ قَعْضَبِيّا كَأَنّهُ ... شِهَابٌ بِمَعْرَاةَ يُذَكّى لِنَاظِرِ [غَزْوَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ لِقَتْلِ الْيَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ] وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ خَيْبَرَ مَرّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا الّتِي أَصَابَ فِيهَا الْيَسِيرَ بْنَ رِزَامٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ابْنُ رازم. [مَقْتَلُ الْيَسِيرِ] وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ الْيَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ أَنّهُ كَانَ بِخَيْبَرِ يَجْمَعُ غَطَفَانَ لِغَزْوِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ، حَلِيفُ بَنِي سَلِمَةَ، فَلَمّا قَدِمُوا عَلَيْهِ كَلّمُوهُ، وَقَرّبُوا لَهُ، وَقَالُوا لَهُ: إنّك إنْ قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَك وَأَكْرَمَك، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ، حَتّى خَرَجَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة ابن عتيك خيبر

مَعَهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ، فَحَمَلَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى بَعِيرِهِ، حَتّى إذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ خَيْبَرَ، عَلَى سِتّةِ أَمْيَالٍ، نَدِمَ الْيَسِيرُ بْنُ رِزَامٍ عَلَى مَسِيرِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَطَنَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَهُوَ يُرِيدُ السّيْفَ، فَاقْتَحَمَ بِهِ ثُمّ ضَرَبَهُ بِالسّيْفِ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، وَضَرَبَهُ الْيَسِيرُ بِمِخْرَشٍ فِي يَدِهِ مِنْ شوحط، فأمّه، ومال كلّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ يَهُودَ فَقَتَلَهُ، إلّا رَجُلًا وَاحِدًا أَفْلَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ؛ فَلَمّا قَدِمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَلَ عَلَى شَجّتِهِ، فَلَمْ تَقِحْ وَلَمْ تُؤْذِهِ. [غَزْوَةُ ابْنِ عَتِيكٍ خَيْبَرَ] وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتِيكٍ خَيْبَرَ، فَأَصَابَ بِهَا أَبَا رَافِعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ. [غَزْوَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ لِقَتْلِ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الهذلى] [مقتل ابن نبيح] وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ خَالِدَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ، يَجْمَعُ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ لِيَغْزُوهُ، فَقَتَلَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ: قال عبد الله ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إهداء الرسول عصا لابن أنيس

ابن أُنَيْسٍ: دَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ: إنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّ ابْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ يَجْمَعُ لِي النّاسَ لِيَغْزُونِي، وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ، فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، انْعَتْهُ لِي حَتّى أَعْرِفَهُ. قَالَ: إنّك إذَا رَأَيْته أَذْكَرَك الشّيْطَانَ، وَآيَةُ مَا بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَنّك إذَا رَأَيْته وَجَدْت لَهُ قُشَعْرِيرَةً. قَالَ: فَخَرَجْت مُتَوَشّحًا سَيْفِي، حَتّى دُفِعْت إلَيْهِ وَهُوَ فِي ظُعُنٍ يَرْتَادُ لَهُنّ مَنْزِلًا، وَحَيْثُ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ؛ فَلَمّا رَأَيْته وَجَدْت مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقُشَعْرِيرَةِ، فَأَقْبَلْت نَحْوَهُ، وَخَشِيت أَنْ تَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُجَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنْ الصّلَاةِ، فَصَلّيْت وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ، أومى بِرَأْسِي، فَلَمّا انْتَهَيْت إلَيْهِ، قَالَ: مَنْ الرّجُلُ؟ قلت: رجلى مِنْ الْعَرَبِ سَمِعَ بِك وَبِجَمْعِك لِهَذَا الرّجُلِ، فجاءك لذلك. قَالَ: أَجَلْ، إنّي لَفِي ذَلِكَ. قَالَ فَمَشَيْت مَعَهُ شَيْئًا، حَتّى إذَا أَمْكَنَنِي حَمَلْت عَلَيْهِ بِالسّيْفِ، فَقَتَلْته، ثُمّ خَرَجْت، وَتَرَكْت ظَعَائِنَهُ مُنْكَبّاتٌ عَلَيْهِ؛ فَلَمّا قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرآنى، أَفْلَحَ الْوَجْهُ؛ قُلْت: قَدْ قَتَلْته يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: صَدَقْت. [إهْدَاءُ الرّسُولِ عَصًا لَابْن أُنَيْسٍ] ثُمّ قَامَ بِي، فَأَدْخَلَنِي بَيْتَهُ، فَأَعْطَانِي عَصًا، فَقَالَ: أَمْسِكْ هَذِهِ الْعَصَا عِنْدَك يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ. قَالَ: فَخَرَجْت بِهَا عَلَى النّاسِ، فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا؟ قُلْت: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَهَا عِنْدِي. قَالُوا: أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَسْأَلَهُ لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ أعطيتنى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر ابن أنيس فى قتله ابن نبيح

هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ: آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إنّ أَقَلّ النّاسِ الْمُتَخَصّرُونَ يَوْمئِذٍ، قَالَ: فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ، فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ حَتّى مَاتَ، ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَضُمّتْ فِي كَفَنِهِ، ثُمّ دُفِنَا جَمِيعًا. [شعر ابن أُنَيْسٍ فِي قَتْلِهِ ابْنَ نُبَيْحٍ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ فِي ذلك: تَرَكْتُ ابْنَ ثَوْرٍ كَالْحُوَارِ وَحَوْلَهُ ... نَوَائِحُ تَفْرِي كُلّ جَيْبٍ مُقَدّدِ تَنَاوَلْتُهُ وَالظّعْنُ خَلْفِي وَخَلْفَهُ ... بِأَبْيَضَ مِنْ مَاءِ الْحَدِيدِ مُهَنّدِ عَجُومٍ لِهَامِ الدّارِعِينَ كَأَنّهُ ... شِهَابٌ غَضًى مِنْ مُلْهَبٍ مُتَوَقّدِ أَقُولُ لَهُ وَالسّيْفُ يَعْجُمُ رَأْسَهُ ... أَنَا ابْنُ أُنَيْسٍ فَارِسًا غَيْرَ قُعْدُدِ أَنَا ابْنُ الّذِي لَمْ يُنْزِلْ الدّهَرُ قِدْرَهُ ... رَحِيبُ فِنَاءِ الدّارِ غَيْرُ مُزَنّدِ وَقُلْتُ لَهُ خُذْهَا بِضَرْبَةِ مَاجِدٍ ... حَنِيفٍ عَلَى دِينِ النّبِيّ مُحَمّدِ وَكُنْتُ إذَا هَمّ النّبِيّ بِكَافِرٍ ... سَبَقْتُ إلَيْهِ بِاللّسَانِ وَبِالْيَدِ تَمّتْ الْغَزَاةُ، وَعُدْنَا إلَى خَبَرِ الْبُعُوثِ. [غَزَوَاتٌ أُخَرُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ الله ابن رَوَاحَةَ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ، فَأُصِيبُوا بِهَا جَمِيعًا، وَغَزْوَةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيّ ذَاتَ أَطْلَاحٍ، مِنْ أَرْضِ الشّامِ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا. وَغَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تميم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة عيينة بن حصن بنى العنبر من بنى تميم

[غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ] وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَهُ إلَيْهِمْ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ، فَأَصَابَ مِنْهُمْ أَنَاسًا، وَسَبَى مِنْهُمْ أُنَاسًا. فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ عَلَيّ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ. قَالَ: هَذَا سَبْيُ بَنِي الْعَنْبَرِ يَقْدَمُ الْآنَ، فَنُعْطِيك مِنْهُمْ إنْسَانًا فَتُعْتِقِينَهُ. [بَعْضُ مَنْ سُبِيَ وَبَعْضُ مَنْ قُتِلَ وَشِعْرُ سَلْمَى فِي ذَلِكَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قُدِمَ بِسَبْيِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَكِبَ فِيهِمْ وَفْدٌ مِنْ بَنِي تميم، حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، مِنْهُمْ رَبِيعَةُ بْنُ رَفِيعٍ، وَسَبْرَةُ بن عمرو، والقعقاع بن معبد، ووردان ابن محرز، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَمَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، وَالْأَقْرَعُ بن حابس، وفراس ابن حَابِسٍ؛ فَكَلّمُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ، فَأَعْتَقَ بَعْضًا، وَأَفْدَى بَعْضًا، وَكَانَ مِمّنْ قُتِلَ يَوْمئِذٍ مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ: عَبْدُ اللهِ وَأَخَوَانِ لَهُ، بَنُو وَهْبٍ، وَشَدّادُ بْنُ فِرَاسٍ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ دَارِمٍ، وَكَانَ مِمّنْ سُبِيَ من نسائهم بومئذ: أَسَمَاءُ بِنْتُ مَالِكٍ، وَكَاسٍ بِنْتُ أَرِي وَنَجْوَةُ بِنْتُ نَهْدٍ، وَجُمَيْعَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ مَطَرٍ فَقَالَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَلْمَى بِنْتُ عتّاب: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر الفرزدق فى ذلك

لَعَمْرِي لَقَدْ لَاقَتْ عَدِيّ بْنُ جُنْدَبٍ ... مِنْ الشّرّ مَهْوَاةً شَدِيدًا كَئُودهَا تَكَنّفَهَا الْأَعْدَاءُ مِنْ كلّ جانب ... وغيّب عنها عزّها وجدودها [شعر الفرزدق فى ذلك] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي ذَلِكَ: وَعِنْدَ رَسُولِ اللهِ قَامَ ابْنُ حَابِسٍ ... بِخُطّةِ سَوّارٍ إلَى الْمَجْدِ حَازِمِ لَهُ أَطْلَقَ الْأَسْرَى الّتِي فِي حِبَالِهِ ... مُغَلّلَةً أَعْنَاقُهَا فِي الشّكَائِمِ كَفَى أُمّهَاتِ الْخَالِفِينَ عَلَيْهِمْ ... غِلَاءَ الْمُفَادِي أَوْ سِهَامَ الْمَقَاسِمِ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَعَدِيّ بْنُ جُنْدُبٍ مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ، وَالْعَنْبَرُ ابن عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ. [غَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ الله أرض بنى مرة] [مقتل مرداس] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْكَلْبِيّ- كَلْبِ لَيْثٍ- أَرْضَ بَنِي مُرّةَ، فَأَصَابَ بِهَا مِرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ، حَلِيفًا لَهُمْ مِنْ الْحُرْقَةِ، مِنْ جُهَيْنَةَ، قَتَلَهُ أُسَامَةُ بْنُ زيد، ورجل من الأنصار. قال ابن هشام: الحرقة، فيما حدثنى عُبَيْدَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: أَدْرَكْته ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل

أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَلَمّا شَهَرْنَا عَلَيْهِ السّلَاحَ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ قَالَ: فلم تنزع عَنْهُ حَتّى قَتَلْنَاهُ؛ فَلَمّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْنَاهُ خَبَرَهُ؛ فَقَالَ يَا أُسَامَةُ؛ مَنْ لَك بِلَا إلَهَ إلّا اللهُ؟ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّهُ إنّمَا قَالَهَا تَعَوّذًا بِهَا مِنْ الْقَتْلِ قَالَ: فَمَنْ لَك بِهَا يَا أُسَامَةُ؟ قَالَ: فو الذى بَعَثَهُ بِالْحَقّ مَا زَالَ يُرَدّدُهَا عَلَيّ حَتّى لَوَدِدْت أَنّ مَا مَضَى مِنْ إسْلَامِي لَمْ يَكُنْ، وَأَنّي كُنْت أَسْلَمْت يَوْمئِذٍ، وَأَنّي لَمْ أَقْتُلْهُ؛ قَالَ: قُلْت: أَنْظِرْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، إنّي أُعَاهِدُ اللهَ أَنْ لَا أَقْتُلَ رَجُلًا يَقُولُ لَا إلَهَ إلّا اللهُ أَبَدًا، قَالَ: تَقُولُ بَعْدِي يَا أُسَامَةُ؛ قَالَ: قُلْت بَعْدَك [غزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل] [إرسال عمرو ثم إمداده] وَغَزْوَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ذَاتَ السّلَاسِلِ مِنْ أَرْضِ بَنِي عُذْرَةَ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بعثه يَسْتَنْفِرُ الْعَرَبَ إلَى الشّامِ وَذَلِكَ أَنّ أُمّ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ بَلِيّ. فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ يَسْتَأْلِفُهُمْ لِذَلِكَ، حَتّى إذَا كَانَ عَلَى مَاءٍ بِأَرْضِ جُذَامَ، يُقَالُ لَهُ السّلْسَلُ. وَبِذَلِكَ سُمّيَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، غَزْوَةَ ذَاتِ السّلَاسِلِ؛ فَلَمّا كَانَ عَلَيْهِ خَافَ فَبَعَثَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتمده، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوّلِينَ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؛ وَقَالَ لِأَبِي عبيدة حين وجهه: لا تحتلفا؛ فَخَرَجَ أَبُو عُبَيْدَةَ حَتّى إذَا قَدِمَ عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ عَمْرٌو: إنّمَا جِئْتَ مَدَدًا لِي، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَا، وَلَكِنّي عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وصية أبى بكر رافع بن رافع

مَا أَنَا عَلَيْهِ، وَأَنْتَ عَلَى مَا أَنْتَ عليه، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَجُلًا لَيّنًا سَهْلًا، هَيّنًا عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: بَلْ أَنْتَ مَدَدٌ لِي، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ. يَا عَمْرُو، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: لَا تَخْتَلِفَا، وَإِنّك إنْ عَصَيْتَنِي أَطَعْتُك، قَالَ: فَإِنّي الْأَمِيرُ عَلَيْك، وَأَنْتَ مَدَدٌ لِي، قَالَ: فَدُونَك. فَصَلّى عَمْرٌو بِالنّاسِ. [وَصِيّةُ أَبِي بَكْرٍ رَافِعَ بْنَ رَافِعٍ] قَالَ: وَكَانَ مِنْ الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ، أَنّ رفع بْنَ أَبِي رَافِعٍ الطّائِيّ، وَهُوَ رَافِعُ بْنُ عَمِيرَةَ، كَانَ يُحَدّثُ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: كُنْت امْرَأً نَصْرَانِيّا، وَسُمّيت سَرْجِسَ، فَكُنْت أَدَلّ النّاسِ وَأَهْدَاهُمْ بِهَذَا الرّمَلِ، كُنْت أَدْفِنُ الْمَاءَ فِي بَيْضِ النّعَامِ بِنَوَاحِي الرّمْلِ فِي الْجَاهِلِيّةِ، ثُمّ أُغِيرُ عَلَى إبِلِ النّاسِ، فَإِذَا أَدْخَلْتهَا الرّمْلَ غَلَبْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَطْلُبُنِي فِيهِ، حَتّى أَمُرّ بِذَلِكَ الْمَاءِ الّذِي خَبّأْت فِي بَيْضِ النّعَامِ فَأَسْتَخْرِجُهُ، فَأَشْرَبُ مِنْهُ، فَلَمّا أَسْلَمْت خَرَجْت فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ التى يعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إلَى ذَاتِ السّلَاسِلِ، قَالَ فَقُلْت: وَاَللهِ لَأَخْتَارَنّ لِنَفْسِي صَاحِبًا، قَالَ: فَصَحِبْت أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: فَكُنْت مَعَهُ فِي رَحْلِهِ، قَالَ: وَكَانَتْ عَلَيْهِ عَبَاءَةٌ لَهُ فَدَكِيّةٌ، فَكَانَ إذَا نَزَلْنَا بَسَطَهَا، وَإِذَا رَكِبْنَا لَبِسَهَا، ثُمّ شَكّهَا عَلَيْهِ بِخِلَالِ لَهُ، قَالَ: وَذَلِكَ الّذِي لَهُ يَقُولُ أَهْلُ نَجْدٍ حِينَ ارْتَدّوا كُفّارًا: نَحْنُ نُبَايِعُ ذَا الْعَبَاءَةِ! قَالَ: فَلَمّا دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ، قَالَ قُلْت: يَا أَبَا بَكْرٍ، إنّمَا صَحِبْتُك لِيَنْفَعَنِي اللهُ بِك، فَانْصَحْنِي وَعَلّمْنِي، قَالَ: لَوْ لَمْ تَسْأَلْنِي ذَلِكَ لَفَعَلْت، قَالَ: آمُرُك أَنْ تُوَحّدَ اللهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تُقِيمَ الصّلَاةَ، وَأَنْ تُؤْتِيَ الزكاة، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجّ هَذَا الْبَيْتَ، وَتَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَلَا تَتَأَمّرْ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبَدًا. قَالَ: قُلْت: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَمَا أَنَا وَاَللهِ فَإِنّي أَرْجُو أَنْ لَا أُشْرِكَ بِاَللهِ أَحَدًا أَبَدًا، وَأَمّا الصّلَاةُ فَلَنْ أَتْرُكَهَا أَبَدًا إنْ شَاءَ اللهُ، وَأَمّا الزّكَاةُ فَإِنْ يَكُ لِي مَالٌ أُؤَدّهَا إنْ شَاءَ اللهُ، وَأَمّا رَمَضَانُ فَلَنْ أَتْرُكَهُ أَبَدًا إنْ شَاءَ اللهُ، وَأَمّا الْحَجّ فَإِنْ أَسْتَطِعْ أَحُجّ إنْ شاء الله تعالى، وأما الجنابة فأغتسل مِنْهَا إنْ شَاءَ اللهُ، وَأَمّا الْإِمَارَةُ فَإِنّي رَأَيْت النّاسَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَشْرُفُونَ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَ النّاسِ إلّا بِهَا، فَلِمَ تَنْهَانِي عَنْهَا؟ قَالَ: إنّك إنّمَا اسْتَجْهَدْتَنِي لِأَجْهَدَ لَك، وَسَأُخْبِرُك عَنْ ذَلِكَ، إنْ اللهُ عَزّ وَجَلّ بَعَثَ مُحَمّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَذَا الدّينِ، فَجَاهَدَ عَلَيْهِ حَتّى دَخَلَ النّاسُ فِيهِ طَوْعًا وكرها، فلما دخلوا فيه كانوا عواذ لله وَجِيرَانَهُ، وَفِي ذِمّتِهِ، فَإِيّاكَ لَا تُخْفِرْ اللهَ فى جيرانه، فيتبعك الله فى خَفْرَتَهُ، فَإِنّ أَحَدَكُمْ يُخْفَرُ فِي جَارِهِ، فَيَظِلّ نَاتِئًا عَضَلَهُ، غَضَبًا لِجَارِهِ أَنْ أُصِيبَتْ لَهُ شَاةٌ أَوْ بَعِيرٌ، فَاَللهُ أَشَدّ غَضَبًا لِجَارِهِ قَالَ: فَفَارَقْته عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: فَلَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمّرَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النّاسِ، قَالَ: قَدِمْت عَلَيْهِ، فَقُلْت لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَمْ تَكُ نَهَيْتَنِي عَنْ أَنْ أَتَأَمّرَ عَلَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: بَلَى، وَأَنَا الْآنَ أَنَهَاك عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَقُلْت لَهُ: فَمَا حَمْلُك عَلَى أَنْ تَلِيَ أَمْرَ النّاسِ؟ قَالَ: لَا أَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدّا، خَشِيت عَلَى أُمّةِ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْفُرْقَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تقسيم عوف الأشجعى الجزور بين قوم

[تَقْسِيمُ عَوْفٍ الْأَشْجَعِيّ الْجَزُورَ بَيْنَ قَوْمٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أنه حدّث عن عوف ابن مَالِكٍ الْأَشْجَعِيّ، قَالَ: كُنْت فِي الْغَزَاةِ الّتِي بَعَثَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إلَى ذَاتِ السّلَاسِلِ، قَالَ: فَصَحِبْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَمَرَرْتُ بِقَوْمِ عَلَى جَزُورٍ لَهُمْ قَدْ نَحَرُوهَا، وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُعْضُوهَا، قَالَ: وَكُنْت امْرَأً لَبِقًا جَازِرًا، قَالَ: فَقُلْت: أَتُعْطُونَنِي مِنْهَا عَشِيرًا عَلَى أَنْ أَقَسَمَهَا بَيْنَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فأخذت الشّفرتين، فجزّأتها مكانى، وأخذت منها جزآ، فَحَمَلْته إلَى أَصْحَابِي، فَاطّبَخْنَاهُ فَأَكَلْنَاهُ. فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّى لَك هَذَا اللّحْمُ يَا عَوْفُ؟ قَالَ: فَأَخْبَرْتهمَا خبره، فقالا: والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا، ثم قاما يتّقيان ما فى بطونهما من ذلك؛ قَالَ: فَلَمّا قَفَلَ النّاسُ مِنْ ذَلِكَ السّفَرِ، كُنْت أَوّلَ قَادِمٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجِئْته وَهُوَ يُصَلّي فِي بَيْتِهِ؛ قَالَ: فَقُلْت: السّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، قَالَ: أَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، قَالَ أَصَاحِبُ الْجَزُورِ؟ وَلَمْ يَزِدْنِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ذَلِكَ شيئا. [غزوة ابن أبى حدرد بطن إصم وقتل عامر ابن الأضبط الأشجعى] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ، قَالَ بَعَثَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابن حابس وابن حصن يختصمان فى دم ابن الأضبط إلى الرسول

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضَمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيّ وَمُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ بْنِ قَيْسٍ، فَخَرَجْنَا حَتّى إذَا كُنّا بِبَطْنِ إضَمَ، مَرّ بِنّا عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيّ، عَلَى قَعُودٍ لَهُ، وَمَعَهُ مُتَيّعٌ لَهُ وَوَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ. قَالَ: فَلَمّا مَرّ بِنَا سَلّمَ عَلَيْنَا بِتَحِيّةِ الْإِسْلَامِ، فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ، فَقَتَلَهُ لِشَيْءِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَخَذَ بَعِيرَهُ وَأَخَذَ مُتَيّعَهُ قَالَ: فَلَمّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، نَزَلَ فِينَا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً، تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا النساء: 94.. إلى آخر الآية. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَرَأَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعِلَاءِ: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً لِهَذَا الْحَدِيثِ. [ابْنُ حَابِسٍ وَابْنُ حِصْنٍ يَخْتَصِمَانِ فِي دَمِ ابْنِ الْأَضْبَطِ إلَى الرّسُولِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، قَالَ: سمعت زياد ابن ضُمَيْرةَ بْنِ سَعْدٍ السّلَمِيّ يُحَدّثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ، وَكَانَا شَهِدَا حُنَيْنًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: صَلّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظّهْرَ، ثُمّ عَمِدَ إلَى ظِلّ شَجَرَةٍ، فَجَلَسَ تَحْتَهَا، وَهُوَ بِحُنَيْنٍ، فَقَامَ إلَيْهِ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، يَخْتَصِمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فِي عَامِرِ بْنِ أَضْبَطَ الْأَشْجَعِيّ: عُيَيْنَةُ يَطْلُبُ بِدَمِ عَامِرٍ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ رَئِيسُ غَطَفَانَ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ يَدْفَعُ عَنْ مُحَلّمِ بْنِ جَثّامَةَ، لِمَكَانِهِ مِنْ خندف، فَتَدَاوَلَا الْخُصُومَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَسَمِعْنَا عُيَيْنَةُ بْنَ حِصْنٍ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَا أَدْعُهُ حَتّى أُذِيقَ نِسَاءَهُ مِنْ الْحُرْقَةِ مِثْلَ مَا أَذَاقَ نِسَائِي، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ: بَلْ تَأْخُذُونَ الدّيَةَ خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا هَذَا، وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا، وَهُوَ يَأْبَى عَلَيْهِ، إذْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، يُقَالُ لَهُ: مُكَيْثِرٌ، قَصِيرٌ مَجْمُوعٌ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُكَيْتِلٌ- فَقَالَ: وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا وَجَدْت لِهَذَا الْقَتِيلِ شَبَهًا فِي غُرّةِ الْإِسْلَامِ إلّا كَغَنَمٍ وَرَدَتْ فَرُمِيَتْ أُولَاهَا، فَنَفَرَتْ أُخْرَاهَا، اُسْنُنْ الْيَوْمَ، وَغَيّرْ غَدًا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ. فَقَالَ: بَلْ تَأْخُذُونَ الدّيَةَ خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا هَذَا، وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا. قَالَ: فَقَبِلُوا الدّيَةَ. قَالَ: ثُمّ قَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكُمْ هَذَا، يَسْتَغْفِرُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ آدَمُ ضَرْبٌ طَوِيلٌ، عَلَيْهِ حُلّةٌ لَهُ، قَدْ كَانَ تَهَيّأَ لِلْقَتْلِ فِيهَا: حَتّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُك؟ قَالَ: أَنَا مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ، ثُمّ قَالَ: اللهُمّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلّمِ بْنِ جَثّامَةَ ثَلَاثًا. قَالَ: فَقَامَ وَهُوَ يَتَلَقّى دَمْعَهُ بِفَضْلِ رِدَائِهِ. قَالَ: فَأَمّا نَحْنُ فَنَقُولُ فِيمَا بَيْنَنَا: إنّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَغْفَرَ لَهُ، وَأَمّا مَا ظَهَرَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهذا. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

موت محلم وما حدث له

[مَوْتُ مُحَلّمٍ وَمَا حَدَثَ لَهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصَرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ: أَمّنْتَهُ بِاَللهِ ثُمّ قَتَلْتَهُ! ثُمّ قَالَ لَهُ الْمَقَالَةَ التى قال؛ قال: فو الله مَا مَكَثَ مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ إلّا سَبْعًا حَتّى مَاتَ، فَلَفَظَتْهُ- وَاَلّذِي نَفْسُ الْحَسَنِ بِيَدِهِ- الْأَرْضُ، ثُمّ عَادُوا لَهُ، فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، ثُمّ عَادُوا فَلَفَظَتْهُ؛ فَلَمّا غُلِبَ قَوْمُهُ عَمِدُوا إلَى صُدّيْنِ، فَسَطَحُوهُ بَيْنَهُمَا ثُمّ رَضَمُوا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ حَتّى وَارَوْهُ. قَالَ: فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَأْنُهُ، فَقَالَ: وَاَللهِ إنّ الْأَرْضَ لَتَطّابِقُ عَلَى مَنْ هُوَ شَرّ مِنْهُ، وَلَكِنّ اللهَ أَرَادَ أَنْ يَعِظَكُمْ فِي حُرْمِ ما بينكم بما أراكم منه. [دية بن الْأَضْبَطِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْبَرَنَا سَالِمٌ أَبُو النّضْرِ أَنّهُ حُدّثَ: أَنّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَقَيْسًا حِينَ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَخَلَا بِهِمْ، يَا مَعْشَرَ قَيْسٍ، مَنَعْتُمْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَتِيلًا يَسْتَصْلِحُ بِهِ النّاسَ، أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَلْعَنَكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَلْعَنَكُمْ اللهُ بِلَعْنَتِهِ، أَوْ أن يغضب اللهُ عَلَيْكُمْ بِغَضَبِهِ؟ وَاَللهِ الّذِي نَفْسُ الْأَقْرَعِ بِيَدِهِ لَتُسَلّمُنّهُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيَصْنَعَنّ فِيهِ مَا أَرَادَ، أَوْ لَآتِيَنّ بِخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يَشْهَدُونَ بِاَللهِ كُلّهُمْ. لَقُتِلَ صَاحِبُكُمْ كَافِرًا، مَا صَلّى قَطّ، فَلَأَطُلّنّ دَمَهُ؛ فَلَمّا سَمِعُوا ذَلِكَ، قَبِلُوا الدّية. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة ابن أبى حدرد لقتل رفاعة بن قيس الجشمى

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: مُحَلّمٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلّهِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ، وَهُوَ مُحَلّمُ ابن جثّامة بن قيس الليثى. قال ابْنُ إسْحَاقَ: مُلَجّمٌ، فِيمَا حَدّثَنَاهُ زِيَادٌ عَنْهُ. [غَزْوَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ لِقَتْلِ رِفَاعَةَ بْنِ قيس الجشمى] [سببها] قال ابن إسحاق: وغزوة ابن أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ الْغَابَةَ. وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا فِيمَا بَلَغَنِي، عَمّنْ لَا أَتّهِمُ، عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ، قَالَ: تَزَوّجْت امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي، وأصدقتها مائتى دِرْهَمٍ، قَالَ: فَجِئْت رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى نِكَاحِي؛ فَقَالَ: وَكَمْ أصدقت؟ فقلت: مائتى دِرْهَمٍ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، لَوْ كُنْتُمْ تَأْخُذُونَ الدّرَاهِمَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ مَا زِدْتُمْ، وَاَللهِ مَا عِنْدِي مَا أُعِينُك بِهِ. قَالَ: فَلَبِثْتُ أَيّامًا، وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، يُقَالُ لَهُ: رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، أَوْ قَيْسُ بْنُ رِفَاعَةَ، فِي بطن جُشَمَ، حَتّى نَزَلَ بِقَوْمِهِ وَمَنْ مَعَهُ بِالْغَابَةِ، يريد أن يجمع قيسا على عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَكَانَ ذَا اسْمٍ فِي جُشَمَ وَشَرَفٍ. قَالَ: فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَجُلَيْنِ مَعِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: اُخْرُجُوا إلَى هَذَا الرّجُلِ حَتّى تَأْتُوا مِنْهُ بِخَبَرِ وَعِلْمٍ. قَالَ: وَقَدّمَ لَنَا شَارِفًا عَجْفَاءَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انتصار المسلمين ونصيب ابن أبى حدرد من فىء استعان به على الزواج

فحمل عليها أحدنا، فو الله ما قامت به ضعفا حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم، حتى استقلّت وما كَادَتْ، ثُمّ قَالَ: تُبَلّغُوا عَلَيْهَا وَاعْتُقِبُوهَا. [انْتِصَارُ الْمُسْلِمِينَ وَنَصِيبُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ مِنْ فَيْءٍ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى الزّوَاجِ] قَالَ: فَخَرَجْنَا وَمَعَنَا سِلَاحُنَا مِنْ النّبْلِ وَالسّيُوفِ، حَتّى إذَا جِئْنَا قَرِيبًا مِنْ الْحَاضِرِ عُشَيْشِيّةً مَعَ غُرُوبِ الشّمْسِ. قَالَ: كَمَنْتُ فِي نَاحِيَةٍ، وَأَمَرْت صَاحِبِيّ، فَكَمَنَا فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْ حَاضِرِ الْقَوْمِ؛ وَقُلْت لَهُمَا: إذَا سَمِعْتُمَانِي قَدْ كَبّرْت وَشَدَدْتُ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَكَبّرَا وَشُدّا مَعِي. قَالَ: فو الله إنّا لِكَذَلِكَ نَنْتَظِرُ غِرّةَ الْقَوْمِ، أَوْ أَنْ نُصِيبَ مِنْهُمْ شَيْئًا. قَالَ: وَقَدْ غَشِيَنَا اللّيْلُ حَتّى ذَهَبَتْ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ رَاعٍ قَدْ سَرّحَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ حَتّى تُخَوّفُوا عَلَيْهِ قَالَ: فَقَامَ صَاحِبُهُمْ ذَلِكَ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، فَأَخَذَ سَيْفَهُ، فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ، ثُمّ قَالَ: وَاَللهِ لَأَتّبِعَنّ أَثَرَ رَاعِينَا هَذَا، وَلَقَدْ أَصَابَهُ شَرّ، فَقَالَ لَهُ نَفَرٌ مِمّنْ مَعَهُ: وَاَللهِ لَا تَذْهَبْ، نَحْنُ نَكْفِيك؛ قَالَ: وَاَللهِ لَا يَذْهَبُ إلّا أَنَا؛ قَالُوا: فَنَحْنُ مَعَك؛ قَالَ: وَاَللهِ لَا يَتْبَعُنِي أحد منكم قال: وخرج حتى يمربى. قَالَ: فَلَمّا أَمْكَنَنِي نَفْحَتُهُ بِسَهْمِي، فَوَضَعْته فِي فؤاده. قال: فو الله مَا تَكَلّمَ، وَوَثَبْت إلَيْهِ، فَاحْتَزَزْتُ رَأْسَهُ. قَالَ. وَشَدَدْت فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ، وَكَبّرْت، وَشَدّ صَاحِبَايَ وكبّرا. قال: فو الله مَا كَانَ إلّا النّجَاءُ مِمّنْ فِيهِ، عِنْدَك، عِنْدَك، بِكُلّ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَمَا خَفّ مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ: واستقنا إبلا عظيمة، وغما كَثِيرَةً، فَجِئْنَا بِهَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل

قال: وجئت برأسه أحمله معى. قَالَ: فَأَعَانَنِي رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ بِثَلَاثَةَ عَشْرَ بَعِيرًا فِي صَدَاقِي، فَجَمَعْتُ إلَيّ أَهْلِي. [غَزْوَةُ عَبْدِ الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل] [شىء من وعظ الرسول لقومه] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْت رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَسْأَلُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، عَنْ إرْسَالِ الْعِمَامَةِ مِنْ خَلْفِ الرّجُلِ إذَا اعْتَمّ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: سَأُخْبِرُك إنْ شَاءَ اللهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِلْمِ: كُنْت عَاشِرَ عَشَرَةِ رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فى مسجده: أبو بكر، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيّ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذْ أَقْبَلَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ، فَسَلّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ جَلَسَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، صَلّى اللهُ عَلَيْك، أَيّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا؛ قَالَ: فَأَيّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ، وَأَحْسَنُهُمْ اسْتِعْدَادًا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ، ثُمّ سَكَتَ الْفَتَى، وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسُ خِصَالٍ إذَا نَزَلْنَ بِكُمْ وَأَعُوذُ بِاَللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنّ: إنّهُ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ حَتّى يُعْلِنُوا بِهَا إلّا ظَهَرَ فِيهِمْ الطّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ، الّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمْ الّذِينَ مَضَوْا؛ وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلّا أُخِذُوا بِالسّنِينَ وَشِدّةِ الْمُؤْنَةِ وجور السّلطان؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تأمير ابن عوف واعتمامه

وَلَمْ يَمْنَعُوا الزّكَاةَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السّمَاءِ، فَلَوْلَا الْبَهَائِمُ مَا مُطِرُوا؛ وَمَا نَقَضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إلّا سلّط عليهم عدوّ من أغيرهم، فَأَخَذَ بَعْضَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ؛ وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ وَتَجَبّرُوا فِيمَا أَنَزَلَ اللهُ إلّا جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» . [تأمير ابن عوف واعتمامه] ثم أَمَرَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْ يَتَجَهّزَ لِسَرِيّةِ بَعَثَهُ عَلَيْهَا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ اعْتَمّ بِعِمَامَةِ مِنْ كَرَابِيسَ سَوْدَاءَ، فَأَدْنَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ، ثُمّ نَقَضَهَا، ثُمّ عَمّمَهُ بِهَا، وَأَرْسَلَ مِنْ خَلْفِهِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمّ قَالَ: هَكَذَا يا بن عَوْفٍ فَاعْتَمّ، فَإِنّهُ أَحْسَنُ وَأَعْرَفُ، ثُمّ أَمَرَ بَلَالًا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ اللّوَاءَ. فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى، وَصَلّى عَلَى نَفْسِهِ، ثُمّ قَالَ: خُذْهُ يَا بْنَ عَوْفٍ، اُغْزُوَا جَمِيعًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللهِ، لَا تَغُلّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلَيَدًا، فَهَذَا عَهْدُ اللهِ وَسِيرَةُ نَبِيّهِ فِيكُمْ. فَأَخَذَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ اللّوَاءَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَخَرَجَ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ. [غَزْوَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ إلَى سَيْفِ البحر] [نفاد الطعام وخبر دابة الْبَحْر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عِبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بعث عمرو بن أمية الضمرى لقتال أبى سفيان بن حرب وما صنع فى طريقه

سَرِيّةً إلَى سِيفِ الْبَحْرِ، عَلَيْهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، وَزَوّدَهُمْ جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ، فَجَعَلَ يَقُوتُهُمْ إيّاهُ، حَتّى صَارَ إلَى أَنْ يَعُدّهُ عَلَيْهِمْ عَدَدًا. قَالَ: ثُمّ نَفِدَ التّمْرُ، حَتّى كَانَ يُعْطَى كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كُلّ يَوْمٍ تَمْرَةً. قَالَ: فَقَسَمَهَا يَوْمًا بَيْنَنَا. قَالَ: فَنَقَصَتْ تَمْرَةٌ عَنْ رَجُلٍ، فَوَجَدْنَا فَقَدَهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ. قَالَ: فَلَمّا جَهَدَنَا الْجُوعُ أَخَرَجَ اللهُ لَنَا دابة من البحر، فأصبنا من لحمها وود كها، وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً، حَتّى سَمّنَا وَابْتَلَلْنَا، وَأَخَذَ أَمِيرُنَا ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهَا، فَوَضَعَهَا عَلَى طَرِيقِهِ، ثُمّ أَمَرَ بِأَجْسَمِ بَعِيرٍ مَعَنَا، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَجْسَمَ رَجُلٍ مِنّا. قَالَ: فَجَلَسَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَخَرَجَ مِنْ تَحْتِهَا وَمَا مَسّتْ رَأْسُهُ. قَالَ: فَلَمّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْنَاهُ خَبَرَهَا، وَسَأَلْنَاهُ عَمّا صَنَعْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَكْلِنَا إيّاهُ، فَقَالَ: رزق رزقكموه الله. [بَعْثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ لِقِتَالِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَا صَنَعَ فِي طَرِيقِهِ] [قدومه مكة وتعرف القوم عليه] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِمّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ بُعُوثِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَرَايَاهُ بَعْثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَعْدَ مَقْتَلِ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ وَأَصْحَابِهِ إلَى مَكّةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْتُلَ أَبَا سفيان بن حرب، وبعث معه جبّار ابن صَخْرٍ الْأَنْصَارِيّ فَخَرَجَا حَتّى قَدِمَا مَكّةَ وَحَبَسَا جَمَلَيْهِمَا بِشِعْبٍ مِنْ شِعَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قتله أبا سفيان وهربه

يَأْجَجَ، ثُمّ دَخَلَا مَكّةَ لَيْلًا، فَقَالَ جَبّارٌ لِعَمْرِو: لَوْ أَنّا طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَصَلّيْنَا رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَ عَمْرٌو: إنّ الْقَوْمَ إذَا تَعَشّوْا جَلَسُوا بِأَفْنِيَتِهِمْ، فَقَالَ: كَلّا، إنْ شَاءَ اللهُ، فَقَالَ عَمْرٌو: فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ، وَصَلّيْنَا، ثُمّ خَرَجْنَا نُرِيدُ أبا سفيان، فو الله إنّا لَنَمْشِي بِمَكّةَ إذْ نَظَرَ إلَيّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ فَعَرَفَنِي، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ: وَاَللهِ إنْ قَدِمَهَا إلّا لِشَرّ، فَقُلْت لِصَاحِبِي: النّجَاءُ، فَخَرَجْنَا نَشْتَدّ، حَتّى أَصْعَدْنَا فِي جَبَلٍ، وَخَرَجُوا فِي طَلَبِنَا، حَتّى إذَا عَلَوْنَا الْجَبَلَ يَئِسُوا مِنّا، فَرَجَعْنَا، فَدَخَلْنَا كَهْفًا فِي الْجَبَلِ، فَبِتْنَا فِيهِ، وَقَدْ أَخَذْنَا حِجَارَةً فَرَضَمْنَاهَا دوننا، فلما أصبحنا غدا رجل من قُرَيْشٍ يَقُودُ فَرَسًا لَهُ، وَيَخْلِي عَلَيْهَا، فَغَشِيَنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْت: إنْ رَآنَا صَاحَ بنا، فأخذنا فقتلنا. [قتله أبا سفيان وهربه] قَالَ: وَمَعِي خِنْجَرٌ قَدْ أَعْدَدْته لِأَبِي سُفْيَانَ، فَأَخْرُجُ إلَيْهِ، فَأَضْرِبُهُ عَلَى ثَدْيِهِ ضَرْبَةً، وَصَاحَ صَيْحَةً أَسْمَعَ أَهْلَ مَكّةَ، وَأَرْجِعُ فَأَدْخُلُ مَكَانِي، وَجَاءَهُ النّاسُ يَشْتَدّونَ وَهُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ، فَقَالُوا: مَنْ ضَرَبَك؟ فَقَالَ: عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ، وَغَلَبَهُ الْمَوْتُ، فَمَاتَ مَكَانَهُ، وَلَمْ يَدْلُلْ عَلَى مَكَانِنَا، فَاحْتَمَلُوهُ. فَقُلْت لِصَاحِبِي، لَمّا أَمْسَيْنَا: النّجَاءُ، فَخَرَجْنَا لَيْلًا مِنْ مَكّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ، فَمَرَرْنَا بِالْحَرَسِ وَهُمْ يَحْرَسُونَ جِيفَةَ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: وَاَللهِ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ أَشَبَهَ بِمِشْيَةِ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ، لَوْلَا أَنّهُ بِالْمَدِينَةِ لَقُلْت هُوَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ، قَالَ: فَلَمّا حَاذَى الْخَشَبَةَ شَدّ عَلَيْهَا، فَأَخَذَهَا فَاحْتَمَلَهَا، وَخَرَجَا شَدّا، وَخَرَجُوا وَرَاءَهُ حَتّى أَتَى جُرْفًا بِمَهْبِطِ مَسِيلِ يَأْجَجَ، فَرَمَى بِالْخَشَبَةِ فِي الْجُرْفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قتله بكريا فى غار

فَغَيّبَهُ اللهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، قَالَ: وَقُلْت لِصَاحِبِي: النّجَاءَ النّجَاءَ، حَتّى تَأْتِيَ بَعِيرَك فَتَقْعُدَ عَلَيْهِ، فَإِنّي سَأَشْغَلُ عَنْك الْقَوْمَ، وَكَانَ الأنصارىّ لا رجلة له. [قتله بكريا فى غار] قَالَ: وَمَضَيْتُ حَتّى أَخْرُجَ عَلَى ضَجْنَانَ ثُمّ أَوَيْت إلَى جَبَلِ، فَأَدْخُلُ كَهْفًا، فَبَيْنَا أَنَا فِيهِ، إذْ دَخَلَ عَلَيّ شَيْخٌ مِنْ بَنِي الدّيلِ أَعْوَرُ، فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ، فَقَالَ: مَنْ الرّجُلُ؟ فَقُلْت: مِنْ بَنِي بَكْرٍ، فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ بَنِي بَكْرٍ، فَقُلْت: مَرْحَبًا، فَاضْطَجَعَ، ثم رفع عقيرته، فقال: ولست بمسلم مادمت حَيّا ... وَلَا دَانٍ لِدِينِ الْمُسْلِمِينَا فَقُلْت فِي نَفْسِي: سَتَعْلَمُ، فَأَمْهَلْته، حَتّى إذَا نَامَ أَخَذْتُ قوسى، فجعلت سيتها فى عينه الصّحيحة، ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم، ثم خرجت النّجاء، حتى جئت الْعَرْجَ، ثُمّ سَلَكْت رَكُوبَةً، حَتّى إذَا هَبَطْت النّقِيعَ إذَا رَجُلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، كَانَتْ قُرَيْشٌ بَعَثَتْهُمَا عَيْنًا إلَى الْمَدِينَةِ يَنْظُرَانِ وَيَتَحَسّسَانِ، فَقُلْت: اسْتَأْسِرَا، فَأَبَيَا، فَأَرْمِي أَحَدَهُمَا بِسَهْمِ فَأَقْتُلُهُ، وَاسْتَأْسَرَ الْآخَرُ، فَأُوَثّقُهُ رِبَاطًا، وَقَدِمْت بِهِ الْمَدِينَةَ. [سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى مَدْيَنَ] [بعثه هو وضميرة وقصة السبى] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَسَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلى مدين. ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حَسَنِ بْنِ حسن، عن أمه فاطمة بنة الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ عَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سرية سالم بن عمير لقتل أبى عفك

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ نَحْوَ مَدْيَنَ، وَمَعَهُ ضُمَيْرةَ مَوْلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، وَأَخٌ لَهُ. قَالَتْ: فَأَصَابَ سَبْيًا مِنْ أَهْلِ مِينَاءَ، وَهِيَ السّوَاحِلُ، وَفِيهَا جُمّاعٌ مِنْ النّاسِ، فَبِيعُوا، فَفُرّقَ بَيْنَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالَ: مَا لَهُمْ؟ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فُرّقَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَبِيعُوهُمْ إلّا جَمِيعًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَرَادَ الْأُمّهَاتَ وَالْأَوْلَادَ. [سَرِيّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ لِقَتْلِ أَبِي عَفَكٍ] [سبب نفاق أَبِي عَفَكٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ لِقَتْلِ أبى عفك، أحد بنى عمرو ابن عوف ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدَةَ، وَكَانَ قَدْ نَجَمَ نِفَاقُهُ، حِينَ قَتْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد بْنِ صَامِتٍ، فَقَالَ: لَقَدْ عِشْتُ دَهْرًا وَمَا إنْ أَرَى ... مِنْ النّاسِ دَارًا وَلَا مَجْمَعَا أَبَرّ عُهُودًا وَأَوْفَى لِمَنْ ... يُعَاقَدُ فِيهِمْ إذَا مَا دَعَا مِنْ أَوْلَادِ قَيْلَةَ فِي جَمْعِهِمْ ... يَهُدّ الْجِبَالَ وَلَمْ يَخْضَعَا فَصَدّعَهُمْ رَاكِبٌ جَاءَهُمْ ... حَلَالٌ حَرَامٌ لِشَتّى مَعَا فَلَوْ أَنّ بِالْعِزّ صَدّقْتُمْ ... أَوْ الْمُلْكِ تَابَعْتُمْ تُبّعَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قتل ابن عمير له وشعر المزيرية

[قَتْلُ ابْنِ عُمَيْرٍ لَهُ وَشِعْرُ الْمُزَيْرِيّة] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لى بهذا الخبيث؟ فخرج سالم ابن عُمَيْرٍ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْبَكّائِينَ، فَقَتَلَهُ، فَقَالَتْ أُمَامَةُ الْمُزَيْرِيّة فِي ذَلِكَ: تُكَذّبُ دِينَ اللهِ وَالْمَرْءَ أَحْمَدَا ... لَعَمْرُ الّذِي أَمْنَاكَ أَنْ بِئْسَ مَا يُمْنِي حَبَاكَ حَنِيفٌ آخِرَ اللّيْلِ طَعْنَةً ... أَبَا عَفَكٍ خُذْهَا عَلَى كِبَرِ السّنّ [غَزْوَةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ الخطمى لقتل عصماء بنت مروان] [نفاقها وشعرها فى ذلك] وَغَزْوَةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ الْخِطْمِيّ عَصْمَاءَ بِنْتَ مروان، وهى من بنى أميّة ابن زَيْدٍ، فَلَمّا قُتِلَ أَبُو عَفَكٍ نَافَقَتْ، فَذَكَرَ عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أَبِيهِ، قَالَ: وَكَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ، وَيُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَتْ تَعِيبُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ: بِاسْتِ بَنِي مَالِكٍ وَالنّبِيتِ ... وَعَوْفٍ وَبِاسْتِ بَنِي الْخَزْرَجِ أَطَعْتُمْ أَتَاوِيّ مِنْ غَيْرِكُمْ ... فَلَا مِنْ مُرَادٍ وَلَا مَذْحِجِ تَرْجُونَهُ بعد قتل الرّؤس ... كَمَا يُرْتَجَى مَرَقُ الْمُنْضَجِ أَلَا أَنِفٌ يَبْتَغِيَ غِرّةُ ... فَيَقْطَع مِنْ أَمَلِ الْمُرْتَجِي ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان فى الرد عليها

[شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَيْهَا] قَالَ: فَأَجَابَهَا حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: بَنُو وَائِلٍ وَبَنُو وَاقِفٍ ... وَخَطْمَةُ دُونَ بَنِي الْخَزْرَجِ مَتَى مَا دَعَتْ سَفَهًا وَيْحَهَا ... بِعَوْلَتِهَا وَالْمَنَايَا تَجِي فَهَزّتْ فَتًى مَاجِدًا عِرْقُهُ ... كَرِيمُ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخْرَجِ فَضَرّجَهَا مِنْ نَجِيعِ الدّمَا ... ء بَعْدَ الْهُدُوّ فَلَمْ يحرج [خُرُوجُ الْخِطْمِيّ لَقَتْلِهَا] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ، أَلَا آخِذٌ لِي مِنْ ابْنَةِ مَرْوَانَ؟ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ الْخِطْمِيّ، وَهُوَ عِنْدَهُ؛ فَلَمّا أَمْسَى مِنْ تِلْكَ اللّيْلَةِ سَرَى عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا فَقَتَلَهَا، ثُمّ أَصْبَحَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رَسُولَ اللهِ، إنّي قَدْ قَتَلْتهَا. فَقَالَ نَصَرْت اللهَ وَرَسُولَهُ يَا عُمَيْرُ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيّ شَيْءٌ مِنْ شَأْنِهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ. [شَأْنُ بَنِي خَطْمَةَ] فرجع عمير إلى قومه، وبنو خَطْمَةَ يَوْمئِذٍ كَثِيرٌ مَوْجُهُمْ فِي شَأْنِ بِنْتِ مَرْوَانَ، وَلَهَا يَوْمئِذٍ بَنُونَ خَمْسَةُ رِجَالٍ، فَلَمّا جَاءَهُمْ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ: يَا بَنِي خَطْمَةَ، أَنَا قَتَلْت ابْنَةَ مَرْوَانَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أسر ثمامة بن أثال الحنفى وإسلامه والسرية التى أسرت ثمامة بن أثال الحنفى

فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمّ لَا تُنْظِرُونَ. فَذَلِكَ الْيَوْمُ أَوّلُ مَا عَزّ الْإِسْلَامُ فِي دَارِ بَنِي خَطْمَةَ، وَكَانَ يَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِهِمْ فِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ، وَهُوَ الّذِي يُدْعَى الْقَارِئَ، وعبد الله بن أوس، ابن ثَابِتٍ، وَأَسْلَمَ، يَوْمَ قُتِلَتْ ابْنَةُ مَرْوَانَ، رِجَالٌ من بنى خطمة، لما رأوا وخزيمة مِنْ عِزّ الْإِسْلَامِ. [أَسْرُ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ وَإِسْلَامُهُ وَالسّرِيّةُ الّتِي أَسَرَتْ ثُمَامَةَ بْنَ أثال الحنفى] [إسلامه] بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي هَرِيرَةَ أَنّهُ قَالَ: خَرَجَتْ خَيْلٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَخَذَتْ رَجُلًا مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، لَا يَشْعُرُونَ مَنْ هُوَ، حَتّى أَتَوْا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَنْ أَخَذْتُمْ، هَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ، أُحْسِنُوا إسَارَهُ. وَرَجَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله، فَقَالَ: اجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ، فَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِ، وَأَمَرَ بِلِقْحَتِهِ أَنْ يُغْدَى عَلَيْهِ بِهَا وَيُرَاحُ، فَجَعَلَ لَا يَقَعُ مِنْ ثُمَامَةَ مَوْقِعًا وَيَأْتِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَقُولُ أَسْلِمْ يَا ثُمَامَةُ، فَيَقُولُ: إيْهَا يَا مُحَمّدُ، إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُرِدْ الْفِدَاءَ فَسَلْ مَا شِئْت، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمّ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمًا: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَلَمّا أَطْلَقُوهُ خَرَجَ حَتّى أَتَى البقيع، فتطهّر فأحسن طهوره، ثم أَقْبَلَ فَبَايَعَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خروجه إلى مكة وقصته مع قريش

على الإسلام؛ فلما أمسى جاؤه بما جاؤه بِمَا كَانُوا يَأْتُونَهُ مِنْ الطّعَامِ، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُ إلّا قَلِيلًا، وَبِاللّقْحَةِ فَلَمْ يُصِبْ مِنْ حِلَابِهَا إلّا يَسِيرًا، فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ: مِمّ تَعْجَبُونَ؟ أَمِنْ رَجُلٍ أَكَلَ أَوّلَ النّهَارِ فِي مِعَى كَافِرٍ، وَأَكَلَ آخِرَ النّهَارِ فِي مِعَى مُسْلِمٍ! إنّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَإِنّ الْمُسْلِمَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ. [خُرُوجُهُ إلَى مَكّةَ وَقِصّتُهُ مَعَ قُرَيْشٍ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي أَنّهُ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، حَتّى إذَا كَانَ بِبَطْنِ مَكّةَ لَبّى، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ دَخَلَ مَكّةَ يُلَبّي، فَأَخَذَتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: لَقَدْ اخْتَرْت عَلَيْنَا، فَلَمّا قَدّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ؛ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: دَعُوهُ فَإِنّكُمْ تَحْتَاجُونَ إلَى الْيَمَامَةِ لِطَعَامِكُمْ، فَخَلّوهُ، فَقَالَ الْحَنَفِيّ فِي ذَلِكَ: وَمِنّا الّذِي لَبّى بِمَكّةَ مُعْلِنًا ... بِرَغْمِ أَبِي سفيان فى الأشهر الحرم حدثت أَنّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حِينَ أَسْلَمَ، لَقَدْ كَانَ وَجْهُك أَبْغَضَ الْوُجُوهِ إلَيّ، وَلَقَدْ أَصْبَحَ وَهُوَ أَحَبّ الْوُجُوهِ إلَيّ. وَقَالَ فِي الدّينِ وَالْبِلَادِ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمّ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَلَمّا قَدِمَ مَكّةَ، قَالُوا: أَصَبَوْت يَا ثُمَامُ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنّي اتّبَعْت خَيْرَ الدّينِ، دِينَ مُحَمّدٍ، وَلَا وَاَللهِ لَا تَصِلُ إلَيْكُمْ حَبّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ حَتّى يَأْذَنَ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثُمّ خَرَجَ إلَى الْيَمَامَةِ، فَمَنَعَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا إلَى مَكّةَ شَيْئًا، فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّك ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سرية علقمة بن مجزز

تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرّحِمِ، وَإِنّك قَدْ قَطَعْت أَرْحَامَنَا، وَقَدْ قَتَلْت الْآبَاءَ بِالسّيْفِ، وَالْأَبْنَاءَ بِالْجَوْعِ، فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ أَنْ يُخَلّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ. [سَرِيّةُ عَلْقَمَةَ بن مجزز] [سبب إرسال علقمة] وَبُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علقمة بن مجزّز. لما قتل وقّاص بن مُجَزّزٍ الْمُدْلِجِيّ يَوْمَ ذِي قَرَدَ، سَأَلَ عَلْقَمَةُ بْنُ مُجَزّزٍ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَبْعَثَهُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ، لِيَدْرِكَ ثَأْرَهُ فِيهِمْ. [دُعَابَةُ ابْنِ حُذَافَةَ مَعَ جَيْشِهِ] فَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزّزٍ- قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ: وَأَنَا فِيهِمْ- حَتّى إذَا بَلَغْنَا رَأَسَ غَزَاتِنَا أَوْ كُنّا بِبَعْضِ الطّرِيقِ، أَذِنَ لِطَائِفَةِ مِنْ الْجَيْشِ، واستعمل عليهم عبد الله بن حُذَافَةَ السّهْمِيّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَكَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ، فلما كان ببعض الطريق أو قد نَارًا، ثُمّ قَالَ لِلْقَوْمِ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ السّمْعُ وَالطّاعَةُ؟ قَالُوا: بَلَى؛ قَالَ: أَفَمَا أَنَا آمُرُكُمْ بِشَيْءِ إلّا فَعَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنّي أَعْزِمُ عَلَيْكُمْ بِحَقّي وَطَاعَتِي إلّا تَوَاثَبْتُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سرية كرز بن جابر لقتل البجليين الذين قتلوا يسارا

فِي هَذِهِ النّارِ؛ قَالَ: فَقَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَحْتَجِزُ، حَتّى ظَنّ أَنّهُمْ وَاثِبُونَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ: اجْلِسُوا، فَإِنّمَا كُنْت أَضْحَكُ مَعَكُمْ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ قَدِمُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةٍ مِنْهُمْ فَلَا تُطِيعُوهُ. وَذَكَرَ مُحَمّدُ بْنُ طَلْحَةَ أَنّ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزّزٍ رَجَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. [سَرِيّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ لقتل البجليين الذين قتلوا يسارا] [شأن يسار] حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَمّنْ حَدّثَهُ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، قَالَ: أَصَابَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ مُحَارَبٍ وَبَنِيّ ثَعْلَبَةَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ يَسَارٌ، فَجَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي لِقَاحٍ لَهُ كانت ترعى فى نَاحِيَةِ الْجَمّاءِ، فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ قَيْسٍ كُبّة مِنْ بَجِيلَةَ، فَاسْتَوْبَئُوا، وَطَحِلُوا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى اللّقَاحِ فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَخَرَجُوا إليها. [قَتْلُ الْبَجَلِيّينَ وَتَنْكِيلُ الرّسُولِ بِهِمْ] فَلَمّا صَحّوا وَانْطَوَتْ بُطُونُهُمْ، عَدَوْا عَلَى رَاعِي رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسَارٍ، فَذَبَحُوهُ وَغَرَزُوا الشّوك فى عينيه، واستاقوا اللّقَاحَ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غزوة على بن أبى طالب إلى اليمن

صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي آثَارِهِمْ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ، فَلَحِقَهُمْ، فَأَتَى بِهِمْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْجِعه مِنْ غَزْوَةِ ذِي قَرَدَ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ. [غَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ] وَغَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ إلَى الْيَمَنِ غَزَاهَا مَرّتَيْنِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي جُنْدٍ آخَرَ، وَقَالَ: إنْ الْتَقَيْتُمَا فَالْأَمِيرُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِب. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ بَعْثَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي حَدِيثِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي عِدّةِ الْبُعُوثِ وَالسّرَايَا، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِدّةُ فِي قَوْلِهِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ. [بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وَهُوَ آخِرُ الْبُعُوثِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بن زيد ابن حارثة إلى الشّامِ، وَأَمَرَهُ أَنّ يُوطِئَ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ والداروم، من أرض فلسطين فتجهز الناس، وأوعب مَعَ أُسَامَةَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوّلُونَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وهو آخر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ابتداء شكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم

[ابْتِدَاءُ شَكْوَى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ] بدء الشكوى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَيْنَا النّاسُ عَلَى ذَلِكَ اُبْتُدِئَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِشَكْوِهِ الّذِي قَبَضَهُ اللهُ فِيهِ، إلَى مَا أَرَادَ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ، أَوْ فِي أَوّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ، فَكَانَ أَوّلُ مَا اُبْتُدِئَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، فِيمَا ذُكِرَ لِي، أَنّهُ خَرَجَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، ثُمّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، فَلَمّا أَصْبَحَ اُبْتُدِئَ بِوَجَعِهِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إنّي قَدْ أُمِرْت أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ هَذَا الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي، فَانْطَلَقْت مَعَهُ، فَلَمّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، قال: السلام عليكم يا أهل الْمَقَابِرِ، لِيَهْنِئَ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمّا أَصْبَحَ النّاسُ فِيهِ، أَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللّيْلِ الْمُظْلِمِ، يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوّلَهَا، الْآخِرَةُ شَرّ مِنْ الْأُولَى؛ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيّ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، إنّي قَدْ أُوتِيت مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمّ الْجَنّةُ، فَخُيّرْت بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبّي وَالْجَنّةِ. قَالَ: فَقُلْت: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، فَخُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمّ الْجَنّةَ، قَالَ: لَا وَاَللهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، لَقَدْ اخْتَرْت لِقَاءَ رَبّي وَالْجَنّةَ، ثُمّ أَسَتَغْفِرُ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تمريضه فى بيت عائشة

ثُمّ أَنْصَرِف، فَبَدَأَ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعُهُ الّذِي قَبَضَهُ اللهُ فِيهِ. [تَمْرِيضُهُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ الْبَقِيعِ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رأسى، وأنا أقول: وا رأساه، فقال: بل أنا والله يا عائشة وا رأساه. قَالَتْ: ثُمّ قَالَ: وَمَا ضَرّكِ لَوْ مُتّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْك وَكَفّنْتُك، وَصَلّيْت عَلَيْك وَدَفَنْتُك؟ قَالَتْ: قُلْت: وَاَللهِ لَكَأَنّي بِك، لَوْ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ، لَقَدْ رَجَعْتَ إلَى بَيْتِي، فَأَعْرَسْت فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِك، قَالَتْ: فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَتَامّ بِهِ وَجَعُهُ، وَهُوَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ حَتّى اسْتَعَزّ بِهِ وَهُوَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَدَعَا نِسَاءَهُ فَاسْتَأْذَنَهُنّ فِي أَنْ يُمَرّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنّ لَه. ـــــــــــــــــــــــــــــ حَجّةُ الْوَدَاعِ ذَكَرَ فِيهَا حَدِيثَ عَائِشَةَ وَقَوْلَهَا: فَأَهْلَلْنَا بِالْحَجّ وَمَا نَذْكُرُ إلّا أَمْرَ الْحَجّ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُمْ أَفْرَدُوا، وَقَدْ بَيّنَ ذَلِكَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْرَدَ الْحَجّ، وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «1» ، وَقَدْ رُوِيَ

_ (1) يقول الإمام ابن القيم: «وإنما قلنا إنه أحرم قارنا لبضعة وعشرين حديثا صحيحة صريحة فى ذلك» ثم ساق- رضى الله عنه- اثنين وعشرين حديثا-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ طُرُقٍ فِيهَا لِينٌ عَنْ جَابِرٍ أَنّهُ قَالَ قَرَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ، وَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، وَسَعَى لَهُمَا سَعْيًا وَاحِدًا، رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ «1» ، وَرُوِيَ أَيْضًا أَنّ جَابِرًا قَالَ: حَجّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ حَجّاتٍ، حَجّتَيْنِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَحَجّتَهُ الّتِي قَرَنَهَا بِعُمْرَتِهِ «2» ، وَأَمّا حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ فَصَحِيحٌ، وَقَالَ فِيهِ: طَافَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَجّتِهِ وَعُمْرَتِهِ طَوَافًا وَاحِدًا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ عَلِيّ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنّهُ طَافَ عَنْهُمَا طَوَافَيْنِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ قَارِنًا، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فِي أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ قَارِنًا، وَأَمّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَصَرّحَ فِيهِ بِأَنّهُ كَانَ قَارِنًا، وَقَالَ: مَا تَعُدّونَا إلّا صِبْيَانًا سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرُخُ بِهِمَا جَمِيعًا «3» يَعْنِي الحجّ والعمرة، فاختلفت الروايات فى إحرام

_ - يستدل بها على أنه صلى الله عليه وسلم أحرم قارنا لا مفردا، ثم نقل عن شيخه الإمام ابن تيمية ما يؤكد به أن الأحاديث فى هذا متفقة لا مختلفة، وإن بدت بظواهرها مختلفة. فراجعه فهو فصل رائع ممتع للامام الجليل 369 وما بعدها ح 1 زاد المعاد. (1) ورواه أحمد والترمذى. وفيه الحجاج بن أرطاة. وحديثه كما يقول ابن القيم لا ينزل عن درجة الحسن ما لم ينفرد بشىء، أو يخالف الثقات. (2) رواه الترمذى ثم قال: وهذا حديث غريب من حديث سفيان. قال: وسألت محمدا- يعنى البخارى- عن هذا فلم يعرفه من حديث الثورى، وفى رواية: لا يعد بهذا الحديث محفوظا. وإنما يروى عن الثورى عن أبى إسحاق السبعينى عن مجاهد مرسلا. (3) وفى رواية: سمعت رسول الله «ص» يقول: لبيك حجا وعمرة، وحديث أنس فى الصحيحين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تَرَى: هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا، أَوْ مُتَمَتّعًا، وَكُلّهَا صِحَاحٌ إلّا مَنْ قَالَ: كَانَ مُتَمَتّعًا، وَأَرَادَ بِهِ أَنّهُ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ، وَأَمّا مَنْ قَالَ: تَمَتّعَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْ: أَمَرَ بِالتّمَتّعِ، وَفَسْخِ الْحَجّ بِالْعُمْرَةِ، فَقَدْ يَصِحّ هَذَا التّأْوِيلُ، وَيَصِحّ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ تَمَتّعَ إذَا قَرَنَ، لِأَنّ الْقِرَانَ ضَرْبٌ مِنْ الْمُتْعَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ أَحَدِ السّفَرَيْنِ. وَاَلّذِي يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ حَدِيثُ الْبُخَارِيّ أَنّهُ أَهَلّ بِالْحَجّ، فَلَمّا كَانَ بِالْعَقِيقِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ: إنّك بِهَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، فَقُلْ: لَبّيْكَ بِحَجّ وَعُمْرَةٍ مَعًا، فَقَدْ صَارَ قَارِنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُفْرِدًا، وَصَحّ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا، وَأَمْرُهُ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَفْسَخُوا الْحَجّ بِالْعُمْرَةِ خُصُوصٌ لَهُمْ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُذْهِبَ مِنْ قُلُوبِهِمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ فِي تَحْرِيمِهِمْ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ، فَكَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَيَقُولُونَ: إذَا بَرَأَ الدّبَرُ «1» ، وَعَفَا الْأَثَرُ، وَانْسَلَخَ صَفَرُ حَلّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرَ، وَلَمْ يَفْسَخْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجّهُ كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُهُ، لِأَنّهُ سَاقَ الْهَدْيَ، وَقَلّدَهُ، وَاَللهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَقَالَ حِينَ رَأَى أَصْحَابَهُ قَدْ شَقّ عَلَيْهِمْ خِلَافُهُ: لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَجَعَلْتهَا عُمْرَةً، وَلَمَا سُقْت الْهَدْي «2» ، قَالَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إنّمَا نَدِمَ على ترك

_ (1) الدبر: الجرح الذى يكون فى ظهر البعير.. وقيل: هو أن يقرح خف البعير. (2) فى صحيح البخارى عن ابن عباس قال: «أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبى «ص» فى حجة الوداع، وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَا هُوَ أَسْهَلُ، وَأَرْفَقُ، لَا عَلَى تَرْكِ مَا هُوَ أَفْضَلُ، وَأَوْفَقُ، وَذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْ كَرَاهَةِ أَصْحَابِهِ لِمُخَالَفَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الهدى معه من أصحابه إلا طلحة

_ - صلى الله عليه وسلم اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدى» ويعلق الإمام ابن القيم على هذا الحديث؛ ورواية السنن له: «ونحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضا علينا فسخه إلى عمرة تقاديا من غضب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واتباعا لأمره: فو الله ما نسخ هذا فى حياته ولا بعده، ولا صح حرف واحد يعارضه ولا خص به أصحابه دون من بعدهم، بل أجرى الله سبحانه وتعالى على لسان سراقة أن يسأله: هل ذلك مختص بهم؟ فأجاب بأن ذلك كائن لأبد الأبد. فما ندرى ما نقدم على هذه الأحاديث» ص 426 ح 1 زاد المعاد. وفى هذا رد على السهيلى فى زعمه أن فسخ الحج بالعمرة كان خصوصا لأصحاب النبى. ولقد قال سلمة بن شبيب لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله كل أمرك عندى حسن إلا خلة واحدة قال: وما هى: قال تقول بفسخ الحج إلى العمره، فقال: يا سلمة كنت أرى لك عقلا عندى فى ذلك أحد عشر حديثا صحاحا عن رسول الله «ص» أأتركها لقولك؟ المصدر السابق. ويقول: الإمام ابن القيم أيضا عن الذين غلطوا فى حج النبى «ص» : ووهم فى حجه خمس طوائف: الطائفة الأولى التى قالت: حج حجا مفردا لم يعتمر معه. الثانية: من قال: حج متمتعا تمتعا حل منه، ثم أحرم بعده بالحج كما قاله القاضى أبو يعلى وغيره. الثالثة: من قال حج متمتعا تمتعا لم يحل منه لأجل سوق الهدى، ولم يكن قارنا كما قاله أبو محمد بن قدامة صاحب المغنى. الرابعة: من قال حج قارنا قرانا طاف له طوافين وسعا له سعيين. الخامسة: من قال: حج حجا مفردا. اعتمر بعده من التنعيم. ثم بين رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أحرم قارنا وساق الأدلة بالأحاديث. كما قال: حصل الترجيح لرواية من روى القران لوجوه عشرة ثم ذكر هذه الوجوه وزاد عليها خمسة أوجه أنظر ص 382، 390 ح 1 زاد المعاد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عُبَيْدِ اللهِ، فَلَمْ يَحِلّ حَتّى نَحَرَ، وَعَلِيّ أَيْضًا أَتَى مِنْ الْيَمَنِ وَسَاقَ الْهَدْيَ فَلَمْ يَحِلّ إلّا بِإِحْلَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: وَرَجَبُ مُضَرَ الّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، إنّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنّ رَبِيعَةَ كَانَتْ تُحْرِمُ فِي رَمَضَانَ، وَتُسَمّيهِ: رَجَبًا مِنْ رَجِبْت الرّجُلَ وَرَجّبْتُهُ إذَا عَظّمْته، وَرَجَبْت النّخْلَةَ إذَا دَعّمْتهَا «1» ، فَبَيّنَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّهُ رَجَبُ مُضَرَ لَا رَجَبُ رَبِيعَةَ، وَأَنّهُ الّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ «2» وَقَدْ تَقَدّمَ تَفْسِيرُهُ قَوْلُهُ: إنّ الزّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ، وَتَقَدّمَ اسْمُ ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمُسْتَرْضَعِ فِي هُذَيْلٍ، وَأَنّ اسْمَهُ آدَمُ، وَقِيلَ: تَمّامٌ، وَكَانَ سَبَبَ قَتْلِهِ حَرْبٌ كَانَتْ بَيْنَ قَبَائِلِ هُذَيْلٍ تَقَاذَفُوا فِيهَا بِالْحِجَارَةِ فَأَصَابَ الطّفْلَ حَجَرٌ وَهُوَ يَحْبُو بَيْنَ الْبُيُوتِ، كَذَلِكَ ذَكَرَ الزّبَيْرُ. بَعْثُ أُسَامَةَ وَأَمّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ عَلَى جَيْشٍ كَثِيفٍ، وَأَمَرَهُ أن يغير على أبنى صباحا، وأن يحرق. وَأُبْنَا، هِيَ الْقَرْيَةُ الّتِي عِنْدَ مُؤْتَةَ حَيْثُ

_ (1) الترجيب أن يا بنى تحت النخلة دكان تعتمد عليه. (2) يقول ابن الأثير: «أضاف رجبا إلى مضر، لأنهم كانوا يعظمونه خلاف غيرهم، فكأنهم اختصوا به. وقوله: بين جمادى وشعبان تأكيد للبيان وإيضاح، لأنهم كانوا ينسئونه ويؤخرونه من شهر إلى شهر، فيتحول عن موضعه المختص به، فبين لهم أنه الشهر الذى بين جمادى وشعبان لا ما كانوا يسمونه على حساب النسىء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قُتِلَ أَبُوهُ زَيْدٌ، وَلِذَلِكَ أَمّرَهُ عَلَى حَدَاثَةِ سِنّهِ لِيُدْرِكَ ثَأْرَهُ، وَطَعَنَ فِي إمَارَتِهِ أَهْلُ الرّيْبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاَيْمُ اللهِ إنّهُ لَخَلِيقٌ بِالْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَخَلِيقًا بِهَا «1» ، وَإِنّمَا طَعَنُوا فِي إمْرَتِهِ، لِأَنّهُ مَوْلًى مَعَ حَدَاثَةِ سِنّهِ، لِأَنّهُ كَانَ إذْ ذَاكَ ابْنَ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَسْوَدَ الْجِلْدَةِ، وَكَانَ أَبُوهُ أَبْيَضَ صَافِيَ الْبَيَاضِ، نَزَعَ فِي اللّوْنِ إلَى أُمّهِ بَرَكَةَ، وَهِيَ أُمّ أَيْمَنَ، وَقَدْ تَقَدّمَ حَدِيثُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّهُ وَيَمْسَحُ خَشْمَهُ، وَهُوَ صَغِيرٌ بِثَوْبِهِ، وَعَثَرَ يَوْمًا فَأَصَابَهُ جُرْحٌ فِي رَأْسِهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُصّ دَمَهُ وَيَمُجّهُ، وَيَقُولُ: لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جارية لحلّيناها، حتى يرغب فتها، وكان يسمى الحبّ من الْحُبّ «2» . عِدّةُ الْغَزَوَاتِ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ عِدّةَ الْغَزَوَاتِ، وَهِيَ سِتّ وَعِشْرُونَ، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَتْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ، وَإِنّمَا جَاءَ الْخِلَافُ، لِأَنّ غَزْوَةَ خَيْبَرَ اتّصَلَتْ بِغَزْوَةِ وَادِي الْقُرَى، فَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ غَزْوَةً وَاحِدَةً، وَأَمّا الْبُعُوثُ وَالسّرَايَا فَقِيلَ: هِيَ سِتّ وَثَلَاثُونَ كَمَا فِي الْكِتَابِ، وَقِيلَ: ثَمَانٍ وأربعون وهو قول الواقدى،

_ (1) روى الإمام مالك، ومن طريقه البخارى عن ابن عمر أنه «ص» بعث بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس فى إمارته، فقام صلى الله عليه وسلم، فقال: إن تطعنوا فى إمارته، فقد كنتم تطعنون فى إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان خليقا للامارة، وإن كان لمن أحب الناس إلى، وإن هذا لمن أحب الناس إلى بعده» . (2) لعلها. الحب بن الحب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَنَسَبَ الْمَسْعُودِيّ إلَى بَعْضِهِمْ أَنّ الْبُعُوثَ وَالسّرَايَا كَانَتْ سِتّينَ. قَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: قَاتَلَ فِي إحْدَى عَشْرَةَ غَزْوَةً، مِنْهَا الْغَابَةُ وَوَادِي الْقُرَى وَاَللهُ أَعْلَمُ. إرْسَالُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُلُوكِ الْحَوَارِيّونَ: ذكر فيه إرسال عيسى بن مَرْيَمَ الْحَوَارِيّينَ، وَأَصَحّ مَا قِيلَ فِي مَعْنَى الْحَوَارِيّينَ أَنّ الْحَوَارِيّ هُوَ الْخُلْصَانُ، أَيْ الْخَالِصُ الصّافِي مِنْ كُلّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ الْحَوَارِيّ، وَالْحُورُ، وَقَوْلُ الْمُفَسّرِينَ هُوَ: الْخُلْصَانُ كَلِمَةٌ فَصَيْحَةٌ، أَنْشَدَ أَبُو حَنِيفَةَ: خَلِيلَيّ خُلْصَانَيّ لَمْ يَبْقَ حِسّهَا ... مِنْ الْقَلْبِ إلّا عُوّذًا سَبَبًا لَهَا «1» قَالَ: وَالْعُوّذُ مَا لَمْ تُدْرِكْهُ الْمَاشِيَةُ لِارْتِفَاعِهِ، أَوْ لِأَنّهُ بِأَهْدَافٍ، فَكَأَنّهُ قَدْ عَاذَ مِنْهَا. مَعْنَى الْمَسِيحِ وَنِهَايَتُهُ: وَأَصَحّ مَا قِيلَ فِي مَعْنَى الْمَسِيحِ عَلَى كَثْرَةِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ أَنّهُ الصّدّيق

_ (1) البيت الكميت. وروايته فى اللسان: خليلاى، و: سينالها. بدلا من: خليلى، و: سببا لها. والعوذ: ما عيذ به من شجر أو غيره وما لم يرتفع إلى الأغصان. ومنعه الشجر من أن يرعى من ذلك. وقيل: هى أشياء تكون فى غلظ لا ينالها المال «اللسان» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِلُغَتِهِمْ، ثُمّ عَرّبَتْهُ الْعَرَبُ. وَكَانَ إرْسَالُ الْمَسِيحِ لِلْحَوَارِيّينَ بَعْدَ مَا رُفِعَ وَصُلِبَ الّذِي شُبّهَ بِهِ، فَجَاءَتْ مَرْيَمُ الصّدّيقَةُ وَالْمَرْأَةُ الّتِي كَانَتْ مَجْنُونَةً، فَأَبْرَأَهَا الْمَسِيحُ، وَقَعَدَتَا عِنْدَ الْجِذْعِ تَبْكِيَانِ، وَقَدْ أَصَابَ أُمّهُ مِنْ الْحُزْنِ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمُ عِلْمَهُ إلّا اللهُ، فَأُهْبِطَ إلَيْهِمَا، وقال: على م تَبْكِيَانِ؟ فَقَالَتَا: عَلَيْك، فَقَالَ إنّي لَمْ أُقْتَلْ، وَلَمْ أُصْلَبْ، وَلَكِنّ اللهَ رَفَعَنِي وَكَرّمَنِي، وَشُبّهَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْرِي، أَبْلِغَا عَنّي الْحَوَارِيّينَ أَمْرِي، أَنْ يَلْقَوْنِي فِي مَوْضِعِ كَذَا لَيْلًا، فَجَاءَ الْحَوَارِيّونَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، فَإِذَا الْجَبَلُ قَدْ اشْتَعَلَ نُورًا لِنُزُولِهِ بِهِ، ثُمّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْعُوا النّاسَ إلَى دِينِهِ وَعِبَادَةِ رَبّهِمْ، فَوَجّهَهُمْ إلَى الْأُمَمِ الّتِي ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، ثُمّ كُسِيَ كُسْوَةَ الْمَلَائِكَةِ، فَعَرَجَ مَعَهُمْ، فَصَارَ مَلَكِيّا إنْسِيّا سَمَائِيّا أَرْضِيّا «1» . فَصْلٌ: وَذَكَرَ فِي الْأُمَمِ: الْأُمّةَ الّذِينَ يَأْكُلُونَ النّاسَ، وَهُمْ مِنْ الْأَسَاوِدَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ. أُسْطُورَةُ زُرَيْبٍ: وَذَكَرَ فِي الْحَوَارِيّينَ زُرَيْبَ بْنَ بَرْثُمْلِي «2» وَهُوَ الّذِي عَاشَ إلى زمن

_ (1) قصة مخترعة لا ينسيها إلى الحق سند صحيح. ولكنها فى كتب المسيحيين والحق الثابت الذى لا ريب. فيه أنهم ما قتلوه وما صلبوه، ولكن شبه لهم. (2) فى الإصابة ترملا وترملى. وفى سفر أعمال الرسل من العهد الجديد: برثو لماوس بدون زريب وسند قصة زريب سند ضعيف. وعند ابن أبى حاتم أن صاحبه هو جعونة بن نضلة، وعند غيره نضلة بن معاوية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عُمَرَ وَسَمِعَ نَضْلَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ أَذَانَهُ فِي الْجَبَلِ فَكَلّمَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ عَظِيمُ الْخَلْقِ رَأْسُهُ كَدُورِ الرّحَى، فَسَأَلَ نَضْلَةَ وَالْجَيْشَ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: قُبِضَ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالُوا: قُبِضَ، ثُمّ سَأَلَهُمْ عَنْ عُمَرَ، فَقَالُوا: هُوَ حىّ، ونحن جيشه، فقال لهم: أقرؤه مِنّي السّلَامَ ثُمّ أَمَرَهُمْ أَنْ يُبَلّغُوا عَنْهُ وَصَايَا كَثِيرَةً، وَأَنْ يُحَذّرَ النّاسَ مِنْ خِصَالٍ إذَا ظَهَرَتْ فِي أُمّةِ مُحَمّدٍ، فَقَدْ قَرُبَ الْأَمْرُ، وَمِنْهَا لُبْسُ الْحَرِيرِ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَأَنْ يَكْتَفِيَ الرّجَالُ بِالرّجَالِ وَالنّسَاءُ بِالنّسَاءِ «1» . وَذَكَرَ فِيهَا أيضا المعارف وَالْقِيَانَ وَأَشْيَاءَ غَيْرَ هَذِهِ، فَقَالُوا لَهُ: مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُك اللهُ؟ فَقَالَ زُرَيْبُ بْنُ بَرْثُمْلِي حوارىّ عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ دَعَوْت اللهَ أَنْ يُحْيِيَنِي، حَتّى أَرَى أُمّةَ مُحَمّدٍ، أَوْ نَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ، وَقَدْ أَرَدْت الْخُلُوصَ إلَى أُمّةِ مُحَمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أَسْتَطِعْ، حَالَ بينى وبينه الكفار. وذكر الدّارقطنى فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا أَنّ عُمَرَ قَالَ لِنَضْلَةَ إنْ لَقِيته فَأَقْرِئْهُ مِنّي السّلَامَ، فَإِنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنّ بِذَلِكَ الْجَبَلِ وَصِيّا مِنْ أَوْصِيَاءِ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ، وَالْخَبَرُ بِهَذَا مَشْهُورٌ عَنْهُ، وَفِيهِ طُولٌ فَاخْتَصَرْنَاهُ، وَيُقَالُ: إنّهُ الْآنَ حَيّ. وَمَنْ قَالَ: إنّ الْخَضِرَ وَإِلْيَاسَ قَدْ مَاتَا، فَمِنْ أَصْلِهِ أَيْضًا أن زريبا قد مات، لأنهم يحتجون

_ (1) كل هذا سنده ضعيف كما قرر الحافظ فى الفتح. والعجب أن يفترى فى بعض الروايات أنه سيبقى إلى نزول عيسى!!

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِالْحَدِيثِ الصّحِيحِ: إلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، لَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ مِمّنْ هُوَ عَلَيْهَا أَحَدٌ «1» . رَسُولُهُ إلَى النّجَاشِيّ وَقَيْصَرَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ إرْسَالَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ إلَى النّجَاشِيّ، وَقَدْ قَدّمْنَا ذِكْرَ مَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ، وَكَذَلِكَ ذَكَرْنَا خَبَرَ سَلِيطٍ مَعَ هَوْذَةَ، وَمَا قَالَ لَهُ، وَخَبَرَ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ مَعَ كِسْرَى، وَكَلَامَهُ مَعَهُ، وَنَذْكُرُ هُنَا بَقِيّةَ الْإِرْسَالِ، وَكَلَامَهُمْ فَمِنْهُمْ: دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ، فَقَدِمَ دِحْيَةُ عَلَى قَيْصَرَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى هَذَا الِاسْمِ، أَعْنِي اسْمَ دِحْيَةَ، وَاسْمَ قَيْصَرَ فِيمَا مَضَى مِنْ الْكِتَابِ، فَلَمّا قَدِمَ دِحْيَةُ عَلَى قَيْصَرَ، قَالَ لَهُ: «يَا قَيْصَرُ أَرْسَلَنِي إلَيْك مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك، وَاَلّذِي أَرْسَلَهُ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَمِنْك، فَاسْمَعْ بِذُلّ، ثُمّ أَجِبْ بِنُصْحٍ، فَإِنّك إنْ لَمْ تَذْلِلْ لَمْ تَفْهَمْ، وَإِنْ لَمْ تَنْصَحْ لَمْ تُنْصِفْ، قَالَ: هَاتِ، قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَكَانَ الْمَسِيحُ يُصَلّي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنّي أَدْعُوك إلَى مَنْ كَانَ المسيح يصلّى له، وأدعوك

_ (1) وعلى هذا أجمع الأئمة. فقد كان صاحب موسى عبدا صالحا بشرا، والبشر لا يخلدون فى الدنيا. وإلياس كذلك. كلمة عن الحواريين: ما ذكر فى السيرة عنهم مستمد من أسفار المسيحيين وبين أسمائهم فى السيرة وأسمائهم فى الأسفار اختلاف يسير. ولست أدرى كيف يجعل من بولس تابعا طيبا؟ وهو الذى افترى أصول المسيحية المثلثة المؤلهة لعبد الله ورسوله عيسى وعاش يمجد اليهودية وحدها بأحقادها!! أنظر رسائله فى العهد الجديد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلَى مَنْ دَبّرَ خَلْقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْمَسِيحُ فِي بَطْنِ أُمّهِ، وَأَدْعُوك إلَى هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي بَشّرَ بِهِ مُوسَى، وَبَشّرَ بِهِ عيسى بن مَرْيَمَ بَعْدَهُ، وَعِنْدَك مِنْ ذَلِكَ أَثَارَةٌ مِنْ عِلْمٍ تَكْفِي مِنْ الْعِيَانِ وَتَشْفِي مِنْ الْخَبَرِ، فَإِنْ أَجَبْت كَانَتْ لَك الدّنْيَا وَالْآخِرَةُ، وَإِلّا ذَهَبَتْ عَنْك الْآخِرَةُ وَشُورِكْت فِي الدّنْيَا، وَاعْلَمْ أَنّ لَك رَبّا يَقْصِمُ الْجَبَابِرَةَ، وَيُغَيّرُ النّعَمَ» ، فَأَخَذَ قَيْصَرُ الْكِتَابَ فَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَرَأْسِهِ وَقَبّلَهُ، ثُمّ قَالَ: أَمَا وَاَللهِ مَا تَرَكْت كِتَابًا إلّا وَقَرَأْته، وَلَا عَالِمًا إلّا سَأَلْته، فَمَا رَأَيْت إلّا خَيْرًا، فَأَمْهِلْنِي حَتّى أَنْظُرَ مَنْ كَانَ الْمَسِيحُ يُصَلّي لَهُ، فَإِنّي أَكْرَهُ أَنْ أُجِيبَك الْيَوْمَ بِأَمْرٍ أَرَى غَدًا مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، فَأَرْجِعَ عَنْهُ، فَيَضُرّنِي ذَلِكَ، وَلَا يَنْفَعَنِي، أَقِمْ حَتّى أَنْظُرَ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَتَاهُ وَفَاةُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَقِيّةُ حَدِيثِ قَيْصَرَ، فَانْظُرْهُ هُنَالِكَ. رَسُولُهُ إلَى الْمُقَوْقِسِ: وَأَمّا حَاطِبٌ فَقَدِمَ عَلَى الْمُقَوْقِسِ، وَاسْمُهُ: جُرَيْجُ بْنُ مِينَاءَ «1» ، فَقَالَ لَهُ: «إنّهُ قَدْ كَانَ رَجُلٌ قَبْلَك يَزْعُمُ أَنّهُ الرّبّ الْأَعْلَى، فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ، وَالْأُولَى، فَانْتَقَمَ بِهِ، ثُمّ انْتَقَمَ مِنْهُ، فَاعْتَبِرْ بِغَيْرِك، وَلَا يَعْتَبِرْ بِك غَيْرُك، قال: هات، قال: إن لك دينا لَنْ تَدَعَهُ إلّا لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ «2» ، الْكَافِي بِهِ اللهُ فَقْدَ مَا سِوَاهُ. إنّ هَذَا النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-

_ (1) ابن مينا بن قرقوب. وفى الإصابة: ومنهم من لم يذكر مينا كما جزم به أبو عمر الكندى فى أمراء مصر. (2) فى المواهب: قال: إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه، فقال حاطب: ندعوك لله إلى دين او هو الإسلام

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دَعَا النّاسَ، فَكَانَ أَشَدّهُمْ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ، وَأَعْدَاهُمْ لَهُ يَهُودُ، وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ النّصَارَى، وَلَعَمْرِي مَا بِشَارَةُ مُوسَى بِعِيسَى إلّا كَبِشَارَةِ عِيسَى بِمُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا دُعَاؤُنَا إيّاكَ إلَى الْقُرْآنِ إلّا كَدُعَائِك أَهْلَ التّوْرَاةِ إلَى الْإِنْجِيلِ، وَكُلّ نَبِيّ أَدْرَكَ قَوْمًا فَهُمْ مِنْ أُمّتِهِ فَالْحَقّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَأَنْتَ مِمّنْ أَدْرَكَهُ هَذَا النّبِيّ، وَلَسْنَا نَنْهَاك عَنْ دِينِ الْمَسِيحِ، وَلَكِنْ نَأْمُرُك بِهِ» قَالَ الْمُقَوْقِسُ: «إنّي قَدْ نَظَرْت فِي أَمْرِ هَذَا النّبِيّ، فَوَجَدْته لا يأمر يمزهود فِيهِ، وَلَا يَنْهَى إلّا عَنْ مَرْغُوبٍ عَنْهُ، وَلَمْ أَجِدْهُ بِالسّاحِرِ الضّالّ، وَلَا الْكَاهِنِ الْكَاذِبِ، وَوَجَدْت مَعَهُ آلَةَ «1» النّبُوّةِ بِإِخْرَاجِ الْخَبْءِ وَالْإِخْبَارِ بِالنّجْوَى «2» ، وَسَأَنْظُرُ فَأَهْدَى لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ إبْرَاهِيمَ الْقِبْطِيّةَ، وَاسْمُهَا: مَارِيَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ، وَأُخْتَهَا مَعَهَا، وَاسْمُهَا سِيرِينُ وَهِيَ أُمّ عبد الرّحمن

_ (1) فى شرح المواهب: «كذا فى العيون، اى: علامتها، عبر عنها بالآلة. لأنها سبب فى تحقيقها، وإظهارها. وفى الروض: آية. وهى العلامة بلا تكلف» غير أن الروض كما ترى ذكر آلة فلعل صاحب المواهب كان يطلع على نسخة أخرى. (2) يقال: إن المقوقس علم هذا من الأخبار الواردة عليه بذلك قبل كتابة النبى إليه فقد ذكر الوافدى أن المغيرة بن شعبة لقى المقوقس، وسأله عن النبى، فلما أجابه بما أجابه به قال: هذا نبى مرسل إلى الناس كافة، ولو أصاب القبط والروم لا تبعوه. وعند ابن عبد الحكم أنه أخذ كتاب النبى «ص» رضمه إلى صدره، وقال: هذا زمان النبى الذى نجد نعته فى كتاب الله، وحفظ الكتاب فى حق من عاج. وقد ورد أن الكسوة كانت عشرين ثوبا. وانظر ص 45 وما بعدها كتاب فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ «1» ، وَغُلَامًا اسْمُهُ مَأْبُورُ «2» ، وَبَغْلَةً اسْمهَا دُلْدُلُ، وَكُسْوَةً، وَقَدَحًا مِنْ قَوَارِيرَ كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكاتبه «3» . ؟؟؟ هرولة إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى: وَأَمّا الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ، فَقَدِمَ عَلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى «4» فَقَالَ لَهُ: «يَا مُنْذِرُ إنّك عَظِيمُ الْعَقْلِ فِي الدّنْيَا، فَلَا تَصْغُرَنّ عَنْ الْآخِرَةِ، إنّ هَذِهِ الْمَجُوسِيّةَ شَرّ دِينٍ لَيْسَ فِيهَا تَكَرّمُ الْعَرَبِ، وَلَا عِلْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ، يَنْكِحُونَ مَا يُسْتَحْيَا مِنْ نِكَاحِهِ، وَيَأْكُلُونَ مَا يُتَكَرّمُ عَلَى أَكْلِهِ، ويعبدون

_ (1) وقيل إنه «ص» وهبها لجهم بن قيس، وقيل لمحمد بن مسلمة، وقيل لدحية ابن خليفة. (2) كان مأبور خصيا، ولم يعلموا بأمره بادىء الأمر، فصار يدخل على مارية، كما كان من عاداتهم ببلاد مصر؛ فجعل بعض الناس يتكلم فيهما بسبب ذلك، حتى قيل إنه الذى أمر النبى عليا بقتله، فوجده خصيا فتركه. والحديث فى صحيح مسلم من طريق حماد بن مسلمة «البداية لابن كثير» ص 273 ص 4، وقد تقدم الكلام عن هذا. (3) ورد أن الكسوة كانت عشرين ثوبا من القباطى كما ورد أنه أهدى اليه حمارا اسمه: يعفور، وعسلا من بيتها وألف مثقال ذهبا وخفين ساذجين أسودين واقرأ ما كتبه المقوقس فى كتاب فتوح مصر لابن عبد الحكم ص 47. (4) ابن الأخنس بن بيان بن عمرو بن عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم التميمى الدارمى العبدى، لأنه من ولد عبد الله بن دارم هذا ومما وهم فيه السهيلى زعمه أن الرسول «ص» بعث جبرا مع حاطب، فجبر من القبط. وهو رسول المقوقس بمارية إلى النبى «ص» كما جاء فى الإصابة والاستيعاب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي الدّنْيَا نَارًا تَأْكُلُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَسْت بِعَدِيمِ عَقْلٍ، وَلَا رَأْيٍ، فَانْظُرْ: هَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ لَا يَكْذِبُ أَنْ لَا تُصَدّقَهُ، وَلِمَنْ لَا يَخُونُ أَنْ لَا تَأْمَنَهُ، وَلِمَنْ لَا يُخْلِفُ أَنْ لَا تَثِقَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا، فَهُوَ هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي وَاَللهِ لَا يَسْتَطِيعُ ذُو عَقْلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْتَ مَا أَمَرَ بِهِ نَهَى عَنْهُ، أَوْ ما نهى عنه أمر به، أوليته زَادَ فِي عَفْوِهِ، أَوْ نَقَصَ مِنْ عِقَابِهِ، إن كل ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى أُمْنِيَةِ أَهْلِ الْعَقْلِ وَفِكْرِ أَهْلِ الْبَصَرِ» . فَقَالَ الْمُنْذِرُ: قَدْ نَظَرْت فِي هَذِهِ الْأَمْرِ الّذِي فِي يَدِي، فَوَجَدْته لِلدّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، وَنَظَرْت فِي دِينِكُمْ، فَوَجَدْته لِلْآخِرَةِ وَالدّنْيَا، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ قَبُولِ دِينٍ فِيهِ أُمْنِيَةُ الْحَيَاةِ وَرَاحَةُ الْمَوْتِ، وَلَقَدْ عَجِبْت أَمْسِ، مِمّنْ يَقْبَلُهُ، وَعَجِبْت الْيَوْمَ مِمّنْ يَرُدّهُ، وَإِنّ مِنْ إعْظَامِ مَنْ جَاءَ بِهِ أَنْ يُعَظّمَ رَسُولُهُ، وَسَأَنْظُرُ. مِفْتَاحُ الْجَنّةِ: فَصْلٌ: وَمِمّا وَقَعَ فِي السّيرَةِ فِي حَدِيثِ الْعَلَاءِ قَوْلُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لَهُ: إذَا سُئِلْت عَنْ مِفْتَاحِ الْجَنّةِ فَقُلْ: مِفْتَاحُهَا: لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وفى البخارى: قبل لِوَهْبٍ: أَلَيْسَ مِفْتَاحُ الْجَنّةِ لَا إلَهَ إلّا اللهُ؟ فَقَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ مِفْتَاحٍ إلّا وَلَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْت بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَك، وَإِلّا لَمْ يُفْتَحْ لَك، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ ذُكِرَ لَهُ قَوْلُ وَهْبٍ، فَقَالَ: صَدَقَ وَهْبٌ، وَأَنَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ الْأَسْنَانِ مَا هِيَ، فَذَكَرَ الصّلَاةَ وَالزّكَاةَ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَمْرٌو الْجُلَنْدَى: وَأَمّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي، فَقَدِمَ عَلَى الْجُلَنْدَى «1» ، فَقَالَ لَهُ: يَا جُلَنْدَى إنّك وَإِنْ كُنْت مِنّا بَعِيدًا، فَإِنّك مِنْ اللهِ غَيْرُ بَعِيدٍ، إنّ الّذِي تَفَرّدَ بِخَلْقِك أَهْلٌ أَنْ تُفْرِدَهُ بِعِبَادَتِك، وَأَنْ لَا تُشْرِكَ بِهِ مَنْ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيك، وَاعْلَمْ أَنّهُ يُمِيتُك الّذِي أَحْيَاك، وَيُعِيدُك الّذِي بَدَأَك، فَانْظُرْ فِي هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي جَاءَ بِالدّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ بِهِ أَجْرًا فَامْنَعْهُ، أَوْ يَمِيلُ بِهِ هَوًى فَدَعْهُ، ثُمّ اُنْظُرْ فِيمَا يَجِيءُ بِهِ: هَلْ يُشْبِهُ مَا يَجِيءُ بِهِ النّاسُ، فَإِنْ كَانَ يُشْبِهُهُ، فَسَلْهُ الْعِيَانَ، وَتَخَيّرْ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُشْبِهُهُ فَاقْبَلْ مَا قَالَ، وَخَفْ مَا وَعَدَ، قَالَ الْجُلَنْدَى: إنّهُ وَاَللهِ لَقَدْ دَلّنِي عَلَى هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ أَنّهُ لَا يَأْمُرُ بِخَيْرٍ إلّا كَانَ أَوّلَ مَنْ أَخَذَ بِهِ، وَلَا يَنْهَى عَنْ شَرّ إلّا كَانَ أَوّلَ تَارِكٍ لَهُ، وَأَنّهُ يَغْلِبُ فَلَا يَبْطَرُ، وَيُغْلَبُ فَلَا يَضْجَرُ «2» وَأَنّهُ يَفِي بِالْعَهْدِ، وَيُنْجِزُ الْمَوْعُودَ، وَأَنّهُ لَا يَزَالُ سِرّ قَدْ اطّلَعَ عَلَيْهِ يُسَاوِي فِيهِ أهله، وأشهد أنه نبى «3» .

_ (1) ضبطه الجوهرى بفتح اللام، وجعله القاموس من أوهامه، وقد ضبطه الحافظ فى الفتح والإصابة بضبط الجوهرى غير مبال بضبط شيخه صاحب القاموس، وفى السيرة أنه أرسله إلى ابنى الجلندى. وأما وثيمة فيذكر فى كتاب الردة عن ابن إسحاق أنه أرسل إلى الجلندى. (2) فى الإصابة. فلا يهجر. (3) فى الإصابة أنه أنشد أبياتا هى: أتانى عمرو بالتى ليس بعدها ... من الحق شىء والنصيح نصيح فقلت له: ما زدت أن جئت بالتى ... جلندى عمان فى عمان يصيح فيا عمرو قد أسلمت لله جهرة ... ينادى بها فى الواديين فصيح

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شُجَاعٌ وَجَبَلَةُ: وَأَمّا شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ، فَقَدِمَ عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ، وَهُوَ جَبَلَةُ بْنُ الأيهم ابن الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، وَجَبَلَةُ، وَهُوَ الّذِي أَسْلَمَ ثُمّ تَنَصّرَ مِنْ أَجْلِ لَطْمَةٍ حَاكَمَ فِيهَا إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَكَانَ طُولُهُ اثْنَيْ عَشَرَ شِبْرًا، وَكَانَ يَمْسَحُ بِرِجْلَيْهِ الْأَرْضَ، وَهُوَ رَاكِبٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا جَبَلَةُ إنّ قَوْمَك نَقَلُوا هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ مِنْ دَارِهِ إلَى دَارِهِمْ، يَعْنِي: الْأَنْصَارَ، فَآوَوْهُ، وَمَنَعُوهُ، وَإِنّ هَذَا الدّينَ الّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِدِينِ آبَائِك، وَلَكِنّك مَلَكْت الشّامَ وَجَاوَرْت بِهَا الرّومَ، وَلَوْ جَاوَرْت كِسْرَى دِنْت بِدِينِ الْفُرْسِ لملك العراق، وقد أفرّ بِهَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ مِنْ أَهْلِ دِينِك مَنْ إنْ فَضّلْنَاهُ عَلَيْك لَمْ يُغْضِبْك، وَإِنْ فَضّلْنَاك عَلَيْهِ لَمْ يُرْضِك، فَإِنْ أَسْلَمْت أَطَاعَتْك الشّامُ وَهَابَتْك الرّومُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا كَانَتْ لَهُمْ الدّنْيَا وَلَك الْآخِرَةُ، وَكُنْت قَدْ اسْتَبْدَلْت الْمَسَاجِدَ بِالْبِيَعِ، وَالْأَذَانَ بِالنّاقُوسِ، وَالْجُمَعَ بِالشّعَانِينِ «1» ، وَالْقِبْلَةَ بِالصّلِيبِ، وَكَانَ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى، فَقَالَ لَهُ جَبَلَةُ: إنّي وَاَللهِ لَوَدِدْت أَنّ النّاسَ أَجْمَعُوا عَلَى هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى خَلْقِ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَقَدْ سَرّنِي اجْتِمَاعُ قَوْمِي لَهُ، وَأَعْجَبَنِي قَتْلُهُ أَهْلَ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودَ، وَاسْتِبْقَاؤُهُ النّصَارَى، وَلَقَدْ دَعَانِي قَيْصَرُ إلَى قِتَالِ أَصْحَابِهِ يَوْمَ مُؤْتَةَ، فَأَبَيْت عَلَيْهِ، فَانْتَدَبَ مَالِكَ بْنَ نافلة

_ (1) عيد صليبى يقع يوم الأحد السابق لعيد الفصح يحتفل فيه بحمل السعف ذكرى لدخول المسيح- كما قيل- بيت المقدس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ فَقَتَلَهُ اللهُ، وَلَكِنّي لَسْت أَرَى حَقّا يَنْفَعُهُ، وَلَا بَاطِلًا يَضُرّهُ وَاَلّذِي يَمُدّنِي إلَيْهِ أَقْوَى مِنْ الّذِي يَخْتَلِجُنِي عَنْهُ، وَسَأَنْظُرُ الْمُهَاجِرُ وَابْنُ كُلَالٍ: وَأَمّا الْمُهَاجِرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ، فَقَدِمَ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَقَالَ لَهُ: يَا حَارِثُ إنّك كُنْت أَوّلَ مَنْ عَرَضَ عَلَيْهِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ، فَخَطِئْت عَنْهُ، وَأَنْتَ أَعْظَمُ الْمُلُوكِ قَدْرًا، فَإِذَا نَظَرْت فِي غَلَبَةِ الْمُلُوكِ، فَانْظُرْ فِي غَالِبِ الْمُلُوكِ، وَإِذَا سَرّك يَوْمُك فَخَفْ غَدَك، وَقَدْ كَانَ قَبْلَك مُلُوكٌ ذَهَبَتْ آثارها وبقيت أخبارها، عاشوا طويلا، وأمّلوا بَعِيدًا وَتَزَوّدُوا قَلِيلًا، مِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَكَلَتْهُ النّقَمُ، وَإِنّي أَدْعُوك إلَى الرّبّ الّذِي إنْ أَرَدْت الْهُدَى لم يَمْنَعْك، وَإِنْ أَرَادَك لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْك أَحَدٌ، وَأَدْعُوك إلَى النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ أَحْسَنُ مِمّا يَأْمُرُ بِهِ، وَلَا أَقْبَحُ مِمّا يَنْهَى عَنْهُ، وَاعْلَمْ أَنّ لَك رَبّا يُمِيتُ الْحَيّ وَيُحْيِي الْمَيّتَ، وَيَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ، وَمَا تُخْفِي الصّدُورُ، فَقَالَ الْحَارِثُ: قَدْ كَانَ هَذَا النّبِيّ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَيّ فَخَطِئْت عَنْهُ، وَكَانَ ذُخْرًا لِمَنْ صَارَ إلَيْهِ، وَكَانَ أَمْرُهُ أَمْرًا سَبَقَ، فَحَضَرَهُ الْيَأْسُ وَغَابَ عَنْهُ الطّمَعُ، وَلَمْ يَكُنْ لِي قَرَابَةٌ أَحْتَمِلُهُ عَلَيْهَا، وَلَا لِي فِيهِ هَوًى أَتّبِعُهُ لَهُ، غَيْرَ أَنّي أَرَى أَمْرًا لَمْ يُوَسْوِسْهُ الْكَذِبُ، وَلَمْ يُسْنِدْهُ الْبَاطِلُ. لَهُ بَدْءٌ سَارّ، وَعَاقِبَةٌ نَافِعَةٌ، وَسَأَنْظُرُ. وَمِمّا قَالَهُ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ فِي قُدُومِهِ عَلَى قيصر: ألا هل أناها على نأيها ... فإنى قدمت على قيصر فقدرته بصلاة المسي ... ح وَكَانَتْ مِنْ الْجَوْهَرِ الْأَحْمَرِ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَتَدْبِيرِ رَبّك أَمْرَ السّمَا ... ءِ وَالْأَرْضِ فَأَغْضَى وَلَمْ يُنْكِرْ وَقُلْت: تُقِرّ بِبُشْرَى الْمَسِي ... حِ، فقال: سأنظر، قلت: انظر فكاد يُقِرّ بِأَمْرِ الرّسُو ... لِ فَمَالَ إلَى الْبَدَلِ الْأَعْوَرِ فَشَكّ وَجَاشَتْ لَهُ نَفْسُهُ ... وَجَاشَتْ نَفُوسُ بَنِي الْأَصْفَرِ عَلَى وَضْعِهِ بِيَدَيْهِ الْكِتَا ... بَ عَلَى الرّأْسِ وَالْعَيْنِ وَالْمَنْخِرِ فَأَصْبَحَ قَيْصَرُ مِنْ أَمْرِهِ ... بِمَنْزِلَةِ الْفَرَسِ الْأَشْقَرِ يُرِيدُ بِالْفَرَسِ الْأَشْقَرِ مَثَلًا لِلْعَرَبِ يَقُولُونَ: أَشْقَرُ إنْ يَتَقَدّمْ يُنْحَرْ ... وَإِنْ يَتَأَخّرْ يُعْقَرْ وَقَالَ الشّاعِرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى: وَهَلْ كُنْت «1» إلّا مِثْلَ سَيّقِهِ الْعِدَا ... إنْ اسْتَقْدَمَتْ نَحْرٌ، وَإِنْ جَبَأَتْ عَقْرُ وَفِي حَدِيثِ دِحْيَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ فِي مُسْنَدِهِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ يَنْطَلِقُ بِكِتَابِي هَذَا إلَى قَيْصَرَ وَلَهُ الْجَنّةُ، فَقَالُوا: وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ، فَانْطَلَقَ بِهِ رَجُلٌ يَعْنِي دِحْيَةَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ غَزْوَةُ عُمَرَ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ غَزْوَةَ عُمَرَ إلَى تُرَبَةَ، وهى تربة بفتح الراء أرض

_ (1) رواه اللسان فى حادثى جبأ وسوق بدون نسبة: وهل أنا، وفى جبأ: نحر، وفى سوق: نجر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَانَتْ لِخَثْعَمَ وَفِيهَا جَاءَ الْمَثَلُ: صَادَفَ بَطْنُهُ بَطْنَ تُرَبَةَ «1» ، يُرِيدُونَ الشّبَعَ وَالْخِصْبَ. قَالَ الْبَكْرِيّ: وَكَذَلِكَ: عُرَنَةُ بِفَتْحِ الرّاءِ يَعْنِي الّتِي عِنْدَ عَرَفَةَ. ذِكْرُ غَزْوَةِ ذَاتِ السّلَاسِلِ وَالسّلَاسِلُ: مِيَاهٌ واحدها سلسل «2» وأن عمرو بن العاصى كَانَ الْأَمِيرَ يَوْمئِذٍ، وَكَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَمَرَهُ أَنّ يَسِيرَ إلَى بَلِيّ، وَأَنّ أُمّ أَبِيهِ الْعَاصِي كَانَتْ مِنْ بَلِيّ: وَاسْمُهَا: سَلْمَى فِيمَا ذَكَرَ الزّبِيرُ «3» ، وَأَمّا أُمّ عَمْرٍو، فَهِيَ لَيْلَى تُلَقّبُ بِالنّابِغَةِ سُبِيَتْ مِنْ بَنِي جِلّانِ بْنِ عَنْتَرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ «4» . وَذَكَرَ فِي هَذِهِ السّرِيّةِ صُحْبَةَ رَافِعِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ لِأَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ رَافِعُ بْنُ عُمَيْرَةَ وَيُقَالُ فِيهِ: ابْنُ عُمَيْرٍ «5» ، وَهُوَ الّذِي كَلّمَهُ الذّئْبُ، وَلَهُ شِعْرٌ مشهور فى تكليم

_ (1) فى معجم البكرى: عرف بطنى بطن تربة، يضرب الرجل يصير إلى الأمر الجلى، وأول من قاله عامر بن مالك أبو براء. (2) فى المراصد، السلاسل: جمع سلسلة ماء بأرض جذام، سميت به غزوة ذات السلاسل. وفى معجم البكرى ذات السلاسل جمع سلسلة رمل بالبادية ثم ذكر رواية ابن إسحاق، ثم قال: والسلاسل فى غير هذه الرواية ماء لجذام، وبه سميت تلك الغزوة: ذات السلاسل. (3) أنظر ص 408 من كتاب نسب قريش. (4) فى نسب قريش: وأمه سبية من عنزة ص 409. وفى الإصابة: أمه النابغة من بنى عنزة بفتح المهملة والنون. (5) فى الإصابة: رافع بن عمرو بن جابر بن حارثة بن عمرو بن محصن، ويقال: ابن عميرة. وقد ينسب لجده، وقيل هو رافع بن أبى رافع عده بعضهم فى التابعين مثل ابن سعد والعجلى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذّئْبِ لَهُ «1» ، وَكَانَ الذّئْبُ قَدْ أَغَارَ عَلَى غَنَمِهِ فَاتّبَعَهُ، فَقَالَ لَهُ الذّئْبُ: أَلَا أَدُلّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَك، قَدْ بُعِثَ نَبِيّ اللهِ، وَهُوَ يَدْعُو إلَى اللهِ، فَالْحَقْ بِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ رَافِعٌ وَأَسْلَمَ. وَذَكَرَ فِي حديثه مع أبى بكر أنه أطمعه وَعُمَرَ لَحْمَ جَزُورٍ، كَانَ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا عَشِيرًا عَلَى أَنْ يُجَزّئَهَا لِأَهْلِهَا، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَتَقَيّآ مَا أَكَلَا، وَقَالَا: أَتُطْعِمُنَا مِثْلَ هَذَا، وَذَلِكَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ أَنّهُمَا كَرِهَا أُجْرَةً مَجْهُولَةً، لِأَنّ الْعَشِيرَ وَاحِدُ الْأَعْشَارِ عَلَى غَيْرِ «2» قِيَاسٍ، يُقَالُ: بُرْمَةٌ أَعْشَارٌ إذَا انْكَسَرَتْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَشِيرُ بِمَعْنَى الْعُشْرِ كَالثّمِينِ بِمَعْنَى الثّمَنِ، وَلَكِنّهُ عَامَلَهُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ إخْرَاجِ الْجَزُورِ مِنْ جِلْدِهَا، وَقَبْلَ النّظَرِ إلَيْهَا، أَوْ يَكُونَا كَرِهَا جِزَارَةَ «3» الْجَزّارِ عَلَى كُلّ حَالٍ وَاَللهُ أَعْلَمُ. حُرْقَةُ: وَذَكَرَ غَزْوَةَ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَقَتْلَهُ مِرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ مِنْ الحرقة،

_ (1) منه: فلما أن سمعت الذئب نادى ... يبشرنى بأحمد من قريب فألفيت النبى يقول قولا ... صدوقا ليس بالقول الكذوب وليس للقصة سند يعتد به، ولهذا لم يأت بها حديث واحد يحترمه أهل الحديث ولا ريب فى أنها أسطورة. (2) فى اللسان: «وأعشار الجذور: الأنصباء، والعشر: قطعة تنكسر من القدح أو البرمة كأنها قطعة من عشر قطع والجمع أعشار، وقدح أعشار» . (3) إن كانت بكسر الجيم فمى حرفة الجزار، وإن كانت بضمها فهى ما يأخذه الجزار من الذبيحة عن أجرته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُرْقَةُ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فِي يَشْكُرَ حُرَقَةُ ابن ثَعْلَبَةَ، وَحُرْقَةُ بْنُ مَالِكٍ كِلَاهُمَا مِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ كَعْبِ بْنِ يَشْكُرَ، وَفِي قُضَاعَةَ: حُرْقَةُ «1» بْنُ جَذِيمَةَ بْنِ نَهْدٍ، وَفِي تَمِيمٍ حرقة بن زيد بن مالك ابن حَنْظَلَةَ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: هَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ كُلّهَا بِالْقَافِ، وَذَكَرَهَا الدّارَقُطْنِيّ كُلّهَا بِالْفَاءِ. أَنْسَابٌ: وَذَكَرَ غَزْوَةَ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إلَى الْقُرَطَاءِ، وَهُمْ بَنُو قُرْطٍ وَقَرِيطٍ، وَقُرَيْطٍ بَنُو أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ. وَذَكَرَ حَيّانَ بْنَ مِلّةَ، وَهُوَ حَسّانُ بْنُ مِلّةَ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ. وَذَكَرَ سَعْدَ بْنَ هُذَيْمٍ، وَإِنّمَا هُوَ سَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سُودِ بن أسلم ابن الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ، وَإِنّمَا نُسِبَ إلَى هُذَيْمٍ، لأن هذيما حضنه، وهو عبد حبشى

_ (1) فى القاموس ضبطها بسكون الراء «والحرقة بالضم اسم، من الاحتراق، وحى من قضاعة، ولهمزة بنت النعمان بن المنذر. والحرقتان- بفتح الراء والقاف- تيم وسعد ابنا قيس بن ثعلبة بن المنذر بن عكابة» وفى اللسان ضبط حرقتى تيم وسعد سكون الراء. وقال: والحرقة بفتح الراء- حى من العرب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَدِيثُ أُمّ قِرْفَةَ الّتِي جَرَى فِيهَا الْمَثَلُ: أَمْنَعُ مِنْ أُمّ قِرْفَةَ، لِأَنّهَا كَانَتْ يُعَلّقُ فِي بَيْتِهَا خَمْسُونَ سَيْفًا [لِخَمْسِينَ فَارِسًا «1» ] كُلّهُمْ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَاسْمُهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ حُذَيْفَةَ ابن بَدْرٍ «2» كُنِيَتْ بِابْنِهَا قِرْفَةَ، قَتَلَهُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فِيمَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيّ. وَذَكَرَ أَنّ سَائِرَ بَنِيهَا، وَهُمْ تِسْعَةٌ قُتِلُوا مَعَ طُلَيْحَةَ بْنِ بُزَاخَةَ فِي الرّدّةِ وَهُمْ حَكَمَةُ وَخَرَشَةُ وَجَبَلَةُ وَشَرِيكٌ وَوَالَانُ وَرَمْلٌ وَحُصَيْنٌ وَذَكَرَ بَاقِيَهُمْ. وَذَكَرَ أَنّ قِرْفَةَ قُتِلَتْ يَوْمَ بُزَاخَةَ أَيْضًا «3» ، وَذَكَرَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَهُوَ الصّحِيحُ كَمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وذكر الدّولابى أن زيد ابن حَارِثَةَ حِينَ قَتَلَهَا رَبَطَهَا بِفَرَسَيْنِ، ثُمّ رَكَضَا بِهَا حَتّى مَاتَتْ، وَذَلِكَ لِسِبّهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ الْمَرْأَةَ الّتِي سَأَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَلِمَةَ وَهِيَ بِنْتُ أُمّ قِرْفَةَ، وَفِي مُصَنّفِ أَبِي دَاوُدَ، وَخَرّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسَلَمَةَ: هَبْ لِي الْمَرْأَةَ يَا سَلَمَةُ، لِلّهِ أَبُوك، فَقَالَ: هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللهِ فَفَدَى بِهَا أَسِيرًا كَانَ فِي قُرَيْشٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ الرّوَايَةُ أَصَحّ، وَأَحْسَنُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ، فَإِنّهُ ذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَبَهَا لِخَالِهِ بِمَكّةَ، وَهُوَ حَزْنُ بْنُ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عمران ابن مَخْزُومٍ، وَفَاطِمَةُ جَدّةُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ أَبِيهِ هِيَ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ

_ (1) الزيادة من مجمع الأمثال للميدانى. (2) وفى السيرة والإمتاع للمقريزى: بنت ربيعة بن بدر. (3) وقيل إن قاتلها هو قيس بن المسحر أو المحمر اليعمرى ص 270 الإمتاع للمقريزى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَائِذٍ، فَهَذِهِ الْخَئُولَةُ الّتِي ذَكَرَ، وَقُتِلَ عَبْدُ الرحمن بن حزن بِالْيَمَامَةِ شَهِيدًا، وَحَزْنٌ هَذَا هُوَ جَدّ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ بْنِ حَزْنٍ، وَمَسْعَدَةُ الّذِي ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ قَتَلَ هُوَ ابْنَ حَكَمَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَسَلَمَةُ الّذِي كَانَتْ عِنْدَهُ الْجَارِيَةُ، قِيلَ: هُوَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، وَاسْمُ الْأَكْوَعِ: سِنَانٌ، وَقِيلَ: هُوَ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، قَالَهُ الزّبَيْرُ. غَزْوَةُ أَبِي حَدْرَدٍ: وَذَكَرَ غَزْوَةَ أَبِي حَدْرَدٍ، وَاسْمُهُ: سلمة بن عمير، وقيل: عبيدة ابن عَامِرٍ. وَذَكَرَ قَتْلَ مُحَلّمِ بْنِ جَثّامَةَ، وَخَبَرَهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ مُحَلّمَ ابن جَثّامَةَ مَاتَ بِحِمْصَ فِي إمَارَةِ ابْنِ الزّبَيْرِ، وأما الذى نزلت فيه الآية: لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ شَدِيدٌ، فَقَدْ قِيلَ اسْمُهُ فُلَيْتٌ «1» وَقِيلَ وَهُوَ مُحَلّمٌ كَمَا تَقَدّمَ، وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو، وَقِيلَ فِي أُسَامَةَ، وَقِيلَ فِي أَبِي الدّرْدَاءِ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي الْمَقْتُولِ فَقِيلَ: مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ، وَقِيلَ: عَامِرُ الْأَضْبَطُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. كُلّ هَذَا مَذْكُورٌ فِي التّفَاسِيرِ وَالْمُسْنَدَاتِ. ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ: وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ وَإِسْلَامَهُ، وَقَدْ خرّج أهل

_ (1) وقيل قليب. ويقول ابن حجر فى الإصابة «والذى يظهر أن كلا منهما تصحيف وإنما هو غالب الليثى» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث حديث إسلامه، وفيه قال للنبى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تُرِدْ الْمَالَ تُعْطَهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ: اللهُمّ أَكْلَةٌ مِنْ جَزُورٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ دَمِ ثُمَامَةَ، فَأَطْلَقَهُ، فَتَطَهّرَ وَأَسْلَمَ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَنَفَعَ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ كَثِيرًا، وَقَامَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مَقَامًا حَمِيدًا حِينَ ارْتَدّتْ الْيَمَامَةُ مَعَ مُسَيْلِمَةَ، وَذَلِكَ أَنّهُ قَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا، وَقَالَ: يَا بَنِي حَنِيفَةَ أَيْنَ عَزَبَتْ عُقُولُكُمْ بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ: حم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ أَيْنَ هَذَا مِنْ يَا ضِفْدَعُ نِقّي كَمَا «1» تَنِقّينَ لَا الشّرَابَ تُكَدّرِينَ، وَلَا الْمَاءَ تَمْنَعِينَ «2» ، مما كان يهذى به مسيلمة، فأطاعه منهم ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَانْحَازُوا إلَى الْمُسْلِمِينَ، فَفَتّ ذَلِكَ فِي أَعْضَادِ حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّهُ الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن يأكل

_ (1) فى الرواية: كم. (2) وزادوا فيما نسب إليه: أعلاك فى الماء وأسفلك فى الطين، وقد نسب إلى مسيلمة كثير من هذا الهذيان الذى أوقى أنه؟؟؟ ما جاز على عقول أولئك الذين عاشوا عصره ممن استهواهم معه الحقد، قلئن كان صحيحا فإنما تراؤا بتصديقه محاولة منهم لتهدئة سعار الأحقاد التى تضرمت فى أعماقهم، وإلا فمن الذى يصدق أن هذيانه: «إنا أعطيناك الجواهر، فصل لربك وهاجر، إن مبغضك لفاجر، أو: إنا أعطيناك الجماهر، فخذ لنفسك وبادر: واحذر أن تحرص أو تكاثر» من ذا الذى يظن أن هذا الهذيان يخدع أحدا عن جلال الحقيقة العليا وسمو الجمال الأعظم فى قوله سبحانه (إنا أعطيناك الكوثر) ؟! أنظر ص 14 ح 1 الفتوحات الإسلامية لأحمد بن زينى دحلان فقد حشد فيه طائفة من هذيان حماقاته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِي مِعًى وَاحِدٍ [وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ] «1» الْحَدِيثَ، وَقَالَ: أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيّ، وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أنه جهجاه [بن مسعود ابن سَعْدِ بْنِ حَرَامٍ] «2» الْغِفَارِيّ، وَفِي الدّلَائِلِ أَنّ اسْمَهُ نَضْلَةُ، وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ نَحْوًا مِنْ كُرّاسَةٍ رَدَدْنَا فِيهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنّهُ مَخْصُوصٌ بِرَجُلِ وَاحِدٍ، وَبَيّنَا مَعْنَى الْأَكْلِ وَالسّبْعَةِ الْأَمْعَاءِ، وَأَنّ الْحَدِيثَ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصّ، وَلَكِنْ مَعْنَاهُ عَامّ، وَأَتَيْنَا فِي ذَلِكَ بِمَا فِيهِ شِفَاءٌ وَالْحَمْدُ لِلّهِ «3» ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيّ: ذَا دَمٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: ذَا ذِمّ بِالذّالِ الْمُعْجَمَةِ «4» . مَا زَادَهُ ابْنُ هِشَامٍ مِمّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَذَكَرَ الشّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو بَحْرٍ سُفْيَانُ بْنُ الْعَاصِي رَحِمَهُ فِي هذا الموضع،

_ (1) متفق عليه ورواه أحمد والترمذى وابن ماجه عن ابن عمر، وأحمد ومسلم عن جابر، والبخارى ومسلم وأحمد وابن ماجه عن أبى هريرة، ومسلم وابن ماجه عن أبى موسى «الجامع الصغير للسيوطى» . (2) ابن سعيد وقيل ابن قيس شهد بيعة الرضوان. (3) يقول ابن الأثير عن الحديث: «هذا مثل ضربه للمؤمن وزهده فى الدنيا، والكافر وحرصه عليها، وليس معناه كثرة الأكل دون الاتساع فى الدنيا، ولهذا قيل الرغب شؤم، لأنه يحمل صاحبه على اقتحام النار، وقيل: هو تحصيص للمؤمن وتحامى ما يجره الشبع من القسوة وطاعة الشهوة، ووصف الكافر بكثرة الأكل أغلاظ على المؤمن. وتأكيد لما رسم له، وقيل: هو خاص فى رجل بعينه. كان يأكل كثيرا، فأسلم، فقل أكله. والمعى واحد الأمعاء وهى المصارين. (4) ذا دم. اى من هو مطالب بدم، أو صاحب دم مطلوب، ويروى: وذا ذم أى ذا ذمام وحرمة فى قومه، وإذا عقد ذمة وفى له.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ: نَقَلْت مِنْ حَاشِيَةِ نُسْخَةٍ مِنْ كِتَابِ السّيَرِ مَنْسُوبَةً بِسَمَاعِ أَبِي سَعِيدٍ عَبْدِ الرّحِيمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرّحِيمِ وَأَخَوِيّهِ مُحَمّدٍ وَأَحْمَدَ ابْنَيْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرحيم ما هذا نصه: وَجَدْت بِخَطّ أَخِي قَوْلَ ابْنِ هِشَامٍ: هَذَا مِمّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ هُوَ غَلَطٌ مِنْهُ، قَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ فِيمَا حَدّثَ أَسَدٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيّاءَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ، وَالْقَائِلُ فِي الْحَاشِيَةِ: وَجَدْت بِخَطّ أَخِي هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرّحِيمِ. وَفِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورُ فِي غَزْوَةِ الطّائِفِ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَوَلَدَتْ لَهُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي مُرّةَ. إلَى هَاهُنَا انْتَهَى سَمَاعِي مِنْ أَخِي، وَمَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ سَمِعْته مِنْ ابْنِ هِشَامٍ نَفْسِهِ. عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ: وَذَكَرَ سَرِيّةَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ وَحَلّةً لِخُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ مِنْ خَشَبَتِهِ الّتِي صُلِبَ فِيهَا، وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ أبي شيبة زيادة حَسَنَةٌ أَنّهُمَا حِينَ حَلّاهُ مِنْ الْخَشَبَةِ الْتَقَمَتْهُ الْأَرْضُ. وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ مَقْتَلَ الْعَصْمَاءِ بِنْتِ مَرْوَانَ، وَفِي خَبَرِهَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ، وَكَانَتْ تَسُبّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَتَلَهَا بَعْلُهَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْهَدُوا أَنّ دَمَهَا هَدَرٌ. قال الدّارقطنىّ: من هاهنا يقوم أَصْلُ التّسْجِيلِ فِي الْفِقْهِ، لِأَنّهُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِمْضَاءِ الْحُكْمِ، وَوَقَعَ فِي مُصَنّفِ حماد بن سلمة أنها كانت يهودية،

ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين

[ذِكْرُ أَزْوَاجِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّهَاتِ المؤمنين] [أسماؤهن] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكُنّ تِسْعًا: عَائِشَةُ بِنْتُ أبى بكر، وحفصة بنت عمر ابن الْخَطّابِ، وَأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حرب، وأمّ سلمة بنت أبى أمية ابن الْمُغِيرَةِ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسٍ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، وَصَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ، فِيمَا حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. [زَوَاجُهُ بِخَدِيجَةَ] وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ تَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَهِيَ أَوّلُ مَنْ تَزَوّجَ، زوّجه إياها أبوها خويلد بن أسد، ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَانَتْ تُطْرَحُ الْمَحَائِضُ فِي مَسْجِدِ بَنِي حَطْمَةَ، فَأَهْدَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمها، وقال: لا ينتطح فيها عنزان «1» .

_ (1) أى لا يلتقى فيها اثنان ضعيفان، لأن النطاح من شأن النيوس، والكباش لا العنوز، وهو إشارة إلى تضية مخصوصة لا يجرى فيها خلف ونزاع «ابن الأثير» .

زواجه بعائشة

وَيُقَالُ أَخُوهَا عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِشْرِينَ بَكْرَةً، فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَدَهُ كُلّهُمْ إلّا إبْرَاهِيمَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي هَالَةَ بْنِ مَالِكٍ، أَحَدِ بَنِي أُسَيّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الدّارِ، فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِي هَالَةَ عِنْدَ عَتِيقِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللهِ، وَجَارِيَةً. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: جَارِيَةٌ مِنْ الْجَوَارِي، تَزَوّجَهَا صَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ. [زَوَاجُهُ بِعَائِشَةَ] وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ بِمَكّةَ، وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا بِالْمَدِينَةِ، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ عَشْرٍ، وَلَمْ يَتَزَوّجْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكْرًا غَيْرَهَا، زَوّجَهُ إيّاهَا أَبُوهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أربع مائة درهم. [زاوجه بِسَوْدَةِ] وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عبد شمس بن عبدودّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، زَوّجَهُ إيّاهَا سَلِيطُ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَال أَبُو حَاطِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عبد شمس بن عبدودّ ابن نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

زواجه بزينب بنت جحش

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ابْنُ إسْحَاقَ يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثَ، يَذْكُرُ أَنّ سَلِيطًا وَأَبَا حَاطِبٍ كَانَا غَائِبَيْنِ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ. وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ السّكْرَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شمس بن عبد ودّ بن نصر ابن مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ. [زَوَاجُهُ بِزَيْنَبِ بِنْتِ جَحْشٍ] وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بنت جحش بْنِ رِئَابٍ الْأَسْدِيَةَ. زَوّجَهُ إيّاهَا أَخُوهَا أَبُو أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عليه وسلم أربع مائة دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِيهَا أَنَزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها. [زَوَاجُهُ بِأُمّ سَلَمَةَ] وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّةَ، وَاسْمُهَا هِنْدُ؛ زَوّجَهُ إيّاهَا سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ابْنُهَا، وَأَصْدَقَهَا رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِرَاشًا حَشْوُهُ لِيفٌ، وَقَدَحًا وَصَحْفَةً، وَمِجَشّةً؛ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللهِ، فَوَلَدَتْ لَهُ سَلَمَةَ وَعُمَرَ وَزَيْنَبَ وَرُقَيّةَ. [زَوَاجُهُ بِحَفْصَةَ] وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، زوجه ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

زواجه بأم حبيبة

إيا أَبُوهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم، وكانت قبله عند خنيس بن حذاقة السّهمى. [زَوَاجُهُ بِأُمّ حَبِيبَةَ] وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ حَبِيبَةَ، وَاسْمُهَا رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، زَوّجَهُ إيّاهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَهُمَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَصْدَقَهَا النّجَاشِيّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مائة دِينَارٍ، وَهُوَ الّذِي كَانَ خَطَبَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيّ. [زَوَاجُهُ بجويرية] وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيّة، كَانَتْ فِي سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، فَوَقَعَتْ فِي السّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ الْأَنْصَارِيّ، فَكَاتَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا، فَقَالَ لَهَا: هَلْ لَك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو؟ قَالَ: أَقْضِي عَنْك كِتَابَتَك وَأَتَزَوّجُك؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَتَزَوّجَهَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن لزبير، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

زواجه بصفية

قال ابن هشام: ويقال: لما انصرف رسول اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَمَعَهُ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَكَانَ بِذَاتِ الْجَيْشِ، دَفَعَ جُوَيْرِيَةَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَدِيعَةً، وَأَمَرَهُ بِالِاحْتِفَاظِ بِهَا، وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَقْبَلَ أَبُوهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ بِفِدَاءِ ابْنَتِهِ، فَلَمّا كَانَ بِالْعَقِيقِ نَظَرَ إلَى الْإِبِلِ الّتِي جَاءَ بِهَا لِلْفِدَاءِ، فَرَغِبَ فِي بَعِيرَيْنِ مِنْهَا، فَغَيّبَهُمَا فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الْعَقِيقِ، ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، أَصَبْتُمْ ابْنَتِي، وَهَذَا فِدَاؤُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ الْبَعِيرَانِ اللّذَانِ غَيّبْت بِالْعَقِيقِ فِي شِعْبِ كَذَا وكذا؟ فقال الحارث: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وَأَنّك رَسُولُ اللهِ، صَلّى اللهُ عليك، فو الله مَا اطّلَعَ عَلَى ذَلِكَ إلّا اللهُ تَعَالَى، فَأَسْلَمَ الْحَارِثُ، وَأَسْلَمَ مَعَهُ ابْنَانِ لَهُ وَنَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَأَرْسَلَ إلَى الْبَعِيرَيْنِ، فَجَاءَ بِهِمَا فَدَفَعَ الْإِبِلَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ودفعت إليه ابنته جويرية، فأسلمت وحسن إسْلَامُهَا، وَخَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَبِيهَا، فَزَوّجَهُ إيّاهَا، وَأَصْدَقَهَا أَرْبَعَ مائة دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ابْنِ عَمّ لَهَا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ اشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ من ثابت ابن قيس، فأعتقها وتزوّجها، وأصدقها أربع مائة درهم. [زَوَاجُهُ بِصَفِيّةَ] وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ، ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

زواجه بميمونة

سَبَاهَا مِنْ خَيْبَرَ، فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ، وَأَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلِيمَةً، مَا فِيهَا شَحْمٌ وَلَا لَحْمٌ، كَانَ سَوِيقًا وَتَمْرًا، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أبى الحقيق. [زَوَاجُهُ بِمَيْمُونَةَ] وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ ابن بحير بن هزم بن روبية بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، زَوّجَهُ إيّاهَا الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأَصْدَقَهَا الْعَبّاسُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مائة دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي رُهْمِ بْنِ عبد العزّى بن أبى قيس ابن عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ؛ وَيُقَالُ: إنّهَا الّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَذَلِكَ أَنّ خِطْبَةَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْتَهَتْ إلَيْهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا، فَقَالَتْ: الْبَعِيرُ وَمَا عَلَيْهِ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ. وَيُقَالُ: إنّ الّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبُ بِنْتُ جحش، وَيُقَالُ أُمّ شَرِيكٍ، غَزِيّة بِنْتُ جَابِرِ بْنِ وَهْبٍ مِنْ بَنِي مُنْقِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ معيص ابن عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سَامَةَ بْنِ لُؤَيّ، فَأَرْجَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.. [زَوَاجُهُ زَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ] وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عدتهن وشأن الرسول معهن

عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَكَانَتْ تُسْمَى أُمّ الْمَسَاكِينِ، لِرَحْمَتِهَا إيّاهُمْ، وَرِقّتِهَا عَلَيْهِمْ، زَوّجَهُ إيّاهَا قَبِيصَةُ بْنُ عَمْرٍو الْهِلَالِيّ، وَأَصْدَقَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَتْ قَبْلَ عُبَيْدَةَ عِنْدَ جَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الحارث، وهو ابن عمّها. [عدتهن وشأن الرسول معهن] فَهَؤُلَاءِ اللّاتِي بَنَى بِهِنّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إحْدَى عَشَرَةَ، فَمَاتَ قَبْلَهُ مِنْهُنّ ثِنْتَانِ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ. وَتُوُفّيَ عَنْ تِسْعٍ قَدْ ذَكَرْنَاهُنّ فِي أَوّلِ هَذَا الْحَدِيثِ؛ وَثِنْتَانِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا: أَسَمَاءُ بِنْتُ النّعْمَانِ الْكِنْدِيّةُ، تَزَوّجَهَا فَوَجَدَ بِهَا بَيَاضًا، فَمَتّعَهَا وَرَدّهَا إلَى أَهْلِهَا، وَعَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ الْكِلَابِيّة، وَكَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِكُفْرٍ؛ فَلَمّا قدمت عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَعَاذَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِيعٌ عَائِذٌ اللهَ، فَرَدّهَا إلَى أَهْلِهَا، وَيُقَالُ: إنّ الّتِي اسْتَعَاذَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِنْدِيّةُ بِنْتُ عَمّ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ النّعْمَانِ، وَيُقَالُ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعَاهَا، فَقَالَتْ: إنّا قَوْمٌ نُؤْتَى وَلَا نَأْتِي؛ فَرَدّهَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهَا. [تسمية القرشيات منهن] القرشيات من أزواج النبى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سِتّ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خويلد ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تسمية العربيات وغيرهن

ابن أسد بن عبد العزّى بن تصىّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لُؤَيّ؛ وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بن سعد بن تيم ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب؛ وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، وَأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عبد شمس ابن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ؛ وَأُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بن مخزوم بن يقظة بن مرة ابن كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ؛ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ ابن نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ بن لؤىّ. [تسمية العربيات وغيرهن] والعربيات وغيرهنّ سمع: زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بن صبرة بن مرة بن كَبِيرُ بْنُ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ بن خزيمة؛ وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ بْنِ بَحِيرِ بْنِ هُزَمَ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسٍ بْنِ عَيْلَانَ؛ وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عبد الله بن عمرو ابن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيّة، ثُمّ الْمُصْطَلِقِيّة، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ النّعْمَانِ الْكِنْدِيّةُ؛ وَعَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ الْكِلَابِيّة. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تمريض رسول الله فى بيت عائشة

غَيْرُ الْعَرَبِيّاتِ وَمِنْ غَيْرِ الْعَرَبِيّاتِ: صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ، مِنْ بَنِي النّضِيرِ [تَمْرِيضُ رسول الله فى بيت عائشة] [مجيئه إلى بيت عائشة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِ: أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَبّاسِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، عَاصِبًا رَأْسَهُ، تَخُطّ قَدَمَاهُ، حَتّى دَخَلَ بَيْتِي. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ، فَحَدّثْت هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْعَبّاسِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَنْ الرّجُلُ الْآخَرُ؟ قَالَ: قُلْت: لَا، قَالَ: عَلِيّ بْنُ أَبِي طالب. [شِدّةُ الْمَرَضِ وَصَبّ الْمَاءِ عَلَيْهِ] ثُمّ غُمِرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَاشْتَدّ بِهِ وَجَعُهُ، فَقَالَ هَريقُوا عَلَيّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ آبَارٍ شَتّى، حَتّى أَخْرُجَ إلَى النّاسِ فَأَعْهَدُ إلَيْهِمْ. قَالَتْ: فَأَقْعَدْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، ثُمّ صَبَبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتّى طَفِقَ يَقُولُ: حَسْبُكُمْ حَسْبُكُمْ. [كَلِمَةٌ لِلنّبِيّ وَاخْتِصَاصُهُ أَبَا بَكْرٍ بِالذّكْرِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الزّهْرِيّ: حَدّثَنِي أَيّوبُ بْنُ بَشِيرٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر الرسول بإنفاذ بعث أسامة

صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمّ كَانَ أَوّلُ مَا تَكَلّمَ بِهِ أَنّهُ صَلّى عَلَى أَصْحَابِ أُحُدٍ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، فَأَكْثَرَ الصّلَاةَ عَلَيْهِمْ، ثُمّ قَالَ: إنّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللهِ خَيّرَهُ اللهُ بَيْنَ الدّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ. قَالَ: فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَعَرَفَ أَنّ نَفْسَهُ يُرِيدُ، فَبَكَى وَقَالَ: بَلْ نَحْنُ نَفْدِيك بِأَنْفُسِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِك يَا أَبَا بَكْرٍ، ثُمّ قَالَ: اُنْظُرُوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ اللّافِظَةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسُدّوهَا إلّا بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَفْضَلَ فِي الصّحْبَةِ عِنْدِي يَدًا مِنْهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: إلّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الرحمن بن عَبْدِ اللهِ، عَنْ بَعْضِ آلِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ يَوْمئِذٍ فِي كَلَامِهِ هَذَا: فَإِنّي لَوْ كُنْت مُتّخِذًا مِنْ الْعِبَادِ خَلِيلًا لا تخذت أبا بكر خليلا، ولكن صحبة وإخاه إيمَانٍ حَتّى يَجْمَعَ اللهُ بَيْنَنَا عِنْدَهُ. [أَمْرُ الرّسُولِ بِإِنْفَاذِ بَعْثِ أُسَامَةَ] وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اسْتَبْطَأَ النّاسَ فِي بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ فِي وَجَعِهِ، فَخَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقَدْ كَانَ النّاسُ قَالُوا فِي إمْرَةِ أُسَامَةَ: أَمّرَ غُلَامًا حَدَثًا عَلَى جِلّةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وصية الرسول بالأنصار

فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمّ قَالَ: أَيّهَا النّاسُ، أَنْفِذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ، فَلِعَمْرِي لَئِنْ قُلْتُمْ فِي إمَارَتِهِ لَقَدْ قُلْتُمْ فِي إمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَإِنّهُ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَخَلِيقًا لَهَا. قَالَ: ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَانْكَمَشَ الناس فى جهازهم، واستعزّ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعُهُ، فَخَرَجَ أُسَامَةُ، وَخَرَجَ جَيْشُهُ مَعَهُ حَتّى نَزَلُوا الْجُرْفَ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى فَرْسَخٍ، فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ، وَتَتَامّ إلَيْهِ النّاسُ، وَثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَقَامَ أُسَامَةُ وَالنّاسُ، لِيَنْظُرُوا مَا اللهُ قَاضٍ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [وَصِيّةُ الرّسُولِ بِالْأَنْصَارِ] وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَ صَلّى وَاسْتَغْفَرَ لِأَصْحَابِ أُحُدٍ، وَذَكَرَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ مَعَ مَقَالَتِهِ يَوْمئِذٍ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ اسْتَوْصُوا بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا، فَإِنّ النّاسَ يَزِيدُونَ، وَإِنّ الْأَنْصَارَ عَلَى هَيْئَتِهَا لَا تَزِيدُ، وَإِنّهُمْ كَانُوا عَيْبَتِي الّتِي أَوَيْت إلَيْهَا، فَأَحْسِنُوا إلَى مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ بَيْتَهُ، وَتَتَامّ به وجعه، حتى غمر. [شَأْنُ اللّدُودِ] قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ نِسَاءٌ مِنْ نِسَائِهِ: أُمّ سَلَمَةَ، وَمَيْمُونَةُ، وَنِسَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دعاء الرسول لأسامة بالإشارة

مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، مِنْهُنّ أَسَمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَعِنْدَهُ الْعَبّاسُ عَمّهُ، فَأَجْمَعُوا أَنْ يَلُدّوهُ، وَقَالَ الْعَبّاسُ: لَأَلُدّنّهُ. قَالَ: فَلَدّوهُ، فَلَمّا أَفَاقَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ: مَنْ صَنَعَ هَذَا بِي؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، عَمّك، قَالَ: هَذَا دَوَاءٌ أَتَى بِهِ نِسَاءٌ جِئْنَ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْأَرْضِ، وَأَشَارَ نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ؛ قَالَ: وَلِمَ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ عَمّهُ الْعَبّاسُ: خَشِينَا يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَكُونَ بِك ذَاتُ الْجَنْبِ فَقَالَ: إنّ ذَلِكَ لَدَاءٌ مَا كَانَ اللهُ عَزّ وَجَلّ لِيَقْذِفَنِي بِهِ، لَا يَبْقَ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إلّا لُدّ إلّا عَمّي، فَلَقَدْ لُدّتْ مَيْمُونَةُ وَإِنّهَا لَصَائِمَةٌ، لِقَسَمِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، عُقُوبَةً لَهُمْ بِمَا صَنَعُوا بِهِ. [دُعَاءُ الرّسُولِ لِأُسَامَةَ بِالْإِشَارَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ بْنِ زيد، قَالَ: لَمّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَبَطْتُ وَهَبَطَ النّاسُ مَعِي إلَى الْمَدِينَةِ، فَدَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أُصْمِتَ فَلَا يَتَكَلّمُ، فَجَعَلَ يَرْفَعُ يَدَهُ إلَى السّمَاءِ ثُمّ يَضَعُهَا عَلَيّ، فَأَعْرِفُ أَنّهُ يَدْعُو لِي. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وقال ابن شهاب الزهرى: حدثنى عبيد بن عبد الله ابن عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُهُ يَقُولُ: إنّ اللهَ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيّا حَتّى يُخَيّرْهُ. قَالَتْ: فَلَمّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ آخِرُ كَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا وَهُوَ يَقُولُ: بَلْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنّةِ، قالت: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صلاة أبى بكر بالناس

فقلت: إذا والله لا يختارنا، وعرفت أنه الذى كَانَ يَقُولُ لَنَا: إنّ نَبِيّا لَمْ يُقْبَضْ حتى يخيّر. [صَلَاةُ أَبِي بَكْرٍ بِالنّاسِ] قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمّا اُسْتُعِزّ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ. قَالَتْ: قُلْت: يَا نَبِيّ اللهِ، إن أبا بكر رَجُلٌ رَقِيقٌ، ضَعِيفُ الصّوْتِ، كَثِيرُ الْبُكَاءِ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، قَالَ: مُرُوهُ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ. قَالَتْ: فَعُدْت بِمِثْلِ قَوْلِي، فَقَالَ: إنّكُنّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فمروه فليصلّ بالناس، قالت: فو الله مَا أَقُولُ ذَلِكَ إلّا أَنّي كُنْت أُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَرَفْت أَنّ النّاسَ لَا يُحِبّونَ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا، وَأَنّ النّاسَ سَيَتَشَاءَمُونَ بِهِ فِي كُلّ حَدَثٍ كَانَ، فَكُنْت أُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زمعة بن الأسود ابن الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، قَالَ: لَمّا اُسْتُعِزّ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: دَعَاهُ بَلَالٌ إلَى الصّلَاةِ، فَقَالَ: مُرُوا مَنْ يُصَلّي بِالنّاسِ. قَالَ: فَخَرَجْت فَإِذَا عُمَرُ فِي النّاسِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا؛ فَقُلْت: قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلّ بِالنّاسِ. قَالَ: فَقَامَ، فَلَمّا كَبّرَ، سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا مِجْهَرًا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ؟ يَأْبَى اللهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ، يَأْبَى اللهُ ذلك والمسلمون. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اليوم الذى قبض الله فيه نبيه

قَالَ فَبُعِثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلّى عُمَرُ تِلْكَ الصّلَاةَ، فَصَلّى بِالنّاسِ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَمَعَةَ: قَالَ لى عمر: ويحك، ماذا صنعب بِي يَا بْنَ زَمَعَةَ، وَاَللهِ مَا ظَنَنْت حِينَ أَمَرْتنِي إلّا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَك بِذَلِكَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا صَلّيْت بِالنّاسِ. قَالَ: قُلْتُ: وَاَللهِ مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وَلَكِنّي حِينَ لَمْ أَرَ أَبَا بَكْر رَأَيْتُك أَحَقّ مَنْ حَضَرَ بِالصّلَاةِ بِالنّاسِ. [الْيَوْمُ الّذِي قَبَضَ اللهُ فِيهِ نَبِيّهُ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الزّهْرِيّ: حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مالك: أنه لما كان يوم الاثنين الذى قبض الله فيه رسوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، خَرَجَ إلَى النّاسِ، وَهُمْ يُصَلّونَ الصّبْحَ، فَرَفَعَ السّتْرَ، وَفَتَحَ الْبَابَ، فَخَرَجَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ على باب عائشة، فكاد المسلمون يفتنون فِي صَلَاتِهِمْ بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَرَحًا بِهِ، وَتَفَرّجُوا، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُثْبُتُوا عَلَى صَلَاتِكُمْ؛ قَالَ: فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُرُورًا لَمّا رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ، وَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَسَنَ هَيْئَةً مِنْهُ تِلْكَ السّاعَةَ، قَالَ: ثُمّ رَجَعَ وَانْصَرَفَ النّاسُ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَفْرَقَ مِنْ وَجَعِهِ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسّنْحِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ حِينَ سَمِعَ تَكْبِيرَ عُمَرَ فِي الصّلَاةِ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أين أبو بكر؟ يَأْبَى اللهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ. فَلَوْلَا مَقَالَةٌ قَالَهَا عُمَرُ عِنْدَ وَفَاتِهِ، لَمْ يَشُكّ الْمُسْلِمُونَ أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنّهُ قَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ: إنْ أَسْتَخْلَفَ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي، وَإِنْ أَتَرَكَهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي. فَعَرَفَ النّاسُ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا، وَكَانَ عُمَرُ غَيْرَ مَتّهُمْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ إلَى الصّبْحِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلّي بِالنّاسِ، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرّجَ النّاسُ، فَعَرَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنّ النّاسَ لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ إلّا لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَنَكَصَ عَنْ مُصَلّاهُ، فَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ظَهْرِهِ، وَقَالَ: صَلّ بِالنّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جَنْبِهِ، فَصَلّى قَاعِدًا عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الصّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ، فَكَلّمَهُمْ رَافِعًا صَوْتَهُ، حَتّى خَرَجَ صَوْتُهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، يَقُولُ: أَيّهَا النّاسُ، سُعّرَتْ النّارُ، وَأَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللّيْلِ المظلم، وإنى والله ما تَمَسّكُونِ عَلَيّ بِشَيْءِ، إنّي لَمْ أُحِلّ إلّا مَا أَحَلّ الْقُرْآنُ، وَلَمْ أُحَرّمْ إلّا مَا حَرّمَ الْقُرْآنُ. قَالَ: فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كَلَامِهِ، قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيّ اللهِ إنّي أَرَاك قَدْ أَصْبَحْتَ بِنِعْمَةِ مِنْ اللهِ وَفَضْلٍ كَمَا نُحِبّ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ، أَفَآتِيهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أهله بالسّنح. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شأن العباس وعلي

[شَأْنُ الْعَبّاسِ وَعَلِيّ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ يَوْمئِذٍ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ عَلَى النّاسِ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ، كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ قَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللهِ بَارِئًا، قَالَ، فَأَخَذَ الْعَبّاسُ بِيَدِهِ، ثُمّ قَالَ: يَا عَلِيّ، أَنْتَ وَاَللهِ عَبْدُ الْعَصَا بَعْدَ ثَلَاثٍ، أَحْلِفُ بِاَللهِ لَقَدْ عَرَفْت الْمَوْتَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، كَمَا كُنْت أَعْرِفُهُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِينَا عَرَفْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا، أَمَرْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا النّاسَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيّ: إنّي وَاَللهِ لَا أَفْعَلُ، وَاَللهِ لَئِنْ مُنِعْنَاهُ لَا يُؤْتِينَاهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ. فَتُوُفّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشْتَدّ الضّحَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. [سِوَاكُ الرّسُولِ قُبَيْلَ الْوَفَاةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ عروة، عن عائشة، قَالَ: قَالَتْ: رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَ دَخَلَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاضْطَجَعَ فِي حِجْرِي، فَدَخَلَ عَلَيّ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي يَدِهِ سِوَاكٌ أَخَضَرَ. قَالَتْ: فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ فِي يَدِهِ نَظَرًا عَرَفْت أَنّهُ يُرِيدُهُ، قَالَتْ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُحِبّ أَنْ أُعْطِيَك هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقالة عمر بعد وفاة الرسول

السّوَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَأَخَذْته فَمَضَغْته لَهُ حَتّى لَيّنْته، ثُمّ أَعْطَيْته إيّاهُ، قَالَتْ: فَاسْتَنّ بِهِ كَأَشَدّ مَا رَأَيْته يَسْتَنّ بِسِوَاكٍ قَطّ، ثُمّ وَضَعَهُ، وَوَجَدْت رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم يثقل فى حجرى، فذهبت أنظر فى وجهه، فإذا بصره قد شخص، وَهُوَ يَقُولُ: بَلْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنّةِ، قَالَتْ: فَقُلْت: خُيّرْت فَاخْتَرْت وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ. قَالَتْ: وَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أبيه عباد. قال: سمعت عائشة تَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَفِي دَوْلَتِي، لَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا، فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنّي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبِضَ وَهُوَ فِي حِجْرِي، ثُمّ وَضَعْت رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ، وَقُمْت ألْتَدِمُ مَعَ النّسَاءِ، وَأَضْرِبُ وجهى. [مَقَالَةُ عُمَرَ بَعْدَ وَفَاةِ الرّسُولِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عُمْرُ بْنُ الْخَطّابِ، فَقَالَ: إنّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تُوُفّيَ، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَاتَ، وَلَكِنّهُ ذَهَبَ إلى ربه كما ذهب موسى ابن عِمْرَانَ، فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ قِيلَ قَدْ مات؛ وو الله لَيَرْجِعَنّ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا رَجَعَ مُوسَى، فَلَيَقْطَعَنّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ زَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مات. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

موقف أبى بكر بعد وفاة الرسول

[موقف أبى بكر بعد وفاة الرسول] قال: وأقبل أبو بكر حَتّى نَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى شَيْءٍ حَتّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسَجّى فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، عَلَيْهِ بُرْدٌ حِبَرَةٌ، فَأَقْبَلَ حَتّى كَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ: ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَبّلَهُ، ثُمّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، أَمّا الْمَوْتَةُ الّتِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْك فَقَدْ ذُقْتهَا، ثُمّ لَنْ تُصِيبَك بَعْدَهَا مَوْتَةٌ أَبَدًا. قَالَ: ثُمّ رَدّ الْبُرْدَ عَلَى وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، ثُمّ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِك يَا عُمَرُ، أَنْصِتْ، فَأَبَى إلّا أَنْ يَتَكَلّمَ، فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يَنْصِتُ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ، فَلَمّا سَمِعَ النّاسُ كَلَامَهُ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ؛ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ: أَيّهَا النّاسُ، إنّهُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنّ اللهَ حَيّ لَا يَمُوتُ. قَالَ: ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ. قال: فو الله لَكَأَنّ النّاسُ لَمْ يَعْلَمُوا أَنّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ حَتّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ يَوْمئِذٍ؛ قَالَ: وَأَخَذَهَا النّاسُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنّمَا هِيَ فِي أَفْوَاهِهِمْ؛ قَالَ؛ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أمر سقيفة بنى ساعدة

فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ عُمَرُ: وَاَللهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا، فَعَقِرْت حَتّى وَقَعْت إلَى الْأَرْضِ مَا تَحْمِلُنِي رِجْلَايَ، وَعَرَفْت أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ مَاتَ. [أَمْرُ سَقِيفَةِ بَنِي ساعدة] [تفرق الكلمة] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْحَازَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاعْتَزَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ، وَانْحَازَ بَقِيّةُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَانْحَازَ مَعَهُمْ أُسَيْدُ بْنُ حضير، فى بنى عبد الأشهل، فَأَتَى آتٍ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: إنّ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، قَدْ انْحَازُوا إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِأَمْرِ النّاسِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوا قَبْلَ أَنْ يَتَفَاقَمَ أَمْرُهُمْ، وَرَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِهِ لَمْ يُفْرَغْ مِنْ أَمْرِهِ قَدْ أَغْلَقَ دُونَهُ الْبَابَ أَهْلُهُ. قَالَ عُمَرُ: فَقُلْت لِأَبِي بَكْرٍ: انْطَلِقْ بِنَا إلَى إخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ، حَتّى نَنْظُرَ مَا هُمْ عَلَيْهِ. [ابْنُ عَوْفٍ وَمَشُورَتُهُ عَلَى عُمَرَ بِشَأْنِ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ السّقِيفَةِ حِينَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأَنْصَارُ، أَنّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، حَدّثَنِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس، قال: أخبرنى عبد الرحمن ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خطبة عمر عند بيعة أبى بكر

ابن عَوْفٍ قَالَ: وَكُنْت فِي مَنْزِلِهِ بِمنَى أَنْتَظِرُهُ، وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ فِي آخِرِ حِجّةٍ حَجّهَا عُمَرُ، قَالَ: فَرَجَعَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ، فَوَجَدَنِي فِي مَنْزِلِهِ بِمنَى أَنْتَظِرُهُ، وَكُنْت أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ، فَقَالَ لِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَوْ رَأَيْت رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ لَك فِي فُلَانٍ يَقُولُ: وَاَللهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ لَقَدْ بَايَعْت فُلَانًا، وَاَللهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ إلّا فَلْتَةٌ فَتَمّتْ. قَالَ: فَغَضِبَ عُمَرُ، فَقَالَ: إنّي إنْ شَاءَ اللهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيّةَ فِي النّاسِ، فَمُحَذّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أَمْرَهُمْ، قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ: فَقُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ، فَإِنّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رِعَاعَ النّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، وَإِنّهُمْ هُمْ الّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِك، حِينَ تَقُومُ فِي النّاسِ، وَإِنّي أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولُ مَقَالَةً يَطِيرُ بِهَا أُولَئِكَ عَنْك كُلّ مَطِيرٍ، وَلَا يَعُوهَا، وَلَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنّهَا دَارُ السّنّةِ، وَتَخْلُصُ بِأَهْلِ الثّقَةِ وَأَشْرَافِ النّاسِ فَتَقُولُ مَا قُلْت بِالْمَدِينَةِ مُتَمَكّنًا، فَيَعِيَ أَهْلُ الْفِقْهِ مَقَالَتَك، وَيَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاَللهِ إنّ شَاءَ اللهُ لَأَقُومَنّ بِذَلِكَ أَوّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ. [خُطْبَةُ عُمَرَ عِنْدَ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ] قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الْحَجّةِ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجّلْت الرّوَاحَ حِينَ زَالَتْ الشّمْسُ، فَأَجِدُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ فَجَلَسْت حَذْوَهُ تَمَسّ رُكْبَتَيْ رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أنشب أن خرج عمر ابن الْخَطّابِ، فَلَمّا رَأَيْته مُقْبِلًا، قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ: لَيَقُولَنّ الْعَشِيّةَ عَلَى هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْمِنْبَرِ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتَخْلَفَ؛ قَالَ: فَأَنْكَرَ عَلَيّ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ذَلِكَ، وَقَالَ: ما عسى أن يقول مما لم يقل قبله، فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذّنون، قام فأثنى على الله بما هو أهل له، ثم قَالَ: أَمّا بَعْدُ، فَإِنّي قَائِلٌ لَكُمْ الْيَوْمَ مَقَالَةً قَدْ قُدّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا، وَلَا أَدْرِي لَعَلّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي، فَمَنْ عَقَلَهَا ووعاها فليأخذ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعِيَهَا فَلَا يَحِلّ لِأَحَدِ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيّ؛ إنّ اللهَ بَعَثَ مُحَمّدًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمّا أَنَزَلَ عَلَيْهِ آيَةَ الرّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَعُلّمْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إنْ طَالَ بِالنّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاَللهِ مَا نَجِدُ الرّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنَزَلَهَا اللهُ، وَإِنّ الرّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ حَقّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أُحْصِنَ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ، وَإِذَا قَامَتْ البينة، أو كان الحبل أو الاعترف؛ ثُمّ إنّا قَدْ كُنّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللهِ: لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ إلا أن رسول الله صلى الله عليه وَسَلّمَ قَالَ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى بن مَرْيَمَ، وَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» ؛ ثُمّ إنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّ فُلَانًا قَالَ: وَاَللهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ لَقَدْ بَايَعْت فُلَانًا، فَلَا يَغُرّنّ امْرَأً أَنْ يَقُولُ: إنّ بيعة أبى بكر كَانَتْ فَلْتَةً فَتَمّتْ، وَإِنّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ إلّا أَنّ اللهَ قَدْ وَقَى شَرّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تَنْقَطِعُ الْأَعْنَاقُ إلَيْهِ مِثْلَ أَبِي بكر، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنّهُ لَا بَيْعَةَ لَهُ هُوَ وَلَا الّذِي بَايَعَهُ تَغِرّةً أَنْ يَقْتُلَا، إنّهُ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفّى اللهُ نَبِيّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا، فَاجْتَمَعُوا بِأَشْرَافِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَتَخَلّفَ عَنّا علي بن أبي طالب ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَالزّبِيرُ بْنُ الْعَوّامِ وَمَنْ مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْت لِأَبِي بَكْرٍ: انْطَلِقْ بِنَا إلَى إخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمّهُمْ حَتّى لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا لَنَا مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ، وَقَالَ: أَيْنَ تريدون يا معشر المهاجرين؟ قُلْنَا: نُرِيدُ إخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَا: فَلَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ يَا مَعْشَرَ المهاجرين، اقضوا أمركم: قال: قلت: والله لنأتينهم. فانطلقا حَتّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ رَجُلٌ مُزَمّلٌ فَقُلْت: مَنْ هَذَا؟ فقالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ماله؟ فَقَالُوا: وَجِعَ. فَلَمّا جَلَسْنَا تَشَهّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمّ قَالَ: أَمّا بَعْدُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنّا، وَقَدْ دَفّتْ دَافّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، قَالَ. وَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْتَازُونَا مِنْ أَصْلِنَا، وَيَغْصِبُونَا الْأَمْرَ، فَلَمّا سَكَتَ أَرَدْت أَنْ أَتَكَلّمَ، وَقَدْ زَوّرَتْ فِي نَفْسِي مَقَالَةٌ قَدْ أَعْجَبَتْنِي، أُرِيدُ أَنْ أُقَدّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْت أَدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدّ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِك يَا عُمَرَ، فَكَرِهْت أَنْ أُغْضِبَهُ، فتكلم، وهو كان أعلم منى وأوقر، فو الله مَا تَرَك مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي مِنْ تَزْوِيرِي إلّا قَالَهَا فِي بَدِيهَتِهِ، أَوْ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ، حَتّى سَكَتَ؛ قَالَ: أَمّا مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ، فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ هَذَا الْأَمْرَ إلّا لِهَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا؛ وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ؛ فَبَايِعُوا أَيّهمَا شِئْتُمْ، وَأَخَذَ بِيَدَيْ وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ، وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، وَلَمْ أَكْرَهْ شَيْئًا مِمّا قَالَهُ غَيْرُهَا، كَانَ وَاَللهِ أَنْ أُقَدّمَ فَتُضْرَبُ عُنُقِي، لَا يُقَرّبُنِي ذَلِكَ إلَى إثْمٍ، أَحَبّ إلَيّ مِنْ أَنْ أَتَأَمّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تعريف بالرجلين اللذين لقيا أبا بكر وعمر فى طريقهما إلى السقيفة

قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكّكُ وعذيقها المرجّب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قُرَيْشٍ. قَالَ: فَكَثُرَ اللّغَطُ، وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ، حَتّى تَخَوّفْت الِاخْتِلَافَ، فَقُلْت: اُبْسُطْ يَدَك يَا أَبَا با بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْته، ثُمّ بَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمّ بَايَعَهُ الْأَنْصَارُ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ: قَالَ: فَقُلْت: قَتَلَ اللهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. [تَعْرِيفٌ بِالرّجُلَيْنِ اللّذَيْنِ لَقِيَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي طَرِيقِهِمَا إلَى السّقِيفَةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ أَنّ أَحَدَ الرّجُلَيْنِ اللّذَيْنِ لَقَوْا مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ ذَهَبُوا إلَى السّقِيفَةِ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَالْآخَرُ مَعَنُ بْنُ عَدِيّ، أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ. فَأَمّا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، فَهُوَ الّذِي بَلَغَنَا أَنّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ الّذِينَ قَالَ اللهُ عَزّ وَجَلّ لَهُمْ: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نِعْمَ الْمَرْءُ مِنْهُمْ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ؛ وَأَمّا مَعْنُ بْنُ عَدِيّ، فَبَلَغَنَا أَنّ النّاسَ بَكَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَوَفّاهُ اللهُ عَزّ وَجَلّ، وَقَالُوا: وَاَللهِ لَوَدِدْنَا أَنّا مُتْنَا قَبْلَهُ، إنّا نَخْشَى أَنْ نَفْتَتِنَ بَعْدَهُ. قَالَ مَعَنُ بْنُ عَدِيّ: لَكِنّي وَاَللهِ مَا أُحِبّ أَنّي مُتّ قَبْلَهُ حَتّى أُصَدّقَهُ مَيّتًا كَمَا صَدّقْته حَيّا؛ فَقُتِلَ مَعَنٌ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ. [خُطْبَةُ عُمَرَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ الْبَيْعَةِ الْعَامّةِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ، قَالَ: حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خطبة أبى بكر

لما بويع أبو بكر فِي السّقِيفَةِ وَكَانَ الْغَدُ، جَلَسَ أَبُو بَكْر عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَامَ عُمَرُ، فَتَكَلّمَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمّ قَالَ: أَيّهَا النّاسُ، إنّي كُنْت قُلْت لَكُمْ بِالْأَمْسِ مَقَالَةً مَا كَانَتْ مِمّا وَجَدْتهَا فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَا كَانَتْ عَهْدًا عَهِدَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنّي قَدْ كُنْت أَرَى أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيُدَبّرُ أَمَرْنَا؛ يَقُولُ: يَكُونُ آخِرُنَا وَإِنّ اللهَ قَدْ أَبْقَى فيكم كتابه الذى به هدى الله رسوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَإِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ هَدَاكُمْ اللهُ لِمَا كَانَ هَدَاهُ لَهُ، وَإِنّ اللهَ قَدْ جَمَعَ أَمْرَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ، صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، ثَانِي اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الْغَارِ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، فَبَايَعَ النّاسُ أَبَا بَكْرٍ بَيْعَةَ الْعَامّةِ، بَعْدَ بيعة السقيفة. [خطبة أبى بكر] فتكلّم أبو بكر، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِاَلّذِي هُوَ أَهْلُهُ، ثُمّ قَالَ: أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ، فَإِنّي قَدْ وُلّيت عَلَيْكُمْ وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي؛ وَإِنْ أَسَأْت فَقَوّمُونِي، الصّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ، وَالضّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيّ عِنْدِي حَتّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقّهُ إنْ شَاءَ اللهُ، وَالْقَوِيّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتّى آخُذَ الْحَقّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللهُ، لَا يَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ إلّا ضَرَبَهُمْ اللهُ بِالذّلّ، وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ إلّا عَمّهُمْ اللهُ بِالْبَلَاءِ؛ أَطِيعُونِي مَا أَطَعْت اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ. قُومُوا إلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمُكُمْ اللهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: وَاَللهِ إنّي لَأَمْشِي مَعَ عُمَرَ فِي خِلَافَتِهِ وَهُوَ عَامِدٌ إلَى حَاجَةٍ لَهُ، وَفِي يَدِهِ الدّرّةُ وَمَا مَعَهُ غَيْرِي، قَالَ: وَهُوَ يُحَدّثُ نَفْسَهُ، وَيَضْرِبُ وَحْشِيّ قَدَمهُ بِدِرّتِهِ، قَالَ: إذْ الْتَفَتَ إلَيّ، فَقَالَ: يَا بْنَ عَبّاسٍ، هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ حَمَلَنِي عَلَى مَقَالَتِي الّتِي قُلْتُ حِينَ تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قُلْت: لَا أَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْتَ أَعْلَمُ؛ قَالَ: فَإِنّهُ وَاَللهِ، إنْ كَانَ الّذِي حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ إلّا أَنّي كُنْت أَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً، فو الله إنْ كُنْت لَأَظُنّ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيَبْقَى فِي أُمّتِهِ حَتّى يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِآخِرِ أَعْمَالِهَا، فَإِنّهُ لِلّذِي حَمَلَنِي عَلَى أَنْ قُلْت مَا قُلْت. [جَهَازُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ودفنه] [من تولى غسل الرسول] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا بُويِعَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَقْبَلَ النّاسُ عَلَى جَهَازِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثّلَاثَاءِ، فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وحسين ابن عَبْدِ اللهِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنّ عَلِيّ بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وَالْفَضْلَ بْنَ الْعَبّاسِ وَقُثَمَ بْنَ الْعَبّاسِ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَشُقْرَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُمْ الّذِينَ وُلُوا غَسْلَهُ، وَأَنّ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيّ، أَحَدَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أنشدك الله ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كيف غسل الرسول؟

يَا عَلِيّ وَحَظّنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَوْسُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَهْلِ بَدْرٍ، قَالَ: اُدْخُلْ، فَدَخَلَ فَجَلَسَ، وَحَضَرَ غَسْلَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَسْنَدَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى صَدْرِهِ، وَكَانَ الْعَبّاسُ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ يُقَلّبُونَهُ مَعَهُ وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَشُقْرَانُ مَوْلَاهُ، هُمَا اللّذَانِ يَصُبّانِ الْمَاءَ عَلَيْهِ، وَعَلِيّ يُغَسّلُهُ، قَدْ أَسْنَدَهُ إلَى صَدْرِهِ، وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يُدَلّكُهُ بِهِ مِنْ وَرَائِهِ، لَا يُفْضَى بِيَدِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِيّ يَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، مَا أَطْيَبَك حَيّا وَمَيّتًا! وَلَمْ يُرَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ مِمّا يُرَى مِنْ الْمَيّتِ. [كَيْفَ غُسّلَ الرسول؟] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمّا أَرَادُوا غَسْلَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اخْتَلَفُوا فِيهِ. فَقَالُوا: وَاَللهِ مَا نَدْرِي، أَنُجَرّدُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرّدُ مَوْتَانَا، أَوْ نُغَسّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ؟ قَالَتْ: فَلَمّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللهُ عَلَيْهِمْ النّوْمَ، حَتّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا ذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمّ كَلّمَهُمْ مُكَلّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ: أَنْ اغْسِلُوا النّبِيّ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ، قَالَتْ: فَقَامُوا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَسّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ، يَصُبّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ، وَيَدْلُكُونَهُ والقميص دون أيديهم. [تكفين الرسول] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا فُرِغَ مِنْ غَسْلِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حفر القبر

كُفّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثَوَابَ ثَوْبَيْنِ صُحَارِيّيْنِ وَبُرْدٍ حَبِرَةٌ، أُدْرِجَ فِيهَا إدْرَاجًا، كَمَا حَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالزّهْرِيّ، عن على بن الحسين. [حفر القبر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: لَمّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ يَضْرَحُ كَحَفْرِ أَهْلِ مَكّةَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ هُوَ الّذِي يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَلْحَدُ، فَدَعَا الْعَبّاسُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: اذْهَبْ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ، وَلِلْآخَرِ اذْهَبْ إلَى أَبِي طَلْحَةَ. اللهُمّ خِرْ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَوَجَدَ صَاحِبَ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِهِ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. [دَفْنُ الرّسُولِ وَالصّلَاةُ عَلَيْهِ] فَلَمّا فُرِغَ مِنْ جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثا، وُضِعَ فِي سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ. فَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ فِي مَسْجِدِهِ وَقَالَ قَائِلٌ: بَلْ نَدْفِنُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنّي سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ: مَا قُبِضَ نَبِيّ إلّا دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَضُ، فَرُفِعَ فراش رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي تُوُفّيَ عَلَيْهِ، فَحُفِرَ لَهُ تَحْتَهُ، ثُمّ دَخَلَ النّاسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا، دَخَلَ الرّجَالُ، حتى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دفن الرسول

إذَا فَرَغُوا أُدْخِلَ النّسَاءُ، حَتّى إذَا فَرَغَ النّسَاءُ أُدْخِلَ الصّبْيَانُ. وَلَمْ يَؤُمّ النّاسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدٌ. ثم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وسط الليل ليلة الأربعاء. [دفن الرّسُولِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَارَةَ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَسَعْدَ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها: دفن اللّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ. [مَنْ تَوَلّى دَفْنَ الرّسُولِ] وَكَانَ الّذِينَ نَزَلُوا فِي قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم على بن أبى طالب، والفضل بن عَبّاسٍ، وَقُثَمَ بْنَ عَبّاسٍ، وَشُقْرَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ قَالَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: يَا عَلِيّ، أَنْشُدُك اللهَ، وَحَظّنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: انْزِلْ، فَنَزَلَ مَعَ الْقَوْمِ، وَقَدْ كَانَ مَوْلَاهُ شُقْرَانُ حِينَ وَضَعَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُفْرَتِهِ وَبَنَى عَلَيْهِ قَدْ أَخَذَ قَطِيفَةً، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يلبسها ويفترشها، دفنها فِي الْقَبْرِ، وَقَالَ: وَاَللهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَك أَبَدًا. قَالَ: فَدُفِنَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أحدث الناس عهدا بالرسول

[أَحْدَثُ النّاسِ عَهْدًا بِالرّسُولِ] وَقَدْ كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَدّعِي أَنّهُ أَحْدَثُ النّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ: أَخَذْت خَاتَمِي، فَأَلْقَيْته فِي الْقَبْرِ، وَقُلْت: إنّ خَاتَمِي سَقَطَ مِنّي، وَإِنّمَا طَرَحْته عَمْدًا لِأَمَسّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَأَكُونُ أَحْدَثَ النّاسِ عَهْدًا بِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، أَبِي الْقَاسِمِ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ مَوْلَاهُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: اعْتَمَرْت مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ فِي زَمَانِ عُمَرَ أَوْ زَمَانِ عُثْمَانَ، فنزل على أخته أم هانىء بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ رَجَعَ فَسُكِبَ لَهُ غِسْلٌ، فَاغْتَسَلَ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ غَسْلِهِ دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا حَسَنٍ، جِئْنَا نَسْأَلُك عَنْ أَمْرٍ نُحِبّ أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ؟ قَالَ: أظنّ المغيرة ابن شُعْبَةَ يُحَدّثُكُمْ أَنّهُ كَانَ أَحْدَثَ النّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالُوا: أَجَلْ، عَنْ ذَلِكَ جِئْنَا نَسْأَلُك؛ قَالَ: كَذَبَ، قَالَ: أَحْدَثُ النّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُثَمُ بْنُ عَبّاسٍ. [خَمِيصَةُ الرّسُولِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنّ عَائِشَةَ حَدّثَتْهُ، قَالَتْ: كَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ حِينَ اشْتَدّ بِهِ وَجَعُهُ، قَالَتْ: فَهُوَ يَضَعُهَا مَرّةً عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

افتتان المسلمين بعد موت الرسول

وَجْهِهِ، وَمَرّةً يَكْشِفُهَا عَنْهُ، وَيَقُولُ: قَاتَلَ اللهُ قَوْمًا اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، يَحْذَرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمّتِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ الله ابن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ آخِرُ مَا عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ. [افْتِتَانُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَوْتِ الرّسُولِ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَظُمَتْ بِهِ مُصِيبَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ، فِيمَا بَلَغَنِي، تَقُولُ: لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدّتْ الْعَرَبُ، وَاشْرَأَبّتْ الْيَهُودِيّةُ والنصرانية، وَنَجَمَ النّفَاقُ، وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ كَالْغَنَمِ الْمَطِيرَةُ فِي اللّيْلَةِ الشّاتِيَةِ، لِفَقْدِ نَبِيّهِمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، حَتّى جَمَعَهُمْ اللهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ أكثر أهل مكة لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمّوا بِالرّجُوعِ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَأَرَادُوا ذَلِكَ حَتّى خَافَهُمْ عَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ، فَتَوَارَى، فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمّ ذَكَرَ وَفَاةَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَقَالَ: إنّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ الْإِسْلَامَ إلّا قُوّةً، فَمَنْ رَابَنَا ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، فَتَرَاجَعَ النّاسُ وَكَفّوا عَمّا هَمّوا بِهِ، وَظَهَرَ عَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ. فَهَذَا الْمَقَامُ الّذِي أَرَادَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قَوْلِهِ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ: إنّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شعر حسان بن ثابت فى مرثيته الرسول

[شِعْرُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي مَرْثِيّتِهِ الرّسُولَ] وقال حسان بن ثابت يَبْكِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا حَدّثَنَا ابْنُ هشام، عن أبى زيد الأنصارى: بِطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرّسُولِ وَمَعْهَدُ ... مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرّسُومُ وَتَهْمُدُ وَلَا تَمْتَحِي الْآيَاتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ ... بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الّذِي كَانَ يَصْعَدُ وَوَاضِحُ آثَارٍ وَبَاقِي مَعَالِمَ ... وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلّى وَمَسْجِدُ بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا ... مِنْ اللهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ مَعَارِفُ لَمْ تطمس على العهد آيها ... أَتَاهَا الْبِلَى فَالْآيُ مِنْهَا تَجَدّدُ عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرّسُولِ وَعَهْدَهُ ... وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التّرْبِ مُلْحِدُ ظَلِلْت بِهَا أَبْكِي الرّسُولَ فَأَسْعَدَتْ ... عُيُونٌ وَمِثْلَاهَا مِنْ الْجَفْنِ تُسْعَدُ يُذَكّرْنَ آلَاءَ الرّسُولِ وَمَا أَرَى ... لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِيّ تَبَلّدُ مُفَجّعَةً قَدْ شَفّهَا فَقْدُ أَحْمَدَ ... فَظَلّتْ لِآلَاءِ الرّسُولِ تُعَدّدُ وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلّ أَمْرٍ عَشِيرَهُ ... وَلَكِنْ لِنَفْسِي بَعْدَ مَا قَدْ تَوَجّدُ أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْنَ جُهْدَهَا ... عَلَى طَلَلِ الْقَبْرِ الّذِي فِيهِ أَحْمَدُ فَبُورِكْتَ يَا قَبْرَ الرّسُولِ وَبُورِكَتْ ... بِلَادٌ ثَوَى فِيهَا الرّشِيدُ الْمُسَدّدُ وَبُورِكَ لَحْدٌ مِنْكَ ضُمّن طَيّبًا ... عَلَيْهِ بِنَاءٌ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضّدُ تَهِيلُ عَلَيْهِ التّرَبَ أَيْدٍ وَأَعْيُنٍ ... عَلَيْهِ وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أَسْعَدُ لَقَدْ غَيّبُوا حُلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً ... عَشِيّةَ عَلّوْهُ الثّرَى لَا يُوَسّدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَرَاحُوا بِحُزْنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيّهُمْ ... وَقَدْ وَهَنَتْ منهم ظهور وأعضد يبكون من تبكى السّماوات يَوْمَهُ ... وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ فَالنّاسُ أَكَمَدُ وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيّةُ هَالِكٍ ... رَزِيّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمّدُ تَقَطّعُ فِيهِ مَنْزِلُ الْوَحْيِ عَنْهُمْ ... وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ وَيُنَجّدُ يَدُلّ عَلَى الرّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ ... وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ إمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمْ الْحَقّ جَاهِدًا ... مُعَلّمُ صِدْقٍ إنْ يُطِيعُوهُ يُسْعَدُوا عَفْوٌ عَنْ الزّلّاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ ... وَإِنّ يُحْسِنُوا فَاَللهُ بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ ... فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسِيرُ مَا يُتَشَدّدُ فبيناهم فِي نِعْمَةِ اللهِ بَيْنَهُمْ ... دَلِيلٌ بَهْ نَهْجُ الطّرِيقَةِ يُقْصَدُ عَزِيزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجُورُوا عَنْ الْهُدَى ... حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا عَطُوفٌ عَلَيْهِمْ لَا يُثَنّى جُنَاحَهُ ... إلَى كَنَفٍ يَحْنُو عليهم ويمهد فبيناهم فِي ذَلِكَ النّورِ إذْ غَدَا ... إلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنْ الْمَوْتِ مُقْصِدُ فَأَصْبَحَ مَحْمُودًا إلَى اللهِ رَاجِعًا ... يُبَكّيهِ حَقّ الْمُرْسَلَاتِ وَيُحْمَدُ وَأَمْسَتْ بِلَادُ الْحُرْمِ وَحْشًا بِقَاعُهَا ... لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنْ الْوَحْيِ تُعْهَدُ قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللّحْدِ ضَافَهَا ... فَقِيدٌ يُبَكّينَهُ بَلَاطٌ وَغَرْقَدُ وَمَسْجِدُهُ فَالْمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ ... خَلَاءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ وَمَقْعَدُ وَبِالْجَمْرَةِ الكبرى له ثمّ أو حشت ... دِيَارٌ وَعَرَصَاتٌ وَرَبْعٌ وَمَوْلِدُ فَبَكّي رَسُولَ اللهِ يَا عَيْنُ عَبْرَةً ... وَلَا أَعْرِفَنّكِ الدّهْرَ دَمْعُك يجمد ومالك لَا تَبْكِينَ ذَا النّعْمَةِ الّتِي ... عَلَى النّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ يُتَغَمّدُ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدّمُوعِ وَأَعْوِلِي ... لِفَقْدِ الّذِي لَا مِثْلُهُ الدّهْرَ يُوجَدُ وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمّدٍ ... وَلَا مِثْلُهُ حَتّى الْقِيَامَةِ يُفْقَدُ أَعَفّ وَأَوْفَى ذِمّةً بَعْدَ ذِمّةٍ ... وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا لَا يُنَكّدُ وَأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطّرِيفِ وَتَالِدٍ ... إذَا ضَنّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ يُتْلَدُ وَأَكْرَمَ صِيتًا فِي الْبُيُوتِ إذَا انْتَمَى ... وَأَكْرَمَ جَدّا أَبْطَحِيّا يُسَوّدُ وَأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي الْعُلَا ... دَعَائِمَ عِزّ شَاهِقَاتٍ تُشَيّدُ وَأَثْبَتَ فَرْعًا فِي الْفُرُوعِ وَمَنْبَتًا ... وَعُودًا غَذّاهُ الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَغْيَدُ رَبّاهُ وَلِيدًا فَاسْتَتَمّ تَمَامُهُ ... عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبّ مُمَجّدٌ تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفّهِ ... فَلَا الْعِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلَا الرّأْيُ يُفْنَدُ أَقُولُ وَلَا يُلْقَى لِقَوْلِي عَائِبٌ ... مِنْ النّاسِ إلّا عَازِبُ الْعَقْلِ مُبْعَدُ وَلَيْسَ هَوَايَ نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ ... لَعَلّي بِهِ فِي جَنّةِ الْخُلْدِ أَخْلَدُ مَعَ الْمُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ ... وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ أسعى وأجهد وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، يَبْكِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَالُ عَيْنِك لَا تَنَامُ كَأَنّمَا ... كُحِلَتْ مَآقِيهَا بِكُحْلِ الْأَرْمَدِ جَزَعًا عَلَى الْمَهْدِيّ أَصْبَحَ ثَاوِيًا ... يَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى لَا تَبْعَدْ وَجْهِي يَقِيكَ التّرْبَ لَهْفِي لَيْتَنِي ... غُيّبْتُ قَبْلَكَ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ بِأَبِي وَأُمّي مَنْ شَهِدْتُ وَفَاتَهُ ... فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ النّبِيّ الْمُهْتَدِي فَظَلِلْتُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مُتَبَلّدًا ... مُتَلَدّدًا يَا لَيْتَنِي لَمْ أُولَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَأُقِيمُ بَعْدَكَ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَهُمْ ... يَا لَيْتَنِي صُبّحْت سَمّ الْأَسْوَدِ أَوْ حَلّ أَمْرُ اللهِ فِينَا عَاجِلًا ... فِي رَوْحَةٍ مِنْ يَوْمِنَا أَوْ مِنْ غد فتقوم ساعتنا فنلقى طيّبا ... مَحْضًا ضَرَائِبُهُ كَرِيمَ الْمَحْتِدِ يَا بِكْرَ آمِنَةَ الْمَبَارِكَ بِكْرُهَا ... وَلَدَتْهُ مُحْصَنَةٌ بِسَعْدِ الْأَسْعَدِ نُورًا أَضَاءَ عَلَى الْبَرِيّةِ كُلّهَا ... منْ يُهْد لِلنّورِ الْمُبَارَكِ يَهْتَدِي يَا رَبّ فَاجْمَعْنَا مَعًا وَنَبِيّنَا ... فِي جَنّةٍ تَثْنَى عُيُونُ الْحُسّدِ فِي جَنّةِ الْفِرْدَوْسِ فَاكْتُبْهَا لَنَا ... يَا ذَا الْجَلَالِ وَذَا الْعُلَا وَالسّوْدُدِ وَاَللهِ أَسْمَعُ مَا بَقِيتُ بِهَالِكٍ ... إلّا بَكَيْتُ عَلَى النّبِيّ مُحَمّدِ يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النّبِيّ وَرَهْطِهِ ... بَعْدَ الْمُغَيّبِ فِي سَوَاءِ الْمَلْحَدِ ضَاقَتْ بِالْأَنْصَارِ الْبِلَادُ فَأَصْبَحُوا ... سُودًا وُجُوهُهُمْ كَلَوْنِ الْإِثْمِدِ وَلَقَدْ وَلَدْنَاهُ وَفِينَا قَبْرُهُ ... وَفُضُولَ نِعْمَتِهِ بِنَا لَمْ نَجْحَدْ وَاَللهُ أَكْرَمَنَا بِهِ وَهَدَى بِهِ ... أَنْصَارَهُ فِي كُلّ سَاعَةِ مَشْهَدِ صَلّى الْإِلَهُ وَمَنْ يَحُفّ بِعَرْشِهِ ... وَالطّيّبُونَ عَلَى الْمُبَارَكِ أَحْمَدْ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَبّ الْمَسَاكِينَ أَنّ الْخَيْرَ فَارَقَهُمْ ... مَعَ النّبِيّ تَوَلّى عَنْهُمْ سَحَرَا مَنْ ذَا الّذِي عِنْدَهُ رَحْلِي وَرَاحِلَتِي ... وَرِزْقُ أَهْلِي إذَا لَمْ يُؤْنِسُوا الْمَطَرَا أَمْ مَنْ نُعَاتِبَ لَا نَخْشَى جَنَادِعَهُ ... إذَا اللّسَانُ عَتَا فِي الْقَوْلِ أَوْ عَثَرَا كَانَ الضّيَاءَ وَكَانَ النّورَ نَتْبَعُهُ ... بَعْدَ الْإِلَهِ وَكَانَ السّمْعَ وَالْبَصَرَا ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَلَيْتَنَا يَوْمَ وَارَوْهُ بِمُلْحِدِهِ ... وَغَيّبُوهُ وَأَلْقَوْا فَوْقَهُ الْمَدَرَا لَمْ يَتْرُك اللهُ مِنّا بَعْدَهُ أَحَدًا ... وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَهُ أُنْثَى وَلَا ذَكَرَا ذَلّتْ رِقَابُ بَنِي النّجّارِ كُلّهِمْ ... وَكَانَ أَمْرًا مِنْ امْرِ اللهِ قَدْ قُدِرَا وَاقْتُسِمَ الْفَيْءُ دُونَ النّاسِ كُلّهِمْ ... وَبَدّدُوهُ جِهَارًا بَيْنَهُمْ هَدَرًا وَقَالَ حسان بن ثابت يَبْكِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا: آلَيْتُ مَا فِي جميع الناس مجتهدا ... مني ألية بر غير إفْنَادِ تَاللهِ مَا حَمَلَتْ أُنْثَى وَلَا وَضَعَتْ ... مِثْلَ الرّسُولِ نَبِيّ الْأُمّةِ الْهَادِي وَلَا بَرَا اللهُ خَلْقًا مِنْ بَرِيّتِهِ ... أَوْفَى بِذِمّةِ جَارٍ أَوْ بِمِيعَادِ مِنْ الّذِي كَانَ فِينَا يُسْتَضَاءُ بِهِ ... مُبَارَكَ الْأَمْرِ ذَا عَدْلٍ وَإِرْشَادِ أَمْسَى نِسَاؤُك عَطّلْنَ الْبُيُوتَ فَمَا ... يَضْرِبْنَ فَوْقَ قَفَا سِتْرٍ بِأَوْتَادِ مِثْلَ الرواهب يَلْبَسْنَ الْمَبَاذِلَ قَدْ ... أَيْقَنّ بِالْبُؤْسِ بَعْدَ النّعْمَةِ الْبَادِي يَا أَفْضَلَ النّاسِ إنّي كُنْتُ فِي نَهَرٍ ... أَصْبَحْتُ مِنْهُ كَمِثْلِ الْمُفْرَدِ الصّادِي قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَجُزُ البيت الأوّل عن غير ابن إسحاق. ـــــــــــــــــــــــــــــ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر أزواج النبى عليه السلام خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: قَدْ تَقَدّمَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ نُبَذٌ كَافِيَةٌ مِنْ التّعْرِيفِ بِهِنّ، وَذَكَرَ هَاهُنَا خَدِيجَةَ، وَأَنّهَا كَانَتْ عِنْدَ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عُتَيّق ابن عَائِذٍ «1» ، قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: وَلَدَتْ لِعُتَيّق عَبْدَ مَنَافٍ، وَكَانَ اسْمُ أَبِي هَالَةَ هِنْدَ بْنَ زُرَارَةَ بْنِ النّبّاشِ «2» وَقِيلَ: بَلْ أَبُو هَالَةَ هُوَ زُرَارَةُ، وَابْنُهُ هِنْدٌ، مَاتَ هِنْدٌ فى طاعون البصرة. عن عائشة: وَمِمّا نَزِيدُهُ هُنَا فِي ذِكْرِ عَائِشَةَ، أَنّهَا كَانَتْ تُكَنّى أُمّ عَبْدِ اللهِ، رَوَى ابْنُ الْأَعْرَابِيّ فِي الْمُعْجَمِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا أَنّهَا أَسَقَطَتْ جَنِينًا مِنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسُمّيَ: عَبْدَ اللهِ، فَكَانَتْ تُكَنّى بِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُورُ عَلَى دَاوُدَ بْنِ الْمُحَبّرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَصَحّ مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: تَكَنّي بِابْنِ أُخْتِك عَبْدِ اللهِ بن الزّبير، ويروى

_ (1) وقيل: عابد. (2) وقيل اسمه: النباش بن زرارة كما جزم أبو عبيد، وقدمه مغلطاى وقيل مالك كما حكاه الزبير بن بكار والدارقطنى. وصدر به فى الفتح،. هذا وبعضهم يقول إن عتيقا تزوجها بعد أبى هالة. أما ما ذكره السهيلى فهو قول قتادة وابن شهاب وابن إسحاق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِابْنِك عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، لِأَنّهَا كَانَتْ قَدْ اسْتَوْهَبَتْهُ مِنْ أَبَوَيْهِ، فَكَانَ فِي حِجْرِهَا يدؤها، أُمّا، ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَأَصَحّ مَا رُوِيَ فِي فَضْلِهَا عَلَى النّسَاءِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النّسَاءِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ عَلَى الطّعَامِ، وَأَرَادَ الثّرِيدَ بِاللّحْمِ، كَذَا رَوَاهُ مُعْمَرٌ فِي جَامِعِهِ مُفَسّرًا عَنْ قَتَادَةَ، وَأَبَانُ يَرْفَعُهُ، فَقَالَ فِيهِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ بِاللّحْمِ، وَوَجْهُ التّفْضِيلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: سَيّدُ إدَامِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللّحْمُ، مَعَ أَنّ الثّرِيدَ إذَا أُطْلِقَ لَفْظُهُ، فَهُوَ ثَرِيدُ اللّحْمِ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ: إذَا مَا الْخُبْزُ تأدمه بلحم ... فذك أمانة الله الثّريد «1» خديجة وعائشة ومريم: وَلَوْلَا مَا تَقَدّمَ مِنْ الْحَدِيثِ الْمُخَصّصِ لِخَدِيجَةَ بِالْفَضْلِ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ: وَاَللهِ مَا أَبْدَلَنِي اللهُ خَيْرًا مِنْهَا، لَقُلْنَا بِتَفْضِيلِهَا عَلَى خَدِيجَةَ، وَعَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَرْيَمَ الصّدّيقَةِ، فَإِنّهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ نَبِيّةٌ نَزَلَ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِالْوَحْيِ، وَلَا يُفَضّلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ غَيْرُهُمْ، وَمَنْ قَالَ: لَمْ تَكُنْ نَبِيّةً، وَجَعَلَ قوله تعالى: اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ مَخْصُوصًا بِعَالَمِ زَمَانِهَا، فَمِنْ قَوْلِهِ: إنّ عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ أَفَضْلُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي سَائِرِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنهن أفضل نساء العالمين،

_ (1) ص 434 ح 1، 144 ح 2 كتاب سيبويه. ويقال: إن النحويين هم الذين وضعوا هذا البيت:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَنَزَعُوا فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْمَذْهَبِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فِي فَاطِمَةَ هِيَ سَيّدَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ إلا مريم. أم سلمة: وَذَكَرَ أُمّ سَلَمَةَ، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أصدقها مجشّة، وهى الزّحى. ومنه سُمّيَ الْجَشِيشُ. وَذَكَرَ مَعَ الْمَجِشّةِ أَشْيَاءَ لَا تُعْرَفُ قِيمَتُهَا، مِنْهَا جَفْنَةٌ وَفِرَاشٌ. وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ ذِكْرُ قِيمَتِهَا، قَالَ أَنَسُ: أَصْدَقَهَا مَتَاعًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِم، قَالَ الْبَزّارُ: وَيُرْوَى أَرْبَعُونَ درهما. جويرية وَذَكَرَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، وكانت قبله عند مسافع ابن صَفْوَانَ الْخُزَاعِيّ «1» وَقَالَ: أَسْلَمُ الْحَارِثُ، وَأَسْلَمَ ابْنَاهُ، وَلَمْ يُسَمّهِمَا، وَهُمَا الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ وَعَمْرُو بن الحارث، ذكره البخارى. زينب بنت جحش: وَذَكَرَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، وَأَنّ أَخَاهَا أَبَا أَحْمَدَ هُوَ الّذِي أَنْكَحَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذَا خِلَافُ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنّهَا كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى صَوَاحِبِهَا، وَتَقُولُ: زَوّجَكُنّ أَهْلُوكُنّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله

_ (1) قتل كافرا يوم المريسيع كما جزم به ابن أبى خيثمة والواقدى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوّجَنِي رَبّ الْعَالَمِينَ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ «1» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّه لَمّا نزلت الآية زَوَّجْناكَها قَامَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنٍ «2» وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ فِي أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَافِ بِنْتَ خَلِيفَةَ أُخْتَ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ، وَذَكَرَهَا غَيْرُهُ، وَلَمْ تَقُمْ عِنْدَهُ إلّا يَسِيرًا حَتّى مَاتَتْ «3» وَكَذَلِكَ الْعَالِيَةُ «4» بِنْتُ ظَبْيَانَ [بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ] ذَكَرَهَا غَيْرُهُ فِي أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَذَلِكَ وَسْنَى بِنْتُ الصّلْتِ «5» تَزَوّجَهَا ثُمّ خَلّى سَبِيلَهَا، وَيُقَالُ فِيهَا: سَنَا بِنْتُ أَسْمَاءَ بِنْتِ الصّلْتِ. وَمِنْهُنّ أَسْمَاءُ بِنْتُ النّعْمَانِ بْنِ الْجَوْنِ الْكِنْدِيّةُ «6» اتّفَقُوا عَلَى تَزْوِيجِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيّاهَا، وَاخْتَلَفُوا، فِي سبب فراق النبى صلى الله عليه وسلم لها. وكذلك قيل فى: شراف بنت

_ (1) أخرجه الترمذى وصححه من حديث أنس. (2) أخرجه مسلم وأحمد والنسائى، وقد حدث هذا بعد انقضاء عدتها. (3) وجزم ابن عبد البر. أنها ماتت فى الطريق قبل وصولها إليه. (4) ويقال: إنه طلقها وقد رواه ابو سعد عن هشام الكلبى عن رجل من بنى بكر. وقد قيل إنه طلقها لأنه رأى بها بياضا، والله أعلم. والزيادة فى نسبها عن ابن حبيب فى المحبر ص 93. (5) وقيل: سنى بفتح السين وتخفيف النون، وسماها قتادة أسماء أما ابن حبيب فى المحبر فيقول إنها بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن سماك ابن عوف السلمى. ويقول: إنها ماتت قبل أن تصل إليه. (6) وقيل أسماء بنت النعمان بن الأسود بن الحارث بن شراحيل بن كندى ابن الجرن. وبعضهم يجعل اسماء هذه وأسماء بنت كعب الجونية امرأة واحدة. ولكن ابن حبيب وغيره فرق بينهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَلِيفَةَ: إنّهَا هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَاَللهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ خَوْلَةَ، وَيُقَالُ فِيهَا خُوَيْلَةُ، ذُكِرَتْ فِيمَنْ تَزَوّجَهُمْ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ، وَيُقَالُ: هِيَ الّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ «1» . وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذِكْرُ خُرُوجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ إلَى الْمَسْجِدِ، وَأَنّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ الْإِمَامَ، وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتَمّ بِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ فِي السّيرَةِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الصّحَاحِ أَنّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنّاسُ يُصَلّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَكِنْ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ طَرِيقٍ مُتّصِلٍ أَنّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ الْإِمَامَ يَوْمئِذٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَرَوَى الدّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا مَاتَ نَبِيّ حَتّى يَؤُمّهُ رجل من أمته «2» ، وذكر

_ (1) ويقال إنها أم شريك القرشية العامرية، واسمها: غزبة بضم الغين وفتح الزاى وتشديد الياء- بنت جابر بن عوف من بنى عامر بن لوسى. وقيل: غزية بنت داودان بن عوف. وقيل: هى أم شريك غزية الأنصارية من بنى النجار، وفى الصفوة لابن الجوزى هى أم شريك عزية بنت جابر الدوسية. قال: والأكثرون على أنها التى وهبت نفسها له صلى الله عليه وسلم، فلم يقبلها لكبر سنها. وما ذكره السهيلى هو قول ابن قتيبة فى المعارف. وقيل إن اللاتى وهبن أنفسهن: ام شريك وخولة وليلى بنت الحطيم ولم يدخل بهن وميمونة بنت الحارث وزينب بنت خزيمة أم المساكين. وانظر زاد المعاد ص 1- إلى ص 58 ح 1 عن أزواج النبى «ص» وكذلك شرح المواهب المدنية ح 3 من ص 216 إلى ص 271. (2) أخرجه ابن سعد عن محمد بن إبراهيم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثَ إلّا أَنّهُ سَاقَهُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ مُرْسَلًا، وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْبَزّارُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الزّبَيْرِ عَنْ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي مَرَاسِيلِ؟؟؟ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرِضَ عَشَرَةَ أَيّامِ صَلّى أَبُو بَكْرٍ بِالنّاسِ تِسْعَةَ أَيّامٍ مِنْهَا، ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْهَا يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ أُسَامَةَ وَالْفَضْلِ بْنِ عَبّاسٍ حَتّى صَلّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ مَرِضَ عَشَرَةَ أَيّامٍ، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَفِيهِ أَنّ أَحَدَ الرّجُلَيْنِ كَانَ أُسَامَةَ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ كَانَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَفِيهِ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ خَلْفَ أَبِي بكر. حديث العباس: فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ الْعَبّاسِ، وَأَنّهُ قَالَ: لَأَلُدّنّهُ، فَلَدّوهُ، وَحَسَبُوا أَنّ بِهِ ذَاتَ الْجَنْبِ «1» ، فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ الْعَبّاسَ حَضَرَهُ وَلّدَهُ مَعَ مَنْ لَدّ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَبْقِيَنّ أَحَدٌ بِالْبَيْتِ إلّا لُدّ «2» إلّا عَمّي الْعَبّاسُ، فَإِنّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ، وَهَذِهِ أَصَحّ مِنْ رِوَايَةِ ابن اسحاق

_ (1) ذر الجنب الذى يشتكى جنبه إلا أن ذو للمذكر، وذات للمؤنث، وصارت ذات الجنب علما لها، وإن كانت فى الأصل صفة مضافة. واللدود من الأدوية ما يسقاها المريض فى أحد شقى الفم، ولديدا الفم: جانباه. ولدوه: فعلوا به ذلك. (2) يقول ابن الأثير: إنه فعل ذلك عقوبة لهم لأنهم لدوه بعير إذنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَإِنّمَا لَدّوهُ لِأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَدْ قَالَ فِي الْقُسْطِ «1» : فِيهِ سَبْعَةُ أَشْفِيَةٍ يُلَدّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ، وَيُسْعَطُ بِهِ مِنْ الْعَذِرَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَمْسَةَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَنَحْنُ نَسْتَعْمِلُهُ فِي أَدْوِيَتِنَا كُلّهَا لَعَلّنَا نُصِيبُهَا، وَاللّدُودُ فِي جَانِبِ الْفَمِ مِنْ دَاخِلِهِ يَجْعَلُ هُنَاكَ الدّوَاءَ وَيُحَكّ بِالْإِصْبَعِ قَلِيلًا. وَقَوْلُهُ: فِي ذَاتِ الْجَنْبِ: ذَاكَ دَاءٌ مَا كَانَ اللهُ لِيَقْذِفَنِي بِهِ، وَقَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ الطّبَرِيّ لَهُ: أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنْ أَنْ يَقْذِفَنِي بِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: وَهِيَ مِنْ الشّيْطَانِ، وَمَا كَانَ اللهُ لِيُسَلّطَهَا عَلَيّ. وهذا يدل على أنها من سيّىء الْأَسْقَامِ الّتِي تَعَوّذَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْهَا فِي دُعَائِهِ حَيْثُ يَقُولُ: اللهُمّ إنّي أَعُوذُ بك من الجنون والجذام وسيّىء الْأَسْقَامِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مِنْ الشّهَدَاءِ السّبْعَةِ، وَلَكِنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَدْ تَعَوّذَ مِنْ الْغَرَقِ وَالْحَرْقِ، مَعَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: الْغَرِيقُ شَهِيدٌ، وَالْحَرِيقُ شَهِيدٌ. وَقَدْ ذَكَرَ أَنّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ هِيَ الّتِي لَدّتْهُ فَاَللهُ أَعْلَمُ. وَالْوَجَعُ الّذِي كَانَ بِالنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَلُدّ هُوَ الْوَجَعُ الّذِي يُسَمّى خَاصِرَةً، وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ النّذُورِ مِنْ الْمُوَطّأِ، قَالَ فِيهِ: فَأَصَابَتْنِي خَاصِرَةٌ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَثِيرًا مَا كَانَ يُصِيبُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْخَاصِرَةُ. قَالَتْ وَلَا نَهْتَدِي لِاسْمِ الْخَاصِرَةِ، وَنَقُولُ: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عِرْقٌ فِي الْكُلّيّةِ. وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ يَرْفَعُهُ إلَى النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ، قال: الخاصرة عرق فى الكلية إذا

_ (1) القسط: عقار معروف فى الأدوية طيب الريح، يبخر به النساء والأطفال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تَحَرّكَ وَجَعُ صَاحِبِهِ دَوَاؤُهُ الْعَسَلُ بِالْمَاءِ الْمُحْرَق، وَهُوَ حَدِيثٌ يَرْوِيهِ عَبْدُ الرّحِيمِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ، وَعَبْدِ الرّحِيمِ ضَعِيفٌ مَذْكُورٌ عِنْدَ الْمُحَدّثِينَ فِي الضّعَفَاءِ، وَلَكِنْ قَدْ رَوَتْ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ. وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَذَا يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ يَا رَسُولَ اللهِ. بِنْتُ خَارِجَةَ اسْمُهَا: حَبِيبَةُ، وَقِيلَ مَلَكِيّة، وَخَارِجَةُ هُوَ ابْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، وَابْنُ خَارِجَةَ هُوَ زَيْدُ بْنُ خَارِجَةَ الّذِي تَكَلّمَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِيمَا رَوَى ثِقَاتُ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنّهُ مَاتَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، فَلَمّا سخى؟؟؟ عَلَيْهِ سَمِعُوا جَلْجَلَةً فِي صَدْرِهِ، ثُمّ تَكَلّمَ، فَقَالَ: أَحْمَدُ أَحْمَدُ فِي الْكِتَابِ الْأَوّلِ صِدْقٌ صِدْقٌ، وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ الضّعِيفُ فِي نَفْسِهِ الْقَوِيّ فِي أَمْرِ اللهِ فِي؟؟؟ الْكِتَابِ الْأَوّلِ، صِدْقٌ صِدْقٌ، عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، الْقَوِيّ الْأَمِينُ فِي الْكِتَابِ الْأَوّلِ صِدْقٌ صِدْقٌ، عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ مَضَتْ أَرْبَعٌ وَبَقِيَتْ سَنَتَانِ،، أَتَتْ الْفِتَنُ، وَأَكَلَ الشّدِيدُ الضّعِيفَ، وَقَامَتْ السّاعَةُ وسيأتيكم عبر بِئْرِ أَرِيسَ، وَمَا بِئْرُ أَرِيسَ «1» . قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ: ثُمّ هَلَكَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ فَسُجّيَ بِثَوْبِ، فَسَمِعُوا جَلْجَلَةً فِي صَدْرِهِ ثُمّ تَكَلّمَ، فَقَالَ: إنّ أَخَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ صِدْقٌ صِدْقٌ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَدْ عُرِضَ مِثْلُ هَذِهِ الْقِصّةِ لِرَبِيعِ بْنِ حِرَاشٍ أَخِي رِبْعِيّ بْنِ حِرَاشٍ، قَالَ: رِبْعِيّ: مَاتَ أَخِي فَسَجَيْنَاهُ، وَجَلَسْنَا عِنْدَهُ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِك إذْ كَشَفَ الثّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمّ قَالَ: السلام عليكم، قلت: سبحان الله!! أبعد الموت؟

_ (1) بئر قريبة من مسجد قباء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ: إنّي لَقِيت رَبّي فَتَلَقّانِي بِرَوْحِ وَرَيْحَانٍ، وَرَبّ غَيْرِ غَضْبَانَ، وَكَسَانِي ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ؛ أَسْرِعُوا بِي إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنّهُ قَدْ أَقَسَمَ أَنْ لَا يَبْرَحَ حَتّى آتِيَهُ وَأُدْرِكُهُ، وَإِنّ الْأَمْرَ أَهْوَنُ مَا تَذْهَبُونَ إلَيْهِ فَلَا تَغْتَرّوا، ثُمّ وَاَللهِ كَأَنّمَا كَانَتْ نَفْسُهُ حَصَاةً فَأُلْقِيَتْ فِي طَسْتٍ «1» . آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلّمَ بِهَا عَلَيْهِ السّلَامُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلّمَ بِهَا عَلَيْهِ السّلَامُ: اللهُمّ الرّفِيقَ الْأَعْلَى، وَهَذَا مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ إلى قوله سبحانه: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فَهَذَا هُوَ الرّفِيقُ الْأَعْلَى، وَلَمْ يَقُلْ الرّفَقَاءُ، لِمَا قَدّمْنَاهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِمّا حَسُنَ ذَلِكَ، مَعَ أَنّ أَهْلَ الْجَنّةِ يُدْخِلُونَهَا عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَهَذِهِ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلّمَ بِهَا عَلَيْهِ السّلَامُ، وَهِيَ تَتَضَمّنُ مَعْنَى التّوْحِيدِ الّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ كَلَامِ الْمُؤْمِنِ، لِأَنّهُ قَالَ: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَصْحَابُ الصّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهُمْ أَهْلُ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ثُمّ بَيّنَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدّمَةِ مِنْ الّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ فَذَكَرَهُمْ، وَهُمْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى الذين ذَكَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين خبّر فَاخْتَارَ، وَبَعْضُ الرّوَاةِ يَقُولُ عَنْ عَائِشَةَ فِي هذا الحديث: فأشار

_ (1) لا تتصور فى هذه القصة إلا أحد أمرين، فإما أن يكون وراءها هوى ل؟؟؟ الذكاء وإما أن تكون إغماءة عميقة، أفاق بعدها زيد، فقال ما رأى فى غيبوبته وإلا فإن هدى القرآن والسنة فى جانب. وهذيان هذه الأسطورة فى جانب آخر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِأُصْبُعِهِ، وَقَالَ: فِي الرّفِيقِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنّهُ قَالَ: اللهُمّ الرّفِيقَ «1» ، وَأَشَارَ بِالسّبّابَةِ، يُرِيدُ: التّوْحِيدَ، فَقَدْ دَخَلَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ: مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلّا اللهُ دَخَلَ الْجَنّةَ، وَلَا شَكّ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي أَعَلَى دَرَجَاتِ الْجَنّةِ، وَلَوْ لَمْ يُشِرْ، وَلَكِنْ ذَكَرْنَا هَذَا لِئَلّا يَقُولَ الْقَائِلُ: لِمَ لَمْ يَكُنْ آخِرُ كَلَامِهِ: لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وَأَوّلُ كَلِمَةٍ تَكَلّمَ بِهَا رَسُولُ اللهِ وَهُوَ مُسْتَرْضِعٌ عِنْدَ حَلِيمَةَ أَنْ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، رَأَيْت ذَلِكَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْوَاقِدِيّ. وَأَمّا آخِرَ مَا أَوْصَى بِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ بِأَنْ قَالَ: الصّلَاةَ وما ملكت أيمانكم حرّك بها لِسَانَهُ وَمَا يَكَادُ يُبِينُ، وَفِي قَوْلِهِ: مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ قَوْلَانِ: قِيلَ: أَرَادَ الرّفْقَ بِالْمَمْلُوكِ، وَقِيلَ: أَرَادَ الزّكَاةَ، لِأَنّهَا فِي الْقُرْآنِ مَقْرُونَةٌ بِالصّلَاةِ، وَهِيَ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، قَالَهُ الْخَطّابِيّ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنّي أَنّهُ قُبِضَ فِي حِجْرِي فَوَضَعْت رَأْسَهُ عَلَى الْوِسَادَةِ، وَقُمْت أَلْتَدِمُ مَعَ النّسَاءِ. الِالْتِدَامُ: ضَرْبُ الْخَدّ بِالْيَدِ، وَلَمْ يَدْخُلْ هَذَا فِي التّحْرِيمِ، لِأَنّ التّحْرِيمَ إنّمَا وَقَعَ عَلَى الصّرَاخِ والنّوح، وَلُعِنَتْ الْخَارِقَةُ وَالْحَالِقَةُ وَالصّالِقَةُ وَهِيَ الرّافِعَةُ لِصَوْتِهَا،

_ (1) فى رواية للبخارى قالت عائشة: كانت آخر كلمة تكلم بها: اللهم فى الرفيق الأعلى. وفى أخرى أنها سمعته يقول قبل أن يموت: اللهم اغفرلى وارحمنى وألحقنى بالرفيق الأعلى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَلَمْ يَذْكُرْ اللّدْمَ «1» لَكِنّهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ، فَإِنّهُ مَكْرُوهٌ فِي حَالِ الْمُصِيبَةِ، وَتَرْكُهُ أَحْمَدُ إلّا عَلَى أَحْمَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَالصّبْرُ يُحْمَدَ فِي الْمَصَائِبِ كُلّهَا ... إلّا عَلَيْك فَإِنّهُ مَذْمُومُ وَقَدْ كَانَ يُدْعَى لَابِسُ الصّبْرِ حَازِمًا ... فَأَصْبَحَ يُدْعَى حَازِمًا حِينَ يَجْزَعُ «2» مَتَى توفى رسول الله؟: وَاتّفَقُوا أَنّهُ تُوُفّيَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الِاثْنَيْنِ إلّا شَيْئًا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ: الْأَرْبِعَاءِ «3» ، قَالُوا كُلّهُمْ: وَفِي رَبِيعٍ الأول، غير أنهم

_ (1) ما نظن أن سيدة فى مثل دين عائشة رضى الله عنها وتقواها وأخذها الكتاب بقوة يلدم المصاب عقلها، فيدفعها إلى اقتراف فعل الجاهلية. هذا وقد روى ابن مسعود أن رسول الله «ص» قال: «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه وهل اللدم إلا اللطم؟ قد تبكى، وتطيل البكاء. أما أن تلطم، ومع النساء؟ وفى بيت قدسته روح النبوة؟ أما هذا، فلا يجوز تصوره ولا قوله. (2) ذاك شعر ليس بينه وبين هدى السنة رحم. فالصبر محمود فى كل مصيبة. ترى أكان صبر أبى بكر على وفاة خليله «ص» كان غير حميد؟ والجازع لا يمكن أن يسمى حامدا، إنما هو زخرف من القول. وأجمل من هذا قول القائر: اصبر لكل مصيبة وتحلد ... واعلم بأن المرء غير مخلد واصبر كما صبر الكرام فإنها ... نوب تنوب اليوم تكشف فى غد وإذا أتتك مصيبة تشحى بها ... فاذكر مصابك بالنبى محمد. (3) قال ابن قتيبة أولا: «قبض الله عز وجل رسوله «ص» يوم الاثنين وقرر أن ذلك كان فى الثانى عشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة. ثم قال: «ويقال-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالُوا، أَوْ قَالَ أَكْثَرُهُمْ فِي الثّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ، وَلَا يَصِحّ أَنْ يَكُونَ تُوُفّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلّا فِي الثّانِي مِنْ الشّهْرِ أَوْ الثّالِثَ عَشَرَ أَوْ الرّابِعَ عَشَرَ أَوْ الْخَامِسَ عَشَرَ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنّ وَقْفَةَ عَرَفَةَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ التّاسِعُ مِنْ ذِي الْحَجّةِ، فَدَخَلَ ذُو الْحَجّةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَكَانَ الْمُحَرّمُ إمّا الْجُمُعَةُ وَإِمّا السّبْتُ، فَإِنْ كَانَ الْجُمُعَةُ، فَقَدْ كَانَ صَفَرٌ إمّا السّبْتُ وَإِمّا الْأَحَدُ، فَإِنْ كَانَ السّبْتُ، فَقَدْ كَانَ رَبِيعٌ الْأَحَدَ أَوْ الِاثْنَيْنِ، وَكَيْفَا دَارَتْ الْحَالُ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ، فَلَمْ يَكُنْ الثّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِوَجْهِ، وَلَا الْأَرْبِعَاءَ أَيْضًا «1» كَمَا قَالَ الْقُتَبِيّ، وَذَكَرَ الطّبَرِيّ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ وَأَبِي مِخْنَفٍ أَنّهُ تُوُفّيَ فِي الثّانِي مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ «2» ، وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ أَهْلِ الْجُمْهُورِ فَإِنّهُ لَا يُبْعَدُ أَنْ كَانَتْ الثّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ الّتِي قَبْلَهُ كُلّهَا مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَتَدَبّرْهُ، فَإِنّهُ صَحِيحٌ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَفَطّنَ لَهُ، وَقَدْ رَأَيْت لِلْخَوَارِزْمِيّ أَنّهُ تُوُفّيَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي أَوّلِ يَوْمٍ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ، وَهَذَا أَقْرَبُ فِي الْقِيَاسِ بِمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ وَأَبِي مِخْنَفٍ.

_ - أَنّهُ ولد يوم الاثنين، وبعث يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين، وقبض «ص» يوم الاثنين، ودفن ليلة الأربعاء فى حجرة عائشة، وفيها قبض» ص 55 المعارف. (1) يذكر فى المعارف أنه دفن يوم الأربعاء، أما الوفاة فذكّر انها كانت يوم الاثنين فليس ثمت خلاف. ويصحح الحاكم أنه دفن يوم الاثنين عند الزوال. أما ابن عبد البر فيقول: أكثر الآثار على أنه دفن يوم الثلاثاء. (2) وقد صححه ابن حزم وغيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السّوَاكُ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّهَا نَاوَلَتْهُ السّوَاكَ حِينَ رَأَتْهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ، فَاسْتَاك بِهِ «1» ، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ: التّنَظّفُ وَالتّطَهّرُ لِلْمَوْتِ، وَلِذَلِكَ يُسْتَحَبّ الِاسْتِحْدَادُ لِمَنْ اسْتَشْعَرَ الْقَتْلَ أَوْ الْمَوْتَ كَمَا فَعَلَ خُبَيْبٌ، لِأَنّ الميت فادم عَلَى رَبّهِ، كَمَا أَنّ الْمُصَلّيَ مُنَاجٍ لِرَبّهِ، فَالنّظَافَةُ مِنْ شَأْنِهِمَا، وَفِي الْحَدِيثِ: إنّ اللهَ نَظِيفٌ يُحِبّ النّظَافَةَ، خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُولَ السّنَدِ، فَإِنّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ النّظِيفُ مِنْ أَسْمَاءِ الرّبّ، وَلَكِنّهُ حَسُنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، لِازْدِوَاجِ الْكَلَامِ، وَلِقُرْبِ مَعْنَى النّظَافَةِ مِنْ مَعْنَى الْقُدُسِ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ: الْقُدّوسُ، وَكَانَ السّوَاكُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ عَسِيبِ نَخْلٍ فِيمَا رَوَى بَعْضُهُمْ، وَالْعَرَبُ تَسْتَاكُ بِالْعَسِيبِ «2» ، وَكَانَ أَحَبّ السّوَاكِ إلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صُرْعُ الْأَرَاكِ، وَاحِدُهَا صَرِيعٌ وَهُوَ قَضِيبٌ يَنْطَوِي مِنْ الْأَرَاكَةِ حَتّى يَبْلُغَ التّرَابَ، فَيَبْقَى فِي ظِلّهَا فَهُوَ أَلْيَنُ مِنْ فَرْعِهَا. وَمِمّا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فِي مَعْنَى قَوْلِهَا: بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، أَنّهَا قَالَتْ: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بين حاقنتى

_ (1) كان سواك عبد الرحمن بن أبى بكر كما ورد فى البخارى. وكان السواك من جريدة رطبة. تقول عائشة: «إن من نعم الله تعالى على أن الله جمع بين ريقى وريقه عند موته. دخل على عبد الرحمن، وبيده سواك رأنا مسندة رسول الله» الخ الحديث. (2) سبق الكلام عن السواك كما ورد فى البخارى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَدَاقِنَتِي، فَالْحَاقِنَةُ الثّغْرَةُ «1» ، وَالدّاقِنَةُ: تَحْتَ الدّقْنِ، وَيُقَالُ لَهَا: النّونَةُ أَيْضًا. وَرُوِيَ أَيْضًا: بَيْنَ شَجْرِي- بِالشّيْنِ وَالْجِيمِ- وَنَحْرِي، وَسُئِلَ عُمَارَةُ بْنُ عُقَيْلٍ عَنْ مَعْنَاهُ، فَشَبّكَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، وَضَمّهَا إلى نحره. وغسّل عليه السلام حين قهض مِنْ بِئْرٍ لِسَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ الْغَرْسِ. كَرَامَاتٌ وَمُعْجِزَاتٌ: فَصْلٌ: وَذَكَرَ أَنّهُمْ كُلّمُوا حِينَ أَرَادُوا نَزْعَ قَمِيصِهِ لِلْغُسْلِ، وَكُلّهُمْ سَمِعَ الصّوْتَ، وَلَمْ يُرَ الشّخْصُ، وَذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» ، وَمِنْ آيَاتِ نُبُوّتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَقَدْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَرَامَاتٌ وَمُعْجِزَاتٌ «3» فِي حَيَاتِهِ، وَقَبْلَ مَوْلِدِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللهُ فِي التّمْهِيدِ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ: أَنّ أَهْلَ بَيْتِهِ سَمِعُوا وَهُوَ مُسَجّى بَيْنَهُمْ قَائِلًا يَقُولُ: السّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ إنّ فِي اللهِ عِوَضًا مِنْ كُلّ تَالِفٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلّ هَالِكٍ، وَعَزَاءً مِنْ كُلّ مُصِيبَةٍ، فَاصْبِرُوا وَاحْتَسِبُوا، إنّ اللهَ مَعَ الصّابِرِينَ، وَهُوَ حَسْبُنَا، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قَالَ: فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنّهُ الْخَضِرُ صَلّى اللهُ عَلَى نَبِيّنَا وَعَلَيْهِ «4» وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنّ الفضل بن عباس كان يغسّله

_ (1) أو هى كما عرفها ابن الأثير: لوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق. (2) الرواية تقول. إن الله ألقى عَلَيْهِمْ النّوْمَ حَتّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا ذقنه فى صدره. فهى إذا رؤبا وقد رواه أبو داود والحاكم والبيهقى. (3) قلت من قبل: لنسم ما من به الله على رسله تأييدا لهم: آيات. (4) وصاحب موسى هذا قد مات من قبل بمئات السنين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هُوَ وَعَلِيّ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ وَهُوَ يَصُبّ الْمَاءَ يَقُولُ: أَرِحْنِي أَرِحْنِي، فَإِنّي أَجِدُ شَيْئًا يَتَنَزّلُ عَلَى ظَهْرِي. وَمِنْهَا أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ مِمّا يَظْهَرُ مِنْ الْمَوْتَى، وَلَا تَغَيّرَتْ لَهُ رَائِحَةٌ، وَقَدْ طَالَ مُكْثُهُ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ، وَكَانَ مَوْتُهُ فِي شَهْرِ أَيْلُولَ، فَكَانَ طَيّبًا حَيّا وَمَيّتًا، وَإِنْ كَانَ عَمّهُ الْعَبّاسُ قَدْ قَالَ لِعَلِيّ: إنّ ابْنَ أَخِي مَاتَ لَا شَكّ، وَهُوَ مِنْ بَنِي آدَمَ يَأْسُنُ كَمَا يَأْسِنُونَ «1» ، فَوَارَوْهُ. وَكَانَ مِمّا زَادَ الْعَبّاسُ يَقِينًا بِمَوْتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّهُ كَانَ قَدْ رَأَى قَبْلَ ذَلِكَ بيسير كأنّ الفمر رُفِعَ مِنْ الْأَرْضِ إلَى السّمَاءِ بِأَشْطَانِ، فَقَصّهَا عَلَى نَبِيّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: هُوَ ابْنُ أَخِيك. وَرَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي السّيرَةِ أَنّ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ: وَضَعْت يَدِي عَلَى صَدْرِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مَيّتٌ فَمَرّتْ عَلَيّ جُمَعٌ لَا آكُلُ وَلَا أَتَوَضّأُ إلّا وَجَدْت رِيحَ الْمِسْكِ مِنْ يَدِي، وَفِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا: أَنّ عَلِيّا نُودِيَ، وَهُوَ يُغَسّلُهُ أَنْ ارْفَعْ طَرَفَك إلَى السّمَاءِ. وَفِيهَا أَيْضًا أَنّ عَلِيّا وَالْفَضْلَ حِينَ انْتَهَيَا فِي الْغُسْلِ إلَى أَسْفَلِهِ سَمِعُوا مُنَادِيًا يَقُولُ: لَا تَكْشِفُوا عَوْرَةَ نَبِيّكُمْ عَلَيْهِ السّلَامُ. مُوَازَنَةٌ بَيْنَ عُمَرَ وَبَيْنَ أبي بكر: وَأَمّا جَزَعُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ: وَاَللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه

_ (1) لا ريب فى أن العباس صدر فى كلمته هذه عن يقين الإيمان ببشرية محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم النبيين، وأن عظمته تتجلى فيما صدر عنه فى حياته لا فيما ينسب إلى هذا الجسد المسجى وليس فيما روى هنا حديث عند أصحاب الصحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَسَلَّمَ، وَلَيَرْجِعَنّ كَمَا رَجَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ، حَتّى كَلّمَهُ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللهُ وَذَكّرَهُ بِالْآيَةِ، فَعَقِرَ حَتّى سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ، وَمَا كَانَ مِنْ ثَبَاتِ جَأْشِ أَبِي بَكْرٍ وَقُوّتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ «1» ، فَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصّدّيق رضى الله عنه من؟؟؟ التّأَلّهِ، وَتَعَلّقِ الْقَلْبِ بِالْإِلَهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا، فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، فَإِنّ اللهَ حَيّ لَا يَمُوتُ. وَمَنْ قُوّةِ تَأَلّهِهِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَدّ جَيْشِ أُسَامَةَ حِينَ رَأَوْا الرّدّةَ قَدْ اسْتَعَرَتْ نَارُهَا، وَخَافُوا عَلَى نِسَاءِ الْمَدِينَةِ وَذَرَارِيّهَا، فَقَالَ: وَاَللهِ لَوْ لَعِبَتْ الْكِلَابُ بِخَلَاخِلِ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ، مَا رَدَدْت جَيْشًا أَنْفَذَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَلّمَهُ عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَشَدّ شَيْءٍ عَلَيْهِ أَنْ يُخَالِفَ رَأْيُهُ رَأْيَ سَالِمٍ، فَكَلّمُوهُ أَنْ يَدَعَ لِلْعَرَبِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْعَامِ تَأَلّفًا لَهُمْ حَتّى يَتَمَكّنَ لَهُ الْأَمْرُ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَأَلّفُهُمْ، وَكَلّمَهُ عُمَرُ أَنْ يُوَلّيَ مَكَانَ أُسَامَةَ مَنْ هُوَ أَسَنّ مِنْهُ، وَأَجْلَدُ، فَأَخَذَ بِلِحْيَةِ عُمَرَ، وَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الْخَطّابِ أَتَأْمُرُنِي أَنْ أَكُونَ أَوّلَ حَالّ عَقْدًا عَقَدَهُ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاَللهِ لَأَنْ أَخِرّ مِنْ السّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ، فَتَخْطَفُنِي الطّيْرُ أَحَبّ إلَيّ من أن

_ (1) ما أجمل ما عبرت به عائشة عن موقفيهما حين قالت- كما ورد فى البخارى- «فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها، لقد خوف عمر الناس، وإن فيهم لنفاقا، فردهم الله بذلك، ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى، وعرفهم الحق الذى عليهم» .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أُمَالِئَكُمْ عَلَى هَذَا الرّأْيِ، وَقَالَ لَهُمْ: وَاَللهِ لَوْ أَفْرَدْت مِنْ جَمِيعِكُمْ لَقَاتَلْتهمْ وَحْدِي حَتّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، وَلَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا، لَجَاهَدْتهمْ عَلَيْهِ، أو فى شَكّ أَنْتُمْ، أَنّ وَعَدَ اللهِ لَحَقّ. وَإِنّ قَوْلَهُ لَصِدْقٌ، وَلَيُظْهِرَنّ اللهُ هَذَا الدّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. ثُمّ خَرَجَ وَحْدَهُ إلَى ذِي الْقِصّةِ «1» حَتّى اتّبَعُوهُ، وَسَمِعَ الصّوْتَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي كُلّ قَبِيلَةٍ أَلَا إنّ الْخَلِيفَةَ قَدْ تَوَجّهَ إلَيْكُمْ الْهَرَبَ الْهَرَبَ، حَتّى اتّصَلَ الصّوْتُ مِنْ يَوْمِهِ بِبِلَادِ حِمْيَرَ، وَكَذَلِكَ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كَانَ يَلُوحُ الْفَرَقُ فِي التّأَلّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ حِينَ قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعْتُك وَأَنْتَ تَخْفِضُ مِنْ صَوْتِك يَعْنِي فِي صَلَاةِ اللّيْلِ، فقال: قد أسمعت من ناحجيت، وَقَالَ: لِلْفَارُوقِ: سَمِعْتُك وَأَنْتَ تَرْفَعُ مِنْ صَوْتِك، فَقَالَ: كَيْ أَطْرُدَ الشّيْطَانَ، وَأُوقِظَ الْوَسْنَانَ. قَالَ عبد الكريم ابن هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيّ «2» ، وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ: اُنْظُرُوا إلَى فَضْلِ الصّدّيقِ عَلَى الْفَارُوقِ، هَذَا فِي مَقَامِ الْمُجَاهَدَةِ، وَهَذَا فِي بِسَاطِ الْمُشَاهَدَةِ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَقَالَتَهُ لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَهُوَ مَعَهُ فِي الْعَرِيشِ، وَكَذَلِكَ فِي أَمْرِ الصّدَقَةِ حِينَ رَغِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا، فَجَاءَ عُمَرُ بِنِصْفِ مَالِهِ، وَجَاءَ الصّدّيقُ بِجَمِيعِ مَالِهِ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ: مَا أَبْقَيْت لِأَهْلِك؟ قَالَ: اللهَ وَرَسُولَهُ، وَكَذَلِكَ فَعَلَهُ فِي قِسْمِ الْفَيْءِ حِينَ سَوّى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: هُمْ إخْوَةٌ، أَبُوهُمْ الْإِسْلَامُ، فَهُمْ فى هذا

_ (1) مكان على يريد من المدينة. وهناك غيره، فانظر المشترك وضعا لياقوت. (2) هو صاحب الرسالة القشيرية التى دس فيها من التصوف نزغات صارفة من الحق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْفَيْءِ أُسْوَةٌ، وَأُجُورُ أَهْلِ السّوَابِقِ عَلَى اللهِ. وَفَضْلُ عُمَرَ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عَلَى حَسَبِ سَوَابِقِهِمْ، ثُمّ قَالَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ: لَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأُسَوّيَنّ بَيْنَ النّاسِ، وَأَرَادَ الرّجُوعَ إلَى رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ، ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَعَنْ جَمِيعِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا حَدَثَ لِلصّحَابَةِ عَقِبَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَغَيْرِهَا مِنْ الصّحَابَةِ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمّا قُبِضَ، وَارْتَفَعَتْ الرّنّةُ وَسَجّى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَلَائِكَةَ، دُهِشَ الناس، وطاشت عقولهم وأفحموا، وَاخْتَلَطُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ خُبِلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أُصْمِتَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أُقْعِدَ إلَى أَرْضٍ، فَكَانَ عُمَرُ مِمّنْ خُبِلَ وَجَعَلَ يَصِيحُ، وَيَحْلِفُ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ- صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- وكان مِمّنْ أُخْرِسَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ حَتّى جَعَلَ يُذْهَبُ بِهِ وَيُجَاءُ، وَلَا يَسْتَطِيعُ كَلَامًا، وَكَانَ مِمّنْ أُقْعِدَ: عَلِيّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَرَاكًا، وَأَمّا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ، فَأُضْنِيَ حَتّى مَاتَ كَمَدًا، وَبَلَغَ الْخَبَرُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ بِالسّنْحِ «1» ، فَجَاءَ وعيناه نهملان، وزفراته نتردّد فِي صَدْرِهِ، وَغُصَصُهُ تَرْتَفِعُ كَقِطَعِ الْجِرّةِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، جَلْدُ الْعَقْلِ وَالْمَقَالَةِ، حَتّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكَبّ عَلَيْهِ، وَكَشَفَ وَجْهَهُ وَمَسَحَهُ وَقَبّلَ جَبِينَهُ، وَجَعَلَ يَبْكِي، وَيَقُولُ: بِأَبِي

_ (1) ضبطها البكرى بصم النون وغيره بسكونها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنْتَ وَأُمّي طِبْت حَيّا وَمَيّتًا، وَانْقَطَعَ لِمَوْتِك مَا لَمْ يَنْقَطِعْ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ النّبُوّةِ، فَعَظُمْت عَنْ الصّفّةِ، وَجَلَلْت عَنْ الْبُكَاءِ، وَخَصَصْت حَتّى صِرْت مَسْلَاةً، وَعَمَمْت حَتّى صِرْنَا فِيك سَوَاءً، وَلَوْ أَنّ مَوْتَك كَانَ اخْتِيَارًا لَجُدْنَا لِمَوْتِك بِالنّفُوسِ، وَلَوْلَا أَنّك نَهَيْت عن البكاء لأنفدنا عليك ماء الشئون، فأما مالا نَسْتَطِيعُ نَفِيَهُ فَكَمَدٌ وَإِدْنَافٌ يَتَحَالَفَانِ لَا يَبْرَحَانِ، اللهُمّ أَبْلِغْهُ عَنّا، اُذْكُرْنَا يَا مُحَمّدُ عِنْدَ رَبّك، وَلْنَكُنْ مِنْ بَالِك «1» ، فَلَوْلَا مَا خَلّفْت مِنْ السّكِينَةِ، لَمْ نَقُمْ لِمَا خَلّفْت مِنْ الْوَحْشَةِ، اللهُمّ أَبْلِغْ نَبِيّك عَنّا، وَاحْفَظْهُ فِينَا، ثُمّ خَرَجَ لَمّا قَضَى النّاسُ غَمَرَاتِهِمْ، وَقَامَ خَطِيبًا فِيهِمْ بِخُطْبَةِ جُلّهَا الصّلَاةُ عَلَى النّبِيّ مُحَمّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَاتَمُ أَنْبِيَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنّ الْكِتَابَ كَمَا نَزَلَ، وَأَنّ الدّينَ كَمَا شُرِعَ، وَأَنّ الْحَدِيثَ كَمَا حُدّثَ، وَأَنّ الْقَوْلَ كَمَا قَالَ، وَأَنّ اللهَ هُوَ الْحَقّ الْمُبِينُ، فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ، ثُمّ قَالَ: أَيّهَا النّاسُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا، فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنّ اللهَ حَيّ لَمْ يَمُتْ، وَأَنّ اللهَ قَدْ تَقَدّمَ لَكُمْ فِي أَمْرِهِ، فَلَا تَدْعُوهُ جَزَعًا، وَأَنّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ اخْتَارَ لِنَبِيّهِ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا عِنْدَهُ عَلَى مَا عِنْدَكُمْ، وَقَبَضَهُ إلَى ثَوَابِهِ، وَخَلّفَ فِيكُمْ كِتَابَهُ وَسُنّةَ نَبِيّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِمَا عَرَفَ، وَمَنْ فَرّقَ بَيْنَهُمَا أَنْكَرَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَشْغَلَنّكُمْ الشّيْطَانُ بِمَوْتِ نَبِيّكُمْ وَلَا يَلْفِتَنّكُمْ عن دينكم، وعاجلوا

_ (1) لا يقول هذه أبو بكر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشّيْطَانَ بِالْخِزْيِ تُعْجِزُوهُ، وَلَا تَسْتَنْظِرُوهُ فَيَلْحَقَ بِكَمْ. فَلَمّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، قَالَ: يَا عُمَرُ أَأَنْتَ الّذِي بَلَغَنِي عَنْك أَنّك تَقُولُ عَلَى بَابِ نَبِيّ اللهِ، وَاَلّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ: مَا مَاتَ نَبِيّ اللهِ، أَمّا عَلِمْت أَنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال يَوْمَ كَذَا: كَذَا، وَكَذَا، وَقَالَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِي كِتَابِهِ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللهِ لَكَأَنّي لَمْ أَسْمَعْ بِهَا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى قَبْلَ الْآنَ لَمَا نَزَلَ بِنَا، أَشْهَدُ أَنّ الْكِتَابَ كَمَا نَزَلَ، وَأَنّ الْحَدِيثَ كَمَا حُدّثَ، وَأَنّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيّ لَا يَمُوتُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَى رَسُولِهِ، وَعِنْدَ اللهِ نَحْتَسِبُ رَسُولَهُ. وَقَالَ عُمَرُ فِيمَا كَانَ مِنْهُ: لَعَمْرِي لَقَدْ أَيْقَنْت أَنّك مَيّتٌ ... وَلَكِنّمَا أَبْدَى الّذِي قُلْته الْجَزَعْ «1» وَقُلْت يَغِيبُ الْوَحْيُ عَنّا لِفَقْدِهِ ... كَمَا غَابَ مُوسَى، ثُمّ يَرْجِعْ كَمَا رَجَعَ وَكَانَ هَوَايَ أَنْ تَطُولَ حَيَاتُهُ ... وَلَيْسَ لِحَيّ فِي بَقَا مَيّتٍ طَمَعْ فَلَمّا كَشَفْنَا الْبُرْدَ عَنْ حُرّ وَجْهِهِ ... إذَا الْأَمْرُ بِالْجَزَعِ الْمُوهِبِ قَدْ وَقَعْ فَلَمْ تَكُ لِي عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حِيلَةٌ ... أَرُدّ بِهَا أَهْلَ الشّمَاتَةِ وَالْقَذَعْ سِوَى آذَنَ اللهُ فِي كِتَابِهِ ... وَمَا آذَنَ اللهُ الْعِبَادَ بِهِ يَقَعْ وَقَدْ قَلّتْ مِنْ بَعْدِ الْمَقَالَةِ قَوْلَةً ... لَهَا فِي حُلُوقِ الشّامِتِينَ بِهِ بَشَعْ أَلَا إنّمَا كَانَ النّبِيّ مُحَمّدٌ ... إلَى أَجَلٍ وَافِي بِهِ الْوَقْتُ فَانْقَطَعْ نَدِينُ عَلَى الْعِلّاتِ مِنّا بِدِينِهِ ... وَنُعْطِي الّذِي أعطى، ونمنع ما منع

_ (1) جزم بدون سبب. وليس فى الشعر رائحة من عمر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَوَلّيْت مَحْزُونًا بِعَيْنِ سَخِينَةٍ ... أَكَفْكِفُ دَمْعِي وَالْفُؤَادُ قَدْ انْصَدَعْ وَقُلْت لِعَيْنِي: كُلّ دَمْعٍ ذَخَرْته ... فَجُودِي بِهِ إنّ الشّجِيّ لَهُ دُفَعْ وَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنّ عُمَرَ قَالَ: فَعَقِرْت إلَى الْأَرْضِ، يَعْنِي حِينَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ مَا قَالَ، يُقَالُ: عَقِرَ الرّجُلُ إذَا سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ مِنْ قَامَتِهِ، وَحَكَاهُ يَعْقُوبُ عَفَرَ بِالْفَاءِ كَأَنّهُ مِنْ الْعَفَرِ وَهُوَ التّرَابُ، وَصَوّبَ ابْنُ كَيْسَانَ الرّوَايَتَيْنِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَوْ نَزَلَ بِالْجِبَالِ الصّمّ مَا نَزَلَ بِأَبِي لَهَاضَهَا، ارْتَدّتْ الْعَرَبُ وَاشْرَأَبّ النّفَاقُ، فَمَا اخْتَلَفُوا فِي نُقْطَةٍ إلّا طَارَ أَبِي بِحَظّهَا وَغِنَائِهَا، وَيُرْوَى فِي بُقْطَةٍ بِالْبَاءِ، قَالَهُ الْهَرَوِيّ فى الغرببين، وفسره باللمعة «1» ، ونحوها، واستشهد بالحديث فى النّهى عَنْ بَقْطِ الْأَرْضِ، وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَ شَجَرَهَا فَتُتّخَذُ بُقَعًا لِلزّرْعِ، وَبَقْطُهَا ضَرْبٌ مِنْ الْمُخَابِرَةِ قَدْ فَسّرَهُ. كَيْفَ صُلّيَ عَلَى جِنَازَتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ؟ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ أَنّ الْمُسْلِمِينَ صَلّوْا عَلَيْهِ أَفْذَاذًا، لَا يَؤُمّهُمْ أَحَدٌ، كُلّمَا جَاءَتْ طَائِفَةٌ صَلّتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا خُصُوصٌ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَكُونُ هَذَا الْفِعْلُ إلّا عَنْ تَوْقِيفٍ «2» ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنّهُ أوصى بذلك،

_ (1) فى اللسان: البقطة: البقعة من بقاع الأرض أو الفرقة من الناس. (2) حديث ابن إسحاق رواه البيهقى وابن ماجة. ويقول الحافظ فى الفتح، إسناده ضعيف لأنه من حديث حسين بن عبد الله بن ضميرة.. وعن أبى عسيب-

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ مُسْنَدًا، وَوَجْهُ الْفِقْهِ فِيهِ أَنّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى افْتَرَضَ الصّلَاةَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً وَحُكْمُ هَذِهِ الصّلَاةِ الّتِي تَضَمّنَتْهَا الْآيَةُ أَلّا تَكُونَ بِإِمَامِ، وَالصّلَاةُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ دَاخِلَةٌ فِي لَفْظِ الْآيَةِ، وَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لَهَا، وَلِلصّلَاةِ عَلَيْهِ عَلَى كُلّ حَالٍ، وَأَيْضًا فَإِنّ الرّبّ تبارك وتعالى، قد أخبر أَنّهُ يُصَلّي عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ، فَإِذَا كَانَ الرّبّ تَعَالَى هُوَ الْمُصَلّي وَالْمَلَائِكَةُ قَبْلَ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَبَ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُؤْمِنِينَ تَبَعًا لِصَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ، وَأَنْ تَكُونَ الْمَلَائِكَةُ هُمْ الْإِمَامُ، وَالْحَدِيثُ الّذِي ذَكَرْته عَنْ الطّبَرِيّ فِيهِ طُولٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزّارُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُرّةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِيهِ أَنّهُ حِينَ جَمَعَ أَهْلَهُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنّهُمْ قَالُوا: فمن يصلّى عليك يا رسول الله؟

_ - عند أحمد أنه شهد الصلاة على رسول الله «ص» فقال: كيف نصلى عليك؟ قال: ادخلوا أرسالا، وعن جابر وابن عباس أيضا عند الطبرانى، وفى إسناده عبد المنعم ابن إدريس وهو كذاب، وقد قال البزار: إنه موضوع. وعن ابن مسعود عند الحاكم بسند واه. وعن نبيط بن شريط عند البيهقى وذكره مالك بلاغا وفى الحديث أن الصلاة كانت عليه فرادى، الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان. قال ابن عبد البر: وصلاة الناس عليه أفرادا مجمع عليه عند أهل السير، وجماعة أهل النقل لا يختلفون فيه، وتعقبه ابن دحية بأن ابن القصار حكى الخلاف فيه، هل صلوا عليه الصلاة المعهودة أو دعوا فقط، وهل صلوا فرادى أو جماعة.. قال ابن دحية: والصحيح أن المسلمين صلوا عليه أفرادا لا يؤمهم أحد. وبه جزم الشافعى، قال: وذلك لعظم رسول الله «ص» بأبى هو وأمى، وتنافسهم فى ألا يتولى الإمامة عليه فى الصلاة واحد. قال ابن دحية: كان المصلون عليه ثلاثون ألفا. أنظر نيل الأوطار ص 41 ح 4 ط 1357 هـ والخصائص للسيوطى ص 294 ط دار الكتب الحديثة بتحقيق الأستاذ محمد خيل هراس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ: فَهَلّا غَفَرَ اللهُ لَكُمْ وَجَزَاكُمْ عَنْ نَبِيّكُمْ خَيْرًا، فَبَكَيْنَا وَبَكَى النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إذَا غَسّلْتُمُونِي، وَكَفّنْتُمُونِي، فَضَعُونِي عَلَى سَرِيرِي فِي بَيْتِي هَذَا عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي، ثُمّ اُخْرُجُوا عَنّي سَاعَةً، فَإِنّ أَوّلَ مَنْ يُصَلّي عَلَيّ جَلِيسِي وَخَلِيلِي جِبْرِيلُ، ثُمّ مِيَكَائِيلُ، ثُمّ إسْرَافِيلُ، ثُمّ مَلَكُ الْمَوْتِ مَعَ جُنُودِهِ، ثُمّ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْمَعِهَا، ثُمّ اُدْخُلُوا عَلَيّ فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ، فَصَلّوا عَلَيّ وَسَلّمُوا، تَسْلِيمًا، وَلَا تُؤْذُونِي بِتَزْكِيَةِ، وَلَا ضَجّةٍ، وَلَا رَنّةٍ، وَلْيَبْدَأْ بِالصّلَاةِ عَلَيّ رِجَالُ بَيْتِي ثُمّ نِسَاؤُهُمْ، وأنتم بعد اقرؤا أَنَفْسَكُمْ السّلَامَ مِنّي، وَمَنْ غَابَ مِنْ أَصْحَابِي فاقرؤه مِنّي السّلَامَ، وَمَنْ تَابِعَكُمْ بَعْدِي عَلَى دِينِي، فاقرؤه مِنّي السّلَامَ، فَإِنّي أُشْهِدُكُمْ أَنّي قَدْ سَلّمْت عَلَى مَنْ تَابَعَنِي عَلَى دِينِي مِنْ الْيَوْمِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قُلْت: فَمَنْ يُدْخِلْك قَبْرَك يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَهْلِي مَعَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرٍ يَرَوْنَكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ «1» . موته عليه السلام كَانَ خَطْبًا كَالِحًا: فَصْلٌ: وَكَانَ مَوْتُهُ عَلَيْهِ السلام خطبا كالحا، ورزآ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَادِحًا، كَادَتْ تُهَدّ لَهُ الْجِبَالُ، وَتَرْجُفُ الْأَرْضُ، وَتَكْسِفُ النّيّرَاتُ، لِانْقِطَاعِ خَبَرِ السّمَاءِ، وَفَقَدَ مَنْ لَا عِوَضَ مِنْهُ، مَعَ مَا آذَنَ بِهِ مَوْتُهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- مِنْ الْفِتَنِ السّحم، والحوادث الوهم، والكرب المدلهمّة، والهزاهز

_ (1) لا أدرى كيف يعتمد على مثل هذا الحديث الذى لم يخرجه أحد من أصحاب الصحيح والذى طعن فيه نقدة الحديث؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمُضْلِعَةِ، فَلَوْلَا مَا أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ السّكِينَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَسْرَجَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ نُورِ الْيَقِينِ، وَشَرَحَ لَهُ صُدُورَهُمْ مِنْ فَهْمِ كِتَابِهِ الْمُبِينِ لَانْقَصَمَتْ الظّهُورُ، وَضَاقَتْ عَنْ الْكُرَبِ الصّدُورُ، وَلَعَاقَهُمْ الْجَزَعُ عَنْ تَدْبِيرِ الْأُمُورِ، فَقَدْ كَانَ الشّيْطَانُ أَطْلَعَ إلَيْهِمْ رَأْسَهُ، وَمَدّ إلَى إغْوَائِهِمْ مَطَامِعَهُ، فَأَوْقَدَ نَارَ الشّنَآنِ، وَنَصَبَ رَايَةَ الْخِلَافِ، وَلَكِنْ أَبَى اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلّا أَنْ يُتِمّ نُورَهُ، وَيُعْلِي كَلِمَتَهُ، وَيُنْجِزَ مَوْعُودَهُ، فَأَطْفَأَ نَارَ الرّدّةِ، وَحَسَمَ قَادَةَ الْخِلَافِ وَالْفِتْنَةِ عَلَى يَدِ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَوْلَا أَبُو بَكْرٍ لَهَلَكَتْ أُمّةُ مُحَمّدٍ عَلَيْهِ السّلَامُ بَعْدَ نَبِيّهَا، وَلَقَدْ كَانَ مِنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمئِذٍ مِنْ النّاسِ إذَا أَشْرَفُوا عَلَيْهَا سَمِعُوا لِأَهْلِهَا ضَجِيجًا، وَلِلْبُكَاءِ فِي جَمِيعِ أَرْجَائِهَا عَجِيجًا، حَتّى صَحِلَتْ الحلوق، ونزفت الدموع، وحق لهم ذلك، وان بَعْدَهُمْ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ، وَاسْمُهُ: خُوَيْلِدُ بْنُ خَالِدٍ، وَقِيلَ ابْنُ مُحَرّثٍ «1» قَالَ: بَلَغَنَا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيلٌ فَاسْتَشْعَرْت حُزْنًا وَبِتّ بِأَطْوَلِ لَيْلَةٍ لَا يَنْجَابُ دَيْجُورُهَا، وَلَا يَطْلُعُ نُورُهَا، فَظَلِلْت أُقَاسِي طُولَهَا، حَتّى إذَا كَانَ قُرْبُ السّحَرِ أَغْفَيْت، فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ، وَهُوَ يَقُولُ: خَطْبٌ أَجَلّ أَنَاخَ بِالْإِسْلَامِ ... بَيْنَ النّخِيلِ وَمَعْقِدِ الْآطَامِ قُبِضَ النّبِيّ مُحَمّدٌ فَعُيُونُنَا ... تُذْرِي الدّمُوعَ عليه بالتّسجام

_ (1) هو شاعر جاهلى إسلامى مات أيام عثمان، وعامة شعره فى إسلامه، وحضر سقيفة بنى ساعدة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ: فَوَثَبْت مِنْ نُوُمِي فَزِعًا، فَنَظَرْت إلَى السّمَاءِ، فَلَمْ أَرَ إلّا سَعْدَ؟؟؟ الذّابِحِ، فَتَفَاءَلْت بِهِ ذَبْحًا يَقَعُ فِي الْعَرَبِ، وَعَلِمَتْ أَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قُبِضَ، وَهُوَ مَيّتٌ مِنْ عِلّتِهِ، فَرَكِبْت نَاقَتِي وَسِرْت، فَلَمّا أَصْبَحْت طَلَبْت شَيْئًا أَزْجُرُ بِهِ، فَعَنّ لِي شَيْهَمٌ، يَعْنِي: الْقُنْفُذَ قَدْ قُبِضَ عَلَى صِلّ، يَعْنِي: الْحَيّةَ، فَهِيَ تَلْتَوِي عَلَيْهِ، وَالشّيْهَمُ يَقْضِمُهَا حَتّى أَكَلَهَا، فَزَجَرْت ذَلِكَ، وَقُلْت: شَيْهَمٌ شَيْءٌ مُهِمّ، وَالْتِوَاءُ الصّلّ الْتِوَاءُ الناس عن الحق على النائم بَعْدَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمّ أَكْلُ الشّيْهَمِ إيّاهَا غَلَبَةُ الْقَائِمِ بَعْدَهُ عَلَى الْأَمْرِ. فَحَثَثْت نَاقَتِي، حَتّى إذَا كُنْت بِالْغَابَةِ زَجَرْت الطّائِرَ فَأَخْبَرَنِي بِوَفَاتِهِ، وَنَعَبَ غُرَابٌ سَانِحٌ فَنَطَقَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَتَعَوّذَتْ بِاَللهِ مِنْ شَرّ مَا عَنْ لِي فِي طَرِيقِي، وَقَدِمْت الْمَدِينَةَ وَلَهَا ضَجِيجٌ بِالْبُكَاءِ كَضَجِيجِ الْحَجِيجِ، إذَا أَهَلّوا بِالْإِحْرَامِ، فَقُلْت: مَهْ؟ فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْت الْمَسْجِدَ فَوَجَدْته خَالِيًا، فَأَتَيْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَصَبْت بَابَهُ مُرْتَجّا، وَقِيلَ هُوَ مُسَجّى قد خلا بِهِ أَهْلُهُ، فَقُلْت: أَيْنَ النّاسُ؟ فَقِيلَ: فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، صَارُوا إلَى الْأَنْصَارِ، فَجِئْت إلَى السّقِيفَةِ فَأَصَبْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَسَالِمًا وَجَمَاعَةً مِنْ قُرَيْشٍ، وَرَأَيْت الْأَنْصَارَ فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَفِيهِمْ شُعَرَاؤُهُمْ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَمَلَأٌ مِنْهُمْ، فَآوَيْت إلَى قُرَيْشٍ، وَتَكَلّمَتْ الْأَنْصَارُ، فَأَطَالُوا الْخِطَابَ وَأَكْثَرُوا الصّوَابَ وَتَكَلّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلِلّهِ دَرّهُ مِنْ رَجُلٍ لَا يُطِيلُ الْكَلَامَ وَيَعْلَمُ مَوَاضِعَ فَصْلِ الْخِطَابِ، وَاَللهِ لَقَدْ تَكَلّمَ بِكَلَامِ لَا يَسْمَعُهُ سَامِعٌ إلّا انْقَادَ لَهُ، وَمَالَ إلَيْهِ، ثُمّ تَكَلّمَ عُمَرُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَعْدَهُ دُونَ كَلَامِهِ، ومدّ يده،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَبَايَعَهُ وَبَايَعُوهُ، وَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ، وَرَجَعْت مَعَهُ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ: فَشَهِدْت الصّلَاةَ عَلَى مُحَمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدْت دَفْنُهُ، ثُمّ أَنْشَدَ أَبُو ذُؤَيْبٍ يَبْكِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمّا رَأَيْت النّاسَ فِي عَسَلَانِهِمْ ... مِنْ بَيْنِ مَلْحُودٍ لَهُ وَمُضَرّحِ مُتَبَادِرِينَ لِشَرْجَعِ بِأَكُفّهِمْ ... نَصّ الرّقَابِ لِفَقْدِ أَبْيَضَ أَرْوَحِ فَهُنَاكَ صِرْت إلَى الْهُمُومِ، وَمَنْ يَبِتْ ... جَارَ الْهُمُومُ يَبِيتُ غَيْرَ مُرَوّحِ كَسَفْت لِمَصْرَعِهِ النّجُومُ وَبَدْرُهَا ... وَتَزَعْزَعَتْ آطَامُ بَطْنِ الْأَبْطَحِ وَتَزَعْزَعَتْ أَجْبَالُ يَثْرِبَ كُلّهَا ... وَنَخِيلُهَا لِحُلُولِ خَطْبٍ مُفْدِحِ وَلَقَدْ زَجَرْت الطّيْرَ قَبْلَ وَفَاتِهِ ... بِمُصَابِهِ، وَزَجَرْت سَعْدَ الْأَذْبَحِ وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَبْكِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرِقْت فَبَاتَ لَيْلِي لَا يَزُولُ ... دَلِيلُ أَخِي الْمُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ وَأَسْعَدَنِي الْبُكَاءُ وَذَاكَ فِيمَا ... أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ قَلِيلُ لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلّتْ ... عَشِيّةَ قِيلَ: قَدْ قُبِضَ الرّسُولُ وَأَضْحَتْ أَرْضُنَا مِمّا عَرَاهَا ... تَكَادُ بِنَا جَوَانِبُهَا تَمِيلُ فَقَدْنَا الْوَحْيَ وَالتّنْزِيلَ فِينَا ... يَرُوحُ بِهِ وَيَغْدُو جَبْرَئِيلُ وَذَاكَ أَحَقّ مَا سَأَلَتْ عَلَيْهِ ... نَفُوسُ النّاسِ أَوْ كَرَبَتْ تَسِيلُ نَبِيّ كَانَ يَجْلُو الشّكّ عَنّا ... بِمَا يُوحَى إلَيْهِ وَمَا يقول

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَيَهْدِينَا فَلَا نَخْشَى ضَلَالًا ... عَلَيْنَا وَالرّسُولُ لَنَا دَلِيلُ أَفَاطِمُ إنْ جَزِعْت فَذَاكَ عُذْرٌ ... وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي، ذَاكَ السّبِيلُ فَقَبْرُ أَبِيك سَيّدُ كُلّ قَبْرٍ ... وَفِيهِ سَيّدُ النّاسِ الرّسُولُ وَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودفن ورجع المهاجرون والأنصار لى رِحَالِهِمْ وَرَجَعَتْ فَاطِمَةُ إلَى بَيْتِهَا اجْتَمَعَ إلَيْهَا نِسَاؤُهَا، فَقَالَتْ: اغْبَرّ آفَاقُ السّمَاءِ وَكُوّرَتْ ... شَمْسُ النّهَارِ وَأَظْلَمَ الْعَصْرَانِ فَالْأَرْضُ مِنْ بَعْدِ النّبِيّ كَئِيبَةٌ ... أَسَفًا عَلَيْهِ كَثِيرَةَ الرّجَفَانِ فَلْيَبْكِهِ شَرْقُ الْبِلَادِ وَغَرْبُهَا ... وَلْتَبْكِهِ مُضَرُ وَكُلّ يَمَانِ وَلْيَبْكِهِ الطّوْدُ الْمُعَظّمُ جَوّهُ ... وَالْبَيْتُ ذُو الْأَسْتَارِ وَالْأَرْكَانُ يا خاتم الرّسل المبارك ضوؤه ... صَلّى عَلَيْك مُنَزّلُ الْقُرْآنِ [نَفْسِي فَدَاؤُك مَا لِرَأْسِك مَاثِلًا ... مَا وَسّدُوك وِسَادَةَ الْوَسْنَانِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الِاخْتِلَافُ فِي كَفَنِهِ: فَصْلٌ: وَأَمّا الِاخْتِلَافُ فِي كَفَنِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمْ ثَوْبًا كَانَ، وَفِي الّذِينَ أَدَخَلُوهُ قَبْرَهُ وَنَزَلُوا فِيهِ، فَكَثِيرٌ، وَأَصَحّ مَا رُوِيَ فِي كَفَنِهِ أَنّهُ كُفّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيّةٍ «1» ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَثْوَابُ مِنْ كُرْسُفٍ «2» ، وَكَذَلِكَ قَمِيصُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ مِنْ قُطْنٍ، وَوَقَعَ فِي السّيرَةِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ أَنّهَا كَانَتْ إزَارًا وَرِدَاءً، وَلِفَافَةً، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَفِي الشّرُوحَاتِ، وَكَانَتْ اللّبَنُ الّتِي نُضّدَتْ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ تِسْعَ لَبَنَاتٍ. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِيمَنْ أَلْحَدَهُ شُقْرَانُ مَوْلَاهُ، وَاسْمُهُ: صَالِحٌ، وَشَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ عَبْدٌ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ، انْقَرَضَ عَقِبُهُ فَلَا عَقِبَ لَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَرَاثِيَ حَسّانَ فِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَشْكُلُ فَنَشْرَحُهُ، وَقَدْ رَثَاهُ كَثِيرٌ مِنْ الشّعَرَاءِ وَغَيْرُهُمْ، وَأَكْثَرُهُمْ

_ (1) بضم السين والحاء، وبفتح السين أشهر نسبة إلى سحول قرية باليمن. قال ابن الأعرابى: وهى ثياب بيض نقية لا تكون إلا من القطن. وقال ابن قتيبة ثياب بيض، ولم يخصها بالقطن، وفى رواية للبخارى. سحول بدون نسبة. وهو جمع سحل، والسحل: الثوب الأبيض النقى، وقيل هى بالضم نسبة إلى القرية، وبالفتح نسبة إلى القصار لأنه يسحل الثياب، ى ينقيها. وكونه كفن فى ثلاثة أثواب بيض سحولية جدد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة أدرج فيها إدراجا هو من رواية الجماعة. (2) القطن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَفْحَمَهُمْ الْمُصَابُ عَنْ الْقَوْلِ، وَأَعْجَزَتْهُمْ الصّفَةُ عَنْ التّأْبِينِ، وَلَنْ يَبْلُغَ بِالْإِطْنَابِ فِي مَدْحٍ وَلَا رثاء فى كنه محاسته عَلَيْهِ السّلَامُ وَلَا قَدْرَ مُصِيبَةٍ فَقَدَهُ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَصَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ صَلَاةً تَتّصِلُ مَدَى اللّيَالِي وَالْأَيّامِ، وَأَحَلّهُ أَعَلَى مراتب الرحمة والرضوان والإكرام، وجزاء عَنّا أَفْضَلَ مَا جَزَى بِهِ نَبِيّا عَنْ أُمّتِهِ، وَلَا خَالَفَ بِنَا عَنْ مِلّته، إنّهُ وَلِيّ الطّولِ وَالْفَضْلِ وَالْإِنْعَامِ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوكيل، والحمد لله رب العالمين. «تم الكتاب بحمد الله رب العالمين» وكان الفراغ من تحقيقه فى الساعة الثامنة والدقيقة الخامسة والأربعين صباح يوم الاثنين 27 من شعبان سنة 1388 هـ- 18 من نوفمبر سنة 1968 م بمدينة الزهراء بوادى حوف

خاتمة

خاتمة الحمد لله رب العالمين بهذا الحمد الذى يجيش به القلب، وتفيض الحياة، ويتجاوب الوجود، أختم عملى فى هذا الكتاب الذى يتناول سيرة أقدس وأنبل حياة بشرية، كانت للناس نورا وحياة ورحمة، حياة خاتم النبيين محمد «صلوات الله وسلامه عليه» الذى بعثه الله لأمته، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ، وَيُزَكّيهِمْ، وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ فتحقق ما وعد به الله، فكانوا خير أمة أخرجت الناس، إيمانا، وخلقا، وسلوكا فى الحياة، وتحكيما لهدى القرآن فى شئون الحياة. وشهد الله لقد بذلت من الجهد ما أملك، وحاولت أن أقوم بما هو مفروض علىّ نحو هذا الكتاب «الروض الأنف» الذى سيطر على المعارف الإسلامية قرونا متطاولات. فهو فوق كونه شرحا وتحقيقا لسيرة ابن هشام، يضم بين دفتيه كل أثر للثقافة الشاملة، التى كان الإمام السهيلى عليها فى عصره، والتى بسببها كان مصدرا لأمثال هؤلاء الأعلام «الإمام ابن القيم، والإمام الحافظ ابن حجر العسقلانى، وابن منظور» فى لسان العرب. الكتاب سيرة، وتاريخ، وفقه، وعقيدة، ونحو، وأدب. والسهيلى إمام كبير فى كل ذلك.

وقد حاولت جهدى تحقيق كل مسائله بالرجوع إلى نفس مصادره التى عنها أخذ، أو بالرجوع إلى الكتب التى عنه أخذت ونقدت، حتى استوى الكتاب على هذه الصورة المشرفة المشرقة التى صوّبت ما كان من أخطاء كثيرة فى طبعته الأولى. ولقد كان فى طبعته الأولى جزءين فى مجلد، وها هو فى سبعة أجزاء كبار، تجمع بين سيرة ابن هشام، وبين «الروض الأنف» وبين تحقيقى للروض. ومثل هذه الكتب الجادة التى تمثل تراثنا الفكرى الإسلامى أصدق تمثيل، لا يقبل عليها الناشرون كثيرا. ولكن صاحب «دار الكتب الحديثة» أقدم على هذا، مصابرا الزمن الذى قضيته فى تحقيق الكتاب ومقداره ثلاث سنوات، استغرقت فيها اليوم كله إلا قليلا. ولقد كنت حين أقبل على الكتاب أضرع إلى الله أن يلهمنى الصواب فيما أكتب، وأضرع إليه الآن سبحانه أن يكون قد استجاب دعائى. وفى السهيلى مسّ من أشعرية، كان يبتعد به أحيانا عن السلفية، فلم تمنعنا إمامته الكبرى عن نقده، وبيان الصواب فى المسألة. ولقد قمت بتصحيح تجارب طبع ثلاثة أجزاء من الكتاب، ثم انتدبتّ لتدريس مادة العقيدة الإسلامية فى قسم الدراسات الإسلامية العليا بكلية الشريعة، فى مكة المكرمة، حرسها الله، وكلأها برعايته وحفظه، فوكلت الدار إلى الأخ «محمود غانم غيث» تصحيح تجارب الطبع فى بقية الأجزاء، والله يجزيه على ما قدم أحسن وأطيب الجزاء. وأخيرا وبعد حمد الله وشكره أشكر الشاب الكريم «أحمد حمدى شعبان»

صاحب دار النصر للطباعه، والإخوة العاملين فى الدار، على هذا الجهد الكريم السخى، الذى بذلوه فى طبع الكتاب. وجزى الله صاحب «دار الكتب الحديثة» على ما ينشر من كتب الخير والحق والموسوعات الإسلامية الجادة. وصلّ الله عليه وسلم وبارك على خاتم النبيين محمد. والحمد لله رب العالمين؟ 30 من ربيع الأول سنة 1390 مكة المكرمة 5 يونيه سنة 1970 عبد الرحمن عبد الوهاب الوكيل أستاذ العقيدة الإسلامية فى قسم الدراسات العليا بكلية الشريعة

فهرس الجزء السابع من الروض الأنف

فهرس الجزء السابع من الروض الأنف 5 مقدمة الجزء السابع 7 عمرة القضاه فى ذى القعدة سنة سبع «س» «1» 10 ذِكْرُ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَمَقْتَلُ جَعْفَرٍ وَزَيْدٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ رواحة «س» 14 لقاء الروم «س» 14 مقتل ابن حارثة «س» 14 إمارة جعفر ومقتله «س» 15 استشهاد جعفر وابن رواحة «س» 16 عمل خالد «س» 16 تنبؤ الرسول بما حدث «س» 17 حزن الرسول على جعفر «س» 18 كاهنة حدس «س» 19 كيف تلقى الجيش «س» 19 شِعْرُ قَيْسٍ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ تَقَهْقُرِ خَالِدٍ «س» 20 شعر حسان فى بكاء قتلى مؤتة «س» ص 21 شعر كعب فى بكاء قتلى مؤتة «س» 22 شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طالب «س» 23 شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ ابْنِ حَارِثَةَ وَابْنِ رواحة «س» 24 شهداء مؤتة «س» 25 عمرة القضية 27 حكم العمرة 28 تفسير شعر عمار 28 حكم الزواج للمحرم 31 غزوة مؤتة 31 تفسير (وإن منكم إلا واردها) 32 شرح شعر ابن رواحة 36 عقر جعفر فرسه ومقتله 38 معنى الجناحين 39 فضل ابن رواحة 40 فضل زيد 40 رجوع أهل مؤتة

_ (1) س رهن عن السيرة. و «ن. ل» رمز عن النحو واللغة. وش رمز عن الشرح. أما الروض فبدون رمز.

42 طعام التعزية وغيرها 43 من شعر حسان فى رثاء جعفر 45 حول شعر كعب 46 الاستسقاء للقبور عند العرب 47 من شعر حسان فى رثاء جعفر 49 ذِكْرُ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ الْمَسِيرَ إلَى مَكّةَ، وَذِكْرُ فَتْحِ مَكّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ س 51 شِعْرُ تَمِيمٍ فِي الِاعْتِذَارِ مِنْ فِرَارِهِ عَنْ منبه س 52 شِعْرُ الْأَخْزَرِ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ س 53 بديل يرد على الأخزر س 53 شِعْرُ حَسّانَ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ س 54 شِعْرُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّ لِلرّسُولِ يَسْتَنْصِرُهُ وَرَدّهُ عَلَيْهِ س 55 ابن ورقاء يشكو إلى الرسول بالمدينة س 56 أبو سفيان يحاول المصالحة س 57 الرسول ص يعد لفتح مكة س 58 حسان يحرض الناس س 58 كتاب حاطب إلى قريش س 60 خروج الرسول فى رمضان س 62 قِصّةُ إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى يَدِ الْعَبّاسِ س 65 عرض الجيش س 66 أبو سفيان يحذر أهل مكة س 66 وصول النبى ص إلى ذى طوى س 67 إسلام والد أبى بكر س 68 جيوش المسلمين تدخل مكة س 68 المهاجرون وسعد س 68 كيف دخل الجيش مكة؟ س 69 الذين تعرضوا للمسلمين س 70 شعار المسلمين يوم الفتح س 71 من أمر الرسول بقتلهم س 73 أم هانىء تؤمن رجلين س 74 طواف الرسول بالكعبة س 74 خطبته على باب الكعبة س 75 إقرار الرسول عثمان بن طلحة على السدانة س 75 طمس الصور التى بالبيت س 76 دخول الكعبة والصلاة فيها س 76 إسلام عتاب والحارث بن هشام س 77 خراش وابن الأثوع س 78 بين أبى شريح وابن سعد س 79 أول من ودى يوم الفتح س 80 بدء فتح مكة 80 حول شعر تميم 81 حول شعر الأخرز 83 حول شعر بديل

84 حول شعر عمرو بن سالم 85 ما قال عمر لأبى سفيان ومعناه 85 شرح قول فاطمة لأبى سفياص 86 حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ وَمَا كَانَ فِي كتابه 87 تصحيف هشيم لخاخ 87 تفسير (تلقون إليهم بالمودة) 88 قتل الجاسوس 89 عن عبد الله بن أبى أمية 89 عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِهِ وَقَصِيدَتِهِ 90 وزن فعلل (ن. ل) 92 عود إلى أبى سفيان 92 عن إسلام سفيان بن حرب 95 قول هند عن أبى سفيان 95 إسلام أبى قحافة 95 حكم الخضاب 98 كداء وكدى 98 موقف إبراهيم بكداء 99 موقف الرسول «ص» من سعد 101 خنيس بن خالد 103 حول: لماذا وموتمة 103 حول رجزى حماس 105 طرف من أحكام أرض مكة 106 الهذلى القتيل 106 هل تعيذ الكعبة عاصيا؟ 108 صلاة الفتح 109 أم هانىء 109 عبد الله بن سعد 110 نميلة 110 عن ابن نقيذ والقينتين 111 عن الديات فى خطبة الرسول ص 112 الصلاة فى الكعبة 114 كسر الأصنام س 114 قصة إسلام فضالة س 115 أمان الرسول لصفوان بن أمية س 116 إسلام عكرمة وصفوان س 116 إسلام ابن الزبعرى وشعرء فى ذلك س 118 بقاء هبيرة على كفره وشعرء فى إسلام زوجه أم هانىء س 119 عِدّةُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ س 119 شعر حسان فى فتح مكة س 121 شِعْرُ أَنَسِ بْنِ زُنَيْمٍ فِي الِاعْتِذَارِ إلَى الرسول مما قال ابن سالم س 122 شِعْرُ بُدَيْلٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ زُنَيْمٍ «س» 122 شعر بحير فى يوم الفتح س 123 شعر ابن مرداس فى فتح مكة س 123 إسلام عباس بن مرداس س 124 شعر جعدة فى يوم الفتح س 124 شعر بجيد فى يوم الفتح س

125 مَسِيرُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ مِنْ كِنَانَةَ وَمَسِيرُ عَلِيّ لِتَلَافِي خطأ خالد س 126 براءة الرسول ص من عمل خالد س 128 الاعتذار عن خالد س 128 بين خالد وبين ابن عوف س 129 بين قريش وبنى جذيمة س 129 شعر سلمى فيما بين جذيمة وقريش س 130 شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي الرّدّ عَلَى سَلْمَى س 130 الجحاف يرد على سلمى س 131 حديث ابن أبى حدرد يوم الفتح س 132 شعر جذيمى فى الفتح س 132 وهب يرد على الجذيمى س 133 شعر علام جذمى هارب أمام خالد س 133 ارتجاز بنى مساحق حين سمعوا بخالد س 134 مسير خالد بن الوليد لهدم العزى س 135 عن إسلام أبى سفيان وصاحبيه 136 الحنفاء بنت أبى جهل 137 إسلام الحارث بن هشام 138 إسلام بنت أبى جهل 139 هند بنت عتبة 140 عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ لَا عَمْرُو بْنُ الزّبَيْرِ 141 أم حكيم بنت الحارث 142 دم ربيعة بن الحارث 142 حول التخيير بين القصاص وبين الدية 144 النهى عن اشتمال الصماء والاحتباء 145 شعر ابن الزبعرى 146 حول شعر حسان 151 معنى التفضيل فى شركما 151 يلطم أو يطلم «ن. ل» 153 حول شعر أنس بن سليم 154 حول شعر بجير بن زهير 155 عباس بن مرداس والذين حرموا الخمر؟؟؟ 158 شعر جعدة 158 سرية خالد إلى بنى خذيمة 160 شعر أبى حدرد 161 غَزْوَةُ حُنَيْنٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ بَعْدَ الْفَتْحِ «س» 165 قصيدة ابن مرداس «س» 166 ذات انواط «س» 166 ثبات الرسول «س» 167 الذين ثبتوا الرسول «س» 168 الشماتة بالمسلمين «س» 168 شعر حسان فى هجاء كلدة «س»

169 شيبة يحاول قتل الرسول «س» 169 فى الانتصار بعد الهزيمة « 170 رأى أم سليم « 171 شعر مالك بن عوف فى الهزيمة « 172 من قتل قتيلا فله سلبه « 173 نزول الملائكة « 173 هزيمة المشركين من أهل حنين « 175 رائية ابن مرداس « 177 مصرع دريد « 178 مصرع أبى عامر الأشعرى « 179 حال بنى رئاب فى المعركة « 179 موقف قوم مالك بن عوف « 181 شعر سلمة فى فزارة « 181 عود إلى حديث مصرع أبى عامر « 182 النهى عن قتل الضعفاء « 182 شأن الشيماء وبجاد « 183 شهداء يوم حنين « 184 سبايا حنين يجمعون « 184 شعر بجير يوم حنين « 185 شعر لعباس بن مرداس يوم حنين «س» 185 ابن عفيف يرد على ابن مرداس « 186 شعر آخر لعباس بن مرداس « 193 شعر ضمضم فى يوم حنين « 194 رثاء أبى خراش لابن العجوة « 195 ابن عوف يعتذر عن قراره « 196 هوازنى يذكر إسلام قومه «س» 197 جشمية ترثى أخويها « 197 أبو ثواب يهجو قريشا « 198 ابن وهب يرد على ابن أبى ثواب « 198 شعر خديج فى يوم حنين « 199 ذكر غزوة حنين 200 ابن الصمة والخنساء 201 مالك بن عوف وابن حدرد 202 حول قصيدة عباس النونية 203 سعد ودهمان 206 أنا ابن عبد المطلب 207 شيبة ومحاولة قتل الرسول «ص» 207 أم سليم والفرار يوم حنين 209 حول رجز مالك 211 السلب القاتل 212 نزول الملائكة 213 حول قصيدة ابن مرداس 214 جمع أخ وابن «ن. ل» 215 من وصف الزبير 215 من أحكام القتال 216 حكم رفع اليد فى الدعاء 216 الحفنة وشاهت الوجوه 217 نداء أصحاب الشجرة 218 الضحاك بن سفيان 218 قصيدة ابن مرداس العينية

ص 219 شعر عباس الكافى 220 الداماء والدأماء «ن. ل» 220 شعر عباس الفاوى 225 القصيدة الراوية 226 قصيدة عباس السينية 227 قصيدة عباس الميمية 228 حول قصيدة ضمضم بز الحارث 229 شعر أبى خراش 230 من شعر مالك بن عوف 231 ذِكْرُ غَزْوَةِ الطّائِفِ بَعْدَ حُنَيْنٍ فِي سَنَةِ ثمان «س» 231 شعر كعب « 233 كنانة يرد على كعب « 233 قصيدة شداد فى المسير إلى الطائف « 233 الطريق إلى الطائف « 235 أول من رمى بالمنجنيق « 235 يوم الشدخة « 235 بين أبى سفيان وثقيف « 236 تفسير أبى بكر لرؤيا الرسول « 237 سبب ارتحال المسلمين « 237 عيينة بن حصن « 238 العبيد الذين نزلوا من حصن الطائف « 238 شعر الضحاك وموضوع « 239 الشهداء فى يوم الطائف « ص 240 قصيدة بحير فى حنين والطائف 241 أَمْرُ أَمْوَالِ هَوَازِنَ وَسَبَايَاهَا وَعَطَايَا الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ منها، وإنعام رسول الله ص فيها س 251 شعر حسان فى حرمان الأنصار س 254 عُمْرَةُ الرّسُولِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَاسْتِخْلَافُهُ عَتّابَ بْنَ أسيد على على مكة وحج عتاب بالمسلمين سنة ثمان. اعتمار الرسول واستخلافه ابن أسيد على مكة س 255 وقت العمرة س 255 أَمْرُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ بَعْدَ الِانْصِرَافِ عَنْ الطائف س 257 قدوم كعب على الرسول وقصيدته اللامية س 262 استرضاء كعب الأنصار بمدحه إياهم س 263 غزوة الطائف 266 آلات الحرب فى الطائف 267 حول شعر كعب 268 شعر كنانة 269 أَوّلُ مَنْ رَمَى بِالْمَنْجَنِيقِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَالْإِسْلَامِ 270 غيلان بن سلمة 271 بادية بنت غيلا

ص 274 المخنثون الذين كانوا بالمدينة 274 عيينة 274 العبيد الذين نزلوا من حصن الطائف 276 من نسب بجير بن زهير 276 حول شعر بجير 278 دحنا ومسح ظهر آدم 279 حول قول زهير أبى صرد 181 من أحكام السبايا 282 حول سبى حنين 283 إعطاء المؤلفة قلوبهم من الغنائم 284 وصف عجوز ابن حصن 284 الأقرع بن حابس 285 مالك بن عوف 286 قول النبى «ص لمرداس 287 القبلية بين الأقرع وعيينة 288 حديث ذو الخويصرة 289 شعر حسان فى عتابه ص 289 حول عتاب النبى للأنصار 290 جعيل بن سراقة 291 شعر بجير وكعب ابنى زهير 294 قصيدة بانت سعاد 298 عن القول والقيل إعرابا ومعنى (ن. ل) 300 عود إلى بانت سعاد ص 304 غزوة تبوك فى رجب سنة تسع التهيؤ لتبوك. س 304 مدح آخر لكعب 305 شأن الجد بن قيس س 306 المنافقون المثبطون س 306 شعر الضحاك فى تحريق بيت سويلم س 307 حض أهل الغنى على النققة س 307 قصة البكائين والمعذرين والمتخلفين س 309 المنافقون المتخلفون س 109 إرجاف المنافقين بعلى س 310 قصة أبى خيثمة س 311 مرور النبى ص بالحجر س 313 مقالة ابن اللصيت س 314 إبطاء أبى ذر س 316 تخذيل المنافقين للمسلمين وما نزل فيهم س 317 الصلح مع صاحب أيلة س 317 كتاب الرسول لصاحب أيلة س 317 أكيدر س 319 حديث وادى المشقق ومائه س 319 قيام الرسول على دفن ذى البجادين س 320 لم سمى ذو البجادين؟ س

ص 320 أبو رهم فى تبوك س 321 أَمْرُ مَسْجِدِ الضّرَارِ عِنْدَ الْقُفُولِ مِنْ غَزْوَةِ تبوك س 323 أَمْرُ الثّلَاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا وَأَمْرُ الْمُعَذّرِينَ فِي غزوة تبوك س 324 حديث كعب عن التخلف س 331 أَمْرُ وَفْدِ ثَقِيفٍ وَإِسْلَامُهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سنة تسع س 338 حج أبى بكر بالناس سنة تسع واختصاص النبى ص على بن أبى طالب بِتَأْدِيَةِ أَوّلِ بَرَاءَةٍ عَنْهُ وَذِكْرُ بَرَاءَةَ وَالْقَصَصِ فى تفسيرها س 340 تفسيرا بن هشام لبعض المفردات 342 اختصاص الرسول عليا بتأدية براءة عنه س 342 ما نزل فى الأمر بجهاد المشركين س 343 تفسير ابن هشام لبعض الغريب 343 مَا نَزَلَ فِي الرّدّ عَلَى قُرَيْشٍ بِادّعَائِهِمْ عمارة البيت س 343 ما نزل فى الأمر بقتال المشركين» 344 ما نزل فى أهل الكتابين» 344 ما نزل فى النسىء» 345 ما نزل فى تبوك» ص 345 ما نزل فى أهل النفاق س 346 تفسير ابن هشام لبعض الغريب» 346 عَوْدٌ إلَى مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النّفَاقِ» 347 ما نزل فى ذكر أصحاب الصدقات» 247 ما نزل فيمن آذوا الرسول» 349 مَا نَزَلَ بِسَبَبِ صَلَاةِ النّبِيّ عَلَى ابْنِ أبى» 350 ما نزل فى المستأذنين» 351 ما نزل فيمن نافق من الأعراب» 351 مَا نَزَلَ فِي السّابِقِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ 352 شعر حسان الذى عدد فيه المغازى» 357 ذِكْرُ سَنَةِ تِسْعٍ وَتَسْمِيَتُهَا سَنَةَ» الْوُفُودِ وَنُزُولُ سورة الفتح» 357 انقياد العرب وإسلامهم» 358 غزوة تبوك 360 إبطاء أبى ذر 360 إعراب كلمة وحده (ن. ل) 361 أجأ وسلمى 362 أكيدر والكتاب الذى أرسل إليه 363 الكتاب إلى هرقل 364 موقفه ص من الهدايا 365 حول قصة البكائين

ص 366 معنى كلمة حس (ن. ل) 368 أصحاب مسجد لضرار 369 عن الثلاثة الذين خلفوا 370 زاح عنى الباطل (ن. ل) 371 إسلام ثقيف 371 زوج عروة 372 حول هدم اللات 372 فقه حديث كتاب النبى لثقيف 373 وج 374 إنزال سورة براءة 376 ما نزل فى سورة براءة 377 عن الأجدع بن مالك 378 إعطاء الجزية عن يد 379 من المعذرين 380 قصيدة حسان الميمية 381 تفسير سورة النصر 383 قُدُومُ وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ وَنُزُولُ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ. رجال الوفد س 383 شىء عن الحتات « 384 سائر رجال الوفد « 384 صياحهم بالرسول وكلمة عطارد « 385 كلمة ثابت فى الرد على عطارد « 386 شعر الزبرقان فى الفخر بقومه « 388 شعر آخر للزبرقان « 389 شِعْرٌ آخَرُ لِحَسّانَ فِي الرد عَلَى الزّبْرِقَانِ « ص 390 إسلامهم وتجويز الرسول إياهم س 390 شِعْرُ ابْنِ الْأَهْتَمِ فِي هِجَاءِ قِيسٍ لِتَحْقِيرِهِ إياه « 31 قِصّةُ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ فى الوفادة بن بنى عامر. بعض رجال الوفد 391 تدبير عامر للغدر بالرسول « 392 موت عامر بدعاء الرسول عليه» 392 مَوْتُ أَرْبَدَ بِصَاعِقَةِ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي عامر « 393 شعر لببد فى بكاء أربد « 396 قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا هن بنى سعد بن بكر « 396 سؤاله الرسول أسئلة ثم إسلامه « 398 دعوته قومه للاسلام « 398 قدوم الجارود فى وفد عبد القيس « 399 موقفه من قومه فى الردة « 399 إسلام ابن ساوى « 400 قُدُومُ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ وَمَعَهُمْ مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابِ « 400 ما كان من الرسول لمسيلمة «401 ارتداده وتنبؤه «

ص 401 قدوم زيد الخيل فى وفد طىء. إسلامه وموته س 402 أمر عدى بن حاتم س 404 إسلام عدى س 405 وقوع ما وعد به الرسول عديا س 405 قدوم فروة بن مسيك المرادى س 407 قدوم فروة على الرسول وإسلامه « 407 قُدُومُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ فِي أُنَاسٍ من بنى زبيد س 409 ارتداده وشعره فى ذلك س 409 قُدُومُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ س 411 قدوم صرد بن عبد الله الأزدى إسلامه س 412 قتاله أهل جرش س 412 إخْبَارُ الرّسُولِ وَافِدِي جُرَشَ بِمَا حَدّثَ لِقَوْمِهَا س 413 إسلام اهل جرش س 413 قدوم رسول ملوك حمير بكتابهم « 414 كتاب الرسول إليهم س 415 وَصِيّةُ الرّسُولِ مُعَاذًا حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ. بعث الرسول معاذا إلى اليمن وشىء من أمره بها س 416 إسلام فروة بن عمرو الجذامى « ص 416 حبس الروم له وشعره فى محبسه س 417 مقتله « 418 إسْلَامُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ عَلَى يَدَيْ خالد بن الوليد لما سار إليهم دعوة خالد الناس إلى الإسلام وإسلامهم « 419 كتاب الرسول إلى خالد يأمره بالمجىء « 419 قدوم خالد مع وفدهم على الرسول « 420 حديث وفدهم مع الرسول « 421 بعث الرسول عمرو بن حزم بعهده إليهم « 423 قدوم رفاعة بن زيد الجذامى. إسلامه وحمله كتاب الرسول إلى قومه « 423 قدوم وفد همدان. أسماؤهم وكلمة ابن نمط بين يدى الرسول « 425 ذكر الكذابين مسيلمة الحنفى والاسود العنى « 425 رؤيا الرسول فيهما « 426 حديث الرسول عن الدجالين « 426 خروج الأمراء والعمال على

ص الصدقات. الأمراء وأسماء العمال وما تولوه س 427 كِتَابُ مُسَيْلِمَةَ إلَى رَسُولِ اللهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ س 428 قدوم الوفود على رسول الله ص وفد عبد القيس 429 شرح صاحب الحلة 431 نسب بن الأهتم 431 عن كرسى الله 433 شعر الزبرقان 434 شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى الزّبْرِقَانِ فِي الميمية والعينية 436 شِعْرٌ آخَرُ لِحَسّانَ فِي الرد عَلَى الزّبْرِقَانِ 436 شرح قول ابن الأهتم لابن عاصم 436 مَا نَزَلَ فِي وَفْدِ تَمِيمٍ مِنْ الْحُجُرَاتِ 437 إن من البيان لسحرا 438 خبر عامر وأربد 439 عن لبيد 440 وفد جرش 441 حديث ضمام 442 حول حديث الجارود 442 وفد بنى حنيفة ونسب مسيلمة 444 مؤذنا مسيلمة وسجاح ص 445 امرأة مسيلمة 445 مسعود العنى 447 زيد الخيل 447 أسماء الحمى (ن. ل) 448 خبر زيد فى رواية أخرى 450 قدوم عدى بن حاتم 451 حديث فروة «معنى قرو» «ن. ل» 452 إبدال آخر حرف فى اسم الفاعل (ن. ل) 453 قدوم وفد بنى الحارث بن كعب 454 وفود رفاعة 457 حجة الوداع. تجهز الرسول واستعماله على المدينة أبا دجانة س 458 مَا أَمَرَ بِهِ الرّسُولُ عَائِشَةَ فِي حَيْضِهَا س 459 مُوَافَاةُ عَلِيّ فِي قُفُولِهِ مِنْ الْيَمَنِ رَسُولَ الله فى الحج. ما أمر به الرسول عليا من أمور الحج س 459 شَكَا عَلِيّا جَنَدُهُ إلَى الرّسُولِ لِانْتِزَاعِهِ عَنْهُمْ حللا من بز اليمن س 460 خطبة الرسول فى حجة الوداع س 462 اسم الصاروخ بكلام الرسول وما كان يردده س

ص 463 رِوَايَةُ ابْنِ خَارِجَةَ عَمّا سَمِعَهُ مِنْ الرّسُولِ فى حجة الوداع س 463 بعض تعليم الرسول فى الحج س 464 بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ س 464 خروج رسول الله إلى الملوك. تذكير الرسول قومه بما حدث للحواريين حين اختلفوا على عيسى س 465 أسماء الرسل ومن أرسلوا إليهم س 465 رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ بَعْثِ الرّسُولِ رُسُلَهُ س 466 أسماء رسل عيسى س 467 ذكر جملة الغزوات س 468 ذكر جملة السرايا والبعوث س 468 خَبَرُ غَزْوَةِ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ اللّيْثِيّ بنى الملوح شأن ابن البرصاء س 469 بلاء ابن مكيث فى هذه الغزوة س 469 نجاء المسلمين بالنعم س 470 شعار المسلمين فى هذه الغزوة س 470 تعريف بعدة غزوات س 471 غزوة زيد بن حارثة إلى جذام- سببها س 472 تمكن المسلمين من الكفار س ص 473 شأن حسان وأنيف ابنى ملة س 474 قدومهم على الرسول وشعر أبى جعال س 477 غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بَنِي فَزَارَةَ وَمُصَابُ أم قرفة. بعض من أصيب بها س 477 معاودة زيد لهم س 477 شأن أم قرفا س 478 شعر ابن المسحر فى قتل مسعدة س 478 غَزْوَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ لِقَتْلِ الْيَسِيرِ ابن رزام س 478 مقتل اليسير س 479 غزوة ابن عتيك خيبر س 479 غَزْوَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ لِقَتْلِ خَالِدِ بن سفيان بن نبيح الهذلى مقتل ابن نبيح س 480 إهداء الرسول عصا لابن أنيس س 481 شعر ابن أنيس فى قتله بن نبيح س 481 غزوات أخر س 482 غزوة عيينة بن حصن بن العنبر من بنى تميم. وعد الرسول عائشة بإعطائها سبيا منهم لتعتقه س

ص 482 بَعْضُ مَنْ سُبِيَ وَبَعْضُ مَنْ قُتِلَ وَشِعْرُ سلمى فى ذلك س 483 شعر الفرزدق فى ذلك « 483 غَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَرْضَ بَنِي مرة. مقتل مرداس س 484 غزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل. إرسال عمرو ثم إمداده س 485 وصية أبى بكر رافع بن رافع « 487 تقسيم عوف الأشجعى الحزور بين قوم « 487 غزوة ابن أبى حدود بطن إضم قتل عامر بن الأضبط الأشجعى « 488 ابْنُ حَابِسٍ وَابْنُ حِصْنٍ يَخْتَصِمَانِ فِي دَمِ ابن الأضبط إلى الرسول س 490 موت محلم وما حدث له « 490 دية ابن الأضبط « 491 غزوة ابن أبى حدرد لقتل رفاعة ابن قيس الجشمي. سببها س 492 انْتِصَارُ الْمُسْلِمِينَ وَنَصِيبُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ مِنْ فىء استعان به على الزواج س 493 غَزْوَةُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إلَى دَوْمَةِ الجندل. شىء من وعظ الرسول لقومه س 494 تأمير ابن عوف واعتمامه ص 494 غَزْوَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ إلَى سَيْفِ البحر. نفاد الطعام وخبر دابة البحر س 495 بعث عمرو بن أمية الصمرى لقتال سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَا صَنَعَ فِي طَرِيقِهِ. قدومه مكة ونعرف القوم عليه س 496 قتله أبا سفيان وهربه « 497 قتله بكريا فى غار « 497 سرية زيد بن حارثة إلى مدين بعثه هو وضميرة وقصة السبى « 498 سَرِيّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ لِقَتْلِ أَبِي عَفَكٍ. سبب نفاق أبى عفك « 499 قتل ابن عمير له وشعر المزيرية « 499 غَزْوَةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ الْخِطْمِيّ لِقَتْلِ عَصْمَاءَ بنت مروان. نفاقها وشعرها فى ذلك س 500 شعر حسان فى الرد عليها « 500 خروج الخطمى لقتلها « 500 شأن بنى خطمة « 501 أسر تمامة بْنِ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ وَإِسْلَامُهُ وَالسّرِيّةُ الّتِي أَسَرَتْ تمامة بن أثال الحنفى. إسلامه س 502 خروجه إلى مكة وقصته مع قريش س

ص 503 سرية علقمة بن محرز. سبب إرسال علقمة س 503 دعابة ابن حذافة مع جيشه س 504 سَرِيّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ لِقَتْلِ الْبَجَلِيّينَ الّذِينَ قتلوا يسارا شأن يسار س 504 قتل البجليين وتنكيل الرسول بهم س 505 غَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ س 505 بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ وهو آخر البعوث 506 ابْتِدَاءُ شَكْوَى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم. بدء الشكوى س 507 تمريضه فى بيت عائشة س 507 حجة الوداع 511 بعث أسامة 512 عدة الغزوات 513 إرْسَالُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الملوك. الحواريون 513 منى المسيح ونهايته 514 أسطورة زريب 516 رسوله إلى النجاشى وقيصر 517 رسوله إلى المقوقس 519 رسوله إلى المنذر بن ساوى 520 مفتاح الجنة ص 521 عمرو والجلندى 522 شجاع وجبلة 523 المهاجر وابن كلال 524 غزوة عمر 525 ذكر غزوة ذات السلاسل 526 حرقة 527 أنساب 528 حديث أم قرفة 529 غزوة أبى حدرد 529 ثمامة بن أثال 530 مَا زَادَهُ ابْنُ هِشَامٍ مِمّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابن إسحاق 532 عن خبيب بن عدى 533 ذِكْرُ أَزْوَاجِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّهَاتِ المؤمنين. أسماؤهن س 533 زواجه بخديجة « 534 «بعائشة « 534 «بسودة « 535 «بزينب بنت جحش « 535 «بأم سلمة « 535 «بحفصة « 536 «بأم حبيبة « 536 «بجويرية « 537 «بصفية « 538 «بميمونة « 538 «زينب بنت خزيمة «

ص 539 عدتهن وشأن الرسول معهن س 539 تسمية القرشيات منهن « 540 تسمية العربيات وغيرهن « 541 غير العربيات « 541 تمريص رسول الله فى بيت عائشة. 541 مجيئه إلى بيت عائشة « 541 شدة المرض وصب الماء عليه « 541 كلمة النبى واختصاصه أبا بكر بالذكر « 542 أمر الرسول بإنفاذ بعث أسامة « 543 وصية الرسول بالأنصار « 543 شأن اللدود س 544 دعاء الرسول لأسامة بالإشارة « 545 صلاة أبى بكر بِالنّاسِ « 546 الْيَوْمُ الّذِي قَبَضَ اللهُ فِيهِ نَبِيّهُ « 548 شأن العباس وعلى « 548 سواك الرسول قبيل الوفاة « ص 549 مقالة عمر بعد وفاة الرسول س 550 موقف أبى بكر بعد وفاة الرسول « 551 أمر سقيفة بنى ساعدة. تفرق الكلمة « 551 ابْنُ عَوْفٍ وَمَشُورَتُهُ عَلَى عُمَرَ بِشَأْنِ بَيْعَةِ أبى بكر « 552 خطبة عمر عند بيعة أبى بكر « 555 تَعْرِيفٌ بِالرّجُلَيْنِ اللّذَيْنِ لَقِيَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فى طريقهما إلى السقيفة « 555 خُطْبَةُ عُمَرَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ الْبَيْعَةِ العامة « 556 خطبة أبى بكر « 557 جهاز رسول الله (ص) ودفنه. من تولى غسل الرسول « 558 كيف غسل الرسول؟ « 558 تكفين الرسول « 559 حفر القبر « 559 دفن الرسول والصلاة عليه « 560 دفن الرسول « 560 من تولى دفن الرسول « 561 أحدث الناس عهدا بالرسول « 561 خميصة الرسول « 562 افتتان المسلمين بعد موت الرسول « 563 شِعْرُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي مَرْثِيّتِهِ الرّسُولَ «

§1/1