السيوف البواتر لمن يقدم صلاة الصبح على الفجر الآخر
عبد الله بن عمر الحضرمي
مقدمة المحقق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة المحقق الحمد لله الذي أنزل الهدى وجعل له أعلاماً تدل عليه، وانتدب لشريعته حراساً أمناء ينفون عنها دعوى المبطلين، وبدع الغالين، ينافحون عن دين الله ولا يخافون في الله لوم اللائمين، ولا يخذلهم عن نصرته شبه المشككين، وتثبيط المتقاعسين، فلا يزالون على محجة الدين البيضاء وطريقته السمحاء، يردون إليها الزائغين، ويدعون إليها المتنَكبين، مقتفيين في ذلك سيرة إمام المتقين، وخيرة الدعاة العاملين، وسيد عباد الله الصالحين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فإني أضع بين يديك - أخي القارئ الكريم - رسالة أنشأَها مؤلفها ليردَّ أناساً إلى الجادة، بعد أن حادوا عن الرسم الذي خطه الشارع في ميقات صلاة الفجر وهو رؤية الفجر الصادق إلى اللهث خلف النجوم والمنازل طالعها ومتوسطها وغاربها، وأَلقوا على عاتقهم مشقةً لم يُؤْمروا بحملها فبعُدوا عن الحق، وانتهى بهم هذا
الشطط إلى تقديم أذان الفجر على موعده، فصلى المصلي الفجر قبل طلوع الفجر الصادق، ومُنع الصائم من الطعام والنكاح، والقائم من القيام، وتمادوا في ذلك الخطأ بل وشنَّعوا على من أنكر فعلهم، وقد عمَّت هذه الفتنة الكثير من بلاد اليمن، وأشهر من تصدّى لها وكتب فيها - فيما أعلم - من اليمن الشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسعي (¬1)، ومن حضرموت العلامة عيدروس بن أحمد بن شهاب (¬2) والمؤلف العلامة عبد الله بن عمر بن يحيى، وقد رأيت في كتاب ابن يحيى - الذي أضعه بين يديك - من الفوائد الفقهية والأصولية في باب المواقيت ما يستحق به الخروج من مكامن النسيان ورفوف الإهمال إلى أيدي الباحثين من حاسبين وفقهاء على وجه سواء، وسيوافق فيما أتوقع حاجة لديهم على اختلاف اهتماماتهم، لأن المؤلف تجاوز فيه حدود النصِّية الضيقة إلى أفق الاستنتاج ¬
والتأصيل الفقهي، وإنني إذ أُسهم في نشر هذا الكتاب الذي يعالج خطأً وقع في زمن مضى ولا أظن أحداً يتمسك بهذا الخطأ في زماننا هذا، وأن المؤلف قد وضع بديلاً عنه اعتماد " ثُمُن الليل " حصة للفجر، وهذا أيضاً غير دقيق، ويُوقِع في خطأ التقديم الذي حذّر منه، لكنني وجدت في ما ورد في الكتاب من نصوص واستنتاجات وقواعد فقهية وأصولية في المواقيت كفيلة - كما أتصور - بتبصرة من يبحث عن الصواب في دخول وقت صلاة الفجر الذي تَبايَنَت فيه التَّقاويم المعاصرة المعمول بها في أقطار العالم الإسلامي أيَّما تباين، ولعلّي بهذا العمل أُسهم في تسليط الضوء على نتاج القُطر الحضرمي في علم الميقات والفلك والفقه، فالكتاب كثير المصادر، وفيه ذكر لمؤلفين وكتب أَزمعت على الرحيل إلى عالم النسيان وغياهب النكران، بل إن المؤلف وهو علم من أعلام قطره ولم ينأَ عنا عصره بعدُ نجد تخبطاً في تاريخ وفاته، وصعوبة في جمع آثاره، وتقصِّي أخباره، ولا تزال هناك العديد من الأعمال الحضرمية تنتظر إنقاذها من فك الإهمال والضياع.
وقد صدّرتُ الكتاب بمقدمة تضمنت ثلاثة فصول: الفصل الأول: تعريفٌ بالمؤلف: (اسمهُ ونسبهُ، وكنيتهُ ولقبهُ، ونشأتهُ وطلبهُ للعلم، وشيوخُه، وبعضُ أقرانهِ وأصحابِهِ، ومذهبهُ العَقدي والفقهي، وطرفٌ من سيرته، وثناءُ الناس عليه، ومكانَتُه العلمية، وتلاميذُه، وأولاده، ومؤلفاتُه، ووفاتُه، وبعضُ الملامح السياسية والفكرية لعصره. الفصل الثاني: تعريفٌ بالكتاب: (عنوانُ الكتاب، وتوثيقُ اسم الكتاب، ونسبتُه إلى المؤلف، وسببُ تأليفه، وموضوعاتُ الكتاب ونظامُ ترتيبه، ومنهجُ المؤلف وأسلوبُه في الكتاب، ومصادرُ الكتاب، وتقييمُ الكتاب وذكرُ محاسنه، ورسالةُ بلفقيه التي يرُدُّ عليها الكتاب، وعلاقةُ المؤلف ابن يحيى بمؤلفِ «الرسالة» بلفقيه، واستعراضُ رسالة بلفقيه الموسومة «السيف البتَّار لمن يقول بأفضليّة تأخير صلاة الصبح إلى الإِسفار»، والتعريفُ بابن شهاب مؤلف «الرسالة»
التي يؤازرها الكتاب، واستعراض رسالة ابن شهاب «القول الصادق في بيان الفجر الصادق المعترض وإِدحاض كلام المعترض». الفصل الثالث: وصفُ النسخة الخطية، وعملي في التحقيق. واللهَ أَسأَل أن ينفع به الجميع، وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين. صالح بن عبد اللاه بن حسن بلفقيه [email protected] اليمن - حضرموت - تريم 29/صفر الخير 1429هـ 7/ 3/2008م
الفصل الأول: التعريف بالمؤلف
الفصل الأول: التعريف بالمؤلف اسمه ونسبه هو عبدُ الله بن عمر بن أبي بكر بن عمر بن طه بن محمد بن شيخ بن أحمد بن يحيى بن حسن بن علي بن علوي بن محمد (مولى الدَّويلة) بن علي بن علوي بن محمد (الفقيه المقدم) بن علي بن محمد (صاحب مرباط) بن علي (خالع قَسَم) بن علوي بن محمد بن علوي بن عُبيدِ الله بن أحمد (المهاجر إلى الله) بن عيسى بن محمد بن علي (العُرَيْضِي) بن جعفر (الصادق) بن محمد (الباقِر) بن علي (زين العابدين) بن الحسين بن فاطمة (الزهراء) بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (¬1). ¬
كنيته ولقبه
كنيته ولقبه لم أقف على كنيته، وابنه العلامة (عُمَر) أكثر أبناءه علماً وفضلاً، ويُلقَّب مؤلفنا (بصاحب البقرة) وستأتي قصة هذا اللقب، كما أنه أحد العَبادلة السبعة الحضرميين (¬1) الذين عاشوا في عصر عُرف في تاريخ حضرموت بهم (عصر العبادلة). ¬
نشأته وطلبه للعلم
نشأتهُ وطلبهُ للعلم وُلِدَ بقريةِ (المَسِيْلَةِ) التي يسميها البعض بـ (غُرَف آل شيخ) (¬1)، وتقع قرية (المَسِيْلَةُ) جنوب مدينة تريم بوادي حضرموت، وكان ميلاده بها ليلة الجمعة 20 جمادى الأولى سنة 1209هـ (¬2)، الذي يوافق 12 ديسمبر 1794م. ووالده السيد الصالح عمر بن أبي بكر بن ¬
عمر بن يحيى (¬1)، ووالدته السيدة الشجاعة خديجة بنت حسين بن طَاهِر (¬2)، وآل طَاهِر أخواله وأخوال أبيه، وقد تولى تربيتَهُ وتأديبَهُ وتعليمَهُ مع أبيه خالاه العالمان طاهر وعبد الله بن حسين بن طاهر، ولازال المؤلف مُنْصَاعاً لتوجيهاتِ خاليه حتى بَعْدَ أن صار كبيراً (¬3)، فمؤلفنا إذن تَرَعْرَعَ في ما يمكن أن نسميها (المدرسةَ الطَّاهِريَّةَ) التي كان يديرها خاله العلامة طاهر بن حسين بن طاهر (¬4)، ومن سمات هذه المدرسة: الجمع بين الخَلْفِيَّة الفقهية الشرعية والعقيدة ¬
السنية والرِّيادة السياسية والإِرادة الجَهَادية والاعتزازُ بالنسبة العَلَويَّة والزُّهد في الحياة الدنيوية، وقد تركت هذه المدرسة بصماتٍ واضحةً في شخصية المؤلف وسلوكه. وقد تحدث المؤلف عن اجتهاده زمن الطلب فقال: " كنتُ في أيام الصغر أقرأُ على خالي طاهر بن الحسين في «فتح الجَوَادِ شرح الإِرْشَاد» وأطالع عليه بقية شروحه المجتمعة عندي «كالإِمْداد» و «الإِسْعاد» و «التمشِيَة» وغيرها مع «التُّحفة» و «النهاية» و «المُغْنِي» وغيرها، وكنت أحفظ جميع ما يقرره ويتكلم به خالي طاهر في المدرس، في قراءتي وقراءة غيري من الطلبة وكنت أُدِيمُ المطالعةَ في الليل حتى اَسْتَوعِب الليلَ فيها، وقد تجيءُ بعض الأحيان الوالدةُ - رحمها الله - فتأخذ السراجَ من عندي قهراً شفقةً منها عليَّ من كثرةِ السهرِ ومواصلتِهِ " (¬1)، وكان له في صغره مجاهدات، فكان كثير الصلاة يطيلها، مواظباً على قيام الليل (¬2). ¬
شيوخه
شيوخه سمى المؤلفُ الكثيرَ من شيوخهِ (¬1) ومن هؤلاء المشايخ: والدِهِ، وخالَيْهِ طاهرٍ وعبدِ الله ابني حسين بن طاهر (في المَسِيْلَة) (¬2)، والعلامتين عمر وعلوي ابني أحمد بن حسن ابن العلامة عبد الله بن علوي الحَداد، والعلامة عبد الله بن أبي بكر بن سالم عَيْدِيْد (في تَريم)، والعلامة علوي بن سقاف بن محمد السقاف الصَّافي (في سَيئون)، والعلامة عبد الرحمن بن حامد بن عمر، والعلامة أحمد بن عمر بن سُمَيط (¬3)، والعلامة سقاف بن ¬
محمد الجِفْرِي (في تَرِيْس)، وسيد وادي حضرموت في زمانه (¬1) العلامة الحسن بن صالح البحر الجِفْرِي في (ذِي صَبَح) (¬2)، والعلامة الحسين بن حسن بن أحمد العيدروس (في الريضة)، والعلامة عبد الله بن أحمد باسَودَان (في دُوعَن) (¬3)، وعن العلامة حسن بن عبد الله العَمُودِي، والعلامة محمد بن سالم الجِفْري (ساكن قَسَم)، وعن العلامة علوي بن محمد بن سَهل (ساكن مليبار) (¬4)، ¬
وعن العلامة عبد الله بن سَعْد بن سُمِير (¬1)، وأخذ (في مكة) عن العلامة عقيل بن عمر بن يَحْيى، وعن العلامة عمر بن عبد الكريم بن عبد الرسول العطَّار (¬2)، وفي (زبيد) أخذ عن العلامة عبد الرحمن بن سليمان الأَهْدل (¬3)، والعلامة يوسف بن محمد البطَّاح الأهدل (¬4). ¬
وله غير هؤلاء من الشيوخ من أهل حضرموت واليمن والحرمين ومصر. وقد تلقَّى عن هؤلاء الشيوخ علم التفسير والحديث والفقه والتصوف وعلوم الآلة. وإلى جانب تلقِّيه عن هؤلاء الشيوخ الأجلاء، كان شغوفاً بالكتاب حريصاً على اقتناءِه كثيرَ القراءة (¬1) دائمَ المطالعةِ (¬2)، وقد مكَّنتهُ كثرةُ قراءته من تجاوزِ قيودِ عصره وبُعد موطنه والعوم بمهارة في بحور العلوم المختلفة، من تفسير وحديث ¬
وفقه وفلك ولغة. ويَشْهدُ على سعةِ اطلاعهِ كثرةُ مراجعهِ وتنوعها، فمراجع هذه النُّبذة اللطيفة التي بين أيدينا تجاوزت المائة مرجعاً. وقد خلَّف وراءَه مكتبةً عظيمةً من المخطوطاتِ، - رغم ما أصابها من ضياعٍ - المحفوظ منها في مكتبة الأحقاف للمخطوطات بتريم يشكِّل أكبر المجموعات المكتبِيَّة التي تكونت منها مكتبة الأحقاف للمخطوطات، كما إن جزءاً من مخطوطات مكتبة المؤلف نُقلت من قصر (المنيصُورة) بتريم (¬1) إلى مركز النور للدراسات والأبحاث. ¬
بعض أقرانه وأصحابه
بعض أقرانه وأصحابه كانت للمؤلف مصاحبةً للسيدين محسن بن علوي السقاف (¬1)، ومحمد بن حسين بن عبد الله الحبشي (¬2)، والمطالع لمكاتبات وخطابات المؤلف المنثورة والمنظومة يجد أن للمؤلف علاقة حميمة بالسيد أحمد بن محمد المحضار بن الشيخ أبي بكر بن سالم (¬3) (صاحب دَوعَن)، والسيد حسين بن عبد الرحمن بن سهل (¬4)، ¬
مذهبه العقدي والفقهي
والسيد عمر بن علي بن هارون الجُنيد (¬1)، والسيد علوي بن محمد بن سَهْل، والعلامة أحمد بن عمر بن سميط، والسيد أبي بكر بن محمد المشهور، والشيخ سالم بن عبد الله بن سُمِير، والشيخ عبد الله بن زين بن هادي باسلامة. مذهبه العقدي والفقهي يُرغِّب المؤلف في وصاياه على حفظ متون من العقائد كجوهرة التوحيد، والعشرين صفة وأضدادها، وكان يرى في هجرة المهاجر أحمد بن عيسى بن محمد بن علي العُريضي من البصرة إلى حضرموت إنقاذٌ لفرع العترة الطاهرة من الوقوع في مستنقع الرَّفض، ويرى في هذه منَّة على العلويين لجدهم المهاجر أحمد بن عيسى (¬2). وكان المؤلف ¬
شافعي المذهب كأهل حضرموت، وهو أحد مفتييها البارزين، وكثيراً ما يُحِيلُ في فتاواه إلى كتب الإمام النووي والشيخ زكريا الأنصاري وابن حجر الهيتمي، وكان يقول: " كلُّ مؤمن يلزمه أن يكون تحت إشارة الشرع كالميت بين يدي الغاسل، يعزل عن إشارة الشرع رأيه ورأي كل عاقل " (¬1). ويقول أيضاً: " الخير كله في الإتباع، والشر كله في الابتداع. " (¬2)، وكان له عناية بكتب السلوك ويوصي بقراءة «بداية الهداية» و «الإحياء» للغزالي، وكتب العلامة عبد الله بن علوي الحداد مثل: «النصائح الدينية» و «رسالة المذاكرة والمعاونة». وكان عظيم المحبة لأهل البيت النبوي خاصة آل أبي علوي، مجتهداً في ضبط وحفظ أنسابهم وسيرهم داعياً لطريقتهم. (¬3) ¬
طرف من سيرته
طرفٌ من سيرته عاصر المؤلف في مطلع حياته الفوضى السياسية التي شهدتها حضرموت، حتى قسمت أحياء مدينة تريم بين سلاطين قبيلة يافع المتصارعين على حكم المدينة، وخاف الناس على أموالهم وأعراضهم، وتعطلت مصالحهم، وكان لا بد من سعي أهل الحل والعقد للخروج من هذه الفتنة، بإقامة دولة قوية توحِّد البلاد وتضْمن أَمْنها واستقرارَها، وكان من عادة العلويين النَّأْي بأنفسهم عن طلب الحُكم لأنفسهم، ولكن مع ازدياد الأوضاع سوءاً وضعف النَّد القبلي الذي يمكن أن يواجه قبائل يافع المتشرذمة والمُتَسلطة، كان خروجاً غير مألوف للعلويين بقيادة العلامة طاهر بن حسين بن طاهر (خال المؤلف)، فدعا المؤلف لمبايعة خاله أميراً للمؤمنين على حضرموت عام 1224هـ، وكان للمؤلف رغم حداثة سنة مشاركة فاعلة، وقد لمع اسمه بين قادة هذه الثورة، وهو من الموقعين على أول اتفاقية بين العلامة طاهر والسادة العلويين الحضارم الذين بايعوه على المؤازرة في
شهر ذي الحجة سنة 1225هـ (¬1). ورغم أن هذه الإمارة لم تستمر طويلاً إلا إنها أوقدت في نفس المؤلف وجوب حمل هَمَّ الأُمة، ومقارعة الحكام المستبدين وضرورة قيام العلماء بواجب المشاركة في الحياة السياسية، والنصيحة للحاكم، وبعد فشل الثورة ظل المؤلف مكافحاً للحكومة الظالمة، منافحاً عن أحكام الشريعة، يحرض بشعره ورسائله على الثورة ضد الحكام الظلمة من آل يافع في مثل قصيدته التي أسماها (إشعال القبس وتحميس من لا يحمس) والتي مطلعها: إلى متى الدمعُ مسكوبٌ من البرحا ... والقلبُ من زفراتِ الحزنِ ما بَرِحَا (¬2) همٌ وغمٌ وإذلالٌ ومنقصةٌ ... والدهرُ مازال سيفَ البَغْيِ مُتَّشِحا وقد تعرض بسب ذلك للأذى والتهديد والوعيد، بل وتعرض لمحاولة اغتيال - كما سيأتي - مما اضطره للهجرة إلى مدينة ¬
الشحر في ساحل حضرموت سنة 1238هـ، وقد شق عليه فراق موطنه فأنشأ يقول وهو يحزم أمتعته: رَعَى اللهُ رَبْعاً نَشَأْنَا بِهِ ... وَذُقْنَا حَلاوَةَ أَتْرَابِهِ (¬1) ثم سافر إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج سنة 1240هـ (¬2)، وقد توالت أسفارُه فزار اليمن ومصر والشام والهند وجاوة وفي أشعاره ما يدل على انه كان في اندونيسيا سنة 1249هـ (¬3)، وكان سفره طلباً للعلم وللدعوة والعلاج، وكان يحب السياحة (¬4)، وقد كتب كثيراً من فتاويه في تلك البلاد، ودخل الإسلام على يديه خلق كثير، واشتهر في تلك الأقطار بأنه الفقيه الشجاع الذي لا يتردد في إنكار المنكر ولو كلَّفه ذلك حياته، وله في تلك الأسفار قصص وأخبار سنسوق طرفاً منها، ورغم كثرة أسفاره ظل مشدوداً إلى موطنه ¬
الذي يراه موطناً زاخراً بالصالحين والأخيار والزهاد وبيئة للعبادة والطاعة (¬1)، وكانت رسائل خاله عبد الله بن حسين بن طاهر التي يبعثها إليه من حضرموت تشدُّ حبل أسفاره إذا طال. وظل المؤلف وفياً لأهله ووطنه ساعياً في إصلاحهما، فنجده في شهر ذي القعدة سنة 1251هـ يوقع مع السيدين العلويين محسن بن علوي بن سقاف السقاف ومحمد بن حسين بن عبد الله الحبشي ميثاق (تظاهر وموازرة) تَحالَفَ فيه الثلاثةُ على الدعوةِ إلى الله في وادي حضرموت عامة وبين صفوف العلويين خاصة، وإرشاد الناس إلى العلم والعمل بما جاء به الشارع، وأن يتحرُّوا في عاداتهم متابعته صلى الله عليه وسلم، وأن يمضُوا في هذا الأمر الشريف والمقصد المنيف، لا يصدهم عنه صادٌ ولا ذو عنادٍ إلى أن يلقوا رب العباد انتهى. (¬2) ¬
لم أعثر على التاريخ الذي عاد فيه إلى حضرموت، لكنه كان بحضرموت سنة 1261هـ (¬1)، ويظهر أنه لم يغادرها بعد هذا التاريخ، واشتغل بالفتوى الكتابة، وألف في هذه السنة - أي سنة 1261 هـ - الكتاب الذي بين أيدينا. وظل يبذل ما في وسعه لاستقرار البلاد وصلاح أحوالها، فنجده يرعى في سنة 1662هـ اتفاق صلح بين حكام تريم المتصارعين من قبيلة آل يافع، وهم بنو الدُّولة آل عبد الله وعبد القوي غرامة، الذين خرجوا مع جماعة من سادة تريم، فيهم السيد الثري حسين بن عبد الرحمن بن سهل قاصدين المؤلف للصلح بين الحكام المتصارعين، فوفق الله المؤلف لذلك، وعاد الجَمْع إلى تريم يحملون شارات الفرح ¬
ويرددون أهازيج الفرح (¬1). لكن الأحوال السياسية لم يطل استقرارها فاضطربت مرة أخرى، فكتب في 19 ذي الحجة سنة 1262هـ إلى السلطان غالب بن محسن الكثيري يحضه على كبح سلطة آل يافع المتشرذمة في تريم، وأن يصلح نيته في ذلك لنصرة الشريعة، وإنفاذ أحكامها في إزالة المنكرات، وإحياء السنن والواجبات، لينال بذلك أعلى المقامات في الدارين، وأن يتخذ له بطانة من أهل العلم والصلاح، وسمى له الشيخ الفاضل سالم بن عبد الله بن سُمِير (¬2). فأجابه السلطان إلى ما دعاه إليه، وكتب الله للسلطان النصر على يافع وضم تريم إلى السلطنة الكثيرية، وظل السلطان غالب وفياً للمؤلف ممتناً له على نصحه ودعمه، ويقول في ذلك: " أني لم أنَلْ ما نلتُه من الملكِ والولايةِ والسلطنة بعد تقدير الله إلا بواسطته " (¬3). ¬
صاحب البقرة
وبقي المؤلف - رحمه الله - في حضرموت يصابر المرض حتى توفاه الله سنة 1265هـ. ورغم قصر حياة المؤلف إلا أن حياته كانت حافلة بالإنجازات وظلت حكاياته ومواقفه حديث الناس زمنا، وقد ظفر بعضهم بحظٍ وافرٍ منها، مثل السيد علوي بن عبد الرحمن المشهور (¬1). وفيما يأتي طرفاً من أخباره وبعضاً من أحواله: صاحب البقرة دخل المؤلف إلى الهند داعياً إلى الله ناشراً لدين الإسلام، وقد لقي في الهند ملوكَها وأعيانَها، فلقي منهم قبولاً، وقد عُرضت عليه أحوالُ بعضِ أهل الطرائقِ المقربين عند ملك حيدر أباد، فأنكرها وردَّها عليهم رد المفتي الذي يقف عند حدودِ الشَّرع لا يلتمس تأويلاً لأحد كائن من كان، لكن هذا السلوك التَّقي وتلك الفتاوى الجريئة ¬
لم ترقْ لأولئك القوم، فكادُوا للعالم الداعية، ودسوا له سماً ناقعاً انتشر في جسمه وكاد أن يُؤدِي بحياته لولا رعاية الله ولطفه ثم عطْف ملِك (حَيْدَر أَبَاد) المضِيف، الذي سخَّر له حُذَّاق الأطباء الهنود الذين عكفوا على علاجه حتى مَنَّ الله عليه بالشفاء، وأَهْدَى له ملك حيدر أباد بقرة هندية فريدة، يقال إن الأطباء وصفوا له حليبها لطرح ما بقي من سُم في جسمه، ولعل المؤلف طلب البقرة أو قَبِلها هديةً لأن في حليبها غذاء وشراب يغنيه عن أكل وشرب ما يمكن أن تصل إليه أَيادِي الأعداء المتربصين به في تلك البلاد ريثما يغادرها، لكن البقرة المحظوظة ظلت تلازمه في أسفاره البرية والبحرية زمناً طويلاً، حتى نُسب إليها وعُرف في تلك الجهات بها (صاحب البقرة) (¬1). ¬
القوات الهولندية تحاصر المؤلف وتحاول أسره (قصة باكلنقان)
القوات الهولندية تحاصر المؤلف وتحاول أَسرهُ (قصة باكلنقان) ظلت روحُ الجهاد ومُقارعة الظلمةِ التي حملها من حضرموت تلازمهُ، فحين وطِئَت قدمُه جزيرة جاوة المحتلة من قبل الهولنديين لم يحتمل رؤية المحتل الهولندي، وهو يسرحُ ويمرحُ في أرض المسلمين، فذهب يُفتي بأن: لا حق للكفار في أرض المسلمين، وما إن بلغ قواتَ الاحتلال الهولندي نشاطُهُ التحريضي؛ حتى لاحقته وانتهى الأمر بمحاصرته في أحد البيوت المطلة على البحر سبعة أيام، لكن المؤلف استطاع بعَون الله أن ينجو بنفسه وصاحبه بأُعجوبة في الليل من جهة البحر باستخدام سفينة شراعية. (¬1) وكان المؤلف قد تلقى بحضرموت ¬
درساً مشابها لهذا، حين أرسل السلطان عبد الله بن عوض غرامة جنوده إليه ليأتوا به حياً أو ميتاً، وتوعَّدهم بالقتل إذا لم ينجحوا في مهمتهم، فدخلوا قرية المسيلة وضربوا حصاراً محكماً على بيت المؤلف
يريدون القبض عليه، فاستأذن أمه في الخروج إليهم فشدت على يديه قائلة له: " وهل في مثل هذا استئذان؟ إن أصحاب رسول الله يسافرون ويغزون طلباً للشهادة، وقد جاءتك إلى باب بيتك فاخرج متوكلاً على الله ناصراً لدين الله " (¬1). فبرز لهم بشجاعة فذلُّوا واستطاع الخلاص منهم. ويذكرنا موقف هذه الأم (الطاهرية) بموقف سيدتنا أسماء بن أبي بكر الصديق حين استأذنها ابنها سيدنا عبد الله بن الزبير في البروز للحجاج بن يوسف الثقفي (¬2). ¬
مناظرة بين المؤلف وعالم مكة وشريفها حول مشروعية التدخين
مناظرة بين المؤلف وعالم مكة وشريفها حول مشروعية التدخين حين وصل المؤلف إلى مكة رأى عالماً من كبار علمائها وشريفاً من شرفائها المشهورين يتعاطى شرب الدُّخان، فلم يتردد المؤلف في الإنكار عليه بل زجره قائلاً: هذا لا يليق بمنصب العلم الشريف، وهذه بدعة خبيثة تأباها النفوس المضيئة والطباع السليمة، فردَّ عليه ذلك العالم قائلاً: أنتم تقولون بقهوة البُن وهي بدعة كذلك، فقال المؤلف: لا بأس، سنخرج أنا وأنت إلى حجر الكعبة، وأخرج بالقهوة وأشربها في الحِجر، وتخرج أنت بالتنباك والحقة وتشربها في الحِجر، ومن أنكر عليه المسلمون فهو المخطئ، ومن قبَّحوا شرابه فهو القبيح. فكان جوابه مسكتاً وحجته دامغة. (¬1) ¬
المؤلف يحارب المعازف واتخاذ الصور والتزيي بزي الكفار
المؤلف يحارب المعازف واتخاذ الصور والتزيي بزي الكفار وكانت للمؤلف غَيرة العلماء العاملين على حرمات الله، وله في ذلك مواقف، منها أنه سمع أحدهم يعزف بالعود فتتبع الصوت حتى وقف على العازف وعوده فنزعه منه وكسَّره. وكانت له جرأة في إنكار اتخاذ الصور والتماثيل في البيوت، وتأخذه عند رؤيتها غَيرة شديدة، فعند ما دخل على العلامة علوي بن سهل في الهند رأى في بيته صوراً - كان قد أهداها له بعض الكفار - فتغيَّر وجه المؤلف فرأى العلامة علوي الإنكار في وجه المؤلف، فقال له: " مرادنا أن يكون تغيير هذا المنكر على يديك ". ودفع إليه الصور فكسرها المؤلف تكسيراً. (¬1). وللمؤلف رسالة مخطوطة محفوظة بعنوان: «أسئلة حول من يذكرون الله قياماً وقعوداً وبأنغام الموسيقى». وكان يتأمل لباس وشعر من يلقاه خاصة من الشباب (¬2)، وينكر على من يرى في ¬
المؤلف والصلاة
لباسه تشبهاً وتقليداً للكفار، وله رسالة مستقلة في التحذير من موالاة الكفار أسماها: «السيف البتار فيمن يوالي الكفار ويجلب الحوائج إليهم». المؤلف والصلاة كان للمؤلف - رحمه الله - اعتناء عظيم بالصلاة؛ كونها أحد أعظم أركان الإسلام، وصفة صلاته مضرباً للأمثال في زمانه في هذه الجهة (¬1)، فهذا عقيلٌ ابنُه يصف حال أبيه مع الصلاة فيقول: " وكان له الاعتناء التام بالصلوات الخمس وسائر الصلاة نفلها وفرضها، وإذا دخل الصلاة لا يشعر بنفسه ولا بمرضه فضلاً عن غير ذلك، وكنا نعرف أن أكبر لذاته وأعظم راحاته في الصلاة، وكان - رحمه الله - يقول: " لم تبقَ راحة في الدنيا إلا الصلاة، وأخشى أن لا أُوجر فيها؛ لأنه لم يبقَ لي ما أستريحُ به في الدنيا غيرها "، وكان معتنياً غاية الاعتناء بالصلاة أول الوقت، يُحِبُّ السَّاعَاتِ يَجْمَعُهَا عنده؛ لأجل حَزْرِ أول دخول الوقت، ويبقى منتظراً دخول الوقت أعظم من ¬
انتظار العطشان الماء، ويحصل له بدخول وقت الصلاة الابتهاج والانشراح ما لم يعهد قبل ذلك، وكان يأتي بالصلاة على الوجه الأتم الأكمل، وضبطتُ صلاته الرباعية تستغرق مقدار ثلثي ساعة بالساعة الفلكية، هذا مع كونه إماماً بناس غير محصورين " (¬1). وقد كان في أول حياته يستغرق في صلاته استغراقاً كلياً، فيظل - رحمه الله - قائماً أو راكعاً أو ساجداً حتى خِيف عليه من الإعياء والإنهاك، فجعلوا له من يذِّكره إذا طال قيامُه، يقول له: ركوع، وإذا طال سجوده، يقول له: جلوس وهكذا (¬2)، وقد كان في صحته يقوم من الليل، ¬
وربما قامَهُ كلُه حتى تتورم قدماه (¬1)، ويطيلُ القراءة في صلاة الصبحِ يمكث فيها قدر ساعةٍ كاملةٍ (¬2)، وفي الرباعية قدر ثلثي ساعة (¬3). ولم يعهد منه - رحمه الله- رغم جميع أمراضه الشديدة إلا الصلاةَ من قيام فرضها ونفلها، وكان يقول لأبنائه: " ما أحب البقاء في الدنيا إلا للصلاة وخصوصاً صلاة الليل، وللدعوة إلى الله تعالى، ولتعليمكم " (¬4). وقد ألف - رحمه الله - في الصلاة للمبتدئ رسالة صغيرة ومطوية لطيفة يسهل تداولها، وقد رام أن تكون فيها نجاة له من الغرق في بحر الكفر والفسوق والعصيان فسمها «سفينة الصلاة». ¬
وفشا في زمانه تقديم صلاة الفجر على وقتها الذي سماه الشارع؛ تساهلاً منهم وتمادياً في اقتراف الخطأ، وأنفة من الرجوع إلى الحق، وفي ذلك يقول: " غلب على الناس التساهل في أمور دينهم، حتى أنه يسهل على بعضهم ارتكاب المحذور ولا إظهار خلل في نفسه، وقد صلى بالناس سيدنا أبو موسى الأشعري في المسجد النبوي صلاة الفجر، فلما خرج الناس تبين له أن الصلاة قبل طلوع الفجر، فناداهم من بيوتهم وصلى بهم ثانياً، ثم خرجوا ولم يظهر له الفجر فناداهم وصلى بهم ثالثاً. واليوم من صلى هوَّ وأَحدٌ قبل الوقت، شق عليه أن يخبره بذلك؛ لئلا يظهر الخلل من نفسه، وهذا كله من مكائد الشيطان " (¬1). ونرجو أن يكون المؤلف - رحمه الله - قد أدى ما عليه من واجب النصيحة للمقدمين صلاة الصبح عن وقتها الشرعي في حضرموت في زمانه حين ألَّف هذا الكتاب الذي بين أيدينا، وحين رأى الناس يؤدون الصلاة على عجل وتطفيف، مدّعين أن صنيعهم هذا من باب التخفيف، خاطبهم بقوله: " انظروا إلى الصلاة التي هي رأس الإسلام، هل يصلونها كما أمر سيد الأنام بقوله: " صَلُّوا كَمَا ¬
كرمه وزهده
رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " (¬1)؟، أم يصلونها على مُقتضى الهوى والغفلة والتطفيف الذي يسمونه التخفيف، يزيدون بهذه المقالة معصية، هي الكذب على سيد الورى " (¬2). كرمه وزهده وُصف المؤلف بأنَّه كان كريم الأخلاق، سخياً مِضيافاً (¬3)، عاد من جاوة بمائة ألف ريال، وحين وصل إلى حضرموت أفناها في وجوه الخير ولم يبقِ منها شيئًا. ولما أحسّ بِدُنُوِّ أجله جمع ورثته وقال لهم: " لعلكم ترون ما أنا فيه من الظهور، فتظنون أنني خلفت شيئًا من الذهب والفضة، فليس معيَّ شيءٌ من ذلك " (¬4). وبعد ¬
ثناء الناس عليه
وفاته قُسمت تركته، فلم تتجاوز حصة الولد من التركة أربعين ريالاً. (¬1) ثناء الناس عليه قال عنه العلامة عيدروس بن عمر الحبشي: " شيخُنا بل شيخُ الشريعة وإمامُها، وحَبْرُ الطريقة وهُمامُها، الداعي إلى الله بفعلِهِ وحاله ولسانه، المناضلُ عن دينِ الله بسرهِ وإعلانِهِ " (¬2). ووصفه أيضاً بأنه: واحد من نقوة السادة العلويين الحضرميين في عصره. (¬3) أما المؤرخ ابن حميد الكندي المعاصر فقد قال فيه: " علَّامة إمام، مقدام همام، باذلٌ قالَه وحالَه ومالَه في إحياء الشريعة المطهرة ومالها من رسوم، وفي الإصلاح ". (¬4) ¬
ووصفه العلامة علي بن أحمد الجنيد بالعلامة العارف بالله، الداعي إلى الله، الورع الصادق إلى أن قال: " كان عالماً عابداً كريماً زاهداً في الدنيا، له سيرة حسنة، واقتِفى لطريقة آبائه آل باعلوي، مع كمال الإتباع للشريعة " (¬1). وقال عنه العلامة عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف: " جبلٌ من جبال التقوى، وبحرٌ من بحور العلم " (¬2)، ونقل القاضي علوي السقاف عن ابن عبيد الله السقاف قوله: " مع اعتقادي بتقديم الحبيب عبد الله بن عمر بن يحيى في الفقه وغيره، لم أَتَصور أنَّه بهذه الصورةِ الفريدةِ من الفهم والذكاء والحفظ، فقد اطلَّعت في فتاويه على ما لم أقفْ عليه عند غيرِه " (¬3). وقال عنه السيد عبد الله بن محمد بن حامد السقاف: " من أعلام دين الله، وكُبَّار الشريعة المطهرة، ذوي الهداية والإرشاد والإصلاح الاجتماعي " (¬4). ¬
وكتب القاضي علوي السقاف في تصديره لفتاوى المؤلف يُعرِّف بالمؤلف: " من لم يعرفْ الحبيب عبد الله بن عمر بن يحيى فليقرأْ فتاويه هذه، فسيعرفُ منها من هوَّ، فهو الشخصية الفقهية العظيمة التي امتنَّ الله بها على أهل زمانه ومن بعدهم " (¬1). قال عنه ابنُه عقيل: " كان يدعوا إلى الله باللُّطف واللِّين، ويُغلظ في المواطن التي لا تُصلح إلا الغلظةُ على المفسدين، وكان محبوباً مقبولاً عند الأنام، قد وضعَ اللهُ له القبولَ والمحبةَ في قلوبِهم، يجدُ جليسُه من الأنس والسرور ما يَنسى به ما هو فيه من الهموم والاشتغالِ بالدنيا، وكان - رضي الله عنه - حامل لواء الفتيا في زمانه، تحمل إليه الأسئلة من أغلب الأقطار والأقاليم، ويرجع إلى قوله العلماء عند كل مشكل " (¬2). ¬
مكانته العلمية
مكانته العلمية تولَّى المؤلفُ تدريس العلم الشريف، وقد انتفع به كثيرون في بلده وما دخَلها من أقطار العالم، واشتغل بالإفتاء، ومن طالع فتاواه وما كَتب من أجوبة علِم أن الفتوى كانت تُحمل إليه من أرجاءِ حضرموت واليمن وجاوة وغير ها من البلدان. تلاميذه من أشهرهم (¬1) ابنه العلامة عمر وابنه السيد عقيل، والسيد علي بن علوي بن عبد الله بن حسين بن طاهر (¬2)، والعلامة عيدروس بن عمر الحبشي (صاحب الغرفة) (¬3)، والسيد عيدروس بن أحمد ¬
بن شهاب (¬1). والعلامة عثمان بن عبد الله بن عقيل بن يحيى (¬2). والسيد عبد الرحمن بن علي السقاف (¬3)، والسيد علي بن سالم بن الشيخ أبي بكر بن سالم (¬4) وغيرهم. ¬
أولاده
أولاده محمد (الملقب بالطاهر) وعقيل (¬1)، وأبو بكر، ومحمد (آخر غير الأول)، وأحمد. وعمر (¬2)، وتوفي أبو بكر في حياة ¬
مؤلفاته
أبيه (¬1) ومحمد (الطاهر) ليس له عقب (¬2). مؤلفاته للمؤلف عددٌ من الرسائل المختصرة، والنُّبذ الفقهية اللطيفة، وأطول كتبه الكتاب الذي بين أيدينا، وله أجوبة لأسئلةٍ فقهيةٍ متناثرةٍ، وقد جمع نجلُ المؤلف السيد عقيل معظمَها في مجلدٍ أسماه «الفتاوى الشرعية»، وله جملة من القصائد شعرية بين رثاء وابتهال ومدائح وحماسة وكثيراً ما يستهلها بقوله: يقول ابن هاشم (يعني نفسه)، وقد جمع ابنه عقيل عدداً من تلك القصائد في كراسة كتب ¬
عليها «هذا ما جُمع من الكلام المنظوم للحبيب العلامة عبد الله بن عمر بن يحيى» وهو الذي أشرنا له في هذه الترجمة بـ «ديوان المؤلف». وله عددٌ من الوصايا والإجازات المتفرقة، ومن طالعَ مؤلفاته وَجدَ بصمة الفقيه العالم بالمذهب، والمفتي المزاول الصريح، وتجد في فتاويه آثار أسفاره، وفي اجازاته ووصاياه تمسكَه بالشريعة المحمدية، والسنة النبوية، وانتمائه للطريقة العلوية.
المطبوع من كتب المؤلف
المطبوع من كتب المؤلف: 1. فتاوى شرعية: جمْعُ ابنه عقيل، طُبِعت بالمطبعة المدنية بالقاهرة سنة 1391هـ. قدّم لها القاضي علوي بن عبد الله بن حسين السقاف. 2. سفينة الصلاة: طبعت بمصر مع سفينة النجاة للشيخ سالم بن سُمير وشرحها الدكتور محمد بن عبد الرحمن شميلة الأهدل والشيخ محمد نووي الجاوي. 3. مناسك الحج والعمرة وآداب الزيارة النبوية: طبعت بمصر سنة 1391هـ، وأعيد طبعها بدار الفقيه بالإمارات العربية سنة 1424هـ. بتحقيق الاستاذ مصطفى بن حامد بن سميط. 4. تذكرة المؤمنين بفضائل عترة سيد المرسلين: رسالة لطيفة وضعها الشيخ محمد بن سعيد بن محمد بابصيل ضمن كتابه " الدرر النقية في فضائل ذرية خير البرية " (¬1). 5. السيوف البواتر لمن يقدم صلاة الصبح على الفجر الآخر: (وهو الذي بين يديك). ¬
كتب ورسائل المؤلف المخطوطة
كتب ورسائل المؤلف المخطوطة: 1. ديوان شعري: جمع ابنه عقيل توجد نسخة منه في مكتبة الاحقاف للمخطوطات بتريم وتحمل عنوان «الكلام المنظوم للحبيب العلامة عبد الله بن عمر بن يحيى». (مخ: 2623). (¬1) 2. أسئلة حول من يذكرون الله قياماً وقعوداً وبأنغام الموسيقى: تقع في ست وأربعين ورقة (مخ: 2821). 3. السيف البتار فيمن يوالي الكفار ويجلب الحوائج إليهم: رسالة تقع في ثلاث أوراق. 4. خبر أهل الكساء: يقع في ثلاث أوراق. 5. تذكرة إخواننا الحجاج بسكان سربايا: تقع في ثلاث أوراق (مخ: 2821). ¬
6. مذاكرة ذكّر بها المؤلف بعض من مال إلى بدعة الوهابية: تقع في صفحتين. 7. إجازة للحبيب الوالد حسين بن عبد الرحمن الجفري: كتبها المؤلف بخط يده سنة 1259هـ تقع في أربع أوراق (مخ: 2702).
وفاته
وفاته يقول عنه ابنه عقيل: كان عظيم المحبة لمولاه، عظيم الشوق للقائه، وكثيراً ما يتمثل هذين البيتين: جزى اللهُ هذا الموتَ خيراً فإنَّه ... أَبَرُّ بِنَا من والدينا وأَرأَفُ يُعَجِّل تخليصَ النفوسِ من الأذى ... ويُلحِقُها بالدارِ التي هي أَشرفُ وكان يقول لأبنائه وقد بلغت منه الأوجاع مبلغاً عظيماً: " ما أحب البقاء في الدنيا إلا للصلاة وخصوصاً صلاة الليل، وللدعوة إلى الله تعالى، ولتعليمكم " (¬1). وقد تزامنت وفاتُه مع ظروف سياسيةٍ حرجةٍ، وأيام عصيبة مرَّ بها وادي حضرموت فيما عُرف بالثورة الكبرى على يافع، وما صاحب هذه الثورة المسلحة من نشاطٍ محمومٍ في أوساط القيادة العلوية المؤازرة لآل كثير ودولتهم، وكان المؤلف من بين تلك القيادات التي تتابع الأحداث باحتراق وقلق، حتى قيل أنه تكلم ليلة وفاته بكلام بشَّر فيه بانتصار الثورة (¬2). من فرط اهتمامه ¬
بهذه الأحداث، ويروي ابن عُبيد الله السقاف: أن وفاتَه كانت إثرَ وفاة ولَد له شديدُ الأسرِ حديدُ الفهم، يَعرف مواقع رضاء أبيه، ويفعل ما يحبه من غير إشارة، يُدعى أبو بكر (¬1)، ويرى البعض أن مرض موته كان من ثوران أثر السم الذي دسه له أهل الطرائق الهنود في حيدر أباد (¬2)، وعلى أي حال فيُفيد كلام ابنه عقيل أن المؤلف كان يعاني من ألوان من الأمراض، وظل - رحمه الله - صابراً محتسباً حتى توفاه الله بقرية المَسِيلَة سنة 1265هـ (¬3) شهر جمادى الأولى بعد مضي ثلث الليل ليلة الاثنين، ولكن في أي يوم من أيام شهر جمادى الأولى؟ ¬
تَجزم المصادر التي كُتبت حديثاً وترجمت للمؤلف أنها ليلة العشرين (¬1)، لكن الذي كتبه ابنُ المؤلف (¬2)، ودونه معاصره المؤرخ ابن حميد (¬3)، وما هو مكتوب على شاهدة قبره، أنه تُوفي ليلة اثنتين وعشرين. وحَدَسِي أن منشأ خطئهم متابعة لخطأ مطبعي وقع في كتاب «عقد اليواقيت» المطبوع، حين حُذفت كلمةُ (لِاثنين) من عبارة نسخة «عقد اليواقيت» المخطوطة: (ووفاته بعد مضي ثلث الليل ليلة الاثنين لِاثنين وعشرين خلت من جمادى الأولى)، بدليل بقاء (الواو) في النسخة المطبوعة ذاتها، إذ جاء فيها: (ووفاته بعد مضي ثلث الليل ليلة الاثنين وعشرين خلت من جمادى الأولى) (¬4) ولعل الناسخ استشكلَ تكرار كلمةِ (الاثنين) فتوهَّم زيادتها. وربما ¬
اشتبه عليهم يوم وفاته بيوم ولادته التي كانت في 20 جمادى الأولى أيضاً. ونخلص هنا إلى أن وفاته كانت في 22 جمادى الأولى سنة 1265هـ الموافق 16 إبريل 1849م. وقد صلى عليه خالُه عبد الله بن حسين بن طاهر ودفن بمسقط رأسه قرية (المَسِيلَة) وقبره معروف فيها (¬1). وعن جنازته يقول ابن عبيد الله: " شهد جنازته جمع من رجالات حضرموت وكان يوماً مشهوداً انصرف المشيعون عن مدفنه واجتمعوا في بيته، فأنشدهم بعض الحداة قصيدة الإمام الحداد التي مطلعها: تفيض عيوني بالدموع السواكب ... ومالي لا أبكي على خير ذاهب فلا تسأل عن العبرات وتصاعد الزفرات حتى لقد كادت تُحمل جنائز! " (¬2). ¬
بعض ملامح الأوضاع السياسية والفكرية لعصر المؤلف
بعض ملامح الأوضاع السياسية والفكرية لعصر المؤلف عاش المؤلفُ في عصر يُعرف في حضرموت بعصر العبادلة السبعة ويُعد ابن يحيى أحدهم، وأهم الملامح السياسية لهذا العصر ما شهده العالم الإسلامي من تراجع وانحطاط، فضعفت الخلافة الإسلامية العثمانية، وقصَّرت في النهوض بواجبها تجاه الإسلام والمسلمين، وبقي حكمها شَكلياً في الكثير من الأقطار الإسلامية، وشجعت هذه الظروف الدول الأوربية على غزو العالم الإسلامي، فكان الغزو الفرنسي لمصر بقيادة نابليون بونابرت سنة 1213هـ، والذي صاحبه من غزو عقدي فكري، ثم توالى الغزاة الأوربيون على العالم العربي والإسلامي الفرنسيون والبريطانيون والهولنديون، وسقطت مدينة عدن في يد المحتل البريطاني سنة 1253هـ. كما شهد هذا العصر ثورات عقدية وعلمية، منها الثورة العلمية والتكنولوجية في مصر في عهد محمد علي باشا، وما بثته من معارف في مجالات العلوم المختلفة، ومنها علم الميقات والفلك، وما رافقها من مظاهر التأثر بالغزو الأوربي الفكري واتساع ثقافة التغريب (¬1)، وبزوغ حركات ¬
فكرية تحررية وأصولية مثل التي قادها الإمام الشوكاني في اليمن، وحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد، التي وصلت طلائعها إلى حضرموت عامي 1224هـ و 1226هـ.
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب الذي بين أيدينا
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب الذي بين أيدينا عنوان الكتاب (السِّيُوفُ البَواتِرُ لِمَنْ يُقَدِّمُ صَلَاةَ الصُّبْحِ عَلَى الفَجْرِ الآخِرِ) توثيق اسم الكتاب ذكره العلامة عبد الله بن محمد السقاف أن عنوانه «السيوف البواتر على من يقدم الصبح على الفجر الآخر» (¬1) وقد اعتمدتُ حروف العنوان الذي كتبه المؤلف بخط يده في المخطوطة (أ)، وهو: (السِّيُوفُ البَواتِرُ لِمَنْ يُقَدِّمُ صَلَاةَ الصُّبْحِ عَلَى الفَجْرِ الآخِرِ)، وهو العنوان نفسه بحروفه في مخطوطات التحقيق (ب) و (ج) و (د). نسبته إلى المؤلف ذكره العلامة عبد الله بن محمد بن حامد السقاف في صدر مؤلفات المؤلف فقال: (مؤلفاته: أعرف منها «السيوف البواتر على ¬
سبب تأليفه
من يقدم الصبح على الفجر الآخر») (¬1). وذكره غيره (¬2)، ولم أجد من ينسبه لغير المؤلف. سبب تأليفه حين يقترب وقتُ بزوغ الفجر في سماء تريم، كان مؤذنو مساجد تريم يُرهفون السمع لسماع أذان مسجد آل أبي علوي (عمدة المؤذنين في الفجر) في ذلك الزمان، فالمسجد يقع في الحافة الشرقية للمدينة، وموقعه هذا يؤهلُ مؤذنَه؛ لأن يراقب العلامة الشرعية لدخول وقت الفجر، فأضواء المدينة الخافتة خلفه، والأفق أمامَه، والمكان مرتفع، والمنارة شاهقة، يرقى مؤذن مسجد آل أبي علوي المئذنة يرقب الفجر، حتى إذا استبان له؛ رفع الأذان، وتبعَه من خلفه من المؤذنين، حتى يَهُزُّ أذانهم أرجاء المدينة الصغيرة وقت السحر، فتُصلي المدينة وتصوم على العلامة الشرعية لدخول وقت صلاة الفجر: ¬
ألا وهي رؤية الفجر الصادق (¬1)، كان هذا في زمان قبل هذا الزمان الذي نحن بصدده، وهو القرن الثالث العشر الهجري، حين خفت نجم الشرع الواضح، وسلك الناس ملاوي التنطع والمشقة، ووَلَجو مواقيت الصلاة من غير بابها، فأتوا صلاة الفجر من باب النجوم والمنازل، فكيف كانت المراقبة؟ في آخر الليل يأتي نائب المسجد إلى المسجد، ويقف في صحنه ينظر وسط السماء يرقب النجوم والمنازل، ويرى اعتدالها، فإذا تحقق له ما كان ينظره؛ أذِن للمؤذن أن يرفع الأذان وفقاً لرؤيته النجومية (¬2)، فيُحِل لأهل البلدة صلاة الصبح، ويُحرم على صوّامهم الطعام والنكاح، وقد لقي هؤلاء النواب والمؤذنون من يساندهم من العلماء ويصوب عملهم، وأشهر من انبرى لذلك العلامة عبد الله بن حسين بلفقيه باعلوي، الذي ألف في ذلك رسالة أسماها «السيف البتار لمن يقول بأفضلية تأخير صلاة الصبح إلى الإسفار» وصف فيها هؤلاء النواب والمؤذنين بأنهم ¬
مؤذنين ثقاة (¬1)، عارفين بأوائل الأوقات، يَندُر خطاؤهم على مرّ السنين، وقد تلقّوا علمهم عن السابقين من الأئمة العارفين، وقد أقرَّهم على معرفتهم بوقت الصبح جميعُ أهل تريم، وتريم مدينة الإسلام المشهورة من قديم بالعلم والتعليم والعلماء (¬2)، كما وصف أئمة هذه المساجد بأنهم من العلماء الراسخين، والمأمومين بأنهم من المبادرين بالصلاة في أول وقتها؛ رغبة في رضوان رب العالمين. وبَعْدَ أن سطَّر العلامة عبد الله بن حسين بلفقيه تزكية المؤذنين وشيوخهم، وأئمة المساجد والمأمومين والبلد، أفتى قائلاً: "فيجب الأخذ بأذانهم "، لكن العلامة عيدروس بن أحمد بن شهاب: وهو من أهل تريم تعقَّب رسالة بلفقيه هذه، وكتب رسالة معارضة، عَنْوَنَها «القول الصادق في بيان الفجر الصادق المعترض وإدحاض كلام المعترض»، ووصف أولئك المؤذنين قائلاً: " ليس لهم بمعرفة الوقت عرفان، وإن أحدَهم يؤذن حين يأمره نائب المسجد، بعد أن ينظر وسط السماء، يرى اعتدال النجوم والمنازل، وهذا النائب يتمسك ¬
بشيء موهوم، ويُقلدُ بعضَ من يدّعي معرفة النجوم والتقويم، فكان التهور والتوغل في تقديم دخول وقت صلاة الصبح قبل طلوع الفجر الصادق بزمان، استعجالاً من الشيطان ليوقعهم في البطلان، وقد عمت هذه البلية بأهل تريم وطار شررها وأَضحت عادة راسخة ولأحكام الشريعة ناسخة وباينوا في هذا سائر الأقاليم وخالفوا الكتاب والسنة وقول كل ذي علم عليم " (¬1). لكن رسالة ابن شهاب رغم قوة حجتها لم تفلح في رد المخالفين، فحمل ابن شهاب رسالته ورسالة بلفقيه وعرضهما على شيخه العلامة عبد الله بن عمر بن يحيى فأجابه لما أراد وفي ذلك يقول ابن يحيى: " فألف بعضُهم - يقصد بلفقيه - رسالة في الانتصار لذلك الخطأ والزلل - أي تقديم صلاة الصبح وأذانِها على وقتِها المشروع -، وأكثر فيها من تمويه تصويبه ذلك العمل، وترويجِه على من يجهل، فعارضه آخر - يقصد ابن شهاب - برسالة بيَّن فيها الحق كالهالة، نافياً غبار تلك الجهالة، ثم عرض الرسالتين عليّ، وطلب منِّى أن أنصرَ الحق بما ¬
موضوعات الكتاب ونظام ترتيبه
لديَّ، فبادرتُ إلى تأليف هذه «الرسالةِ»، في هذا الشأنِ حذراً من الكتمان الذي وعد الله مرتكبَه بالنيران " (¬1). موضوعات الكتاب ونظام ترتيبه الكتابُ رسالةٌ شرعية ميقاتية في وقت صلاة الفجر، جمع فيها المؤلفُ ما جاء عن الفجر في القرآن والسنة وكتب الفقه والمواقيت، فتناول الفجر من حيث كونِه ميقاتاً شرعياً وظاهرة فلكية، بدأها في (الباب الأول) بتلمُّس مصطلح (الفجر) وعلامات الفجر التي يُعرف بها في القرآن، فذهب يغُوص في تفسير الآيات التي جاء فيها ذكرُ الفجر، واستعان في ذلك بالتفاسير، كتفسير البيضاوي، وأبي السعود، والنيسابوري، والشربيني وكُتبِ أحكام القرآن مثل التي للموزعي ودرواز والأحمدي، واسترشد بمعاجم اللغة مثل: قاموس الفيروزبادي، وبعلم المعاني والبديع مثل: شرح البديعية، وبما جاء عن الفجر وعلاماته في شعر العرب، وكتب الفقه، وخلُص مما عرضه إلى أن علامات الصادق التي تميز بها عن الكاذب: ¬
الاعتراض، ومخالطة بياضه لحمرة، وتزايد ضوئه الذي يتبين به النهار. وفي (الباب الثاني): انتقل المؤلف إلى المصدر الثاني من مصادر التشريع (السنة النبوية)؛ للتعرُّف على علامات الفجر، لكنه نادراً ما يذهب مباشرة إلى كتب الحديث المسندة كالصحاح والسنن والمسانيد، وينقُل غالباً عن الكتب التي جمعت الأحاديث من أمهات الحديث المذكورة ورتبتَها على أبواب الفقه وشروح الأحاديث، مثل كتاب «المنهج المبين في أدلة المجتهدين» لعبد الوهاب الشعراني، و «تيسير الوصول إلى جامع الأصول» لعبد الرحمن بن علي الشيباني الديبعي، و «الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الأثير» لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، و «التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» للحافظ ابن حجر العسقلاني، و «مختصر سنن الترمذي» للحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، ومن «سنن البيهقي الكبرى» لأحمد بن الحسين البيهقي و «فتح الباري شرح صحيح البخاري» لحافظ ابن حجر العسقلاني و «إرشاد الساري شرح صحيح البخاري» لأحمد بن محمد القسطلاني «وشرح مشكاة
المصابيح» لابن حجر الهيتمي وغيرها من المصادر الحديثية، وقد استعان «بقاموس» الفيروزأبادي وغيره في فهم مدلولِ هذه الأحاديث، ومن عادة المؤلف في عامة أبواب الكتاب أن يفتتح الباب بنقل نصوصِ الشرع وأقوال العلماء، ثم يُعقِّب عليها بكلام يضعه تحت عنوان: (تنبيهات) أو (فوائد) أو يصدره بقوله: (فعُلم) وكأنه يلخصُ بعبارته ما قالوه، حتى إذا ما لَمَّهُ وأَحكمَ زَبْرَهُ أَلقَاهُ على «الرسالة» التي يحاول في هذا الكتاب نقض العبارات التي لا يرى صوابَها عبارةً عبارة. وفي (الباب الثالث) نقل المؤلف توضيحات الأئمة والفقهاء والميقاتيين في مسألة الفجر، واعتنى بكلام الإمام الغزالي في «الإحياء» في مسألة الفجر، فأسهب في تقليب عبارات الغزالي؛ لأنه يعلم مكانة الغزالي و «إحيائه» في مجتمع حضرموت وأوساطه العلمية. ثم غاص المؤلف في بعض تفاصيل (ظاهر الفجر)، ودليلُه في ذلك ما جاء في كتب علم الميقات، مثل: كتاب «اليواقيت في علم المواقيت» لإبراهيم بن علي الأصبحي و «الشامل في أدلة القبلة
وحساب الروم والمنازل» لمحفوظ بن عبد الرحمن باعباد الحضرمي و «سراج التوحيد الباهج النور في تمجيد صانع الوجود مقلب الدهور» لعبد الله بن أسعد اليافعي، وختم (الباب الثالث) بفَصْلٍ مُقتضب في بيان أوقات صلاة الصبح الأربع: (الفضيلة، والاختيار، والجواز، والكراهة) رَبَطَ فيه بين ما قرره الفقهاء وما قدَّره أهل الميقات، ثم ختم كلامه كما في الأبواب السابقة بالتنويه بأخطاء «الرسالة» التي يرد عليها، وفي (الباب الرابع) بيان الفجر من علم الفلك، أورد فيه ما جاء في كتب الفلك والميقات مثل كتاب «الهداية من الضلالة في معرفة الوقت والقبلة بغير آلة» لأحمد ابن سلامة القليوبي، و «نصب الشرك في علم الفلك» لعثمان بن أبي بكر العمودي، و «اليواقيت في علم المواقيت» لإبراهيم بن علي الأصبحي، و «سلم العروج إلى معرفة المنازل والبروج» لمحمد بن عبد الرحمن بن عفالق الإحسائي، و «شرح المختصر» لمحمد بن محمد بن الحطاب الرعيني المكي، و «وسيلة الطلاب لمعرفة القبلة وأوقات الصلاة لأولي الألباب» لشاد بن متاك السواحلي، وما جاء في مؤلفات الميقاتيين الحضارم مثل «رسالة علي بن عبد الرحيم بن قاضي في
الهلال» و «منظومة عمر بن سقاف الصافي في الفلك» و «مؤلف» بارجاء فيه، ورسالة «عبد الله بن محمد بن قطنة في مسألة الهلال» عن الساعة الفلكية والزمانية وأجزائهما وما تَسعُهُ من القراءة، ثم فَصَّلَ فيما قدروه لحصة الفجر وما ضبطوها به من المنازل والساعات وحركة القمر، ولتطبيق ما قدره الفلكيون والموقتون لحصة الفجر أَفْرَدَ في ختام هذا الباب فصلاً في بيان حصة الفجر في القطر الحضرمي، قام المؤلف بحساب حصة الفجر في القطر الحضرمي وقت الاعتدال والطول والقصر ثم ذهب يُقدِّر حصة فجر حضرموت، وفق ما رآه من جداول لمواقيت الصلاة في حضرموت ومكة، وضعها مختصون في هذا العلم مثل رضوان أفندي وغيره، وختم الكتاب بـ (فصل) تطرَّق فيه لمسائل ثلاث وثيقة الصلة بمسألة الفجر: (المسألة الأولى): في مراتب معرفة دخول الوقت من علم وإخبار واجتهاد وحساب. و (المسألة الثانية): في شروط المخبر بالوقت عن علم أو اجتهاد، وختم الكتاب (بمسألة ثالثة) بيَّن فيها الحكم الشرعي في الذين يُقدمون صلاتهم على الفجر مع زعمهم طلوعه وليس كذلك، وختم هذه المسألة والكتاب بتحذير شديد يقول فيه:
منهج المؤلف وأسلوبه في الكتاب
" إن المقدمين لصلاة الفجر من أهل جهتنا آثمون بصلاتهم، لا تنعقد منهم فرضاً ولا نفلاً ". منهج المؤلف وأسلوبه في الكتاب تناول المؤلف الموضوع بشيء من التدرج والانسيابية مع الاستدلال والتبويب والتنظيم، وهذه ميزة قلَّما نجدها في المؤلفات الحضرمية في عصر المؤلف، ويتضح هذا الفرق جلياً حينما نقارن بين الرسائل الثلاث التي كتبت في هذا الموضوع، وبين رسالة ابن شهاب «القول الصادق» ورسالة بلفقيه «السيف البتار» وكتاب ابن يحيى «السيوف البواتر»، ولعل هذا ثمرة الاطلاع الواسع للمؤلف، فقد قسم رسالته إلى أبواب وفصول ومسائل بدأ بالفجر في القرآن فالسنة فالفقه فالفلك، وفي داخل هذه التبويبات تناول المواضيع بعرض منظم، يبدؤه بعرض النصوص من مصادرها، حتى إذا ما فرغ من عرضها بدأ يفكك عبارتها باستخدام الآلات اللغوية، والقواعد المنطقية، وتوضيحات الشّراح والمُحشِّين، حتى إذا ما أَخَذَ الموضوع حقه من الشرح والتوضيح، حَزَمَ ما خلُص إليه من نتائج بوضعها خلف عبارة: (فعلم) أو (فوائد) و (تنبيهات) يخاطب
مصادر الكتاب
بها المقدمين لصلاة الفجر من أهل حضرموت، وصاحب «الرسالة» التي يتعقبها. ولا يُسلّم المؤلف بقَول السابقين في بعض المسائل بل ينقدها ويرُدّ بعضها، مثل تقديرهم الدقيقة الزمانية بالقراءة وغيرها. مصادر الكتاب تميز الكتاب بكثرة مصادره، إذ تجاوزت المصادر التي نص المصنف على أخذه المباشر منها ما يقارب المائة مصدراً، يغلب عليها العنوان الفقهي والميقاتي والفلكي، من بينها كتب مفقودة لمؤلفين حضارم مغمورين وجداول مندثرة، وقد أَلْحقنا الكتاب بقائمة المراجع التي نقل منها المؤلف. تقييم الكتاب يُعَد الكتاب مرجعاً للباحثين في مجال المواقيت من الميقاتيين والفقهاء، وهو خلاصة فقهية مركزة للمختصين في علم الفلك الذين ينقصهم الإلمام بالقواعد والأصول الشرعية التي يجب مراعاتها عند الحساب النظري لمواقيت الصلاة والقبلة وغيرها من الموقتات الشرعية، إذ يصعب على الفلكي الوقوف على مسائل المواقيت
الشرعية وأحكامها المتناثرة في كتب الفقه من مختصرات ومطولات وشروح وحواشي وفتاويات ورسائل، ويندُر أن تجدَ كتاباً جمع ما جاء في ميقات صلاة بعينها من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة وكتب الفقه والميقات والفلك، وما جاء في قواعد الاخبار الشرعية وشروط المخبر بدخول الوقت وغير ذلك مما يتصل بها. ومما يؤخذ على الكتاب أن المؤلف عالج فيه مسألة الفجر برأي الفقيه الذي يرى المرجع المراقبة والعلامة الشرعية، إلا أنَّه لم يذكر جهودَه في رصد الفجر، ومتى كان يدخل وقت الفجر في حضرموت على ضوء المراقبة الشرعية (¬1)، ومال المؤلف - رحمه الله - في ختام ¬
عرضه الفقهي الجهيد إلى قول نظري تقريبي، مفاده أن الفجر يدخل إذا بقي ثمن الليل الأخير؛ لأن هذا القول - كما يقول - قال به أكثر من نقل عنهم من ميقاتي عصره، وهو بهذه النتيجة ينقل الناس من متابعة النجوم في السماء لمعرفة دخول وقت صلاة الفجر إلى متابعة الساعة لمعرفة الوقت الذي يبدأ فيه ثمن الليل الأخير، الذي قيل أن الفجر يطلع حين يبتدئ هذا الثمن، والساعة والنجم ليسا علامة شرعية لوقت الفجر، بل رؤية الفجر الصادق هو القول العملي التحقيقي للفصل بين المتنازعين في الفجر من أهل الدرجات والساعات والنجوم.
وقد أورد المؤلف أدلة من السنة والآثار التي جاءت تؤيد ما ذهب إليه، إلا أنه اكتفى بتخريجها دون نقل الحكم على صحتها. رسالة بلفقيه التي يرد عليها الكتاب الذي بين أيدينا مؤلفها هو: العلامة عبد الله بن حسين بن عبد الله بن علوي بن عبد الله بلفقيه العلوي الحضرمي التريمي (1198 هـ- 1266 هـ) الفقيه، الصوفي، الشاعر، عاش في تريم وتربى وتتلمذ على مشاهير علماء حضرموت في عصره، رحل إلى الحجاز واليمن، وأخذ عن الشيخ عمر بن عبد الكريم بن عبد الرسول العطَّار المكي، والشيخ الزمزمي في الحجاز. (¬1) علاقة المؤلف ابن يحيى بمؤلف «الرسالة» بلفقيه العلامة عبد الله بن حسين بلفقيه من معاصري المؤلف يكبُره بنحو إحدى عشر سنة، وقد أخذا من مشرب واحد واتفقا في أغلب ¬
شيوخِهما ومَنْ أخذ عنهما، عاش المؤلف العلامة (ابن يحيى) في قرية قريبة من مدينة (تريم) التي يقطنها (بلفقيه)، ويمكننا أن نلْتمس خصائص كلا العلَمين في كلام مَن كتب عنهما، فهذا تلميذهما العلامة عيدروس بن عمر الحبشي يصفَهما، فيقول عن (بلفقيه) بأن: مفسر محدث صوفي فقيه متضلع في سائر العلوم (¬1)، بينما وصف المؤلف (ابن يحيى) بأنه: شيخ الشريعة وإمامها، المناضل عن دين الله بسره وإعلانه، الداعي إلى الله بفعله وحاله ولسانه، حبر الطريقة العلوية وهمامها. (¬2). ونجد العلامة عبد الرحمن بن محمد المشهور يصف بلفقيه: بالعلامة النحرير عديم المشاكل والنظير، ويصف المؤلف بأنه كثير الاطلاع، جيد الفهم ذو عزم ويقين (¬3). وتحدث العلامة ابن عبيد الله السقاف بصراحته المعهودة عن بلفقيه وقرينه ابن يحيى وعن ما يقع بينهما مما يقع غالباً بين الأقران فيقول: " أهل تريم وفي مقدمتهم الجليل عبد الله بن حسين بلفقيه مخالفاً للسيد عبد الله ¬
بن عمر بن يحيى على خط مستقيم حتى لو قال أحدهم: (تمرة) لقال الآخر (جمرة)، وما نظن بهما إلا الحق، غير أن الهوى يصور الشيء في عين صاحبه بغير ما هو عليه، وكلٌ يؤخذ من كلامه ويترك، وكان عبد الله بن أحمد باسودان يفضل بلفقيه من سعة العلم وغزارة المادة " (¬1). ويروي السيد علوي بن عبد الله بن شهاب عن من قبله: أن أفقه العبادلة عبد الله بن حسين بلفقيه يليه عبد الله بن عمر بن يحيى يليه عبد الله بن أبي بكر عيديد. (¬2) على أي حال فقد كان لهذا التماس الفقهي والتفاعل العلمي نتاجه وعَبَقُه الخالد النافع لمن جاء بعدهم من طلبة العلم والباحثين، وسيظل ما كتبوا شاهداً على ثراء فقهي وعلمي شهده الوطن الحضرمي في عصر من عصور الاستعمار والتمزق عاشه الوطن العربي والإسلامي. ¬
استعراض رسالة بلفقيه الموسومة «السيف البتار لمن يقول بأفضلية تأخير صلاة الصبح إلى الإسفار» تقع هذه «الرسالة» ضمن فتاوى مؤلفها العلامة عبد الله بن حسين بلفقيه، الموسومة «إتحاف الفقيه» جمعها وخطها بيده ابنه محي الدين، وهي مخطوطة تقع في سبع ورق من القطع الكبير من الصفحة رقم (16) في الفتاوى إلى صفحة رقم (29)، وصفحة المخطوطة تتكون من 39 سطراً، وفي السطر نحو 15 كلمة تقريباً. ولم أعثر على تأريخ تأليفها، ويقتضي كلام ابن شهاب في رسالة (القول الصادق) والمؤلف ابن يحيى في الكتاب الذي بين أيدينا أن تأليفها كان قبل رسالة ابن شهاب التي ألفت في رمضان سنة1260هـ. موضوعات رسالة بلفقيه: تتكون «الرسالة» من مقدمة بيَّن فيها مواقيت الصلاة مع التفصيل في دخول وقت صلاة الصبح، وفضل المبادرة بالصلوات في أول أوقاتها وذم تأخيرها عنه. ثم وضّح مقصدين في وقت صلاة الصبح، المقصد الأول: نقل فيه من كتب المذهب الشافعي أوقات صلاة الصبح. والمقصد الثاني: أورد فيه أقوال العلماء في الاستدلال بالعلامات التي يستدل بها على دخول
الوقت، مثل: المنازل والساعات والمناكِيب، ثم أضاف ملاحق لوجوب الأخذ بأذان الثقة وجواز الدخول في الصلاة بغلبة الظن. وختم «الرسالة» بتحذير من يتجرأ على الفتوى بغير علم ويستدرك على السابقين الذين وصفهم بالأئمة المجتهدين. (¬1) ¬
التعريف بابن شهاب مؤلف «القول الصادق في بيان الفجر الصادق المعترض وإدحاضِ كلامَ المعترض» هو العلامة عيدروس بن أحمد بن علي بن عبد الله بن عيدروس بن علي بن محمد شهاب الدين الأخير بن عبد الرحمن القاضي بن أحمد بن شهاب الدين الأكبر العلوي التريمي الحضرمي، ولد بتريم وتوفي بمكة المكرمة سنة تسعين ومائتين وألف للهجرة، من شيوخه: عمه العلامة عبد الله بن علي بن شهاب (أحد العبادلة السبعة) والعلامة عبد الله بن حسين بن طاهر (¬1) والعلامة طاهر بن حسين بن طاهر، والعلامة عبد الله بن عمر بن يحيى (مؤلف الكتاب)، والعلامة ¬
عبد الله بن أحمد باسَودان، والعلامة محمد بن عبد الله باسَودان (¬1). أما عن مؤلفاته: فلم أعثر على مؤلف له غير «الرسالة» المشار إليها، وله كتاب لا يزال مخطوطاً بعنوان «قرة العين في قواعد العشرة بين الزوجين»، وصفه السيد علي العطاس بأنه: المُجِد العلامة المجتهد ومقنع الطالب والمنتقد. ووصفه السيد عمر بن علوي الكاف بأنه: سيد فاضل وعالم عامل، وورع زاهد محب للفقراء والمساكين ناشر لدعوة الإسلام. (¬2) ويكِّن ابن شهاب للمؤلف (ابن يحي) احترماً ووداً ويبدو ذلك جلياً في قول (ابن شهاب) عن (ابن يحيى): سيدي وشيخي الإمام الحافظ المحقق ذو المقام الأسنى، وابن شهاب هذا كان قريبا من (المدرسة الطاهرية) متأثراً بها. ¬
استعراض رسالة ابن شهاب الموسومة «القول الصادق في بيان الفجر الصادق المعترض وإدحاضِ كلامَ المعترض» تقع «الرسالة» في 29 ورقة فرغ منها يوم الاثنين أربع وعشرين رمضان سنة 1260هـ. وتوجد النسخة الأصلية (الأم) في نفس المجلد الذي ضم كتاب «السيوف البواتر» بمكتبة الأحقاف للمخطوطات، وهذه النسخة مذيلة بتقاريظ عدد من شيوخ المؤلف ومشاهير عصره مثل العلامة عبد الله بن حسين بن طاهر والعلامة عبد الله بن علي بن شهاب الذين وصفا (ابن شهاب) بالولد مما يدل على حداثة سنه حين كتب رسالته التي يرد بها على رسالة «السيف البتار» (¬1). وقد بدأ ابن شهاب رسالته بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم أنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله وذكر أنه وجهها لأهل تريم الذين كانوا يؤذنون الفجر، ويصلون الفجر قبل دخول وقتها الشرعي، اعتماداً على من يدعي معرفة المنازل والنجوم، وقد باينوا كما يقول في هذا سائر الأقاليم، وخالفوا - كما ¬
يقول - الكتاب والسنة وقول كل ذي علم عليم، وعدد من أنكر فعلهم هذا من علماء حضرموت، وقد وقف ابن شهاب كما يقول على رسالة ألفَها بعض أهل العلم من أهل تريم (¬1)، تضمنت أقوالا وَصَفها بأنها غير موافقة بعيدة وآراء غير سديدة وحذر مما رآه من تعصب وجمود في بعض علماء تريم في عصره، ووصف التعصب للمذاهب والآراء والجمود عليها بالداء العضال، وأنه مذموم ومستقبح بكل حال، وهو أن يوطن الشخص نفسه على ما علمه وفهمه ويجعل الحق منحصراً في ذلك، ولا يقبل الحق من غيره، ويصغي له بالآذان، وإن أقام عليه الدليل والبرهان، وذلك لعدم الإنصاف وقبول الحق والاعتراف .. ، وقد كان الأئمة من ذوي المعرفة والكمال يعرفون الرجال بالحق ولا يعرفون الحق بالرجال. وقد حاول ابن شهاب التصدي لما عرضه (بلفقيه)، بنقل إنكار علماء عصره من العلويين وغيرهم، كالعلامة أحمد بن عمر بن سميط، والعلامة طاهر بن الحسين بن طاهر، وأخوه العلامة عبد الله بن حسين بن طاهر، والعلامة عبد الله بن أبي بكر عَيديد، ¬
والعلامة أحمد بن محمد الحبشي، والعلامة عبد الله بن أحمد باسَودان وغيرهم، وما كتبوه من مؤلفات مثل كتاب «زاد المسافر» للعلامة علي بن عمر بن قاضي وكتاب «هداية الأصحاب من المتولين والنواب» للعلامة الشيخ عبد الله بن سَعد بن سُمير وعن كتاب «إتحاف النبيل بشرح حديث جبريل» للعلامة طاهر بن حسين بن طاهر و «خطبته الجامعة» و «شرحها» للعلامة عبد الله بن أحمد باسودان، ثم جمع ما يؤيد قوله من كتب فقهاء المذهب الشافعي، مثل الغزالي، وابن حجر، والرملي، والكردي، والقليوبي. ونجد في «رسالة» (ابن شهاب) نواة لكتاب «السيوف البواتر» الذي جاء مسانداً له، وقد وسع (ابن يحيى) ما اختصره (ابن شهاب) وأضاف إليه. لقد عكست لنا الرسائل الثلاث الحضرمية (رسالة بلفقيه وابن شهاب وابن يحي) صورة عن الحراك العلمي الموثّق الذي نفخر به، شهده القطر الحضرمي في عصر من عصور الانحطاط التي عاشها العالم الإسلامي.
الفصل الثالث وصف النسخة الخطية وعملي في التحقيق أولاً: وصف النسخ الخطية التي اعتمدتها في تحقيق الكتاب: لم أعثُرْ على المخطوطة الأصلية التي خطَّها المؤلفُ بيده، لكني عثرتُ على أربعِ نسخٍ خطية من الكتاب محفوظة جميعها في مكتبة الأحقاف للمخطوطات بمدينة تريم، الواقعة في محافظة حضرموت بالجمهورية اليمنية، وهي كما يأتي: النسخة المخطوطة الأولى (أ) وهي من ذخائر المكتبة المذكورة تقع ضمن (مجموعة كتب آل بن يحيى) في مجلد يحمل رقم (2691). وصفة المجلد: مجلد متماسك الأجزاء، ذو دفتين سميكتين مغلَّفة بغلاف رمادي اللون، ومربوطتان برباط جلدي، أبعاد المجلد: طوله 25 سم، وعرضه 17سم، وارتفاعه 4.5سم، ويحتوي هذا المجلد على كتابين: كتابنا
وترتيبه الأول، وكتاب آخر يحمل عنوان «دشته فيها فتاويات لعلماء حضرموت للشيخ محمد بن عبد الله العفيف». خصائص هذه النسخة: عدد أوراقها 52 ورقة، ومقاس الورقة 17 × 24 سم، ومتوسط عدد أسطر الصفحة 20 سطراً، ومتوسط عدد كلمات السطر تسع كلمات تقريباً، أوراقها بيضاء مستديمة، خالية من التأطير والعلامات المائية، كتبت بخط نسخي معتاد، درجته وسط، وحجمه متوسط يصغُر أحياناً، ولون حبره أسود يزيد دَكانة وعُرضاً عند كتابة العناوين، ويستخدم اللونَ الأحمر للعَنونَةَ وغيرها والتظليل واللافِتات الفَوقية، وعبارته غير مُفَصَّلةٍ ما عدا الصفحة الأولى، والتَشْكِيل نادر، وهوامِشها واسعة وما كُتِبَ عليها إما تصويبٌ أو إكمال ما وقع في المتن من خطأ أو سَقْط أو توضيح ما كان غير واضح في المتن من الكلمات مسبوقاً بكلمة (بيان)، وكذا أثبت على الهامش (بلاغات) قراءتها على المؤلف مثل: «بلغ مقابلةً على مؤلفه متع الله به آمين «، أو: «بلغ مقابلة على المؤلف «، وقد تُختَصر في كلمة (بَلَغَ). وقد استَخدَمَ التَّعقيب (الإِحالة) في ذيل الورقة للحفاظ على ترتيب الأوراق. أما أوراق المخطوطة فسليمة من النقص
والتلف عدا آثار أَرَضةٍ وتَخْريمٍ وتَبقُّعٍ في أوراقها الأخيرة لكنه لا يَحجُب الكتابة، ولم يكتب الناسخ اسمه أو تاريخ النسخ أو الأصل الذي نقلها منه أو تاريخ تأليف الكتاب، وخطُّها شبيهٌ بخط المؤلف ومصدر النسخة مكتبة المؤلف. على أي حال فإن النسخة هي نسخة كتبت في عصر المؤلف، وقرأت عليه وكتب المؤلف بخط يده الصفحة الأولى منها (أي صفحة الغلاف) والتي فيها عنوان الكتاب واسم مؤلفه ومحتوياته والغرض من تأليفه (التوطئة) وإمضاؤه على ذلك. وقد جاء في الغلاف ما نصه:" الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. «السيوف البواتر لمن يقدم صلاة الصبح على الفجر الآخر» جمع الفقير إلى عفو الله عبد الله بن عمر بن أبي بكر بن يحيى باعلوي عفا الله عنهم. اعلم أيها الواقف على هذه «الرسالة» أنها: كلها أنشئت؛ لتحقيق علامات الفجر. فالباب الأول إذ القصد من تأليفها نفي ما وقع الناس فيه من الغلط، ودفع توهماتهم الفاسدة، التي تولد منها: تقديمهم هذه الصلاة الشريفة على وقتها، وصاروا يدعون إليه، ويرون من أَخرها إلى وقتها
مخطئاً. وفَّقنا الله للصواب بمَنِّه وكرمه. كتب ذلك جامع هذه «الرسالة» الفقير إلى عفو الله. عبد الله بن عمر بن يحيى باعلوي ". وجاء في آخره ما نصه: " وأوّلوه على حسب ما يوافق فهمهم. نسأل الله الحفظ والسلامة، وكمال الهداية والاستقامة، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وجميع أتباعه وحزبه. والحمد لله رب العالمين ". وهذه النسخة هي أفضل النسخ الأربعة فقد اعتنى بها المؤلف فخطَّ صفحتها الأولى بيده، وكثرت في هامشها البلاغات المصرِّحة بقراءتها على مؤلفها، ومصدرها مكتبة المؤلف (المحفوظة في مكتبة الأحقاف للمخطوطات - بتريم)، علاوة على قِدَمِها وسلامةِ نصها، لذا جعلتها النسخة (الأم)، واتخذتها أصلاً قابلت عليه، وقد أشرت إليها بالحرف (أ). النسخة المخطوطة الثانية (ب) وهي من ذخائر مكتبة الأحقاف للمخطوطات أيضاً، تقع في (مجموعة كتب وقفية السيد حسين بن عبد الرحمن بن سهل)، داخل مجلد يحمل رقم (2800) وهو مجلد متماسك الأجزاء، له دفتان سميكتان مغلفتان بغلاف جلدي أحمر، أبعاده (23.5سم طولاً،
17سم عرضاً، 3.5سم ارتفاعاً)، يحوي خمسة كتب، يقع كتابنا في آخر المجلد، من خصائص هذه النسخة: عدد أوراقها 69 ورقة، مقاس الورقة 23.5 × 17سم. وعدد أسطر الصفحة 17 سطراً (مسطرة بالضغط)، ومتوسط عدد كلمات السطر تسع كلمات تقريباً، أوراقها بيضاء مستديمة، مرتبة بالتعقيب، خالية من التأطير والعلامات المائية، كتبت بخط نسخي معتاد، درجته جيد، وحجمه متوسط، منقط ومفصل والتشكيل نادر، ولون حبره أسود، ويستخدم الأحمر للعنونة والتفصيل والتظليل وعمل اللافتات الفوقية. وهوامشها واسعة احتوت إكمال ما سقط من المتن، أما التصويبات فتختم عادة بكلمة (صح) و (البلاغات) نادرة جاءت مرة: (بلغ م) لعلها اختصار عبارة: (بَلَغَ عَنَ مُؤلِفِهِ) وأخرى: (بلغ). حالة المخطوطة جيدة فجميع أوراقها خالية من التبقُّع والتسوس والثقوب. راجعها وصححها المؤلف بنفسه، وأمضى على ذلك في هامش الصفحة الأخيرة. وقد انتهى من نساختها في الشهر نفسه الذي صُنِّفت فيه، كما جاء في خاتمتها.
ومن مزاياها وضوح خطها، وسلامة أوراقها من النقص والتلف والتسوس والتبقع. لم يكتب الناسخ اسمه، وتاريخ نساختها يوم الخميس آخر شهر جمادى الآخرة سنة 1261هـ، لكنه لم يشر للأصل الذي نقلها منه، ونجد في آخر هذه النسخة أن المؤلف انتهى من تأليف الكتاب يوم الأحد فاتحة شهر جمادى الآخر سنة 1261هـ. أول المخطوطة: كتاب السيوف البواتر لمن يقدم صلاة الصبح على الفجر الآخر، تأليف السيد الشريف الفاضل العالم الحبيب عبد الله بن عمر بن أبي بكر بن عمر بن يحيى باعلوي متع الله به في خير وعافية آمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً مباركاً. اعلم أيها الواقف. آخر المخطوطة: " وأَوَّلوه على حسب ما يوافق فهمهم. نسأل الله الحفظ والسلامة، وكمال الهداية والاستقامة، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وجميع أتباعه وحزبه. وكان الفراغ من زَبْرها يوم الأحد، فاتحة شهر جماد آخر، سنة 1261 (واحدة وستين ومائتين وألف)، وانتهت نساخة ذلك - بحمد الله تعالى -: بعد الظهر
يوم الخميس، آخر الشهر المؤرخ به، وبسنته. وبتمامه تتم الصالحات والبركات، والحمد لله رب العالمين آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً ". وفي الهامش بخط المؤلف: (راجعت هذه النسخة وصححتها حسب الإمكان. كتب ذلك الفقير إلى عفو ربه عبد الله بن عمر بن يحيى علوي). ولمزايا هذه النسخة التي تداني النسخة (أ) جعلتها النسخة الفرعية الأولى وأشرت إليها بالرمز (ب). النسخة المخطوطة الثالثة (ج) وهي النسخة الثالثة من نسخ الكتاب المُودَعة في المكتبة الأحقاف، وتقع ضمن (مجموعة كتب وقفية السيد حسين بن عبد الرحمن بن سهل)، وفي مجلد يحمل رقم (2799)، والمجلد مُتماسك الأجزاء، له دِفَّتان ولسان، مغلفتان بغلاف جلدي أسود، أبعاده (23 سم طولاً، 17سم عرضاً، 5سم ارتفاعاً)، ويضم بين دِفتيه مجموعة كتب يتوسطها الكتاب. وترتيبه الثالث بين كتب المجلد.
خصائص هذه النسخة: هي توأم للنسخة السابقة في جميع الخصائص: نوع الورق، وعددها، ومقاس الورق، وعدد أسطر الصفحة، ومتوسط عدد كلمات السطر، ونوع الخط، ويمكننا الجزم أن ناسخها هو ناسخ النسخة السابقة (ب)، وقد كتب اسمه في هذه النسخة (ج) ولم يكتبه في (ب)، وهو السيد أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن حسن الحداد (¬1). وقد انتهى من نساختها يوم الأربعاء 17 جمادى الآخرة 1261هـ، أي قبل النسخة الأولى بنحو أسبوعين. أول المخطوطة: " كتاب «السيوف البواتر لمن يقدم صلاة الصبح على الفجر الآخر» جمع السيد الشريف الحبيب الفاضل العالم العلامة عبد الله بن عمر بن أبي بكر بن عمر بن يحيى علوي - متع الله به في عافية آمين -، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم. اعلم أيها الواقف ". ¬
آخر المخطوطة: " وأَوَّلُوه على حسب ما يوافق فهمهم. نسأل الله الحفظ والسلامة، وكمال الهداية والاستقامة، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وجميع أتباعه وحزبه. والحمد لله رب العالمين وكان الفراغ من زَبرها يوم الأحد، فاتحة شهر جماد آخر، سنة 1261 هـ (واحدة وستين ومائتين وألف)، والحمد لله على كل حال من الأحوال، تمت النساخة بحمد الله وتوفيقه بعد الظهر يوم الربوع 17 الشهر المذكور بتاريخ السنة المذكورة، بقلم أفقر العباد الفقير إلى الله تعالى الرب الجواد أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الحداد - عفا الله عنه - وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً ". وتشابه النسخة (ج) النسخة (ب) في سلامتها من النقص والتلف، غير أن النسخة (ب) تفوقت على النسخة هذه في أن المؤلف راجعها بنفسه وصححها وأمضى عليها، ويبدو أن هذه النسخة قُوبلت على (ج)، وقام بذلك شخص آخر غير الناسخ، ويظهر ذلك من اختلاف الخط الذي كُتبت به التصويبات على الهامش. ونظراً لهذه التوأمة لم تفدنا النسخة (ج) بشيء سواء معرفة اسم الناسخ، واكتفينا
في مقابلة النسخة الأولى (أ) بالنسخة الثانية (ب). وقد أشرت لهذه النسخة الثالثة بالرمز (ج). النسخة المخطوطة الرابعة (د) وهي النسخة الرابعة من الكتاب في المكتبة المذكورة تقع ضمن (مجموعة كتب آل بن يحيى) في مجلد يحمل رقم (2712). وهو مجلد متماسك الأجزاء، له دفتان ولسان وغلاف جلدي أحمر أبعاد المجلد: طوله 24 سم، وعرضه 17 سم، وارتفاعه 3.5سم، ويحوي المجلد كتابين: الأول عُنون بالعبارة الآتية: (هذا سؤال السلطان غالب بن محسن بن أحمد: ما قول علماء تريم نفع الله بهم فيمن قام بعد السلام من صلاة الجمعة في جامع تريم؟). وهو من تأليف ابن المؤلف واسمه (عمر) والكتاب الآخر: هو كتابنا. وعدد أوراقها 87 ورقة، مقاس الورقة 24 × 17سم. وعدد أسطر الصفحة 15 سطراً، ومتوسط عدد كلمات السطر سبع كلمات تقريباً، وأوراق هذه النسخة بيضاء مستديمة، مرتبة بالتعقيب، خالية من التأطير والعلامات المائية، كُتبت بخط نسخي مقروء حجمه كبير
منقط، والتفصيل والتشكيل نادر، ولون حبره أسود، يستخدم اللون الأحمر في التظليل وعمل اللافتات الفوقية. وهوامشها واسعة احتوت على تصويبات، وبلاغ في هامش الصفحة الأخيرة، أما التصويبات فتختم عادة بكلمة (صح). حالة المخطوطة جيدة فجميع أوراقها سليمة من التبقع والتسوس والخرم. لم يشر الناسخ إلى اسمه أو تاريخ نساخته أو الأصل الذي نقل منه، لكن المجلد كتب بخط واحد كتابنا وكتاب (سؤال السلطان)، وقد كتب الناسخ اسمه في الكتاب الآخر واسمه (علي بن صالح بن أبي بكر بن عبد الله سعيد بن علي الحاج). وهذه النسخة لا ترقى إلى مستوى النسختين السابقتين (أ) و (ب)، بل بينها وبينهما بون شاسع من حيث صحة نصهما ودقتهما واكتمالهما وعناية المؤلف بهما، وقد طالعت هذه النسخة (د) فلم أجد فيها زيادة على النسختين السابقتين، بل بها نقص وأخطاء، ولا توجد بها توطئة المؤلف. وأول المخطوطة: " كتاب السيوف البواتر لمن يقدم صلاة الصبح على الفجر الآخر جمع سيدنا العلامة الحبيب عبد الله بن عمر بن أبي بكر بن
يحيى بن علوي نفع الله آمين به. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا لهذا " وآخرها: " ممن ذكر وأولوه على حسب ما يوافق فهمهم فنسأل الله الحفظ والسلامة وكمال الهداية والاستقامة وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وجميع أتباعه وحزبه آمين ثم آمين ". وقد أشرت لهذه النسخة بالرمز (د). وفيما يأتي صور النسخ الخطية من الكتاب ورسالتي بلفقيه وابن شهاب.
صور النسخ الخطية من الكتاب صورة اللوحة الأولى من نسخة الأصل (أ) ويظهر فيها عنوان الكتاب وتوطئة للمؤلف كتبها بخط يده.
صورة اللوحة الثانية من نسخة الأصل (أ)، وتظهر فيها مقدمة الكتاب
صورة اللوحة قبل الأخيرة من الأصل (أ)
صورة اللوحة الأخيرة من الأصل (أ). وتظهر في الهامش عبارة: (بلغ على مؤلفه).
صورة اللوحة الأولى من نسخة الأصل (ب) يظهر فيها عنوان الكتاب، وتوطئة المؤلف، وتملك السيد حسين بن سهل، وختم وقفه.
صورة اللوحة الثانية من نسخة الأصل (ب)
صورة اللوحة الأخيرة من نسخة الأصل (ب) ويظهر في الهامش عبارة المؤلف التي كتبها بخط يده: (راجعت هذه النسخة وصححتها حسب الإمكان. كتب ذلك جامعها الفقير إلى عفو ربه عبد الله بن عمر بن يحيى علوي).
صورة اللوحة الأولى من نسخة الأصل (ج) يظهر فيها عنوان الكتاب، وتوطئة المؤلف، ووقف السيد حسين بن سهل.
صورة اللوحة الثانية من نسخة الأصل (ج)
صورة اللوحة الأخيرة من نسخة الأصل (ج) ويظهر فيها اسم الناسخ: (أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن حسن الحداد).
صورة غلاف نسخة الأصل (د)
صورة اللوحة الثانية من نسخة الأصل (د)
صورة اللوحة الأخيرة من نسخة الأصل (د) ويظهر في الهامش كلمة: (بلغ).
صورة غلاف مخطوطة «القول الصادق في بيان الفجر الصادق المعترض وإدحاض كلام المعترض» للعلامة عيدروس بن أحمد بن شهاب، وعليها وقف السيد حسين بن سهل.
صورة الصفحة الأولى من مخطوطة «القول الصادق في بيان الفجر الصادق المعترض وإدحاض كلام المعترض»
الصفحة الأخيرة من مخطوطة «القول الصادق في بيان الفجر الصادق» يظهر في آخرها تقريظ العلامة عبد الله بن حسين بن طاهر.
الصفحة الأولى من رسالة «السيف البتار لمن يقول بأفضلية تأخير صلاة الصبح إلى الإسفار» للعلامة عبد الله بن حسين بلفقيه في فتاويه «إتحاف الفقيه» بخط ابنه محي الدين. وهي صورة لصورة المخطوطة.
ثانياً: عملي في إخراج الكتاب وتحقيقه يتلخص عملي في تحقيق الكتاب في الآتي: - عرضت نص الكتاب مصححا مقوَّماً مقابلاً على النسخ الخطية، فجعلت النسخة (أ) نسخة التحقيق المعتمدة (النسخة الأم). لمزاياها سالفة الذكر، وقابلت عليها النسخة (ب)، ووضعت الاختلاف بين النسختين وكذا السقطات بين حاصرتين هلاليتين () في المتن، وأشرت في الهامش إلى هذا الاختلاف، وحين تكون هناك زيادة في (ب) ليست في (أ) قلت في الهامش: أثبتناه من (ب). أما ما قمت بتعديله أو إضافته وليس في النسختين فقد وضعته بين قوسين معكوفين []. - ضبطت النص حسب القواعد الإملائية المتعارف عليها في الوقت الحاضر، ورقمته ونقيته من التصحيف والتحريف والتكرار وشرحت ما كان غامضاً من الألفاظ، وشكَّلت المبهم منه، وأبرزت العناوين والتبويبات وأكملت ما سقط منها وجعلت ذلك بين قوسين معكوفين [].
- عزوت الآيات القرآنية إلى موضعها من السور [السورة: رقم الآية]. وخرّجت الأحاديث والآثار من مظانها في كتب السنة، ونقلت الحكم عليها إن كان في غير الصحيحين (صحيحي البخاري ومسلم). ووثقت بعض ما نقله المؤلف عن غيره حتى يطمئن القارئ إلى سلامة النص. - وضعت ترجمة مختصرة للمؤلف وتعريفاً بالكتاب ووصفاً لنسخه الخطية، وفهارس للمحتويات والآيات والأحاديث والأعلام، وقائمة بمراجع المؤلف ومراجع التحقيق. وعرّفت بالكتب التي وردت في المتن، ووضعت تعريفاً مختصراً للكثير من الأعلام. - استخدمت قوسين مزهرين {} للآيات، وقوسين صغيرين للأحاديث «» مع تثخين الخط، وقوسين صغيرين «» أيضاً لأسماء الكتب ولكن دون تثخين للخط، وللتنصيص قوسين هلاليين (). كما ثخّنت أسماء الأعلام، وفصَلت بين رقم الجزء ورقم الصفحة بـ (/)، ورمزت للصفحة بالرمز (ص)، وللمجلد (م) ولتاريخ الوفاة (ت)، ولمخطوطات مكتبة
الأحقاف للمخطوطات بتريم بالرمز (مخ). واستبدلت الاختصار (ح~) في الأصل المخطوط بـ (حينئذ). وكنت قد علّقت على الجوانب الفلكية التي تناولها الكتاب بشيء من التفصيل، ودعمت ذلك بالمعادلات والجداول والأشكال والرسوم البيانية، لكني رأيت فيما بعد أن هذا التعليق لا ينسجم والمضمون الفقهي للكتاب وربما يذهب بالقارئ بعيدا عن موضوع الكتاب، واستقر رأيي على أن انشر تلك التعليقات الفلكية في مؤلَف مستقل - إن شاء الله - عن دخول وقت صلاة الفجر بمراقبة العلامة الشرعية ودخوله بالحساب الفلكي، وأن أُضمن هذا المؤلَف ما توصلت إليه مع عدد من الإخوة من نتائج في مجال رصد الفجر.
فهرس مقدمة التحقيق الموضوع الصفحة مقدمة المحقق 1 الفصل الأول: التعريف بالمؤلف 2 اسمه ونسبه 2 كنيته ولقبه 2 نشأتهُ وطلبهُ للعلم 2 شيوخه 2 بعض أقرانه وأصحابه 2 مذهبه العقدي والفقهي 2 طرفٌ من سيرته 2 صاحب البقرة 2 القوات الهولندية تحاصر المؤلف وتحاول أَسرهُ (قصة باكلنقان)
الموضوع الصفحة مناظرة بين المؤلف وعالم مكة وشريفها حول مشروعية التدخين 2 المؤلف يحارب المعازف واتخاذ الصور والتزيي بزي الكفار 2 المؤلف والصلاة 2 كرمه وزهده 2 ثناء الناس عليه 2 مكانته العلمية 2 تلاميذه 2 أولاده 2 مؤلفاته 2 المطبوع من كتب المؤلف 2 كتب ورسائل المؤلف المخطوطة: 2 وفاته 2 بعض ملامح الأوضاع السياسية والفكرية لعصر المؤلف 2 الموضوع الصفحة
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب الذي بين أيدينا 2 عنوان الكتاب 2 توثيق اسم الكتاب 2 نسبته إلى المؤلف 2 سبب تأليفه 2 موضوعات الكتاب ونظام ترتيبه 2 منهج المؤلف وأسلوبه في الكتاب 2 مصادر الكتاب 2 تقييم الكتاب 2 رسالة بلفقيه التي يرد عليها الكتاب الذي بين أيدينا 2 علاقة المؤلف ابن يحيى بمؤلف «الرسالة» بلفقيه 2 استعراض رسالة بلفقيه الموسومة «السيف البتار لمن يقول بأفضلية تأخير صلاة الصبح إلى الإسفار» 2
الموضوع الصفحة التعريف بابن شهاب مؤلف «القول الصادق في بيان الفجر الصادق المعترض وإدحاضِ كلامَ المعترض» 2 استعراض رسالة ابن شهاب الموسومة «القول الصادق 2 في بيان الفجر الصادق المعترض وإدحاضِ كلامَ المعترض» 2 الفصل الثالث: وصف النسخة الخطية وعملي في التحقيق 2 أولاً: وصف النسخ الخطية التي اعتمدتها في تحقيق الكتاب 2 النسخة المخطوطة الأولى (أ) النسخة المخطوطة الثانية (ب) النسخة المخطوطة الثالثة (ج) النسخة المخطوطة الرابعة (د) صور النسخ الخطية من الكتاب 2 ثانياً: عملي في إخراج الكتاب وتحقيقه 2
السيوف البواتر لمن يقدم صلاة الصبح على الفجر الآخر تأليف العلامة الفقيه عبد الله بن عمر بن أبي بكر بن يحيى العلوي الحضرمي الشافعي (1209هـ - 1265هـ) تحقيق صالح بن عبد اللاه بلفقيه (1432هـ / 2011م)
توطئة للمؤلف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [توطئة للمؤلف] (الحمدُ للهِ وحدَه، وصلى اللهُ على سيدِنا محمدٍ وآلهِ وصحبهِ وسلم). (¬1) اِعْلَمْ أَيُّها الوَاقِفُ عَلى هذِه «الرِّسالةِ» أَنَّها: كُلَّها أُنْشِئَت؛ لِتَحْقِيقِ عَلاماتِ الفجرِ. فَالبَابُ الأولُ: لِبيانِ أَدلتِها مِنْ كلامِ اللهِ تَعالى. و [الباب] الثاني: لبيانها من كلام رسول الله صلى عليه وسلم. و [الباب] الثالث: لبيانها من إجماع الأمة وأَئِمة المذهب ((¬2). ¬
و [الباب] الرابع: لبيانها من كلام أهل الفلك، وتحقيق وقت ظهورها من كلامهم، الموافق لما جاء به الشرع في الأبواب السابقة. والفصل الأخير: في شروط الشرع في المخبر بالفجر وبقية الأوقات فلكون مقصود هذه «الرسالة» ما ذكرنا. تجد الكلام تكرر في هذه العلامات في جميع الأبواب، فلا تظنه لغير فائدة، إذ القصد من تأليفها نَفْيِ ما وقع الناسُ فيه من الغلط، ودفع توهُّماتهم (الفاسدة) (¬1)، التي تولَّد منها: تقديمهم هذه الصلاة الشريفة على وقتها، وصاروا يدْعون إليه، ويرون من أَخَّرها إلى وقتها مخطئاً. وفقنا الله للصواب بمنه وكرمه. (كتب) (¬2) ذلك جامع هذه «الرسالة» الفقير إلى (عفو) (¬3) الله عبد الله بن عمر بن يحيى (باعلوي) (¬4) (عفا الله عنهم آمين، آمين) (¬5). ¬
مقدمة المؤلف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [مقدمة المؤلف] الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أبلُغُ بها كمال رضاه، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، الذي فضله على من سواه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن نصره ووالاه. أما بعدُ، فقد عم الابتلاءُ في جهتنا (¬1). بتقديم صلاة الصبح وأذانِها على وقتِها المشروع، وعمل بذلك الكثيرُ منهم، وتعصَّبوا عليه، حتى صار إنكاره عندهم غير مسموع، فتنبه لذلك كثير من العلماء والصالحين، فشدَّدُوا النكير على هذا الخرْقِ الشَّنيع في الدين، فرجع بذلك الجمُّ الغفير، وبقي على التقدِيم والتعصبِ اليسيرُ، فألف ¬
بعضهم (¬1) رسالة في الانتصار لذلك الخطأ والزلل، وأكثر فيها من تمويه تصويبه ذلك العمل، وترويجه على من يجهل، فعارضه آخر (¬2) برسالة بيّن فيها الحق كالهالة، نافياً غبار تلك الجهالة، ثم عرض الرسالتين عليَّ، وطلب منِّى أن أنصرَ الحق بما لديَّ، فبادرتُ إلى تأليف هذه «الرسالةِ»، في هذا الشأنِ حذراً من الكتمان الذي وعد الله مرتكبه بالنيران، وبسطت فيها الكلام لينتفع به الخاص والعام، لأن هذا من أهم مهمات الإسلام التي يحتاج إليها كل الأنام. ورَتَّبْتُه على أربعة أبوابٍ: [الباب] الأول: فيما ذكره الله سبحانه وتعالى في بَيَان الفجر. [الباب] الثاني: فيما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شارحاً به كلام ربه عز وجل في ذلك. ¬
[الباب] الثالث: في كلام الفقهاء الذي شَرَحُوا به كلامَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك. [الباب] الرابع: فيما ضبطَ به الموقتون حصةَ الفجر وقدَّرُوها بِهِ. ومن الله أسألُ التوفيقَ والسدادَ وإصابةَ الصوابِ والرشادَ.
الباب الأول: فيما ذكره الله سبحانه وتعالى في بيان الفجر
الباب الأول: فيما ذكره الله سبحانه وتعالى في بيان الفجر [الآية الأولى]: قال الله تعالى {: ... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (¬1). قال البيضاوي (¬2) في «تفسيره» (¬3): (شبه ما يبدوا من الفجر المعترض في الأفق، وما يمتد معه من ظلمة الغبش، بخيطين أبيض وأسود، واكتفى ببيان الخيط الأبيض بقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} عن بيان الأسود؛ لدلالته عليه، وبذلك خرجا من الاستعارة إلى التمثيل، ويجوز أن تكون {مِنَ}؛ للتبعيض، فإن أول ما يبدو بعض ¬
الفجر) (¬1) انتهى. ولما أتى الشربيني ((¬2) في «تفسيره» ((¬3) بهذه العبارة، قال بعدها: (والمعنى على التبعيض: حال كون الخيط الأبيض بعضاً من الفجر، وعلى البيان: حال كونه هو الفجر) ((¬4) انتهى. وعبارة أبى السعود (¬5) في «تفسيره» (¬6) كعبارة البيضاوي (¬7)) وهي أيضاً عبارة ¬
«الكشاف» (¬1). وفي بعض «حواشي الكشاف»): وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما: هل تعرف العرب ذلك؟ - أي: تسمية الفجر، ومقابله من الظلام بالخطين المذكورين في القرآن - فقال: نعم؛ أما سمعت قول أمية - شعراً -: الخيط الأبيض ضوء الصبح منفلق ... والخيط الأسود لون الليل مكمود). وقال النيسابوري ((¬2) في تفسير هذه الآية: (وأطلق الخيط الأبيض على أول ما مد من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود، والخيط الأسود على ما يمتد معه من غلس الليل) (¬3). إلى أن قال: (ويمكن ¬
أن يقال للفصل المشترك بين ما انفجر من الضياء أي: انشق، وبين ما هو مظلم بعد: شِبْهُ (¬1) خطين اتصلا عرضاً، فالذي انتهى إليه الضياء .. خيط أبيض، والذي انتهى إليه الظلام .. خيط أسود. وقد سبق تقرير الصبح في تفسير قوله تعالى: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (¬2) ¬
انتهى (¬1). وعبارته هناك: (الثالثة [قوله تعالى]: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ والنهار}، فالنهار: عبارة عن مدة كون الشمس فوق الأفق، وفي عرف الشرع: بزيادة ما بين طلوع الفجر الصادق إلى [طلوع] (¬2) جرم الشمس، وأما الليل: فعبارة عن مدة خفائها تحت الأفق، أو بنقصان الزيادة المذكورة، وذلك لأن الشمس إذا غابت .. ارتفع رأس مخروط ظل الأرض إلى فوق، فوقع الإبصار داخله (¬3)، إلى أن يظهر الصباح المستنير من جانب الأفق الشرقي، فيكون أول الفجر الكاذب إن كان الضوء مرتفعاً، وبعده أول الصادق إذا قَرُبَ من الأفق ¬
جداً وانبسط النور، حتى إذا غاب رأس المخروط تحت الأفق .. طلع مركز جرم الشمس في مقابله) انتهى (¬1). وقال الشيخ محمد بن علي الشعبي الموزعي الشافعي (¬2) في «تيسير البيان في أحكام القرآن» في الكلام على هذه الآية: (في الآية دليل على أن الحكم معلق بالفجر الثاني، وهو المستطير الأحمر لا الأبيض، وهو قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين) انتهى. وفي كتاب «نهاية الإحكام في آيات الأحكام» للشيخ محمد بن حسن الشهير بدرواز عند الكلام على هذه الآية: (واستُدل بها على أن: الحكم معلق بالفجر الثاني المستطير الأحمر، لا الأبيض) انتهى. ¬
وفي «تفسير الأحمدي لآيات الأحكام» لبعض أئمة الحنفية في الكلام على هذه الآية) والمعنى: أبيح لكم الأكل والشرب من وقت المغرب إلى أن يتبين، أي: يمتاز (¬1) الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فشبه بالخيط الأسود: سواد الليل، وبالخيط الأبيض: الإسفار، وبيَّنه: بالفجر ((¬2) انتهى. فأفادت هذه الآية الكريمة، وكلام من ذُكر من العلماء عليها وغيرهم أن: الفجر [الصادق] يعرف بعلامات أربع وهي: [1] أنه بياض معترض جنوباً وشمالاً. [2] أنه لا يزال يتزايد. [3] وأنه بتزايده يتبين النهار. [4] وأنه تخالط بياضه حمرة. ¬
وفي الحقيقة أنها ثلاث [علامات]: الاعتراض، والتزايد، ومخالطة الحمرة، وأما تبين النهار بالتزايد ففرع التزايد، لكننا زدنا هذا الفرع وعددناه أصلاً؛ لأن المتعصبين إذا صلوا الصبح قبل وقته، وطلب المنكر عليهم من مؤذنهم أو إمامهم أن يريه البياض المعترض .. أشار إلى محل الفجر قائلاً: انظره، فإذا قال: ما رأيت شيئًا، فأين زيادته بعد أذانكم وصلاتكم؟ .. قال: له قد زاد كثيراً، ويكثر من هذا الكلام ونحوه كذباً وتمحلاً (¬1)؛ لتصحيح عمله، أو لاعتقاده أن الكاذب هو الصادق، ويطيل الكلام والجدال، كما وقع لنا مع بعضهم؛ فزدنا هذه العلامة، إذ لا يمكن أحد إنكارها، إذ يأتي لك في (الباب الرابع) أن: وقتي الفضيلة والاختيار للصبح: قدر منزلة، وهي مع اعتدال الليل والنهار: ساعة مستوية إلا سُبع ساعة، وبعد ذلك الإضاءة التامة، وهي وقت الجواز، وزمن أذانهم، وركعتي الفجر، وانتظارهم، وصلاتهم، يستغرق نحو ¬
الآية الثانية
نصف المنزلة، فلو صدقوا في طلوع الفجر .. لظهر بعد صلاتهم ضوءٌ بيِّنٌ، يتبينُ به أن ذلك أول النهار، وإذا لم يظهر - كما هو المعروف- .. فقد تبيَّن غلطهم، وتقدم صلاتهم على وقتها. وكلها مفهومة من (ال) في قوله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ}، إذ هي للعهد الذهني. والمعنى: من الفجر المعروف عند العرب، وهم لا يطلقون ذلك إلا على البياض المتصف بهذه الأربع العلامات. ويدل على الاعتراض: تشبيهه تعالى بياض الفجر وسواد الليل بالخيطين: الأبيض، والأسود. وعلى تزايده وتبين النهار به: [الآية الثانية]: قوله تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} (¬1). قال البيضاوي: (يغطيه، ولم يذكر عكسه؛ للعلم به أو لأن اللفظ يحتملهما؛ ولذلك قُرِئ: {يُغْشِي اللَّيْلَ النهار} ¬
الآية الثالثة
- بنصب الليل، ورفع النهار (¬1) -. إلى أن قال: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}: يعقبه سريعاً، كالطالب له لا يفصل بينهما شيءٌ) ((¬2) انتهى. وفي «تفسير الشربيني»: [الآية الثالثة: قوله تعالى]: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)} (¬3): أي امتد حتى يصير نهاراً بيِّناً، يقال للنهار إذا زاد: تنفس) ((¬4) انتهى. وقال الشيخ تقي الدين بن حجة في «شرحه للبديعية» ((¬5): ¬
الآية الرابعة
(وأحسن الاستعارات ما قرب منها دون ما بعد، وأعظمها في هذا الباب قوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)}، فإن ظهور الأنوار من المشرق من أشعة الشمس قليلاً قليلاً، بينه وبين إخراج النفس مشابهة شديدة القُرب) انتهى. وقال الشربيني على قوله سبحانه (وتعالى) (¬1): [الآية الرابعة]: ({وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} (34) ((¬2): أَضَاءَ وتبيَّن) ((¬3) انتهى. ويدل على: أنه بياض تخالطه حمرة؛ فهو مُشرَّب بها ((¬4)، وهذا أفضل الألوان؛ ولهذا وُصف به بياضه - صلى الله عليه وسلم - ((¬5). ¬
فالمراد بالأحمر في الأحاديث وكلام العلماء: أن بياض الفجر مُشرَّب بها، لا الحمرة الخالصة [كما] (¬1) مرّ. وقوله تعالى: ({وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)}، {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)}، قال في «القاموس» ((¬2): (الصبح: الفجر) (¬3). وقال فيه (الفجر: ضوء الصباح، وهو حمرة الشمس في سواد الليل) (¬4) انتهى. فعلم به: أن الصبح عند العرب هو ضوء الصباح، الذي هو حمرة الشمس في سواد الليل، فالمراد بضوء الصباح البياض الذي تخالطه تلك الحمرة، واحترز بقوله: (في سواد الليل) عن الحمرة التي قبل الشمس، إذ هي لا تكون فيه بل في بياض النهار، وبين ذلك أن الصبح بياض مُشرَّب بحمرة، قول الدميري في «شرح ¬
المنهاج» (¬1) - لما ذكر الماتن: (الصبح) -: (وسميت بذلك لأنها تفعل بعد الفجر، الذي يجمع بياضاً وحمرة فإنه يقال وجه صبيح للذي فيه بياض وحمرة) (¬2) انتهى. وقال القليوبي في «حاشيته على التحرير» (¬3): (قوله: (فوقت الصبح) الصبح: اسم أصالةٍ لما اشتمل على بياض وحمرةٍ، سميت بذلك لاشتمال وقتها عليه) انتهى. وقال ابن العماد في «القول التمام» (¬4): (وللصبح خمسة ¬
علامات الفجر الكاذب
أسماء: الأول: الصبح: وكانت صبحاً؛ لأن وقتها أصبح، والأصبح: الذي فيه بياض مختلط بحمرة قيل: وهو أحسن الألوان.) انتهى. ونحوه في «المغني» للشربيني ((¬1). وهذه الحمرة تضعف بقوة الضياء والإسفار، حتى تكاد تذهب معه ومع وقت الجواز؛ ولذا قال الطائي - كما في «الكشاف» -: (وأزرقُ الفجرِ يبدو قبل أبيضهِ ? وأولُ الغيثِ رشٌ قبل ينسكبُ). واعلم أن: علامات الفجر الكاذب عكس علامات الصادق فهو: [1] مستطيل لا معترض. [2] ولا يتزايد. [3] ولا يتبين به النهار. [4] ولا تخالطه حمرة. والله أعلم. ¬
الباب الثاني: فيما جاء عن رسول - صلى الله عليه وسلم - مبينا به كلام ربه عز وجل في الفجر
الباب الثاني: فيما جاء عن رسول - صلى الله عليه وسلم - مبيناً به كلام ربه عز وجل في الفجر وفيه أطراف: الطرف الأول:-[بيان علامات الفجر الأربع]-: فيما يستفاد منه علامات الفجر الأربع؛ لأنه بيان لقوله تعالى: {وكلوا واشربوا} الآية. . قال الشعراوي (¬1): في «المنهج المبين في أدلة المجتهدين» - ملتقطاً من أبواب متفرقة -: (روى الشيخان: عن عدي بن حاتم قال: لما نزلت {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. الآية، عَمَدت إلى عقالين: عقال أبيض، وعقال أسود، فجعلتهما تحت ¬
وسادتي، فجعلت أقوم من الليل، فأنظر، فلا يتبين لي، فلما أصبحت، غدوت إلى رسول - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرته .. فضحك، وقال: «إن كان وسادك لعريض (¬1)، إنما ذاك بياض النهار وسواد الليل» (¬2). وفي رواية لهما عن سهل بن سعد، قال نزلت هذه الآية: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ (}. ولم ينزل {مِنَ الْفَجْرِ}، وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم (على) (¬3) رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب، ¬
حتى يتبين له رِئْيُهما، فأنزل الله عز وجل بعد ذلك: {مِنَ الْفَجْرِ}. فعلموا بذلك أنه إنما يعني بذلك: الليل والنهار (¬1). وروى البيهقي (¬2) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الفجر: فجران: فأما الأول: فإنه لا يحرم الطعام، ولا يحل الصلاة، وأما الثاني: فإنه يحرم الطعام، ويحل الصلاة» (¬3). وروى ¬
البخاري ((¬1)، وغيره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن بلالاً ينادي بليل، فكلوا، واشربوا .. حتى ينادي ابن أم مكتوم». قال ابن شهاب: (وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى، لا ينادي .. حتى يقال له: أصبحت، أصبحت) (¬2). وفي رواية: (أذِّن»). وفي «تيسير (الأصول)» (¬3) للديبعي (¬4)): (عن أبي موسى رضي الله ¬
عنه (¬1): «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاه رجل سائل فسأله عن مواقيت الصلاة .. فلم يرد شيئًا، قال: وأمر بلالاً .. فأقام الفجر حين انشق الفجر» (¬2). الحديث بطوله، قال أخرجه مسلم، واللفظ له، وأبو داود، والنسائي ((¬3) (¬4). وفيه: (عن بريدة رضي الله عنه: أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن وقت الصلاة، فقال له: «صل معنا هذين اليومين» (¬5)، فلما زالت الشمس .. أمر بلالاً فأذن - إلى ¬
أن قال -: «ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر الحديث». قال: (أخرجه مسلم والترمذي، والنسائي (¬1). وفيه - من حديث [عبد الله بن] (¬2) عمرو بن العاص - رضي الله [عنهما] (¬3) -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ووقت الصبح من طلوع الفجر إلى أن تطلع الشمس». أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي (¬4). وفيه - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أول ¬
الفجر حين يطلع الفجر، وأن آخر وقتها حين تطلع الشمس» أخرجه الأربعة ((¬1) إلا أبا داود، وهذا لفظ الترمذي ((¬2) انتهى. وإذا تقرر ما مرّ في الباب الأول عن «القاموس»، و «النجم الوهاج» للدميري، و «حاشية شرح التحرير» للقليوبي، و «القول التمام»، و «مغني» الشربيني أن: الصبح - في لغة العرب -: هو الفجر: وهو البياض المشرب بالحمرة. وعَلِمْتَ هذه الأحاديث الواردة عن أفصح العرب - صلى الله عليه وسلم - .. تحققت أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد بقوله: «إنما ذاك بياض النهار» الضوء المعترض المتزايد المبين للنهار المشرب بالحمرة، وكذا قوله: (وأما الثاني الخ)، وقوله: «فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم»، وتبيين ابن شهاب أنه: «لا ينادي حتى يُقال له أصبحت، أصبحت»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ووقت الصبح من طلوع الفجر»، وقوله: «وإن أول الفجر حين يطلع الفجر»، وأمره بلالاً بإقامة الفجر حين ¬
الطرف الثاني: العلامة الأولى: الاعتراض
انشق الفجر، وقول سهل (بن سعد) (¬1): (لما نزل {مِنَ الْفَجْرِ} فعلموا بذلك أنه إنما يعني بذلك الليل والنهار). كلها تفيد ذلك، لكننا نذكر لكل علامة طرفاً يخصها، زيادة إيضاح وبيان واعتناء بهذا الشأن، الذي اعتنى ببيانه أفضل الإنس والجان - صلى الله عليه وسلم -. الطرف الثاني: -[العلامة الأولى: الاعتراض]- في أن الفجر هو المعترض جنوباً وشمالاً: وفي «المنهج المبين»: (وروى مسلم، عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا، حتى يستطير هكذا» وحكى حماد بيده وقال ((¬2): (يعني: معترضاً) ((¬3). وروى البيهقي مرسلاً، عن محمد بن عبد الرحمن بن ¬
ثوبان أن: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «هما فجران، فأما الفجر الأول: - الذي كأنه ذنب السِّرحان - .. فإنه: لا يحل شيئاً ولا يحرمه، وأما المستطيل: الذي يأخذ بالأفق، فإنه يحل الصلاة، ويحرم الطعام» ((¬1)، ولما ذكر حديث: بيان جبريل - عليه السلام - الأوقات ¬
للنبي - صلى الله عليه وسلم - ((¬1) عن ابن عباس ((¬2) - رضي الله عنهما -، قال: (وفي بعض طرق الحديث: «ثم جاء - يعني: جبريل - حين سطع الفجر ¬
للصبح، فقال: قم يا محمد فصل، فصلى بي الصبح» (¬1). قال في «القاموس»: (سَطَعَ الغُبار: كمَنَع، سُطوعاً، وسَطيعاً، (كأَميراً) (¬2)، وهو قليل: ارتفع، وكذا البرقُ، والشعاعُ، والصبحُ) (¬3). وفي «الصحاح»: (سطع الغبار والرائحة والصبح، يسطع سطوعاً: إذا ارتفع). وفي «القاموس»: ¬
(المُسْتَطِيرُ السَّاطِعُ: المُنْتَشِرُ) (¬1). وفيه أيضاً: (انتشر: انبسط .. والنهار: طال وامتد) (¬2) انتهى. قال فيه: (طال طُولاً - بالضم -: امْتَدَّ، كاسْتَطالَ). وفيه أيضاً (استطال: امتد وارتفع) (¬3) انتهى. وفي «العزيز» للرافعي: (استطار الفجر: إذا انتشر ضوءه). انتهى. فعلم بهذا أن: لفظ الاستطارة، والاستطالة، والسطوع، والانتشار، متى عبر بها الشارع - صلى الله عليه وسلم - أو العلماء في تعريف الفجر الصادق .. فمرادهم: امتداد نوره جنوباً وشمالاً، وارتفاعه إلى ناحية المغرب، وانبساطه في ذلك، وتبين النهار به، فكل لفظ من هذه الألفاظ الأربعة يفيد كل ذلك. وفي «المنهج المبين» أيضاً من راوية البيهقي: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يغرنكم من سحوركم: أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل، حتى يستطير» يعني: معترضاً) انتهى. ومن كتاب «التلخيص ¬
[الحبير] (¬1) في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» للشيخ ابن جحر العسقلاني ((¬2) قوله: (أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يغرنكم الفجر المستطيل، فكلوا، واشربوا، حتى يطلع الفجر المستطير» أخرجه الترمذي بلفظ: «لا يغرنكم عن سحوركم أذان بلال، ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق». وهو في «صحيح مسلم» بألفاظ منها «لا يغرنكم عن سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا، حتى يستطير» ((¬3)، وفي «الصحيحين» [قوله - صلى الله عليه وسلم -] «أن الفجر: ليس هو الذي يقول هكذا: وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض، ولكن الذي يقول هكذا: ووضع المسبحة على المسبحة ومدّ ¬
يديه» (¬1)، زاد البخاري: (عن يمينه وشماله) وله ألفاظ. وروى الدارقطني من حديث عبد الرحمن بن [عايش] ((¬2) [أنه قال] (¬3): «الفجر: فجران: فأما المستطيل في السماء .. فلا يمنعن السحور، ولا تحل فيه الصلاة، فإذا اعترض .. فقد حرم الطعام، وحلت الصلاة» ((¬4) انتهى. وقال الحافظ المنذري ((¬5) في «مختصره لسنن ¬
أبي داود») عن بلال رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «له لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا: ومد يده عرضاً» (¬1)) انتهى. وفي «سنن البيهقي الكبرى») عن شداد مولى [عياض] ((¬2) قال: (جاء بلال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتسحر - فقال: «لا تؤذن حتى ¬
تنبيهات
ترى الفجر»، ثم جاءه من الغد فقال: «لا تؤذن حتى يطلع الفجر»، ثم جاءه من الغد، فقال: «لا تؤذن حتى ترى الفجر هكذا: وجمع يديه ثم فرق بينهما» (¬1) انتهى. تنبيهات الأول: لا تعارض هاتان الروايتان، وغيرهما، ما مرّ أن: بلالاً يؤذن بليل. لحمل ذلك على أن أذاني الصبح كانا مناوبة، بين بلال وابن أم مكتوم، فتكلم - صلى الله عليه وسلم - بحسب الواقع في كل نوبة. الثاني: لا تعارض بين وصفه - صلى الله عليه وسلم -: الفجرين بالاستطالة، والاستطارة؛ لأنه إذا وُصف بهما الكاذب أراد: طوله، وارتفاعه المتناهي الذي لا ¬
يتزايد؛ ولذا قال فيه: كذنب السرحان». وبالنسبة إلى محله في الطول: وهو طول السماء الذي هو بين المشرق والمغرب، ودقته في عرضها وهو: الجنوب والشمال، وبعده: وهو ارتفاعه عن الأفق الشرقي. وإذا وصف بهما الصادق أراد: طوله في الجنوب والشمال [الغير متناهي] (¬1)، وارتفاعه في جانب المغرب [الغير متناهي] (¬2). الثالث: جمعه كفه الشريفة - صلى الله عليه وسلم -؛ أشار بذلك إلى: طول الكاذب، ودقة عرضه، وتنكيسه لها؛ أشار به إلى: أنه ينزل إلى الأفق الشرقي، ووضعه المسبحة على المسبحة؛ أشار به إلى: اعتراض الصادق؛ ولذا جاء في بعض الروايات - كما في «فتح الباري» (¬3) و «القسطلاني»: (أنه فرق بينهما بعد جمعهما) وتبين ذلك زيادة البخاري المارة. (¬4) ¬
الطرف الثالث: العلامة الثانية: التزايد
الطرف الثالث: -[العلامة الثانية: التزايد]- في تزايد الفجر الصادق: قال في «المنهج المبين» (باب: الفجر: فجران: ودخول وقت الصبح بالآخر منهما ما روى البيهقي ((¬1) ¬
وغيره ((¬1) وقال روينا موصولاً، ومرسلاً، وإرساله أصح: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الفجر فجران: فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان، فلا يحل الصلاة، ولا يحرم الطعام. وأما الذي يذهب مستطيلاً في الأفق فإنه يحل الصلاة، ويحرم الطعام» (¬2). ومرّ في (الطرف الثاني) في الحديث الثاني منه قوله - صلى الله عليه وسلم - في بيان الصادق: «وأما المستطيل الذي يأخذ بالأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام» انتهى. فقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذين الحديثين: (يَذْهَبُ) و (يَأْخُذُ) بلفظ المضارع الدال على: التجدد، والتكرار بين به: أن الفجر الصادق يتزايد بتجدد استطالته المتكررة، حتى يعم السماء ويبَين النهار، بخلاف الكاذب؛ ولذا يصفه بالاستطالة من غير ذكر الأخذ والذهاب؛ لكونها متناهية. ¬
وفي «التلخيص [الحبير] (¬1) للعسقلاني»: (أن الزهري روى في كتاب (معرفة وقت الصبح) أنه - صلى الله عليه وسلم - ((¬2) قال: «ليس الفجر الذي يسطع في السماء، ولكن الفجر الذي يتبين على وجوه الرجال» انتهى. أي: تَتَبِينُ به وجوه الرجال لظهور ضوئه عليها. وفي «سنن البيهقي الكبرى» (¬3) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (الفجر: فجران: فجر يطلع بليل، يحل فيه الطعام والشراب ولا تحل فيه الصلاة وفجر تحل فيه الصلاة ويحرم فيه الطعام والشراب: وهو الذي ينتشر على رؤوس الجبال) ((¬4). وفي «تيسير ¬
الأصول» ((¬1): في الحديث الذي رواه أبو المنهال عن أبي برزة - رضي الله عنه - الذي بين فيه: أوقات صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال فيه في الصبح: «وكان ينفتل ((¬2) من صلاة الغداة حين يعرف المرء جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة». أخرجه الخمسة ((¬3) [إلا الترمذي] ((¬4) انتهى. ¬
قال القسطلاني في شرح هذا الحديث: (وقدرها - أي: قراءته - صلى الله عليه وسلم - بما ذكر في رواية الطبراني بالحاقة ونحوها) (¬1) انتهى. فقوله: «حين يعرف المرء جليسه» أي: بسبب زيادة ضوء الفجر، مع أنه كان مع ابتدأ الصلاة لا يعرفه لقلتها، وتقدير الطبراني للقراءة في تلك الصلاة (بالحاقة) ونحوها، ووصف العلماء صلاته - صلى الله عليه وسلم - كما في الأحاديث الصحيحة بالتمام، مع التخفيف، وبالتغليس بالصبح، يبين أن: من صلى الصبح صلاة خفيفة تامة، قرأ فيها القدر المذكور أو طفف الصلاة، لكن بعد زعمه طلوع الفجر، مضى قدر الصلاة التامة المذكورة، وركعتي الفجر، والأذان، والإقامة، ولم تظهر الزيادة المذكورة التي يتبين بها وجه الجليس بعد أن كان لا يتبين .. فصلاته قبل الوقت حقيقة؛ لأن الزمن الذي يسع هذا المقدر يستغرق وقت فضيلة الصبح أو معظمه - كما يأتي بيانه - فإذا مضى ولم يظهر لضوء الفجر ¬
الطرف الرابع: العلامة الثالثة: تبين النهار بعده
زيادة يعرف بها الإنسان ما قرب منه، بعد أن كان لا يَعْرِفُهُ؛ من ظلمة الليل، بان كذب من زعم طلوع الفجر وأنه غلس بالصلاة عملاً بالسنة؛ لتكذيب السنة له بهذه الأحاديث والتي مرت في الطرفين قبل هذا، إذ يلزم من اعتراض الفجر وارتفاعه .. زيادة النور وقلة الظلمة، ويلزم من ذلك اتضاح ما لم يكن واضحاً قبل ذلك، ولا يزال يزداد النور ويزداد الاتضاح حتى يتبين النهار؛ ولذا لما طوَّل سيدنا أبو بكر رضي الله عنه القراءة في الصبح فقرأ في الركعتين البقرة .. استغرقت صلاته معظم وقت الصبح حتى قال له سيدنا عمر رضي الله عنه: (كادت الشمس أن تطلع)، كما يأتي وأتى في الحديث بلفظ «كان يَنْفتِل» ليدل به على: أن هذا هو الأكثر من أحواله - صلى الله عليه وسلم -، كما نبه على ذلك القسطلاني. وبالجملة فإذا ظهر الفجر .. فلا بد من زيادة الضوء والنور كل حين إلى أن يتبين النهار، لا ينكر ذلك أحد. الطرف الرابع: -[العلامة الثالثة: تبين النهار بعده]- في تبين النهار بتلك الزيادة: فأدلة الطرف الذي قبل هذا أدلة لذلك؛ لأن هذا فرع ذاك، وكذلك الأدلة التي في الطرف الأول، والثاني أدلة
الطرف الخامس: العلامة الرابعة: الحمرة
لهذا أيضاً ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن عدي بن حاتم رضي الله عنه: «إنما ذاك بياض النهار من سواد الليل» انتهى. أي: البياض الذي يتبين به النهار؛ لإزالته سواد الليل. ومن ذلك قول سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما - من روايتهما أيضاً- (فعلموا بذلك أنه: إنما يعني بذلك الليل والنهار) انتهى. فعلموا أي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه - أي: الحق سبحانه - إنما يعني بذلك - أي: بالخيطين الأبيض والأسود -: الليل والنهار - أي: تبين النهار بإقباله بزيادة النور الطارد لظلمة الليل الهاربة منه. الطرف الخامس: -[العلامة الرابعة: الحمرة]- في أن أول الفجر مشرَّب بحمرة: قال الحافظ بن حجر في «التلخيص» - المار- عند ذكره بيان الفجر الصادق: (وروى أبو داود، والترمذي، والدارقطني من حديث قيس بن طلق بن علي عن أبيه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (كلوا واشربوا ولا يهيدنكم ((¬1) - وفي لفظ - ولا ¬
يغرنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر) انتهى. وفي لفظ الترمذي في «سننه»: (باب: ما جاء في بيان الفجر حدثنا هناد (بنا) (¬1) ملازم بن عمرو حدثني عبد الله بن النعمان عن قيس بن طلق قال: حدثني أبي طلق بن علي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر». قال وفي الباب عن [عدي] ((¬2) بن حاتم وأبي ذر وسمرة، قال أبو عيسى: (حديث طلق بن علي: (حديث حسن غريب). والعمل على هذا عند أهل العلم أنه: لا يحرم على الصائم الأكل والشرب حتى يكون الفجر الأحمر المعترض، وبه يقول عامة أهل العلم). انتهى لفظ «سنن الترمذي» بحروفه ((¬3). ¬
وفي «التحفة» ابن حجر الهيتمي ((¬1) - بعد كلام يتعلق بالفجرين - ما لفظه (فالحاصل أنه أي: الكاذب: نور يبرزه الله من ذلك الشعاع - (أي: شعاع الشمس) ((¬2) - أو يخلقه حينئذ علامة على قرب الصبح، ومخالفاً له في الشكل، ليحصل التمييز، وتتضح العلامة العارضة من المعلم عليه المقصود، فتأمل ذلك فإنه غريب مهم، وفي حديث عند أحمد: «ليس الفجر الأبيض المستطيل في الأفق ¬
ولكن الأحمر المعترض» (¬1). وفيه شاهد لما ذكرته آخراً) انتهى ((¬2). فحديث أحمد هذا موافق لحديث طلق في: أن العلامة الفارقة بين الفجرين، كون الصادق مشرباً بالحمرة والكاذب خالياً عنها. وتأمل استشهاد ابن حجر به لتلك العلامة فقوله: (وفيه أي: حديث أحمد) وقوله: (شاهد لما ذكرته آخراً) أي: دليل لقولي ومخالفاً له في الشكل أي: المثل والشبه، فهما وإن اتفقا في البياض .. فقد اختلفا في: أن الأول: مستطيل خال عن الحمرة، والثاني: معترض مشرب بالحمرة؛ ولذا قال: ليحصل التمييز، وتتضح العلامة العارضة من المعلم عليه المقصود، إذ العلامة هي: الكاذب، والمعلم عليه هو: الصادق. فاستشهاد العسقلاني بحديث طلق على بيان الفجر الصادق، وتبويب الترمذي له بباب: ما جاء في بيان الفجر، وذكره: أن عليه ¬
تنبيهات
عمل أهل العلم، وبه يقول عامتهم، واستشهاد ابن حجر الهيتمي بحديث أحمد الموافق له في المعنى على الفرق بين العلامة والمُعلم عليه المارين .. يبين لك: أن كون أول الفجر الصادق بياضاً مشرباً بالحمرة .. أمر اتفق عليه العلماء. وقد مرَّ في (الباب الأول) ما يبين ذلك من الآيات، وكلام الفقهاء، واللغويين. ويأتي في (الباب الثالث) عن الغزالي التصريح بذلك. فالعجب كل العجب لمؤلف تلك «الرسالة» إذ خالف من ذُكر، فقال - ما معناه -: أن استدلال الناهين لأهل بلدة عن تقديم الصلاة على الفجر الأحمر المذكور في حديث الترمذي .. ترويج للباطل، واستدلال بما لا يصلح دليلاً (¬1). وقد علمت مما مرَّ أن: ذلك هو الحق، وخلافه هو الباطل باتفاق عامة أهل العلم. تنبيهات: الأول: عبر - صلى الله عليه وسلم - في تحذيره الصائمين والمصلين، عن الأخذ بالأذان الأول، وبياض الفجر الكاذب، بقوله: «لا يغرنكم» وقوله: «لا ¬
يهدينكم» قال في «القاموس»: (غَرَّهُ غَرّاً وغُرُوراً و (غِرَّةً) (¬1) - بالكسر - فهو مَغْرُورٌ و (غَرِرٌ) (¬2): خَدَعَهُ وأَطْمَعَهُ بالباطِلِ) (¬3) انتهى. وقال في مادة خَدَعَ: (خَدَعَهُ: كمَنَعَهُ خَدْعاً ويُكْسَرُ، خَتَلَهُ وأرادَ به المكروهَ من حيثُ لا يَعْلَمُ ((¬4) انتهى. وقال في مادة (هَادَ): (هَادَهُ الشَّيءُ يَهِيدُهُ هَيْداً وهَاداً: أَفْزَعَهُ إلى أن قال: وأزالَهُ وصَرَفَهُ وأَزْعَجَهُ وزَجَرَهُ) (¬5) انتهى. فمعنى لا يغرنكم: لا يخدعكم ويطمعكم بالباطل ويوقعكم من حيث لا تعلمون فيما يكرهه الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -: من تقديم الصلاة على وقتها، والإمساك عن المفطرات قبل وقته، أذان من يؤذن قبل ¬
الفجر الصادق، (أو) (¬1) رؤية بياض الكاذب، ومعنى لا يهيدنكم: لا يزلَّكم عن الحق الذي أتيتكم به، من إيقاع الصلاة بعد طلوع الفجر الصادق، وإمساك الصائم عنده، ما ذكر، ولا يصرفكم ولا يزجركم عنه، ولا يزعجكم؛ فتقدموهما على وقتهما من غير تأن وتأمل للعلامة الفارقة بين الفجرين. وأكد - صلى الله عليه وسلم - التحذير من ذلك الغرر والانخداع، والانزعاج، الناشئ من اشتباه الفجرين، بنون التوكيد الثقيلة، وفي ذلك إيماء إلى علم من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - وهو: أن كثيراً من أمته يغرهم ويخدعهم ويزعجهم ما ذكر. ويؤيده إكثاره - صلى الله عليه وسلم - في بيان وقت الصبح زيادة على غيره من الأوقات. الثاني: في تعبيره - صلى الله عليه وسلم - بهذين اللفظين، وتأكيده ذلك بالنون .. إرشاد لأمته إلى مزيد التثبت في هذا الوقت، والتأني فيه، وترك العجلة قبل تحقق علامات الفجر المارة، وأن أوله يخفى على كثير من الناس حتى من العارفين بعلامات الفجرين فيقعون في الغلط. ولذا قال: البيهقي في «سننه الكبرى»: (باب إعادة صلاة من افتتحها - أي الصبح - ¬
قبل طلوع الفجر - إلى أن قال: عن أنس بن مالك أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه صلى بهم الصبح بليل، فأعاد بهم الصلاة، ثم صلى بهم، فأعاد بهم ثلاث مرات، وروى في ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما) ((¬1). انتهى كلام البيهقي. وقوله ورُوى في ذلك عن ¬
ابن عمر أي: رُوي عنه إعادته صلاة الصبح الواقعة قبل طلوع الفجر الآخر، فإذا كان وَقَع الغلط في الفجر من هذين الصحابيين الجليلين، وخفي عليهما مع كمال معرفتهما بعلاماته، وتلقيهما لها منه - صلى الله عليه وسلم - .. فكيف يستبعد خفاه على عالم من أهل زماننا، أو جملة من علمائه، وكيف لا يتأدبون بآداب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويَرجعون عن غلطهم، ويعيدون صلاتهم، ويبينون لمن اقتدى بهم ذلك. الثالث: مرّ في التنبيه الأول: أن معنى لا يغرنكم: لا يخدعكم، ولا يطمعكم بالباطل، ويوقعكم من حيث لا تعلمون فيما يكرهه الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فالمؤذن المرصد لأذان الفجر الصادق، ومن يخبر الناس به، إذا وقع أذان الأول وإخبار الثاني قبل طلوع
الصادق يكونان خادعين لمن اعتمدهما، (مروِّجين) (¬1) عليه الباطل، موقعين له فيما يكرهه الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، بنص هذه الأحاديث المبتدأة بـ «لا يغرنكم»، وقد علم ما جاء عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -: من الزجر، والوعيد الشديد، لمن خدع مسلماً، أو روج عليه الباطل، وغشه به، أو أوقعه فيما يكره، حتى أجمع العلماء على: أنه من الكبائر، وهو في أمور الدين أشد وأعظم، والمؤلف في تأييد هذا الأمر الشنيع .. أشد خطراً وإثماً؛ لاعتماد الناس على كلامه، وبقائه بعده، ولا عذر لهم في قولهم: ما أردنا إلا الحق حسب ما علمنا، خصوصاً بعد نهي العلماء لهم ولغيرهم عن ذلك، وتأليفهم في إنكاره، ¬
إذ لا عذر للجاهل المقصِّر في التعلّم .. فكيف من بلغه الحق .. فأعرض عنه وصمم ((¬1). الرابع: في قوله - صلى الله عليه وسلم - في الفجر الكاذب: «فإنه لا يحرّم الطعام ولا يحلّ الصلاة» .. تنبيه تام، وتحذير بليغ للمؤذن للفجر، والمخبر به، بكونهما محرمين، محللين؛ لأنهما إن أصابا الوقت .. فقد وافقا الله فيما حرمه وحلله؛ فهما من الدعاة للحق، فيرجى لهما الفضل العظيم، الذي وعد الله به الدعاة إليه الدالين عليه. وإن [أخطأا] (¬2) الوقت .. فقد خالفا الله سبحانه؛ إِذْ حرّما ما أحله، وأحلا ما حرمه؛ فيستحقان ما جاء من الوعيد والعذاب الشديد الذي وعد الله به من دعا إلى الضلال، ونهى عن المعروف، وأمر بالمنكر، وقضى به؛ لما مرّ من عدم عذرهما، وهذا من أعظم الكبائر وأشدها، والتصنيف في نصرته أعظم وأشد؛ لما مرَّ. ¬
الخامس: أكثر مؤلف تلك «الرسالة» من نقل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصحابة، وأئمة المذهب: من ندب تعجيل الصلاة أول وقتها، ومبادرته - صلى الله عليه وسلم - بصلاة الفجر، وتغليسه بها (¬1)، كما مرّ من حديث أبي برزة: «أنه كان ينفتل منها حين يعرف المرء جليسه»، وكحديث عائشة رضي الله عنها: (أن نساء المؤمنين ينصرفن من الصلاة معه - صلى الله عليه وسلم - متلفعات بمروطهن (¬2) لا يعرفن من الغلس ((¬3) ((¬4)، وكحديث ¬
أنس رضي الله عنه: (أن بين سحوره - صلى الله عليه وسلم - وقيامه لصلاة الصبح قدر خمسين آية) ((¬1)، وجميع ذلك دليل لندب تعجيل الصلاة أول وقتها بعد تحقق دخوله، وليس فيه تعريف لعلامات الفجر الذي يتبين بها أوله، وكل ما أسلفناهُ فيهِ تعريفٌ لعلاماتهِ - كما مر-؛ ولذا تجد علماء الحديث، والفقه يستدلون بما ذكرناه على: بيان الفجر، وتحقيقه، وبما ذكرهُ على تعجيل الصلاة بعد التحقق، فإذا رأى الإنسان ابتداء اعتراض البياض المشرب بالحمرة الذي لا يزال يتزايد .. فهو أول الوقت، فيندب له حينئذ الاشتغال بالصلاة، فإن صلى الصبح ولم ير لزيادة النور أثراً زائداً على ما اعتقده أول الوقت حين شرع في ¬
متى يصلي رسول الله صلاة الفجر؟
الصلاة .. فصلاته باطلة؛ بشهادة ما مرّ لك في هذا الباب والذي قبله، إذ التغليس المراد به في هذه الأحاديث ونحوها كما قال السيوطي ((¬1) في «الدر النثير») الغَلسُ: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح. وغلَّسَ تَغْلِيساً: أتى في ذلك الوقت) انتهى. ولما ذكر في «مشكاة المصابيح» ((¬2) الحديث الذي أخرجه الشيخان عن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما لما سئل عن وقت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال في بيان صلاته - صلى الله عليه وسلم - الصبح: (والصبح بغلس) ((¬3). قال ابن حجر ¬
الهيثمي في شرحه ما لفظه: وكان يصلي الصبح بغلس أي: في وقت ظلمة آخر الليل المختلطة بضوء الصباح، وذلك بعيد طلوع الفجر) انتهى. وقد مرّ لك غير مرة: أن ضوء الصباح هو البياض المشرب بالحمرة، المعترض المتزايد كل حين، فمن اعتقد طلوعه وصلى لم يرَ زيادة انتشاره ونوره بعد صلاته .. فشروعه في الصلاة واقع قبل طلوعه لا محالة؛ لأن ضوء الفجر يطلب ظلمة الليل طلباً حثيثاً، كما مرّ في الكلام على قوله تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (فيه) (¬1) (يأخذ) و (يذهب) (¬2) أي: دائم السير والزيادة وقوله:) الذي تتبين به وجوه الرجال (((¬3) وقد علمت الكلام الذي مرّ عن «سنن الترمذي» على حديث طلق بن علي واتفاق عامة أهل العلم على: أنه لا يحرِّم الطعام والشراب على الصائم إلا الفجر الأحمر ¬
المعترض. واسمع الآن إلى كلامه في التغليس لتعرف به صحة ما قلنا، قال رحمه الله: باب ما جاء في التغليس بالفجر: (حدثنا قتيبة عن مالك بن أنس وأنا (¬1) الأنصاري نا (¬2) معن نا مالك عن يحيى بن سعيد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي الصبح، فينصرف النساء، قال الأنصاري: فيمر النساء متلففات بمروطهن، لا يعرفن من الغلس» ((¬3)، وقال قتيبة: (متلفعات) ((¬4). وفي الباب عن ابن عمر وأنس وقيلة بنت مخرمة قال أبو عيسى: (حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو الذي اختاره غير واحد من أهل العلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم: أبو بكر، وعمر، ومن بعدهم من التابعين، وبه يقول: الشافعي، وأحمد، وإسحاق ¬
فيستحبون التغليس بصلاة الفجر.) (¬1) انتهى. فالترمذي قال في الباب السابق في (الطرف الخامس) بعد إيراده حديث طلق ((¬2): أن عليه عامة أهل العلم. وذكر في هذا الباب: أن التغليس: هو الذي اختاره غير واحد من أهل العلم: من الصحابة، ومن ذكره بعدهم. فعلم بهذا: أن (الذين) (¬3) اختاروا التغليس بعض عامة أهل العلم القائلين: أن الفجر هو الأحمر؛ فيلزم أن التغليس: هو أن يدخل في الصلاة بعد ذلك. وفي «شرح المشكاة» لابن حجر الهيثمي. [تعليقاً] على قول سيدتنا عائشة رضي الله عنها في هذا الحديث: «ما يعرفن من الغلس» ما لفظه: (من أجل الغلس، أي: شدة الظلام الذي هو من بقايا ما قبل الفجر، وفي مداومته - صلى الله عليه وسلم - على ذلك كما تقتضيه (كان)؛ نظراً للعرف في استعمالها في مثل ذلك دليل على أن السنة في الصبح .. المبادرة بها عقب تحقيق طلوع الفجر.) انتهى. فانظر إلى تفسير (الغلس) بما ذكره .. تعلم به: أن بقايا الظلام ليست ككل الظلام، ¬
وإلا لساوى الكل البعض، وذلك محال، فلا بد من فارق، وهو اختلاط ضوء الصباح بها كما مرّ، ويلزم منه نقص البقية عن الكل، وظهور أثره وتزايده، وانظر إلى تفسيره المبادرة بقوله: (عقب تحقق طلوع الفجر) تعلم به: أن متابعته - صلى الله عليه وسلم - في هذه الصلاة متوقفة على أمرين: أحدهما: تحقق طلوع الفجر، وذلك لا يكون إلا بوجود علاماته التي مرّ بيانه - صلى الله عليه وسلم - لها. الثاني: المبادرة بالصلاة بعد ذلك.
الباب الثالث: بيان الفجر من إجماع الأمة، وأئمة المذهب الشافعي
الباب الثالث: -[بيان الفجر من إجماع الأمة، وأئمة المذهب الشافعي]- في كلام الفقهاء الذي شرحوا به كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيان الفجر: [بيان الفجر من إجماع الأمة] اعلم أنه قد مرَّ لك نصوص الكتاب في ذلك، ونصوص السنة فيه، وعلى ذلك إجماع الأمة. قال الشيخ محمد [بن عبد الله] بن أبي بكر الريمي ((¬1) في كتابه «عمدة الأمة في إجماع الأئمة» (¬2) الذي جعله قسمين: الأول: في إجماع أئمة المذاهب الأربعة، والثاني: في إجماع مجتهدي الأمة كلهم. قال في القسم الأول: (أجمع الشافعي، وأبو حنيفة، ومالك وأحمد على: أن أول وقت صلاة الصبح .. ¬
طلوع الفجر الثاني المنتشر ولا ظلمة بعده) ((¬1) انتهى. وقال في القسم الثاني: (وأجمعوا على أن من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس .. وقتاً للدخول في صلاة الفجر وللخروج منها) انتهى. وقال (¬2) في كتاب «رحمة الأمة»: (وأجمعوا على أن أول وقت الصبح .. طلوع الفجر الثاني: وهو الصادق المنتشر ضوءه معترضاً بالأفق ولا ظلمة بعده) ((¬3) انتهى. وقولهما: (ولا ظلمة بعده) بينا به: أنه لا يزال يتزايد حتى يتبين به النهار. وقد نقل الإجماع على ذلك ¬
جمع من أئمتنا منهم: الدميري في شرحه على المنهاج، وابن شهبة ((¬1) في شرحه عليه أيضاً، وابن جحر في «تحفته»، وعبارته: (والصبح يدخل وقتها بالفجر الصادق؛ لأن جبريل صلاها أول يوم .. حين حرُم الفطر على الصائم، وإنما يحرم بالصادق إجماعاً) ((¬2) انتهى. وقال في «الإيعاب» (¬3) (وبه - أي: طلوع الفجر الصادق - يدخل وقت الصبح إجماعاً) انتهى. ¬
بيان الفجر من أئمة المذهب الشافعي
-[بيان الفجر من أئمة المذهب الشافعي]- وقال الإمام الغزالي ((¬1) في كتاب (السفر) من «الإحياء» ((¬2) (وأما الصبح [فيبدو] في الأول مستطيلاً كذنب السرحان، فلا حكم له إلى أن ينقضي زمان، ثم يظهر بياض معترض لا يعسر إدراكه بالعين .. فهو أول الوقت قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الصبح هكذا: وجمع كفه، وإنما الصبح هكذا: ووضع إحدى سبابتيه على الأخرى وفتحهما وأشار به إلى أنه معترض» (¬3). وقد يستدل عليه بالمنازل، وهو تقريب لا ¬
تحقيق فيه، بل الاعتماد على مشاهدة انتشار البياض عرضاً؛ لأن قوماً ظنوا: أن الصبح يطلع قبل الشمس بأربع منازل .. وهذا خطأ؛ فإن ذلك هو الكاذب، والذي ذكره المحققون: بأنه يتقدم على الشمس بمنزلتين، وهذا تقريب، ولكن لا اعتماد عليه، فإن بعض المنازل يطلع معترضاً؛ فينقص زمان طلوعها، وبعضها منتصبة؛ فيطول طلوعها، وتختلف ذلك في البلاد .. اختلافاً يطول ذكره. نعم تصلح المنازل لأن يعلم بها قرب الصبح وبُعده، فأما حقيقة أول وقت الصبح .. فلا يمكن ضبطه بمنزلتين أصلاً، وعلى الجملة فإذا بقيت أربع منازل إلى طلوع قرص الشمس .. فمقدار منزلة ((¬1) يتيقن أنه الصبح الكاذب، وإذا بقي قريب من منزلتين .. يتحقق طلوع الصبح الصادق .. ويبقى بين الصبحين قدر ثلثي منزلة بالتقريب يشك فيه أنه من الصبح الصادق أو الكاذب، وهو من مبتدأ ظهور البياض وانتشاره قبل اتساع عرضه، فمن وقت الشك ينبغي أن يترك الصائم السحور، ويقدم القائم الوتر عليه، ولا يصلي صلاة الصبح .. حتى تنقضي مدة الشك، فإذا تحقق .. صلى. ولو أراد مريد أن يقدِّر على ¬
التحقيق وقتاً معيناً يشرب فيه متسحراً، أو يقوم عقيبه ((¬1)، ويصلى الصبح متصلاً به .. لم يقدر على ذلك. فليس معرفة ذلك في قوة البشر أصلاً؛ بل لا بد من مهلة للتوقف والشك، ولا اعتماد إلا على العيان، ولا اعتماد في العيان إلا بأن يصير الضوء منتشراً في العرض، حتى تبدو مبادئ الصفرة. وقد غلط في هذا جمع من الناس كثير؛ يصلون قبل الوقت. ويدل عليه ما روى أبو عيسى الترمذي في جامعه بإسناده، عن طلق بن علي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلوا واشربوا، ولا يهيدنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر»، وهذا صريح في رعاية الحمرة. قال أبو عيسى الترمذي: وفي الباب عن عدي بن حاتم وأبو ذر وسمرة وهو حديث غريب (¬2) والعمل على هذا عند أهل العلم. وقال ابن عباس: (كلوا واشربوا ما دام الضوء ساطعاً). قال صاحب «الغريبين»: (أي مستطيلاً)، فإذن لا ينبغي أن يعول إلا على ظهور الصفرة، وكأنها مبادئ الحمرة، وإنما ¬
فوائد
يحتاج المسافر إلى معرفة الأوقات؛ لأنه قد يبادر بالصلاة قبل الرحيل؛ حتى لا يشق عليه النزول، وقبل النوم حتى يستريح، فإن وطّن نفسه على تأخير الصلاة إلى أن يتيقن .. فيسمح بفوات فضيلة أول الوقت ويتجشم كلفة النزول وكلفة تأخير النوم إلى اليقين .. استغنى عن تعلم علم الأوقات، فإن المشكل أوائل الأوقات لا أوساطها) (¬1) انتهى. وهذا الكلام من هذا الإمام حجة الإسلام، هو فصل الخطاب في هذا الباب، لمن أراد الصواب، ورضا رب الأرباب، وترك التعصب والهوى، وجانب الكبر والدعوى .. وفيه فوائد جمة، ننبه منها على المهمة، وهي أربع فوائد: الفائدة الأولى: قد عرَّف أول الفجر - هذا الإمام - بأنه: بياض معترض منتشر فيه صفرة، هي مبادئ الحمرة، لا يعسر إدراكه، فقال: (ثم يظهر بياض معترض لا يعسر إدراكه، فهو أول الوقت)، إلى أن قال: (ولا اعتماد إلا على انتشار البياض عرضاً) إلى أن قال: (ولا اعتماد إلا على العيان، ولا اعتماد في العيان إلا بأن يصير الضوء منتشراً ¬
حتى تبدو مبادئ الصفر)، إلى أن قال: (فإذن لا ينبغي أن يعول إلا على ظهور الصفرة، وكأنها مبادئ الحمرة). هذا ما عرَّف به الحجة أول الفجر، واستدل عليه بكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي ذكره، فلا يشك أحد أنه أراد بهذا تعريف غير أول الوقت؛ لأن كلامه كله في بيان أوائل الأوقات: الصبح، وبقية الصلوات، وقد أكد ذلك بقوله - في آخر كلامه -: (وإنما يحتاج المسافر إلى معرفة الأوقات الخ)، وزاده تأكيداً بقوله: (فإن وطّن نفسه على تأخير الصلاة) الخ، وبان بكلامه - رضي الله عنه - علامات الفجر التي ذكرناها، وهي أنه البياض المعترض المشرب بالحمرة، المنتشر أي: الذي لا يزال يتزايد، ويلزم من تزايده تبين النهار، فأما المتشرب بالحمرة، فقد مرّ عن الترمذي في (الباب الثاني) في (الطرف الخامس) قوله: (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، أنه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب؛ حتى يكون الفجر المعترض، وبه يقول عامة أهل العلم) انتهى. فيكفيك في هذه العلامة؛ أن عليها عامة أهل العلم، ومرَّ أيضا فيه، أن العسقلاني، والهيتمي صرحا بذلك واستدلا بما استدل به، ومرّ في (الباب الأول): تصريح الموزعي، ومحمد بن حسن درواز بذلك،
ومرّ فيه عن الدميري، و «القاموس»، و «المغني»، و «القول التمام»، والقليوبي: أن الفجر في اللغة هو البياض الذي فيه حمرة. وأما الزيادة، وتبين النهار، والاعتراض، فقال ((¬1) في «الوسيط»: (ولا نظر إلى الفجر الكاذب، وهو يبدو مستطيلاً، ثم (يمحق) ((¬2) ويبدو الصادق مستطيراً، ثم لا يزال الضوء يزداد، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يغرنكم الفجر المستطيل، فكلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير» انتهى. وقال: الشيخ زكريا ((¬3) في «شرحه الصغير للبهجة» - في ¬
بيان آخر وقت العشاء -: (والغاية له فجر صدقاً معترض تام، - أي: زائد - يضيء الأفق - أي: نواحي السماء-، إلى أن قال: (وبالصادق - أي: خرج الكاذب -، وهو ما يطلع مستطيلاً، بأعلاه ضوء كذنب السرحان - وهو الذئب - ثم يذهب وتعقبه ظلمة، ثم يطلع الصادق مستطيراً - أي: منتشراً - وهو ما عبر عنه من زيادته بقوله: معترض إلى آخره) ((¬1) انتهى. وعبارة «شرحه الكبير» عليها مثل هذه، حرفاً بحرف. فعلم أن تزايد ضوء الفجر علامة الصادق، وعدمه علامة الكاذب، وأن الفقهاء كلهم مطبقون على ذلك؛ لوصفهم له بالانتشار، والاستطارة التي هي امتداد نوره جنوباً وشمالاً وغرباً، كما مرّ ذلك عن «القاموس» في (الباب الثاني) في (الطرف الثاني)، وعبارات الفقهاء من جميع المذاهب في مختصراتهم ومبسوطاتهم؛ في وصف الفجر الصادق بالانتشار الذي هو امتداد زيادته في الجهات الثلاث .. لا يمكن حصرها، وعبارة «التحفة» (وهو - أي الفجر -: بياض شعاع الشمس عند قربها من الأفق الشرقي، ¬
المنتشر ضوءه معترضاً بالأفق - أي نواحي السماء -) انتهى. فأفاد: أن الفجر بياض شعاع الشمس عند قربها من الأفق الشرقي، أي آخر ما يظهر لنا من السماء في الجانب الشرقي. قال القليوبي في «حاشيته على شرح التحرير»: (قوله: (بالأفق - (أي: بنواحيه -: وهو اسم للحد الفصل بين الظاهر والخفي من الفلك) انتهى. وفي «القاموس»: (والفَلَكُ: - مُحَرَّكَةٌ - مَدار النُّجومِ) (¬1) انتهى، ومن المعلوم لكل إنسان: أن الشمس لا تقف قط، بل لا تزال سائرة؛ فيلزم من ذلك أن شعاعها إذا ظهر لا يزال سائراً مرتفعاً، حتى تظهر. ولذا قال الرملي ((¬2) في «النهاية»: (وسمي الثاني صادقاً؛ لأنه ¬
يصدق عن الصبح ويبينه) (¬1) انتهى. وقال فيها: (والصبح - بضم الصاد وحكي كسرها لغة - أول النهار) (¬2) انتهى. فعلم أن الفجر الصادق هو الذي يتبين به النهار، وفي «الأسنى»: (وسمي الأول كاذباً؛ لأنه يضئ ثم يسود ويذهب، والثاني صادقاً؛ لأنه يصدق عن الصبح ويبينه) ((¬3) انتهى. وقال فيه: (وصلاة الصبح نهارية؛ لآية: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ}.؛ وللأخبار الصحيحة) انتهى. وقال في «منتقى البحرين» (¬4) (وسمي الأول كاذباً؛ لأنه يضئ ثم يسود ويذهب، والثاني صادقاً؛ لأنه يصدق الصبح ويبينه). إلى أن قال: (وهو - أي الصبح - في الأصل أول النهار، وسميت الصلاة به لفعلها فيه). إلى أن قال: (وهي صلاة نهارية، أي تقع في النهار؛ ¬
لآية: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ}، وآية: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النهار} (¬1)) انتهى. وقال في «الإيعاب»: (فرع صلاة الصبح نهارية؛ لقوله تعالى: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ} الآية؛ وللأخبار الصحيحة في ذلك، فأول النهار طلوع الفجر الثاني) ((¬2) انتهى. وفي «المغنى»: (وهي - أي الصبح - نهارية.) انتهى. ولا يمكن استقصاء عباراتهم في ذلك، وفي ما ذكرناه كفاية، فمن شرع في صلاة الصبح، التي تفعل أول النهار متصلة بظلام الغلس، ثم فرغ منها ولم تظهر زيادة لنور النهار، بل بقي الظلام كما ابتدأها .. فكل هذه العبارات تغلطه وتكذبه، وتعرفه أن صلاته ليست في الوقت، الذي هو أول النهار؛ فصلاته في غير الوقت إجماعاً، وقال في «الإيعاب» و «الإمداد» (¬3): (وخرج بالصادقِ الكاذبُ، وهو ما يطلع ¬
مستطيلاً، بأعلاه ضوء كذنب السرحان، ثم يذهب وتعقبه ظلمة، ثم يطلع الفجر الصادق مستطيراً - بالراء -، أي منتشراً ضوءه، معترضاً بنواحي السماء، وسمي الأول: كاذباً؛ لأنه يضئ ثم يسود ويذهب، والثاني: صادقاً؛ لأنه يصدق عن الصبح ويُبَيِّنه) (¬1) انتهى. فوصفه الفجر بكونه مستطيراً منتشراً بيّن به أنه لا يزال يزيد ضوءه من حين ظهوره، لما مرَّ لك غير مرة، أن الاستطارة والانتشار هي طول ذلك الضوء وامتداده حين يبين النهار؛ ولذا علل تسميته بالصادق بقوله: (بأنه يصدق عن الصبح ويبينه)، كما مرّ عن غيره ذلك أيضاً، ووصفه بكونه معترضاً. قال القليوبي في «حاشيته على المحلي» (¬2): (قوله: (معترضاً)، أي في ¬
عرض الأفق من جهة المشرق، فيما بين شماله وجنوبه) ((¬1) انتهى. وفي «حاشية البرماوي على شرح أبي شجاع» (¬2) لابن قاسم الغزي (¬3): (قوله: (معترضاً بالأفق) أي فيما بين الجنوب والشمال من جهة المشرق) انتهى. وفي «الإيعاب» - في بيان أوقات الصبح - ما لفظه: (وأوله فضيلة ثم اختيار إلى الإسفار، وهو الإضاءة التامة، ¬
بحيث يعرف الإنسانُ الجالسَ منه قريباً عرفاً) انتهى. وإذا تقرر لك: أن الفجر الصادق هو ضوء شعاع الشمس المعترض، المستمر الزيادة حتى يبين النهار، والمشرب بحمرة، وأن أوله وقت فضيلة ثم اختيار إلى الإسفار، وهو الإضاءة التامة .. علمت أن الإضاءة موجودة من أول الوقت، وأنها لا تزال تتزايد فيه، وأنها في وقت الاختيار أكثر من ذلك، وأن بتمامها يخرج ويدخل وقت الجواز، فلابد من وجود الإضاءة في وقت الفضيلة والاختيار، ولكنها في الأول أنقص منها في الثاني، وفيه أكثر من الأول، لكنها ناقصة لبقاء ظلام في السماء، وبتمامها - وهو عموم الفجر لجميع المرئي من السماء - يدخل وقت الجواز، ويشهد بذلك: أن في «الإيعاب» لما تكلم على قوله - صلى الله عليه وسلم - «أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر» ((¬1)، قال المراد بالإسفار كما قال ¬
الشافعي وأحمد: ظهور الفجر الذي به يتحقق طلوعه، فالتأخير إليه أفضل من التعجيل عند ظن طلوعه، ويتأكد ذلك في الليالي المقمرة؛ إذ لا يتحقق فيها الفجر إلا بالاستظهار ((¬1) في الإسفار ((¬2) انتهى. فقد جعل ابن حجر - تبعاً للشافعي وأحمد - (الإسفارَ) في الحديث ظهورَ الفجر الذي يتحقق به الناظر إليه أنه الفجر، بعد أن كان يظنه قبل زيادة ذلك الضوء؛ الذي يحصل به اليقين، وقرر أن: فضيلة أول الوقت حاصلة لمن صلى بعد ذلك الظهور، بل هو أفضل ممن صلى قبله بالظن، فبان بذلك أن كمال الفضيلة أول الوقت لا بد فيها من أمرين: الأول: إيقاعها أول الوقت. الثاني: أن يكون ذلك بعد زيادة ضوء ¬
الفجر، زيادة يحصل بها يقينه بعد ظنه؛ ولذا لما تكلم ابن حجر، في «شرح المشكاة» على هذا الحديث قال: (أي أَخِّروا صلاة الفجر - وهي الصبح - إلى أن تَتَحققوا طلوع الفجر، ولا تُبادروا بها عند ظن طلوعه، فإن ذلك أعظم لأجوركم، إذ الصلاة بعد تيقن دخول الوقت .. أفضل منها عند ظنه، وإنما حملوه على ذلك - كما مرّ -؛ للأحاديث الصحيحة الصريحة، التي لا تقبل تأويلاً: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الصبح بعيد طلوع الفجر، وينصرف منها تارة قبل الإسفار الذي يعرف به الرجل وجه جليسه، وتارة عند أول مبادئ الإسفار، بحسب تطويله وتقصيره) انتهى. وليس مراد ابن حجر بقوله في «الإيعاب»: (ويتأكد ذلك الخ) .. تأخير الصلاة، عن وقت الفضيلة في الليالي المقمرة، إلى وقت الاختيار، بل مراده إيقاعها في وقت الفضيلة، لكن بعد إضاءة يتيقن بها دخول الوقت؛ لأنه كالشافعي وأحمد يتكلمون في الجمع بين أحاديث الإسفار والتغليس، ولا يحصل الجمع بينها إلا بتفسير الإسفار في تلك الأحاديث، بإضاءة يتيقن بها الوقت، ولا يتحقق ذلك، إلا بزيادة ضوء الفجر على ضوء ظهوره، مع بقاء وقت الفضيلة، إذ الإسفار في اللغةِ هو الإضاءةُ، ولو
الفائدة الثانية
أرادوا بالإسفار هنا وقت الاختيار، لكانوا موافقين للمخالف بالعمل بأحاديث الإسفار، والترك لأحاديث التغليس، وليس الأمر كذلك. الفائدة الثانية: [من كلام الإمام الغزالي المتقدم ذكره]: مما يستفاد من كلام الغزالي رضي الله عنه: أن حصة الفجر لا تزيد على المنزلتين تقريباً، فيستدل على قربه ببقائهما قبل طلوع الشمس، لقوله: (والذي ذكره المحققون: بأنه يتقدم على الشمس بمنزلتين، وهذا تقريب، إلى أن قال: (وإذا بقي قريب من منزلتين يتحقق طلوع الصبح الصادق). ويأتي في الباب الرابع عن اليافعي، و «الشامل» و «اليواقيت» والقليوبي وغيرهم مثل ذلك. الفائدة الثالثة: [من كلام الإمام الغزالي المتقدم ذكره]:أن الفجر الكاذب يطلع إذا بقي من طلوع الشمس أربع منازل، وأن منزلة منه لا شك أنها من الليل، وقدْر ثلثي منزلة يشك فيه، هل هو من الصادق أو الكاذب؟ وترْك ذكر ثلثها الأول، إما لكونه لا شك أنه من الليل، فهو ملحق بالمنزلة قبله، أو لما كان التقدير بالمنازل للفجرين أمراً تقريباً .. كان الشك في الثلث أقل منه في الثلثين فلا يلتفت إليه، ويكون الورع فيه من الوسوسة، وكون الأصل بقاء الليل، وأن ما
كان مشتبها، ينسحب عليه حكم أصله، ما لم يخرجه عنه دليل، وأن تحقيق آخر جزء من الليل، وأول جزء من الفجر، ليس في قوة البشر إدراكه، كما قال: (ولو أراد مريد الخ) وصرّح بذلك [كثيرٌ] (¬1) من الفقهاء أيضاً، وأن المحققين لم يقل أحد منهم: بزيادة حصة الفجر على منزلتين، وأن بعضهم صرّح بأنها منزلة ونصف كما يأتي، وبعضهم أنه يحتاط بتأخير الصلاة عنها قليلاً، وأن [الذين] (¬2) قدروها بالساعات والدرج .. قدروها بأقل من منزلتين - كما يأتي أيضاً - يبين لك: أن قدر ثلثي المنزلة من الليل الذي يحرم فيه صلاة الصبح، ويحل تأخير السحور والوتر إليه، لكن الورع تقديمهما عليه، ولما كانت الصلاة تحرم وهما يحلان، والورع تقديمهما؛ أتى الشيخ بـ (ينبغي)، التي تصلح للطلب الجازم وغيره، وبذلك يرد قول مؤلف تلك «الرسالة»: (أن من تحقق طلوعه قبل المنزلتين في قدر الثلثين .. لا يرد) ((¬3). واستدلاله لذلك بقول سيدنا ¬
الغزالي: (وهو مبتدأ ظهور البياض وانتشاره، قبل اتساع عرضه) انتهى. لا يصح دليلاً لذلك؛ لأن الغزالي صرح: بأن قدر ثلثي المنزلة بالتقريب مشكوك فيه لم يتبين له أنه من حصة الصادق قط، ولم يقل به أحد من المحققين. وإذا شك فيه هذا الإمام، ولم يقل به أحد من المحققين، فكيف يتحقق أنه من حصة الفجر .. عالم أو مؤذن من أهل القرن الثالث عشر؟!، كلا لا يخطر ذلك ببال، بل معنى قوله: (وهو مبتدأ ظهور البياض الخ): أنه البياض الناشئ عن نزول الكاذب إلى ناحية المشرق واتساع أسفله قليلاً حينئذ بعد أن كان الاتساع بأعلاه، - كما يأتي - عن «اليواقيت» ((¬1) و «التحفة» ¬
واليافعي (¬1) ذلك - وقُربه من رؤوس الجبال فبسبب ما ذكر؛ يرى فيه بعض انتشار، ولذا يكون الاغترار به أكثر، ويشهد لهذا قوله: (قبل اتساع عرضه)، إذ اتساع العرض هو العلامة الفارقة بين الفجرين، بعد ملاقاة بياضيهما (¬2) - كما يأتي عمن ذكرا - ومعناه: أنه مبتدأ ظهور بياض الصادق وانتشاره، الذي ليس في قوة البشر إدراكه والوقوف عليه، فلا يتعلق به حكم كما في الزوال وغيره، ويشهد له قوله بعده: (ولو أراد مريد الخ). أو أن في الكلام حذف، ¬
الفائدة الرابعة
تقديره: وهو أوان ظهوره الخ ((¬1). وهذا شائع في كلامهم فيتعين حمل كلامه على أحد هذه المعاني، حتى لا يتنافى كلامه، ولا يخالف ما نقله عن المحققين. الفائدة الرابعة: بين بقوله: (لأن قوماً ظنوا الخ) وقوله: (وقد غلط في هذا جمع كثير يصلون قبل الوقت). أن الغلط في الفجر قد فشا كثيراً في زمنه، فما بالك بزماننا، الذي كثر فيه الجهل، حتى صار الجهل بواضحات الدين، وبعض ضرورياته .. فاشياً في أعيانه، فكيف بالخفيات، وما يقع فيه الغرر بنص الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -، وقال الشيخ إبراهيم الأصبحي في كتابه «اليواقيت في علم المواقيت» (فصل: فإذا أردت معرفة طلوع الفجرين، فانظر إلى الشمس من أين تطلع، فاعرف الموضع الذي تقوم فيه، فإذا كان آخر الليل فانظر إلى تلك الناحية، التي طلعت منها الشمس بالأمس، فإذا بقي من الليل مقدار ساعتين على التقريب، ابتدأ بياض مما يلي المشرق، الذي شرقت منه الشمس ¬
بالأمس، مرتفع في ربع السماء كأنه عمود ((¬1)، وربما لم ير ذلك؛ إذا كان الجو نقياً في الشتاء، وأبين ما يرى ذلك، إذا كان الجو كدراً في الصيف، ولا يرى إذا كان قمراً، فإذا رأيت ذلك فهو الفجر الأول الذي يحل فيه الطعام والشراب والنكاح، ثم ينحدر إلى ناحية المشرق مما يلي مطلع الشمس مقدار قامتين، وهو مع ذلك مستطيل قائم أعلاه دقيق وأسفله واسع، كأنه ذنب سرحان - كما جاء في الخبر -، وتحته سواد الليل في أسفل السماء، فبينما هو كذلك، إذ بدأ بياض يشبه الغبار أو الخطوط البيض، من تحت ذلك السواد، فإذا رأيته قد غشي السواد وغيَّره .. فذلك هو الفجر الثاني، ثم لا يلبث أن يختلط في البياض الأول، ويعترض في أسفل السماء، فإذا رأيته كذلك، فقد حرم الطعام والشراب والنكاح وحلت الصلاة، وقد ذكر بعض الناس: أن الفجر الأول يذهب [بعد] طلوعه، ويعود مكانه ليل، وأنكر ذلك أبو جعفر البصري، وقال: هذا شيء لم أره قط! فيما رصدت الفجر ¬
تقريباً من خمسين سنة، بل ينحدر طالباً للأفق بقدر قامتين ويطلع المعترض من أسفل الأفق، فيلتقيان في السواد ويصيران فجراً واحداً، وهذا القائل وَهِمَ في قوله، أو نقله تقليداً لمن لا يعرف الفجر بالمشاهدة، أو يكون رأى اختلاف الفجر في الفصول فزعم أنه يذهب وليس كذلك، وربما نظر من لا يعرف الفجر إلى البياض الأول؛ وقت انحداره إلى المشرق قبل أن يطلع البياض الذي في السماء؛ فيصلي، ولا يسقط عنه الفرض، وليس كل الناس عارفين بالفجر، ولا بأوقات الصلاة، وهو شرط فيجب عليهم أن يتعلموا) انتهى. وقد نقل ابن حجر في «تحفته» ((¬1) كلام الأصبحي فقال: (نقل الأصبحي إبراهيم: أن بعضهم ذكر أنه يذهب بعد طلوعه، ويعود مكانه ليل، وهذا البعض كثير من أئمتنا - كما مرّ -، وأن أبا جعفر البصري بعد أن عرَّفه بأنه: عند بقاء نحو ساعتين من الليل، يطلع مستطيلاً إلى نحو ربع السماء، كأنه عمود، وربما لم يُرَ إذا كان الجو نقياً شتاءً، وأبين ما يكون إذا كان الجو كدراً صيفاً، أعلاه دقيق وأسفله واسع، أي ولا ينافي هذا ما قدمته: أن أعلاه أضوء؛ لأن ذلك عند أول الطلوع، ¬
وهذا عند مزيد قربه من الصادق، وتحته سواد، ثم يظهر ضوء يغشى ذلك كله، ثم يعترض، رده بأنه رصده نحو خمسين سنة، فلم يره غاب، وإنما ينحدر ليلتقي مع المعترض في السواد، ويصيران فجراً واحداً) انتهى. ثم قال في «التحفة» جامعاً بين كلام القائلين بذهاب الكاذب، والقائلين بعدمه بقوله: (أنه يختلف باختلاف النظر، لاختلافه باختلاف الفصول والكيفيات العارضة لمحله، فقد يدق في بعض ذلك حتى لا يكاد يرى أصلاً، فهو عذر من عبر بأنه يغيب وتعقبه ظلمة) انتهى. وقال عبد الله بن أسعد اليافعي في كتابه «سراج التوحيد الباهج النور، في تمجيد صانع الوجود مقلب الدهور» ما لفظه: (قال العلماء في الفرق بينهما - أي الفجرين -: أن الفجر الأول الكاذب: دقيق طويل، منتصب في السماء كالعمود، والفجر الصادق الثاني: عريض منير معترض في الأفق، وقال بعض المعتنين بمعرفتهما والتمييز بينهما)، وساق جميع ما مرّ عن «اليواقيت» و «التحفة»، وكذلك ذكر جميع ذلك الشيخ محفوظ بن عبد الرحمن الحضرمي ((¬1)، في كتابه «الشامل في أدلة القبلة وحساب الروم ¬
سبع فوائد من كتب: «اليواقيت» و «التحفة» و «السراج» و «الشامل»
والمنازل» ((¬1)، فيستفاد من كلام «اليواقيت» و «التحفة» و «السراج» و «الشامل» .. فوائد كثيرة نذكر منها: [الفائدة] الأولى: أن معرفة الفجرين ليوم، يحتاج إلى معرفة محل طلوع الشمس في اليوم الذي قبله؛ لأن الكاذب يظهر محاذياً له، والصادق يظهر منه. [الفائدة] الثانية: أن الكاذب يطلع إذا بقي من الليل الشرعي سدسه، لقول «اليواقيت»: (إذا بقي من الليل مقدار ساعتين تقريباً)، وقول «التحفة»: (نحو ساعتين)، وكذا في «السراج» و «الشامل»: (إذ المراد بالليل الشرعي وبالساعتين الساعة الزمنية)، ولما مرّ عن «الإحياء»: (أنه يطلع إذا بقي من طلوع الشمس أربع منازل تقريباً)، وفي «القول التمام»: (والفجر الكاذب يطلع دائماً في السدس الأخير من الليل) انتهى، وفي «شرح الأذكار» لابن علان (¬2): (والكاذب ¬
الثالثة
يطلع وقد بقي من الليل سبعه) وفي «المغني»: (يدخل سبع الليل الآخر بطلوع الفجر الأول)، ولا خلاف؛ لما مرّ أن ذلك على التقريب، ولما مرّ عن «التحفة» من اختلاف ذلك باختلاف الفصول والكيفيات، والصادق يطلع بعد مضي السدس الأخير. [الفائدة] الثالثة: أن محل ظهور الكاذب ربع السماء الشرقي، وفوقه وتحته ويمينه وشماله ظلمة الليل، والصادق محل ظهوره أسفله ولا ليل تحته. [الفائدة] الرابعة: أن الكاذب لا يغير ظلمة الليل، إلا في المحل الذي هو فيه، وكلما نزل جهة المشرق رجعت ظلمة في المحل الذي نزل عنه، والصادق يغير ظلمة الليل من جميع الجهات، ولا ظلمة بعده. [الفائدة] الخامسة: أن الكاذب سيره إلى جهة المشرق (قط) (¬1)، والصادق سيره إلى جهة الغرب والشمال والجنوب. ¬
السادسة
[الفائدة] السادسة: أن الكاذب لا يتزايد مع سيره، بل مع ابتدائه يتسع أعلاه قليلاً، ومع انتهائه يتسع أسفله قليلاً، والصادق يتزايد ضوءه ويتسع اتساعاً يعم السماء كلها، لكن مع ابتدائه يكون اتساعه جنوباً وشمالاً أكثر منه غرباً. الفائدة السابعة: مرّ عن «اليواقيت»: أن الكاذب ينحدر إلى المشرق، فإذا بقي بينه وبينه قدر قامتين .. ابتدأ ظهور الصادق من المشرق، وبينهما سواد الليل في قدر القامتين، وهو كذلك في «السراج» و «الشامل» لكن قدرا ذلك بقامة، ولا تخالف، إذ كل ذلك على التقريب، وهذا لا يشاهده الناظر إلا إذا لم يكن بينه وبين المشرق حائل من جبل وغيره، فإن كان هناك حائل فالمشاهد ضوء الكاذب فقط، وأما ما تحته من سواد الليل ومحل ابتداء الصادق فلا يرى. وبسبب عدم رؤيتهما مع نزول الكاذب إلى جهة المشرق، واتساع أسفله عند ذلك، ورؤيته فوق الجبال ونحوها .. يكثر الغرر به، فيظن أنه الصادق وليس كذلك، فليحذر من ذلك غاية الحذر، ولذا قال في «اليواقيت» - محذراً من ذلك -: وربما نظر من لا يعرف الفجر إلى آخر عبارته المارة.
فصل: في بيان أوقات الصبح
فصل: في بيان أوقات الصبح اعلم: أن للصبح - غير وقت الضرورة والحرمة - أربعة أوقات: الأول: وقت فضيلة: وهو أول الوقت وذلك، ما يسع منه أربع ركعات معتدلات، وما يتعلق بالصلاة من الواجبات والمندوبات بالفعل الوسط، وقد قربه في «اليواقيت» بقوله: (فصل: ثم يدخل وقت الصبح بطلوع الفجر المعترض، فيستديم وقت الرضوان (¬1) منه بقدر طلوع نصف منزلة الإسفار) انتهى. وسيأتي عن «اليواقيت» أيضاً وغيره، ومرّ عن الغزالي: أن حصة الفجر منزلتان تقريباً. وقد جعل وقت الفضيلة نصف أولى المنزلتين الأُول (¬2)، ونبه بإضافته منزلة ¬
الثاني: وقت الاختيار
الإسفار بقوله: (نصف منزلة الإسفار)، على أن الإضاءة لا بد من وجودها في هذا الوقت، غير أنها أنقص منها في وقت الاختيار. الثاني: وقت الاختيار: وهو ما بعد الزمن الذي يسع ما مرّ، إلى الإضاءة التامة، كما مرّ عن «الإيعاب»، وقرب ذلك في «اليواقيت» بقوله - بعد العبارة المارة في وقت الفضيلة -: (ويدخل وقت العفو ((¬1) مستديماً إلى أن يستكمل منزل الإسفار طلوعه) انتهى. فأفاد: أن النصف الثاني من أولى منزلتي الفجر وقت الاختيار. فعلم بهذا: أن نصف وقت الصبح الأول ينقسم قسمين: أولهما فضيلة، وثانيهما: اختيار، وإن قدر كل واحد منهما تقريباً عند اعتدال الليل والنهار؛ ست درج ونصف إلا أربع دقائق ونحو ربع دقيقة. ¬
الثالث: وقت الجواز
الثالث: وقت الجواز: وهو ما بعد الإضاءة التامة إلى الحمرة التي قبل الشمس، وقربه في «اليواقيت» بقوله: - بعد العبارة المارة في وقت الاختيار ما لفظه -: (ثم يذهب الوقتان من الصبح: وقت الرضوان، ووقت العفو، ويدخل وقت الجواز) ((¬1) انتهى. وبهذا تبين: أن وقت الجواز يدخل بطلوع المنزلة الثانية من منزلتي الفجر، ويبقى إلى طلوع الحمرة التي قبل الشمس. الرابع: وقت الكراهة: وابتداؤه من ظهور الحمرة التي قبل الشمس، لا الصفرة، كما بين ذلك في «الأسنى» (¬2) وقال في «الغرر البهية» (¬3): (ووقت جواز بلا كراهة، إلى الحمرة التي قبل طلوع الشمس، ووقت جواز بكراهة إلى الطلوع) انتهى. وقال في «منتقى البحرين»: (ووقت ¬
الفضيلة: أوله والجواز إلى حمرة قبيلة - أي قبيل طلوع الشمس -، ثم من الحمرة وقت كراهة) انتهى. وقال في «الأسنى» ثم الجواز بلا كراهة إلى الحمرة التي قبل طلوع الشمس إلى أن قال: (ثم الكراهة) انتهى. و (قال) (¬1) في «شرح التحرير»: (ووقت الجواز بلا كراهة إلى الحمرة التي قبل طلوع الشمس) ((¬2) انتهى. وقال الرملي في «النهاية»: (ثم جواز بلا كراهة، إلى الحمرة التي قبل طلوعها-أي الشمس - ثم جواز مع الكراهة) انتهى. وعبارة «شرح الحلبي المكي» مع متنه للشيخ علوان الحموي (¬3): (وفي الجواز بلا كراهة، إلى احمرار المشرق قبيل الطلوع، ومع الكراهة منه إلى الطلوع) انتهى. ¬
فهذه العبارات، وغيرها مما تركناه مما هو بمعناها .. تعرفك أن وقت الكراهة للصبح، هو من حين تظهر الحمرة التي قبل الشمس، إلى أن تطلع، وأنه أضيق أوقات الصبح الأربعة؛ لأن الحمرة المذكورة، لا تطلع إلا بعد مضي نحو ثلثي المنزلة الثانية، وأن من توهم أنها الحمرة التي تطلع مع الفجر .. فقد غلط غلطاً فاحشاً وخالف الكتاب والسنة والإجماع وأئمة المذهب، إذ الأولى مجرد تشريب، والثانية حمرة ظاهرة، والأولى في أول المنزلة الأولى من منزلتي الفجر، والثانية في آخر منزلته الثانية، فتدبر هذا، ولا تغتر بما أكثر به صاحب تلك «الرسالة»، من (نسبته) (¬1) مخالفيه، إلى إيقاعهم الصلاة والسحور مع الحمرة المكروهة معها الصلاة، المبطل للصوم معها الأكل ¬
والشرب (¬1)، فإنه مجرد تحامل وهذيان، إذ لا يظن ذلك بالجهال من المسلمين، فكيف بأهل العلم وطلبته المتقين؟!. ¬
الباب الرابع: بيان الفجر من علم الفلك
الباب الرابع -[بيان الفجر من علم الفلك]- فيما ضبط به الموقتون حصة الفجر، وقدروها به ولنقدم قبل الخوض في ذلك مقدمة توطئة لذلك، قال القليوبي في «الهداية من الضلالة، في معرفة الوقت والقبلة بغير آلة». (¬1): (والساعة، لغة: (القطعة) (¬2) من الزمان، ومنه الساعة (الغنيمة) (¬3)، واصطلاحاً: إما مستوية: وهي التي تسمى الفلكية، وهي زمان مقداره خمسة عشر درجة أبداً، ويستعملها الحُسّاب غالباً، وجملة الليل والنهار بها أربعة وعشرون ساعة، كل واحدة منها اثنا عشر ساعة إن استويا، وإلا فما زاد في أحدهما نقص من ساعات الآخر). إلى أن قال: (وإما زمانية، وهي التي يستعملها الفقهاء). إلى أن قال: (وهي زمانٌ، مقداره نصف سدس النهار أو الليل أبداً، ¬
وجملة الليل والنهار بها أربع وعشرون ساعة أيضاً، وكل بها اثنتا عشرة ساعة). إلى أن قال: (فعلم أن مقاديرها تزيد وتنقص دون أعدادها، عكس الأولى) انتهى. فأفاد: أن أهل الحساب لا يستعملون غالباً إلا الساعة المستوية؛ لضبطها بعدم الزيادة والنقص، بخلاف الزمانية، وافهم أن الدرجة لا تزيد ولا تنقص أيضاً، وهو كذلك ويلزم من عدد الساعات المستوية، وعدد درجها المذكورين: أن الليل والنهار ثلاثمائة وستون درجة؛ لأنك إذا قسمت ذلك على أربع وعشرين ساعة .. خص الواحدة خمسة عشر درجة، وإن قسمت ذلك على البروج الاثني عشر .. خص البرج ثلاثون درجة، وإن قسمته على المنازل الثمان والعشرون .. خص المنزلة ثلاثة عشر درجة إلا سُبع درجة (¬1)، هذا عند الاعتدال في القسمة على البروج والمنازل، وعند الزيادة والنقص يزداد من أحدهما في الآخر وينقص بقدرها، وإذا كان المقسم واحداً - أعني الثلاث المائة والستين الدرجة وهو دور الفلك في اليوم والليلة - على الساعات والبروج والمنازل كما ذكرنا، - باتفاق أهل الفلك كما يعرف ذلك من ¬
يطالع كتبهم ويحققها .. لزم استواء درجات الثلاثة في المقدار، وأنها لا تفاوت فيها، وقد قسموا الدرجة المذكورة ستين دقيقة ((¬1)، واختلفوا فيما تَسَعُه الدقيقة من القول، فقال بعضهم: سورة الإخلاص بالبسملة قراءة متوسطة. وقال: بعضهم سبحان الله مستعجلاً. وهذا خلاف كبير فيه تفاوت كثير، إذ حروف (سبحان الله) ثمن حروف (سورة) (¬2) الإخلاص، ويزيد ذلك اشتراط التوسط في قراءة (الإخلاص) والعجلة في (سبحان الله)، وما ذكره مؤلف تلك «الرسالة» (¬3): أن التقدير بالإخلاص لدقيقة درج البروج والمنازل، و (سبحان الله) لدقيقة درج الساعة المستوية .. خطأ صريح، بل التقدير بها لدقيقة كل من الثلاثة، إذ المقسم عليهما - كما مرّ - واحد (¬4). قال ¬
الشيخ عثمان بن أبي بكر العمودي (¬1) في «نصب الشرك»: (فائدة أخرى: قال الفقيه عبد الرحمن مخرمة: الساعة المستوية خمسة عشر درجة، وكل درجة ستون دقيقة، وكل دقيقة مقدار قولك: (سبحان الله) مستعجلاً. من غير إمهال. وقال عبد الله بن عمر مخرمة ((¬2): الدرجة ستون دقيقة، واشتهر بين أهل هذا الفن أنها قدر، {قُلْ هُوَ ¬
اللَّهُ أَحَدٌ} مع البسملة، مرة واحدة قراءة متوسطة بين الترتيل والإسراع، وبمثل قوله قال الفيومي) (¬1) انتهى. وفيه - محيلاً على ما ذكره هنا - قوله: (وقد سبق معرفة قدر الدقيقة، وما فيه من الخلاف) انتهى. ومن قوله: (واشتهر) الخ، هي عبارة الشيخ محمد الحطاب (¬2)، التي نقلها مؤلف تلك «الرسالة» (¬3)، ولم يقيدها الحطاب بما قيدها به، بل هي ظاهرة أن ذلك ضبط لدرجة الثلاثة، ولما ذكر الشيخ عبد الرحمن بن عمر العمودي في كتابه «حسن النجوى»: (¬4) (سن الجلوس بعد دفن الميت عند قبره، قدر نحر ¬
جزور وتفرقة لحمها)، قال:) ومقدار ذلك بالزمان، ساعة وربع أو ثلث فلكية تقريباً، كما أفتى به ابن كَبِّن (¬1)، ومقدار الساعة المستوية خمسة عشرة درجة، كل درجة ستون دقيقة، كل دقيقة مقدار قولك (سبحان الله) مستعجلاً من غير مهلة قاله عبد الله بلحاج ((¬2)؛ وعليه ¬
فتكون الساعة قدر تسعمائة تسبيحة) ((¬1) انتهى. وعلى هامش ذلك بخط الشيخ علي بن عمر بن قاضي ((¬2): (الصواب، أن الدقيقة قدر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} قراءة معتدلة، كما قرره علماء الفلك، كذا وجدته بهامش «الأم») انتهى. وفي «مبحث نحر الجزور» - المار - من «فتاوى محمد بن سليمان حويرث» ((¬3): (وضبطت الساعة والثلث، بقدر عدد معلوم من قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وبعضهم ضبطه بقدر عدد معلوم من (سبحان الله)، والكل على التقريب). ¬
انتهى. وأين التقريب مع التفاوت الذي ذكرناه؟! أن (سبحان الله) نحو ثمن (الإخلاص)، وإذا علم هذا الخلاف بين أهل الفن، فيما تسعه الدقيقة، والتفاوت الكبير بين (الإخلاص) و (سبحان الله)، واختلاف الناس في البطء والإسراع، حتى أنَّا امتحنا الساعة المستوية بقراءة القرآن، وأخبرني سيدي العلامة عبد الله بن أبي بكر بن سالم عيديد (¬1) - رحمه الله -: أنه يقرأ فيها جزأين وربعاً وأحياناً ونصفاً. وأخبرني من أثق به: أن بعض الحفاظ بمكة، يقرأ فيها ثلاثة أجزاء. وقد أمرت بعض الأولاد بامتحان ذلك بالقراءة، فمنهم من قرأ جزأين، ومنهم من بلغت قرأته الثلاثة، ومنهم من كان بين ذلك، فالتفاوت بين المقل والمكثر الثلث، وهو شيء يبطل الضبط به ويضعف، إلا أن يقال: الساعة قدرها بالقراءة المرتلة جزءان، وبالسريعة ثلاثة، وبالمتوسطة بينهما، فيقرب الضبط؛ فعلى هذا تكون حصة الفجر عند اعتدال الليل والنهار- إذا قلنا أنها ساعة ونصف - تسع ثلاثة أجزاء بالترتيل، وأربعة ونصفاً بالإسراع، وأربعة إلا رُبعاً ¬
بالتوسط، ويشهد لقرب هذا الضبط وقوته، ما روى البيهقي في «سننه» (¬1) ولفظ «مختصرها» للشعراوي: (وروى الشافعي، وغيره، عن أنس رضي الله عنه: أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - صلى بالناس الصبح، فقرأ سورة البقرة، فقال له عمر - رضي الله عنه -: كادت الشمس أن تطلع .. فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين، وفي رواية فقرأ سورة البقرة في الركعتين كلتيهما) انتهى. وقد مرّ آخر (الباب الثاني) في (التنبيه الخامس)، عن «سنن الترمذي»: أن سيدنا أبا بكر - رصي الله عنه - ممن اختاروا التغليس بصلاة الصبح، وجاءت آثار أيضاً: أن عليه عمل الشيخين، فإذا كان - رضي الله عنه - ممن اختار التغليس وعليه عمله، واستغرقت صلاته (بالبقرة) - التي هي جزآن ونحو الثلث - معظم الوقت، حتى قال له سيدنا عمر - رضي الله عنه -: كادت الشمس أن تطلع. كانت حصة الفجر قريباً، من ساعة ونصف عند ¬
الاعتدال، وتزيد على ذلك بزيادة الليل قليلاً، بل زيادتها في المدينة أكثر من جهتنا، فنحو الساعة للقراءة، والباقي لأفعال الصلاة وأقوالها، والأذان والإقامة وركعتي الفجر، ويشهد لذلك أيضاً ما ذكره الشعراوي في «المنهج المبين» بقوله: (وروى مالك، والشافعي، عن عبد الله بن عامر قال: صلينا وراء عمر بن الخطاب، فقرأ فيها سورة يوسف، وسورة الحج، قراءة بطيئة .. فقال هشام بن عروة لأبيه لقد كان إذن يقوم حين يطلع الفجر .. قال: أجل) انتهى. فقراءة سيدنا عمر رضي الله عنه ما ذكر وهو جزء وثمن، وقول هشام بن عروة لأبيه - الراوي له هذا الأثر عن عبد الله بن عامر -: لقد كان الخ، وجوابه له بأجل .. يبين لك أن حصة الفجر نحو ما ذكرنا، وإلا لم يبق للسؤال والجواب المذكورين فائدة؛ لأن قراءة السورتين المذكورتين بالترتيل له نحو ساعة إلا ربعاً، وللصلاة وما ذكر معها نحو نصف ساعة، ويبقى نحو الربع بعد السلام، ويشهد لذلك أيضاً ما روى البخاري - في (باب القراءة في المغرب) - عن زيد بن ثابت أنه قال لمروان بن الحكم:
«مالك تقرأ في المغرب بقصار ((¬1)، وقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ (بطول ((¬2) الطوليين) (¬3)، وفسرها زيد كما رواه النسائى، وأبو داود، بـ (الأعراف). قال القسطلاني - بعد ذكره ما ذكر -: (واستُنبط من الحديث، امتداد وقت المغرب إلى غيبوبة الشفق الأحمر، واستشكل بأنه إذا قرأ الأعراف؛ يدخل وقت العشاء قبل الفراغ) ((¬4) انتهى. ولما ذكر في «المنهاج»: جواز مد صلاة المغرب على الجديد إلى أن يغيب الشفق .. استدل على ذلك في «التحفة» بقوله: (لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ فيها (الأعراف) في الركعتين كلتيهما) ((¬5) انتهى. ومثلها عبارة «النهاية» وقال في «المغني»: (لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ فيها ¬
بـ (الأعراف) في الركعتين كلتيهما. رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين (¬1). وفي «البخاري» نحوه (¬2). وقراءته - صلى الله عليه وسلم - تقرب من مغيب الشفق لتدبره لها) انتهى. ونحوه في «المحلي على المنهاج». فإذا استشكل القسطلاني، اتساع الزمن الذي من مغيب الشمس إلى غروب الشفق الأحمر .. لصلاته - صلى الله عليه وسلم - المغرب، مع قراءته فيها بـ (الأعراف)، التي هي جزء وربع، وجعله في «التحفة» و «النهاية» دليلاً على جواز مدها إلى مغيب الشفق، وفي «المغني» و «المحلي» على قربه من مغيبه، وقد (قدّر) (¬3) الموقتون ما بينهما بعشرين درجة - كما يأتي -، وهو ساعة وثلث، فكيف يقال في حصة الفجر - التي تزيد على هذا سدس ساعة -: أنها تسعُ ستة أجزاء من القرآن تقريباً، كما قرره صاحب تلك «الرسالة»، هذا شيء مستبعد جداً! يأباه كل من تأمل هذه الشواهد، ويعرف به خطأه، ويشهد لضبط الساعة بما ذكرنا .. ما رتبه أهل جهتنا من قديم الزمان، من ¬
إحياء ما بين العشاءين بصلاة المغرب، ثم قراءة الحزب القرآني، وهو جزءان غالباً، وبتمامه يدخل وقت العشاء، وقد أخبرني سيدي وخالي العلامة طاهر بن الحسين (¬1) - رحمه الله ونفعنا به - أن حزب الصبح والذي هو جزءان، غالباً كانوا يقرأونه بتريم بمسجد السادة آل باعلوي، بعد صلاة الصبح، يبتدئون فيه ويفرغون منه مع الإشراق، وهو شاهد للضبط الذي ذكرنا، إذ الحزب المذكور يستغرق نحو الساعة، والصلاة وما ذكر معها، وانتظارهم بعد ركعتي الفجر يستغرق الباقي؛ لأن عادتهم الإتيان بدعاء الفجر المعروف، وما ورد من الذكر بعد سنته، فهذا الانتظار مع تطويلهم قراءة صلاة الصبح .. يقابل سدس الساعة الزائد على حصة الشفق. وإذا انتهى الكلام في هذه المقدمة، فلنشرع في المقصود. ¬
فنقول: قد ضبط الموقّتون حصة الفجر بثلاثة أشياء: بالمنازل، والقمر، والساعات. وأجمعوا على أنها تزيد لزيادة الليل وتنقص لنقصه، ففي «اليواقيت» - عند ذكر إيلاج الليل والنهار ما لفظه -: (للإجماع على: أن الوقت الذي بين الفجر والشمس، يطول لطول الليل ويقصر لقصره، كأنه جزء منه) انتهى. وتقديرهم ذلك بالمنزلين يلزم منه ذلك؛ لطول زمنها ونقصه بطول الليل ونقصه. الأول: المنازل: قد مرّ في الباب الثالث عن كتاب السفر من «الإحياء»: أن المحققين على أن الفجر يطلع، إذا بقيت منزلتان قبل طلوع الشمس. وقال اليافعي في «السراج»: (سواد الليل يقطعه اثنا عشر منزلة، ويقطع من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس منزلتان) انتهى. وقال في «السراج» ذكر بعض المنصفين من أصحابنا: أنه إذا حال دون طلوع الفجر حائل، اعتبر بالقمر). إلى أن قال: (فإن لم يتبين ذلك، فاعتبر لطلوع الفجر منازل القمر الثمانية
والعشرين ((¬1)، فإن لسواد الليل المظلم منها اثنا عشر منزلاً، وأن الفجر في الثالث عشر منها، فإذا رأيت منزلاً منها عند غروب الشمس طالعاً في المشرق، أو غارباً في المغرب .. فاعلم إنك إذا رأيت الثالث عشر منه (¬2) في ذلك الموضع .. فقد طلع الفجر ((¬3)، وهذا لا يختلف في كل زمان ومكان. مثال: ذلك أنك إذا رأيت (الثريا) وقت غروب الشمس في موضع من السماء، ثم رأيت في ذلك الموضع (الغفر) .. فقد طلع الفجر. وعلى هذا القياس) انتهى. إلى أن قال: (قلت: ولم أر لأحد من العلماء، نصاً في الرد على هذا القائل المذكور، ¬
ولا في قبول قوله، وهذا الذي ذكره وإن كان قد أجرى الله العادة في المنازل كما (ذكر) (¬1) .. فليس لنا على العمل بها دليل شرعي يعتمد عليه) انتهى. ومثل ذلك في «الشامل». وقال في «الشامل» أيضاً: (والليل كله يقطعه اثنا عشر منزلة، ويقطع من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس منزلتان) انتهى. وقال الشيخ أحمد بن أحمد السجاعي (¬2) في «منظومته في الفلك» ما لفظه: (وبين طالع فجر من منازلها ... وبين منزل (¬3) شمس فاعلم اثنان). قال شارحها - أي الإمام الشريف علي بن عبد البر الونائي على هذا البيت -: (يعني أنك إذا عرفت منزلة الشمس، فعد اثنين غيرها مما قبلها، فالمنزلة الثالثة بها، هي الطالعة بالفجر) انتهى. ولما ذكر في «اليواقيت»: ¬
الخلاف فيما بين الفجر وطلوع الشمس، وأن الشافعي والجمهور على أنه من النهار، وأن حذيفة والأعمش وإسحاق على أنه من الليل، وأن علياً وابن عباس على أنه فاصل بينهما، واستدل لقول حذيفة وصاحبيه: بأنه ثبت في السنة والإجماع: أن الليل اثنا عشر ساعة والنهار كذلك. ثم قال: (فإن قلنا بقول الشافعي: أن النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فهذا يستغرق ستة عشر منزلاً، ثم أن الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فهذا يستغرق اثني عشر منزلاً، لا مخالف في هذا) انتهى. وشاهِدنا في قوله: أن النهار يستغرق ستة عشر منزلاً على قول الشافعي، والليل يستغرق اثني عشر منزلاً عليه أيضاً، ولا مخالف في هذا، أي كون من غروب الشمس إلى طلوع الفجر؛ ليلاً يستغرق اثني عشر منزلاً، وكذلك من طلوع الشمس إلى غروبها، لا مخالف في أنه نهار يستغرق أربعة عشر منزلاً، فيلزم من الاتفاق على الليل المقدر باثني عشر منزلاً، والنهار المقدر بأربعة عشر منزلاً .. الاتفاق من الكل على أن المنزلتين بقية الثمان والعشرين هي حصة الفجر، وإنما الخلاف في كونها من النهار أو الليل أو فاصل بينهما، ولم يلتفت إلى خلاف القوم الذين ذكر الغزالي - فيما مرّ عنه -
أنهم يقولون: يطلع الفجر قبل الشمس بأربع منازل؛ لما مرّ عن الغزالي أن هذا خطأ، والمخطئ لا يعتد بخلافه. وقال في «اليواقيت» أيضاً: (اعلم: أن العرب راعوا هذه المنازل، فنظروا إلى اثني عشر منزلاً التي تطلع كل ليلة، فإذا (آخر) (¬1) ما يطلع منها مع الفجر المعترض، ثم يتقدم ذلك المنزل بقدر شبر في رأي العين؛ وذلك لمفارقة الشمس لهذا المنزل، سائرة إلى المشرق، حتى إذا تمت ثلاثة عشر ليلة، طلع منزل آخر مع الفجر، قد كان يطلع مع الإسفار، فصار ما كان يطلع مع الفجر يطلع قبل الفجر، وما كان يطلع مع الإسفار يطلع مع الفجر، بقدر جزء من اثني عشر جزءاً من الليل) انتهى. وقد مرّ في فصل بيان أوقات الصبح عن «اليواقيت»: أن وقت الفضيلة والاختيار لهما أول منزل من منزلتي الفجر، وأن وقت الجواز والكراهة لهما المنزل الثاني. وقال في «نصب الشرك»: (الفصل الخامس: في معرفة طالع الفجر وغاربه والمتوسط والوتد: اعلم أنه متى مضى من المنزلة - أي الغاربة - اثنا عشر يوماً فهي غارب الفجر، ¬
والخامس عشر منها هو طالع الفجر انتهى (¬1). ثم قال: (فائدة: إذا عرفت طالع الفجر وغاربه، وأردت معرفة الشمس في أي منزلة هي، فهي في ثالث الطالع) انتهى (¬2). وإنما قال: في ثالث الطالع؛ لأنه قال سابقاً: متى مضى إلى آخره. فلما قرر أن المنزلة الغاربة بالفجر تغرب لمضي اثني عشر منها .. لزم أن المنزلة الطالعة به تطلع إذا مضى منها اثنا عشر يوماً، فيبقى من المنزلة يومان من حصة الفجر، فإذا مضى ¬
من المنزلة التي تليها اثنا عشر، انتهت منزلة الإسفار، ومن ثاني عشرها، إلى ثاني عشر التي تليها، تنتهي منزلة الجواز والكراهة، ويبقى يومان منها من منزلة الشمس، وهذا على أن المنزلة: الفضاء الذي قبل النجم، كما يفهمه كلامه، ونقله مؤلف تلك «الرسالة» عن عبد الله بن عمر مخرمة، (¬1) وهو اصطلاح أرادوا به نفي الخلل الواقع في حساب الشبامي، بسب تحرك المنازل وتأخرها إلى جانب المشرق، وهذا باعتبار زمن تصنيف «نصب الشرك»، وهو سنة سبع وأربعين ألف- بتقديم السين على الباء -، وأما الآن- وهو سنة واحد وستين ومائتين وألف- (فيزاد) (¬2) على ذلك ثلاثة أيام، فإذا كان اليوم أول يوم في «الثريا» على حساب الشبامي، وأردت معرفة الدرجة الغارب بالفجر، والطالعة به على التقريب .. فاسقط ثلاثة عشر درجة وذلك جميع الفضاء الذي قبلها .. فتنتهي إلى الدرجة التي قبل نجم «البطين» فهي الغاربة بالفجر، وتلك الدرجة على الاصطلاح المار تسمى آخر درجة في «البطين»، وعلى خلافه ¬
- الذي عليه أكثر الحساب - تسمى آخر درجة في «النطح» والطالعة بالفجر، الدرجة التي قبل «الزبان» وهي آخر درجة في «الغفر» على حساب الأكثر، وآخر درجة «الزبان» على الاصطلاح المار، والشمس تطلع ذلك اليوم في الدرجة التي قبل نجم (القلب)، والمتوسط بالفجر الدرجة التي قبل نجم (الطرف)، وهي آخر درجة فيه على ذلك الاصطلاح وآخر درجة في «النثرة» على ما عليه الأكثر، وعلى هذا فقس، فثاني يوم في «الثريا» على حساب الشبامي يكون غارب الفجر الدرجة التي بعد نجم البطين، والطالعة به الدرجة التي بعد نجم الزبان، والمتوسطة به الدرجة التي بعد نجم الطرف، والطالعة فيها الشمس هي الدرجة التي بعد نجم القلب، فإذا أتمت «الثريا» ثلاثة عشر يوماً، فالدرجة الغاربة هي ثاني درجة من الفضاء الذي قبلها، فتبقى درجة قبل «الثريا» هي الغاربة، أول يوم في «البركان» على حسابه. فعلم بهذا: أن بتحرك المنازل حصل هذا التأخر على حساب الشبامي، وهو أربعة عشر درجة، وذلك منزلة ودرجة، في الغارب والمتوسط الطالع بالفجر والطالع بالشمس، ولم يتغير به مقدار ما بين كل؛ لأنه إذا غرب أحدها بالفجر، فالمتوسط
ثامنه، والطالع مع الفجر خامس عشره، ومع الشمس سابع عشره، فالليل الفلكي مع استواء الليل والنهار مائة وثمانون درجة، فمن غروب الشمس إلى طالع الفجر مائة وأربع وخمسون درجة وسُبعان من درجة، وذلك اثني عشر منزلة، ومن طالع الفجر إلى طلوع الشمس ست وعشرون درجة إلا سُبعين من درجة. واعلم: أن المنزلة هي جزء من ثمانية وعشرين جزءاً متساوية من دورة الفلك في اليوم والليلة، وقدر الدرجة - كما مرّ لك عن «اليواقيت» - شبر في رأي العين، والنجوم الأعلام على المنازل أعلام تقريبية لا تحقيقية؛ لما يشاهد بينهما من اختلاف في المقدار. تنبيه: التقدير بالمنزلتين لحصة الفجر تقريبي لا تحقيق فيه، - كما مرّ عن «الإحياء» وقال اليافعي في «السراج»: (اعلم أن العمل بالمنازل إنما هو تقريب لا تحقيق) انتهى، وقال فيه أيضاً: (المنازل متفاوتة، والعمل عليها تقريب وتسامح لا تحديد وتحقيق) انتهى. ومثل ذلك في «الشامل»، وسيأتي: أن التقدير بالساعات تقريب، مع أنه أضبط من التقدير بالمنازل، وأقرب إلى التحقيق منه كما قال ذلك أهل الحساب؛ فلهذا تجد المقدرين لحصة الفجر بالساعات في جداولهم ..
يقدرونها بأقل من منزلتين - كما يأتي أيضاً - وبه يعلم: أن قول المقدرين بالمنزلتين لحصة الفجر .. أنه على التقريب، مرادهم به أنها قد تنقص عنها لا أنها تزيد عليها. قال الشيخ محمد بن الحطاب في «شرح المختصر» - بعد نقله تنبيهاً من تنبيهات فيه كلام طويل -: (فتحصل من هذا: أنه إذا علم دخول الوقت بشيء من الآلات القطعية، مثل: الإسطرلاب، والربع، والخيط المنصوب على وسط السماء .. فإن ذلك كاف في الوقت، فإذا أردت أن تعتمد على مجرد رؤية المنازل طالعة أو متوسطة أو غاربة .. فلا بد من أن تتأنى حتى تتيقن دخول الوقت؛ لأن مجرد رُؤية المنازل طالعة أو متوسطة أو غاربة .. لا يفيد معرفة الوقت تحقيقاً، وإنما هو تقريب) انتهى. بل صرح بنقصها عن ذلك بعضهم. قال الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن عفالق الإحسائي
الحنبلي ((¬1) في «سلم العروج إلى معرفة المنازل والبروج» (¬2)): (اعلم: أن المنازل الثمانية والعشرين مجزاة على الليل والنهار فجملتها ثلاثمائة وخمس وستون درجة فالليل الفلكي، وهو من غروب الشمس إلى طلوعها نصفها، وهو مئة وثلاث وثمانون درجة، لحصة الليل الفجر تسع عشرة درجة - أي منزلة ونصف -، ولحصة الليل الشرعي الباقي، وهو مائة وأربع وستون درجة تقريباً - وهو مقدار اثني عشر منزلة ونصف تقريباً -) انتهى. وممن صرح بأن حصة الفجر تسع ¬
عشرة درجة من علماء جهتنا: الشيخ علي بن عبد الرحيم بن قاضي (¬1) في بعض رسائله في الهلال (¬2)، والحبيب شيخ مشايخنا عمر بن سقاف ¬
الصافي ((¬1) في «منظومته في الفلك» ((¬2)، فقال: (وما بين فجر صادقٍ وطلوعها ... أي الشمس تسع بعد عشر توفَّتِ). انتهى. والشيخ بارجاء (¬3) (في مؤلفه في الفلك. وقد وضع يحي بن محمد الحطاب ((¬4) جداول للمواقيت، بَيَّن فيها: أن بين الدرجة الطالع فيها الفجر والطالعة فيها الشمس ثمانية عشر درجة. ¬
الثاني: القمر: ويستدل به على الفجر تقريباً - كما مرّ في المنازل - في ليلتين من الشهر، يختلفان باختلاف طول البلدان وعروضها، فما ذكره الإمام الغزالي - رحمه الله - واليافعي عن بعضهم، من أنه يغيب لاثني عشر ويطلع لست وعشرين .. فهو بالنسبة لبلديهما وما قاربهما في العرض والطول ((¬1)، وأما في جهتنا وما هو قريب منها فيهما، فيغيب لثلاثة عشر من الشهر، ويطلع لسبع وعشرين منه، هذا هو الغالب. قال الشيخ عبد الله بن محمد بن قطنة (¬2) في رسالته «البراهين ¬
النقلية في مسألة الهلال» - لمّا ذكر مثيرات شبه غلط الشهود به الموجبة للريبة فيهم ما لفظه -: (ومن مثيرات شبه الغلط: غروبه قبل الفجر ليلة الثالث عشر في جهتنا، وطلوعه قبله ليلة سبع وعشرين) انتهى. ثم نقل عن الغزالي واليافعي ما مرّ عنهما، وقال: (أي بالنسبة لتلك الجهة) انتهى. أي جهة الغزالي. والبعض الذي نقل عنه اليافعي، فاستدلا له على الريبة في شهود الهلال، بغروب القمر وطلوعه؛ قبل الفجر في جهتنا في الثالث عشر والسابع والعشرين .. صريح في أن العادة المطردة فيها، غروبه وطلوعه فيها مع الفجر، وأنه متفق عليه عندهم، وأن خلافه يورث الريبة في قائله، وبه يعلم: أن المستدل بالقمر على الفجر في جهتنا، بما ذكر الغزالي عن البعض المذكور .. غالط؛ لظنه استواء الجهات في ذلك وليس كذلك. وقال في «سُلَّم العروج إلى معرفة المنازل والبروج» - لما ذكر في غروب القمر مثل ما مرّ عن الغزالي والبعض ما لفظه -: (وفي بعض الأشهر يكون غروبه وقت الفجر ليلة الثالث عشر، بل هو الغالب المطرد، خصوصاً إذا كانت الشمس في البروج الجنوبية) انتهى. ثم ذَكر: معرفة تجزئة الليل ونصف الشهر الثاني بطلوع القمر. إلى أن قال: (إلى
السابع والعشرين، فهو يطلع الفجر، ويتقدم في بعض الأشهر قليلاً ويتأخر في بعضها) انتهى. وقال الشيخ شاد بن متاك بن عثمان السواحلي الشافعي (¬1) في «وسيلة الطلاب»: (وقد ذكر بعض العلماء المنصفين من أصحابنا: أنه إذا حال دون الفجر حائل، اعتبر بالقمر، فإنه ليلة الثاني عشر من الهلال، يغرب مع طلوع الفجر، وقد يتأخر غروبه قليلاً في بعض الأشهر، حتى يكون غروبه وقت الفجر ليلة الثالث عشر بل هو الغالب) انتهى. ¬
الثالث: الساعات المستوية ودرجها: فيستدل على الفجر بما قدروا به حصته بهما، تقريباً لا تحديداً - كما مرّ في المنازل والقمر - لكن ضبطهم ذلك بالساعات ودرجها أقرب إلى التحقيق، من تقدير ذلك بهما؛ لأن التقدير بهما معتمدة مشاهدتهما، وقد مرّ لك أن المنازل متفاوتة وبعضها منحرف، وكذلك القمر، قد تكثر درجة ليلة هلاله فيسرع، وقد تقل فيبطئ (¬1)، ويختلف باختلاف الجهات. والتقدير بالساعات ودرجها مبناه على ما يوجبه تقويم حركة الشمس، وغير ذلك مما قرره علماء الفلك. ففي «اليواقيت» - بعد ذكره أن المعمور من الأرض منتهى طول الليل والنهار ونقصها فيه؛ إلى خمس عشرة ساعة مستوية وتسع ساعات كذلك، ما لفظه -: (فصل: قد مضى الكلام على ساعات الليل والنهار، وقد عرفناك الخلاف فيما بين الفجر والشمس، هل هو من الليل أو النهار؟، وأنا أعرفك الآن زيادته ونقصانه في الفصول الأربعة، أعلم: أنه إذا كان وسط الشتاء - وهو أقصر يوم في السنة، والليلة أطول ¬
ليلة - .. فيكون من طلوع الفجر المعترض إلى طلوع الشمس، مقدار ساعتين غير ثمن ساعة، فإذا رجعت الشمس، ومضى من رجوعها أحد وتسعون يوماً .. اعتدل الليل والنهار، فيكون من طلوع الفجر المعترض إلى طلوع الشمس، مقدار ساعة ونصف، فإذا مضى أحد وتسعون يوماً انتهى النهار في الطول، والليل في القصر .. فيكون من طلوع المعترض إلى طلوع الشمس مقدار ساعة وثمن، فإذا رجعت الشمس، أخذ الليل في الزيادة والنهار في النقصان، فإذا مضى أحد وتسعون يوماً اعتدل الليل والنهار، فيكون من طلوع المعترض إلى طلوع الشمس مقدار ساعة ونصف، فإذا مضى أحد وتسعون يوماً ((¬1) انتهى قصر النهار وطول الليل، فيكون من طلوع المعترض إلى طلوع الشمس ساعتين غير ثمن ساعة، وذلك على التقريب) انتهى. فعلم بهذا: أن حصة الفجر ثمن ما بين غروب الشمس وطلوعها دائماً، في كل زمان ومكان؛ لأنه لما ذكر أن المعمورة من الأرض ينتهي طول الليل فيه إلى خمس عشر ساعة، وقصره إلى تسع، ذكر مرتين: ¬
أن الفجر عند انتهاء طوله ساعتان إلا ثمن ساعة، وذلك ثمن الخمسة عشر. وذكر مرتين أيضا: أن حصته مع اعتدال الليل والنهار ساعة ونصف، وهي ثمن الاثني عشر، وذكر مرة: أن حصته عند انتهاء قصر الليل ساعة وثمن، وهي ثمن التسع. وفي «الإيعاب» بعد ذكر «الماتن» اختلاف المواقيت باختلاف البلدان ما لفظه: (وإيضاحه: أن (تفرض) (¬1) الشمس في أول الحمل والميزان، والكلام في البلاد الذي لا عرض لها، فإنه أوضح، فنقول: إذا طلعت الشمس على بقعة .. كانت غاربة، بالنسبة إلى البقعة التي بينها وبين تلك البقعة من جهة المشرق نصف الدور - أعني مائة وثمانين درجة - متوسطة بالنسبة إلى البقعة التي بينها وبينها تسعون درجة من جهة المشرق .. فهو وقت الظهر عندهم، فإذا فرضنا أن بين الظهر والعصر خمسين درجة مثلاً، وجمعنا ذلك إلى نصف قوس النهار، وهو تسعون درجة، يحصل مائة وأربعون .. كان ذلك الوقت وقت عصر، بالنسبة إلى البقعة التي بعدها عن بقعة الشروق من جهة المشرق ¬
أيضا مائة وأربعون، وإذا فرضنا حصة الشفق عشرين درجة مثلاً، وزدناها على قوس النهار - وهو مائة وثمانون درجة، يحصل مائتان .. كان ذلك الوقت وقت العشاء، في بقعة بعدها عن بقعة المشرق من جهة المشرق أيضا مائتان. وإذا فرضنا حصة الفجر ثلاثا وعشرين درجة مثلاً، كان ذلك الوقت وقت الصبح، في بلد يكون بعده عن بلد الشروق، في جهة المغرب ثلاثاً وعشرين درجة. وهذه الأحكام جارية في ذوات العروض من البلدان، في كون الشمس] في الحمل [((¬1) والميزان) (¬2) انتهى. وهذا وإن كان ذكره الشيخ، على سبيل الفرض والتمثيل .. فهو موافق لما عليه جمع من أهل التقويم، في حصص هذه الفروض، وإن وجد خلاف بينهم فهو يسير، ويهوِّنه ما مرّ: أن الضبط بذلك تقريب لا تحديد ((¬3)، ويشهد لذلك بل لترجيح الشيخ: أن حصص هذه الفروض عند الاعتدال ما ذكره، جزمه في «فتح الجواد»: بأن حصة الشفق ما ذكره هنا، وموافقته «لليواقيت» في ¬
حصة الفجر، إذ الثلاث والعشرين الدرجة، ساعة ونصف ونصف درجة، فزيادته نصف الدرجة على «اليواقيت» يسير، لا يؤثر فيما مبناه على التقريب - كما مرَّ. ومن باب العيد من «الهجرانية» (¬1)) لما سئل عن قول «العباب»: (يسن تأخير صلاة العيد لربع النهار، والأضحى لسدسه)، وأجاب: بأن الماوردي ((¬2) سبق صاحب «العباب» بهذه المقالة فقال في «الإقناع»: (الاختيار أن يصلي عيد الأضحى إذا مضى سدس النهار، والفطر ربعه) انتهى. ثم رد ذلك بأن السنة فعل الأضحى بعد ارتفاع الشمس كرمح، والفطر بعد ذلك بيسير، ما لفظه: (فإن قلت بل مراده - أي الماوردي - بوقت الاختيار وقت الفضيلة، ولكن ابتداء المقادير المذكورة من الفجر؛ لأنه أول النهار الشرعي كما هو معلوم، وحينئذ ¬
فيوافق كلام غيره ولا إشكال. قلت: لا يوافقه أيضاً على هذا التقدير. أما في الفطر فظاهر؛ لأنه جعل المقدار ربع النهار، وربع النهار المعتدل ثلاث ساعات، إن حسب من طلوع الشمس، وإن حَسَبَ من طلوع الفجر كان ثلاث ساعات وثلث، فعلى ما ذكر في هذا الاعتراض، يكون التأخير بعد طلوع الشمس قدر ساعتين، وهو أكثر ممَّا بين طلوع الفجر وطلوع الشمس بقدر ثلثي ساعة) انتهى. فصريح هذه العبارة: أن حصة الفجر مع اعتدال الليل والنهار ساعة وثلث؛ لقوله: وربع النهار إلى وثلث. فلما ذكر أن الربع من طلوع الشمس إلى غروبها ثلاث، وأنه من طلوع الفجر يُزاد عليها (ثلث) (¬1) ساعة عُلم أن المتروك بعد الربع في كل مثله ثلاث مرات، وهو تسع ساعات في الأول، وثلاثة أثلاث ساعة في الثاني، (وهو ساعة) (¬2)، وبين ذلك بقوله: فعلى هذا إلى آخره العبارة، إذ يلزم من كون الساعتين التي بعد طلوع الشمس أكثر من حصة الفجر بثلثي ساعة .. أن حصته ساعة وثلث. ¬
وفي «نهاية الجمال» للرملي - عند كلامه على الذهاب في ساعات الجمعة المذكورة في الحديث (¬1) ما لفظه - (وفي «الروضة»: ليس الساعات، الساعات الفلكية؛ لئلا تختلف في اليوم الشتائي والصائف، إذ لا يبلغ ما بين الفجر والزوال في كثير من أيام الشتاء ست ساعات) (¬2) انتهى. قال الشبراملِّسي ((¬3) في «حاشيته» عليها: ¬
(قال ابن قاسم: ولي فيه نظر، إذ أقل أيام الشتاء مائة وخمسون درجة، وهي عشر ساعات فلكية، وابتداء اليوم عند أهل الفلك من طلوع الشمس، فمن الشمس إلى الزوال يخصه خمس ساعات، ولاشك أن من الفجر إلى الشمس لا ينقص عن ساعة) (¬1) انتهى. فصريح ما ذكر: أن أقصر يوم فلكي بالقطر المصري مائة وخمسون درجة، ولم يبين حصة الفجر، (التي) (¬2) بها يتبين قدر ذلك اليوم الشرعي، لكن بينه كلام الرشيدي ((¬3) في «حاشيته» على «النهاية» إذ قال: (قوله: (إذ لا يبلغ ما بين الفجر الخ (. فيه نظر، إذ أقصر ما يمكن من أيام الشتاء في القطر المصري، أن يكون ما بين الفجر والزوال ¬
تسعاً وتسعين درجة، وهو أكثر من ست ساعات فلكية) (¬1) انتهى. فإذا كان ما بين الفجر والزوال تسع وتسعون درجة، وقد علم - مما مرَّ عن الشبراملِّسي -: أن من طلوع الشمس إلى الزوال خمس ساعات، وهي خمس وسبعون درجة، فلا شك أن ما زاد عليها إلى تمام التسع والتسعين، هو حصة الفجر وذلك أربع وعشرين درجة. ¬
فصل: بيان حصة الفجر في القطر الحضرمي
فصل: [بيان حصة الفجر في القطر الحضرمي]-: نذكر فيه بيان حصة الفجر في القطر الحضرمي: قد مرَّ عن «اليواقيت» الإجماع على: أن حصة الفجر تطول لطول الليل وتقصر لقصره، وتقديرهم لها بالمنازل يشهد لذلك؛ لطولها بطوله وقصرها بقصره. فلنبين المقادير الآتية على ذلك، فنذكر في السُّبُع الذي هو منزلتان سبع ليل حضرموت الأطول والأقصر والمعتدل، وهكذا الثمن وغيره، وغاية طول الليل بالقطر الحضرمي ثلاث عشر ساعة إلا نصف درجة، وغاية قصره إحدى عشرة ساعة ونصف درجة ((¬1)، بناءاً على أن عرض حضرموت خمس عشر درجة ونصف درجة، وحاصل ما مرَّ من التقدير بالمنازل، وما بعدها يرجع إلى خمسة مقادير: الأول:-[التقدير بالمنزلتين]: وهو سبع ما بين غروب الشمس وطلوعها ((¬2)، وقدره مع الاعتدال: خمس وعشرون درجة وثلثا درجة وثلاث دقائق إلا سبع دقيقة، ومع الطول: ثمان وعشرون درجة إلا ¬
التقدير بالثمن
ثلاث عشرة دقيقة إلا سبع دقيقة، ومع القصر: ثلاث وعشرون درجة ونصف درجة وسبع درجة إلا سبع دقيقة. الثاني: [التقدير بالثُمن]: ثمن ما بينهما، وهو الذي في «اليواقيت»، وفرضه ابن حجر في «الإيعاب» (¬1)، وقدره مع الاعتدال: اثنتان وعشرون درجة ونصف درجة، ومع الطول: أربع وعشرين درجة وثلث درجة إلا دقيقة وربع دقيقة، ومع القصر: عشرون درجة وثلثا درجة ودقيقة وربع دقيقة. الثالث: [تقدير حصة الفجر بتُسع الليل الفلكي]: تسع ما بينهما، وهو الذي في «الهجرانية» لبامخرمة، وقدره مع الاعتدال عشرون درجة ومع الطول واحدة وعشرون درجة وثلثا درجة إلا ثلاث دقائق وثلث دقيقة، ومع القصر ثمانية عشر درجة وثلث درجة وثلاث دقائق وثلث دقيقة. ¬
تقدير حصة الفجر بتسع الليل الفلكي إلا نصف عشر التسع
الرابع: [تقدير حصة الفجر] تُسع ما بينهما إلا نصف عُشر التُسع: وهو ما ذكره علي بن عبد الرحيم بن قاضي والحبيب عمر بن سقاف وبارجاء في «مؤلفه في الفلك» في «جدوله» الذي ذكر فيه: درجة الشمس ودرجة الفجر بالقطر الحضرمي وابن عفالق في «سلم العروج» وقدره مع الاعتدال تسعة عشر درجة، ومع الطول: عشرون درجة ونصف درجة ودقيقة ونصف دقيقة ومع القصر: سبع عشر درجة ونصف درجة إلا دقيقة ونصف دقيقة. الخامس: [تقدير حصة الفجر] تسع ما بينهما وخُمس عُشر التُسع تقريباً: وهو الذي في «حاشية النهاية» للرشيدي، وقدره مع الاعتدال: عشرون درجة وثُلُثُ درجة وأربع دقائق تقريباً، ومع الطول ثنتان وعشرون درجة وست دقائق تقريباً، ومع القصر ثماني عشرة درجة وثلثا درجة وثلاث دقائق وثلث تقريباً.
تنبيهات: الأول: رأيت جدولاً للسيد الفاضل عمر بن أحمد الصليبة العيدروس - (رحمهما الله) (¬1) -، ذكر فيه درجة الفجر ودرجة الشمس لجهتنا، فجعل حصة الفجر في البروج كلها إحدى وعشرين درجة، وذكر مثله أيضاً السيد العلامة (عبد الرحمن بن أحمد) ((¬2) الزواوي في مؤلف له في الفلك، ورأيت جدولاً للشيخ رضوان أفندي ((¬3)، في رسالته التي ألفها في المواقيت لعرض مكة - حرسها الله تعالى -، ذكر فيها بيان ¬
حصة الفجر لذلك، فجعل لبرجي الحمل والسنبلة عشرين درجة وثلثا، إلى إحدى وعشرين وخمس ((¬1)، وللثور والأسد واحد وعشرين درجة وثلثا تقريباً إلى اثنتين وعشرين درجة وثلثين، ¬
وللسرطان والجوزاء اثنتين وعشرين درجة، إلى ثلاث وعشرين درجة ونصف، وللحوت والميزان عشرين درجة و (ثلث) (¬1) إلى عشرين درجة ونصف، وللدلو والعقرب عشرون درجة ونصف إلى واحدة وعشرين درجة وثلث، وللجدي والقوس واحدة وعشرين درجة ونصف، إلى اثنتين وعشرين درجة إلا أربع دقائق. وقد حذفت دقائق ذَكرَها، تزيد على الكسور المذكورة؛ حذراً من التطويل، إذ التفاوت بها يسير. ورأيت جملة من الجداول لمكة، حصة الفجر فيها نحو هذا، ومكة عرضها واحد وعشرون درجة، فهي زائدة على حضرموت بخمس درج ونصف ((¬2)، فالتفاوت بينها في طول الليل ونقصه ثلث ساعة، وهو شيءٌ يسيرٌ، يقل به التفاوت في حصة الفجر جداً، وتقديره بما ذكر، متوسط بين الثمن والتسع، وكذا ما ذكره السيد عمر في جدوله، وفي ما ذكره الشيخ رضوان، وغيره من أهل الجداول، من أن طول الحصة يكون إلى ثلاث وعشرين درجة ونصف، في السرطان والجوزاء .. مخالفة لما مرّ عن «اليواقيت»: ¬
من الإجماع على أنها تطول بطول الليل وتقصر بقصره؛ لأن غاية قصر الليل تنتهي فيهما، وقد وافقهم على ذلك أحمد السجاعي في «منظومته في الفلك» وشارحها السيد علي الونائي (¬1) ومحمد الأخصاصي المصري (¬2) في «الدرة المضيئة في الأعمال الشمسية» وعبارة الونائي في «شرحه» المذكور - بعد ذكره نهاية الفضلة للنهار بمصر وحصص أوقات الصلاة عندها - لفظها: (فيكون قدرهما في العرض الكثير في البروج الشمالية .. أطول منه في العرض القليل منها، وعلى العكس في البروج الجنوبية) (¬3) انتهى. فعلم بذلك: أن حصة الفجر على ما قرره ¬
المذكورون تتبع عرض البلد، فإذا كان عرضه شمالياً كمكة ومصر وحضرموت، فإن كان الشمس في البروج الشمالية .. زادت حصته، وكانت زيادتها تكثر بحسب كثرة العرض وتقل بحسب قلته، وإن كانت في الجنوبية نقصت حصة الفجر، وكانت زيادتها تكثر بحسب قلة العرض وتقل بحسب كثرته، وكلام رضوان وموافقيه يوافق في الاعتدال ما مرّ عن بامخرمة. وكلام السجاعي، والونائي، والأخصاصي، يوافق فيه صاحب «اليواقيت»، وابن حجر. فلنبين حصة الفجر في جهة حضرموت، بناء على قدر عرضها لأنه شمالي كمكة ومصر، ولكنه أنقص منهما؛ فلذا تنقص فيها عنهما في البروج الشمالية وتزيد عليهما في البروج الجنوبية، ونجعل ذلك مقدارين فوق المقادير الخمسة المارة فنقول: السادس: ما ذكره رضوان أفندي، وموافقوه من أهل الجداول لعرض مكة، فحصة الفجر عليه لجهتنا في الحمل والسنبلة عشرون درجة وستة عشر دقيقة، إلى خمس وخمسين دقيقة ونصف دقيقة، وفي الثور والأسد عشرون درجة وسبع وخمسون دقيقة، إلى اثنتين وعشرون درجة وثلاث دقائق، وفي الجوزاء والسرطان اثنتان وعشرون درجة
واثنتين وأربعين دقيقة، وفي الميزان والحوت عشرون درجة وثلاثون دقيقة، إلى عشرين درجة وخمس وأربعين دقيقة، وفي العقرب والدلو عشرون درجة وخمسون دقيقة إلى واحدة وعشرين درجة وثلاث وثلاثين دقيقة ونصف دقيقة، وفي القوس والجدي واحدة وعشرون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، إلى اثنين وعشرين درجة وعشر دقائق. السابع: ما ذكر السجاعي، والونائي، والأخصاصي، فحصة الفجر عليه: في الحمل والسنبلة اثنتان وعشرون درجة وتسع دقائق، إلى اثنتين وعشرين درجة وأربعين دقيقة، وفي الثور والأسد اثنتان وعشرون درجة واثنتان وأربعون دقيقة، إلى ثلاث وعشرين درجة وخمسة وأربعين دقيقة، وفي الجوزاء والسرطان ثلاثة وعشرون درجة وتسع وأربعون دقيقة، إلى أربع وعشرين درجة وست وعشرين دقيقة، وفي الميزان والحوت اثنتان وعشرون درجة وأربع دقائق، إلى اثنتين وعشرين درجة واثنتين وعشرين دقيقة، وفي العقرب والدلو اثنتان وعشرون درجة وستة وعشرون دقيقة، إلى أربع وعشرون درجة وأربع عشر دقيقة، وفي القوس والجدي أربع وعشرون درجة
وعشرون دقيقة، إلى خمس وعشرين درجة وأربع وعشرين درجة. ورأيت جدولاً للسيد الإمام عبد الرحمن بن أحمد الزواوي الحسني، أخذه من جدول ابن عفالق (¬1)، وجعلا حصة الفجر فيها لبعض البروج واحد وعشرين درجة، ولبعضها عشرين درجة - وهو تُسع أو تُسع ودرجة، وقد ذكر الشيخ محمد بن الحطاب في رسالته «قاعدة في حصة الفجر والشفق» وتبعه ابنه يحيى في «مختصرها» وقدر حصة الفجر بها على الجملة، بين الثمن والسبع غالباً، وهي على التقريب كالمنازل لا الدرجات، ولذا لما ذكر السيد الإمام الحسن بن عبد الرحمن عيديد هذه القاعدة في كتابه «فصوص النصوص الجليات ¬
في أحكام القبلة وأدلة الصلوات» ((¬1) قال: (واعلم أنه يحصل تخالف بين هذه القاعدة وغيرها، والصحيح ما في الأزياج فليطلب منها، وفي هذا تقريب لمن لا يعرف الأزياج) انتهى. وقال الشيخ بارجاء في مؤلفه في الفلك: (ما عليه أهل العصر من معرفة طالع الفجر ونحوه .. تخمين بعيد عن التحقيق، وأما وضعته في الجدول فإنه وإن كان على سبيل التقريب، فهو قريب من التحديد) انتهى. وعلماء الفلك متفقون كلهم - كما مرَّ - على: [الأول]: أن الضبط لأوقات الساعات والدرج هو التحقيق عندهم دون غيره، وقد صرح بذلك بامخرمة في أو قات الصلاة من «الهجرانية». الثاني: إذا علمت أن الضبط بالدرج للأوقات هو التحقيق عندهم .. فهو أيضاً تقريب لا تحديد - كما مرَّ عن «اليواقيت» ¬
وبارجاء، لكنه تقريب قريب من التحديد، والتقدير بالمنزلتين وغروب القمر وطلوعه أبعد منه؛ ولذا ترى جميع ما مرّ من التقدير بالدرج عن العلماء الذي ذكرناهم وغيرهم، والجداول التي مرَّت وغيرها مما لم نذكره .. أقل من المنزلتين، وبه يتضح لك: أن قولهم في المنزلتين على التقريب مرادهم به: أنها تنقص عنها لا تزيد - كما مرَّ -، وأن من رأى جواز إدخال زائد عليها في حصة الفجر بعيان أو اجتهاد كمؤلف تلك «الرسالة» .. (¬1) كل ذلك يرد عليه. الثالث: التفاوت بين المقدار الثاني وما بعده مع الاعتدال، وما ذكرنا من الجداول يسير، إذ هو درجتان ونصف، بين الثاني والثالث، وثلاث ونصف، بينه وبين الرابع، واثنتان وسدس بينه وبين الخامس، ونحو هذه المقادير بينه وبين الجداول، فإن حمل الأكثر منها وهو الثمن على قدر حصة الفجر، التي يُرى أو لها في ذلك القطر لولا الجبال ونحوها، وما بعده على أولها الذي يُرى بالفعل فوق الجبال ونحوها .. ارتفع الخلاف الذي مرَّ. (¬2) ¬
فصل في مسائل تتعلق بمسألة الفجر
فصل في مسائل تتعلق بمسألة الفجر المسألة الأولى: ما مرَّ في هذا الباب أتينا به تكميلاً للفائدة، ليعرف به طالب أول الفجر قربه، إذا بقي قدر الحصة المذكورة، فينظر محل الفجر، فإذا رأى علاماته الذي مرّ تقريرها في الأبواب الثلاثة، التي رتب الشارع - صلى الله عليه وسلم - الأحكام عليها .. أذن وصلى، وإن لم ير تلك العلامات فله ثلاثة أحوال: الحال الأول: أن يحصل له علم بنفسه أو بإخبار غيره، يخالف حسابه، ومثل الحساب أنواع الاجتهاد كلها، كأن نظر ذلك ولا حائل يمنع رؤيةَ الفجر، وإن لم ير تلك العلامات لم يؤذن ولم يصلِّ، قال في «فتح الجواد» ((¬1): (تنبيه: قد يشاهد غروب الأحمر في بلد، قبل ¬
مضي الوقت الذي قدَّره الموقتون لها، وهو نحو عشرون درجة، فهل العبرة بما قدَّروه أو المشاهد؟ .. وقاعدة الباب ترجيح الثاني، والإجماع الفعلي على ترجيح الأول، وكذا يقال فيما لو مضى ما قدَّروه ولم يغب الأحمر) (¬1) انتهى. فصريح كلامِهِ: أنه إذا غاب الشفق قبل مضي العشرين الدرجة .. يخرج وقت المغرب ويدخل العشاء؛ لقاعدة الشرع في باب المواقيت: وهي (جعله) (¬2) الزوال، وبلوغ ظل كل شيء مثله، وغروب الشمس، والشفق وطلوعَ الفجر .. علامات ¬
لأوقات الصلوات من غير تقييد بمدة (¬1)، وقوله: «والإجماع الخ» أي: أنهم يؤخرون أذان العشاء عن غيبوبة الشفق، إلى مضي العشرين الدرجة، وهذا الإجماع الذي ذكره موافق للشرع، لا مخالفة فيه إلا بالتأخير قليلاً عن مغيب الشفق، وأما قوله: «وكذا يُقال الخ» أي: فقاعدة الشرع بقاءُ وقت المغرب؛ لبقاء الشفق وعدم دخول العشاء، ولا إجماع فِعْليّ على أذان العشاء وصلاته مع بقاء الشفق؛ لأن الشيخ فرض ذلك لو وقع، وما هو كذلك لا يمكن حكاية الإجماع الفعليّ فيه؛ فيكون الحكم فيه على قاعدة الباب، لا خلاف فيه؛ وللفرق الواضح بينه وبين ما مرَّ من تأخير العشاء بعد الشفق إلى تمام العشرين، إذ التأخير المذكور موافق للشرع، بإيقاعها في وقتها الذي حدّه الشارع لهما، وهو ما بين مغيب الشفق وطلوع الفجر، وليس كذلك إذا بقي الشفق بعد مضي العشرين الدرجة، ¬
إذ فيه إيقاع الصلاة قبل مغيب الشفق، الذي جعله الشارع إذناً لنا في فعلها بعده، وقال الشيخ علي بن عبد الرحيم بن قاضي في «(رسالته) (¬1) في الهلال»: (قال ابن حجر: ومن القواعد أن كلامهم - أي الحكماء - حيث لم يخالف نصاً، ولم يترتب عليه شيء مما يخالف الأصول .. لا بدع في القول به) انتهى. وهذه القاعدة، ذكرها ابن حجر في «فتاويه»، فإذا مضت منازل الليل الشرعي ودرجه، فنظر الناظر في محل الفجر ولا حائل، فلم يرَهُ أو أخبرَه بعدمِهِ مقبول الرواية .. لم تجز له صلاة الفجر؛ لتحقق مخالفة حسابه، والحال ما ذكر؛ لقاعدة الشرع في «المواقيت»، ونصوص الشارع - صلى الله عليه وسلم - فيها، فإن قلت: هذا ينافي ما في الصوم من أن الحاسب له العمل بحسابه، وإن لم ير الهلال ولا حائل، وكذا في أوقات الصلاة وأن لم ير علامات دخولها، قلت: أما في أوقات الصلاة فسيأتي في (الحال الثالث) أن له العمل به إذا وجدت شروطه الآتية فيه، وأما القول بعمله بحسابه في الهلال، فإذا دل الحساب على أنه يرى بعسر أو بغير عسر، ولم يُرَ مع فقد الحوائل .. فلا يخالف نصاً ولا أصلاً؛ لأنه ¬
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «صوموا لرؤيته الحديث» (¬1) معناه: صوموا للعلم برؤيته، والعلم برؤية الهلال، كما يحصل بمشاهدته وإخبار مشاهده الذي يقع في القلب صدقه يحصل بالحساب الذي يطمئن به القلب، ويعرف به الحاسب أنه لولا خفاء القمر بالشفق وصغره لرئي من غير عسر، ولكن لذلك تعسّر، ولأن بمنعه من العمل بالحساب المذكور، يفوت صوم ذلك اليوم، وأول الفجر لا يعسر إدراكه، وإن عسُر على بعض الناس، فبالصبر قليلاً يسهل، ولا يترتب فوات الصلاة على المنع بالعمل بالحساب فيه. قال في «التحفة»: (فإن اجتهد وصلى ثم بعد خروج الوقت، تيقن صلاته - أي إحرامه - بها قبل الوقت، ¬
ولو بخبر عدل عن علم لا اجتهاد .. قضى في الأظهر؛ لفوات شرطها: وهو الوقت، فإن تيقن في الوقت، أعاد قطعاً) ((¬1) انتهى. ونحوه في «المغني» و «النهاية»: (فإذا كانت الصلاة تلزم المجتهد إعادتها، بعلمهِ بعدَها بعدم دخول وقتها حال إحرامه، ولو بخبر عدل له عن علم بذلك .. فكيف لا يمتنع عليه الدخول فيها بالاجتهاد، إذا حصل له العلم المذكور بذلك قبله). وقال في «فتح الجواد» - في كلامه في الاجتهاد ما لفظه -: (وإنما امتنع على القادر على اليقين بأذان عدل، [أو] رواية عارف بالمواقيت في الصحو، أو بخبر ثقة عن علم؛ لأنه لا مشقة عليه في سماع الأذان والخبر، بخلاف الخروج إلى رؤية الشمس مثلاً، فإن من شأنه المشقة، وإذا لم يَبِنْ للمصلي الحال، مضت صلاته على الصحة، وإن بان - ولو بخبر عدل - رواية عن علم لا اجتهاد، فإن كان قد قدّم الصلاة على الوقت، لم تجزه وأعاد الصلاة) (¬2) انتهى. فقوله: (وإنما امتنع على القادر الخ .. » أي: امتنع عليه العمل بالاجتهاد؛ لقدرته على اليقين في الحال، بأذان ¬
أو إخبار من ذكر، الذي ليس من شأنه المشقة، فإذا أفاده اجتهاده دخول الوقت، وأفاده الأذان أو الإخبار عدمه .. لم يعمل بالاجتهاد، وعمل بهما لضعفه وقوتهما، وإذا أفاده الاجتهاد عدم دخول الوقت، وأفاده أحدهما دخوله .. صلى لذلك، فعبارته شاملة للصورتين). وفي «التحفة»: (نعم إن أخبره ثقة عن مشاهدة، أو سمع أذانَ عدلٍ عارف بالوقت في صحو .. لزمه قبوله ولم يجتهد، إذ لا حاجة للاجتهاد حينئذ) ((¬1) انتهى. فإذا أفاده إخبار الثقة دخول الوقت أو عدمه، أو أذان من ذكر دخوله لكونه مؤذنَهُ، أو عدمه لكونه مؤذن الأذان الأول .. لم يعمل باجتهاده المخالف لذلك، فترك العمل به هو المراد بقوله: لم يجتهد. إذ هو المقصود من الاجتهاد، ولا قائل بامتناع الاجتهاد لذاته، ومثل العلم المستفاد منهما علم الشخص نفسه بذلك بل أولى. وقال الشيخ زكريا في «شرح البهجة الكبير»: (لا يجوز الاجتهاد لهما - أي للبصير والأعمى - مع قول عدل عن عِيَان - بكسر العين - ¬
أَعلما عن مشاهدة، بقوله: رأيت الشفق غارباً أو الفجر طالعاً) (¬1) انتهى. ومثله في «شرحه الصغير» وعباراتهم في هذا كثيرة جداً، وفيما ذكرناه كفاية. وحاصلها كلها: أن المجتهد إذا علم بنفسه أو بخبر مقبول الرواية عن علم، خلاف ما أفاده اجتهاده من دخول الوقت، فإن كان قبلَ الصلاةِ، لم يصل، وإن كان بعدها أعادَها. أو من عدم دخوله .. صلى ولم يلتفت للاجتهاد والحساب؛ لأن الحاسب سيأتي لك الخلاف فيه: أنه من جملة المجتهدين أو أنقص منهم. الحال الثاني: أن يظهرَ له بالحساب دخول الوقت ولا علم حاصل عنده يخالفه، لكنه قادر عليه بسبب ليس من شأنه المشقة، كَكَونه عند كوة تشاهدُ محل الفجر، أو جالساً في فضاء مستديرة، فإذا التفت إليه شاهَدهُ، ولا حائل يحول دونه، أو يمكنه وهو في محله سؤال مقبول [الرواية] عالم به ونحو ذلك، فلا يجوز له العمل بحسابه حينئذ؛ لأنه للقدرة المذكورة، ينزَّل منزلة من حصل له العلم، فيلزمه العمل به ¬
وترك العمل بحسابه، فالأول كمجتهد الأحكام الواجد للنص بالفعل، والثاني كواجده بالقوة، وهما لا يجوز لهما العدولُ إلى القياس مع ذلك، ويشهد لهذا ما مرَّ من العبارات في الحال الأول، خصوصاً قول «الفتح»: (وإنما امتنع على القادر. الخ). وقال ابن قاسم (¬1) في «حاشيته على الغرر البهية»: (وصرح - أي زكريا - في شرحه أي على «الروض» ((¬2) - قبل ذلك -: بامتناع الاجتهاد مع الإخبار عن علم (¬3)، ومن ثم قال بعضهم: أنه قد يشكل الفرق بين امتناع الاجتهاد، مع أذان العدل العارف في الصحو أو إخباره عن ¬
علم، وجوازه مع إمكان اليقين بنحو الخروج من محل مظلم، قال: إلا أن يجاب بأن في التكليف بالخروج إلى رؤية الشمس مشقة، بخلاف سماع الأذان والخبر) انتهى، ويمكن أن يقال: لا فرق بين المسألتين؛ لأن مسألة الخروج مفروضة: فيما إذا لم يكن اليقين حاصلاً في الحال، بل كان مقدوراً على تحصيله حتى لو كان حاصلاً في الحال، كأن رأى الشمس بالفعل .. امتنع الاجتهاد. والثانية مفروضة: فيما إذا احصل اليقين بالفعل، بأن حصل إخبار العدل المذكور بالفعل حتى لو لم يحصل بالفعل، فالوجه جواز الاجتهاد. ولعل هذا واضح متعين إذ لم يكن في كلامهم ما ينافيه، لكن قضية ذلك أنه لو لم يحصل في الثانية اليقين بالفعل، بأن لم يحصل إخبار العدل بالفعل لكنه موجود يمكن سؤاله .. جاز الاجتهاد، إلا أن المتجهَ أن محل جوازه حينئذ: إذا شق سؤاله عرفاً، وإلا اتجه وجوبُ السؤال وامتناع الاجتهاد، ويفارق عدم وجوب الخروج من محل مظلم .. بالمشقة في الخروج، نعم أن لم يشق كأن كان عند كوة يسهل رؤية نحو الشمس منها أو كان عند الباب، بحيث لو خطا خطوة رأى نحو الشمس، فالوجه امتناع
الاجتهاد وحينئذ: (تستوي) (¬1) المسألتان فليتأمل) ((¬2) انتهى. فاتضح بكلامه: أنه متى حصل للمجتهد علم يخالف اجتهاده .. لزمه العمل بالعلم وترك العمل بالاجتهاد، ومتى لم يحصل له لكنه قادرٌ عليه بسبب لا مشقة فيه .. لزمه طلبه بذلك السبب، وترك العمل بالاجتهاد. ومتى لم يحصل له، وفي تحصيله مشقة عليه .. جاز له العمل بالاجتهاد، ولم يلزمه تحصيل العلم. الحال الثالث: أن يظهر له بالحساب دخول الوقت، ولا علم عنده يخالفه، ولا قدرة له عليه الآن، أو له قدرة عليه لكنها بسبب من شأنه المشقة، كخروج وصعود ونحوهما .. فيجوز له العمل بالحساب بشروط [خمسة]: [الشرط] الأول: أن لا يحصل له علم يخالفه؛ لما مرّ في الحال الأول. [الشرط] الثاني: عدم القدرة عليه بسبب ليس فيه مشقة؛ لما مرَّ في الحال الثاني. ¬
[الشرط] الثالث: أن يصدقه الحسّ ولا يكذبه ولا تحيله العادة، ويعرف ذلك بأحد أمرين: أحدهما: انتشار الضوء بعد الصلاة زيادة على ما قبلها، فإذا مضت الصلاة وما يتعلق بها، ولم يظهر لضوء النهار زيادة على ما قبلها، فالحس يكذب المخبر بالفجر عن عِلم أو حساب أو غيره من أنواع الاجتهاد، إذ تحيل العادة ويكذب الحس: أن يمضي نحو وقت الفضيلة ويدخل وقت الاختيار، ولا يزيد ضوءُ النهار؛ لأن وقتَ الفضيلة نحو خمس درج، فالصلاة وما يتعلق بها .. يستغرقهُ تقريباً. ثانيهما: كونه في جهتنا مع استواء الليل والنهار بعد مضي عشر ساعات ونصف من الغروب، وبعد مضي إحدى عشر ساعة وربع وثمن مع الطول، وبعد مضي تسع ساعات ونصف مع القصر، ويضاف لكل من الثلاثة ما قاربه؛ لأن هذه عادةُ الله المستمرةُ في طلوع الفجر في جهتنا .. لا يتقدم على ذلك، وكذلك هي في جميع الجهات مع مراعاة الزيادة والنقص لطول ليلها وقصره عما ذكرنا فيهما، فمن أخبر بما يخالف العادة المذكورة عن علم أو اجتهاد .. فهو كاذب مردود.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام ((¬1) في قواعده «القاعدة في الإخبار من الدعاوي والشهادات والأقارير» وغيرها: (إنّ ما كذبه العقل أو جوّزه وأحالته العادة، فهو مردود، وما أبعدته العادة من غير إحالة، فله رتب في القرب والبعد قد يختلف فيها، فما كان أبعد وقوعاً فهو أولى بالرد، وما كان أقرب وقوعاً فهو أولى بالقبول، وما بينهما رتبٌ متفاوتة) انتهى. ونحوه في «الأشباه والنظائر» لابن الملقن (¬2)، و «قواعد العلائي» (¬3))، وغيرها. فإذا ردّ الشرع ¬
شهادة الآحاد وأخبارهم بما أحالته العادة .. فمن باب أولى ردّ الحساب وجميع أنواع الاجتهاد بذلك، والعادة تثبت بالاستقراء وإخبار عدد متواتر به. قال في «التحفة» - في كتاب السير -: (وتواتر الكتب معتدٌ به كما صرحوا به) ((¬1) انتهى. ومثله في «الفتاوى الحديثية» (¬2)) (له) (¬3) قال السيد العلامة علوي بن عبد الله باحسن جمل الليل ((¬4) - بعد نقله عبارة «التحفة» هذه في ¬
كتابه «مرّ النسيم»: (فيكفي ذكر الاستحالة في خمسة كتب فصاعداً من كتب الحساب) انتهى. وقد علمت - مما مرّ في هذا الباب - مما نقلناه عن من صرّح بقدر حصة الفجر، أنهم يزيدون على الخمسة؛ لأن [الذين] (¬1) قدروها بالمنزلتين تقريباً هم المحققون - كما نقله الغزالي وارتضاه - ويقيناً أنهم يزيدون على الخمسة، وقد مرّ أن منهم الأصبحي، واليافعي، ومحفوظ الحضرمي، ومنهم أيضاً القليوبي وذكر: أنه يحتاط للصلاة بالتأخير، ومنهم السجاعي، والونائي، والأخصاصي، ويحيى الحطاب في «شرح المختصر» وذكر: أنه يجب التأني (بالصلاة) (¬2) أيضاً. ومرَّ لك: أن الحُسَّاب متفقون على أن التقدير لها بالدرج - المذكور في الجداول وغيرها - أضبط وأقرب إلى التحقيق من المنازل. وقد نقلنا ذلك عن الأصبحي، وابن حجر، وعبد الله بامخرمة، والرشيدي، وابن قاضي، وابن عفالق، ويحيى الحطاب، والحبيب عمر بن سقاف، وشاد السّواحلي، ورضوان أفندي، والسيد عبد الرحمن بن أحمد الزواوي، والسيد عمر أحمد ¬
الصليبية، وبارجاء، والونائي، والأخصاصي، وغيرهم ممن لم نذكرهم، وتقديراتهم كلهم: أكثرها نحو الثمن وأقلها ثمانية عشر درجة. فعلم أنهم: كلهم متفقون على أنها لا تزيد على الثمن، فالحاسب والمنجم إن (دلّ) (¬1) حسابه على الفجر، وقد بقي من طلوع الشمس ثمن ما بينه وبين غروبها .. فالحس يصدقه ولا يكذبه، فيجوز له العمل بذلك، وإن بقي أكثر من ذلك فهو يكذبه ولا يصدقه، فلا يجوز له العمل به؛ لأن تقديرهم بذلك يدل على: استحالة الزائد عليه، فاستحالة ذلك مبنيَّة على اتفاق أهل الفلك: أن من الغروب إلى الفجر يقطعه اثنا عشر منزلاً، ومن الفجر إلى طلوع الشمس منزلتان تقريباً، وعلى اتفاقهم على أن ضبطهم للحصة المذكورة بالدرج أدق وأضبط من المنزلتين، وعلى اتفاق الضابطين لها بذلك بأنقص من المنزلتين، مع كثرتهم كثرة لا يمكن حصرها، وإنما ذكرنا اليسير منهم. وقد علمت - مما مرَّ -: أن المخبر عن المشاهدة بما يستحيل عادة، يرد خبره، فالحاسب من باب أولى. ¬
الشرط الرابع: أن يظهر له بالحساب أن الفجر لولا الحوائل يرى بالبصر، فإن ظهر له أنه موجود لكنه لولاها لم يُرَ أو يشك في رؤيته .. لم يجز له العمل به حتى يعرف أنه يرى، قال ابن حجر في «شرح المشكاة» - على قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث مسلم: «وقت الظهر إذا زالت الشمس» ((¬1) ما لفظه -: (أي مالت عن وسط السماء - المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء - إلى المغرب في الظاهر لنا، وليس المراد بالزوال هنا نفس الميل المذكور، الذي هو ابتدأ انحطاطها عن منتهى ارتفاعها؛ لأنه يوجد قبل ظهوره لنا وليس هو أول الوقت، ومن ثم لو أحرم فيه، لم ينعقد، وإن كان في نفس الأمر بعد الزوال. وكذا سائر الأوقات لا يعتبر فيها ما في نفس الأمر، وإنما العبرة بما يظهر للناس) انتهى، قال فيه: (والأفضل في الصبح إيقاعها عقب تحقق ¬
طلوع الفجر في الظاهر لنا، لا في نفس الأمر؛ لأنه لا عبرة به - كما مرَّ-) انتهى. وقال في «التحفة» - في وقت الظهر -: (وأول وقته زوال الشمس أي: عقب وقت زوالها - أي: ميلها عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء - باعتبار ما يظهر لنا، لا باعتبار نفس الأمر، فلو ظهر أثناء التحرم لم يصح، وإن كان بعده في نفس الأمر، وكذا في نحو الفجر) ((¬1) انتهى. وقال في «الإيعاب»: (والزوال يتحقق قبل ظهوره لنا، لكن لا حكم له، فليس هو أول الوقت، وبه يعلم أن الأحكام المتعلقة بالاستواء: كتحريم الصلاة إنما تناط بالاستواء الظاهر للحسّ، دون ما في نفس الأمر، إذ لا يدركه إلا تخيُّل الراصد، وهو لا اعتبار به، وكذا باقي المكتوبات، فلو علم وقوع الصبح بعد الفجر، لكن في وقت لا يتصور أن يتبين الفجر للناظر .. لم يصح؛ لأن مواقيت الشرع مبنية على ما يدرك بالحسّ، كما تشهد به سياق أحاديث المواقيت، ولا ينافيه قول «التحقيق»: (وللمنجم أن يعمل بحسابه) (¬2). لأنه ¬
إنما يجوز له العمل بما يوافق كلامهم، ويؤيد ما ذكرته قول الزركشي ((¬1): (نبه بعض المتأخرين إلى دقيقة، وهي أن كثيراً من الموقتين يعتمدون في الغيم نصف قوس النهار، فإذا مضى حكموا بدخول الوقت، وفيه نظر، فإن ذلك زوالها في نفس الأمر، وهو غير معتبر، فيجب التأخير، قدراً لو كانت ظاهرة ظهر الفيء) (¬2) انتهى بحذف. فهذه العبارات وغيرها مما في معناها صريحة: أن الحاسب لا يعمل بحسابه إلا إذا دله على: أن الفجر تدركه الأبصار لولا الحوائل من الجبال والسحاب والقمر ونحوها، وصريحة في: أن الحوائل لو ارتفعت، وشاهد الحاسب محل الفجر فلم يره، أو اخبره بذلك مقبول ¬
الرواية .. لم يجز له العمل بحسابه؛ لتبين خطأه بالمشاهدة، إذ لو كان موجود منه ما يرى لولا الحوائل، لرئي عند ارتفاعها، فكل هذه العبارات أيضاً شواهد للحال الأول. ويشهد لذلك قوله في «الإمداد» و «الخادم» (¬1): (لو أحرم مستدلاً على ذلك بالحساب لم يصح، كما هو ظاهر كلامهم) انتهى. وهو ظاهر إن استدل عليه به قبل ظهوره لنا، وإلا فسيأتي أن للمنجم أن يعمل بحسابه ولا يقلده غيره) انتهى. ثم أيَّد ذلك بالدقيقة التي نقلها في «الإيعاب» عن الزركشي - (في) (¬2) العبارة المارة - فقوله: قبل ظهوره لنا. معناه أن يقول: الفجر مثلاً موجود، لكن لا يظهر للناظر لدقته، أو موجود يظهر له، فينظر - إلى محله - فلا يظهر له، أو يخبره بذلك العدل .. فلا يصح إحرامه حينئذ. ¬
الشرط الخامس: أن يغلب على ظنه دخول الوقت، بعد معرفته ذلك بالحساب كسائر أنواع الاجتهاد، قال في «الأسنى»: (وعلى المجتهد التأخير، حتى يغلب على ظنه أنه دخول الوقت، وتأخيره إلى خوف الفوات - أي إلى أن يغلب على ظنه أنه لو أخر فاتت الصلاة - أفضل) انتهى (¬1). وفي «المغني»: (وعلى المجتهد التأخير حتى يغلب على ظنه دخول الوقت، وتأخيره إلى خوف الفوات أفضل) انتهى. وفي «النهاية»: (ويلزم المجتهد التأخيرُ إلى أن يغلب على ظنه دخوله، وتأخيره إلى خوف الفوات أفضل) انتهى. فعلم بهذا: أنه يلزم الحاسب والمجتهد التأخير بعد ظنه بهما (¬2) دخول الوقت، إلى أن يغلب على ظنه دخوله، فإن قلت: صريح كلامهم: أن من غلب على ظنه دخول الوقت، جازت له الصلاة بلا حساب ولا اجتهاد فلا يبقى لهما فائدة. قلت: يبقى لهما فائدة وهي أن الحاسب والمجتهد بالصبر القليل، يحصل له غلبة ظن دخول الوقت، بخلاف غيرهما، لا يحصل له ذلك إلا بصبر أكثر من ذلك. وقد ¬
خالف ابن حجر في هذا الشرط فجزم في «الفتح» و «الإمداد» و «الإيعاب» (¬1)): (أن المجتهد إذا ظن باجتهاده دخول الوقت، جازت له الصلاة، وإن لم يغلب على ظنه دخوله). وهذه الشروط الخمسة، شروط للعمل بجميع أنواع الاجتهاد الحساب وغيره، بل الشرط الثالث، شرط للعمل به برؤية نفسه أو إخبار غيره له، بها فتنبه لذلك. وممَّن صرح بأن الحاسب له العمل بحسابه، وانه من أنواع الاجتهاد، تجري فيه أحكامه، الشيخ عبد الله بن عمر مخرمة في فتاويه «الهجرانية» قال: (وأما الصلاة، فإذا دل حساب المنازل على دخول الوقت، كان ذلك من أنواع الاجتهاد: كالأوراد ونحوها، فيكون حكمه حكمها، لا محالة، وكذلك إذا دلَّ على ذلك الحساب النجومي، المأخوذ من ارتفاع الشمس أو بعض الكواكب ونحو ذلك، بل قد يكون ذلك من باب العلم لا الظن في حق العارف بهذا الفن). ¬
إلى أن قال: (ومن أمثلة ذلك المنكاب المحرر المحقق صحته بوجهه المعتبر، وكذلك الإسطرلاب المحقق صحة تقاسيمه واتساقها، وما جرى هذا المجرى، فيكون ما يخرجه العمل بذلك، في حق العالم بهذا الفن، المحقق صحة تلك الآلة .. من باب العلم لا من باب الاجتهاد). إلى أن قال: (ويجوز للأعمى والعاجز عن الاجتهاد تقليدهما في ذلك، كما يجوز لهما تقليد غيرهما ممن عرف الوقت باجتهاده). إلى أن قال: (وأما قول صاحب «البيان»: أنه يعمل به لنفسه ولا يعمل به غيره، فمحمول على ما إذا كان الغير قادراً على الاجتهاد ولم يكن أعمى، وإن كان كلامه يشعر بالمنع مطلقاً) انتهى. وقال في «مجمع البحرين» (¬1): (ولمنجم - لا غيره - اعتماد ¬
حسابه؛ لظاهر قوله تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)} (¬1)، ولا يقلده غيره لأنه مجتهد، والمجتهد لا يقلد مجتهداً، وقضية كلامه - أي المتن -: إن ذلك جائز لا واجب. قال في «الخادم»: وهذا ظاهر، كما صرَّحوا بذلك في الصوم) انتهى. فتعليله هذا مصرّح: بأن الحاسب مجتهد، وأن الغير في كلامه في الموضعين هو القادر على الاجتهاد، بخلاف العاجز فله تقليده؛ لأنه ليس مجتهداً، وقال الشبراملِّسي في «حاشية النهاية»: (قوله): ويجوز (. بل يجب عليه ذلك، كما نقله (ابن قاسم على المنهج) عن الشارح وعبارته: (فرع: قالوا للمنجم اعتماد حسابه، على طريق ما اعتمده، من أنه يجب عليه صوم رمضان إذا عرفه بالحساب ويجزيه - كما يأتي -. قوله: (وليس لأحد تقليدهما (. سيأتي في الصوم أن لغيره العمل به، فيحتمل مجيئه هنا، وأن يُفرَّق بأن أمارت دخول الوقت، أكثر وأيسر من أمارات دخول رمضان) اهـ «سم» على) «حج» (((¬2). والأقرب عدم الفرق؛ ¬
لأن المدار على ما يغلب على الظن دخول الوقت، وهو حاصل حيث اعتقد صدقه. ثم رأيت «م ر» صرح به في «فتاويه» (¬1) انتهى. وفي «التحفة» و «الفتح» و «الإمداد»: (وللمنجم العمل بحسابه ولا يقلده فيه غيره) انتهى. ومثل ذلك في «المغني» وفي «النهاية» و «الأسنى»: (اعلم أن الاجتهاد بغير الحساب متفقون على تعيُّنِه ووجوب العمل به، إذا لم يجد طريقاً إلى معرفة الوقت غيره، وعلى وجوب تقليد صاحبه الثقة العارف على عاجز عنه، وعن العلم لعمى بصره أو بصيرته، والمعتمد جوازه وجواز العمل به مع القدرة على العلم لكن بمشقة، وعلى تقليد الأعمى لصاحبه، وكذا للبصير العاجز، وأما الحساب فقد جعله بامخرمة، وابن قاسم، والشبراملِّسي (¬2) تبعاً «للرملي في فتاويه»: كالاجتهاد في هذه الأحكام كلها وجعله صاحب «مجمع البحرين» كالاجتهاد إلا في الوجوب، فلا يجب، ولا يجب العمل به، وجعله في «التحفة» ¬
و «الفتح» (¬1) و «الإمداد» وكذا في «المغنى» و «النهاية» و «الأسنى»: كالاجتهاد في جواز عمل الحاسب به لنفسه، لا في الوجوب، وتقليد الغير له بل لنا وجه: أنه لا يجوز العمل به للحاسب نفسه فضلاً عن غيره. قال في «اليواقيت»: (فلو صلى رجل يوم الغيم بعلم الهندسة، لم يسقط عنه الفرض). إلى أن قال: (وهل يسقط عن المهندس نفسه؟ .. فيه وجهان، كما نقول في رمضان إن غم، وعرفه بالحساب) انتهى. وقد تكرر منه الجزم بعدم السقوط في غير هذا الموضع، وقد ذكر هذا الوجه بامخرمة في «الهجرانية»؛ ولهذا الخلاف قلنا - فيما مرَّ -: إنه أنقص من الاجتهاد. ¬
المسألة الثانية
المسألة الثانية: في شروط المؤذن والمخبر بالوقت عن علم أو اجتهاد الشرط الأول: أن يصدق الحس ما أفاده من دخول الوقت، فلا يكذبه ولا تحيله العادة، وقد مرت أدلته وتفصيله في الشرط الثالث، لجواز العمل بالاجتهاد. وفي باب الصوم من «التحفة» بعد قول «المنهاج»: (وثبوت رويته بعدل) ما لفظه: (ولو مع إطباق غيم لا يُحيل الرؤية عادة، كما هو ظاهر) انتهى. وفيه: (في) (¬1) إذا ذكر الشاهد محل الهلال وبان خلافه، ما لفظه: (نعم إن ذكر محله مثلاً وبان الليلة الثانية بخلافه، فإن أمكن عادة الانتقال إليه لم يؤثر، وإلا علم كذبه، فيجب قضاءُ بدل ما افطروه برؤيته) انتهى. فعلم: أن المخبر بالوقت أو غيره، إذا أحالت العادة صدقَهُ، يتبيّن كذبه. وقد قررنا غير مرّة: أنه إذا مضى بعد أذانه أو إخباره زمن يسع الصلاة وما يتعلق بها، ولم يزد ضوءُ النهار تبيّن كذبه، إذ محال أن يمضي ذلك بلا زيادة. ¬
الشرط الثاني: كونه مقبول الرواية، وهو البالغ العاقل (العدل) (¬1) يقيناً، ولو عبداً أو امرأة، لا صبياً وفاسقاً ومجنوناً ومجهولَ العدالة. قال في «المغني» ((¬2): مقبول الرواية كعبد أو امرأة، لا فاسق أو مجنونٍ ومجهول وصبيٍّ ولو مميزاً، وصرح في «فتح الوهاب» (¬3) و «النهاية»: بعدم قبول مجهول العدالة. وقال القليوبي في «حاشيته على المحلي»: (قوله: (مقبول الرواية (. هو البالغ العاقل العدل يقيناً). إلى أن قال: (بخلاف الصبي والمجنون والفاسق ومجهول العدالة) انتهى. وقال - عند ذكر اعتماد أذان الثقة -: (وخرج بالثقة المذكور الفاسق، ومجهول العدالة ولو مستورها، والصبيّ، وإن كان في صحو) ((¬4) انتهى. وفي «حاشية الجمل» على «شرح المنهج» ¬
- نقلاً عن البرماوي - قوله: (الثقة خرج به الفاسق، ومجهول العدالة ولو مستورها، والصبي وإن كان مأموناً عارفاً) انتهى. وفي «الإيعاب»: (عدل الظاهر والباطن كما في «الاستقصاء»، وقال غيره يكفي ظاهرها؛ لأن أمر الإخبار مبني على حسن الظن بالمُخبر قاله الزركشي، ولا يشترط هنا عدالة الشهادة المتوقفة على الذكورة والحرية) انتهى. وقال الإمام النووي - رحمه الله - في «التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير - صلى الله عليه وسلم -»: (النوع الثالث والعشرون: صفة من تقبل روايته وما يتعلق به: وفيه مسائل: [المسألة] الأولى: أجمع الجماهير من أئمة الحديث والفقه والأصول: أنه يشترط فيه أن يكون عدلاً ضابطاً، بأن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سليماً من أسباب الفسق وخوارم المروءَة، متيقظاً) ((¬1) انتهى. فعلم أن من سمع أذان إنسان أو أخبره بدخول الوقت .. لا تصح صلاته اعتماداً عليه، إلا أن علم اتصافه بالإسلام والبلوغ والعقل والعدالة والضبط وهو معرفته بالوقت وعدم تساهله، والاطلاع ¬
على البلوغ والإسلام والعقل سهل، وأما العدالة للراوي فالاطلاع عليها، إما بعلم الشخص لها، أو بخبر عدلين له بها، أو بالاستفاضة. قال الإمام النووي ((¬1) في «التقريب» - المار بعد العبارة المارة -: (الثانية: تثبت العدالة بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة) ((¬2) انتهى. ولا يشترط هنا ثبوت العدالة عند حاكم؛ لأن ذلك شرط لما يرتبه على ذلك من الأحكام وفصل الخصومات. الشرط الثالث: كونه عارفاً بوقت الصلاة، التي أذن له أو أخبر به، إذ كل من يخبر عن شيء لا يمكنه ذلك إلا بمعرفته. وقد مرّ في (الحال الأول) من (المسألة الأولى) تصريح «الفتح» و «التحفة» بذلك، ¬
وفي (الحال الثاني) منها تصريح ابن قاسم به، ومثل ذلك في «الأسنى» و «الغرر» و «الإمداد» و «المغني» و «النهاية». قال الإمام النووي في «التيسير» - المار -: ([المسألة] الثالثة: يعرف ضبطه بموافقة الثقاة المتقنين غالباً، ولا تضر مخالفته النادرة، فإن كثرت اختل ضبطه، ولم يحتج به) انتهى. فالمؤذن للفجر والمخبر به، تعلم معرفته به .. بموافقةِ أذانه وإخباره غالباً وجودَ العلامات الأربع - المارة في الأبواب الثلاثة الأول -، فإن كان كذلك فهو عارف بالفجر؛ لأنها الذي جعلها الله (سبحانه) (¬1) ورسوله - صلى الله عليه وسلم - علامات له، وأجمع عليها الأمة، فإن خالفها نادراً لم يقدح ذلك في معرفته واعتماده، إذ قل أن يخلو البشر عن ذلك، وإن كثرت مخالفته لها، اختلت معرفته، ولم يجز اعتماده؛ لأنه إما جاهل أو متساهل، فشرط المؤذن والمخبر الذي يجوزُ اعتماده: أن نعرف أنه يعرف علامات الفجر الأربع، وأن أذانه وخبره يوافق وجود الفجر في الواقع غالباً، فلو علمنا كونه عارفاً بالعلامات، وجهلنا موافقته وجود الفجر .. لم يجز اعتماده؛ لأنه قد يعتقد شعاع الكاذب أو القمر أو بعض الكواكب فجراً صادقاً، فينزل ¬
علامات الصادق على ذلك، كما مرّ عن الغزالي: أنه قد غلط في ذلك كثير، وليس سبب غلطهم إلا ما ذكرنا من تنزيلهم علامات الفجر على غيره، فليتنبه لذلك كل مسلم، ولا يعتمد في الفجر وغيره من أوقات الصلاة إلا من خَبَرَ معرفتَهُ بالوقت، بموافقته له غالباً بمعرفة نفسه أو إخبار عدل له بها أو استفاضة بها. ومن أقوى أسباب خبرة موافقته للفجر .. تزايد الضوء بعد أذانه وإخباره على ما كان عليه عنده - كما مرّ غير مرة -، حتى أن المصلي إذا شرع في الصلاة بعده فإن طوّلها، كان خروجه بعد تمام الإسفار، وإن قصّرها كان خروجه منها بعد مبادئ الإسفار، كما مرّ عن «شرح المشكاة» لابن حجر: أن هذا كان شأنه - صلى الله عليه وسلم -. ومن أقوى أسباب غلطه، وأنه لا يجوز اعتماد أذانه وخبره .. عدم تزايد الضوء بعدهما، كما ذكرنا فتنبه لذلك. الشرط الرابع: أن لا يعارض أذانه أو خبره بالوقت مثله، فلو عارضه ذلك: بأن أخبر عدل مثله أو أوثق منه أو أكثر: بأن الفجر لم يطلع حال أذانه أو إخباره .. سقط خبره ولم يجز العمل به كما ذكروا ذلك: في النجاسات والقبلة وتعارض الروايتين والبينتين، ويرجع للأصل وهو بقاء الليل هنا.
تنبيه [أول]: علم بما مرّ أن الفاسق ومجهول العدالة لا يقبل خبرهما بالوقت، لكن بالنسبة للقادر على علم الوقت بنفسه أو بثقة، بسبب لا مشقة فيه، فإن لم يقدر عليه أصلاً، أو قدر عليه بسبب فيه مشقة، وأخبره به الفاسق والمجهول عن علم لا اجتهاد ووقع في قلبه صدقه .. كان ذلك من جملة آلات الاجتهاد - كما ذكر ذلك في «الإيعاب» - .. فله العمل بخبره، بشرط أن توجد فيه الشروط المارة إلا العدالة. تنبيه ثان: قال في «اليواقيت»: (وليس كل الناس عارفين بالفجر ولا بأوقات الصلاة وهو شرط، فيجب عليهم أن يتعلموا ولا يقلدوا المؤذنين على أظهر الوجهين، فلا يسع بصيراً أن يقلد، فتقليد المؤذن جائز للأعمى فقط، هذا أيضاً إذا لم يعرف الوقت بعمل من قراءة وغيرها، فإن عرفه فهل يقلد فيه وجهان) انتهى. والمعتمد خلاف ما ذكره - كما مرَّ -، لكن أتينا به ليعرف المصلي: أن صلاته اعتماداً على المؤذن في الصحو والمخبر عن علم الثقتين العارفين بالمواقيت فيها خلاف في المذهب، فيسن له أن يتوقاه، فيتعرف الوقت بنفسه، وإذا قدر على اليقين لكن بسبب فيه مشقة، فصلّى باجتهاد - غير الحساب -
اجتمعت فيه شرائطه الخمسة المذكورة .. في (الحال الثالث) في (المسألة الأولى) جرى في صلاته خلاف ثان أقوى من الأول، وهو القول بعد جواز الاجتهاد مع القدرة على اليقين، وإذا صلى به مع اجتماع الشروط الأربعة الأُول وفقد الخامس .. جرى في صلاته خلاف ثالث للقائلين به، أقوى من الذي قبله، وإذا صلى بحساب نفسه جرى الخلافات الثلاثة المارة في صلاته، وخلاف رابع للوجه الذي مرّ: أنه لا يجوز العمل به مطلقاً، وإذا صلى بحساب غيره، جرى في صلاته خلاف خامس، وهو المعتمد الذي عليه أكثر المتأخرين: أنها لا تصح. فينبغي له أن يتوقى هذه الخلافات بالصبر إلى أن يتيقن الوقت أو يخاف فواته، كما مرّ التصريح به في (الشرط الخامس) من شروط الاجتهاد، عن «الأسنى» و «المغني» و «النهاية» وقال في «التحفة»: (ويسن تعجيل الصلاة لأول الوقت، إذا تيقن دخوله) ((¬1) انتهى. وفي «المغني» أيضاً: (ويسن تعجيل الصلاة لأول الوقت إذا تيقنه) (¬2) انتهى، وصرح بيسن ذلك في «الفتح» و «الإمداد»، ¬
ومرّ التصريح به عن «الإيعاب». في (الثالث) وعن «شرح المشكاة» في (الباب الثاني).
المسألة الثالثة
المسألة الثالثة: في حكم صلاة الذين يقدمون صلاتهم على الفجر مع زعمهم طلوعه وليس كذلك اعلم: أن من صلى صلاة مؤقتة، مع علمه بأن وقتها لم يدخل .. أثم ولم تنعقد صلاته، فيلزمه فعلها ثانياً بعد علمه بدخول وقتها، وقضاءه لها إن خرج، ومن صلاها شاكاً في دخول وقتها، فالحكم كذلك، ومن صلاها معتمداً على أذان في صحو أو غيم، - إذا قلنا يجوز اعتماده أو إخباره عن علم - فإن علم أن مؤذنه أو مخبره اجتمعت فيه شروط جواز الاعتماد التي مرّ تقريرها في (المسألة الثانية) وهي خمسة: كونه عدلَ رِواية عارفاً بعلامات الفجر، وتنزيلها عليه، لا على ما يشتبه به، ولم يطعن في معرفته بالعلامات وتنزيلها عليه مثله أو أوثق منه أو أكثر، وكان في وقت لا يكذبه الحس ولا العادة طلوعه فيه، ولم يبن له بعد الصلاة كذبه، ببقاء الظلام على حاله وعدم زيادته .. فصلاته صحيحة، فإن جهل عدالته أو علم فسقه، فإن لم يقع في قلبه صدقه فصلاته باطلة، وإن وقع في قلبه صدقه، واجتمعت
فيه معرفة علامات الفجر وما بعدها، وكان في معرفة الفجر باليقين على المصلي مشقة .. فصلاته صحيحة، وإن جهل معرفته بعلامات الفجر، أو علم جهله بها .. فصلاته باطلة وإن جمع بقية الصفات، وإن علم معرفة بعلامات الفجر وجهل معرفته بتنزيلها على الصادق .. فكذلك؛ لما مرّ أن شرط قبول المؤذن والمخبر عن علم، علم سامعه بمعرفته للوقت، ولا يكون عارفاً بالوقت إلا من عرف علاماته ونزلها عليه، فإن علم معرفته بالعلامات وجهل معرفته بتنزيلها على الصادق .. لم يجز اعتماده، ولا تصح صلاة معتمِدِه، إذ هو كعدل رواية أخبر بنجاسة طاهر وهو لا يعرف باب النجاسة، أو يعرف أسماء النجاسات ولا يعرف مسمياتها، أو يعرفهما ولا يعرف أن التنجس لا يكون إلا بملاقاة الطاهر للنجس مع رطوبة، فهذا هو العامي الذي لا يقبل خبره، إلا إن بين سبب النجاسة، فكذا عدل الرواية هنا، إذا علمنا معرفته لأسماء علامات الفجر، وجهلنا معرفته بتنزيلها على مسماها وهو الفجر الصادق لا يصح اعتمادنا عليه في الصلاة، إذ لا يلزم من معرفة العلامات والأسماء معرفة المسمى، وتنزيل العلامات على المعلم، خصوصا إذا كان المسمى يشتبه بغيره، كالفجر فإنه يشتبه
بالكاذب وشعاع القمر والكواكب، فيقع الغلط بتنزيل علاماته على ذلك كثيراً، فلا بد من علمنا بتنزيله علامات الفجر على مسماه غالباً، فذلك هو العارف بالفجر الذي يجوز اعتماده فتفطن لذلك، فإنه مما يغلط فيه، وإطباق أئمة المذهب على قولهم في المؤذن والمخبر، الذي يجوز اعتماده العارف بالمواقيت .. صريح في اشتراط معرفته بالمسمى وتنزيله علاماته عليه، وإذا علم عدالته ومعرفته بالعلامات وتنزيلها على الصادق، لكن بلغه طعن مثله أو أوثق منه أو أكثر في معرفته الفجر وتنزيله علاماته عليه، بأن قالوا: أنه يؤذن قبل الفجر .. فصلاته باطلة، وإذا كان سامع الآذان أو الإخبار عارفاً بأجزاء الليل، بمراقبة، أو منكاب مجرب، أو ساعة مجربة، ولم يأت عليه الزمن الذي جرت عادة الله فيه بطلوع الفجر في ذلك القطر .. فلا يجوز له اعتماد هما، وإن اجتمعت فيهما الصفات كلها إلا هذه، فإن صلى معتمداً على أحدهما فصلاته باطلة؛ لتكذيب الحس والعادة لهما، فإن لم يعرف أجزاء الليل، وتبين له إحالة العادة طلوع الفجر مع بقاء الوقت، بأن صلى ولم ير بعدَ الصلاة زيادة لضوء الفجر على ما قبلها .. فصلاته نافلة، إذ يستحيل عادة أن يمضي ما يسع الصلاة بعد طلوع الفجر ولا يزيد ضوء النهار
- كما مرّ غير مرة -، وفي هذه الصور كلها، التي قلنا ببطلان صلاته فيها .. يأثم ولا تنعقد صلاته فرضاً ولا نفلاً؛ لأنه لم يدخلها بحجة يجوز اعتمادها، فيلزمه إعادتها إن بقي الوقت وقضاءها إن خرج، وفي الأخيرة لا يأثم ويلزمه إعادتها إن علم والوقت باق، فإن لم يعدها فيه .. أثم، ولزمه قضاؤها، ولا يأتي فيه ما يأتي عن البارزي ((¬1)؛ لأنه بعلمه في الوقت بتقدم صلاته عليه، خوطب بفعلها فيه ثانياً، فإذا (ترك) (¬2) عصى ولزمه قضاؤها، بخلاف تلك، فإنه خوطب بفعلها بعده وقد وقع منه، فإن علم بعد خروج الوقت، وتكرر ذلك منه .. فهي من إفراد صور مسألة البارزي التي ذكراها في «التحفة» و «النهاية». وعبارة «المنهاج» - عاطفاً على الأصح - (وأنه يصح ¬
الأداء بنية القضاء وعكسه). قال في «التحفة»: (إن عذر بنحو غيم، أو قصد المعنى اللغوي، إذ كل يطلق على الآخر لغة، وإلا لم يصح لتلاعبه، وأخذ البارزي من هذا: أن من مكث بمحل عشرين سنة يصلي الصبح لظنه دخول وقته، ثم بان له خطؤه .. لم يلزمه إلا قضاء واحدة؛ لأن صلاة كل يوم تقع عما قبله ((¬1)، إذ لا يشترط نية القضاء. ولا يعارضه النص على: أن من صلى الظهر باجتهاد، فبانت قبل الوقت .. لم تقع عن فائتة عليه؛ لأن محل هذا فيمن أدى بقصد أنها التي دخل وقتها والأول فيمن يقصد التي عليه، من غير أن يقصد التي دخل وقتها) ((¬2) انتهى. ونحوها عبارة «النهاية». فتحصَّل مما قررناه في هذه المسألة: أن المصلي إذا اعتمد على أذان أو إخبار، فإن اجتمعت في المؤذن والمخبر الصفات الخمس، المستفادة من شروطه الأربعة التي قررناها، ثم بان تقدم تحرمه قبل الوقت بعد خروجه .. فحكم صلاته ما ذكر في «التحفة» عن البارزي، وإن نقصت في أحدهما صفة من تلك الصفات، فصلواته كلها باطلة يجب ¬
خاتمة
قضاؤها، والفرق أنه عند وجود الصفات فيهما لما جاز له اعتمادهما .. انعقدت صلاته لعذره، فتقع قضاء، إذا لم يؤدها بقصد أداء التي دخل وقتها، بل أداها قاصداً ما فرضه الله عليه من غير تقييد بذلك، وحينئذ لا يلزمه إلا قضاء صلاة واحدة، فإن أداها قاصداً أداء التي دخل وقتها .. وقعت له نفلاً ولزمه قضاء تلك الصلوات، إذ نية ذلك صارفة عن القضاء، وأما عند فقد إحدى الصفات فيهما فلا يجوز له اعتمادهما، فصلاته باطلة لعدم عذره. فعلم أن المقدمين لصلاة الفجر من أهل جهتنا آثمون بصلاتهم، لا تنعقد منهم فرضاً ولا نفلاً؛ لتنبيه كثير من أهل العلم والعارفين بالفجر، الموافقين للكتاب والسنة والإجماع .. لهم على خطئهم وتقديمهم، ثم إصرارهم على ذلك بعد إنكار من ذكر فلا عذر لهم، وحكم صلاة المؤذن والمخبر حكم صلاة سامعيها سواء، فيلزمهما ما يلزم أولئك من القضاء - على ما مرّ تفصيله -؛ لعدم عذرهما بعد بلوغ إنكار من ذكر عليهم، ويزيد إثمهما بعدد من غروهم وأوقعوهم في إيقاع الصلاة قبل وقتها، ويتعدد بتعدد الأيام، ولا عذر لهم في دعواهم أنهم محقون، وأن هذا هو الفجر، مع تكذيب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وجميع
الأئمة في جميع مصنفاتهم لهم، ومخالفة سائر المسلمين لفعلهم هذا في سائر الأقاليم؛ ولما ذكر في «التحفة» - أن الشاك في صلاته لا يرجع لقول غيره وفعله - قال: (ما لم يبلغوا عدد التواتر، بحيث يحصل العلم الضروري أنه فعلها؛ لأن العمل بخلاف هذا العلم تلاعب، ومن نازع فيه، يحمل كلامه على أنه وُجدَت صورة تواترٍ لا غايته، وإلا لم يبق لنزاعه وجه) ((¬1) انتهى. وأي غاية فيما تواترت به نصوص كتاب الله، وأحاديث رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع الصحابة والتابعين، وجميع العلماء وسائر المسلمين، وأجمع عليه الحساب كلهم. وقد مرَّ في هذه «الرسالة» نبذة صالحة من ذلك، فهل يجوز لمسلم فضلاً عن عالم أن يلتفت إلى ما يخالفهم مما ظهر له أو لغيره؟ .. كلا لا يكون ذلك إلا ممن أضله الله، واتبع هواه، كالمبتدعة الذين حكَّموا عقولهم وفهمهم، وأعرضوا عما جاء عمن ذكر، وأوّلوه على حسب ما يوافق فهمهم. نسأل الله الحفظ والسلامة، وكمال الهداية والاستقامة، وصلى الله على ¬
سيدنا محمد وآله وصحبه وجميع أتباعه وحزبه (¬1). والحمد لله رب العالمين. ¬
قائمة المراجع
قائمة المراجع مراجع المؤلف: 1. القرآن الكريم. 2. إحياء علوم الدين، للغزالي. 3. إرشاد الساري شرح صحيح البخاري، للقسطلاني. 4. أسنى المطالب شرح روض الطالب، للشيخ زكريا الأنصاري. 5. الأشباه والنظائر، لابن الملقن. 6. الإقناع. 7. الإمداد شرح الإرشاد، لابن حجر الهيتمي. 8. الإيعاب شرح العباب، لابن حجر الهيتمي. 9. البراهين النقلية في مسألة الهلال، لعبد الله بن محمد بن قطنة. 10. البيان، للعمراني. 11. تحفة المحتاج في شرح المنهاج، لابن حجر الهيتمي.
12. التحقيق، للنووي. 13. تفسير أبى السعود العمادي القسطنطيني الحنفي: إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم. 14. تفسير الأحمدي لآيات الأحكام. 15. تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل. 16. تفسير الشربيني: السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض كلام ربنا الحكيم الخبير، للخطيب الشربيني. 17. تفسير النيسابوري: غرائب القرآن ورغائب الفرقان، للنيسابوري الخراساني. 18. التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير، للنووي. 19. تلخيص الحافظ ابن حجر: التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لابن حجر العسقلاني. 20. تيسير البيان في أحكام القرآن، للشعيبي الموزعي الشافعي. 21. تيسير الوصول للديبعي الشيباني: تيسير الوصول إلى جامع الأصول من حديث الرسول.
22. حاشية ابن قاسم على الغرر البهية: الغرر البهية شرح البهجة الوردية، للشيخ زكريا الأنصاري. 23. حاشية البرماوي على شرح أبي شجاع، لابن القاسم. 24. حاشية الجمل على شرح المنهج: شرح المنهج، للقاضي زكريا. 25. حاشية الرشيدي على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. 26. حاشية الشبراملِّسي على نهاية الجمال: أي نهاية جمال الدين محمد بن أحمد الرملي. 27. حاشية القليوبي على المحلي: والمحلي: هو شرح جلال الدين محمد بن أحمد المحلي على منهاج لطالبين للنووي. 28. حاشية القليوبي على شرح التحرير. 29. حاشية الكشاف. 30. حسن النجوى، لعبد الرحمن بن عمر العمودي. 31. الخادم، لابن حجر الهيتمي المكي. 32. الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الأثير، للسيوطي. 33. الدرة المضيئة في الأعمال الشمسية، لمحمد الأخصاصي المصري.
34. رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، للعثماني الدمشقي الشافعي. 35. رسالة رضوان أفندي في المواقيت. 36. رسالة عبد الله بن حسين بلفقيه التي يرد عليها المؤلف وهي: السيف البتار لمن يقول بأفضلية تأخير صلاة الصبح إلى الإسفار. 37. رسالة علي بن عبد الرحيم بن قاضي في الهلال. 38. سراج التوحيد الباهج النور في تمجيد صانع الوجود مقلب الدهور، لعبد الله بن أسعد واليافعي. 39. سلم العروج إلى معرفة المنازل والبروج، لمحمد بن عبد الرحمن بن عفالق الإحسائي الحنبلي. 40. سنن البيهقي الكبرى. 41. سنن الترمذي: الجامع الصحيح. 42. الشامل في أدلة القبلة وحساب الروم والمنازل، لمحفوظ بن عبد الرحمن الحضرمي. 43. شرح الأذكار، لابن علان. 44. شرح البديعية، لتقي الدين بن حجة.
45. شرح البهجة الصغير، للشيخ زكريا الأنصاري. 46. شرح البهجة الكبير، للشيخ زكريا الأنصاري. 47. شرح التحرير، للشيخ زكريا الأنصاري. 48. شرح الحلبي المكي مع متنه، للشيخ علوان الحموي. 49. شرح السيد علي الونائي على منظومة السجاعي. 50. شرح المحلي على المنهاج. 51. شرح المختصر، ليحيى الحطاب. 52. شرح المختصر، لمحمد بن الحطاب. 53. شرح المشكاة: فتح الإله شرح المشكاة، لابن حجر الهيتمي. 54. شرح المنهاج للدميري: النجم الوهاج في شرح المنهاج. 55. شرح بابن شهبة: كفاية المحتاج في شرح المنهاج. 56. صاحب الغريبين. 57. الصحاح، للرازي. 58. صحيح البخاري. 59. صحيح مسلم.
60. العزيز، للرافعي. 61. عمدة الأمة في إجماع الأئمة، للريمي. 62. غرائب القرآن ورغائب الفرقان، للنيسابوري. 63. الغرر البهية: الغرر البهية شرح البهجة الوردية، لأبي يحيى زكريا الأنصاري. 64. الغريبين: صاحب الغريبين. 65. فتاوى ابن حجر الهيتمي. 66. الفتاوى الحديثية، لابن حجر الهيتمي. 67. فتاوى محمد بن سليمان حويرث. 68. فتح الباري لابن حجر العسقلاني. 69. فتح الجواد: فتح الجواد في شرح الإرشاد، لابن حجر الهيتمي 70. فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب، للشيخ زكريا الأنصاري. 71. فصوص النصوص الجليات في أحكام القبلة وأدلة الصلوات، لحسن بن عبد الرحمن عيديد. 72. القاعدة في الإخبار من الدعاوي والشهادات والأقارير وغيرها، لعز الدين ابن عبد السلام.
73. قاعدة في حصة الشفق والفجر، لمحمد الحطاب. 74. القاموس: القاموس المحيط، للفيروزآبادي. 75. قواعد، للعلائي. 76. القول التمام لابن العماد: القول التمام في أحكام المأموم والإمام. 77. كشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، الزمخشري. 78. مؤلف بارجاء في الفلك. 79. مؤلف عبد الرحمن بن أحمد الزواوي في الفلك. 80. مجمع البحرين. 81. مختصر المنذزي لسنن أبي داود. 82. مختصر رسالة محمد الحطاب (قاعدة في حصة الفجر والشفق)، ليحي الحطاب. 83. مختصر سنن البيهقي، للشعراوي. 84. مرّ النسيم، لعلوي بن عبد الله باحسن جمل الليل. 85. مشكاة المصابيح، للتبريزي.
86. المغني للخطيب الشربيني: مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج. 87. منتقى البحرين. 88. منظومة أحمد بن أحمد السجاعي في الفلك. 89. منظومة عمر بن سقاف الصافي في الفلك: عنوانها المطالب السنية في الفوائد الفلكية. 90. المنهاج، للنووي. 91. المنهج المبين في بيان أدلة المجتهدين، للشعراني. 92. النجم الوهَّاج في شرح المنهاج، للدميري المصري الشافعي. 93. نصب الشرك في علم الفلك، للعمودي. 94. نهاية الأحكام، لمحمد حسن درواز. 95. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. أو نهاية الجمال للرملي أو النهاية، للرملي الشافعي المصري. 96. الهجرانية: الفتاوى الصغرى الهجرانية، لعبد الله بامخرمة. 97. الهداية من الضلالة في معرفة الوقت والقبلة بغير آلة. للقليوبي.
98. الوسيط للغزالي. 99. وسيلة الطلاب لمعرفة القبلة وأوقات الصلاة لأولى الألباب، لشاد بن متاك السواحلي. 100. اليواقيت في علم المواقيت، لإبراهيم الأصبحي.
مراجع التحقيق
مراجع التحقيق 1. القرآن الكريم. نسخة إلكترونية. المصحف للنشر المكتبي. شركة حرف لتقنية المعلومات. الإصدار الأول. 1422هـ. 2. ابن القيم، محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ابن قيم الجوزية (691هـ - 751هـ). إعلام الموقعين عن رب العالين. دار الفكر. الطبعة الأولى. لبنان، بيروت. 1417هـ. 3. ابن المنذري، محمد بن إبراهيم بن المنذري النيسابوري. الإجماع. تحقيق فؤاد عبد المنعم. دار المسلم. الطبعة الأولى. السعودية، الرياض. 1425هـ. 4. ابن بطال، أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري ابن اللجام القرطبي ثم البلنسي المالكي (ت 449هـ) شرح ابن البطال على صحيح البخاري: شرح الجامع الصحيح للبخاري. تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى. لبنان، بيروت. 1424هـ.
5. ابن حبان، أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (ت 354هـ). صحيح ابن حبان. تحقيق شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة. الطبعة الثانية. لبنان، بيروت. 1414هـ. 6. ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773هـ - 852هـ). تلخيص الحبير. تحقيق عبد الله هاشم اليماني المدني. دار النشر ورقم الطبعة غير موجود. السعودية، المدينة المنورة. 1384هـ. 7. ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي (773هـ - 852هـ). فتح الباري شرح صحيح البخاري. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب. دار المعرفة. لبنان، بيروت. 1379هـ. 8. ابن حجر الهيتمي، أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي المصري ثم المكي الشافعي (909هـ - 973هـ). تحفة المحتاج في شرح المنهاج. دار إحياء التراث العربي.
9. ابن حجر الهيتمي، أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي المصري ثم المكي الشافعي (909هـ - 973هـ). فتح الجواد. دار الحلبي. 10. ابن حجر الهيتمي، أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي المصري ثم المكي الشافعي (909هـ - 973هـ). الإيعاب. نسخة مصورة من مخطوطة توجد بمكتبة الأحقاف للمخطوطات بتريم. 11. ابن حميد، سالم بن محمد بن سالم بن حميد الكندي الحضرمي. العدة المفيدة الجامعة لتواريخ قديمة وحديثة. تحقيق عبد الله الحبشي. مكتبة الإرشاد. الطبعة الأولى. اليمن، صنعاء. 1411هـ. 12. ابن خزيمة، محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (223هـ - 311هـ). صحيح ابن خزيمة. تحقيق محمد مصطفى الأعظمي. المكتب الإسلامي. لبنان، بيروت. 1390هـ.
13. ابن شهاب: عيدروس بن أحمد بن علي بن عبد الله (ت 1262هـ). القول الصادق في بان الفجر الصادق المعترض وإدحاض كلام المعترض ألفه سنة 1260هـ. (مخ: 2800). 14. ابن عبيد الله السقاف، عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف. إدام القوت من ذكر بلدان حضرموت. دار المنهاج. الطبعة الأولى. 1425 هـ. 15. ابن عبيد الله السقاف، عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف. العود الهندي عن أمالي في ديوان الكندي (مجالس أدبية في ديوان المتنبي). دار المنهاج. الطبعة الأولى. السعودية، جدة. 1423هـ. 16. ابن قاسم العبادي، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن قاسم الصباغ العبادي المصري الشافعي (ت 992هـ أو 994 هـ) حاشية ابن قاسم العبادي على الغرر البهية شرح منظومة البهجة الوردية. دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى. لبنان، بيروت. 1418هـ.
17. ابن قانع، أبو الحسن عبد الباقي بن قانع (265هـ - 351هـ). معجم الصحابة. تحقيق صلاح بن سالم المصراتي. مكتبة الغرباء الأثرية. الطبعة الأولى. السعودية، المدينة المنورة. 1418هـ. 18. ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (700هـ - 774 هـ). تفسير ابن كثير: تفسير القرآن العظيم. دار الفكر. لبنان، بيروت. 1401هـ. 19. ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني (207هـ - 275هـ). سنن ابن ماجة. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر. لبنان، بيروت. 20. ابن منظور، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري. لسان العرب. دار صادر. الطبعة الأولى. لبنان، بيروت. بدون تاريخ الطبع. 21. ابن هاشم، محمد بن هاشم باعلوي. تاريخ الدولة الكثيرية. تريم للدراسات والنشر. الطبعة الأولى. اليمن، تريم. 1423هـ.
22. ابن يحي، المؤلف عبد الله بن عمر بن يحيى. إجازة للحبيب الوالد حسين بن عبد الرحمن الجفري. مخطوطة بخط المؤلف محفوظة في مكتبة الأحقاف للمخطوطات بتريم. (مخ: 2702). 23. ابن يحيى، المؤلف عبد الله بن عمر بن يحيى. ديوان المؤلف: الكلام المنظوم للعلامة عبد الله بن عمر بن يحيى. مخطوطة في مكتبة الأحقاف للمخطوطات بتريم. (مخ: 2623). 24. أبو السعود، محمد بن محمد بن مصطفى العمادي الحنفي القسطنطيني (893هـ - 982هـ). إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم. دار إحياء التراث العربي. الطبعة الرابعة. لبنان، بيروت. 1414هـ. 25. أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (202هـ - 275هـ). سنن أبي داود. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. دار الفكر.
26. أحمد بن حسن العطاس، أحمد بن حسن بن عبد الله العطاس. تذكير الناس بما وجد من المسائل الفقهية وما يتعلق بها من مجموع كلام الحبيب أحمد بن حسن بن عبد الله العطاس. جمع السيد أبو بكر العطاس بن عبد الله بن علوي الحبشي، (لا يوجد رقم الطبعة ولا تاريخها). مطبعة حسان. مصر، القاهرة. 27. أحمد بن علي الجنيد، الروض المزهر شرح قصيدة مدهر. صورة مخطوطة. 28. الألباني، محمد ناصر الدين الألباني. الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب. غراس للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى. 29. الألباني، محمد ناصر الدين الألباني. السلسلة الصحيحة. برنامج التحقيقات الحديثية. مركز نور الإسلام لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية. 30. الألباني، محمد ناصر الدين الألباني. صحيح وضعيف الجامع الصغير. برنامج التحقيقات الحديثية. مركز نور الإسلام لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية.
31. الألباني، محمد ناصر الدين الألباني. صحيح وضعيف سنن أبي داود. برنامج التحقيقات الحديثية. مركز نور الإسلام لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية. 32. الألباني، محمد ناصر الدين الألباني. صحيح وضعيف سنن الترمذي. برنامج التحقيقات الحديثية. مركز نور الإسلام لأبحاث القرآن والسنة بالإسكندرية. 33. الآلوسي، أبو الفضل شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي البغدادي (1217 - 1270هـ). تفسير الآلوسي: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني. دار الفكر. لبنان، بيروت. 34. الإمام أحمد، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المرزوي البغدادي (164هـ - 241هـ). مسند الإمام أحمد بن حنبل. مؤسسة قرطبة. مصر. 35. الإمام أحمد، أحمد بن حنبل الشيباني (164هـ - 241هـ). مؤسسة قرطبة. مصر.
36. الإمام النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي (631هـ 676هـ). كتاب التحقيق. دار الجيل. الطبعة الأولى. لبنان، بيروت. 1413هـ. 37. الباباني، إسماعيل باشا بن محمد أمين مير سليم الباباني البغدادي. هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين. نسخة إلكترونية ضمن المكتبة الشاملة الإلكترونية، الإصدار الثاني. 38. بابصيل، محمد بن سعيد بن محمد. الدرر النقية في فضائل ذرية خير البرية. مركز النور للدراسات والأبحاث. الطبعة الأولى. اليمن، تريم. 1424هـ. 39. باشا، إسماعيل باشا محمد أمين بن مير سليم الباباني ثم البغدادي. إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. اعتنى به محمد شرف الدين بالتقايا ورفعت بيلكه. دار إحياء التراث العربي. لبنان، بيروت.
40. بافضل، محمد بن عوض بن محمد بافضل (ت 1369هـ). صلة الأهل بتدوين ما تفرق من مناقب بني فضل. اعتنى بطبعه ونشره ابن المؤلف علي. الطبعة الأولى. اليمن، تريم. 1420هـ. 41. باكثير، محمد بن محمد بن أحمد باكثير (1283هـ - 1355هـ). البنيان المشير إلى علماء وفضلا آل أبي كثير. تحقيق عبد الله محمد الحبشي. بدون رقم الطبعة وتاريخها ومكان صدورها - طبع على نفقة عبد الله بن علي باكثير وعوض بن محفوظ باكثير. 42. البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي (194هـ - 256هـ). صحيح البخاري. تحقيق مصطفى ديب البغا. دار ابن كثير اليمامة. الطبعة الثالثة. لبنان، بيروت. 1407هـ.
43. بلفقيه، عبد الله بن حسين بن عبد الله (1198 هـ - 1266 هـ). السيف البتار لمن يقول بأفضلية تأخير صلاة الصبح إلى الإسفار. صورة مخطوطة. الناسخ ابن المؤلف محي الدين بن عبد الله بن حسين بلفقيه. 44. البيضاوي، عبد الله بن عمر بن محمد. تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل. طبعة العامرة. 45. البيهقي: أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي (384هـ - 458هـ). سنن البيهقي الكبرى. تحقيق محمد عبد القادر عطا. مكتبة دار الباز. السعودية، مكة المكرمة.1414 هـ. 46. التبريزي، عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب العمري التبريزي. مشكاة المصابيح. تحقيق الألباني. طبعة المكتب الإسلامي. 47. الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي (209هـ - 279هـ). سنن الترمذي. تحقيق أحمد محمود شاكر وآخرون. دار إحياء التراث العربي. لبنان، بيروت.
48. حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الرومي الحنفي (1017هـ - 1067هـ). كشف الظنون. دار الكتب العلمية. لبنان، بيروت. 1413هـ. 49. الحاكم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري (321هـ - 405هـ). المستدرك على الصحيحين. تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى. لبنان. بيروت. 1411هـ. 50. الخطيب الشربيني، شمس الدين محمد بن محمد الشربيني الخطيب القاهري الشافعي (ت 977هـ). تفسير الخطيب الشربيني: السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام الحكيم الخبير. نسخة إلكترونية. 51. الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي (306هـ - 385هـ). سنن الدارقطني. عبد الله هاشم يماني المدني. دار المعرفة. لبنان، بيروت. 1386هـ.
52. الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (181هـ - 255هـ). سنن الدارمي. تحقيق فواز أحمد زمرلي وخالد السبع العلمي. دار الكتاب العربي. الطبعة الأولى. لبنان، بيروت.1407هـ. 53. الدكتور الذهبي، محمد حسين الذهبي. التفسير والمفسرون. دار إحياء التراث العربي. الطبعة الثانية. 1396هـ. 54. الدميري: محمد بن موسى بن عيسى الدميري المصري الشافعي (742هـ - 808هـ). النجم الوهَّاج في شرح المنهاج. دار المنهاج. الطبعة الأولى. لبنان - بيروت. 1425هـ. 55. الديبعي: عبد الرحمن بن علي بن محمد الديبعي الشيباني اليمني الزبيدي الشافعي ابن الديبع (864هـ - 944هـ). تيسير الوصول إلى جامع الأصول من أحاديث الرسول. دار الفكر. منشورات مكتبة الرياض الحديثة. السعودية. الرياض.
56. الذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت748هـ) تذكرة الحفاظ. دار إحياء التراث. لبنان، بيروت. 57. الذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (673هـ - 748هـ). سير أعلام النبلاء. تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي. مؤسسة الرسالة. الطبعة التاسعة. لبنان، بيروت. 1413هـ. 58. الذهبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت748هـ). ميزان الاعتدال في نقد الرجال. تحقيق علي محمد البجاوي. دار المعرفة. لبنان، بيروت. 59. الرازي، شيخ الإسلام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس التميمي الحنظلي الرازي (ت 327هـ). الجرح والتعديل. دار إحياء التراث العربي. لبنان. بيروت. 60. الرشيدي، أحمد بن عبد الرزاق بن محمد بن أحمد المعروف بالمغربي (ت 1096هـ). حاشية الرشيدي على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. دار إحياء التراث العربي. الطبعة الأولى. 1412هـ.
61. الرملي، شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الشافعي المصري (919هـ - 1004هـ). نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. دار إحياء التراث العربي. الطبعة الأولى. 1412هـ. 62. الزركلي، خير الدين الزركلي. الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين. دار العلم للملايين. الطبعة الخامسة. لبنان، بيروت. 1400هـ. 63. زكريا الأنصاري، أبو يحي الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي (823هـ - 926هـ). فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب. دار إحياء الكتب العربية. عيسى البابي الحلبي وشركاؤه. 64. زكريا الأنصاري، أبو يحي الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي (823هـ - 926هـ). أسنى المطالب شرح روض الطالب. دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى. لبنان، بيروت. 1422هـ.
65. الزمخشري، جار الله محمود بن عمر (467هـ - 538هـ). كشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل. ضبطه وصححه مصطفى حسين أحمد. دار الكتاب العربي. (بدون رقم الطبعة). 1366هـ. 66. الزيلعي، أبو محمد عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي (ت 762هـ). نصب الراية. تحقيق محمد يوسف البنوري. دار الحديث. مصر. 1357 هـ. 67. السيوطي، أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (849هـ - 911هـ). تدريب الراوي. تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف. مكتبة الرياض الحديثية. السعودية، الرياض. 68. السيوطي، أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (849هـ - 911هـ). طبقات الحفاظ. دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى. لبنان، بيروت. 1403هـ. 69. الشاطري، محمد بن أحمد بن عمر. أدوار التاريخ الحضرمي. دار المهاجر. الطبعة الثالثة. 1415 هـ.
70. الشبراملِّسي، أبو الضياء نور الدين علي بن علي المصري الشافعي (998هـ 1087هـ). حاشية الشبراملِّسي على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. دار إحياء التراث العربي. الطبعة الأولى. 1412هـ. 71. شجرة السادة آل أبي علوي. صورة مخطوطة عليها تملك السيد محمد ابن المؤلف. الصفحات غير مرقمة. 72. الشوكاني، الإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني اليمني (ت 1255هـ). دار الجيل. لبنان، بيروت. 1393هـ. 73. الشيخ زكريا الأنصاري، زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري القاهري الدمشقي (823هـ - 926هـ). الشرح الكبير الغرر البهية شرح البهجة الوردية. المطبعة الميمنية. 74. الشيخ زكريا الأنصاري، زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري القاهري الدمشقي (823هـ - 926هـ). شرح التحرير. المطبعة الأزهرية.
75. الطبري، محمد بن جرير الطبري. تاريخ الأمم والملوك. دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى. لبنان، بيروت. 1417هـ. 76. عبد الرحمن المشهور، عبد الرحمن بن محمد بن حسين المشهور. بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين. دار الفكر. (رقم الطبعة غير موجود). لبنان، بيروت 1415هـ. 77. عبد الرحمن المشهور، عبد الرحمن بن محمد بن حسين المشهور. شمس الظهيرة في نسب أهل البيت من بني علوي فروع فاطمة الزهراء وأمير المؤمنين على رضي الله عنه. تحقيق وتعليق محمد ضياء شهاب. عالم المعرفة للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى. السعودية، جدة 1404هـ. 78. عبد الرزاق، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (126هـ - 211هـ). حبيب الرحمن الأعظمي. مصنف عبد الرزاق. المكتب الإسلامي. الطبعة الثانية. لبنان، بيروت. 1403هـ.
79. عبد الله الحبشي، عبد الله بن محمد الحبشي. مصادر الفكر الإسلامي في اليمن. المجمع الثقافي. الإمارات العربية المتحدة. أبوظبي. 2004م. 80. عبد الله الحبشي، عبد الله محمد الحبشي. جامع الشروح والحواشي. هيئة أبوظبي للثقافة والتراث (المجمع الثقافي). الطبعة الثانية. الإمارات العربية المتحدة، أبوظبي.1427هـ. 81. عبد الله السقاف. عبد الله بن محمد بن حامد السقاف العلوي الحضرمي. تاريخ الشعراء الحضرميين. (بدون رقم الطبعة). مطبعة حجازي بالقاهرة. 1353هـ. 82. عبد الله بن حسين. عبد الله بن حسين بن طاهر. مجموع الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر مشتمل على ثلاث وعشرين رسالة وديوان ومنظومة. مكتبة تريم الحديثة. الطبعة الثانية. 1422هـ. 83. العثماني، محمد بن عبد الرحمن العثماني الدمشقي الشافعي. من علماء القرن الثامن الهجري. رحمة الأمة في اختلاف الأئمة. طبعة قديمة بدون مكان الطبع وتاريخه.
84. العراقي، زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي الكردي ثم المصري. تخريج أحاديث الإحياء (بهامش كتاب إحياء علوم الدين). دار الفكر. الطبعة الثانية. 1400هـ. 85. عقيل، عقيل ابن المؤلف عبد الله بن عمر بن يحي. تذكرة الأحياء بذكر بعض مناقب سيدنا عبد الله بن عمر بن يحيى، صورة مخطوطة بها نقص وأوراقها غير مرقمة. 86. علوي بن شهاب، علوي بن عبد الله بن عيدروس بن شهاب الدين (1303هـ - 1386هـ). كلام الحبيب علوي بن عبد الله بن شهاب الذي دونه السيد عبد الله بن عمر بن أبي بكر بلفقيه. صورة مخطوطة بقلم المدون. 87. علوي بن طاهر، المؤرخ العلامة علوي بن طاهر بن عبد الله الحداد. الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها. (بدون ناشر). الطبعة الأولى سنغافورا. 1359هـ.
88. علي الحبشي، علي بن محمد بن حسين الحبشي. كلام الحبيب علي بن محمد الحبشي: كنوز السعادة الأبدية في الأنفاس العلية الحبشية من كلام الحبيب الإمام علي بن محمد بن حسين الحبشي. جمعه ورتبه محسن بن عبد الله بن محسن بن علوي السقاف. بدون ناشر ورقم الطبعة وتاريخ الطبع. 89. علي العطاس، علي بن حسين بن محمد العطاس. تاج الأعراس على مناقب الحبيب صالح بن عبد الله العطاس. منارة القدس اندونيسيا. الطبعة الأولى. اندونيسيا (بدون تاريخ الطبع). 90. العمودي، عثمان بن أبي بكر مولى خظيم بن عمر العمودي الحضرمي (كان حيا سنة 1047هـ). نصب الشرك في علم الفلك. مخطوط. 91. العيدروس، محي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروس (978هـ - 1038هـ). تاريخ النور السافر في أخبار القرن العاشر. مصفوف من مخطوطة.
92. عيدروس بن عمر، عيدروس بن عمر بن عيدروس الحبشي. عقد اليواقيت الجوهرية وسمط العين الذهبية بذكر طريق السادات العلوية. المطبعة العامرة الشرفية. الطبعة الأولى. 1317هـ. 93. عيدروس بن عمر، كلام الحبيب العلامة عيدروس بن عمر الحبشي. جمع تلميذه عبيد الله بن محسن بن علوي السقاف. مخطوط. 94. الغزالي، محمد بن محمد بن محمد الغزالي الخراساني الشافعي (450هـ - 505هـ). الوسيط. دار السلام. الطبعة الأولى. 1417 هـ. 95. الغزالي، محمد بن محمد بن محمد الغزالي الخراساني الشافعي (450هـ - 505هـ). إحياء علوم الدين. دار الفكر. الطبعة الثانية. 1400هـ.
96. الفيروزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزآبادي الشيرازي (729هـ - 817 هـ). القاموس المحيط. دار إحياء التراث العربي. الطبعة الأولى. لبنان. بيروت. 1412هـ. 97. القاضي علوي السقاف، علوي بن عبد الله بن حسين السقاف (قاضي سيئون) ترجم للمؤلف في مقدمة فتاوى المؤلف المطبوعة والموسومة (فتاوى شرعية). المطبعة المدنية. الطبعة الأولى. مصر. القاهر.1391هـ. 98. القسطلاني، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (851هـ - 923هـ). إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري. دار إحياء التراث العربي. الطبعة السادسة نقلاً عن المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر. لبنان. بيروت. 1304هـ. 99. القليوبي، أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي المصري الشافعي (ت1070هـ). حاشية القليوبي على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين للنووي. دار الإحياء.
100. الكاف، عمر بن علوي بن أبي بكر الكاف. الفرائد الجوهرية مجموع تراجم الشجرة العلوية. عني بطبعة السيد علي بن عمر بن حسين الكاف. بدون دار نشر ورقم الطبعة وتاريخ الطباعة، نسخة مصفوفة. 101. الكاف، عمر بن علوي بن أبي بكر الكاف. تحفة الأحباب وتذكرة أولي الألباب بذكر مناقب العارف بالله الوهاب الحبيب علوي بن عبد الله بن عيدروس بن محمد بن شهاب ومناقب مشايخه وآبائه وعمومته السادة الأطناب. دار الحاوي للطباعة والتوزيع والنشر. الطبعة الأولى. لبنان، بيروت. 1423هـ. 102. الكتاني، عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني (1305هـ - 1382هـ). فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات. تحقيق إحسان عباس. دار الغرب الإسلامي. الطبعة الثانية. لبنان، بيروت. 1402هـ.
103. كحالة، عمر رضا كحالة. معجم المؤلفين (تراجم مصنفي الكتب العربية). مكتبة المثنى مع دار إحياء التراث العربي. لبنان. بيروت. 104. محمد علوي، محمد بن علوي بن أحمد بن يحيى. شرف المحيَّا في تراجم عدد من علماء وأدباء آل بن يحيى. تريم للدراسات والنشر. الطبعة الأولى. اليمن، حضرموت. 1428هـ. 105. محمود شاكر. التاريخ الإسلامي. المكتب الإسلامي. الطبعة الثالثة. 1411هـ. 106. مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206هـ - 261هـ). صحيح مسلم. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. دار إحياء التراث العربي. لبنان، بيروت. 1408هـ. 107. المنجد، د/صلاح الدين المنجد. قواعد تحقيق المخطوطات. دار الكتاب الجديد. الطبعة السابعة. لبنان، بيروت. 1407هـ.
108. النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (215هـ - 303هـ). سنن النسائي: السنن الكبرى. تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن. دار الكتب العلمية. لبنان، بيروت 1411هـ. 109. النيسابوري، نظام الدين الحسن بن محمد بن الحسين القُمِّي (ت 738هـ). غرائب القرآن ورغائب الفرقان. تحقيق إبراهيم عطوة عوض. شركة ومكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده. الطبعة الأولى. مصر. 1381هـ. 110. الواسعي، عبد الواسع بن يحيى الواسعي الصنعاني الزيدي. (1295 هـ - 1379 هـ). كنز الثقات في علم الأوقات. مطبعة حجازي. مصر. القاهرة. 1367 هـ.
الدوريات
الدوريات: 1. عزام، أ. د. وليد جميل عزام / جامعة الإمارات. مقال: (الأبراج السماوية ثلاثة عشر برجاً). مجلة (عالم الفلك) الإماراتية. تصدر عن رابطة هواة الفلك بنادي تراث الإمارات. العدد الأول. صفر 1420هـ - يونيو 1999م. 2. محمد المبارك، محمد بن حسن المبارك. مقال (من تراث النجديين في العلوم الرياضية والفلكية). جريدة الرياض العدد 13955 الجمعة 15 شعبان 1427هـ - 8 سبتمبر 2006م.