الشفا بتعريف حقوق المصطفى - محذوف الأسانيد
القاضي عياض
تقريظ العلامة الكبير فضيلة الشيخ عبد الوهاب الحافظ الملقب بدبس وزيت
الجزء الأول بسم الله الرّحمن الرّحيم تقريظ العلامة الكبير فضيلة الشيخ عبد الوهاب الحافظ الملقب بدبس وزيت الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى سائر الانبياء والمرسلين، وآله السادة الأبرار، وصحبه القادة الأخيار، والعلماء العاملين، ومن سلك طريقهم الى يوم الدين. وبعد فقد قامت نخبة من اهل العلم من طلاب مولانا العلامة النحرير والموبي الكبير الاستاذ الشيخ عبد الكريم الرفاعي باشارة منه بنشر كتاب الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلّى الله عليه وسلم، المشهور بين الأئمة الاعيان، والعلماء الاعلام، للفقيه المحقق القاضي الامام الحافظ ابي الفضل عياض بن موسى اليحصبي رحمه الله تعالى بعد توضيحهم ما فيه من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية وحذف اسانيدها مع بقاء الرواة وتفسير الالفاظ اللغوية وكشف معضلاتها والاماكن الجغرافية وغير ذلك من الامور الموضحة للكتاب الكاشفة عن وجوه مخدراتها اللثام، فقد جاء بحمد الله تعالى كتابا يتناول من فوائد فوائده الخاص والعام، ويشرب من صافي شرابه كل وارد وظمآن، وكيف لا وقد قام بنشره من تغذرا بلبان العلوم والمعارف،
وحفتهم العنايات الربانية، والآداب النبوية وما ذلك الا بأفضال شيخهم ومرشدهم العالم الرباني من جمع في العلوم بين المنقول والمعقول والشريعة والحقيقة الاستاذ الجليل الشيخ عبد الكريم الرفاعي حفظه الله وادام نفعه للأمة واعظم له الأجر والمنة انه على ما يشاء قدير وهو حسبنا ونعم الوكيل. عبد الوهاب الحافظ الملقب بدبس وزيت.
تقريظ العلامة الكبير فضيلة الشيخ عبد الكريم الرفاعي
بسم الله الرّحمن الرّحيم تقريظ العلامة الكبير فضيلة الشيخ عبد الكريم الرفاعي الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه اجمعين وبعد: فان من أهم ما تحتاج اليه أمة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم في عصرنا هذا هو أن تتحول أنماط حياتها عما هي عليه من مخالفات في عاداتها وتقاليدها الى الشكل الذي كان يربي عليه النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه حتى قوم نفوسهم وأقامها على ما يرضي الله سبحانه فجعل منهم خير أمة أخرجت للناس. زهدا في الدنيا. وتورعا عما لا يليق. وثقة بالله وتوكلا عليه فهانت عليه نفوسهم وأموالهم وعشيرتهم في جنب ما أكرمهم به الله. واستطابوا كل مر ومكروه في سبيل دعوتهم فسكن يقينها قرارة قلوبهم وهيمن على نفوسهم وعقولهم فصدرت عنهم عجائب ما شهدها التاريخ في سالف أيامه فلم تنقض ولن تنقضي آثارها حتى يرث الله الارض ومن عليها.. وما كان لهم ذلك الا حين استهانوا بزخارف الدنيا وحطامها وحنوا الى لقاء الله سبحانه وتاقوا الى جنات النعيم. فكان ذلك نسيانا لراحاتهم وهجرانا للذاتهم وبذلا لكل غال ونفيس في سبيل الغاية التي
وضعوها نصب أعينهم وهي أن يكون الله راضيا عنهم. ورسول الله صلّى الله عليه وسلم عينه قريرة بهم ... هذا وان كل ما نقرأ ونسمع عن صفات هذا الجيل الفريد من البشر. علما وعملا ودعوة. انما كان من تأثرهم بالنبي المصطفى صلّى الله عليه وسلم وتمثلهم لصفاته الشخصية وأخلاقه العملية مهتدين بهديه مقتفين لآثاره في كل حال وقول وعمل...... ذلك هو تأسيهم برسول الله عليه الصلاة والسلام واقتداؤهم به وذلك هو الذي يعوزنا وبنقصنا في عصرنا هذا حتى نتخلص مما تورطنا فيه من تقليد للأعاجم واتباع لهم على العمياء. وليس ثمة ما يوفر لنا ما نصبوا اليه من اتباع للسلف الصالح في السلوك والخلق الا أن يعكف أبناء هذه الأمة على دراسة تلك الصفات التي تحلى بها النبي صلّى الله عليه وسلم والشمائل التي أكرمه الله بها فشعت أنوارها على صحبه الكرام وشاعت أخبارها في كل زمان ومكان فكانوا بحق سادة الدنيا وأساتذة الخير في هذا الوجود...... لذلك كله لم نجد بدا من وضع كتاب بين أيدي المحبين لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عامة وأبنائنا من طلاب جامع زيد بن ثابت الأنصاري خاصة. يدلهم على الطريق وينير لهم السبيل ليتبينوا ما يجب أن يحملوا أنفسهم عليه من أخلاق وأعمال تقربهم من النبي عليه الصلاة والسلام فتصبغهم بأوصافه وتقيمهم على ما يرضيه فلم نعثر على كتاب يؤدي المقصود ويفي بالغرض مثل كتاب الشفاء الذي تلقفته أيدي العلماء منذ تاليفه فنفذ الى قلوبهم ونال ثقتهم وحاز اعجابهم.. وزاد من ذلك كله أن المؤلف القاضي عياض رضي الله تعالى عنه كان في حياته وصفاته من أجدر من يمسك بالقلم ليخط مثل هذا الموضوع
مستمدا من قلبه الكبير وخلقه القويم ونفسه المتواضعة بل وحياته كلها تلك التي كان يتأسى خلالها بالنبي صلّى الله عليه وسلم خير أسوة. ولما كانت الطبعات التي أخرجت متن هذا الكتاب الى أسواق الكتب طبعات فيها من التساهل في تحقيق الكتاب الشي الكثير. ومن الاخطاء المطبعية ما هو أكثر ... بل وأبلغ من هذا وذاك أن هذه الطبعات عزت وفقدت فلم يعد بامكان طالب العلم أن يحصل عليها الا ببذل جهد غير يسير ... لما كان هذا كله رغبت الى بعض أبنائي بالنظر في الكتاب نظر تحقيق دقيق يعتمد على أساس متين من العلم والتمحيص ليخرجوا به الى طلاب العلم كتابا شافيا وافيا ... فقاموا بذلك رضي الله عنهم على أحسن شكل مطلوب فكان ذلك تلبية منهم لحاجة ملحة لأبناء هذه الامة طالما تاقت اليها واشتاقت.. نرجو الله سبحانه أن ينفع بهذا الكتاب كل عامل به وقارىء له وناظر فيه.. والحمد لله رب العالمين. عبد الكريم الرفاعي
مقدمة المحققين
بسم الله الرّحمن الرّحيم مقدمة المحققين لا يشك مسلم في أن مصدر التشريع الأول هو القرآن الكريم ويليه في الأهمية سنة الرسول صلّى الله عليه وسلم.. وكما اعتنى المسلمون بالقرآن حفظا ودراسة كذلك وجهوا جهودهم للسيرة النبوية باحثين ممحصين حتى أنتج اهتمامهم الكبير بهذا المصدر العظيم من مصادر التشريع تلك الدراسات الواسعة والقواعد التاريخية الدقيقة والمؤلفات الغزيرة.. فرحم الله ذلك الجيل الكريم الذي خدم كتاب الله أجل خدمة وحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم حفظ وأدقه. ولقد كانت دراسة السيرة النبوية جزءا مهما من دراسة السنة المطهرة ... ولذا اهتم العلماء بهذه السيرة لفائق أهميتها في فهم الشريعة وتوضيح نصوصها من عمل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وتصرفاته كلها.. فسيرة الرسول بهذا تجسيد لمبادىء الإسلام في مثلها العليا وهي تفيد في معرفة جوانب من الحياة الإسلامية منها: «1- فهم شخصية الرسول صلّى الله عليه وسلم (النبوية) من خلال حياته وظروفه التي عاش فيها، للتأكد من أن محمدا عليه الصلاة والسلام لم يكن مجرد عبقري سمت به عبقريته بين قومه، ولكنه رسول أيده الله بوحي من عنده وتوفيق من لدنه.
2 ان يجد الإنسان بين يديه صورة للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة، كي يجعل منها دستورا يتمسك به ويسير عليه. ولا ريب أن الإنسان مهما بحث عن مثل أعلى في ناحية من نواحي الحياة فإنه واجده كله في حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أعظم ما يكون الوضوح والكمال، ولذا جعله الله قدوة للإنسانية كلها، فقال: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) «1» . 3- ان يجد الإنسان في دراسة سيرته عليه الصلاة والسلام ما يعينه على فهم كتاب الله تعالى وتذوق روحه ومقاصده، إذ أن كثيرا من آيات القرآن إنما يفسرها ويجليها الأحداث التي مرت برسول الله صلّى الله عليه وسلم وموقفه منها. 4- ان تتجمع لدى المسلم من خلال دراسة سيرته صلّى الله عليه وسلم أكبر قدر من الثقافة والمعارف الإسلامية الصحيحة، سواء ما كان منها متعلقا بالعقيدة أو الأحكام والأخلاق، إذ لا ريب ان حياته صلّى الله عليه وسلم إنما هي صورة مجسدة لمجموع مبادىء الإسلام وأحكامه. 5- أن يكون لدى المعلم والداعية الإسلامي نموذج حي عن طرائق التربية والتعليم، فلقد كان محمد صلّى الله عليه وسلم معلما ناصحا، ومربيا فاضلا لم يأل جهدا في تلمس إحدى الطرق الصالحة إلى ذلك خلال مختلف مراحل دعوته. وإن من أهم ما يجعل سيرته صلّى الله عليه وسلم وافية بتحقيق هذه الأهداف كلها أن سيرته عليه الصلاة والسلام شاملة لكل النواحي الإنسانية والاجتماعية التي توجد في الإنسان من حيث إنه فرد مستقل بذاته أو من حيث إنه عضو فعال في المجتمع.
فسيرته عليه الصلاة والسلام تقدم الينا نماذج سامية للشاب المستقيم في ذاته، الأمين مع قومه وأصحابه، وللإنسان الداعية إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، الباذل منتهى طاقته في سبيل إبلاغ رسالته. ولرئيس الدولة الذي يسوس الأمور بحذق وحكمة بالغة، وللزوج المثالي في حسن معاملته والأب في حنو عاطفته مع تفريق دقيق بين الحقوق والواجبات لكل من الزوجة والأولاد، وللقائد الحربي الماهر والسياسي الصادق المحنك، وللمسلم الجامع بين واجب التعبد والتبتل لربه، والمعاشرة الفكهة اللطيفة مع أهله وأصحابه. لا جرم إذا أن دراسة سيرة النبي صلّى الله عليه وسلم إنما هي تفهم لهذه الجوانب الانسانية كلها مجسدة في أرفع نموذج وأتم صورة» «1» . إن السيرة التي يحق لصاحبها أن تتخذ الناس من حياته اسوة حسنة ومثلا أعلى يجب أن تكون متصفة بالصفة التاريخية الصحيحة. أما السيرة التي حاكتها الاساطير وتفشت منها الخرافات فانها لا تملك قدرة السيطرة على القلوب والنفوس ومن ثم لا يستطيع الناس أن يتأسوا ويتقيدوا بها ونحن معشر المسلمين نؤمن برسالات الأنبياء كلها ونؤمن بهم ونتعرف على جوانب حياتهم ودعوتهم من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة بعد أن عض الزمان والنسيان على سيرتهم التاريخية؟ وبعد أن تلاعبت الايدي بالمسخ والنسخ فيها. ونؤمن بالأنبياء كلهم مع علمنا بأنهم مجاهدون رتبة ومكانة ونحن نرى من عرض سير الانبياء والرسل ان صحة الأسانيد وبقاءها محفوظة لم يتاحا لسيرة واحد منهم مثلما اتيح لسيرة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم.
كما أن من الشروط المحتمة التي لابد منها لكل من يرجو أن تكون سيرته وهدايته اسوة للبشر، الكمال والتمام والجمع. والمراد بالكمال والتمام والجمع ان الطوائف الانسانية المتفرقة والطبقات البشرية المختلفة تحتاج الى أمثلة كثيرة ومتنوعة تتخذها منهاجا لحياتها الاجتماعية. وكذلك الأفراد في المجتمع الانساني يحتاجون إلى مثل عليا يقتدون بها في جميع مناحي حياتهم. لذا يجب أن تكون حياة المتأسى به واضحة ناصعة عاليه.. وهذه النظرة الصحيحة لا نجدها تتمثل في حياة أحد مثلما تتمثل في حياة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم ذلك لانها استجمعت الصفات التي مر ذكر بعضها وهي. 1- ان تكون سيرة تلك الحياة (تاريخية) أي ان التاريخ الصحيح الممحص يصدقها ويشهد لها.. ولقد شهد التاريخ كله شرقيه وغربيه مسلمه وكافره، ان الدقة التي وصل إليها المسلمون في دراسة السيرة النبوية من الوجهة العلمية بلغت الاوج والمنتهى الذي تقف عنده أقلام النقد والتمحيص ... ولا يزال المنهج التاريخي العلمي الذي ابتدعه المسلمون أول ما ابتدعوه لغاية الحفاظ على سيرة هذا الرسول العظيم- لم يزل ذلك المنهج قدوة المؤرخين في سلوك طريق البحث والتنقيب حتى الآن. 2- أن تكون سيرة الحياة (جامعة) أي محيطة بأطوار الحياة ومناحيها وجميع شؤونها. في البيت وفي السوق، مع نفسه ومع ربه ومع الناس في الفرح وفي الترح في الغضب وفي الرضى في الحرب وفي السلم في الجد وفي المداعبة في الليل وفي النهار مع الاعداء ومع الاصدقاء ... في كل هذه الحالات
يجب أن تجمع هذه الحالات مختلف هذه الجوانب بشكل واضح وصريح وبصورة تعطي للناس قدوة حسنة يمكن اتباعها والتأسي بها. وهذا كله أدته السنة المطهرة في كتب الحديث والسنن الواسعة الموثوقة. 3- أن تكون (كاملة) أي تكون متسلسلة لا تنقص شيئا من حلقات الحياة الواسعة التي تشمل مختلف العواطف البشرية والنزعات الانسانية. ومن أعجب العجب أن أية نبضة من نبضات القلب البشري أو أية إشرافة من إشرافات الفكر الإنساني تجدها من خلال دراسة السنة المطهرة وقد ظهرت في أسمى نزعاتها وأرفع غاياتها وكأن السنة بهذا صورة واقعية ورسم واضح لما تمليه الإرادة الإلهية ولما تطلبه من نبي البشر. 4- أن تكون تلك السيرة (عملية) أي تكون الدعوة الى المبادىء والفضائل والواجبات بعمل الداعية وأخلاقه. وأن يكون ما دعا إليه بلسانه قد حققه في سيرته وعمل به في حياته الشخصية والبيتية والاجتماعية. ونعتقد أن هذه الناحية العملية في سيرة النبي العظيم هي أعظم ما يجذب اليه القلوب ويؤلف حول دعوته الارواح. وان هذه الناحية المهمة في سيرة محمد صلّى الله عليه وسلم لأشهر وأبرز من أن يجهلها إنسان فهي واضحة في كل تصرفاته وحركاته وسكناته.. ولقد تعددت السير النبوية واختلفت في منهاج الدراسة التي سارت عليه متتبعة أحواله صلّى الله عليه وسلم في الفترة ما بين الميلاد أو ما قبله أيضا. الى وفاته صلى الله عليه وسلم. وامتازت كل طريقة بميزات خاصة أبرزتها من ناحية وأفردتها من ناحية
اخرى حتى أصبح الدارس المتعمق لا يستغني عن أكثر ما كتب في هذا المجال. وكتاب الشفاء هذا يمتاز عن كل ما كتب في دراسة السيرة النبوية بميزات أفردته وحده في هذا الميدان وأبرزت عظيم قدره عند المحبين والعلماء والمحققين ... ولعلنا ندرك هذه الميزات إدراكا واضحا عندما نقرأ الفقر التي كتبها المؤلف في مقدمته مبينا فيها الأسباب التي دعته لتأليف هذا الكتاب: قال رحمه الله: في خطابه لصاحب الرسالة الذي طلب منه تأليف الكتاب فَإِنَّكَ كَرَّرْتَ عَلَيَّ السُّؤَالَ فِي مَجْمُوعٍ يَتَضَمَّنُ التَّعْرِيفَ بِقَدْرِ الْمُصْطَفَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ تَوْقِيرٍ وَإِكْرَامٍ، وَمَا حُكْمُ مَنْ لَمْ يُوَفِّ وَاجِبَ عَظِيمِ ذَلِكَ الْقَدْرِ أَوْ قَصَّرَ فِي حَقِّ مَنْصِبِهِ الْجَلِيلِ قُلَامَةَ ظفر، وأن أجمع لك ما لا سلافنا وَأَئِمَّتِنَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَقَالٍ، وَأُبَيِّنَهُ بِتَنْزِيلِ صور وأمثال. فنجد أن السائل جزاه الله خيرا طلب من المؤلف رحمه الله أربعة أمور: 1- التعريف بقدر المصطفى صلّى الله عليه وسلم. 2- ما يجب له صلّى الله عليه وسلم من توقير واحترام. 3- حُكْمُ مَنْ لَمْ يُوَفِّ وَاجِبَ عَظِيمِ ذَلِكَ القدر أو قصر في ذلك. 4- جمع أقوال السلف والائمة في هذه الامور. وقد ذكر المؤلف رحمه الله أن هذه الامور التي طالبه صاحب الرسالة بشرحها شديدة خطيرة لما تحتاجه من (تَقْرِيرَ أُصُولٍ، وَتَحْرِيرَ فُصُولٍ، وَالْكَشْفَ عَنْ غَوَامِضَ وَدَقَائِقَ مِنْ عِلْمِ الْحَقَائِقِ مِمَّا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُضَافُ
إِلَيْهِ أَوْ يَمْتَنِعُ أَوْ يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَمَعْرِفَةَ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ وَالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْخِلَّةِ، وَخَصَائِصِ هذه الدرجة العلية ... ) ومن هذه اللمحات الخاطفة التي ظهرت في سؤال السائل وفي بيان المؤلف نلمح الاتجاه العلمي الدقيق الذي يمت بصلة قوية الى علم الاصول ... ومن خلال فصول الكتاب الجميلة عرضا وترتيبا وفكرة نشاهد بوضوح هذه اللمحات وقد أخذت اتجاها منطقيا في عرض الفكرة وما يتعلق بها من آراء وأقوال ثم في مناقشة هذه الاقوال والآراء مناقشة هادئة تظهر عليها روح القاضي الهادئة وأفكاره المنظمة وعندما نصل إلى نهاية الفصل نشعر بوضوح أظهر اننا في محكمة عادلة يهيمن عليها فكر واع حصيف وقلب مدرك حساس. وان الانسان لا يملك نفسه أما روعة الاعجاب التي تتملك نفسه وهو يتابع تلك المناقشات الرائعة لاقوال السلف والأئمة التي يعرضها المؤلف ويتابعها باخلاص علمي شديد ... ثم بعد ذلك وهو يتناولها- في تواضع عجيب- بالنقد الشريف.. وفي هذا النقد يرى القارىء عقل المؤلف في صفائه وعمقه ودقته ... ولعل أسوا ما منى به هذا الكتاب العظيم- الذي ظل مهوى أفئدة العلماء والائمة في كل عصر- ما ناله من التشويه في الطباعة والعرض خضوعا للرغبة التجارية والمكسب المادي. وعندما عرض هذا الكتاب على طلبة العلم في مساجد دمشق وجد المدرس والطالب مشقة أبعدته عن حب هذا الكتاب وبالتالي عن فهمه،
وضاع الطالب بين سطوره المتتابعة التي حشيت فيها الاقوال حشوا ورصفت فيها الألفاظ رصفا لا يعتمد على نظام ولا يتفق على ترتيب هذا علاوة على ما فيه من أخطاء في الطباعة ونقص في تحقيق الأحاديث الواردة فيه- مع أن الشراح رحمهم الله خرجوا أحاديثه- فان شروح هذا الكتاب مطولة وتحتاج الى تنظيم ولا يمكن أن تقوم هذه الشروح بدل الكتاب نفسه في أيدي الطلاب. كما أن كثيرا من كلمات الكتاب تحتاج الى شرح لغوي يبين معناها للطالب والدارس ليفهم النص دون الرجوع الى معاجم اللغة.. وعندما برزت كل هذه الصعاب للعيان عند تدريس هذا الكتاب طلب منا المربي الكبير فضيلة العلامة الشيخ عبد الكريم الرفاعي حفظه الله تعالى. العمل على تنظيم وترتيب الكتاب لملء الفراغ المحسوس. ولبينا الطلب مسترشدين بتعليمات فضيلة الشيخ في كيفية العمل وطريقته التي نلخصها فيما يلي: 1- عرض الكتاب عرضا واضحا.. وتحقق هذا بتوضيح الأقوال والافكار التي فيه بشكل واضح منظم من حيث تقسيم الفقرات والفصل بين الأقوال وإبراز اسم القائل لعين القارىء بحيث لا يحتاج الى البحث عنه خلال السطور بحثا دقيقا. كما أن الآيات والأحاديث برزت عن سواها من الكلام بحروفها المتميزة. 2- رغبة في الاختصار حذفنا السند المطوّل للأحاديث الواردة في الكتاب وأثبتنا الصحابي أو التابعي الذي رواها عن الرسول صلّى الله عليه وسلم.
3- ورد تخريج الاحاديث في شروح الشفاء فنقلنا جهد هؤلاء العلماء رحمهم الله الى هذا الكتاب مبينين درجة الحديث المروي. 4- تخريج الآيات الكريمة وبيان الأعلام وتفسير الكلمات اللغوية التي تحتاج الى ذلك. 5- ولقد وضعنا على الهامش الوحشي للكتاب عناوين صغيرة تدل على ما في الفقرة أو الصفحة من معنى حتى اذا احتاج قارىء الكتاب العودة الى بعض معانيه قادته تلك العناوين الصغيرة الى مطاوبه بسرعة. 6- ذكرنا بعض الكلمات التي وجدت في بعض النسخ بصورة مغايرة للنسخ الاخرى ونقلنا ذلك عن الشروح أيضا. 7- ورغبة منا في العمل على نشر هذا الكتاب وايصاله الى كل بيت ليكون في متناول كل يد سلكنا طريقة اصداره مجزءا الى اقسام صغيرة حيث يسهل على القارىء مراجعة مضمون هذا الجزء اذ لمسنا ذيوع هذه الطريقة وعموم فائدتها. 8- ولما كان الكتاب على جزأين حسب ترتيب المصنف رحمه الله سنعمد ان شاء الله الى وضع ذيل يتضمن فهارس عامة لمحتويات الكتاب من حيث المواضيع وأسماء الاعلام وأسماء الاماكن وسردا خاصا بالمراجع الهامة التي عدنا اليها في تحقيق هذا الكتاب. وإننا إثر هذا وجدنا بعد عرض الكتاب في ثوبه الجديد على فضيلة أستاذنا عبد الكريم الرفاعي وعلى ثلة من علماء دمشق الافاضل ان الكتاب أصبح وافيا بالغرض المطلوب الذي بذل هذا الجهد بصدده ونعتقد ان هذا المجهود لا يتلاءم بحال مع قدر هذا الكتاب العظيم.
ولكننا بذلنا ما في الوسع سائلين الله تعالى أن يقيض لهذا الكتاب العظيم من يرفعه الى مكانه الرفيع في دنيا العلم والعلماء وفي أيدي الأصوليين والفقهاء وعند دارسي سيرته صلّى الله عليه وسلم ومحبي طريقته ومتبعي شريعته ... والله ولي التوفيق. المحققون
ترجمة المؤلف
بسم الله الرّحمن الرّحيم ترجمة المؤلف في نهاية القرن الخامس الهجري وفي سنة ست وسبعين وأربعمئة على وجه التحديد ولد مؤلف الشفاء القاضي الكبير والمحدث الجليل والأديب الفقيه عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي الغرناطي المالكي ... لقد كان هذا القرن عصر ازدهار العلوم والفنون في بلاد الاندلس التي بدأت تنافس المشرق بالفخر العلمي وبالمجهود الأدبي الذي كان بلاط الخلفاء يزدهر بغرسه ونتاجه.. أصله ... لقد جاء أجداد عياض من الاندلس الى بلدة فاس في بلاد المغرب يحملون معهم صفات تلك البيئة العلمية في نفوسهم وأرواحهم ... وولد قاضينا الكبير في بلدة سبتة في شهر شعبان بعد أن انتقل اليها والده من مدينة فاس...... وسبتة بموقعها الجغرافي كانت همزة وصل بين الشمال الافريقي وبين الاندلس الزاهرة أو بالاحرى بين المشرق والمغرب على اعتبار أن كلمة المغرب كانت تطلق على البلاد الاندلسية.
وفي هذه البلدة كان الوافدون على الاندلس والعائدون منها يلتقون ويتبادلون الآراء والافكار فتتلاقح بهذا التلاقي علوم المشرق بميزاتها الفلسفية والمنطقية وبما فيها من عمق فكري ودقة بحث مع علوم المغرب بما فيها من روح جمالية أدبية ونظرة جديدة في الوجود فرضها الواقع الجديد والبيئة الجديدة ... ويرجع أصل المؤلف من ناحية أجداده إلى يحصب بن مالك أبو قبيلة باليمن ... فالمؤلف بهذا عربي أصيل. فاجتمعت للمؤلف كل الصفات العلمية المؤهلة من ناحية الوراثة والبيئة ثم أضاف اليها تلك الدراسة العميقة التي أخذ بها نفسه منذ نعومة أظفاره.. ولقد كان له كثير من الشيوخ الذين أخذ عنهم الفقه والاصول والحديث والادب وظهرت جوانب من تلك العلوم في المصنفات العديدة التي ألّفها ويستطيع القارىء أن يلمح تلك الاسماء العديدة في سند أكثر الاحاديث النبوية الشريفة التي يرويها بطريقة عنهم ... وخاصة في كتاب الشفاء ... علمه ... واتجه القاضى منذ نعومة أظفاره إلى تعلم العلوم الشرعية فأتقنها إتقانا عجيبا وفي سن مبكرة كما ذكر صاحب كتاب أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض.... ولم تمنعه دراسته للعلوم الشرعية من الاخذ من علوم الادب واللغة وظهر ذلك جليا في كتاباته الجميلة الآسرة. وأصبح المؤلف بعد فترة وجيزة قاضيا لسبتة في بلاد المغرب على المذهب المالكي الذي عم في افريقيا وانتشر فيها.
وبدأ يتجه الى التأليف واخراج التصانيف المفيدة في التفسير والحديث والسيرة النبوية الشريفة. وبدأ فشرح صحيح مسلم شرحا جيدا ساعده عليه علمه بالحديث وروايته له. وأخرج تفسيرا للقرآن. ولم يطل المقام به في سبتة حتى نقل إلى غرناطة سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة. ولم يطل مقامه بها حتى نقل ثانية إلى سبتة ليتولى فيها القضاء.. وقد ذكر ابن فرحون من علماء المالكية في طبقاته عن القاضي عياض انه كان إماما في الفقه والتفسير والحديث وسائر العلوم خطيبا بليغا وذكر من تآليفه نحو ثلاثين تأليفا جليلا. شعره ... وذكر ابن فرحون بعض أشعار القاضي عياض التي تدل على أدبه وبلاغته ومنها: الله يعلم إني منذر لم أركم ... كطائر خانه ريش الجناحين وقال: انظر إلى الزرع وخاماته ... يحكى وقد ماست أمام الرياح كتيبة خضراء مهزومة ... شقايق النعمان فيها جراح كتاب الشفاء: وإن أعظم ما خطه يراع القاضي هو كتاب الشفاء الذي تداولته أيادي العلماء من كل أمة درسا وفهما فلم يخل منه بيت عالم فاضل أو زاهد كريم أو محب على محبته مقيم ...
وقد ذكر ابن المقري اليمني الشافعي رحمه الله في ديوانه أن كتاب الشفاء مما شوهدت بركته وكان قد ابتلي بمرض فقرأه فعافاه الله منه وقال في ذلك: ما بالكتاب هواي لكن الهوى ... أمس بما أمسى به مكتوبا كالدر يهوى العاشقون بذكرها ... شغفا بها لشمولها المحبوبا أرجو الشفاء تفاؤلا باسم الشفا ... فحوى الشفاء وأدرك المطلوبا وبقدر حسن الظن ينتفع الفتى ... لا سيما ظن يصير مجيبا هذا وفي الشفاء بعض الاحاديث الضعيفة وقليل مما قيل إنه موضوع تبع فيه ابن سبع في شفائه وقد نبه على ذلك كله الجلال السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا. وقد اختتمت حياة المؤلف الحافلة يوم الجمعة بمراكش في جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة.. وما قيل من أنه قتل لا أصل له. وقد مدحه الشاعر علي بن هارون بقوله: ظلموا عياضا وهو يحلم عنهم ... والظلم بين العالمين قديم جعلوا مكان الراي عينا في اسمه «1» ... كي يكتموه وشأنه معلوم لو لاه ما فاحت أباطح سبتة «2» ... والروض حول فنائها معدوم ولبعض الأدباء في مدح هذا الكتاب: عوضت جنات عدن يا عياض ... عن الشفاء الذي الفته عوض جمعت فيه أحاديثا مصححة ... فهو الشفاء لمن في قلبه مرض
مقدمة المؤلف
بسم الله الرّحمن الرّحيم مقدمة المؤلف الحمد لله المتفرد «1» باسمه الأسمى «2» ، المختص بالعز «3» الْأَحْمَى «4» الَّذِي لَيْسَ دُونَهُ «5» مُنْتَهًى وَلَا وَرَاءَهُ مرمى «6» ، الظاهر» لا تخيلا «8» ولا وهما، الباطن «9» تقدسا لاعدما «10» ، وسع «11» كل شيء رحمة
وَعِلْمًا، وَأَسْبَغَ «1» عَلَى أَوْلِيَائِهِ نِعَمًا عُمًّا «2» ، وَبَعَثَ فيهم رسولا من أنفسهم «3» أَنْفُسِهِمْ «4» عُرْبًا وَعُجْمًا، وَأَزْكَاهُمْ «5» مَحْتِدًا «6» وَمَنْمًى «7» ، وَأَرْجَحَهُمْ عَقْلًا وَحِلْمًا «8» ، وَأَوْفَرَهُمْ عِلْمًا وَفَهْمًا وَأَقْوَاهُمْ يَقِينًا «9» وعزما، وأشدهم بهم رأفة ورحما، وزكاه رُوحًا وَجِسْمًا، وَحَاشَاهُ «10» عَيْبًا وَوَصْمًا «11» ، وَآتَاهُ حِكْمَةً «12» وَحُكْمًا «13» وَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا «14» ، وَقُلُوبًا غُلْفًا «15» وَآذَانًا صُمًّا، فَآمَنَ بِهِ وَعَزَّرَهُ «16» وَنَصَرَهُ مَنْ جعل الله له في مغنم
السَّعَادَةِ قِسْمًا، وَكَذَّبَ بِهِ وَصَدَفَ «1» عَنْ آيَاتِهِ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الشَّقَاءَ حَتْمًا، وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أعمى «2» صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى وعلى آله وصحبه وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. أَمَّا بَعْدُ: أَشْرَقَ اللَّهُ قَلْبِي وَقَلَبَكَ بِأَنْوَارِ الْيَقِينِ وَلَطَفَ لِي «3» وَلَكَ بِمَا لطف بأوليائه الْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ شَرَّفَهُمُ اللَّهُ بِنُزُلِ «4» قُدْسِهِ، وَأَوْحَشَهُمْ مِنَ الْخَلِيقَةِ بِأُنْسِهِ، وَخَصَّهُمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَمُشَاهَدَةِ عَجَائِبِ مَلَكُوتِهِ «5» وَآثَارِ قُدْرَتِهِ بِمَا مَلَأَ قُلُوبَهُمْ حَبْرَةً «6» ، وَوَلَّهَ «7» عُقُولَهُمْ فِي عَظَمَتِهِ حَيْرَةً، فَجَعَلُوا هَمَّهُمْ بِهِ وَاحِدًا، وَلَمْ يَرَوْا فِي الدَّارَيْنِ غيره مشاهدا.
فَهُمْ بِمُشَاهَدَةِ جَمَالِهِ وَجَلَالِهِ يَتَنَعَّمُونَ «1» . وَبَيْنَ آثَارِ قُدْرَتِهِ وَعَجَائِبِ عَظَمَتِهِ يَتَرَدَّدُونَ. وَبِالِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ يَتَعَزَّزُونَ لَهِجِينَ «2» بِصَادِقِ قَوْلِهِ «قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ «3» فَإِنَّكَ كَرَّرْتَ عَلَيَّ السُّؤَالَ فِي مَجْمُوعٍ «4» . يَتَضَمَّنُ التَّعْرِيفَ بِقَدْرِ الْمُصْطَفَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ تَوْقِيرٍ وَإِكْرَامٍ، وَمَا حُكْمُ مَنْ لَمْ يُوَفِّ وَاجِبَ عَظِيمِ ذَلِكَ الْقَدْرِ أَوْ قَصَّرَ فِي حَقِّ مَنْصِبِهِ الْجَلِيلِ قُلَامَةَ» ظُفْرٍ، وَأَنْ أَجْمَعَ لَكَ مَا لِأَسْلَافِنَا وَأَئِمَّتِنَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَقَالٍ، وَأُبَيِّنَهُ بِتَنْزِيلِ، «6» صُوَرٍ وَأَمْثَالٍ. فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنَّكَ حَمَّلْتَنِي مِنْ ذَلِكَ أَمْرًا إِمْرًا «7» ، وَأَرْهَقْتَنِي «8» فِيمَا نَدَبْتَنِي «9» إِلَيْهِ عُسْرًا، وَأَرْقَيْتَنِي «10» بِمَا كَلَّفْتَنِي مُرْتَقًى صَعْبًا مَلَأَ قلبي رعبا.
فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ يَسْتَدْعِي تَقْرِيرَ أُصُولٍ، وَتَحْرِيرَ «1» فُصُولٍ، وَالْكَشْفَ عَنْ غَوَامِضَ وَدَقَائِقَ مِنْ عِلْمِ الْحَقَائِقِ «2» مِمَّا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُضَافُ إِلَيْهِ أَوْ يَمْتَنِعُ أَوْ يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَمَعْرِفَةَ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ وَالرِّسَالَةِ، وَالنُّبُوَّةِ والمحبة والخلة «3» ، وخصائص هذه الدرجة العلية. وههنا مَهَامَهُ «4» فِيحٌ «5» تَحَارُ فِيهَا الْقَطَا «6» ، وَتَقْصُرُ بِهَا الخطا، وَمَجَاهِلُ تَضِلُّ فِيهَا الْأَحْلَامُ إِنْ لَمْ تَهْتَدِ بِعَلَمِ «7» عِلْمٍ وَنَظَرِ سَدِيدٍ وَمَدَاحِضُ «8» تَزِلُّ بِهَا الْأَقْدَامُ إِنْ لَمْ تَعْتَمِدْ عَلَى تَوْفِيقٍ مِنَ اللَّهِ وَتَأْيِيدٍ، لَكِنِّي لِمَا رَجَوْتُهُ لِي وَلَكَ فِي هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ مِنْ نَوَالٍ «9» وَثَوَابٍ بِتَعْرِيفِ قَدْرِهِ الْجَسِيمِ، وَخُلُقِهِ الْعَظِيمِ وَبَيَانِ خَصَائِصِهِ الَّتِي لَمْ تَجْتَمِعْ قَبْلُ فِي مَخْلُوقٍ، وَمَا يدان «10» الله تعالى به من
حَقِّهِ الَّذِي هُوَ أَرْفَعُ الْحُقُوقِ لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ اوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا ايمانا «1» . وَلِمَا أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ وَلِمَا حَدَّثَنَا به ابو الوليد «2» هشام ابن أحمد الفقيه رحمه الله بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ «3» بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا ابو عمرو النمري «4» حدثنا أبو محمد «5» بن عبد المؤمن، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ «6» ، حَدَّثَنَا سليمان بن الاشعث «7» ، حدثنا موسى بن
اسماعيل «1» حدثنا حماد «2» اخبرنا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ «3» عَنْ عَطَاءٍ «4» ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نار يوم القيامة «6» . فبادرت الى نكت «7» سافرة «8» عن وجه الغرض، مؤديا من ذلك
الْحَقَّ الْمُفْتَرَضَ، اخْتَلَسْتُهَا «1» عَلَى اسْتِعْجَالٍ لِمَا الْمَرْءُ بصدده» من شغل البدن والبال، بما قلده «3» مِنْ مَقَالِيدِ الْمِحْنَةِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهَا فَكَادَتْ تَشْغَلُ عَنْ كُلِّ فَرْضٍ وَنَفْلٍ وَتَرُدُّ بَعْدَ حُسْنِ التَّقْوِيمِ إِلَى أَسْفَلِ سُفْلٍ، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ بِالْإِنْسَانِ خَيْرًا لَجَعَلَ شُغْلَهُ وَهَمَّهُ كُلَّهُ فيما يحمد غدا أو يُذَمُّ مَحَلُّهُ، فَلَيْسَ ثَمَّ سِوَى نَضْرَةِ «4» النَّعِيمِ. أَوْ عَذَابِ الْجَحِيمِ، وَلَكَانَ عَلَيْهِ بِخُوَيْصَّتِهِ «5» وَاسْتِنْقَاذِ مُهْجَتِهِ «6» ، وَعَمَلٍ صَالِحٍ يَسْتَزِيدُهُ، وَعِلْمٍ نَافِعٍ يُفِيدُهُ أَوْ يَسْتَفِيدُهُ. جَبَرَ «7» اللَّهُ تَعَالَى صَدْعَ «8» قُلُوبِنَا، وَغَفَرَ عَظِيمَ ذُنُوبِنَا، وَجَعَلَ جَمِيعَ اسْتِعْدَادِنَا لِمَعَادِنَا «9» ، وتوفر دواعينا) فيما ينجينا ويقربنا اليه
زلفى «1» وَيُحْظِينَا «2» بِمَنِّهِ «3» وَرَحْمَتِهِ. وَلَمَّا نَوَيْتُ تَقْرِيبَهُ وَدَرَّجْتُ «4» تَبْوِيبَهُ، وَمَهَّدْتُ تَأْصِيلَهُ وَخَلَّصْتُ «5» تَفْصِيلَهُ وَانْتَحَيْتُ «6» حَصْرَهُ وتحصيله ترجمته «7» بالشفا «8» بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ الْمُصْطَفَى. وَحَصَرْتُ الْكَلَامَ فِيهِ فِي أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ «9» . (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ:) فِي تَعْظِيمِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى لِقَدْرِ هَذَا النَّبِيِّ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَتَوَجَّهَ «10» الكلام فِيهِ فِي أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ. الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي ثَنَائِهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَإِظْهَارِهِ عَظِيمَ قَدْرِهِ لَدَيْهِ وفيه عشرة فصول.
الْبَابُ الثَّانِي: فِي تَكْمِيلِهِ تَعَالَى لَهُ الْمَحَاسِنَ خَلْقًا وَخُلُقًا وَقِرَانِهِ «1» جَمِيعَ الْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فِيهِ نَسَقًا «2» وَفِيهِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَصْلًا «3» . الْبَابُ الثَّالِثُ: فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ وَمَشْهُورِهَا بِعَظِيمِ قَدْرِهِ عِنْدَ رَبِّهِ وَمَنْزِلَتِهِ، وَمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ فِي الدَّارَيْنِ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَفِيهِ اثْنَا عَشَرَ فَصْلًا «4» . الْبَابُ الرَّابِعُ: فِيمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ وَالْكَرَامَاتِ وَفِيهِ ثَلَاثُونَ «5» فَصْلًا. (الْقِسْمُ الثَّانِي) فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْأَنَامِ «6» من حقوقه عليه الصلاة والسلام. ويترتب القول فيه في أربعة أبواب.
الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي فَرْضِ الْإِيمَانِ بِهِ وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ وَفِيهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ «1» . الْبَابُ الثَّانِي: فِي لُزُومِ مَحَبَّتِهِ وَمُنَاصَحَتِهِ وَفِيهِ سِتَّةُ فصول «2» الباب الثاني: فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَلُزُومِ تَوْقِيرِهِ وَبِرِّهِ وَفِيهِ سَبْعَةُ «3» فُصُولٍ. الْبَابُ الرَّابِعُ: فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ وَفَرْضِ ذَلِكَ وَفَضِيلَتِهِ وَفِيهِ عَشَرَةُ فُصُولٍ «4» (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) فِيمَا يَسْتَحِيلُ «5» فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا يَمْتَنِعُ وَيَصِحُّ «6» مِنَ الْأُمُورِ الْبَشَرِيَّةِ أَنْ يضاف اليه، وهذا القسم
أَكْرَمَكَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ سِرُّ الْكِتَابِ وَلُبَابُ ثَمَرَةِ هَذِهِ الْأَبْوَابِ «1» وَمَا قَبْلَهُ لَهُ كَالْقَوَاعِدِ وَالتَّمْهِيدَاتِ وَالدَّلَائِلِ عَلَى مَا نُورِدُهُ فِيهِ مِنَ النُّكَتِ الْبَيِّنَاتِ، وَهُوَ الْحَاكِمُ عَلَى مَا بَعْدَهُ وَالْمُنْجِزُ «2» مِنْ غَرَضِ هَذَا التَّأْلِيفِ وَعْدَهُ، وَعِنْدَ التقصي لموعدته» والتفصي «4» عَنْ عُهْدَتِهِ «5» يَشْرَقُ «6» صَدْرُ الْعَدُوِّ اللَّعِينِ، وَيُشْرِقُ قلب المؤمن باليقين، وتملأ انواره جوانح «7» صَدْرِهِ وَيَقْدُرُ الْعَاقِلُ «8» النَّبِيَّ حَقَّ قَدْرِهِ، وَيَتَحَرَّرُ «9» الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَابَيْنِ. الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِيمَا يختص بالأمور الدينية ويتشبث «10» بِهِ الْقَوْلُ فِي الْعِصْمَةِ، وَفِيهِ سِتَّةَ عَشَرَ فصلا «11» .
الْبَابُ الثَّانِي: فِي أَحْوَالِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَمَا يَجُوزُ طُرُوُّهُ «1» عَلَيْهِ مِنَ الْأَعْرَاضِ «2» الْبَشَرِيَّةِ، وَفِيهِ تِسْعَةُ فُصُولٍ «3» . (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) فِي تَصَرُّفِ «4» وُجُوهِ الْأَحْكَامِ عَلَى مَنْ تَنَقَّصَهُ «5» أَوْ سَبَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَنْقَسِمُ الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَابَيْنِ. الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي بَيَانِ مَا هُوَ فِي حَقِّهِ سَبٌّ وَنَقْصٌ مِنْ تَعْرِيضٍ «6» أَوْ نَصٍّ «7» وَفِيهِ عَشَرَةُ فُصُولٍ «8» . الْبَابُ الثَّانِي: فِي حُكْمِ شانئه «9» ومؤذيه ومنتقصه «10» وعقوبته
وَذِكْرِ اسْتِتَابَتِهِ وَالصَّلَاةِ «1» عَلَيْهِ وَوِرَاثَتِهِ، وَفِيهِ عَشَرَةُ فُصُولٍ «2» وَخَتَمْنَاهُ بِبَابٍ ثَالِثٍ جَعَلْنَاهُ تَكْمِلَةً لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَوَصْلَةً لِلْبَابَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرُسُلَهُ وَمَلَائِكَتَهُ وَكُتُبَهُ وَآلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحْبَهُ، وَاخْتُصِرَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي خَمْسَةِ فُصُولٍ «3» ، وَبِتَمَامِهَا يَنْتَجِزُ الْكِتَابُ، وَتَتِمُّ الْأَقْسَامُ وَالْأَبْوَابُ، وَيَلُوحُ «4» فِي غُرَّةِ «5» الْإِيمَانِ لُمْعَةٌ «6» مُنِيرَةٌ، وَفِي تَاجِ التَّرَاجِمِ دُرَّةٌ خَطِيرَةٌ، تُزِيحُ كُلَّ لَبْسٍ «7» ، وَتُوَضِّحُ كُلَّ تَخْمِينٍ «8» وَحَدْسٍ «9» ، وَتَشْفِي صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَتَصْدَعُ «10» بِالْحَقِّ، وَتُعْرِضُ عَنِ الْجَاهِلِينَ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى لَا إله سواه أستعين.
أيها الاخوة الاحبه: قصرنا هذا العدد على موضوعات التقديم وبيان أهمية هذا الكتاب لنبدأ- باذن الله تعالى- في العدد القادم مادة الكتاب مباشرة راجين من المولى تعالى تسديد الخطى ومن القراء الكرام النصح والارشاد. والله تعالى هو الموفق للخير وهو يهدي السبيل. «المحققون»
(الجزء الأوّل)
القسم الأول في تعظيم العلي الأعلى لقدر النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي تَعْظِيمِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى لِقَدْرِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا وفعلا
مقدمة القسم الاول
(بسم الله الرّحمن الرّحيم) مُقَدِّمَةُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ قَالَ الْفَقِيهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أبو الفضل رحمه الله «1» : لاخفاء عَلَى مَنْ مَارَسَ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ، أَوْ خُصَّ بِأَدْنَى لَمْحَةٍ «2» مِنَ الْفَهْمِ «3» ، بِتَعْظِيمِ اللَّهِ قَدْرَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخُصُوصِهِ إباه بِفَضَائِلَ وَمَحَاسِنَ وَمَنَاقِبَ لَا تَنْضَبِطُ» لِزِمَامٍ، وَتَنْوِيهِهِ «5» مِنْ عَظِيمِ «6» قَدْرِهِ بِمَا تَكِلُّ عَنْهُ الْأَلْسِنَةُ وَالْأَقْلَامُ؛ فَمِنْهَا مَا صَرَّحَ بِهِ تَعَالَى فِي كتابه، ونبّه به على جليل نصابه «7» ،
وأثنى به عَلَيْهِ مِنْ أَخْلَاقِهِ وَآدَابِهِ، وَحَضَّ الْعِبَادَ عَلَى التزامه «1» وتقّلد إيجابه «2» . فَكَانَ جَلَّ جَلَالُهُ هُوَ الَّذِي تَفَضَّلَ وَأَوْلَى، ثُمَّ مَدَحَ بِذَلِكَ وَأَثْنَى، ثُمَّ أَثَابَ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى، فَلَهُ الْفَضْلُ بَدْءًا وَعَوْدًا، وَالْحَمْدُ أُولَى وَأُخْرَى «3» ... وَمِنْهَا مَا أَبْرَزَهُ لِلْعِيَانِ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى أَتَمِّ وُجُوهِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ، وَتَخْصِيصِهِ بالمحاسن الجميلة، والأخلاق الحميدة، والمذاهب الْكَرِيمَةِ، وَالْفَضَائِلِ الْعَدِيدَةِ، وَتَأْيِيدِهِ بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ، وَالْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَةِ، وَالْكَرَامَاتِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي شَاهَدَهَا مَنْ عَاصَرَهُ «4» ، وَرَآهَا مَنْ أَدْرَكَهُ «5» ، وَعَلِمَهَا عِلْمَ يَقِينٍ «6» مَنْ جاء بعده حتى انتهى علم حقيقة ذَلِكَ إِلَيْنَا، وَفَاضَتْ أَنْوَارُهُ «7» عَلَيْنَا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم «8» .
عَنْ أَنَسٍ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ «2» لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُلْجَمًا «3» مُسْرَجًا «4» فَاسْتَصْعَبَ «5» عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَبِمُحَمَّدٍ تَفْعَلُ هَذَا؟!! فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ ... قَالَ: «6» فَارْفَضَّ «7» عرقا «8» .
الباب الأول في ثناء الله تعالى عليه وإظهاره عظيم قدره لديه
الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَإِظْهَارِهِ عَظِيمَ قَدْرِهِ لَدَيْهِ اعْلَمْ أَنَّ فِي كتاب الله عزّ وجلّ آيات كثيرة مفعمة بجميل ذكر المصطفى وَعَدِّ مَحَاسِنِهِ وَتَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَتَنْوِيهِ قَدْرِهِ اعْتَمَدْنَا مِنْهَا عَلَى مَا ظَهَرَ مَعْنَاهُ وَبَانَ فَحْوَاهُ وَجَمَعْنَا ذَلِكَ فِي: عَشَرَةِ فُصُولٍ
الفصل الأول فيما جاء من ذلك مجيء المدح والثناء وتعداد المحاسن
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِيمَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَجِيءَ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ وَتَعْدَادِ الْمَحَاسِنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ «1» » الْآيَةَ ... قَالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ «2» : وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ «مِنْ أَنْفَسِكُمْ «3» » بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالضَّمِّ.. قَالَ الْقَاضِي أبو الفضل: «4» أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ، أَوِ الْعَرَبَ أَوْ أَهْلَ مَكَّةَ، أَوْ جَمِيعَ النَّاسِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُفَسِّرِينَ، مِنَ الْمُوَاجَهِ بِهَذَا الْخِطَابِ، أَنَّهُ بَعَثَ فيهم رسولا من أنفسهم يعرفونه،
وَيَتَحَقَّقُونَ مَكَانَهُ، وَيَعْلَمُونَ صِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ، فَلَا يَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ وَتَرْكِ النَّصِيحَةِ لَهُمْ لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ لم تكن قبيلة في العرب «1» إِلَّا وَلَهَا عَلَى «2» رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِلَادَةٌ «3» ، أَوْ قَرَابَةٌ «4» .. وَهُوَ «5» عِنْدَ ابن عباس «6» وغيره: معنى قوله تعالى
«إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» «1» وَكَوْنِهِ مَنْ أَشْرَفِهِمْ، وَأَرْفَعِهِمْ، وَأَفْضَلِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ الفتح ... وهذه نِهَايَةُ الْمَدْحِ. ثُمَّ وَصَفَهُ بَعْدُ بِأَوْصَافٍ حَمِيدَةٍ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَحَامِدَ كَثِيرَةٍ، مِنْ حِرْصِهِ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَرُشْدِهِمْ وَإِسْلَامِهِمْ. وَشِدَّةِ مَا يُعْنِتُهُمْ «2» وَيَضُرُّ بِهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَعِزَّتِهِ» عَلَيْهِ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِمُؤْمِنِهِمْ «4» . قَالَ بَعْضُهُمْ «5» : أَعْطَاهُ اسْمَيْنِ مِنْ أسمائه رؤوف رحيم. ومثله في الآية الأخرى «6» «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ «7» » الآية.
وقوله تعالى «1» : «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ «2» » الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: «كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ «3» » الآية.. وروي عَنْ عَلِيٍّ «4» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» في قوله تعالى من أنفسكم قَالَ: «نَسَبًا وَصِهْرًا وَحَسَبًا لَيْسَ فِي آبَائِي مِنْ لَدُنْ آدَمَ سِفَاحٌ، كُلُّهَا نِكَاحٌ «6» » . قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ «7» : كَتَبْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خمسمائة «8» أم فما وجدت
فيهن سفاحا ولا شيئا مما كانت عليه الجاهلية «1» . عن ابن عباس «2» رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ» «3» قَالَ: (من نبي إلى نبي حتى أخرجتك «4» نَبِيًّا) «5» وَقَالَ جَعْفَرُ «6» بْنُ مُحَمَّدٍ: عَلِمَ اللَّهُ تعالى عَجْزَ خَلْقِهِ عَنْ طَاعَتِهِ فَعَرَّفَهُمْ ذَلِكَ لِكَيْ يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَنَالُونَ الصَّفْوَ مِنْ خِدْمَتِهِ، فأقام بينه وبينهم «7» مَخْلُوقًا مِنْ جِنْسِهِمْ فِي الصُّورَةِ، أَلْبَسَهُ مِنْ نَعْتِهِ الرَّأْفَةَ وَالرَّحْمَةَ وَأَخْرَجَهُ إِلَى الْخَلْقِ سَفِيرًا صَادِقًا، وَجَعَلَ طَاعَتَهُ طَاعَتَهُ، وَمُوَافَقَتَهُ مُوَافَقَتَهُ، فَقَالَ تَعَالَى: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ» «8» .
وَقَالَ تَعَالَى «1» : «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» «2» . قال أبو بكر محمد «3» بْنُ طَاهِرٍ «4» : زَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزِينَةِ الرَّحْمَةِ، فَكَانَ كَوْنُهُ رَحْمَةً، وَجَمِيعُ شَمَائِلِهِ وَصِفَاتِهِ رَحْمَةً عَلَى الْخَلْقِ، فَمَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ رَحْمَتِهِ فَهُوَ النَّاجِي فِي الدَّارَيْنِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، وَالْوَاصِلُ فِيهِمَا إِلَى كُلِّ مَحْبُوبٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» فَكَانَتْ حَيَاتُهُ رَحْمَةً وَمَمَاتُهُ رَحْمَةً. كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «5» : «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ، وَمَوْتِي خَيْرٌ لَكُمْ» . وَكَمَا قَالَ «6» عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رحمة بأمة «7»
قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا «1» وَسَلَفًا» . وَقَالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ «2» : «رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» يَعْنِي لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ. وقيل: لِجَمِيعِ الْخَلْقِ. لِلْمُؤْمِنِ رَحْمَةً بِالْهِدَايَةِ وَرَحْمَةً لِلْمُنَافِقِ بِالْأَمَانِ مِنَ الْقَتْلِ وَرَحْمَةً لِلْكَافِرِ بِتَأْخِيرِ الْعَذَابِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «4» : هُوَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ إِذْ عُوفُوا مِمَّا أَصَابَ غَيْرَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ وَحُكِيَ» : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «هَلْ أَصَابَكَ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ شَيْءٌ قَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَخْشَى الْعَاقِبَةَ فَأَمِنْتُ لِثَنَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ بِقَوْلِهِ «ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ، مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ» «6» . وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ «7» بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ فِي قوله تعالى: «فَسَلامٌ
لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ» «1» أَيْ بِكَ..... إِنَّمَا وَقَعَتْ سَلَامَتُهُمْ مِنْ أَجْلِ كَرَامَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ» «2» الْآيَةَ. قَالَ كَعْبُ «3» الْأَحْبَارِ وَابْنُ جُبَيْرٍ «4» : الْمُرَادُ بِالنُّورِ الثَّانِي هُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. وقوله تعالى «مَثَلُ نُورِهِ» أَيْ نُورِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال «5» سهل بن «6» عبد الله: المعنى:
اللَّهُ هَادِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ «1» . ثُمَّ قَالَ «2» : مَثَلُ نُورِ مُحَمَّدٍ إِذْ كَانَ مُسْتَوْدَعًا فِي الأصلاب «كمشكاة «3» » صفتها «4» كذا ... وأراد ب «المصباح» قلبه، و «الزجاجة» صَدْرَهُ ... أَيْ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ «5» دُرِّيٌّ «6» لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ» أي من نور ابراهيم عليه السلام «7» . وَضَرَبَ الْمَثَلَ بِالشَّجَرَةِ الْمُبَارَكَةِ. وَقَوْلُهُ: «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ» أَيْ تَكَادُ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِينُ لِلنَّاسِ قَبْلَ كَلَامِهِ كَهَذَا الزَّيْتِ. وَقَدْ قِيلَ «8» فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا والله أعلم.
وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ نُورًا وَسِرَاجًا مُنِيرًا، فَقَالَ تَعَالَى: «قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ» «1» وَقَالَ تَعَالَى: «إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً» «2» . وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ» «3» إلى آخر السورة «شَرَحَ» وَسَّعَ. وَالْمُرَادُ «بِالصَّدْرِ» هُنَا الْقَلْبُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «5» : شَرَحَهُ «بِنُورِ «6» الْإِسْلَامِ» . وَقَالَ سَهْلٌ «7» : «بِنُورِ الرِّسَالَةِ» . وَقَالَ الْحَسَنُ «8» : «ملأه حكما وعلّما» .
وَقِيلَ مَعْنَاهُ: «أَلَمْ يُطَهِّرْ قَلْبَكَ حَتَّى لَا يَقْبَلَ «1» الْوَسْوَاسَ» «وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ» «2» . قِيلَ: «مَا سَلَفَ مِنْ ذَنْبِكَ- يَعْنِي قَبْلَ النُّبُوَّةِ» -. وَقِيلَ: «أَرَادَ ثِقَلَ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ» . وَقِيلَ: «أَرَادَ مَا أَثْقَلَ ظَهْرَهُ مِنَ الرِّسَالَةِ حَتَّى بَلَّغَهَا» . حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ «3» وَالسُّلَمِيُّ «4» . وَقِيلَ: «عَصَمْنَاكَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَثْقَلَتِ الذُّنُوبُ ظَهْرَكَ» . حَكَاهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ. «5» : «وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ» «6» قال يحيى «7» بن آدم: «بالنبوة» .
وَقِيلَ: «إِذَا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي» فِي قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» وقيل: في الأذان «2» . قال القاضي الفقيه أَبُو الْفَضْلِ: هَذَا تَقْرِيرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَظِيمِ نِعَمِهِ لَدَيْهِ، وَشَرِيفِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ، وَكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ، بِأَنْ شَرَحَ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ وَالْهِدَايَةِ، وَوَسَّعَهُ لِوَعْيِ الْعِلْمِ وَحَمْلِ الْحِكْمَةِ، وَرَفَعَ عَنْهُ ثِقَلَ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَيْهِ، وَبَغَّضَهُ لِسِيَرِهَا وَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ بِظُهُورِ دِينِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَحَطَّ عَنْهُ عُهْدَةَ أَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ لِتَبْلِيغِهِ لِلنَّاسِ مَا نَزَلَ إِلَيْهِمْ، وَتَنْوِيهِهِ بِعَظِيمِ مَكَانِهِ، وَجَلِيلِ رُتْبَتِهِ، وَرِفْعَةِ ذِكْرِهِ وَقِرَانِهِ مَعَ اسْمِهِ اسْمَهُ ... قال قتادة «3» : «رفع الله تعالى ذِكْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَيْسَ خَطِيبٌ وَلَا مُتَشَهِّدٌ وَلَا صَاحِبُ صَلَاةٍ إِلَّا يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله» .
وروى أبو سعيد «1» الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «2» : «أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي وَرَبَّكَ يَقُولُ: تَدْرِي «3» كَيْفَ رَفَعْتُ ذِكْرَكَ؟ .. قُلْتُ «4» : اللَّهُ وَرَسُولُهُ «5» أَعْلَمُ. قَالَ: إِذَا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ مَعِي..» قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ «6» : جَعَلْتُ تَمَامَ الْإِيمَانِ بِذِكْرِكَ مَعِي. «7» » . وَقَالَ «8» أَيْضًا: «جَعَلْتُكَ ذِكْرًا مِنْ ذِكْرِي، فَمَنْ ذَكَرَكَ ذَكَرَنِي» . وَقَالَ جَعْفَرُ «9» بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ: لَا يَذْكُرُكَ أحد بالرسالة إلا
ذَكَرَنِي بِالرُّبُوبِيَّةِ. وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ «1» فِي ذَلِكَ إِلَى مَقَامِ الشَّفَاعَةِ ... وَمِنْ ذِكْرِهِ مَعَهُ تَعَالَى أَنْ قَرَنَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ وَاسْمَهُ بِاسْمِهِ. فَقَالَ تَعَالَى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ» «2» ... و «آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» «3» ... فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِوَاوِ الْعَطْفِ الْمُشْرِكَةِ.. وَلَا يَجُوزُ جَمْعُ هَذَا الْكَلَامِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ صَلَّى الله عليه وسلم.. عَنْ حُذَيْفَةَ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «5» : «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ، وَلَكِنْ، مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ..» قَالَ الْخَطَّابِيُّ «6» : أَرْشَدَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْأَدَبِ فِي تَقْدِيمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مشيئة من سواه، واختارها ب «ثم» الَّتِي هِيَ لِلنَّسَقِ وَالتَّرَاخِي بِخِلَافِ «الْوَاوِ» الَّتِي هي للاشتراك..
وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: «أَنَّ خَطِيبًا «1» خَطَبَ عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا «2» فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ. قُمْ «3» . أَوْ قَالَ: اذْهَبْ» قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ «4» : كَرِهَ مِنْهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ «5» لِمَا فِيهِ مِنَ التسوية.. وذهب غيره إلى أنه إنّما كَرِهَ لَهُ الْوُقُوفَ عَلَى «يَعْصِهِمَا» وَقَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَصَحُّ.. لِمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: «وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى» وَلَمْ يَذْكُرِ الْوُقُوفَ عَلَى يَعْصِهِمَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَصْحَابُ الْمَعَانِي «6» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» «7» هَلْ «يُصَلُّونَ» رَاجِعَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَلَائِكَةِ!! أم لا..
فَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ. وَمَنَعَهُ آخَرُونَ لِعِلَّةِ التَّشْرِيكِ.. وَخَصُّوا الضَّمِيرَ بِالْمَلَائِكَةِ. وَقَدَّرُوا الْآيَةَ «إِنَّ اللَّهَ» يُصَلِّي «وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ» . رُوِيَ «1» عَنْ عُمَرَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ فَضِيلَتِكَ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ جَعَلَ طَاعَتَكَ طَاعَتَهُ «3» ، فَقَالَ تَعَالَى: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «4» .» وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ «5» اللَّهُ» «6» . وَرُوِيَ «7» أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالُوا» : «إِنَّ مُحَمَّدًا يُرِيدُ أَنْ نَتَّخِذَهُ حَنَانًا «9» كَمَا اتخذت النصارى عيسى» .. فأنزل
الله تعالى «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ «1» » .. فَقَرَنَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ رَغْمًا لَهُمْ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي أُمِّ الْكِتَابِ: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ «2» » فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ «3» وَالْحَسَنُ «4» الْبَصْرِيُّ: «الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخِيَارُ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَصْحَابُهُ حَكَاهُ عَنْهُمَا «5» أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ «6» . وَحَكَى مَكِّيٌّ «7» عَنْهُمَا نَحْوَهُ «8» ، وَقَالَ: «هو رسول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا» . وَحَكَى أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ «1» مِثْلَهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قوله تعالى: «صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ «2» » . فَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَسَنَ «3» فَقَالَ: «صَدَقَ وَاللَّهِ وَنَصَحَ» . وحكى الماوردي «4» ذلك في تفسير «صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «5» بْنِ زَيْدٍ. وَحَكَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ «6» السُّلَمِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى: «فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى «7» » إِنَّهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: «الاسلام» وقيل: «شهادة التوحيد»
وَقَالَ سَهْلٌ «1» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها» «2» قَالَ: نِعْمَتُهُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ تَعَالَى: «وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» «3» الآيتين. أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ «الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ» هو محمد صلّى الله عليه وسلم. قال بعضهم: وهو الذي «صدّق به» . وقرىء: «صدق به» بِالتَّخْفِيفِ. وَقَالَ غَيْرُهُمْ «4» : الَّذِي «صَدَّقَ بِهِ» الْمُؤْمِنُونَ. وَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ «5» . وَقِيلَ: عَلِيٌّ. وَقِيلَ غَيْرُ هذا من الأقوال.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ «1» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» «2» قال: بمحمد صلّى الله عليه وسلم وأصحابه «3» .
الفصل الثاني في وصفه تعالى له بالشهادة وما يتعلق بها من الثناء والكرامة
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي وَصْفِهِ تَعَالَى لَهُ بِالشَّهَادَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الثَّنَاءِ وَالْكَرَامَةِ قَالَ الله تَعَالَى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً «1» » .. الآية. جمع الله تعالى له فِي هَذِهِ الْآيَةِ ضُرُوبًا مِنْ رُتَبِ الْأَثَرَةِ «2» ، وَجُمْلَةِ أَوْصَافٍ مِنَ الْمِدْحَةِ فَجَعَلَهُ «شَاهِدًا» عَلَى أُمَّتِهِ لِنَفْسِهِ بِإِبْلَاغِهِمُ الرِّسَالَةَ.. وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. «وَمُبَشِّرًا» لِأَهْلِ طَاعَتِهِ ... «وَنَذِيرًا» لِأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ ... «وَدَاعِيًا» إِلَى تَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ ... «وسراجا منيرا» يهتدى به للحق ...
عن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «1» قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بن عمرو «2» بن العاص «3» فقلت «4» : أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: أَجَلْ «5» ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ في التوراة ببعض صفته في القرآن «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَحِرْزًا» لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ «7» وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا صَخَّابٍ «8» فِي الأسواق، ولا يدافع بالسيئة «9»
السيئة «1» ، ولكن يعفوا وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ. بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَفْتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا ... وَذَكَرَ مِثْلَهُ «2» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ «3» وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ «4» : وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ «5» عَنِ ابْنِ «6» إِسْحَاقَ «7» : وَلَا صَخِبٍ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا مُتَزَيِّنٍ «8» بِالْفُحْشِ، وَلَا قَوَّالٍ لِلْخَنَا «9» ، أُسَدِّدُهُ لكل جميل،
وَأَهَبُ لَهُ كُلَّ خُلُقٍ كَرِيمٍ، وَأَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ، وَالْبِرَّ شِعَارَهُ «1» وَالتَّقْوَى ضَمِيرَهُ «2» ، وَالْحِكْمَةَ مَعْقُولَهُ، وَالصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ، وَالْعَفْوَ وَالْمَعْرُوفَ خُلُقَهُ، وَالْعَدْلَ سِيرَتَهُ، وَالْحَقَّ شَرِيعَتَهُ، وَالْهُدَى إِمَامَهُ «3» وَالْإِسْلَامَ مِلَّتَهُ، وَأَحْمَدَ اسْمَهُ. أَهْدِي بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ، وَأُعَلِّمُ بِهِ بَعْدَ الْجَهَالَةِ وَأَرْفَعُ بِهِ بَعْدَ الْخَمَالَةِ، وَأُسَمِّي بِهِ بَعْدَ النُّكْرَةِ «4» وَأُكَثِّرُ بِهِ بَعْدَ القلة، وأغني به بعد العيلة وَأَجْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، وَأُؤَلِّفُ بِهِ بَيْنَ قلوب مختلفة، وأهواء متشتة، وَأُمَمٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَاجْعَلُ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «5» : أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِفَتِهِ فِي
التَّوْرَاةِ «عَبْدِي أَحْمَدُ الْمُخْتَارُ. مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَمُهَاجَرُهُ بِالْمَدِينَةِ- أَوْ قَالَ طَيْبَةُ- أُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» . وَقَالَ تَعَالَى: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ» «1» الآيتين. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ «2» » الْآيَةَ. قَالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ «3» : ذَكَّرَهُمُ «4» اللَّهُ تَعَالَى مِنَّتَهُ أنه «5» جعل رسوله صلّى الله عليه وسلم رحيما بالمؤمنين، رؤوفا لَيِّنَ الْجَانِبِ؛ وَلَوْ كَانَ فَظًّا خَشِنًا فِي الْقَوْلِ لَتَفَرَّقُوا مِنْ حَوْلِهِ. وَلَكِنْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَمْحًا سَهْلًا طَلْقًا بَرًّا لَطِيفًا. هَكَذَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ «6» . وَقَالَ تَعَالَى: «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ
عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» «1» . قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ «2» : أَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى فَضْلَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضْلَ أُمَّتِهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَفِي قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: «وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» «3» . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ «4» » الآية. وقوله تعالى: «وسطا» أي عدولا «5» خِيَارًا وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ: «6» وَكَمَا هَدَيْنَاكُمْ فَكَذَلِكَ خَصَصْنَاكُمْ وَفَضَّلْنَاكُمْ بِأَنْ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً خِيَارًا عُدُولًا، لتشهدوا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام على أممهم، ويشهد لكم الرسول بالصدق.
قيل: «1» إِنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ إِذَا سَأَلَ الْأَنْبِيَاءَ هَلْ بَلَّغْتُمْ؟! فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَتَقُولُ أُمَمُهُمْ: «مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ» «2» فَتَشْهَدُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَيُزَكِّيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ: إِنَّكُمْ حُجَّةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ خَالَفَكُمْ والرسول صلّى الله عليه وسلم حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ.. حَكَاهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ» . وَقَالَ تَعَالَى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» «4» . قَالَ قَتَادَةُ «5» وَالْحَسَنُ «6» وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ «7» : «قَدَمَ صِدْقٍ» هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشفع لهم «8» .
وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا «1» هِيَ مُصِيبَتُهُمْ بِنَبِيِّهِمْ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ «2» الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هِيَ شَفَاعَةُ نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» . هُوَ شَفِيعُ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «4» التُّسْتَرِيُّ: هِيَ سَابِقَةُ رَحْمَةٍ أودعها فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ «5» بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ إِمَامُ الصَّادِقِينَ وَالصِّدِّيقِينَ الشَّفِيعُ الْمُطَاعُ وَالسَّائِلُ الْمُجَابُ مُحَمَّدٌ صَلَّى الله عليه وسلم.. حكاه عنه السّلمي «6» .
الفصل الثالث في ما ورد من خطابه اياه مورد الملاطفة والمبرة
الفصل الثالث في ما وَرَدَ مِنْ خِطَابِهِ إِيَّاهُ مَوْرِدَ الْمُلَاطَفَةِ وَالْمَبَرَّةِ فمن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «1» » . قَالَ أَبُو «2» مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ «3» : قِيلَ: هَذَا افْتِتَاحُ كَلَامٍ بِمَنْزِلَةِ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، وَأَعَزَّكَ اللَّهُ. وَقَالَ عَوْنُ «4» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَخْبَرَهُ بِالْعَفْوِ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالذَّنْبِ. حَكَى السَّمَرْقَنْدِيُّ «5» عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَعْنَاهُ: عَافَاكَ اللَّهُ يَا سَلِيمَ الْقَلْبِ، لم أذنت لهم.
قَالَ «1» : وَلَوْ بَدَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بقوله «لم أذنت لهم» لَخِيفَ عَلَيْهِ أَنَّ يَنْشَقَّ قَلْبُهُ مِنْ هَيْبَةِ هَذَا الْكَلَامِ. لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ أَخْبَرَهُ بالعفو حتى سكن «2» قلبه. ثم قال: «لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ» بِالتَّخَلُّفِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الصَّادِقُ فِي عُذْرِهِ مِنَ الْكَاذِبِ. وَفِي هَذَا مِنْ عَظِيمِ مُنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ. وَمِنْ إِكْرَامِهِ إِيَّاهُ، وَبِرِّهِ بِهِ مَا يَنْقَطِعُ دُونَ مَعْرِفَةِ غَايَتِهِ نِيَاطُ «3» الْقَلْبِ. قَالَ نِفْطَوَيْهِ «4» : ذَهَبَ نَاسٌ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاتَبٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَحَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ بَلْ كَانَ مُخَيَّرًا، فَلَمَّا أَذِنَ «5» لَهُمْ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ «6» لَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ لَقَعَدُوا لِنِفَاقِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْإِذْنِ لَهُمْ.
قال الفقيه القاضي «1» : يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُجَاهِدِ نَفْسَهُ، الرَّائِضِ «2» بِزِمَامِ الشريعة خلقه، أن يتأدب بآداب الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَمُعَاطَاتِهِ وَمُحَاوَرَاتِهِ، فَهُوَ عُنْصُرُ «3» الْمَعَارِفِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَرَوْضَةُ الْآدَابِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَلِيَتَأَمَّلَ هَذِهِ الْمُلَاطَفَةَ الْعَجِيبَةَ فِي السُّؤَالِ مِنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ الْمُنْعِمِ عَلَى الْكُلِّ، الْمُسْتَغْنِي عَنِ الجميع، ويستثير «4» مَا فِيهَا مِنَ الْفَوَائِدِ، وَكَيْفَ ابْتَدَأَ بِالْإِكْرَامِ قَبْلَ الْعَتْبِ، وَآنَسَ بِالْعَفْوِ قَبْلَ ذِكْرِ الذَّنْبِ- إِنْ كَانَ ثَمَّ ذَنْبٌ- وَقَالَ تَعَالَى: «وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا «5» » . قال بعض المتكلمين «6» : عاتب الله الأنبياء صلوات الله عليهم بَعْدَ الزَّلَّاتِ وَعَاتَبَ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وُقُوعِهِ لِيَكُونَ بِذَلِكَ أَشَدَّ انْتِهَاءً ومحافظة لشرائط «7» المحبة. وهذه غاية العناية.
ثُمَّ انْظُرْ كَيْفَ بَدَأَ بِثَبَاتِهِ وَسَلَامَتِهِ قَبْلَ ذِكْرِ مَا عَتَبَهُ عَلَيْهِ، وَخِيفَ أَنْ يَرْكَنَ إِلَيْهِ. فَفِي أَثْنَاءِ عَتْبِهِ بَرَاءَتُهُ، وَفِي طَيِّ تَخْوِيفِهِ تَأْمِينُهُ وَكَرَامَتُهُ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ «1» » الْآيَةَ قَالَ عَلِيٌّ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» : قَالَ أَبُو جَهْلٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَا نُكَذِّبُكَ وَلَكِنْ نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ ... فَأَنْزَلَ «4» اللَّهُ تَعَالَى «فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ» الْآيَةَ. وَرُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَذَّبَهُ «5» قَوْمُهُ حَزِنَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: مَا يُحْزِنُكَ؟! قَالَ: كَذَّبَنِي قَوْمِي. فَقَالَ: إِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّكَ صَادِقٌ. فَأَنْزَلَ الله تعالى الآية» «6»
فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَنْزَعٌ «1» لَطِيفُ الْمَأْخَذِ مِنْ تَسْلِيَتِهِ تَعَالَى لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلْطَافِهِ فِي الْقَوْلِ بِأَنْ قَرَّرَ عِنْدَهُ أَنَّهُ صَادِقٌ عِنْدَهُمْ، وَأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَذِّبِينَ لَهُ، مُعْتَرِفُونَ بِصِدْقِهِ قَوْلًا وَاعْتِقَادًا. وَقَدْ كَانُوا يُسَمُّونَهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ «الْأَمِينَ» . فَدَفَعَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ «2» ارْتِمَاضَ «3» نَفْسِهِ بِسِمَةِ الْكَذِبِ ثُمَّ جَعَلَ الذَّمَّ لَهُمْ بِتَسْمِيَتِهِمْ «جَاحِدِينَ» «ظَالِمِينَ» . فَقَالَ تَعَالَى: «وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» «4» وحاشاه «5» من الوصم. وطوقهم بِالْمُعَانَدَةِ بِتَكْذِيبِ الْآيَاتِ حَقِيقَةُ الظُّلْمِ. إِذِ الْجَحْدُ إِنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ عَلِمَ الشَّيْءَ ثُمَّ أَنْكَرَهُ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا» «6» ثُمَّ عَزَّاهُ وَآنَسَهُ بِمَا ذَكَرَهُ عَمَّنْ قَبْلَهُ ووعده بالنصر.
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» «1» الْآيَةَ فَمَنْ قَرَأَ «2» «لَا يُكَذِّبُونَكَ» بِالتَّخْفِيفِ. فَمَعْنَاهُ لَا يَجِدُونَكَ كَاذِبًا.. وَقَالَ الْفَرَّاءُ «3» وَالْكِسَائِيُّ «4» : لَا يَقُولُونَ إِنَّكَ كَاذِبٌ. وَقِيلَ: لَا يَحْتَجُّونَ عَلَى كَذِبِكَ وَلَا يُثْبِتُونَهُ. وَمَنْ قَرَأَ «5» بِالتَّشْدِيدِ. فَمَعْنَاهُ لَا يَنْسِبُونَكَ إِلَى الْكَذِبِ. وَقِيلَ: لَا يَعْتَقِدُونَ كَذِبَكَ. وَمِمَّا ذُكِرَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَبِرِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ. أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ جَمِيعَ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم.
فقال: يَا آدَمُ «1» - يَا نُوحُ «2» - يَا إِبْرَاهِيمُ «3» - يَا موسى «4» - يا داوود «5» - يَا عِيسَى «6» - يَا زَكَرِيَّا «7» - يَا يَحْيَى «8» . وَلَمْ يُخَاطِبْ هُوَ إِلَّا: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ «9» يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ «10» يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ «11» يَا أَيُّهَا المدثر «12» .
الفصل الرابع في قسمه تعالى بعظيم قدره
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ قال تعالى: «لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ «1» » اتَّفَقَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي هَذَا أَنَّهُ قَسَمٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ بِمُدَّةِ حَيَاةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَصْلُهُ، ضَمُّ الْعَيْنِ مِنَ الْعُمْرِ وَلَكِنَّهَا فُتِحَتْ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ. وَمَعْنَاهُ «2» : وَبَقَائِكَ يَا مُحَمَّدُ وَقِيلَ «3» : وَعَيْشِكَ وَقِيلَ: وَحَيَاتِكَ وهذه نهاية التعظيم وغاية البر والتشريف.
قال «1» ابن عباس «2» : مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا ذَرَأَ» وَمَا بَرَأَ «4» نَفْسًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو الْجَوْزَاءِ «5» : مَا أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِحَيَاةِ أَحَدٍ غَيْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَكْرَمُ الْبَرِيَّةِ عِنْدَهُ. وَقَالَ تَعَالَى: «يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ» «6» الآيات. اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ: فِي مَعْنَى «يس» عَلَى أَقْوَالٍ. فَحَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ «7» : أَنَّهُ رُوِيَ «8» عَنِ النبي صلّى الله عليه وسلم:
أَنَّهُ قَالَ: «لِي عِنْدَ رَبِّي عَشَرَةُ أَسْمَاءَ «1» » ذكر «2» منها أن «طه» وَ «يس» اسْمَانِ لَهُ «3» . وَحَكَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ «4» عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ «5» : أَنَّهُ أَرَادَ يَا سَيِّدُ مُخَاطَبَةً لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «6» : «يس» يَا إِنْسَانُ.. أَرَادَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ «7» : هُوَ قَسَمٌ.. وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الزَّجَّاجُ «8» : قِيلَ: مَعْنَاهُ: يَا مُحَمَّدُ. وقيل: يا رجل «9»
وَقِيلَ: يَا إِنْسَانُ «1» وَعَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ «2» : «يس» يَا مُحَمَّدُ «3» وَعَنْ كَعْبٍ «4» : «يس» قَسَمٌ أَقَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ «5» ... يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين ثم قال تعالى: «وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ» «6» - فَإِنْ قُدِّرَ «7» أَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّ فِيهِ أَنَّهُ قَسَمٌ كَانَ فيه من
التَّعْظِيمِ مَا تَقَدَّمَ وَيُؤَكِّدُ فِيهِ الْقَسَمَ عَطْفُ الْقَسَمِ الْآخَرِ عَلَيْهِ. - وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى النِّدَاءِ فَقَدْ جَاءَ قَسَمٌ آخَرُ بَعْدَهُ لِتَحْقِيقِ رِسَالَتِهِ وَالشَّهَادَةِ بِهِدَايَتِهِ أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِاسْمِهِ وَكِتَابِهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ بِوَحْيِهِ إِلَى عِبَادِهِ، وَعَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ مِنْ إِيمَانِهِ، أَيْ طَرِيقٍ لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ، وَلَا عُدُولَ عَنِ الْحَقِّ. قَالَ النَّقَّاشُ «1» : لَمْ يُقْسِمِ اللَّهُ تَعَالَى لِأَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَائِهِ بِالرِّسَالَةِ فِي كِتَابِهِ إِلَّا لَهُ. وَفِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ وَتَمْجِيدِهِ عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَا سَيِّدُ، مَا فِيهِ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدم ولا فخر» «2» .
وقال تَعَالَى: «لَا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ» . «1» «لَا أُقْسِمُ» بِهِ إِذَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ بَعْدَ خُرُوجِكَ مِنْهُ. حَكَاهُ مَكِّيٌّ «2» . وَقِيلَ: «لَا» زَائِدَةٌ. أَيْ أُقْسِمُ بِهِ وَأَنْتَ بِهِ يَا محمد «حلال» أَوْ «حِلٌّ» لَكَ مَا فَعَلْتَ فِيهِ. عَلَى التفسيرين. والمراد ب «البلد» عِنْدَ هَؤُلَاءِ مَكَّةَ «3» . وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ «4» : أَيْ نَحْلِفُ لَكَ بِهَذَا الْبَلَدِ الَّذِي شَرَّفْتَهُ بِمَكَانِكَ فِيهِ حَيًّا وَبِبَرَكَتِكَ مَيِّتًا، يَعْنِي الْمَدِينَةَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَمَا بَعْدَهُ يُصَحِّحُهُ قَوْلُهُ تعالى «حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ» . وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ عَطَاءٍ «5» فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى: «وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ» «6» .
قَالَ: أَمَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِمَقَامِهِ فِيهَا وَكَوْنِهِ بِهَا. فَإِنَّ كَوْنَهُ أَمَانٌ حَيْثُ كَانَ. ثُمَّ قال تعالى: «وَوالِدٍ وَما وَلَدَ» «1» . من قَالَ «2» : أَرَادَ آدَمَ، فَهُوَ عَامٌّ. وَمَنْ قَالَ: هو إبراهيم. «وَما وَلَدَ» فهي- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- إِشَارَةً إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَضَمَّنُ السُّورَةُ الْقَسَمَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْضِعَيْنِ. وَقَالَ تَعَالَى: «الم ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ» .» قَالَ «4» ابْنُ عَبَّاسٍ «5» : هَذِهِ الْحُرُوفُ أَقْسَامٌ أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا «6» وَعَنْهُ «7» وَعَنْ غَيْرِهِ: فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَالَ سَهْلُ «8» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التستري: «الألف» هو الله تعالى «9»
«وَاللَّامُ» جِبْرِيلُ. «وَالْمِيمُ» مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ السَّمَرْقَنْدِيُّ «1» : وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى سَهْلٍ، وَجَعَلَ «2» مَعْنَاهُ: اللَّهُ أَنْزَلَ جِبْرِيلَ عَلَى مُحَمَّدٍ بِهَذَا الْقُرْآنِ لَا رَيْبَ فِيهِ. - وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ «3» يَحْتَمِلُ الْقَسَمُ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ، ثُمَّ فِيهِ مِنْ فَضِيلَةِ قِرَانِ اسْمِهِ بِاسْمِهِ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ «4» : فِي قوله تعالى «ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ «5» » . أَقْسَمَ بِقُوَّةِ قَلْبِ حَبِيبِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ حَمَلَ الْخِطَابَ وَالْمُشَاهَدَةَ وَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِيهِ لِعُلُوِّ حَالِهِ. وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِلْقُرْآنِ. وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وقيل «6» : جبل محيط بالأرض.
وَقِيلَ: غَيْرُ هَذَا. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ «1» في تفسير «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى» : إنه محمد صلى الله عليه وسلم. وقال: «النَّجْمُ» قَلْبُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «هَوَى» انْشَرَحَ مِنَ الْأَنْوَارِ. وَقَالَ: انْقَطَعَ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ «2» فِي قَوْلِهِ تعالى: «وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ» : الْفَجْرُ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ منه تفجّر الإيمان.
الفصل الخامس في قسمه - تعالى جده - له لتحقق مكانته عنده
الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي قَسْمِهِ- تَعَالَى جَدَّهُ- لَهُ لتحقق مكانته عنده قال تعالى: «وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى» «1» - السُّورَةُ- اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ. فَقِيلَ: كَانَ تَرْكُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيَامَ اللَّيْلِ لِعُذْرٍ نَزَلَ بِهِ، فَتَكَلَّمَتِ امْرَأَةٌ فِي ذَلِكَ بِكَلَامٍ «2» . وَقِيلَ «3» : بَلْ تَكَلَّمَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عِنْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ. فَنَزَلَتِ السُّورَةُ «4» . قال الفقيه القاضي «5» : تضمنت هذه السورة من كرامة الله
تَعَالَى لَهُ، وَتَنْوِيهِهِ «1» بِهِ، وَتَعْظِيمِهِ إِيَّاهُ سِتَّةَ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: الْقَسَمُ لَهُ عَمَّا أَخْبَرَهُ بِهِ مِنْ حَالِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى» أَيْ وَرَبِّ الضُّحَى. وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ دَرَجَاتِ الْمَبَرَّةِ. الثَّانِي: بَيَانُ مَكَانَتِهِ عِنْدَهُ وَحُظْوَتِهِ لَدَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» «2» أَيْ مَا تَرَكَكَ وَمَا أَبْغَضَكَ. وَقِيلَ: مَا أَهْمَلَكَ بَعْدَ أَنِ اصْطَفَاكَ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى» «3» قال ابن اسحق «4» : أَيْ مَآلُكَ «5» فِي مَرْجِعِكَ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِمَّا أَعْطَاكَ مِنْ كَرَامَةِ الدُّنْيَا. وَقَالَ سَهْلٌ «6» : أي ما ادَّخَرْتُ لَكَ مِنَ الشَّفَاعَةِ وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ خَيْرٌ لك مما أعطيتك في الدنيا.
الرَّابِعُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» «1» وَهَذِهِ آيَةٌ جَامِعَةٌ لِوُجُوهِ الْكَرَامَةِ، وَأَنْوَاعِ السَّعَادَةِ، وَشَتَاتِ الْإِنْعَامِ فِي الدَّارَيْنِ وَالزِّيَادَةِ. قَالَ ابْنُ اسحق «2» : يُرْضِيهِ بِالْفَلَجِ «3» فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ «4» : يُعْطِيهِ الْحَوْضَ وَالشَّفَاعَةَ. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ آلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: ليس فِي الْقُرْآنِ أَرْجَى مِنْهَا، وَلَا يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْخُلَ أحد من أمته النار «5» . الخامس: ما عدّ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ نِعَمِهِ، وَقَرَّرَهُ مِنْ آلَائِهِ، «6» قَبْلَهُ فِي بَقِيَّةِ السُّورَةِ مِنْ هِدَايَتِهِ إِلَى مَا هَدَاهُ لَهُ، أَوْ هِدَايَةِ النَّاسِ بِهِ عَلَى اخْتِلَافِ التَّفَاسِيرِ، وَلَا مَالَ لَهُ، فَأَغْنَاهُ بِمَا آتَاهُ، أَوْ بِمَا جَعَلَهُ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْقَنَاعَةِ وَالْغِنَى، وَيَتِيمًا فَحَدَبَ» عَلَيْهِ عَمُّهُ وآواه إليه.
وَقِيلَ: آوَاهُ إِلَى اللَّهِ «1» . وَقِيلَ: «يَتِيمًا» لَا مِثَالَ لَكَ فَآوَاكَ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَلَمْ يَجِدْكَ فَهَدَى بِكَ ضَالًّا، وَأَغْنَى بِكَ عَائِلًا، وَآوَى بِكَ يَتِيمًا، ذَكَّرَهُ بِهَذِهِ الْمِنَنِ، وَأَنَّهُ على المعلوم من التفاسير لَمْ يُهْمِلْهُ فِي حَالِ صِغَرِهِ، وَعَيْلَتِهِ، وَيُتْمِهِ، وَقَبْلَ مَعْرِفَتِهِ بِهِ، وَلَا وَدَّعَهُ وَلَا قَلَاهُ، فَكَيْفَ بَعْدَ اخْتِصَاصِهِ وَاصْطِفَائِهِ. السَّادِسُ: أَمَرَهُ بِإِظْهَارِ نعمته عليه، وشكر ما شرفه به بِنَشْرِهِ، وَإِشَادَةِ ذِكْرِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» «2» ، فَإِنَّ مِنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ التَّحَدُّثَ بِهَا «3» . وَهَذَا خَاصٌّ لَهُ، عَامٌّ لِأُمَّتِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى» «4» إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى» «5» .
اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَالنَّجْمِ» بِأَقَاوِيلَ مَعْرُوفَةٍ. مِنْهَا: النَّجْمُ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَمِنْهَا: الْقُرْآنُ. وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ «1» : أَنَّهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ: هُوَ قَلْبُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ، وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ، النَّجْمُ الثَّاقِبُ» «2» . إِنَّ «النَّجْمَ» هُنَا أَيْضًا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَاهُ السُّلَمِيُّ «3» . تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ فَضْلِهِ، وَشَرَفِهِ، الْعِدِّ مَا يَقِفُ دُونَهُ الْعَدُّ «4» . وَأَقْسَمَ جَلَّ اسْمُهُ عَلَى هِدَايَةِ الْمُصْطَفَى، وَتَنْزِيهِهِ عَنِ الْهَوَى، وَصِدْقِهِ فِيمَا تَلَا، وَأَنَّهُ وحي يوحى، أو صله إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ جِبْرِيلُ، وَهُوَ الشَّدِيدُ الْقُوَى، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ فَضِيلَتِهِ بِقِصَّةِ الْإِسْرَاءِ، وَانْتِهَائِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَتَصْدِيقِ بَصَرِهِ فِيمَا رَأَى، وَأَنَّهُ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى.
وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي أَوَّلِ سورة الإسراء، ولما كان ما كاشفه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَرُوتِ «1» ، وشاهد مِنْ عَجَائِبِ الْمَلَكُوتِ «2» ، لَا تُحِيطُ بِهِ الْعِبَارَاتُ، وَلَا تَسْتَقِلُّ «3» بِحَمْلِ سَمَاعِ أَدْنَاهُ الْعُقُولُ، رَمَزَ عَنْهُ تَعَالَى بِالْإِيمَاءِ، وَالْكِنَايَةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْظِيمِ. فَقَالَ تَعَالَى: «فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى» «4» . وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْكَلَامِ يُسَمِّيهِ أَهْلُ النَّقْدِ وَالْبَلَاغَةِ «بِالْوَحْيِ وَالْإِشَارَةِ» ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَبْلَغُ أَبْوَابِ الْإِيجَازِ. وَقَالَ: «لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى» «5» . انحسرات الْأَفْهَامُ عَنْ تَفْصِيلِ مَا أَوْحَى، وَتَاهَتِ الْأَحْلَامُ فِي تَعْيِينِ تِلْكَ الْآيَاتِ الْكُبْرَى. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ: «6» اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ عَلَى إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَزْكِيَةِ جُمْلَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِصْمَتِهَا مِنَ الْآفَاتِ فِي هَذَا الْمَسْرَى.
فَزَكَّى فُؤَادَهُ، وَلِسَانَهُ، وَجَوَارِحَهُ. - فَقَلْبَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى» «1» . - وَلِسَانَهُ بِقَوْلِهِ: «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى» «2» . - وَبَصَرَهُ بِقَوْلِهِ: «مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى» «3» . وقال تعالى: فلا أقسم بالخنّس، الجوار الكنّس» «4» إِلَى قَوْلِهِ: «وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ» «5» . «لَا أُقْسِمُ» أَيْ أُقْسِمُ. «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ» «6» أَيْ كِرِيمٍ عِنْدَ مُرْسِلِهِ. «ذِي قُوَّةٍ» عَلَى تَبْلِيغِ مَا حَمَلَهُ مِنَ الْوَحْيِ. «مَكِينٍ» أي متمكن المنزلة عند ربه «7» ، رفيع المحل عنده.
«مُطاعٍ ثَمَّ» «1» أَيْ فِي السَّمَاءِ. «أَمِينٌ» عَلَى الْوَحْيِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى وَغَيْرُهُ «2» : الرَّسُولُ هنا محمد صلّى الله عليه وسلم فجمع الْأَوْصَافِ بَعْدُ- عَلَى هَذَا- لَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ «3» : هُوَ جِبْرِيلُ، فَتَرْجِعُ الْأَوْصَافُ إِلَيْهِ. «وَلَقَدْ رَآهُ» يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ «4» : رَأَى رَبَّهُ. وَقِيلَ: رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ. «وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ» «5» أَيْ بِمُتَّهَمٍ. وَمَنْ قَرَأَهَا «6» بِالضَّادِ فَمَعْنَاهُ: مَا هو ببخيل بالدعاء به والتذكير
بِحُكْمِهِ وَبِعِلْمِهِ، وَهَذِهِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم باتفاق. وقال تعالى: «ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ» «1» الْآيَاتِ أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا أَقْسَمَ بِهِ من عظيم قسمه، من تَنْزِيهِ الْمُصْطَفَى مِمَّا غَمَصَتْهُ «2» الْكَفَرَةُ، بِهِ وَتَكْذِيبِهِمْ لَهُ، وَأُنْسِهِ وَبَسْطِ أَمَلِهِ بِقَوْلِهِ مُحْسِنًا خِطَابَهُ: «ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ» «3» . وَهَذِهِ نِهَايَةُ الْمَبَرَّةِ فِي الْمُخَاطَبَةِ، وَأَعْلَى دَرَجَاتِ الآداب في المحاورة. ثم أعلمه بماله عِنْدَهُ مِنْ نَعِيمٍ دَائِمٍ، وَثَوَابٍ غَيْرِ مُنْقَطِعٍ، لَا يَأْخُذُهُ عَدٌّ، وَلَا يَمُنُّ بِهِ عَلَيْهِ. فقال: «وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ» » . ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا مَنَحَهُ مِنْ هِبَاتِهِ، وَهَدَاهُ إِلَيْهِ وأكّد ذلك تتميما للتمجيد بحرفي التأكيد. فقال تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» «5» .
قِيلَ: الْقُرْآنُ «1» . وَقِيلَ: الْإِسْلَامُ «2» . وَقِيلَ: الطَّبْعُ الْكَرِيمُ «3» . وَقِيلَ: لَيْسَ لَكَ هِمَّةٌ إِلَّا اللَّهُ «4» . قَالَ الْوَاسِطِيُّ «5» : أَثْنَى عَلَيْهِ بِحُسْنِ قَبُولِهِ، لِمَا أَسْدَاهُ إِلَيْهِ مِنْ نِعَمِهِ وَفَضَّلَهُ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ جَبَلَهُ عَلَى ذَلِكَ «6» الْخُلُقِ. فَسُبْحَانَ اللَّطِيفِ الْمُحْسِنِ، الْجَوَادِ الْحَمِيدِ، الَّذِي يَسَّرَ لِلْخَيْرِ وَهَدَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَى فَاعِلِهِ، وَجَازَاهُ عَلَيْهِ. سُبْحَانَهُ مَا أَغْمَرَ «7» نَوَالَهُ، وَأَوْسَعَ إِفْضَالَهُ. - ثُمَّ سَلَاهُ عَنْ قَوْلِهِمْ بَعْدَ هَذَا بِمَا وَعَدَهُ به من عقابهم وتوعدهم.
بقوله: «فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ» «1» الآيات الثلاث. - ثُمَّ عَطَفَ بَعْدَ مَدْحِهِ عَلَى ذَمِّ عَدُوِّهِ «2» ، وذكر سُوءَ خُلُقِهِ، وَعَدِّ مَعَايِبِهِ، مُتَوَلِّيًا ذَلِكَ بِفَضْلِهِ، ومنتصرا لنبيه صلّى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ بِضْعَ عَشْرَةَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الذَّمِّ فيه. بقوله تعالى: «فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ» «3» إلى قوله: «أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» «4» .. - ثم ختم ذلك بالوعيد الصادق بتمام شقائه، وخاتمة بواره «5» . بقوله تعالى: «سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ» «6» . فَكَانَتْ نُصْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ أَتَمَّ مِنْ نُصْرَتِهِ لِنَفْسِهِ، وَرَدُّهُ تَعَالَى عَلَى عَدُوِّهِ أَبْلَغُ من رده، وأثبت في ديوان مجده.
الفصل السادس في ما ورد من قوله تعالى في جهته صلى الله عليه وسلم مورد الشفقة والإكرام
الفصل السّادس في ما وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي جِهَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْرِدَ الشَّفَقَةِ وَالْإِكْرَامِ قَالَ تَعَالَى: «طه مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى» «1» . قِيلَ: «طه» اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم «2» . وقيل: هو اسم لله «3» . وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَا رَجُلُ «4» . وَقِيلَ: يَا إِنْسَانُ. وقيل: هى حروف مقطعة لمعان. قال الواسطي «5» : أراد يا طاهر يا هادي.
وَقِيلَ: هُوَ أَمْرٌ مِنَ الْوَطْءِ، وَالْهَاءُ كِنَايَةٌ عَنِ الْأَرْضِ أَيِ اعْتَمِدْ عَلَى الْأَرْضِ بِقَدَمَيْكَ، ولا تتعب نفسك بالاعتماد على قدم واحدة. وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى» «1» نَزَلَتِ الْآيَةُ فِيمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَكَلَّفُهُ مِنَ السَّهَرِ وَالتَّعَبِ وَقِيَامِ الليل. عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ «2» قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ عَلَى رِجْلٍ وَرَفَعَ الْأُخْرَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى طه، يَعْنِي طَأِ الْأَرْضَ يَا مُحَمَّدُ: «مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى» الآية «3» وَلَا خَفَاءَ بِمَا فِي هَذَا كُلِّهِ مِنَ الْإِكْرَامِ، وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ. - وَإِنْ جَعَلْنَا «طه» مِنْ أَسْمَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قِيلَ أَوْ جُعِلَتْ قَسَمًا لِحَقِّ الْفَصْلِ بِمَا قَبْلَهُ، ومثل هذا من نمط «4» الشفقة والمبرة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً» «1» . أَيْ قَاتِلٌ نَفْسَكَ لِذَلِكَ غَضَبًا، أَوْ غَيْظًا، أو جزعا. ومثله قوله تعالى: «لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ «2» » ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ» «3» . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ «4» » إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ «5» » إلى آخر السورة. وقوله: «وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ «6» » الآية. قال مكي «7» : سلّاه تعالى بما ذكر، وهوّن عليه ما يلقاه «8»
مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ» مَنْ تَمَادَى عَلَى ذَلِكَ يَحِلُّ بِهِ مَا حَلَّ بِمَنْ قَبْلَهُ، وَمِثْلُ هَذِهِ التَّسْلِيَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» «2» وَمِنْ هَذَا، قَوْلُهُ تَعَالَى: «كَذلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ» «3» . - عَزَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَمَقَالَتِهَا «4» لِأَنْبِيَائِهِمْ قَبْلَهُ، وَمِحْنَتِهِمْ بِهِمْ. - وسلّاه بذلك عن مِحْنَتِهِ بِمِثْلِهِ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ أَوَّلُ مَنْ لَقِيَ ذَلِكَ. - ثُمَّ طَيَّبَ نَفْسَهُ، وأبان عذره، بقوله تعالى: «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ» «5» أي أعرض عنهم «فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ» «6» أي في أداء ما بلّغت،
وَإِبْلَاغِ مَا حَمَلْتَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا» «1» أَيِ: اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ، فَإِنَّكَ بِحَيْثُ نَرَاكَ وَنَحْفَظُكَ، سَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا فِي آيٍ كثيرة من هذا المعنى..
الفصل السابع في ما أخبر الله تعالى به في كتابه العزيز من عظيم قدره وشريف منزلته على الأنبياء وحظوة رتبته عليهم
الفصل السّابع في ما أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ وَشَرِيفِ مَنْزِلَتِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَحُظْوَةِ رُتْبَتِهِ عَلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «1» : «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ» إلى قوله «مِنَ الشَّاهِدِينَ» «2» . قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيِّ «3» : اسْتَخَصَّ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلٍ لَمْ يُؤْتِهِ غَيْرَهُ، أَبَانَهُ «4» بِهِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَخَذَ اللَّهُ الميثاق بالوحي، فلم يبعث، نبيا إلا
ذَكَرَ لَهُ مُحَمَّدًا وَنَعَتَهُ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ مِيثَاقَهُ إِنْ أَدْرَكَهُ لِيُؤْمِنَنَّ بِهِ. وَقِيلَ: أَنْ يُبَيِّنَهُ لِقَوْمِهِ، وَيَأْخُذَ مِيثَاقَهُمْ أَنْ يُبَيِّنُوهُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ. وَقَوْلُهُ: «ثُمَّ جاءَكُمْ» ، الْخِطَابُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ الْمُعَاصِرِينَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ «1» عَلِيُّ بْنُ «2» أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا مِنْ آدَمَ فَمَنْ بَعْدَهُ، إِلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَئِنْ بُعِثَ وَهُوَ حَيٌّ لِيُؤْمِنَنَّ بِهِ، وَلِيَنْصُرَنَّهُ، وَيَأْخُذَ الْعَهْدَ بِذَلِكَ عَلَى قومه. وعن السدّيّ «3» وقتادة «4» : نحوه فِي آيٍ تَضَمَّنَتْ فَضْلَهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ واحد. قال تَعَالَى: «وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ» «5» الآية.
وَقَالَ تَعَالَى: «إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ ... » «1» إلى قوله «شهيدا» «2» . روي «3» عن عمر بن الخطاب «4» أَنَّهُ قَالَ فِي كَلَامٍ بَكَى «5» بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ بَلَغَ مِنْ فَضِيلَتِكَ عِنْدَ اللَّهِ. أَنْ بَعَثَكَ آخِرَ الْأَنْبِيَاءِ، وذكرك في أو لهم، فَقَالَ: «وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ» «6» الآية.
- بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ بَلَغَ مِنْ فَضِيلَتِكَ عِنْدَهُ، أَنَّ أَهْلَ النَّارِ يَوَدُّونَ أَنْ يَكُونُوا أَطَاعُوكَ، وَهُمْ بَيْنَ أَطْبَاقِهَا يعذبون، يقولون: «يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا» «1» . قَالَ «2» قَتَادَةُ «3» : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُنْتُ أَوَّلَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ» ، فَلِذَلِكَ وَقَعَ ذِكْرُهُ مُقَدَّمًا هُنَا قَبْلَ نُوحٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ «4» : فِي هَذَا تَفْضِيلُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتخصيصه بالذكر قبلهم، وهو آخرهم بعثا «5» . الْمَعْنَى: أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ إِذْ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ كَالذَّرِّ «6» . وَقَالَ تَعَالَى: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ» .. الآية.
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ «وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ «1» » مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ بُعِثَ إِلَى الْأَحْمَرِ «2» وَالْأَسْوَدِ «3» ، وَأُحِلَّتْ لَهُ الْغَنَائِمُ، وَظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ الْمُعْجِزَاتُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أُعْطِيَ فَضِيلَةً، أَوْ كَرَامَةً إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِنْ فَضْلِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ الْأَنْبِيَاءَ بِأَسْمَائِهِمْ وَخَاطَبَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ فِي كتابه، فقال: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ» «4» و «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ» » . وَحَكَى السَّمَرْقَنْدِيُّ «6» عَنِ الْكَلْبِيِّ «7» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ» «8» ، إِنَّ الْهَاءَ عَائِدَةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... أَيْ: إِنَّ مِنْ شِيعَةِ مُحَمَّدٍ لإبراهيم، أي على دينه ومنهاجه.
وَأَجَازَهُ «1» الْفَرَّاءُ «2» ، وَحَكَاهُ عَنْهُ مَكِّيٌّ «3» . وَقِيلَ «4» : الْمُرَادُ نوح عليه السلام.
الفصل الثامن في إعلام الله تعالى خلقه بصلاته عليه وولايته له ورفعه العذاب بسببه
الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ وَوِلَايَتِهِ لَهُ وَرَفْعِهِ الْعَذَابَ بِسَبَبِهِ قال الله تَعَالَى: «وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» «1» : أَيْ مَا كُنْتَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ وَبَقِيَ فيها من بقي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ نَزَلَ: «وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» «2» وهذا مثل قوله: «لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا» «3» الآية. وقوله تعالى: «وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ» «4» الآية.
فَلَمَّا هَاجَرَ الْمُؤْمِنُونَ نَزَلَتْ: «وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ» «1» . وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ مَا يُظْهِرُ مَكَانَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَرْأَتِهِ «2» الْعَذَابَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِسَبَبِ كَوْنِهِ ثُمَّ كَوْنِ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَلَمَّا خَلَتْ مَكَّةُ مِنْهُمْ عَذَّبَهُمُ اللَّهُ «3» بِتَسْلِيطِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ، وَغَلَبَتِهِمْ إِيَّاهُمْ، وَحَكَّمَ فيهم سيوفهم، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم. وفي الآية أيضا تأويل آخر: عن أبي موسى «4» قَالَ «5» : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَمَانَيْنِ لِأُمَّتِي: «وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» .. فاذا مضيت تركت فيكم الاستغفار» .
وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» «1» . قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَمَانٌ لِأَصْحَابِي» «2» .. قِيلَ: مِنَ الْبِدَعِ. وَقِيلَ: مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالْفِتَنِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْأَمَانُ الْأَعْظَمُ مَا عَاشَ. وَمَا دَامَتْ سُنَّتُهُ بَاقِيَةً فَهُوَ بَاقٍ، فَإِذَا أُمِيتَتْ سُنَّتُهُ فانتظروا الْبَلَاءَ وَالْفِتَنَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» «3» الْآيَةَ. أَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى فَضْلَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ بِصَلَاةِ ملائكته. وأمر عباده بالصلاة والتسليم عليه. وحكى أَبُو بَكْرِ «4» بْنُ فُورَكٍ: أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ تأول قوله
قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» عَلَى هَذَا، أَيْ: فِي صَلَاةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَأَمْرِهِ الْأُمَّةَ بِذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. «1» «وَالصَّلَاةُ» مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمِنَّا لَهُ دُعَاءٌ، وَمِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَحْمَةٌ. وَقِيلَ: «يُصَلُّونَ» يُبَارِكُونَ، وَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَلِمَ الصَّلَاةَ عليه بين لفظ «الصلاة» و «البركة» . وَسَنَذْكُرُ حُكْمَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. وَذِكْرَ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ «2» في تفسير حروف «كهيعص» «3» أَنَّ «الْكَافَ» مِنْ كَافٍ، أَيْ كِفَايَةِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ قَالَ تَعَالَى: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ» «4» .. «وَالْهَاءَ» هِدَايَتُهُ لَهُ، قَالَ: «وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً» «5» .
«والياء» تأييده، قال: «أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ» «1» . «وَالْعَيْنَ» عِصْمَتُهُ لَهُ، قَالَ: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» «2» . «وَالصَّادَ» صَلَاتُهُ عَلَيْهِ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» «3» . وَقَالَ تَعَالَى: «وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ» «4» أَيْ وَلِيُّهُ. «وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» . قِيلَ: الْأَنْبِيَاءُ. وَقِيلَ: الْمَلَائِكَةُ. وَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَقِيلَ: علي، رضي الله عنهم أجمعين. وقيل: المؤمنون ... على ظاهره.
الفصل التاسع في ما تضمنته سورة الفتح من كراماته صلى الله عليه وسلم
الفصل التاسع في ما تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كَرَامَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً» «1» إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» «2» . تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ فَضْلِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَكَرِيمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَنِعْمَتِهِ لَدَيْهِ، ما يقصد الْوَصْفُ عَنْ الِانْتِهَاءِ إِلَيْهِ. - فَابْتَدَأَ جَلَّ جَلَالُهُ بِإِعْلَامِهِ بِمَا قَضَاهُ لَهُ مِنَ الْقَضَاءِ الْبَيِّنِ، بِظُهُورِهِ وَغَلَبَتِهِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَعُلُوِّ كَلِمَتِهِ وَشَرِيعَتِهِ، وَأَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِمَا كَانَ، وَمَا يَكُونُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ غُفْرَانَ مَا وَقَعَ، وَمَا لَمْ يَقَعْ.. أَيْ أَنَّكَ مَغْفُورٌ لك..
وَقَالَ مَكِّيٌّ» : جَعَلَ اللَّهُ الْمِنَّةَ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ، وَكُلٌّ مِنْ عِنْدِهِ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مِنَّةً بَعْدَ مِنَّةٍ، وَفَضْلًا بَعْدَ فَضْلٍ.. ثُمَّ قَالَ تعالى: «وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ» «2» . قِيلَ: بِخُضُوعِ مَنْ تَكَبَّرَ لك «3» . وَقِيلَ: بِفَتْحِ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ. وَقِيلَ: يَرْفَعُ ذِكْرَكَ فِي الدُّنْيَا، وَيَنْصُرُكَ، وَيَغْفِرُ لَكَ، فَأَعْلَمَهُ بِتَمَامِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ، بِخُضُوعِ مُتَكَبِّرِي عَدُوِّهِ لَهُ، وَفَتْحِ أَهَمِّ «4» الْبِلَادِ عَلَيْهِ، وَأَحَبِّهَا لَهُ. وَرَفْعِ ذِكْرِهِ، وَهِدَايَتِهِ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، الْمُبَلِّغَ الْجَنَّةَ وَالسَّعَادَةَ، وَنَصْرِهِ النَّصْرَ الْعَزِيزَ، وَمِنَّتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالسَّكِينَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، الَّتِي جَعَلَهَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَبِشَارَتِهِمْ بِمَا لَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ «5» بَعْدُ، وَفَوْزِهِمُ الْعَظِيمِ، وَالْعَفْوِ عنهم، والستر
لِذُنُوبِهِمْ، وَهَلَاكِ عَدُوِّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَعْنِهِمْ وَبُعْدِهِمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَسُوءِ مُنْقَلَبِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: «إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً» الآية. فعدّ محاسنه وخصائصه، من شهادته على أمته لنفسه بتبليغه الرسالة لهم. وقيل: شَاهِدًا لَهُمْ بِالتَّوْحِيدِ. «وَمُبَشِّرًا» لِأُمَّتِهِ بِالثَّوَابِ. وَقِيلَ: بالمغفرة. «ونذيرا» منذرا عدوه بالعذاب. وقيل: محذرا من الضلالات، ليؤمن بالله، ثم به، مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنَى. «وَيُعَزِّرُوهُ» «1» أي يجلّونه. وَقِيلَ: يَنْصُرُونَهُ. وَقِيلَ: يُبَالِغُونَ فِي تَعْظِيمِهِ. «وَيُوَقِّرُوهُ» «2» أي يعظمونه.
وقرأه بعضهم «1» «ويعززوه» «2» بزائين مِنَ الْعِزِّ. وَالْأَكْثَرُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قال «وتسبّحوه» فَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ «3» : جُمِعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ نِعَمٌ مُخْتَلِفَةٌ: - مِنَ الْفَتْحِ الْمُبِينِ: وَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ «4» الْإِجَابَةِ. - وَالْمَغْفِرَةِ: وَهِيَ مِنْ أَعْلَامِ الْمَحَبَّةِ. - وَتَمَامِ النِّعْمَةِ: وَهِيَ مِنْ أَعْلَامِ الِاخْتِصَاصِ. - وَالْهِدَايَةِ: وَهِيَ مِنْ أَعْلَامِ الْوِلَايَةِ. فَالْمَغْفِرَةُ تَبْرِئَةٌ «5» مِنَ الْعُيُوبِ. وَتَمَامُ النِّعْمَةِ إِبْلَاغُ الدَّرَجَةِ الْكَامِلَةِ. وَالْهِدَايَةُ وَهِيَ الدَّعْوَةُ إِلَى الْمُشَاهَدَةِ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ «6» : مِنْ تَمَامِ نِعْمَتِهِ عليه أن جعله حبيبه،
وَأَقْسَمَ بِحَيَاتِهِ، وَنَسَخَ بِهِ شَرَائِعَ غَيْرِهِ، وَعَرَّجَ بِهِ إِلَى الْمَحَلِّ الْأَعْلَى، وَحَفِظَهُ فِي الْمِعْرَاجِ حَتَّى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، وَبَعَثَهُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، وَأَحَلَّ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الْغَنَائِمَ، وَجَعَلَهُ شَفِيعًا مُشَفَّعًا وَسَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ، وَقَرَنَ ذِكْرَهُ بِذِكْرِهِ وَرِضَاهُ بِرِضَاهُ، وَجَعَلَهُ أَحَدَ رُكْنَيِ التوحيد. ثم قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ» «1» يَعْنِي بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ «2» . أَيْ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ببيعتهم إياك. «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» يريد عند البيعة. قيل: قوة الله.
وَقِيلَ: ثَوَابُهُ. وَقِيلَ: مِنَّتُهُ. وَقِيلَ: عَقْدُهُ «1» . وَهَذِهِ استعارات وَتَجْنِيسٌ «2» فِي الْكَلَامِ. وَتَأْكِيدٌ لِعَقْدِ بَيْعَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَعِظَمِ شَأْنِ الْمُبَايِعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ، وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى» «3» . وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ «4» فِي بَابِ الْمَجَازِ، وَهَذَا «5» فِي بَابِ الْحَقِيقَةِ. لِأَنَّ الْقَاتِلَ وَالرَّامِيَ بِالْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ، وَهُوَ خَالِقُ فِعْلِهِ، وَرَمْيِهِ، وَقُدْرَتِهِ عليه، ومشيئته «6» ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْبَشَرِ تَوْصِيلُ تِلْكَ الرَّمْيَةِ حَيْثُ وَصَلَتْ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ من لم تملأ عينه، وكذلك قتل الملائكة لهم حقيقة.
وقد قيل في هذه الآية الْأُخْرَى «1» : إِنَّهَا عَلَى الْمَجَازِ الْعَرَبِيِّ «2» ، وَمُقَابَلَةِ اللَّفْظِ وَمُنَاسَبَتِهِ. أَيْ مَا قَتَلْتُمُوهُمْ، وَمَا رَمَيْتَهُمْ أَنْتَ إِذْ رَمَيْتَ وُجُوهَهُمْ بِالْحَصْبَاءِ، وَالتُّرَابِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى قُلُوبَهُمْ بِالْجَزَعِ، أَيْ: أَنَّ مَنْفَعَةَ الرَّمْيِ كَانَتْ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ، فَهُوَ الْقَاتِلُ، وَالرَّامِي، بالمعنى، وأنت بالاسم.
الفصل العاشر في ما أظهره الله تعالى في كتابه العزيز من كرامته عليه ومكانته عنده وما خصه به من ذلك سوى ما تقدم
الفصل العاشر في ما أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ كرامته عليه ومكانته عنده وما خصّه به من ذلك سوى ما تقدّم - من ذلك ما قصه «1» تعالى، من قصة الإسراء، في سورة «سبحان» «2» و «النجم» «3» ، وَمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةُ، مِنْ عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ، وقربه، ومشاهدته ما شاهد من العبائب.. - ومن ذلك، عصمته من الناس» . «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» «4» .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا» «1» الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ: «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ» «2» . - وما دفع اللَّهُ بِهِ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، مِنْ أَذَاهُمْ بَعْدَ تَحَرِّيِهِمْ «3» لَهُلْكِهِ، وَخُلُوصِهِمْ نَجِيًّا «4» فِي أَمْرِهِ، وَالْأَخْذِ عَلَى أَبْصَارِهِمْ عِنْدَ خُرُوجِهِ عَلَيْهِمْ، وذهو لهم عَنْ طَلَبِهِ فِي الْغَارِ، وَمَا ظَهَرَ فِي ذلك من الآيات، وَنُزُولِ السَّكِينَةِ عَلَيْهِ، وَقِصَّةِ «سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ» «5» ، حسبما ذَكَرَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ» ، فِي قِصَّةِ الْغَارِ، وحديث الهجرة «7» .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» «1» . أعلمه الله تعالى بما أعطاه. و «الكوثر» حَوْضُهُ وَقِيلَ: نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ وَقِيلَ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ «2» وَقِيلَ: الشَّفَاعَةُ وَقِيلَ: الْمُعْجِزَاتُ الْكَثِيرَةُ وَقِيلَ: النُّبُوَّةُ وَقِيلَ: الْمَعْرِفَةُ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ عَدُوَّهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ. فَقَالَ تَعَالَى: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» «3» . أي عدوّك، ومبغضك.
و «الْأَبْتَرُ» : الْحَقِيرُ الذَّلِيلُ، أَوِ الْمُفْرَدُ الْوَحِيدُ أَوِ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ. وَقَالَ تَعَالَى: «وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» «1» . قيل «2» : «السَّبْعُ الْمَثَانِي» السُّوَرُ الطِّوَالُ الْأُوَلُ. «وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» أُمُّ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ «3» : «السَّبْعُ الْمَثَانِي» أُمُّ الْقُرْآنِ. «وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» سَائِرُهُ. وَقِيلَ: «السَّبْعُ الْمَثَانِي» مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَبُشْرَى وَإِنْذَارٍ، وضرب، وَإِعْدَادِ نِعَمٍ. وَآتَيْنَاكَ نَبَأَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ أُمُّ الْقُرْآنِ «مَثَانِيَ» لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ «4» . وَقِيلَ: بَلِ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَثْنَاهَا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَخَرَهَا لَهُ، دون الأنبياء.
وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ «مَثَانِيَ» لِأَنَّ الْقَصَصَ تُثْنَى فِيهِ. وَقِيلَ «1» : «السَّبْعُ الْمَثَانِي» أَكْرَمْنَاكَ بِسَبْعِ كَرَامَاتٍ، الْهَدْيُ، وَالنُّبُوَّةُ، وَالرَّحْمَةُ، وَالشَّفَاعَةُ، وَالْوِلَايَةُ، وَالتَّعْظِيمُ، وَالسَّكِينَةُ. وَقَالَ تعالى: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ» «2» الآية. وقال تعالى: «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً» «3» . وقال تعالى: «قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً» «4» الآية. قال القاضي «5» : فَهَذِهِ مِنْ خَصَائِصِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ» «6» .
فَخَصَّهُمْ بِقَوْمِهِمْ، وَبَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى الخلق. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» «1» . وَقَالَ تَعَالَى: «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ» «2» . قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: «أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» أَيْ: مَا أَنْفَذَهُ فِيهِمْ مِنْ أَمْرٍ، فَهُوَ مَاضٍ عَلَيْهِمْ، كَمَا يَمْضِي حُكْمُ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ. وَقِيلَ: اتِّبَاعُ أَمْرِهِ أَوْلَى مِنَ اتِّبَاعِ رَأْيِ النَّفْسِ. «وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ» أَيْ: هُنَّ فِي الْحُرْمَةِ كَالْأُمَّهَاتِ، حُرِّمَ نِكَاحُهُنَّ عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ تَكْرِمَةً له وخصوصية، ولأنهن له أزواج في الجنة «3» ... وقد قرىء «4» : «وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ» وَلَا يُقْرَأُ بِهِ الْآنَ «5» ،
لِمُخَالَفَتِهِ الْمُصْحَفَ «1» .. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ» الآية «2» . «وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً» «3» . قِيلَ: «فَضْلُهُ الْعَظِيمُ» بِالنُّبُوَّةِ. وَقِيلَ: بِمَا سَبَقَ لَهُ فِي الْأَزَلِ. وَأَشَارَ الْوَاسِطِيُّ «4» إِلَى أَنَّهَا إِشَارَةٌ إِلَى احْتِمَالِ الرُّؤْيَةِ الَّتِي لَمْ يَحْتَمِلْهَا موسى عليه السلام.
الباب الثاني في تكميل الله تعالى له المحاسن خلقا وخلقا وقرانه جميع الفضائل الدينية والدنيوية فيه نسقا
الْبَابُ الثَّانِي فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ الْمَحَاسِنَ خَلْقًا وَخُلُقًا وَقِرَانِهِ جَمِيعَ الْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فِيهِ نَسَقًا وَفِيهِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَصْلًا
مقدمة الباب الثاني
مُقَدِّمَةُ الْبَابِ الثَّانِي اعْلَمْ أَيُّهَا الْمُحِبُّ لِهَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، الْبَاحِثُ عَنْ تَفَاصِيلِ جُمَلِ قَدْرِهِ العظيم، أنّ خصال الجمال «1» وَالْكَمَالِ فِي الْبَشَرِ نَوْعَانِ: - ضَرُورِيٌّ دُنْيَوِيٌّ ... اقْتَضَتْهُ الجبلّة «2» وضرورة الحياة الدنيا- مكتسب دِينِيٌّ ... وَهُوَ مَا يُحْمَدُ فَاعِلُهُ وَيُقَرِّبُ إِلَى الله زلفى «3» ثم هي على فنين أيضا: أ- منها ما يتخلص «4» لأحد الوصفين: ب- وَمِنْهَا مَا يَتَمَازَجُ وَيَتَدَاخَلُ. فَأَمَّا الضَّرُورِيُّ الْمَحْضُ: فَمَا لَيْسَ لِلْمَرْءِ فِيهِ اخْتِيَارٌ، وَلَا اكْتِسَابٌ، مِثْلُ مَا كَانَ فِي جِبِلَّتِهِ مِنْ كَمَالِ خلقته، وجمال صورته، وقوة عقله،
وَصِحَّةِ فَهْمِهِ، وَفَصَاحَةِ لِسَانِهِ، وَقُوَّةِ حَوَاسِّهِ وَأَعْضَائِهِ، وَاعْتِدَالِ حَرَكَاتِهِ، وَشَرَفِ نَسَبِهِ، وَعِزَّةِ قَوْمِهِ، وَكَرَمِ أَرْضِهِ. وَيَلْحَقُ بِهِ: مَا تَدْعُوهُ ضَرُورَةُ حَيَاتِهِ إِلَيْهِ مِنْ غِذَائِهِ، وَنَوْمِهِ، وَمَلْبَسِهِ، وَمَسْكَنِهِ، وَمَنْكَحِهِ، وَمَالِهِ وَجَاهِهِ. وَقَدْ تَلْحَقُ هَذِهِ الْخِصَالُ الْآخِرَةُ «1» بِالْأُخْرَوِيَّةِ، إِذَا قَصَدَ بِهَا التَّقْوَى، وَمَعُونَةِ الْبَدَنِ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِهَا، وَكَانَتْ عَلَى حُدُودِ الضَّرُورَةِ، وَقَوَاعِدِ «2» الشَّرِيعَةِ. وَأَمَّا الْمُكْتَسَبَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ: فَسَائِرُ الْأَخْلَاقِ الْعَلِيَّةِ، وَالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ مِنَ: الدِّينِ- وَالْعِلْمِ- وَالْحِلْمِ- والصبر- والشكر- والعدل- وَالزُّهْدِ- وَالتَّوَاضُعِ- وَالْعَفْوِ- وَالْعِفَّةِ- وَالْجُودِ- وَالشَّجَاعَةِ- وَالْحَيَاءِ- وَالْمُرُوءَةِ- وَالصَّمْتِ- وَالتُّؤَدَةِ- وَالْوَقَارِ- وَالرَّحْمَةِ- وَحُسْنِ الْأَدَبِ وَالْمُعَاشَرَةِ ... وَأَخَوَاتِهَا «3» ، وَهِيَ الَّتِي جِمَاعُهَا (حُسْنُ الْخُلُقِ) .
- وَقَدْ يَكُونُ مِنْ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ، مَا هُوَ فِي الْغَرِيزَةِ «1» ، وَأَصْلِ الْجِبِلَّةِ لِبَعْضِ النَّاسِ؛ وَبَعْضُهُمْ لَا تَكُونُ فِيهِ فَيَكْتَسِبُهَا، وَلَكِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مِنْ أُصُولِهَا فِي أَصْلِ الْجِبِلَّةِ شُعْبَةٌ ... كَمَا سَنُبَيِّنُهُ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى- - وَتَكُونُ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ دُنْيَوِيَّةٌ، إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ، وَالدَّارَ الْآخِرَةَ. وَلَكِنَّهَا كُلُّهَا مَحَاسِنُ، وَفَضَائِلُ، بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ، وَإِنِ اختلفوا في موجب حسنها، وتفضيلها ...
الفصل الأول
الفصل الأوّل قال القاضي» : إذا كانت خصال الكمال، والجلال. مَا ذَكَرْنَاهُ- وَرَأَيْنَا «2» الْوَاحِدَ مِنَّا يَتَشَرَّفُ «3» بِوَاحِدَةٍ منها، أو اثنتين- إِنِ اتَّفَقَتْ «4» لَهُ فِي كُلِّ عَصْرٍ-، إِمَّا مِنْ نَسَبٍ، أَوْ جَمَالٍ، أَوْ قُوَّةٍ، أَوْ حِلْمٍ، أَوْ شَجَاعَةٍ، أَوْ سَمَاحَةٍ، حَتَّى يَعْظُمَ قَدْرُهُ، وَيُضْرَبَ بِاسْمِهِ الْأَمْثَالُ، وَيَتَقَرَّرَ لَهُ بِالْوَصْفِ بذلك في القلوب أثرة «5» عظيمة، وَهُوَ مُنْذُ عُصُورٍ خَوَالٍ «6» ، رِمَمٌ «7» بَوَالٍ «8» . - فَمَا ظَنُّكَ بِعَظِيمِ قَدْرِ مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ كُلُّ هذه الخصال، إلى مالا
يأخذه عدّ، وَلَا يُعَبِّرُ عَنْهُ مَقَالٌ، وَلَا يُنَالُ بِكَسْبٍ، وَلَا حِيلَةٍ، إِلَّا بِتَخْصِيصِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، مِنْ فضيلة النبوة، والخلة، والمحبة، والاصطفاء، وَالرُّؤْيَةِ، وَالْقُرْبِ، وَالدُّنُوِّ، وَالْوَحْيِ، وَالشَّفَاعَةِ، وَالْوَسِيلَةِ، وَالْفَضِيلَةِ، وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ، وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَالْبُرَاقِ، وَالْمِعْرَاجِ، وَالْبَعْثِ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، وَالصَّلَاةِ بِالْأَنْبِيَاءِ، وَالشَّهَادَةِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْأُمَمِ، وَسِيَادَةِ وَلَدِ آدَمَ، وَلِوَاءِ الْحَمْدِ، وَالْبِشَارَةِ، وَالنِّذَارَةِ، وَالْمَكَانَةِ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ، وَالطَّاعَةِ ثمّ «1» ، والأمانة، والهداية، ورحمة للعالمين، وإعطاء الرضى وَالسُّؤْلِ، وَالْكَوْثَرِ، وَسَمَاعِ الْقَوْلِ، وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ، وَالْعَفْوِ عما تقدم وتأخر، وشرح الصدر، ووضع الوزر، وَرَفْعِ الذِّكْرِ، وَعِزَّةِ النَّصْرِ، وَنُزُولِ السَّكِينَةِ، وَالتَّأْيِيدِ بِالْمَلَائِكَةِ، وَإِيتَاءِ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، وَالسَّبْعِ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَتَزْكِيَةِ الْأُمَّةِ، وَالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ، وَصَلَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَلَائِكَةِ، وَالْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ، وَوَضْعِ الْإِصْرِ وَالْأَغْلَالِ عَنْهُمْ، وَالْقَسَمِ بِاسْمِهِ، وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ، وَتَكْلِيمِ الْجَمَادَاتِ وَالْعُجْمِ، وَإِحْيَاءِ
الْمَوْتَى، وَإِسْمَاعِ الصُّمِّ، وَنَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، وَتَكْثِيرِ الْقَلِيلِ، وَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ، وَرَدِّ الشَّمْسِ، وَقَلْبِ الْأَعْيَانِ، وَالنَّصْرِ بِالرُّعْبِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ، وَظِلِّ الْغَمَامِ، وَتَسْبِيحِ الْحَصَا، وَإِبْرَاءِ الْآلَامِ، وَالْعِصْمَةِ مِنَ النَّاسِ ... - إِلَى مَا لَا يَحْوِيهِ مُحْتَفِلٌ «1» ، ولا يحيط بعلمه إلّا ما نحه ذَلِكَ، وَمُفَضِّلُهُ بِهِ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ. - إِلَى مَا أَعَدَّ لَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، مِنْ مَنَازِلِ الْكَرَامَةِ، وَدَرَجَاتِ الْقُدْسِ، وَمَرَاتِبِ السَّعَادَةِ، وَالْحُسْنَى، وَالزِّيَادَةِ الَّتِي تَقِفُ دُونَهَا الْعُقُولُ، وَيَحَارُ دُونَ إدراكها الوهم «2» ...
الفصل الثاني صفاته الخلقية صلى الله عليه وسلم
الْفَصْلُ الثَّانِي صِفَاتُهُ الْخِلْقِيَّةُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ قُلْتَ- أَكْرَمَكَ اللَّهُ-: لَا خَفَاءَ عَلَى الْقَطْعِ بِالْجُمْلَةِ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَى النَّاسِ قَدْرًا، وَأَعْظَمُهُمْ مَحِلًّا، وَأَكْمَلُهُمْ محاسن وفضلا، وقد ذهبت فِي تَفَاصِيلِ خِصَالِ الْكَمَالِ مَذْهَبًا جَمِيلًا، شَوَّقَنِي إِلَى أَنْ أَقِفَ عَلَيْهَا مِنْ أَوْصَافِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفْصِيلًا. فَاعْلَمْ- نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبِي وَقَلَبَكَ، وَضَاعَفَ فِي هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ حُبِّي وَحُبَّكَ-، أَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى خِصَالِ الكمال، التي هي غير مكتسبة-، وفي جبلّة الخلقه، وجدته صلّى الله عليه وسلم حَائِزًا لِجَمِيعِهَا، مُحِيطًا بِشَتَاتِ مَحَاسِنِهَا، دُونَ خِلَافٍ بَيْنِ نَقَلَةِ الْأَخْبَارِ «1» لِذَلِكَ؛ بَلْ قَدْ بَلَغَ بعضها مبلغ القطع.
أَمَّا الصُّورَةُ وَجَمَالُهَا، وَتَنَاسُبُ أَعْضَائِهِ فِي حُسْنِهَا، فَقَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ، وَالْمَشْهُورَةُ الْكَثِيرَةُ، بِذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «1» ، وَأَنَسِ «2» بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ «3» ، وَالْبَرَاءِ «4» بْنِ عَازِبٍ، وَعَائِشَةَ «5» أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ أَبِي «6» هَالَةَ، وَأَبِي «7» جُحَيْفَةَ، وَجَابِرِ «8» بْنِ سَمُرَةَ، وَأُمِّ مَعْبَدٍ «9» ، وَابْنِ عَبَّاسٍ «10» ، وَمُعَرِّضِ بْنِ
مُعَيْقِيبٍ «1» ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ «2» ، وَالْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ «3» ، وَخُرَيْمِ بْنِ فَاتَكٍ «4» وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «5» ، وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ: أَزْهَرَ «6» اللَّوْنِ، أَدْعَجَ «7» ، أَنْجَلَ «8» ، أَشْكَلَ «9» ، أهدب الأشفار «10» ، أبلج 1» ، أزجّ «12» ،
أَقْنَى «1» ، أَفْلَجَ «2» ، مُدَوَّرَ الْوَجْهِ «3» ، وَاسِعَ الْجَبِينِ «4» ، كَثَّ اللِّحْيَةِ تَمْلَأُ صَدْرَهُ، سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، وَاسِعَ الصَّدْرِ «5» ، عَظِيمَ الْمَنْكِبَيْنِ «6» ، ضَخْمَ الْعِظَامِ، عَبْلَ «7» الْعَضُدَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ وَالْأَسَافِلِ، رَحْبَ «8» الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلَ «9» الْأَطْرَافِ، أَنْوَرَ الْمُتَجَرَّدِ «10» ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ «11» ، رَبْعَةَ «12» الْقَدِّ، لَيْسَ بالطويل البائن «13» ، ولا القصير المتردد، ومع ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ يُمَاشِيهِ أَحَدٌ، يُنْسَبُ إِلَى الطول إلّا طاله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجْلَ «14» الشَّعْرِ، إِذَا افترّ
ضَاحِكًا افْتَرَّ «1» عَنْ مِثْلِ سَنَا الْبَرْقِ، وَعَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ، إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ ثَنَايَاهُ، أَحَسَنَ النَّاسِ عُنُقًا، لَيْسَ بِمُطَهَّمٍ «2» وَلَا مُكَلْثَمٍ «3» ، مُتَمَاسِكَ الْبَدَنِ «4» ، ضَرْبَ اللَّحْمِ «5» . قَالَ الْبَرَاءُ «6» : مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ «7» ، في حلة حمراء، أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «8» . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «9» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَإِذَا ضَحِكَ يَتَلَأْلَأُ فِي الْجُدُرِ «10» ... وَقَالَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ «11» : وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: كَانَ وَجْهُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ
السَّيْفِ. فَقَالَ: لَا بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَكَانَ مُسْتَدِيرًا «1» . وَقَالَتْ «2» أُمُّ مَعْبَدٍ «3» فِي بَعْضِ مَا وَصَفَتْهُ بِهِ: أَجْمَلُ النَّاسِ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ. وَفِي حَدِيثِ «4» ابْنِ أَبِي هَالَةَ «5» : يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ، ليلة البدر. وقال» علي «7» فِي آخِرِ وَصْفِهِ لَهُ: مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً «8» هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ. يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. - وَالْأَحَادِيثُ فِي بَسْطِ صِفَتِهِ مشهورة كثيرة فلا نطول بسردها.
- وَقَدِ اخْتَصَرْنَا فِي وَصْفِهِ نُكَتَ «1» مَا جَاءَ فِيهَا، وَجُمْلَةً مِمَّا فِيهِ، كِفَايَةٌ فِي الْقَصْدِ إِلَى الْمَطْلُوبِ. - وَخَتَمْنَا هَذِهِ الْفُصُولَ بِحَدِيثٍ جَامِعٍ لذلك تقف عليه هناك- إن شاء الله تعالى-. ***
الفصل الثالث نظافته صلى الله عليه وسلم
الْفَصْلُ الثَّالِثُ نَظَافَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما نَظَافَةُ جِسْمِهِ، وَطِيبُ رِيحِهِ وَعَرَقِهِ، وَنَزَاهَتُهُ عَنِ الْأَقْذَارِ، وَعَوْرَاتِ الْجَسَدِ «1» ؛ فَكَانَ قَدْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ بِخَصَائِصَ لَمْ تُوجَدْ فِي غَيْرِهِ، ثُمَّ تَمَّمَهَا بِنَظَافَةِ الشَّرْعِ، وَخِصَالِ الْفِطْرَةِ العشر «2» . وقال: «بني الدّين على النظافة» «3» .
عَنْ أَنَسٍ «1» قَالَ: «مَا شَمَمْتُ عَنْبَرًا قَطُّ، وَلَا مِسْكًا، وَلَا شَيْئًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رسول الله صلى الله عليه وسلم» «2» . وعن جَابِرِ «3» بْنِ سَمُرَةَ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ خَدَّهُ، قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا وريحا، كأنما أخرجها من جونة عَطَّارٍ» «4» . قَالَ غَيْرُهُ: مَسَّهَا بِطِيبٍ أَوْ لَمْ يَمَسَّهَا، يُصَافِحُ الْمُصَافِحَ فَيَظَلُّ يَوْمَهُ يَجِدُ رِيحَهَا. وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الصَّبِيِّ فَيُعْرَفُ مِنْ بَيْنِ الصِّبْيَانِ بِرِيحِهَا - «وَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم في دار أنس «5» على نطع «6» . فَعَرِقَ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ بِقَارُورَةٍ تَجْمَعُ فِيهَا عَرَقَهُ، فَسَأَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا وَهُوَ من أطيب الطيب.» «7» .
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ عَنْ جَابِرٍ «1» : «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُرُّ فِي طَرِيقٍ فَيَتْبَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا عَرَفَ أنّه سلكه، من طيبه» . وذكر إسحق «2» بْنُ رَاهْوَيْهِ: أَنَّ تِلْكَ كَانَتْ رَائِحَتُهُ بِلَا طيب صلّى الله عليه وسلم. روى المزني «3» ، والحربي «4» . عن جابر «5» رضي الله عنه قال: «أَرْدَفَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ، فَالْتَقَمْتُ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بِفَمِي، فَكَانَ يَنِمُّ «6» عَلَيَّ مِسْكًا» . وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْمُعْتَنِينَ بِأَخْبَارِهِ وَشَمَائِلِهِ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَغَوَّطَ، انْشَقَّتِ الأرض فابتلعت غائطه وبوله، وفاحت
لِذَلِكَ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» . وَأَسْنَدَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ «2» ، كَاتِبُ الْوَاقِدِيِّ «3» فِي هَذَا «4» خَبَرًا، عَنْ عَائِشَةَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ تَأْتِي الْخَلَاءَ فَلَا نَرَى مِنْكَ شَيْئًا من الأذى، فقال: يا عائشة، أو ما عَلِمْتِ أَنَّ الْأَرْضَ تَبْتَلِعُ «6» مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ «7» ؟!» . وَهَذَا الْخَبَرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ من أهل العلم بطهارة هذين الْحَدَثَيْنِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ قول بعض أصحاب الشافعي «8» .
حكاه الإمام أبو نصر بن الصَّبَّاغِ «1» فِي شَامِلِهِ. وَقَدْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ عَنِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَابِقٍ الْمَالِكِيُّ «2» فِي كِتَابِهِ «الْبَدِيعُ» فِي فُرُوعِ الْمَالِكِيَّةِ، وَتَخْرِيجُ مَا لَمْ يَقَعْ لَهُمْ مِنْهَا عَلَى مَذْهَبِهِمْ مِنْ تَفَارِيعِ الشَّافِعِيَّةِ. وَشَاهِدُ هَذَا: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ شَيْءٌ يُكْرَهُ وَلَا غَيْرُ طَيِّبٍ ... وَمِنْهُ حَدِيثُ «3» عَلِيٍّ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «غَسَّلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ، فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا فَقُلْتُ: طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا. قَالَ: وَسَطَعَتْ مِنْهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ، لَمْ نَجِدْ مِثْلَهَا قَطُّ» . وَمِثْلُهُ قَالَ» أَبُو بَكْرٍ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قَبَّلَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم، بعد موته.
- وَمِنْهُ شُرْبُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ «1» دَمَهُ، يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَصُّهُ إِيَّاهُ، وَتَسْوِيغُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لَهُ وَقَوْلُهُ لَهُ: «لَنْ تُصِيبَهُ النَّارُ» «2» ، - وَمِثْلُهُ «3» شُرْبُ عَبْدِ اللَّهِ «4» بْنِ الزُّبَيْرِ دم حجامته، فقال له عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ، وَوَيْلٌ لَهُمْ مِنْكَ» وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ؛ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوٌ مَنْ هَذَا عَنْهُ فِي امْرَأَةٍ شَرِبَتْ بَوْلَهُ، فَقَالَ لَهَا: «لَنْ تَشْتَكِي وَجَعَ بَطْنِكِ أَبَدًا.» «5» - وَلَمْ يَأْمُرْ وَاحِدًا مِنْهُمْ بِغَسْلِ فَمٍ، ولا نهاه عن عود. وَحَدِيثُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، الَّتِي شَرِبَتْ بَوْلَهُ صَحِيحٌ، ألزم
الدَّارَقُطْنِيُّ «1» مُسْلِمًا «2» ، وَالْبُخَارِيَّ «3» ، إِخْرَاجَهُ فِي الصَّحِيحِ. وَاسْمُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ «بَرَكَةُ» «4» ، وَاخْتُلِفَ فِي نَسَبِهَا، وَقِيلَ: هِيَ أُمُّ أَيْمَنَ «5» ، وَكَانَتْ تَخْدِمُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم. قالت: وكان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحٌ مِنْ عِيدَانٍ «6» ، يُوضَعُ تَحْتَ سَرِيرِهِ، يَبُولُ فِيهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَبَالَ فِيهِ لَيْلَةً، ثُمَّ افْتَقَدَهُ، فَلَمْ يَجِدْ
فِيهِ شَيْئًا. فَسَأَلَ بَرَكَةَ عَنْهُ، فَقَالَتْ: قُمْتُ، وَأَنَا عَطْشَانَةٌ، فَشَرِبْتُهُ وَأَنَا لَا أَعْلَمُ» رَوَى حديثها ابن جريج «1» وغيره «2» . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وُلِدَ مَخْتُونًا، مَقْطُوعَ السُّرَّةِ «3» ؛ وَرُوِيَ عَنْ أُمِّهِ آمنة «4» أنها قالت: وَلَدْتُهُ نَظِيفًا، مَا بِهِ قَذَرٌ «5» . وَعَنْ «6» عَائِشَةَ «7» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ، وَعَنْ عَلِيٍّ «8» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَوْصَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُغَسِّلُهُ غَيْرِي «فَإِنَّهُ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ» «9» وفي حديث
عِكْرِمَةَ «1» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أنه صلّى الله عليه وسلم، نَامَ حَتَّى سُمِعَ لَهُ غَطِيطٌ «3» ، فَقَامَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» «4» . قَالَ عِكْرِمَةُ: لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كان محفوظا.
الفصل الرابع وفور عقله وفصاحة لسانه وقوة حواسه صلى الله عليه وسلم
الفصل الرابع وفور عقله وفصاحة لسانه وقوة حواسه صلّى الله عليه وسلّم أما وُفُورُ عَقْلِهِ، وَذَكَاءُ لُبِّهِ، وَقُوَّةُ حَوَاسِّهِ، وَفَصَاحَةُ لِسَانِهِ، وَاعْتِدَالُ حَرَكَاتِهِ، وَحُسْنُ شَمَائِلِهِ، فَلَا مِرْيَةَ «1» أَنَّهُ كَانَ أَعْقَلَ النَّاسِ وَأَذْكَاهُمْ. - وَمَنْ تَأَمَّلَ تَدْبِيرَهُ أَمْرَ بَوَاطِنِ الْخَلْقِ، وَظَوَاهِرِهِمْ، وَسِيَاسَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، مَعَ عَجِيبِ شَمَائِلِهِ وَبَدِيعِ سِيَرِهِ، فَضْلًا عَمَّا أَفَاضَهُ مِنَ الْعِلْمِ، وَقَرَّرَهُ مِنَ الشَّرْعِ، دُونَ تَعَلُّمٍ سَبَقَ، وَلَا مُمَارَسَةٍ تَقَدَّمَتْ، وَلَا مُطَالَعَةٍ لِلْكُتُبِ مِنْهُ، لَمْ يَمْتَرِ فِي رُجْحَانِ عقله، وثقوب «2» فهمه، لأول بديهة.
- وهذا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْرِيرِهِ لِتَحَقُّقِهِ. وَقَدْ قَالَ وَهْبُ «1» بْنُ مُنَبِّهٍ: قَرَأْتُ فِي أَحَدٍ وَسَبْعِينَ كِتَابًا، فَوَجَدْتُ فِي جَمِيعِهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرْجَحُ النَّاسِ عَقْلًا، وَأَفْضَلُهُمْ رَأْيًا. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَوَجَدْتُ فِي جَمِيعِهَا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعْطِ جَمِيعَ النَّاسِ مِنْ بَدْءِ الدُّنْيَا إِلَى انْقِضَائِهَا، مِنَ الْعَقْلِ فِي جَنْبِ عَقْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا كَحَبَّةِ رَمْلٍ مِنْ بَيْنِ رِمَالِ الدُّنْيَا. وَقَالَ «2» مُجَاهِدٌ «3» : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا قَامَ فِي «4» الصَّلَاةِ يَرَى مِنْ خَلْفِهِ كَمَا يَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ. وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ» » . وفي الموطّأ «6» عنه عليه الصلاة والسلام: «إنّي لأراكم من وراء ظهري» «7» .
وَنَحْوُهُ عَنْ أَنَسٍ «1» فِي الصَّحِيحَيْنِ «2» . وَعَنْ عَائِشَةَ «3» مِثْلُهُ «4» قَالَتْ: «زِيَادَةٌ زَادَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا فِي حَجَّتِهِ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «5» : «إِنِّي لَأَنْظُرُ مِنْ «6» وَرَائِي كَمَا أَنْظُرُ مِنْ «7» بَيْنِ يَدَيَّ» . وَفِي أُخْرَى «8» : «إِنِّي لَأُبْصِرُ مِنْ قَفَايَ كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ» . وَحَكَى بَقِيُّ «9» بْنُ مَخْلَدٍ عن عائشة «10» : «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى فِي الظُّلْمَةِ كَمَا يَرَى فِي الضَّوْءِ» «11» . - وَالْأَخْبَارُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ فِي رُؤْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الملائكة «12»
والشياطين «1» . - ورفع له النجاشي «2» حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ «3» . - وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ «4» حِينَ وَصَفَهُ لِقُرَيْشٍ. - وَالْكَعْبَةِ حِينَ «5» بَنَى مَسْجِدَهُ «6» ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ «7» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ: «كَانَ يَرَى فِي الثُّرَيَّا أَحَدَ عَشَرَ نَجْمًا.» - وَهَذِهِ كلها محمولة على رؤية العين.
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ «1» حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ «2» إِلَى رَدِّهَا إِلَى الْعِلْمِ. - وَالظَّوَاهِرُ تُخَالِفُهُ، وَلَا إِحَالَةَ «3» فِي ذَلِكَ، وَهِيَ مِنْ خَوَاصِّ الأنبياء وخصالهم. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «4» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: «لما تجلّى الله عز وجل لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ يُبْصِرُ النَّمْلَةَ عَلَى الصَّفَا، فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، مَسِيرَةَ عَشَرَةِ فَرَاسِخَ» «5» . وَلَا يَبْعُدُ عَلَى هَذَا، أَنْ يَخْتَصَّ نَبِيُّنَا صلّى الله عليه وسلم بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، بَعْدَ الْإِسْرَاءِ وَالْحُظْوَةِ، بِمَا رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى. وَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ «6» بِأَنَّهُ صَرَعَ رُكَانَةَ «7» ، أَشَدَّ أهل وقته
وَكَانَ دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ «1» . وَصَارَعَ أَبَا رُكَانَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ «2» ، وَكَانَ شَدِيدًا، وَعَاوَدَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَصْرَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم. وقال «3» أبو هريره» : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَشْيِهِ، كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ؛ إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا، وَهُوَ غير مكترث؛ وفي صفته عليه الصلاة والسلام أَنَّ ضَحِكَهُ كَانَ تَبَسُّمًا، إِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، وَإِذَا مَشَى مَشَى تَقَلُّعًا، «5» كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ من صبب «6» .
الفصل الخامس فصاحة لسانه وبلاغته صلى الله عليه وسلم
الفصل الخامس فصاحة لسانه وبلاغته صلّى الله عليه وسلّم وَأَمَّا فَصَاحَةُ اللِّسَانِ، وَبَلَاغَةُ الْقَوْلِ، فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَحَلِّ الْأَفْضَلِ، وَالْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُجْهَلُ، سَلَاسَةَ طَبْعٍ، وَبَرَاعَةَ مَنْزَعٍ، وَإِيجَازَ مَقْطَعٍ، وَنَصَاعَةَ لَفْظٍ، وَجَزَالَةَ قَوْلٍ، وَصِحَّةَ مَعَانٍ، وَقِلَّةَ تَكَلُّفٍ. - أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَخُصَّ بِبَدَائِعِ الْحِكَمِ، وَعِلْمِ أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ، فكان يُخَاطِبُ كُلَّ أُمَّةٍ مِنْهَا بِلِسَانِهَا، وَيُحَاوِرُهَا بِلُغَتِهَا، وَيُبَارِيهَا فِي مَنْزَعِ بَلَاغَتِهَا، حَتَّى كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَسْأَلُونَهُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ عَنْ شرح كلامه، وتفسير قوله. - من تَأَمَّلَ حَدِيثَهُ، وَسِيَرَهُ، عَلِمَ ذَلِكَ وَتَحَقَّقَهُ. - وَلَيْسَ كَلَامُهُ مَعَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ، وَأَهْلِ الْحِجَازِ، وَنَجْدٍ،
كَكَلَامِهِ مَعَ «ذِي الْمِشْعَارِ «1» الْهَمَدَانِيِّ» «وَطِهْفَةَ «2» النَّهْدِيِّ» و «قطن بن «3» حارثة العليمي» و «الأشعث «4» بن قيس» و «وائل بْنِ حُجْرٍ «5» الْكِنْدِيِّ» وَغَيْرِهِمْ، مِنْ أَقْيَالِ «6» حَضْرَمَوْتَ، وَمُلُوكِ الْيَمَنِ. - وَانْظُرْ كِتَابَهُ إِلَى هَمَدَانَ: (إِنَّ لكم فراعها «7» ، ووهاطها «8»
وَعَزَازَهَا «1» تَأْكُلُونَ عِلَافَهَا «2» ، وَتَرْعَوْنَ عَفَاءَهَا «3» ، لَنَا مِنْ دِفْئِهِمْ «4» ، وَصِرَامِهِمْ «5» مَا سَلَّمُوا «6» بِالْمِيثَاقِ «7» وَالْأَمَانَةِ، وَلَهُمْ من الصدقة الثلب «8» والناب «9» ، والفصيل «10» ، والفارض «11» الداجن «12» ، وَالْكَبْشُ الْحَوَارِيُّ «13» ، وَعَلَيْهِمْ فِيهَا الصَّالِغُ «14» وَالْقَارِحُ «15» ... وَقَوْلُهُ لنهد «16» : «اللهم بارك لهم في محضها» «17» ،
وَمَخْضِهَا «1» ، وَمَذْقِهَا «2» ، وَابْعَثْ رَاعِيَهَا فِي الدَّثْرِ «3» ، وَافْجُرْ لَهُ الثَّمَدَ «4» وَبَارِكْ لَهُمْ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ. مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ كَانَ مُسْلِمًا، وَمَنْ آتَى الزَّكَاةَ كَانَ مُحْسِنًا، وَمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَانَ مُخْلِصًا، لَكُمْ يَا بني نهد ودائع» الشريك، وَوَضَائِعُ «6» الْمُلْكِ، لَا تُلْطِطْ «7» فِي الزَّكَاةِ، وَلَا تُلْحِدْ «8» فِي الْحَيَاةِ، وَلَا تَتَثَاقَلْ عَنِ الصَّلَاةِ. وَكَتَبَ لَهُمْ: فِي الْوَظِيفَةِ الْفَرِيضَةِ «9» ، وَلَكُمُ الْفَارِضُ وَالْفَرِيشُ «10» ، وَذُو الْعِنَانِ «11» الرَّكُوبُ، وَالْفَلُوُّ «12» الضَّبِيسُ «13» ، لَا يمنع
سَرْحُكُمْ «1» ، وَلَا يُعْضَدُ «2» طَلْحُكُمْ «3» ، وَلَا يُحْبَسُ دَرُّكُمْ «4» ، مَا لَمْ تُضْمِرُوا الرِّمَاقَ «5» ، وَتَأْكُلُوا الرِّبَاقَ «6» . مَنْ أَقَرَّ فَلَهُ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، وَالذِّمَّةِ، وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الرَّبْوَةُ «7» . وَمِنْ كِتَابِهِ لِوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ «8» : «إلى الأقيال العباهلة «9» ، والأرواع «10» الْمَشَابِيبِ «11» . وَفِيهِ: فِي التِّيعَةِ «12» شَاةٌ، لَا مُقَوَّرَةُ «13» الألياط «14» ،
ولا ضناك «1» ، وأنطوا «2» الثبجة «3» . وَفِي السُّيُوبُ «4» الْخُمُسُ. وَمَنْ زَنَى مِمْ «5» بِكْرٍ فَاصْقَعُوهُ «6» مِائَةً، وَاسْتَوْفِضُوهُ «7» عَامًا، وَمَنْ زَنَى مِمْ ثيب فضرّجوه «8» بِالْأَضَامِيمِ «9» وَلَا تَوْصِيمَ 1» فِي الدِّينِ، وَلَا عَمَةَ «11» فِي فَرَائِضِ اللَّهِ. وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَوَائِلُ بْنُ «12» حُجْرٍ يَتَرَفَّلُ «13» عَلَى الْأَقْيَالِ ... أَيْنَ هَذَا مِنْ كِتَابِهِ لِأَنَسٍ «14» فِي الصَّدَقَةِ الْمَشْهُورِ، لَمَّا كَانَ كَلَامُ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا الْحَدِّ، وَبَلَاغَتُهُمْ عَلَى هَذَا النَّمَطِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِمْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ، استعملها معهم، ليبين للناس ما نزّل
إليهم، وليحدث الناس بما يعلمون ... وَكَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ «1» عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ «2» : «فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْطِيَةُ، وَالْيَدَ السُّفْلَى هِيَ الْمُنْطَاةُ» . قَالَ: فَكَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُغَتِنَا. وَقَوْلُهُ «3» فِي حَدِيثِ الْعَامِرِيِّ «4» : حِينَ سَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «سل عَنْكَ» أَيْ سَلْ عَمَّا شِئْتَ. وَهِيَ لُغَةُ بَنِي عَامِرٍ ... - وَأَمَّا كَلَامُهُ الْمُعْتَادُ، وَفَصَاحَتُهُ الْمَعْلُومَةُ، وَجَوَامِعُ كَلِمِهِ، وَحِكَمُهُ الْمَأْثُورَةُ، فَقَدْ أَلَّفَ النَّاسُ فِيهَا الدَّوَاوِينَ، وَجُمِعَتْ فِي أَلْفَاظِهَا، وَمَعَانِيهَا الْكُتُبُ. وَمِنْهَا مَا لَا يُوَازَى فَصَاحَةً، وَلَا يُبَارَى بلاغة. كقوله «5» : «المسلمون تتكافؤ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى من سواهم» .
وقوله «1» : «الناس كأسنان المشط» ، - «المرء مع من أحبّ» «2» ، - «لا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَكَ ما ترى له» «3» ، - «والناس معادن» «4» ، - «ما هلك امرؤ عرف قدره» «5» ، - «المستشار مؤتمن وهو بالخيار ما لم يتكلم» «6» ، - «رحم اللَّهُ عَبْدًا قَالَ خَيْرًا فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فسلم» «7» ، وقوله: «أسلم تسلم.. أسلم يؤتك الله أجرك مرتين..» «8»
- «إنّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجَالِسَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ.» «1» وَقَوْلُهُ: «لَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ وَيَبْخَلُ بِمَا لَا يُغْنِيهِ» «2» وَقَوْلُهُ: «ذُو الْوَجْهَيْنِ لَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا» «3» وَنَهْيُهُ «4» عَنْ «قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَمَنْعٍ وَهَاتٍ، وَعُقُوقِ الْأُمَّهَاتِ ووأد البنات.» وقوله: «إتق الله حيث كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بخلق حسن.» «5» - «خير الأمور أوساطها.» «6» وَقَوْلُهُ «7» : «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا، عَسَى أَنْ يكون بغيضك يوما ما» .
وَقَوْلِهِ «1» : «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَقَوْلُهُ «2» فِي بَعْضِ دُعَائِهِ «3» : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عندك، تهدي بها قلبي، تجمع بِهَا أَمْرِي، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِي «4» ، وَتُصْلِحُ بِهَا غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكي بها عملي، وَتُلْهِمُنِي بِهَا رُشْدِي، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي، وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ؛ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْفَوْزَ عِنْدَ الْقَضَاءِ، وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ، وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَالنَّصْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ ... » إِلَى مَا رَوَتْهُ الْكَافَّةُ «5» عَنِ الْكَافَّةِ، مِنْ مَقَامَاتِهِ، وَمُحَاضَرَاتِهِ، وَخُطَبِهِ، وَأَدْعِيَتِهِ، وَمُخَاطَبَاتِهِ وَعُهُودِهِ، مِمَّا لَا خِلَافَ أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ ذَلِكَ مَرْتَبَةً «6» لَا يُقَاسُ بِهَا غَيْرُهُ، وحاز فيها سبقا لا يقدر قدره؛
- وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْ كَلِمَاتِهِ، الَّتِي لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهَا، وَلَا قَدَرَ أَحَدٌ أَنْ يُفْرِغَ فِي قالبه عليها. كقوله «1» : «حمي الوطيس» ، «مات حتف أنفه» » ، «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» «3» ، «السعيد من وعظ بغيره» «4» ، وفي أخواتها ما يُدْرِكُ النَّاظِرُ الْعَجَبَ فِي مُضَمَّنِهَا، وَيَذْهَبُ بِهِ الفكر في أواني حِكَمِهَا. وَقَدْ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ «5» : مَا رَأَيْنَا الذي هو أفصح منك..
فَقَالَ: «وَمَا يَمْنَعُنِي؟!! وَإِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِي، لسان عربي مبين» . وقال مرة أخرى «1» : «أنا أفصح العرب، بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ وَنَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْدٍ» . فَجُمِعَ لَهُ بِذَلِكَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُوَّةُ عَارِضَةِ «2» الْبَادِيَةِ وَجَزَالَتُهَا «3» ، وَنَصَاعَةُ «4» أَلْفَاظِ الْحَاضِرَةِ وَرَوْنَقُ «5» كَلَامِهَا، إِلَى التَّأْيِيدِ الْإِلَهِيِّ الَّذِي مَدَدُهُ الْوَحْيُ الَّذِي لَا يُحِيطُ بِعِلْمِهِ بَشَرِيٌّ «6» . وَقَالَتْ أُمُّ مَعْبَدٍ «7» فِي وَصْفِهَا لَهُ: «حُلْوُ المنطق، فصل «8» ، لا نزر «9» ، ولا هذر «10»
كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتٌ «1» نُظِمْنَ. وَكَانَ جَهِيرَ الصَّوْتِ «2» ، حسن النغمة. صلى الله عليه وسلم.
الفصل السادس شرف نسبه وكرم بلده ومنشئه صلى الله عليه وسلم
الْفَصْلُ السَّادِسُ شَرَفُ نَسَبِهِ وَكَرَمُ بَلَدِهِ وَمَنْشَئِهِ صلّى الله عليه وسلّم وأما شرف نسبه، وكرم بلده، ومنشئه فمها لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَلَا بَيَانِ مُشْكِلٍ، وَلَا خَفِيٍّ مِنْهُ. فَإِنَّهُ نُخْبَةُ بَنِي هَاشِمٍ، وَسُلَالَةُ قُرَيْشٍ وَصَمِيمُهَا، وَأَشْرَفُ الْعَرَبِ وَأَعَزُّهُمْ نَفَرًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، مِنْ أَكْرَمِ بِلَادِ اللَّهِ عَلَى الله، وعلى عباده. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فقرنا، حتى كنت في القرن الذي كنت منه» «2» .
وَعَنِ الْعَبَّاسِ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «2» «إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم ومن خَيْرِ قَرْنِهِمْ، ثُمَّ تَخَيَّرَ الْقَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ قَبِيلَةٍ، ثُمَّ تَخَيَّرَ الْبُيُوتَ، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ بُيُوتِهِمْ. فَأَنَا خَيْرُهُمْ نَفْسًا، وَخَيْرُهُمْ بَيْتًا» . وعن وائلة «3» بن الأصقع رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ «4» : وَهَذَا حَدِيثٌ صحيح «5» .
وَفِي حَدِيثٍ عَنِ ابْنِ «1» عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: رواه الطبراني «2» أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «3» : «إِنَّ الله عز وجل اخْتَارَ خَلْقَهُ، فَاخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي آدَمَ، ثُمَّ اخْتَارَ بَنِي آدَمَ، فَاخْتَارَ مِنْهُمُ الْعَرَبَ، ثُمَّ اختار العرب، فَاخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ اخْتَارَ بَنِي هَاشِمٍ فَاخْتَارَنِي مِنْهُمْ. فَلَمْ أَزَلْ خِيَارًا مِنْ خِيَارٍ. أَلَا مَنْ أَحَبَّ الْعَرَبِ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ.» وَعَنِ ابْنِ «4» عَبَّاسٍ «5» : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ رُوحُهُ نُورًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، يُسَبِّحُ ذَلِكَ النُّورُ وَتُسَبِّحُ الْمَلَائِكَةُ بِتَسْبِيحِهِ، فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ أَلْقَى ذَلِكَ النُّورَ فِي صُلْبِهِ.
فقال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَهْبَطَنِي اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ فِي صُلْبِ آدَمَ، وَجَعَلَنِي فِي صُلْبِ نُوحٍ، وَقَذَفَ بِي فِي صُلْبِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ تَعَالَى يَنْقُلُنِي مِنَ الْأَصْلَابِ الكريمة، والأرحام الطاهرة، حتى أخرجني من أَبَوَيَّ ... لَمْ يَلْتَقِيَا عَلَى سِفَاحٍ قَطُّ» . وَيَشْهَدُ بصحة هَذَا الْخَبَرِ شِعْرُ الْعَبَّاسِ «1» ، الْمَشْهُورُ فِي مَدْحِ النبي صلّى الله عليه وسلم ... ***
الفصل السابع حالته صلى الله عليه وسلم في الضروريات
الفصل السّابع حالته صلّى الله عليه وسلّم في الضروريات وَأَمَّا مَا تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ، مِمَّا فصلناه فعلى ثلاثة أضرب: - ضَرْبُ الْفَضْلِ فِي قِلَّتِهِ. - وَضَرْبُ الْفَضْلِ فِي كثرته. - وضرب تختلف الأحوال فيه ... أ- فَأَمَّا مَا التَّمَدُّحُ وَالْكَمَالُ بِقِلَّتِهِ، اتِّفَاقًا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، عَادَةً وَشَرِيعَةً، كَالْغِذَاءِ، وَالنَّوْمِ ... وَلَمْ تَزَلِ الْعَرَبُ وَالْحُكَمَاءُ تَتَمَادَحُ بِقِلَّتِهِمَا، وَتَذُمُّ بِكَثْرَتِهِمَا لِأَنَّ كَثْرَةَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ دَلِيلٌ عَلَى النَّهَمِ وَالْحِرْصِ. وَالشَّرَهِ وَغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ مُسَبِّبٌ لِمَضَارِّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، جَالِبٌ لِأَدْوَاءِ الْجَسَدِ،
وَخَثَارَةِ «1» النَّفْسِ، وَامْتِلَاءِ الدِّمَاغِ. وَقِلَّتُهُ، دَلِيلٌ عَلَى الْقَنَاعَةِ وَمِلْكُ النَّفْسِ. وَقَمْعُ الشَّهْوَةِ مُسَبِّبٌ لِلصِّحَّةِ، وَصَفَاءِ الْخَاطِرِ، وَحِدَّةِ الذِّهْنِ. كَمَا أَنَّ كَثْرَةَ النَّوْمِ دَلِيلٌ عَلَى الْفُسُولَةِ «2» وَالضَّعْفِ، وَعَدَمِ الذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ مُسَبِّبٌ لِلْكَسَلِ، وَعَادَةِ الْعَجْزِ، وَتَضْيِيعِ الْعُمْرِ فِي غَيْرِ نَفْعٍ، وَقَسَاوَةِ الْقَلْبِ، وَغَفْلَتِهِ وَمَوْتِهِ. وَالشَّاهِدُ عَلَى هَذَا: مَا يُعْلَمُ ضَرُورَةً، وَيُوجَدُ مُشَاهَدَةً، وَيُنْقَلُ مُتَوَاتِرًا، مِنْ كَلَامِ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، والحكماء السالفين، وَأَشْعَارِ الْعَرَبِ وَأَخْبَارِهَا وَصَحِيحِ الْحَدِيثِ، وَآثَارِ مَنْ سَلَفَ وَخَلَفَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِشْهَادِ عليه، وإنما تركنا ذكره هنا. اخْتِصَارًا، وَاقْتِصَارًا عَلَى اشْتِهَارِ الْعِلْمِ بِهِ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ مِنْ هَذَيْنِ الْفَنَّيْنِ بِالْأَقَلِّ ... هَذَا مَا لَا يُدْفَعُ مِنْ سِيرَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، وَحَضَّ عَلَيْهِ، لَا سِيَّمَا بِارْتِبَاطِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.
عن المقدام بن «1» معدي كرب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ» رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ. حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ» فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» . وَلِأَنَّ كَثْرَةَ النَّوْمِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ «3» : بِقِلَّةِ الطَّعَامِ يُمْلَكُ سَهَرُ اللَّيْلِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَا تَأْكُلُوا كَثِيرًا، فَتَشْرَبُوا كَثِيرًا، فَتَرْقُدُوا كَثِيرًا، فَتَخْسَرُوا كَثِيرًا. وَقَدْ رُوِيَ «4» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ: «كَانَ أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى ضفف» أي كثرة الأيدي.
وعن عائشة «1» رضي الله عنها: لم «2» يمتليء جَوْفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِبَعًا قَطُّ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ لَا يَسْأَلُهُمْ طَعَامًا وَلَا يَتَشَهَّاهُ، إِنْ أَطْعَمُوهُ أَكَلَ، وَمَا أَطْعَمُوهُ قَبِلَ، وَمَا سَقَوْهُ شَرِبَ ... - وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ «3» وَقَوْلِهِ «4» : «أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ «5» فِيهَا لَحْمٌ» . - إِذْ لَعَلَّ سَبَبَ سُؤَالِهِ ظَنُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِقَادَهُمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ، فَأَرَادَ بَيَانَ سُنَّتِهِ، إِذْ رَآهُمْ لَمْ يُقَدِّمُوهُ إِلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَأْثِرُونَ عَلَيْهِ بِهِ، فَصَدَقَ عَلَيْهِمْ ظَنُّهُ، وَبَيَّنَ لَهُمْ مَا جَهِلُوهُ مِنْ أَمْرِهِ بِقَوْلِهِ: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ» . وَفِي حِكْمَةِ لقمان «6» عليه السلام: يا بني إذا امتلأت المعدة
نَامَتِ الْفِكْرَةُ، وَخَرِسَتِ الْحِكْمَةُ، وَقَعَدَتِ الْأَعْضَاءُ عَنِ الْعِبَادَةِ. وَقَالَ سَحْنُونُ «1» : لَا يَصْلُحُ الْعِلْمُ لِمَنْ يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ. وَفِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ «2» قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا» «وَالِاتِّكَاءُ» : هُوَ التَّمَكُّنُ لِلْأَكْلِ، وَالتَّقَعْدُدُ «3» فِي الْجُلُوسِ لَهُ كَالْمُتَرَبِّعِ، وَشِبْهِهِ مِنْ تَمَكُّنِ الْجَلْسَاتِ، الَّتِي يَعْتَمِدُ فِيهَا الْجَالِسُ عَلَى مَا تَحْتَهُ ... وَالْجَالِسُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ يَسْتَدْعِي الْأَكْلَ وَيَسْتَكْثِرُ مِنْهُ. - وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ جُلُوسُهُ لِلْأَكْلِ جُلُوسَ الْمُسْتَوْفِزِ مُقْعِيًا «4» وَيَقُولُ «5» : «إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» . وَلَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي الِاتِّكَاءِ الْمَيْلُ عَلَى شِقٍّ عِنْدَ المحققين.
- وَكَذَلِكَ نَوْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَلِيلًا. شَهِدَتْ بِذَلِكَ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ. وَمَعَ ذَلِكَ فقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» «1» . - وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ اسْتِظْهَارًا عَلَى قِلَّةِ النَّوْمِ، لِأَنَّهُ على الجانب الأيسر أهنأ لهدوء القلب، وما يتعلق به من الأعضاء الباطنة حِينَئِذٍ لِمَيْلِهَا إِلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، فَيَسْتَدْعِي ذَلِكَ الِاسْتِثْقَالَ فِيهِ وَالطُّولَ. وَإِذَا نَامَ النَّائِمُ عَلَى الْأَيْمَنِ تَعَلَّقَ الْقَلْبُ وَقَلِقَ، فَأَسْرَعَ الْإِفَاقَةَ، وَلَمْ يغمره الاستغراق.
الفصل الثامن زواجه صلى الله عليه وسلم وما يتعلق به
الفصل الثامن زواجه صلّى الله عليه وسلّم وما يتعلّق به أَمَّا النِّكَاحُ. فَمُتَّفَقٌ فِيهِ شَرْعًا وَعَادَةً. فَإِنَّهُ دَلِيلُ الْكَمَالِ وَصِحَّةِ الذُّكُورِيَّةِ، وَلَمْ يَزَلِ التَّفَاخُرُ بِكَثْرَتِهِ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَالتَّمَادُحُ بِهِ سِيرَةٌ مَاضِيَةٌ. وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَسُنَّةٌ مَأْثُورَةٌ. وَقَدْ قَالَ ابن «1» عباس «2» رضي الله عنهما: أفضل هذه الأمة أكثرها نساء ... مشيرا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا، فَإِنِّي مباه بكم
الأمم «1» ، وَنَهَى عَنِ التَّبَتُّلِ «2» . مَعَ مَا فِيهِ مِنْ قَمْعِ الشَّهْوَةِ، وَغَضِّ الْبَصَرِ، اللَّذَيْنِ نَبَّهَ عَلَيْهِمَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِقَوْلِهِ «3» : «مَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ» . - حَتَّى لَمْ يَرَهُ الْعُلَمَاءُ مِمَّا يَقْدَحُ فِي الزُّهْدِ. قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «4» : قَدْ حُبِّبْنَ إِلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، فَكَيْفَ يُزْهَدُ فيهن؟!! ولابن عيينه «5» نحوه ... وَقَدْ كَانَ زُهَّادُ الصَّحَابَةِ «6» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- كثيري الزوجات والسراري، كثيري النكاح.
وَحُكِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ «1» ، وَالْحَسَنِ «2» ، وَابْنِ عُمَرَ «3» ، وَغَيْرِهِمْ غَيْرُ شَيْءٍ ... وَقَدْ كَرِهَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ عَزَبًا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ النِّكَاحُ، وَكَثْرَتُهُ مِنَ الْفَضَائِلِ، وَهَذَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا «4» - عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَدْ أَثْنَى الله تعالى عَلَيْهِ بِالْعَجْزِ عَمَّا تَعُدُّهُ فَضِيلَةً!!!. - وَهَذَا عِيسَى «5» بن مَرْيَمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- تَبَتَّلَ مِنَ النِّسَاءِ ... وَلَوْ كان كما قررته لنكح ...
فَاعْلَمْ: أَنَّ ثَنَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى يَحْيَى، بِأَنَّهُ حَصُورٌ، لَيْسَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ كَانَ هَيُوبًا «1» ، أَوْ لَا ذَكَرَ لَهُ ... بَلْ قَدْ أَنْكَرَ هَذَا حُذَّاقُ «2» الْمُفَسِّرِينَ وَنُقَّادُ الْعُلَمَاءِ، وقالوا: هذه نقيصة وعيب، ولا يليق بالأنبياء عليهم السلام. - وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنَ الذُّنُوبِ، أَيْ لَا يَأْتِيهَا. كَأَنَّهُ حُصِرَ عَنْهَا. وَقِيلَ: مَانِعًا نفسه من الشهوات. وقيل: ليست له شهوة في النساء. - فقد بان لك مِنْ هَذَا، أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى النِّكَاحِ نَقْصُ. - وَإِنَّمَا الْفَضْلُ فِي كَوْنِهَا مَوْجُودَةٌ ثُمَّ قَمْعُهَا، إِمَّا بِمُجَاهَدَةٍ كَعِيسَى «3» عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ بِكِفَايَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَيَحْيَى» عَلَيْهِ السَّلَامُ، فضيلة زائدة لكونها مشغلة فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، حَاطَّةٌ إِلَى الدُّنْيَا.
- ثُمَّ هِيَ فِي حَقِّ مَنْ أُقْدِرَ عَلَيْهَا وَمَلَكَهَا، وَقَامَ بِالْوَاجِبِ فِيهَا وَلَمْ تَشْغَلْهُ عَنْ رَبِّهِ دَرَجَةً عَلْيَاءَ، وَهِيَ دَرَجَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَمْ تَشْغَلْهُ كَثْرَتُهُنَّ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، بَلْ زَادَهُ ذَلِكَ عِبَادَةً لِتَحْصِينِهِنَّ، وَقِيَامِهِ بِحُقُوقِهِنَّ، وَاكْتِسَابِهِ لَهُنَّ، وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُنَّ. - بَلْ صَرَّحَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ حُظُوظِ دُنْيَاهُ هُوَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حُظُوظِ دُنْيَا غَيْرِهِ. فقال عليه الصلاة والسلام: «حبّب إليّ من دنياكم «1» » . فدلّ أَنَّ حُبَّهُ لِمَا ذَكَرَ مِنَ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ، اللذين هما من أمر دُنْيَا غَيْرِهِ، وَاسْتِعْمَالِهِ لِذَلِكَ لَيْسَ لِدُنْيَاهُ، بَلْ لِآخِرَتِهِ، لِلْفَوَائِدِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي التَّزْوِيجِ، وَلِلِقَاءِ الْمَلَائِكَةِ فِي الطِّيبِ، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا مِمَّا يَحُضُّ عَلَى الْجِمَاعِ وَيُعِينُ عَلَيْهِ، وَيُحَرِّكُ أَسْبَابَهُ. - وَكَانَ حُبُّهُ لِهَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ لِأَجْلِ غَيْرِهِ، وَقِمْعِ شَهْوَتِهِ. وكان حبه الحقيقي المختص بذاته في مشاهدة جَبَرُوتَ مَوْلَاهُ، وَمُنَاجَاتِهِ. وَلِذَلِكَ مَيَّزَ بَيْنَ الْحُبَّيْنِ، وفصل بين الحالين.
فَقَالَ: وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» . - فَقَدْ سَاوَى يَحْيَى «1» وَعِيسَى «2» فِي كِفَايَةِ فِتْنَتِهِنَّ، وَزَادَ فَضِيلَةً بِالْقِيَامِ بِهِنَّ. - وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ أُقْدِرَ عَلَى الْقُوَّةِ فِي هَذَا، وَأُعْطِيَ الْكَثِيرَ مِنْهُ، وَلِهَذَا أُبِيحُ لَهُ مِنْ عَدَدِ الْحَرَائِرِ مَا لَمْ يُبَحْ لِغَيْرِهِ. وَقَدْ روينا «3» عن أنس «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ «5» . قَالَ أَنَسٌ «6» : وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ رجلا. أخرجه النسائي «7»
وروي «1» نحوه، عن أبي رافع «2» . وعن طاووس «3» : «أعطي عليه الصلاة والسلام قوة أربعين رجلا في الجماع» «4» . وعن صفوان «5» بن سليم مثله. وَقَالَتْ سَلْمَى «6» مَوْلَاتُهُ: طَافَ «7» النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً عَلَى نِسَائِهِ التِّسْعِ، وَتَطَهَّرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْأُخْرَى وَقَالَ: «هَذَا أَطْيَبُ وَأَطْهَرُ» . وَقَدْ قَالَ سُلَيْمَانُ «8» عليه السلام: «لأطوفن «9» الليلة على مئة إمرأة،
أو تسع وتسعين «1» » وإنه فعل ذلك. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ «2» : كَانَ «3» فِي ظَهْرِ سُلَيْمَانَ مَاءُ مئة رجل، وكان له ثلثمائة امرأة، وثلثمائة سرية. وحكى النقاش «4» وغيره: سبع «5» مئة إمرأة، وثلاث مئة سرية. - وقد كان لداوود «6» عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى زُهْدِهِ وَأَكْلِهِ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً، وَتَمَّتْ بِزَوْجِ أُورِيَّاءَ مئة «7» . - وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وتسعون نعجة» «8» .
وفي حديث أنس «1» : عنه عليه الصلاة والسلام «2» : «فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِأَرْبَعٍ: بِالسَّخَاءِ، وَالشَّجَاعَةِ، وَكَثْرَةِ الْجِمَاعِ، وَقُوَّةِ الْبَطْشِ» . - وَأَمَّا الْجَاهُ فَمَحْمُودٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ عَادَةً، وَبِقَدْرِ جَاهِهِ عِظَمُهُ فِي الْقُلُوبِ. وقد قال تَعَالَى فِي صِفَةِ عِيسَى «3» عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ «4» » . لَكِنَّ آفَاتِهِ كَثِيرَةٌ، فَهُوَ مُضِرٌّ لِبَعْضِ النَّاسِ لِعُقْبَى الْآخِرَةِ، فَلِذَلِكَ ذَمَّهُ مَنْ ذَمَّهُ، وَمَدَحَ ضِدَّهُ. - وَوَرَدَ فِي الشَّرْعِ «5» مَدْحُ الْخُمُولِ «6» ، وَذَمُّ العلو» في الأرض.
- وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رُزِقَ مِنَ الْحِشْمَةِ، وَالْمَكَانَةِ فِي الْقُلُوبِ، وَالْعَظْمَةِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، عِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ وَبَعْدَهَا، وَهُمْ يُكَذِّبُونَهُ، وَيُؤْذُونَ أَصْحَابَهُ، وَيَقْصِدُونَ أَذَاهُ فِي نَفْسِهِ خِفْيَةً، حَتَّى إِذَا وَاجَهَهُمْ أَعَظَمُوا أَمْرَهُ، وَقَضَوْا حَاجَتَهُ. وَأَخْبَارُهُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفَةٌ سَيَأْتِي بَعْضُهَا. وَقَدْ كَانَ يَبْهَتُ وَيَفْرَقُ لِرُؤْيَتِهِ مَنْ لَمْ يَرَهُ. كَمَا روي عن قبيلة «1» : أَنَّهَا لَمَّا رَأَتْهُ أَرْعَدَتْ مِنَ الْفَرَقِ «2» ، فَقَالَ: «يَا مِسْكِينَةُ عَلَيْكِ السَّكِينَةُ» «3» . وَفِي حَدِيثِ أَبِي مسعود «4» رضي الله عنه: «أَنَّ رَجُلًا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَرْعَدَ. فَقَالَ له: هوّن عليك فإنّي لست بملك ... » «5» الحديث «6» .
- فأما عظيم قَدْرِهِ بِالنُّبُوَّةِ، وَشَرِيفُ مَنْزِلَتِهِ بِالرِّسَالَةِ، وَإِنَافَةُ «1» رُتْبَتِهِ بِالِاصْطِفَاءِ وَالْكَرَامَةِ فِي الدُّنْيَا، فَأَمْرٌ هُوَ مَبْلَغُ النِّهَايَةِ. ثُمَّ هُوَ فِي الْآخِرَةِ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ «2» . وَعَلَى مَعْنَى هَذَا الْفَصْلِ نَظَمْنَا هَذَا القسم بأسره.
الفصل التاسع ما يتعلق بالمال والمتاع
الْفَصْلُ التَّاسِعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ وَالْمَتَاعِ وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ، فَهُوَ مَا تَخْتَلِفُ الْحَالَاتُ فِي التَّمَدُّحِ بِهِ، وَالتَّفَاخُرِ بِسَبَبِهِ، وَالتَّفْضِيلِ لِأَجْلِهِ، كَكَثْرَةِ الْمَالِ. - فَصَاحِبُهُ عَلَى الْجُمْلَةِ مُعَظَّمٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ لِاعْتِقَادِهَا تَوَصُّلَهُ بِهِ إِلَى حَاجَاتِهِ، وَتَمَكُّنِ أَغْرَاضِهِ بِسَبَبِهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ فَضِيلَةٌ فِي نَفْسِهِ. - فَمَتَى كَانَ الْمَالُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، وَصَاحِبُهُ مُنْفِقًا لَهُ في مهماته، ومهمات مَنِ اعْتَرَاهُ وَأَمَّلَهُ، وَتَصْرِيفِهِ فِي مَوَاضِعِهِ، مُشْتَرِيًا به المعالي والثناء الحسن، والمنزلة من الْقُلُوبِ، كَانَ فَضِيلَةً فِي صَاحِبِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا. - وَإِذَا صَرَفَهُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ، وَأَنْفَقَهُ في سبل الْخَيْرِ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ اللَّهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ كَانَ فَضِيلَةً عِنْدَ الْكُلِّ بِكُلِّ حَالٍ.
- وَمَتَى كَانَ صَاحِبُهُ مُمْسِكًا لَهُ، غَيْرَ مُوَجِّهِهِ وجوهه، حريصا على جمعه، عادت كثرته كَالْعَدَمِ وَكَانَ مَنْقَصَةً فِي صَاحِبِهِ، وَلَمْ يَقِفْ بِهِ عَلَى جُدَدِ «1» السَّلَامَةِ، بَلْ أَوْقَعَهُ فِي هُوَّةِ «2» رَذِيلَةِ الْبُخْلِ، وَمَذَمَّةِ النَّذَالَةِ. - فَإِذَا التَّمَدُّحُ بِالْمَالِ وَفَضِيلَتُهُ عِنْدَ مُفَضِّلِهِ لَيْسَتْ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا هو للتوصل به إلى غيره، وتعريفه فِي مُتَصَرَّفَاتِهِ ... - فَجَامِعُهُ إِذَا لَمْ يَضَعْهُ مَوَاضِعَهُ، وَلَا وَجَّهَهُ وُجُوهَهُ غَيْرَ مَلِيءٍ «3» بِالْحَقِيقَةِ، وَلَا غَنِيٍّ بِالْمَعْنَى وَلَا مُمْتَدَحٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ العقلاء، بل هو فقير أبدا، وغير وَاصِلٍ إِلَى غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِهِ، إِذْ مَا بِيَدِهِ مِنَ الْمَالِ الْمُوصِلِ لَهَا لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ خَازِنَ مَالِ غَيْرِهِ، وَلَا مَالَ له، فكأنه لَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ. - وَالْمُنْفِقُ مَلِيءٌ غَنِيٌّ بِتَحْصِيلِهِ فَوَائِدَ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ مِنَ الْمَالِ شَيْءٌ. - فَانْظُرْ سِيرَةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلُقَهُ فِي المال، تجده قد أوتي خزائن
الْأَرْضِ، وَمَفَاتِيحَ الْبِلَادِ، وَأُحِلَّتْ لَهُ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِنَبِيٍّ قَبْلَهُ، وَفُتِحَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَادُ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَجَمِيعُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَمَا دَانَى ذَلِكَ مِنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَجُلِبَتْ إِلَيْهِ مِنْ أَخْمَاسِهَا، وَجِزْيَتِهَا، وَصَدَقَاتِهَا مَا لَا يُجْبَى لِلْمُلُوكِ إِلَّا بَعْضُهُ، وَهَادَتْهُ «1» جَمَاعَةٌ مِنْ مُلُوكِ الْأَقَالِيمِ، فَمَا اسْتَأْثَرَ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا أَمْسَكَ مِنْهُ دِرْهَمًا، بَلْ صَرَفَهُ مَصَارِفَهُ وَأَغْنَى بِهِ غَيْرَهُ، وَقَوَّى بِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ «2» : «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي أُحُدًا ذهبا يبيت عندي منه دينار، إلا دينار أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ «3» » وَأَتَتْهُ دَنَانِيرُ مَرَّةً فَقَسَّمَهَا، وَبَقِيَتْ منها سِتَّةٌ، فَدَفَعَهَا لِبَعْضِ نِسَائِهِ فَلَمْ يَأْخُذْهُ نَوْمٌ حَتَّى قَامَ وَقَسَّمَهَا، وَقَالَ: «الْآنَ اسْتَرَحْتُ «4» » وَمَاتَ، ودرعه مرهونة في نفقة عياله «5» .
واقتصر من ملبسه ومسكنه، على ما تدعوه ضَرُورَتُهُ إِلَيْهِ، وَزَهِدَ فِيمَا سِوَاهُ، فَكَانَ يَلْبَسُ مَا وَجَدَهُ. فَيَلْبَسُ فِي الْغَالِبِ الشَّمْلَةَ «1» وَالْكِسَاءَ الْخَشِنَ، وَالْبُرْدَ الْغَلِيظَ، وَيَقْسِمُ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَقْبِيَةَ الدِّيبَاجِ «2» الْمُخَوَّصَةِ «3» بِالذَّهَبِ، وَيَرْفَعُ لِمَنْ لَمْ يحضر. - إِذِ الْمُبَاهَاةُ فِي الْمَلَابِسِ وَالتَّزَيُّنُ بِهَا، لَيْسَتْ مِنْ خِصَالِ الشَّرَفِ وَالْجَلَالَةِ، وَهِيَ مِنْ سِمَاتِ النِّسَاءِ. - وَالْمَحْمُودُ مِنْهَا نَقَاوَةُ الثَّوْبِ، وَالتَّوَسُّطُ فِي جِنْسِهِ، وَكَوْنُهُ لُبْسَ مِثْلِهِ، غَيْرَ مُسْقِطٍ لِمُرُوءَةِ جِنْسِهِ، مِمَّا لَا يُؤَدِّي إِلَى الشُّهْرَةِ فِي الطَّرَفَيْنِ. - وَقَدْ ذَمَّ الشَّرْعُ ذَلِكَ، وَغَايَةُ الْفَخْرِ فِيهِ فِي الْعَادَةِ عِنْدَ النَّاسِ إِنَّمَا يَعُودُ إِلَى الْفَخْرِ بِكَثْرَةِ الْمَوْجُودِ، وَوُفُورِ الْحَالِ. - وَكَذَلِكَ التَّبَاهِي بِجَوْدَةِ الْمَسْكَنِ، وَسِعَةِ الْمَنْزِلِ، وَتَكْثِيرِ آلَاتِهِ، وخدمه، ومركوباته، ومن ملك الأرض، وجي إليه ما فيها، وترك ذلك زهدا وتنزها، فهو حائز لفضيلة المالية،
وَمَالِكٌ لِلْفَخْرِ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ- إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةً- زائد عليها في الفخر ومعرق فِي الْمَدْحِ بِإِضْرَابِهِ عَنْهَا، وَزُهْدِهِ فِي فَانِيهَا وَبَذْلِهَا فِي مَظَانِّهَا ...
الفصل العاشر الأخلاق الحميدة
الْفَصْلُ الْعَاشِرُ الْأَخْلَاقُ الْحَمِيدَةُ وَأَمَّا الْخِصَالُ الْمُكْتَسَبَةُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ، وَالْآدَابِ الشَّرِيفَةِ، الَّتِي اتَّفَقَ جَمِيعُ الْعُقَلَاءِ عَلَى تَفْضِيلِ صَاحِبِهَا، وَتَعْظِيمِ الْمُتَّصِفِ بِالْخُلُقِ الْوَاحِدِ مِنْهَا فَضْلًا عَمَّا فَوْقَهُ، وَأَثْنَى الشَّرْعُ عَلَى جَمِيعِهَا وَأَمَرَ بِهَا، وَوَعَدَ السَّعَادَةَ الدَّائِمَةَ لِلْمُتَخَلِّقِ بِهَا، وَوَصَفَ بَعْضَهَا بِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ. وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ. - وَهُوَ الِاعْتِدَالُ فِي قُوَى النَّفْسِ، وَأَوْصَافِهَا وَالتَّوَسُّطُ فِيهَا، دُونَ الْمَيْلِ إِلَى مُنْحَرِفِ أَطْرَافِهَا. - فَجَمِيعُهَا قَدْ كَانَتْ خُلُقَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الِانْتِهَاءِ فِي كَمَالِهَا، وَالِاعْتِدَالِ إِلَى غَايَتِهَا، حتى أثنى الله عليه بذلك.
فقال تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» «1» . قالت عائشة «2» رضي الله عنها: «كان «3» خلقه الْقُرْآنَ، يَرْضَى بِرِضَاهُ، وَيَسْخَطُ بِسُخْطِهِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : «بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» . قَالَ «5» أَنَسٌ «6» : «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنُ النَّاسِ خُلُقًا» . وَعَنْ عَلِيِّ «7» بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلُهُ «8» . وَكَانَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ مَجْبُولًا عَلَيْهَا فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ، وَأَوَّلِ فِطْرَتِهِ، لَمْ تَحْصُلْ لَهُ بِاكْتِسَابٍ وَلَا رِيَاضَةٍ، إِلَّا بِجُودٍ إِلَهِيٍّ، وَخُصُوصِيَّةٍ رَبَّانِيَّةٍ، وَهَكَذَا لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. وَمَنْ طَالَعَ سِيَرَهُمْ مُنْذُ صِبَاهُمْ إِلَى مَبْعَثِهِمْ حَقَّقَ ذَلِكَ كَمَا عرف من
حَالِ عِيسَى «1» ، وَمُوسَى «2» ، وَيَحْيَى «3» ، وَسُلَيْمَانَ «4» ، وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، بَلْ غُرِزَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ فِي الْجِبِلَّةِ، وَأُودِعُوا الْعِلْمَ وَالْحِكْمَةَ فِي الْفِطْرَةِ. قَالَ الله تعالى: «وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» » . قال المفسرون: أعطى الله يحيى «6» عليه السلام الْعِلْمَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَالِ صِبَاهُ. وقال معمر «7» : كان ابْنَ سَنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ «8» ، فَقَالَ لَهُ الصِّبْيَانُ لم لا تلعب؟! فقال: أللعب خلقت؟! وقيل في قوله تعالى: «مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ» «9» .
صدّق يحيى «1» بعيسى «2» ، ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَشَهِدَ لَهُ أَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ، وَرُوحُهُ. وَقِيلَ «3» : صَدَّقَهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَكَانَتْ أُمُّ يَحْيَى «4» تَقُولُ لِمَرْيَمَ «5» : إِنِّي أَجِدُ مَا فِي بَطْنِي يَسْجُدُ لِمَا فِي بَطْنِكِ تَحِيَّةً لَهُ. وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كَلَامِ عِيسَى «6» لِأُمِّهِ، عِنْدَ وِلَادَتِهَا. إِيَّاهُ، بقوله لها: «لا تحزني» «7» عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ «8» «مِنْ تَحْتِهَا» «9» ، وَعَلَى قول من قال «10» : إنّ المنادي عيسى «11» عليه السلام. وَنَصَّ عَلَى كَلَامِهِ فِي مَهْدِهِ، فَقَالَ: «إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا» «12» . وقال تعالى: «فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ، وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً «13» » .
وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ حُكْمِ سُلَيْمَانَ، وَهُوَ صَبِيٌّ يَلْعَبُ فِي قَضِيَّةِ الْمَرْجُومَةِ «1» ، وَفِي قِصَّةِ الصَّبِيِّ «2» ما اقتدى به داوود «3» أبوه. وقال الطبري «4» : إن عمره حين أوتي الملك إثني عشر عاما.
- وَكَذَلِكَ قِصَّةُ مُوسَى «1» مَعَ فِرْعَوْنَ «2» ، وَأَخْذِهِ بِلِحْيَتِهِ وَهُوَ طِفْلٌ. وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ» «3» : أي هديناه صغيرا. قال مُجَاهِدٌ «4» ، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ «5» : اصْطَفَاهُ قَبْلَ خَلْقِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ «6» : لَمَّا وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ «7» عَلَيْهِ الصلاة والسلام بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ مَلَكًا، يَأْمُرُهُ عَنِ اللَّهِ أَنْ يَعْرِفَهُ بِقَلْبِهِ، وَيَذْكُرَهُ بِلِسَانِهِ. فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، وَلَمْ يَقُلْ: أَفْعَلُ، فَذَلِكَ رُشْدُهُ.
- وَقِيلَ: إِنَّ إِلْقَاءَ إِبْرَاهِيمَ «1» عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي النَّارِ وَمِحْنَتَهُ كَانَتْ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سنة. - وإن ابتلاء إسحق «2» بِالذَّبْحِ كَانَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ «3» . - وَإِنَّ استدلال إبراهيم» ، بالكواكب وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، كَانَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَةَ عَشَرَ شهرا. وقيل: أوحى الله تعالى إِلَى يُوسُفَ «5» ، وَهُوَ صَبِيٌّ، عِنْدَمَا هَمَّ إِخْوَتُهُ بِإِلْقَائِهِ فِي الْجُبِّ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» «6» . إلى غير ذلك مما ذكر مِنْ أَخْبَارِهِمْ. وَقَدْ حَكَى أَهْلُ السِّيَرِ: أَنَّ آمنة بنت وهب، أخبرت أن
نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ حِينَ وُلِدَ بَاسِطًا يَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ «1» . وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «لَمَّا نَشَأْتُ بُغِّضَتْ إِلَيَّ الْأَوْثَانُ، وَبُغِّضَ إِلَيَّ الشِّعْرُ، وَلَمْ أَهُمَّ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ إِلَّا مَرَّتَيْنِ، فَعَصَمَنِي اللَّهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ لَمْ أَعُدْ» . - ثُمَّ يَتَمَكَّنُ الأمر لهم، وتترادف نفحات الله تعالى عَلَيْهِمْ، وَتُشْرِقُ أَنْوَارُ الْمَعَارِفِ فِي قُلُوبِهِمْ، حَتَّى يصلوا إلى الْغَايَةَ، وَيَبْلُغُوا بِاصْطِفَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِالنُّبُوَّةِ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ الْخِصَالِ الشَّرِيفَةِ النِّهَايَةَ، دُونَ مُمَارَسَةٍ، وَلَا رِيَاضَةٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً» «3» . - وَقَدْ نَجِدُ غَيْرَهُمْ يُطْبَعُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ دُونَ جَمِيعِهَا، وَيُولَدُ عَلَيْهَا، فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ اكْتِسَابُ تَمَامِهَا، عِنَايَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. - كَمَا نُشَاهِدُ مِنْ خَلْقِهِ بَعْضَ الصِّبْيَانِ عَلَى حُسْنِ السمت،
أَوِ الشَّهَامَةِ، أَوْ صِدْقِ اللِّسَانِ أَوِ السَّمَاحَةِ، وَكَمَا نَجِدُ بَعْضَهُمْ عَلَى ضِدِّهَا. فَبِالِاكْتِسَابِ يَكْمُلُ نَاقِصُهَا، وَبِالرِّيَاضَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ يُسْتَجْلَبُ مَعْدُومُهَا، وَيَعْتَدِلُ مُنْحَرِفُهَا، وباختلاف هذين الحالين يتفادى النَّاسُ فِيهَا، وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ. - ولهذا قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهَا، هَلْ هَذَا الْخُلُقُ جِبِلَّةٌ أَوْ مُكْتَسَبَةٌ؟ وَحَكَى الطَّبَرِيُّ «1» عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: أَنَّ الْخُلُقَ الْحَسَنَ جِبِلَّةٌ وَغَرِيزَةٌ فِي الْعَبْدِ. وَحَكَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ «2» بْنِ مَسْعُودٍ والحسن «3» ، وبه قال هو. - والصحيح ما أصّلناه.
وَقَدْ رَوَى سَعْدٌ «1» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ «2» : «كُلُّ الْخِلَالِ يُطْبَعُ عَلَيْهَا الْمُؤْمِنُ إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ» . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي حَدِيثِهِ «4» : وَالْجُرْأَةُ وَالْجُبْنُ غَرَائِزُ يَضَعُهُمَا اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ. - وَهَذِهِ الأخلاق المحموده والخصال الجميلة الشريفة كَثِيرَةٌ، وَلَكِنَّنَا نَذْكُرُ أُصُولَهَا، وَنُشِيرُ إِلَى جَمِيعِهَا، وَنُحَقِّقُ وَصْفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا- إن شاء الله-.
الفصل الحادي عشر العقل
الفصل الحادي عشر العقل أَمَّا أَصْلُ فُرُوعِهَا، وَعُنْصُرُ يَنَابِيعِهَا، وَنُقْطَةُ دَائِرَتِهَا فَالْعَقْلُ الَّذِي مِنْهُ يَنْبَعِثُ الْعِلْمُ وَالْمَعْرِفَةُ. وَيَتَفَرَّعُ من هَذَا ثُقُوبُ الرَّأْيِ، وَجَوْدَةُ الْفِطْنَةِ، وَالْإِصَابَةُ، وَصِدْقُ الظَّنِّ، وَالنَّظَرُ لِلْعَوَاقِبِ، وَمَصَالِحُ النَّفْسِ، وَمُجَاهَدَةُ الشَّهْوَةِ، وَحُسْنُ السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ، وَاقْتِنَاءُ الْفَضَائِلِ، وَتَجَنُّبُ الرَّذَائِلِ. - وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى مَكَانِهِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبُلُوغِهِ مِنْهُ، وَمِنَ الْعِلْمِ الْغَايَةَ الْقُصْوَى الَّتِي لَمْ يَبْلُغْهَا بَشَرٌ سِوَاهُ. - وَإِذْ جَلَالَةُ مَحَلِّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمِمَّا تَفَرَّعَ مِنْهُ مُتَحَقِّقَةٌ عِنْدَ مَنْ تَتَبَّعَ مَجَارِيَ أَحْوَالِهِ، وَاطِّرَادَ سِيَرِهِ، وَحُكْمَ حَدِيثِهِ، وَعِلْمِهِ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، وَحِكَمِ الْحُكَمَاءِ وَسِيَرِ الْأُمَمِ
الْخَالِيَةِ وَأَيَّامِهَا، وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ، وَسِيَاسَاتِ الْأَنَامِ، وَتَقْرِيرِ الشَّرَائِعِ، وَتَأْصِيلِ الْآدَابِ النَّفْسِيَّةِ «1» ، وَالشِّيَمِ الْحَمِيدَةِ، إِلَى فُنُونِ الْعُلُومِ الَّتِي اتَّخَذَ أَهْلُهَا كَلَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا قَدْوَةً، وَإِشَارَاتِهِ حُجَّةً. كَالْعِبَارَةِ «2» - وَالطِّبِّ- وَالْحِسَابِ- وَالْفَرَائِضِ- وَالنَّسَبِ- وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنُبَيِّنُهُ فِي مُعْجِزَاتِهِ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى-، دُونَ تَعْلِيمٍ وَلَا مُدَارَسَةٍ، وَلَا مُطَالَعَةِ كُتُبِ مَنْ تَقَدَّمَ، وَلَا الْجُلُوسِ إِلَى عُلَمَائِهِمْ، بل بني أُمِّيٌّ لَمْ يُعْرَفْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ، وَأَبَانَ أَمْرَهُ، وَعَلَّمَهُ، وَأَقْرَأَهُ. - يَعْلَمُ ذَلِكَ بِالْمُطَالَعَةِ، وَالْبَحْثِ عَنْ حَالِهِ، ضَرُورَةً، بالبرهان الْقَاطِعِ عَلَى نُبُوَّتِهِ نَظَرًا ... فَلَا نَطُولُ بِسَرْدِ الْأَقَاصِيصِ وَآحَادِ الْقَضَايَا، إِذْ مَجْمُوعُهَا مَا لَا يَأْخُذُهُ حَصْرٌ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ حِفْظٌ جَامِعٌ. - وَبِحَسَبِ عَقْلِهِ كَانَتْ مَعَارِفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَائِرِ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَطْلَعَهُ عَلَيْهِ، مِنْ عِلْمِ مَا يَكُونُ، وَمَا كان، وعجائب قدرته وعظيم ملكوته.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً» «1» . حارت العقول في تقدير فضله، وَخَرِسَتِ الْأَلْسُنُ دُونَ وَصْفٍ يُحِيطُ بِذَلِكَ، أَوْ ينتهي إليه.
الفصل الثاني عشر الحلم والاحتمال والعفو
الفصل الثاني عشر الحلم والاحتمال وَالْعَفْوُ وَأَمَّا الْحِلْمُ وَالِاحْتِمَالُ وَالْعَفْوُ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَالصَّبْرُ عَلَى مَا يَكْرَهُ. - وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَلْقَابِ فَرْقٌ. - فَإِنَّ الْحِلْمَ: حَالَةُ تَوَقُّرٍ وَثَبَاتٍ عِنْدَ الْأَسْبَابِ الْمُحَرِّكَاتِ. - وَالِاحْتِمَالَ: حَبْسُ النَّفْسِ عِنْدَ الْآلَامِ والمؤذيات. - والصبر: مثلها. وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ. - وَأَمَّا الْعَفْوُ: فَهُوَ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ ... وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا أَدَّبَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نبيه صلّى الله عليه وسلم: فقال تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ» «1» الآية.
رُوِيَ «1» : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ، سَأَلَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ تَأْوِيلِهَا. فَقَالَ لَهُ: حَتَّى أَسْأَلَ الْعَالِمَ، ثُمَّ ذَهَبَ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ ... وقال له: «وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ» الآية. «2» وقال تعالى: «فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ» «3» . وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا» «4» الآية. وقال تعالى: «وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» «5» . وَلَا خَفَاءَ بِمَا يُؤْثَرُ مِنْ حِلْمِهِ وَاحْتِمَالِهِ، وَأَنَّ كُلَّ حَلِيمٍ قَدْ عُرِفَتْ مِنْهُ زَلَّةٌ، وَحُفِظَتْ عَنْهُ هَفْوَةٌ، وَهُوَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَزِيدُ مَعَ كَثْرَةِ الْأَذَى إِلَّا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما.
عَنْ عَائِشَةَ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ «2» مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي أَمْرَيْنِ قَطُّ، إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ؛ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِهَا. وَرُوِيَ «3» : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجَّ وَجْهُهُ يَوْمَ أُحُدٍ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِهِ شَقًّا شَدِيدًا، وَقَالُوا: لَوْ دَعَوْتَ عَلَيْهِمْ: فَقَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَلَكِنِّي بُعِثْتُ دَاعِيًا وَرَحْمَةً، اللَّهُمَّ اهْدِ قومي فإنهم لا يعلمون» . وري «4» عَنْ عُمَرَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ: «بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ. لَقَدْ دَعَا نُوحٌ عَلَى قَوْمِهِ فقال:
«رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً» «1» وَلَوْ دَعَوْتَ عَلَيْنَا مِثْلَهَا لَهَلَكْنَا مِنْ عِنْدِ آخرنا، فلقد وطيء ظَهْرُكَ، وَأُدْمِيَ وَجْهُكَ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُكَ، فَأَبَيْتَ أَنْ تَقُولَ إِلَّا خَيْرًا، فَقُلْتَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ: انْظُرْ مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ جِمَاعِ الْفَضْلِ وَدَرَجَاتِ الْإِحْسَانِ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَكَرَمِ النَّفْسِ، وَغَايَةِ الصَّبْرِ وَالْحِلْمِ. - إِذْ لَمْ يَقْتَصِرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السُّكُوتِ عَنْهُمْ، حَتَّى عَفَا عَنْهُمْ، ثُمَّ أَشْفَقَ عَلَيْهِمْ وَرَحِمَهُمْ، وَدَعَا، وسفع لَهُمْ، فَقَالَ: «اغْفِرْ» أَوِ «اهْدِ» . ثُمَّ أَظْهَرَ سَبَبَ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ بِقَوْلِهِ «لِقَوْمِي» ثُمَّ اعْتَذَرَ عَنْهُمْ بِجَهْلِهِمْ، فَقَالَ «فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» . وَلَمَّا قَالَ لَهُ الرَّجُلُ «2» : «اعْدِلْ فَإِنَّ هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ» لَمْ يَزِدْهُ في جوابه أن بين لَهُ مَا جَهِلَهُ، وَوَعَظَ نَفْسَهُ، وَذَكَّرَهَا بِمَا قال له.
فَقَالَ «1» : «وَيْحَكَ فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ «2» . خِبْتُ «3» وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ» . وَنَهَى مَنْ أَرَادَ مِنْ أَصْحَابِهِ قَتْلَهُ» . - وَلَمَّا تَصَدَّى لَهُ غورث «5» بن الحارث ليفتك «6» به صلّى الله عليه وسلم، وهو مُنْتَبِذٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَحْدَهُ قَائِلًا «7» ، وَالنَّاسُ قَائِلُونَ في غزاة «8» فلم ينته رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وَهُوَ قَائِمٌ، وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ. فَقَالَ: من يمنعك مني. فقال: «الله»
فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ: «مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي» . قَالَ: كُنْ خَيْرَ آخِذٍ. فَتَرَكَهُ وَعَفَا عَنْهُ، فَجَاءَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ «1» . - وَمِنْ عَظِيمِ خَبَرِهِ فِي الْعَفْوِ عَفْوُهُ عَنِ الْيَهُودِيَّةِ «2» الَّتِي سَمَّتْهُ فِي الشَّاةِ بَعْدَ اعْتِرَافِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الرِّوَايَةِ «3» . - وَأَنَّهُ لم يؤاخذ لبيد «4» بن الأعظم إِذْ سَحَرَهُ وَقَدْ أُعْلِمَ بِهِ وَأُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْحِ أَمْرِهِ «5» ، وَلَا عَتَبَ عَلَيْهِ فَضْلًا عَنْ مُعَاقَبَتِهِ. - وَكَذَلِكَ لَمْ يُؤَاخِذْ «6» عَبْدَ اللَّهِ «7» بْنَ أبي وأشباهه من
الْمُنَافِقِينَ «1» ، بِعَظِيمِ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ فِي جِهَتِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا، بَلْ قَالَ «2» لِمَنْ أَشَارَ بِقَتْلِ بعضهم: «لا. لِئَلَّا يُتَحَدَّثُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» «3» وَعَنْ أنس «4» رضي الله عنه قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَجَبَذَهُ أَعْرَابِيٌّ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَثَّرَتْ حَاشِيَةُ الْبُرْدِ فِي صَفْحَةِ عَاتِقِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، احْمِلْ لِي عَلَى بَعِيرِيَّ هَذَيْنِ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ «5» . فَإِنَّكَ لَا تَحْمِلُ لِي مِنْ مالك ولا من مال أَبِيكَ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «الْمَالُ مَالُ اللَّهِ. وَأَنَا عَبْدُهُ» ثُمَّ قَالَ: «وَيُقَادُ مِنْكَ يَا أَعْرَابِيُّ مَا فَعَلْتَ بِي» ، قَالَ: لَا، قَالَ: «لِمَ» قَالَ: لأنك لا تكافىء بالسيئة السيئة.
فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أمر أن يحمل له على بعير شَعِيرٌ، وَعَلَى الْآخَرِ تَمْرٌ. قَالَتْ عَائِشَةُ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْتَصِرًا مِنْ مَظْلَمَةٍ ظُلِمَهَا قَطُّ، مَا لَمْ تَكُنْ حُرْمَةً مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَمَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا ضَرَبَ خادما وَلَا امْرَأَةً «2» ... - وَجِيءَ إِلَيْهِ بِرَجُلٍ «3» ، فَقِيلَ: هَذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ تُرَاعَ، لَنْ تُرَاعَ وَلَوْ أَرَدْتَ ذَلِكَ لَمْ تُسَلَّطْ عَلَيَّ» . - وَجَاءَهُ «4» زَيْدُ «5» بْنُ سَعْنَةَ قَبْلَ إِسْلَامِهِ يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا عَلَيْهِ فَجَبَذَ ثَوْبَهُ عَنْ مَنْكِبِهِ، وَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثيابه، وأغلظ له، ثم قال:
إِنَّكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمَطْلَبِ مُطْلٌ، فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ «1» ، وَشَدَّدَ لَهُ فِي الْقَوْلِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم يتبسم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنا، وهو، كنا إلى غير هذا منك أحوج يَا عُمَرُ. تَأْمُرُنِي بِحُسْنِ الْقَضَاءِ. وَتَأْمُرُهُ بِحُسْنِ التَّقَاضِي» . ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ بَقِيَ مِنْ أَجْلِهِ ثَلَاثٌ» . وَأَمَرَ عُمَرَ «2» يَقْضِيهِ مَالَهُ، وَيَزِيدَهُ عِشْرِينَ صاعا لما روّعه. - فكان سبب إسلامه وذلك أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَا بَقِيَ مِنْ عَلَامَاتِ النبوة شيء إلا وقد عرفتهما في وجه مُحَمَّدٍ إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا: - يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلُهُ، - وَلَا تَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ إِلَّا حِلْمًا فَاخْتَبَرْتُهُ بِهَذَا فَوَجَدْتُهُ كَمَا وُصِفَ ... وَالْحَدِيثُ عَنْ حِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَبْرِهِ، وَعَفْوِهِ عند المقدرة أكثر من أن نأتي عَلَيْهِ، وَحَسْبُكَ مَا ذَكَرْنَاهُ، مِمَّا فِي الصَّحِيحِ وَالْمُصَنَّفَاتِ الثَّابِتَةِ، إِلَى مَا بَلَغَ مُتَوَاتِرًا مَبْلَغَ الْيَقِينِ، مِنْ صَبْرِهِ عَلَى مُقَاسَاةِ قُرَيْشٍ، وَأَذَى الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُصَابَرَةِ الشَّدَائِدِ الصَّعْبَةِ مَعَهُمْ، إِلَى أَنْ أَظْفَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَحَكَّمَهُ فِيهِمْ وَهُمْ لَا يشكّون في استئصال
شَأْفَتِهِمْ، وَإِبَادَةِ خَضْرَائِهِمْ «1» ، فَمَا زَادَ عَلَى أَنْ عَفَا وَصَفَحَ: وَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ إِنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ» ؟ قَالُوا: خَيْرًا.. أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. فَقَالَ: «2» [أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ: «لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ» ] «3» الآية «إذهبوا فأنتم الطلقاء» . وقال «4» أنس «5» رضي الله عنه: هَبَطَ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنَ التَّنْعِيمِ «6» صَلَاةَ الصُّبْحِ لِيَقْتُلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُخِذُوا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ» «7» الآية.
وَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ «1» وَقَدْ سِيقَ إِلَيْهِ، بَعْدَ أَنْ جَلَبَ إِلَيْهِ الْأَحْزَابَ وَقَتَلَ عَمَّهُ، وَأَصْحَابَهُ، ومثل بهم فعفا عنه ولا طفه فِي الْقَوْلِ: «وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ!! أَلَمْ يئن لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ؟! فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا أَحْلَمَكَ وَأَوْصَلَكَ وَأَكْرَمَكَ. «2» - وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أبعد الناس غضبا، وأسرعهم رضى، صلى الله عليه وسلم.
الفصل الثالث عشر الجود والكرم
الْفَصْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ الْجُودُ وَالْكَرَمُ وَأَمَّا الْجُودُ والكرم والسخاء والسماحة، ومعانيها مُتَقَارِبَةٌ، وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهَا بِفُرُوقٍ، فَجَعَلُوا الكرم: الإنفاق بطيب نفس فِيمَا يَعْظُمُ خَطَرُهُ وَنَفْعُهُ، وَسَمَّوْهُ أَيْضًا جُرْأَةً، وَهُوَ ضِدُّ النَّذَالَةِ. - وَالسَّمَاحَةُ: التَّجَافِي عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ الْمَرْءُ عِنْدَ غَيْرِهِ بِطِيبِ نَفْسٍ، وَهُوَ ضِدُّ الشَّكَاسَةِ «1» . - وَالسَّخَاءُ: سُهُولَةُ الْإِنْفَاقِ، وَتَجَنُّبُ اكْتِسَابِ مَا لا يحمد، وهو ضد التقتير. فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُوَازَى فِي هذه الأخلاق الكريمة. ولا يبارى «2» .
بهذا وصفه كل من عرفه. عن ابن المنكدر «1» قال: سَمِعْتُ جَابِرَ «2» بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «3» : «مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ لَا» . وَعَنْ أَنَسٍ «4» وَسَهْلِ «5» بن سعد رضي الله عنهما مثله. وقال «6» ابن عباس «7» رضي الله عنهما: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ مَا كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ إِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الريح المرسلة.
وعن «1» أنس «2» رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا «3» سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فرجع إلى قومه، وَقَالَ: أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لا يخشى فاقة. - وأعطى غير واحد «4» مئة من الإبل. - وأعطى «5» صفوان مئة ثم مئة. وَهَذِهِ كَانَتْ خُلُقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ. وَقَدْ قَالَ لَهُ وَرَقَةُ «6» بْنُ نَوْفَلٍ: إِنَّكَ تَحْمِلُ الْكَلَّ «7» ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ.
- ورد على هوازن «1» سباياها، وكانت سِتَّةَ آلَافٍ. - وَأَعْطَى الْعَبَّاسَ «2» مِنَ الذَّهَبِ مَا لَمْ يُطِقْ حَمْلَهُ «3» . - وَحُمِلَ «4» إِلَيْهِ تِسْعُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَوُضِعَتْ عَلَى حَصِيرٍ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا فقسمها، فَمَا رَدَّ سَائِلًا حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا. - وَجَاءَهُ «5» رَجُلٌ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «مَا عِنْدِي شَيْءٌ، وَلَكِنِ ابْتَعْ عَلَيَّ، فَإِذَا جَاءَنَا شَيْءٌ قَضَيْنَاهُ» . فَقَالَ له عمر «6» رضي الله عنه: مَا كَلَّفَكَ اللَّهُ مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَقَالَ رَجُلٌ «7» مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْفِقْ، وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا، فتبسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُرِفَ الْبِشْرُ فِي وجهه «8» ، وقال: «بهذا أمرت»
ذَكَرَهُ «1» التِّرْمِذِيُّ «2» وَذُكِرَ «3» عَنْ مُعَوِّذِ «4» بْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ- يُرِيدُ طَبَقًا-، وَأُجْرِ زُغْبٍ «5» - يُرِيدُ قِثَّاءً- فَأَعْطَانِي مِلْءَ كَفِّهِ حُلِيًّا وَذَهَبًا. قال «6» أنس «7» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ. - والخبر بجوده صلّى الله عليه وسلم وكرمه كثير. وعن «8» أبي هريرة رضي الله عنه: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ، فَاسْتَلَفَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نصف وسق، فجاء يَتَقَاضَاهُ فَأَعْطَاهُ وَسْقًا، وَقَالَ: «نِصْفُهُ قَضَاءٌ وَنِصْفُهُ نائل» .
الفصل الرابع عشر الشجاعة والنجدة
الْفَصْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ الشَّجَاعَةُ وَالنَّجْدَةُ وَأَمَّا الشَّجَاعَةُ وَالنَّجْدَةُ. - فَالشَّجَاعَةُ: فَضِيلَةُ قُوَّةِ الْغَضَبِ وَانْقِيَادِهَا لِلْعَقْلِ. - وَالنَّجْدَةُ: ثِقَةُ النَّفْسِ عِنْدَ اسْتِرْسَالِهَا إِلَى الْمَوْتِ، حَيْثُ يُحْمَدُ فِعْلُهَا دُونَ خَوْفٍ. وَكَانَ صَلَّى الله عليه وسلم بالمكان الذي لا يجهل، وقد حَضَرَ الْمَوَاقِفَ الصَّعْبَةَ، وَفَرَّ الْكُمَاةُ «1» وَالْأَبْطَالُ عَنْهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَهُوَ ثَابِتٌ لَا يَبْرَحُ، وَمُقْبِلٌ لَا يُدْبِرُ وَلَا يَتَزَحْزَحُ، وَمَا شُجَاعٌ إِلَّا وَقَدْ أُحْصِيَتْ لَهُ فَرَّةٌ، وَحُفِظَتْ عَنْهُ جَوْلَةُ، سواه.
عن أبي إسحق «1» : سَمِعَ الْبَرَاءَ «2» وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: أَفَرَرْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفِرَّ «3» . ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَأَبُو «4» سُفْيَانَ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنَا النبي لا كذب» . وزاد غَيْرُهُ «5» «أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمَطْلَبِ» . قِيلَ: فَمَا رؤي يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بغلته. وذكر مسلم «6» عن العباس «7» رضي الله عنهما قَالَ: فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
يُرْكِضُ بَغْلَتَهُ نَحْوَ الْكُفَّارِ وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِهَا، أكفها إرادة أن لا تُسْرِعَ، وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِهِ، ثُمَّ نَادَى «يا للمسلمين» الحديث. وَقِيلَ «1» : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَضِبَ- وَلَا يَغْضَبُ إِلَّا لِلَّهِ- لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ. وَقَالَ «2» ابْنُ عُمَرَ «3» رضي الله عنهما: مَا رَأَيْتُ أَشْجَعَ وَلَا أَنْجَدَ وَلَا أَجْوَدَ ولا أرضى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ «4» عَلِيٌّ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّا كُنَّا إِذَا حَمِيَ الْبَأْسُ- وَيُرْوَى اشْتَدَّ الْبَأْسُ- وَاحْمَرَّتِ الحدق، اتقينا برسول الله صلّى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ. وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَلُوذُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَقْرَبُنَا إِلَى الْعَدُوِّ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَأْسًا. وقيل: كان الشجاع هو الذي يقرب مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَنَا العدو لقربه منه.
وعن «1» أنس «2» رضي الله عنه: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ. لَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راجعا، قد سبقهم إلى الصوت، وقد استبرأ الْخَبَرَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي «3» طَلْحَةَ عُرْيٍ، وَالسَّيْفُ فِي عُنُقِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «لَنْ تُرَاعُوا» . وَقَالَ «4» عِمْرَانُ «5» بْنُ حُصَيْنٍ: مَا لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتِيبَةً إِلَّا كَانَ أَوَّلَ مَنْ يَضْرِبُ. - وَلَمَّا رَآهُ «6» أُبَيُّ بْنُ «7» خلف يوم أحد، وهو يقول: أين
مُحَمَّدٌ؟ لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا وَقَدْ كَانَ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَدَى يَوْمَ بَدْرٍ: عِنْدِي فَرَسٌ أَعْلِفُهَا كُلَّ يَوْمٍ فَرَقًا «1» مِنْ ذُرَةٍ أَقْتُلُكَ عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَا أَقْتُلُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ، فَلَمَّا رَآهُ يَوْمَ أُحُدٍ شَدَّ أُبَيٌّ عَلَى فَرَسِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاعْتَرَضَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَكَذَا» أَيْ خَلُّوا طَرِيقَهُ، وَتَنَاوَلَ الْحَرْبَةَ مِنَ الْحَارِثِ «2» بْنِ الصِّمَّةِ، فَانْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً تَطَايَرُوا عَنْهُ تَطَايُرَ الشُّعَرَاءِ «3» عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إِذَا انْتَفَضَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ «4» مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا وَقِيلَ: بَلْ كَسَرَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ. فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ يَقُولُ: قتلني محمد.
وهم يقولون: لا بأس عليك. فقال: لو كان مابي بِجَمِيعِ النَّاسِ لَقَتَلَهُمْ. أَلَيْسَ قَدْ قَالَ «أَنَا أَقْتُلُكَ» !! وَاللَّهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيَّ لَقَتَلَنِي. فَمَاتَ بسرف «1» ، في قفولهم إلى مكة.
الفصل الخامس عشر الحياء والإغضاء
الْفَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ الْحَيَاءُ وَالْإِغْضَاءُ وَأَمَّا الْحَيَاءُ وَالْإِغْضَاءُ - فَالْحَيَاءُ: رِقَّةٌ تَعْتَرِي وَجْهَ الْإِنْسَانِ عِنْدَ فِعْلِ مَا يَتَوَقَّعُ كَرَاهِيَتَهُ، أَوْ مَا يَكُونُ تَرْكُهُ خَيْرًا مِنْ فِعْلِهِ. - وَالْإِغْضَاءُ: التَّغَافُلُ عَمَّا يَكْرَهُ الْإِنْسَانُ بِطَبِيعَتِهِ. - وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً، وَأَكْثَرَهُمْ عَنِ العورات إغضاء. قال الله تعالى: «إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ» «1» الآية.. عَنْ «2» أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ. وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَطِيفَ الْبَشَرَةِ، رَقِيقَ الظَّاهِرِ، لَا يُشَافِهُ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُهُ، حَيَاءً، وَكَرَمَ نَفْسٍ. وَعَنْ «1» عَائِشَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَهُ عَنْ أَحَدٍ مَا يَكْرَهُهُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ كَذَا وَلَكِنْ يَقُولُ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَصْنَعُونَ أَوْ يَقُولُونَ كَذَا» يَنْهَى عَنْهُ، وَلَا يُسَمِّي فَاعِلَهُ. وَرَوَى «3» أَنَسٌ «4» رضي الله عنه: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا- وَكَانَ لَا يُوَاجِهُ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُ- فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: «لَوْ قُلْتُمْ لَهُ يَغْسِلُ هَذَا» وَيُرْوَى يَنْزِعُهَا. قَالَتْ «5» عائشة رضي الله عنها فِي الصَّحِيحِ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
فحّاشا، ولا متفحشا، ولا صخابا فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ. وَقَدْ حُكِيَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ عن التوراة، من رِوَايَةِ ابْنِ سَلَامٍ «1» وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ «2» عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَرُوِيَ عَنْهُ «3» : أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَيَائِهِ لَا يُثَبِّتُ بَصَرَهُ فِي وَجْهِ أَحَدٍ وَأَنَّهُ كَانَ يُكَنِّي عَمَّا اضْطَرَّهُ الْكَلَامُ إِلَيْهِ مما يكره «4» . وَعَنْ «5» عَائِشَةَ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قط ...
الفصل السادس عشر حسن العشرة والأدب وبسط الخلق
الفصل السّادس عشر حسن العشرة والأدب وبسط الخلق وَأَمَّا حُسْنُ عِشْرَتِهِ. وَأَدَبُهُ، وَبَسْطُ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْنَافِ الْخَلْقِ فَبِحَيْثُ انْتَشَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ. قَالَ «1» عَلِيٌّ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَصْفِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كَانَ أَوْسَعَ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً، وألينهم عريكة «3» ، وأكرمهم عشرة. عن قيس «4» بن سعد رضي الله عنه قال: «زارنا رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ قِصَّةً فِي آخِرِهَا- فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ قَرَّبَ لَهُ سَعْدٌ حِمَارًا، وَطِأَ عَلَيْهِ بِقَطِيفَةٍ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: يَا قَيْسُ، اصْحَبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم. قال قيس: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْكَبْ» فَأَبَيْتُ. فَقَالَ: «إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ، وَإِمَّا أَنْ تَنْصَرِفَ» فَانْصَرَفْتُ «1» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «ارْكَبْ أَمَامِي فَصَاحِبُ الدَّابَّةِ أَوْلَى بِمُقَدِّمِهَا» . - وَكَانَ «2» رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَلِّفُهُمْ، وَلَا يُنَفِّرُهُمْ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم، من غير أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِشْرَهُ، وَلَا خُلُقَهُ. يَتَعَهَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ، ولا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ. - مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَارَبَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يكون هو المنصرف عنه.
- وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أو بميسور من القول. وقد وَسِعَ النَّاسَ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، بِهَذَا وَصَفَهُ ابْنُ أَبِي «1» هَالَةَ قَالَ: وَكَانَ دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ، ولا صخّاب وَلَا فَحَّاشٍ، وَلَا عَيَّابٍ، وَلَا مَدَّاحٍ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي، وَلَا يُؤَيِّسُ مِنْهُ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» «2» وقال تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «3» الْآيَةَ. - وَكَانَ «4» يُجِيبُ مَنْ دَعَاهُ، وَيَقْبَلُ «5» الْهَدِيَّةَ، ولو كانت كراعا «6» ، ويكافيء عليها.
قال «1» أنس «2» رضي الله عنه: خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ «3» فَمَا قَالَ لِي: «أُفٍّ» قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ:؟!، وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ: لِمَ تَرَكْتَهُ؟!. وَعَنْ «4» عَائِشَةَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا كَانَ أَحَدٌ أَحْسَنُ خُلُقًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما دعاه أحد من أصحابه، ولا أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا قَالَ: «لَبَّيْكَ» . وَقَالَ «6» جَرِيرُ «7» بن عبد الله رضي الله عنه: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ. - وَكَانَ يُمَازِحُ «8» أَصْحَابَهُ، وَيُخَالِطُهُمْ، وَيُحَادِثُهُمْ، وَيُدَاعِبُ
صِبْيَانَهُمْ، وَيُجْلِسُهُمْ فِي حِجْرِهِ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ «1» وَالْأَمَةِ وَالْمِسْكِينِ، وَيَعُودُ الْمَرْضَى فِي أَقْصَى المدينة، ويقبل عذر المعتذر «2» . قال «3» أنس «4» رضي الله عنه: مَا الْتَقَمَ أَحَدٌ أُذُنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنَحِّي رَأْسَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرجل هو الذي يحني رَأْسَهُ، وَمَا أَخَذَ أَحَدٌ بِيَدِهِ، فَيُرْسِلُ يَدَهُ حتى يرسلها الآخذ، وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ. وَكَانَ «5» يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ، وَيَبْدَأُ أصحابه بالمصافحة، لم يُرَ «6» قَطُّ مَادًّا رِجْلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ حَتَّى يُضَيِّقَ بِهِمَا عَلَى أَحَدٍ، يُكْرِمُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا بَسَطَ لَهُ ثَوْبَهُ، وَيُؤْثِرُهُ بِالْوِسَادَةِ الَّتِي تَحْتَهُ، وَيَعْزِمُ عَلَيْهِ فِي الْجُلُوسِ عَلَيْهَا إن أبى، ويكني أصحابه، ويدعوهم
بِأَحَبِّ أَسْمَائِهِمْ، تَكْرِمَةً لَهُمْ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ، حَتَّى يَتَجَوَّزَ فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ- وَيُرْوَى بِانْتِهَاءٍ أَوْ قِيَامٍ- وَرُوِيَ «1» : أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْلِسُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، وَهُوَ يُصَلِّي، إِلَّا خَفَّفَ صَلَاتَهُ، وَسَأَلَهُ عَنْ حَاجَتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ عَادَ إِلَى صَلَاتِهِ. - وَكَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ تَبَسُّمًا، وَأَطْيَبَهُمْ نَفْسًا، مَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ، أَوْ يَعِظْ، أَوْ يَخْطُبْ. وَقَالَ «2» عَبْدُ اللَّهِ «3» بْنُ الْحَارِثِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا، مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. وعن «4» أنس «5» رضي الله عنه: كان خدم المدينة يأتون رسول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ، بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ، فَمَا يُؤْتَى بِآنِيَةٍ أَلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ في الغداة الباردة، يريدون «1» به التبرك.
الفصل السابع عشر الشفقة والرحمة
الفصل السّابع عشر الشفقة والرّحمة وَأَمَّا الشَّفَقَةُ وَالرَّأْفَةُ وَالرَّحْمَةُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: «عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ» «1» . وَقَالَ تَعَالَى: «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» «2» . قَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ فَضْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَاهُ اسْمَيْنِ مِنْ أسمائه، فقال: «بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ» . وحكى الإمام «3» أبو بكر بن فورك نحوه. عَنِ ابْنِ شِهَابٍ «4» قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم غزوة، وذكر
حُنَيْنًا، قَالَ: فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم صفوان «1» بن أمية مئة من النعم، ثم مئة، ثم مئه، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ «2» : حَدَّثَنَا سَعِيدُ «3» بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ صَفْوَانَ «4» قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي مَا أَعْطَانِي وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ. وَرَوِيَ «5» : أَنَّ أَعْرَابِيًا جَاءَهُ يَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ» ؟ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَا، وَلَا أَجْمَلْتَ فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ وَقَامُوا إِلَيْهِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ كُفُّوا، ثُمَّ قَامَ وَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فأرسل إليه صلّى الله عليه وسلم وَزَادَهُ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ «أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ» قَالَ: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنك قلت ما قلت، وفي نفس أَصْحَابِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَقُلْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَا قُلْتَ بَيْنَ يَدَيَّ، حَتَّى يذهب
مَا فِي صُدُورِهِمْ عَلَيْكَ» قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، أَوِ الْعَشِيُّ، جَاءَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ قَالَ مَا قَالَ فَزِدْنَاهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ رَضِيَ. أَكَذَلِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَعَشِيرَةٍ خيرا. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ هَذَا رَجُلٍ لَهُ نَاقَةٌ شَرَدَتْ عَلَيْهِ، فَأَتْبَعَهَا النَّاسُ فَلَمْ يَزِيدُوهَا إِلَّا نُفُورًا، فَنَادَاهُمْ صَاحِبُهَا: خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ نَاقَتِي فَإِنِّي أَرْفَقُ بِهَا مِنْكُمْ وَأَعْلَمُ، فَتَوَجَّهَ لَهَا بَيْنَ يَدَيْهَا، فَأَخَذَ لَهَا مَنْ قُمَامِ الْأَرْضِ، فَرَدَّهَا، حَتَّى جَاءَتْ وَاسْتَنَاخَتْ، وَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا وَاسْتَوَى عَلَيْهَا. وَإِنِّي لَوْ تَرَكْتُكُمْ حَيْثُ قَالَ الرَّجُلُ مَا قَالَ فَقَتَلْتُمُوهُ دخل النار» . وروي «1» عنه صلّى الله عليه وسلم: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» . - وَمِنْ شَفَقَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ صلّى الله عليه وسلم تخفيفه وتسهله عَلَيْهِمْ، وَكَرَاهَتُهُ أَشْيَاءَ مَخَافَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ.
كَقَوْلِهِ «1» عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» «2» . - وَخَبَرُ صَلَاةِ اللَّيْلِ «3» ، وَنَهْيُهُمْ عَنِ الْوِصَالِ «4» ، وَكَرَاهَتُهُ دُخُولَ الْكَعْبَةِ «5» لِئَلَّا تَتَعَنَّتَ أُمَّتُهُ، وَرَغْبَتُهُ لِرَبِّهِ أَنْ يَجْعَلَ سَبَّهُ وَلَعْنَهُ لَهُمْ رَحْمَةً بِهِمْ، وَأَنَّهُ «6» كَانَ يَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِهِ. - وَمِنْ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ دَعَا رَبَّهُ وَعَاهَدَهُ. فَقَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ سَبَبْتُهُ، أَوْ لَعَنْتُهُ، فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً ورحمة، وصلاة وطهورا، وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة» «7»
- وَلَمَّا كَذَّبَهُ «1» قَوْمُهُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ أَمَرَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَاهُ مَلَكُ الْجِبَالِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ: مُرْنِي بما شئت، إن شئت أن أطلق عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» . وَرَوَى «2» ابْنُ الْمُنْكَدِرِ «3» : أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ أَنْ تُطِيعَكَ فَقَالَ: «أُؤَخِّرُ عَنْ أُمَّتِي لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ» . قَالَتْ «4» عَائِشَةُ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اختار أيسرهما.
قال «1» ابْنُ مَسْعُودٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. وَعَنْ «3» عَائِشَةَ «4» : أَنَّهَا رَكِبَتْ بَعِيرًا وَفِيهِ صُعُوبَةٌ فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ» .
الفصل الثامن عشر الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم
الفصل الثامن عشر الوفاء وحسن العهد وصلة الرّحم وَأَمَّا خُلُقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الوفاء وحسن العهد وصلة الرحم: فعن «1» عبد الله بن الْحَمْسَاءِ قَالَ «2» : بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعٍ، قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ، فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ فَنَسِيتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَجِئْتُ، فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانِهِ، فَقَالَ: «يَا فَتَى لَقَدْ شققت عليّ، أنا هنا منذ ثلاث أنتظرك» . وعن «3» أنس «4» رضي الله عنه «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أتي بهدية،
قَالَ: اذْهَبُوا بِهَا إِلَى بَيْتِ فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةً لِخَدِيجَةَ، إِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ. وعن «1» عائشة «2» رضي الله عنها: قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَإِنْ كان ليذبح الشاة فيهديها إلى خلائلها. - وَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهَا «3» ، فَارْتَاحَ إِلَيْهَا «4» . - وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ، فَهَشَّ لَهَا، وَأَحْسَنَ السُّؤَالَ عَنْهَا فَلَمَّا خَرَجَتْ، قَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا أَيَّامَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ «5» » . وَوَصَفَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: كَانَ يَصِلُ ذَوِي رَحِمِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْثِرَهُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ آلَ بني فلان ليسوا لي
بِأَوْلِيَاءَ، غَيْرَ أَنَّ لَهُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا» «1» . - وقد «2» صلى عليه الصلاة والسلام بأمامة «3» ابنة ابنته زينب «4» يَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قام حملها. وعن «5» أبي قتادة «6» : جاء وَفْدٌ لِلنَّجَاشِيِّ «7» فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْدِمُهُمْ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: نَكْفِيكَ. فَقَالَ: «إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، وإني أُكَافِئَهُمْ» . - وَلَمَّا جِيءَ بِأُخْتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ الشَّيْمَاءِ «8» فِي سَبَايَا هَوَازِنَ، وَتَعَرَّفَتْ لَهُ، بَسَطَ لَهَا رداءه، وقال لها: «إن احببت أقمت
عندي مكرمة محبة، أَوْ مَتَّعْتُكِ وَرَجَعْتِ إِلَى قَوْمِكِ» . فَاخْتَارَتْ قَوْمَهَا فَمَتَّعَهَا «1» . وَقَالَ «2» أَبُو الطُّفَيْلِ «3» : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» ، وَأَنَا غُلَامٌ، إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ حَتَّى دَنَتْ مِنْهُ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: أُمُّهُ التي أرضعته. وعن «5» عمرو بْنِ السَّائِبِ «6» : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا يَوْمًا، فَأَقْبَلَ أَبُوهُ «7» مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَوَضَعَ لَهُ بَعْضَ ثَوْبِهِ، فَقَعَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّهُ فَوَضَعَ لَهَا شِقَّ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْآخَرِ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ أقبل أخوه «8» من الرضاعة، فقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.
- وَكَانَ يَبْعَثُ إِلَى ثُوَيْبَةَ «1» ، مَوْلَاةِ أَبِي لَهَبٍ «2» مُرْضِعَتِهِ بِصِلَةٍ وَكِسْوَةٍ، فَلَمَّا مَاتَتْ سَأَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْ قَرَابَتِهَا، فَقِيلَ: لَا أَحَدَ «3» وَفِي حَدِيثِ «4» خَدِيجَةَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا قَالَتْ له صلى الله عليه وسلم: أبشر، فو الله لا يخزيك اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ «6» ، وتكسب المعدوم وتقري الضعيف، وتعين على نوائب الحق.
الفصل التاسع عشر التواضع
الفصل التّاسع عشر التواضع وَأَمَّا تَوَاضُعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى عُلُوِّ مَنْصِبِهِ وَرِفْعَةِ رُتْبَتِهِ، فَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ تَوَاضُعًا وَأَعْدَمَهُمْ كِبْرًا. - وَحَسْبُكَ أَنَّهُ «1» خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مَلِكًا، أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا، فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا عَبْدًا، فَقَالَ لَهُ إِسْرَافِيلُ عِنْدَ ذَلِكَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَاكَ بِمَا تَوَاضَعْتَ لَهُ أَنَّكَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ «2» ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُ، وأول شافع. وعن «3» أبي أمامة «4» قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصَا، فَقُمْنَا لَهُ، فَقَالَ: «لَا تقوموا كما يقوم الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» . وَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» . - وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ، وَيَعُودُ الْمَسَاكِينَ، وَيُجَالِسُ الْفُقَرَاءَ وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ، وَيَجْلِسُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مُخْتَلِطًا بِهِمْ، حَيْثُمَا انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ «1» جَلَسَ. وفي «2» حديث عمر «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ. إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» . وَعَنْ «4» أَنَسٍ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ جَاءَتْهُ، فَقَالَتْ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَّةً، قَالَ اجْلِسِي يا أم فلان، في
أَيِّ طُرُقِ الْمَدِينَةِ شِئْتِ أَجْلِسُ إِلَيْكِ حَتَّى أَقْضِيَ حَاجَتَكِ» قَالَ: فَجَلَسَتْ، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حاجتها. قال «1» أنس «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ. - وَكَانَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حِمَارٍ مخطوم «3» بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ «4» ، قَالَ: وَكَانَ يُدْعَى إِلَى خُبْزِ الشَّعِيرِ وَالْإِهَالَةِ «5» السَّنِخَةِ فَيُجِيبُ. قَالَ «6» : وَحَجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ، وَعَلَيْهِ قَطِيفَةٌ مَا تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دراهم، فقال: «اللهم اجعله حجا مبرورا، لَا رِيَاءَ فِيهِ وَلَا سُمْعَةً» - هَذَا، وَقَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ، وَأَهْدَى «7» فِي حَجِّهِ ذَلِكَ مئة بدنة
- وَلَمَّا «1» فُتِحَتْ عَلَيْهِ مَكَّةُ، وَدَخَلَهَا بِجُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ طأطأ على رحله رأسه حتى كاديمس قَادِمَتَهُ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى. - وَمِنْ تَوَاضُعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَوْلُهُ «2» : «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يونس «3» بن مَتَّى، وَلَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا تُخَيِّرُونِي «4» عَلَى مُوسَى «5» وَنَحْنُ «6» أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَلَوْ لَبِثْتُ مَا لَبِثَ يُوسُفُ فِي السِّجْنِ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ «7» » . وَقَالَ «8» : لِلَّذِي قَالَ لَهُ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ «ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ» وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَعْدَ هَذَا- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى-.
وعن «1» عائشة «2» والحسن «3» وأبي سعيد «4» وغيرهم رضي الله عنهم: في صفته.. وبعضهم يزيد على بعض: كان في بيته في مهنة أهله، يغلي ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ، وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ، وَيَقُمُّ الْبَيْتَ، وَيَعْقِلُ الْبَعِيرَ وَيَعْلِفُ نَاضِحَهُ، وَيَأْكُلُ مَعَ الْخَادِمِ، وَيَعْجِنُ مَعَهَا وَيَحْمِلُ بِضَاعَتَهُ مِنَ السُّوقِ. وَعَنْ «5» أَنَسٍ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا. - وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَأَصَابَتْهُ مِنْ هَيْبَتِهِ رِعْدَةٌ. فَقَالَ لَهُ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قريش تأكل القديد» «7» .
وَعَنْ «1» أَبِي هُرَيْرَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: دَخَلْتُ السُّوقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَرَى سَرَاوِيلَ «3» ، وَقَالَ لِلْوَزَّانِ: زِنْ وَأَرْجِحْ ... وَذَكَرَ الْقِصَّةَ. قَالَ «4» : فَوَثَبَ إِلَى يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُهَا، فَجَذَبَ يَدَهُ، وَقَالَ: «هَذَا تَفْعَلُهُ الْأَعَاجِمُ بِمُلُوكِهَا، وَلَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ،» . ثُمَّ أَخَذَ السَّرَاوِيلَ ... فَذَهَبْتُ لِأَحْمِلَهُ فَقَالَ: «صَاحِبُ الشَّيْءِ أَحَقُّ بِشَيْئِهِ أَنْ يحمله» .
الفصل العشرون العدل والأمانة والعفة وصدق اللهجة
الفصل العشرون العدل والأمانة والعفّة وصدق اللهجة وَأَمَّا عَدْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَانَتُهُ، وَعِفَّتُهُ وَصِدْقُ لَهْجَتِهِ، فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنَ النَّاسِ، وَأَعْدَلَ النَّاسِ، وَأَعَفَّ النَّاسِ، وَأَصْدَقَهُمْ لَهْجَةً مُنْذُ كَانَ، اعْتَرَفْ لَهُ بِذَلِكَ مُحَادُّوهُ «1» وَعِدَاهُ. - وَكَانَ يُسَمَّى قَبْلَ نَبُّوتِهِ «الْأَمِينَ» . قال «2» ابن اسحق «3» : كَانَ يُسَمَّى الْأَمِينَ، بِمَا جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الصَّالِحَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: «مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ» «4» . أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: عَلَى أَنَّهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. - وَلَمَّا «5» اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ وَتَحَازَبَتْ عِنْدَ بناء الكعبة فيمن
يَضَعُ الْحَجْرَ، حَكَّمُوا أَوَّلَ دَاخِلٍ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاخِلٌ وَذَلِكَ قَبْلَ نبوته، فقالوا: هذا محمد. هذا الأمين، قد رضيناه بِهِ. وَعَنِ الرَّبِيعِ «1» بْنِ خُثَيْمٍ: كَانَ يَتَحَاكَمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ «2» . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَمِينٌ فِي السَّمَاءِ، أمين في الأرض» . وعن «4» عَلِيٍّ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَا نُكَذِّبُكَ، وَلَكِنْ نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، فأنزل الله تعالى: «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ «6» » الْآيَةَ. وَرَوَى غَيْرُهُ «7» : لَا نُكَذِّبُكَ، وَمَا أَنْتَ فينا بمكذب.
وَقِيلَ «1» : إِنَّ الْأَخْنَسَ «2» بْنَ شُرَيْقٍ لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ «3» يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الحكم: ليس هناك غَيْرِي وَغَيْرُكَ يَسْمَعُ كَلَامَنَا، تُخْبِرُنِي عَنْ مُحَمَّدٍ، صادق هو أم كَاذِبٌ؟ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَصَادِقٌ. وَمَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ قَطُّ. وَسَأَلَ هِرَقْلُ «4» عَنْهُ أَبَا سُفْيَانَ «5» ، فَقَالَ «6» : هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟. قَالَ لَا ... وَقَالَ «7» النَّضْرُ بْنُ «8» الْحَارِثِ لِقُرَيْشٍ: قَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا، أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى
إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ قُلْتُمْ: سَاحِرٌ!! لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ.. وَفِي الْحَدِيثِ «1» عَنْهُ: مَا لَمَسَتْ يده يد امْرَأَةً قَطُّ لَا يَمْلِكُ رِقَّهَا وَفِي حَدِيثِ «2» علي رضي الله عنه فِي وَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً.. وَقَالَ فِي الصَّحِيحِ «3» : «وَيْحَكَ «4» فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ. خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ» . قَالَتْ «5» عَائِشَةُ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أبعد الناس منه. وقال أبو العباس «7» المبرد:
قَسَّمَ كِسْرَى «1» أَيَّامَهُ. فَقَالَ: يَصْلُحُ يَوْمُ الرِّيحِ لِلنَّوْمِ، وَيَوْمُ الْغَيْمِ لِلصَّيْدِ، وَيَوْمُ الْمَطَرِ لِلشُّرْبِ وَاللَّهْوِ، وَيَوْمُ الشَّمْسِ لِلْحَوَائِجِ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ «2» : مَا كَانَ أَعْرَفَهُمْ بِسِيَاسَةِ دُنْيَاهُمْ، «يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا، وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ «3» » . - وَلَكِنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزَّأَ «4» نهاره ثلاثة أجزاء، جزء لله، وجزء لأهله، وجزء لِنَفْسِهِ. ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَكَانَ يَسْتَعِينُ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ وَيَقُولُ «5» : «أَبْلِغُوا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغِي، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا أَمَّنَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ» وَعَنِ «6» الْحَسَنِ «7» : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يأخذ أحدا
بِقَرْفِ «1» أَحَدٍ، وَلَا يُصَدِّقُ أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ. وذكر «2» أبو جعفر «3» الطبري: عن علي «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» : «مَا هَمَمْتُ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْمَلُونَ بِهِ غَيْرَ مَرَّتَيْنِ، كُلُّ ذَلِكَ يَحُولُ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَا أُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ مَا هَمَمْتُ بِسُوءٍ حَتَّى أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ. قُلْتُ لَيْلَةً لِغُلَامٍ كَانَ يَرْعَى مَعِي: لَوْ أَبْصَرْتَ لِي غَنَمِي حَتَّى أَدْخُلَ مَكَّةَ فَأَسْمُرَ «6» بِهَا كَمَا يَسْمُرُ الشَّبَابُ، فخرجت لذلك حَتَّى جِئْتُ أَوَّلَ دَارٍ مِنْ مَكَّةَ سَمِعْتُ عَزْفًا بِالدُّفُوفِ وَالْمَزَامِيرِ لِعُرْسِ بَعْضِهِمْ، فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ فَضُرِبَ عَلَى أُذُنَيَّ فَنِمْتُ فَمَا أَيْقَظَنِي إِلَّا مَسُّ الشَّمْسِ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا. ثُمَّ عَرَانِي مَرَّةً أُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ أهمّ بعد ذلك بسوء» .
الفصل الحادي والعشرون الوقار والصمت والتؤدة والمروءة وحسن الهدي
الفصل الحادي والعشرون الوقار والصّمت والتؤدة والمروءة وحسن الهدي وَأَمَّا وَقَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَمْتُهُ وتؤدته ومروءته وحسن هديه. فعن «1» عُمَرَ «2» بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ وُهَيْبٍ: سَمِعْتُ خَارِجَةَ «3» بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أو قر النَّاسِ فِي مَجْلِسِهِ، لَا يَكَادُ يُخْرِجُ شَيْئًا من أطرافه. وروى «4» أبو سَعِيدٍ «5» الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ صلّى الله عليه وسلم
إذا جلس في المجلس احتبى بيديه، وكذلك كان أكثر جلوسه صلى الله عليه وسلم محتبيا. وعن «1» جابر «2» بن سمره وهو «3» في حديث قيلة «4» : أنه تربع، وربما جلس القرفصاء، وَكَانَ كَثِيرَ السُّكُوتِ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَّةٍ. يُعْرِضُ عَمَّنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ جَمِيلٍ. وَكَانَ «5» ضحكه تبسما، وكلامه فصلا، لَا فُضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ. وَكَانَ ضَحِكُ أَصْحَابِهِ عِنْدَهُ التَّبَسُّمُ تَوْقِيرًا لَهُ وَاقْتِدَاءً بِهِ. مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَخَيْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ وَلَا تُؤْبَنُ «6» فِيهِ الْحُرَمُ إِذَا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ. وَفِي صِفَتِهِ «7» : يَخْطُو تَكَفُّؤًا «8» ، وَيَمْشِي هَوْنًا، كأنما ينحط من صبب «9» .
وفي الحديث الآخر: إذا مَشَى مُجْتَمِعًا، يُعْرَفُ فِي مِشْيَتِهِ أَنَّهُ غَيْرُ غَرَضٍ «1» وَلَا وَكِلٍ «2» . أَيْ غَيْرِ ضَجِرٍ وَلَا كَسْلَانَ. وَقَالَ «3» عَبْدُ اللَّهِ «4» بْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ أَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. وعن «5» جابر «6» بن عبد الله: كَانَ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ترتيل وترسيل «7» . قَالَ ابْنُ أَبِي هَالَةَ «8» : كَانَ سُكُوتُهُ عَلَى أَرْبَعٍ. عَلَى الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالتَّفَكُّرِ. قَالَتْ «9» عائشة «10» رضي الله عنها: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدّث حديثا لو عدّه العادّ أحصاه.
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الطِّيبَ والرائحة الحسنة، ويستعملها كَثِيرًا وَيَحُضُّ عَلَيْهِمَا وَيَقُولُ «1» : «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» . - وَمِنْ مُرُوءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْيُهُ «2» عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْأَمْرِ «3» بِالْأَكْلِ مِمَّا يَلِي، وَالْأَمْرِ بِالسِّوَاكِ، وَإِنْقَاءِ الْبَرَاجِمِ «4» والرواجب «5» ، واستعمال خصال الفطرة «6» .. ***
الفصل الثاني والعشرون الزهد في الدنيا
الْفَصْلُ الثَّانِيَ وَالْعِشْرُونَ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا وَأَمَّا زُهْدُهُ فِي الدُّنْيَا، فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَخْبَارِ أَثْنَاءَ هَذِهِ السِّيرَةِ مَا يَكْفِي. وَحَسْبُكَ مِنْ تَقَلُّلِهِ مِنْهَا، وَإِعْرَاضِهِ عَنْ زَهْرَتِهَا، وَقَدْ سِيقَتْ إِلَيْهِ بِحَذَافِيرِهَا، وَتَرَادَفَتْ عَلَيْهِ فُتُوحُهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ «1» مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ، وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ «2» : «اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا» . عَنْ «3» عَائِشَةَ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزٍ حَتَّى مَضَى لسبيله.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ متواليين، ولو شاء لأعطاه الله مَا لَا يَخْطُرُ بِبَالٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «1» : مَا شَبِعَ آلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ، حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَتْ «2» عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا. وَلَا شَاةً، وَلَا بَعِيرًا. وَفِي حَدِيثِ «3» عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ «4» : مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلا سلاحه وبغلته «5» ، وأرضا جعلها صدقة. وقالت «6» عَائِشَةُ «7» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ مَاتَ وَمَا فِي بَيْتِي شَيْءٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شطر شعير في رف لِي. وَقَالَ لِي «8» : «إِنِّي عُرِضَ عَلَيَّ أَنْ يجعل لي بطحاء مكة ذهبا
فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ، أَجُوعُ يَوْمًا، وَأَشْبَعُ يَوْمًا. فَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي أَجُوعُ فِيهِ، فَأَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ وَأَدْعُوكَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي أَشْبَعَ فِيهِ فَأَحْمَدُكَ وَأُثْنِي عَلَيْكَ» . وَفِي حَدِيثٍ «1» آخَرَ: أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ هَذِهِ الْجِبَالَ ذَهَبًا، وَتَكُونَ مَعَكَ حَيْثُمَا كُنْتَ. فَأَطْرَقَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ. إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ. وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، قَدْ يَجْمَعُهَا مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ» . فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: ثَبَّتَكَ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ. وَعَنْ «2» عائشة «3» رضي الله عنها قالت: إن كنا آل محمد لنمكث
شَهْرًا مَا نَسْتَوْقِدُ نَارًا إِنْ هُوَ إِلَّا التَّمْرُ وَالْمَاءُ «1» . وَعَنْ «2» عَبْدِ الرَّحْمَنِ «3» بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه: هَلَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَشْبَعْ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ. وَعَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ «4» وَابْنِ عَبَّاسٍ «5» رضي الله عنهم: نحوه. قال «6» ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيتُ هُوَ وَأَهْلُهُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا، لَا يَجِدُونَ عَشَاءً. وَعَنْ «7» أَنَسٍ «8» رضي الله عنه قال: مَا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ «9» ، وَلَا فِي سُكُرُّجَةٍ «10» ، وَلَا خبز له مرقق ولا رأى
شَاةً سَمِيطًا «1» قَطُّ. وَعَنْ «2» عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا، حَشْوُهُ لِيفٌ. وَعَنْ «3» حَفْصَةَ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ مِسْحًا «5» نَثْنِيهِ ثَنْيَتَيْنِ، فَيَنَامُ عَلَيْهِ فَثَنَيْنَاهُ لَهُ لَيْلَةً بِأَرْبَعٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ «مَا فَرَشْتُمُوا لِيَ اللَّيْلَةَ» ؟ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «رُدُّوهُ بِحَالِهِ. فَإِنَّ وَطْأَتَهُ مَنَعَتْنِي اللَّيْلَةَ صلاتي» . - وكان «6» ينام أحيانا على سرير مرمول «7» بِشَرِيطٍ حَتَّى يُؤَثِّرَ فِي جَنْبِهِ. وَعَنْ «8» عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: لم يمتليء جوف النبي
صلى الله عليه وسلم سبعا قَطُّ. وَلَمْ يَبُثَّ شَكْوَى إِلَى أَحَدٍ، وَكَانَتِ الْفَاقَةُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْغِنَى، وَإِنْ كَانَ لَيَظَلُّ جَائِعًا يَلْتَوِي طُولَ لَيْلَتِهِ مِنَ الْجُوعِ فَلَا يَمْنَعُهُ صِيَامُ يَوْمِهِ. وَلَوْ شَاءَ سَأَلَ رَبَّهُ جَمِيعَ كُنُوزِ الْأَرْضِ وَثِمَارِهَا، وَرَغَدَ عَيْشِهَا ولقد أَبْكِي لَهُ رَحْمَةً مِمَّا أَرَى بِهِ، وَأَمْسَحُ بِيَدِي عَلَى بَطْنِهِ مِمَّا بِهِ مِنَ الْجُوعِ، وَأَقُولُ: نَفْسِي لَكَ الْفِدَاءُ، لَوْ تَبَلَّغْتَ مِنَ الدنيا بما يقوتك. فيقول: «يا عائشة. مالي وَلِلدُّنْيَا، إِخْوَانِي مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ صَبَرُوا عَلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا، فَمَضَوْا عَلَى حَالِهِمْ، فَقَدِمُوا عَلَى رَبِّهِمْ، فَأَكْرَمَ مَآبَهُمْ وَأَجْزَلَ ثَوَابَهُمْ، فَأَجِدُنِي أَسْتَحْيِي إِنْ تَرَفَّهْتُ فِي مَعِيشَتِي أَنْ يُقَصِّرَ بِي غَدًا دُونَهُمْ. وَمَا مِنْ شَيْءٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ اللُّحُوقِ بِإِخْوَانِي وَأَخِلَّائِي» قَالَتْ: فَمَا أَقَامَ بَعْدُ إِلَّا شَهْرًا حَتَّى تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
الفصل الثالث والعشرون الخوف من الله والطاعة له وشدة العبادة
الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ الخوف من الله والطّاعة له وشدّة العبادة وَأَمَّا خَوْفُهُ مِنْ رَبِّهِ، وَطَاعَتُهُ لَهُ، وَشِدَّةُ عبادته، فعلى قدر علمه بربه. عن «1» أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» . زَادَ «2» فِي رِوَايَتِنَا عَنْ أَبِي عِيسَى «3» التِّرْمِذِيِّ. رفعه إلى
أَبِي «1» ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «2» . «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أطّت «3» السماوات، وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ. مَا فِيهَا مَوْضِعُ أربع أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ. وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعْدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ. لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعَضَدُ» . رُوِيَ هَذَا الْكَلَامُ «وَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ» مِنْ قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ نَفْسِهِ «4» ، وَهُوَ أَصَحُّ. وَفِي حَدِيثِ «5» الْمُغِيرَةِ «6» : صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت قدماه.
وَفِي رِوَايَةٍ «1» : كَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَكَلَّفُ هَذَا، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟! قَالَ: «أفلا أكون عبدا شكورا» !! وعن «2» أبي سلمة «3» وأبي هريرة «4» رضي الله عنهما نحوه. وَقَالَتْ «5» عَائِشَةُ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيمَةً. وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ يُطِيقُ؟ وَقَالَتْ «7» : كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نقول: لا يصوم. وعن «8» ابن عباس «9» وأم سلمة «10» وأنس «11» رضي الله عنهم نحوه.
وقال: كنت لا تشاء أن تراه في اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ مُصَلِّيًا، وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ نَائِمًا. وَقَالَ «1» عَوْفُ بْنُ «2» مَالِكٍ رضي الله عنه: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَاسْتَاكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ مَعَهُ. فَبَدَأَ فَاسْتَفْتَحَ الْبَقَرَةَ، فَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَمَكَثَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ: «سُبْحَانَ ذِي الجبروت والملكوت والكبرباء والعظمة» ، ثم سجد، وقال قبل ذَلِكَ. ثُمَّ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ، ثُمَّ سُورَةً سورة يفعل مثل ذلك. وعن حذيفة «3» رضي الله عنه: مِثْلُهُ «4» وَقَالَ: سَجَدَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، وَجَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْهُ، وَقَالَ: حَتَّى قَرَأَ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة.
وعن «1» عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَيْلَةً. وَعَنْ «2» عَبْدِ الله بن «3» الشّخير رضي الله عنه: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ. قَالَ «4» ابن أبي هالة «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «6» «إني لأستغفر الله في اليوم مئة مَرَّةٍ» وَرُوِيَ «7» «سَبْعِينَ مَرَّةً» . وَعَنْ «8» عَلِيٍّ «9» رَضِيَ الله عنه قال: سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سنّته. فقال: «المعرفة رأس مالي، وَالْعَقْلُ أَصْلُ دِينِي، وَالْحُبُّ أَسَاسِي، وَالشَّوْقُ مَرْكَبِي، وَذِكْرُ اللَّهِ أَنِيسِي، وَالثِّقَةُ كَنْزِي، وَالْحُزْنُ رَفِيقِي، والعلم سلاحي، والصبر ردائي، والرضاء غَنِيمَتِي، وَالْعَجْزُ فَخْرِي، وَالزُّهْدُ حِرْفَتِي، وَالْيَقِينُ قُوَّتِي، وَالصِّدْقُ شَفِيعِي، وَالطَّاعَةُ حَسْبِي، وَالْجِهَادُ خُلُقِي، وَقُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «وَثَمَرَةُ فُؤَادِي فِي ذِكْرِهِ، وَغَمِّي لِأَجْلِ أُمَّتِي وَشَوْقِي إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ.
الفصل الرابع والعشرون صفات الأنبياء
الفصل الرابع والعشرون صفات الأنبياء اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ صِفَاتَ جَمِيعِ الأنبياء والرسل، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، مِنْ كَمَالِ الْخَلْقِ، وَحُسْنِ الصُّورَةِ، وَشَرَفِ النَّسَبِ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَجَمِيعِ الْمَحَاسِنِ هِيَ هَذِهِ الصِّفَةُ، لِأَنَّهَا صِفَاتُ الْكَمَالِ. وَالْكَمَالُ وَالتَّمَامُ الْبَشَرِيُّ، وَالْفَضْلُ، الْجَمِيعُ لَهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، إِذْ رُتْبَتُهُمْ أَشْرَفُ الرُّتَبِ وَدَرَجَاتُهُمْ أَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ. - وَلَكِنْ فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ» «1» وَقَالَ «وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ» «2»
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» . ثُمَّ قَالَ آخِرَ الْحَدِيثِ «2» «عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ» . وَفِي حَدِيثِ «3» أبي هريرة «4» رضى الله عنه: رَأَيْتُ مُوسَى، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ ضَرْبٌ «5» ، رَجُلٌ «6» ، أَقْنَى «7» ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ «8» . وَرَأَيْتُ عِيسَى، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ «9» ، كَثِيرُ خِيلَانِ «10» الْوَجْهِ، أحمر كأنما خرج من ديماس «11» .
وَفِي حَدِيثٍ «1» آخَرَ: مُبَطَّنٌ مِثْلَ السَّيْفِ. قَالَ: «وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ» . وَقَالَ فِي حَدِيثٍ «2» آخَرَ فِي صِفَةِ مُوسَى: «كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ» . وَفِي حَدِيثِ «3» أَبِي هُرَيْرَةَ «4» : عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ لُوطٍ نَبِيًّا إِلَّا فِي ذُرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ» وَيُرْوَى «فِي ثَرْوَةِ» أَيْ كَثْرَةٍ وَمَنَعَةٍ. وَحَكَى «5» التِّرْمِذِيُّ «6» عَنْ «7» قَتَادَةَ «8» ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «9» مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ «10» عن «11» أنس «12» : ما بعث الله نبيا إلا
حَسَنَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الصَّوْتِ، وَكَانَ نَبِيُّكُمْ أَحْسَنُهُمْ صَوْتًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَدِيثِ «1» هِرَقْلَ «2» : وَسَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَنْسَابِ قَوْمِهَا. وَقَالَ تَعَالَى فِي أَيُّوبَ «3» : «إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً. نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ» «4» . وقال تعالى: «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ» إلى قوله: «وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا» «5» . وقال: «أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى» إلى «الصَّالِحِينَ» «6» . وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ «7» » الآيتين.
وَقَالَ فِي نُوحٍ: «إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً «1» » . وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ» إلى «الصَّالِحِينَ «2» » . وقال: «إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ» إلى «ما دُمْتُ حَيًّا «3» » وقال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى «4» » الْآيَةَ.. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» : «كَانَ مُوسَى رَجُلًا حَيِيًّا سَتِيرًا مَا يُرَى مِنْ جَسَدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً» الْحَدِيثُ. وَقَالَ تَعَالَى عنه: «فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً «6» » الْآيَةَ. وَقَالَ فِي وَصْفِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ «إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ «7» » .
وَقَالَ: «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ «1» » . وقال: «فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ «2» » . وَقَالَ: «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ، كُلًّا هَدَيْنا» إلى قوله: «فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ «3» » . - فَوَصَفَهُمْ بِأَوْصَافٍ جَمَّةٍ مِنَ الصَّلَاحِ، وَالْهُدَى، وَالِاجْتِبَاءِ، والحكم، والنبوة. وقال: «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ عَلِيمٌ «4» » و «حَلِيمٌ «5» » . وَقَالَ: «وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ» إلى «أَمِينٌ «6» » .
وَقَالَ: «سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ «1» » . وَقَالَ فِي إِسْمَاعِيلَ «2» : «إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ «3» » الآيتين. وفي موسى «4» «إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً «5» » . وفي سليمان «6» : «نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ «7» » . وقال تعالى: «وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ» الى «الْأَخْيارِ «8» » . وفي داوود «9» : «إِنَّهُ أَوَّابٌ «10» » . ثُمَّ قَالَ: «وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ «11» »
وَقَالَ عَنْ يُوسُفَ «1» : «اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ «2» » . وَفِي مُوسَى «3» : «سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً «4» » . وَقَالَ تَعَالَى عَنْ شُعَيْبٍ «5» : «سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ «6» » وقال «ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ، إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ «7» » . وقال: «وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً «8» » . وقال: «إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ «9» » الآية. قَالَ سُفْيَانُ «10» : هُوَ الْحُزْنُ الدَّائِمُ فِي آيٍ كثيرة ذكر فيها من
خِصَالِهِمْ وَمَحَاسِنِ أَخْلَاقِهِمُ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِهِمْ. وَجَاءَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ كَثِيرٌ. كَقَوْلِهِ «1» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنُ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بن اسحق بْنِ إِبْرَاهِيمَ، نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنُ نَبِيٍّ» . وَفِي حَدِيثِ «2» أَنَسٍ «3» : «وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ» . وَرُوِيَ «4» : أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ مَعَ مَا أُعْطِيَ مِنَ الْمُلْكِ لَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ تَخَشُّعًا وَتَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ «5» يُطْعِمُ النَّاسَ لَذَائِذَ الْأَطْعِمَةِ، ويأكل خبز الشعير. وأوحي إِلَيْهِ: يَا رَأْسَ الْعَابِدِينَ، وَابْنَ مَحَجَّةِ الزَّاهِدِينَ. - وَكَانَتِ الْعَجُوزُ تَعْتَرِضُهُ، وَهُوَ عَلَى الرِّيحِ فِي جنوده،
فَيَأْمُرُ الرِّيحَ فَتَقِفُ فَيَنْظُرُ فِي حَاجَتِهَا وَيَمْضِي. وقيل ليوسف: مالك تَجُوعُ وَأَنْتَ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ؟!. قَالَ: أَخَافُ أَنْ أَشْبَعَ، فَأَنْسَى الْجَائِعَ. وَرَوَى «1» أَبُو هُرَيْرَةَ «2» ، عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُفِّفَ عَلَى داوود الْقُرْآنُ فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ فَتُسْرَجُ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ، وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ «3» » . - وَكَانَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَرْزُقَهُ عَمَلًا بِيَدِهِ يُغْنِيهِ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «4» «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ داوود. وأحبّ الصيام إلى الله صيام داوود. وكان يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَكَانَ يَلْبَسُ الصُّوفَ
وَيَفْتَرِشُ الشَّعَرَ، وَيَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ بِالْمِلْحِ وَالرَّمَادِ «1» ، ويمزج شرابه بالدموع، ولم يرضاحكا بَعْدَ الْخَطِيئَةِ، وَلَا شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ حياء من ربه عز وجل، وَلَمْ يَزَلْ بَاكِيًا حَيَاتَهُ كُلَّهَا» . وَقِيلَ «2» : بَكَى حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ مِنْ دُمُوعِهِ، وَحَتَّى اتَّخَذَتِ الدُّمُوعُ فِي خَدِهِ أُخْدُودًا. وَقِيلَ «3» : كَانَ يَخْرُجُ متنكرا يتعرف سيرته، فيسمع الثَّنَاءَ عَلَيْهِ فَيَزْدَادُ تَوَاضُعًا. وَقِيلَ «4» لِعِيسَى «5» عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَوِ اتَّخَذْتَ حِمَارًا؟ قَالَ: أَنَا أَكْرَمُ على الله تعالى مِنْ أَنْ يَشْغَلَنِي بِحِمَارٍ. - وَكَانَ «6» يَلْبَسُ الشَّعَرَ، وَيَأْكُلُ الشَّجَرَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْتٌ أَيْنَمَا أَدْرَكَهُ النَّوْمُ نَامَ. وَكَانَ أَحَبُّ الْأَسَامِي إِلَيْهِ، أن يقال له: يا «مسكين» .
وَقِيلَ «1» : إِنَّ مُوسَى «2» عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ كَانَتْ تُرَى خُضْرَةُ الْبَقْلِ فِي بطنه، من الهزال وقال صلّى الله عليه وسلم «3» : «لَقَدْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي يُبْتَلَى أَحَدُهُمْ بِالْفَقْرِ وَالْقَمْلِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْعَطَاءِ إِلَيْكُمْ» «4» . وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِخِنْزِيرٍ لَقِيَهُ: اذْهَبْ بِسَلَامٍ. فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أُعَوِّدَ لِسَانَيِ الْمَنْطِقَ بِسُوءٍ. وَقَالَ «5» مُجَاهِدٌ «6» : كَانَ طَعَامُ يَحْيَى «7» الْعُشْبُ، وَكَانَ يَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى اتَّخَذَ الدَّمْعُ مَجْرًى فِي خَدِّهِ. وَكَانَ يَأْكُلُ مَعَ الْوَحْشِ لِئَلَّا يخالط الناس.
وحكى الطبري «1» عن وهب «2» : أن موسى عليه السلام كان يستظل «3» بعريش، وكان يأكل فِي نُقْرَةٍ «4» مِنْ حَجَرٍ، وَيَكْرَعُ «5» فِيهَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ، كَمَا تَكْرَعُ الدَّابَّةُ تَوَاضُعًا لِلَّهِ بِمَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ كَلَامِهِ. - وَأَخْبَارُهُمْ فِي هَذَا كُلِّهِ مَسْطُورَةٌ، وَصِفَاتُهُمْ فِي الْكَمَالِ وَجَمِيلِ الْأَخْلَاقِ، وَحُسْنِ الصُّوَرِ وَالشَّمَائِلِ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ، فَلَا نُطَوِّلُ بِهَا وَلَا تَلْتَفِتْ إِلَى مَا تَجِدُهُ فِي كُتُبِ بَعْضِ جَهَلَةِ الْمُؤَرِّخِينَ والمفسرين مما يخالف هذا..
الفصل الخامس والعشرون حديث الحسن عن ابن أبي هالة في جمع (الشمائل)
الفصل الخامس والعشرون حديث الحسن عن ابن أبي هالة في جمع (الشمائل) قَدْ أَتَيْنَاكَ- أَكْرَمَكَ اللَّهُ- مِنْ ذِكْرِ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ وَالْفَضَائِلِ الْمَجِيدَةِ، وَخِصَالِ الْكَمَالِ الْعَدِيدَةِ، وَأَرَيْنَاكَ صِحَّتَهَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَلَبْنَا مِنَ الْآثَارِ مَا فِيهِ مَقْنَعٌ، وَالْأَمْرُ أَوْسَعُ. - فَمَجَالُ هَذَا الْبَابِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ممتد، ينقطع دون نفاده الأدلاء، وبحر علم خصائصه زاخرة لا تكدره الدلاء، ولكنا أتينا فيه بالمعروف مما أكثره فِي الصَّحِيحِ، وَالْمَشْهُورِ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ وَاقْتَصَرْنَا فِي ذَلِكَ بِقِلٍّ مِنْ كُلٍّ، وَغَيْضٍ «1» مِنْ فَيْضٍ «2» . ورأينا أن نختم
هذه الفصول بذكر حديث الحسن «1» عن ابن أَبِي «2» هَالَةَ «3» ، لِجَمْعِهِ مِنْ شَمَائِلِهِ وَأَوْصَافِهِ كَثِيرًا، وَإِدْمَاجِهِ جُمْلَةً كَافِيَةً مِنْ سِيَرِهِ وَفَضَائِلِهِ. وَنَصِلُهُ بتنبيه لطيف على غريبه «4» ومشكله «5» . قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: - وَاللَّفْظُ لِهَذَا السَّنَدِ «6» - سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ «7» بْنَ أَبِي هَالَةَ عَنْ حِلْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ وَصَّافًا، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخْمًا «8» ، مُفَخَّمًا «9» ، يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ «10» ، عَظِيمَ الْهَامَةِ.
رَجِلَ الشَّعْرِ، إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ «1» فَرَقَ، وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ. أَزْهَرَ اللَّوْنِ «2» . وَاسِعَ الْجَبِينِ. أَزَجَّ «3» الْحَوَاجِبِ، سَوَابِغَ مِنْ غَيْرِ قَرْنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ «4» الْغَضَبُ. أَقْنَى «5» الْعِرْنِينِ «6» ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ. وَيَحْسِبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ «7» كَثَّ اللِّحْيَةِ. أَدْعَجَ «8» . سهل الخدين.
ضَلِيعَ «1» الْفَمِ، أَشْنَبَ «2» ، مُفَلَّجَ «3» الْأَسْنَانِ. دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ. «4» كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ. مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ. بَادِنًا، مُتَمَاسِكًا. سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، مُشِيحُ «5» الصَّدْرِ. بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ. ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ «6» . أَنْوَرَ الْمُتَجَرِّدِ «7» . مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ مَا سِوَى ذَلِكَ. أَشَعَرَ الذِّرَاعَيْنِ، وَالْمَنْكِبَيْنِ، وَأَعَالِيَ الصَّدْرِ طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ. رَحْبَ الرَّاحَةِ، شَثْنَ «8» الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ.
سَائِلَ الْأَطْرَافِ- أَوْ قَالَ سَائِنَ الْأَطْرَافِ وَسَائِرَ الْأَطْرَافِ. سَبْطَ «1» الْعَصَبِ. خَمْصَانَ «2» الْأَخْمَصَيْنِ. مَسِيحَ «3» الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ. إِذَا زَالَ زَالَ تَقَلُّعًا، وَيَخْطُو تَكَفُّؤًا، وَيَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعَ «4» الْمِشْيَةَ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ. وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا. خَافِضَ الطَّرْفِ. نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ. يَسُوقُ أَصْحَابَهُ. وَيَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ. قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَهُ.. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ، دَائِمَ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، وَلَا يَتَكَلَّمُ في غير حاجة، طويل السكوت،
يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ، وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، فصلا «1» ، لَا فُضُولَ فِيهِ، وَلَا تَقْصِيرَ. دَمِثًا «2» ، لَيْسَ بِالْجَافِي، وَلَا الْمَهِينِ يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ. لَا يَذُمُّ شَيْئًا. لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ ذَوَاقًا «3» وَلَا يَمْدَحُهُ. وَلَا يُقَامُ لِغَضَبِهِ إِذَا تَعَرَّضَ لِلْحَقِّ بِشَيْءٍ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ، وَلَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا. إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا. وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا. وَإِذَا تَحَدَّثَ اتصل بها، فضرب بابهامه اليمنى راحه الْيُسْرَى. وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ. جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتَرُّ عَنْ مثل حب الغمام.
قال الحسن «1» : فَكَتَمْتُهَا عَنِ الْحُسَيْنِ «2» بْنِ عَلِيٍّ زَمَانًا، ثُمَّ حدثته فوجدته سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَسَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِ رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَخْرَجِهِ، وَمَجْلِسِهِ وَشَكْلِهِ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ الْحُسَيْنُ «3» : سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ، مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ- جُزْءًا لِلَّهِ، وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ. ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ، وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ، وَقِسْمَتُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ. مِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذو الحوائج. فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلهم وَالْأُمَّةَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ. وَيَقُولُ «4» «لِيُبْلِغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حاجة من
لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغِي حَاجَتَهُ، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ. قال «1» فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ «2» بْنِ وَكِيعٍ: يَدْخُلُونَ رُوَادًا ولا يتفرقون إلا عن ذواق، وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً- يَعْنِي فُقَهَاءَ. قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ .. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِمْ. وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُفَرِّقُهُمْ. يُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ، وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ. وَيَحْذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَخُلُقَهُ. وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ. وَيَسْأَلُ الناس عما في الناس. ويحسّن الحسن ويصوّ به.
وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِنُهُ. مُعْتَدِلَ الْأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ. لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا. لكل حال عنده عتاد «1» . لا يقصر عَنِ الْحَقِّ وَلَا يُجَاوِزُهُ إِلَى غَيْرِهِ. الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ. وَأَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً. وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُوَازَرَةً. فسألته عن مجلسه، عما يَصْنَعُ فِيهِ؟! فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ. وَلَا يُوَطِّنُ «2» الْأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ وَيُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ، حَتَّى لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ. مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ عَنْهُ. مَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا، أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَدْ وسع
النَّاسَ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً. مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ، وَحَيَاءٍ، وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تُؤْبَنُ «1» فِيهِ الْحُرَمُ، وَلَا تُثْنَى «2» فَلَتَاتُهُ- وهذه الكلمة من غير الروايتين- يتعاطفون بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ، يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ، وَيَرْفِدُونَ «3» ذَا الْحَاجَةِ، وَيَرْحَمُونَ الْغَرِيبَ. فَسَأَلْتُهُ: عَنْ سِيرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُلَسَائِهِ. فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ «4» ، وَلَا فَحَّاشٍ، وَلَا عَيَّابٍ، وَلَا مَدَّاحٍ. يَتَغَافَلُ عَمَّا لا يشتهي. ولا يؤيس مِنْهُ. قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، الرِّيَاءِ، وَالْإِكْثَارِ وَمَا لَا يَعْنِيهِ. وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثلاث:
كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا- وَلَا يُعَيِّرُهُ- وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا يَرْجُو ثوابه. إذا تكلم أطرق جلساؤه، كأن على رؤوسهم الطير. وإذا سَكَتَ تَكَلَّمُوا. لَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ. مَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرَغَ. حَدِيثُهُمْ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ. يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ. وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي الْمَنْطِقِ. وَيَقُولُ « «إِذَا رَأَيْتُمْ صَاحِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ «1» » . وَلَا يَطْلُبُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مكافيء. وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَتَجَوَّزَهُ فيقطعه بانتهاء أوقيام. هنا انتهى سفيان «2» بن وكيع. وزاد الآخر «3» :
قلت: كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: كَانَ سُكُوتُهُ عَلَى أَرْبَعٍ: عَلَى الْحِلْمِ- وَالْحَذَرِ- والتقدير- والتفكير - فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ. - وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى. وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّبْرِ فَكَّانِ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ يَسْتَفِزُّهُ وَجُمِعَ لَهُ فِي الْحَذَرِ أَرْبَعٌ: - أَخْذُهُ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ. - وَتَرْكُهُ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ. - وَاجْتِهَادُ الرَّأْيِ بِمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ. - وَالْقِيَامُ لَهُمْ بِمَا جَمَعَ لهم من أَمْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. انْتَهَى الْوَصْفُ بِحَمْدِ اللَّهِ وعونه.
الفصل السادس والعشرون في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله
الْفَصْلُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي تَفْسِيرِ غَرِيبِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمُشْكِلِهِ «1» قَوْلُهُ: الْمُشَذَّبُ أَيِ الْبَائِنُ الطُّولِ فِي نَحَافَةٍ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْمُمَغَّطِ. وَالشَّعَرُ الرَّجِلُ: الَّذِي كأنه مشط فتكسّر قليلا ليس بسبط وَلَا جَعْدٍ. وَالْعَقِيقَةُ: شَعْرُ الرَّأْسِ أَرَادَ إِنِ انْفَرَقَتْ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهَا فَرَقَهَا وَإِلَّا تَرَكَهَا مَعْقُوصَةً وَيُرْوَى عَقِيصَتُهُ. وَأَزْهَرُ اللَّوْنِ: نَيِّرُهُ وَقِيلَ أَزْهَرٌ حَسَنٌ وَمِنْهُ زَهْرَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَيْ زِينَتُهَا وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ليس بالأبيض الأمهق
وَلَا بِالْآدَمِ، وَالْأَمْهَقِ: هُوَ النَّاصِعُ الْبَيَاضِ، وَالْآدَمُ: الْأَسْمَرُ اللَّوْنِ، وَمِثْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَبْيَضُ مُشْرَبٌ أَيْ فِيهِ حُمْرَةٌ. وَالْحَاجِبُ الْأَزَجُّ: الْمُقَوَّسُ الطَّوِيلُ الْوَافِرُ الشَّعْرِ. وَالْأَقْنَى: السَّائِلُ الْأَنْفِ الْمُرْتَفِعُ وَسَطُهُ. وَالْأَشَمُّ: الطَّوِيلُ قَصَبَةِ الْأَنْفِ. وَالْقَرْنُ: اتِّصَالُ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ، وَضِدُّهُ الْبَلْجُ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ وَصْفُهُ بِالْقَرْنِ. وَالْأَدْعَجُ: الشَّدِيدُ سَوَادِ الحدقة، وفي الحديث الآخر: أشكل العين، وأسحر الْعَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي فِي بَيَاضِهَا حُمْرَةٌ. وَالضَّلِيعُ: الْوَاسِعُ. وَالشَّنَبُ: رَوْنَقُ الْأَسْنَانِ وَمَاؤُهَا، وَقِيلَ رِقَّتُهَا، وتحزيز فِيهَا كَمَا يُوجَدُ فِي أَسْنَانِ الشَّبَابِ. وَالْفَلَجُ: فرق الثَّنَايَا. وَدَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ: خَيْطُ الشَّعْرِ الَّذِي بَيْنَ الصدر والسرة. بادن: ذو لحم. ومتماسك: مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ، يُمْسِكُ بَعْضُهُ بَعْضًا، مِثْلَ قَوْلِهِ في الحديث
الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ، أَيْ لَيْسَ بِمُسْتَرْخِي اللَّحْمِ، وَالْمُكَلْثَمُ الْقَصِيرُ الذَّقَنِ. وَسَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ: أَيْ مُسْتَوِيهِمَا. مُشِيحُ الصَّدْرِ: إِنْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فَتَكُونُ مِنَ الْإِقْبَالِ، وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِي أَشَاحَ، أَيْ أَنَّهُ كَانَ بَادِيَ الصَّدْرِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي صَدْرِهِ قَعَسٌ وَهُوَ تَطَامُنٌ فِيهِ وَبِهِ يَتَّضِحُ قَوْلُهُ قَبْلُ سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، أَيْ لَيْسَ بِمُتَقَاعِسِ الصَّدْرِ وَلَا مُفَاضِ الْبَطْنِ، وَلَعَلَّ اللَّفْظَ مَسِيحٌ بِالسِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ بِمَعْنَى عَرِيضٍ كَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الأخرى وحكاه ابن دريد. الكراديس: رؤوس الْعِظَامِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ جليل المشاش، والكتد والمشاش: رؤوس الْمَنَاكِبِ وَالْكَتَدُ: مُجْتَمَعُ الْكَتِفَيْنِ. وَشَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ: لَحِيمُهُمَا وَالزَّنْدَانِ عَظْمَا الذِّرَاعَيْنِ. وَسَائِلُ الْأَطْرَافِ: أَيْ طَوِيلُ الْأَصَابِعِ وَذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّهُ رُوِيَ سائل الأطراف، أو قال سَائِنٌ بِالنُّونِ قَالَ: وَهُمَا بِمَعْنًى تُبْدَلُ اللَّامُ مِنَ النُّونِ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِهَا وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَسَائِرُ الْأَطْرَافِ فَإِشَارَةٌ إِلَى فَخَامَةِ جَوَارِحِهِ كَمَا وَقَعَتْ مُفَصَّلَةً فِي الْحَدِيثِ.
وَرَحْبُ الرَّاحَةِ: أَيْ وَاسِعُهَا وَقِيلَ كَنَّى بِهِ عَنْ سِعَةِ الْعَطَاءِ وَالْجُودِ. وَخَمْصَانُ الْأَخْمَصَيْنِ: أَيْ مُتَجَافِي أَخْمَصَ الْقَدَمِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا تناله الأرض من وسط القدم. ومسيح الْقَدَمَيْنِ: أَيْ أَمْلَسُهُمَا وَلِهَذَا قَالَ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلَافُ هَذَا قال فيه: إذا وطىء بقدمه وطىء بِكُلِّهَا لَيْسَ لَهُ أَخْمَصٌ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَعْنَى قَوْلِهِ مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ، وَبِهِ قَالُوا سُمِّيَ الْمَسِيحُ بن مَرْيَمَ أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْمَصٌ وَقِيلَ: مَسِيحٌ لَا لَحْمَ عَلَيْهِمَا وَهَذَا أَيْضًا يُخَالِفُ قوله شثن القدمين. والتقلع: رَفْعُ الرِّجْلِ بِقُوَّةٍ. وَالتَّكَفُّؤُ: الْمَيْلُ إِلَى سَنَنِ الْمَمْشَى وَقَصْدِهِ. وَالْهَوْنُ: الرِّفْقُ وَالْوَقَارُ. وَالذَّرِيعُ: الْوَاسِعُ الْخَطْوِ أَيْ: إِنَّ مَشْيَهُ كَانَ يَرْفَعُ فِيهِ رِجْلَيْهِ بِسُرْعَةٍ وَيَمُدُّ خَطْوَهُ خِلَافَ مِشْيَةِ الْمُخْتَالِ وَيَقْصِدُ سِمَتَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِرِفْقٍ وَتَثَبُّتٍ دُونَ عَجَلَةٍ كَمَا قَالَ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ.
وَقَوْلُهُ يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ: أَيْ لِسَعَةِ فَمِهِ، وَالْعَرَبُ تَتَمَادَحُ بِهَذَا وَتَذُمُّ بِصِغَرِ الْفَمِ. وَأَشَاحَ: مَالَ وَانْقَبَضَ. وَحَبُّ الْغَمَامِ: الْبَرَدُ. وَقَوْلُهُ فَيَرُدُّ ذَلِكَ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ: أَيْ جَعَلَ مِنْ جُزْءِ نَفْسِهِ مَا يُوصِلُ الْخَاصَّةَ إِلَيْهِ فَتُوصِلُ عَنْهُ لِلْعَامَّةِ، وَقِيلَ يُجْعَلُ مِنْهُ لِلْخَاصَّةِ ثُمَّ يُبَدِّلُهَا فِي جُزْءٍ آخَرَ بِالْعَامَّةِ. وَيَدْخُلُونَ رُوَادًا: أَيْ مُحْتَاجِينَ إِلَيْهِ وَطَالِبِينَ لِمَا عِنْدَهُ. ولا ينصرفون إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ: قِيلَ عَنْ عِلْمٍ يَتَعَلَّمُونَهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَيْ فِي الْغَالِبِ وَالْأَكْثَرِ. وَالْعَتَادُ: الْعِدَّةُ وَالشَّيْءُ الْحَاضِرُ الْمُعَدُّ. وَالْمُوَازَرَةُ: الْمُعَاوَنَةُ وَقَوْلُهُ. لَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ: أَيْ لَا يَتَّخِذُ لِمُصَلَّاهُ مَوْضِعًا مَعْلُومًا وَقَدْ وَرَدَ نَهْيُهُ عَنْ هَذَا مُفَسَّرًا فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَصَابَرَهُ: أَيْ حَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ صَاحِبُهُ. وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ: أَيْ لَا يُذْكَرْنَ فِيهِ بِسُوءٍ.
وَلَا تُثْنَى فَلَتَاتُهُ: أَيْ لَا يُتَحَدَّثُ بِهَا أَيْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَلْتَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَحَدٍ سُتِرَتْ، وَيَرْفِدُونَ: يُعِينُونَ. وَالسَّخَّابُ: الْكَثِيرُ الصِّيَاحِ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مكافيء: قِيلَ مُقْتَصِدٍ فِي ثَنَائِهِ وَمَدْحِهِ وَقِيلَ إِلَّا من مسلم وقيل إلا من مكافىء عَلَى يَدٍ سَبَقَتْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم له. ويستفزه: يستخفه وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي وَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مَنْهُوسُ الْعَقِبِ: أَيْ قَلِيلُ لَحْمِهَا. وأهداب الْأَشْفَارِ: أَيْ طَوِيلُ شَعْرِهَا.
الباب الثالث فيما ورد منه صحيح الأخبار ومشهورها بعظيم قدره عند ربه ومنزلته وما خصه به في الدارين منه كرامته صلى الله عليه وسلم
الباب الثالث فيما ورد منه صَحِيحِ الْأَخْبَارِ وَمَشْهُورِهَا بِعَظِيمِ قَدْرِهِ عِنْدَ رَبِّهِ ومنزلته وما خصّه به في الدّارين منه كرامته صلّى الله عليه وسلّم وفيه اثنا عشر فصلا
لَا خِلَافَ أَنَّهُ أَكْرَمُ الْبَشَرِ «1» ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ «2» ، وَأَفْضَلُ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأَعْلَاهُمْ دَرَجَةً، وَأَقْرَبُهُمْ زُلْفَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَقَدِ اقْتَصَرْنَا مِنْهَا عَلَى صَحِيحِهَا، وَمُنْتَشِرِهَا، وَحَصَرْنَا مَعَانِيَ مَا وَرَدَ منها في هذه الفصول.
الفصل الأول مكانته صلى الله عليه وسلم
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ مَكَانَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ مَكَانَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عز وجل، وَالِاصْطِفَاءِ وَرِفْعَةِ الذِّكْرِ، وَالتَّفْضِيلِ، وَسِيَادَةِ وَلَدِ آدَمَ وَمَا خَصَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَزَايَا الرتب، وبركة اسمه الطيب. عن «1» ابن عباس «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أن الله تعالى قَسَّمَ الْخَلْقَ قِسْمَيْنِ، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ قِسْمًا، فذلك قوله تعالى: أصحاب اليمين، وأصحاب الشِّمَالِ، فَأَنَا مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَنَا خَيْرُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ. ثُمَّ جَعَلَ الْقِسْمَيْنِ أَثْلَاثًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا ثُلُثًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَصْحَابُ الميمنة وأصحاب المشأمة، والسابقون السابقون،
فَأَنَا مِنَ السَّابِقِينَ، وَأَنَا خَيْرُ السَّابِقِينَ، ثُمَّ جَعَلَ الْأَثْلَاثَ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهَا قَبِيلَةً، وذلك قوله تعالى: «وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ «1» » الْآيَةَ.. فَأَنَا أَتْقَى وَلَدِ آدَمَ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَلَا فَخْرَ.. ثُمَّ جَعَلَ الْقَبَائِلَ بُيُوتًا فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهَا بَيْتًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ «2» » الْآيَةَ.. وَعَنْ «3» أَبِي سَلَمَةَ «4» : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «5» قَالَ: «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ ... قَالَ: «وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ» . وَعَنْ «6» وَاثِلَةَ «7» بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، واصطفاني من بني هاشم.»
وَمِنْ حَدِيثِ «1» أَنَسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلَا فَخْرَ» . وَفِي حَدِيثِ «3» ابْنِ عَبَّاسٍ «4» : أَنَا أَكْرَمُ الْأَوَّلِينَ والآخرين ولا فخر» . وعن «5» عائشة «6» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ: قَلَّبْتُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَلَمْ أَرَ رَجُلًا أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ أَرَ بَنِي أَبٍ أَفْضَلَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» . وَعَنْ «7» أَنَسٍ «8» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: بِمُحَمَّدٍ «9» تَفْعَلُ هَذَا!! فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ منه ... فارفضّ عرقا» .
وعن «1» ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ أَهْبَطَنِي فِي صُلْبِهِ إِلَى الْأَرْضِ، وَجَعَلَنِي فِي صُلْبِ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ، وَقَذَفَ بِي فِي النَّارِ فِي صُلْبِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَنْقُلُنِي فِي الْأَصْلَابِ الْكَرِيمَةِ إِلَى الْأَرْحَامِ الطَّاهِرَةِ حَتَّى أَخْرَجَنِي بين أبوي.. لم يلتقيا على سفاح قط» . وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْعَبَّاسُ «2» بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظِّلَالِ وَفِي ... مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الْوَرَقُ ثُمَّ هَبَطْتَ الْبِلَادَ لَا بَشَرٌ ... أَنْتَ وَلَا مُضْغَةٌ وَلَا عَلَقُ بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِينَ وَقَدْ ... أَلْجَمَ نَسْرًا «3» وَأَهْلَهُ الْغَرَقُ تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحِمٍ ... إِذَا مَضَى عَالِمٌ بَدَا طَبَقُ «4» ثُمَّ احْتَوَى بَيْتُكَ الْمُهَيْمَنُ مِنْ ... خِنْدَفٍ «5» علياء تحتها النّطق «6»
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الْأَرْ ... ضُ وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الْأُفُقُ فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الضِّيَاءِ وَفِي النو ... ر وَسُبُلِ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ يَا بَرْدَ نَارِ الْخَلِيلِ يَا سَبَبًا ... لِعِصْمَةِ النَّارِ وَهْيَ تَحْتَرِقُ وَرَوَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو ذَرٍّ «1» . وَابْنُ عُمَرَ «2» . وَابْنُ عَبَّاسٍ «3» . وَأَبُو هُرَيْرَةَ «4» . وَجَابِرُ «5» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «أُعْطِيتُ خَمْسًا- وَفِي بَعْضِهَا سِتًّا «6» - لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي «7» . - نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ. - وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ. - وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِنَبِيٍّ قَبْلِي. - وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً. - وَأُعْطِيتُ الشفاعة.
وَفِي رِوَايَةٍ «1» : بَدَلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ «وَقِيلَ لِي سَلْ تُعْطَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «2» «وَعُرِضَ عَلَيَّ أُمَّتِي. فَلَمْ يَخْفَ عَلَيَّ التَّابِعُ مِنَ الْمَتْبُوعِ» . وَفِي رِوَايَةٍ «3» «بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» . قِيلَ: «السُّودُ» الْعَرَبُ، لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَلْوَانِهِمُ الْأُدْمَةُ فَهُمْ مِنَ السُّودِ. «وَالْحُمْرُ» الْعَجَمُ. وَقِيلَ: الْبِيضُ وَالسُّودُ مِنَ الْأُمَمِ. وَقِيلَ: «الْحُمْرُ» الْإِنْسُ. «وَالسُّودُ» الْجِنُّ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «4» : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «5» رضي الله عنه «نصرت بالرعب، وأوتيت جوامع، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ جِيءَ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فوضعت في يدي» .
وَفِي رِوَايَةٍ «1» عَنْهُ «2» «وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ» . وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ «3» عَامِرٍ: أَنَّهُ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» «إِنِّي فَرَطٌ «5» لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بعدي، ولكني أخاف أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا» . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ «6» بْنِ عمرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «7» «أَنَا مُحَمَّدٌ، النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ؛ لَا نَبِيَّ بَعْدِي؛ أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَخَوَاتِمَهُ، وَعُلِّمْتُ خَزَنَةَ النَّارِ، وَحَمَلَةَ الْعَرْشِ» . وَعَنِ «8» ابن عمر «9» رضي الله عنه «بعثت بين يدي الساعة»
وفي رِوَايَةِ ابْنِ «1» وَهْبٍ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «2» : «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: سَلْ يَا مُحَمَّدُ.. فَقُلْتُ: مَا أَسْأَلُ يَا رَبِّ. اتَّخَذْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَكَلَّمْتَ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَاصْطَفَيْتَ نُوحًا، وَأَعْطَيْتَ سُلَيْمَانَ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا أَعْطَيْتُكَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ. - أَعْطَيْتُكَ الْكَوْثَرَ، وَجَعَلْتُ اسْمَكَ مَعَ اسْمِي يُنَادَى بِهِ فِي جَوْفِ السَّمَاءِ، وَجَعَلْتُ الْأَرْضَ طَهُورًا لَكَ وَلِأُمَّتِكَ، وَغَفَرْتُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَأَنْتَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَغْفُورًا لَكَ، وَلَمْ أَصْنَعْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ، وَجَعَلْتُ قُلُوبَ أُمَّتِكَ مَصَاحِفَهَا. وَخَبَّأْتُ لك شفاعتك ولم أخبأها لِنَبِيٍّ غَيْرِكَ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «3» رَوَاهُ حُذَيْفَةُ «4» «بَشَّرَنِي- يَعْنِي «5» رَبَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ، أَوَّلُ مَنْ يدخل الجنة
مَعِي مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ وَأَعْطَانِي، أَلَّا تَجُوعَ أُمَّتِي، وَلَا تُغْلَبَ، وَأَعْطَانِي، النَّصْرَ وَالْعِزَّةَ، وَالرُّعْبَ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ أُمَّتِي شَهْرًا. - وَطَيَّبَ لِي وَلِأُمَّتِي الْمَغَانِمَ «1» . - وَأَحَلَّ لَنَا كَثِيرًا مِمَّا شَدَّدَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «2» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» «مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . مَعْنَى هَذَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ: بَقَاءُ مُعْجِزَتِهِ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا. وَسَائِرُ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ ذَهَبَتْ لِلْحِينِ، وَلَمْ يُشَاهِدْهَا إِلَّا الْحَاضِرُ لَهَا. وَمُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ يَقِفُ عَلَيْهَا قَرْنٌ بَعْدَ قَرْنٍ عَيَانًا لا خبرا الى يوم القيامة.
وَفِيهِ كَلَامٌ يَطُولُ، هَذَا نُخْبَتُهُ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِ. وَفِيمَا ذُكِرَ فِيهِ سِوَى هَذَا آخِرَ بَابِ الْمُعْجِزَاتِ. وَعَنْ «1» عَلِيٍّ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُلُّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُجَبَاءَ، وُزَرَاءَ، رُفَقَاءَ، مِنْ أُمَتِّهِ، وَأُعْطِيَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَجِيبًا، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارٌ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» «إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي. وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» . وَعَنِ «4» الْعِرْبَاضِ «5» بْنِ سارية رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَعِدَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وبشارة عيسى بن مريم» .
وَعَنِ «1» ابْنِ عَبَّاسٍ «2» قَالَ: إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ السماء وعلى الأنبياء صلوات الله وسلامه عَلَيْهِمْ. قَالُوا: فَمَا فَضْلُهُ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ؟ .. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِأَهْلِ السَّمَاءِ: «وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ» «3» الْآيَةَ. وَقَالَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً «4» » الآية. قالوا: وما فَضْلُهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؟ .. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ «5» » الْآيَةَ. وَقَالَ: لِمُحَمَّدٍ «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ «6» » .
وَعَنْ «1» خَالِدِ «2» بْنِ مَعْدَانَ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ- وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ «3» ، وَشَدَّادِ «4» بْنِ أَوْسٍ، وَأَنَسِ «5» بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- فَقَالَ: «نَعَمْ ... أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ- يَعْنِي قَوْلَهُ: «رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ «6» » . وَبَشَّرَ بِي عِيسَى. وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ قُصُورُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ. وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخٍ لِي خَلْفَ بُيُوتِنَا نَرْعَى بُهْمًا لَنَا، إِذْ جَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ- وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ- بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مملوّة ثلجا، فأخذاني فشقا بطني- قال في غير هذا
الحديث، من نحري إلى مراقّ بَطْنِي- ثُمَّ اسْتَخْرَجَا مِنْهُ قَلْبِي، فَشَقَّاهُ، فَاسْتَخْرَجَا منه علقة سوداء فطر حاها، ثُمَّ غَسَلَا قَلْبِي وَبَطْنِي بِذَلِكَ الثَّلْجِ حَتَّى أَنْقَيَاهُ- قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ- ثُمَّ تَنَاوَلْ أَحَدُهُمَا شَيْئًا، فَإِذَا بِخَاتَمٍ فِي يَدِهِ مِنْ نُورٍ، يَحَارُ النَّاظِرُ دُونَهُ، فَخَتَمَ بِهِ قَلْبِي فَامْتَلَأَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً، ثُمَّ أَعَادَهُ مَكَانَهُ، وَأَمَرَّ الْآخَرُ يَدَهُ عَلَى مَفْرَقِ صَدْرِي فَالْتَأَمَ.» وَفِي رِوَايَةٍ «1» : إِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ: «قَلْبٌ وَكِيعٌ- أَيْ شديد- فِيهِ عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ، وَأُذُنَانِ سَمِيعَتَانَ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ، زِنْهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بهم فرجحتهم، ثم قال: زنه بمئة مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتُهُمْ. ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتُهُمْ ثُمَّ قَالَ: دَعْهُ عَنْكَ، فَلَوْ وَزَنْتَهُ بِأُمَّتِهِ لَوَزَنَهَا» . قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «ثُمَّ ضَمُّونِي إِلَى صُدُورِهِمْ، وَقَبَّلُوا رَأْسِي، وَمَا بَيْنَ عَيْنَيَّ ثم قالوا: يا حبيب الله لم تُرَعْ، إِنَّكَ لَوْ تَدْرِي مَا يُرَادُ بِكَ من الخير لقرّت عيناك.
وَفِي بَقِيَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِمْ: «مَا أَكْرَمَكَ عَلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ مَعَكَ وَمَلَائِكَتَهُ» . قَالَ «1» فِي حَدِيثِ «2» أَبِي ذَرٍّ «3» . «فَمَا هُوَ إِلَّا أَنَّ وَلَّيَا عَنِّي، فَكَأَنَّمَا أَرَى الْأَمْرَ معاينة» . وحكى أبو محمد «4» المكّي، وأبو اللَّيْثِ «5» السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ آدَمَ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ قَالَ «6» «اللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي- ويروى- وتقبل تَوْبَتِي» . فَقَالَ لَهُ اللَّهُ: مِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ محمدا؟ .. قال: رَأَيْتُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. - وَيُرْوَى: مُحَمَّدٌ عَبْدِي وَرَسُولِي- فَعَلِمْتُ أَنَّهُ أَكْرَمُ خَلْقِكَ عَلَيْكَ» . فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَغَفَرَ لَهُ.
وَهَذَا عِنْدَ قَائِلِهِ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ «1» » . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَقَالَ آدَمُ: لَمَّا خَلَقْتَنِي رَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى عَرْشِكَ فَإِذَا فِيهِ مَكْتُوبٌ.. لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْظَمُ قَدْرًا عِنْدَكَ مِمَّنْ جَعَلْتَ اسْمَهُ مَعَ اسْمِكَ» . فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: «وَعِزَّتِي وَجَلَالِي إِنَّهُ لَآخِرُ النَّبِيِّينَ مِنْ ذريتك، ولو لاه مَا خَلَقْتُكَ. قَالَ: وَكَانَ آدَمُ يُكَنَّى بِأَبِي مُحَمَّدٍ «2» . وَقِيلَ: بِأَبِي الْبَشَرِ «3» . وَرُوِيَ عَنْ سُرَيْجِ «4» بْنِ يُونُسَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سيّاحين، عبادتها على كُلُّ دَارٍ فِيهَا أَحْمَدُ أَوْ مُحَمَّدٌ، إِكْرَامًا منهم لمحمد صلّى الله عليه وسلم.
وَرَوَى ابْنُ قَانِعٍ الْقَاضِي «1» عَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ «2» قَالَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ إِذَا عَلَى الْعَرْشِ مَكْتُوبٌ.. لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. أَيَّدْتُهُ بِعَلِيٍّ..» وَفِي التَّفْسِيرِ عَنِ «3» ابْنِ عَبَّاسٍ «4» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما «5» » . قال «6» : لوح من ذهب مَكْتُوبٌ: عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَنْصَبُ. عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ كَيْفَ يَضْحَكُ، عَجَبًا لمن رأى الدنيا وتقلّبها بِأَهْلِهَا كَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا. أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا.. مُحَمَّدٌ عَبْدِي وَرَسُولِي.» وَعَنِ «7» ابْنِ عَبَّاسٍ «8» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبٌ: إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، لَا أُعَذِّبُ من قالها» .
وَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ عَلَى الْحِجَارَةِ الْقَدِيمَةِ مَكْتُوبٌ «مُحَمَّدٌ تَقِيٌّ مُصْلِحٌ، وَسَيِّدٌ أَمِينٌ» . وَذَكَرَ السِّمِنْطَارِيُّ «1» : أَنَّهُ شَاهَدَ فِي بَعْضِ بِلَادِ خُرَاسَانَ مَوْلُودًا وُلِدَ، عَلَى أَحَدِ جَنْبَيْهِ مَكْتُوبٌ.. لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.. وَعَلَى الْآخَرِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.» وَذَكَرَ الْأَخْبَارِيُّونَ: أَنَّ بِبِلَادِ الْهِنْدِ وَرْدًا أَحْمَرَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ بِالْأَبْيَضِ.. لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ «2» بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: أَلَا لِيَقُمْ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَلْيَدْخُلِ الْجَنَّةَ لِكَرَامَةِ اسْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ «3» فِي «سَمَاعِهِ «4» » وَابْنُ وهب «5» في «جامعه «6» » عن مالك «7» :
سَمِعْتُ أَهْلَ مَكَّةَ يَقُولُونَ: «مَا مِنْ بَيْتٍ فيه اسم محمد إلا نمى، وَرُزِقُوا، وَرُزِقَ جِيرَانُهُمْ.» وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» «مَا ضَرَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ مُحَمَّدٌ وَمُحَمَّدَانِ وَثَلَاثَةٌ» . وَعَنْ «2» عَبْدِ اللَّهِ بْنِ «3» مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ تعالى نظر إلى قلوب العباد فاختار مِنْهَا قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ. وَحَكَى النَّقَّاشُ «4» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ «وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً «5» » الآية. قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: يَا «مَعْشَرَ أَهْلِ الْإِيمَانِ.. إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَضَّلَنِي عَلَيْكُمْ تَفْضِيلًا، وَفَضَّلَ نسائي على نسائكم تفضيلا.» الحديث..
الفصل الثاني كرامة الإسراء
الْفَصْلُ الثَّانِي كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ فِي تَفْضِيلِهِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ كَرَامَةُ الْإِسْرَاءِ مِنَ الْمُنَاجَاةِ وَالرُّؤْيَةِ، وَإِمَامَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْعُرُوجِ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَمَا رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى. وَمِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِصَّةُ الْإِسْرَاءِ، وَمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ دَرَجَاتِ الرِّفْعَةِ مِمَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ، وَشَرَحَتْهُ صِحَاحُ الْأَخْبَارِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ «1» » الآية. وقال تعالى «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى «2» » إلى قوله «لَقَدْ رَأى
مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى «1» » . فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ فِي صِحَّةِ الْإِسْرَاءِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ، وَجَاءَتْ بِتَفْصِيلِهِ وَشَرْحِ عَجَائِبِهِ وَخَوَاصِّ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مُنْتَشِرَةٌ ... رَأَيْنَا أَنْ نُقَدِّمَ أَكْمَلَهَا ونشير زيادة من غيره يجب ذكرها. عَنْ أَنَسِ «2» بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ «3» «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرَفِهِ، قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبُطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ.» . فَقَالَ جِبْرِيلُ: «اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إليه؟ قال: قد بعث إليه..
فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ جِبْرِيلُ، قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إليه: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بابني الخالة عيسى بن مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا. فَرَحَّبَا بِي وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ. - وَذَكَرَ مِثْلَهُ- فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. قال الله تعالى «وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا «1» » ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ- فَذَكَرَ مِثْلَهُ- فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ- فَذَكَرَ مِثْلَهُ- فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ- فَذَكَرَ مِثْلَهُ- فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ. ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ «2» ، وَإِذَا ثمرها كالقلال «3» ..
قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خمسين صلاة قال: إرجع إلى ربك فاسأل التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ.. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ: يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ.. قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى حَتَّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إنّهن خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عشرة، فَتِلْكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً.. قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فقال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إلى ربي حتى استحيت منه.
قال القاضي: جَوَّدَ ثَابِتٌ «1» رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسٍ «2» مَا شَاءَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ عَنْهُ بِأَصْوَبَ مِنْ هَذَا. وَقَدْ خَلَطَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ تَخْلِيطًا كَثِيرًا لَا سِيَّمَا مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكِ «3» بْنِ أَبِي نَمِرٍ. فَقَدْ ذَكَرَ فِي أَوَّلِهِ مَجِيءَ الْمَلَكِ لَهُ، وَشَقَّ بَطْنِهِ وَغَسْلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ وَهُوَ صَبِيٌّ وَقَبْلَ الْوَحْيِ، وَقَدْ قَالَ شَرِيكٌ فِي حَدِيثِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَذِكْرُ قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ الْوَحْيِ. وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ إِنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ. وَقِيلَ: قَبْلَ هَذَا. وَقَدْ رَوَى ثَابِتٌ «4» عَنْ أَنَسٍ «5» مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ «6» بْنِ سَلَمَةَ أَيْضًا «7» مَجِيءَ جِبْرِيلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الغلمان عند ظئره «8»
وَشَقَّهُ قَلْبَهُ تِلْكَ الْقِصَّةَ مُفْرَدَةً مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ كَمَا رَوَاهُ النَّاسُ، فَجَوَّدَ فِي الْقِصَّتَيْنِ، وَفِي أَنَّ الْإِسْرَاءَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى كَانَ قِصَّةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ وَصَلَ إلى بيت المقدس، ثم عرج من هناك فأزاح كل إشكال أو همه غَيْرُهُ. وَقَدْ رَوَى يُونُسُ «1» عَنِ ابْنِ شِهَابٍ «2» عن أنس قال: كان أبوذر «3» يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال «4» «فرج سقف بيتي فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتليء حكمة وإيمانا فأفرغها في صَدْرِي ثُمَّ أُطَبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ» فَذَكَرَ الْقِصَّةَ. وَرَوَى قَتَادَةُ «5» الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ عَنْ أَنَسٍ «6» عَنْ مَالِكِ «7» بْنِ صعصعة
وفيها تقديم وتأخير، وزيادة وَنَقْصٌ، وَخِلَافٌ فِي تَرْتِيبِ الْأَنْبِيَاءِ فِي السَّمَاوَاتِ «1» . وَحَدِيثُ ثَابِتٍ «2» عَنْ أَنَسٍ «3» أَتْقَنُ وَأَجْوَدُ، وَقَدْ وَقَعَتْ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ زِيَادَاتٌ نَذْكُرُ مِنْهَا نكتا «4» مفيدة في غرضنا. مِنْهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ «5» وَفِيهِ «قَوْلُ كُلِّ نَبِيٍّ لَهُ «مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ» إِلَّا آدَمَ وَإِبْرَاهِيمَ فَقَالَا لَهُ «وَالِابْنِ الصَّالِحِ» . وَفِيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ «6» «ثُمَّ عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صَرِيفَ «7» الْأَقْلَامِ «8» . وَعَنْ أَنَسٍ «9» «ثُمَّ انْطُلِقَ بِي حتى أتيت سدرة المنتهى
فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ. قَالَ: ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ.» وَفِي حَدِيثِ «1» مَالِكِ «2» بْنِ صَعْصَعَةَ «فَلَمَّا جَاوَزْتُهُ- يَعْنِي مُوسَى- بَكَى فَنُودِيَ مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: رَبِّ هَذَا غُلَامٌ بَعَثْتَهُ بَعْدِي يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِهِ الْجَنَّةَ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي» . وَفِي حَدِيثِ «3» أَبِي هُرَيْرَةَ «4» «وَقَدْ رَأَيْتُنِي «5» فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ.» وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَنَزَلَ فَرَبَطَ فَرَسَهُ إِلَى صَخْرَةٍ فَصَلَّى مَعَ الْمَلَائِكَةِ فَلَمَّا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ قَالُوا: يَا جِبْرِيلُ: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: هَذَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، قَالُوا: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَخَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ. ثُمَّ لَقُوا أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ فَأَثْنَوْا على ربهم- وذكر كلام كل واحد
منهم وهم ابراهيم- وموسى- وعيسى- وداوود- وَسُلَيْمَانُ- ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ «كُلُّكُمْ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ وَأَنَا أَثْنَى عَلَيَّ رَبِّي: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. وَكَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا. وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الْفُرْقَانَ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ. وَجَعَلَ أُمَّتِي خَيْرَ أُمَّةٍ. وَجَعَلَ أُمَّتِي أُمَّةً وَسَطًا. وَجَعَلَ أُمَّتِي هُمُ الْأَوَّلُونَ وَهُمُ الْآخِرُونَ. وَشَرَحَ لِي صَدْرِي، وَوَضَعَ عَنِّي وِزْرِي، وَرَفَعَ لِي ذِكْرِي، وَجَعَلَنِي فَاتِحًا وَخَاتَمًا. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: بِهَذَا فَضَلَكُمْ مُحَمَّدٌ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَمِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. وَفِي حَدِيثِ «1» ابْنِ مَسْعُودٍ «وَانْتَهَى بي إلى سدرة المنتهى،
وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ، فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَهْبِطُ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا. قال تعالى: «إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى «1» » . قال «2» فراش من ذهب. ومن رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «3» مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ «4» بْنِ أنس: «فقيل لي: هذه سدرة الْمُنْتَهَى، يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِكَ خَلَا «5» عَلَى سَبِيلِكِ، وَهِيَ السِّدْرَةُ الْمُنْتَهَى، يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى، وَهِيَ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا سَبْعِينَ عَامًا، وَأَنَّ وَرَقَةً مِنْهَا مِظَلَّةُ الْخَلْقِ فَغَشِيَهَا نُورٌ، وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ. قَالَ: فَهُوَ قَوْلُهُ «إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى» فقال تبارك وتعالى له: «سل»
فَقَالَ إِنَّكَ اتَّخَذْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَأَعْطَيْتَهُ مُلْكًا عظيما. وكلمت موسى تكليما، وأعطيت داوود مُلْكًا عَظِيمًا، وَأَلَنْتَ لَهُ الْحَدِيدَ، وَسَخَّرْتَ لَهُ الْجِبَالَ، وَأَعْطَيْتَ سُلَيْمَانَ مُلْكًا عَظِيمًا، وَسَخَّرْتَ لَهُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَالشَّيَاطِينَ وَالرِّيَاحَ، وَأَعْطَيْتَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَعَلَّمْتَ عِيسَى التَّوْرَاةَ والإنجيل، وجعلته يبرىء الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَأَعَذْتَهُ وَأُمَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمَا سَبِيلٌ. فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذْتُكَ خَلِيلًا وَحَبِيبًا، فَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: مُحَمَّدٌ حَبِيبُ الرَّحْمَنِ: وَأَرْسَلْتُكَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ هُمُ الْأَوَّلُونَ وَهُمُ الْآخِرُونَ، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ لَا تَجُوزُ لَهُمْ خُطْبَةٌ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّكَ عَبْدِي وَرَسُولِي، وَجَعَلْتُكَ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ خَلْقًا، وَآخِرَهُمْ بَعْثًا وَأَعْطَيْتُكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي، وَلِمْ أُعْطِهَا نَبِيًّا قَبْلَكَ، وَأَعْطَيْتُكَ خواتيم سورة البقرة من كنز تحت عرش، ولم أُعْطِهَا نَبِيًّا قَبْلَكَ، وَجَعَلْتُكَ فَاتِحًا وَخَاتَمًا. وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «1» قَالَ «فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم ثلاثا:
- أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ. - وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. - وَغُفِرَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِنْ أُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتُ «1» . وَقَالَ «2» «مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى «3» » الآيتين. رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. وَفِي حَدِيثِ شَرِيكٍ «4» «أَنَّهُ رَأَى مُوسَى فِي السَّابِعَةِ- قَالَ بِتَفْضِيلِ كَلَامِ اللَّهِ- قَالَ: ثُمَّ علي بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. فَقَالَ مُوسَى: لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عليّ أحد. وقد «5» روي عَنْ أَنَسٍ «6» أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى بِالْأَنْبِيَاءِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ» . وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ الله عنه قال: قال رسول صلّى الله عليه وسلم: «بينا أَنَا قَاعِدٌ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ دَخَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام فوكز بين
كَتِفَيَّ فَقُمْتُ إِلَى شَجَرَةٍ فِيهَا مِثْلُ وَكْرَيِ الطَّائِرِ، فَقَعَدَ فِي وَاحِدَةٍ وَقَعَدْتُ فِي الْأُخْرَى، فنمت حتى سدّت الخافقين، ولو شئت لمسست السَّمَاءَ وَأَنَا أُقَلِّبُ طَرْفِي، وَنَظَرْتُ جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ حلس «1» لاطىء «2» فَعَرَفْتُ فَضْلَ عِلْمِهِ بِاللَّهِ عَلَيَّ وَفَتَحَ لِي بَابَ السَّمَاءِ، وَرَأَيْتُ النُّورَ الْأَعْظَمَ وَلَطَّ «3» دُونِي الْحِجَابُ وَفَرَجَهُ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا شَاءَ أَنْ يُوحِيَ. وَذَكَرَ الْبَزَّارُ «4» عَنْ عَلِيِّ بْنِ «5» أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَ رسوله صلّى الله عليه وسلم الْأَذَانَ جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا الْبُرَاقُ فَذَهَبَ يَرْكَبُهَا فَاسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهَا جِبْرِيلُ: اسكني، فو الله مَا رَكِبَكِ عَبْدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَرَكِبَهَا حَتَّى أتى بها إلى الحجاب الذي يلي الرّحمن تعالى، فبينا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَ مَلَكٌ مِنَ الْحِجَابِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا جِبْرِيلُ ... مَنْ هَذَا!!» قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَأَقْرَبُ الْخَلْقِ مَكَانًا وَإِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا رَأَيْتُهُ مُنْذُ خُلِقْتُ قَبْلَ سَاعَتِي هَذِهِ. فَقَالَ الْمَلَكُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ صَدَقَ عَبْدِي أَنَا أَكْبَرُ أَنَا أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ الْمَلَكُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عَبْدِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا.. وَذَكَرَ مِثْلَ هَذَا فِي بَقِيَّةِ الْأَذَانِ. إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يذكر جوابا على قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. وقال: ثم أخذ الملك بيد محمد صلّى الله عليه وسلم فَقَدَّمَهُ فَأَمَّ أَهْلَ السَّمَاءِ. فِيهِمْ آدَمُ وَنُوحٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ «1» مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحسين راويه «2» :
أَكْمَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّرَفَ عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. قَالَ الْقَاضِي وَفَّقَهُ اللَّهُ: مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ ذِكْرِ الْحِجَابِ فَهُوَ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ لَا فِي حَقِّ الْخَالِقِ، فَهُمُ الْمَحْجُوبُونَ، وَالْبَارِي جَلَّ اسْمُهُ مُنَزَّهٌ عَمَّا يَحْجُبُهُ. إِذِ الْحُجُبُ إِنَّمَا تُحِيطُ بِمُقَدَّرٍ مَحْسُوسٍ. وَلَكِنْ حُجُبُهُ عَلَى أَبْصَارِ خَلْقِهِ وَبَصَائِرِهِمْ وَإِدْرَاكَاتِهِمْ بِمَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ وَمَتَى شَاءَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى «كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ «1» » . فقوله في هذا الحديث «الحجاب» «وإذا خرج ملك من مِنَ الْحِجَابِ» يَجِبُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ حِجَابٌ حَجَبَ بِهِ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ عَنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا دُونَهُ مِنْ سُلْطَانِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَعَجَائِبِ مَلَكُوتِهِ وَجَبَرُوتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْحَدِيثِ قَوْلُ جِبْرِيلَ عَنِ الْمَلَكِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ وَرَائِهِ: إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا رَأَيْتُهُ مُنْذُ خُلِقْتُ قَبْلَ سَاعَتِي هَذِهِ» فَدَلَّ: عَلَى أَنَّ هَذَا الْحِجَابَ لَمْ يَخْتَصَّ بِالذَّاتِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ كَعْبٍ «2» فِي تَفْسِيرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى قَالَ: إِلَيْهَا يَنْتَهِي عِلْمُ الْمَلَائِكَةِ، وَعِنْدَهَا يَجِدُونَ أَمْرَ اللَّهِ لَا يُجَاوِزُهَا عِلْمُهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ «الَّذِي يلي الرّحمن» فيحمل على حذف مضاف أي:
يَلِي عَرْشَ الرَّحْمَنِ: أَوْ أَمْرًا مَا مِنْ عظيم آياته، أو مبادي حَقَائِقِ مَعَارِفِهِ مِمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ. كَمَا قال تعالى: «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «1» » أَيْ «أَهْلَهَا» . وَقَوْلُهُ: فَقِيلَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ صَدَقَ عَبْدِي أَنَا أَكْبَرُ فَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ سَمِعَ في هذا الموطن كلام الله تعالى ولكن من وراء حجاب. كما قال تَعَالَى: «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ «2» » أَيْ وَهُوَ لَا يَرَاهُ، حَجَبَ بَصَرَهُ عَنْ رُؤْيَتِهِ. فَإِنْ صَحَّ الْقَوْلُ: بِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْطِنِ. بَعْدَ هَذَا. أَوْ قَبْلَهُ رَفَعَ الْحِجَابَ عَنْ بَصَرِهِ حتى رآه. والله أعلم.
الفصل الثالث حقيقة الإسراء
الْفَصْلُ الثَّالِثُ حَقِيقَةُ الْإِسْرَاءِ ثُمَّ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْعُلَمَاءُ هَلْ كَانَ إِسْرَاؤُهُ بِرُوحِهِ أَوْ جَسَدِهِ!؟ .. على ثلاث مقالات: فذهب طَائِفَةٌ: إِلَى أَنَّهُ إِسْرَاءٌ بِالرُّوحِ، وَأَنَّهُ رُؤْيَا مَنَامٍ. مَعَ اتِّفَاقِهِمْ: أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ وَوَحْيٌ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ «1» مُعَاوِيَةُ «2» وَحُكِيَ «3» عَنِ الْحَسَنِ «4» ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ خِلَافُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدُ بن اسحق «5» .
وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى «وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ «1» » . وَمَا «2» حَكَوْا عَنْ عَائِشَةَ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا فَقَدْتُ «4» جَسَدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَوْلُهُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ» . وَقَوْلُ أَنَسٍ «5» : وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَذَكَرَ الْقِصَّةَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهَا: فَاسْتَيْقَظْتُ وَأَنَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.. وَذَهَبَ مُعْظَمُ السَّلَفِ وَالْمُسْلِمِينَ: إِلَى أَنَّهُ إِسْرَاءٌ بِالْجَسَدِ وَفِي الْيَقَظَةِ. وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ.. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ «6» - وَجَابِرٍ «7» - وَأَنَسٍ «8» - وَحُذَيْفَةَ «9» - وَعُمَرَ «10» - وَأَبِي هريرة «11» - ومالك
بْنِ صَعْصَعَةَ «1» - وَأَبِي حَبَّةَ «2» الْبَدْرِيِّ- وَابْنِ مَسْعُودٍ «3» - وَالضَّحَّاكِ «4» - وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ «5» - وَقَتَادَةَ «6» - وَابْنِ الْمُسَيَّبِ «7» - وَابْنِ شِهَابٍ «8» - وَابْنِ زَيْدٍ «9» - وَالْحَسَنِ «10» - وَإِبْرَاهِيمَ «11» - وَمَسْرُوقٍ «12» ومجاهد «13» - وعكرمة «14» - وبن جُرَيْجٍ «15» . وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِ عَائِشَةَ «16» . وَهُوَ قَوْلُ الطبرى «17» - وابن
حنبل «1» - وجماعة عظيمة من المسلمين. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، وَالْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَانَ الْإِسْرَاءُ بِالْجَسَدِ يَقَظَةً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِلَى السَّمَاءِ بِالرُّوحِ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى «2» » . فَجَعَلَ «إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» غَايَةَ الْإِسْرَاءِ الَّذِي وَقَعَ التَّعَجُّبُ فِيهِ بِعَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَالتَّمَدُّحِ بِتَشْرِيفِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ وَإِظْهَارِ الْكَرَامَةِ لَهُ بِالْإِسْرَاءِ إِلَيْهِ. قَالَ هَؤُلَاءِ: ولو كان الإسراء بجسده الى زائد الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَذَكَرَهُ، فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي الْمَدْحِ. ثم اختلفت هذه الفرقة: هَلْ صَلَّى بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ؟! أَمْ لَا فَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «3» وَغَيْرِهِ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ فيه.
وَأَنْكَرَ ذَلِكَ «1» حُذَيْفَةُ «2» بْنُ الْيَمَانِ وَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا زَالَا عَنْ ظَهْرِ الْبُرَاقِ حَتَّى رَجَعَا» قَالَ الْقَاضِي وَفَّقَهُ اللَّهُ: وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا وَالصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ إِسْرَاءٌ بِالْجَسَدِ وَالرُّوحِ فِي الْقِصَّةِ كُلِّهَا، وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْآيَةُ وَصَحِيحُ الْأَخْبَارِ وَالِاعْتِبَارُ. - وَلَا يَعْدِلُ عَنِ الظَّاهِرِ وَالْحَقِيقَةِ إِلَى التَّأْوِيلِ إِلَّا عِنْدَ الِاسْتِحَالَةِ، وَلَيْسَ فِي الْإِسْرَاءِ بِجَسَدِهِ وَحَالِ يَقَظَتِهِ اسْتِحَالَةٌ. - إِذْ لَوْ كَانَ مَنَامًا لَقَالَ: بِرُوحِ عَبْدِهِ. وَلَمْ يَقُلْ بِعَبْدِهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى «مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى «3» » وَلَوْ كَانَ مَنَامًا لَمَا كَانَتْ فِيهِ آيَةٌ ولا معجزة ولما استبعده الكفار ولا كذّبوا فِيهِ وَلَا ارْتَدَّ بِهِ ضُعَفَاءُ مَنْ أَسْلَمَ وَافْتُتِنُوا بِهِ إِذْ مِثْلُ هَذَا مِنَ الْمَنَامَاتِ لا ينكر. بل لم يكن ذلك منهم إِلَّا وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ خَبَرَهُ إِنَّمَا كَانَ عَنْ جِسْمِهِ وَحَالِ يَقَظَتِهِ. إِلَى مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ ذِكْرِ صَلَاتِهِ بِالْأَنْبِيَاءِ بِبَيْتِ المقدس
فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ، أَوْ فِي السَّمَاءِ عَلَى مَا رَوَى غَيْرُهُ، وَذِكْرِ مَجِيءِ جِبْرِيلَ لَهُ بِالْبُرَاقِ وَخَبَرِ الْمِعْرَاجِ، وَاسْتِفْتَاحِ السَّمَاءِ، فَيُقَالُ: مَنْ مَعَكَ؟ .. فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ ... وَلِقَائِهِ الْأَنْبِيَاءَ فِيهَا، وَخَبَرِهِمْ مَعَهُ، وَتَرْحِيبِهِمْ بِهِ، وَشَأْنِهِ فِي فَرْضِ الصَّلَاةِ، وَمُرَاجَعَتِهِ مَعَ مُوسَى فِي ذَلِكَ وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ «فَأَخَذَ- يَعْنِي جِبْرِيلُ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ» إِلَى قَوْلِهِ «ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ بِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ» وَأَنَّهُ وَصَلَ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَأَنَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَرَأَى فِيهَا مَا ذَكَرَهُ. قَالَ «1» ابن عباس «2» : «هي رؤيا عين رآها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا رُؤْيَا مَنَامٍ» . وَعَنِ «3» الْحَسَنِ «4» فِيهِ «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ فِي الحجر جاءني جبريل فهمزني «5» بعقبه فقمث فَجَلَسَتْ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا فَعُدْتُ لِمَضْجَعِي- ذَكَرَ ذلك ثلاثا-
فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «فَأَخَذَ بِعَضُدَيَّ فَجَرَّنِي إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا بِدَابَّةٍ.. وَذَكَرَ خَبَرَ الْبُرَاقِ.. وعن «1» أمّ هانيء «2» : مَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ فِي بَيْتِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ. صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَنَامَ بَيْنَنَا، فَلَمَّا كَانَ قُبَيْلَ الْفَجْرِ أَهَبْنَا «3» رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ وَصَلَّيْنَا. قَالَ «يا أمّ هانيء.. لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَكُمُ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ كَمَا رَأَيْتِ بِهَذَا الْوَادِي. ثُمَّ جِئْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّيْتُ فِيهِ. ثُمَّ صَلَّيْتُ الْغَدَاةَ مَعَكُمُ الْآنَ كَمَا ترون..» وهذا بيّن في أنّه بجسده.. وَعَنْ «4» أَبِي بَكْرٍ «5» مِنْ رِوَايَةِ شَدَّادِ «6» بْنِ أوس عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: «طَلَبْتُكَ يَا رَسُولَ الله البارحة في مكانك فلم أجدك» ..
فَأَجَابَهُ «إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَمَلَنِي إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. وَعَنْ «1» عُمَرَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَّيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ دَخَلْتُ الصَّخْرَةَ فَإِذَا بِمَلَكٍ قَائِمٍ مَعَهُ آنِيَةٌ ثَلَاثٌ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَهَذِهِ التَّصْرِيحَاتُ ظَاهِرَةٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ فَتُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا. وَعَنْ «3» أَبِي ذَرٍّ «4» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فُرِجَ «5» سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَشَرَحَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ.. إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي.. وعن أنس «6» «أتيت فانطلقوا بِي إِلَى زَمْزَمَ، فَشَرَحَ عَنْ صَدْرِي» . وَعَنْ «7» أبي هريرة «8» عَنْهُ «لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي
عَنْ مَسْرَايَ.. فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ لَمْ أُثْبِتْهَا فَكُرِبْتُ كَرْبًا مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ.. فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ» . وَنَحْوُهُ «1» عَنْ جَابِرٍ «2» .. وَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ «3» الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى خديجة وما تحوّلت عن جانبها» .
الفصل الرابع إبطال الحجج في ابطال حجج من قال: انها نوم
الْفَصْلُ الرَّابِعُ إِبْطَالُ الْحُجَجِ فِي إِبْطَالِ حُجَجِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا نَوْمٌ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ «1» » فسمّاها رؤيا.. قلنا: قوله: «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ «2» » يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي النَّوْمِ «أَسْرَى» . وَقَوْلُهُ: فِتْنَةً لِلنَّاسِ» يُؤَيِّدُ أَنَّهَا رُؤْيَا عَيْنٍ وَإِسْرَاءٌ بِشَخْصٍ إِذْ لَيْسَ فِي الْحُلْمِ «3» فِتْنَةٌ، وَلَا يُكَذِّبُ بِهِ أَحَدٌ، لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَرَى مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَنَامِهِ مِنَ الْكَوْنِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَقْطَارٍ مُتَبَايِنَةٍ. عَلَى أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ «إِلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَضِيَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمَا وَقَعَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ مِنْ ذلك.
وَقِيلَ: غَيْرُ هَذَا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ قَدْ سَمَّاهَا فِي الْحَدِيثِ مَنَامًا وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ» وَقَوْلُهُ أَيْضًا: «وَهُوَ نَائِمٌ» وَقَوْلُهُ: «ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ» ... فَلَا حُجَّةَ فِيهِ ... إِذْ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّ أَوَّلَ وُصُولِ الْمَلَكِ إِلَيْهِ كَانَ وَهُوَ نَائِمٌ. أَوْ: أَوَّلَ حَمْلِهِ وَالْإِسْرَاءِ بِهِ وَهُوَ نَائِمٌ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ نَائِمًا فِي الْقِصَّةِ كُلِّهَا إِلَّا ما يدلّ عليه قوله: «ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ وَأَنَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» . فَلَعَلَّ قَوْلَهُ: «اسْتَيْقَظْتُ» بِمَعْنَى أَصْبَحْتُ، أَوِ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمٍ آخَرَ بَعْدَ وُصُولِهِ بَيْتَهُ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَسْرَاهُ لَمْ يَكُنْ طُولَ لَيْلِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي بَعْضِهِ. وَقَدْ يَكُونُ قَوْلُهُ: «اسْتَيْقَظْتُ وَأَنَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» لِمَا كَانَ غَمَرَهُ مِنْ عَجَائِبِ مَا طَالَعَ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَخَامَرَ بَاطِنَهُ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَمَا رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى، فَلَمْ يَسْتَفِقْ، وَيَرْجِعْ إِلَى حَالِ الْبَشَرِيَّةِ إِلَّا وَهُوَ بالمسجد الحرام.
وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنْ يَكُونَ نَوْمُهُ وَاسْتِيقَاظُهُ حَقِيقَةً عَلَى مُقْتَضَى لَفْظِهِ، وَلَكِنَّهُ أُسْرِيَ بِجَسَدِهِ وَقَلْبُهُ حَاضِرٌ وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ، تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ. وَقَدْ مَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْإِشَارَاتِ إِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا قَالَ: تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ لِئَلَّا يَشْغَلَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ... وَلَا يَصِحُّ هَذَا أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِ صَلَاتِهِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَلَعَلَّهُ كَانَتْ لَهُ فِي هَذَا الْإِسْرَاءِ حَالَاتٌ. وَوَجْهٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنْ يعبّر بالنوم ههنا عَنْ هَيْئَةِ النَّائِمِ مِنَ الِاضْطِجَاعِ ... وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ «1» بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ هَمَّامٍ «2» : «بينا أنا نائم» - وربما قال- مُضْطَجِعٌ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ» فَيَكُونُ سَمَّى هَيْئَتَهُ بِالنَّوْمِ لَمَّا كَانَتْ هَيْئَةُ النَّائِمِ غَالِبًا. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ: إِلَى أَنَّ هذه الزيادات من النوم، وذكر شق
الْبَطْنِ وَدُنُوِّ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ الْوَاقِعَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، إِنَّمَا هِيَ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ «1» عَنْ أَنَسٍ «2» فَهِيَ مُنْكَرَةٌ «3» مِنْ رِوَايَتِهِ. إِذْ شَقُّ الْبَطْنِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إِنَّمَا كَانَ في صغره صلّى الله عليه وسلم. وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: «قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ» والإسراء بالإجماع كَانَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ. فَهَذَا كُلُّهُ يُوَهِّنُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ «4» مَعَ أَنَّ أَنَسًا قَدْ بَيَّنَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ أَنَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ مَرَّةً: «عَنْ مَالِكِ «5» بْنِ صَعْصَعَةَ» وَفِي كِتَابِ مُسْلِمٍ: «لَعَلَّهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ» عَلَى الشَّكِّ
وَقَالَ مَرَّةً: «كَانَ أَبُو ذَرٍّ «1» يُحَدِّثُ» «2» وَأَمَّا قَوْلُ «3» عَائِشَةَ «4» : «مَا فَقَدْتُ جَسَدَهُ» فَعَائِشَةُ لَمْ تُحَدِّثْ بِهِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حِينَئِذٍ زَوْجَهُ، وَلَا فِي سِنِّ مَنْ يَضْبُطُ وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ وُلِدَتْ بَعْدُ. عَلَى الْخِلَافِ فِي الْإِسْرَاءِ مَتَى كَانَ. - فَإِنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ «5» وَمَنْ وَافَقَهُ بَعْدَ الْمَبْعَثِ بِعَامٍ وَنِصْفٍ وَكَانَتْ عَائِشَةُ «6» فِي الْهِجْرَةِ بِنْتُ نَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَعْوَامٍ. وَقَدْ قِيلَ: كَانَ الْإِسْرَاءُ لِخَمْسٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ. وَقِيلَ: قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِعَامٍ. وَالْأَشْبَهُ: أَنَّهُ لِخَمْسٍ. وَالْحُجَّةُ لذلك: تطول.. ليست مِنْ غَرَضِنَا فَإِذَا لَمْ تُشَاهِدْ ذَلِكَ عَائِشَةُ دلّ على أَنَّهَا حَدَّثَتْ بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهَا، فَلَمْ يَرْجَحْ خبرها على خبر غيرها.
وَغَيْرُهَا يَقُولُ خِلَافَهُ مِمَّا وَقَعَ نَصًّا فِي حديث أمّ هانيء «1» وَغَيْرِهِ وَأَيْضًا فَلَيْسَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها بالثابت والأحاديث الأخر أثبت، لسنا نعني حديث أمّ هانيء، وَمَا ذُكِرَتْ فِيهِ خَدِيجَةُ «2» وَأَيْضًا فَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «مَا فَقَدْتُ» وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَكُلُّ هَذَا يُوَهِّنُهُ. بَلِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ صَحِيحُ قَوْلِهَا إِنَّهُ بِجَسَدِهِ لِإِنْكَارِهَا أَنْ تَكُونَ رُؤْيَاهُ لِرَبِّهِ رُؤْيَا عَيْنٍ، وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهَا مَنَامًا لَمْ تُنْكِرْهُ.. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: «مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى «3» » فقد جعل «ما رآه» للقلب، وهذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُؤْيَا نَوْمٍ وَوَحْيٌ، لَا مُشَاهَدَةُ عَيْنٍ وَحِسٌّ. قُلْنَا: يُقَابِلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى «4» » فقد أضاف الأمر للبصر.
وَقَدْ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى» أَيْ لَمْ يُوهِمِ الْقَلْبُ الْعَيْنَ غَيْرَ الْحَقِيقَةِ، بَلْ صَدَّقَ رُؤْيَتَهَا. وَقِيلَ: مَا أَنْكَرَ قَلْبُهُ ما رأته عيناه..
الفصل الخامس رؤيته لربه
الفصل الخامس رؤيته لربّه وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَاخْتَلَفَ السَّلَفُ «1» فِيهَا، فَأَنْكَرَتْهُ عَائِشَةُ «2» رضي الله عنها.. عَنْ مَسْرُوقٍ «3» أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ.. هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ .. فَقَالَتْ «4» : «لَقَدْ قَفَّ «5» شَعْرِي مِمَّا قُلْتَ.. ثَلَاثٌ مِنْ حَدَّثَكَ بِهِنَّ فَقَدْ كَذَبَ. مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ ثم قرأت: «لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارِ «1» ..» الآية وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ بِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ «2» عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «3» وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي «4» هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا رَأَى جِبْرِيلَ.» وَاخْتُلِفَ عَنْهُ «5» وَقَالَ بِإِنْكَارِ هَذَا وَامْتِنَاعِ رُؤْيَتِهِ فِي الدُّنْيَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ «7» » . وَرَوَى عَطَاءٌ «8» عَنْهُ: «أَنَّهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ» . وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ «9» عَنْهُ: رآه بفؤاده مرتين «10» » . وذكر «11» ابن إسحق «12» : أن ابن «13» عمر أرسل إلى ابن
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْأَلُهُ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ. فَقَالَ: نَعَمْ.. وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ: أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنِهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مَنْ طُرُقٍ. وَقَالَ «1» : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَصَّ مُوسَى بِالْكَلَامِ، وَإِبْرَاهِيمَ بِالْخِلَّةِ «2» ، وَمُحَمَّدًا بِالرُّؤْيَةِ. وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى، أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى «3» » . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ «4» : قِيلَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَ كَلَامَهُ وَرُؤْيَتَهُ بَيْنَ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّتَيْنِ وَكَلَّمَهُ مُوسَى مَرَّتَيْنِ «5» » . وَحَكَى أَبُو الْفَتْحِ الرَّازِيُّ «6» ، وَأَبُو اللَّيْثِ «7» السمرقندي
الْحِكَايَةَ عَنْ كَعْبٍ «1» وَرَوَى «2» عَبْدُ اللَّهِ «3» بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: «اجْتَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَعْبٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا نَحْنُ بَنُو هَاشِمٍ فَنَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ رَأَى رَبَّهُ مَرَّتَيْنِ» .. فَكَبَّرَ كَعْبٌ حَتَّى جَاوَبَتْهُ الْجِبَالُ وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى فَكَلَّمَهُ مُوسَى وَرَآهُ مُحَمَّدٌ بِقَلْبِهِ» . وَرَوَى شَرِيكٌ «4» عَنْ أَبِي ذَرٍّ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَالَ: «رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ» . وَحَكَى «6» السَّمَرْقَنْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ «7» بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَرَبِيعِ «8» بْنِ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ.. هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ بِفُؤَادِي وَلَمْ أَرَهُ بِعَيْنِي» .
وَرَوَى «1» مَالِكُ «2» بْنُ يُخَامِرَ عَنْ مُعَاذٍ «3» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ رَبِّي. وَذَكَرَ كَلِمَةً.. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ .. الْحَدِيثَ «4» . وَحَكَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ «5» : أَنَّ الْحَسَنَ «6» كَانَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ، لَقَدْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ وَحَكَاهُ أَبُو عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيُّ «7» عَنْ عِكْرِمَةَ «8» . وَحَكَى بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنِ ابن مسعود «9» .
وحكى ابن إسحق «1» : أَنَّ مَرْوَانَ «2» سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ «3» . «هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ» ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.. وَحَكَى النَّقَّاشُ «4» عَنْ أَحْمَدَ بْنِ «5» حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَنَا أَقُولُ بحديث ابن عباس بعينيه رَآهُ رَآهُ..» حَتَّى انْقَطَعَ نَفَسُهُ- يَعْنِي نَفَسُ أحمد.. وقال أبو عمرو «6» : قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: «رَآهُ بِقَلْبِهِ» وَجَبُنَ عَنِ الْقَوْلِ بِرُؤْيَتِهِ فِي الدُّنْيَا بِالْأَبْصَارِ. وَقَالَ سَعِيدُ «7» بْنُ جُبَيْرٍ: «لَا أَقُولُ رَآهُ وَلَا لَمْ يَرَهُ» . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «8» وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ «9» وَابْنِ مَسْعُودٍ.
فَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ: «رَآهُ بِقَلْبِهِ» . وَعَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ مَسْعُودٍ: «رَأَى جِبْرِيلَ» . وَحَكَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ قَالَ: رَآهُ وَعَنِ ابْنِ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ «1» » قَالَ: «شَرَحَ صَدْرَهُ لِلرُّؤْيَةِ، وَشَرَحَ صَدْرَ مُوسَى لِلْكَلَامِ» . وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ «2» عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: أَنَّهُ رَأَى اللَّهَ تَعَالَى بِبَصَرِهِ وَعَيْنَيْ رَأْسِهِ وَقَالَ: كُلُّ آيَةٍ أُوتِيَهَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَقَدْ أُوتِيَ مِثْلَهَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُصَّ مِنْ بَيْنِهِمْ بِتَفْضِيلِ الرُّؤْيَةِ. وَوَقَفَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي هَذَا وَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ: «والحق الذي لا امتراء
فِيهِ أَنَّ رُؤْيَتَهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا جَائِزَةٌ عَقْلًا. وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ مَا يُحِيلُهَا» . وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهَا فِي الدُّنْيَا سُؤَالُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهَا. وَمُحَالٌ أَنْ يَجْهَلَ نَبِيٌّ مَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ وَمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ.. بَلْ لَمْ يَسْأَلْ إِلَّا جَائِزًا غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ. وَلَكِنَّ وُقُوعَهُ وَمُشَاهَدَتَهُ مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ عَلَّمَهُ اللَّهُ. فَقَالَ لَهُ تعالى: «لن تراني «1» » أَيْ لَنْ تُطِيقَ وَلَا تَحْتَمِلَ رُؤْيَتِي، ثُمَّ ضَرَبَ لَهُ مَثَلًا مِمَّا هُوَ أَقْوَى مِنْ نبيه مُوسَى، وَأَثْبَتُ وَهُوَ الْجَبَلُ.. وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ مَا يُحِيلُ رُؤْيَتَهُ فِي الدُّنْيَا بَلْ فيه جوازها على الجملة. وليس في الشرع دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى اسْتِحَالَتِهَا وَلَا امْتِنَاعِهَا.. إِذْ كَلُّ مَوْجُودٍ فَرُؤْيَتُهُ جَائِزَةٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ.. وَلَا حُجَّةَ لِمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى مَنْعِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ «2» » لِاخْتِلَافِ التَّأْوِيلَاتِ فِي الْآيَةِ.. وَإِذْ لَيْسَ يَقْتَضِي
قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي الدُّنْيَا الِاسْتِحَالَةَ.. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ نَفْسِهَا عَلَى جَوَازِ الرُّؤْيَةِ وَعَدَمِ اسْتِحَالَتِهَا عَلَى الْجُمْلَةِ. وَقَدْ قِيلَ: لَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْكُفَّارِ. وَقِيلَ: لَا تُدْرِكُهُ الأبصار. لَا تُحِيطُ بِهِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ قِيلَ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَإِنَّمَا يُدْرِكُهُ الْمُبْصِرُونَ. وَكُلُّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ لَا تَقْتَضِي مَنْعَ الرُّؤْيَةِ وَلَا اسْتِحَالَتَهَا. وَكَذَلِكَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ بقوله تعالى: «لن تراني «1» » . وقوله: «تبت إليك «2» » لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْعُمُومِ، وَلِأَنَّ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهَا لَنْ تَرَانِي فِي الدُّنْيَا، إِنَّمَا هُوَ تَأْوِيلٌ. وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ نَصُّ الِامْتِنَاعِ. وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِي حَقِّ مُوسَى. وَحَيْثُ تتطرق التأويلات، وتتسلط الاحتمالات، فليس للقطع
إِلَيْهِ سَبِيلٌ وَقَوْلُهُ «تُبْتُ إِلَيْكَ» أَيْ مِنْ سُؤَالِي مَا لَمْ تُقَدِّرْهُ لِي.. وَقَدْ قَالَ أَبُو «1» بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ فِي قَوْلِهِ: «لَنْ تَرَانِي» أَيْ لَيْسَ لِبَشَرٍ أَنْ يُطِيقَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ مَنْ نَظَرَ إِلَيَّ مَاتَ وَقَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِ السَّلَفِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مَا مَعْنَاهُ: أَنَّ رُؤْيَتَهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا مُمْتَنِعَةٌ، لِضَعْفِ تَرْكِيبِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَقُوَاهُمْ، وَكَوْنِهَا مُتَغَيِّرَةً عرضا لِلْآفَاتِ وَالْفَنَاءِ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ قُوَّةٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ. فَإِذَا كَانَ فِي الْآخِرَةِ، وَرُكِّبُوا تَرْكِيبًا آخَرَ وَرُزِقُوا قُوًى ثَابِتَةً بَاقِيَةً، وَأَتَمَّ أَنْوَارَ أَبْصَارِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ قَوُوا بِهَا عَلَى الرُّؤْيَةِ.. وَقَدْ رَأَيْتُ نَحْوَ هَذَا لِمَالِكِ «2» بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ الله قال: لم يرفي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ بَاقٍ، وَلَا يُرَى الْبَاقِي بِالْفَانِي، فَإِذَا كَانَ فِي الْآخِرَةِ وَرُزِقُوا أَبْصَارًا بَاقِيَةً رؤي الْبَاقِي بِالْبَاقِي. وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ مَلِيحٌ.. وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِحَالَةِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ ضَعْفُ الْقُدْرَةِ. فَإِذَا قَوَّى اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَأَقْدَرَهُ عَلَى حَمْلِ أَعْبَاءِ
الرُّؤْيَةِ لَمْ تَمْتَنِعْ فِي حَقِّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا ذُكِرَ فِي قُوَّةِ بَصَرِ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلم. ونفوذ إدراكهما بقوة إلهية منحاها لِإِدْرَاكِ مَا أَدْرَكَاهُ وَرُؤْيَةِ مَا رَأَيَاهُ.. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي «1» أَبُو بَكْرٍ فِي أَثْنَاءِ أَجْوِبَتِهِ عَنِ الْآيَتَيْنِ «2» مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى اللَّهَ فَلِذَلِكَ خَرَّ صَعِقًا. وَأَنَّ الْجَبَلَ رَأَى رَبَّهُ فَصَارَ دَكًّا بِإِدْرَاكِ خَلْقِهِ اللَّهَ لَهُ. وَاسْتَنْبَطَ ذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- مِنْ قَوْلِهِ «وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ، فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي «3» » ثُمَّ قَالَ «فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً «4» » «5» وَتَجَلِّيهِ لِلْجَبَلِ هُوَ ظُهُورُهُ لَهُ حَتَّى رَآهُ- عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.. وَقَالَ جَعْفَرُ «6» بْنُ مُحَمَّدٍ: شَغَلَهُ بِالْجَبَلِ حَتَّى تَجَلَّى- وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَاتَ صعقا بلا إفاقة.
وَقَوْلُهُ هَذَا: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوسَى رَآهُ. وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ فِي «الْجَبَلِ» أَنَّهُ رَآهُ وَبِرُؤْيَةِ الْجَبَلِ لَهُ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِرُؤْيَةِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّنَا لَهُ إِذْ جَعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى الْجَوَازِ. - وَلَا مِرْيَةَ فِي الْجَوَازِ.. إِذْ ليس في الآيات نص في المنع. وَأَمَّا وُجُوبُهُ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ.. فَلَيْسَ فِيهِ قَاطِعٌ أَيْضًا وَلَا نَصٌّ.. - إِذِ الْمُعَوَّلُ فِيهِ عَلَى آيَتَيِ النَّجْمِ. وَالتَّنَازُعُ فِيهِمَا مَأْثُورٌ. وَالِاحْتِمَالُ لَهُمَا مُمْكِنٌ وَلَا أَثَرَ قَاطِعٌ مُتَوَاتِرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «1» : خَبَرٌ عَنِ اعْتِقَادِهِ لَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِاعْتِقَادِ مُضَمَّنِهِ «2» . وَمِثْلُهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ. وَحَدِيثُ مُعَاذٍ «3» مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ «4» . وَهُوَ مضطرب الإسناد
والمتن وحديث أبي ذر «1» الآخر مُخْتَلِفٌ، مُحْتَمَلٌ، مُشْكِلٌ، فَرُوِيَ «2» «نُورٌ أَنَّى «3» أَرَاهُ» وَحَكَى بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّهُ رُوِيَ «نُورَانِيٌّ أَرَاهُ» . وَفِي حَدِيثِهِ «4» الْآخَرِ.. سَأَلْتُهُ فَقَالَ: رَأَيْتُ نُورًا. وَلَيْسَ يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى صِحَّةِ الرُّؤْيَةِ.. فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحَ «رَأَيْتُ نُورًا» فَهُوَ قد أخبر أنّه لم ير الله تعالى.. وَإِنَّمَا رَأَى نُورًا مَنَعَهُ وَحَجَبَهُ عَنْ رُؤْيَةِ الله تعالى. وإلى هذا يرجع قوله: «نور أنّى أَرَاهُ» أَيْ كَيْفَ أَرَاهُ مَعَ حِجَابِ النُّورِ المغشّي للبصر.. وهذا مثل ما في الْحَدِيثِ «5» الْآخَرِ «حِجَابُهُ النُّورُ» . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «6» : «لم أره بعيني.. ولكن رأيته
بقلبي مرتين» وتلا: «ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى «1» » .. والله تعالى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْإِدْرَاكِ الَّذِي فِي الْبَصَرِ فِي الْقَلْبِ.. أَوْ كَيْفَ شَاءَ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ.. فَإِنْ وَرَدَ حَدِيثٌ نَصٌّ بَيِّنٌ فِي الْبَابِ اعْتُقِدَ وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ إِذْ لَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ وَلَا مَانِعَ قَطْعِيٌّ يَرُدُّهُ وَاللَّهُ الموفق للصواب.
الفصل السادس مناجاته لله تعالى
الفصل السّادس مناجاته لله تعالى وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ مُنَاجَاتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِهِ مَعَهُ بِقَوْلِهِ «فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى «1» إِلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ الْأَحَادِيثُ. فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُوحِيَ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى جِبْرِيلَ وَجِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. إِلَّا شُذُوذًا «2» مِنْهُمْ.. فَذُكِرَ عَنْ جَعْفَرِ «3» بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ قَالَ: «أَوْحَى إِلَيْهِ بِلَا واسطة» . ونحوه عن الواسطي «4» ..
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: «أَنَّ مُحَمَّدًا كَلَّمَ رَبَّهُ فِي الْإِسْرَاءِ» . وَحُكِيَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ «1» وَحَكَوْهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «2» وَابْنِ عَبَّاسٍ «3» وَأَنْكَرَهُ آخَرُونَ. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ «4» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «5» فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ «دَنا فَتَدَلَّى «6» » . قَالَ «فَارَقَنِي جِبْرِيلُ.. فانقطعت الْأَصْوَاتُ عَنِّي فَسَمِعْتُ كَلَامَ رَبِّي وَهُوَ يَقُولُ: لِيَهْدَأْ رَوْعُكَ يَا مُحَمَّدُ. ادْنُ ادْنُ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «7» فِي الْإِسْرَاءِ «8» .. نَحْوٌ مِنْهُ.. وَقَدِ احْتَجُّوا فِي هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ، أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا
فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ «1» » ! فَقَالُوا: هِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: - مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ كَتَكْلِيمِ مُوسَى. - وَبِإِرْسَالِ الْمَلَائِكَةِ، كَحَالِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَكْثَرُ أَحْوَالِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. - الثالث قوله «إِلَّا وَحْياً» ولم يبق من تقسيم صور الْكَلَامِ إِلَّا الْمُشَافَهَةُ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ. وَقَدْ قِيلَ: «الْوَحْيُ» هُنَا هُوَ مَا يُلْقِيهِ فِي قَلْبِ النَّبِيِّ دُونَ وَاسِطَةٍ. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ «2» الْبَزَّارُ عَنْ عَلِيٍّ «3» فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مَا هُوَ أَوْضَحُ فِي سَمَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَلَامِ اللَّهِ مِنَ الْآيَةِ فَذَكَرَ فِيهِ: فَقَالَ الْمَلَكُ «4» .. اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ.. فَقِيلَ لِي مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: صَدَقَ عَبْدِي أَنَا أَكْبَرُ أَنَا أَكْبَرُ.. وَقَالَ فِي سَائِرِ كلمات الأذان مثل ذلك.
وَيَجِيءُ الْكَلَامُ فِي مُشْكِلِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي الْفَصْلِ بَعْدَ هَذَا مَعَ مَا يُشْبِهُهُ، وَفِي أَوَّلِ فَصْلٍ مِنَ الْبَابِ مِنْهُ - وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنِ اخْتَصَّهُ مِنْ أَنْبِيَائِهِ جَائِزٌ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَقْلًا، وَلَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ قَاطِعٌ يَمْنَعُهُ. فَإِنْ صَحَّ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ اعْتُمِدَ عَلَيْهِ. وَكَلَامُهُ تَعَالَى لِمُوسَى كَائِنٌ حَقٌّ مَقْطُوعٌ بِهِ، نَصَّ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَأَكَّدَهُ بِالْمَصْدَرِ دَلَالَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَرَفْعِ مَكَانِهِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ «1» بِسَبَبِ كَلَامِهِ.. وَرَفَعَ مُحَمَّدًا فَوْقَ هَذَا كُلِّهِ، حَتَّى بَلَغَ مُسْتَوًى وَسَمِعَ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ.. فَكَيْفَ يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّ هَذَا، أَوْ يَبْعُدُ سَمَاعُ الْكَلَامِ فَسُبْحَانَ مَنْ خَصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ، وَجَعَلَ بَعْضَهُمْ فوق بعض درجات..
الفصل السابع الدنو والقرب
الْفَصْلُ السَّابِعُ الدُّنُوُّ وَالْقُرْبُ وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ مِنَ الدُّنُوِّ وَالْقُرْبِ مِنْ قَوْلِهِ: «دَنا فَتَدَلَّى «1» فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى «2» » فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ الدُّنُوَّ وَالتَّدَلِّيَ مُنْقَسِمٌ مَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَجِبْرِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.. أَوْ مُخْتَصٌّ بأحدهما من الآخر.. أو من سدرة الْمُنْتَهَى. قَالَ «3» الرَّازِيُّ «4» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «5» هُوَ محمد دنا فتدلى من ربه
وقيل: معنى «دنا» قرب و «تدلّى» زَادَ فِي الْقُرْبِ. وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَيْ قَرُبَ. وَحَكَى مَكِّيٌّ «1» وَالْمَاوَرْدِيُّ «2» عَنِ «3» ابْنِ عَبَّاسٍ «4» هُوَ الرَّبُّ دَنَا مِنْ مُحَمَّدٍ فَتَدَلَّى إِلَيْهِ.. أَيْ أَمَرَهُ وَحَكَمَهُ.. وَحَكَى النَّقَّاشُ «5» عَنِ الْحَسَنِ «6» قَالَ: «دَنَا» مِنْ عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَتَدَلَّى» فَقَرُبَ مِنْهُ، فَأَرَاهُ مَا شَاءَ أَنْ يُرِيَهُ مِنْ قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ.. قَالَ «7» .. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «8» : هُوَ مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ.. تَدَلَّى الرَّفْرَفُ «9» لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ فَدَنَا مِنْ رَبِّهِ.. قَالَ: «فَارَقَنِي جِبْرِيلُ، وَانْقَطَعَتْ عَنِّي الأصوات وسمعت كلام ربي عز وجل» .
وَعَنْ «1» أَنَسٍ «2» فِي الصَّحِيح: «عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى، حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَيْهِ بِمَا شَاءَ.. وَأَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً «3» .. وَذَكَرَ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ.. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ «4» : هُوَ مُحَمَّدٌ دَنَا مِنْ رَبِّهِ فكان قاب قَوْسَيْنِ. وَقَالَ جَعْفَرُ «5» بْنُ مُحَمَّدٍ: أَدْنَاهُ رَبُّهُ مِنْهُ حَتَّى كَانَ مِنْهُ كَقَابَ قَوْسَيْنِ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَالدُّنُوُّ مِنَ اللَّهِ لَا حَدَّ لَهُ، وَمِنَ الْعِبَادِ بِالْحُدُودِ.. وَقَالَ أَيْضًا: انْقَطَعَتِ الْكَيْفِيَّةُ عَنِ الدُّنُوِّ.. أَلَا تَرَى كَيْفَ حَجَبَ جِبْرِيلُ عَنْ دُنُوِّهِ، وَدَنَا مُحَمَّدٌ إِلَى مَا أَوْدَعَ قَلْبَهُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِيمَانِ، فَتَدَلَّى بِسُكُونِ قَلْبِهِ إِلَى مَا أَدْنَاهُ، وَزَالَ عَنْ قلبه الشكّ والارتياب.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ: اعْلَمْ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ إِضَافَةِ الدُّنُوِّ وَالْقُرْبِ هُنَا مِنَ اللَّهِ، أَوْ إِلَى اللَّهِ، فَلَيْسَ بِدُنُوِّ مَكَانٍ، وَلَا قُرْبِ مَدًى.. بَلْ كَمَا ذكرنا عن جعفر بن محمد الصَّادِقِ لَيْسَ بِدُنُوِّ حَدٍّ.. وَإِنَّمَا دُنُوُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبِّهِ، وَقُرْبُهُ منه، إبانة «1» عظيم منزلته، وشريف رُتْبَتِهِ، وَإِشْرَاقُ أَنْوَارِ مَعْرِفَتِهِ، وَمُشَاهَدَةُ أَسْرَارِ غَيْبِهِ وَقُدْرَتِهِ.. وَمِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مَبَرَّةٌ وَتَأْنِيسٌ وبسط وإكرام. «يتأول فِيهِ مَا يُتَأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ «2» . «يَنْزِلُ رَبُّنَا إلى سماء الدُّنْيَا» عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ نُزُولَ إِفْضَالٍ «3» وَإِجْمَالٍ «4» ، وَقَبُولٍ وَإِحْسَانٍ. قَالَ الْوَاسِطِيُّ «5» : مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ بنفسه دنا، جعل ثمّ مسافة بل كل ما دنا بنفسه من الحق تدلى بعدا، يعني عَنْ دَرْكِ حَقِيقَتِهِ. إِذْ لَا دُنُوَّ لِلْحَقِّ وَلَا بُعْدَ. وَقَوْلُهُ «قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى «6» » .
فمن جعل الضمير عائدا إلى الله تعالى لَا إِلَى جِبْرِيلَ عَلَى هَذَا كَانَ عِبَارَةً عَنْ نِهَايَةِ الْقُرْبِ، وَلُطْفِ الْمَحَلِّ، وَإِيضَاحِ الْمَعْرِفَةِ، وَالْإِشْرَافِ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعِبَارَةً عَنْ إِجَابَةِ الرَّغْبَةِ، وَقَضَاءِ المطالب وإظهار التحفّي.. وإنافة «1» المنزلة والرتبة مِنَ اللَّهِ لَهُ. وَيُتَأَوَّلُ فِيهِ مَا يُتَأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ «2» «مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» .. قُرْبٌ بِالْإِجَابَةِ وَالْقَبُولِ.. وَإِتْيَانٌ بِالْإِحْسَانِ وَتَعْجِيلِ الْمَأْمُولِ.
الفصل الثامن تفضيله يوم القيامة في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة
الفصل الثامن تفضيله يوم القيامة في ذكر تفضيله في القيامة بخصوص الكرامة عن «1» أنس «2» قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجًا إِذَا بُعِثُوا، وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا وَفَدَوْا، وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَيِسُوا.. لِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي.. وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلَا فَخْرَ. وَفِي رِوَايَةِ ابن زحر «3» عَنِ الرَّبِيعِ «4» بْنِ أَنَسٍ فِي لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ «5» : أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجًا إِذَا بُعِثُوا.. وأنا قائدهم
إِذَا وَفَدُوا.. وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا.. وَأَنَا شَفِيعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا.. وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أُبْلِسُوا.. لِوَاءُ الْكَرَمِ بِيَدِي.. وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلَا فَخْرَ.. وَيَطُوفُ عَلَيَّ أَلْفُ خَادِمٍ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ. وَعَنْ «1» أَبِي هُرَيْرَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَأُكْسَى حُلَّةً مَنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ.. ثُمَّ أَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ.. لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ يَقُومُ ذَلِكَ الْمُقَامَ غَيْرِي. وعن أبي «3» سعيد «4» الخدري قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ.. وَمَا نَبِيٌّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي.. وأول مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ.. وَعَنْ «5» أَبِي هُرَيْرَةَ «6» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مشفّع.
وَعَنِ «1» ابْنِ عَبَّاسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ، وَلَا فَخْرَ.. وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح لي فأدخلها فيدخل معي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا فَخْرَ. وَأَنَا أَكْرَمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَلَا فَخْرَ» . وَعَنْ أَنَسٍ «3» «أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ يُشَفَّعُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَا أَكْثَرُ النَّاسِ تَبَعًا» .. وَعَنْ «4» أَنَسٍ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ الناس يوم القيامة.. وتدرون لم ذَلِكَ؟ .. يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ» .. وَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ.. وَعَنْ «6» أَبِي هُرَيْرَةَ «7» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَطْمَعُ أَنْ أَكُونَ أَعْظَمَ الْأَنْبِيَاءِ أَجْرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَفِي حَدِيثٍ «1» آخَرَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ وَعِيسَى فِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُمَا فِي أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَيَقُولُ: أَنْتَ دَعْوَتِي وَذُرِّيَّتِي فَاجْعَلْنِي مِنْ أُمَّتِكَ.. وَأَمَّا عِيسَى فَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ بَنُو عِلَّاتٍ «2» أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى.. وَإِنَّ عِيسَى أَخِي لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ» . قَوْلُهُ: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» هُوَ سَيِّدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَكِنْ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِانْفِرَادِهِ فِيهِ بِالسُّؤْدُدِ وَالشَّفَاعَةِ دُونَ غَيْرِهِ، إِذْ لَجَأَ النَّاسُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدُوا سِوَاهُ، «وَالسَّيِّدُ» هُوَ الَّذِي يَلْجَأُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِي حَوَائِجِهِمْ.. فَكَانَ حِينَئِذٍ سَيِّدًا مُنْفَرِدًا مِنْ بَيْنِ الْبَشَرِ، لَمْ يُزَاحِمْهُ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ وَلَا ادَّعَاهُ.. كَمَا قَالَ تَعَالَى: «لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟. لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ «3» » وَالْمُلْكُ لَهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.. لَكِنْ فِي الْآخِرَةِ، انْقَطَعَتْ دَعْوَى الْمُدَّعِينَ لِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا. وَكَذَلِكَ لَجَأَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم جميع
النَّاسِ فِي الشَّفَاعَةِ فَكَانَ سَيِّدَهُمْ فِي الْأُخْرَى دُونَ دَعْوَى. وَعَنْ «1» أَنَسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول صلّى الله عليه وسلم، «آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ: بِكَ أمرت أن لا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ. وَعَنْ «3» عَبْدِ اللَّهِ بْنِ «4» عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وَزَوَايَاهُ «5» سَوَاءٌ وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ «6» مِنَ الْوَرِقِ «7» ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، كِيزَانُهُ «8» ، كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لم يظمأ أبدا» ..
وَعَنْ «1» أَبِي ذَرٍّ «2» نَحْوَهُ وَقَالَ: «طُولُهُ مَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ «3» يَشْخَبُ «4» فِيهِ مِيزَابَانِ «5» مِنَ الْجَنَّةِ. وَعَنْ «6» ثَوْبَانَ «7» مِثْلُهُ، وَقَالَ: «أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ وَالْآخَرُ مِنْ وَرِقٍ» . وَفِي رِوَايَةِ «8» حَارِثَةَ «9» بْنِ وَهْبٍ: «كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَصَنْعَاءَ» . وقال أنس «10» «أيلة وصنعاء» .
وَقَالَ «1» ابْنُ عُمَرَ «2» «كَمَا بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ» وَرَوَى حَدِيثَ الْحَوْضِ أَيْضًا أَنَسٌ «3» ، وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ «4» ، وَابْنُ عُمَرَ «5» ، وَعُقْبَةُ «6» بْنُ عَامِرٍ، وحارثة «7» بن وهب الخزاعي، والمستورد «8» ، وأبو بزرة «9» الْأَسْلَمِيُّ، وَحُذَيْفَةُ «10» بْنُ الْيَمَانِ، وَأَبُو أُمَامَةَ «11» ، وَزَيْدُ «12» بن أرقم، وابن مسعود «13» ، وعبد الله «14»
بْنُ زَيْدٍ، وَسَهْلُ «1» بْنُ سَعْدٍ، وَسُوَيْدُ «2» بْنُ جَبَلَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ «3» ، وَعُمَرُ «4» بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُ بُرَيْدَةَ «5» ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ «6» ، وَعَبْدُ اللَّهِ «7» الصُّنَابِحِيُّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ «8» ، وَالْبَرَاءُ «9» ، وَجُنْدُبُ «10» وَعَائِشَةُ «11» وَأَسْمَاءُ «12» بِنْتَا أبي بكر، وأبو بكره «13» ،
وَخَوْلَةُ «1» بِنْتُ قَيْسٍ ... وَغَيْرُهُمْ [2] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أجمعين.
الفصل التاسع في تفضيله بالمحبة والخلة
الفصل التاسع فِي تَفْضِيلِهِ بِالْمَحَبَّةِ وَالْخِلَّةِ جَاءَتْ بِذَلِكَ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ.. وَاخْتُصَّ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُسْلِمِينَ بِحَبِيبِ اللَّهِ.. عَنْ «1» أَبِي سَعِيدٍ «2» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خليلا «3» لا تخذت أَبَا بَكْرٍ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ «4» » . وَمِنْ «5» طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ «6» بْنِ مسعود: «وقد اتّخذ الله صاحبكم خليلا» .
وَعَنِ «1» ابْنِ عَبَّاسٍ «2» قَالَ: جَلَسَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَهُ.. قَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُمْ سَمِعَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ فَسَمِعَ حَدِيثَهُمْ.. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَجَبًا.. إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ خَلْقِهِ خَلِيلًا.. وَقَالَ آخَرُ: «مَاذَا «3» بِأَعْجَبَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى.. كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا» . وَقَالَ آخَرُ: «فَعِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ وروحه» . وقال آخر: «آدم اصْطَفَاهُ اللَّهُ» . فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ، وَقَالَ: «قَدْ سَمِعْتُ كَلَامَكُمْ وَعَجَبَكُمْ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ، وهو كذلك، وعيسى روح الله، وهو كذلك، وآدم اصطفاه اللَّهِ.. وَهُوَ كَذَلِكَ.. أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلَا فَخْرَ.. وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَلَا فَخْرَ.. وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حلق الجنة فيفتح الله
لِي فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَلَا فَخْرَ» .. وَفِي حَدِيثِ «1» أَبِي هُرَيْرَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «مِنْ «3» قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي اتَّخَذْتُكَ خَلِيلًا.. فَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي التوراة. أسب «4» حَبِيبُ الرَّحْمَنِ» . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ: اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ «الْخِلَّةِ» وَأَصْلِ اشْتِقَاقِهَا. فَقِيلَ: «الْخَلِيلُ» الْمُنْقَطِعُ إِلَى اللَّهِ الَّذِي لَيْسَ فِي انْقِطَاعِهِ إِلَيْهِ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ اخْتِلَالٌ. وَقِيلَ: «الْخَلِيلُ» الْمُخْتَصُّ «5» .. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ غَيْرُ وَاحِدٍ وقال بعضهم: أصل «الخلّة «6» » الاستصفاء «7» .. وسمي
إِبْرَاهِيمُ «خَلِيلَ اللَّهِ» لِأَنَّهُ يُوَالِي فِيهِ وَيُعَادِي فِيهِ.. وَخَلَّةُ اللَّهِ لَهُ. نَصْرُهُ وَجَعْلُهُ إِمَامًا لِمَنْ بَعْدَهُ. وَقِيلَ: «الْخَلِيلُ» أَصْلُهُ الْفَقِيرُ، الْمُحْتَاجُ، الْمُنْقَطِعُ.. مَأْخُوذٌ مِنَ «الْخُلَّةِ «1» » وَهِيَ الْحَاجَةُ.. فَسُمِّيَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ لِأَنَّهُ قَصَرَ حَاجَتَهُ عَلَى رَبِّهِ، وَانْقَطَعَ إِلَيْهِ بِهَمِّهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ قَبْلَ غَيْرِهِ، إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ، وَهُوَ فِي الْمَنْجَنِيقِ، لِيُرْمَى بِهِ فِي النَّارِ فَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟. قَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا.. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ «2» بْنُ فُورَكٍ «الْخِلَّةُ» صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ الَّتِي تُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ بِتَخَلُّلِ الْأَسْرَارِ.. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُ «الْخِلَّةِ» الْمَحَبَّةُ.. وَمَعْنَاهَا الْإِسْعَافُ وَالْإِلْطَافُ، وَالتَّرْفِيعُ، وَالتَّشْفِيعُ.. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: «وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ.. قُلْ: فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ؟!. «3» » فأوجب للمحبوب.. أن لا يؤاخذ بذنوبه..
قال: هذا والخلّة أقوى من البنوّة.. لأن البنوّة قد تكون فيها العداوة. كا قَالَ تَعَالَى: «إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ «1» » الْآيَةَ.. وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَدَاوَةٌ مَعَ خِلَّةٍ.. فَإِذَا.. تَسْمِيَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- «بِالْخِلَّةِ» إِمَّا بِانْقِطَاعِهِمَا إِلَى اللَّهِ، وَوَقْفِ حَوَائِجِهِمَا عَلَيْهِ، وَالِانْقِطَاعِ عَمَّنْ دُونَهُ، وَالْإِضْرَابِ عَنِ الْوَسَائِطِ وَالْأَسْبَابِ. - أَوْ لِزِيَادَةِ الِاخْتِصَاصِ مِنْهُ تَعَالَى لَهُمَا وَخُفْيِ أَلْطَافِهِ عِنْدَهُمَا، وَمَا خَالَلَ بَوَاطِنَهُمَا مِنْ أَسْرَارٍ إِلَهِيَّتِهِ، وَمَكْنُونِ غُيُوبِهِ وَمَعْرِفَتِهِ. - أَوْ لِاسْتِصْفَائِهِ لَهُمَا، وَاسْتِصْفَاءِ قُلُوبِهِمَا عَمَّنْ سِوَاهُ، حَتَّى لَمْ يُخَالِلْهُمَا حُبٌّ لِغَيْرِهِ.. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: «الْخَلِيلُ» مَنْ لَا يَتَّسِعُ قَلْبُهُ لِسِوَاهُ.. وَهُوَ عِنْدَهُمْ معنى قوله صلى الله عليه وسلم «2» : «لو كنت متخذا خليلا
لا تخذت أَبَا بَكْرٍ «1» خَلِيلًا لَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ» . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَرْبَابُ الْقُلُوبِ «أَيُّهُمَا أَرْفَعُ دَرَجَةً.. الْخِلَّةُ أو درجة المحبه» .. فجعلها بَعْضُهُمْ: «سَوَاءً فَلَا يَكُونُ الْحَبِيبُ إِلَّا خَلِيلًا وَلَا الْخَلِيلُ إِلَّا حَبِيبًا.. لَكِنَّهُ خَصَّ إِبْرَاهِيمَ بِالْخِلَّةِ وَمُحَمَّدًا بِالْمَحَبَّةِ» . وَبَعْضُهُمْ قَالَ: «دَرَجَةُ الْخِلَّةِ أَرْفَعُ.. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ» فَلَمْ يَتَّخِذْهُ.. وَقَدْ أَطْلَقَ الْمَحَبَّةَ لِفَاطِمَةَ «2» وَابْنَيْهَا وَأُسَامَةَ «3» وَغَيْرِهِمْ.. وَأَكْثَرُهُمْ: جَعَلَ الْمَحَبَّةَ أَرْفَعَ مِنَ الْخِلَّةِ لِأَنَّ دَرَجَةَ الْحَبِيبِ نَبِيِّنَا أَرْفَعُ مِنْ دَرَجَةِ الْخَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ. وَأَصْلُ الْمَحَبَّةِ الْمَيْلُ إلى ما يوافق المحبّ «4» .. ولكن هذا
فِي حَقِّ مَنْ يَصِحُّ الْمَيْلُ مِنْهُ، وَالِانْتِفَاعُ بالوفق «1» وهي درجة المخلوق.. فأمّا الخالق فَمُنَزَّهٌ عَنِ الْأَغْرَاضِ. - فَمَحَبَّتُهُ لِعَبْدِهِ تَمْكِينُهُ مِنْ سَعَادَتِهِ، وَعِصْمَتُهُ وَتَوْفِيقُهُ، وَتَهْيِئَةُ أَسْبَابِ الْقُرْبِ، وَإِفَاضَةُ رَحْمَتِهِ عَلَيْهِ.. وَقُصْوَاهَا كَشْفُ الْحُجُبِ عَنْ قَلْبِهِ، حَتَّى يَرَاهُ بِقَلْبِهِ، وَيَنْظُرَ إِلَيْهِ بِبَصِيرَتِهِ فَيَكُونُ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ «2» . «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ» وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ هَذَا سِوَى التَّجَرُّدِ لِلَّهِ وَالِانْقِطَاعِ إِلَى اللَّهِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ. وَصَفَاءِ الْقَلْبِ لِلَّهِ، وَإِخْلَاصِ الْحَرَكَاتِ لِلَّهِ. كَمَا قالت عائشة «3» رضي الله عنها: «كان خلقه الْقُرْآنُ.. بِرِضَاهُ يَرْضَى. وَبِسُخْطِهِ يَسْخَطُ» . وَمِنْ هَذَا عبّر بعضهم عن الخلة بقوله:
قَدْ تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي ... وَبِذَا سُمِّيَ الْخَلِيلُ خَلِيلَا فَإِذَا مَا نَطَقْتُ كُنْتَ حَدِيثِي ... وَإِذَا مَا سَكَتُّ كُنْتَ الْغَلِيلَا «1» فَإِذَا مَزِيَّةُ الخلّة وخصوصية المحبة حاصلة لنبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ الْمُنْتَشِرَةُ، الْمُتَلَقَّاةُ بِالْقَبُولِ مِنَ الْأُمَّةِ. وَكَفَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ... «2» » الْآيَةَ حَكَى أَهْلُ التَّفْسِيرِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ الْكُفَّارُ: إِنَّمَا يُرِيدُ مُحَمَّدٌ أَنْ نَتَّخِذَهُ حَنَانًا «3» كَمَا اتَّخَذَتِ النَّصَارَى عِيسَى بن مَرْيَمَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ غَيْظًا لَهُمْ، وَرَغْمًا عَلَى مَقَالَتِهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ: «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ «4» » . فَزَادَهُ شَرَفًا بِأَمْرِهِمْ بِطَاعَتِهِ، وَقَرْنِهَا بِطَاعَتِهِ ثُمَّ توعّدهم على التولّي عنه.
بِقَوْلِهِ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكافِرِينَ «1» » . وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ «2» بْنُ فُورَكٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ كَلَامًا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ المحبة والخلّة.. وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْهُ طَرَفًا يَهْدِي إِلَى مَا بَعْدَهُ. فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: «الْخَلِيلُ» يَصِلُ بِالْوَاسِطَةِ.. من قوله: «وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «3» » : «وَالْحَبِيبُ» يَصِلُ إِلَيْهِ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: «فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى «4» » . وَقِيلَ: «الْخَلِيلُ» الَّذِي تَكُونُ مَغْفِرَتُهُ فِي حَدِّ الطَّمَعِ مِنْ قَوْلِهِ: «وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي «5» » . «وَالْحَبِيبُ» الَّذِي مَغْفِرَتُهُ فِي حَدِّ الْيَقِينِ مِنْ قَوْلِهِ: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «6» » الآية
«الخليل» قال: «وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ «1» » «وَالْحَبِيبُ» قِيلَ لَهُ: «يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ «2» » فابتديء بالبشارة قبل السؤال. «والخليل» قال يوم المحنة حسبي الله. «والحبيب» قيل له «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ «3» » . «وَالْخَلِيلُ» قَالَ: «وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ «4» » «والحبيب» قيل له «وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ «5» » أُعْطِي بِلَا سُؤَالٍ «وَالْخَلِيلُ» قَالَ «وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ «6» » «وَالْحَبِيبُ» قِيلَ لَهُ «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ «7» » .
وفيما ذكرناه تنبيه على مقصد أصحاب المقال من تفضيل المقامات والأحوال، و «كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا «1» » .
الفصل العاشر في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود
الفصل العاشر في تفضيله بالشّفاعة والمقام المحمود قال تَعَالَى: «عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «1» » . عَنْ آدَمَ «2» بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ «3» يَقُولُ «4» : «إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جثى «5» . كل أمّة تتبع نبيّها يقولون:
يَا فُلَانُ اشْفَعْ لَنَا.. يَا فُلَانُ اشْفَعْ لَنَا.. حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَذَلِكَ يَوْمُ يَبْعَثُهُ اللَّهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ.» وَعَنْ «1» أَبِي هُرَيْرَةَ «2» : سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي قَوْلَهُ «عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً» . فقال «هي الشَّفَاعَةُ» . وَرَوَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ «3» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ، وَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً خَضْرَاءَ ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ.. فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ» . وعن ابن عمر «5» رضي الله عنهما- وَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ- قَالَ: «فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْجَنَّةِ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدَهُ» . وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «6» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» «أَنَّهُ قِيَامُهُ عَنْ يَمِينِ العرش
مَقَامًا لَا يَقُومُهُ غَيْرُهُ يَغْبِطُهُ «1» فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ» وَنَحْوُهُ عَنْ كَعْبٍ «2» وَالْحَسَنِ «3» . وَفِي رِوَايَةٍ «هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي أَشْفَعُ لِأُمَّتِي فِيهِ» . وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «4» قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» : «إِنِّي لَقَائِمٌ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ.. قِيلَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: ذَلِكَ يَوْمَ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى «6» كُرْسِيِّهِ.. الْحَدِيثَ» . وَعَنْ أَبِي مُوسَى «7» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «8» «خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ لِأَنَّهَا أَعَمُّ أَتَرَوْنَهَا لِلْمُتَّقِينَ؟ وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ الْخَطَّائِينَ.
وَعَنْ «1» أَبِي هُرَيْرَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.. مَاذَا وَرَدَ عَلَيْكَ فِي الشَّفَاعَةِ فَقَالَ: شَفَاعَتِي لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا، يُصَدِّقُ لِسَانُهُ قَلْبَهُ» . وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ «3» قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : «أُرِيتُ مَا تَلْقَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي.. وَسَفْكَ بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ.. وَسَبَقَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا سَبَقَ للأمم قَبْلَهُمْ.. فَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُؤْتِيَنِي شَفَاعَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيهِمْ.. فَفَعَلَ» . وَقَالَ «5» حُذَيْفَةُ «6» : يَجْمَعُ اللَّهُ الناس في صعيد «7» واحد حيث
يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ «1» الْبَصَرُ.. حُفَاةً «2» عُرَاةً «3» كَمَا خُلِقُوا، سُكُوتًا لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَيُنَادَى مُحَمَّدٌ.. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ «4» وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمُهْتَدِي مَنْ هَدَيْتَ، وعبدك بين يديك ولك وإليك، ولا ملجأ ولا منجا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ.. تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ.. سُبْحَانَكَ رَبَّ الْبَيْتِ» . قَالَ: فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَ الله. وقال ابن عباس «5» رضي الله عنهما «6» . إِذَا دَخَلَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ الجنة فيبقى آخِرُ زُمْرَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ وَآخِرُ زُمْرَةٍ مِنَ النار.. فتقول زمرة النار لزمرة الجنة:
مَا نَفَعَكُمْ إِيمَانُكُمْ!! فَيَدْعُونَ رَبَّهُمْ وَيَضِجُّونَ فَيَسْمَعُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ. فَيَسْأَلُونَ آدَمَ، وَغَيْرَهُ بَعْدَهُ فِي الشَّفَاعَةِ لَهُمْ.. فَكُلٌّ يَعْتَذِرُ حَتَّى يَأْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفَعُ لَهُمْ. فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ.. وَنَحْوُهُ «1» عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «2» أَيْضًا، وَمُجَاهِدٍ «3» ، وَذَكَرَهُ عَلِيُّ «4» بْنُ الْحُسَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» .. وَقَالَ «6» جَابِرُ «7» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِيَزِيدَ «8» الْفَقِيرِ: «سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ؟ - يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ- قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ.. قَالَ: فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ- يَعْنِي مِنَ النَّارِ- وَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ فِي إِخْرَاجِ الْجَهَنَّمِيِّينَ-
وَعَنْ أَنَسٍ «1» نَحْوُهُ «2» وَقَالَ: فَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَهُ. وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ «3» وَأَبِي هُرَيْرَةَ «4» وَغَيْرِهِمَا- دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ «5» - قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ- أَوْ قَالَ فَيُلْهَمُونَ- فَيَقُولُونَ لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا» . وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْهُ: «مَاجَ «7» النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ» . وَعَنْ «8» أَبِي هُرَيْرَةَ «9» : «وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسُ مِنَ الْغَمِّ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُونَ: أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ!! .. فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ- زَادَ بَعْضُهُمْ أَنْتَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ- اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا.. أَلَا تَرَى ما نحن فيه!!! ..
فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُ.. نَفْسِي.. نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي.. اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ.. فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ!!! أَلَا تَرَى مَا بَلَغَنَا أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟! فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ.. نَفْسِي.. نَفْسِي.. قَالَ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ «1» : وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، سُؤَالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَقَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي.. اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي.. اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ. فَإِنَّهُ خَلِيلُ اللَّهِ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ.. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ.. أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟!. فَيَقُولُ إِنَّ رَبِّي قد غضب اليوم غضبا ... فذكر مثله..
وَيَذْكُرُ ثَلَاثَ كَلِمَاتٍ كَذَبَهُنَّ «1» - نَفْسِي.. نَفْسِي.. لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنَّهُ عَبْدٌ آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ، وكلّمه، وقرّبه نجيّا. فَيَأْتُونَ مُوسَى. فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا- وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ «2» الَّتِي أَصَابَ، وَقَتْلَهُ «3» النَّفْسَ.. نَفْسِي نَفْسِي. وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ.. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ. عَبْدٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَأُوتَى فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا.. فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي.. فَإِذَا رأيته وقعت ساجدا.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَخِرُّ سَاجِدًا. وفي رواية: فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليها الّا أنّه يُلْهِمَنِيهَا اللَّهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي. قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ. ارْفَعْ رَأْسَكَ. سَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.. فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: يَا رَبِّ.. أُمَّتِي.. يَا رَبِّ.. أُمَّتِي.. فَيَقُولُ: أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ.. وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ» . وَلَمْ يَذْكُرْ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ هَذَا الْفَصْلَ وَقَالَ مَكَانَهُ: ثُمَّ أَخِرُّ سَاجِدًا.. فَيُقَالُ لِي: يَا مُحَمَّدُ.. ارْفَعْ رَأْسَكَ.. وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ «1» .. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي.. أُمَّتِي.. فَيُقَالُ: انْطَلِقْ. فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَرْجِعُ إلى
رَبِّي، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ- وَذَكَرَ مِثْلَ الْأَوَّلِ وَقَالَ فِيهِ «1» - مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ «2» - قَالَ: فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَرْجِعُ- وَذَكَرَ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ فِيهِ- مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ- فَأَفْعَلُ وَذَكَرَ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ «3» - فَيُقَالُ لِي: ارفع رأسك، وقل يسمع وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهُ.. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.. قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكَ، وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي «4» لَأُخْرِجَنَّ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَمِنْ رِوَايَةِ قتادة «5» عنه «6» قال: فلا أدري في الثالثة أو الرابعة، فَأَقُولُ يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ الّا من حبسه القرآن «7»
- أي من وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ- وَعَنْ «1» أَبِي بَكْرٍ، وَعُقْبَةَ «2» بْنِ عَامِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ «3» ، وَحُذَيْفَةَ «4» مِثْلُهُ قَالَ: «فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتَأْتِي الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَتَقُومَانِ جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ» . وَذَكَرَ فِي رِوَايَةِ «5» أَبِي مَالِكٍ عَنْ حُذَيْفَةَ «6» : فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَشْفَعُ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ فَيَمُرُّونَ ... أَوَّلُهُمْ كَالْبَرْقِ، ثُمَّ كَالرِّيحِ وَالطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ «7» ، وَنَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصِّرَاطِ.. يَقُولُ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ حَتَّى يَجْتَازَ النَّاسُ- وَذَكَرَ آخِرَهُمْ جَوَازًا.. الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «8» : فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ «9» . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «10» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «11» : يُوضَعُ لِلْأَنْبِيَاءِ مَنَابِرُ يَجْلِسُونَ عَلَيْهَا، وَيَبْقَى مِنْبَرِي لَا أَجْلِسُ عَلَيْهِ.. قَائِمًا بَيْنَ يَدَيْ ربي منتصبا.
فيقول الله تبارك وتعالى.. ما تريد أن أصنع بِأُمَّتِكَ؟. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ عَجِّلْ حِسَابَهُمْ.. فَيُدْعَى بهم فيحاسبون.. فمنهم من يدخل الجنة بِرَحْمَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِي، وَلَا أَزَالُ أَشْفَعُ حَتَّى أُعْطَى صِكَاكًا «1» بِرِجَالٍ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ.. حَتَّى إِنَّ خَازِنَ النَّارِ لَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ.. مَا تَرَكْتَ لِغَضَبِ رَبِّكَ فِي أُمَّتِكَ مِنْ نِقْمَةٍ.. وَمِنْ طَرِيقِ زِيَادٍ «2» النُّمَيْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ «3» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» قَالَ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْفَلِقُ الْأَرْضُ عَنْ جُمْجُمَتِهِ «5» وَلَا فَخْرَ وَأَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَمَعِي لِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تُفْتَحُ لَهُ الْجَنَّةُ وَلَا فَخْرَ، فَآتِي فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْجَنَّةِ فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟. فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ.. فَيُفْتَحُ لِي.. فَيَسْتَقْبِلُنِي الْجَبَّارُ تَعَالَى فَأَخِرُّ له ساجدا» - وذكر نحو ما تقدم-
وَمِنْ رِوَايَةِ أُنَيْسٍ «1» .. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «2» : لَأَشْفَعَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَكْثَرَ مِمَّا فِي الْأَرْضِ مِنْ حَجَرٍ وَشَجَرٍ.. فَقَدِ اجْتَمَعَ مِنَ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ شَفَاعَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقَامَهُ الْمَحْمُودَ مِنْ أَوَّلِ الشَّفَاعَاتِ إِلَى آخِرِهَا، مِنْ حِينِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ لِلْحَشْرِ، وَتَضِيقُ بِهِمُ الْحَنَاجِرُ، وَيَبْلُغُ مِنْهُمُ الْعَرَقُ وَالشَّمْسُ وَالْوُقُوفُ مَبْلَغَهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْحِسَابِ، فَيَشْفَعُ حِينَئِذٍ لِإِرَاحَةِ النَّاسِ مِنَ الْمَوْقِفِ، ثُمَّ يُوضَعُ الصِّرَاطُ وَيُحَاسَبُ النَّاسُ- كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «3» وَحُذَيْفَةَ «4» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَتْقَنُ «5» - فَيُشَفَّعُ فِي تَعْجِيلِ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِهِ إِلَى الْجَنَّةِ- تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ- ثُمَّ يَشْفَعُ فِيمَنْ وَجَبَ عليه العذاب ودخل النار منهم- حسبما تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ- ثُمَّ فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ- وَلَيْسَ هَذَا لِسِوَاهُ صَلَّى الله عليه وسلم.
وَفِي الْحَدِيثِ الْمُنْتَشِرِ الصَّحِيحِ «1» : «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَاخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: مَعْنَاهُ دَعْوَةٌ أَعْلَمُ «2» أَنَّهَا تُسْتَجَابُ لَهُمْ وَيَبْلُغُ فِيهَا مَرْغُوبُهُمْ، وَإِلَّا فَكَمْ لِكُلِّ نَبِيٍّ مِنْهُمْ مِنْ دَعْوَةٍ مُسْتَجَابَةٍ، وَلِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا مَا لَا يُعَدُّ، لَكِنَّ حَالَهُمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ بِهَا بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ. وَضُمِنَتْ لَهُمْ إِجَابَةُ دَعْوَةٍ فيما شاؤوه يَدْعُونَ بِهَا عَلَى يَقِينٍ مِنَ الْإِجَابَةِ.. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ «3» وَأَبُو صَالِحٍ «4» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «5» فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ، وأنا أريد أن أؤخر دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَفِي رِوَايَةِ «6» أبي صالح: عن أبي هريرة، «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دعوته» .
وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ «1» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ أَنَسٍ «2» مِثْلُ رِوَايَةِ ابْنِ زِيَادٍ «3» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَتَكُونُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ الْمَذْكُورَةُ مخصوصة بالأمة، مصمونة الْإِجَابَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَأَلَ لِأُمَّتِهِ أَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِ الدين والدنيا، أعطي بَعْضَهَا وَمُنِعَ بَعْضَهَا، وَادَّخَرَ لَهُمْ هَذِهِ الدَّعْوَةَ لِيَوْمِ الْفَاقَةِ «4» ، وَخَاتِمَةِ الْمِحَنِ «5» وَعَظِيمِ السُّؤَالِ وَالرَّغْبَةِ. جَزَاهُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أمته، صلى الله عليه وسلم كثيرا.
الفصل الحادي عشر الوسيلة والدرجة الرفيعة والكوثر والفضيلة في تفضيله صلى الله عليه وسلم في الجنة بالوسيلة والدرجة الرفيعة والكوثر
الفصل الحادي عشر الوسيلة والدّرجة الرفيعة والكوثر والفضيلة فِي تَفْضِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجنة بالوسيلة والدرجة الرفيعة والكوثر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ «1» بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «2» : «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا.. ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله.. وأرجو أن أكون أنا هو
فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ. وَفِي حَدِيثٍ «1» آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «2» : «الْوَسِيلَةُ «3» » أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ. وَعَنْ أَنَسٍ «4» قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» : «بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذْ عَرَضَ لِي نَهْرٌ حَافَّتَاهُ «6» قِبَابُ «7» اللُّؤْلُؤِ.. قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَا هَذَا؟؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ.. قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ «8» بِيَدِهِ إِلَى طينته فاستخرج مسكا» . وَعَنْ عَائِشَةَ «9» وَعَبْدِ اللَّهِ «10» بْنِ عَمْرٍو مِثْلُهُ قَالَ: «وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَمَاؤُهُ أَحْلَى من العسل، وأبيض من الثلج» .
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ «فَإِذَا هُوَ يَجْرِي وَلَمْ يُشَقَّ «1» شَقًّا، عَلَيْهِ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي» - وَذِكْرُ حَدِيثِ الْحَوْضِ- وَنَحْوِهِ «2» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «3» .. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «4» أَيْضًا قَالَ «5» : الْكَوْثَرُ «6» » الْخَيْرُ الكثير الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. وَقَالَ سَعِيدُ «7» بْنُ جُبَيْرٍ: «وَالنَّهْرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الذي أعطاه الله» .
وَعَنْ حُذَيْفَةَ «1» فِيمَا ذَكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن ربّه: فأعطاني الكوثر نهرا من الْجَنَّةِ يَسِيلُ فِي حَوْضِي» . وَعَنِ «2» ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى «3» » قَالَ: «أَلْفُ قَصْرٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ، تُرَابُهُنَّ الْمِسْكُ، وَفِيهِ مَا يُصْلِحُهُنَّ» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «وَفِيهِ ما ينبغي له من الأزواج والخدم» .
الفصل الثاني عشر الأحاديث الواردة في النهي عهد تفضيله
الفصل الثاني عشر الأحاديث الواردة في النهي عهد تَفْضِيلِهِ فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلِيلِ الْقُرْآنِ، وَصَحِيحِ الْأَثَرِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كَوْنُهُ أَكْرَمَ الْبَشَرِ وَأَفْضَلَ الْأَنْبِيَاءِ، فَمَا مَعْنَى الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بنهيه عن التفضيل، كقوله: عن ابن عباس «1» عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ «2» : «مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ «3» بْنِ مَتَّى» .. وَفِي غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «4» قَالَ- يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «ما ينبغي لعبد» - الحديث.
وَفِي حَدِيثِ «1» أَبِي هُرَيْرَةَ «2» فِي الْيَهُودِيِّ «3» الَّذِي قَالَ: «وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ» - فَلَطَمَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَقَالَ: «تَقُولُ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا» ؟!!. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ» . وَفِي رِوَايَةٍ «4» «لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى» - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلَ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى. وَعَنْ «5» أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «6» : لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى. وَفِي حديثه الآخر «7» : فجاءه رجل فقال: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ.. فَقَالَ: ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ. فَاعْلَمْ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَأْوِيلَاتٌ أَحَدُهَا: أَنَّ نَهْيَهُ عَنِ التَّفْضِيلِ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ.. فَنَهَى عَنِ التفضيل
إِذْ يَحْتَاجُ إِلَى تَوْقِيفٍ «1» .. وَأَنَّ مَنْ فَضَّلَ بِلَا عِلْمٍ فَقَدْ كَذَبَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْهُ» ، لَا يَقْتَضِي تَفْضِيلُهُ هُوَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ كَفٌّ عَنِ التَّفْضِيلِ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَالَهُ صَلَّى الله عليه وسلم عن طَرِيقِ التَّوَاضُعِ وَنَفْيِ التَّكَبُّرِ وَالْعُجْبِ، وَهَذَا لَا يَسْلَمُ مِنَ الِاعْتِرَاضِ «2» . الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَلَّا يُفَضِّلَ بَيْنَهُمْ تَفْضِيلًا يُؤَدِّي إِلَى تَنَقُّصِ بَعْضِهِمْ، أَوِ الْغَضِّ مِنْهُ، لَا سِيَّمَا فِي جِهَةِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَا أَخْبَرَ، لِئَلَّا يَقَعُ فِي نَفْسِ مَنْ لَا يَعْلَمُ مِنْهُ بِذَلِكَ غَضَاضَةً وَانْحِطَاطٌ مِنْ رُتْبَتِهِ الرَّفِيعَةِ. إِذْ قَالَ تَعَالَى عَنْهُ: «إِذْ أَبَقَ «3» إلى الفلك المشحون «4» » «إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عليه «5» » . فَرُبَّمَا يُخَيَّلُ لِمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ حَطِيطَتُهُ «6» بذلك.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: مَنْعُ التَّفْضِيلِ فِي حَقِّ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ فِيهَا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ، إِذْ هِيَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَتَفَاضَلُ، وَإِنَّمَا التَّفَاضُلُ فِي زِيَادَةِ الْأَحْوَالِ وَالْخُصُوصِ وَالْكَرَامَاتِ، وَالرُّتَبِ، وَالْأَلْطَافِ «1» وَأَمَّا النُّبُوَّةُ فِي نَفْسِهَا فَلَا تَتَفَاضَلُ، وَإِنَّمَا التَّفَاضُلُ بِأُمُورٍ أُخَرَ زَائِدَةً عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ مِنْهُمْ رُسُلٌ «2» وَمِنْهُمْ أُولُو عَزْمٍ «3» مِنَ الرُّسُلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رُفِعَ مَكَانًا عَلِيًّا «4» ، وَمِنْهُمْ مَنْ أُوتِيَ الْحُكْمَ صَبِيًّا «5» وَأُوتِيَ بَعْضُهُمُ الزَّبُورَ «6» ، وَبَعْضُهُمُ البينات «7» ، ومنهم من كلم الله «8»
ورفع بعضهم دَرَجَاتٍ «1» ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ «2» » الْآيَةَ. وَقَالَ «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ «3» الآية. وقال: بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَالتَّفْضِيلُ الْمُرَادُ لَهُمْ هُنَا فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: - أَنْ تَكُونَ آيَاتُهُ وَمُعْجِزَاتُهُ أَبْهَرُ وَأَشْهَرُ. - أَوْ تَكُونُ أُمَّتُهُ أزكى وأكبر. - أو يكون في ذاته أفضل وأظهر. وَفَضْلُهُ فِي ذَاتِهِ رَاجِعٌ إِلَى مَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ مِنْ كَلَامٍ أَوْ خِلَّةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَلْطَافِهِ، وَتُحَفِ وِلَايَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «4» : إن للنبوة أثقالا «5» ، وإنّ
يُونُسَ تَفَسَّخَ «1» مِنْهَا تَفَسُّخَ الرُّبَعِ «2» .. فَحَفِظَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضِعَ الْفِتْنَةِ مِنْ أَوْهَامِ مَنْ يَسْبِقُ إِلَيْهِ بِسَبَبِهَا جَرْحٌ فِي نَبُوَّتِهِ، أو قدح في اصطفائه، وحط من رُتْبَتِهِ، وَوَهْنٌ فِي عِصْمَتِهِ، شَفَقَةً مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ. وَقَدْ يَتَوَجَّهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَجْهٌ خَامِسٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ: «أَنَا» رَاجِعًا إِلَى الْقَائِلِ نَفْسِهِ، أَيْ لَا يَظُنُّ أَحَدٌ وَإِنْ بَلَغَ مِنَ الذَّكَاءِ وَالْعِصْمَةِ وَالطَّهَارَةِ مَا بَلَغَ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ يونس لأجل ما حكي عَنْهُ، فَإِنَّ دَرَجَةَ النُّبُوَّةِ أَفْضَلُ، وَأَعْلَى وَإِنَّ تِلْكَ الْأَقْدَارَ لَمْ تَحُطَّهُ عَنْهَا حَبَّةَ خَرْدَلٍ وَلَا أَدْنَى. وَسَنَزِيدُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ فِي هَذَا بَيَانًا- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى-. فَقَدْ بَانَ لَكَ الْغَرَضُ، وَسَقَطَ بِمَا حَرَّرْنَاهُ شُبْهَةُ الْمُعْتَرِضِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ لَا إِلَهَ إلّا هو..
الفصل الثالث عشر في أسمائه صلى الله عليه وسلم وما تضمنته من فضيلته صلى الله عليه وسلم
الْفَصْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي أَسْمَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وما تضمنته من فضيلته صلّى الله عليه وسلم عن جُبَيْرِ «1» بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءَ، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ «3» . وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: مُحَمَّدًا وَأَحْمَدَ. فَمِنْ خَصَائِصِهِ تَعَالَى لَهُ: أَنْ ضَمَّنَ أَسْمَاءَهُ ثناءه فطوى أَثْنَاءَ ذِكْرِهِ عَظِيمَ شُكْرِهِ.. فَأَمَّا اسْمُهُ «أَحْمَدُ» فأفعل ... مبالغة من صفة الحمد و «محمد» مفعّل» ... مبالغة من كثرة الحمد
فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَلُّ مَنْ حَمِدَ وَأَفْضَلُ مَنْ حَمِدَ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ حَمْدًا فَهُوَ أَحْمَدُ الْمَحْمُودِينَ وَأَحْمَدُ الْحَامِدِينَ، وَمَعَهُ لِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِيَتِمَّ لَهُ كَمَالُ الْحَمْدِ، ويشتهر فِي تِلْكَ الْعَرَصَاتِ «1» بِصِفَةِ الْحَمْدِ، وَيَبْعَثَهُ رَبُّهُ هُنَاكَ مَقَامًا مَحْمُودًا كَمَا وَعَدَهُ. يَحْمَدُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ بِشَفَاعَتِهِ لَهُمْ، وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ الْمَحَامِدِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ما لم يعط غيره» ، وسمّى الله أُمَّتَهُ فِي كُتُبِ أَنْبِيَائِهِ بِالْحَمَّادِينَ، فَحَقِيقٌ أَنْ يُسَمَّى مُحَمَّدًا وَأَحْمَدَ. ثُمَّ فِي هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ مِنْ عَجَائِبِ خَصَائِصِهِ، وَبَدَائِعِ آيَاتِهِ فَنٌّ آخَرُ، هو أَنَّ اللَّهَ جَلَّ اسْمُهُ حَمَى «2» أَنْ يُسَمَّى بِهِمَا أَحَدٌ قَبْلَ زَمَانِهِ.. أَمَّا «أَحْمَدُ» الَّذِي أَتَى فِي الْكُتُبِ وَبَشَّرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ فَمَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِحِكْمَتِهِ أَنْ يُسَمَّى بِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ وَلَا يُدْعَى بِهِ مَدْعُوٌّ قَبْلَهُ حَتَّى لَا يَدْخُلَ لَبْسٌ عَلَى ضَعِيفِ الْقَلْبِ، أَوْ شَكٌّ. وَكَذَلِكَ: «مُحَمَّدٌ» أَيْضًا لَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ وَلَا غَيْرُهُمْ، إِلَى أَنْ شَاعَ قُبَيْلَ وُجُودِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِيلَادُهُ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ.. فَسَمَّى قوم
قَلِيلٌ مِنَ الْعَرَبِ أَبْنَاءَهُمْ بِذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يكون أحدهم هو و «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ «1» » .. وَهُمْ: مُحَمَّدُ «2» بْنُ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ الْأَوْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ «3» بْنُ مَسْلَمَةَ الأنصارى، ومحمد «4» بَرَاءٍ الْبَكْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ «5» بْنُ سُفْيَانَ بْنِ مُجَاشِعٍ، وَمُحَمَّدُ «6» بْنُ حُمْرَانَ الْجُعْفِيُّ، وَمُحَمَّدُ «7» بْنُ خُزَاعِيٍّ السُّلَمِيُّ لَا سَابِعَ لَهُمْ. وَيُقَالُ: أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ مُحَمَّدًا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ «8» . وَالْيَمَنُ تَقُولُ: بَلْ مُحَمَّدُ بْنُ الْيَحْمَدِ «9» مِنَ الْأَزْدِ ثُمَّ حمى الله
كُلَّ مَنْ تَسَمَّى بِهِ أَنْ يَدَّعِيَ النُّبُوَّةَ أَوْ يَدَّعِيَهَا أَحَدٌ لَهُ، أَوْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ سَبَبٌ يُشَكِّكُ أَحَدًا فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَحَقَّقَتِ السِّمَتَانِ «1» لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُنَازَعْ فِيهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ» فَفُسِّرَ فِي الْحَدِيثِ.. وَيَكُونُ مَحْوُ الْكُفْرِ إِمَّا مِنْ مَكَّةَ وَبِلَادِ الْعَرَبِ وَمَا زُوِيَ «2» لَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَوُعِدَ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ مُلْكُ أُمَّتِهِ، أَوْ يَكُونُ الْمَحْوُ عَامًّا بِمَعْنَى الظُّهُورِ وَالْغَلَبَةِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ «3» » . وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ «4» : أَنَّهُ الَّذِي مُحِيَتْ بِهِ سَيِّئَاتُ مَنِ اتَّبَعَهُ» وَقَوْلُهُ: «وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي» أَيْ عَلَى زَمَانِي وَعَهْدِي.. أَيْ لَيْسَ بَعْدِي نَبِيٌّ كما قال: «وخاتم النبيين «5» » وَسُمِّيَ: «عَاقِبًا» لِأَنَّهُ عَقَبَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وفي
الصَّحِيحِ «أَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدِي نَبِيٌّ» وَقِيلَ: مَعْنَى «عَلَى قَدَمِي» أَيْ يُحْشَرُ النَّاسُ بِمُشَاهَدَتِي.. كَمَا قَالَ تَعَالَى: «لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «1» » . وَقِيلَ: «عَلَى قَدَمِي» عَلَى سَابِقَتِي. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ «2» » . وَقِيلَ: «عَلَى قَدَمِي» أَيْ قُدَّامِي وَحَوْلِي.. أَيْ يجتمعون إليّ يوم القيامة وقيل «قَدَمِي» عَلَى سُنَّتِي. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءَ» قِيلَ إِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وعند أولى العلم من الأمم السالفة. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : لِي عَشْرَةُ أَسْمَاءَ.. وَذَكَرَ مِنْهَا «طه» وَ «يسن» حكاه مكي «4» . وقد قيل في بعض تفاسير «طه» : أنه يا طاهر يا هادي.
وفي «يسن» يَا سَيِّدُ. حَكَاهُ السُّلَمِيُّ «1» عَنِ الْوَاسِطِيُّ «2» ، وَجَعْفَرُ «3» بْنُ مُحَمَّدٍ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ: لِي عِشْرَةُ أَسْمَاءٍ، فذكر الخمسة التي في الحديث. قَالَ: وَأَنَا رَسُولُ الرَّحْمَةِ «4» ، وَرَسُولُ الرَّاحَةِ «5» وَرَسُولُ الملاحم «6» ، وأنا المقفّي «7» قفّيت النبين، وأنا قيّم «8» و «القيّم» الْجَامِعُ الْكَامِلُ- كَذَا وَجَدْتُهُ- وَلَمْ أَرْوِهِ «9» وَأَرَى أنّ صوابه
«قَثْمٌ» «1» بِالثَّاءِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ بَعْدُ عَنِ الْحَرْبِيِّ «2» وَهُوَ أَشْبَهُ بِالتَّفْسِيرِ «3» . وَقَدْ وَقَعَ أَيْضًا فِي كتب الأنبياء، قال داوود عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ ابْعَثْ لَنَا مُحَمَّدًا مُقِيمَ السُّنَّةِ بَعْدَ الْفَتْرَةِ.. فَقَدْ يَكُونُ «الْقَيِّمُ» «4» بِمَعْنَاهُ. وَرَوَى النَّقَّاشُ «5» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «لِي فِي الْقُرْآنِ سَبْعَةُ أَسْمَاءٍ مُحَمَّدٌ- وَأَحْمَدُ- ويس- وطه- والمدثر- والمزمل- وعبد الله-» . وفي حديث آخر عَنْ جُبَيْرِ «7» بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هِيَ سِتٌّ، مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَخَاتَمٌ، وَعَاقِبٌ، وَحَاشِرٌ، وماح.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى «1» الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءَ فَيَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، ونبي التوبة «3» ، ونبي الملحمة، ونبي الرحمة، وَيُرْوَى: الْمَرْحَمَةِ وَالرَّاحَةِ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ- إِنْ شَاءَ- اللَّهُ وَمَعْنَى «الْمُقَفِّي» مَعْنَى «الْعَاقِبِ» . وَأَمَّا نَبِيُّ «الرحمة» «والتوبة» «والمرحمة» «والراحة» . فقد قال تعالى: «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «4» » . وَكَمَا وَصَفَهُ بِأَنَّهُ «يُزَكِّيهِمْ. وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ «5» » «وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «6» » و «بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «7» » .
وقد قال فِي صِفَةِ أُمَّتِهِ إِنَّهَا «1» : «أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ» . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: «وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ «2» أَيْ يَرْحَمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. فَبَعَثَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم «3» ربّه تعالى رحمة لِلْعَالَمِينَ، وَرَحِيمًا بِهِمْ، وَمُتَرَحِّمًا، وَمُسْتَغْفِرًا لَهُمْ، وَجَعَلَ أمته أمة مَرْحُومَةً، وَوَصَفَهَا بِالرَّحْمَةِ وَأَمَرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالتراحم وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ «4» . «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» وَقَالَ «5» : «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ» «ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» . وَأَمَّا رِوَايَةُ «نَبِيِّ الْمَلْحَمَةِ «6» » فَإِشَارَةٌ إِلَى مَا بُعِثَ بِهِ مِنَ الْقِتَالِ وَالسَّيْفِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وَهِيَ صَحِيحَةٌ.. وَرَوَى حُذَيْفَةُ «7» مِثْلَ حديث أبي موسى «8» وفيه «9» :
ونبي الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الْمَلَاحِمِ، وَرَوَى الْحَرْبِيُّ «1» فِي حَدِيثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» أَنَّهُ قَالَ: «أَتَانِي مَلَكٌ فَقَالَ لِي أَنْتَ قُثَمُ أي مجتمع قال و «القثوم» الْجَامِعُ لِلْخَيْرِ وَهَذَا اسْمٌ هُوَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْلُومٌ. وَقَدْ جَاءَتْ مِنْ أَلْقَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِمَاتِهِ فِي الْقُرْآنِ عِدَّةٌ كَثِيرَةٌ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ كَالنُّورِ «3» ، وَالسِّرَاجِ «4» الْمُنِيرِ، وَالْمُنْذِرِ «5» ، وَالنَّذِيرِ «6» ، وَالْمُبَشِّرِ «7» ، وَالْبَشِيرِ «8» ، وَالشَّاهِدِ «9» ، وَالشَّهِيدِ «10» وَالْحَقِّ الْمُبِينِ «11» ، وَخَاتَمِ «12» النَّبِيِّينَ، والرؤوف الرّحيم «13» ،
وَالْأَمِينِ «1» ، وَقَدَمِ الصِّدْقِ «2» وَرَحْمَةٍ لِلْعَالِمِينَ «3» ، وَنِعْمَةِ اللَّهِ «4» ، وَالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى «5» ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ «6» ، وَالنَّجْمِ الثَّاقِبِ «7» ، وَالْكَرِيمِ «8» وَالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ «9» ، وَدَاعِي اللَّهِ «10» ... - فِي أَوْصَافٍ كَثِيرَةٍ، وَسِمَاتٍ جَلِيلَةٍ، وَجَرَى مِنْهَا فِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَكُتُبِ أَنْبِيَائِهِ وَأَحَادِيثِ رَسُولِهِ وَإِطْلَاقِ الْأُمَّةِ جُمْلَةً شَافِيَةً كَتَسْمِيَتِهِ: بِالْمُصْطَفَى، وَالْمُجْتَبَى «11» ، وَأَبِي الْقَاسِمِ، والحبيب
وَرَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالشَّفِيعِ الْمُشَفَّعِ، وَالْمُتَّقِي، وَالْمُصْلِحِ، والظاهر، وَالْمُهَيْمِنِ، وَالصَّادِقِ، وَالْمَصْدُوقِ، وَالْهَادِي، وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ، وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ «1» الْمُحَجَّلِينَ «2» ، وَحَبِيبِ اللَّهِ، وَخَلِيلِ الرَّحْمَنِ، وَصَاحِبِ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ، وَالشَّفَاعَةِ وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَصَاحِبِ الْوَسِيلَةِ، وَالْفَضِيلَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ، وَصَاحِبِ التَّاجِ، وَالْمِعْرَاجِ وَاللِّوَاءِ، وَالْقَضِيبِ، وَرَاكِبِ الْبُرَاقِ، وَالنَّاقَةِ وَالنَّجِيبِ «3» ، وَصَاحِبِ الْحُجَّةِ وَالسُّلْطَانِ، وَالْخَاتَمِ «4» وَالْعَلَامَةِ، وَالْبُرْهَانِ، وَصَاحِبِ الْهِرَاوَةِ وَالنَّعْلَيْنِ «5» .. وَمِنْ أَسْمَائِهِ فِي الْكُتُبِ: الْمُتَوَكِّلُ، وَالْمُخْتَارُ، وَمُقِيمُ السُّنَّةِ، وَالْمُقَدَّسُ «6» وروح القدس «7» ، وروح الحق، وهو معنى «البار قليط «8» » في الإنجيل.
وقال ثعلب «1» : «البار قليط» الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَمِنْ أَسْمَائِهِ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ: مَاذٌ مَاذٌ «2» وَمَعْنَاهُ طَيِّبٌ طيب «وحمطايا «3» » والخاتم والحاتم حكاه كعب الأحبار. وقال ثعلب: «فالخاتم» الذي ختم الأنبياء و «الحاتم» أحسن الأنبياء خلقا وخلقا ويسمى بالسّريانية «مشفّح «4» » و «المنحمنّا «5» » واسمه أيضا فِي التَّوْرَاةِ: «أُحَيْدٌ «6» » رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ «7» وَمَعْنَى «صَاحِبِ الْقَضِيبِ» أَيِ السَّيْفِ وَقَعَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي الْإِنْجِيلِ قَالَ: «مَعَهُ قَضِيبٌ من حديد يقاتل به،
وَأُمَّتُهُ كَذَلِكَ» وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ الْقَضِيبُ الْمَمْشُوقُ «1» الَّذِي كَانَ يُمْسِكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الْآنَ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ. وَأَمَّا: «الْهِرَاوَةُ» الَّتِي وُصِفَ بِهَا فَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْعَصَا. وَأَرَاهَا «2» - وَاللَّهُ أَعْلَمُ- الْعَصَا الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ الْحَوْضِ «أَذُودُ «3» النَّاسَ عَنْهُ بِعَصَايَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ «4» » . وَأَمَّا: «التَّاجُ» فَالْمُرَادُ بِهِ الْعِمَامَةُ، وَلَمْ تَكُنْ حِينَئِذٍ إِلَّا لِلْعَرَبِ، وَالْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ. وَأَوْصَافُهُ وَأَلْقَابُهُ وَسِمَاتُهُ فِي الْكُتُبِ كَثِيرَةٌ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهَا مَقْنَعٌ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- وَكَانَتْ كُنْيَتُهُ الْمَشْهُورَةُ أَبَا الْقَاسِمِ وَرُوِيَ «5» عَنْ أَنَسٍ «6» أَنَّهُ لما ولد له إِبْرَاهِيمُ «7» جَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يا أبا إبراهيم»
الفصل الرابع عشر في تشريف الله له بأسماء خاصة به تعالى تشريف الله تعالى له صلى الله عليه وسلم بما سماه من أسمائه الحسنى ووصفه به من صفاته العلى
الفصل الرابع عشر في تشريف الله له بأسماء خاصّة به تعالى تشريف الله تعالى له صلّى الله عليه وسلم بِمَا سَمَّاهُ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَوَصَفَهُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ الْعُلَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا أَحْرَى هَذَا الْفَصْلَ بِفُصُولِ الْبَابِ الْأَوَّلِ لِانْخِرَاطِهِ «1» فِي سِلْكِ «2» مَضْمُونِهَا، وَامْتِزَاجِهِ بِعَذْبِ مَعِينِهَا «3» ، لَكِنْ لَمْ يَشْرَحِ اللَّهُ الصَّدْرَ لِلْهِدَايَةِ إِلَى اسْتِنْبَاطِهِ، وَلَا أَنَارَ الْفِكْرَ لِاسْتِخْرَاجِ جَوْهَرِهِ وَالْتِقَاطِهِ إِلَّا عِنْدَ الْخَوْضِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ. فَرَأَيْنَا أَنْ نُضِيفَهُ إِلَيْهِ، وَنَجْمَعَ بِهِ شَمْلَهُ. فَاعْلَمْ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِكَرَامَةٍ خَلَعَهَا «4» عَلَيْهِمْ من أسمائه.
كتسمية: إسحق واسماعيل «بعليم «1» » «وحليم «2» » وإبراهيم ب «حليم «3» » ونوح ب «شكور «4» » وعيسى ويحيى ب «برّ «5» » وموسى ب «كريم «6» » و «قوي» ويوسف ب «حفيظ» «عليم «7» » وايوب ب «صابر «8» » واسماعيل ب «صادق الْوَعْدِ «9» » كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ مِنْ مواضع ذكرهم. وفضّل نبينا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ حَلَّاهُ «10» مِنْهَا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَعَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ بِعِدَّةٍ «11» كَثِيرَةٍ اجْتَمَعَ لَنَا مِنْهَا جُمْلَةٌ بَعْدَ إِعْمَالِ الْفِكْرِ وَإِحْضَارِ الذِّكْرِ، إِذْ لَمْ نَجِدُ مَنْ جَمَعَ مِنْهَا فَوْقَ اسْمَيْنِ، وَلَا مَنْ تَفَرَّغَ فِيهَا لِتَأْلِيفِ فَصْلَيْنِ، وَحَرَّرْنَا مِنْهَا فِي هذا الفصل نحو
ثَلَاثِينَ اسْمًا، وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا أَلْهَمَ إِلَى مَا عُلِمَ مِنْهَا وَحَقَّقَهُ يُتِمُّ النِّعْمَةَ بِإِبَانَةِ مَا لَمْ يُظْهِرْهُ لَنَا الْآنَ وَيَفْتَحُ غَلْقَهُ «1» . فَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: «الْحَمِيدُ» وَمَعْنَاهُ الْمَحْمُودُ، لِأَنَّهُ حَمِدَ نَفْسَهُ وَحَمَدَهُ عِبَادُهُ. وَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْحَامِدِ لِنَفْسِهِ وَلِأَعْمَالِ الطَّاعَاتِ وَسَمَّى النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم «محمدا» و «أحمد» «فَمُحَمَّدٌ» بِمَعْنَى مَحْمُودٍ، وَكَذَا وَقَعَ اسْمُهُ فِي زبر داوود.. «وَأَحْمَدُ» بِمَعْنَى أَكْبَرُ مَنْ حَمِدَ، وَأَجَلُّ مَنْ حمد.. وقد أشار إِلَى نَحْوِ هَذَا حَسَّانٌ «2» بِقَوْلِهِ: وَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا محمّد ومن أسمائه تعالى: «الرؤف الرّحيم» وهما بمعنى متقارب، وسماه في كتابه بذلك فقال: «بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «3» » وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: «الْحَقُّ الْمُبِينُ» وَمَعْنَى «الْحَقِّ» الْمَوْجُودُ وَالْمُتَحَقِّقُ أَمْرُهُ، وَكَذَلِكَ «الْمُبِينُ» أَيِ البيّن أمره وإلهيته «بان»
«وَأَبَانَ» بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْمُبَيِّنِ لِعِبَادِهِ أَمْرَ دِينِهِمْ وَمَعَادِهِمْ وَسَمَّى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: «حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ «1» » وقال: «وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ «2» » وقال: «قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ «3» » وقال: «فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ «4» . قِيلَ: مُحَمَّدٌ وَقِيلَ: الْقُرْآنُ.. وَمَعْنَاهُ هُنَا ضِدَّ الْبَاطِلِ، وَالْمُتَحَقِّقُ صِدْقُهُ وَأَمْرُهُ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ. «وَالْمُبِينُ» الْبَيِّنُ أَمْرُهُ وَرِسَالَتُهُ أَوِ الْمُبِينُ عَنِ الله تعالى مَا بَعَثَهُ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: «لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ «5» ..» وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى «النُّورُ» وَمَعْنَاهُ ذُو النُّورِ أَيْ خَالِقُهُ أَوْ مُنَوِّرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِالْأَنْوَارِ، وَمُنَوِّرُ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْهِدَايَةِ وَسَمَّاهُ: «نُورًا» فَقَالَ: «قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ «6» » . قيل: محمد وقيل: القرآن وقال فيه:
«وَسِراجاً مُنِيراً «1» » سمّي بذلك لوضوح أمره وبيان نبوّته، تنوير قلوب المؤمنين والعارفين بِمَا جَاءَ بِهِ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: «الشَّهِيدُ» وَمَعْنَاهُ الْعَالِمُ وَقِيلَ: الشَّاهِدُ عَلَى عِبَادِهِ يَوْمَ القيامة وسماه: «شهيدا» و «شاهدا» فقال: «إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً «2» » وقال: «وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «3» » وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: «الْكَرِيمُ» وَمَعْنَاهُ الْكَثِيرُ الْخَيْرِ، وَقِيلَ الْمُفَضَّلُ وَقِيلَ: الْعَفُوُّ. وَقِيلَ: الْعَلِيُّ. وَفِي الْحَدِيثِ «4» الْمَرْوِيِّ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى «الْأَكْرَمُ» وَسَمَّاهُ تَعَالَى «كَرِيمًا» بِقَوْلِهِ: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ «5» » قِيلَ: مُحَمَّدٌ وَقِيلَ: جِبْرِيلُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «أَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ» وَمَعَانِي الِاسْمِ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: «الْعَظِيمُ» .. وَمَعْنَاهُ الْجَلِيلُ الشَّأْنِ، الَّذِي كُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ.. وَقَالَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ
عَظِيمٌ «1» » وَوَقَعَ فِي أَوَّلِ سِفْرٍ «2» مِنَ التَّوْرَاةِ عَنْ اسماعيل «وسيلد عَظِيمًا لِأُمَّةٍ عَظِيمَةٍ، فَهُوَ عَظِيمٌ وَعَلَى خَلْقٍ عَظِيمٍ» . وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: «الْجَبَّارُ» وَمَعْنَاهُ الْمُصْلِحُ، وَقِيلَ الْقَاهِرُ، وَقِيلَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ الشَّأْنِ، وَقِيلَ الْمُتَكَبِّرُ، وَسُمِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتاب داوود. «بِجَبَّارٍ» فَقَالَ: تَقَلَّدْ أَيُّهَا الْجَبَّارُ سَيْفَكَ فَإِنَّ نَامُوسَكَ «3» وَشَرَائِعَكَ مَقْرُونَةٌ بِهَيْبَةِ يَمِينِكَ. وَمَعْنَاهُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا لِإِصْلَاحِهِ الْأُمَّةَ بِالْهِدَايَةِ وَالتَّعْلِيمِ أَوْ لِقَهْرِهِ أَعْدَاءَهُ، أَوْ لِعُلُوِّ مُنْزِلَتِهِ عَلَى الْبَشَرِ، وَعَظِيمِ خَطَرِهِ.. وَنَفَى عَنْهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ جَبْرِيَّةَ التَّكَبُّرِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ فَقَالَ: «وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ «4» » . وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: «الْخَبِيرُ» وَمَعْنَاهُ الْمُطَّلِعُ بِكُنْهِ «5» الشَّيْءِ، الْعَالِمُ بِحَقِيقَتِهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُخْبِرُ وَقَالَ الله تعالى: «الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً «6» » .
قال الْقَاضِي بَكْرُ «1» بْنُ الْعَلَاءِ الْمَأْمُورُ بِالسُّؤَالِ غَيْرُ النبي صلّى الله عليه وسلم والمسؤول الْخَبِيرُ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلِ السَّائِلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم. والمسؤول هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. فَالنَّبِيُّ «خَبِيرٌ» بِالْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. قِيلَ: لِأَنَّهُ عَالِمٌ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الْعِلْمِ بِمَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ مِنْ مَكْنُونِ عِلْمِهِ، وَعَظِيمِ مَعْرِفَتِهِ، مُخْبِرٌ لِأُمَّتِهِ بِمَا أَذِنَ لَهُ فِي إِعْلَامِهِمْ بِهِ.. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: «الْفَتَّاحُ» وَمَعْنَاهُ الْحَاكِمُ بَيْنَ عِبَادِهِ، أَوْ فَاتِحُ أَبْوَابِ الرِّزْقِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمُنْغَلِقِ مِنْ أُمُورِهِمْ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَفْتَحُ قلوبهم وبصائرهم بمعرفة الْحَقِّ.. وَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى النَّاصِرِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ «2» » أَيْ: إِنْ تَسْتَنْصِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ النَّصْرُ. وَقِيلَ: معناه مبتدىء الفتح والنصر وسمى الله تعالى نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلم ب «الفاتح» فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ الطَّوِيلِ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ «3» بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ «4» وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ مِنْ قول الله تعالى: «وجعلتك
فَاتِحًا وَخَاتَمًا» . وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَنَائِهِ عَلَى رَبِّهِ وَتَعْدِيدِ مَرَاتِبِهِ: وَرَفَعَ لِي ذِكْرِي، وَجَعَلَنِي فَاتِحًا وَخَاتَمًا. فَيَكُونُ الْفَاتِحُ هُنَا: بِمَعْنَى الْحَاكِمِ، أَوِ الفاتح لأبواب الرحمة على أمته، والفاتح لبصائرهم بمعرفة الحق، الإيمان بالله، أو الناصر للحق، أو المبتدىء بهداية الأمة، أو المبدّأ «1» الْمُقَدَّمُ فِي الْأَنْبِيَاءِ، وَالْخَاتِمُ لَهُمْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : كُنْتُ أَوَّلَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ: «الشَّكُورُ» وَمَعْنَاهُ الْمُثِيبُ عَلَى الْعَمَلِ الْقَلِيلِ وَقِيلَ: الْمُثْنِي عَلَى الْمُطِيعِينَ.. وَوَصَفَ بِذَلِكَ نَبِيَّهُ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: «إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً «3» » وَقَدْ وَصَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ «4» : «أَفَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً» أي معترفا بنعم رَبِّي، عَارِفًا بِقَدْرِ ذَلِكَ، مُثْنِيًا عَلَيْهِ، مُجْهِدًا نفسي في الزيادة من ذلك. لقوله «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ «5» » .
ومن أسمائه تعالى: «العليم» و «العلّام» و «عالم الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ» ، وَوَصَفَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالعلم، وخصه بمزية منه فقال: «وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً «1» وقال «وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ «2» » . ومن أسمائه: «الأوّل» و «الآخر» وَمَعْنَاهُمَا السَّابِقُ لِلْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُجُودِهَا وَالْبَاقِي بَعْدَ فَنَائِهَا وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ وَلَا آخِرٌ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «كُنْتُ أَوَّلَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ» وَفُسِّرَ بِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ «4» » فَقَدَّمَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ أَشَارَ إِلَى نَحْوٍ مِنْهُ عُمَرُ «5» بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه «6»
وَمِنْهُ قَوْلُهُ «1» : «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ» . وَقَوْلُهُ «2» : «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ، وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَآخِرُ الرُّسُلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم» . ومن أسمائه تعالى: «القويّ» و «ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» وَمَعْنَاهُ الْقَادِرُ وَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فَقَالَ: «ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ «3» قِيلَ: مُحَمَّدٌ، وَقِيلَ: جِبْرِيلُ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: «الصَّادِقُ» فِي الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ «4» ، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «5» أَيْضًا اسْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بِالصَّادِقِ المصدوق» . ومن أسمائه تعالى: «الولي» و «المولى» ومعناهما الناصر. وقد قال تعالى: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ «6» » . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» : «أَنَا وَلِيُّ كلّ مؤمن» .
وقال الله تعالى: «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ «1» » . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» . وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: «الْعَفُوُّ» وَمَعْنَاهُ الصَّفُوحُ.. وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا نَبِيَّهُ فِي الْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ، وَأَمَرَهُ بِالْعَفْوِ فَقَالَ: «خُذِ الْعَفْوَ» «3» وقال: «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ «4» » . وَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ: «خُذِ الْعَفْوَ» قَالَ: «أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ» وَقَالَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي صِفَتِهِ «5» : «لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ» . وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: «الْهَادِي» وَهُوَ بِمَعْنَى تَوْفِيقِ اللَّهِ لِمَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ وَبِمَعْنَى الدَّلَالَةِ والدعاء. قال الله تعالى: «وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «6» » .
وأصل الجميع من الميل، وقيل من التقديم، وقيل في تَفْسِيرِ طه: إِنَّهُ يَا طَاهِرُ، يَا هَادِي يعني النبي صلّى الله عليه وسلم.. وقال تعالى له: «وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «1» » وقال فيه: «وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ «2» » فالله تعالى مختص بالمعنى الأول، قال الله تَعَالَى: «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ «3» » وَبِمَعْنَى الدَّلَالَةِ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى.. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: «الْمُؤْمِنُ» «الْمُهَيْمِنُ» قِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَمَعْنَى «الْمُؤْمِنِ» فِي حَقِّهِ تَعَالَى الْمُصَدِّقُ وَعْدَهُ عِبَادَهُ، وَالْمُصَدِّقُ قَوْلَهُ الْحَقَّ، وَالْمُصَدِّقُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَرُسُلِهِ. وَقِيلَ: الْمُوَحِّدُ نَفْسَهُ وَقِيلَ: الْمُؤْمِنُ عِبَادَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ ظُلْمِهِ، وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ عَذَابِهِ، وَقِيلَ: «الْمُهَيْمِنُ» بِمَعْنَى الْأَمِينِ مُصَغَّرٌ مِنْهُ «4» فَقُلِبَتِ الْهَمْزَةُ هَاءً.. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُمْ فِي الدُّعَاءِ «آمِينَ» إِنَّهُ اسْمٌ
مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «1» ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْمُؤْمِنِ وَقِيلَ: «الْمُهَيْمِنُ» بِمَعْنَى الشَّاهِدِ وَالْحَافِظِ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِينٌ وَمُهَيْمِنٌ وَمُؤْمِنٌ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمِينًا فَقَالَ: «مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ «2» » وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ «بِالْأَمِينِ» ، وَشُهِرَ بِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا. وَسَمَّاهُ الْعَبَّاسُ «3» فى شعره مهيمنا في قوله: ثم اغتدى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النطق قِيلَ الْمُرَادُ: يَا أَيُّهَا الْمُهَيْمِنُ.. قَالَهُ الْقُتَيْبِيُّ «4» ، وَالْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ «5» الْقُشَيْرِيُّ.. وَقَالَ تَعَالَى: «يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ «6» » أي
يُصَدِّقُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» «أَنَا آمِنَةٌ «2» لِأَصْحَابِي» فَهَذَا بِمَعْنَى الْمُؤْمِنِ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: «الْقُدُّوسُ» وَمَعْنَاهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ النَّقَائِصِ الْمُطَهَّرُ عن سِمَاتِ الْحَدَثِ، وَسُمِّيَ «بَيْتُ الْمَقْدِسِ» لِأَنَّهُ يُتَطَهَّرُ فيه من الذنوب، ومنه «الوادي المقدس» و «روح القدس» وقع فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ فِي أَسْمَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمُقَدَّسُ» أَيِ الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «3» » أَوِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَيُتَنَزَّهُ باتباعه عنها.. كما قال تعالى: «وَيُزَكِّيهِمْ «4» .. وقال «وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ «5» » أَوْ يَكُونُ مُقَدَّسًا بِمَعْنَى مُطَهَّرًا مِنَ الْأَخْلَاقِ الذميمة والأوصاف الدنيّة.. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى «الْعَزِيزُ» وَمَعْنَاهُ الْمُمْتَنِعُ الْغَالِبُ.. أو الذي
لَا نَظِيرَ لَهُ، أَوِ الْمُعِزُّ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ تعالى: «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ «1» » أَيْ الِامْتِنَاعُ وَجَلَالَةُ الْقَدْرِ. وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ بِالْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ فَقَالَ: «يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ «2» » وقال: «أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى «3» » و «بِكَلِمَةٍ مِنْهُ «4» » وسماه الله تعالى مبشرا ونذيرا وبشيرا..- أَيْ مُبَشِّرًا لِأَهْلِ طَاعَتِهِ «وَنَذِيرًا» لِأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: «طه» «ويسن» وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا أَنَّهُمَا مِنْ أَسْمَاءِ محمد صلّى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم.
الفصل الخامس عشر استدراك في صفات الخالق والمخلوق
الْفَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ اسْتِدْرَاكٌ فِي صِفَاتِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَهَا أَنَا أَذْكُرُ نُكْتَةً «1» أُذَيِّلُ بِهَا هَذَا الْفَصْلَ، وَأَخْتِمُ بِهَا هَذَا الْقِسْمَ، وَأُزِيحُ الْإِشْكَالَ بِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ كُلِّ ضَعِيفِ الوهم، سقيم الفهم، يخلّصه مِنْ مَهَاوِي «2» التَّشْبِيهِ، وَتُزَحْزِحُهُ عَنْ شُبَهِ التَّمْوِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ اسْمُهُ فِي عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَمَلَكُوتِهِ، وَحُسْنَى أَسْمَائِهِ، وَعُلِيِّ صِفَاتِهِ، لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَلَا يُشَبَّهُ بِهِ، وَأَنَّ مَا جَاءَ مِمَّا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ عَلَى الْخَالِقِ وَعَلَى الْمَخْلُوقِ فَلَا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي
إِذْ صِفَاتُ الْقَدِيمِ بِخِلَافِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ.. فَكَمَا أنّ ذاته تعالى لا تشبه الدّوات، كَذَلِكَ صِفَاتُهُ لَا تُشْبِهُ صِفَاتَ الْمَخْلُوقِينَ، إِذْ صِفَاتُهُمْ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْأَعْرَاضِ «1» وَالْأَغْرَاضِ «2» وَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ لَمْ يَزَلْ بِصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ. وَكَفَى فِي هَذَا قَوْلُهُ: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «3» .. وَلِلَّهِ دَرُّ «4» مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ الْمُحَقِّقِينَ: «التَّوْحِيدُ إِثْبَاتُ ذَاتٍ غَيْرِ مُشْبِهَةٍ لِلذَّوَاتِ وَلَا مُعَطَّلَةٍ عَنِ الصِّفَاتِ» . وَزَادَ هَذِهِ النُّكْتَةَ الْوَاسِطِيُّ «5» رَحِمَهُ اللَّهُ بَيَانًا وَهِيَ مَقْصُودُنَا فَقَالَ: لَيْسَ كَذَاتِهِ ذَاتٌ، وَلَا كَاسْمِهِ اسْمٌ وَلَا كَفِعْلِهِ فِعْلٌ، وَلَا كَصِفَتِهِ صِفَةٌ إِلَّا مِنْ جِهَةِ مُوَافَقَةِ اللَّفْظِ اللَّفْظَ. وَجَلَّتِ الذَّاتُ الْقَدِيمَةُ أَنْ تَكُونَ لَهَا صِفَةٌ حَدِيثَةٌ، كَمَا اسْتَحَالَ
أَنْ تَكُونَ لِلذَّاتِ الْمُحْدَثَةِ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.. وَقَدْ فَسَّرَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ «1» الْقُشَيْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلَهُ هَذَا لِيَزِيدَهُ بَيَانًا فَقَالَ: هَذِهِ الْحِكَايَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى جَوَامِعِ مَسَائِلِ التَّوْحِيدِ وَكَيْفَ تُشْبِهُ ذَاتُهُ ذَاتَ الْمُحْدَثَاتِ وَهِيَ بِوُجُودِهَا مُسْتَغْنِيَةٌ!! .. وَكَيْفَ يُشْبِهُ فِعْلُهُ فِعْلَ الْخَلْقِ، وَهُوَ لِغَيْرِ جَلْبِ أُنْسٍ أَوْ دَفْعِ نَقْصٍ حصل، ولا يخواطر وَأَغْرَاضٍ وُجِدَ وَلَا بِمُبَاشَرَةٍ وَمُعَالَجَةٍ ظَهَرَ، وَفِعْلُ الْخَلْقِ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ. وَقَالَ آخَرُ «2» مِنْ مَشَايِخِنَا: مَا تَوَهَّمْتُمُوهُ بِأَوْهَامِكُمْ، أَوْ أَدْرَكْتُمُوهُ بِعُقُولِكُمْ فَهُوَ مُحْدَثٌ مِثْلُكُمْ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي «3» الْجُوَيْنِيُّ: مَنِ اطْمَأَنَّ إِلَى مَوْجُودٍ انْتَهَى إِلَيْهِ فِكْرُهُ فَهُوَ مُشَبِّهٌ «4» وَمَنِ اطْمَأَنَّ إلى النفي المحض فهو
مُعَطِّلٌ «1» وَإِنْ قَطَعَ بِمَوْجُودٍ اعْتَرَفَ بِالْعَجْزِ عَنْ دَرْكِ حَقِيقَتِهِ فَهُوَ مُوَحِّدٌ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ذِي «2» النُّونِ الْمِصْرِيِّ «حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَشْيَاءِ بِلَا عِلَاجٍ «3» ، وَصُنْعَهُ لَهَا بِلَا مِزَاجٍ «4» وَعِلَّةُ كُلِّ شَيْءٍ صُنْعُهُ وَلَا عِلَّةَ لِصُنْعِهِ «5» . وَمَا تُصُوِّرَ فِي وَهْمِكَ فَاللَّهُ بِخِلَافِهِ» وَهَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ نَفِيسٌ مُحَقَّقٌ وَالْفَصْلُ الْآخَرُ «6» تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «7» . والثاني «8» تفسير لقوله: «لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ «9» » وَالثَّالِثُ «10» تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: «إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ
نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «1» » . ثبّتنا الله وإياك من التَّوْحِيدِ وَالْإِثْبَاتِ وَالتَّنْزِيهِ وَجَنَّبَنَا طَرَفَيِ الضَّلَالَةِ وَالْغَوَايَةِ من التعطيل والتشبيه بمنّه ورحمته.
الباب الرابع فيما أظهره الله على يديه منه المعجزات وشرفه به من الخصائص والكرامات وفيه ثلاثون فصلا
الباب الرابع فيما أظهره الله على يديه منه الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ وَالْكَرَامَاتِ وَفِيهِ ثلاثون فصلا
الفصل الأول مقدمة
الفصل الأوّل مقدّمة قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ: حَسْبُ الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ يُحَقِّقَ أَنَّ كِتَابَنَا هَذَا لَمْ نَجْمَعْهُ لِمُنْكِرِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا لِطَاعِنٍ فِي مُعْجِزَاتِهِ، فَنَحْتَاجُ إِلَى نَصْبِ الْبَرَاهِينِ عَلَيْهَا، وَتَحْصِينِ حَوْزَتِهَا «1» حَتَّى لَا يَتَوَصَّلَ الْمُطَاعِنُ إِلَيْهَا، وَنَذْكُرُ شُرُوطَ الْمُعْجِزِ، وَالتَّحَدِّي وَحْدَهُ، وَفَسَادُ قَوْلِ مَنْ أَبْطَلَ نَسْخَ الشَّرَائِعِ وَرَدُّهُ. بَلْ أَلَّفْنَاهُ لِأَهْلِ مِلَّتِهِ الْمُلَبِّينَ لِدَعْوَتِهِ، الْمُصَدِّقِينَ لِنُبُوَّتِهِ لِيَكُونَ تَأْكِيدًا فِي مَحَبَّتِهِمْ لَهُ، وَمَنْمَاةً لِأَعْمَالِهِمْ، و «لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ «2» » .
وَنِيَّتُنَا أَنْ نُثْبِتَ فِي هَذَا الْبَابِ أُمَّهَاتِ مُعْجِزَاتِهِ، وَمَشَاهِيرَ آيَاتِهِ، لِتَدُلَّ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهِ عِنْدَ رَبِّهِ. وَأَتَيْنَا مِنْهَا بِالْمُحَقَّقِ وَالصَّحِيحِ الْإِسْنَادِ، وَأَكْثَرُهُ مِمَّا بَلَغَ الْقَطْعَ أَوْ كَادَ، وَأَضَفْنَا إِلَيْهَا بَعْضَ مَا وَقَعَ فِي مَشَاهِيرِ كُتُبِ الْأَئِمَّةِ. وَإِذَا تَأَمَّلَ الْمُتَأَمِّلُ الْمُنْصِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَمِيلِ أَثَرِهِ، وَحَمِيدِ سِيَرِهِ، وَبَرَاعَةِ عِلْمِهِ، وَرَجَاحَةِ عَقْلِهِ وَحِلْمِهِ، وَجُمْلَةِ كَمَالِهِ، وَجَمِيعِ خِصَالِهِ، وَشَاهِدِ حَالِهِ، وَصَوَابِ مَقَالِهِ، لَمْ يَمْتَرِ «1» فِي صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ، وَصِدْقِ دَعْوَتِهِ. وَقَدْ كَفَى هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ فِي إِسْلَامِهِ، وَالْإِيمَانِ بِهِ، فَرَوَيْنَا عَنِ التِّرْمِذِيِّ «2» وَابْنِ قَانِعٍ «3» وَغَيْرِهِمَا بِأَسَانِيدِهِمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ «4» قَالَ «5» : «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جِئْتُهُ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أن وجهه ليس بوجه كذّاب» .
وَعَنْ «1» أَبِي رِمْثَةَ «2» التَّيْمِيِّ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي ابْنٌ لِي فَأُرِيتُهُ «3» فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قُلْتُ: هَذَا نَبِيُّ اللَّهِ.. وَرَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ: أَنَّ ضِمَادًا «4» لَمَّا وَفَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» . قَالَ لَهُ: «أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هؤلاء فلقد بلغن قَامُوسَ «5» الْبَحْرِ.. هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ» . وَقَالَ «6» جَامِعُ «7» بْنُ شَدَّادٍ: كَانَ رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ: طارق «8»
فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ «1» : هَلْ مَعَكُمْ شَيْءٌ تَبِيعُونَهُ؟ قُلْنَا: هَذَا الْبَعِيرُ. قَالَ: بِكَمْ؟ قُلْنَا: بِكَذَا وَكَذَا وَسْقًا «2» مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ «3» وَسَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ.. فَقُلْنَا: بِعْنَا مِنْ رَجُلٍ لَا نَدْرِي مَنْ هُوَ وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ «4» فَقَالَتْ: أَنَا ضَامِنَةٌ لِثَمَنِ الْبَعِيرِ.. رَأَيْتُ وَجْهَ رَجُلٍ مِثْلَ القمر ليلة البدر.. لا يخيس «5» بكم. فَأَصْبَحْنَا فَجَاءَ رَجُلٌ بِتَمْرٍ فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ هَذَا التَّمْرِ وَتَكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا فَفَعَلْنَا. وَفِي خَبَرِ الْجُلَنْدِيِّ «6» مَلِكِ عَمَّانَ لَمَّا بَلَغَهُ «7» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ قَالَ الْجُلَنْدِيُّ: «وَاللَّهِ لَقَدْ دَلَّنِي عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِخَيْرٍ إِلَّا كَانَ أَوَّلَ آخِذٍ بِهِ، وَلَا يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ إِلَّا كَانَ أَوَّلَ تَارِكٍ لَهُ.. وَأَنَّهُ يَغْلِبُ فلا يبطر، ويغلب فلا
يَضْجَرُ، وَيَفِي بِالْعَهْدِ وَيُنْجِزُ الْمَوْعُودَ.. وَأَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ» . وَقَالَ نِفْطَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ «1» » هَذَا مَثَلٌ ضَرْبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَكَادُ مَنْظَرُهُ يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتْلُ قُرْآنًا كَمَا قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ «2» : لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنَةٌ ... لَكَانَ مَنْظَرُهُ يُنْبِيكَ «3» بِالْخَبَرِ وَقَدْ آنَ أَنْ نَأْخُذَ فِي ذِكْرِ النُّبُوَّةِ وَالْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَبَعْدَهُ فِي مُعْجِزَةِ الْقُرْآنِ، وَمَا فِيهِ من برهان ودلالة.
الفصل الثاني بين النبوة والرسالة
الْفَصْلُ الثَّانِي بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ اسْمُهُ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَالْعِلْمِ بِذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَجَمِيعِ تَكْلِيفَاتِهِ ابْتِدَاءً دُونَ وَاسِطَةٍ لَوْ شَاءَ كَمَا حُكِيَ عَنْ سُنَّتِهِ فِي بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ. وذكره بعض أهل التفسير في قوله: «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً «1» » . وَجَائِزٌ أَنْ يُوصِلَ إِلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ بِوَاسِطَةٍ تُبَلِّغُهُمْ كَلَامَهُ، وَتَكُونُ تِلْكَ الْوَاسِطَةُ إِمَّا مِنْ غَيْرِ الْبَشَرِ. كَالْمَلَائِكَةِ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ مِنْ جِنْسِهِمْ كَالْأَنْبِيَاءِ مَعَ الْأُمَمِ. وَلَا مَانِعَ لِهَذَا مِنْ دَلِيلِ الْعَقْلِ. - وَإِذَا جَازَ هَذَا وَلَمْ يَسْتَحِلْ، وَجَاءَتِ الرُّسُلُ بِمَا دَلَّ عَلَى صِدْقِهِمْ من معجزاتهم وَجَبَ تَصْدِيقُهُمْ فِي جَمِيعِ مَا أَتَوْا بِهِ. - لِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ مَعَ التَّحَدِّي مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ مَقَامَ قَوْلِ اللَّهِ:
«صَدَقَ عَبْدِي فَأَطِيعُوهُ وَاتَّبِعُوهُ» وَشَاهِدٌ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا يَقُولُهُ، وَهَذَا كَافٍ.. وَالتَّطْوِيلُ فِيهِ خَارِجٌ عَنِ الْغَرَضِ. فَمَنْ أَرَادَ تَتَبُّعَهُ وَجَدَهُ مُسْتَوْفًى فِي مُصَنَّفَاتِ أَئِمَّتِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ. فَالنُّبُوَّةُ: فِي لُغَةِ مَنْ هَمَزَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ النَّبَأِ، وَهُوَ الخبر وقد لا يهمز عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَسْهِيلًا. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَعَهُ عَلَى غَيْبِهِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ نَبِيُّهُ فَيَكُونُ نَبِيٌّ (مُنَبَّأً) فَعِيلٌ بِمَعْنَى (مَفْعُولٍ) أَوْ يَكُونُ مُخْبِرًا عَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَمُنَبِّئًا بِمَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَيَكُونُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَهْمِزْهُ مِنَ النُّبُوَّةِ. وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ رُتْبَةً شَرِيفَةً وَمَكَانَةً نَبِيهَةً عِنْدَ مَوْلَاهُ مَنِيفَةً «2» .. فَالْوَصْفَانِ فِي حَقِّهِ مُؤْتَلِفَانِ. وَأَمَّا الرَّسُولُ فَهُوَ الْمُرْسَلُ، وَلَمْ يَأْتِ فَعُولٌ بِمَعْنَى مُفْعَلٍ فِي اللُّغَةِ إِلَّا نَادِرًا.. وَإِرْسَالُهُ أَمْرُ اللَّهِ لَهُ بِالْإِبْلَاغِ إِلَى مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ التَّتَابُعِ.. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: جَاءَ النَّاسُ أرسالا.. إذا تبع بَعْضُهُمْ بَعْضًا.. فَكَأَنَّهُ أُلْزِمَ تَكْرِيرَ التَّبْلِيغِ.. أَوْ ألزمت
الْأُمَّةُ اتِّبَاعَهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلِ النَّبِيُّ وَالرَّسُولُ بِمَعْنًى أَوْ بِمَعْنَيَيْنِ فَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ وَأَصْلُهُ مِنَ الْإِنْبَاءِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ «1» » فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُمَا مَعًا الْإِرْسَالَ قَالَ: وَلَا يَكُونُ النَّبِيُّ إِلَّا رَسُولًا وَلَا الرَّسُولُ إِلَّا نَبِيًّا. وَقِيلَ: هُمَا مُفْتَرِقَانِ مِنْ وَجْهٍ.. إِذْ قَدِ اجْتَمَعَا فِي النُّبُوَّةِ الَّتِي هِيَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْغَيْبِ، وَالْإِعْلَامُ بِخَوَاصِّ النُّبُوَّةِ أَوِ الرِّفْعَةِ لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَحَوْزِ دَرَجَتِهَا.. - وَافْتَرَقَا فِي زِيَادَةِ الرسالة للرسول.. وهو الْأَمْرُ بِالْإِنْذَارِ وَالْإِعْلَامِ كَمَا قُلْنَا، وَحُجَّتُهُمْ مِنَ الْآيَةِ نَفْسِهَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ، وَلَوْ كَانَا شيئا واحدا لما حسن تكرار هما فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ. قَالُوا وَالْمَعْنَى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَى أُمَّةٍ، أَوْ نَبِيٍّ وَلَيْسَ بِمُرْسَلٍ إِلَى أَحَدٍ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أنّ الرسول قد جَاءَ بِشَرْعٍ مُبْتَدَأٍ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَبِيٌّ غَيْرُ رَسُولٍ. وَإِنْ أُمِرَ بِالْإِبْلَاغِ وَالْإِنْذَارِ. وَالصَّحِيحُ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَّاءُ الْغَفِيرُ «2» : أَنَّ كُلَّ رسول نبيّ
وَلَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولًا وَأَوَّلُ الرُّسُلِ: آدَمُ وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي حَدِيثِ «1» أَبِي ذَرٍّ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ الأنبياء مئة أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ» وَذَكَرَ أَنَّ الرسل منهم ثلاث مئة وَثَلَاثَةَ عَشَرَ أَوَّلُهُمْ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَدْ بَانَ لَكَ مَعْنَى النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَلَيْسَتَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ذَاتًا لِلنَّبِيِّ «3» .. وَلَا وَصْفَ ذَاتٍ «4» .. خِلَافًا لِلْكَرَّامِيَّةِ «5» ، فِي تَطْوِيلٍ لَهُمْ وَتَهْوِيلٍ، لَيْسَ عَلَيْهِ تَعْوِيلٌ.. وَأَمَّا الْوَحْيُ: فَأَصْلُهُ الْإِسْرَاعُ.. فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ يَتَلَقَّى مَا يَأْتِيهِ مِنْ رَبِّهِ بِعَجَلٍ سُمِّيَ وَحْيًا.. وَسُمِّيَتْ أَنْوَاعُ الْإِلْهَامَاتِ وَحْيًا تَشْبِيهًا بِالْوَحْيِ إِلَى النَّبِيِّ وَسُمِّيَ الْخَطُّ «وَحْيًا» لِسُرْعَةِ حركة يد
كَاتِبِهِ «وَوَحْيُ الْحَاجِبِ وَاللَّحْظِ «1» » سُرْعَةُ إِشَارَتِهِمَا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا «2» » أَيْ أَوْمَأَ وَرَمَزَ وَقِيلَ كَتَبَ.. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ الْوَحَا.. الْوَحَا «3» .. أَيِ السُّرْعَةَ.. السُّرْعَةَ وَقِيلَ: أَصْلُ الْوَحْيِ السِّرُّ وَالْإِخْفَاءُ.. وَمِنْهُ سُمِّيَ الْإِلْهَامُ وَحْيًا.. ومنه قوله تعالى: «وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ «4» » أَيْ يُوَسْوِسُونَ فِي صُدُورِهِمْ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: «وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى «5» » أَيْ أُلْقِيَ فِي قَلْبِهَا وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً «6» » أَيْ مَا يُلْقِيهِ فِي قَلْبِهِ دُونَ وَاسِطَةٍ.
الفصل الثالث معنى المعجزات
الفصل الثالث معنى المعجزات إعلم أنّ معنى تَسْمِيَتَنَا مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ «مُعْجِزَةً» - هُوَ أنّ الخلق عجزوا عن الإثبات بِمِثْلِهَا وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: - ضَرْبٌ هُوَ مِنْ نَوْعِ قُدْرَةِ الْبَشَرِ فَعَجَزُوا عَنْهُ فَتَعْجِيزُهُمْ عَنْهُ فِعْلٌ لِلَّهِ دَلَّ عَلَى صِدْقِ نَبِيِّهِ كَصَرْفِهِمْ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ «1» وَتَعْجِيزِهِمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ القرآن على رأي بعضهم «2» ونحوه.
- وضرب هو خارج عن قدرتهم، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى «1» ، وَقَلْبِ الْعَصَا «2» حَيَّةً، وَإِخْرَاجِ نَاقَةٍ مِنْ صَخْرَةٍ «3» وَكَلَامِ شَجَرَةٍ «4» وَنَبْعِ الْمَاءِ مِنَ الْأَصَابِعِ «5» ، وَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ «6» ، مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَهُ أَحَدٌ إلّا الله فيكون ذَلِكَ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحَدِّيهِ مَنْ يُكَذِّبُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ تَعْجِيزٌ لَهُ وَاعْلَمْ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَى يَدِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَلَائِلَ نَبُّوَّتِهِ وَبَرَاهِينَ صِدْقِهِ مِنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مَعًا. - وَهُوَ أَكْثَرُ الرُّسُلِ مُعْجِزَةً وَأَبْهَرُهُمْ آيَةً وَأَظْهَرُهُمْ بُرْهَانًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَهِيَ فِي كَثْرَتِهَا لَا يُحِيطُ بِهَا ضَبْطٌ فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْهَا وَهُوَ «الْقُرْآنُ» لَا يُحْصَى عَدَدُ مُعْجِزَاتِهِ بِأَلْفٍ وَلَا أَلْفَيْنِ وَلَا أَكْثَرَ.. لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَحَدَّى بِسُورَةٍ مِنْهُ فَعُجِزَ عَنْهَا أَهْلُ الْعِلْمِ.. وَأَقْصَرُ السُّوَرِ «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ «1» » فكل آية منه أَوْ آيَاتٍ مِنْهُ بِعَدَدِهَا وَقَدْرِهَا مُعْجِزَةٌ.. ثُمَّ فيها نفسها معجزات على ما سنفعله فِيمَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ. ثُمَّ مُعْجِزَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قِسْمَيْنِ: - قِسْمٌ مِنْهَا عُلِمَ قَطْعًا وَنُقِلَ إِلَيْنَا مُتَوَاتِرًا كَالْقُرْآنِ فَلَا مِرْيَةَ وَلَا خِلَافَ بِمَجِيءِ النَّبِيِّ بِهِ وظهووه مِنْ قِبَلِهِ وَاسْتِدْلَالِهِ بِحُجَّتِهِ.. وَإِنْ أَنْكَرَ هَذَا مُعَانِدٌ جَاحِدٌ فَهُوَ كَإِنْكَارِهِ وُجُودَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا.. وَإِنَّمَا جَاءَ اعْتِرَاضُ الْجَاحِدِينَ فِي الْحُجَّةِ بِهِ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ وَجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ مُعْجِزٍ مَعْلُومٌ ضرورة، ووجه إعجازه معلوم ضرورة
وَنَظَرًا كَمَا سَنَشْرَحُهُ.. قَالَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا «1» وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ قَدْ جَرَى عَلَى يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَاتٌ وَخَوَارِقُ عَادَاتٍ إِنْ لَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ مِنْهَا معينا القطع فيبلغها جَمِيعُهَا فَلَا مِرْيَةَ فِي جَرَيَانِ مَعَانِيهَا عَلَى يَدَيْهِ وَلَا يَخْتَلِفُ مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ أَنَّهُ جَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ عَجَائِبُ.. وَإِنَّمَا خِلَافُ الْمُعَانِدِ فِي كَوْنِهَا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ.. وَقَدْ قَدَّمْنَا كَوْنَهَا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ.. وَإِنَّ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ «صَدَقْتَ» فَقَدْ عُلِمَ وُقُوعُ مِثْلِ هَذَا أَيْضًا مِنْ نَبِيِّنَا ضَرُورَةً لِاتِّفَاقِ مَعَانِيهَا، كَمَا يُعْلَمُ ضَرُورَةً جُودُ حَاتِمٍ «2» وَشَجَاعَةُ عَنْتَرَةَ «3» ، وَحِلْمُ أَحْنَفَ «4» .. لِاتِّفَاقِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.. عَلَى كَرَمِ هَذَا وَشَجَاعَةِ هَذَا.. وَحِلْمِ هَذَا.. وَإِنْ كَانَ كُلُّ خَبَرٍ بِنَفْسِهِ لَا يوجب العلم، ولا يقطع بصحته
- وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الضَّرُورَةِ وَالْقَطْعِ.. وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ. - نَوْعٌ مُشْتَهِرٌ مُنْتَشِرٌ.. رَوَاهُ الْعَدَدُ وَشَاعَ الْخَبَرُ بِهِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالرُّوَاةِ وَنَقَلَةِ السِّيَرِ وَالْأَخْبَارِ.. كَنَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ، وَتَكْثِيرِ الطَّعَامِ. - وَنَوْعٌ مِنْهُ اخْتُصَّ بِهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ.. وَرَوَاهُ الْعَدَدُ الْيَسِيرُ وَلَمْ يَشْتَهِرِ اشْتِهَارَ غَيْرِهِ.. لَكِنَّهُ إِذَا جُمِعَ إِلَى مِثْلِهِ اتَّفَقَا فِي الْمَعْنَى وَاجْتَمَعَا عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْمُعْجِزِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ: وَأَنَا أَقُولُ- صَدْعًا بِالْحَقِّ- إِنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْلُومَةٌ بِالْقَطْعِ. أَمَّا انْشِقَاقُ الْقَمَرِ فَالْقُرْآنُ نَصَّ بِوُقُوعِهِ، وَأَخْبَرَ عَنْ وُجُودِهِ، وَلَا يُعْدَلُ عَنْ ظَاهِرٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ.. وَجَاءَ بِرَفْعِ احْتِمَالِهِ صَحِيحُ الْأَخْبَارِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَلَا يُوهِنُ عَزْمَنَا خِلَافُ أَخْرَقَ «1» مُنْحَلِّ عُرَى الدِّينِ.. وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى سَخَافَةِ مُبْتَدِعٍ يُلْقِي الشَّكَّ عَلَى قلوب ضعفاء المؤمنين.. بل نرغم بهذا أنفه وننبذ بالعراء سخفه
وَكَذَلِكَ قِصَّةُ نَبْعِ الْمَاءِ وَتَكْثِيرِ الطَّعَامِ: رَوَاهَا الثِّقَاتُ وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ عَنِ الْجَمَّاءِ الْغَفِيرِ عَنِ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ مِنَ الصَّحَابَةِ.. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْكَافَّةِ مُتَّصِلًا عَمَّنْ حَدَّثَ بِهَا مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَأَخْيَارِهِمْ.. أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَوْطِنِ اجْتِمَاعِ الْكَثِيرِ مِنْهُمْ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ «1» ، وَفِي غَزْوَةِ بُوَاطٍ «2» .. وَعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ «3» وَغَزْوَةِ تَبُوكَ «4» وَأَمْثَالِهَا مِنْ مَحَافِلِ «5» الْمُسْلِمِينَ وَمَجْمَعِ الْعَسَاكِرِ.. وَلَمْ يُؤْثَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مُخَالَفَةٌ لِلرَّاوِي فِيمَا حكاه.. ولا إنكار عما
ذكر عنهم أنهم رأوه كما رواه.. فسكوت الساكت منهم كنطق الناطق.. إذهم الْمُنَزَّهُونَ عَنِ السُّكُوتِ عَلَى بَاطِلٍ.. وَالْمُدَاهَنَةِ فِي كَذِبٍ.. وَلَيْسَ هُنَاكَ رَغْبَةٌ وَلَا رَهْبَةٌ تَمْنَعُهُمْ.. وَلَوْ كَانَ مَا سَمِعُوهُ مُنْكَرًا عِنْدَهُمْ وَغَيْرَ مَعْرُوفٍ لَدَيْهِمْ لَأَنْكَرُوهُ كَمَا أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَشْيَاءَ رَوَاهَا مِنَ السُّنَنِ وَالسِّيَرِ وَحُرُوفِ «1» الْقُرْآنِ. وَخَطَّأَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَوَهَّمَهُ فِي ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ. - فَهَذَا النَّوْعُ كُلُّهُ يَلْحَقُ بِالْقَطْعِيِّ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ، لِمَا بَيَّنَّاهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ أَمْثَالَ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا وَبُنِيَتْ على باطل لا بدمع مرور الأزمات وَتَدَاوُلِ النَّاسِ وَأَهْلِ الْبَحْثِ مِنِ انْكِشَافِ ضَعْفِهَا وَخُمُولِ ذِكْرِهَا.. كَمَا يُشَاهَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ وَالْأَرَاجِيفِ «2» الطَّارِئَةِ.. وَأَعْلَامُ «3» نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْوَارِدَةُ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ.. لَا تَزْدَادُ مَعَ مُرُورِ الزَّمَانِ إِلَّا ظهورا.. ومع
تَدَاوُلِ الْفِرَقِ وَكَثْرَةِ طَعْنِ الْعَدُوِّ وَحِرْصِهِ عَلَى توهينها وتضعيف أصلها وإجهاد الملحد من إطفاء نورها إلا قوة وقبولا ولا للطاعن عَلَيْهَا إِلَّا حَسْرَةً وَغَلِيلًا «1» .. - وَكَذَلِكَ إِخْبَارُهُ عَنِ الْغُيُوبِ وَإِنْبَاؤُهُ بِمَا يَكُونُ وَكَانَ مَعْلُومٌ مِنْ آياته على الجملة بالضرورة.. وهذا حق لاغطاء عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ بِهِ مِنْ أَئِمَّتِنَا «2» الْقَاضِي» وَالْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ «4» وَغَيْرُهُمَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَمَا عِنْدِي أَوْجَبَ قَوْلَ الْقَائِلِ إِنَّ هَذِهِ الْقِصَصَ الْمَشْهُورَةَ مِنْ بَابِ خَبَرِ الْوَاحِدِ إِلَّا قِلَّةُ مُطَالَعَتِهِ لِلْأَخْبَارِ وَرِوَايَتِهَا، وَشُغْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَارِفِ. وَإِلَّا فَمَنِ اعْتَنَى بِطُرُقِ النَّقْلِ، وَطَالَعَ الْأَحَادِيثَ وَالسِّيَرَ، لَمْ يَرْتَبْ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْقِصَصِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَحْصُلَ الْعِلْمُ بِالتَّوَاتُرِ عِنْدَ وَاحِدٍ، وَلَا يَحْصُلُ عِنْدَ آخَرَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ بِالْخَبَرِ كَوْنَ بَغْدَادَ مَوْجُودَةً وَأَنَّهَا مَدِينَةٌ عظيمة، ودار الإمامة الخلافة،
وَآحَادٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ اسْمَهَا فَضْلًا عَنْ وَصْفِهَا.. وَهَكَذَا يَعْلَمُ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ «1» بِالضَّرُورَةِ وَتَوَاتُرِ النَّقْلِ عَنْهُ أَنَّ مَذْهَبَهُ إِيجَابُ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ، وَإِجْزَاءُ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ عَمَّا سِوَاهُ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ «2» يَرَى تَجْدِيدَ النِّيَّةِ كُلَّ لَيْلَةٍ. وَالِاقْتِصَارَ فِي الْمَسْحِ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ. وَإِنَّ مَذْهَبَهُمَا «3» الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ «4» وَغَيْرِهِ «5» وَإِيجَابُ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ، وَاشْتِرَاطُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ.. وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ «6» يُخَالِفُهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ «7» .. وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِمَذَاهِبِهِمْ وَلَا رَوَى أَقْوَالَهُمْ لَا يَعْرِفُ هَذَا مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فَضْلًا عَمَّنْ سِوَاهُ. وَعِنْدَ ذِكْرِنَا آحَادَ هَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ نَزِيدُ الْكَلَامَ فِيهَا بَيَانًا إن شاء الله تعالى.
الفصل الرابع في اعجاز القرآن
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ: أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ الْعَزِيزَ مُنْطَوٍ عَلَى وُجُوهٍ مِنَ الْإِعْجَازِ كَثِيرَةٍ. وَتَحْصِيلَهَا مِنْ جهة صبط أَنْوَاعِهَا فِي أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: حُسْنُ تَأْلِيفِهِ، والتئام كلمه، وفصاحته وجوه إِيجَازِهِ، وَبَلَاغَتُهُ الْخَارِقَةُ عَادَةَ الْعَرَبِ. - وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَابَ هَذَا الشَّأْنِ، وَفُرْسَانَ الْكَلَامِ.. قَدْ خصّوا من البلاغة والحكم ما لَمْ يُخَصَّ بِهِ غَيْرُهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَأُوتُوا مِنْ ذَرَابَةِ «1» اللِّسَانِ مَا لَمْ يُؤْتَ إِنْسَانٌ، وَمِنْ فَصْلِ الْخِطَابِ مَا يُقَيِّدُ الْأَلْبَابَ، جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ طَبْعًا وَخِلْقَةً، وَفِيهِمْ غَرِيزَةً
وَقُوَّةً.. يَأْتُونَ مِنْهُ عَلَى الْبَدِيهَةِ بِالْعَجَبِ، وَيُدْلُونَ بِهِ إِلَى كُلِّ سَبَبٍ فَيَخْطُبُونَ بَدِيهًا فِي الْمَقَامَاتِ، وَشَدِيدِ الْخُطَبِ وَيَرْتَجِزُونَ «1» بِهِ بَيْنَ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ، وَيَمْدَحُونَ وَيَقْدَحُونَ، وَيَتَوَسَّلُونَ وَيَتَوَصَّلُونَ، وَيَرْفَعُونَ وَيَضَعُونَ، فَيَأْتُونَ مِنْ ذَلِكَ بِالسِّحْرِ «2» الْحَلَالِ، وَيُطَوِّقُونَ مِنْ أَوْصَافِهِمْ أَجْمَلَ مِنْ سُمْطِ «3» اللَّآلِ، فَيَخْدَعُونَ الْأَلْبَابَ وَيُذَلِّلُونَ الصِّعَابَ، وَيُذْهِبُونَ الْإِحَنَ «4» وَيُهَيِّجُونَ الدِّمَنَ «5» ، وَيُجَرِّئُونَ الْجَبَانَ، وَيَبْسُطُونَ يَدَ الْجَعْدِ «6» الْبَنَانِ: وَيُصَيِّرُونَ النَّاقِصَ كاملا «7»
وَيَتْرُكُونَ النَّبِيهَ خَامِلًا مِنْهُمُ الْبَدَوِيُّ ذُو اللَّفْظِ الْجَزْلِ «1» ، وَالْقَوْلِ الْفَصْلِ وَالْكَلَامِ الْفَخْمِ، وَالطَّبْعِ الْجَوْهَرِيِّ «2» وَالْمَنْزَعِ «3» الْقَوِيِّ. وَمِنْهُمُ الْحَضَرِيُّ ذُو الْبَلَاغَةِ الْبَارِعَةِ وَالْأَلْفَاظِ النَّاصِعَةِ.. وَالْكَلِمَاتِ الْجَامِعَةِ، وَالطَّبْعِ السَّهْلِ، وَالتَّصَرُّفِ فِي الْقَوْلِ الْقَلِيلِ الْكُلْفَةِ الْكَثِيرِ الرَّوْنَقِ، الرَّقِيقِ الحاشية «4» .. وكلا البابين فلهما في البلاغة الحجة البالغة، والقوة الدافعه «5» والقدح الفالج «6» والمهيع
النَّاهِجُ «1» .. لَا يَشُكُّونَ أَنَّ الْكَلَامَ طَوْعُ مُرَادِهِمْ، وَالْبَلَاغَةَ مِلْكُ قِيَادِهِمْ.. قَدْ حَوَوْا فُنُونَهَا وَاسْتَنْبَطُوا عُيُونَهَا.. وَدَخَلُوا مِنْ كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا.. وَعَلَوْا صَرْحًا «2» لِبُلُوغِ أَسْبَابِهَا. فَقَالُوا فِي الْخَطِيرِ وَالْمَهِينِ، وَتَفَنَّنُوا فِي الْغَثِّ «3» وَالسَّمِينِ.. وَتَقَاوَلُوا فِي الْقُلِّ وَالْكُثْرِ «4» وَتَسَاجَلُوا فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ.. فَمَا رَاعَهُمْ إِلَّا رَسُولٌ كَرِيمٌ.. بِكِتَابٍ «عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «5» » أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ، وَفُصِّلَتْ كَلِمَاتُهُ، وَبَهَرَتْ بَلَاغَتُهُ الْعُقُولَ.. وَظَهَرَتْ فَصَاحَتُهُ عَلَى كُلِّ مَقُولٍ.. وَتَظَافَرَ «6» إِيجَازُهُ وَإِعْجَازُهُ.. وَتَظَاهَرَتْ حَقِيقَتُهُ وَمَجَازُهُ.. وَتَبَارَتْ فِي الْحُسْنِ مَطَالِعُهُ وَمَقَاطِعُهُ.. وَحَوَتْ كُلَّ الْبَيَانِ جَوَامِعُهُ وَبَدَائِعُهُ وَاعْتَدَلَ مَعَ إِيجَازِهِ حُسْنُ نَظْمِهِ.. وَانْطَبَقَ عَلَى كَثْرَةِ فَوَائِدِهِ مُخْتَارُ لَفْظِهِ.. وَهُمْ أَفْسَحُ مَا كانوا في هذا الباب مجالا.. وأشهر
فِي الْخَطَابَةِ رِجَالًا.. وَأَكْثَرُ فِي السَّجْعِ وَالشِّعْرِ سِجَالًا.. وَأَوْسَعُ فِي الْغَرِيبِ وَاللُّغَةِ مَقَالًا بِلُغَتِهِمُ التي بها يتحاورون، ومنازعهم التي عنها يتناضلون، صَارِخًا بِهِمْ فِي كُلٍّ حِينٍ وَمُقَرِّعًا لَهُمْ بضعا وعشرين عاما على رؤوس الْمَلَإِ أَجْمَعِينَ.. «أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «1» » «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ «2» » إلى قوله «وَلَنْ تَفْعَلُوا» . «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ «3» » الآية «قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ» » . وَذَلِكَ أَنَّ الْمُفْتَرَى أَسْهَلُ.. وَوَضْعَ الْبَاطِلِ وَالْمُخْتَلَقِ عَلَى الِاخْتِيَارِ أَقْرَبُ.. وَاللَّفْظُ إِذَا تَبِعَ الْمَعْنَى الصَّحِيحَ كَانَ أَصْعَبَ. وَلِهَذَا قِيلَ: فُلَانٌ يَكْتُبُ كما يقال، وَفُلَانٌ يَكْتُبُ كَمَا يُرِيدُ. وَلِلْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي فضل.. وبينهما شأو. بعيد
فَلَمْ يَزَلْ يُقَرِّعُهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ التَّقْرِيعِ وَيُوَبِّخُهُمْ غَايَةَ التَّوْبِيخِ، وَيُسَفِّهُ أَحْلَامَهُمْ ويحط أعلامهم، ويشتت نظامهم.. ويذم آلهتهم وإياهم.. وَيَسْتَبِيحُ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ.. وَهُمْ فِي كُلِّ هَذَا نَاكِصُونَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ.. مُحْجِمُونَ عَنْ مُمَاثَلَتِهِ.. يخادعون أنفسهم بالتشغيب بالتكذيب. والإغتراء بِالِافْتِرَاءِ وَقَوْلِهِمْ «إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ «1» » وَ «سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ «2» » وَ «إِفْكٌ افْتَراهُ «3» » وَ «أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ «4» » . والمباهتة والرضى بِالدَّنِيئَةِ. كَقَوْلِهِمْ: «قُلُوبُنا غُلْفٌ «5» » وَ «فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ» «وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ «6» » وَ «لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ «7» » والادعاء مع
الْعَجْزِ بِقَوْلِهِمْ: «لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا «1» » . وَقَدْ قَالَ لَهُمُ اللَّهُ «وَلَنْ تَفْعَلُوا «2» » فَمَا فَعَلُوا وَلَا قَدَرُوا وَمَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ مِنْ سفهائهم كَمُسَيْلِمَةَ «3» . كُشِفَ عَوَارُهُ «4» لِجَمِيعِهِمْ.. وَسَلَبَهُمُ اللَّهُ مَا ألفوه من فضح كَلَامِهِمْ.. وَإِلَّا فَلَمْ يَخْفَ عَلَى أَهْلِ الْمَيْزِ «5» منهم أنّه ليس من نمط فصاحتم، وَلَا جِنْسِ بَلَاغَتِهِمْ.. بَلْ وَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ وَأَتَوْا مُذْعِنِينَ مِنْ بَيْنِ مُهْتَدٍ وَبَيْنِ مَفْتُونٍ وَلِهَذَا لَمَّا سَمِعَ الْوَلِيدُ «6» بْنُ الْمُغِيرَةِ مِنَ النبي صلى الله عليه وسلم «7» «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ «8» » الْآيَةَ. قَالَ: «وَاللَّهِ إِنَّ لَهُ لِحَلَاوَةً.. وَإِنَّ عليه
لَطَلَاوَةً «1» ، وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لِمُغْدِقٌ «2» ، وَإِنَّ أَعْلَاهُ لِمُثْمِرٌ ما يقول هذا بشر» . وذكر أبو عبيدة «3» : أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ «4» » فسجد وقال: «سجدت لفصاحته» . وسمع آخر يقرأ: «فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا «5» » فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مَخْلُوقًا لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ وَحُكِيَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَوْمًا نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ بِقَائِمٍ عَلَى رَأْسِهِ يَتَشَهَّدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ.. فَاسْتَخْبَرَهُ.. فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ مِنْ بَطَارِقَةِ «7» الرُّومِ مِمَّنْ يُحْسِنُ كَلَامَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهَا وَأَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِكُمْ فَتَأَمَّلْتُهَا فَإِذَا قَدْ جُمِعَ فيها ما أنزل الله على عيسى بن مَرْيَمَ مِنْ أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَهِيَ قَوْلُهُ «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ
فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ «1» » الْآيَةَ وَحَكَى الْأَصْمَعِيُّ «2» : أَنَّهُ سَمِعَ كَلَامَ جَارِيَةٍ.. فَقَالَ لَهَا: «قَاتَلَكِ «3» اللَّهُ مَا أَفْصَحَكِ» !!. فَقَالَتْ: أو يعدّ هَذَا فَصَاحَةً بَعْدَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى «وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ «4» » .. الآية فَجَمَعَ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ بَيْنَ أَمْرَيْنِ «5» وَنَهْيَيْنِ «6» وَخَبَرَيْنِ «7» وَبِشَارَتَيْنِ «8» . فَهَذَا نَوْعٌ مِنْ إِعْجَازِهِ مُنْفَرِدٌ بِذَاتِهِ غَيْرُ مُضَافٍ إِلَى غَيْرِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَالصَّحِيحِ مِنَ الْقَوْلَيْنِ. - وَكَوْنُ الْقُرْآنِ مِنْ قِبَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ أَتَى بِهِ مَعْلُومٌ ضَرُورَةً وَكَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَحَدِّيًا بِهِ مَعْلُومٌ ضَرُورَةً. وَعَجْزُ الْعَرَبِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِهِ مَعْلُومٌ ضَرُورَةً وَكَوْنُهُ فِي فصاحته خارقا للعادة معلوم ضرورة
لِلْعَالِمِينَ بِالْفَصَاحَةِ وَوُجُوهِ الْبَلَاغَةِ.. وَسَبِيلُ مَنْ لَيْسَ من أهلها علم ذلك بعجز المكرين مِنْ أَهْلِهَا عَنْ مُعَارَضَتِهِ، وَاعْتِرَافِ الْمُقِرِّينَ بِإِعْجَازِ بَلَاغَتِهِ. وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى «وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ «1» » وَقَوْلَهُ «وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ.. وأخذوا من مكان قريب» » وَقَوْلَهُ «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ «3» » وقوله: «وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي «4» » الْآيَةَ وَقَوْلَهُ: «فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً «5» » .. الْآيَةَ وَأَشْبَاهَهَا مِنَ الْآيِ «6» .. بَلْ أَكْثَرُ الْقُرْآنِ.. حَقَّقَتْ مَا بَيَّنْتُهُ مِنْ إِيجَازِ أَلْفَاظِهَا وَكَثْرَةِ مَعَانِيهَا، وَدِيبَاجَةِ عِبَارَتِهَا «7» وَحُسْنِ تَأْلِيفِ حُرُوفِهَا، وَتَلَاؤُمِ كَلِمِهَا، وَأَنَّ تَحْتَ كُلِّ لَفْظَةٍ مِنْهَا جُمَلًا كثيرة،
وَفُصُولًا جَمَّةً، وَعُلُومًا زَوَاخِرَ «1» . مُلِئَتِ الدَّوَاوِينُ مِنْ بَعْضِ مَا اسْتُفِيدَ مِنْهَا، وَكَثُرَتِ الْمَقَالَاتُ فِي المستنبطات عنها.. ثم هو في سرد الْقِصَصَ الطِّوَالَ وَأَخْبَارَ الْقُرُونِ السَّوَالِفِ الَّتِي يَضْعُفُ فِي عَادَةِ الْفُصَحَاءِ عِنْدَهَا الْكَلَامُ، وَيَذْهَبُ مَاءُ الْبَيَانِ آيَةٌ لِمُتَأَمِّلِهِ مِنْ رَبْطِ الْكَلَامِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَالْتِئَامِ سَرْدِهِ، وَتَنَاصُفِ وُجُوهِهِ. كَقِصَّةِ يُوسُفَ عَلَى طُولِهَا. ثُمَّ إِذَا تَرَدَّدَتْ قِصَصُهُ اخْتَلَفَتِ الْعِبَارَاتُ عَنْهَا عَلَى كَثْرَةِ تَرَدُّدِهَا.. حَتَّى تَكَادَ كُلُّ وَاحِدَةٍ تُنْسِي فِي الْبَيَانِ صَاحِبَتَهَا، وَتُنَاصِفُ فِي الْحُسْنِ وَجْهَ مُقَابِلَتِهَا.. وَلَا نُفُورَ لِلنُّفُوسِ من ترديدها ولا معاداة لمعادها.
الفصل الخامس إعجاز النظم والأسلوب
الْفَصْلُ الْخَامِسُ إِعْجَازُ النَّظْمِ وَالْأُسْلُوبِ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ إِعْجَازِهِ.. صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ وَالْأُسْلُوبُ الْغَرِيبُ الْمُخَالِفُ لِأَسَالِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَمَنَاهِجِ نَظْمِهَا وَنَثْرِهَا الَّذِي جَاءَ عَلَيْهِ، وَوَقَفَتْ مَقَاطِعُ آيِهِ وَانْتَهَتْ فَوَاصِلُ كَلِمَاتِهِ إِلَيْهِ.. وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ نَظِيرٌ لَهُ.. وَلَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ مُمَاثَلَةَ شيء فيه مِنْهُ بَلْ حَارَتْ فِيهِ عُقُولُهُمْ.. وَتَدَلَّهَتْ «1» دُونَهُ أَحْلَامُهُمْ.. وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى مِثْلِهِ فِي جِنْسِ كَلَامِهِمْ.. مِنْ نَثْرٍ، أَوْ نَظْمٍ، أَوْ سَجْعٍ، أَوْ رَجَزٍ، أَوْ شِعْرٍ.. وَلَمَّا سَمِعَ كَلَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ «2» . وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ رَقَّ فَجَاءَهُ أَبُو جَهْلٍ «3» مُنْكِرًا عَلَيْهِ قَالَ: «وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ أعلم
بِالْأَشْعَارِ مِنِّي وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا» . وَفِي خَبَرِهِ الْآخَرِ «1» حِينَ جمع قريشا عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْسِمِ وَقَالَ: «إِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ تَرِدُ فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا لَا يُكَذِّبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا» فَقَالُوا: نَقُولُ كَاهِنٌ. قَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ.. مَا هُوَ بِزَمْزَمَتِهِ «2» وَلَا سَجْعِهِ. قَالُوا: مَجْنُونٌ!! قَالَ: مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ.. وَلَا بِخَنْقِهِ «3» وَلَا وَسْوَسَتِهِ «4» . قَالُوا: فَنَقُولُ شَاعِرٌ!! قَالَ: مَا هُوَ بِشَاعِرٍ.. قَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ كُلَّهُ رَجَزَهُ «5» وَهَزَجَهُ «6» ، وَقَرِيضَهُ «7» وَمَبْسُوطَهُ «8» وَمَقْبُوضَهُ «9» مَا هُوَ بِشَاعِرٍ. قَالُوا: فَنَقُولُ سَاحِرٌ!! قَالَ: مَا هُوَ بساحر، ولا نفثه «10»
وَلَا عَقْدِهِ «1» . قَالُوا: فَمَا نَقُولُ؟!!. قَالَ: مَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إِلَّا وَأَنَا أَعْرِفُ أَنَّهُ بَاطِلٌ.. وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ أَنَّهُ سَاحِرٌ فَإِنَّهُ سِحْرٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَابْنِهِ وَالْمَرْءِ وَأَخِيهِ، وَالْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَالْمَرْءِ وَعَشِيرَتِهِ فَتَفَرَّقُوا وَجَلَسُوا عَلَى السُّبُلِ يُحَذِّرُونَ النَّاسَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَلِيدِ: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً» «2» وَقَالَ عُتْبَةُ «3» بْنُ رَبِيعَةَ حِينَ سَمِعَ الْقُرْآنَ: «يَا قَوْمُ.. قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَمْ أَتْرُكْ شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ عَلِمْتُهُ وَقَرَأْتُهُ وَقُلْتُهُ.. وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا.. وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ.. مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، وَلَا بِالسِّحْرِ، وَلَا بِالْكِهَانَةِ» . وَقَالَ النَّضْرُ «4» بْنُ الْحَارِثِ نَحْوَهُ.. وَفِي حَدِيثِ «5» إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ «6» وَوَصَفَ أَخَاهُ أُنَيْسًا «7» فقال:
وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ بِأَشْعَرَ مِنْ أَخِي أُنَيْسٍ.. لَقَدْ نَاقَضَ اثْنَيْ عَشَرَ شَاعِرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَنَا أَحَدُهُمْ.. وَإِنَّهُ انْطَلَقَ إِلَى مَكَّةَ وَجَاءَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ بِخَبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ؟!. قَالَ: يَقُولُونَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ، لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الكهانة فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ، وَلَقَدْ وَضَعْتُهُ عَلَى أَقْرَاءِ «1» الشِّعْرِ فَلَمْ يَلْتَئِمْ، وَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي أَنَّهُ شِعْرٌ وَإِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. وَالْأَخْبَارُ فِي هَذَا صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ وَالْإِعْجَازُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّوْعَيْنِ الْإِيجَازُ وَالْبَلَاغَةُ بِذَاتِهَا، والأسلوب الْغَرِيبُ بِذَاتِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعُ إِعْجَازٍ عَلَى التَّحْقِيقِ لَمْ تَقْدِرِ الْعَرَبُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.. إِذْ كُلُّ وَاحِدٍ خَارِجٌ عَنْ قُدْرَتِهَا، مُبَايِنٌ لِفَصَاحَتِهَا وَكَلَامِهَا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُحَقِّقِينَ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُقْتَدَى بِهِمْ إِلَى أَنَّ الْإِعْجَازَ فِي مَجْمُوعِ الْبَلَاغَةِ وَالْأُسْلُوبِ وَأَتَى عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلٍ تَمُجُّهُ الْأَسْمَاعُ وَتَنْفِرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ وَالصَّحِيحُ: مَا قَدَّمْنَاهُ والعلم بهذا كله ضرورة وقطعا. ومن تفنّن في علوم البلاغة،
وَأَرْهَفَ خَاطِرَهُ وَلِسَانَهُ أَدَبُ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مَا قُلْنَاهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي وَجْهِ عَجْزِهِمْ عَنْهُ فَأَكْثَرُهُمْ يقول: إنّه مما جَمَعَ فِي قُوَّةِ جَزَالَتِهِ وَنَصَاعَةِ أَلْفَاظِهِ، وَحُسْنِ نَظْمِهِ، وَإِيجَازِهِ، وَبَدِيعِ تَأْلِيفِهِ، وَأُسْلُوبِهِ، لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ.. وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَوَارِقِ الْمُمْتَنِعَةِ عَنْ أَقْدَارِ الْخَلْقِ عَلَيْهَا كإحياء «1» الموتى، وقلب العصا «2» ، وتسبيح الحصا «3» وذهب الشيخ أبو الحسن «4» إلى أنّه مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَ مِثْلُهُ تَحْتَ مَقْدُورِ الْبَشَرِ وَيُقَدِّرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ.. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَلَا يَكُونُ.. فَمَنَعَهُمُ اللَّهُ هَذَا وَعَجَّزَهُمْ عَنْهُ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ» . وَعَلَى الطريقتين.. فَعَجْزُ الْعَرَبِ عَنْهُ ثَابِتٌ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بما أَنْ يَكُونَ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ وَتَحَدِّيهِمْ بِأَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ قَاطِعٌ.. وَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّعْجِيزِ، وَأَحْرَى بِالتَّقْرِيعِ وَالِاحْتِجَاجُ بِمَجِيءِ بِشَرٍ مِثْلِهِمْ بِشَيْءٍ لَيْسَ مِنْ قُدْرَةِ الْبَشَرِ لَازِمٌ.. وَهُوَ أَبْهَرُ آية، وأقمع دلالة.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَمَا أَتَوْا فِي ذَلِكَ بِمَقَالٍ بَلْ صَبَرُوا عَلَى الْجَلَاءِ، وَالْقَتْلِ، وَتَجَرَّعُوا كَاسَاتِ الصَّغَارِ «1» وَالذُّلِّ، وَكَانُوا مِنْ شُمُوخِ «2» الْأَنْفِ «3» وَإِبَاءَةِ الضَّيْمِ بِحَيْثُ لَا يُؤْثِرُونَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا، وَلَا يَرْضَوْنَهُ إِلَّا اضْطِرَارًا.. وَإِلَّا فَالْمُعَارَضَةُ- لَوْ كَانَتْ مِنْ قُدَرِهِمْ «4» - وَالشُّغْلُ بِهَا أَهْوَنُ عَلَيْهِمْ، وَأَسْرَعُ بِالنَّجْحِ «5» وَقَطْعِ الْعُذْرِ، وَإِفْحَامِ الْخَصْمِ لَدَيْهِمْ.. وَهُمْ مِمَّنْ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى الْكَلَامِ، وَقُدْوَةٌ فِي الْمَعْرِفَةِ بِهِ لِجَمِيعِ الْأَنَامِ، وَمَا مِنْهُمْ الا من جهد جهده واستنفر «6» مَا عِنْدَهُ فِي إِخْفَاءِ ظُهُورِهِ، وَإِطْفَاءِ نُورِهِ فَمَا جَلَوْا «7» فِي ذَلِكَ خَبِيئَةً «8» مِنْ بَنَاتِ شفاههم «9» ، ولا أتوا بنطفة «10» من
معين «1» مياههم مع طول الأمر، وَكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَتَظَاهُرِ الْوَالِدِ وَمَا وَلَدَ بَلْ أبلسوا «2» فما نبسوا «3» ومنعوا فانقطعوا فهذان النوعان من إعجازه.
الفصل السادس الإخبار عن المغيبات
الفصل السّادس الإخبار عن المغيّبات الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْإِعْجَازِ، مَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْمُغَيَّبَاتِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يقع فوجد كما ورد على الوجه الذي أخبر. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ «1» » وَقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ «2» » . وقوله: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ «3» » . وَقَوْلِهِ: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ «4» » الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ: «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ «5» » إلى آخرها.
فَكَانَ جَمِيعُ هَذَا كَمَا قَالَ.. فَغَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ فِي بِضْعِ سِنِينَ. وَدَخَلَ النَّاسُ فِي الْإِسْلَامِ أَفْوَاجًا فَمَا مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بِلَادِ الْعَرَبِ كُلِّهَا مَوْضِعٌ لَمْ يَدْخُلْهُ الْإِسْلَامُ. وَاسْتَخْلَفَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْأَرْضِ ومكن دِينَهُمْ.. وَمَلَّكَهُمْ إِيَّاهَا مِنْ أَقْصَى الْمَشَارِقِ إِلَى أَقْصَى الْمَغَارِبِ.. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «1» «زويت «2» لي الْأَرْضُ فَأُرِيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» . وَقَوْلِهِ: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ «3» وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «4» » فَكَانَ كَذَلِكَ، لَا يَكَادُ يُعَدُّ مَنْ سَعَى فِي تَغْيِيرِهِ وَتَبْدِيلِ مُحْكَمِهِ مِنَ الْمُلْحِدَةِ «5» وَالْمُعَطِّلَةِ «6» لا سيما القرامطة «7» ، فأجمعوا كيدهم،
وَحَوْلَهُمْ وَقُوَّتَهُمْ الْيَوْمَ «1» نَيِّفًا عَلَى خَمْسِمِائَةِ عَامٍ فَمَا قَدَرُوا عَلَى إِطْفَاءِ شَيْءٍ مِنْ نُورِهِ، ولا تغير كَلِمَةٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَلَا تَشْكِيكِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «2» » . وقوله: «قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ «3» » الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى «4» » الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ: «لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ «5» » الْآيَةَ. فَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ، وَمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ أَسْرَارِ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ وَمَقَالِهِمْ وَكَذِبِهِمْ فِي حَلِفِهِمْ، وَتَقْرِيعِهِمْ بِذَلِكَ. كَقَوْلِهِ: «وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ «6» » . وَقَوْلِهِ: «يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ» » الآية. وقوله: «وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ «8» الآية.
وَقَوْلِهِ: «مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ» إلى قوله «فِي الدِّينِ «1» » . وَقَدْ قَالَ مُبْدِيًا مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَاعْتَقَدَهُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ بَدْرٍ «وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ «2» » ومنه قوله تعالى: «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ «3» » . وَلَمَّا نَزَلَتْ بَشَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ.. بِأَنَّ اللَّهَ كَفَاهُ إِيَّاهُمْ. وكان المستهزؤون نَفَرًا بِمَكَّةَ يُنَفِّرُونَ النَّاسَ عَنْهُ وَيُؤْذُونَهُ فَهَلَكُوا.. وقوله: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ «4» » . فَكَانَ كَذَلِكَ عَلَى كَثْرَةِ مَنْ رَامَ ضُرَّهُ وقصد قتله. والأخبار بذلك معروفة وصحيحة.
الفصل السابع إخباره عن القرون السالفة والأمم البائدة
الفصل السّابع إخباره عن القرون السّالفة والأمم البائدة الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ الْقُرُونِ السَّالِفَةِ وَالْأُمَمِ الْبَائِدَةِ وَالشَّرَائِعِ الدَّاثِرَةِ «1» ، مِمَّا كَانَ لَا يَعْلَمُ مِنْهُ الْقِصَّةَ الْوَاحِدَةَ إِلَّا الْفَذُّ «2» مِنْ أَحْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي قَطَعَ عُمُرَهُ فِي تَعَلُّمٍ ذَلِكَ. فَيُورِدُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِهِ، وَيَأْتِي بِهِ عَلَى نَصِّهِ، فَيَعْتَرِفُ الْعَالِمُ بِذَلِكَ بِصِحَّتِهِ وَصِدْقِهِ وَأَنَّ مِثْلَهُ لَمْ يَنَلْهُ بِتَعْلِيمٍ. وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِّيٌّ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ وَلَا اشْتَغَلَ بِمُدَارَسَةٍ وَلَا مُثَافَنَةٍ «3» ، وَلَمْ يَغِبْ عَنْهُمْ، وَلَا جَهِلَ حَالَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ كَثِيرًا مَا يَسْأَلُونَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هذا فينزل عليه
مِنَ الْقُرْآنِ مَا يَتْلُو عَلَيْهِمْ مِنْهُ ذِكْرًا. كَقِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ مَعَ قَوْمِهِمْ وَخَبَرِ مُوسَى وَالْخَضِرِ «1» ، وَيُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ، وَأَصْحَابِ الْكَهْفِ «2» ، وَذِي الْقَرْنَيْنِ «3» ، وَلُقْمَانَ «4» وابنه، وأشباه ذلك من الأنبياء، وَبَدْءِ الْخَلْقِ، وَمَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ، وَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى مِمَّا صَدَّقَهُ فِيهِ الْعُلَمَاءُ بِهَا، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى تَكْذِيبِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا، بَلْ أَذْعَنُوا لِذَلِكَ. فَمِنْ مُوَفَّقٍ آمَنَ بِمَا سَبَقَ لَهُ مِنْ خَيْرٍ، وَمِنْ شَقِيٍّ مُعَانِدٍ حَاسِدٍ.. وَمَعَ هَذَا لَمْ يُحْكَ عَنْ وَاحِدٍ مِنَ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ عَلَى شِدَّةِ عَدَاوَتِهِمْ لَهُ وَحِرْصِهِمْ عَلَى تَكْذِيبِهِ، وَطُولِ احْتِجَاجِهِ عَلَيْهِمْ بِمَا فِي كُتُبِهِمْ، وَتَقْرِيعِهِمْ بِمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مَصَاحِفُهُمْ، وَكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وتعينتهم «5» إياه عن أخبار أنبيائهم، وأسرار علومهم،
وَمُسْتَوْدَعَاتِ سِيَرِهِمْ، وَإِعْلَامِهِ لَهُمْ بِمَكْتُومِ شَرَائِعِهِمْ، وَمُضَمَّنَاتِ كُتُبِهِمْ.. مِثْلَ سُؤَالِهِمْ عَنِ الرُّوحِ.. وَذِي الْقَرْنَيْنِ.. وَأَصْحَابِ الْكَهْفِ.. وَعِيسَى.. وَحُكْمِ الرَّجْمِ.. وَمَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ.. وَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الأنعام ومن طيبات كانت أُحِلَّتْ لَهُمْ فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ بِبَغْيِهِمْ. وَقَوْلِهِ: «ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ. وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ «1» » وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمُ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ فَأَجَابَهُمْ، وَعَرَّفَهُمْ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ ذلك.. فما عرف عن أحد أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ.. بَلْ أَكْثَرُهُمْ صَرَّحَ بِصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ.. وَصِدْقِ مَقَالَتِهِ.. وَاعْتَرَفَ بِعِنَادِهِ وحسده إِيَّاهُ. كَأَهْلِ نَجْرَانَ «2» .. وَابْنِ صُورِيَا «3» وَابْنَيْ أَخْطَبَ «4» .. وغيرهم.
وَمَنْ بَاهَتَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُبَاهَتَةِ.. وَادَّعَى أَنَّ فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِمَا حَكَاهُ مُخَالَفَةً.. دُعِيَ إِلَى إِقَامَةِ حُجَّتِهِ.. وَكَشْفِ دَعْوَتِهِ. فَقِيلَ لَهُ: «قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» إلى قوله «الظَّالِمُونَ «1» » .. فَقَرَّعَ وَوَبَّخَ.. وَدَعَا إِلَى إِحْضَارِ مُمْكِنٍ غَيْرِ مُمْتَنِعٍ فَمِنْ مُعْتَرِفٍ بِمَا جَحَدَهُ.. وَمُتَوَاقِحٍ يُلْقِي عَلَى فَضِيحَتِهِ مِنْ كِتَابِهِ يَدَهُ «2» .. وَلَمْ يُؤْثَرْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَظْهَرَ خِلَافَ قَوْلِهِ مِنْ كُتُبِهِ، وَلَا أَبْدَى صَحِيحًا وَلَا سَقِيمًا مِنْ صحفه. قال الله تعالى: «يا أَهْلَ الْكِتابِ.. قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ.. وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ «3» » الآيتين.
الفصل الثامن التحدي والتعجيز في قضايا وإعلامهم أنهم لا يفعلونها
الفصل الثامن التّحدي والتعجيز في قضايا وإعلامهم أنهم لا يفعلونها هَذِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ إِعْجَازِهِ بَيِّنَةٌ لَا نِزَاعَ فِيهَا وَلَا مِرْيَةَ.. وَمِنَ الْوُجُوهِ الْبَيِّنَةِ فِي إِعْجَازِهِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَيْ وَرَدَتْ بِتَعْجِيزِ قَوْمٍ فِي قَضَايَا.. وَإِعْلَامِهِمْ أَنَّهُمْ لا يغفلونها.. فَمَا فَعَلُوا، وَلَا قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ لِلْيَهُودِ: «قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً «1» » الآية. قال أبو إسحق الزَّجَّاجُ «2» : «فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَعْظَمُ حُجَّةٍ، وَأَظْهَرُ دلالة على صحة الرسالة.. لأنه قال لهم «فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ» وأعلمهم أنّهم لا يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا.. فَلَمْ يَتَمَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. وَعَنِ النبي صلى الله عليه وسلم «3» : والذي نفسي بيده لا يقولها رجل منهم
إِلَّا غَصَّ بِرِيقِهِ- يَعْنِي يَمُوتُ مَكَانَهُ- فَصَرَفَهُمُ الله عن تمنيه.. وجرّعهم لِيُظْهِرَ صِدْقَ رَسُولِهِ، وَصِحَّةَ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ.. إذ لَمْ يَتَمَنَّهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ.. وَكَانُوا عَلَى تَكْذِيبِهِ أَحْرَصَ لَوْ قَدَرُوا.. وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ.. فَظَهَرَتْ بِذَلِكَ مُعْجِزَتُهُ. وَبَانَتْ حُجَّتُهُ.. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ «1» : مِنْ أَعْجَبِ أَمْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا وَاحِدٌ مِنْ يوم أمر الله بذلك بنيّه يُقْدِمُ عَلَيْهِ.. وَلَا يُجِيبُ إِلَيْهِ.. وَهَذَا مَوْجُودٌ مَشَاهَدٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَمْتَحِنَهُ مِنْهُمْ.. وَكَذَلِكَ آيَةُ الْمُبَاهَلَةِ «2» مِنْ هَذَا الْمَعْنَى حَيْثُ: وَفَدَ عليه أساقفة نجران، وأتوا الْإِسْلَامَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ آيَةَ الْمُبَاهَلَةِ بقوله: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ «3» ..» الْآيَةَ. فَامْتَنَعُوا مِنْهَا.. وَرَضُوا بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ.. وَذَلِكَ أنّ العاقب عظيمهم قال لهم:
قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ.. وَأَنَّهُ مَا لَاعَنَ قَوْمًا نَبِيٌّ قَطُّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ وَلَا صَغِيرُهُمْ.. «وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا» إِلَى قَوْلِهِ: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا «1» » . فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ كَمَا كَانَ وَهَذِهِ الْآيَةُ أَدْخَلُ فِي بَابِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْغَيْبِ وَلَكِنْ فِيهَا مِنَ التَّعْجِيزِ مَا فِي الَّتِي قبلها..
الفصل التاسع روعته في السمع وهيبته في القلوب
الفصل التاسع روعته في السمع وهيبته فِي الْقُلُوبِ وَمِنْهَا الرَّوْعَةُ الَّتِي تَلْحَقُ قُلُوبَ سَامِعِيهِ وَأَسْمَاعَهُمْ عِنْدَ سَمَاعِهِ، وَالْهَيْبَةُ الَّتِي تَعْتَرِيهِمْ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ لِقُوَّةِ حَالِهِ وَإِنَافَةِ «1» خَطَرِهِ.. وَهِيَ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِهِ أَعْظَمُ.. حَتَّى كَانُوا يَسْتَثْقِلُونَ سَمَاعَهُ وَيَزِيدُهُمْ نُفُورًا.. كَمَا قَالَ تَعَالَى «2» .. وَيَوَدُّونَ انْقِطَاعَهُ لِكَرَاهَتِهِمْ لَهُ.. وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ الْقُرْآنَ صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ وَهُوَ الْحَكَمُ» «3» . وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ.. فَلَا تَزَالُ رَوْعَتُهُ بِهِ وَهَيْبَتُهُ إِيَّاهُ مَعَ تِلَاوَتِهِ تُولِيهِ انْجِذَابًا.. وَتُكْسِبُهُ هَشَاشَةً «4» لِمَيْلِ قَلْبِهِ إِلَيْهِ.. وتصديقه به قال الله تَعَالَى: «تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ،
ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ» » . وَقَالَ: «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ «2» ، الآية ويدخل عَلَى أَنَّ هَذَا شَيْءٌ خُصَّ بِهِ أَنَّهُ يَعْتَرِي مَنْ لَا يَفْهَمُ مَعَانِيهِ. وَلَا يَعْلَمُ تَفَاسِيرَهُ.. كَمَا رُوِيَ عَنْ نَصْرَانِيٍّ: أَنَّهُ مَرَّ بقارىء فَوَقَفَ يَبْكِي. فَقِيلَ لَهُ- مِمَّ بَكَيْتَ.. قَالَ: للشجا «3» والنظم.. وهذه الروعة قد اعترف جَمَاعَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ.. فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ لَهَا لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ.. وَآمَنَ بِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ.. فَحُكِيَ فِي الصَّحِيحِ «4» .. عَنْ جُبَيْرِ «5» بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ!! أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ» إلى قوله «الْمُصَيْطِرُونَ «6»
كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ لِلْإِسْلَامِ.. وَفِي رِوَايَةٍ: وذلك أول ما وقر الاسلام فِي قَلْبِي.. وَعَنْ «1» عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ «2» : أَنَّهُ كَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ خِلَافِ قَوْمِهِ فَتَلَا عَلَيْهِمْ «حم فُصِّلَتْ إِلَى قَوْلِهِ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ «3» » فَأَمْسَكَ عُتْبَةُ بِيَدِهِ عَلَى فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَاشَدَهُ الرَّحِمَ أَنْ يَكُفَّ. وَفِي رِوَايَةٍ «4» : فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ، وَعُتْبَةُ مُصْغٍ مُلْقٍ يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدٌ عَلَيْهِمَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّجْدَةِ فَسَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ عتبة لا يدري بم يراجعه.. ورجع إِلَى قَوْمِهِ حَتَّى أَتَوْهُ فَاعْتَذَرَ لَهُمْ.. وَقَالَ: «وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمَنِي بِكَلَامٍ وَاللَّهِ مَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ بِمِثْلِهِ قَطُّ.. فَمَا دَرَيْتُ مَا أَقُولُ لَهُ» . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ رَامَ مُعَارَضَتَهُ. أَنَّهُ اعْتَرَتْهُ رَوْعَةٌ وَهَيْبَةٌ كَفَّ بِهَا عَنْ ذَلِكَ فَحُكِيَ: أَنَّ ابْنَ الْمُقَفَّعِ «5» طلب
ذَلِكَ وَرَامَهُ «1» وَشَرَعَ فِيهِ فَمَرَّ بِصَبِيٍّ يَقْرَأُ «وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ «2» » فرجع فمحى مَا عَمِلَ.. وَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا لَا يُعَارَضُ.. وَمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْبَشَرِ» وَكَانَ مِنْ أَفْصَحِ أَهْلِ وَقْتِهِ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ حَكَمٍ «3» الْغَزَّالُ بَلِيغَ الْأَنْدَلُسِ فِي زَمَنِهِ فَحُكِيَ: أَنَّهُ رَامَ شَيْئًا مِنْ هَذَا.. فَنَظَرَ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ لِيَحْذُوَ عَلَى مِثَالِهَا.. وَيَنْسِجَ بِزَعْمِهِ على منوالها.. قال: فاعترتني منه خشية ورقة حملتني على التوبة والإنابة..
الفصل العاشر بقاؤه على الزمن
الفصل العاشر بقاؤه على الزمن وَمِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْدُودَةِ كَوْنُهُ آيَةً بَاقِيَةً لَا تُعْدَمُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا.. مَعَ تَكَفُّلِ اللَّهِ تَعَالَى بِحِفْظِهِ. فَقَالَ: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «1» » . وَقَالَ: «لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ «2» » وَسَائِرُ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَضَتْ بِانْقِضَاءِ أَوْقَاتِهَا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا خَبَرُهَا.. وَالْقُرْآنُ الْعَزِيزُ الْبَاهِرَةُ آيَاتُهُ الظَّاهِرَةُ مُعْجِزَاتُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ مدة خمس مئة عَامٍ وَخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً «3» لِأَوَّلِ نُزُولِهِ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا حُجَّتُهُ قَاهِرَةٌ وَمُعَارَضَتُهُ مُمْتَنِعَةٌ، وَالْأَعْصَارُ كلها طافحة
بِأَهْلِ الْبَيَانِ وَحَمَلَةِ عِلْمِ اللِّسَانِ وَأَئِمَّةِ الْبَلَاغَةِ.. وَفُرْسَانِ الْكَلَامِ، وَجَهَابِذَةِ «1» الْبَرَاعَةِ.. وَالْمُلْحِدُ فِيهِمْ كَثِيرٌ.. وَالْمُعَادِي لِلشَّرْعِ عَتِيدٌ.. فَمَا مِنْهُمْ مَنْ أَتَى بِشَيْءٍ يُؤْثَرُ فِي مُعَارَضَتِهِ.. وَلَا أَلَّفَ كَلِمَتَيْنِ فِي مُنَاقَضَتِهِ.. وَلَا قَدَرَ فِيهِ عَلَى مَطْعَنٍ صَحِيحٍ.. وَلَا قَدَحَ الْمُتَكَلِّفُ مِنْ ذِهْنِهِ فِي ذَلِكَ إِلَّا بِزَنْدٍ «2» شَحِيحٍ.. بَلِ الْمَأْثُورُ عَنْ كُلِّ مَنْ رَامَ ذَلِكَ إِلْقَاؤُهُ فِي الْعَجْزِ بيديه، والنكوص «3» على عقبيه..
الفصل الحادي عشر وجوه أخرى للإعجاز
الْفَصْلُ الْحَادِي عَشَرَ وُجُوهٌ أُخْرَى لِلْإِعْجَازِ وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ فِي إِعْجَازِهِ وُجُوهًا كَثِيرَةً مِنْهَا: أَنَّ قَارِئَهُ لَا يَمَلُّهُ، وَسَامِعَهُ لَا يَمُجُّهُ «1» .. بَلِ الْإِكْبَابُ عَلَى تِلَاوَتِهِ يَزِيدُهُ حَلَاوَةً.. وَتَرْدِيدُهُ يُوجِبُ لَهُ مَحَبَّةً.. لَا يَزَالُ غَضًّا طَرِيًّا.. وَغَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ.. وَلَوْ بَلَغَ فِي الْحُسْنِ وَالْبَلَاغَةِ مَبْلَغَهُ يُمَلُّ مَعَ التَّرْدِيدِ، وَيُعَادَى إِذَا أُعِيدَ وَكِتَابُنَا يُسْتَلَذُّ بِهِ فِي الْخَلَوَاتِ.. وَيُؤْنَسُ بِتِلَاوَتِهِ فِي الْأَزَمَاتِ.. وَسِوَاهُ مِنَ الْكُتُبِ لَا يُوجَدُ فِيهَا ذَلِكَ.. حتى أحدث لها أَصْحَابُهَا لُحُونًا وَطُرُقًا يَسْتَجْلِبُونَ بِتِلْكَ اللُّحُونِ تَنْشِيطَهُمْ على قراءتها.
وَلِهَذَا وَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ بِأَنَّهُ «1» : «لَا يَخْلَقُ «2» عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عِبَرُهُ وَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ.. هُوَ الْفَصْلُ «3» لَيْسَ بِالْهَزْلِ لَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا تَزِيغُ «4» بِهِ الْأَهْوَاءُ.. وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ.. هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ حِينَ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا «إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ «5» » . وَمِنْهَا: جَمْعُهُ لِعُلُومٍ وَمَعَارِفَ لَمْ تَعْهَدِ الْعَرَبُ عَامَّةً وَلَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ خَاصَّةً بِمَعْرِفَتِهَا وَلَا الْقِيَامِ بِهَا.. وَلَا يُحِيطُ بِهَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَمِ.. ولا يشتمل عليها كتاب على كُتُبِهِمْ.. فَجَمَعَ فِيهِ مِنْ بَيَانِ عَلْمِ الشَّرَائِعِ والتنبه عَلَى طُرُقِ الْحُجَجِ الْعَقْلِيَّاتِ. وَالرَّدِّ عَلَى فِرَقِ الْأُمَمِ بِبَرَاهِينَ قَوِيَّةٍ وَأَدِلَّةٍ بَيِّنَةٍ سَهْلَةِ الْأَلْفَاظِ مُوجَزَةِ الْمَقَاصِدِ.. رَامَ الْمُتَحَذْلِقُونَ «6» بَعْدَ أَنْ يَنْصِبُوا أدلة مثلها فلم
يَقْدِرُوا عَلَيْهَا ... كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى «1» » . وَ «قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ «2» » وَ «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا «3» » إِلَى مَا حَوَاهُ مِنْ عُلُومِ السِّيَرِ، وَأَنْبَاءِ الْأُمَمِ وَالْمَوَاعِظِ وَالْحِكَمِ، وَأَخْبَارِ الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَمَحَاسِنِ الْآدَابِ وَالشِّيَمِ «4» ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ «مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ «5» » و «وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ» » و «وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ «7» » . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «8» «إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ آمِرًا وَزَاجِرًا وَسُنَّةً خَالِيَةً «9» ، وَمَثَلًا مَضْرُوبًا.. فِيهِ نَبَؤُكُمْ وَخَبَرُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ.. وَنَبَأُ مَا بَعْدَكُمْ.. وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ.. لا يخلقه طول
الرَّدِّ.. وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ.. هُوَ الْحَقُّ لَيْسَ بِالْهَزْلِ.. مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ.. وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ.. وَمَنْ خَاصَمَ بِهِ فَلَجَ «1» وَمَنْ قَسَمَ «2» بِهِ أَقْسَطَ «3» .. وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ.. وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.. من طَلَبَ الْهُدَى مِنْ غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ.. وَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِهِ قَصَمَهُ «4» اللَّهُ.. هُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ.. وَالنُّورُ الْمُبِينُ.. وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ.. وَحَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ.. وَنَجَاةٌ لمن اتبعه.. لا يعوج فيقوّم.. ولا يزيع فَيُسْتَعْتَبَ «5» وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ.. وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ.. وَنَحْوُهُ «6» عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «7» .. وَقَالَ فيه: ولا يختلف.. ولا يتشانّ «8» .. فيه فنبأ الأولين والآخرين.
وَفِي الْحَدِيثِ «1» ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي مُنَزِّلٌ عَلَيْكَ تَوْرَاةً حَدِيثَةً. تَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا.. وَآذَانًا صُمًّا.. وَقُلُوبًا غُلْفًا.. فِيهَا يَنَابِيعُ الْعِلْمِ.. وَفَهْمُ الْحِكْمَةِ.. وَرَبِيعُ الْقُلُوبِ» وَعَنْ كَعْبٍ «2» «عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ فَهْمُ الْعُقُولِ. وَنُورُ الْحِكْمَةِ» . وَقَالَ تَعَالَى: «إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ «3» » . وقال: «هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً «4» » الْآيَةَ. فَجُمِعَ فِيهِ مَعَ وَجَازَةِ أَلْفَاظِهِ وَجَوَامِعِ كَلِمِهِ أَضْعَافُ مَا فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ.. الَّتِي أَلْفَاظُهَا عَلَى الضِّعْفِ مِنْهُ مَرَّاتٍ. وَمِنْهَا: جَمْعُهُ فِيهِ بَيْنَ الدَّلِيلِ «5» وَمَدْلُولِهِ «6» .. وَذَلِكَ أَنَّهُ احْتَجَّ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ وَصْفِهِ وَإِيجَازِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَأَثْنَاءَ هَذِهِ الْبَلَاغَةِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ وَوَعْدُهُ وَوَعِيدُهُ.. فَالتَّالِي له يفهم موضع الحجة
وَالتَّكْلِيفِ مَعًا مِنْ كَلَامٍ وَاحِدٍ، وَسُورَةٍ مُنْفَرِدَةٍ. وَمِنْهَا: أَنَّ جَعْلَهُ فِي حَيِّزِ الْمَنْظُومِ الَّذِي لم يعهد، ولم يكن في الْمَنْثُورِ.. لِأَنَّ الْمَنْظُومَ أَسْهَلُ عَلَى النُّفُوسِ.. وَأَوْعَى للقلوب، وأسمح فِي الْآذَانِ.. وَأَحْلَى عَلَى الْأَفْهَامِ، فَالنَّاسُ إِلَيْهِ أميل.. والأهواء إليه أسرع.. ومنا: تيسيره تعالى حفظه لمتعلمه.. وَتَقْرِيبُهُ عَلَى مُتَحَفِّظِيهِ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ «1» » وَسَائِرُ الْأُمَمِ لَا يَحْفَظُ كُتُبَهَا الْوَاحِدُ مِنْهُمْ فَكَيْفَ الْجَمَّاءُ عَلَى مُرُورِ السِّنِينَ عَلَيْهِمْ.. وَالْقُرْآنُ مُيَسَّرٌ حِفْظُهُ لِلْغِلْمَانِ فِي أَقْرَبِ مُدَّةٍ. وَمِنْهَا: مُشَاكَلَةُ «2» بَعْضِ أَجْزَائِهِ بَعْضًا.. وَحُسْنُ ائْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا.. والتتئام أَقْسَامِهَا.. وَحُسْنُ التَّخَلُّصِ مِنْ قِصَّةٍ إِلَى أُخْرَى.. وَالْخُرُوجِ مِنْ بَابٍ إِلَى غَيْرِهِ عَلَى اخْتِلَافِ مَعَانِيهِ.. وَانْقِسَامُ السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى: أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَخَبَرٍ وَاسْتِخْبَارٍ، وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ وَإِثْبَاتِ نُبُوَّةٍ وَتَوْحِيدٍ وتقرير «3» وترغيب
وَتَرْهِيبٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فَوَائِدِهِ.. دُونَ خَلَلٍ يَتَخَلَّلُ فُصُولَهُ. وَالْكَلَامُ الْفَصِيحُ إِذَا اعْتَوَرَهُ «1» مِثْلُ هَذَا ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ.. وَلَانَتْ جَزَالَتُهُ.. وَقَلَّ رونقه.. وتقلقلت ألفاظه.. فتأمل أول «ص «2» » وَمَا جُمِعَ فِيهَا مِنْ أَخْبَارِ الْكُفَّارِ، وَشِقَاقِهِمْ، وَتَقْرِيعِهِمْ بِإِهْلَاكِ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِهِمْ.. وَمَا ذُكِرَ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَتَعَجُّبِهِمْ مِمَّا أَتَى بِهِ، وَالْخَبَرِ عَنِ اجْتِمَاعِ مَلَئِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ.. وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْحَسَدِ فِي كَلَامِهِمْ.. وَتَعْجِيزِهِمْ. وَتَوْهِينِهِمْ.. وَوَعِيدِهِمْ بِخِزْيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.. وَتَكْذِيبِ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ.. وَإِهْلَاكِ اللَّهِ لَهُمْ.. وَوَعِيدِ هَؤُلَاءِ مِثْلَ مُصَابِهِمْ.. وَتَصْبِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَذَاهُمْ.. وَتَسْلِيَتِهِ بِكُلِّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. ثُمَّ أَخَذَ فِي ذكر داوود «3» .. وَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ.. كُلُّ هَذَا فِي أَوْجَزِ كَلَامٍ، وأحسن نظام.. ومنها: الْجُمْلَةُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي انْطَوَتْ عَلَيْهَا الْكَلِمَاتُ الْقَلِيلَةُ. وَهَذَا كُلُّهُ.. وَكَثِيرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ ذُكِرَ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ إِلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. ذَكَرَهَا الأئمة لم نذكرها.. إذ أكثرها داخل
في باب بلاغته.. فلا نحب أَنْ يُعَدَّ فَنًّا مُنْفَرِدًا فِي إِعْجَازِهِ.. إِلَّا فِي بَابِ تَفْصِيلِ فُنُونِ الْبَلَاغَةِ.. وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنْهُمْ.. يُعَدُّ فِي خَوَاصِّهِ وفضائله.. لا في إِعْجَازِهِ. وَحَقِيقَةُ الْإِعْجَازِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَلْيُعْتَمَدْ عَلَيْهَا. وَمَا بَعْدَهَا.. مِنْ خَوَاصِّ الْقُرْآنِ وَعَجَائِبِهِ الَّتِي لَا تَنْقَضِي. وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.
الفصل الثاني عشر في انشقاق القمر وحبس الشمس
الفصل الثاني عشر في انْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَحَبْسُ الشَّمْسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ «1» » «2» أَخْبَرَ تَعَالَى بِوُقُوعِ انْشِقَاقِهِ بِلَفْظِ الْمَاضِي. وَإِعْرَاضِ الْكَفَرَةِ عَنْ آيَاتِهِ. وَأَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ السُّنَّةِ على وقوعه عَنِ «3» ابْنِ مَسْعُودٍ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةً فَوْقَ الْجَبَلِ «5» ، وفرقة دونه
فقال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْهَدُوا وَفِي رِوَايَةِ «1» مُجَاهِدٍ «2» : وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.. وفي بعض طرق الأعمش «3» : بمعنى.. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْأَسْوَدُ» وَقَالَ «5» : حتى رأيت الجبل بين فرجتي القمر الْقَمَرِ. وَرَوَاهُ عَنْهُ مَسْرُوقٌ «6» أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ «7» . وزاد: فقال: فَقَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: «سَحَرَكُمُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ «8» » فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: «إِنَّ مُحَمَّدًا إِنْ كَانَ سَحَرَ الْقَمَرَ فَإِنَّهُ لَا يَبْلُغُ مِنْ سِحْرِهِ أَنْ يَسْحَرَ الْأَرْضَ كُلَّهَا.. فَاسْأَلُوا مَنْ يَأْتِيكُمْ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ.. هَلْ رَأَوْا هَذَا؟. فَأَتَوْا فسألوهم.. فأخبر وهم أنّهم رأوا مثل ذلك»
وحكى السمرقندي «1» عن الضحاك «2» نحوه فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ «3» : هَذَا سِحْرٌ.. فَابْعَثُوا إِلَى أَهْلِ الْآفَاقِ حَتَّى تَنْظُرُوا.. أَرَأَوْا ذَلِكَ أَمْ لَا!!. فَأَخْبَرَ أَهْلُ الْآفَاقِ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ مُنْشَقًّا.. فقالوا- يعني الكفار- هذا سحر مستمر رواه أَيْضًا عَنِ ابْنِ «4» مَسْعُودٍ عَلْقَمَةُ «5» فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ ابْنِ مَسْعُودٍ.. كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ: أَنَسٌ «6» - وَابْنُ عَبَّاسٍ «7» - وَابْنُ عُمَرَ «8» - وَحُذَيْفَةُ «9» وَعَلِيٌّ «10» - وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ «11» - فَقَالَ عَلِيٌّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حذيفة الأرحبي «12» «انشق القمر ونحن
مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَعَنْ أَنَسٍ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ القمر مرتين «1» حتى رأوا حراء بينما.. رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ قَتَادَةُ «2» وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ «3» وَغَيْرِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْهُ «4» : أَرَاهُمُ الْقَمَرَ مَرَّتَيْنِ انشقاقه «5» .. فنزلت «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ «6» » . وَرَوَاهُ عَنْ جُبَيْرِ «7» بْنِ مُطْعِمٍ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ «8» ، وَابْنُ ابْنِهِ جُبَيْرُ «9» بْنُ مُحَمَّدٍ وَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «10» عُبَيْدُ اللَّهِ «11» بْنُ عَبْدِ الله بن عتبة.
وَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «1» مُجَاهِدٌ «2» . وَرَوَاهُ عَنْ حُذَيْفَةَ «3» أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ «4» السُّلَمِيُّ، وَمُسْلِمُ» بْنُ أَبِي عِمْرَانَ الْأَزْدِيُّ. وَأَكْثَرُ طُرُقِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَحِيحَةٌ.. وَالْآيَةُ مُصَرِّحَةٌ.. وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى اعْتِرَاضِ مَخْذُولٍ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا لَمْ يَخْفَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ إِذْ هُوَ شَيْءٌ ظَاهِرٌ لِجَمِيعِهِمْ.. إِذْ لَمْ يُنْقَلْ لَنَا عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنَّهُمْ رَصَدُوهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.. فَلَمْ يَرَوْهُ انْشَقَّ.. وَلَوْ نُقِلَ إِلَيْنَا عَمَّنْ لَا يَجُوزُ تَمَالُؤُهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ لَمَا كَانَتْ عَلَيْنَا بِهِ حُجَّةٌ.. إِذْ لَيْسَ الْقَمَرُ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ.. فَقَدْ يَطْلُعُ عَلَى قوم قبل أن يطلع على الآخرين.. وَقَدْ يَكُونُ مِنْ قَوْمٍ بِضِدِّ مَا هُوَ من مقابليهم مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ.. أَوْ يَحُولُ بَيْنَ قَوْمٍ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ أَوْ جِبَالٌ.. وَلِهَذَا نَجِدُ الْكُسُوفَاتِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ دُونَ بَعْضٍ.. وَفِي بَعْضِهَا جُزْئِيَّةً.. وَفِي بَعْضِهَا كُلِّيَّةً.. وَفِي بَعْضِهَا لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْمُدَّعُونَ لِعِلْمِهَا «ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ «6» » وآية القمر
كانت ليلا.. والعادة من الناس بالليل الهدوء وَالسُّكُونُ. وَإِيجَافُ «1» الْأَبْوَابِ، وَقَطْعُ التَّصَرُّفِ.. وَلَا يَكَادُ يَعْرِفُ مِنْ أُمُورِ السَّمَاءِ شَيْئًا إِلَّا مَنْ رَصَدَ ذَلِكَ، وَاهْتَبَلَ «2» بِهِ، وَلِذَلِكَ مَا يَكُونُ الْكُسُوفُ الْقَمَرِيُّ كَثِيرًا فِي الْبِلَادِ.. وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُ بِهِ حَتَّى يُخْبَرَ.. وَكَثِيرًا مَا يُحَدِّثُ الثقات بعجائب يشاهد ونها مِنْ أَنْوَارٍ وَنُجُومٍ طَوَالِعَ عِظَامٍ تَظْهَرُ فِي الْأَحْيَانِ بِاللَّيْلِ فِي السَّمَاءِ وَلَا عِلْمَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهَا.. وَخَرَّجَ الطَّحَاوِيُّ «3» فِي مُشْكِلِ الْحَدِيثِ عَنْ أَسْمَاءَ «4» بِنْتِ عُمَيْسٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» : كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ «6» فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ. حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ؟ .. قَالَ: لَا.. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ.. قَالَتْ أسماء: فرأيتها غربت
ثم رأيتها طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ.. وَوَقَفَتْ عَلَى الْجِبَالِ وَالْأَرْضِ وَذَلِكَ بِالصَّهْبَاءِ فِي خَيْبَرَ.. قَالَ: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ «1» ثَابِتَانِ، وَرُوَاتُهُمَا ثِقَاتٌ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ أَحْمَدَ «2» بْنَ صَالِحٍ كَانَ يَقُولُ: «لَا يَنْبَغِي لِمَنْ سَبِيلُهُ الْعِلْمُ التَّخَلُّفُ عَنْ حِفْظِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ، لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ» . وَرَوَى يُونُسُ «3» بن بكير في زيادة المغازي، روايته عن ابن اسحق «4» : «لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَ قَوْمَهُ بِالرُّفْقَةِ وَالْعَلَامَةِ الَّتِي فِي الْعِيرِ قَالُوا: مَتَى تَجِيءُ؟ .. قَالَ: يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ.. أَشْرَفَتْ قُرَيْشٌ يَنْظُرُونَ وقد ولّى النهار ولم تجيء.. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِيدَ لَهُ فِي النَّهَارِ سَاعَةٌ وَحُبِسَتْ عَلَيْهِ الشمس» .
الفصل الثالث عشر نبع الماء من بين أصابعه وتكثيره ببركته
الفصل الثالث عشر نَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَتَكْثِيرِهِ بِبَرَكَتِهِ أَمَّا الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا فَكَثِيرَةٌ جِدًّا.. رَوَى حَدِيثَ نَبْعِ الْمَاءِ مِنْ أَصَابِعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ: أَنَسٌ «1» - وجابر «2» - وابن مسعود «3» عَنْ «4» أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحانت صلاة العصر، فالتمس الْوُضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ.. فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ يده وأمر الناس أن يتوضؤوا مِنْهُ.. قَالَ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أصابعه.. فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند
آخِرِهِمْ.. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ قَتَادَةُ «1» وَقَالَ «2» : «بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ يَغْمُرُ أَصَابِعَهُ أَوْ لَا يكاد يغمر» .. قال: كم كنتم؟ .. قال: زهاء ثلاث مئة. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: «وَهُمْ بِالزَّوْرَاءِ «3» عِنْدَ السُّوقِ» وَرَوَاهُ أَيْضًا- حُمَيْدٌ «4» - وَثَابِتٌ «5» - وَالْحَسَنُ «6» عَنْ أَنَسٍ وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ قُلْتُ. كَمْ كَانُوا؟ .. قَالَ: ثمانين رجلا. وَنَحْوُهُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْهُ. وَعَنْهُ أَيْضًا وَهُمْ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ «7» .. فَفِي الصَّحِيحِ «8» مِنْ رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ «9» عَنْهُ: «بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ.. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطْلُبُوا مَنْ مَعَهُ فَضْلُ مَاءٍ.. فَأُتِيَ بِمَاءٍ فَصَبَّهُ فِي إِنَاءٍ. ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ.. فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم» .
وَفِي الصَّحِيحِ «1» عَنْ سَالِمِ «2» بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ «4» .. وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ «5» . فَتَوَضَّأَ مِنْهَا.. وَأَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ.. وَقَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ إِلَّا مَا فِي رَكْوَتِكَ.. فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يفوز مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ. وَفِيهِ: فَقُلْتُ: كم كنتم؟ .. قال: «لو كنا مئة ألف لكفانا كنا خمس عشرة «6» مئة..» وري «7» مِثْلُهُ عَنْ أَنَسٍ» عَنْ جَابِرٍ وَفِيهِ. «أَنَّهُ كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةِ» .. وَفِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ «9» بْنِ عُبَادَةَ بن الصامت عنه في حديث
مُسْلِمٍ «1» الطَّوِيلِ فِي ذِكْرِ غَزْوَةِ بُوَاطٍ «2» قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «يَا جَابِرُ.. نَادِ الْوُضُوءَ- وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَأَنَّهُ: لَمْ يَجِدْ إِلَّا قَطْرَةً فِي عزلاء «3» شجب فأتي به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَمَزَهُ «4» وَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لا أدري ما هو..» وقال: «نادبجفنة «5» الرَّكْبِ فَأَتَيْتُ بِهَا فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ..» وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَسَطَ يَدَهُ فِي الْجَفْنَةِ، وَفَرَّقَ أَصَابِعَهُ.. وَصَبَّ جَابِرٌ عَلَيْهِ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ قَالَ: «فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ..» ثُمَّ فَارَتِ الْجَفْنَةُ وَاسْتَدَارَتْ حَتَّى امْتَلَأَتْ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالِاسْتِقَاءِ فَاسْتَقَوْا حَتَّى رَوَوْا.. فَقُلْتُ: «هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَهُ حَاجَةٌ» فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يده من الجنفة وَهِيَ مَلْأَى «6» وَعَنِ «7» الشِّعْبِيِّ «8» : أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ بِإِدَاوَةِ
مَاءٍ وَقِيلَ: مَا مَعَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاءٌ غَيْرُهَا.. فَسَكَبَهَا فِي رَكْوَةٍ.. وَوَضَعَ إِصْبُعَهُ وَسَطَهَا وَغَمَسَهَا فِي الْمَاءِ.. وَجَعَلَ النَّاسُ يَجِيئُونَ ويتوضؤون ثُمَّ يَقُومُونَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ «1» .. وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «2» ... وَمِثْلُ هَذَا فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الْحَفِلَةِ وَالْجُمُوعِ الْكَثِيرَةِ لَا تَتَطَرَّقُ التُّهْمَةُ إِلَى الْمُحَدِّثِ بِهِ.. لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَسْرَعَ شَيْءٍ إلى تكذييه لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا مِمَّنْ لَا يَسْكُتُ عَلَى بَاطِلٍ.. فَهَؤُلَاءِ قَدْ رَوَوْا هَذَا وَأَشَاعُوهُ.. وَنَسَبُوا حُضُورَ الْجَمَّاءِ الْغَفِيرِ لَهُ.. وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِمْ مَا حَدَّثُوا بِهِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ وشاهدوه.. فصار كتصديق جميعهم له.
الفصل الرابع عشر تفجير الماء ببركته
الفصل الرابع عشر تفجير الماء ببركته وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ.. تَفْجِيرُ الْمَاءِ بِبَرَكَتِهِ وَابْتِعَاثُهُ بِمَسِّهِ وَدَعْوَتِهِ. فِيمَا رَوَى مَالِكٌ «1» فِي الْمُوَطَّإِ «2» عَنْ «3» مُعَاذِ «4» بْنِ جَبَلٍ فِي قِصَّةِ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَأَنَّهُمْ وَرَدُوا الْعَيْنَ وَهِيَ تبضّ «5» بشيء من ماء مثل
الشِّرَاكِ «1» .. فَغَرَفُوا مِنَ الْعَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ «2» ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَأَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتْ بِمَاءٍ كَثِيرٍ.. فَاسْتَقَى النَّاسُ.. قَالَ في حديث «3» ابن إسحق «4» : «فانخرق «5» من الماء ماله حِسٌّ كَحِسِّ الصَّوَاعِقِ ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى ما هاهنا قد مليء جنانا..» وفي حديث البراء «6» .. وسلمة «7» بْنِ الْأَكْوَعِ.. وَحَدِيثُهُ أَتَمُّ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ: وهم أربع عشرة مئة.. وَبِئْرُهَا لَا تَرْوِي خَمْسِينَ شَاةً.. فَنَزَحْنَاهَا «8» فَلَمْ نترك فيها قطرة.. فقعد رسول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبَاهَا «1» قال البراء- وأوتي بِدَلْوٍ مِنْهَا فَبَصَقَ.. فَدَعَا وَقَالَ سَلَمَةُ- فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَصَقَ فِيهَا.. فَجَاشَتْ «2» .. فَأَرْوَوْا أَنْفُسَهُمْ وركابهم.. وفي غير هاتين الرِّوَايَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ «3» فِي الْحُدَيْبِيَةِ: فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَوَضَعَهُ فِي قَعْرِ قَلِيبٍ «4» لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ.. فَرُوِيَ النَّاسُ حَتَّى ضَرَبُوا بِعَطَنٍ «5» وَعَنْ «6» أَبِي قَتَادَةَ «7» وَذَكَرَ: أَنَّ النَّاسَ شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطَشَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ.. فَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ» فَجَعَلَهَا فِي ضَبْنِهِ «9» ثُمَّ الْتَقَمَ فَمَهَا.. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.. نَفَثَ فِيهَا أم لا.. فشرب الناس حتى رووا وملؤوا كل إناء معهم.. فخيّل إلي أنها
كَمَا أَخَذَهَا مِنِّي. وَكَانُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ رَجُلًا.. وَرَوَى مِثْلَهُ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «1» .. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ «2» حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِهِمْ مُمِدًّا «3» لِأَهْلِ مُؤْتَةَ «4» عِنْدَمَا بَلَغَهُ قَتْلُ الْأُمَرَاءِ- وَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ مُعْجِزَاتٌ وَآيَاتٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِيهِ إِعْلَامُهُمْ أَنَّهُمْ يَفْقِدُونَ الْمَاءَ فِي غَدٍ- وذكر حديث الميضأة- قال- والقوم زهاء ثلاث مئة» . وَفِي كِتَابِ مُسْلِمٍ «5» . أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: «احْفَظْ عَلَيَّ مِيضَأَتَكَ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ- وَذَكَرَ نَحْوَهُ..» وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ «6» عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حِينَ أَصَابَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ عَطَشٌ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِمْ فَوَجَّهَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَعْلَمَهُمَا أَنَّهُمَا يَجِدَانِ امْرَأَةً بِمَكَانِ كَذَا مَعَهَا بَعِيرٌ عَلَيْهِ مَزَادَتَانِ «7» الْحَدِيثَ فَوَجَدَاهَا وَأَتَيَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَجَعَلَ فِي إِنَاءٍ مِنْ مَزَادَتَيْهَا وقال: فيه: ما شاء الله
أَنْ يَقُولَ.. ثُمَّ أَعَادَ الْمَاءَ فِي الْمَزَادَتَيْنِ.. ثم فتحت عزاليهما «1» . وأمر الناس فماؤا أسقيتهم حتى لم يدعوا شيئا إلّا ماؤوه.. قال عمران: ويخيل إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَمْ تَزْدَادَا إِلَّا امْتِلَاءً.. ثُمَّ أمر فجمع المرأة مِنَ الْأَزْوَادِ حَتَّى مَلَأَ ثَوْبَهَا.. وَقَالَ: اذْهَبِي فَإِنَّا لَمْ نَأْخُذْ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا.. وَلَكِنَّ اللَّهَ سَقَانَا.. الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.. وَعَنْ سَلَمَةَ «2» بْنِ الْأَكْوَعِ.. قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ مِنْ وُضُوءٍ؟. فَجَاءَ رَجُلٌ بِإِدَاوَةٍ «3» فِيهَا نُطْفَةٌ «4» فَأَفْرَغَهَا فِي قَدَحٍ.. فَتَوَضَّأْنَا كُلُّنَا ندغفقه «5» دغفقة أربع عشرة مئة. وَفِي حَدِيثِ «6» عُمَرَ «7» فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ «8» .. وَذَكَرَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْعَطَشِ: حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ ليخر يعيره فيعصر فرثه «9» فيشربه..
فَرَغِبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ.. فَرَفَعَ يَدَيْهِ ... فَلَمْ يُرْجِعْهُمَا حَتَّى قَالَتِ «1» السَّمَاءُ فانسكبت «2» .. فملؤوا مَا مَعَهُمْ مِنْ آنِيَةٍ.. وَلَمْ تُجَاوِزِ الْعَسْكَرَ. وعن عمر «3» بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَّ أَبَا طَالِبٍ «4» قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَدِيفُهُ بِذِي الْمَجَازِ «5» : عَطِشْتُ وَلَيْسَ عِنْدِي مَاءٌ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَرَبَ بِقَدَمِهِ الْأَرْضَ فَخَرَجَ الْمَاءُ فَقَالَ اشْرَبْ، وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرٌ.. وَمِنْهُ الْإِجَابَةُ بِدُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ وَمَا جاء به..
الفصل الخامس عشر تكثير الطعام ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تكثير الطعام ببركته ودعائه
الفصل الخامس عشر تكثير الطّعام ومن معجزاته صلّى الله عليه وسلم تكثير الطعام ببركته ودعائه عَنْ «1» جَابِرٍ «2» أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطْعِمُهُ فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ «3» وَسْقِ «4» شَعِيرٍ.. فَمَا زَالَ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفُهُ حَتَّى كَالَهُ.. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ.. وَلَقَامَ بِكُمْ «5» .. وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ «6» أَبِي طَلْحَةَ «7» الْمَشْهُورُ: وَإِطْعَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَمَانِينَ «1» أَوْ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ أَقْرَاصٍ مِنْ شَعِيرٍ.. جَاءَ بِهَا أَنَسٌ «2» تَحْتَ يَدِهِ- أَيْ إبطه- فأمر بها ففتّت وقال فيها: مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ.. وَحَدِيثُ جَابِرٍ» فِي إِطْعَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَلْفَ رَجُلٍ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ وَعَنَاقٍ «4» وَقَالَ جَابِرٌ: فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا.. وَإِنَّ بُرْمَتَنَا «5» لَتَغَطُّ «6» كَمَا هِيَ.. وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ.. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَقَ فِي الْعَجِينِ وَالْبُرْمَةِ وَبَارَكَ.. رَوَاهُ عَنْ «7» جَابِرٍ سَعِيدُ «8» بْنُ مِينَاءَ وَأَيْمَنُ «9» . وَعَنْ ثَابِتٍ «10» : مِثْلُهُ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وامرأته.. لم يُسَمِّهِمَا «11» قَالَ: وَجِيءَ بِمِثْلِ الْكَفِّ.. فَجَعَلَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلم
يَبْسُطُهَا فِي الْإِنَاءِ وَيَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ.. فَأَكَلَ مِنْهُ مَنْ فِي الْبَيْتِ وَالْحُجْرَةِ وَالدَّارِ وَكَانَ ذَلِكَ قَدِ امْتَلَأَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَهُ صلّى الله عليه وسلم لذلك.. وبقي بعدما شَبِعُوا مِثْلُ مَا كَانَ فِي الْإِنَاءِ. وَحَدِيثُ «1» أبي أيوب «2» : أنه صنع لرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي «3» بَكْرٍ مِنَ الطَّعَامِ زُهَاءَ مَا يَكْفِيهِمَا.. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْعُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَشْرَافِ الْأَنْصَارِ.. فَدَعَاهُمْ.. فَأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوا.. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ سِتِّينَ.. فَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ قال: ادع سبعين.. فأكلوا حتى تركوه وَمَا خَرَجَ مِنْهُمْ أَحَدٌ حَتَّى أَسْلَمَ وَبَايَعَ.. قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَأَكَلَ مِنْ طَعَامِي مِائَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا.. وَعَنْ «4» سَمُرَةَ «5» بْنِ جُنْدُبٍ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا لَحْمٌ فَتَعَاقَبُوهَا مِنْ غَدْوَةٍ حَتَّى اللَّيْلِ يَقُومُ قوم، ويقعد آخرون..
وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ «1» عَبْدِ الرَّحْمَنِ «2» بْنِ أَبِي بَكْرٍ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً- وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ عُجِنَ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ.. وَصُنِعَتْ شَاةٌ فَشُوِيَ سَوَادُ «3» بَطْنِهَا قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ مَا مِنَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ إِلَّا وَقَدْ حَزَّ «4» لَهُ حَزَّةً «5» من سواد بطنها.. ثمّ جعل منها قَصْعَتَيْنِ فَأَكَلْنَا أَجْمَعُونَ، وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ، فَحَمَلْتُهُ عَلَى الْبَعِيرِ وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ «6» عَبْدِ الرَّحْمَنِ «7» بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ «8» ، وَمِثْلُهُ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «9» ، وَأَبِي «10» هُرَيْرَةَ وَعُمَرَ بْنِ الخطاب «11» رضي الله عنهم فَذَكَرُوا مَخْمَصَةً «12» أَصَابَتِ النَّاسَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم في بعض
مَغَازِيهِ.. فَدَعَا بِبَقِيَّةِ الْأَزْوَادِ.. فَجَاءَ الرَّجُلُ بِالْحَثْيَةِ «1» مِنَ الطَّعَامِ وَفَوْقَ ذَلِكَ.. وَأَعْلَاهُمُ «2» الَّذِي أَتَى بِالصَّاعِ مِنَ التَّمْرِ.. فَجَمَعَهُ عَلَى نِطْعٍ «3» .. قَالَ سلمة: فخزرته «4» كَرَبْضَةِ «5» الْعَنْزِ ثُمَّ دَعَا النَّاسَ بِأَوْعِيَتِهِمْ، فَمَا بقي في الجيش وعاء إلا ملؤوه.. وَبَقِيَ مِنْهُ قَدْرُ مَا جَعَلَ وَأَكْثَرُ.. وَلَوْ وَرَدَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ لَكَفَاهُمْ. وَعَنْ «6» أَبِي هُرَيْرَةَ.. أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَدْعُوَ لَهُ أَهْلَ الصُّفَّةِ.. فَتَتَبَّعْتُهُمْ حَتَّى جَمَعْتُهُمْ.. فوضعت بين أيدينا صحفة» .. فَأَكَلْنَا مَا شِئْنَا وَفَرَغْنَا وَهِيَ مِثْلُهَا حِينَ وُضِعَتْ إِلَّا أَنَّ فِيهَا أَثَرَ الْأَصَابِعِ. وَعَنْ «8» علي بن أبي طالب «9» رضي الله عنه: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبَ وَكَانُوا أَرْبَعِينَ.. مِنْهُمْ قَوْمٌ يأكلون الجذعة «10»
وَيَشْرَبُونَ الْفَرَقَ «1» .. فَصَنَعَ لَهُمْ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا. وَبَقِيَ كَمَا هُوَ. ثُمَّ دَعَا بِعُسٍّ «2» فَشَرِبُوا حَتَّى رَوَوْا وَبَقِيَ كَأَنَّهُ لَمْ يُشْرَبْ مِنْهُ.. وَقَالَ «3» أَنَسٌ «4» : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ابْتَنَى بِزَيْنَبَ «5» أَمَرَهُ «6» أَنْ يَدْعُوَ لَهُ قَوْمًا سَمَّاهُمْ، وَكُلَّ مَنْ لَقِيتُ «7» حَتَّى امْتَلَأَ الْبَيْتُ وَالْحُجْرَةُ.. وَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ تَوْرًا «8» فِيهِ قَدْرُ مُدٍّ مِنْ تَمْرٍ جَعَلَ حَيْسًا «9» .. فَوَضَعَهُ قُدَّامَهُ وَغَمَسَ ثَلَاثَ أَصَابِعِهِ وجعل القوم
يَتَغَدَّوْنَ وَيَخْرُجُونَ.. وَبَقِيَ التَّوْرُ نَحْوًا مِمَّا كَانَ.. وَكَانَ الْقَوْمُ أَحَدًا أَوِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ.. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَوْ مِثْلِهَا إن القوم كانوا زهاء ثلاث مائة.. وَأَنَّهُمْ أَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا.. وَقَالَ لِي: ارْفَعْ.. فَلَا أَدْرِي حِينَ وُضِعَتْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رُفِعَتْ. وَفِي حَدِيثِ «1» جَعْفَرِ «2» بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ فَاطِمَةَ «4» طَبَخَتْ قِدْرًا لِغَدَائِهِمَا وَوَجَّهَتْ عَلِيًّا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَتَغَدَّى معهما.. فأمرها فغرفت منها لجميع نسائه صحفة صحفة.. ثُمَّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِعَلِيٍّ ثُمَّ لَهَا.. ثُمَّ رَفَعَتِ الْقِدْرَ وَإِنَّهَا لَتَفِيضُ.. قالت: فأكلنا منا مَا شَاءَ اللَّهُ.. وَأَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ «5» أن يزود أربع مائة رَاكِبٍ مِنْ أَحْمَسَ «6» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ما هي
إِلَّا أَصْوُعٌ قَالَ: اذْهَبْ.. فَذَهَبَ فَزَوَّدَهُمْ مِنْهُ.. وَكَانَ قَدْرَ الْفَصِيلِ «1» الرَّابِضِ مِنَ التَّمْرِ.. وَبَقِيَ بِحَالِهِ «2» .. مِنْ رِوَايَةِ دُكَيْنٍ الْأَحْمَسِيِّ.. وَمِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ «3» .. وَمِثْلُهُ «4» مِنْ رِوَايَةِ النُّعْمَانِ «5» بْنِ مُقَرِّنٍ.. الخبر بعينه إلا أنه قال.. أربع مائة رَاكِبٍ مِنْ مُزَيْنَةَ. وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ «6» جَابِرٍ «7» فِي دَيْنِ أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ كَانَ بَذَلَ لِغُرَمَاءِ أَبِيهِ أَصْلَ مَالِهِ فَلَمْ يَقْبَلُوهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي ثَمَرِهَا سَنَتَيْنِ كَفَافُ دَيْنِهِمْ.. فَجَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أن أمره بجذّها «8» وَجَعْلِهَا بَيَادِرَ فِي أُصُولِهَا.. فَمَشَى فِيهَا وَدَعَا، فَأَوْفَى مِنْهُ جَابِرٌ غُرَمَاءَ أَبِيهِ وَفَضَلَ مِثْلُ مَا كَانُوا يَجِدُونَ كُلَّ سَنَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ.. قَالَ: وَكَانَ الْغُرَمَاءُ يَهُودَ فعجبوا من ذلك.
وَقَالَ «1» أَبُو هُرَيْرَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَصَابَ النَّاسَ مَخْمَصَةٌ.. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْتُ: شَيْءٌ مِنَ التَّمْرِ فِي الْمِزْوَدِ «3» .. قَالَ: فَأْتِنِي بِهِ.. فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخْرَجَ قَبْضَةً فَبَسَطَهَا وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ.. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ عَشَرَةً.. فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا.. ثُمَّ عَشَرَةً كَذَلِكَ.. حَتَّى أَطْعَمَ الْجَيْشَ كُلَّهُمْ.. وَشَبِعُوا.. قَالَ: خُذْ مَا جِئْتَ بِهِ وَأَدْخِلْ يَدَكَ وَاقْبِضْ مِنْهُ وَلَا تَكُبَّهُ.. فَقَبَضْتُ عَلَى أَكْثَرِ مِمَّا جِئْتُ بِهِ.. فَأَكَلْتُ مِنْهُ وَأَطْعَمْتُ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي «4» بَكْرٍ وَعُمَرَ «5» إِلَى أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ» فَانْتُهِبَ مِنِّي فَذَهَبَ وَفِي «7» رِوَايَةٍ فَقَدْ حَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا مِنْ وَسْقٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.. وَذُكِرَتْ مِثْلُ هَذِهِ الْحِكَايَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَإِنَّ التَّمْرَ كَانَ بِضْعَ عَشْرَةَ تَمْرَةً. وَمِنْهُ أَيْضًا حَدِيثُ «8» أَبِي هريرة حين أصابه الجوع
فَاسْتَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ قَدْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ أَهْلَ الصُّفَّةِ.. قَالَ: فَقُلْتُ: مَا هَذَا اللَّبَنُ فِيهِمْ كُنْتُ أَحَقُّ أَنْ أُصِيبَ مِنْهُ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا فَدَعَوْتُهُمْ.. وَذَكَرَ أَمْرَ النبي صلّى الله عليه وسلم له أَنْ يَسْقِيَهُمْ، فَجَعَلْتُ أُعْطِي الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَأْخُذُهُ الْآخَرُ حَتَّى رُوِيَ جَمِيعُهُمْ قَالَ- فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَدَحَ.. وَقَالَ: بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ.. اقْعُدْ فَاشْرَبْ.. فَشَرِبْتُ ثُمَّ قَالَ: اشْرَبْ.. وَمَا زَالَ يَقُولُهَا وَأَشْرَبُ حَتَّى قُلْتُ.. لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا.. فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ «1» .. وَفِي حَدِيثِ «2» خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى «3» أَنَّهُ أَجَزَرَ «4» النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً.. وَكَانَ عِيَالُ خَالِدٍ كَثِيرًا.. يَذْبَحُ الشَّاةَ فَلَا تُبِدُّ «5» عِيَالَهُ عَظْمًا عَظْمًا.. وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل من هذه الشاة.. وجعل
فَضْلَتَهَا فِي دَلْوِ خَالِدٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ.. فَنَثَرَ ذَلِكَ لِعِيَالِهِ.. فَأَكَلُوا وَأَفْضَلُوا.. ذَكَرَ خَبَرَهُ الدُّولَابِيُّ «1» .. وَفِي حَدِيثِ الْآجُرِّيِّ «2» فِي إِنْكَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ «3» فَاطِمَةَ «4» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا بِقَصْعَةٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَمْدَادٍ.. أَوْ خَمْسَةٍ وَيَذْبَحُ جَزُورًا لِوَلِيمَتِهَا.. قَالَ.. فَأَتَيْتُهُ بِذَلِكَ.. فَطَعَنَ فِي رَأْسِهَا.. ثُمَّ أَدْخَلَ النَّاسَ رُفْقَةً «5» رُفْقَةً يَأْكُلُونَ مِنْهَا حَتَّى فَرَغُوا.. وَبَقِيَتْ مِنْهَا فَضْلَةٌ.. فَبَرَّكَ فيها وأمر بحملها إلى إِلَى أَزْوَاجِهِ.. وَقَالَ: «كُلْنَ وَأَطْعِمْنَ مَنْ غَشِيَكُنَّ» . وفي «6» حديث «7» أنس رضي الله عنه تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ «8» حَيْسًا فَجَعَلَتْهُ فِي تور.. فذهبت به إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقال: ضَعْهُ وَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا.. وَمَنْ لَقِيتَ فَدَعَوْتُهُمْ.. وَلَمْ أَدَعْ أَحَدًا لَقِيتُهُ إِلَّا دَعَوْتُهُ.. وذكر أنهم كانوا زهاء ثلاث مائة.. حتى الصُّفَّةَ وَالْحُجْرَةَ.. فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَحَلَّقُوا عَشْرَةً عَشْرَةً. وَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى الطَّعَامِ فَدَعَا فِيهِ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ.. فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا كُلُّهُمْ.. فَقَالَ لِي ارْفَعْ.. فَمَا أَدْرِي حِينَ وُضِعَتْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رُفِعَتْ وَأَكْثَرُ أَحَادِيثِ هَذِهِ الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ فِي الصَّحِيحِ.. وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَى مَعْنَى حَدِيثِ هَذَا الْفَصْلِ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ.. رَوَاهُ عَنْهُمْ أَضْعَافُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ ثُمَّ مِنْ لَا يَنْعَدُّ بَعْدَهُمْ.. وَأَكْثَرُهَا فِي قِصَصٍ مَشْهُورَةٍ ومجامع مشهورة.. وَلَا يُمْكِنُ التَّحَدُّثُ عَنْهَا إِلَّا بِالْحَقِّ.. وَلَا يَسْكُتُ الْحَاضِرُ لَهَا عَلَى مَا أَنْكَرَ مِنْهَا.
الفصل السادس عشر في كلام الشجر وانقيادها في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته صلى الله عليه وسلم
الفصل السّادس عشر في كلام الشجر وانقيادها في كلام الشجر وشهادتها له بالنبوة وإجابتها دعوته صلّى الله عليه وسلم عَنِ «1» ابْنِ عُمَرَ «2» قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وسلم في سفر. فَدَنَا مِنْهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ.. أَيْنَ تُرِيدُ؟ .. قَالَ: إِلَى أَهْلِي.. قَالَ: هَلْ لَكَ إِلَى خَيْرٍ؟ .. قَالَ: وَمَا هُوَ؟؟. قَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.. وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.. قَالَ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى مَا تَقُولُ؟ قَالَ: هذه الشجرة السّمرة «3» . وهي بشاطيء الوادي.. فأقبلت تخدّ «4» الأرض حتى قامت
بين يديه.. فاستشهدها ثلاثا فشهدت أَنَّهُ كَمَا قَالَ.. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا. وَعَنْ «1» بُرَيْدَةَ «2» سَأَلَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً فَقَالَ لَهُ: قُلْ لِتِلْكَ الشَّجَرَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوكِ قَالَ: فَمَالَتِ الشَّجَرَةُ عَنْ يَمِينِهَا وَشِمَالِهَا وَبَيْنَ يَدَيْهَا وَخَلْفَهَا فَتَقَطَّعَتْ عُرُوقُهَا ثُمَّ جَاءَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ تَجُرُّ عُرُوقَهَا مُغْبَرَّةً حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.. قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ إِلَى مَنْبَتِهَا.. فَرَجَعَتْ فَدَلَّتْ عُرُوقَهَا فَاسْتَوَتْ.. فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ ائْذَنْ لِي أَسْجُدْ لَكَ.. قَالَ: لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا.. قَالَ فَأْذَنْ لِي أَنْ أُقَبِّلَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ.. فأذن له. وفي الصحيح «3» حَدِيثِ جَابِرِ «4» بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّوِيلِ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حاجة فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ.. فَإِذَا بِشَجَرَتَيْنِ
بشاطيء الْوَادِي. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى إحداها.. فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ.. فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ «1» الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ.. وَذَكَرَ أَنَّهُ فَعَلَ بِالْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ- حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصِفِ «2» بَيْنَهُمَا قَالَ التئما عليّ بإذن لله فَالْتَأَمَتَا.. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «3» فَقَالَ: يَا جَابِرُ قُلْ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ يَقُولُ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَقِي بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أجلس خلفكما فزحفت حَتَّى لَحِقَتْ بِصَاحِبَتِهَا، فَجَلَسَ خَلْفَهُمَا، فَخَرَجْتُ أَحْضِرُ «4» وجلست أحدث نفسي. فالتفت فإذا رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا وَالشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا، فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْفَةً فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا يَمِينًا وَشِمَالًا. وروي «5» أسامه «6» بن زيد
نحوه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في بعض مغازيه هل؟ - يعني مَكَانًا لِحَاجَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ الْوَادِيَ مَا فِيهِ مَوْضِعٌ بِالنَّاسِ. فَقَالَ: هَلْ تَرَى مِنْ نَخْلٍ أَوْ حِجَارَةٍ؟. قُلْتُ: أَرَى نَخَلَاتٍ مُتَقَارِبَاتٍ. قَالَ: انْطَلِقْ.. وَقُلْ لَهُنَّ.. إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تَأْتِينَ لِمَخْرَجِ رَسُولِ صلّى الله عليه وسلم.. وقل للجحا مثل ذلك. فقلت ذلك لهن. فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّخَلَاتِ يَتَقَارَبْنَ حَتَّى اجْتَمَعْنَ، وَالْحِجَارَةَ يَتَعَاقَدْنَ حَتَّى صِرْنَ رُكَامًا خَلْفَهُنَّ.. فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ قَالَ لِي: قُلْ لَهُنَّ يفترقن.. فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَرَأَيْتُهُنَّ وَالْحِجَارَةَ يَفْتَرِقْنَ حَتَّى عُدْنَ إلى مواضعهن وقال «1» يعلى «2» بن سيّابة كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ وَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ. وَذَكَرَ فَأَمَرَ وَدِيَّتَيْنِ «3» فَانْضَمَّتَا.. وَفِي رِوَايَةٍ أَشَاءَتَيْنِ «4» .. وعن غيلان «5» بن سلمة الثقفي مثله
فِي شَجَرَتَيْنِ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «1» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ فِي غَزَاةِ حُنَيْنٍ وَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ «2» وَهُوَ ابْنُ سيابة أَيْضًا وَذَكَرَ أَشْيَاءَ رَآهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَنَّ طَلْحَةَ أَوْ سَمُرَةَ جَاءَتْ فَأَطَافَتْ بِهِ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا اسْتَأْذَنَتْ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَيَّ. وَفِي حَدِيثِ «3» عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ آذَنَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا لَهُ شَجَرَةٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ «4» عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «5» أَنَّ الْجِنَّ قَالُوا: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ .. قَالَ: هَذِهِ الشَّجَرَةُ.. تَعَالِي يَا شَجَرَةُ.. فَجَاءَتْ تَجُرُّ عُرُوقَهَا.. لَهَا قَعَاقِعُ «6» .. وَذَكَرَ مِثْلَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَوْ نَحْوَهُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ: فَهَذَا ابن عمر «7» وبريدة «8» وجابر «9»
وَابْنُ مَسْعُودٍ «1» وَيَعْلَى «2» بْنُ مُرَّةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ «3» وَأَنَسُ «4» بْنُ مَالِكٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ «5» وَابْنُ عَبَّاسٍ «6» وَغَيْرُهُمْ.. قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى هذه القصة نفسها أو معناها.. ورواها عَنْهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ أَضْعَافُهُمْ، فَصَارَتْ فِي انْتِشَارِهَا مِنَ الْقُوَّةِ حَيْثُ هِيَ. وَذَكَرَ ابْنُ فَوْرَكٍ «7» : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارَ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ لَيْلًا وَهُوَ وَسِنٌ «8» ، فَاعْتَرَضَتْهُ سِدْرَةٌ فَانْفَرَجَتْ لَهُ نِصْفَيْنِ حَتَّى جَازَ بَيْنَهُمَا.. وَبَقِيَتْ على ساقين إلى وقتنا.. وَهِيَ هُنَاكَ مَعْرُوفَةٌ مُعَظَّمَةٌ.. وَمِنْ «9» ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَآهُ حَزِينًا أَتُحِبُّ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً؟ قَالَ نَعَمْ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَجَرَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْوَادِي فَقَالَ: أدع تلك الشجرة.. فجاءت تمشي حتى
قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ.. فَعَادَتْ إِلَى مَكَانِهَا. وَعَنْ «1» عَلِيٍّ نَحْوَ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا جِبْرِيلَ. قَالَ: اللَّهُمَّ أَرِنِي آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا فَدَعَا شَجَرَةً وَذَكَرَ مِثْلَهُ.. - وَحُزْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَكْذِيبِ قَوْمِهِ. وَطَلَبُهُ الْآيَةَ لَهُمْ لَا لَهُ. وذكر «2» ابن إسحق «3» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَى رُكَانَةَ «4» مِثْلَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي شَجَرَةٍ دَعَاهَا فَأَتَتْ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ارْجِعِي فَرَجَعَتْ.. وَعَنِ «5» الْحَسَنِ «6» : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم شكى إِلَى رَبِّهِ مِنْ قَوْمِهِ وَأَنَّهُمْ يُخَوِّفُونَهُ، وَسَأَلَهُ آية يعلم بها أن لا مخافة عليه، فأوحي إليه: أن ائْتِ وَادِيَ كَذَا فِيهِ شَجَرَةٌ، فَادْعُ غُصْنًا مِنْهَا يَأْتِكَ، فَفَعَلَ فَجَاءَ يَخُطُّ الْأَرْضَ خَطًّا حَتَّى انْتَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَبَسَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْجِعْ كَمَا جِئْتَ فَرَجَعَ.. فَقَالَ: يَا رَبِّ عَلِمْتُ أَنْ لَا مخافة علي.
وَنَحْوٌ «1» مِنْهُ عَنْ عُمَرَ «2» وَقَالَ فِيهِ: أَرِنِي آية لا أبالي من كذبتي بَعْدَهَا، وَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَعَنِ «3» ابْنِ عَبَّاسٍ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ: «أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ «5» مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ ... قال: نعم.. فدعاه فجعل ينقز «6» حَتَّى أَتَاهُ فَقَالَ: ارْجِعْ.. فَعَادَ إِلَى مَكَانِهِ.. خرّجه الترمذي وقال: هذا حديث صحيح «7» .
الفصل السابع عشر حنين الجذع في قصة حنين الجذع له صلى الله عليه وسلم
الفصل السّابع عشر حنين الجذع في قصة حنين الجذع له صلّى الله عليه وسلم وَيُعَضِّدُ هَذِهِ الْأَخْبَارَ حَدِيثُ أَنِينِ الْجِذْعِ.. وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مَشْهُورٌ مُنْتَشِرٌ.. وَالْخَبَرُ بِهِ مُتَوَاتِرٌ قَدْ خَرَّجَهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ «1» .. وَرَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ: أُبَيُّ «2» بْنُ كَعْبٍ «3» وَجَابِرُ «4» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «5» وَأَنَسُ «6» بْنُ مَالِكٍ «7» وَعَبْدُ «8» الله بن عمر «9»
وَعَبْدُ «1» اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ «2» وَسَهْلُ «3» بْنُ سَعْدٍ «4» وَأَبُو «5» سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ «6» وَبُرَيْدَةُ «7» وَأُمُّ «8» سَلَمَةَ «9» ، وَالْمُطَّلِبُ «10» بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ «11» كُلُّهُمْ يُحَدِّثُ بِمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ «12» : وَحَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ. قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعِ نَخْلٍ.. فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا.. فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِذَلِكَ الجذع صوتا كصوت العشار «13» » .
وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ «حَتَّى ارْتَجَّ الْمَسْجِدُ بِخُوَارِهِ «1» » . وَفِي رِوَايَةِ سَهْلٍ «وَكَثُرَ بُكَاءُ النَّاسِ لِمَا رَأَوْا بِهِ» . وَفِي رِوَايَةِ الْمُطَّلِبِ وَأُبَيٍّ «حَتَّى تصدّع وانشق حتى جاءه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَسَكَتَ. زَادَ غَيْرُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا بَكَى لِمَا فقد من الذكر» . وذكر غَيْرُهُ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.. لَوْ لَمْ أَلْتَزِمْهُ لَمْ يَزَلْ هَكَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَحَزُّنًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُفِنَ تَحْتَ الْمِنْبَرِ» . كَذَا فِي حَدِيثِ المطلب وسهل بن سعد واسحق «2» عَنْ أَنَسٍ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ سَهْلٍ: «فَدُفِنَتْ تَحْتَ مِنْبَرِهِ.. أَوْ جُعِلَتْ فِي السَّقْفِ، وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ «فَكَانَ إِذَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَيْهِ فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ أَخَذَهُ أُبَيٌّ فَكَانَ عِنْدَهُ إِلَى أن أكلته الأرض «3»
وعاد رفاتا «1» » .. وذكر الإسفرائني «2» : «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ إلى نفسه فجاءة يَخْرِقُ «3» الْأَرْضَ فَالْتَزَمَهُ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَعَادَ إِلَى مَكَانِهِ» . وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ: فَقَالَ: يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنْ شِئْتَ أَرُدُّكَ إِلَى الْحَائِطِ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ تَنْبُتُ لَكَ عُرُوقُكَ وَيُكْمَلُ خَلْقُكَ، وَيُجَدَّدُ لَكَ خُوصٌ «4» وَثَمَرَةٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَغَرِسُكَ فِي الْجَنَّةِ فَيَأْكُلُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ مِنْ ثَمَرِكَ. ثُمَّ أَصْغَى لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ مَا يَقُولُ: فقال: بل تَغْرِسُنِي فِي الْجَنَّةِ فَيَأْكُلُ مِنِّي أَوْلِيَاءُ اللَّهِ.. وَأَكُونُ فِي مَكَانٍ لَا أَبْلَى فِيهِ.. فَسَمِعَهُ مَنْ يَلِيهِ.. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ فَعَلْتُ.. ثُمَّ قَالَ: «اخْتَارَ دَارَ الْبَقَاءِ عَلَى دَارِ الْفَنَاءِ» . فَكَانَ الْحَسَنُ «5» إِذَا حدث بهذا بكى.. وقال: «يا عباد
اللَّهِ.. الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَوْقًا إِلَيْهِ لِمَكَانِهِ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَى لِقَائِهِ» .. رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ «1» حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ «2» اللَّهِ- وَيُقَالُ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصٍ- وَأَيْمَنُ «3» وَأَبُو نَضْرَةَ «4» - وَابْنُ الْمُسَيَّبِ «5» - وَسَعِيدُ «6» بْنُ أَبِي كَرْبٍ- وَكُرَيْبٌ «7» - وَأَبُو صالح «8» . وراه عن أنس بن مالك «9» الحسن- وثابت «10» - واسحق «11» بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «12» نافع «13» وأبو حية «14» .
وَرَوَاهُ أَبُو نَضْرَةَ وَأَبُو الْوَدَّاكِ «1» عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «2» وَعَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ «3» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «4» وَأَبُو حَازِمٍ «5» ، وَعَبَّاسُ «6» بْنُ سَهْلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «7» وَكَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ «8» عَنِ الْمُطَّلِبِ «9» وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ «10» عَنْ أَبِيهِ «11» وَالطُّفَيْلُ بْنُ أُبَيٍّ «12» عَنْ أَبِيهِ «13» . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ: فَهَذَا حَدِيثٌ كَمَا تراه خرّجه
أهل الصحة.. ورواه من الصحابة من ذكرنا وَغَيْرُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ ضِعْفُهُمْ إِلَى مَنْ لَمْ نَذَكُرْهُ.. وَبِدُونِ هَذَا الْعَدَدِ يَقَعُ الْعِلْمُ لِمَنِ اعْتَنَى بِهَذَا الْبَابِ.. وَاللَّهُ الْمُثَبِّتُ عَلَى الصَّوَابِ.
الفصل الثامن عشر في سائر الجمادات ومثل هذا في سائر الجمادات
الفصل الثامن عشر في سائر الجمادات ومثل هذا في سائر الجمادات عن «1» ابن مسعود «2» «لَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ» وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «كُنَّا نَأْكُلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَامَ وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَهُ» «3» . وَقَالَ أَنَسٌ «4» : «أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفًّا مِنْ حَصَى فَسَبَّحْنَ فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا التَّسْبِيحَ، ثُمَّ صَبَّهُنَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَبَّحْنَ ثُمَّ فِي أَيْدِينَا فما سبحن.
وَرَوَى «1» مِثْلَهُ أَبُو ذَرٍّ «2» وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ «سَبَّحْنَ فِي كَفِّ عُمَرَ «3» وَعُثْمَانَ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا» وَقَالَ «5» عَلِيٌّ «6» : «كُنَّا بِمَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ إِلَى بَعْضِ نواحيها فما اسْتَقْبَلَهُ شَجَرَةٌ وَلَا جَبَلٌ إِلَّا قَالَ لَهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» . وَعَنْ «7» جَابِرِ «8» بْنِ سَمُرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ» قِيلَ: «إِنَّهُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ» . وَعَنْ «9» عَائِشَةَ «10» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «لَمَّا اسْتَقْبَلَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالرِّسَالَةِ جَعَلْتُ لَا أَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» . وَعَنْ «11» جَابِرِ «12» بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُرُّ بِحَجَرٍ
وَلَا شَجَرٍ إِلَّا سَجَدَ «1» لَهُ» . وَفِي حَدِيثِ «2» العباس «3» : «إذ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى بَنِيهِ بِمُلَاءَةٍ «4» وَدَعَا لَهُمْ بِالسَّتْرِ مِنَ النَّارِ كَسَتْرِهِ إِيَّاهُمْ بِمُلَاءَتِهِ فَأَمَّنَتْ أُسْكُفَّةُ «5» الْبَابِ، وَحَوَائِطُ الْبَيْتِ آمِينَ آمِينَ» وَعَنْ «6» جَعْفَرِ «7» بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «8» : «مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ بِطَبَقٍ فِيهِ رُمَّانٌ وَعِنَبٌ.. فَأَكَلَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَّحَ» .. وَعَنْ «9» أَنَسٍ «10» : «صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ «11» وَعُمَرُ «12» وَعُثْمَانُ أحدا فرجف بهم.. فقال:
«اثْبُتْ أُحُدُ.. فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» . وَمِثْلُهُ «1» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «2» : «فِي حِرَاءٍ- وَزَادَ- معه وعلي «3» وَطَلْحَةُ «4» وَالزُّبَيْرُ «5» وَقَالَ: «فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ وَالْخَبَرُ «6» فِي حِرَاءٍ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: «وَمَعَهُ عَشَرَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَا فِيهِمْ وَزَادَ- عَبْدَ الرَّحْمَنِ «7» وَسَعْدًا «8» قَالَ- وَنَسِيتُ الِاثْنَيْنِ.. وَفِي حَدِيثِ «9» سَعِيدِ «10» بْنِ زَيْدٍ أيضا مثله وذكر عشرة وزاد نفسه وقد روي: أنّه حيز طلبته قريش.. قال له ثبير «11» : اهبط
يَا رَسُولَ اللَّهِ.. فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْتُلُوكَ عَلَى ظَهْرِي فَيُعَذِّبُنِي اللَّهُ.. فَقَالَ حِرَاءٌ: إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ.. وَرَوَى «1» ابْنُ عُمَرَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ «وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ «3» » ثُمَّ قَالَ: «يُمَجِّدُ الْجَبَّارُ نَفْسَهُ.. يَقُولُ: أَنَا الْجَبَّارُ.. أَنَا الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ.. فَرَجَفَ الْمِنْبَرُ «4» حَتَّى قُلْنَا: لَيَخِرَّنَّ «5» عَنْهُ. وَعَنِ «6» ابْنِ عَبَّاسٍ «7» : «كَانَ حَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ صَنَمٍ مُثَبَّتَةُ الْأَرْجُلِ بِالرَّصَاصِ فِي الْحِجَارَةِ.. فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ عَامَ الْفَتْحِ جَعَلَ يُشِيرُ بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ إِلَيْهَا وَلَا يمسها ويقول: «جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ «8» . الْآيَةَ فَمَا أَشَارَ إِلَى وَجْهِ صَنَمٍ إِلَّا وَقَعَ لِقَفَاهُ.. وَلَا لِقَفَاهُ إِلَّا وَقَعَ لِوَجْهِهِ.. حتى ما بقي
مِنْهَا صَنَمٌ» وَمِثْلُهُ «1» فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «2» وَقَالَ: «فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا. «3» وَيَقُولُ: «جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ «4» الْباطِلُ وَما يُعِيدُ «5» » وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُهُ «6» مَعَ الرَّاهِبِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ.. إِذْ خَرَجَ تَاجِرًا مَعَ عَمِّهِ.. وَكَانَ الرَّاهِبُ لَا يَخْرُجُ إلى أحد فخرج وجعل يتخللهم حتى أخذ بيد رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» .. فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: «مَا عِلْمُكَ؟» . فَقَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلَّا خَرَّ ساجدا له ولا يسجد إِلَّا لِنَبِيٍّ» وَذَكَرَ الْقِصَّةَ ثُمَّ قَالَ: «وَأَقْبَلَ صلى الله عليه وسلم وعليه غمامة تظله فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ الْفَيْءُ إِلَيْهِ» .
الفصل التاسع عشر في الآيات في ضروب الحيوانات
الْفَصْلُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي الْآيَاتِ فِي ضُرُوبِ الحيوانات عَنْ «1» عَائِشَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ عِنْدَنَا دَاجِنٌ «3» . فَإِذَا كَانَ عِنْدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَّ وَثَبَتَ مَكَانَهُ فلم يجيء وَلَمْ يَذْهَبْ.. وَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ وَذَهَبَ» . وَرُوِيَ «4» عَنْ عُمَرَ «5» : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَحْفَلٍ «6» مِنْ أَصْحَابِهِ.. إِذْ جاء أعرابي قد صاد ضبّا فقال من هذا؟ ..
قَالُوا: نَبِيُّ اللَّهِ. فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا آمنت بك أو يؤمن بك هَذَا الضَّبُّ.. وَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم له: «يَا ضَبُّ.. فَأَجَابَهُ بِلِسَانٍ مُبِينٍ يَسْمَعُهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا.. لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا زَيْنَ مَنْ وَافَى الْقِيَامَةَ.. قَالَ: مَنْ تَعْبُدُ؟ .. قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ عَرْشُهُ.. وَفِي الْأَرْضِ سُلْطَانُهُ.. وَفِي الْبَحْرِ سَبِيلُهُ.. وَفِي الْجَنَّةِ رَحْمَتُهُ.. وَفِي النَّارِ عِقَابُهُ.. قال: فمن أنا؟ قال: رسول رَبِّ الْعَالَمِينَ.. وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ.. وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ صَدَّقَكَ.. وَخَابَ مَنْ كَذَّبَكَ» .. فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ. وَمِنْ ذلك قصة كلام الذئب المشهور عَنْ «1» أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «2» : «بَيْنَا «3» رَاعٍ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ عَرَضَ الذِّئْبُ لِشَاةٍ مِنْهَا فَأَخَذَهَا مِنْهُ.. فَأَقْعَى «4» الذِّئْبُ وَقَالَ لِلرَّاعِي.. أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ.. حُلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ رِزْقِي.. قَالَ الرَّاعِي: الْعَجَبُ مِنْ ذِئْبٍ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْإِنْسِ.. فَقَالَ الذئب: «ألا اخبرك بأعجب من ذلك؟؟.
رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ «1» يُحَدِّثُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ» . فَأَتَى الرَّاعِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم له: قُمْ فَحَدِّثْهُمْ. ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ.. وَالْحَدِيثُ فِيهِ قصة وفيه بعض طول.. وري حَدِيثُ الذِّئْبِ عَنْ «2» أَبِي هُرَيْرَةَ «3» .. وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ الذِّئْبُ: «أَنْتَ أَعْجَبُ وَاقِفًا عَلَى غَنَمِكَ وَتَرَكَتْ نَبِيًّا لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهُ عِنْدَهُ قَدْرًا.. قَدْ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَأَشْرَفَ «4» أَهْلُهَا عَلَى أَصْحَابِهِ يَنْظُرُونَ فعالهم.. وَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ إِلَّا هَذَا الشِّعْبُ «5» .. فَتَصِيرُ في جُنُودِ اللَّهِ.. قَالَ الرَّاعِي: مَنْ لِي بِغَنَمِي؟ .. قَالَ الذِّئْبُ: أَنَا أَرْعَاهَا حَتَّى تَرْجِعَ.. فَأَسْلَمَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ غَنَمَهُ وَمَضَى.. وَذَكَرَ قِصَّتَهُ وَإِسْلَامَهُ وَوُجُودَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُ.. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«عُدْ إِلَى غَنَمِكَ تَجِدْهَا «بِوَفْرِهَا «1» » .. فَوَجَدَهَا كَذَلِكَ وَذَبَحَ لِلذِّئْبِ شَاةً مِنْهَا. وَعَنْ «2» أُهْبَانَ بْنِ أَوْسٍ «3» .. وَأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ الْقِصَّةِ وَالْمُحَدِّثَ بِهَا وَمُكَلِّمَ الذِّئْبِ. وَعَنْ «4» سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ «5» وَأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَيْضًا وَسَبَبُ إِسْلَامِهِ بِمِثْلِ حَدِيثِ «6» أَبِي سَعِيدٍ «7» . وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ «8» مِثْلَ هَذَا أَنَّهُ جَرَى لِأَبِي سُفْيَانَ «9» بْنِ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ «10» بْنِ أُمَيَّةَ مَعَ ذِئْبٍ وَجَدَاهُ أَخَذَ ظَبْيًا فَدَخَلَ الظَّبْيُ الْحَرَمَ فَانْصَرَفَ الذِّئْبُ.. فَعَجِبَا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ الذِّئْبُ: «أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَتَدْعُونَهُ إِلَى النار» .. فقال أبو سفيان: «واللات
وَالْعُزَّى لَئِنْ ذَكَرْتَ هَذَا بِمَكَّةَ لَتَتْرُكَنَّهَا خُلُوفًا «1» . وقد روي قبل هَذَا الْخَبَرِ وَأَنَّهُ جَرَى لِأَبِي «2» جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ. وَعَنْ «3» عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ «4» «لَمَّا تَعَجَّبَ مِنْ كَلَامِ (ضِمَارٍ) «5» صَنَمِهِ وَإِنْشَادِهِ «6» الشِّعْرَ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَإِذَا طَائِرٌ سَقَطَ.. فَقَالَ يَا عَبَّاسُ.. أَتَعْجَبُ مِنْ كَلَامِ ضِمَارٍ وَلَا تَعْجَبُ مِنْ نَفْسِكَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَنْتَ جَالِسٌ!! فَكَانَ سَبَبَ إِسْلَامِهِ.
وَعَنْ «1» جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَجُلٍ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنَ بِهِ وَهُوَ عَلَى بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ.. وَكَانَ فِي غَنَمٍ يَرْعَاهَا لَهُمْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.. كَيْفَ بِالْغَنَمِ؟ .. قَالَ: «أَحْصِبْ «3» وُجُوهَهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ أَمَانَتَكَ ويردها إلى أهلها» . ففعل.. فسارعت كُلُّ شَاةٍ حَتَّى دَخَلَتْ إِلَى أَهْلِهَا وَعَنْ «4» أَنَسٍ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطَ أَنْصَارِيٍّ، وَأَبُو «6» بَكْرٍ وعمر «7» ورجل من الأنصا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفِي الْحَائِطِ غَنَمٌ فَسَجَدَتْ لَهُ.. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ «نَحْنُ أَحَقُّ بِالسُّجُودِ لَكَ مِنْهَا» الْحَدِيثَ «8» .. وَعَنْ «9» أَبِي هُرَيْرَةَ «10» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا فَجَاءَ بِعِيرٌ فَسَجَدَ لَهُ» وَذَكَرَ مثله.
وَمِثْلُهُ فِي الْجَمَلِ.. عَنْ «1» ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكٍ «2» وَجَابِرِ «3» بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «4» وَيَعْلَى «5» بْنِ مُرَّةَ «6» وَعَبْدِ «7» اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ «8» قَالَ: «وَكَانَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْحَائِطَ إِلَّا شَدَّ «9» عَلَيْهِ الْجَمَلُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَوَضَعَ مِشْفَرَهُ «10» عَلَى الْأَرْضِ وَبَرَكَ «11» بَيْنَ يَدَيْهِ فَخَطَمَهُ «12» وَقَالَ: «مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ شَيْءٌ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا عَاصِيَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ» وَمِثْلُهُ عَنْ «13» عَبْدِ الله «14» بن أبي أوفى..
وَفِي خَبَرٍ آخَرَ فِي حَدِيثِ الْجَمَلِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُمْ عَنْ شَأْنِهِ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا ذَبْحَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: «أنّه شكى كَثْرَةَ الْعَمَلِ وَقِلَّةَ الْعَلَفِ «1» » وَفِي رِوَايَةٍ «2» «أَنَّهُ شكى إِلَيَّ أَنَّكُمْ أَرَدْتُمْ ذَبْحَهُ بَعْدَ أَنِ اسْتَعْمَلْتُمُوهُ فِي شَاقِّ الْعَمَلِ مِنْ صِغَرِهِ» .. فَقَالُوا: نَعَمْ.. وفي «3» قِصَّةِ الْعَضْبَاءِ «4» وَكَلَامِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْرِيفِهَا لَهُ بِنَفْسِهَا، وَمُبَادَرَةِ الْعُشْبِ إِلَيْهَا فِي الرَّعْيِ. وَتَجَنُّبِ الْوُحُوشِ عَنْهَا، وَنِدَائِهِمْ لَهَا إِنَّكِ لِمُحَمَّدٍ.. وَإِنَّهَا لَمْ تَأْكُلْ وَلَمْ تَشْرَبْ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى مَاتَتْ.. ذَكَرَهُ الْإِسْفَرَائِينِيُّ «5» وَرَوَى «6» ابن وهب «7» «أنّ حمام مكة أظلّت
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِهَا فدعا لها بالبركة» . وروي «1» عن أنس «2» زيد بْنِ أَرْقَمَ «3» وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «4» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ ليلة الغار شجرة فنبتت تُجَاهَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَتَرَتْهُ، وَأَمَرَ حَمَامَتَيْنِ فَوَقَفَتَا بِفَمِ الْغَارِ» وَفِي حَدِيثٍ «5» آخر «أنّ الْعَنْكَبُوتَ نَسَجَتْ عَلَى بَابِهِ.. فَلَمَّا أَتَى الطَّالِبُونَ لَهُ وَرَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا:.. «لَوْ كَانَ فِيهِ أَحَدٌ لَمْ تَكُنِ الْحَمَامَتَانِ بِبَابِهِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ كَلَامَهُمْ.. فَانْصَرَفُوا.. وَعَنْ «6» عبد الله بن قرط «7» .. قرّب إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَنَاتٍ «8» خَمْسٍ أَوْ ست أو سبع لينحرها يوم عيد فاز دلفن «9» إِلَيْهِ بِأَيِّهِنَّ يَبْدَأُ. وَعَنْ «10» أُمِّ سَلَمَةَ «11» : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحْرَاءَ فنادته ظبية
يا رسول الله.. قال: «ما حاجتك؟.» قال: صَادَنِي هَذَا الْأَعْرَابِيُّ وَلِي خِشْفَانِ «1» فِي ذَلِكَ الْجَبَلِ فَأَطْلِقْنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُرْضِعَهُمَا وَأَرْجِعَ قَالَ: «أو تفعلين؟ ..» قَالَتْ: «نَعَمْ..» فَأَطْلَقَهَا فَذَهَبَتْ وَرَجَعَتْ، فَأَوْثَقَهَا، فَانْتَبَهَ الْأَعْرَابِيُّ وَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَكَ حَاجَةٌ؟ ..» قَالَ: «تُطْلِقُ هَذِهِ الظَّبْيَةَ» .. فَأَطْلَقَهَا فَخَرَجَتْ تَعْدُو فِي الصَّحْرَاءِ وَتَقُولُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.. وَمِنْ هَذَا الباب ما روي «2» من نسخير الْأَسَدِ لِسَفِينَةَ «3» مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ وَجَّهَهُ إِلَى مُعَاذٍ «4» بِالْيَمَنِ فَلَقِيَ الْأَسَدَ فَعَرَفَهُ أَنَّهُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ كِتَابُهُ فَهَمْهَمَ «5» وتنحى عن الطريق
وَذَكَرَ فِي مُنْصَرَفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ «1» أُخْرَى عَنْهُ: أَنَّ سَفِينَةً تَكَسَّرَتْ بِهِ فَخَرَجَ إلى جزيرة فإذا الأسد.. فقلت: «أَنَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَجَعَلَ يَغْمِزُنِي «2» بِمَنْكِبِهِ حَتَّى أَقَامَنِي عَلَى الأرض» . وأخذ «3» عليه الصلاة والسلام بِأُذُنِ شَاةٍ لِقَوْمٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بَيْنَ أصبعيه.. ثُمَّ خَلَّاهَا فَصَارَ لَهَا مِيسَمًا «4» وَبَقِيَ ذَلِكَ الْأَثَرُ فِيهَا وَفِي نَسْلِهَا بَعْدُ.. وَمَا رُوِيَ «5» عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمَّادٍ «6» بِسَنَدِهِ مِنْ كَلَامِ الحمار
الذي أصابه بخيبر وقال له: ما اسمك قال: «اسْمِي يَزِيدُ بْنُ شِهَابٍ «1» فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْفُورًا وَأَنَّهُ كَانَ يُوَجِّهُهُ إِلَى دُورِ أَصْحَابِهِ فَيَضْرِبُ عَلَيْهِمُ الْبَابَ بِرَأْسِهِ ... وَيَسْتَدْعِيهِمْ.. وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَاتَ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ «2» جَزَعًا وَحُزْنًا «3» فَمَاتَ. وَحَدِيثُ «4» «النَّاقَةِ الَّتِي شَهِدَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبِهَا أَنَّهُ مَا سرقها وأنّها ملكه» . وفي حديث «5» «الْعَنْزِ الَّتِي أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَسْكَرِهِ وَقَدْ أَصَابَهُمْ عَطَشٌ ونزلوا على غير ماء.. وهم زهاء ثلاثمئة فَحَلَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْوَى الْجُنْدَ ... ثُمَّ قَالَ لِرَافِعٍ «6» امْلِكْهَا وَمَا أَرَاكَ «7» ... فَرَبَطَهَا فَوَجَدَهَا قَدِ انْطَلَقَتْ «8» رَوَاهُ ابْنُ قانع «9»
وَغَيْرُهُ ... وَفِيهِ: «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الَّذِي جَاءَ بِهَا هُوَ الَّذِي ذَهَبَ بِهَا» . وَقَالَ لِفَرَسِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ: «لَا تَبْرَحْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ حَتَّى نَفْرَغَ مِنْ صَلَاتِنَا» وَجَعَلَهُ قِبْلَتَهُ.. فَمَا حَرَّكَ عُضْوًا حتى صلّى صلّى الله عليه وسلم. ويلحق بِهَذَا.. مَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ «1» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَجَّهَ رُسُلَهُ إِلَى الْمُلُوكِ ... فَخَرَجَ سِتَّةُ نَفَرٍ مِنْهُمْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.. فَأَصْبَحَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ الْقَوْمِ الَّذِينَ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ، وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرٌ وَقَدْ جِئْنَا مِنْهُ بِالْمَشْهُورِ وَمَا وقع في كتب الأئمة..
الفصل العشرون إحياء الموتى في احياء الموتى وكلامهم وكلام الصبيان والمراضع وشهادتهم له بالنبوة صلى الله عليه وسلم
الفصل العشرون إحياء الموتى في احياء الموتى وكلامهم وكلام الصِّبْيَانِ وَالْمَرَاضِعِ وَشَهَادَتِهِمْ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عَنْ «1» أَبِي «2» هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً «3» سَمَّتْهَا فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَأَكَلَ الْقَوْمُ ... فقال: ارفعوا أيديكم فإنّها أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ.. فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ «4» .. وَقَالَ لِلْيَهُودِيَّةِ: مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ؟ .. قَالَتْ: إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ الَّذِي صنعت.. وإن كنت ملكا
أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْكَ ... قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا فَقُتِلَتْ ... وَقَدْ رَوَى «1» هَذَا الْحَدِيثَ أَنَسٌ «2» وَفِيهِ: قَالَتْ: أَرَدْتُ قَتْلَكَ ... فَقَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَلِكَ.. فَقَالُوا نَقْتُلُهَا قَالَ: لَا «3» ... وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ وَهْبٍ «4» قَالَ: «فَمَا عَرَضَ لَهَا» . وَرَوَاهُ «5» أَيْضًا جابر بن «6» عبد الله وفيه «أخبرتني به هَذِهِ الذِّرَاعُ» .. قَالَ: «وَلَمْ يُعَاقِبْهَا» . وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ «7» .. «أَنَّ فَخِذَهَا تُكَلِّمُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ» .. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ «8» بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَالَتْ: «إني مسمومة»
وكذلك ذكر الخبر ابن اسحق «1» وَقَالَ فِيهِ: «فَتَجَاوَزَ عَنْهَا» . وَفِي الْحَدِيثِ «2» الْآخَرِ عن أنس «3» انه قَالَ: «فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ «4» رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَفِي حَدِيثِ «5» أَبِي هُرَيْرَةَ «6» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال في مرجعه: الَّذِي مَاتَ فِيهِ: مَا زَالَتْ أَكْلَةُ «7» خَيْبَرَ تعادّني «8» .. فالآن أوان قطعت أبهري «9» . وقال ابن إسحق إِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَيَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ شَهِيدًا مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ.. وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ «10» أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلم
قَتَلَ الْيَهُودِيَّةَ الَّتِي سَمَّتْهُ «1» . وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَفِي رِوَايَةِ «2» ابْنِ عَبَّاسٍ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا» أَنَّهُ دَفَعَهَا لِأَوْلِيَاءِ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ «4» فقتلوها» وكذلك قد اختلف في قتله الذي سَحَرَهُ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ «5» «وَعَفْوُهُ عَنْهُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا» .. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ «أَنَّهُ قَتَلَهُ» .. وَرَوَى الْحَدِيثَ الْبَزَّارُ «6» عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «7» فَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ «فَبَسَطَ يَدَهُ وَقَالَ: كلوا بسم الله ... فأكلنا.. ***
وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ- فَلَمْ تَضُرَّ مِنَّا أَحَدًا «1» » . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ: وَقَدْ خَرَّجَ حَدِيثَ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ أَهْلُ الصَّحِيحِ.. وَخَرَّجَهُ الْأَئِمَّةُ ... وَهُوَ حديث مشهور ... واختلف أئمة أهل النَّظَرِ فِي هَذَا الْبَابِ. - فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ: هُوَ كَلَامٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشَّاةِ الْمَيِّتَةِ، أَوِ الْحَجَرِ، أَوِ الشَّجَرِ. وَحُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ يُحْدِثُهَا اللَّهُ فِيهَا وَيُسْمِعُهَا مِنْهَا دُونَ تَغْيِيرِ اشكالها ونقلها عن هيئتها وهو مذهب أَبِي الْحَسَنِ «2» وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ «3» رَحِمَهُمَا اللَّهُ- وَآخَرُونَ ذَهَبُوا إِلَى إِيجَادِ الْحَيَاةِ بِهَا أَوَّلًا ثم الكلام بعده.
وَحُكِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ شَيْخِنَا أَبِي الْحَسَنِ ... وَكُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.. إِذْ لَمْ نَجْعَلِ الْحَيَاةَ شَرْطًا لِوُجُودِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ إِذْ لَا يَسْتَحِيلُ وَجُودُهَا مَعَ عَدَمِ الْحَيَاةِ بِمُجَرَّدِهَا ... فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عِبَارَةً عَنِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ.. فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْحَيَاةِ لَهَا ... إِذْ لَا يُوجَدُ كَلَامُ النَّفْسِ إِلَّا مِنْ حَيٍّ خِلَافًا للجبّائي «1» من بيز سَائِرِ مُتَكَلِّمِي الْفِرَقِ فِي إِحَالَةِ وُجُودِ الْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ وَالْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ إِلَّا مِنْ حَيٍّ مُرَكَّبٍ عَلَى تَرْكِيبِ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ النُّطْقُ بِالْحُرُوفِ والأصوات والتزم ذلك في الحصا وَالْجِذْعِ وَالذِّرَاعِ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ فِيهَا حياة وخرو لَهَا فَمًا وَلِسَانًا وَآلَةً أَمْكَنَهَا بِهَا مِنَ الْكَلَامِ. - وَهَذَا لَوْ كَانَ لَكَانَ نَقْلُهُ وَالتَّهَمُّمُ «2» بِهِ آكَدُ «3» مِنَ التَّهَمُّمِ بِنَقْلِ تَسْبِيحِهِ «4» أَوْ حنينه «5» ...
- وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَالرِّوَايَةِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى سُقُوطِ دَعْوَاهُ.. - مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ فِي النَّظَرِ «1» ... وَالْمُوَفِّقُ اللَّهُ. وَرَوَى «2» وَكِيعٌ «3» ... رَفْعَهُ عَنْ فَهْدِ بْنِ عَطِيَّةَ «4» : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِصَبِيٍّ قَدْ شَبَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ ... فَقَالَ: مَنْ أَنَا؟ .. فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ. وَرُوِيَ «5» عَنْ مُعَرِّضِ بْنِ «6» مُعَيْقِيبٍ رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَبًا ... جِيءَ بصي يوم ولد فذكر مثله. وهو مُبَارَكِ الْيَمَامَةِ «7» وَيُعْرَفُ بِحَدِيثِ شَاصُونَةَ «8» اسْمُ رَاوِيهِ وَفِيهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقْتَ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ.. ثُمَّ إِنَّ الغلام لم
يَتَكَلَّمْ بَعْدَهَا حَتَّى شَبَّ فَكَانَ يُسَمَّى مُبَارَكَ «1» اليمامة ... وكانت هذه الفصة بِمَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَعَنِ «2» الْحَسَنِ «3» أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ له أَنَّهُ طَرَحَ بُنَيَّةً لَهُ فِي وَادِي كَذَا.. فَانْطَلَقَ مَعَهُ إِلَى الْوَادِي.. وَنَادَاهَا بِاسْمِهَا يَا فُلَانَةُ.. أَجِيبِي بِإِذْنِ اللَّهِ.. فَخَرَجَتْ وَهِيَ تَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ.. فَقَالَ لَهَا: إِنَّ أَبَوَيْكِ قَدْ أَسْلَمَا.. فَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ أَرُدَّكِ عَلَيْهِمَا.. قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِمَا ... وَجَدْتُ اللَّهَ خَيْرًا لي منهما ...
وَعَنْ «1» أَنَسٍ «2» أَنَّ شَابًّا مِنَ الْأَنْصَارِ تُوُفِّيَ وَلَهُ أُمٌّ عَجُوزٌ عَمْيَاءُ.. فَسَجَّيْنَاهُ «3» وَعَزَّيْنَاهَا.. فَقَالَتْ: مَاتَ ابْنِي؟ .. قُلْنَا: نَعَمْ.. قَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنْ كنت تعلم أني هاجرت إليك وإلى رسولك رَجَاءَ أَنْ تُعِينَنِي عَلَى كُلِّ شِدَّةٍ فَلَا تَحْمِلَنَّ عَلَيَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ ... فَمَا بَرِحْنَا أَنْ كَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ فَطَعِمَ وَطَعِمْنَا «4» . وَرُوِيَ «5» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ «6» كُنْتُ فِيمَنْ دَفَنَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ «7» بْنِ شَمَّاسٍ. وَكَانَ قُتِلَ بِالْيَمَامَةِ.. فَسَمِعْنَاهُ حِينَ أَدْخَلْنَاهُ الْقَبْرَ يَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.. أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عُمَرُ الشَّهِيدُ، عُثْمَانُ الْبَرُّ الرَّحِيمُ «8» .. فَنَظَرْنَا فإذا هو ميت.
وَذَكَرَ عَنِ «1» النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ «2» أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَارِجَةَ «3» خَرَّ مَيِّتًا فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ المدينة فرفع وسجّي إذ سمعوه بين العشائين وَالنِّسَاءُ يَصْرُخْنَ حَوْلَهُ.. يَقُولُ: أَنْصِتُوا أَنْصِتُوا.. فَحَسَرَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.. النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ.. كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ «4» ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ صَدَقَ وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ... ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ... ثُمَّ عاد ميتا كما كان.
الفصل الحادي والعشرون ابراء المرضى وذوي العاهات
الفصل الحادي والعشرون ابراء المرضى وذوي العاهات في إبرائه المرضى وذوي العاهات حَدَّثَنَا «1» ابْنُ شِهَابٍ «2» وَعَاصِمُ «3» بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَجَمَاعَةٌ ذَكَرَهُمْ بِقَضِيَّةِ أُحُدٍ بِطُولِهَا قَالَ: وَقَالُوا: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ «4» : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ لَا نَصْلَ «5» لَهُ فَيَقُولُ: ارْمِ بِهِ.. وَقَدْ رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ عَنْ قَوْسِهِ حَتَّى انْدَقَّتْ «6» .. وَأُصِيبَ يومئذ عين
قَتَادَةَ «1» - يَعْنِي ابْنَ النُّعْمَانِ- حَتَّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ «2» .. فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ.. وَرَوَى قِصَّةَ قَتَادَةَ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَيَزِيدُ «3» بْنُ عياض ابن عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ. وَرَوَاهَا «4» أَبُو سَعِيدٍ «5» الْخُدْرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ «6» وَبَصَقَ عَلَى أَثَرِ سَهْمٍ فِي وَجْهِ أَبِي قَتَادَةَ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ «7» - قَالَ- فَمَا ضَرَبَ عَلَيَّ وَلَا قَاحَ «8» . وَرَوَى «9» النَّسَائِيُّ «10» عَنْ عُثْمَانَ «11» بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَعْمَى قال:
يا رسول.. ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ لِي عَنْ بَصَرِي.. قَالَ: فَانْطَلِقْ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قل: اللهم إني اسألك وأتوجه اليك بنبيي مُحَمَّدٍ «1» نَبِيِّ الرَّحْمَةِ.. يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّكَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْ بَصَرِي.. اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ قَالَ: فَرَجَعَ وَقَدْ كَشَفَ اللَّهُ عَنْ بَصَرِهِ. وَرُوِيَ «2» أَنَّ ابْنَ مُلَاعِبِ «3» الْأَسِنَّةِ أَصَابَهُ اسْتِسْقَاءٌ «4» فَبَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَأَخَذَ بِيَدِهِ حَثْوَةً «5» مِنَ الْأَرْضِ فَتَفَلَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَعْطَاهَا رَسُولَهُ فَأَخَذَهَا متعجبا يرى «6» أن قد هزىء بِهِ.. فَأَتَاهُ بِهَا وَهُوَ عَلَى شَفَا «7» فَشَرِبَهَا فشفاه الله..
وَذَكَرَ الْعُقَيْلِيُّ «1» عَنْ «2» حَبِيبِ «3» بْنِ فُدَيْكٍ- وَيُقَالُ- فُرَيْكٍ أَنَّ أَبَاهُ ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ.. فَكَانَ لَا يُبْصِرُ بِهِمَا شَيْئًا.. فَنَفَثَ «4» رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ فَأَبْصَرَ.. فَرَأَيْتُهُ يُدْخِلُ الْخَيْطَ فِي الْإِبْرَةِ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ «5» .. وَرُمِيَ «6» كُلْثُومُ بْنُ «7» الْحُصَيْنِ يَوْمَ أُحُدٍ فِي نَحْرِهِ.. فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فيه فبرأ «8» .. وتفل «9» على شجة «10» عبد الله «11»
ابن أُنَيْسٍ فَلَمْ تُمِدَّ «1» وَتَفَلَ «2» فِي عَيْنَيْ عَلِيٍّ يَوْمَ خَيْبَرَ وَكَانَ رَمِدًا «3» فَأَصْبَحَ بَارِئًا.. وَنَفَثَ «4» عَلَى ضَرْبَةٍ بِسَاقِ سَلَمَةَ بْنِ «5» الْأَكْوَعِ يَوْمَ حيبر فَبَرِئَتْ.. وَفِي «6» رِجْلِ زَيْدِ بْنِ مُعَاذٍ حِينَ أَصَابَهَا السَّيْفُ إِلَى الْكَعْبِ حِينَ قَتَلَ ابْنَ «7» الأشرف فبرئت، وعلى «8» ساق علي «9» ابن الحكم يوم الخندق اذ انكسرت فبرىء مَكَانَهُ.. وَمَا نَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَاشْتَكَى عَلِيُّ «10» بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَجَعَلَ يَدْعُو فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اشْفِهِ أَوْ عَافِهِ.. ثُمَّ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ.. فَمَا اشْتَكَى ذَلِكَ الْوَجَعَ بَعْدُ «1» وَقَطَعَ أَبُو جَهْلٍ «2» يَوْمَ بَدْرٍ يَدَ مُعَوِّذِ بْنِ «3» عَفْرَاءَ فَجَاءَ يَحْمِلُ يَدَهُ فَبَصَقَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَلْصَقَهَا فَلَصِقَتْ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ «4» . وَمِنْ «5» روايته أيضا أنّ حبيب بْنَ «6» يَسَافٍ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبَةٍ عَلَى عَاتِقِهِ «7» حَتَّى مَالَ شِقُّهُ «8» . فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَفَثَ عَلَيْهِ حَتَّى صَحَّ وَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ «9» مِنْ خَثْعَمَ «10» مَعَهَا صَبِيٌّ بِهِ بَلَاءٌ لَا يَتَكَلَّمُ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ فَاهُ وَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ أَعْطَاهَا إِيَّاهُ وَأَمَرَهَا بِسَقْيِهِ وَمَسِّهِ بِهِ فَبَرَأَ الْغُلَامُ وَعَقَلَ عَقْلًا يفضل عقول الناس «11» ..
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «1» جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا بِهِ جُنُونٌ.. فَمَسَحَ صَدْرَهُ فَثَعَّ ثَعَّةً «2» فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ مِثْلُ الجرو «3» الأسود فشفي. وَانْكَفَأَتِ «4» الْقِدْرُ عَلَى ذِرَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ «5» حَاطِبٍ وهو طفل.. فمسح عليها وَدَعَا لَهُ.. وَتَفَلَ فِيهِ فَبَرَأَ لِحِينِهِ «6» . وَكَانَتْ فِي كَفِّ شُرَحْبِيلَ «7» الْجُعْفِيِّ سَلْعَةً «8» تَمْنَعُهُ الْقَبْضَ عَلَى السَّيْفِ وَعِنَانِ «9» الدَّابَّةِ فَشَكَاهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم.. فما زال يطحنها «10» ***
بِكَفِّهِ حَتَّى رَفَعَهَا وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ «1» .. وَسَأَلَتْهُ جَارِيَةٌ طَعَامًا وَهُوَ يَأْكُلُ فَنَاوَلَهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ.. وَكَانَتْ قَلِيلَةَ الْحَيَاءِ فَقَالَتْ: إِنَّمَا أُرِيدُ مِنَ الَّذِي فِي فِيكَ.. فَنَاوَلَهَا مَا فِي فِيهِ.. وَلَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعُهُ.. فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي جَوْفِهَا أُلْقِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْحَيَاءِ مَا لَمْ تَكُنِ امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ أَشَدَّ حياء منها «2» ..
الفصل الثاني والعشرون إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم
الفصل الثاني والعشرون إِجَابَةِ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ جِدًّا وَإِجَابَةُ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَمَاعَةٍ بِمَا دَعَا لَهُمْ وعليهم متواتر على الجملة معلوم بالضرورة وقد جاء في حديث «1» حذيفة «2» : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا لِرَجُلٍ أَدْرَكَتِ الدَّعْوَةُ وَلَدَهُ وَوَلَدَ ولده. عَنْ «3» أَنَسٍ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «قَالَتْ أُمِّي «5» : يَا رَسُولَ اللَّهِ خَادِمُكَ أَنَسٌ ادْعُ اللَّهَ لَهُ.. قَالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا آتَيْتَهُ. وَمِنْ رِوَايَةِ «6» عِكْرِمَةَ «7» قال أنس: فو الله إن مالي لكثير
وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيُعَادُّونُ «1» الْيَوْمَ عَلَى نحو المئة. وفي رواية «2» فما أَعْلَمُ أَحَدًا أَصَابَ مِنْ رَخَاءِ الْعَيْشِ مَا أصبت.. ولقد دفنت بيدي هاتين مئة مِنْ وَلَدِي.. لَا أَقُولُ سَقْطًا «3» وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ. وَمِنْهُ «4» دُعَاؤُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ «5» عَوْفٍ بِالْبَرَكَةِ.. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَلَوْ رَفَعْتُ حَجَرًا لَرَجَوْتُ أَنْ أُصِيبَ تَحْتَهُ ذَهَبًا وَفَتَحَ اللَّهُ عليه ومات فحضر الذهب من تركته بالفؤوس «6» حَتَّى مَجَلَتْ «7» فِيهِ الْأَيْدِي.. وَأَخَذَتْ كُلُّ زَوْجَةٍ ثمانين ألفا وكن أربعا وقيل مئة أَلْفٍ.. وَقِيلَ بَلْ صُولِحَتْ إِحْدَاهُنَّ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا في مرضه عن نَيِّفٍ «8» وَثَمَانِينَ أَلْفًا. وَأَوْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفًا بَعْدَ صدقاته الفاشية «9» في حياته وعوارفه العظيمة.
- أَعْتَقَ يَوْمًا ثَلَاثِينَ عَبْدًا وَتَصَدَّقَ مَرَّةً بِعِيرٍ «1» فيها سبعمئة بَعِيرٍ وَرَدَتْ عَلَيْهِ تَحْمِلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.. فَتَصَدَّقَ بِهَا وَبِمَا عَلَيْهَا وَبِأَقْتَابِهَا «2» وَأَحْلَاسِهَا «3» . وَدَعَا «4» لِمُعَاوِيَةَ «5» بِالتَّمْكِينِ فِي الْبِلَادِ فَنَالَ الْخِلَافَةَ وَلِسَعْدِ «6» ابن أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُجِيبَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ فَمَا دَعَا عَلَى أَحَدٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ «7» . وَدَعَا «8» بِعِزِّ الْإِسْلَامِ بِعُمَرَ «9» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَوْ بِأَبِي «10» جَهْلٍ فَاسْتُجِيبَ لَهُ في عمر.
وقال «1» ابْنُ مَسْعُودٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ وَأَصَابَ النَّاسَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ عَطَشٌ فَسَأَلَهُ عُمَرُ الدُّعَاءَ فَدَعَا فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَسَقَتْهُمْ حَاجَتَهُمْ ثُمَّ أَقْلَعَتْ. وَدَعَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ «3» فَسُقُوا ثُمَّ شَكَوْا إِلَيْهِ الْمَطَرَ فدعا فصحوا وَقَالَ «4» لِأَبِي قَتَادَةَ «5» أَفْلَحَ وَجْهُكَ.. اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي شَعْرِهِ «6» وَبَشَرِهِ فَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً وَكَأَنَّهُ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ «7» لِلنَّابِغَةِ «8» لَا يَفْضِضُ «9» اللَّهُ فَاكَ «10» .. فَمَا سقطت له
سِنٌّ وَفِي رِوَايَةٍ فَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ ثَغْرًا «1» .. إِذَا سَقَطَتْ لَهُ سِنٌّ نَبَتَتْ لَهُ أُخْرَى وعاش عشرين ومئة وَقِيلَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا. وَدَعَا «2» لِابْنِ عَبَّاسٍ «3» «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ.. فَسُمِّيَ بَعْدُ الْحَبْرَ «4» وَتَرْجُمَانَ «5» الْقُرْآنِ. وَدَعَا «6» لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ «7» جَعْفَرٍ بِالْبَرَكَةِ فِي صَفْقَةِ «8» يَمِينِهِ فَمَا اشْتَرَى شَيْئًا إِلَّا رَبِحَ فِيهِ. وَدَعَا «9» لِلْمِقْدَادِ «10» بالبركة فكانت عنده غرائر «11» من الْمَالِ وَدَعَا «12» بِمِثْلِهِ لِعُرْوَةَ «13» بْنِ أَبِي الْجَعْدِ فقال: فلقد كنت
أَقُومُ بِالْكُنَاسَةِ «1» فَمَا أَرْجِعُ حَتَّى أَرْبَحَ أَرْبَعِينَ ألفا.. وقال البخاري في حديثه فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ فِيهِ.. وَرُوِيَ «2» مِثْلُ هَذَا لِغَرْقَدَةَ «3» أَيْضًا: وَنَدَّتْ «4» لَهُ نَاقَةٌ فَدَعَا.. فَجَاءَهُ بِهَا إِعْصَارُ «5» رِيحٍ حَتَّى رَدَّهَا عَلَيْهِ. وَدَعَا «6» لِأُمِّ «7» أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَسْلَمَتْ. وَدَعَا «8» لَعَلِيٍّ «9» أَنْ يُكْفَى الْحَرَّ وَالْقُرَّ «10» فَكَانَ يَلْبَسُ فِي الشِّتَاءِ ثِيَابَ الصَّيْفِ وَفِي الصَّيْفِ ثِيَابَ الشِّتَاءِ وَلَا يُصِيبُهُ حَرٌّ وَلَا بَرْدٌ. وَدَعَا «11» لفاطمة «12» ابنته الله أن لا يجيعها.. قالت: فما جعت بعد
وَسَأَلَهُ «1» الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو «2» آيَةً «3» لِقَوْمِهِ فَقَالَ: اللهم نوّر له فسطع له نور بين عينيه فقال: يا رب أخاف أن يقولوا: مثلة «4» فتحول إلى سوطه.. فقال يضيء في الليلة المظلمة فسمي ذا النَّوِرَ. وَدَعَا «5» عَلَى مُضَرَ «6» فَأَقْحَطُوا حَتَّى اسْتَعْطَفَتْهُ قُرَيْشٌ فَدَعَا لَهُمْ فَسُقُوا. وَدَعَا «7» عَلَى كِسْرَى «8» حِينَ مَزَّقَ كِتَابَهُ أَنْ يُمَزِّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ.. فلم يبق لَهُ بَاقِيَةٌ، وَلَا بَقِيَتْ لِفَارِسَ رِيَاسَةٌ فِي أقطار الدنيا..
وَدَعَا «1» عَلَى صَبِيٍّ قَطَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ أَنْ يقطع الله أثره فأقعد. وقال «2» لرجل «3» رآه يأكل شماله: كل بيمينك.. فقال لا أستطيع.. فقال لا اسْتَطَعْتَ.. فَلَمْ يَرْفَعْهَا إِلَى فِيهِ. وَقَالَ «4» لِعُتْبَةَ «5» بْنِ أَبِي لَهَبٍ اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا من كلابك فأكله الاسد.
وَقَالَ «1» لِامْرَأَةٍ «2» أَكَلَكِ الْأَسَدُ ... فَأَكَلَهَا.. وَحَدِيثُهُ «3» الْمَشْهُورُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي دُعَائِهِ عَلَى قُرَيْشٍ حِينَ وَضَعُوا السَّلَا «5» عَلَى رَقَبَتِهِ وَهُوَ سَاجِدٌ مَعَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ وَسَمَّاهُمْ وَقَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ. وَدَعَا «6» عَلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي «7» الْعَاصِ وَكَانَ يَخْتَلِجُ بِوَجْهِهِ وَيَغْمِزُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «8» أَيْ لَا «9» فَرَآهُ فَقَالَ: كَذَلِكَ كُنْ.. فَلَمْ يَزَلْ يَخْتَلِجُ إِلَى أن مات.
وَدَعَا «1» عَلَى مُحَلِّمِ بْنِ «2» جَثَّامَةَ فَمَاتَ لِسَبْعٍ فلفظته «3» الأرض ثم وروي فَلَفَظَتْهُ مَرَّاتٍ فَأَلْقَوْهُ بَيْنَ صُدَّيْنِ «4» وَرَضَمُوا «5» عَلَيْهِ بالحجارة والصدّ جانب الوادي. وجحده «6» رجل بيع فَرَسٍ وَهِيَ الَّتِي شَهِدَ «7» فِيهَا خُزَيْمَةُ «8» لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ الْفَرَسَ بَعْدَ «9» النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجُلِ وقال اللهم
إِنْ كَانَ كَاذِبًا فَلَا تُبَارِكْ لَهُ فِيهَا ... فَأَصْبَحَتْ شَاصِيَةً «1» بِرِجْلِهَا- أَيْ رَافِعَةً.. وَهَذَا الْبَابُ أكثر من أن يحاط به.
الفصل الثالث والعشرون في كراماته وبركاته وانقلاب الأعيان له فيما لمسه أو باشره صلى الله عليه وسلم
الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي كَرَامَاتِهِ وَبَرَكَاتِهِ وَانْقِلَابِ الْأَعْيَانِ لَهُ فِيمَا لَمَسَهُ أَوْ بَاشَرَهُ صَلَّى الله عليه وسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَزِعُوا مَرَّةً فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طلحة «3» كان يقطف «4» أو به قطوف «5» وَقَالَ غَيْرُهُ يُبَطَّأُ. فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: وَجَدْنَا فَرَسَكَ بَحْرًا «6» ... فَكَانَ بَعْدُ لَا يُجَارَى. وَنَخَسَ «7» جمل جابر «8» وكان قد أعيى فنشط حتى كان ما يملك «9» زمامه «10» .
وَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ بِفَرَسٍ لِجُعَيْلٍ الْأَشْجَعِيِّ «1» خَفَقَهَا بِمِخْفَقَةٍ «2» مَعَهُ وَبَرَّكَ «3» عَلَيْهَا فَلَمْ يَمْلِكْ رَأْسَهَا نَشَاطًا وَبَاعَ مِنْ بَطْنِهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا «4» . وَرَكِبَ حِمَارًا قَطُوفًا لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ «5» فَرَدَّهُ هِمْلَاجًا «6» لَا يُسَايَرُ «7» . وَكَانَتْ شَعَرَاتٌ مِنْ شَعْرِهِ فِي قَلَنْسُوَةِ «8» خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ «9» فَلَمْ يَشْهَدْ بِهَا قِتَالًا إِلَّا رُزِقَ النَّصْرَ «10» . وَفِي الصَّحِيحِ «11» عَنْ أَسْمَاءَ «12» بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنها:
«أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ «1» وَقَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا» . وَحَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ «2» عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْمَأْمُونِ «3» قال: «كانت عِنْدَنَا قَصْعَةٌ «4» مِنْ قِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَكُنَّا نَجْعَلُ فِيهَا الْمَاءَ لِلْمَرْضَى فَيَسْتَشْفُونَ بِهَا ... وَأَخَذَ جَهْجَاهُ الْغِفَارِيُّ «5» الْقَضِيبَ «6» مِنْ يَدِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِيَكْسِرَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ فَصَاحَ النَّاسُ بِهِ فَأَخَذَتْهُ فِيهَا الْآكِلَةُ «7» فَقَطَعَهَا وَمَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ «8» » . وَسَكَبَ مِنْ فَضْلِ وَضَوْئِهِ «9» فِي بِئْرِ قُبَاءَ فَمَا نَزَفَتْ «10» بَعْدُ «11»
وَبَزَقَ فِي بِئْرٍ كَانَتْ فِي دَارِ أَنَسٍ فَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ أَعْذَبُ مِنْهَا «1» وَمَرَّ عَلَى مَاءٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ لَهُ اسْمُهُ بَيْسَانُ «2» وَمَاؤُهُ مِلْحٌ.. فَقَالَ: بَلْ هُوَ نُعْمَانُ وَمَاؤُهُ طَيِّبٌ فَطَابَ. وَأُتِيَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فمج «3» فيه فصار أَطْيَبَ مِنَ الْمِسْكِ «4» وَأَعْطَى الْحَسَنَ «5» وَالْحُسَيْنَ «6» لِسَانَهُ فمصاه وكانا يَبْكِيَانِ عَطَشًا فَسَكَتَا «7» . وَكَانَ لِأُمِّ مَالِكٍ «8» عُكَّةٌ «9» تَهْدِي فِيهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمْنًا فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا تَعْصِرَهَا ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَيْهَا. فَإِذَا هِيَ مَمْلُوءَةٌ سَمْنًا فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا يَسْأَلُونَهَا الْأُدْمَ «10» وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ فَتَعْمِدُ إِلَيْهَا فَتَجِدُ فِيهَا سَمْنًا فَكَانَتْ تُقِيمُ أُدْمَهَا حَتَّى عَصَرَتْهَا «11» . وَكَانَ يَتْفُلُ فِي أَفْوَاهِ الصِّبْيَانِ الْمَرَاضِعِ فَيُجْزِئُهُمْ رِيقُهُ إِلَى اللَّيْلِ
وَمِنْ ذَلِكَ بَرَكَةُ يَدِهِ فِيمَا لَمَسَهُ وَغَرَسَهُ لسلمان «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ كَاتَبَهُ مَوَالِيهِ عَلَى ثلاثمئة ودّية «2» يغرسها لهم كلها تعلق «3» وتطعم «4» على أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً «5» مِنْ ذَهَبٍ. فَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَرَسَهَا لَهُ بِيَدِهِ إِلَّا وَاحِدَةً غرسها غيره «6» . فأخذت كلها إلّا تلك لواحدة فَقَلَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدَّهَا فَأَخَذَتْ. وَفِي كِتَابِ الْبَزَّارِ «7» فَأَطْعَمَ النَّخْلُ مِنْ عَامِهِ إِلَّا الْوَاحِدَةَ.. فَقَلَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَرَسَهَا فَأَطْعَمَتْ مِنْ عَامِهَا. وَأَعْطَاهُ مِثْلَ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ بَعْدَ أن
أَدَارَهَا عَلَى لِسَانِهِ فَوَزَنَ مِنْهَا لِمَوَالِيهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً وَبَقِيَ عِنْدَهُ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ. وَفِي «1» حَدِيثِ حَنَشِ بْنِ عُقَيْلٍ «2» سَقَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْبَةً مِنْ سَوِيقٍ شَرِبَ أَوَّلَهَا وَشَرِبْتُ آخِرَهَا فَمَا بَرِحْتُ أَجِدُ شِبَعَهَا إِذَا جُعْتُ وَرِيَّهَا إِذَا عَطِشْتُ وَبَرْدَهَا إِذَا ظَمِئْتُ. وَأَعْطَى «3» قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ «4» - وَصَلَّى معه العشاء في ليلة
مُظْلِمَةٍ مَطِيرَةٍ «1» - عُرْجُونًا «2» ، وَقَالَ: انْطَلِقْ بِهِ فَإِنَّهُ سَيُضِيءُ لَكَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ عَشْرًا «3» وَمِنْ خَلْفِكَ عَشْرًا.. فَإِذَا دَخَلْتَ بَيْتَكَ فَسَتَرَى سَوَادًا فَاضْرِبْهُ حَتَّى يَخْرُجَ فَإِنَّهُ الشَّيْطَانُ.. فَانْطَلَقَ فَأَضَاءَ لَهُ الْعُرْجُونُ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ وَوَجَدَ السَّوَادَ فَضَرَبَهُ حَتَّى خَرَجَ. وَمِنْهَا «4» دَفْعُهُ لِعُكَاشَةَ «5» جِذْلَ «6» حَطَبٍ وَقَالَ: اضْرِبْ بِهِ حِينَ انْكَسَرَ سَيْفُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَعَادَ فِي يَدِهِ سَيْفًا صَارِمًا طَوِيلَ الْقَامَةِ أَبْيَضَ شَدِيدَ الْمَتْنِ ... فَقَاتَلَ بِهِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَشْهَدُ بِهِ الْمَوَاقِفَ إِلَى أَنِ اسْتُشْهِدَ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وكان هذا السيف يسمى العون «7»
وَدَفْعُهُ «1» لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ «2» يَوْمَ أُحُدٍ- وَقَدْ ذَهَبَ سَيْفُهُ «3» - عَسِيبَ «4» نَخْلٍ فَرَجَعَ فِي يَدِهِ سَيْفًا. وَمِنْهُ بَرَكَتُهُ فِي دُرُورِ الشِّيَاهِ الْحَوَائِلِ «5» بِاللَّبَنِ الْكَثِيرِ كَقِصَّةِ «6» شَاةِ أُمِّ مَعْبَدٍ «7» وَأَعْنُزِ «8» مُعَاوِيَةَ بْنِ ثَوْرٍ «9» وَشَاةِ أَنَسٍ «10» وَغَنَمِ «11» حليمة «12» مرضعته
وَشَارِفِهَا «1» وَشَاةِ «2» عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «3» وَكَانَتْ له لَمْ يَنْزُ «4» عَلَيْهَا فَحْلٌ وَشَاةُ «5» الْمِقْدَادِ «6» . وَمِنْ ذَلِكَ «7» تَزْوِيدُهُ أَصْحَابَهُ سِقَاءَ «8» مَاءٍ بَعْدَ أَنْ أَوْكَاهُ «9» وَدَعَا فِيهِ.. فَلَمَّا حَضَرَتْهُمُ الصَّلَاةُ نَزَلُوا فَحَلُّوهُ فَإِذَا بِهِ لَبَنٌ طَيِّبٌ وَزُبْدَةٌ فِي فَمِهِ. مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ «10» . وَمَسَحَ «11» عَلَى رَأْسِ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ «12» وَبَرَّكَ «13» فَمَاتَ وهو ابن ثمانين فما شاب.
وَرُوِيَ مِثْلُ هَذِهِ الْقِصَصِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمُ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ «1» وَمَدْلُوكٍ «2» . وَكَانَ يُوجَدُ لِعُتْبَةَ «3» بْنِ فَرْقَدٍ طِيبٌ يَغْلِبُ طِيبَ نِسَائِهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح بيديه عَلَى بَطْنِهِ وَظَهْرِهِ «4» . وَسَلَتَ «5» الدَّمَ عَنْ وَجْهِ عائذ «6» بن عمرو وكان جرح يَوْمَ حُنَيْنٍ «7» وَدَعَا لَهُ فَكَانَتْ لَهُ غُرَّةٌ «8» كغرة الفرس «9» .
وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِ قَيْسِ «1» بْنِ زَيْدٍ الْجُذَامِيِّ ودعا له فهلك وهو ابن مئة سَنَةٍ وَرَأْسُهُ أَبْيَضُ «2» ، وَمَوْضِعُ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَرَّتْ يَدُهُ عَلَيْهِ من شعره أسود «3» .. فكان يُدْعَى الْأَغَرَّ «4» . وَرُوِيَ «5» مِثْلُ هَذِهِ الْحِكَايَةِ لِعَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْجُهَنِيِّ «6» وَمَسَحَ وَجْهَ آخَرَ «7» فَمَا زَالَ عَلَى وَجْهِهِ نُورٌ. وَمَسَحَ «8» وَجْهَ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ «9» فَكَانَ لِوَجْهِهِ بَرِيقٌ حَتَّى كَانَ يُنْظَرُ فِي وَجْهِهِ كَمَا يُنْظَرُ فِي الْمِرْآةِ «10» .
ووضع «1» يده على رأس حنظلة بن «2» حذيم وَبَرَّكَ «3» عَلَيْهِ فَكَانَ حَنْظَلَةُ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ قَدْ وَرِمَ وَجْهُهُ وَالشَّاةُ قَدْ وَرِمَ ضَرْعُهَا فَيُوضَعُ عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فيذهب الورم. و «4» نفح «5» فِي وَجْهِ زَيْنَبَ «6» بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ نَضْحَةً مِنْ مَاءٍ فَمَا يُعْرَفُ كَانَ فِي وَجْهِ امْرَأَةٍ مِنَ الْجَمَالِ مَا بِهَا. وَمَسَحَ «7» عَلَى رَأْسِ صَبِيٍّ بِهِ عَاهَةٌ «8» فَبَرَأَ «9» وَاسْتَوَى شَعْرُهُ. ومثله روي «10» في خبر المهلب بن قبالة «11» وَعَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصِّبْيَانِ وَالْمَرْضَى وَالْمَجَانِينِ فبرؤوا.
وَأَتَاهُ «1» رَجُلٌ بِهِ أُدْرَةٌ «2» فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْضَحَهَا بماء من عين مجّ «3» فيه ففعل فبرأ.. وعن «4» طاووس «5» لَمْ يُؤْتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَحَدٍ بِهِ مَسٌّ فَصَكَّ «6» فِي صَدْرِهِ إِلَّا ذَهَبَ (الْمَسُّ الْجُنُونُ) وَمَجَّ فِي دَلْوٍ مِنْ بِئْرٍ ثُمَّ صَبَّ فِيهَا فَفَاحَ مِنْهَا رِيحُ الْمِسْكِ. وَأَخَذَ «7» قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِ الْكُفَّارِ وَقَالَ: شَاهَتِ «8» الوجوه فانصرفوا يمسحون القذى «9» عن أعينهم. وشكى «10» إِلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ «11» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النِّسْيَانَ فأمره ببسط
ثَوْبِهِ وَغَرَفَ «1» بِيَدِهِ فِيهِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِضَمِّهِ فَفَعَلَ فَمَا نَسِيَ شَيْئًا بَعْدُ. وَمَا يُرْوَى عنه فِي هَذَا كَثِيرٌ.. وَضَرَبَ «2» صَدْرَ جَرِيرِ «3» بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَدَعَا لَهُ وَكَانَ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَصَارَ مِنْ أفرس العرب وأثبتهم. ومسح «4» رَأْسِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ «5» زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ صَغِيرٌ وَكَانَ دَمِيمًا «6» وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فضرع «7» الرجال طولا وتماما.
الفصل الرابع والعشرون ما أطلع عليه من الغيوب وما يكون
الفصل الرابع والعشرون مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ وَمَا يَكُونُ وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ وَمَا يَكُونُ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ بَحْرٌ لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ وَلَا يَنْزِفُ «1» غَمْرُهُ «2» .. وَهَذِهِ الْمُعْجِزَةُ مِنْ جُمْلَةِ مُعْجِزَاتِهِ الْمَعْلُومَةِ عَلَى الْقَطْعِ.. الْوَاصِلِ إِلَيْنَا خَبَرُهَا عَلَى التَّوَاتُرِ لِكَثْرَةِ رُوَاتِهَا واتفاق معانيها على الاطلاع على الغيب. عَنْ «3» حُذَيْفَةَ «4» قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا.. فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَهُ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ.. قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ.. وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ فَأَعْرِفُهُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ إذا رآه عرفه ثم قال حذيفة:
مَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَصْحَابِي أَمْ تَنَاسَوْهُ ... وَاللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَائِدِ فِتْنَةٍ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الدنيا يبلغ من معه ثلاثمئة فَصَاعِدًا إِلَّا قَدْ سَمَّاهُ لَنَا بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَقَبِيلَتِهِ. وَقَالَ «1» أَبُو ذَرٍّ «2» لَقَدْ تَرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُحَرِّكُ طَائِرٌ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إِلَّا ذَكَّرَنَا مِنْهُ عِلْمًا. وَقَدْ خَرَّجَ أَهْلُ الصَّحِيحِ وَالْأَئِمَّةُ مَا أَعْلَمَ بِهِ أَصْحَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الظُّهُورِ عَلَى أَعْدَائِهِ وَفَتْحِ مَكَّةَ «3» ، وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ «4» وَالْيَمَنِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ «5» وَظُهُورِ الْأَمْنِ حَتَّى تَظْعَنَ الْمَرْأَةُ مِنَ الْحِيرَةِ «6» إِلَى مَكَّةَ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ «7» .. وأن المدينة ستغزى وتفتح خيبر «8» على يد عَلِيٍّ فِي غَدِ يَوْمِهِ «9» .. وَمَا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِهِ مِنَ الدُّنْيَا وَيُؤْتَوْنَ مِنْ زَهْرَتِهَا «10» ..
وَقِسْمَتِهِمْ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ «1» ، وَمَا يَحْدُثُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْفُتُونِ وَالِاخْتِلَافِ وَالْأَهْوَاءِ «2» ، وَسُلُوكِ سَبِيلِ مَنْ قَبْلَهُمْ «3» .. وَافْتِرَاقِهِمْ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً.. النَّاجِيَةُ منها فرقة وَاحِدَةٌ «4» .. وَأَنَّهَا «5» سَتَكُونُ لَهُمْ أَنْمَاطٌ «6» وَيَغْدُو «7» أَحَدُهُمْ فِي حُلَّةٍ «8» وَيَرُوحُ «9» فِي أُخْرَى وَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَحْفَةٌ «10» وَتُرْفَعُ أُخْرَى وَيَسْتُرُونَ بُيُوتَهُمْ كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ «11» ثُمَّ قَالَ آخِرَ الْحَدِيثِ وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ.. وَإِنَّهُمْ «12» إِذَا مَشَوُا المطيطاء «13» وخدمتهم
بَنَاتُ فَارِسَ وَالرُّومِ رَدَّ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ.. وسلط شرارهم على خيارهم وقتالهم الترك «1» وَالْخَزَرَ «2» وَالرُّومَ وَذَهَابِ كِسْرَى وَفَارِسَ.. حَتَّى لَا كِسْرَى وَلَا فَارِسَ بَعْدَهُ.. وَذَهَابِ قَيْصَرَ حَتَّى لَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ «3» .. وَذَكَرَ أَنَّ الرُّومَ ذَاتُ قُرُونٍ «4» إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.. وَبِذَهَابِ الْأَمْثَلِ «5» فَالْأَمْثَلِ من الناس «6» .. وتقارب الزمان «7» ..
وَقَبْضِ الْعِلْمِ «1» .. وَظُهُورِ الْفِتَنِ وَالْهَرْجِ «2» .. وَقَالَ «3» : «وَيْلٌ «4» لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ» . وَأَنَّهُ «5» زُوِيَتْ «6» لَهُ الْأَرْضُ فَأُرِيَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا. وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أمته ما زوي له منها.. ولذلك كَانَ امْتَدَّتْ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ مَا بَيْنَ أَرْضِ الْهِنْدِ أَقْصَى الْمَشْرِقِ إِلَى بَحْرِ طَنْجَةَ «7» حَيْثُ لَا عِمَارَةَ «8» وَرَاءَهُ وَذَلِكَ مَا لَمْ تملكه
أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ.. وَلَمْ تَمْتَدَّ فِي الْجَنُوبِ وَلَا فِي الشَّمَالِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ «1» «لَا يزال أهل الغرب ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» . ذَهَبَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ «2» إِلَى أَنَّهُمُ الْعَرَبُ لِأَنَّهُمُ الْمُخْتَصُّونَ بِالسَّقْيِ بِالْغَرْبِ «3» وَهِيَ الدَّلْوُ. وَغَيْرُهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ الْمَغْرِبِ وَقَدْ وَرَدَ «الْمَغْرِبُ» كَذَا فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ. وَفِي حَدِيثٍ «4» آخَرَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ «5» لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.. وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وأجيز «6»
بِمُلْكِ بَنِي أُمَيَّةَ وَوِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ «1» وَوَصَّاهُ «2» . وَاتِّخَاذِ بَنِي أُمَيَّةَ مَالَ اللَّهِ دُوَلًا «3» وَخُرُوجِ «4» وَلَدِ الْعَبَّاسِ بِالرَّايَاتِ السُّودِ «5» وَمُلْكِهِمْ أَضْعَافَ مَا مَلَكُوا «6» وخروج «7» المهدي «8» ... وما ينال
أَهْلَ بَيْتِهِ «1» وَتَقْتِيلِهِمْ وَتَشْرِيدِهِمْ وَقَتْلِ «2» عَلِيٍّ «3» .. وَأَنَّ أَشْقَاهَا «4» الَّذِي يُخَضِّبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ- أَيْ لِحْيَتِهِ مِنْ رَأْسِهِ- وَأَنَّهُ قَسِيمُ «5» النَّارِ يَدْخُلُ أَوْلِيَاؤُهُ الْجَنَّةَ وَأَعْدَاؤُهُ النَّارَ.. فَكَانَ فِيمَنْ عَادَاهُ الْخَوَارِجُ «6» وَالنَّاصِبَةُ «7» .. وَطَائِفَةٌ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ مِنَ
الروافض «1» كفّروه «2» .. وقال «3» بقتل عُثْمَانُ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ وَأَنَّ «4» اللَّهَ عَسَى أَنْ يُلْبِسَهُ قَمِيصًا «5» .. وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ خَلْعَهُ «6» .. وأنه «7» سيقطر دمه على قوله تعالى «فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ «8» » .
وَأَنَّ الْفِتَنَ لَا تَظْهَرُ مَا دَامَ عُمَرُ «1» حَيًّا «2» وَبِمُحَارَبَةِ «3» الزُّبَيْرِ «4» لِعَلِيٍّ «5» وَبِنُبَاحِ كِلَابِ الْحَوْأَبِ «6» عَلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ «7» وَأَنَّهُ «8» يُقْتَلُ حَوْلَهَا قَتْلَى كَثِيرٌ وَتَنْجُو بَعْدَ مَا كَادَتْ.. فَنَبَحَتْ عَلَى عَائِشَةَ «9» عِنْدَ خُرُوجِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ. وَأَنَّ عَمَّارًا «10» تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ «11» - فَقَتَلَهُ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ «12» وَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ «13» بْنِ الزُّبَيْرِ: «وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ وويل لك
مِنَ النَّاسِ» . وَقَالَ «1» فِي قُزْمَانَ «2» وَقَدْ أَبْلَى مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ.. وَقَالَ «3» فِي جَمَاعَةٍ فِيهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ «4» وَسَمُرَةُ «5» بْنُ جُنْدُبٍ وَحُذَيْفَةُ «6» آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ «7» .. فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَسْأَلُ عَنْ بَعْضٍ فَكَانَ سَمُرَةُ آخِرَهُمْ مَوْتًا هَرِمَ وَخَرِفَ فَاصْطَلَى بِالنَّارِ فَاحْتَرَقَ فِيهَا. وَقَالَ «8» فِي حَنْظَلَةَ «9» الْغَسِيلِ «10» .. سَلُوا زوجته عنه فإني
رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ.. فَسَأَلُوهَا فَقَالَتْ: إِنَّهُ خَرَجَ جُنُبًا وَأَعْجَلَهُ الْحَالُ عَنِ الْغُسْلِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَوَجَدْنَا رَأْسَهُ يَقْطُرُ مَاءً. وَقَالَ «2» الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ.. وَلَنْ «3» يَزَالَ هذا لأمر فِي قُرَيْشٍ مَا أَقَامُوا الدِّينَ. وَقَالَ «4» يَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ «5» فَرَأَوْهُمَا «6» الْحَجَّاجُ «7» وَالْمُخْتَارُ «8» .
وَأَنَّ «1» مُسَيْلِمَةَ «2» يَعْقِرُهُ «3» اللَّهُ وَأَنَّ «4» فَاطِمَةَ «5» أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ وَأَنْذَرَ «6» بِالرِّدَّةِ وَبِأَنَّ «7» الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا فَكَانَتْ كذلك بِمُدَّةِ «8» الْحَسَنِ «9» بْنِ عَلِيٍّ. وَقَالَ «10» إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ بَدَأَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً ثُمَّ يَكُونُ رَحْمَةً
وَخِلَافَةً ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا «1» .. ثُمَّ يَكُونُ عُتُوًّا «2» وَجَبَرُوتًا «3» وَفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ.. وَأَخْبَرَ «4» بِشَأْنِ أويس «5» القربي وبأمراء «6» يؤخرون الصلاة وفي «7» حديث آخر: ثلاثون دجالا كذابا.. أحدهم الدَّجَّالُ الْكَذَّابُ «8» كُلُّهُمْ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَقَالَ «1» يُوشِكُ أَنْ يَكْثُرَ فِيكُمُ الْعَجَمُ يَأْكُلُونَ فَيْئَكُمْ «2» ، وَيَضْرِبُونَ رِقَابَكُمْ. وَلَا «3» تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَسُوقَ النَّاسَ بِعَصَاهُ «4» رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ «5» وَقَالَ «6» : خَيْرُكُمْ قَرْنِي.. ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا «7» يُسْتَشْهَدُونَ وَيُخَوَّنُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ «8» وَقَالَ «9» : لَا يَأْتِي زمان إلّا والذي بعده شر منه.
وقال «1» : «هلاك أمتي على يد أغيلمة «2» من قريش» . وقال أبو هريرة «3» رواية «4» : «لَوْ شِئْتُ سَمَّيْتُهُمْ لَكُمْ بَنُو فُلَانٍ وَبَنُو فلان» وأخبر «5» بظهور القدرية «6» و «7» الرافضة «8» وسب «9» آخر
هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا وَقِلَّةِ «1» الْأَنْصَارِ «2» حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ فَلَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ يَتَبَدَّدُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُمْ جَمَاعَةٌ.. وَأَنَّهُمْ سَيَلْقَوْنَ بَعْدَهُ أَثَرَةً «3» . وَأَخْبَرَ «4» بِشَأْنِ الْخَوَارِجِ «5» وَصِفَتِهِمْ وَالْمُخَدَّجِ «6» الذي
فيهم وأنّ سيماهم «1» التحليق «2» ويرى «3» راء الغنم «4» رؤوس النَّاسِ وَالْعُرَاةُ الْحُفَاةُ يَتَبَارَوْنَ فِي الْبُنْيَانِ «5» .. وَأَنْ «6» تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا «7» وَأَنَّ «8» قُرَيْشًا وَالْأَحْزَابَ لَا يَغْزُونَهُ أَبَدًا وَأَنَّهُ هُوَ يَغْزُوهُمْ «9» . وَأَخْبَرَ «10» بِالْمَوْتَانِ «11» الذي يكون بعد فتح بيت المقدس
وَمَا «1» وَعَدَ مِنْ سُكْنَى الْبَصْرَةِ «2» وَأَنَّهُمْ «3» يَغْزُونَ فِي الْبَحْرِ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ «4» وَأَنَّ «5» الدِّينَ لو كان منوطا في الثريا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ. وَهَاجَتْ «6» رِيحٌ في غزاته «7» فَقَالَ: هَاجَتْ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ «8» فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَجَدُوا ذَلِكَ. وَقَالَ «9» لِقَوْمٍ مِنْ جُلَسَائِهِ: ضِرْسُ أَحَدِكُمْ فِي النَّارِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ «10» قال أبو هريرة فذهت القوم- يعني ماتوا- وبقيت أنا
وَرَجُلٌ فَقُتِلَ مُرْتَدًّا «1» يَوْمَ الْيَمَامَةِ «2» . وَأَعْلَمَ «3» بِالَّذِي غَلَّ «4» خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ فَوُجِدَتْ فِي رَحْلِهِ وَبِالَّذِي «5» غَلَّ الشَّمْلَةَ «6» وَحَيْثُ هِيَ «7» . وَنَاقَتِهِ «8» حِينَ ضَلَّتْ وَكَيْفَ تَعَلَّقَتْ بِالشَّجَرَةِ بِخِطَامِهَا «9» وَبِشَأْنِ «10»
كِتَابِ حَاطِبٍ «1» إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ «2» . وَبِقَضِيَّةِ «3» عُمَيْرٍ «4» مَعَ صَفْوَانَ «5» حِينَ سَارَّهُ وَشَارَطَهُ عَلَى قَتْلِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جَاءَ عمير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاصِدًا لِقَتْلِهِ وَأَطْلَعَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الْأَمْرِ وَالسِّرِّ أَسْلَمَ وَأَخْبَرَ «1» بِالْمَالِ الَّذِي تَرَكَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ «3» بَعْدَ أَنْ كَتَمَهُ فَقَالَ: مَا عَلِمَهُ غَيْرِي وَغَيْرُهَا. فَأَسْلَمَ. وَأَعْلَمَ «4» بِأَنَّهُ سَيَقْتُلُ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ «5» . وَفِي عُتْبَةَ بْنِ «6» أَبِي لَهَبٍ أنه يأكله كلب من كلاب «7» اللَّهِ وَعَنْ «8» مَصَارِعِ أَهْلِ بَدْرٍ فَكَانَ كَمَا قَالَ. وَقَالَ «9» فِي الْحَسَنِ «10» : «إِنَّ ابْنِي هَذَا سيد وسيصلح لله به
بين فئتين» . و «1» لسعد «2» : «لَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيَسْتَضِرَّ بِكَ آخَرُونَ «3» » وَأَخْبَرَ «4» بِقَتْلِ أَهْلِ مُؤْتَةَ «5» يَوْمَ قُتِلُوا «6» وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ أَوْ أَزْيَدُ. وَبِمَوْتِ «7» النَّجَاشِيِّ «8» يَوْمَ مَاتَ «9» وَهُوَ بِأَرْضِهِ. وَأَخْبَرَ «10» فَيْرُوزَ «11» إِذْ وَرَدَ عَلَيْهِ رَسُولًا مِنْ كِسْرَى «12» بِمَوْتِ كسرى ذلك اليوم فلما تحقق فيروز القصة أسلم. وأخبر «13» أباذر «14» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِتَطْرِيدِهِ «15» كَمَا كَانَ وَوَجَدَهُ
فِي الْمَسْجِدِ نَائِمًا فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْهُ قَالَ: أَسْكُنُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَالَ: فَإِذَا أُخْرِجْتَ مِنْهُ؟ .. الْحَدِيثَ «1» . وَبِعَيْشِهِ «2» وَحْدَهُ وَأَخْبَرَ «3» أَنَّ أَسْرَعَ أَزْوَاجِهِ بِهِ لُحُوقًا أَطُولُهُنَّ يَدًا فَكَانَتْ زَيْنَبَ «4» لِطُولِ يَدِهَا بِالصَّدَقَةِ. وَأَخْبَرَ «5» بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ «6» بِالطَّفِّ «7» وَأَخْرَجَ بِيَدِهِ تُرْبَةً وَقَالَ: فِيهَا مَضْجَعُهُ «8» . وَقَالَ «9» فِي زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ «10» : «يسبقه
عُضْوٌ مِنْهُ إِلَى الْجَنَّةِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ «1» فِي الْجِهَادِ «2» » . وَقَالَ «3» فِي الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ عَلَى حِرَاءٍ: «اثْبُتْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدٌ فَقُتِلَ عَلِيٌّ «4» وَعُمَرُ «5» وَعُثْمَانُ «6» وَطَلْحَةُ «7» وَالزُّبَيْرُ «8» وَطُعِنَ سعد رضي الله عنهم «9» وقال «10» لسراقة «11» كيف بك إذا لبست سِوَارَيْ «12» كِسْرَى «13» فَلَمَّا أُتِيَ بِهِمَا عُمَرُ أَلْبَسَهُمَا إياه وقال: الحمد لله الذي سلبها كسرى وألبسهما سراقة «14»
وَقَالَ «1» تُبْنَى مَدِينَةٌ بَيْنَ دِجْلَةَ «2» وَدُجَيْلٍ «3» وَقُطْرُبُلَّ «4» وَالصَّرَاةِ «5» تُجْبَى إِلَيْهَا خَزَائِنُ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِهَا. - يَعْنِي بَغْدَادَ- وَقَالَ «6» : «سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْوَلِيدُ «7» هُوَ شَرٌّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ فِرْعَوْنَ «8» لِقَوْمِهِ» وَقَالَ «9» : لَا تَقُومُ الساعة
حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ «1» » . وَقَالَ «2» لِعُمَرَ فِي سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو «3» : «عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا يَسُرُّكَ يَا عُمَرُ» فَكَانَ كَذَلِكَ.. قَامَ بِمَكَّةَ مَقَامَ أَبِي بَكْرٍ «4» يَوْمَ بَلَغَهُمْ مَوْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَطَبَ بِنَحْوِ خُطْبَتِهِ وَثَبَّتَهُمْ وَقَوَّى بَصَائِرَهُمْ. وَقَالَ «5» لِخَالِدٍ «6» حِينَ وَجَّهَهُ لِأُكَيْدِرَ «7» : إِنَّكَ تَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ فَوُجِدَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إِلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ جُلَسَاءَهُ مِنْ أَسْرَارِهِمْ وَبَوَاطِنِهِمْ وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَسْرَارِ الْمُنَافِقِينَ وَكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ فيه وفي المؤمنين.. حتى إن
كان بعضهم ليقول لصاحبه اسكت فو الله لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ لَأَخْبَرَتْهُ حِجَارَةُ الْبَطْحَاءِ «1» . وَإِعْلَامُهُ «2» بِصِفَةِ السِّحْرِ الَّذِي سَحَرَهُ بِهِ لَبِيدُ «3» بْنُ الْأَعْصَمِ. وَكَوْنِهِ فِي مُشْطٍ «4» وَمُشَاقَةٍ «5» فِي جُفِّ «6» طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ وَأَنَّهُ أُلْقِيَ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ «7» فَكَانَ كَمَا قَالَ ووجد على تلك الصفة. وإعلامه «8» قريشا بأكل الْأَرَضَةُ «9» مَا فِي صَحِيفَتِهِمُ الَّتِي تَظَاهَرُوا بِهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ «10» وَقَطَعُوا بِهَا رَحِمَهُمْ وَأَنَّهَا أَبْقَتْ فِيهَا كُلَّ اسْمٍ لِلَّهِ. فَوَجَدُوهَا كَمَا قَالَ. وَوَصْفُهُ لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ بَيْتَ الْمَقْدِسِ حِينَ
كَذَّبُوهُ فِي خَبَرِ الْإِسْرَاءِ وَنَعْتُهُ إِيَّاهُ نَعْتَ من عرفه وإعلامهم بعيرهم التي مر عليها في طريقه وإنذارهم بِوَقْتِ وُصُولِهَا فَكَانَ كُلُّهُ كَمَا قَالَ. إِلَى مَا أَخْبَرَ «1» بِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ الَّتِي تَكُونُ وَلَمْ تَأْتِ بَعْدُ مِنْهَا مَا ظَهَرَتْ مُقَدِّمَاتُهَا كَقَوْلِهِ: عُمْرَانُ «2» بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ «3» . وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ «4» . وَمِنْ «5» أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَآيَاتِ حُلُولِهَا وَذِكْرِ النَّشْرِ والحشر «6»
وَأَخْبَارِ الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَعَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ. وَبِحَسْبِ هَذَا الْفَصْلِ أَنْ يَكُونَ دِيوَانًا مُفْرَدًا يَشْتَمِلُ عَلَى أَجْزَاءٍ وَحْدَهُ. وَفِيمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ نُكَتِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كِفَايَةٌ وَأَكْثَرُهَا في الصحيح وعند الأئمة والله ولي التوفيق..
الفصل الخامس والعشرون عصمة الله له من الناس وكفايته من أذاهم
الفصل الخامس والعشرون عصمة الله لَهُ مِنَ النَّاسِ وَكِفَايَتِهِ مِنْ أَذَاهِمْ قَالَ الله تعالى: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ «1» » . وَقَالَ تَعَالَى: «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا «2» » . وقال: «أَلَيْسَ «3» اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ «4» » . قِيلَ: بِكَافٍ «5» مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْدَاءَهُ الْمُشْرِكِينَ وَقِيلَ: غَيْرُ هَذَا وَقَالَ: «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ «6» » . وقال: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا «7» » الآية.
عَنْ «1» عَائِشَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه من القبّة «3» . فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ.. انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ» .. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا اخْتَارَ لَهُ أَصْحَابُهُ شَجَرَةً يَقِيلُ «4» تَحْتَهَا.. فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ فَاخْتَرَطَ «5» سَيْفَهُ ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فقال: الله عز وجل فأرعدت يَدُ الْأَعْرَابِيِّ وَسَقَطَ سَيْفُهُ وَضَرَبَ بِرَأْسِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى سَالَ دِمَاغُهُ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ «6» . وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَأَنَّ غَوْرَثَ «7» بْنَ الْحَارِثِ صَاحِبُ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَفَا عَنْهُ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ «8» .
وقد حكيت مثل الحكاية أنها جَرَتْ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدِ انْفَرَدَ مِنْ أصحابه لقضاء حاجة فَتَبِعَهُ رَجُلٌ «1» مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَذَكَرَ مِثْلَهُ «2» . وَقَدْ رُوِيَ «3» أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ مِثْلُهَا فِي غَزْوَةِ غَطَفَانَ «4» بِذِي أَمْرٍ «5» مَعَ رَجُلٍ اسْمُهُ دَعْثُورُ «6» بْنُ الْحَارِثِ.. وَأَنَّ الرَّجُلَ أَسْلَمَ فَلَمَّا رَجَعَ إلى قومه الذين أغروه «7» به وَكَانَ سَيِّدَهُمْ وَأَشْجَعَهُمْ قَالُوا لَهُ: أَيْنَ مَا كُنْتَ تَقُولُ وَقَدْ أَمْكَنَكَ فَقَالَ: إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ أَبْيَضَ طَوِيلٍ دَفَعَ فِي صَدْرِي فَوَقَعْتُ لِظَهْرِي وَسَقَطَ السَّيْفُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مَلَكٌ وأسلمت. قيل: وفيه نزلت «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ «8» » الآية.
وَفِي رِوَايَةِ الْخَطَّابِيِّ «1» أَنَّ غَوْرَثَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيَّ أَرَادَ أَنْ يَفْتِكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ مُنْتَضِيًا «2» سَيْفَهُ. فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اكفينه بِمَا شِئْتَ» فَانْكَبَّ مِنْ وَجْهِهِ مِنْ زُلَّخَةٍ «3» زُلِّخَهَا «4» بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَنَدَرَ «5» سَيْفُهُ مِنْ يَدِهِ.. و «الزُّلَّخَةُ» وَجَعُ الظَّهْرِ. وَقِيلَ فِي قِصَّتِهِ غَيْرُ هذا.. وذكر أنّ فيه نزلت «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ «6» » الْآيَةَ. وَقِيلَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخَافُ قُرَيْشًا فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ اسْتَلْقَى ثُمَّ قَالَ «مَنْ شَاءَ فَلْيَخْذُلْنِي» . وَذَكَرَ «7» عَبْدُ «8» بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: كَانَتْ حَمَّالَةُ الحطب «9» تضع
العضاه «1» - وهي حجر «2» - عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّمَا يَطَؤُهَا كَثِيبًا «3» أَهْيَلَ «4» . وَذَكَرَ «5» ابْنُ اسحق «6» عَنْهَا أَنَّهَا لَمَّا بَلَغَهَا نُزُولُ «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ «7» وَتَبَّ «8» » وَذِكْرُهَا بِمَا ذَكَرَهَا اللَّهُ مَعَ زَوْجِهَا مِنَ الذَّمِّ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَبُو بكر «9» . وفي يدها فهر مِنْ حِجَارَةٍ.. فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَيْهِمَا لَمْ تَرَ إلا أبابكر وأخذ الله تعالى ببصرها على نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَيْنَ صَاحِبُكَ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يهجوني.. والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر «10» فاه. وعن «11» الحكم بن أبي العاص «12» قال: تَوَاعَدْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إذا رأيناه حتى سَمِعَنَا صَوْتًا خَلْفَنَا مَا ظَنَنَّا أَنَّهُ بَقِيَ بِتِهَامَةَ أَحَدٌ فَوَقَعْنَا مَغْشِيًّا عَلَيْنَا.. فَمَا أَفَقْنَا حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ.. ثُمَّ تَوَاعَدْنَا لَيْلَةً أُخْرَى فَجِئْنَا حَتَّى إِذَا رَأَيْنَاهُ جَاءَتِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ فَحَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ. وَعَنْ «1» عُمَرَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَاعَدْتُ أَنَا وَأَبُو جَهْمِ «3» بْنِ حُذَيْفَةَ لَيْلَةً قَتْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَجِئْنَا مَنْزِلَهُ فَسَمِعْنَا له فافتتح وقرأ «الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ «4» » .. إِلَى «فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ «5» » . فَضَرَبَ أَبُو جَهْمٍ عَلَى عَضُدِ عُمَرَ وَقَالَ: انْجُ.. وَفَرَّا هَارِبَيْنِ فَكَانَتْ مِنْ مُقَدِّمَاتِ إِسْلَامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَمِنْهُ «6» الْعِبْرَةُ الْمَشْهُورَةُ وَالْكِفَايَةُ التَّامَّةُ عِنْدَمَا أَخَافَتْهُ قُرَيْشٌ وَأَجْمَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ وَبَيَّتُوهُ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِهِ فَقَامَ على رؤوسهم وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَبْصَارِهِمْ وَذَرَّ التراب على رؤوسهم وخلص
مِنْهُمْ.. وَحِمَايَتُهُ «1» عَنْ رُؤْيَتِهِمْ فِي الْغَارِ «2» بِمَا هَيَّأَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْآيَاتِ. وَمِنَ الْعَنْكَبُوتِ الَّذِي نَسَجَ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ «3» خَلَفٍ حِينَ قَالُوا: نَدْخُلُ الْغَارَ.. مَا «4» أَرَبُكُمْ فِيهِ وَعَلَيْهِ مِنْ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ مَا أَرَى «5» إنه قبل أن يولد محمد.. ووقفت حَمَامَتَانِ عَلَى فَمِ الْغَارِ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: لَوْ كَانَ فِيهِ أَحَدٌ لَمَا كَانَتْ هُنَاكَ الْحَمَامُ.. وقصته «6» من سُرَاقَةَ «7» بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ حِينَ الْهِجْرَةِ.. وَقَدْ جَعَلَتْ قُرَيْشٌ فِيهِ وَفِي أَبِي بَكْرٍ «8» الجعائل «9» .. فأنذر به فركب
فَرَسَهُ وَاتَّبَعَهُ حَتَّى إِذَا قَرُبَ مِنْهُ دَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاخَتْ «1» قَوَائِمُ فَرَسِهِ فَخَرَّ عَنْهَا وَاسْتَقْسَمَ بِالْأَزْلَامِ «2» فَخَرَجَ لَهُ مَا يَكْرَهُ.. ثُمَّ رَكِبَ وَدَنَا حَتَّى سَمِعَ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَلْتَفِتُ.. وَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُتِينَا. فَقَالَ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا «4» » .. فساخت ثانية إلى ركبتها وَخَرَّ عَنْهَا فَزَجَرَهَا فَنَهَضَتْ وَلِقَوَائِمِهَا مِثْلُ الدُّخَانِ فَنَادَاهُمْ بِالْأَمَانِ فَكَتَبَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانًا.. كَتَبَهُ ابْنُ فُهَيْرَةَ «5» وَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَهُمْ بِالْأَخْبَارِ وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أن لا يَتْرُكَ أَحَدًا يَلْحَقُ بِهِمْ فَانْصَرَفَ يَقُولُ لِلنَّاسِ.. كفيتم ما هاهنا.
وَقِيلَ: بَلْ قَالَ لَهُمَا.. أَرَاكُمَا دَعَوْتُمَا عَلَيَّ فَادْعُوَا لِي فَنَجَا.. وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ ظُهُورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي خَبَرٍ «1» آخَرَ أَنَّ رَاعِيًا عَرَفَ خَبَرَهُمَا فَخَرَجَ يَشْتَدُّ يُعْلِمُ قُرَيْشًا فَلَمَّا وَرَدَ مَكَّةَ ضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ فَمَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ وَأُنْسِيَ مَا خَرَجَ لَهُ.. حَتَّى رَجَعَ إِلَى مَوْضِعِهِ. وَجَاءَهُ «2» - فيما ذكره ابن اسحق «3» وَغَيْرُهُ- أَبُو جَهْلٍ «4» بِصَخْرَةٍ وَهُوَ سَاجِدٌ.. وَقُرَيْشٌ يَنْظُرُونَ لِيَطْرَحَهَا عَلَيْهِ فَلَزِقَتْ بِيَدِهِ وَيَبِسَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ وَأَقْبَلَ يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى إِلَى خَلْفِهِ.. ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ فَفَعَلَ فَانْطَلَقَتْ يَدَاهُ.. وَكَانَ قَدْ تَوَاعَدَ مَعَ قُرَيْشٍ بِذَلِكَ وحلف لئن رآه ليدفعنه «5» فَسَأَلُوهُ عَنْ شَأْنِهِ.. فَذَكَرَ أَنَّهُ عَرَضَ لِي دُونَهُ فَحْلٌ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ هَمَّ بِي أَنْ يَأْكُلَنِي.. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ لَوْ دَنَا لَأَخَذَهُ. وَذَكَرَ «6» السَّمَرْقَنْدِيُّ «7» أَنَّ رَجُلًا «8» مِنْ بَنِي الْمُغِيرَةِ «9»
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلَهُ فَطَمَسَ اللَّهُ عَلَى بَصَرِهِ فَلَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ قَوْلَهُ.. فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى نَادَوْهُ وَذُكِرَ أَنَّ فِي هَاتَيْنِ الْقِصَّتَيْنِ نَزَلَتْ «إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا «1» » الآيتين. ومن ذلك ما ذكره ابن اسحق «2» فِي قِصَّتِهِ إِذْ خَرَجَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ «3» فِي أَصْحَابِهِ.. فَجَلَسَ إِلَى جِدَارِ بَعْضِ آطَامِهِمْ «4» .. فَانْبَعَثَ عَمْرُو بْنُ جِحَاشٍ «5» أَحَدُهُمْ لِيَطْرَحَ عَلَيْهِ رَحًى.. فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَعْلَمَهُمْ بِقِصَّتِهِمْ. وَقَدْ قِيلَ إن قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ» «6» فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ نَزَلَتْ. وَحَكَى «7» السَّمَرْقَنْدِيُّ أَنَّهُ خرج إلى بني النضير «8» يستعين في
عَقْلِ «1» الْكِلَابِيَّيْنِ «2» اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو «3» بْنُ أُمَيَّةَ.. فَقَالَ لَهُ حُيَيُّ «4» بْنُ أَخْطَبَ اجْلِسْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَتَّى نُطْعِمَكَ وَنُعْطِيَكَ مَا سَأَلْتَنَا فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ «5» وَعُمَرَ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَتَوَامَرَ «7» حُيَيٌّ مَعَهُمْ عَلَى قَتْلِهِ.. فَأَعْلَمَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ.. فَقَامَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ حَاجَتَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ. وذكر أهل التفسير معنى الحديث «8» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «9» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ «10» وَعَدَ قُرَيْشًا.. لَئِنْ رَأَى مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَيَطَأَنَّ رَقَبَتَهُ.. فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُوهُ فَأَقْبَلَ.. فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُ وَلَّى هَارِبًا نَاكِصًا «11» عَلَى عَقِبَيْهِ «12» مُتَّقِيًا بيديه.. فسئل فقال: لما دنوت
مِنْهُ أَشْرَفْتُ عَلَى خَنْدَقٍ مَمْلُوءٍ نَارًا كِدْتُ أَهْوِي فِيهِ.. وَأَبْصَرْتُ هَوْلًا عَظِيمًا وَخَفْقَ أَجْنِحَةٍ قد ملأت الأرض.. فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ.. لَوْ دَنَا لَاخْتَطَفَتْهُ عُضْوًا عُضْوًا» ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى «1» ..» إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَيُرْوَى «2» أَنَّ شَيْبَةَ «3» بْنَ عُثْمَانَ الْحَجَبِيَّ أَدْرَكَهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ «4» وَكَانَ حَمْزَةُ «5» قَدْ قَتَلَ أَبَاهُ وَعَمَّهُ.. فَقَالَ: الْيَوْمَ أُدْرِكُ ثَأْرِي مِنْ مُحَمَّدٍ.. فَلَمَّا اخْتَلَطَ النَّاسُ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَرَفَعَ سَيْفَهُ لِيَصُبَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ ارْتَفَعَ إِلَيَّ شُوَاظٌ «6» مِنْ نار أسرع من البرق..
فَوَلَّيْتُ هَارِبًا.. وَأَحَسَّ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَدَعَانِي فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَهُوَ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ.. فَمَا رَفَعَهَا إِلَّا وهو أحبّ الخلق إليّ وقال لي: اذن فَقَاتِلْ.. فَتَقَدَّمْتُ أَمَامَهُ أَضْرِبُ بِسَيْفِي وَأَقِيهِ بِنَفْسِي وَلَوْ لَقِيتُ أَبِي تِلْكَ السَّاعَةَ لَأَوْقَعْتُ بِهِ دونه. وعن «1» فضالة «2» بن عمرو قال: أَرَدْتُ قَتْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ.. فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ قَالَ: أَفَضَالَةُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَا كُنْتَ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ؟ .. قُلْتُ. لَا شَيْءَ.. فَضَحِكَ وَاسْتَغْفَرَ لِي.. وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي فسكن قلبي.. فو الله مَا رَفَعَهَا حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ. وَمِنْ «3» مَشْهُورِ ذَلِكَ خَبَرُ عامر بن «4» الطفيل وأربد بن «5» قيس
حِينَ وَفَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عَامِرٌ قَالَ لَهُ: أَنَا أَشْغَلُ عَنْكَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ فَاضْرِبْهُ أَنْتَ.. فَلَمْ يَرَهُ فَعَلَ شَيْئًا.. فَلَمَّا كَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ لَهُ: وَاللَّهِ مَا هَمَمْتُ أَنْ أَضْرِبَهُ إِلَّا وَجَدْتُكَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفَأَضْرِبُكَ؟ .. وَمِنْ «1» عِصْمَتِهِ لَهُ تَعَالَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْيَهُودِ وَالْكَهَنَةِ أَنْذَرُوا به لِقُرَيْشٍ وَأَخْبَرُوهُمْ بِسَطْوَتِهِ بِهِمْ وَحَضُّوهُمْ عَلَى قَتْلِهِ فَعَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى بَلَغَ فِيهِ أَمْرَهُ. وَمِنْ ذَلِكَ نَصْرُهُ بِالرُّعْبِ أَمَامَهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ كما قال صلّى الله عليه وسلم..
الفصل السادس والعشرون معارفه وعلومه صلى الله عليه وسلم
الْفَصْلُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ مَعَارِفُهُ وَعُلُومُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ الْبَاهِرَةِ مَا جَمَعَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ وَخَصَّهُ بِهِ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى جَمِيعِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِأُمُورِ شَرَائِعِهِ وَقَوَانِينِ دِينِهِ وَسِيَاسَةِ عِبَادِهِ وَمَصَالِحِ أُمَّتِهِ، وَمَا كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَهُ وَقِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْجَبَابِرَةِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى زَمَنِهِ، وَحِفْظِ شَرَائِعِهِمْ وَكُتُبِهِمْ وَوَعْيِ سِيَرِهِمْ وَسَرْدِ أَنْبَائِهِمْ وَأَيَّامِ اللَّهِ فِيهِمْ وَصِفَاتِ أَعْيَانِهِمْ وَاخْتِلَافِ آرَائِهِمْ، وَالْمَعْرِفَةِ بِمُدَدِهِمْ وَأَعْمَارِهِمْ وَحِكَمِ حُكَمَائِهِمْ، وَمُحَاجَّةِ كُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الْكَفَرَةِ، وَمُعَارَضَةِ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنَ الْكِتَابِيِّينَ بِمَا فِي كُتُبِهِمْ.. وَإِعْلَامِهِمْ بِأَسْرَارِهَا وَمُخَبَّآتِ عُلُومِهَا.. وَإِخْبَارِهِمْ بِمَا كتموه مِنْ ذَلِكَ وَغَيَّرُوهُ.. إِلَى الِاحْتِوَاءِ عَلَى لُغَاتِ الْعَرَبِ.. وَغَرِيبِ أَلْفَاظِ فِرَقِهَا.. وَالْإِحَاطَةِ بِضُرُوبِ فَصَاحَتِهَا.. والحفظ
لِأَيَّامِهَا وَأَمْثَالِهَا وَحِكَمِهَا وَمَعَانِي أَشْعَارِهَا وَالتَّخْصِيصِ بِجَوَامِعِ كَلِمِهَا إِلَى الْمَعْرِفَةِ بِضَرْبِ الْأَمْثَالِ الصَّحِيحَةِ وَالْحِكَمِ الْبَيِّنَةِ لِتَقْرِيبِ التَّفْهِيمِ لِلْغَامِضِ وَالتَّبْيِينِ لِلْمُشْكِلِ.. إِلَى تَمْهِيدِ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ الَّذِي لَا تَنَاقُضَ فِيهِ.. وَلَا تَخَاذُلَ.. مَعَ اشْتِمَالِ شَرِيعَتِهِ عَلَى مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ.. وَمَحَامِدِ الْآدَابِ.. وَكُلِّ شَيْءٍ مُسْتَحْسَنٍ مُفَضَّلٍ «1» .. لَمْ يُنْكِرْ مِنْهُ مُلْحِدٌ ذُو عَقْلٍ سَلِيمٍ شَيْئًا إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْخِذْلَانِ.. بَلْ كُلُّ جَاحِدٍ لَهُ وَكَافِرٍ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ بِهِ إِذَا سمع ما يدعو اليه صوّبه واستحسن دُونَ طَلَبِ إِقَامَةِ بُرْهَانٍ عَلَيْهِ.. ثُمَّ مَا أَحَلَّ لَهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَبَائِثِ، وَصَانَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ مِنَ الْمُعَاقَبَاتِ وَالْحُدُودِ عَاجِلًا وَالتَّخْوِيفِ بِالنَّارِ آجِلًا مِمَّا لا يعلم علمه وَلَا يَقُومُ بِهِ وَلَا بِبَعْضِهِ إِلَّا مَنْ مَارَسَ الدَّرْسَ وَالْعُكُوفَ عَلَى الْكُتُبِ وَمُثَافَنَةِ «2» بَعْضِ هذا إلى الاحتواء على ضروب العلم وفنون المعارف كالطب والعبارة «3» والفرائض «4» والحساب
وَالنَّسَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ مِمَّا اتَّخَذَ أهل الْمَعَارِفِ كَلَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا قُدْوَةً وَأُصُولًا فِي عِلْمِهِمْ. كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» «الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ «2» وَهِيَ «3» عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ» «4» وَقَوْلِهِ «5» «الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ: رُؤْيَا حَقٍّ وَرُؤْيَا يُحَدِّثُ بِهَا الرَّجُلَ نَفْسَهُ وَرُؤْيَا تَحْزِينٍ من الشيطان» .
وَقَوْلِهِ «1» : «إِذَا تَقَارَبَ «2» الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ» وَقَوْلِهِ: «3» «أَصْلُ كُلِّ دَاءٍ الْبَرَدَةُ «4» .» وَمَا رُوِيَ «5» عَنْهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «6» رضي الله عنه: «الْمَعِدَةُ حَوْضُ الْبَدَنِ «7» وَالْعُرُوقُ إِلَيْهَا وَارِدَةٌ» وَإِنْ كَانَ هَذَا حَدِيثًا لَا نُصَحِّحُهُ لِضَعْفِهِ وَكَوْنِهِ موضوعا «8» .
تكلم عليه الدارقطني «1» . وقوله «2» خبر مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ السَّعُوطُ «3» وَاللَّدُودُ «4» وَالْحِجَامَةُ «5» وَالْمَشِيُّ «6» وَخَيْرُ «7» الْحِجَامَةِ يَوْمَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ «8» .. وَفِي «9» الْعُودِ الْهِنْدِيِّ سَبْعَةُ أَشْفِيَةٍ منها ذات الجنب
وَقَوْلِهِ «1» : «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ» .. إِلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ.. وَقَوْلِهِ «2» وَقَدْ سُئِلَ عَنْ سَبَإٍ «3» أَرَجُلٌ هُوَ أو امْرَأَةٌ أَمْ أَرْضٌ فَقَالَ: «رَجُلٌ وَلَدَ عَشْرَةً تيامن «4» منهم ستة وتشأم «5» أَرْبَعَةٌ» الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.. وَكَذَلِكَ جَوَابُهُ «6» فِي نَسَبِ قُضَاعَةَ «7» . وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اضْطُرَّتِ الْعَرَبُ عَلَى شَغْلِهَا بِالنَّسَبِ إِلَى سُؤَالِهِ عَمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَقَوْلِهِ: «8» «حِمْيَرُ «9» رَأْسُ الْعَرَبِ وَنَابُهَا
وَمَذْحِجٌ «1» هَامَتُهَا «2» وَغَلْصَمَتُهَا «3» وَالْأَزدُ «4» كَاهِلُهَا «5» وَجُمْجُمَتُهَا «6» وَهَمْدَانُ غَارِبُهَا «7» وَذِرْوَتِهَا» «8» . وَقَوْلِهِ: «9» «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كهيئة يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» وَقَوْلِهِ «10» فِي الْحَوْضِ «11» : «زَوَايَاهُ سَوَاءٌ» «12» . وَقَوْلِهِ «13» فِي حَدِيثِ الذِّكْرِ: «وإنّ الحسنة بعشر أمثالها فتلك مئة
وخمسون على اللسان وألف وخمسمئة فِي الْمِيزَانِ» «1» . وَقَوْلِهِ «2» وَهُوَ بِمَوْضِعٍ: «نِعْمَ مَوْضِعُ الْحَمَّامِ «3» هَذَا» .. وَقَوْلِهِ: « «4» مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ «5» » . وَقَوْلِهِ «6» لِعُيَيْنَةَ «7» أَوِ الْأَقْرَعِ: «8» . «أَنَا أَفْرَسُ «9» بِالْخَيْلِ مِنْكَ» وَقَوْلِهِ «10» لِكَاتِبِهِ: «ضَعِ الْقَلَمَ عَلَى أذنك فإنه أذكر «11» للمملّ» «12» .. هَذَا مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكْتُبُ وَلَكِنَّهُ أُوتِيَ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ حتى قد
وَرَدَتْ آثَارٌ بِمَعْرِفَتِهِ حُرُوفَ الْخَطِّ وَحُسْنِ تَصْوِيرِهَا. كَقَوْلِهِ «1» : «لَا تَمُدُّوا «2» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» رواه ابن شعبان «3» عن طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ «4» وَقَوْلِهِ «5» فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي يُرْوَى عَنْ مُعَاوِيَةَ «6» أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «أَلْقِ الدَّوَاةَ «7» وَحَرِّفِ الْقَلَمَ «8» وَأَقِمِ الْبَاءَ «9» وَفَرِّقِ السِّينَ «10» وَلَا تُعْوِرِ الْمِيمَ «11» وَحَسِّنِ اللَّهَ «12» ، ومدّ الرّحمن «13» وجوّد الرّحيم «14»
وَهَذَا وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يرزق علم هذا ويمنع الكتابة والقراءة. وَأَمَّا عِلْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ وَحِفْظُهُ مَعَانِيَ أَشْعَارِهَا فَأَمْرٌ مَشْهُورٌ.. قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِهِ أَوَّلَ الْكِتَابِ. وَكَذَلِكَ حِفْظُهُ لِكَثِيرٍ مِنْ لُغَاتِ الْأُمَمِ. كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «1» سَنَهْ سَنَهْ «2» وَهِيَ «حَسَنَةٌ» بِالْحَبَشِيَّةِ «3» وَقَوْلِهِ «4» وَيَكْثُرُ «الْهَرْجُ» «5» وَهُوَ «الْقَتْلُ» بِهَا «6» . وَقَوْلِهِ «7» فِي حَدِيثِ أبي هريرة «8» «أشكنب دردم «9» » أي
«وَجَعُ الْبَطْنِ» بِالْفَارِسِيَّةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.. مُمَا لَا يَعْلَمُ بَعْضَ هَذَا وَلَا يَقُومُ بِهِ وَلَا بِبَعْضِهِ إِلَّا مَنْ مَارَسَ الدَّرْسَ وَالْعُكُوفَ عَلَى الْكُتُبِ وَمُثَافَنَةِ «1» أَهْلِهَا عُمُرَهُ.. وَهُوَ رَجُلٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «أُمِّيٌّ» لَمْ يَكْتُبْ وَلَمْ يَقْرَأْ وَلَا عُرِفَ بِصُحْبَةِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ.. وَلَا نَشَأَ بَيْنَ قَوْمٍ لَهُمْ عِلْمٌ وَلَا قِرَاءَةٌ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ.. وَلَا عُرِفَ هُوَ قَبْلُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. قَالَ اللَّهُ تعالى: «وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ «2» » الْآيَةَ إِنَّمَا كَانَتْ غَايَةُ مَعَارِفِ الْعَرَبِ النَّسَبُ وَأَخْبَارُ أَوَائِلِهَا وَالشِّعْرُ وَالْبَيَانُ.. وَإِنَّمَا حَصَلَ ذَلِكَ لهم بعد التفرع لعلم ذلك.. واشتغال بِطَلَبِهِ وَمُبَاحَثَةِ أَهْلِهِ عَنْهُ.. وَهَذَا الْفَنُّ نُقْطَةٌ مِنْ بَحْرِ عِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا سبيل إلى جحد الملحد بشيء مِمَّا ذَكَرْنَاهُ.. وَلَا وَجَدَ الْكَفَرَةُ حِيلَةً فِي دفع ما نصصناه إلا قولهم
«أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ «1» » «إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ «2» » فَرَدَّ اللَّهُ قَوْلَهُمْ بِقَوْلِهِ «لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ «3» » ثُمَّ مَا قَالُوهُ مُكَابَرَةُ الْعِيَانِ.. فَإِنَّ الَّذِي نَسَبُوا تَعْلِيمَهُ إِلَيْهِ إِمَّا سَلْمَانُ «4» أَوِ الْعَبْدُ «5» الرُّومِيُّ.. وَسَلْمَانُ إِنَّمَا عَرَفَهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَنُزُولِ الْكَثِيرِ مِنَ الْقُرْآنِ.. وَظُهُورِ مَا لَا يَنْعَدُّ مِنَ الْآيَاتِ وَأَمَّا الرُّومِيُّ فَكَانَ أَسْلَمَ.. وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ وَقِيلَ بَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ عِنْدَهُ عِنْدَ المروة
وَكِلَاهُمَا أَعْجَمِيُّ اللِّسَانِ.. وَهُمُ الْفُصَحَاءُ اللُّدُّ «1» ، وَالْخُطَبَاءُ اللُّسْنُ «2» قَدْ عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَةِ مَا أَتَى بِهِ.. وَالْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ بَلْ عَنْ فَهْمِ وَصْفِهِ وَصُورَةِ تَأْلِيفِهِ وَنَظْمِهِ فَكَيْفَ بِأَعْجَمِيٍّ أَلْكَنَ «3» نَعَمْ وَقَدْ كَانَ سَلْمَانُ «4» أَوْ بَلْعَامُ «5» الرُّومِيُّ أَوْ يَعِيشُ «6» أَوْ جَبْرٌ «7» أَوْ يَسَارٌ «8» عَلَى اخْتِلَافِهِمْ في اسمه بين أظهرهم يكلمونه مَدَى أَعْمَارِهِمْ فَهَلْ حُكِيَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ مَا كَانَ يَجِيءُ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَلْ عُرِفَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِمَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ .. وَمَا منع العدو حينئذ على كثرة عدده ودؤوب «9» طَلَبِهِ وَقُوَّةِ حَسَدِهِ أَنْ يَجْلِسَ إِلَى هَذَا فيأخذ عنه أَيْضًا مَا يُعَارِضُ بِهِ.. وَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ مَا يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى شِيعَتِهِ كَفِعْلِ النَّضْرِ بْنِ «10» الْحَارِثِ بِمَا كَانَ يُمَخْرِقُ «11» بِهِ مِنْ أَخْبَارِ
كُتُبِهِ.. وَلَا غَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْمِهِ وَلَا كَثُرَتِ اخْتِلَافَاتُهُ إِلَى بِلَادِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيُقَالُ إِنَّهُ اسْتَمَدَّ مِنْهُمْ.. بَلْ لَمْ يَزَلْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يَرْعَى فِي صغره وشبابه على عادة أنبيائهم ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ بِلَادِهِمْ إِلَّا فِي سَفْرَةٍ أَوْ سَفْرَتَيْنِ «1» لَمْ يَطُلْ فِيهِمَا مُكْثُهُ مُدَّةً يَحْتَمِلُ فِيهَا تَعْلِيمَ الْقَلِيلِ.. فَكَيْفَ الْكَثِيرُ!!. بَلْ كَانَ فِي سَفَرِهِ فِي صُحْبَةِ قَوْمِهِ ورفاقة عشيرته لَمْ يَغِبْ عَنْهُمْ.. وَلَا خَالَفَ حَالُهُ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ مِنْ تَعْلِيمٍ وَاخْتِلَافٍ إِلَى حَبْرٍ «2» أَوْ قَسٍّ «3» أَوْ مُنَجِّمٍ أَوْ كَاهِنٍ «4» .. بَلْ لَوْ كَانَ هَذَا بَعْدُ «5» كُلُّهُ لَكَانَ مَجِيءُ ما أتى به في مُعْجِزِ الْقُرْآنِ قَاطِعًا لِكُلِّ عُذْرٍ وَمُدْحِضًا لِكُلِّ حجة ومجلّيا «6» لكل أمر..
الفصل السابع والعشرون أنباؤه مع الملائكة والجن
الْفَصْلُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ أَنْبَاؤُهُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَمِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَرَامَاتِهِ، وَبَاهِرِ آيَاتِهِ أَنْبَاؤُهُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ، وَإِمْدَادِ اللَّهِ لَهُ بِالْمَلَائِكَةِ، وَطَاعَةِ الْجِنِّ لَهُ، وَرُؤْيَةِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَهُمْ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَإِنْ تَظاهَرا «1» عَلَيْهِ «2» فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ «3» وَجِبْرِيلُ «4» » الْآيَةَ. وَقَالَ «5» «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا» .
وَقَالَ: «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ «1» رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ..» «2» الْآيَتَيْنِ. وَقَالَ: «وَإِذْ صَرَفْنا «3» إِلَيْكَ نَفَراً «4» مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ» «5» الآية. عَنْ «6» عَبْدِ اللَّهِ «7» قَالَ: «لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى «8» قَالَ «9» رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ له ستمئة جَنَاحٍ. وَالْخَبَرُ «10» فِي مُحَادَثَتِهِ مَعَ جِبْرِيلَ وَإِسْرَافِيلَ «11» وغيرهما من
الْمَلَائِكَةِ، وَمَا شَاهَدَهُ مِنْ كَثْرَتِهِمْ وَعِظَمِ صُوَرِ بَعْضِهِمْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ مَشْهُورٌ.. وَقَدْ رَآهُمْ بِحَضْرَتِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ. فَرَأَى «1» أَصْحَابُهُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. وَرَأَى «2» ابْنُ عَبَّاسٍ «3» وَأُسَامَةُ «4» بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا عِنْدَهُ جِبْرِيلَ «5» فِي صُورَةِ دَحْيَةَ «6» . وَرَأَى «7» سَعْدٌ «8» عَلَى يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ «9» فِي صُورَةِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بيض. ومثله عن غَيْرُ وَاحِدٍ وَسَمِعَ «10» بَعْضُهُمْ زَجْرَ «11» الْمَلَائِكَةِ خَيْلَهَا
يوم بدر وبعضهم «1» رأى تطاير الرؤوس مِنَ الْكُفَّارِ وَلَا يَرَوْنَ الضَّارِبَ وَرَأَى «2» أَبُو سُفْيَانَ «3» بْنَ الْحَارِثِ يَوْمَئِذٍ رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ «4» بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ وَقَدْ كَانَتِ «5» الْمَلَائِكَةُ تُصَافِحُ عِمْرَانَ «6» بن حصين وَأَرَى «7» النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْزَةَ «8» جبريل في الكعبة فخر مغشيا عليه..
وَرَأَى «1» عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «2» الْجِنَّ لَيْلَةَ «3» الْجِنِّ وَسَمِعَ كَلَامَهُمْ وَشَبَّهَهُمْ بِرِجَالِ الزُّطِّ «4» . وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ «5» أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ «6» لَمَّا قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ أَخَذَ الرَّايَةَ مَلَكٌ عَلَى صُورَتِهِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ: تَقَدَّمْ يَا مُصْعَبُ.. فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: لَسْتُ بِمُصْعَبٍ فَعَلِمَ أَنَّهُ مَلَكٌ «7» . وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ «8» عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «9» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إذ أقبل شيخ بيده
عَصًا.. فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ ... وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَغَمَةُ الْجِنِّ «1» » . مَنْ أَنْتَ؟ .. قَالَ: «أَنَا هامة بن الهيم «2» بن لا قس «3» بْنِ إِبْلِيسَ «4» » .. فَذَكَرَ أَنَّهُ لَقِيَ نُوحًا «5» وَمَنْ بَعْدَهُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ «6» وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ سُوَرًا مِنَ الْقُرْآنِ. وذكر «7» الواقدي «8» قتل خالد «9» عند هدمه للعزّى «10» لِلسَّوْدَاءِ «11» الَّتِي خَرَجَتْ لَهُ نَاشِرَةً شَعْرَهَا عُرْيَانَةً فَجَزَلَهَا «12» بِسَيْفِهِ وَأَعْلَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
فَقَالَ لَهُ: تِلْكَ الْعُزَّى. وَقَالَ «1» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ شَيْطَانًا «2» تَفَلَّتَ «3» الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ.. فَأَخَذْتُهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ «4» مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ.. فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ «5» «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا ينبغي لأحد من بعدي «6» » فردّه الله خاسئا «7» ) وهذا باب واسع.
الفصل الثامن والعشرون أخباره وصفاته وعلامات رسالته عند أحبار ورهبان وعلماء ذلك الزمان
الفصل الثامن والعشرون أخباره وصفاته وعلامات رسالته عند أحبار ورهبان وعلماء ذلك الزّمان ومن دلائل نبوته وعلامات رسالاته مَا تَرَادَفَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنِ الرُّهْبَانِ وَالْأَحْبَارِ وعلماء أهل الكتب عن صِفَتِهِ وَصِفَةِ أُمَّتِهِ وَاسْمِهِ وَعَلَامَاتِهِ ... وَذِكْرِ الْخَاتَمِ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ. وَمَا وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِ الْمُوَحِّدِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ «1» مِنْ شِعْرِ تُبَّعٍ «2» والأوس «3»
بْنِ حَارِثَةَ وَكَعْبِ بْنِ «1» لُؤَيٍّ وَسُفْيَانَ «2» بْنِ مجاشع. وقس «3» بن ساعدة..
وَمَا ذُكِرَ عَنْ سَيْفِ بْنِ «1» ذِي يَزَنَ وَغَيْرِهِمْ. وَمَا عَرَّفَ بِهِ مِنْ أَمْرِهِ زَيْدُ بن «2» عمرو بن نفيل وورقة «3» ابن نوفل وعثكلان «4» الحميري وعلماء يهود «5» وشامول «6»
عَالِمُهُمْ صَاحِبُ تُبَّعٍ مِنْ صِفَتِهِ وَخَبَرِهِ وَمَا أُلْفِيَ «1» مِنْ ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِمَّا قد جمعه العلماء وبيّنوه ونقله عنهما ثقات ممن «2» أَسْلَمَ مِنْهُمْ مِثْلُ: ابْنِ سَلَامٍ «3» وَبَنِي سَعْيَةَ «4» وابن «5» يا مين ومخيريق «6»
وَكَعْبٍ «1» وَأَشْبَاهِهِمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ عُلَمَاءِ يَهُودَ وبحيراء «2» ونصطور «3» الْحَبَشَةِ وَصَاحِبِ «4» بُصَرَى وَضَغَاطِرَ «5» وَأُسْقُفِ «6» الشَّامِ وَالْجَارُودِ «7»
وسلمان «1» وتميم «2» وَالنَّجَاشِيِّ «3» وَنَصَارَى الْحَبَشَةِ «4» وَأَسَاقِفِ «5» نَجْرَانَ «6» وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ عُلَمَاءِ النَّصَارَى. وَقَدِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ هرقل «7» وصاحب «8» رومة «9» عالما
وهم رئيسا النصارى وَمُقَوْقِسُ «1» صَاحِبُ مِصْرَ وَالشَّيْخُ «2» صَاحِبُهُ وَابْنُ صُورِيَا «3» وابن أخطب «4» وأخوه 5، وكعب «6» بن
أَسَدٍ وَالزُّبَيْرُ «1» بْنُ بَاطِيَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ مِمَّنْ حَمَلَهُ الْحَسَدُ «2» وَالنَّفَاسَةُ «3» عَلَى الْبَقَاءِ عَلَى الشَّقَاءِ. وَالْأَخْبَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ لَا تَنْحَصِرُ وَقَدْ قَرَّعَ «4» أَسْمَاعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِمَا ذَكَرَ أَنَّهُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَتِهِ وَصِفَةِ أَصْحَابِهِ.. وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ صُحُفُهُمْ «5» .. وَذَمَّهُمْ بِتَحْرِيفِ ذَلِكَ وَكِتْمَانِهِ وَلَيِّهِمْ «6» ألسنتهم ببيان أمره.. ودعوتهم إلى
المباهلة «1» على الكاذب فما منهم إلا نَفَرَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَإِبْدَاءِ مَا أَلْزَمَهُمْ مِنْ كُتُبِهِمْ إِظْهَارَهُ وَلَوْ وَجَدُوا خِلَافَ قَوْلِهِ.. لَكَانَ إِظْهَارُهُ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَذْلِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَتَخْرِيبِ الدِّيَارِ وَنَبْذِ الْقِتَالِ وَقَدْ قَالَ لَهُمْ «قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «2» » إِلَى مَا أَنْذَرَ بِهِ الْكُهَّانُ «3» مِثْلُ شَافِعِ «4» بْنِ كُلَيْبٍ وَشِقٍّ «5» وَسَطِيحٍ «6» وَسَوَادِ «7» بْنِ قَارِبٍ
وَخُنَافِرٍ «1» وَأَفْعَى «2» نَجْرَانَ وَجَذْلِ «3» بْنِ جَذْلٍ الْكِنْدِيِّ وَابْنِ خَلَصَةَ «4» الدَّوْسِيِّ وَسَعْدِ «5» بْنِ بِنْتِ كُرَيْزٍ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ «6» وَمَنْ لَا يَنْعَدُّ كَثْرَةً.
إِلَى مَا ظَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَصْنَامِ «1» مِنْ نُبُوَّتِهِ وَحُلُولِ وَقْتِ رِسَالَتِهِ.. وَسُمِعَ مِنْ هَوَاتِفِ الْجَانِّ «2» وَمِنْ ذَبَائِحَ «3» النُّصُبِ «4» وَأَجْوَافِ الصُّوَرِ «5» وَمَا وُجِدَ مِنَ اسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ مَكْتُوبًا فِي الْحِجَارَةِ وَالْقُبُورِ بِالْخَطِّ الْقَدِيمِ مَا أَكْثَرَهُ مَشْهُورٌ «6» وَإِسْلَامُ من أسلم بسبب ذلك معلوم مذكور.
الفصل التاسع والعشرون ما حدث عند مولده
الفصل التاسع والعشرون ما حدث عند مولده صلى الله عليه وسلم وَمِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَ مَوْلِدِهِ، وَمَا حَكَتْهُ أُمُّهُ وَمَنْ حَضَرَهُ مِنَ العجائب «1» .. وكونه «2» رافعا رأسه عند ما وضعته شاخصا ببصره الى السماء وما «3»
رَأَتْهُ مِنَ النُّورِ الَّذِي خَرَجَ مَعَهُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ «1» وَمَا «2» رَأَتْهُ إِذْ ذَاكَ أُمُّ عُثْمَانَ «3» بْنِ أَبِي الْعَاصِ مِنْ تَدَلِّي النُّجُومِ وَظُهُورِ النُّورِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ حَتَّى مَا تَنْظُرُ إِلَّا النُّورَ وَقَوْلِ «4» الشِّفَاءِ «5» أُمِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: لَمَّا سَقَطَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَدَيَّ وَاسْتَهَلَّ «6» سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: رَحِمَكَ اللَّهُ «7» ... وَأَضَاءَ لِي مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى قُصُورِ الرُّومِ وَمَا «8» تَعَرَّفَتْ به حليمة «9» وزوجها «10»
ظئراه «1» من بركته وورود لبنها له ولبن شارفها «2» وخصب «3» غنمها وَسُرْعَةِ شَبَابِهِ وَحُسْنِ نَشْأَتِهِ. وَمَا «4» جَرَى مِنَ الْعَجَائِبِ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ مِنَ ارْتِجَاجِ إِيوَانِ «5» كِسْرَى «6» ، وسقوط شرفاته «7» ، وغيض «8» بحيرة «9»
طَبَرِيَّةَ «1» وَخُمُودِ نَارِ فَارِسَ، وَكَانَ لَهَا أَلْفُ عَامٍ لَمْ تَخْمَدْ «2» ، وَأَنَّهُ «3» كَانَ إِذَا أَكَلَ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ «4» وَآلِهِ وَهُوَ صَغِيرٌ شَبِعُوا وَرَوُوا «5» فَإِذَا «6» غَابَ فَأَكَلُوا فِي غَيْبَتِهِ لَمْ يَشْبَعُوا «7» وَكَانَ سَائِرُ «8» وَلَدِ أَبِي طَالِبٍ
يُصْبِحُونَ شُعْثًا «1» وَيُصْبِحُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَقِيلًا «2» دَهِينًا «3» كَحِيلًا «4» قَالَتْ «5» أُمُّ أَيْمَنَ «6» حَاضِنَتُهُ «7» : ما رأيته صلّى الله عليه وسلم شكى جوعا وَلَا عَطَشًا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا. وَمِنْ «8» ذَلِكَ حِرَاسَةُ السَّمَاءِ بِالشُّهُبِ «9» وَقَطْعِ رَصْدِ «10» الشَّيَاطِينِ وَمَنْعِهِمِ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ. وَمَا «11» نَشَأَ عَلَيْهِ مِنْ بُغْضِ الْأَصْنَامِ، وَالْعِفَّةِ عَنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَحَمَاهُ حَتَّى فِي سَتْرِهِ فِي الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ «12» عِنْدَ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَخَذَ إِزَارَهُ لِيَجْعَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ «13» لِيَحْمِلَ عليه الحجارة
وَتَعَرَّى فَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ حَتَّى رَدَّ إِزَارَهُ عَلَيْهِ.. فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ: مَا بَالُكَ فَقَالَ: إني نُهِيتُ عَنِ التَّعَرِّي. وَمِنْ ذَلِكَ «1» إِظْلَالُ اللَّهِ لَهُ بِالْغَمَامِ فِي سَفَرِهِ وَفِي رِوَايَةٍ «2» أَنَّ خَدِيجَةَ «3» وَنِسَاءَهَا رَأَيْنَهُ لَمَّا قَدِمَ وَمَلَكَانِ يُظِلَّانِهِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِمَيْسَرَةَ «4» فَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ مُنْذُ خَرَجَ مَعَهُ فِي سَفَرِهِ. وَقَدْ رُوِيَ «5» أَنَّ حَلِيمَةَ «6» رَأَتْ غَمَامَةً تُظِلُّهُ وَهُوَ عِنْدَهَا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَخِيهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَمِنْ ذَلِكَ «7» أَنَّهُ نَزَلَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَبْلَ مبعثه تحت شجرة يابسة فاعشو شب مَا حَوْلَهَا وَأَيْنَعَتْ هِيَ فَأَشْرَقَتْ وَتَدَلَّتْ عَلَيْهِ أَغْصَانُهَا بِمَحْضَرِ مَنْ رَآهُ وَمَيْلُ فَيْءِ «8» الشَّجَرَةِ إِلَيْهِ فِي الْخَبَرِ الْآخَرِ حَتَّى أَظَلَّتْهُ وَمَا ذكر «9» من أنه كان لاظل لشخصه فِي شَمْسٍ وَلَا قَمَرٍ لِأَنَّهُ كَانَ نُورًا..
وَأَنَّ «1» الذُّبَابَ كَانَ لَا يَقَعُ عَلَى جَسَدِهِ وَلَا ثِيَابِهِ وَمِنْ ذَلِكَ «2» تَحْبِيبُ الْخَلْوَةِ إِلَيْهِ حَتَّى أُوحِيَ إِلَيْهِ ثُمَّ «3» إِعْلَامُهُ بِمَوْتِهِ وَدُنُوِّ أَجَلِهِ وَأَنَّ قَبْرَهُ «4» فِي الْمَدِينَةِ وَفِي «5» بَيْتِهِ وأنّ بين بيته وبين منبره رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ. وَتَخْيِيرُ «6» اللَّهِ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَمَا اشْتَمَلَ «7» عَلَيْهِ حَدِيثُ الْوَفَاةِ مِنْ كَرَامَاتِهِ وَتَشْرِيفِهِ وَصَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى جَسَدِهِ عَلَى مَا رَوَيْنَاهُ فِي بَعْضِهَا.. وَاسْتِئْذَانُ مَلَكِ الموت عليه.. ولم يستأذن على غره قبله وندائهم «8» الذي سمعوه: «لا تنزعوا القميص عنه عند غسله» وما روي «9»
مِنْ تَعْزِيَةِ الْخَضِرِ «1» وَالْمَلَائِكَةِ أَهْلَ بَيْتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَى مَا ظَهَرَ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَبَرَكَتِهِ فِي حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ. كَاسْتِسْقَاءِ عُمَرَ «2» بعمه «3» وتبرك غير واحد بذريته..
الفصل الثلاثون خاتمة وتذييل
الفصل الثّلاثون خاتمة وتذييل قال القاضي أبو الفضل رحمه قَدْ أَتَيْنَا فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى نُكَتٍ «1» مِنْ مُعْجِزَاتِهِ وَاضِحَةٍ، وَجُمَلٍ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ مُقْنِعَةٍ، فِي وَاحِدٍ مِنْهَا الْكِفَايَةُ وَالْغُنْيَةُ، وَتَرَكْنَا الْكَثِيرَ سِوَى مَا ذَكَرْنَا وَاقْتَصَرْنَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الطِّوَالِ عَلَى عَيْنِ الْغَرَضِ، وَفَصِّ «2» الْمَقْصِدِ، وَمِنْ كَثِيرِ الْأَحَادِيثِ وَغَرِيبِهَا عَلَى مَا صَحَّ وَاشْتَهَرَ إِلَّا يَسِيرًا مِنْ غَرِيبِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ مَشَاهِيرُ الْأَئِمَّةِ. وَحَذَفْنَا الْإِسْنَادَ فِي جُمْهُورِهَا طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ وَبِحَسْبِ هَذَا الْبَابِ لَوْ تُقُصِّيَ «3» أَنْ يَكُونَ ديوانا «4» جامعا يشتمل على مجلّدات
عِدَّةٍ. وَمُعْجِزَاتُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَظْهَرُ مِنْ سَائِرِ مُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا كَثْرَتُهَا وَأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَ نَبِيٌّ مُعْجِزَةً إِلَّا وَعِنْدَ نَبِيِّنَا مِثْلُهَا أَوْ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْهَا.. وَقَدْ نَبَّهَ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ.. فَإِنْ أَرَدْتَهُ فَتَأَمَّلْ فُصُولَ هَذَا الْبَابِ وَمُعْجِزَاتِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ تَقِفْ عَلَى ذَلِكَ إِنْ شاء الله. وَأَمَّا كَوْنُهَا كَثِيرَةً فَهَذَا الْقُرْآنُ وَكُلُّهُ مُعْجِزٌ وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ الْإِعْجَازُ فِيهِ عِنْدَ بَعْضِ أئمة المحققين سورة «1» «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ «2» » أَوْ آيَةٌ فِي قَدْرِهَا. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ كُلَّ آيَةٍ مِنْهُ- كَيْفَ كَانَتْ- مُعْجِزَةً. وَزَادَ آخَرُونَ أَنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ مُنْتَظِمَةٍ مِنْهُ مُعْجِزَةٌ- وَإِنْ كَانَتْ مِنْ كَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ. وَالْحَقُّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ «3» » فَهُوَ أَقَلُّ مَا تَحَدَّاهُمْ بِهِ مَعَ مَا يَنْصُرُ هَذَا مِنْ نَظَرٍ وَتَحْقِيقٍ يَطُولُ بَسْطُهُ.. وَإِذَا كَانَ هَذَا فَفِي الْقُرْآنِ مِنَ الْكَلِمَاتِ نَحْوٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَسَبْعِينَ أَلْفَ كَلِمَةٍ وَنَيِّفٍ على عدد بعضهم «4» وعدد
كلمات «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ» عشر كلمات فتجزيء القرآن على نسبة عدد «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ» أَزِيدُ مِنْ سَبْعَةِ آلَافِ جُزْءٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُعْجِزٌ فِي نَفْسِهِ ثُمَّ إِعْجَازُهُ كَمَا تَقَدَّمَ بِوَجْهَيْنِ: طَرِيقُ بَلَاغَتِهِ وَطَرِيقُ نَظْمِهِ فَصَارَ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ مُعْجِزَتَانِ فَتَضَاعَفَ الْعَدَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. ثُمَّ فِيهِ وُجُوهُ إِعْجَازٍ أُخَرُ مِنَ الْإِخْبَارِ بِعُلُومِ الْغَيْبِ.. فَقَدْ يَكُونُ فِي السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ هَذِهِ التَّجْزِئَةِ الْخَبَرُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْغَيْبِ.. كُلُّ خَبَرٍ مِنْهَا بِنَفْسِهِ مُعْجِزٌ.. فَتَضَاعَفَ الْعَدَدُ كَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ وُجُوهُ الْإِعْجَازِ الْأُخَرُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا تُوجِبُ التَّضْعِيفَ.. هَذَا فِي حَقِّ الْقُرْآنِ.. فَلَا يَكَادُ يَأْخُذُ الْعَدُّ مُعْجِزَاتِهِ.. وَلَا يَحْوِي الْحَصْرُ بَرَاهِينَهُ.. ثُمَّ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ وَالْأَخْبَارُ الصَّادِرَةُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ.. وَعَمَّا دَلَّ عَلَى أَمْرِهِ مِمَّا أَشَرْنَا إِلَى جُمَلِهِ يَبْلُغُ نَحْوًا مِنْ هَذَا- الْوَجْهُ الثَّانِي وُضُوحُ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَإِنَّ مُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ كَانَتْ بِقَدْرِ هِمَمِ أَهْلِ زَمَانِهِمْ وَبِحَسْبِ الْفَنِّ الَّذِي سَمَا فيه قرنه.. فلما كان زمن مُوسَى غَايَةُ عِلْمِ أَهْلِهِ السِّحْرُ بَعَثَ إِلَيْهِمْ مُوسَى بِمُعْجِزَةٍ تُشْبِهُ
مَا يَدَّعُونَ قُدْرَتَهُمْ عَلَيْهِ. فَجَاءَهُمْ مِنْهَا مَا خَرَقَ عَادَتَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِي قُدْرَتِهِمْ وَأَبْطَلَ سِحْرَهُمْ. وَكَذَلِكَ زَمَنُ عِيسَى أَغْنَى مَا كَانَ الطِّبُّ وَأَوْفَرُ مَا كَانَ أَهْلُهُ فَجَاءَهُمْ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَأَتَاهُمْ مَا لَمْ يَحْتَسِبُوهُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَيِّتِ وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ «1» وَالْأَبْرَصِ دُونَ مُعَالَجَةٍ وَلَا طِبٍّ وَهَكَذَا سَائِرُ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُمْلَةُ مَعَارِفِ الْعَرَبِ وَعُلُومِهَا أربعة.. البلاغة والشعر والخبر «2» والكهانة «3» . فأنزل الله عَلَيْهِ الْقُرْآنَ الْخَارِقَ لِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فُصُولٌ مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْإِيجَازِ وَالْبَلَاغَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ نَمَطِ كَلَامِهِمْ.. وَمِنَ النَّظْمِ الْغَرِيبِ وَالْأُسْلُوبِ الْعَجِيبِ.. الَّذِي لَمْ يهتدوا في المنظوم الى طريفه وَلَا عَلِمُوا فِي أَسَالِيبِ الْأَوْزَانِ مَنْهَجَهُ وَمِنَ الأخبار عن الكوائن «4» والحوادث والاسرار والمخبئآت وَالضَّمَائِرِ فَتُوجَدُ عَلَى مَا كَانَتْ وَيَعْتَرِفُ الْمُخْبَرُ عَنْهَا بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَصِدْقِهِ، وَإِنْ كَانَ أَعْدَى العدو.
فَأَبْطَلَ الْكِهَانَةَ الَّتِي تَصْدُقُ مَرَّةً وَتَكْذِبُ عَشْرًا. ثُمَّ اجْتَثَّهَا «1» مِنْ أَصْلِهَا بِرَجْمِ الشُّهُبِ «2» ، وَرَصْدِ «3» النُّجُومِ.. وَجَاءَ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنِ الْقُرُونِ السَّالِفَةِ وَأَنْبَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ الْبَائِدَةِ، وَالْحَوَادِثِ الْمَاضِيَةِ مَا يَعْجِزُ مَنْ تَفَرَّغَ لِهَذَا الْعِلْمِ عَنْ بَعْضِهِ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي بَسَطْنَاهَا وَبَيَّنَّا الْمُعْجِزَ فِيهَا ثُمَّ بَقِيَتْ هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الْجَامِعَةُ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ إلى الفصول الأخرى الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ ثَابِتَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَيِّنَةَ الْحُجَّةِ لِكُلِّ أُمَّةٍ تَأْتِي لَا يَخْفَى وُجُوهُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ نَظَرَ فِيهِ وَتَأَمَّلَ وُجُوهَ إِعْجَازِهِ إِلَى مَا أَخْبَرَ به من العيوب عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ.. فَلَا يَمُرُّ عَصْرٌ وَلَا زمن إلا ويظهر فِيهِ صِدْقُهُ بِظُهُورِ مُخْبَرِهِ عَلَى مَا أَخْبَرَ فَيَتَجَدَّدُ الْإِيمَانُ وَيَتَظَاهَرُ الْبُرْهَانُ، وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ، للمشاهدة زِيَادَةٌ فِي الْيَقِينِ، وَالنَّفْسُ أَشُدُّ طُمَأْنِينَةً إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ مِنْهَا إِلَى عِلْمِ الْيَقِينِ.. وَإِنْ كَانَ كُلٌّ عِنْدَهَا حَقًّا وَسَائِرُ مُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ انْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِهِمْ وَعُدِمَتْ بِعَدَمِ ذَوَاتِهَا وَمُعْجِزَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِيدُ وَلَا تنقطع
وَآيَاتُهُ تَتَجَدَّدُ وَلَا تَضْمَحِلُّ، وَلِهَذَا أَشَارَ صَلَّى الله عليه وسلم بقوله: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن «1» النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ.. وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وحيا أوحاه اللَّهُ إِلَيَّ.. فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يوم القيامة. هذا معنى الحديث عند بَعْضِهِمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَظُهُورِ مُعْجِزَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَعْنَى آخَرَ مِنْ ظُهُورِهَا بكونها وحيا وكلاما لا يمكن التخيل فيه ولا التحيل عَلَيْهِ وَلَا التَّشْبِيهُ فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنْ مُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ قَدْ رَامَ الْمُعَانِدُونَ لَهَا بِأَشْيَاءَ طَمِعُوا فِي التَّخْيِيلِ بِهَا عَلَى الضُّعَفَاءِ كَإِلْقَاءِ السَّحَرَةِ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَشِبْهُ هَذَا مِمَّا يُخَيِّلُهُ السَّاحِرُ أَوْ يَتَحَيَّلُ فِيهِ. وَالْقُرْآنُ كَلَامٌ لَيْسَ لِلْحِيلَةِ ولا للسحر ولا للتخييل فِيهِ عَمَلٌ.. فَكَانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عِنْدَهُمْ أَظْهَرَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ.. كَمَا لَا يتم لشاعر ولا خطيب أَنْ يَكُونَ شَاعِرًا أَوْ خَطِيبًا بِضَرْبٍ مِنَ الْحِيَلِ وَالتَّمْوِيهِ وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَخْلَصُ وَأَرْضَى.. وَفِي هذا التأويل
الثاني ما يغمّض عليه الجفن ويغضى. وجه ثالث على مَنْ قَالَ بِالصِّرْفَةِ «1» . وَأَنَّ الْمُعَارَضَةَ كَانَتْ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ فَصُرِفُوا عَنْهَا أَوْ عَلَى أَحَدِ مَذْهَبَيْ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِ مَقْدُورِهِمْ.. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَبْلُ وَلَا يَكُونُ بَعْدُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لم يقدرهم ولا يُقَدِّرْهُمْ عَلَيْهِ.. وَبَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ فَرْقٌ بَيِّنٌ وَعَلَيْهِمَا جميعا فترك الْعَرَبُ الْإِتْيَانَ بِمَا فِي مَقْدُورِهِمْ أَوْ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ مَقْدُورِهِمْ. وَرِضَاهُمْ بِالْبَلَاءِ وَالْجَلَاءِ وَالسِّبَاءِ وَالْإِذْلَالِ وَتَغْيِيرِ الْحَالِ.. وَسَلْبِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ.. وَالتَّقْرِيعِ.. وَالتَّوْبِيخِ.. وَالتَّعْجِيزِ.. وَالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ.. أَبْيَنُ آيَةً لِلْعَجْزِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَالنُّكُولِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ.. وَأَنَّهُمْ مُنِعُوا عَنْ شَيْءٍ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَقْدُورِهِمْ.. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ «2» وَغَيْرُهُ قَالَ: وَهَذَا عِنْدَنَا أَبْلَغُ فِي خَرْقِ الْعَادَةِ بِالْأَفْعَالِ الْبَدِيعَةِ فِي أَنْفُسِهَا كَقَلْبِ العصاحيّة وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ قَدْ يَسْبِقُ إِلَى بَالِ النَّاظِرِ بدارا «3» أنّ ذلك
من اختصاص صاحب ذلك بمزيد مَعْرِفَةٍ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ وَفَضْلِ عِلْمٍ.. إِلَى أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ صَحِيحُ النَّظَرِ.. وَأَمَّا التَّحَدِّي للخلائق المئين مِنَ السِّنِينَ بِكَلَامٍ مِنْ جِنْسِ كَلَامِهِمْ لِيَأْتُوا بِمِثْلِهِ فَلَمْ يَأْتُوا.. فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى الْمُعَارَضَةِ ثُمَّ عَدِمِهَا إِلَّا أَنْ مَنَعَ اللَّهُ الْخَلْقَ عَنْهَا بِمَثَابَةِ مَا لَوْ قَالَ نَبِيٌّ: آيَتِي أَنْ يَمْنَعَ اللَّهُ الْقِيَامَ عَنِ النَّاسِ مَعَ مَقْدِرَتِهِمْ عَلَيْهِ وَارْتِفَاعِ الزَّمَانَةِ عنهم.. فلو كان ذلك وعجّزهم الله تعالى عن القيام لكان من أبهر آيَةٍ وَأَظْهَرِ دَلَالَةٍ.. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَقَدْ غَابَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَجْهُ ظُهُورِ آيَتِهِ عَلَى سَائِرِ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى احْتَاجَ لِلْعُذْرِ عَنْ ذَلِكَ بِدِقَّةِ أَفْهَامِ الْعَرَبِ وَذَكَاءِ أَلْبَابِهَا وَوُفُورِ عُقُولِهَا وَأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا الْمُعْجِزَةَ فِيهِ بِفِطْنَتِهِمْ.. وَجَاءَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِحَسْبِ إِدْرَاكِهِمْ.. وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْقِبْطِ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ لَمْ يَكُونُوا بِهَذِهِ السَّبِيلِ. بَلْ كَانُوا مِنَ الْغَبَاوَةِ وَقِلَّةِ الْفِطْنَةِ بِحَيْثُ جوّر عَلَيْهِمْ فِرْعَوْنُ أَنَّهُ رَبُّهُمْ وَجَوَّزَ عَلَيْهِمُ السَّامِرِيُّ «1» ذلك
فِي الْعِجْلِ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَعَبَدُوا الْمَسِيحَ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى صَلْبِهِ «وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ» » فَجَاءَتْهُمْ مِنَ الْآيَاتِ الظَّاهِرَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْأَبْصَارِ بِقَدْرِ غِلَظِ أَفْهَامِهِمْ مَا لَا يَشُكُّونَ فِيهِ، وَمَعَ هَذَا فَقَالُوا «2» : «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً «3» » وَلَمْ يَصْبِرُوا عَلَى الْمَنِّ «4» وَالسَّلْوَى «5» ، وَاسْتَبْدَلُوا الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ «6» . وَالْعَرَبُ عَلَى جَاهِلِيَّتِهَا أَكْثَرُهَا يَعْتَرِفُ بِالصَّانِعِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَتَقَرَّبُ بِالْأَصْنَامِ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ مِنْ قَبْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلِيلِ عَقْلِهِ وَصَفَاءِ لُبِّهِ. وَلَمَّا جاءهم الرسول صلّى الله عليه وسلم بِكِتَابِ اللَّهِ فَهِمُوا حِكْمَتَهُ وَتَبَيَّنُوا بِفَضْلِ إِدْرَاكِهِمْ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ مُعْجِزَتَهُ فَآمَنُوا بِهِ وَازْدَادُوا كُلَّ يَوْمٍ إِيمَانًا، وَرَفَضُوا الدُّنْيَا كُلَّهَا فِي صُحْبَتِهِ وَهَجَرُوا دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَقَتَلُوا آبَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ فِي
نُصْرَتِهِ وَأُتِيَ فِي مَعْنَى هَذَا بِمَا يَلُوحُ لَهُ رَوْنَقٌ وَيُعْجِبُ مِنْهُ زِبْرِجٌ «1» لَوِ احْتِيجَ إِلَيْهِ وَحُقِّقَ.. لَكُنَّا قَدَّمْنَا مِنْ بَيَانِ مُعْجِزَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظُهُورِهَا مَا يُغْنِي عَنْ رُكُوبِ بُطُونِ هَذِهِ الْمَسَالِكِ وَظُهُورِهَا. وبالله أستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل.
تم بحمد الله ومنته، الجزء الأول من الشفا بتعريف حقوق المصطفى، مع تحقيقاته الهامة، وتعليقاته المفيدة التي تكشف عن سر البيان الساحر والعلم الجم، الذي ينطوي عليه القاضي أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي رحمه الله تعالى.. ومما لا يخفى على القارىء بعد اطلاعه على مكنون الكتاب وفهمه لفحوى معانيه، معرفة عظمة الرسول صلّى الله عليه وسلم وفضله على الأمة جميعا جزاه الله عن أمة الإسلام خيرا.. ونحن أيها الأخوة القراء ما زلنا مستمرين في إصدار الجزء الثاني إن شاء الله تعالى تباعا على أعداد ونسأل المولى القدير أن يلهمنا الرشد والصواب. المحققون
مسرد الفصول والأبواب والعناوين الجانبيه
بسم الله الرّحمن الرّحيم مسرد الفصول والأبواب والعناوين الجانبيه الصفحة الموضوعات 3 الاهداء 5 تقريظ العلامة الكبير فضيلة الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت 7 تقريظ العلامة الكبير فضيلة الشيخ عبد الكريم الرفاعي 11 مقدمة المحققين 21 ترجمة المؤلف 25 مقدمة المؤلف- تمجيد وتوحيد- نعمة الرسول صلّى الله عليه وسلم- سبب التأليف والدافع اليه- الشعور بثقل التبعة- الشعور بالواجب يبدد الخوف من المسؤولية- تقسيمات الكتاب- سر الكتاب- زيادة هذا الباب- 43 الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فِي تَعْظِيمِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى لِقَدْرِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلًا وفعلا- 45 مقدمة القسم الاول. (الْبَابُ الْأَوَّلُ) فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ واظهاره عظيم قدره لديه 51 الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِيمَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَجِيءَ المدح والثناء وتعداد المحاسن- لقد جاءكم رسول من أنفسكم- بالحكمة في كون الرسول من أنفسهم- بيان ما تجمله كلمة (أنفسكم) - صلة المخلوق بالخالق عن طريق الرسل- وما أرسلناك الا رحمة للعالمين- نسمات رحمته صلّى الله عليه وسلم أصابت كل مخلوق- جبريل القوي الامين صار برحمته من الامنين- الرسول صلّى الله عليه وسلم نور من انوار الهداية والخير- شرح الصدر- وضع الوزر- رفع الذكر-
الصفحة الموضوعات واطيعوا الله والرسول- حكم العطف بين الخالق والمخلوق- اقوال العلماء في مسألة الجمع بين الخالق والمخلوق بضمير واحد- اختلاف المفسرين في معنى الصراط المستقيم- والعروة الوثقى- نعمة الله- جاء بالصدق 71 الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي وَصْفِهِ- تَعَالَى- لَهُ بِالشَّهَادَةِ وما يتعلق بها من الثناء والكرامة ... شاهدا- ومبشرا- ونذيرا- وداعيا- سراجا منيرا- صفته في التوراة- روايات عن التوراة في صفته صلّى الله عليه وسلم- رحمته بالمؤمنين- فضل امته من فضله- شهادة الرسول صلّى الله عليه وسلم لأمته بالصدق- قدم الصدق للمؤمنين-.. 79 الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِيمَا وَرَدَ مِنْ خِطَابِهِ إِيَّاهُ مورد الملاطفة والمبرة. عفا الله عنك- الملاطفة قبل المعاتبة- كان النبي مخيرا ولم يكن معاتبا- التأدب بالقرآن- المعاتبة قبل وقوع الزلة من علامات المحبة- لا يشكون في صدقه ولكن يشكون بما جاء به- تعريف الجحود- تعزية- المخاطبة بصفة محمودة اعلى من المخاطبة بالاسم. 86 الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي قَسَمِهِ تَعَالَى بِعَظِيمِ قَدْرِهِ ... بعمره صلّى الله عليه وسلم- ما أقسم الله بحياة أحد غيره- يسن- طه- القسم بالرسالة خاص به- سيادته صلّى الله عليه وسلم- تشرف مكة به- أمنها الله بمقامه فيها- معاني الحروف المقطعة- ق- والنجم- الفجر.. 95 الْفَصْلُ الْخَامِسُ: فِي قَسْمِهِ- تَعَالَى جَدَّهُ- لَهُ لتحقق مكانته عنده ... والضحى- سبب نزولها- وجوه تعظيمه في هذه السورة- القسم- بيان مكانته عنده- المآل خير- العطاء محدود بالرضى- رضاه باخراج أمته من النار- تعداد النعم- الايواء- اليتيم- إظهار النعمة- والنجم اذا
الصفحة الموضوعات هوى- معاني النجم- فضائله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ- الاشارة تقوم مقام العبارة- تزكية القلب- تزكية اللسان- تزكية البصر- كريم- ذي قوة- مكين- في السماء- أمين- رؤية ربه- ظنين- سورة ن- نهاية المبرة في المخاطبة- نعمة غير ممنونة- اثنى عليه بما منحه- الخلق العظيم- يسر للخير وهدى اليه ثم اثنى به عليه- نصرة الله له أتم من نصرته لنفسه. الفصل السادس: في ما وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ- تَعَالَى- فِي جِهَتِهِ- صَلَّى الله عليه وسلم- مورد الشفقة والاكرام.. طه ومعانيها- سبب النزول- تكليف الرسول صلّى الله عليه وسلم بالعبادة- تسلية وشفقة سنة الرسل. 111 الفصل السابع: في ما أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ عَظِيمِ قَدْرِهِ وَشَرِيفِ مَنْزِلَتِهِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وخطوة رتبته عليهم. اختصاصه بالفضل من دون الانبياء- اخذ العهد من الانبياء- كلام عمر في رثاء الرسول صلّى الله عليه وسلم- أوليته على الانبياء- أمان أهل النار- الاولين في الخلق- سبب تفضيله- مخاطبته بالنبوة والرسالة. 117 الْفَصْلُ الثَّامِنُ: فِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقَهُ بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ وَوِلَايَتِهِ لَهُ وَرَفْعِهِ الْعَذَابَ بِسَبَبِهِ.. جواره امان- استغفار بعض الناس سبب في دفع العذاب عن الكل- فضل الاستغفار- الرسول باق ما دامت سنته باقية- صلاة الله- معنى الصلاة- كهيعص- ولاية الله له. 122 الفصل التاسع: في ما تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَتْحِ مِنْ كَرَامَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.. سورة الفتح- ظهوره وغلبته- غفران ذنبه- المنة سبب المغفرة- إتمام النعمة- شهادته على امته لنفسه- يعزروه- تمام النعمة- يد الله- استعارات وتجنيس- الرامي هو الله حقيقة- قتل الملائكة لهم حقيقة-
الصفحة الموضوعات 129 الفصل العاشر: في ما أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مِنْ كرامته عليه ومكانته عنده وما خصه به من ذلك سوى ما تقدم. مشاهدة العجائب- عصمته من الناس- الكوثر- الشانيء هو الابتر- السبع المثاني- الكرامات السبع- عموم الرسالة- بعثه الى الخلق- اتِّبَاعُ أَمْرِهِ أَوْلَى مِنَ اتِّبَاعِ رَأْيِ النَّفْسِ فضل الله العظيم-. 137 (الْبَابُ الثَّانِي) فِي تَكْمِيلِ اللَّهِ- تَعَالَى- لَهُ الْمَحَاسِنَ خَلْقًا وَخُلُقًا وَقِرَانِهِ جَمِيعَ الْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ والدنيوية فيه نسقا. 139 مقدمة الباب الثاني: - خصال الجمال والكمال في البشر- الضروري ما ليس فيه اختيار- المكتسبة ما تقرب الى الله وللانسان فيها اختيار- لا بد للاخلاق المكتسبة من أصول-. 142 الفصل الاول: يعظم الانسان بقليل من هذه الخصال- اجتماع خصال الكمال والجلال في محمد صلّى الله عليه وسلم- لا يحيط بصفاته إلا ما نحها-. 145 الْفَصْلُ الثَّانِي: صِفَاتُهُ الْخِلْقِيَّةُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. حاز جميع خصال الكمال الضروري- الصورة وجمالها- الرواة- صفاته الخلقية- نور وجهه كالشمس والقمر- وصف علي رضي الله عنه له-. 152 الْفَصْلُ الثَّالِثُ: نَظَافَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... طيب رائحة يده صلّى الله عليه وسلم- كانوا يمزجون طيبهم بعرقه صلّى الله عليه وسلم- تغوطه صلّى الله عليه وسلم- الارض تبتلع ما يخرج من الانبياء- طهارة الحدثين منه صلّى الله عليه وسلم- صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله طبت حيا وميتا- ذكر من شرب دمه صلّى الله عليه وسلم- شرب بوله صلّى الله عليه وسلم- ولد صلّى الله عليه وسلم مختونا- ما رأى أحد عورته صلّى الله عليه وسلم- كان صلّى الله عليه وسلم محفوظا-.
الصفحة الموضوعات 161 الفصل الرابع: وفور عقله وفصاحة لسانه وقوة حواسه صلّى الله عليه وسلم ... كان صلّى الله عليه وسلم اعقل الناس- عقول الناس كحبة رمل فِي جَنْبِ عَقْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرى من خلفه كما يرى من أمامه- رؤيته لغيره في الظلمة- رؤيته الملائكة والشياطين- رفع النجاشي له ورؤيته بيت المقدس والكعبة- الاخبار المتقدمة محمولة على رؤية العين- رؤية موسى عند التجلي- صرع ركانة- صرع ابا ركانة- سرعة مشيه صلّى الله عليه وسلم- ضحكه كان تبسما- مشيه كان تقلعا. 167 الفصل الخامس: فصاحة لسانه وبلاغته صلّى الله عليه وسلم.. فصاحة لسانه صلّى الله عليه وسلم- يخاطب كل أمة بلسانها- كلامه مع ذي المشعار الهمداني وغيره من أمراء حضر موت- كتابه الى همدان- قوله لنهد- كتابه لوائل بن حجر- حديث عطية السعدي- حديث العامري- كلامه المعتاد- نماذج من بلاغته وفصاحته وجوامع كلمه صلّى الله عليه وسلم- بعض دعائه صلّى الله عليه وسلم- أساليب جديدة- سر فصاحته- جمع في كلامه جزالة البادية ورونق الحاضرة- امداد الوحي له- وصف ام معبد لمنطقه. 180 الْفَصْلُ السَّادِسُ: شَرَفُ نَسَبِهِ وَكَرَمُ بَلَدِهِ وَمَنْشَئِهِ صلّى الله عليه وسلم ... نخبة بني هاشم- مكة وكرمها- خير القرون قرن النبي صلّى الله عليه وسلم- خيرهم نفسا وخيرهم بيتا- لم يزل خيارا من خيار- إنزال نوره الى الارض- لم يتلق أحد من آبائه على سقاح قط. 184 الفصل السابع: حالته صلّى الله عليه وسلم في الضروريات ... ما يتمدح بقلته- كثرة الاكل دليل على النهم والحرص- قلته دليل على القناعة- كثرة النوم دليل على الفسولة- الشاهد على هذا- أخذ بالاقل منهما- البطن شر وعاء يملأ- كثرة النوم من كثرة الطعام والشراب-
الصفحة الموضوعات من نام كثيرا خسر كثيرا- لم يمتليء جوفه شبعا- لا يسأل الطعام- اعتراض بحديث بريرة- الجواب عنه- الاتكاء هو التمكن للاكل- نومه كان قليلا- النوم على الجانب الايمن وحكمته. 190 الفصل الثامن: زواجه صلّى الله عليه وسلم وما يتعلق به.. النكاح دليل الكمال والصحة- عقلا- شرعا- النهي عن التبتل- لا يقدح الزواج في الزهد- كان زهاد الصحابة كثيري الزوجات- اعتراض- يحيى الحصور- تبتل عيسى عليه السلام- جواب الاعتراض- الحصور هو المعصوم من الذنوب- فضيلة زائدة- لَمْ تَشْغَلْهُ كَثْرَتُهُنَّ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ بَلْ زادته عبادة- حبه للنساء والطيب ليس لدنياه بل لآخرته- أعطي من القوة فابيح له من الحرائر ما لم يبح لغيره- تفضيله على الناس بأربع- الجاه- آفات الجاه- مكانته في القلوب قبل النبوة- هيبته في قلوب الناظرين اليه. 201 الفصل التاسع: ما يتعلق بالمال والمتاع ... العامة تعظم صاحب المال- ليس المال فضيلة بنفسه ولكن بما يشترى به من المحمدة- المال بالحرص والبخل كالعدم- البخيل خازن مال غيره- ما أوتيه صلّى الله عليه وسلم من اموال الارض- لم يمسك منه درهما- راحته بالنفقة- زهده فيما سوى الضروري من نفقته وملبسه ومسكنه- المباهاة بالملابس ليست من خصال الشرف- المحمود نقاوة الثوب وكونه لبس مثله. 206 الفصل العاشر: الاخلاق الحميدة ... الخصال التي اتفق العقلاء على مدح صاحبها- ثناء الشرع عليها- تعريف حسن الخلق- كان خلقه صلّى الله عليه وسلم القرآن- بعثت لأتمم مكارم الاخلاق-
الصفحة الموضوعات ليست أخلاقه باكتساب- غرزت الاخلاق الحميدة في جبلتهم عليهم السلام- خلق يحيى عليه السلام- عيسى عليه السلام- سليمان عليه السلام- موسى وفرعون- ابراهيم عليه السلام- اسحق عليه السلام- استدلال ابراهيم على الله سبحانه- يوسف عليه السلام- بغضه للاوثان والشعر واعمال الجاهلية مذكان صغيرا- هل الاخلاق جبلة أم مكتسبة؟ - 216 الفصل الحادي عشر: العقل ... العقل- فروع العقل- من علومه- نبي أمي- بحسب عَقْلِهِ كَانَتْ مَعَارِفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 219 الفصل الثاني عشر: الحلم والاحتمال والعفو.. الفروق بين هذه الالفاظ- الحلم- الاحتمال- الصبر- العفو- لَا يَزِيدُ مَعَ كَثْرَةِ الْأَذَى إِلَّا صَبْرًا- كان أبعد الناس من الاثم- لم يبعث لعانا- دعاء نوح عليه السلام- نهاية الحنان- صفحه صلّى الله عليه وسلم- عفوه عنهم ودعاؤه لهم- سبب شفقته عليهم- غورث بن الحارث ومحاولة اغتياله صلّى الله عليه وسلم- خير الناس- عفوه عن اليهودية التي أرادت قتله- صبره على المنافقين- صبره على جفوة الاعراب وغلظتهم- كان لا ينتصر لنفسه بل لله عزّ وجل- حلمه على من أراد قتله- حلمه على من اغلظ له بالقول- من علامات نبوته صلّى الله عليه وسلم انه يسبق حلمه غضبه، وانه لا تزيده شدة الجهل إلا حلما- موقفه من قريش بعد أن أمكنه الله منهم- موقفه من أبي سفيان بعد أن تمكن منه. 230 الفصل الثالث عشر: الجود والكرم.. التفريق بين معاني الجود والكرم والسماحة- الكرم- السماحة- السخاء- ما سئل عن شيء فقال: لا- كان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان- يعطي عطاء من لا يخشى فاقة- الغاية في السخاء- كان لا يدخر شيئا لغد.
الصفحة الموضوعات 235 الفصل الرابع عشر: الشجاعة والنجدة.. تعريف الشجاعة- النجدة- شجاعته يوم حنين- يحتمي الشجعان به عند اشتداد الحرب- كان أول مستبرىء للخبر عند الفزع- كان اول من يضرب عند الهجوم- قتل أبي بن خلف يوم أحد- شر الناس من قتله نبي. 241 الفصل الخامس عشر: الحياء والاغضاء.. تعريف الحياء- الاغضاء- كان صلّى الله عليه وسلم يعرض بما يكره- وصفه بذلك في التوراة. 244 الفصل السادس عشر: حسن العشرة والادب وبسط الخلق. وصف علي له- لا يطوي عن أحد بشره- وصف ابن ابي هالة له صلّى الله عليه وسلم- يقبل الهدية مهما حقرت ويكافيء عليها- وصف الخادم أنس لسيده- اهتمامه بامور الناس- اكرام الناس باخلاق وبشاشة- كان أكثر الناس تبسما- خدم المدينة يأتون بالماء ليتبركوا. 251 الفصل السابع عشر: الشفقة والرحمة.. اعطاء الله له اسمين من أسمائه- عطاؤه يمحو البغضاء- الاعراب الجفاة كالناقة الشرود تتألف بالحكمة- سلامة صدره على اصحابه- شفقته على أمته- رحمته- شفقته على الكفار وطمعه في إيمان ذرياتهم- ينصح الناس بِالرِّفْقِ. 257 الْفَصْلُ الثَّامِنَ عَشَرَ: الْوَفَاءُ وَحُسْنُ الْعَهْدِ وصلة الرحم.. حسن وفائه- حسن العهد من الايمان- صلته الرحم- ان لهم رحما- حسن مقابلته للاحسان- بره بمرضعته- بره بأبيه وأمه وأخيه من الرضاعة 262 الفصل التاسع عشر: التوضع..
الصفحة الموضوعات كان أشد الناس تواضعا- اختار أن يكون نبيا عبدا- لا تقوموا كما يقوم الاعاجم- انما انا عبد- يركب الحمار- حج عليه الصلاة والسلام على رحل رث- تواضعه عند الفتح- لا تفضلوا بين الانبياء- قيامه صلّى الله عليه وسلم باعمال البيت- إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ تَأْكُلُ القديد- نهيه ان تقبل يده- صَاحِبُ الشَّيْءِ أَحَقُّ بِشَيْئِهِ أَنْ يَحْمِلَهُ. 268 الْفَصْلُ العشرون: العدل والامانة والعفة وصدق اللهجة.. أعداؤه يعترفون له بذلك- تحكيمه في الجاهلية لرفع الحجر- لا يكذبونه ولكن يكذبون بما جاء به- هرقل يسأل عن صدقه- أصدقكم حديثا- كان يختار أيسر الامرين ما لم يكن إثما- تجزيء اوقاته- بلغوا حاجة من لا يستطيع ابلاغي- عصمة الله له قبل النبوة. 274 الفصل الحادي والعشرون: الوقار والصمت والتؤدة والمروءة وحسن الهدي.. كان أوقر الناس في مجلسه- أكثر جلوسه محتبيا- كان كثير السكوت- ضحكه التبسم- كان سكوته على أربع حالات- كلامه- ما حبب اليه من الدنيا- استعماله خِصَالِ الْفِطْرَةِ. 278 الْفَصْلُ الثَّانِيَ وَالْعِشْرُونَ: الزُّهْدُ فِي الدنيا.. توفي ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عالية- مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ثلاثة ايام تباعا- أجوع يوما وأشبع يوما- الدنيا دار من لا دار له- عدد من الروايات في قوته وقوت اهله- فراشه ادم حشوه ليف- وطأته منعتني الليلة صلاتي- مالي وللدنيا. 284 الفصل الثالث والعشرون: الخوف من الله والطاعة له وشدة العبادة صلته بربه على قدر علمه به- قام حتى تورمت قدماه- أفلا أكون عبدا
الصفحة الموضوعات شكورا صلاته صلّى الله عليه وسلم في الليل- كان متواصل الاحزان دائم الفكرة. 290 الفصل الرابع والعشرون: صفات الانبياء. فضل الله بعض النبيين على بعض- ما بعث الله نبيا إلا كان في الذروة من قومه- استعراض كامل لأوصاف الانبياء في القرآن الكريم- أخاف أن أشبع فأنسى الجائع- بكاء سيدنا داود عليه السلام- يسمع الثناء عليه فيزداد تواضعا- أكره أن أعود لساني منطق السوء. 303 الفصل الخامس والعشرون: حديث الحسن عن ابن ابي هالة في جمع (الشمائل) .. وجهه صلّى الله عليه وسلم- طوله- شعره- لونه- وجهه- حواجبه- أنفه- لحيته- عيناه- خداه- فمه وأسنانه- عنقه- خلقه- مشيه- خشوعه- منطقه- خلقه- غضبه- إشاراته- ضحكه- دخوله- تقسيم وقته- مخرجه- مجلسه- سيرته في جلسائه- احوال صحابته عنده- انواع سكوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 315 الْفَصْلُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: في تفسير غريب هذا الحديث ومشكله 321 (الْبَابُ الثَّالِثُ) فِيمَا وَرَدَ مِنْ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ وَمَشْهُورِهَا بِعَظِيمِ قَدْرِهِ عِنْدَ رَبِّهِ وَمَنْزِلَتِهِ وَمَا خَصَّهُ بِهِ فِي الدَّارَيْنِ مِنْ كَرَامَتِهِ صَلَّى الله عليه وسلم. 325 الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: مَكَانَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انا خير أصحاب اليمين- انا خير السابقين- أنا اتقى ولد آدم واكرمهم على الله- انا اكرم الاولين والآخرين- أبواه صلّى الله عليه وسلم لم يلتقيا على سفاح قط- أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي- بعثت الى الاحمر والاسود- اني فرط لكم- لا نبي بعدي- فضيلته على الانبياء- عطاء الله له- وانما كان الذي اوتيته وحيا- بشارة عيسى بن مريم-
الصفحة الموضوعات فضله على أهل السماء- فضله على الانبياء- دعوة ابي ابراهيم- غسلت الملائكة قلبه وبطنه- لو وزنته بأمته لوزنها- استشفع آدم عليه السلام بمحمد صلّى الله عليه وسلم- فتلقى آدم من ربه كلمات- عجائب شاهدة- تسمية محمد بركة وسنة. 343 الفصل الثاني: كرامة الاسراء.. فرضية الصلاة. لم يكن شق الصدر حين الاسراء- معنى السدرة- سؤال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ربه- عطاء الكريم- ما كذب الفزاد ما رأى- منتهى علوم جبريل- الاذان- معنى الحجاب ولمن يكون- منتهى علم الملائكة التنزيه. 359 الفصل الثالث: حقيقة الاسراء.. الاقوال في الاسراء وتم كان- الاسراء بالجسد- الاختلاف بشأن صلاته في المسجد الاقصى هل كانت أم لا- اسراء بالجسد والروح في القصة كلها- دليل ذلك- رؤيا عين لا رؤيا منام. 368 الفصل الرابع: ابطال الحجج. 375 الفصل الخامس: رؤيته لربه. انكار عائشة للرؤية- ابن عباس يثبتها- أحمد بن حنبل يثبت الرؤية- توقف سعيد- جواز الرؤية عقلا في الدنيا- الدليل على الجواز- ليس في الشرع دليل قاطع على استحالتها او امتناعها- نقص دلائل المانعين- دليل آخر للمانعين- الرد- الوجوب ليس فيه نص قاطع أيضا. 389 الفصل السادس: مناجاته لله تعالى.. 393 الفصل السابع: الدنو والقرب.. لا دنو للحق ولا بعد
الصفحة الموضوعات 398 الفصل الثامن: تفضيله يوم القيامة.. اول الناس خروجا اذا بعثوا- لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ يَقُومُ ذَلِكَ الْمُقَامَ غيري- ما نَبِيٌّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لوائي- اول شافع واول مشفع- دخول فقراء المؤمنين مع رسولهم الجنة- أكثر الناس تبعا- ابراهيم وعيسى من أمته- لا أفتح لاحد قبلك- مسافة الحوض- رواة حديث الحوض من الصحابة. 407 الفصل التاسع: في تفضيله بالمحبة والخلة.. صاحبكم خليل الله- وأنا حبيب الله- تفسير الخلة- المنقطع- المختص- الاصطفاء- الفقير- صفاء المودة- المحبة- الخلة- اقوى من النبوة- الخلة المحبة- التسوية- الخلة أرفع- المحبة أرفع من الخلة- حصول مزية الخلة وخصوصية المحبة- كلام جميل للتفرقة بين الحبيب والخليل- الخليل يصل بالواسطة- الحبيب يصل اليه به. 418 الفصل العاشر: في تفضيله بالشفاعة والمقام المحمود.. المقام المحمود- اخترت الشفاعة لانها أعم- فيأتون آدم- اذهبوا الى نوح- اذهبوا الى ابراهيم- عليكم بموسى- عليكم بعيسى- عليكم بمحمد- انا لها- اشفع تشفع- يضرب الصراط- فأكون اول من يجيز- مَا تَرَكْتَ لِغَضَبِ رَبِّكَ فِي أُمَّتِكَ مِنْ نقمة- اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي 434 الفصل الحادي عشر: الوسيلة والدرجة الرفيعة والكوثر والفضيلة.. الوسيلة- الكوثر- صفة الكوثر. 438 الفصل الثاني عشر: الاحاديث الواردة في النهي عن تفضيله.. أحاديث في منع التفضيل- تأويلات العلماء- النهي قبل العلم بالتفضيل- كف عن التفضيل- تواضع- عدم تنقصهم- النبوة والرسالة سواء-
الصفحة الموضوعات التفاضل في الخصوصيات- التفضيل بالنص- احوال التفضيل- توجيه آخر 444 الْفَصْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ: فِي أَسْمَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وما تضمنته من فضيلة.. لي خمسة اسماء- التسمية في الكتاب- احمد- محمد- حماية الله ان يسمى احد قبله بذلك- الذين تسموا بمحمد قبل بعثته من العرب- معنى اسم الماضي- معنى اسم العاقب- الاسماء الخمسة- لي عشرة أسماء- طه- يس- الاسماء الخمسة الاخرى- لي في القرآن سبعة اسماء- هي ست- معنى قثم- القابه وسماته في القرآن- اوصاف وسمات أخرى- من اسمائه في الكتب المتقدمة- معنى البار قليط- السريانية- التوراة- كنيته المشهورة. 458 الفصل الرابع عشر: في تشريف الله له باسماء خاصة به تعالى.. سبب تأخر هذا الفصل وفصله عن غيره- الحميد- محمد- احمد- رؤوف رحيم- الحق المبين- نور- سبب تسميته بالنور- شاهدا- شهيدا- كريم- عظيم- في التوراة- في كتاب داود الجبار- معناه في حق النبي الكريم صلّى الله عليه وسلم- الخبير- الفتح- الفاتح- الخاتم- الشكور- العليم- الاول الآخر- ذو القوة المكين- الصادق المصدوق- الولي- المولى- العفو- الهادي مؤمن- امين- المهيمن- المقدس- العزيز المبشر- النذير- طه، يس. 473 الْفَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ: اسْتِدْرَاكٌ فِي صِفَاتِ الْخَالِقِ والمخلوق.. حقيقة التوحيد- ليس كمثله شيء. 479 (الباب الرابع) فيما أظهره الله عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَشَرَّفَهُ بِهِ مِنَ الخصائص والكرامات 481 الفصل الاول: مقدمة..
الصفحة الموضوعات الفتاه لاهل ملته- اتينا منها بالمحقق- عرفت ان وجهه ليس بوجه كذاب- بلغن قاموس البحر لا يخيس بكم ما دل على خير إلا كان اول آخذ به. 486 الفصل الثاني: بين النبوة والرسالة.. معنى الرسول- الرسول والنبي- الدليل- القول الصحيح- اول الرسل وآخرهم- عدد الانبياء- عدد الرسل- اصل الوحي- معنى آخر للوحي. 491 الفصل الثالث: معنى المعجزات.. معنى المعجزة- انواعها- اكثر الرسل معجزة- معجزة القرآن- أقسام معجزاته صلّى الله عليه وسلم- القسم الثاني- انشقاق القمر نص القرآن عليه- أن كان ذلك- هذا يلحق بالقطعي- أثر الزمن في ازالة الباطل وتثبيت الحق. 500 الفصل الرابع: في اعجاز القرآن. اربعة وجوه- فرسان الكلام- الافتراء أسهل- التقريع والتسفية- نكوص عن المعارضة- مباهتة- ادعاء وعجز- مسيلمة- الوليد بن المغيرة- اعرابي يسجد- الاصمعي والجارية- 511 الفصل الخامس: اعجاز النظم والأسلوب.. مخالفة أساليب العرب- الوليد والقرآن- ما هو بكاهن- ما هو بمجنون- ما هو بشاعر- ما هو بساحر- عتبة والقرآن- النضر والقرآن- اسلام أبي ذر- وجه عجزهم عنه.. 518 الفصل السادس: الإخبار عن المغيبات.. لتدخلن المسجد الحرام- غلبت الروم- اظهاره على الدين كله- الاستخلاف- الفتح- حفظ القرآن-
الصفحة الموضوعات 522 الفصل السابع: اخباره عن القرون السالفة والأمم البائدة.. الاخبار عما مضى- اسئلة اهل الكتاب- ما أنكر أحدهم شيئا- احضار التوراة ممكن- 526 الفصل الثامن: التحدي والتعجيز في قضايا واعلامهم انهم لا يفعلونها.. تمني الموت- المباهلة- 529 الفصل التاسع: روعته في السمع وهيبته في القلوب. تأثيره النفسي- اعجاز الجرس- 533 الفصل العاشر: بقاؤه على الزمن.. 525 الفصل الحادي عشر: وجوه أخرى للاعجاز.. قارئه لا يمل- شهادة الجن- علوم غير معهودة- أنباء الأمم- من طلب الهدى من غيره اضله الله- منظوم لم يعهد- تيسير حفظه- 543 الفصل الثاني عشر: في انشقاق القمر وحبس الشمس.. اجمع المفسرون وأهل السنة على وقوعه- معارضته- رد وأدلة- رد الشمس- حديث أسماء ثابت- 550 الفصل الثالث عشر: نَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَتَكْثِيرِهِ بِبَرَكَتِهِ.. لا يمكن الكذب على الكثرة وهم سكوت- 555 الفصل الرابع عشر: تفجير الماء ببركته.. ولكن الله سقانا- 651 الفصل الخامس عشر: تكثير الطعام.. خبر الزاد الذي لو ورده أهل الأرض لكفاهم- مزود أبي هريرة- ابو هريرة واللبن- وليمة علي على فاطمة.. 573 الفصل السادس عشر: في كلام الشجر وانقيادها.
الصفحة الموضوعات السحرة تشهد- تسليم الشجر عليه وتقبيل الاعرابي يديه- فانقادت كالبعير- النخل والحجارة يسرن لِحَاجَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استأذنت ان تسلم علي. 581 الفصل السابع عشر: حنين الجذع.. حنين الجذع في نفسه مشهود- الخبر به متواتر- اختيار الجذع لدار البقاء على دار الفناء- 588 الفصل الثامن عشر: في سائر الجمادات ... تسبيح الطعام- تسبيح الحصا- أمنت اسكفة الباب- ارتجاف أحد- ارتجاف المنبر- انهيار أصام الكعبة- بحيرا الراهب- الفيء يميل إِلَيْهِ. 594 الْفَصْلُ التَّاسِعَ عَشَرَ: فِي الْآيَاتِ فِي ضروب الحيوانات.. داجن تقر وتثبت بحضرته- شهادة الضب- حديث الذئب للراعي- صنم وطائر يتكلمان- رجوع الغنم الى اصحابهما- سجود الغنم له- سجود بعير- خضوع الجمل- جمل يشتكي- الناقة العضباء- حَمَامَ مَكَّةَ أَظَلَّتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- حمام الغار- العنكبوت- اقتراب البدنات اليه لينحرها- قصة الغزالة- خضوع الاسد لرسوله- الاسد يدل على الطريق- شهادة ناقة- العنزة تروي القوم- طاعة الفرس- تعلم اللغات 607 الفصل العشرون: إحياء الموتى.. الشاة المسمومة- كيفية الكلام- مذهب اهل السنة- مذهب المعتزلة- رد مذهب المعتزلة- صبي ابكم يتكلم- وليد يتكلم- مبارك اليمامة- موؤدة تتكلم- ميت يعود الى الحياة- ميت يتكلم. 617 الفصل الحادي والعشرون: إبراء المرضى وذوي العاهات.. رد عين بعد قلعها- إبراء جرح- حديث الاعمى- برسول الله صلّى الله عليه وسلم-
الصفحة الموضوعات شفاء الاستسقاء- شفاء أعمى- جروح تشفى- شفاء عين الامام علي- رده يدا بعد ما قطعت- طفل لا يتكلم ابرىء- مجنون يشفى- حروق تبرأ- سلعة تزول- حياء في الجارية من أثر لقمته صلّى الله عليه وسلم. 625 الفصل الثاني والعشرون: اجابة دعائه صلّى الله عليه وسلم.. دعاؤه لأنس- البركة في الذرية- البركة في مال عبد الرّحمن بن عوف- دعاؤه لمعاوية- استجابة دعوة سعد- دعوة لعمر- دعاؤه بالسقيا-- دعاؤه لأبي قتادة- دعاؤه للنابغة- دعاؤه لابن عباس- دعاؤه لعبد الله بن جعفر- دعاؤه للمقداد- دعاؤه لعروة- دعاؤه لأم ابي هريرة- دعاؤه لعلي- دعاؤه لفاطمة- دعاؤه للطفيل- دعاؤه على مصر ثم لهم- دعاؤه على كسرى- دعاؤه على صبي- دعاؤه على الذي يأكل بشماله- دعاؤه على عتبة- دعاؤه على الذين آذوه- دعاؤه على الحكم- دعاؤه على محلم. 636 الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: فِي كَرَامَاتِهِ وَبَرَكَاتِهِ وَانْقِلَابِ الاعيان له فيم لَمَسَهُ أَوْ بَاشَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فرس ابي طلحة- نشاط الجمل- نشاط فرس جعيل- حمار يهملج- بركة شعراته في قلنسوة خالد- الاستشفاء بجبته- الاستشفاء بقصعته- قضيب النبي صلّى الله عليه وسلم- بئر قباء- بئر دار أنس- ماء نعمان- لسانه أروى الحسن والحسين- عكة أم مالك- غرس النخيل لسلمان- شربة السويق- العرجون يضيء ويضرب الشيطان- سيف عكاشة جذل حطب- سيف من عسيب نخل- شاه ام معبد- شاة أنس- ماء يتحول الى لبن وعليه زبدة- بركة عمير بن سعد- طيب عتبة- غرة عائذ بن عمرو- الاغر- بركة رأس حنظلة- جمال زينب- ابراء مجانين
الصفحة الموضوعات- يوم حنين- ابو هريرة يشكو النسيان- صار افرس العرب- ضرع الرجال طولا وتماما. الفصل الرابع والعشرون: مَا أَطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنَ الْغُيُوبِ وَمَا يَكُونُ إخباره بما يكون حتى قيام الساعة- ويل للعرب من شر قد اقترب!! أهل المغرب ظاهرون على الحق حتى تقوم الساعة. 680 الفصل الخامس والعشرون: عصمة الله له من الناس وكفايته من أذاهم انصرفوا فقد عصمني ربي- من شاء فليخذلني- حمالة الحطب- عدم رؤيتها له- عند الهجرة- حادثة سراقة- الراعي ينسى- ابو جهل والصخرة- طمس على بصره- غدر بني قريظة- خيانة حيي وغدره- ابو جهل وخندق النار- شواظ من نار يد النبي صلّى الله عليه وسلم سكن للقلب- أفأضربك. 694 الْفَصْلُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: مَعَارِفُهُ وَعُلُومُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.. أنواع الرؤيا- أنساب- علمه بالرسم- الذين يلحدون اليه- رد الحجج وابطالها. 708 الْفَصْلُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْبَاؤُهُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ.. في صورة رجل- في صورة دحية- رؤية الجن- نغمة الجن- هدم خالد للعزى وقتله السوداء- أسره للشيطان. 715 الفصل الثامن والعشرون: أخباره وصفاته وعلامات رسالته عند أخيار ورهبان وعلماء ذلك الزمان الذين نقلوا أخباره عن التوراة من أسلم- اعترافهم- هواتف الجن. 726 الفصل التاسع والعشرون: ما حدث عند مولده صلّى الله عليه وسلم.. ولد رافعا رأسه- خروج النور عند ولادته- تدلي النجوم- رؤية قصور
الصفحة الموضوعات الروم- البركة عند حليمة- إيوان كسرى- بحيرة طبرية- خمود النار- صقيلا دهينا كحيلا- رصد الشياطين حمايته من امور الجاهلية- نهيت عن التعري- إظلال الغمام- إظلال الشجر- لا ظل لشخصه صلّى الله عليه وسلم- روضة من رياض الجنة. 734 الفصل الثلاثون: خاتمة وتذييل. معجزات لنبينا صلّى الله عليه وسلم أظهر من معجزات غيره- كثرة معجزاته ومعجزات القرآن- البلاغة والنظم- الاخبار بعلوم الغيب- وضوح المعجزات والسحر زمن موسى- الطب زمن عيسى- معجزة خالدة لا تبيد- مذهب الصرفة- عبادة بني اسرائيل. 745 مسرد الفصول والابواب والعناوين الجانبية.
القسم الثاني
الجزء الثاني القسم الثاني مُقَدِّمَةُ الْقِسْمِ الثَّانِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وفّقه الله تعالى: وَهَذَا قِسْمٌ لَخَّصْنَا فِيهِ الْكَلَامَ فِي أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، وَمَجْمُوعُهَا فِي وُجُوبِ تَصْدِيقِهِ، وَاتِّبَاعِهِ فِي سُنَّتِهِ، وَطَاعَتِهِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَمُنَاصَحَتِهِ، وَتَوْقِيرِهِ، وَبِرِّهِ، وَحُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ، وَزِيَارَةِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.
الباب الأول في فرض الإيمان به ووجوب طاعته واتباع سنته وفيه خمسة فصول
الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي فَرْضِ الْإِيمَانِ بِهِ وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ وَفِيهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ
الفصل الأول فرض الإيمان به
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَرْضُ الْإِيمَانِ بِهِ إِذَا تَقَرَّرَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ ثُبُوتُ نُبُوَّتِهِ وَصِحَّةُ رِسَالَتِهِ وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَتَى بِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا» «1» وَقَالَ: «إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً.. لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» «2» . وقال: «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ» «3» الْآيَةَ.. فَالْإِيمَانُ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبٌ «4» مُتَعَيَّنٌ لَا يَتِمُّ إِيمَانٌ «5» إِلَّا بِهِ.. وَلَا يَصِحُّ إِسْلَامٌ «6» إِلَّا مَعَهُ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً» «7» .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي، وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ..» «1» قَالَ الْقَاضِي «2» أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ: وَالْإِيمَانُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ تَصْدِيقُ نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَةِ اللَّهِ لَهُ، وَتَصْدِيقُهُ فِي جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ وَمَا قَالَهُ.. وَمُطَابَقَةُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ بِذَلِكَ شَهَادَةُ اللِّسَانِ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَإِذَا اجْتَمَعَ التَّصْدِيقُ به بالقلب والنطق بالشهادة بذلك باللسان تَمَّ الْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ لَهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «3» نَفْسِهِ مِنْ رِوَايَةِ «4» عَبْدِ اللَّهِ «5» بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله وأن محمدا رسول الله..
وَقَدْ زَادَهُ وُضُوحًا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ إِذْ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ.. فَقَالَ (النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) «1» : أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.. وَذَكَرَ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ الْحَدِيثَ «2» . فَقَدْ قَرَّرَ أَنَّ الْإِيمَانَ بِهِ مُحْتَاجٌ «3» إِلَى الْعَقْدِ «4» بِالْجَنَانِ «5» .. وَالْإِسْلَامَ بِهِ مُضْطَرٌّ إِلَى النطق باللسان.. وهذه الحالة «6» الْمَحْمُودَةُ التَّامَّةُ «7» .. وَأَمَّا الْحَالُ الْمَذْمُومَةُ، فَالشَّهَادَةُ بِاللِّسَانِ دُونَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ.. وَهَذَا هُوَ النِّفَاقُ «8» . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ.. وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ..» «9» أَيْ كَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ عَنِ اعْتِقَادِهِمْ
وَتَصْدِيقِهِمْ وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَهُ.. فَلَمَّا لَمْ تُصَدِّقْ ذَلِكَ ضَمَائِرُهُمْ لَمْ يَنْفَعْهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَخَرَجُوا عَنِ اسْمِ الْإِيمَانِ.. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ حُكْمُهُ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ (إِيمَانٌ) «1» .. وَلَحِقُوا بِالْكَافِرِينَ «2» فِي الدَّرْكِ «3» الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.. وَبَقِيَ عَلَيْهِمْ حكم الإسلام بإظهار شهادة اللسان فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَئِمَّةِ وَحُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ، الَّذِينَ أَحْكَامُهُمْ عَلَى الظَّوَاهِرِ بِمَا أَظْهَرُوهُ مِنْ عَلَامَةِ الْإِسْلَامِ.. إِذْ لَمْ يُجْعَلْ لِلْبَشَرِ سَبِيلٌ إِلَى السَّرَائِرِ.. وَلَا أُمِرُوا بِالْبَحْثِ عَنْهَا.. بَلْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّحَكُّمِ عَلَيْهَا، وَذَمَّ ذَلِكَ وَقَالَ «4» : «هَلَّا» شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ» وَالْفَرْقُ «6» بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْعَقْدِ مَا جُعِلَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ الشَّهَادَةُ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَالتَّصْدِيقُ مِنَ الْإِيمَانِ.. وَبَقِيَتْ حَالَتَانِ أُخْرَيَانِ بَيْنَ
هَذَيْنِ.. إِحْدَاهُمَا أَنْ يُصَدِّقَ بِقَلْبِهِ ثُمَّ يُخْتَرَمَ «1» قَبْلَ اتِّسَاعِ وَقْتٍ لِلشَّهَادَةِ بِلِسَانِهِ.. فَاخْتُلِفَ فِيهِ. فَشَرَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ الْقَوْلَ وَالشَّهَادَةَ «2» بِهِ. وَرَآهُ بَعْضُهُمْ مُؤْمِنًا مُسْتَوْجِبًا لِلْجَنَّةِ «3» لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» «يَخْرُجُ «5» مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ» فَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى مَا فِي الْقَلْبِ.. وَهَذَا مُؤْمِنٌ بِقَلْبِهِ غَيْرُ عَاصٍ وَلَا مُفَرِّطٍ بِتَرْكِ غَيْرِهِ.. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْوَجْهِ. - الثَّانِيَةُ أَنْ يُصَدِّقَ بِقَلْبِهِ وَيُطَوِّلَ «6» مَهَلَهُ «7» ، وَعَلِمَ مَا يَلْزَمُهُ مِنَ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَنْطِقْ بِهَا جُمْلَةً، وَلَا اسْتَشْهَدَ «8» فِي عُمُرِهِ وَلَا مَرَّةً، فَهَذَا اخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا «9» . - فَقِيلَ هُوَ مُؤْمِنٌ، لِأَنَّهُ مُصَدِّقٌ.. وَالشَّهَادَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ
فهو «1» عاص بتركها غير مخلد «2» . وَقِيلَ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ «3» حَتَّى يُقَارِنَ عَقْدُهُ شَهَادَةَ اللِّسَانِ «4» ، إِذِ الشَّهَادَةُ إِنْشَاءُ عَقْدٍ، وَالْتِزَامُ إِيمَانٍ. وَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ مَعَ الْعَقْدِ، وَلَا يَتِمُّ التَّصْدِيقُ مَعَ الْمُهْلَةِ إِلَّا بِهَا.. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا نَبْذٌ «5» يُفْضِي «6» إِلَى مُتَّسَعٍ مِنَ الْكَلَامِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَأَبْوَابِهِمَا.. وَفِي الزِّيَادَةِ فِيهِمَا وَالنُّقْصَانِ «7» .. وَهَلِ التَّجَزِّي «8» مُمْتَنِعٌ عَلَى مُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ لا يصح فيه جملة، إنما يَرْجِعُ إِلَى مَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلٍ؟!! أَوْ قَدْ يُعْرَضُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ وَتَبَايُنِ «9» حَالَاتِهِ، مِنْ قُوَّةِ يَقِينٍ، وَتَصْمِيمِ اعْتِقَادٍ، وَوُضُوحِ مَعْرِفَةٍ. وَدَوَامِ حَالَةٍ، وَحُضُورِ قَلْبٍ.. وَفِي بَسْطِ هذا
خُرُوجٌ عَنْ غَرَضِ التَّأْلِيفِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا غُنْيَةٌ «1» فيما قصدنا إن شاء الله تعالى «2» .
الفصل الثاني وجوب طاعته
الْفَصْلُ الثَّانِي وُجُوبُ طَاعَتِهِ وَأَمَّا وُجُوبُ طَاعَتِهِ فَإِذَا وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَجَبَتْ طَاعَتُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا أَتَى به، قال الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» «1» وقال: «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» «2» وقال: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» «3» وقال: «وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا» «4» وَقَالَ: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ» «5» وَقَالَ: «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» «6» وقال: «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ ... «1» الْآيَةَ وَقَالَ: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ» «2» . فَجَعَلَ تَعَالَى طَاعَةَ رَسُولِهِ «3» طَاعَتَهُ، وَقَرَنَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ، وَوَعَدَ عَلَى ذَلِكَ بِجَزِيلِ الثَّوَابِ.. وَأَوْعَدَ عَلَى مُخَالَفَتِهِ بِسُوءِ الْعِقَابِ. وَأَوْجَبَ امْتِثَالَ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابَ نَهْيِهِ.. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْأَئِمَّةُ: طَاعَةُ الرَّسُولِ فِي الْتِزَامِ سُنَّتِهِ، وَالتَّسْلِيمِ لِمَا جَاءَ بِهِ.. وَقَالُوا: مَا أَرْسَلَ اللَّهُ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا فَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ وَقَالُوا: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فِي سُنَّتِهِ «4» يُطِعِ اللَّهَ
فِي فَرَائِضِهِ.. وَسُئِلَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) «2» . وَقَالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ «3» : يُقَالُ: أَطِيعُوا اللَّهَ فِي فَرَائِضِهِ وَالرَّسُولَ فِي سُنَّتِهِ.. وَقِيلَ: أَطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ، وَالرَّسُولَ فِيمَا بَلَّغَكُمْ وَيُقَالُ: أَطِيعُوا اللَّهَ بِالشَّهَادَةِ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَالنَّبِيَّ بِالشَّهَادَةِ لَهُ بالنبوة «4» . قال أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ «5» الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ «6» يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ.. وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ.. وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي.. وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي «7» .. فَطَاعَةُ الرَّسُولِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، إِذِ اللَّهُ أَمَرَ بِطَاعَتِهِ.. فَطَاعَتُهُ امْتِثَالٌ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَطَاعَةٌ لَهُ. وَقَدْ حَكَى اللَّهُ عَنِ الْكُفَّارِ فِي دَرَكَاتِ جَهَنَّمَ. «يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ: يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا» «8»
فَتَمَنَّوْا طَاعَتَهُ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمُ التَّمَنِّي.. وَقَالَ «1» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ.. وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ..» . وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى.. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ.. وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى..» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الصَّحِيحِ «4» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ «5» كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ.. وَإِنِّي أنا النذير العريان «6» .. فالنجاء «7» ..
فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا «1» ، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا.. وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ «2» الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ «3» .. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ..» . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «4» فِي مَثَلِهِ «5» كَمَثَلِ مَنْ بَنَى دَارًا وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً «6» .. وَبَعَثَ دَاعِيًا فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ.. وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، فَالدَّارُ الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ.. وَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ «7» بَيْنَ الناس.
الفصل الثالث وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه
الفصل الثالث وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه وأما وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم وامتثال سنته والاقتداء بهديه فقد قَالَ تَعَالَى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» «1» وَقَالَ: «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» «2» وَقَالَ: «فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ» «3» .. إِلَى قَوْلِهِ تَسْلِيمًا» . أَيْ ينقادوا لحكمك.. يقال «سلّم» و «استسلم» و «أسلم» إذا انقاد.. وقال تعالى: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ» «4» الاية.
قَالَ مُحَمَّدُ «1» بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ: «الْأُسْوَةُ» فِي الرَّسُولِ.. الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَالِاتِّبَاعُ لِسُنَّتِهِ وَتَرْكُ مُخَالَفَتِهِ فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ.. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِمَعْنَاهُ وَقِيلَ: هُوَ عِتَابٌ لِلْمُتَخَلِّفِينَ عنه وقال سهل «2» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» «3» قَالَ بِمُتَابَعَةِ السُّنَّةِ.. فَأَمَرَهُمْ تَعَالَى بِذَلِكَ وَوَعَدَهُمُ الِاهْتِدَاءَ بِاتِّبَاعِهِ.. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُزَكِّيَهُمْ، وَيُعَلِّمَهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَيَهْدِيَهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.. وَوَعَدَهُمْ مَحَبَّتَهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى «4» وَمَغْفِرَتَهُ إِذَا اتَّبَعُوهُ وَآثَرُوهُ عَلَى أَهْوَائِهِمْ، وَمَا تَجْنَحُ «5» إِلَيْهِ نُفُوسُهُمْ.. وَأَنَّ صِحَّةَ إِيمَانِهِمْ بِانْقِيَادِهِمْ لَهُ، وَرِضَاهُمْ بِحُكْمِهِ، وَتَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ وَرُوِيَ «6» عَنِ الْحَسَنِ» : «أَنَّ أَقْوَامًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُحِبُّ اللَّهَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ..» «8» الاية.
وَرُوِيَ: أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي كَعْبِ «1» بْنِ الْأَشْرَفِ وَغَيْرِهِ. وَأَنَّهُمْ قَالُوا: «نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ» «2» .. «وَنَحْنُ أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ وَقَالَ الزَّجَّاجُ «3» : مَعْنَاهُ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله- أَنْ تَقْصِدُوا طَاعَتَهُ- فَافْعَلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ إِذْ مَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ طَاعَتُهُ لَهُمَا وَرِضَاهُ بِمَا أَمَرَا.. وَمَحَبَّةُ اللَّهِ لَهُمْ عَفْوُهُ عَنْهُمْ وَإِنْعَامُهُ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِهِ.. وَيُقَالُ: الْحُبُّ مِنَ اللَّهِ عِصْمَةٌ وَتَوْفِيقٌ، وَمِنَ الْعِبَادِ طَاعَةٌ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ «4» : تَعْصِي الْإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ ... هَذَا لَعَمْرِي فِي الْقِيَاسِ بَدِيعُ لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لَأَطَعْتَهُ ... إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ وَيُقَالُ: مَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِلَّهِ تَعْظِيمُهُ لَهُ، وهيبته منه.. ومحبة الله له رحمته وَإِرَادَتُهُ الْجَمِيلَ لَهُ.. وَتَكُونُ بِمَعْنَى مَدْحِهِ وَثَنَائِهِ عَلَيْهِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ «5» : فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ والإرادة والمدح كان
مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ.. وَسَيَأْتِي بَعْدُ فِي ذِكْرِ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ غَيْرُ هَذَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى. عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ «1» فِي حَدِيثِهِ فِي مَوْعِظَةِ «2» النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ.. عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ «3» .. وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ..» زَادَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «4» بِمَعْنَاهُ «وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النار «5» » .
وَفِي حَدِيثِ «1» أَبِي رَافِعٍ «2» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَلْفَيَنَّ «3» أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا «4» عَلَى أَرِيكَتِهِ «5» يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي.. مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ» .. وَفِي حَدِيثِ «6» عَائِشَةَ «7» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا تَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ.. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ قَوْمٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ.. فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً..» وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «8» أنه قال: «الْقُرْآنَ صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ.. وَهُوَ الْحَكَمُ «9» فَمَنِ اسْتَمْسَكَ بِحَدِيثِي وَفَهِمَهُ وَحَفِظَهُ جَاءَ مَعَ الْقُرْآنِ «10» .. وَمَنْ تَهَاوَنَ بِالْقُرْآنِ وَحَدِيثِي خَسِرَ
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ.. أُمِرَتْ أُمَّتِي أَنْ يَأْخُذُوا بِقَوْلِي، وَيُطِيعُوا أَمْرِي، وَيَتَّبِعُوا سُنَّتِي.. فَمَنْ رَضِيَ بِقَوْلِي فَقَدْ رَضِيَ بِالْقُرْآنِ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ» «1» الْآيَةَ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «مَنِ اقْتَدَى بِي فَهُوَ مِنِّي وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» وَعَنْ «3» أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا «4» » . وَعَنْ «5» عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ فَمَا سِوَى «6» ذلك فهو فضل «7»
آيَةٌ مُحْكَمَةٌ «1» . أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ «2» .. أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ «3» » . وَعَنِ الْحَسَنِ» بْنِ أَبِي الْحَسَنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» : «عَمَلٌ قَلِيلٌ فِي سُنَّةٍ، خَيْرٌ مِنْ عَمَلٍ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ» وَقَالَ «6» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُدْخِلُ الْعَبْدَ الْجَنَّةَ بِالسُّنَّةِ تَمَسَّكَ «7» بِهَا» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «8» : «الْمُتَمَسِّكُ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي له أجر مئة شَهِيدٍ» . وَقَالَ «9» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقُوا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً «10» وَإِنَّ أُمَّتِي تَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي «11» أَنَا عَلَيْهِ اليوم وأصحابي.»
وَعَنْ أَنَسٍ «1» قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : مَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحْيَانِي وَمَنْ أَحْيَانِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ» . وَعَنْ عَمْرِو «3» بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «4» لِبِلَالِ «5» بْنِ الْحَارِثِ: «مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي فَإِنَّ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ بِهَا من غير أن ينقص ذلك مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا.. وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً ضَلَالَةً لَا تُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ.. كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ من أوزار الناس شيئا.»
الفصل الرابع ما ورد عن السلف والأئمة من اتباع سنته والاقتداء بهديه وسيرته
الفصل الرابع مَا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنِ اتِّبَاعِ سنته والاقتداء بهديه وسيرته عَنْ رَجُلٍ «1» مِنْ آلِ خَالِدِ «2» بْنِ أَسِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ «3» بْنَ عُمَرَ فَقَالَ «4» : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ «5» .. إِنَّا نَجِدُ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَصَلَاةَ الْحَضَرِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا نَجِدُ صلاة السفر!!!. فقال ابن عمر «6» رضي الله عنهما.. يَا ابْنَ أَخِي.. إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَعْلَمُ شيئا وإنما نفعل كما رأيناه يفعل..
وَقَالَ عُمَرُ «1» بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُلَاةُ الْأَمْرِ بَعْدَهُ سُنَنًا.. الْأَخْذُ بِهَا تَصْدِيقٌ بِكِتَابِ اللَّهِ واستعمال لطاعة اللَّهِ.. وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ تَغْيِيرُهَا، وَلَا تَبْدِيلُهَا، وَلَا النَّظَرُ فِي رَأْيِ مَنْ خَالَفَهَا.. مَنِ اقْتَدَى بِهَا فَهُوَ مُهْتَدٍ.. وَمَنِ انْتَصَرَ بِهَا مَنْصُورٌ.. وَمَنْ خَالَفَهَا وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى.. وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا» «2» . وَقَالَ «3» الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ «4» «عَمَلٌ قَلِيلٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ عَمَلٍ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ» . وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ «5» : بَلَغَنَا عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ «6» قالوا: «الاعتصام بالسنّة نجاة» «7» ..
وكتب عمر «1» بن الخطاب رضي الله عنه إِلَى عُمَّالِهِ «2» بِتَعَلُّمِ السُّنَّةِ «3» وَالْفَرَائِضِ «4» وَاللَّحْنِ «5» - أَيِ اللُّغَةِ «6» - وَقَالَ» : إِنَّ نَاسًا يُجَادِلُونَكُمْ- يَعْنِي بِالْقُرْآنِ- فَخُذُوهُمْ «8» بِالسُّنَنِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ. وَفِي خَبَرِهِ «9» حِينَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ «10» رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ: أَصْنَعُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ. وَعَنْ عَلِيٍّ «11» حين قرن «12» فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ «13» : تَرَى أَنِّي أَنْهَى النَّاسَ عَنْهُ وَتَفْعَلُهُ؟ .. قَالَ: لَمْ أَكُنْ أَدَعُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ «14» . وَعَنْهُ «15» أَلَا إِنِّي لَسْتُ بنبي ولا يوحى إلي، ولكني أعمل
بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْتَطَعْتُ. وَكَانَ ابْنُ «1» مَسْعُودٍ يَقُولُ «2» : الْقَصْدُ فِي السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْبِدْعَةِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «3» : صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ.. مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ «4» . وَقَالَ «5» أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ «6» : عَلَيْكُمْ بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ.. فَإِنَّهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ عَبْدٍ عَلَى السَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ ذَكَرَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ حشية رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ أَبَدًا، وَمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ عَبْدٍ عَلَى السَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ ذَكَرَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ فَاقْشَعَرَّ «7» جِلْدُهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ إلا كان كَمَثَلِ شَجَرَةٍ قَدْ يَبِسَ وَرَقُهَا فَهِيَ كَذَلِكَ إذ أصابتها ريح شديدة فتحاتّ «8» عنها ورقها الاحطّ عنه خطاياه كما تحاتّ عن
الشَّجَرَةِ وَرَقُهَا. فَإِنَّ اقْتِصَادًا فِي سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ خير من اجتهاد في خلاف سبيل الله وَسُنَّةٍ وَمُوَافَقَةِ بِدْعَةٍ.. وَانْظُرُوا أَنْ يَكُونَ عَمَلُكُمْ- إن كان اجتهادا أو اقتصادا- أَنْ يَكُونَ عَلَى مِنْهَاجِ الْأَنْبِيَاءِ وَسُنَّتِهِمْ. وَكَتَبَ بَعْضُ عُمَّالِ عُمَرَ بْنِ «1» عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عُمَرَ بِحَالِ بَلَدِهِ «2» وَكَثْرَةِ لُصُوصِهِ.. هَلْ يَأْخُذُهُمْ «3» بِالظِّنَّةِ «4» أَوْ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْبَيِّنَةِ وَمَا جَرَتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ؟. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ.. خُذْهُمْ بِالْبَيِّنَةِ وَمَا جَرَتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ فَإِنْ لَمْ يُصْلِحْهُمُ الْحَقُّ فَلَا أَصْلَحَهُمُ اللَّهُ. وَعَنْ عَطَاءٍ «5» فِي قَوْلِهِ «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول» «6» أَيْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ «7» : «لَيْسَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلا
اتِّبَاعُهَا «1» وَقَالَ «2» عُمَرُ «3» وَنَظَرَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: إِنَّكَ حَجَرٌ لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ.. وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقبلك ما قبلتك ثم قبله. ورؤي عَبْدُ اللَّهِ «4» بْنُ عُمَرَ يُدِيرُ نَاقَتَهُ فِي مَكَانٍ فَسُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ «5» : لَا أَدْرِي إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ فَفَعَلْتُهُ.. وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ «6» الْحِيرِيُّ: «مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ» . وَقَالَ سَهْلٌ «7» التُّسْتَرِيُّ: «أُصُولُ مَذْهَبِنَا ثَلَاثَةٌ: - الِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْأَفْعَالِ. - وَالْأَكْلِ مِنَ الْحَلَالِ. - وَإِخْلَاصِ النية في جميع الأعمال «8» » .
وَجَاءَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى «وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» » إِنَّهُ الِاقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحُكِيَ عَنْ «2» أَحْمَدَ «3» بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: «كُنْتُ يَوْمًا مَعَ جَمَاعَةٍ تَجَرَّدُوا وَدَخَلُوا الْمَاءَ.. فَاسْتَعْمَلْتُ الْحَدِيثَ «4» : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ «5» .. وَلَمْ أَتَجَرَّدْ. فَرَأَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَائِلًا لِي يَا أَحْمَدُ.. أَبْشِرْ «6» فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ بِاسْتِعْمَالِكَ السُّنَّةَ، وَجَعَلَكَ إِمَامًا يُقْتَدَى بِكَ.. قُلْتُ من أنت؟ قال جبريل» .
الفصل الخامس حظر مخالفة أمره
الفصل الخامس حظر مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ وَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِ وَتَبْدِيلُ سُنَّتِهِ ضَلَالٌ وبدعة متوعّد من الله عليه بالخذلان والعذاب. قال الله تعالى: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ «1» أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» «2» . وَقَالَ «وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى..» «3» الاية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «4» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم «5» : خرج إلى المقبرة
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي صِفَةِ «1» أُمَّتِهِ وَفِيهِ- «فَلَيُذَادَنَّ «2» رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ فأناديهم: ألا هلمّ، أَلَّا هَلُمَّ، أَلَّا هَلُمَّ «3» ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بدلوا بعدك «4» .. فأقول: فَسُحْقًا «5» فَسُحْقًا» وَرَوَى أَنَسٌ «6» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال «7» : «فمن رَغِبَ «8» عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي..» وَقَالَ «9» «مَنْ أَدْخَلَ «10» فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ «11» » . وَرَوَى ابْنُ أَبِي «12» رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ «13» عن «14» النبي صلى الله عليه وسلم
قال «1» «لا ألقينّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ الله اتبعناه..» زاد «2» في الحديث المقدام «3» أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ «4» . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» وَجِيءَ بِكِتَابٍ فِي كَتِفٍ «6» «كَفَى بِقَوْمٍ حُمْقًا أَوْ قَالَ- ضَلَالًا «7» - أَنْ يَرْغَبُوا عَمَّا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهُمْ أَوْ كِتَابٍ غَيْرِ كِتَابِهِمْ.. فَنَزَلَتْ «أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ» » الاية.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ «2» .» وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ «3» الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «4» : لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ.. إِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أمره أن أزيغ «5» .
الباب الثاني في لزوم محبته صلى الله عليه وسلم وفيه ستة فصول
الْبَابُ الثَّانِي فِي لُزُومِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وفيه ستّة فصول
الفصل الأول لزوم محبته صلى الله عليه وسلم
الفصل الأوّل لُزُومِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها.» «1» الْآيَةَ فَكَفَى بِهَذَا حَضًّا وَتَنْبِيهًا وَدَلَالَةً وَحُجَّةً على التزام مَحَبَّتِهِ وَوُجُوبِ فَرْضِهَا، وَعِظَمِ خَطَرِهَا، وَاسْتِحْقَاقِهِ لَهَا صلّى الله عليه وسلم، إذ قرّع الله تَعَالَى مَنْ كَانَ مَالُهُ وَأَهْلُهُ وَوَلَدُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَوْعَدَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى «فتربصوا حتّى يأتي الله بأمره» ثُمَّ فَسَّقَهُمْ بِتَمَامِ الْآيَةِ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ مِمَّنْ ضل ولم يهده الله. عَنْ أَنَسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلم قال «3» :
«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ «1» حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» . وَعَنْ أَبِي هريرة «2» رضي الله عنه: نَحْوَهُ «3» . وَعَنْ أَنَسٍ «4» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» : «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: - أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا «6» سِوَاهُمَا. - وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ. - وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ وَعَنْ عُمَرَ «7» بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «8» : أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ.. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ يُؤْمِنَ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ.. فَقَالَ عُمَرُ: وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ.. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآنَ يا عمر» .
قَالَ سَهْلٌ «1» : مَنْ لَمْ يَرَ وِلَايَةَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَيَرَى نَفْسَهُ فِي مِلْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَذُوقُ حَلَاوَةَ سُنَّتِهِ.. لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أحب اليه من نفسه..» الحديث
الفصل الثاني ثواب محبته صلى الله عليه وسلم
الفصل الثّاني ثواب محبّته صلّى الله عليه وسلّم عَنْ أَنَسٍ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ «2» رَجُلًا «3» أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ .. قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ .. قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ.. وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.. قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أحببت «4» » .
وَعَنْ صَفْوَانَ «1» بْنِ قُدَامَةَ: هَاجَرْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ.. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.. نَاوِلْنِي يَدَكَ أُبَايِعْكَ.. فَنَاوَلَنِي يَدَهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّكَ.. قَالَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ «2» .» وَرَوَى هَذَا اللَّفْظَ «3» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ «4» بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى «5» وَأَنَسٌ «6» .. وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ «7» بِمَعْنَاهُ. وَعَنْ عَلِيٍّ «8» : «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ فَقَالَ «9» مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة «10» ..»
وَرُوِيَ» أَنَّ رَجُلًا «2» «أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي.. وَإِنِّي لَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى أَجِيءَ فَأَنْظُرَ إِلَيْكَ.. وَإِنِّي ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ فَعَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَإِنْ دَخَلْتُهَا لَا أَرَاكَ.. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى» وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رفيقا» «3» .. فَدَعَا بِهِ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «4» «كَانَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ لَا يَطْرِفُ فَقَالَ: مَا بالك؟ قال «5» : بأبي أنت وَأُمِّي أَتَمَتَّعُ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْكَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رَفَعَكَ اللَّهُ بِتَفْضِيلِهِ..» فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ «6» .. وَفِي حَدِيثِ «7» أَنَسٍ «8» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «من أحبني كان معي في الجنة..»
الفصل الثالث ما روي عن السلف والأئمة من محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وشوقهم له
الفصل الثالث ما رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم وشوقهم له عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رسول الله قَالَ «2» : «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي.. يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وماله..» ومثله عن أبي ذر «3» . وتقدم حَدِيثُ عُمَرَ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي» وَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الصَّحَابَةِ «5» فِي مِثْلِهِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «6» رَضِيَ اللَّهُ عنه «ما كان
أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» » وَعَنْ عَبْدَةَ «2» بِنْتِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَتْ: مَا كَانَ خَالِدٌ «3» يَأْوِي إلى فراش إلا، هو يَذْكُرُ مِنْ شَوْقِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ يُسَمِّيهِمْ وَيَقُولُ: هُمْ أَصْلِي «4» وَفَصْلِي وَإِلَيْهِمْ يحن قلبي.. طال شوقي إليهم.. فعجل رب اقبضي إِلَيْكَ.. حَتَّى يَغْلِبَهُ النَّوْمُ..» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَإِسْلَامُ أَبِي طَالِبٍ كَانَ أَقَرَّ «7» لِعَيْنِي مِنْ إسلامه
- يَعْنِي أَبَاهُ أَبَا قُحَافَةَ «1» - وَذَلِكَ أَنَّ إِسْلَامَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ أَقَرَّ لِعَيْنِكَ.. وَنَحْوَهُ «2» عَنْ عمر «3» بن الخطاب قال للعباس «4» : أن تسلم أحب إلي أَنْ يُسْلِمَ الْخَطَّابُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحَبُّ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن ابن إسحق «5» أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ «6» قُتِلَ أَبُوهَا وَأَخُوهَا وَزَوْجُهَا يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. قَالُوا: خَيْرًا هُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ كَمَا تُحِبِّينَ.. قَالَتْ: أَرِنِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ.. فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ «7» جَلَلٌ «8» . وَسُئِلَ «9» عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب «10» رضي الله عنه.. كيف كان
حُبُّكُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. قَالَ: كَانَ وَاللَّهِ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ أَمْوَالِنَا وَأَوْلَادِنَا وَآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الظَّمَإِ.. وَعَنْ «1» زَيْدِ» بْنِ أَسْلَمَ خَرَجَ عُمَرُ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً يَحْرُسُ النَّاسَ «4» فَرَأَى مصباحا في بيت عَجُوزٌ «5» تَنْفُشُ صُوفًا وَتَقُولُ «6» عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَاةُ الْأَبْرَارْ ... صَلَّى عَلَيْهِ الطَّيِّبُونَ الْأَخْيَارْ قَدْ كُنْتَ قَوَّامًا بُكًا «7» بِالْأَسْحَارْ ... يَا لَيْتَ شِعْرِي «8» وَالْمَنَايَا أَطْوَارْ «9» هَلْ تَجْمَعُنِي وَحَبِيبِيَ الدَّارْ !! تَعْنِي- النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ عُمَرُ «10» رَضِيَ الله عنه يبكي وفي الحكاية طول «11» ..
وَرُوِيَ «1» : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ «2» بْنَ عُمَرَ خَدِرَتْ «3» رِجْلُهُ.. فَقِيلَ لَهُ: اذْكُرْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْكَ يَزُلْ عَنْكَ.. فَصَاحَ يَا مُحَمَّدَاهْ فَانْتَشَرَتْ «4» . وَلَمَّا احْتُضِرَ «5» بِلَالٌ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَادَتِ امْرَأَتُهُ «7» : وَاحُزْنَاهْ.. فَقَالَ: وَاطَرَبَاهْ.. غَدًا أَلْقَى الْأَحِبَّهْ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهْ «8» . وَيُرْوَى «9» أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ «10» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: اكْشِفِي لِي قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَكَشَفَتْهُ لَهَا فَبَكَتْ حَتَّى مَاتَتْ.. وَلَمَّا أَخْرَجَ «11» أَهْلُ مَكَّةَ زَيْدَ «12» بن الدّثنّة من الحرم ليقتلوه.
قال له أبو سفيان «1» ابن حَرْبٍ: أَنْشُدُكَ «2» اللَّهَ يَا زَيْدُ «3» .. أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا الْآنَ عِنْدَنَا مَكَانَكَ يُضْرَبُ عُنُقُهُ وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ.. فَقَالَ زَيْدٌ «3» : وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا الْآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ وَإِنِّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا. وَعَنِ «4» ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَتِ الْمَرْأَةُ «5» إِذَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّفَهَا بِاللَّهِ مَا خَرَجَتْ مِنْ بُغْضِ زَوْجٍ وَلَا رَغْبَةً بِأَرْضٍ عَنْ أَرْضٍ، وَمَا خَرَجَتْ إِلَّا حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. وَوَقَفَ ابْنُ عُمَرَ «6» عَلَى ابْنِ الزبير «7» رضي الله عنهما بعد قتله
فاستغفر له وقال «1» كنت والله فيما «2» علمت- صواما قواما تحب الله ورسوله «3» .
الفصل الرابع علامة محبته صلى الله عليه وسلم
الفصل الرابع عَلَامَةِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا آثَرَهُ وَآثَرَ مُوَافَقَتَهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ صَادِقًا فِي حُبِّهِ، وَكَانَ مُدَّعِيًا» .. فَالصَّادِقُ فِي حُبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَظْهَرُ عَلَامَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِ.. 1- وَأَوَّلُهَا الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَاسْتِعْمَالُ سُنَّتِهِ وَاتِّبَاعُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَامْتِثَالُ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ وَالتَّأَدُّبُ «2» بِآدَابِهِ فِي عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ وَمَنْشَطِهِ «3» وَمَكْرَهِهِ وَشَاهِدُ هَذَا قوله تعالى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» «4» .
2- وَإِيثَارُ مَا شَرَعَهُ وَحَضَّ عَلَيْهِ عَلَى هَوَى نَفْسِهِ وَمُوَافَقَةِ شَهْوَتِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ «1» مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ» «2» . 3- وإسخاط العباد في رضا الله تعالى. قَالَ أَنَسُ «3» بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «4» : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بُنَيَّ إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ» .. ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا بُنَيَّ وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي.. وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ» . فَمَنِ اتَّصَفَ لهذه الصفة فهو كامل المحبة لله وَمَنْ خَالَفَهَا فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَهُوَ نَاقِصُ الْمُحَبَّةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنِ اسْمِهَا. وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» : لِلَّذِي «6» حَدَّهُ في الخمر فلعنه بعضهم «7»
وَقَالَ: مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ!! .. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ «1» » . 4- وَمِنْ عَلَامَاتِ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثْرَةُ ذِكْرِهِ له «2» .. فمن أحب شيئا أكثر من ذِكْرَهُ.. 5- وَمِنْهَا كَثْرَةُ شَوْقِهِ إِلَى لِقَائِهِ.. فَكُلُّ حَبِيبٍ يُحِبُّ لِقَاءَ حَبِيبِهِ «3» . وَفِي حَدِيثِ الْأَشْعَرِيِّينَ «4» عِنْدَ قُدُومِهِمُ الْمَدِينَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْتَجِزُونَ (غَدًا نَلْقَى الْأَحِبَّةْ مُحَمَّدًا وَصَحْبَهْ) وَتَقَدَّمَ قَوْلُ بِلَالٍ «5» . ومثله قال عمار «6» قبل قتله «7» ..
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قِصَّةِ خَالِدِ «1» بْنِ مَعْدَانَ. 6- وَمِنْ عَلَامَاتِهِ مَعَ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ تَعْظِيمُهُ لَهُ وَتَوْقِيرُهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ، وَإِظْهَارُ الْخُشُوعِ وَالِانْكِسَارِ مَعَ سماع اسمه. وقال إسحق «2» التُّجِيبِيُّ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ لَا يَذْكُرُونَهُ إِلَّا خَشَعُوا وَاقْشَعَرَّتْ جُلُودُهُمْ وَبَكَوْا.. وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَحَبَّةً لَهُ وَشَوْقًا إِلَيْهِ.. وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُهُ تَهَيُّبًا وَتَوْقِيرًا. 7- وَمِنْهَا مَحَبَّتُهُ لِمَنْ أَحَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ هُوَ بِسَبَبِهِ مِنْ آلِ بَيْتِهِ وَصَحَابَتِهِ «3» مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.. وَعَدَاوَةُ مَنْ عَادَاهُمْ وَبُغْضُ مَنْ أَبْغَضَهُمْ وَسَبَّهُمْ.. فَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَحَبَّ من يحب.. وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ «4» : «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا» وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْحَسَنِ «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ» .
وَقَالَ: «مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي. وَمَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ. وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي، وَمَنْ أَبْغَضَنِي فَقَدْ أَبْغَضَ اللَّهَ.» وَقَالَ «1» : «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي.. لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا «2» بَعْدِي فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني.. ومن آذاني فَقَدْ آذَى اللَّهَ.. وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ «3» » . وَقَالَ «4» فِي فَاطِمَةَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «إِنَّهَا بَضْعَةٌ مِنِّي، يُغْضِبُنِي مَا أَغْضَبَهَا» . وَقَالَ «6» لِعَائِشَةَ «7» فِي أُسَامَةَ «8» بْنِ زَيْدٍ: «أَحِبِّيهِ فَإِنِّي أُحِبُّهُ.» وَقَالَ «9» : «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُهُمْ» . وَفِي حَدِيثِ «10» ابْنِ عُمَرَ: 1» «من أحب العرب فبحبي أحبهم ومن
أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ «فَبِالْحَقِيقَةِ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَحَبَّ كُلَّ شَيْءٍ يُحِبُّهُ، وَهَذِهِ سِيرَةُ السَّلَفِ حَتَّى فِي الْمُبَاحَاتِ وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ. وَقَدْ قَالَ أَنَسٌ «1» حِينَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ «2» مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ «3» .. «فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ «4» » . وَهَذَا الْحَسَنُ بْنُ «5» عَلِيٍّ، وَعَبْدُ اللَّهِ «6» بْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ «7» جَعْفَرٍ أَتَوْا سَلْمَى «8» وَسَأَلُوهَا أَنْ تَصْنَعَ لَهُمْ طعاما مما كان يعجب رسول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ «2» يَلْبَسُ النِّعَالَ «3» السَّبْتِيَّةَ «4» وَيَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ «5» إِذْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ نَحْوَ ذَلِكَ. 6- وَمِنْهَا بُغْضُ مَنْ أَبْغَضَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُ وَمُجَانَبَةُ مَنْ خَالَفَ سُنَّتَهُ وَابْتَدَعَ فِي دِينِهِ، وَاسْتِثْقَالَهُ كُلَّ أَمْرٍ «6» يخالف شريعته قال تَعَالَى: «لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..» «7» وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَتَلُوا «8» أَحِبَّاءَهُمْ وَقَاتَلُوا آبَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ «9» ..
وَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ «1» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: «لَوْ شِئْتَ لَأَتَيْتُكَ بِرَأْسِهِ» - يَعْنِي أَبَاهُ «2» - 8- وَمِنْهَا أَنْ يُحِبَّ الْقُرْآنَ الَّذِي أَتَى بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَدَى بِهِ وَاهْتَدَى وَتَخَلَّقَ بِهِ.. حَتَّى قَالَتْ عَائِشَةُ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ خَلْقُهُ الْقُرْآنُ «4» » . - وَحُبُّهُ لِلْقُرْآنِ تِلَاوَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ وَتَفَهُّمُهُ وَيُحِبُّ سُنَّتَهُ وَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهَا. قَالَ سَهْلُ «5» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَامَةُ حُبِّ اللَّهِ: «حُبُّ الْقُرْآنِ.. وَعَلَامَةُ حُبِّ الْقُرْآنِ حُبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،.. وَعَلَامَةُ حُبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبُّ السُّنَّةِ.. وَعَلَامَةُ حُبِّ السُّنَّةِ حُبُّ الْآخِرَةِ.. وَعَلَامَةُ حُبِّ الْآخِرَةِ بُغْضُ الدُّنْيَا.. وَعَلَامَةُ بُغْضِ الدنيا ألا يدّخر منها إلا زادا «6»
وَبُلْغَةً إِلَى الْآخِرَةِ» وَقَالَ «1» ابْنُ مَسْعُودٍ «2» : «لَا يَسْأَلُ أَحَدٌ عَنْ نَفْسِهِ إِلَّا الْقُرْآنَ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآنَ فَهُوَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . وَمِنْ عَلَامَاتِ حُبِّهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 9- شَفَقَتُهُ عَلَى أُمَّتِهِ وَنُصْحُهُ لَهُمْ وَسَعْيُهُ فِي مَصَالِحِهِمْ وَرَفْعُ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ، كَمَا كَانَ صلّى الله عليه وسلم عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفا رَحِيمًا.. وَمِنْ عَلَامَةِ تَمَامِ مَحَبَّتِهِ: 10- زُهْدُ مُدَّعِيهَا في الدنيا وإيثاره الفقر واتصافه به «3» . وقد قال صلّى الله عليه وسلم «4» لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «5» : «إِنَّ الْفَقْرَ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنْكُمْ أَسْرَعُ مِنَ السَّيْلِ «6» مِنْ أَعْلَى الْوَادِي «7» - أَوِ الْجَبَلِ إِلَى أَسْفَلِهِ» وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ «8» . قَالَ رَجُلٌ» لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّكَ.. فَقَالَ: انْظُرْ مَا تَقُولُ.. قَالَ:
وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّكَ- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا «1» ثُمَّ ذَكَرَ نحو حديث «2» أبي سعيد «3» بمعناه.
الفصل الخامس معنى المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم وحقيقتها
الفصل الخامس مَعْنَى الْمَحَبَّةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَقِيقَتِهَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَثُرَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَتْ تَرْجِعُ بِالْحَقِيقَةِ «1» إِلَى اخْتِلَافِ مَقَالٍ، وَلَكِنَّهَا اخْتِلَافُ أَحْوَالٍ «2» . فَقَالَ سُفْيَانُ «3» : «الْمَحَبَّةُ اتِّبَاعُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .. كَأَنَّهُ الْتَفَتَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي» «4» الْآيَةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «مَحَبَّةُ الرَّسُولِ اعْتِقَادُ نُصْرَتِهِ وَالذَّبُّ «5» عَنْ سُنَّتِهِ، وَالِانْقِيَادُ لَهَا، وَهَيْبَةُ مُخَالَفَتِهِ» .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «الْمَحَبَّةُ دَوَامُ الذِّكْرِ لِلْمَحْبُوبِ» . وَقَالَ آخَرُ: «إِيثَارُ الْمَحْبُوبِ» . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «الْمَحَبَّةُ الشَّوْقُ إِلَى الْمَحْبُوبِ» . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «الْمَحَبَّةُ مُوَاطَأَةُ «1» الْقَلْبِ لِمُرَادِ الرَّبِّ يُحِبُّ مَا أَحَبَّ «2» وَيَكْرَهُ مَا كَرِهَ «3» » . وَقَالَ آخَرُ: «الْمَحَبَّةُ مَيْلُ الْقَلْبِ إِلَى مُوَافِقٍ لَهُ» . وَأَكْثَرُ الْعِبَارَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى ثَمَرَاتِ الْمَحَبَّةِ دُونَ حَقِيقَتِهَا وَحَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ الْمَيْلُ إِلَى مَا يُوَافِقُ الْإِنْسَانَ وَتَكُونُ مُوَافَقَتُهُ لَهُ إما لا ستلذاذه بِإِدْرَاكِهِ كَحُبِّ الصُّوَرِ الْجَمِيلَةِ وَالْأَصْوَاتِ الْحَسَنَةِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ اللَّذِيذَةِ وَأَشْبَاهِهَا مِمَّا كُلُّ طَبْعٍ سَلِيمٍ مائل إليها لموافقتها له ولاستلذاذه بِإِدْرَاكِهِ بِحَاسَّةِ عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ مَعَانِيَ بَاطِنَةً شَرِيفَةً كحب الصالحين والعلماء وأهل المعروف. والمأثور عَنْهُمُ السِّيَرُ الْجَمِيلَةُ وَالْأَفْعَالُ الْحَسَنَةُ.. فَإِنَّ طَبْعَ الإنسان مائل إلى الشغف «4» بأمثال
هَؤُلَاءِ حَتَّى يَبْلُغَ التَّعَصُّبُ بِقَوْمٍ لِقَوْمٍ. وَالتَّشَيُّعُ مِنْ أُمَّةٍ فِي آخَرِينَ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْجَلَاءِ عَنِ الْأَوْطَانِ، وَهَتْكِ «1» الْحُرَمِ، وَاخْتِرَامِ «2» النُّفُوسِ.. أَوْ يَكُونُ حُبُّهُ إِيَّاهُ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ مِنْ جِهَةِ إِحْسَانِهِ لَهُ، وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِ.. فَقَدْ جُبِلَتِ «3» النُّفُوسُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا «4» .. فَإِذَا تقرر لك هذا نظرت لهذه الْأَسْبَابَ كُلَّهَا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلِمْتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَامِعٌ لِهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَحَبَّةِ. أَمَّا جَمَالُ الصُّورَةِ وَالظَّاهِرِ، وَكَمَالُ الْأَخْلَاقِ وَالْبَاطِنِ، فَقَدْ قررنا منها قبل فيما مر من الْكِتَابِ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةٍ.. وَأَمَّا إِحْسَانُهُ وَإِنْعَامُهُ عَلَى أُمَّتِهِ فَكَذَلِكَ قَدْ مَرَّ مِنْهُ فِي أَوْصَافِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ مِنْ رَأْفَتِهِ بِهِمْ، وَرَحْمَتِهِ لَهُمْ، وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ، وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَاسْتِنْقَاذِهِمْ بِهِ مِنَ النَّارِ، «وَأَنَّهُ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ» «5» .. و «رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» «6» ، «وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَداعِياً «7» إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ» «8» ،
«يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ» «1» ، «وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» «2» .. فَأَيُّ إِحْسَانٍ أَجَلُّ قَدْرًا، وَأَعْظَمُ خَطَرًا «3» ، مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ!! وَأَيُّ إِفْضَالٍ أَعَمُّ مَنْفَعَةً وَأَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ إنعامه إلى كَافَّةِ «4» الْمُسْلِمِينَ!!. إِذْ كَانَ ذَرِيعَتَهُمْ «5» إِلَى الْهِدَايَةِ، وَمُنْقِذَهُمْ مِنَ الْعَمَايَةِ «6» ، وَدَاعِيَهَمْ إِلَى الْفَلَاحِ وَالْكَرَامَةِ، وَوَسِيلَتَهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ، وَشَفِيعَهُمْ، وَالْمُتَكَلِّمَ عَنْهُمْ، وَالشَّاهِدَ لَهُمْ، وَالْمُوجِبَ لَهُمُ الْبَقَاءَ الدَّائِمَ وَالنَّعِيمَ السَّرْمَدَ «7» . فَقَدِ اسْتَبَانَ لَكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَوْجِبٌ لِلْمَحَبَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ شَرْعًا بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صَحِيحِ الْآثَارِ، وَعَادَةً وَجِبِلَّةً بِمَا ذَكَرْنَاهُ آنفا «8» لإفاضة الإحسان وعموم الإجمال «9» .
فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ يُحِبُّ مَنْ مَنَحَهُ فِي دُنْيَاهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ مَعْرُوفًا أَوِ اسْتَنْقَذَهُ مِنْ هَلَكَةٍ «1» . أَوْ مَضَرَّةٍ «2» مُدَّةُ، التَّأَذِّي بِهَا قَلِيلٌ مُنْقَطِعٌ.. فَمَنْ مَنَحَهُ مَا لَا يَبِيدُ مِنَ النَّعِيمِ وَوَقَاهُ مَا لَا يَفْنَى مِنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ أَوْلَى بِالْحُبِّ، وَإِذَا كَانَ يُحَبُّ بِالطَّبْعِ مَلِكٌ لِحُسْنِ سِيرَتِهِ، أَوْ حَاكِمٌ لِمَا يُؤْثَرُ مِنْ قِوَامِ طَرِيقَتِهِ، أَوْ قَاصٌّ بَعِيدُ الدار لما يشار مِنْ عِلْمِهِ أَوْ كَرَمِ شِيمَتِهِ، فَمَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْخِصَالَ عَلَى غَايَةِ مَرَاتِبِ الْكَمَالِ أَحَقُّ بِالْحُبِّ وَأَوْلَى بِالْمَيْلِ. وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِفَتِهِ «4» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ.. وَمَنْ خَالَطَهُ معرفة أحبه وذكر عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ «5» أَنَّهُ كَانَ لَا يَصْرِفُ بصره عنه محبّة فيه..
الفصل السادس وجوب مناصحته صلى الله عليه وسلم
الفصل السّادس وُجُوبِ مُنَاصَحَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَلا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» «1» . قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: «إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» .. إِذَا كَانُوا مُخْلِصِينَ مُسْلِمِينَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ.. عَنْ تَمِيمٍ «2» الدَّارِيِّ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم «إن الدين «3»
النصحية، إِنَّ الدِّينَ «1» النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ.. قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.» قَالَ أَئِمَّتُنَا «2» : «النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ وَاجِبَةٌ «3» » . قَالَ الإمام أبو «4» سُلَيْمَانُ الْبُسْتِيُّ: «النَّصِيحَةُ» كَلِمَةٌ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جُمْلَةِ إِرَادَةِ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ، وَلَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَحْصُرُهَا.. وَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ «الْإِخْلَاصُ» مِنْ قَوْلِهِمْ (نَصَحْتُ الْعَسَلَ) إِذَا خَلَّصْتُهُ مِنْ شَمْعِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بن اسحق «5» الخفّاف: «النصح» فعل الشيء
الَّذِي بِهِ الصَّلَاحُ وَالْمُلَاءَمَةُ مَأْخُوذٌ مِنَ «النِّصَاحِ» «1» : وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُخَاطُ بِهِ الثَّوْبُ. وَقَالَ أبو إسحق «2» الزَّجَّاجُ نَحْوَهُ.. 1- فَنَصِيحَةُ اللَّهِ تَعَالَى صِحَّةُ الِاعْتِقَادِ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَوَصْفُهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ.. وَتَنْزِيهُهُ عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ.. وَالرَّغْبَةُ فِي مَحَابِّهِ «3» ، وَالْبُعْدُ مِنْ مَسَاخِطِهِ، وَالْإِخْلَاصُ فِي عِبَادَتِهِ.. 2- وَالنَّصِيحَةُ لِكِتَابِهِ الْإِيمَانُ بِهِ، وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ وَتَحْسِينُ تلاوته.. والتخشع عنده.. والتعظم لَهُ، وَتَفَهُّمُهُ، وَالتَّفَقُّهُ فِيهِ.. وَالذَّبُّ عَنْهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْغَالِينَ «4» .. وَطَعْنِ الْمُلْحِدِينَ. 3- وَالنَّصِيحَةُ لِرَسُولِهِ، التَّصْدِيقُ بِنُبُوَّتِهِ، وَبِذْلُ الطَّاعَةِ لَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ ونهى عنه.. قال أبو سليمان «5» وقال أبو بكر «6» وموازرته «7» ونصرته
وَحِمَايَتُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَإِحْيَاءُ سُنَّتِهِ بِالطَّلَبِ، وَالذَّبِّ عَنْهَا وَنَشْرِهَا، وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِ الْكَرِيمَةِ، وَآدَابِهِ الْجَمِيلَةِ. وقال أبو إبراهيم إسحق «1» النجيبي: «نَصِيحَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التصديق بما جاء به والاعتصام بسنتا وَنَشَرِهَا وَالْحَضُّ عَلَيْهَا، وَالدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى كِتَابِهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ، وَإِلَيْهَا. وَإِلَى الْعَمَلِ بِهَا» . قال أَحْمَدُ «2» بْنُ مُحَمَّدٍ: «مِنْ مَفْرُوضَاتِ الْقُلُوبِ اعْتِقَادُ النَّصِيحَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ «3» وَغَيْرُهُ «النُّصْحُ لَهُ يَقْتَضِي نُصْحَيْنِ. نُصْحًا فِي حَيَاتِهِ. وَنُصْحًا بَعْدَ مماته. أ- فَفِي حَيَاتِهِ.. نُصْحُ أَصْحَابِهِ لَهُ بِالنَّصْرِ، وَالْمُحَامَاةِ عَنْهُ، وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ.. وَبَذْلِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ دُونَهُ.. كَمَا قَالَ تَعَالَى «رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ» «4» الاية.
وقال: «وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» «1» الاية. ب- وَأَمَّا نَصِيحَةُ الْمُسْلِمِينَ لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَالْتِزَامُ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ، وَشِدَّةُ الْمَحَبَّةِ لَهُ، وَالْمُثَابَرَةُ عَلَى تَعَلُّمِ سُنَّتِهِ، وَالتَّفَقُّهُ فِي شَرِيعَتِهِ، وَمَحَبَّةُ آلِ بَيْتِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمُجَانَبَةُ مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِ وَانْحَرَفَ عَنْهَا، وَبُغْضُهُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُ وَالشَّفَقَةُ عَلَى أُمَّتِهِ، وَالْبَحْثُ عَنْ تَعَرُّفِ أَخْلَاقِهِ وَسِيَرِهِ وَآدَابِهِ.. وَالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ. فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ، تَكُونُ النَّصِيحَةُ إِحْدَى ثَمَرَاتِ الْمَحَبَّةِ، وَعَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِهَا كما قدمناه.. وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ «2» الْقُشَيْرِيُّ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ اللَّيْثِ «3» أَحَدَ مُلُوكِ خُرَاسَانَ وَمَشَاهِيرِ الثُّوَّارِ المعروف بالصفّار «4» رؤي في
النَّوْمِ «1» ، فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟!. فَقَالَ: غَفَرَ لِي فَقِيلَ: بِمَاذَا؟ .. قَالَ: صَعِدْتُ «2» ذُرْوَةَ جَبَلٍ يَوْمًا فَأَشْرَفْتُ عَلَى جُنُودِي فَأَعْجَبَتْنِي كَثْرَتُهُمْ فَتَمَنَّيْتُ أَنِّي حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعَنْتُهُ وَنَصَرْتُهُ.. فَشَكَرَ اللَّهُ لِي ذَلِكَ وَغَفَرَ لِي. 4- وَأَمَّا النُّصْحُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَطَاعَتُهُمْ فِي الْحَقِّ وَمَعُونَتُهُمْ فِيهِ وَأَمْرُهُمْ بِهِ، وَتَذْكِيرُهُمْ إِيَّاهُ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ، وَتَنْبِيهُهُمْ على ما غفلوا عنه وكتم عنه مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرْكُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَتَضْرِيبِ «3» النَّاسِ وَإِفْسَادِ قُلُوبِهِمْ عَلَيْهِمْ.. 5- وَالنُّصْحُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، إِرْشَادُهُمْ إِلَى مَصَالِحِهِمْ، وَمَعُونَتُهُمْ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَتَنْبِيهُ غَافِلِهِمْ، وَتَبْصِيرُ جَاهِلِهِمْ، وَرَفْدُ «4» مُحْتَاجِهِمْ، وَسَتْرُ عَوْرَاتِهِمْ، وَدَفْعُ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ، وجلب المنافع إليهم..
الباب الثالث في تعظيم أمره ووجوب توقيره وبره وفيه سبعة فصول
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ وبرّه وفيه سبعة فصول
الفصل الأول ما ورد في ذلك
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ قَالَ الله تَعَالَى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ» «1» . وقال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» «2» و «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» الثلاث آيات. وَقَالَ تَعَالَى: «لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً» » فأوجب تعالى تعزيره وتوقيره.. وألزم إكرامه وتعظيمه
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «1» : «تُعَزِّرُوهُ» تُجِلُّوهُ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ «2» : «تُعَزِّرُوهُ» تُبَالِغُوا فِي تَعْظِيمِهِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ «3» : تَنْصُرُونَهُ. وقال الطبري «4» : تعينونه. وقرىء «5» : «تعزّزوه» بزائين مِنَ الْعِزِّ وَنُهِيَ عَنِ التَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْقَوْلِ وَسُوءِ الْأَدَبِ بِسَبْقِهِ بِالْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ ابن عباس «1» وغيره وهو اختيار ثعلب «6» .
قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «1» : لَا تَقُولُوا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ.. وَإِذَا قَالَ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأنصتوا.. ونهوا عن التقدم والنعجل بِقَضَاءِ أَمْرٍ قَبْلَ قَضَائِهِ فِيهِ، وَأَنْ يَفْتَاتُوا «2» بِشَيْءٍ فِي ذَلِكَ مِنْ قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ من أمر دينهم إلا بأمره، وَلَا يَسْبِقُوهُ بِهِ وَإِلَى هَذَا يَرْجِعُ قَوْلُ الحسن «3» مجاهد «4» وَالضَّحَّاكِ «5» وَالسُّدِّيِّ «6» وَالثَّوْرِيِّ «7» ثُمَّ وَعَظَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ مُخَالَفَةَ ذَلِكَ فَقَالَ «وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» «8» قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ «9» «اتَّقُوهُ» يَعْنِي فِي التَّقَدُّمِ. وَقَالَ السُّلَمِيُّ «10» : «اتَّقُوا اللَّهَ» فِي إِهْمَالِ حَقِّهِ، وَتَضْيِيعِ حُرْمَتِهِ، إِنَّهُ سُمَيْعٌ لِقَوْلِكُمْ عَلِيمٌ بِفِعْلِكُمْ ثُمَّ نَهَاهُمْ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ وَالْجَهْرِ لَهُ بِالْقَوْلِ كَمَا يَجْهَرُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ.. وَقِيلَ كَمَا يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِاسْمِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ «1» : أَيْ لَا تُسَابِقُوهُ بِالْكَلَامِ وَتُغْلِظُوا لَهُ بِالْخِطَابِ، وَلَا تُنَادُوهُ بِاسْمِهِ نِدَاءَ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ، وَلَكِنْ عَظِّمُوهُ وَوَقِّرُوهُ وَنَادُوهُ بِأَشْرَفِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُنَادَى بِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: «لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً» «2» وعلى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ لَا تُخَاطِبُوهُ إِلَّا مُسْتَفْهِمِينَ «3» ، ثُمَّ خَوَّفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِحَبْطِ أَعْمَالِهِمْ ان هم فعلوا ذلك.. وحذرهم منه. قيل: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ «4» . وَقِيلَ: فِي غَيْرِهِمْ.. أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَوْهُ.. يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ. اخْرُجْ إِلَيْنَا. فَذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْجَهْلِ، وَوَصَفَهُمْ بِأَنَّ أكثرهم لا يعقلون.
وَقِيلَ: نَزَلَتِ الْآيَةُ الْأُولَى فِي مُحَاوَرَةٍ كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ «1» وَعُمَرَ «2» بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتِلَافٍ جَرَى بَيْنَهُمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا «3» . وَقِيلَ: نَزَلَتْ «4» فِي ثَابِتِ «5» بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ خَطِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُفَاخَرَةِ بَنِي تَمِيمٍ، وَكَانَ فِي أُذُنَيْهِ صَمَمٌ.. فَكَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ. فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَقَامَ فِي مَنْزِلِهِ وَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ حَبِطَ عَمَلُهُ.. ثُمَّ أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نَبِيَّ اللَّهِ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ هَلَكْتُ.. نَهَانَا اللَّهُ أَنْ نَجْهَرَ بِالْقَوْلِ.. وَأَنَا امْرُؤٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا ثَابِتُ.. أَمَّا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا وَتُقْتَلَ شَهِيدًا وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ..» فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ «6» . وَرُوِيَ «7» أَنَّ أَبَا بَكْرٍ «1» لَمَّا نَزَلَتْ هذه الاية قال: والله
يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ بَعْدَهَا إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ «1» .. وَأَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ مَا كَانَ يَسْمَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» «2» وَقِيلَ: نَزَلَتْ «إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ» «3» فِي غَيْرِ بَنِي تَمِيمٍ.. نَادَوْهُ بِاسْمِهِ. وَرَوَى «4» صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ» بَيْنَا «6» النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم في سفر اذ نَادَاهُ أَعْرَابِيٌّ بِصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٌّ أَيَا مُحَمَّدُ، أيا محمد، أيا محمد «7» .. فقلنا لَهُ: اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ فَإِنَّكَ قَدْ نُهِيتَ عن رفع الصوت.. وقال الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا
«1» راعِنا «2» » قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: هِيَ لُغَةٌ كَانَتْ فِي الْأَنْصَارِ نُهُوا عَنْ قَوْلِهَا تَعْظِيمًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبْجِيلًا لَهُ.. لِأَنَّ مَعْنَاهَا ارْعَنَا نَرْعَكَ فَنُهُوا عَنْ قَوْلِهَا إِذْ مُقْتَضَاهَا كَأَنَّهُمْ لَا يَرْعَوْنَهُ إِلَّا بِرِعَايَتِهِ لَهُمْ.. بَلْ حَقُّهُ أَنْ يُرْعَى عَلَى كُلِّ حَالٍ.. وَقِيلَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تُعَرِّضُ بِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرُّعُونَةِ «3» فَنُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ قَوْلِهَا قطعا للذريعة «4» ، ومنعا للتشبه بِهِمْ فِي قَوْلِهَا لِمُشَارَكَةِ اللَّفْظَةِ وَقِيلَ: غَيْرُ هذا.
الفصل الثاني عادة الصحابة في تعظيمه وتوقيره وإجلاله صلى الله عليه وسلم
الفصل الثّاني عادة الصّحابة في تعظيمه وتوقيره وإجلاله صلّى الله عليه وسلّم عن عمرو بن العاص «1» قَالَ «2» : وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ.. وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنِي «3» مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ.. وَلَوْ سُئِلْتُ «4» أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنِي مِنْهُ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ «5» عَنْ أَنَسٍ «6» : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهُمْ جُلُوسٌ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ.. فَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَيْهِ بَصَرَهُ إِلَّا أبو بكر وعمر
فَإِنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، وَيَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ لَهُمَا «1» . وَرَوَى أُسَامَةُ «2» بْنُ شَرِيكٍ قَالَ «3» : «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ.. وَفِي حَدِيثِ صِفَتِهِ «4» : إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ. وَقَالَ عُرْوَةُ «5» بْنُ مَسْعُودٍ حِينَ «6» وَجَّهَتْهُ قُرَيْشٌ عَامَ الْقَضِيَّةِ «7» إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَى مِنْ تَعْظِيمِ أَصْحَابِهِ لَهُ مَا رَأَى، وَأَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ إِلَّا ابْتَدَرُوا «8» وَضَوْءَهُ وَكَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ.. وَلَا يَبْصُقُ بُصَاقًا وَلَا يَتَنَخَّمُ «9» نُخَامَةً إِلَّا تَلَقَّوْهَا بِأَكُفِّهِمْ فدلكوا «10»
بِهَا وُجُوهَهُمْ وَأَجْسَادَهُمْ، وَلَا تَسْقُطُ مِنْهُ شَعْرَةٌ إِلَّا ابْتَدَرُوهَا.. وَإِذَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ.. وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ «1» إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي جِئْتُ كِسْرَى فِي مُلْكِهِ، وَقَيْصَرَ فِي مُلْكِهِ، وَالنَّجَاشِيَّ فِي مُلْكِهِ.. وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَلِكًا فِي قَوْمٍ قَطُّ مِثْلَ مُحَمَّدٍ فِي أَصْحَابِهِ.. وَفِي رِوَايَةٍ «2» إِنْ «3» رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ مُحَمَّدًا أَصْحَابُهُ.. وَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا لَا يُسْلِمُونَهُ أَبَدًا «4» . وَعَنْ «5» أَنَسٍ «6» : لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحلاق «7» يحلقه.. وأطاف بِهِ أَصْحَابُهُ، فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ. وَمِنْ هَذَا: لَمَّا أَذِنَتْ قُرَيْشٌ لِعُثْمَانَ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ حِينَ
وَجَّهَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي الْقَضِيَّةِ «1» أَبَى وَقَالَ: «مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» «2» . وَفِي حَدِيثِ» طَلْحَةَ «4» : «أَنَّ أَصْحَابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لِأَعْرَابِيٍّ جَاهِلٍ: سَلْهُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ «5» - وَكَانُوا يَهَابُونَهُ وَيُوَقِّرُونَهُ. فَسَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ. إِذْ طَلَعَ طَلْحَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ» . وَفِي حَدِيثِ «6» قَيْلَةَ «7» : «فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
جَالِسًا الْقُرْفُصَاءَ «1» أَرْعَدْتُ «2» مِنَ الْفَرَقِ «3» وَذَلِكَ هَيْبَةً لَهُ وَتَعْظِيمًا» وَفِي حَدِيثِ «4» الْمُغِيرَةِ «5» : «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَعُونَ بابه بالأظافير «6» .» وَقَالَ «7» الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ «8» : «لَقَدْ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْأَمْرِ فَأُؤَخِّرُ «9» سِنِينَ «10» مِنْ هَيْبَتِهِ» . ***
الفصل الثالث حرمته وتوقيره صلى الله عليه وسلم
الْفَصْلُ الثَّالِثُ حُرْمَتُهُ وَتَوْقِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْلَمْ أَنَّ حُرْمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَوْقِيرَهُ وَتَعْظِيمَهُ لَازِمٌ كَمَا كَانَ حَالَ حَيَاتِهِ.. وَذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذِكْرِ حَدِيثِهِ وَسُنَّتِهِ، وَسَمَاعِ اسْمِهِ وَسِيرَتِهِ، وَمُعَامَلَةِ آلِهِ وَعِتْرَتِهِ «1» ، وَتَعْظِيمِ أهل بيته وصحابته. قال أَبُو إِبْرَاهِيمَ «2» التُّجِيبِيُّ «3» : «وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ مَتَّى ذَكَرَهُ أَوْ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنْ يَخْضَعَ وَيَخْشَعَ، وَيَتَوَقَّرَ وَيُسَكِّنَ مِنْ حَرَكَتِهِ، وَيَأْخُذَ فِي هَيْبَتِهِ وَإِجْلَالِهِ بِمَا كَانَ يَأْخُذُ بِهِ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ.. وَيَتَأَدَّبُ بِمَا أَدَّبَنَا الله به.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ «1» : «وَهَذِهِ كَانَتْ سِيرَةَ سَلَفِنَا الصَّالِحِ وَأَئِمَّتِنَا الْمَاضِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» . قال أبو حميد «2» : نَاظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ «3» أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكًا «4» فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ «4» : «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَدَّبَ قَوْمًا فَقَالَ: «لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ «5» » الْآيَةَ. وَمَدَحَ قَوْمًا فَقَالَ: «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ «6» » الْآيَةَ وَذَمَّ قَوْمًا فَقَالَ: «إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ.. «7» » الْآيَةَ. وَإِنَّ حُرْمَتَهُ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا.. فَاسْتَكَانَ «8» لَهَا أَبُو جَعْفَرٍ «3» وَقَالَ: «يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ «9» .. أَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَأَدْعُو أَمْ أَسْتَقْبِلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَقَالَ: «وَلِمَ تَصْرِفُ وَجْهَكَ عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُكَ وَوَسِيلَةُ أَبِيكَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ القيامة!! بل استقبله «10» واستشفع
بِهِ فَيُشَفِّعَهُ اللَّهُ» .. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ» «1» الْآيَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ «2» وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَيُّوبَ «3» السَّخْتِيَانِيِّ: «مَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ أَحَدٍ إِلَّا وَأَيُّوبُ أفضل منه» .. قال: «وَحَجَّ حَجَّتَيْنِ فَكُنْتُ أَرْمُقُهُ وَلَا أَسْمَعُ مِنْهُ.. غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى حَتَّى أَرْحَمُهُ.. فَلَمَّا رَأَيْتُ مِنْهُ مَا رَأَيْتُ وَإِجْلَالَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبْتُ عَنْهُ «4» » . وَقَالَ مُصْعَبُ «5» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «كَانَ مَالِكٌ إِذَا ذُكِرَ «6» النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ وَيَنْحَنِي حَتَّى يَصْعُبَ ذَلِكَ عَلَى جُلَسَائِهِ» . فَقِيلَ
لَهُ يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: «لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَمَا أَنْكَرْتُمْ عَلَيَّ مَا تَرَوْنَ» . وَلَقَدْ كُنْتُ أَرَى مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ «1» وَكَانَ سَيِّدَ الْقُرَّاءِ، لَا نَكَادُ نَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ أَبَدًا إِلَّا يَبْكِي حَتَّى نَرْحَمَهُ.. وَلَقَدْ كُنْتُ أرى جعفر بن محمد «2» .. وَكَانَ كَثِيرَ الدُّعَابَةِ وَالتَّبَسُّمِ فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْفَرَّ وَمَا رَأَيْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إلا على طهارة.. ولقد اخْتَلَفَتْ إِلَيْهِ زَمَانًا، فَمَا كُنْتُ أَرَاهُ إِلَّا عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ.. إِمَّا مُصَلِّيًا وَإِمَّا صَامِتًا، وَإِمَّا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ.. وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ.. وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.. وَلَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ «3» يَذْكُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنْظَرُ إِلَى لَوْنِهِ كَأَنَّهُ نَزَفَ مِنْهُ الدَّمُ، وَقَدْ جَفَّ لِسَانُهُ فِي فَمِهِ هَيْبَةً مِنْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وَلَقَدْ كُنْتُ آتِي عَامِرَ «4» بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بن الزبير، فإذا ذكر
عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى حَتَّى لَا يَبْقَى فِي عَيْنَيْهِ دُمُوعٌ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ «1» وَكَانَ مِنْ أَهْنَإِ النَّاسِ وَأَقَرَبِهِمْ، فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ مَا عَرَفَكَ وَلَا عَرَفْتَهُ. وَلَقَدْ كُنْتُ آتِي صَفْوَانَ «2» بْنَ سُلَيْمٍ، وَكَانَ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ الْمُجْتَهِدِينَ فَإِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى فَلَا يَزَالُ يَبْكِي حَتَّى يَقُومَ النَّاسُ عَنْهُ وَيَتْرُكُوهُ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ «3» : «أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الْحَدِيثَ أَخَذَهُ الْعَوِيلُ «4» وَالزَّوِيلُ «5» » . وَلَمَّا كَثُرَ عَلَى مَالِكٍ النَّاسُ قِيلَ لَهُ: «لَوْ جَعَلْتَ مُسْتَمْلِيًا «6» يُسْمِعُهُمْ» فَقَالَ: (قَالَ الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» «7» وَحُرْمَتُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا سَوَاءٌ) . وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ «8» ربما يضحك.. فإذا ذكر عنده حديث
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشَعَ. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ «1» بْنُ مَهْدِيٍّ إِذَا قَرَأَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالسُّكُوتِ وَقَالَ: «لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» .. وَيَتَأَوَّلُ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ مِنَ الْإِنْصَاتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ حَدِيثِهِ مَا يَجِبُ لَهُ عِنْدَ سَمَاعِ قوله..
الفصل الرابع تعظيم السلف لرواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه
الفصل الرابع تعظيم السّلف لرواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه عَنْ «1» عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ «2» قَالَ: «اخْتَلَفْتُ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ «3» سَنَةً فَمَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أَنَّهُ حَدَّثَ يَوْمًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم عَلَاهُ كَرْبٌ حَتَّى رَأَيْتُ الْعَرَقَ يَتَحَدَّرُ «4» عَنْ جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أو فوق ذَا أَوْ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ ذَا» «5» . وفي رواية فتربد «6» وجهه.
وفي رواية تغر غرت «1» عَيْنَاهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ «2» . وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ «3» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرَيْمٍ الْأَنْصَارِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ: «مَرَّ مَالِكُ «4» بْنُ أَنَسٍ عَلَى أَبِي حَازِمٍ «5» وَهُوَ يُحَدِّثُ فَجَازَهُ وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَجِدْ مَوْضِعًا أَجْلِسُ فِيهِ.. فَكَرِهْتُ أَنْ آخُذَ حَدِيثَ رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا قَائِمٌ» . وَقَالَ مَالِكٌ «6» : (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ الْمُسَيَّبِ «7» فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فَجَلَسَ وَحَدَّثَهُ.. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: «وَدِدْتُ أَنَّكَ لَمْ تَتَعَنَّ» «8» .. فَقَالَ: «إني كرهت أن أحدثك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مضطجع) ..
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ «1» أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ يَضْحَكُ فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشَعَ. وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ «2» : كَانَ مَالِكُ «3» بْنُ أَنَسٍ لَا يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ إِجْلَالًا لَهُ. وَحَكَى مَالِكٌ «3» ذَلِكَ عَنْ جَعْفَرِ «4» بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ مصعب «5» بن عبد الله: «وكان مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَتَهَيَّأَ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ يُحَدِّثُ» . قَالَ مُصْعَبٌ «5» : فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «إِنَّهُ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .. قَالَ مُطَرِّفٌ «6» : (كَانَ إِذَا أَتَى النَّاسَ مَالِكًا خَرَجَتْ إِلَيْهِمُ الْجَارِيَةُ فَتَقُولُ لَهُمْ: يَقُولُ لَكُمُ الشَّيْخُ: تُرِيدُونَ الْحَدِيثَ أَوِ الْمَسَائِلَ؟ فَإِنْ قَالُوا الْمَسَائِلَ.. خَرَجَ إِلَيْهِمْ وإن قالوا الحديث دخل مغتسله
وَاغْتَسَلَ وَتَطَيَّبَ وَلَبِسَ ثِيَابًا جُدُدًا، وَلَبِسَ سَاجَهُ «1» ، وتعمم، ووضع على رأسه رداءه «2» ، وَتُلْقَى لَهُ مِنَصَّةٌ فَيَخْرُجُ فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ الخشوع.. ولا يزال يتبخر بِالْعُودِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . قَالَ غَيْرُهُ: «وَلَمْ يَكُنْ يَجْلِسُ عَلَى تِلْكَ الْمِنَصَّةِ إِلَّا إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . قَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ «3» : فَقِيلَ لِمَالِكٍ «4» في ذلك.. فقال: «إني أُحِبُّ أَنْ أُعَظِّمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أُحَدِّثُ بِهِ إِلَّا على طَهَارَةٍ مُتَمَكِّنًا» . قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ مُسْتَعْجِلٌ.. وَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ أَفْهَمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ضِرَارُ «5» بْنُ مرة: «وكانوا يكرهون أن يحدثوا على غير وضوء» .
وَنَحْوَهُ عَنْ قَتَادَةَ «1» . وَكَانَ الْأَعْمَشُ «2» إِذَا حَدَّثَ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ تَيَمَّمَ.. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ «3» : (كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ «4» وَهُوَ يحدثنا فلدغه عَقْرَبٌ سِتَّ عَشْرَةَ مَرَّةً وَهُوَ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ وَيَصْفَرُّ، وَلَا يَقْطَعُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمَجْلِسِ وتفرق عنه الناس قلت: «يا أبا عبد الله.. لقد رأيت منك اليوم عجبا» قال: نعم.. إنما صَبَرْتُ إِجْلَالًا لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ «5» : (مَشَيْتُ يَوْمًا مَعَ مَالِكٍ «4» إِلَى الْعَقِيقِ «6» .. فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ لِي: «كُنْتَ فِي عَيْنِي أَجَلَّ مِنْ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَمْشِي» . وَسَأَلَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ «7» الْقَاضِي عَنْ حَدِيثٍ وهو قائم
فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ.. فَقِيلَ لَهُ. إِنَّهُ قَاضٍ!!! قَالَ: الْقَاضِي: أَحَقُّ مَنْ أُدِّبَ.. وَذَكَرَ أَنَّ هِشَامَ بْنِ الْغَازِي «1» سَأَلَ مَالِكًا عَنْ حَدِيثٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فَضَرَبَهُ عِشْرِينَ «2» سَوْطًا، ثُمَّ أَشْفَقَ عَلَيْهِ فَحَدَّثَهُ عِشْرِينَ حَدِيثًا فَقَالَ هِشَامٌ «1» : «وَدِدْتُ لَوْ زَادَنِي سِيَاطًا وَيَزِيدُنِي حَدِيثًا» . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: «3» «كَانَ مَالِكٌ «4» وَاللَّيْثُ «5» لَا يَكْتُبَانِ الْحَدِيثَ إِلَّا وَهُمَا طَاهِرَانِ» .. وَكَانَ قَتَادَةُ «6» يَسْتَحِبُّ أن لا يَقْرَأَ أَحَادِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا على
وُضُوءٍ وَلَا يُحَدِّثُ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ. وَكَانَ الْأَعْمَشُ «1» إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ وَهُوَ عَلَى غير وضوء تيمم.
الفصل الخامس بر آله وذريته وأمهات المؤمنين
الْفَصْلُ الْخَامِسُ بِرُّ آلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ تَوْقِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِرِّهِ بِرُّ آلِهِ «1» وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَزْوَاجِهِ.. كَمَا حَضَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَكَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ «2» أَهْلَ الْبَيْتِ.» «3» الاية. وقال تعالى: «وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ «4» » . عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «6» :
«أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَهْلَ بَيْتِي- ثَلَاثًا- قُلْنَا لِزَيْدٍ: مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟. قَالَ: آلُ عَلِيٍّ «1» وَآلُ جَعْفَرٍ «2» وَآلُ عَقِيلٍ «3» . وَآلُ الْعَبَّاسِ «4» . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» : «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي «6» أَهْلَ بَيْتِي.. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا.» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» «مَعْرِفَةُ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَحُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ جَوَازٌ عَلَى الصِّرَاطِ والولاية لال محمد أمان من العذاب «8» .»
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: «مَعْرِفَتُهُمْ.. هِيَ مَعْرِفَةُ مَكَانِهِمْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا «1» عَرَفَهُمْ بِذَلِكَ عَرَفَ وُجُوبَ حَقِّهِمْ وَحُرْمَتِهِمْ بِسَبَبِهِ» وَعَنْ «2» عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ «3» : (لَمَّا نَزَلَتْ «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ..» «4» الاية وَذَلِكَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ «5» دَعَا فَاطِمَةَ «6» وَحَسَنًا «7» وَحُسَيْنًا «8» فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ وَعَلِيٌّ «9» خَلَفَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا) .. وَعَنْ سَعْدِ «10» بْنِ أبي وقاص: لما «11» نزلت آية المباهلة «12»
دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا وَفَاطِمَةَ.. وَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي» . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» فِي عَلِيٍّ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ «2» مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ.» وَقَالَ فِيهِ «3» : «لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَبْغَضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ.» وَقَالَ «4» لِلْعَبَّاسِ «5» : «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.. وَمَنْ آذَى عَمِّي فَقَدْ آذَانِي وَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ «6» أَبِيهِ» . وَقَالَ «7» لِلْعَبَّاسِ: «اغْدُ عَلَيَّ يَا عَمِّ مَعَ وَلَدِكَ «8» .. فَجَمَعَهُمْ
وجلّلهم بملاءته «1» .. وقال: هذا عمي وصنوا أَبِي.. وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي.. فَاسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ كَسَتْرِي إِيَّاهُمْ..» فَأَمَّنَتْ أُسْكُفَّةُ «2» الْبَابِ وَحَوَائِطُ الْبَيْتِ آمين آمين..» وكان «3» يأخذ بيد أُسَامَةَ «4» بْنَ زَيْدٍ وَالْحَسَنَ «5» وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا» . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ» . وَقَالَ «7» أَيْضًا: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي» . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «8» : «أحبّ الله من أحب حسنا «9» .
وَقَالَ «1» : «مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ هَذَيْنِ- وَأَشَارَ إِلَى حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ- وَأَبَاهُمَا وَأُمَّهُمَا كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ..» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «مَنْ أَهَانَ قُرَيْشًا أَهَانَهُ اللَّهُ» . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا «4» » . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» لِأُمِّ سَلَمَةَ «6» : «لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ.» وَعَنْ «7» عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ «8» : «رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَعَلَ الْحَسَنَ عَلَى عُنُقِهِ وَهُوَ يَقُولُ بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِي لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِي» وَعَلِيٌّ رضي الله عنه يضحك.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ «1» بْنِ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: «أَتَيْتُ عُمَرَ «2» بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ في حاجة.. فقال لي: «إذا كان لَكَ حَاجَةٌ فَأَرْسِلْ إِلَيَّ أَوِ اكْتُبْ فَإِنِّي أستحيي مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَاكَ «3» عَلَى بَابِي» .. وَعَنِ «4» الشَّعْبِيِّ «5» قَالَ: صَلَّى زَيْدُ «6» بْنُ ثَابِتٍ عَلَى جِنَازَةِ أُمِّهِ «7» ثُمَّ قُرِّبَتْ لَهُ بَغْلَتُهُ لِيَرْكَبَهَا فَجَاءَ ابْنُ «8» عَبَّاسٍ فَأَخَذَ بِرِكَابِهِ فَقَالَ زَيْدٌ خلّ عنك يا ابن عم رسول الله.. فَقَالَ: هَكَذَا نَفْعَلُ بِالْعُلَمَاءِ.. فَقَبَّلَ زَيْدٌ يَدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا «9» أَنْ نَفْعَلَ بأهل بيت نبينا..
وَرَأَى ابْنُ «1» عُمَرَ مُحَمَّدَ بْنَ «2» أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ «3» : لَيْتَ هَذَا عَبْدِي «4» فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ.. فَطَأْطَأَ ابْنُ عُمَرَ رَأْسَهُ وَنَقَرَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ وَقَالَ: لَوْ رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَحَبَّهُ.. وَقَالَ «5» الْأَوْزَاعِيُّ «6» دَخَلَتْ بِنْتُ «7» أُسَامَةَ «8» بْنِ زَيْدٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ «9» عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَعَهَا مَوْلًى لَهَا يُمْسِكُ بِيَدِهَا.. فَقَامَ لَهَا عُمَرُ وَمَشَى إليها حتى جعل يديها بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَدَاهُ فِي ثِيَابِهِ، وَمَشَى بِهَا حَتَّى أَجْلَسَهَا عَلَى مَجْلِسِهِ، وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهَا وما ترك لها حاجة «10» إلا قضاها.
وَلَمَّا فَرَضَ «1» عُمَرُ بْنُ «2» الْخَطَّابِ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ «3» فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَلِأُسَامَةَ «4» بْنِ زَيْدٍ في ثلاثة آلاف وخمسمئة. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَبِيهِ لِمَ فَضَّلْتَهُ؟ .. فَوَاللَّهِ مَا سَبَقَنِي إِلَى مَشْهَدٍ.. فَقَالَ لَهُ: لِأَنَّ زَيْدًا «5» كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيكَ، وَأُسَامَةَ «6» أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْكَ، فَآثَرْتُ حُبَّ «7» رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُبِّي. وَبَلَغَ «8» مُعَاوِيَةَ «9» أَنَّ كَابِسَ «10» بْنَ رَبِيعَةَ يُشَبَّهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الدَّارِ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ وَتَلَقَّاهُ وقبّل بين عينيه وأقطعه المرغاب «11» لِشَبَهِهِ صُورَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
وَرُوِيَ أَنَّ مَالِكًا «1» رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا ضَرَبَهُ جَعْفَرُ بْنُ «2» سُلَيْمَانَ، وَنَالَ مِنْهُ مَا نَالَ «3» ، وَحُمِلَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، دَخَلَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَأَفَاقَ فَقَالَ «4» : أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَعَلْتُ ضَارِبِي فِي حِلٍّ.. فَسُئِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: خِفْتُ أَنْ أَمُوتَ فَأَلْقَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَحِي مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ بَعْضُ آلِهِ النَّارَ بِسَبَبِي. وَقِيلَ: إِنَّ الْمَنْصُورَ أَقَادَهُ «5» مِنْ جَعْفَرٍ فَقَالَ لَهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ، وَاللَّهِ مَا ارْتَفَعَ مِنْهَا سَوْطٌ عَنْ جِسْمِي إِلَّا وَقَدْ جَعَلْتُهُ فِي حِلٍّ لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ «6» بْنُ عَيَّاشٍ: لو أتاني أبو بكر «7»
وَعُمَرُ «1» وَعَلِيٌّ «2» لَبَدَأْتُ بِحَاجَةِ عَلِيٍّ قَبْلَهُمَا لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولئن أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيَّ من أن أقدمهما عليه «3» . وَقِيلَ «4» لِابْنِ عَبَّاسٍ «5» . مَاتَتْ فُلَانَةُ- لِبَعْضِ «6» أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَجَدَ فَقِيلَ لَهُ: أَتَسْجُدُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟. فَقَالَ: أَلَيْسَ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إذا رَأَيْتُمْ آيَةً فَاسْجُدُوا.. وَأَيُّ آيَةٍ أَعْظَمُ مِنْ ذَهَابِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَزُورَانِ أُمَّ أَيْمَنَ «7» مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولَانِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزورها..
وَلَمَّا وَرَدَتْ «1» حَلِيمَةُ «2» السَّعْدِيَّةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ وَقَضَى حَاجَتَهَا.. فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَفَدَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وعمر فصنعا بها مثل ذلك.
الفصل السادس توقير أصحابه وبرهم ومعرفة حقهم
الفصل السادس توقير أصحابه وبرّهم وَمَعْرِفَةُ حَقِّهِمْ وَمِنْ تَوْقِيرِهِ وَبِرِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْقِيرُ أَصْحَابِهِ وَبِرُّهُمْ، وَمَعْرِفَةُ حَقِّهِمْ، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، وَحُسْنُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ، وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ «1» وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُمْ، والإضطراب عَنْ أَخْبَارِ الْمُؤَرِّخِينَ، وَجَهَلَةِ الرُّوَاةِ، وَضُلَّالِ الشِّيعَةِ وَالْمُبْتَدِعِينَ الْقَادِحَةِ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ.. وَأَنْ يُلْتَمَسَ لَهُمْ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُمْ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْفِتَنِ أَحْسَنُ التَّأْوِيلَاتِ «2» . ويخرّج لهم أصوب المخارج، إذهم أَهْلُ ذَلِكَ. وَلَا يُذْكَرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِسُوءٍ، ولا يغمص «3» عَلَيْهِ أَمْرٌ.. بَلْ تُذْكَرَ حَسَنَاتُهُمْ وَفَضَائِلُهُمْ وَحَمِيدُ سيرهم.. ويسكت عما وراء ذلك.
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا» . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ.. «2» » إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَقَالَ «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ «3» » وقال تَعَالَى: «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ «4» » . وقال تَعَالَى: رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ «5» » الاية. عن حذيفة «6» قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «7» : «اقتدوا
بالّذين مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» . وَقَالَ «1» : «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ.» وَعَنْ أَنَسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «مَثَلُ أَصْحَابِي «4» كَمَثَلِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ لَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلَّا بِهِ «5» » وَقَالَ «6» : اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه» .
وَقَالَ «1» : «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي.. فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ «2» أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ «3» » . وَقَالَ «4» : «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.. لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا «5» وَلَا «6» عَدْلًا..» وَقَالَ «7» : «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا» . وَقَالَ «8» فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «9» : «إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَاخْتَارَ لِي مِنْهُمْ أَرْبَعَةً: أبا بكر «10» ، وعمر «11» ، وعثمان «12» وعليا «13» .. فجعلهم
خَيْرَ أَصْحَابِي. وَفِي أَصْحَابِي كُلِّهِمْ خَيْرٌ» وَقَالَ «1» : «مَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَ عُمَرَ فَقَدْ أَبْغَضَنِي» . وَقَالَ مَالِكُ «2» بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ «3» : مَنْ أَبْغَضَ الصَّحَابَةَ وَسَبَّهُمْ فَلَيْسَ لَهُ فِي فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَقٌّ.. وَنَزَعَ بِآيَةِ الْحَشْرِ «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ» «4» الْآيَةَ. وَقَالَ مَنْ غَاظَهُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ فَهُوَ كَافِرٌ «5» . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ «6» » وقال عبد «7» الله بن المبارك: خصلتان
مَنْ كَانَتَا فِيهِ نَجَا، الصِّدْقُ وَحُبُّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَيُّوبُ «1» السَّخْتِيَانِيُّ: مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَقَامَ الدِّينَ. وَمَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَوْضَحَ السَّبِيلَ، وَمَنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ فَقَدِ اسْتَضَاءَ بِنُورِ اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ أَخَذَ «2» بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى.. وَمَنْ أَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلم فقد برىء مِنَ النِّفَاقِ، وَمَنِ انْتَقَصَ «3» أَحَدًا مِنْهُمْ فَهُوَ مبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح.. وأخاف أن لا يَصْعَدَ لَهُ عَمَلٌ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى يُحِبَّهُمْ جَمِيعًا وَيَكُونَ قَلْبُهُ «4» سَلِيمًا. وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ «5» سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَاضٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ «6» فَاعْرِفُوا لَهُ ذَلِكَ.. أَيُّهَا النَّاسُ.. إني
رَاضٍ عَنْ عُمَرَ «1» وَعَنْ عَلِيٍّ «2» وَعَنْ عُثْمَانَ «3» وَطَلْحَةَ «4» وَالزُّبَيْرِ «5» وَسَعْدٍ «6» وَسَعِيدٍ «7» وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ «8» بْنِ عَوْفٍ فَاعْرِفُوا «9» لَهُمْ ذَلِكَ.. أَيُّهَا النَّاسُ.. إِنَّ الله غفر لأهل بدر والحديبة «10» .. أَيُّهَا النَّاسُ احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي «11» ، وَأَخْتَانِي «12» .. لَا يُطَالِبَنَّكُمْ «13» أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَظْلَمَةٍ «14» فَإِنَّهَا مَظْلَمَةٌ
لَا تُوهَبُ «1» فِي الْقِيَامَةِ غَدًا «2» » . وَقَالَ رَجُلٌ «3» لِلْمُعَافَى «4» بْنِ عِمْرَانَ: أَيْنَ عُمَرُ «5» بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ «6» مُعَاوِيَةَ «7» ؟! .. فَغَضِبَ وَقَالَ: لَا يُقَاسُ بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ.. مُعَاوِيَةُ صَاحِبُهُ وَصِهْرُهُ «8» وَكَاتِبُهُ وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِ اللَّهِ.. وَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «9» بِجِنَازَةِ رَجُلٍ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ وَقَالَ: كَانَ يُبْغِضُ عُثْمَانَ «10» فَأَبْغَضَهُ اللَّهُ.» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «11» فِي الْأَنْصَارِ: اعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ. وَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ. وَقَالَ «12» : «احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي وأصهاري فإنه من
حَفِظَنِي فِيهِمْ حَفِظَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله عنه، ومن تخلى الله عنه يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ..» وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «مَنْ حَفِظَنِي فِي أَصْحَابِي كُنْتُ لَهُ حَافِظًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.» وَقَالَ «2» : «مَنْ حَفِظَنِي فِي أَصْحَابِي وَرَدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْنِي فِي أَصْحَابِي لَمْ يَرِدْ عَلَيَّ الْحَوْضَ وَلَمْ يَرَنِي إِلَّا مِنْ بَعِيدٍ.» قَالَ مَالِكٌ «3» رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا النَّبِيُّ مُؤَدِّبُ الْخَلْقِ الَّذِي هَدَانَا اللَّهُ بِهِ وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، يَخْرُجُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ «4» فَيَدْعُو لَهُمْ، وَيَسْتَغْفِرُ لهم كَالْمُوَدِّعِ لَهُمْ «5» . وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ اللَّهُ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ بِحُبِّهِمْ وَمُوَالَاتِهِمْ، وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُمْ. وَرُوِيَ عَنْ كَعْبٍ «6» : لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لَهُ شَفَاعَةٌ يَوْمَ القيامة.
وَطَلَبَ «1» مِنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ «2» نَوْفَلٍ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ «3» اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ: لَمْ يُؤْمِنْ بِالرَّسُولِ مَنْ لَمْ يوقّر أصحابه ولم يعزّ أوامره..
الفصل السابع إعزاز ماله من صلة بالنبي صلى الله عليه وسلم من امكنة ومشاهد
الفصل السّابع إعزاز ماله من صلة بالنبي صلى الله عليه وسلّم من امكنة ومشاهد وَمِنْ إِعْظَامِهِ وَإِكْبَارِهِ إِعْظَامُ جَمِيعِ أَسْبَابِهِ، وَإِكْرَامُ مَشَاهِدِهِ وَأَمْكِنَتِهِ مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَمَعَاهِدِهِ «1» . وَمَا لَمَسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عُرِفَ به. عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ نَجْدَةَ «2» قَالَتْ: كَانَ لِأَبِي مَحْذُورَةَ «3» قُصَّةٌ «4» فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِذَا قَعَدَ وأرسلها أصابت الأرض.. فقيل له:
أَلَا تَحْلِقُهَا؟! فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ بِالَّذِي أَحْلِقُهَا وَقَدْ مَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ. وَكَانَتْ «1» فِي قَلَنْسُوَةِ «2» خَالِدِ بْنِ «3» الْوَلِيدِ شَعَرَاتٌ مِنْ شَعَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. فَسَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ فِي بَعْضِ حُرُوبِهِ «4» فَشَدَّ عَلَيْهَا شَدَّةً أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثْرَةَ مَنْ قُتِلَ فِيهَا.. فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْهَا بِسَبَبِ الْقَلَنْسُوَةِ، بَلْ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ شَعَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا أُسْلَبَ «5» بَرَكَتَهَا وَتَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ. ورؤي ابْنُ «6» عُمَرَ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى مَقْعَدِ «7» النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ وضعها على وجهه «8» .
وَلِهَذَا «1» كَانَ مَالِكٌ «2» رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَرْكَبُ بالمدينة دابة وكان يقول: أستحيي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَطَأَ تُرْبَةً فِيهَا رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلم بِحَافِرِ دَابَّةٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ وَهَبَ لِلشَّافِعِيِّ «3» كُرَاعًا «4» كَثِيرًا كَانَ عِنْدَهُ. فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: أَمْسِكْ مِنْهَا دَابَّةً.. فَأَجَابَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ. وَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ «5» السُّلَمِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ «6» فَضْلَوَيْهِ الزَّاهِدِ وَكَانَ مِنَ الْغُزَاةِ الرُّمَاةِ أَنَّهُ قَالَ: مَا مَسَسْتُ الْقَوْسَ بِيَدِي إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ مُنْذُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْقَوْسَ بِيَدِهِ. وَقَدْ أَفْتَى مَالِكٌ «7» : فِيمَنْ قَالَ: تُرْبَةُ الْمَدِينَةِ رديئة.. يُضْرَبُ ثَلَاثِينَ دِرَّةً «8» وَأَمَرَ بِحَبْسِهِ، وَكَانَ لَهُ قَدْرٌ وَقَالَ: مَا أَحْوَجَهُ إِلَى ضَرْبِ عُنُقِهِ.. تربة دفن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم يزعم أنها
غَيْرُ طَيِّبَةٍ «1» !!!. وَفِي الصَّحِيحِ «2» أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ: «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا «3» ، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.. لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» . وَحُكِيَ «4» أَنْ جَهْجَاهًا «5» الْغِفَارِيَّ أَخَذَ قَضِيبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَنَاوَلَهُ لِيَكْسِرَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ «7» .. فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ، فَأَخَذَتْهُ الْآكِلَةُ فِي رُكْبَتِهِ فَقَطَعَهَا وَمَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «8» : «مَنْ حلف على «9» منبري كاذبا فليتبوأ مقعده
مِنَ النَّارِ. وَحُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا الْفَضْلِ «1» الْجَوْهَرِيَّ لَمَّا وَرَدَ الْمَدِينَةَ زَائِرًا وَقَرُبَ مِنْ بُيُوتِهَا تَرَجَّلَ وَمَشَى بَاكِيًا مُنْشِدًا «2» : وَلَمَّا رَأَيْنَا رَسْمَ «3» مَنْ لَمْ يَدَعْ لَنَا ... فُؤَادًا لِعِرْفَانِ «4» الرُّسُومِ وَلَا لُبَّا «5» نَزَلْنَا عَنِ الْأَكْوَارِ «6» نَمْشِي كَرَامَةً ... لِمَنْ بَانَ «7» عَنْهُ أَنْ نُلِمَّ «8» بِهِ رَكْبَا «9» وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُرِيدِينَ «10» أَنَّهُ لَمَّا أَشْرَفَ على مدينة الرسول
صلّى الله عليه وسلم أنشأ «1» يَقُولُ مُتَمَثِّلًا «2» : رُفِعَ الْحِجَابُ لَنَا فَلَاحَ لِنَاظِرٍ ... قَمَرٌ تَقَطَّعَ «3» دُونَهُ «4» الْأَوْهَامُ وَإِذَا الْمَطِيُّ «5» بِنَا بلغن محمدا ... فظهورهن على الرجال «6» حرام قربتنا من خير من وطيء الثَّرَى ... فَلَهَا عَلَيْنَا حُرْمَةٌ وَذِمَامُ «7» وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ: أَنَّهُ حَجَّ مَاشِيًا.. فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ: فَقَالَ: الْعَبْدُ الْآبِقُ «8» يَأْتِي إِلَى بَيْتِ مَوْلَاهُ رَاكِبًا؟!!. لَوْ قَدَرْتُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي «9» مَا مَشَيْتُ عَلَى قَدَمَيَّ. قَالَ القاضي «10» : وجدير بمواطن عمّرت بالوحي والتنزيل
وَتَرَدَّدَ بِهَا «1» جِبْرِيلُ «2» وَمِيكَائِيلُ، وَعَرَجَتْ مِنْهَا الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ، وَضَجَّتْ «3» عَرَصَاتُهَا «4» بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ وَاشْتَمَلَتْ تُرْبَتُهَا عَلَى جَسَدِ سَيِّدِ الْبَشَرِ، وَانْتَشَرَ عَنْهَا مِنْ دِينِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مَا انْتَشَرَ، مَدَارِسُ «5» وآيات، وَمَسَاجِدُ وَصَلَوَاتٌ، وَمَشَاهِدُ الْفَضَائِلِ وَالْخَيْرَاتِ، وَمَعَاهِدُ الْبَرَاهِينِ وَالْمُعْجِزَاتِ، وَمَنَاسِكُ الدِّينِ، وَمَشَاعِرُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَوَاقِفُ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَمُتَبَوَّأُ «6» خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، حَيْثُ انْفَجَرَتِ النُّبُوَّةُ، وَأَيْنَ «7» فَاضَ عُبَابُهَا «8» ، وَمُوَاطِنُ طُوِيَتْ «9» فِيهَا الرِّسَالَةُ، وأول أرض مسّ جلد المصطفى تراثها «10» ، أَنْ تُعَظَّمَ عَرَصَاتُهَا، وَتُتَنَسَّمَ نَفَحَاتُهَا، وَتُقَبَّلَ رُبُوعُهَا وجدرانها..
يَا «1» دَارَ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ وَمَنْ بِهِ ... هُدِيَ الْأَنَامُ وَخُصَّ بِالْآيَاتِ عِنْدِي لِأَجْلِكِ لَوْعَةٌ «2» وَصَبَابَةٌ «3» ... وَتَشَوُّقٌ مُتَوَقِّدُ الْجَمَرَاتِ وَعَلَيَّ عَهْدٌ إِنْ مَلَأْتُ محاجري «4» ... من تلكم الجدران وَالْعَرَصَاتِ لَأُعَفِّرَنَّ «5» مَصُونَ شَيْبِيَ بَيْنَهَا ... مِنْ كَثْرَةِ التَّقْبِيلِ وَالرَّشَفَاتِ «6» لَوْلَا الْعَوَادِي «7» وَالْأَعَادِي زُرْتُهَا ... أَبَدًا وَلَوْ سَحْبًا عَلَى الْوَجَنَاتِ «8» لَكِنْ سَأُهْدِي مِنْ حفيل «9» تحيتي ... لقطين «10» تلك الدار والحجرات «11»
أَزْكَى مِنَ الْمِسْكِ الْمُفَتَّقِ «1» نَفْحَةً ... تَغْشَاهُ بِالْآصَالِ وَالْبَكَرَاتِ وَتَخُصُّهُ بِزَوَاكِي الصَّلَوَاتِ ... وَنَوَامِيَ التَّسْلِيمِ وَالْبَرَكَاتِ «2»
الباب الرابع في حكم الصلاة عليه والتسليم وفرض ذلك وفضيلته وفيه عشرة فصول
الْبَابُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ وفرض ذلك وفضيلته وفيه عشرة فصول
الفصل الأول معنى الصلاة عليه
الفصل الأوّل معنى الصّلاة عليه قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ «1» » الْآيَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «2» مَعْنَاهُ: «إِنَّ اللَّهَ وملائكته يباركون على النبي» فقيل: «إِنَّ اللَّهَ يَتَرَحَّمُ عَلَى النَّبِيِّ، وَمَلَائِكَتَهُ يَدْعُونَ لَهُ» . قَالَ الْمُبَرِّدُ «3» : «وَأَصْلُ الصَّلَاةِ.. التَّرَحُّمُ.. فَهِيَ مِنَ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ رِقَّةٌ وَاسْتِدْعَاءٌ لِلرَّحْمَةِ مِنَ اللَّهِ» . وَقَدْ وَرَدَ «4» فِي الْحَدِيثِ «5» صِفَةُ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى مَنْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» «6» فَهَذَا دعاء.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ «1» الْقُشَيْرِيُّ: «الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةٌ، وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْرِيفٌ وَزِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ» . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ «2» : «صَلَاةُ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ» . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ «3» : وَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ تعليم الصلاة عليه بَيْنَ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَلَفْظِ الْبَرَكَةِ فَدَلَّ أَنَّهُمَا بِمَعْنَيَيْنِ.. وَأَمَّا التَّسْلِيمُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ: فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ «4» بْنُ بُكَيْرٍ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُمْ أُمِرُوا أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ حُضُورِهِمْ قَبْرَهُ وَعِنْدَ ذِكْرِهِ. وَفِي مَعْنَى السَّلَامِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ «5» : أَحَدُهُمَا: السَّلَامَةُ لَكَ ومعك، ويكون السلام مصدرا
كَاللَّذَاذِ وَاللَّذَاذَةِ «1» .. الثَّانِي: أَيِ السَّلَامُ عَلَى حِفْظِكَ وَرِعَايَتِكَ مُتَوَلٍّ لَهُ وَكَفِيلٌ بِهِ، وَيَكُونُ هُنَا السَّلَامُ اسْمَ اللَّهِ. الثَّالِثُ: أَنَّ السَّلَامَ بِمَعْنَى الْمُسَالَمَةِ لَهُ وَالِانْقِيَادِ.. كَمَا قَالَ: «فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً «2» » ***
الفصل الثاني حكم الصلاة عليه
الفصل الثّاني حكم الصّلاة عليه اعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ عَلَى «1» الْجُمْلَةِ غَيْرُ مُحَدَّدٍ بِوَقْتٍ.. لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ.. وَحَمْلِ «2» الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ لَهُ عَلَى الْوُجُوبِ.. وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ. وَحَكَى أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ «3» أَنَّ مَحْمِلَ الْآيَةِ عِنْدَهُ عَلَى النَّدْبِ، وَادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ- وَلَعَلَّهُ فِيمَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ. وَالْوَاجِبُ مِنْهُ الَّذِي يَسْقُطُ بِهِ الْحَرَجُ وَمَأْثَمُ تَرْكِ الْفَرْضِ مَرَّةً، كَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَمَنْدُوبٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ مِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ، وَشِعَارِ أَهْلِهِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ «1» بْنُ الْقَصَّارِ: «الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا «2» أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ «3» على الإنسان وفرض «4» عليه عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مَرَّةً مِنْ دَهْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ» . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ «5» بْنُ بُكَيْرٍ: «افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ.. فَالْوَاجِبُ أَنْ يُكْثِرَ الْمَرْءُ مِنْهَا، وَلَا يَغْفُلَ عَنْهَا» . قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ «6» بْنُ نَصْرٍ: «الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ» . قال القاضي أبو عبد الله محمد «7» بن سعيد: «ذهب
مَالِكٌ «1» وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض بالجملة بقصد الْإِيمَانِ، لَا يَتَعَيَّنُ فِي الصَّلَاةِ. وَأَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ عُمُرِهِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ «2» : «الْفَرْضُ مِنْهَا الذي أمر الله تعالى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ» . وَقَالُوا: «وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا، فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ» . وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَحَكَى الْإِمَامَانِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ «3» وَالطَّحَاوِيُّ «4» وَغَيْرُهُمَا إِجْمَاعَ جَمِيعِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَشَذَّ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: «مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْدِ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ قَبْلَ السَّلَامِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ «5» ، وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ» . وَلَا سَلَفَ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَلَا سُنَّةَ يَتَّبِعُهَا، وَقَدْ بَالَغَ فِي إِنْكَارِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عليه.. لمخالفته فيها من تقدمته جماعة، وشنّعوا
عَلَيْهِ الْخِلَافَ فِيهَا. مِنْهُمُ الطَّبَرِيُّ «1» وَالْقُشَيْرِيُّ «2» ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ «3» : «يُسْتَحَبُّ أن لا يُصَلِّيَ أَحَدٌ صَلَاةً إِلَّا صَلَّى فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ ترك ذلك تارك فصلاته مجزئة مَذْهَبِ مَالِكٍ «4» وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسُفْيَانَ «5» الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ «6» وَغَيْرِهِمْ.. وَهُوَ قَوْلُ جُمَلِ «7» أَهْلِ الْعِلْمِ» . وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ: «أَنَّهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَأَنَّ تَارِكَهَا فِي التَّشَهُّدِ مُسِيءٌ» وَشَذَّ الشَّافِعِيُّ فَأَوْجَبَ عَلَى تاركها في في الصلاة الإعادة. وأوجب إسحق «8» الإعادة مع تعمد تركها دون النسيان «9» .
وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي «1» زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ «2» أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرِيضَةٌ قَالَ أَبُو محمد «3» : «يريد ليست من فرائض الصلاة «4» » . وقال مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ «5» الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ وَحَكَى ابْنُ القصار «6» وعبد الوهاب «7» : «أن محمد بن الموازيراها فَرِيضَةً فِي الصَّلَاةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ «8» » وَحَكَى أَبُو يَعْلَى «9» الْعَبْدِيُّ الْمَالِكِيُّ عَنِ الْمَذْهَبِ «10» فِيهَا ثَلَاثَةَ أقوال: 1- الوجوب 2- والسنة 3- والندب.
وَقَدْ خَالَفَ الْخَطَّابِيُّ «1» مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ «2» وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ «1» : «وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الصَّلَاةِ.. وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ إِلَّا الشَّافِعِيَّ «2» وَلَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهَا قُدْوَةً» . وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ عَمَلُ السَّلَفِ الصَّالِحِ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ، وقد شنّع الناس عليه هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جِدًّا. وَهَذَا تَشَهُّدُ ابْنِ «3» مَسْعُودٍ «4» الَّذِي اخْتَارَهُ «5» الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيهِ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم كأبي «6» هريرة،
وَابْنِ عَبَّاسٍ «1» ، وَجَابِرٍ «2» ، وَابْنِ «3» عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ «4» الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي مُوسَى «5» الْأَشْعَرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير «6» ، لم لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ صَلَاةً عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» . وَقَدْ قَالَ «8» ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ» . ونحوه عن أبي سعيد الخدري. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «كَانَ «9» أَبُو بَكْرٍ «10» يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ» . وَعَلَّمَهُ أَيْضًا عَلَى الْمِنْبَرِ عُمَرُ بْنُ الخطاب «11» رضي الله عنه.
وَفِي الْحَدِيثِ «1» : «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» . قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ «2» : مَعْنَاهُ (كَامِلَةً) . أَوْ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ مَرَّةً فِي عُمُرِهِ وضعّف أهل الحديث كلهم هَذَا الْحَدِيثِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي «3» جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ فِيهَا عَلَيَّ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ «5» : الصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ «6» مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: «لَوْ «7» صَلَّيْتُ صَلَاةً لَمْ أُصَلِّ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم
وَلَا عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ لَرَأَيْتُ أَنَّهَا لَا تتم. ***
الفصل الثالث المواطن التي يستحب فيها الصلاة والسلام عليه
الفصل الثالث المواطن التي يستحبّ فيها الصّلاة والسّلام عليه فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيُرَغَّبُ مِنْ ذَلِكَ فِي تَشَهُّدِ الصَّلَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وذلك بعد التشهد وقبل الدعاء. عن فضالة «1» بن عبيد قال «2» : «سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. عَجِلَ «3» هَذَا.. ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ «4» .. إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ يتحميد اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بما شاء.
وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا السَّنَدِ «1» «بِتَمْجِيدِ اللَّهِ» وَهُوَ أَصَحُّ «2» .. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «4» : الدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ «5» مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يُصَلَّى «6» عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ عَلِيٍّ «7» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «8» : بِمَعْنَاهُ.. وَعَنْ عَلِيٍّ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ.. وَرُوِيَ أَنَّ الدُّعَاءَ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلِّيَ الدَّاعِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنِ» ابْنِ «10» مَسْعُودٍ. إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ شَيْئًا فَلْيَبْدَأْ بِمَدْحِهِ «11» وَالثَّنَاءِ عليه بما هو أهله ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم.. ثم ليسأل فإنه أجدر أن ينجح..
وَعَنْ جَابِرٍ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ.. فَإِنَّ الرَّاكِبَ يَمْلَأُ قَدَحَهُ «3» ثُمَّ يَضَعُهُ وَيَرْفَعُ مَتَاعَهُ.. فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى شَرَابٍ شَرِبَهُ أَوِ الْوُضُوءِ تَوَضَّأَ وَإِلَّا هَرَاقَهُ «4» .. وَلَكِنِ اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ، وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ.. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ «5» لِلدُّعَاءِ أَرْكَانٌ، وَأَجْنِحَةٌ، وَأَسْبَابٌ، وَأَوْقَاتٌ.. فَإِنْ وَافَقَ أَرْكَانَهُ قَوِيَ، وَإِنْ وَافَقَ أَجْنِحَتَهُ طَارَ فِي السَّمَاءِ، وَإِنْ وَافَقَ مَوَاقِيتَهُ فَازَ.. وَإِنْ وَافَقَ أَسْبَابَهُ أَنْجَحَ. - فَأَرْكَانُهُ: حُضُورُ الْقَلْبِ، وَالرِّقَّةُ، وَالِاسْتِكَانَةُ، وَالْخُشُوعُ، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِاللَّهِ وَقَطْعُهُ مِنَ الْأَسْبَابِ. - وَأَجْنِحَتُهُ: الصِّدْقُ. - وَمَوَاقِيتُهُ: الْأَسْحَارُ. - وَأَسْبَابُهُ: الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
وَفِي الْحَدِيثِ «1» «الدُّعَاءُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لَا يُرَدُّ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «2» «كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ دُونَ السَّمَاءِ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّلَاةُ عَلَيَّ صَعِدَ الدُّعَاءُ» . وَفِي دُعَاءِ ابْنِ عَبَّاسٍ «3» الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ حَنَشٌ «4» فَقَالَ فِي آخِرِهِ «5» : وَاسْتَجِبْ دُعَائِي.. ثُمَّ تَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكِ وَنَبِيِّكِ وَرَسُولِكِ أَفْضَلَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ أَجْمَعِينَ آمِينَ. وَمِنْ مُوَاطِنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ وَسَمَاعِ اسْمِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ «6» أَوْ عِنْدَ الْأَذَانِ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» : «رَغِمَ «8» أَنْفُ رجل ذكرت عنده فلم يصلي
عَلَيَّ» وَكَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ «1» ذِكْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الذَّبْحِ «2» . وَكَرِهَ سَحْنُونٌ «3» الصَّلَاةَ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ «4» . وَقَالَ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إِلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِسَابِ وَطَلَبِ الثَّوَابِ وقال أَصْبَغُ «5» عَنِ ابْنِ «6» الْقَاسِمِ: مَوْطِنَانِ لَا يُذْكَرُ فِيهِمَا إِلَّا اللَّهُ الذَّبِيحَةُ وَالْعُطَاسُ فَلَا تَقُلْ فِيهِمَا بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ.. مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.. وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ على محمد لم يكن
تسمية له مع الله «1» . وقال أَشْهَبُ «2» قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ اسْتِنَانًا «3» . وَرَوَى النَّسَائِيُّ «4» عَنْ أَوْسِ «5» بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْأَمْرَ بِالْإِكْثَارِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَمِنْ مواطن الصلاة والسلام دخول المسجد «6» .
قال ابو اسحق «1» بْنُ شَعْبَانَ: وَيَنْبَغِي لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَيَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ، وَيُبَارِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَيُسَلِّمَ تَسْلِيمًا وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغفرلي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ.. وَإِذَا خَرَجَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَجَعَلَ مَوْضِعَ رَحْمَتِكَ فَضْلِكَ. وَقَالَ عَمْرُو «2» بْنُ دِينَارٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ «3» » قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ فَقُلْ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.. السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. قَالَ «4» ابْنُ عَبَّاسٍ» : الْمُرَادُ بِالْبُيُوتِ هُنَا الْمَسَاجِدُ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ «6» : إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصالحين.
وَعَنْ عَلْقَمَةَ «1» : إِذَا دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ أَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ. وَنَحْوُهُ عَنْ كَعْبٍ «2» : إِذَا دَخَلَ وَإِذَا خَرَجَ وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّلَاةَ. وَاحْتَجَّ ابْنُ شَعْبَانَ «3» لِمَا ذَكَرَهُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ «4» بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «5» أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَفْعَلُهُ.. إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ. وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ «6» بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَذَكَرَ السَّلَامَ والرحمة وقد ذكر هَذَا الْحَدِيثَ آخِرَ الْقِسْمِ وَالِاخْتِلَافَ فِي أَلْفَاظِهِ. ومن مواطن الصلاة عليه الصلاة «7» على الجنائز. وذكر عن «8»
أَبِي «1» أُمَامَةَ: أَنَّهَا مِنَ السُّنَّةِ. وَمِنْ مَوَاطِنِ الصَّلَاةِ الَّتِي مَضَى عَلَيْهَا عَمَلُ الْأُمَّةِ وَلَمْ تُنْكِرْهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ فِي الرَّسَائِلِ، وَمَا يُكْتَبُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَأُحْدِثَ عِنْدَ وِلَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ، فَمَضَى بِهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ.. وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتِمُ بِهِ أَيْضًا الْكُتُبَ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ» . وَمِنْ مَوَاطِنِ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَشَهُّدُ الصلاة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «3» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عليك أيها النبي
وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.. السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) هَذَا أَحَدُ مَوَاطِنِ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ وَسُنَّتُهُ أَوَّلُ التَّشَهُّدِ. وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ «1» عَنِ ابْنِ عُمَرَ «2» أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ: إِذَا فَرَغَ مِنْ تَشَهُّدِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ. وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ «3» أَنْ يُسَلِّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَبْلَ السَّلَامِ «4» . قَالَ مُحَمَّدُ «5» بْنُ مَسْلَمَةَ: أَرَادَ مَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ «6» وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ عِنْدَ سَلَامِهِمَا.. السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.. السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. وَاسْتَحَبَّ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِنْسَانُ حِينَ سَلَامِهِ «7» كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ والأرض من الملائكة، وبني آدم، والجن.
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَأُحِبُّ لِلْمَأْمُومِ إِذَا سَلَّمَ إِمَامُهُ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.. السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصالحين.. السلام عليكم..
الفصل الرابع كيفية الصلاة عليه والتسليم
الفصل الرابع كيفية الصّلاة عليه والتسليم عن أبي حُمَيْدٍ «1» السَّاعِدِيُّ: أَنَّهُمْ قَالُوا «2» : يَا رَسُولَ اللَّهِ.. كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: قُولُوا «3» : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ.. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ «4» عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ «5» الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وبارك
عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.. وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عُلِّمْتُمْ.. وَفِي رِوَايَةِ «1» كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ «2» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَعَنْ عُقْبَةَ «3» بْنِ عَمْرٍو فِي حَدِيثِهِ «4» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ.. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ «5» الْخُدْرِيِّ «6» اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عبدك ورسولك.. وذكر معناه. عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ» قَالَ: عَدَّهُنَّ «8» فِي يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وَقَالَ: عَدَّهُنَّ فِي يَدِي جِبْرِيلُ. وَقَالَ: هَكَذَا نَزَلَتْ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعِزَّةِ.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ محمد كما باركت على إبراهيم وعلى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وَتَرَحَّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا تَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وَتَحَنَّنْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا تَحَنَّنْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إنك حميد مجيد، وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «1» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «2» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» . مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فليقل: اللهم صلّى على
مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بيته كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَفِي رِوَايَةِ «1» زَيْدِ بْنِ «2» خَارِجَةَ الْأَنْصَارِيِّ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: صَلُّوا وَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، ثُمَّ قُولُوا: اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَعَنْ سَلَامَةَ الْكِنْدِيِّ «3» : كَانَ عَلِيٌّ «4» يُعَلِّمُنَا «5» الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم «6» : اللهم داحي المدحوات «7» وبارىء «8» المسموكات «9»
اجْعَلْ شَرَائِفَ «1» صَلَوَاتِكَ، وَنَوَامِيَ «2» بَرَكَاتِكَ، وَرَأْفَةَ تَحَنُّنِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، الْفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالْخَاتَمِ لِمَا سَبَقَ، وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ، وَالدَّامِغِ لِجَيْشَاتِ «3» الْأَبَاطِيلِ، كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ بِأَمْرِكَ لِطَاعَتِكَ، مُسْتَوْفِزًا «4» فِي مَرْضَاتِكَ، وَاعِيًا لِوَحْيِكَ، حَافِظًا لِعَهْدِكَ، مَاضِيًا عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ، حَتَّى أَوْرَى «5» قَبَسًا «6» لِقَابِسٍ آلَاءُ «7» اللَّهِ، تَصِلُ بِأَهْلِهِ أَسْبَابَهُ، بِهِ هديت القلوب بعد خوضات «8» الفتن والإثم، وأنهج «9» موضحات «10» الأعلام «11» ،
وَنَائِرَاتِ «1» الْأَحْكَامِ، وَمُنِيرَاتِ «2» الْإِسْلَامِ فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ، وَخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ وَشَهِيدُكَ «3» يَوْمَ الدِّينِ، وَبَعِيثُكَ «4» نعمة، ورسولك بالحق رحمة.. اللهم افسخ لَهُ فِي عَدْنِكَ «5» ، وَاجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ، مُهَنَّئَاتٍ «6» لَهُ غَيْرَ مُكَدَّرَاتٍ. مِنْ فَوْزِ ثَوَابِكَ الْمَحْلُولِ «7» ، وَجَزِيلِ عَطَائِكَ الْمَعْلُولِ» . اللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ النَّاسِ بِنَاءَهُ، وَأَكْرِمْ مَثْوَاهُ لَدَيْكَ ونزله، وأتم له نوره، وأجزه من اتبعائك لَهُ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ، وَمَرَضِيَّ الْمَقَالَةِ، ذَا مَنْطِقٍ عدل، وخطة «9» فصل «10» ، وبرهان عظيم «11» .
وَعَنْهُ «1» أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النبي «3» ..» الْآيَةَ لَبَّيْكَ «4» اللَّهُمَّ رَبِّي وَسَعْدَيْكَ «5» .. صَلَوَاتُ اللَّهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ، وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَالنَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَمَا سَبَّحَ لَكَ مِنْ شَيْءٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَرَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الشَّاهِدِ الْبَشِيرِ، الدَّاعِي إِلَيْكَ بِإِذْنِكَ، السِّرَاجِ الْمُنِيرِ، وَعَلَيْهِ السَّلَامُ «6» . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «7» .. اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ.. اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ «8» فِيهِ الْأَوَّلُونَ والاخرون، اللهم صل على محمد وعلى
آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَكَانَ الْحَسَنُ «1» الْبَصْرِيُّ يَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ بِالْكَأْسِ الْأَوْفَى مِنْ حَوْضِ الْمُصْطَفَى فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ «2» وَأَصْحَابِهِ وَأَوْلَادِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَأَصْهَارِهِ وَأَنْصَارِهِ وَأَشْيَاعِهِ وَمُحِبِّيهِ وَأُمَّتِهِ وَعَلَيْنَا مَعَهُمْ أَجْمَعِينَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَعَنْ طَاوُسٍ «3» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «4» أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «5» : اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ شَفَاعَةَ مُحَمَّدٍ الْكُبْرَى وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ الْعُلْيَا وَآتِهِ سُؤْلَهُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى كَمَا آتَيْتَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى.. وَعَنْ وُهَيْبِ «6» بْنِ الْوَرْدِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُحَمَّدًا أَفْضَلَ مَا سَأَلَكَ لِنَفْسِهِ، وَأَعْطِ مُحَمَّدًا أَفْضَلَ مَا سَأَلَكَ له أحد من
خلقك، وأعط محمدا أفضل ما أنت مسؤول لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «2» : إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسِنُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ وَقُولُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ. اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ على آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.. إِنَّكَ حميد مجيد. وما يؤثر من تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ وَتَكْثِيرِ الثَّنَاءِ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ كَثِيرٌ. وَقَوْلُهُ «3» وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ.. هو ما علّمهم فِي التَّشَهُّدِ مِنْ قَوْلِهِ «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وَفِي تَشَهُّدِ «1» عَلِيٍّ: السَّلَامُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ السَّلَامُ عَلَى رسول الله، السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. مَنْ غَابَ مِنْهُمْ ومن شهد.. اللهم اغفر لأهل بيته، واغفرلي وَلِوَالِدَيَّ «2» وَمَا وَلَدَا وَارْحَمْهُمَا.. السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ: الدُّعَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُفْرَانِ وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا قَبْلَ الدُّعَاءِ لَهُ بِالرَّحْمَةِ وَلَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ الْمَعْرُوفَةِ. وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو عُمَرَ «3» بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، إِلَى أَنَّهُ لَا يُدْعَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحْمَةِ، وَإِنَّمَا يُدْعَى لَهُ بِالصَّلَاةِ وَالْبَرَكَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِ، وَيُدْعَى لِغَيْرِهِ بِالرَّحْمَةِ والمغفرة.
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدِ «1» بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ، كَمَا تَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَأْتِ هَذَا فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ «2» وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ فِي السَّلَامِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته.
الفصل الخامس فضيلة الصلاة والسلام عليه والدعاء له
الفصل الخامس فضيلة الصّلاة والسّلام عليه والدّعاء له عن عبد الله «1» بن عمر قال «2» : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا.. ثُمَّ سَلُوا لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ.. فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ.. وَرَوَى «3» أَنَسُ بْنُ «4» مَالِكٍ.. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ. وَفِي رِوَايَةٍ «5» وكتب له عشر حسنات..
وَعَنْ «1» أَنَسٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ جِبْرِيلَ نَادَانِي فَقَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَرَفَعَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ.. وَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ» بْنِ عَوْفٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : لَقِيتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ لِي: إِنِّي أُبَشِّرُكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ «4» .. وَنَحْوَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «5» وَمَالِكِ «6» بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ،
وَعُبَيْدِ «1» اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ. وَعَنْ زَيْدِ «2» بْنِ الْحُبَابِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَنْزِلْهُ الْمَنْزِلَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي.. وَعَنِ «3» ابْنِ مَسْعُودٍ «4» : أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «5» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا بَقِيَ «7» اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ. وَعَنْ عَامِرِ «8» بْنِ رَبِيعَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «9» :
مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا صَلَّى عَلَيَّ.. فَلْيُقْلِلْ مِنْ ذَلِكَ عَبْدٌ أَوْ لِيُكْثِرْ.. وَعَنْ «1» أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «2» : كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع «3» الليل قام فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ.. جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ «4» تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ «5» .. جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ.. فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟. فقال: مَا شِئْتَ.. قَالَ: الرُّبُعَ؟! قَالَ: مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ.. قَالَ: الثُّلُثَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ.. قَالَ: النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ.. قَالَ الثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ.. قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَجْعَلُ صَلَاتِي كُلَّهَا لَكَ؟!. قَالَ: إِذًا تُكْفَى «6» ويغفر ذنبك..
وَعَنْ «1» أَبِي طَلْحَةَ «2» : دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ مِنْ بِشْرِهِ وَطَلَاقَتِهِ ما لم أره قط، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي؟!! وَقَدْ خَرَجَ جِبْرِيلُ آنِفًا فَأَتَانِي بِبِشَارَةٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، إن الله تعالى بَعَثَنِي إِلَيْكَ أُبَشِّرُكَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أمتك يصلي عليك إلا صلّى الله عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ بِهَا عَشْرًا. وَعَنْ جَابِرِ «3» بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا «5» مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. وَعَنْ «6» سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «7» : مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأن محمدا عبده ورسوله رضيب بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ له.
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ «1» أَنَّ «2» النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ سَلَّمَ عَلَيَّ عَشْرًا فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ رَقَبَةً. وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ لَيَرِدَنَّ عليّ أفوام مَا أَعْرِفُهُمْ «3» إِلَّا بِكَثْرَةِ صَلَاتِهِمْ عَلَيَّ وَفِي آخَرَ «4» : إِنَّ أَنْجَاكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَهْوَالِهَا وَمَوَاطِنِهَا أَكْثَرُكُمْ عَلَيَّ صَلَاةً. وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ «5» الصِّدِّيقِ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْحَقُ لِلذُّنُوبِ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ لِلنَّارِ، السلام عليه أفضل من عتق الرقاب» .
الفصل السادس ذم من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم واثمه
الفصل السّادس ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم واثمه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «1» قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : رَغِمَ «3» أَنْفُ رَجُلٍ ذكرت عنده فلم يصل عليّ.. رغم أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ «4» قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ. وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ. قَالَ عبد الرحمن «5» وأظنه قال «6» - أو أحدهما-
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «1» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ «2» فَقَالَ: آمِينَ ثُمَّ صَعِدَ فَقَالَ: آمِينَ، ثُمَّ صَعِدَ فَقَالَ: آمِينَ، فَسَأَلَهُ مُعَاذٌ «3» عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ.. مَنْ سُمِّيتَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْ: آمِينَ فَقُلْتُ: آمِينَ وَقَالَ فِيمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فَمَاتَ مِثْلَ ذَلِكَ.. وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبِرَّهُمَا فَمَاتَ مِثْلَهُ. وَعَنْ عَلِيِّ «4» بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «5» : الْبَخِيلُ «6» الَّذِي ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يصل علي..
وَعَنْ جَعْفَرِ «1» بْنِ مُحَمَّدٍ «2» عَنْ أَبِيهِ «3» قَالَ «4» : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ذكرت عنده فلم يصل علي أخطيء بِهِ طَرِيقُ الْجَنَّةِ.. وَعَنْ عَلِيِّ «5» بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» قَالَ: إِنَّ الْبَخِيلَ كُلَّ «7» الْبَخِيلِ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «8» قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «9» : أيّما «10» قوم جلسوا ثُمَّ تَفَرَّقُوا قَبْلَ أَنْ يَذْكُرُوا اللَّهَ وَيُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ «11» إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وإن شاء غفر لهم..
وَعَنْ «1» أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ نَسِيَ «2» الصَّلَاةَ عَلَيَّ نَسِيَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ» . وَعَنْ قَتَادَةَ «3» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : «مِنَ الْجَفَاءِ أَنْ أُذْكَرَ عِنْدَ الرَّجُلِ «5» فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ» . وَعَنْ جَابِرٍ «6» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» : «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَلَى غَيْرِ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا تَفَرَّقُوا عَلَى أَنْتَنَ مِنْ رِيحِ الْجِيفَةِ.» وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ «8» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ» : لَا يَجْلِسُ قَوْمٌ «10» مَجْلِسًا لَا يُصَلُّونَ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حسرة «11» وإن
دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِمَا يَرَوْنَ مِنَ الثَّوَابِ.. وَحَكَى أَبُو عِيسَى «1» التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً فِي الْمَجْلِسِ أَجْزَأَ عنه ما كان في ذلك المجلس «2» .. ***
الفصل السابع تخصيصه صلى الله عليه وسلم بتبليغ صلاة
الفصل السّابع تَخْصِيصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبْلِيغِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَوْ سَلَّمَ مِنَ الْأَنَامِ عَنْ «1» أَبِي هُرَيْرَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ «3» . وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ «4» بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أبي هريرة «2» قال: قال
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ «2» .. وَمَنْ صلّى علي نائيا بلّغته..» وعن ابن مسعود «3» أن لله ملائكته سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ «4» . وَنَحْوُهُ «5» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «6» .. وَعَنِ «7» ابْنِ عُمَرَ «8» أَكْثِرُوا مِنَ السَّلَامِ عَلَى نَبِيِّكُمْ كُلَّ جُمُعَةٍ فَإِنَّهُ يُؤْتَى بِهِ مِنْكُمْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ «9» . وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا عُرِضَتْ صَلَاتُهُ عَلَيَّ حِينَ يَفْرُغُ مِنْهَا.. وَعَنِ الْحَسَنِ «10» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «11» : حيثما «12» كنتم فصلوا عليّ
فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي.. وَعَنِ «1» ابْنِ عَبَّاسٍ «2» لَيْسَ أحد من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ إِلَّا بَلَغَهُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ «3» أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عَلَيْهِ اسْمُهُ. وَعَنِ «4» الْحَسَنِ «5» بْنِ عَلِيٍّ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم.. فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَتَّخِذُوا بَيْتِي عِيدًا وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُ كُنْتُمْ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ.. وَفِي حَدِيثِ أَوْسٍ «6» أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ «7» . وَعَنْ سُلَيْمَانَ «8» بْنِ سُحَيْمٍ «9» رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
النَّوْمِ «1» .. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.. هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْتُونَكَ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ.. أَتَفْقَهُ سَلَامَهُمْ؟ .. قَالَ: نَعَمْ وَأَرُدُّ عَلَيْهِمْ. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ «2» : بَلَغَنَا أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال» : أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيَّ فِي اللَّيْلَةِ الزَّهْرَاءِ وَالْيَوْمِ الْأَزْهَرِ فَإِنَّهُمَا يُؤَدِّيَانِ عَنْكُمْ.. وَإِنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ.. وَمَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا حَمَلَهَا مَلَكٌ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إِلَيَّ وَيُسَمِّيهِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ إِنَّ فُلَانًا يقول كذا وكذا. ***
الفصل الثامن الاختلاف في الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء عليهم السلام
الفصل الثامن الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ قَالَ الْقَاضِي وَفَّقَهُ اللَّهُ: عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ متفقون «1» على جواز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وَرُوِيَ «2» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «3» : أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَرُوِيَ «4» عَنْهُ لَا تَنْبَغِي الصَّلَاةُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا النَّبِيِّينَ.. وَقَالَ سُفْيَانُ «5» يُكْرَهُ أَنْ يصلّى إلا على نبي «6» .
وَوَجَدْتُ بِخَطِّ بَعْضِ شُيُوخِي: مَذْهَبُ مَالِكٍ «1» أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ سِوَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ مَذْهَبِهِ. وَقَدْ قَالَ مالك «1» في المبسوط «2» ليحيى «3» بن اسحق: أَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ. وَمَا يَنْبَغِي لنا أن نتعدى ما أمرنا به. قال يَحْيَى «4» بْنُ يَحْيَى: لَسْتُ آخُذُ بِقَوْلِهِ «5» .. وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ.. واحتج بحديث ابن «6» عمر «7» وبما جاء من حَدِيثِ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ- وَفِيهِ- وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَعَلَى آلِهِ «8» . وقد وجدت «9» معلقا «10» عن أبي
عِمْرَانَ «1» الْفَاسِيِّ رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَبِهِ نَقُولُ «3» . وَلَمْ يَكُنْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا مَضَى. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ «4» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «صَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ.. فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَهُمْ كَمَا بَعَثَنِي..» قَالُوا: وَالْأَسَانِيدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «7» لَيِّنَةٌ «8» . «وَالصَّلَاةُ» فِي لِسَانِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى التَّرَحُّمِ وَالدُّعَاءِ.. وَذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى يَمْنَعَ مِنْهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَوْ إِجْمَاعٌ.. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ «9» ..» الاية»
وقال تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ «1» ..» الْآيَةَ. وَقَالَ: «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ «2» ..» وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى «4» .» وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى فُلَانٍ. وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ «5» : «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد وعلى أزواجه وذريته» . وفي آخَرَ «6» : «وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» .. قِيلَ: أَتْبَاعُهُ وَقِيلَ أمته. وقيل: آل بيته.. وَقِيلَ الْأَتْبَاعُ وَالرَّهْطُ» وَالْعَشِيرَةُ.. وَقِيلَ: آلُ الرَّجُلِ وَلَدُهُ، وَقِيلَ: قَوْمُهُ، وَقِيلَ: أَهْلُهُ الَّذِينَ حَرُمَتْ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ. وَفِي رِوَايَةِ «8» أَنَسٍ «9» سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ؟ قال: كل تقي..
وَيَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ الْحَسَنِ «1» أَنَّ الْمُرَادَ بِآلِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدٌ نَفْسُهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صلاته عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ- يُرِيدُ نفسه. لأنه كان لا يخل بالفرض الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هُوَ الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ نَفْسِهِ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : لَقَدْ أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مزامير آل داوود- يُرِيدُ مِنْ مَزَامِيرِ دَاوُدَ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ «3» السَّاعِدِيِّ فِي الصَّلَاةِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ «4» . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «5» أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ «6» وَعُمَرَ «7» ذَكَرَهُ مالك «8» في الموطأ من رواية يحيى «9»
الْأَنْدَلُسِيِّ وَالصَّحِيحُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَيَدْعُو لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَرَوَى «1» ابْنُ «2» وَهْبٍ عَنْ أَنَسِ «3» بْنِ مَالِكٍ كُنَّا نَدْعُو لِأَصْحَابِنَا بِالْغَيْبِ فَنَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ مِنْكَ عَلَى فُلَانٍ صَلَوَاتِ قَوْمٍ أَبْرَارٍ، الَّذِينَ يَقُومُونَ بِاللَّيْلِ وَيَصُومُونَ بِالنَّهَارِ. قَالَ الْقَاضِي: وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَمِيلُ إِلَيْهِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ «4» وَسُفْيَانُ «5» رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ «6» عَبَّاسٍ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ «7» .. بَلْ هُوَ شَيْءٌ يَخْتَصُّ به الأنبياء توقيرا وَتَعْزِيزًا، كَمَا يُخَصُّ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِهِ بِالتَّنْزِيهِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّعْظِيمِ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ. كَذَلِكَ يَجِبُ تَخْصِيصُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وسائر الأنبياء بالصلاة والتسليم، ولا يشارك «8» فِيهِ سِوَاهُمْ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ: «صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» «9» .. وَيُذْكَرُ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ بِالْغُفْرَانِ والرضى.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: «يَقُولُونَ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ» «1» . وَقَالَ: «وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» «2» . وَأَيْضًا فَهُوَ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ أَبُو عِمْرَانَ، «3» وَإِنَّمَا أَحْدَثَهُ الرَّافِضَةُ «4» وَالْمُتَشَيِّعَةُ فِي بَعْضِ الْأَئِمَّةِ فَشَارَكُوهُمْ عِنْدَ الذِّكْرِ لَهُمْ بِالصَّلَاةِ، وَسَاوَوْهُمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ التشبه بِأَهْلِ الْبِدَعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَتَجِبُ مُخَالَفَتُهُمْ فِيمَا التزموه من ذلك، ذَلِكَ، وَذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَالْأَزْوَاجِ مَعَ النبي صلّى الله عليه وسلم بحكم التبع وَالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ لَا عَلَى التَّخْصِيصِ. قَالُوا: وَصَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَجْرَاهَا مَجْرَى الدُّعَاءِ وَالْمُوَاجَهَةُ.. لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّوْقِيرِ. قَالُوا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: «لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ
بَعْضِكُمْ بَعْضاً «1» » .. فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ لَهُ مُخَالِفًا لِدُعَاءِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ أَبِي الْمُظَفَّرِ «2» الْإِسْفَرَائِينِيِّ مِنْ شُيُوخِنَا وَبِهِ قَالَ أبو عمر «3» بن عبد البر «4» ..
الفصل التاسع حكم زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وفضيلة من زاره وسلم عليه وكيف يسلم عليه
الفصل التاسع حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضِيلَةِ مَنْ زَارَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يُسَلِّمُ عليه وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْمُسْلِمِينَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، وَفَضِيلَةٌ «1» مُرَغَّبٌ فيها. عَنِ ابْنِ عُمَرَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» «مَنْ
زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ» لَهُ شَفَاعَتِي» . وَعَنْ أَنَسِ «2» بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ زَارَنِي فِي الْمَدِينَةِ مُحْتَسِبًا «3» كَانَ فِي جِوَارِي، وَكُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ «4» » وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «5» : «مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي..» وَكَرِهَ مَالِكٌ «6» أَنْ يُقَالَ: زُرْنَا قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَقِيلَ: كَرَاهِيَةُ الِاسْمِ لِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» : «لَعَنَ اللَّهُ زوارات القبور» . وهذا يروه قوله «8» : «نهيتكم عن زيارة القبور فزورها» . وَقَوْلُهُ «9» : «مَنْ زَارَ قَبْرِي» .. فَقَدْ أَطْلَقَ اسْمَ الزيادة..
وَقِيلَ لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَا قِيلَ: إِنَّ الزَّائِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَزُورِ، وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِشَيْءٍ إِذْ لَيْسَ كُلُّ زَائِرٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَيْسَ هَذَا عُمُومًا. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَهْلِ الْجَنَّةِ زِيَارَتُهُمْ لِرَبِّهِمْ وَلَمْ يُمْنَعْ هَذَا اللَّفْظُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ «1» رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ «2» أَنْ يُقَالَ: طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَزُرْنَا قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَكَرِهَ تَسْوِيَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَحَبَّ أَنْ يُخَصَّ بِأَنْ يُقَالَ: سَلَّمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وَأَيْضًا فَإِنَّ الزِّيَارَةَ مُبَاحَةٌ بَيْنَ النَّاسِ.. وَوَاجِبٌ شَدُّ الْمَطِيِّ «3» إِلَى قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يُرِيدُ بِالْوُجُوبِ هُنَا وُجُوبَ نَدْبٍ وَتَرْغِيبٍ وَتَأْكِيدٍ لَا وُجُوبَ فَرْضٍ. وَالْأَوْلَى والذي عندي أنّ منعه وكراهة مالك لإضافته لقبر «4»
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وَأَنَّهُ لَوْ قال: زرنا النبي صلّى الله عليه وسلم لَمْ يَكْرَهْهُ. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ بَعْدِي اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبياءهم مساجد «1» . فمحى إِضَافَةَ هَذَا اللَّفْظِ إِلَى الْقَبْرِ، وَالتَّشَبُّهَ بِفِعْلِ أُولَئِكَ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ «2» وَحَسْمًا لِلْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قال اسحق «3» بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَقِيهُ: وَمِمَّا لَمْ يَزَلْ مِنْ شَأْنِ مَنْ حَجَّ الْمُرُورُ بِالْمَدِينَةِ وَالْقَصْدُ، إِلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّبَرُّكُ بِرُؤْيَةِ رَوْضَتِهِ وَمِنْبَرِهِ وَقَبْرِهِ، ومجلسه، وملامس يديه، ومواطيء قَدَمَيْهِ، وَالْعَمُودِ الَّذِي كَانَ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ، وَيَنْزِلُ جِبْرِيلُ بِالْوَحْي فِيهِ عَلَيْهِ.. وَبِمَنْ عَمَرَهُ، وَقَصَدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالِاعْتِبَارِ بِذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ «4» : سَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ أَدْرَكْتُ يَقُولُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَا هذه الاية «إِنَّ اللَّهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» «1» ثُمَّ قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ. مَنْ يَقُولُهَا سَبْعِينَ مَرَّةً نَادَاهُ مَلَكٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ يَا فُلَانُ وَلَمْ تَسْقُطْ لَهُ حَاجَةٌ «2» . وَعَنْ يَزِيدَ «3» بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَهْرِيِّ: قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ «4» بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمَّا وَدَّعْتُهُ قَالَ: لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ.. إِذَا أَتَيْتَ الْمَدِينَةَ سَتَرَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فأقره مني السلام. قال غَيْرُهُ «5» وَكَانَ يُبْرِدُ إِلَيْهِ الْبَرِيدَ مِنَ الشَّامِ. قَالَ بَعْضُهُمْ رَأَيْتُ أَنَسَ «6» بْنَ مَالِكٍ أَتَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف. قال مَالِكٌ «7» فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ «8» إِذَا سَلَّمَ على النبي صلّى الله عليه وسلم
ودعا، يقف ووجهه إلى القبر لَا إِلَى الْقِبْلَةِ، وَيَدْنُو وَيُسَلِّمُ وَلَا يَمَسُّ الْقَبْرَ بِيَدِهِ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَا أَرَى أَنْ يَقِفَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو، وَلَكِنْ يُسَلِّمُ وَيَمْضِي. قَالَ ابن أبي ملكية «1» مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقُومَ «2» وِجَاهَ «3» النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم فليجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر من رَأْسِهِ. وَقَالَ «4» نَافِعٌ «5» : كَانَ ابْنُ عُمَرَ «6» يُسَلِّمُ على القبر.. رأيته مئة مَرَّةٍ وَأَكْثَرَ يَجِيءُ إِلَى الْقَبْرِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. السَّلَامُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ السَّلَامُ عَلَى أَبِي «7» ثُمَّ ينصرف. ورؤي» ابْنُ عُمَرَ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى مَقْعَدِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم من
الْمِنْبَرِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى وَجْهِهِ. وَعَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ «1» وَالْعُتْبِيِّ «2» كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إذا خلا المسجد جسّوا «3» رُمَّانَةَ الْمِنْبَرِ الَّتِي تَلِي الْقَبْرَ بِمَيَامِنِهِمْ ثُمَّ اسْتَقْبَلُوا الْقِبْلَةَ يَدْعُونَ «4» . وَفِي الْمُوَطَّأِ مِنْ رِوَايَةِ يحيى «5» بن اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ وعلى أبي بكر وعمر. وعند ابْنِ الْقَاسِمِ «6» وَالْقَعْنَبِيِّ «7» : وَيَدْعُو لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ مَالِكٌ «8» فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ «9» يَقُولُ الْمُسْلِمُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته..
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ «1» وَعُمَرَ «2» .. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ «3» الْبَاجِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَدْعُو لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ، وَلِأَبِي بَكْرٍ «4» وَعُمَرَ «5» كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «6» مِنَ الْخِلَافِ. وَقَالَ ابْنُ حبيب «7» ويقول إذا دخل مسجد الرسول: باسم اللَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.. السَّلَامُ عَلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا. وَصَلَّى اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ.. اللهم اغفرلي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَجَنَّتِكَ، وَاحْفَظْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. ثُمَّ اقْصِدْ إِلَى الرَّوْضَةِ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ فَارْكَعْ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ وُقُوفِكَ بِالْقَبْرِ تَحْمَدُ اللَّهَ فِيهِمَا، وَتَسْأَلُهُ تَمَامَ مَا خَرَجْتَ إِلَيْهِ، وَالْعَوْنَ عَلَيْهِ.. وَإِنْ كَانَتْ رَكْعَتَاكَ فِي غَيْرِ الرَّوْضَةِ أَجْزَأَتَاكَ وَفِي الرَّوْضَةِ أَفْضَلُ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم «8» : «ما بين بيتي ومنبري
رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ.. وَمِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ «1» من ترع الجنة» . ثم يقف بالقبر مُتَوَاضِعًا مُتَوَقِّرًا، فَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَتُثْنِي بِمَا يَحْضُرُكَ، وَتُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ «2» وَعُمَرَ «3» ، وَتَدْعُو لَهُمَا، وَأَكْثِرْ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَا تَدَعْ أَنْ تَأْتِيَ مَسْجِدَ قُبَاءٍ «4» وَقُبُورَ الشُّهَدَاءِ. قَالَ مَالِكٌ «5» فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ «6» : وَيُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ وَخَرَجَ- يَعْنِي فِي الْمَدِينَةِ- وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِذَا خَرَجَ جَعَلَ آخِرَ عَهْدِهِ الْوُقُوفَ بالقبر.. وكذلك من خرج مسافرا.
وروى ابن وهب «1» عن فاطمة «2» بنت محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «3» : «إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقل: اللهم اغفرلي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ.. وَإِذَا خَرَجْتَ فَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقل: اللهم اغفرلي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ: وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «4» : «فَلْيُسَلِّمْ» مَكَانَ فَلْيُصَلِّ فِيهِ، وَيَقُولُ إِذَا خَرَجَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ. وَفِي أُخْرَى: اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ «5» بْنِ سِيرِينَ: كَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ إِذَا دَخَلُوا الْمَسْجِدَ: صَلَّى اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ.. السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.. بِاسْمِ اللَّهِ دَخَلْنَا وَبِاسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا، وَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا. وَكَانُوا يَقُولُونَ إِذَا خَرَجُوا: مِثْلَ ذَلِكَ. وَعَنْ «6» فَاطِمَةَ «2» أَيْضًا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ:
صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ «1» وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ فَاطِمَةَ قَبْلَ هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ: حَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ «2» باسم الله والسلام» على رسول الله.. وَعَنْ غَيْرِهَا «4» : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَيَسِّرْ لِي أَبْوَابَ رِزْقِكَ. وَعَنْ أَبِي «5» هُرَيْرَةَ: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي «6» .. وَقَالَ مَالِكٌ «7» فِي الْمَبْسُوطِ: وَلَيْسَ يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَخَرَجَ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْوُقُوفُ بِالْقَبْرِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْغُرَبَاءِ. وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: لَا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلى سَفَرٍ أَنْ يَقِفَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَيَدْعُوَ لَهُ ولأبي بكر «8» وعمر «9» .
فقيل له: إن نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَقْدِمُونَ مِنْ سَفَرٍ وَلَا يُرِيدُونَهُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ وَرُبَّمَا وَقَفُوا فِي الْجُمُعَةِ أو في الأيام المرة أو المرتين أَوْ أَكْثَرَ عِنْدَ الْقَبْرِ فَيُسَلِّمُونَ وَيَدْعُونَ سَاعَةً، فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنِي هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ بِبَلَدِنَا وَتَرْكُهُ وَاسِعٌ «1» .. وَلَا يُصْلِحُ آخر هذه الأمة إلا ما صلح أَوَّلَهَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَصَدْرِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ إِلَّا لِمَنْ جَاءَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ أَرَادَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ «2» : وَرَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِذَا خَرَجُوا مِنْهَا أَوْ دَخَلُوهَا أَتَوُا الْقَبْرَ فَسَلَّمُوا- قَالَ- وَذَلِكَ رَأْيٌ. قَالَ الْبَاجِيُّ «3» : فَفَرْقٌ بَيْنَ أَهْلِ المدينة والغرباء، لأن الغرباء
قصدوا ذلك وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ مُقِيمُونَ بِهَا لَمْ يَقْصِدُوهَا مِنْ أَجْلِ الْقَبْرِ وَالتَّسْلِيمِ «1» . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ.. اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ «3» . وَقَالَ «4» لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا «5» . وَمِنْ كِتَابِ أَحْمَدَ «6» بْنِ سَعِيدٍ الْهِنْدِيِّ فِيمَنْ وَقَفَ بِالْقَبْرِ: لَا يَلْصَقُ بِهِ، وَلَا يَمَسُّهُ «7» ولا يقف عنده طويلا.
وَفِي الْعُتْبِيَّةِ «1» يَبْدَأُ بِالرُّكُوعِ «2» قَبْلَ السَّلَامِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَبُّ مَوَاضِعِ التَّنَفُّلِ فِيهِ مُصَلَّى النَّبِيِّ حَيْثُ الْعَمُودُ الْمُخَلَّقُ «3» وَأَمَّا فِي الْفَرِيضَةِ فَالتَّقَدُّمُ إِلَى الصُّفُوفِ.. وَالتَّنَفُّلُ فِيهِ لِلْغُرَبَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ التَّنَفُّلِ في البيوت.
الفصل العاشر آداب دخول المسجد النبوي الشريف وفضله وفضل المدينة ومكة
الفصل العاشر آداب دخول المسجد النّبوي الشريف وفضله وفضل المدينة ومكة فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَدَبِ سِوَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَفَضْلِهِ، وَفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَفِي مَسْجِدِ مَكَّةَ.. وَذِكْرِ قَبْرِهِ وَمِنْبَرِهِ وَفَضْلِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ «1» » .. رُوِيَ «2» : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ مَسْجِدٍ هُوَ؟ قَالَ: مَسْجِدِي هَذَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ «3» وَزَيْدِ «4» بْنِ ثَابِتٍ وابن عمر «5»
وَمَالِكِ «1» بْنِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنِ «2» ابْنِ عَبَّاسٍ «3» أنه مسجد قباء «4» .. عن أبي هريرة «5» رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «6» : «لا تشد الرحال «7» إلا إلى ثلاث مَسَاجِدَ. الْمَسْجِدِ» الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى..» وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْآثَارُ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «9» عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ.. وَعَنْ «10» عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو «11» بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم..»
وَقَالَ مَالِكٌ «1» رَحِمَهُ اللَّهُ «2» : سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الخطاب «3» صَوْتًا فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَا بِصَاحِبِهِ فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ «4» . قَالَ: لَوْ كُنْتَ مِنْ هَاتَيْنِ الْقَرْيَتَيْنِ «5» لَأَدَّبْتُكَ «6» .. إِنَّ مَسْجِدَنَا لا يرفع فيه الصوت. قال مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ «7» : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَمِدَ «8» الْمَسْجِدَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنَ الْأَذَى، وَأَنْ يُنَزَّهَ عَمَّا يُكْرَهُ.» قَالَ الْقَاضِي: حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ «9» فِي مَبْسُوطِهِ فِي بَابِ فَضْلِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم. والعلماء كلهم متفقون أَنَّ حُكْمَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ هَذَا الْحُكْمُ. قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ «9» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: وَيُكْرَهُ
فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجهر على المصلين فيما يخلّط عليهم صلاتهم. وَلَيْسَ مِمَّا يُخَصُّ بِهِ الْمَسَاجِدُ رَفْعُ الصَّوْتِ.. قد كُرِهَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَنَا. وَقَالَ أَبُو «1» هُرَيْرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» .. «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» قَالَ الْقَاضِي: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. فَذَهَبَ مَالِكٌ «3» فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ «4» عَنْهُ وَقَالَهُ ابْنُ «5» نَافِعٍ صَاحِبُهُ وَجَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ، أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ بِدُونِ الْأَلْفِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عمر بن «6» الخطاب رضي الله عنه.
«صلاة في المسجد الحرام خير من مئة صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ «1» » فَتَأْتِي فَضِيلَةُ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلّى الله عليه وسلم بتسعمئة وَعَلَى غَيْرِهِ بِأَلْفٍ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ «2» بْنِ الْخَطَّابِ، وَمَالِكٍ «3» ، وَأَكْثَرِ الْمَدَنِيِّينَ. وذهب أهل مكة والكوفة إِلَى تَفْضِيلِ مَكَّةَ.. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ «4» ، وَابْنِ وَهْبٍ «5» ، وَابْنِ حَبِيبٍ «6» . مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَحَكَاهُ الساجي «7» عَنِ الشَّافِعِيِّ «8» . وَحَمَلُوا الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أفضل.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ «1» بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «3» - وَفِيهِ- وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمئة صَلَاةٍ. وَرَوَى قَتَادَةُ «4» مِثْلَهُ «5» .. فَيَأْتِي فَضْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى هَذَا عَلَى الصَّلَاةِ في سائر المساجد بمئة أَلْفٍ.. وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ» . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ «7» الْبَاجِيُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ مُخَالَفَةُ حُكْمِ مَسْجِدِ مَكَّةَ لِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُهَا مَعَ المدينة.
وَذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ «1» : إِلَى أَنَّ هَذَا التَّفْضِيلَ إِنَّمَا هُوَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ. وَذَهَبَ مُطَرِّفٌ «2» مِنْ أَصْحَابِنَا: إِلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ «3» أَيْضًا. قَالَ: وَجُمُعَةٌ خَيْرٌ مِنْ جُمُعَةٍ، وَرَمَضَانُ خَيْرٌ مِنْ رَمَضَانَ. وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «4» فِي تفضيل رمضان بالمدينة وغيرها- حديثا «5» نحوه-. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ..» وَمِثْلَهُ «7» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «8» ، وَأَبِي سَعِيدٍ «9» ، وَزَادَ «10» - وَمِنْبَرِي على حوضي..
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «1» : «مِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ..» قَالَ الطَّبَرِيُّ «2» : فِيهِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْتِ.. بَيْتٌ سُكْنَاهُ عَلَى الظَّاهِرِ، مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ مَا يُبَيِّنُهُ «بَيْنَ حُجْرَتِي وَمِنْبَرِي» . وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَيْتَ هُنَا الْقَبْرُ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «3» فِي هَذَا الْحَدِيثِ. كَمَا رُوِيَ: «بَيْنَ قَبْرِي «4» وَمِنْبَرِي..» قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَإِذَا كَانَ قَبْرُهُ فِي بَيْتِهِ اتَّفَقَتْ مَعَانِي الرِّوَايَاتِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا خِلَافٌ.. لِأَنَّ قَبْرَهُ فِي حُجْرَتِهِ، وَهُوَ بَيْتُهُ. وَقَوْلُهُ: «وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» . قِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْبَرُهُ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا.. وَهُوَ أَظْهَرُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُ هُنَاكَ مِنْبَرٌ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ قَصْدَ منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال
الصَّالِحَةِ يُورِدُ الْحَوْضَ، وَيُوجِبُ الشُّرْبَ مِنْهُ. قَالَهُ الْبَاجِيُّ «1» . وَقَوْلُهُ: «رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» .. يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُوجِبٌ لِذَلِكَ.. وَأَنَّ الدُّعَاءَ وَالصَّلَاةَ فِيهِ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ- كَمَا قِيلَ «2» - الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ. وَالثَّانِي: أَنَّ تلك البقعة يَنْقُلُهَا اللَّهُ فَتَكُونُ فِي الْجَنَّةِ بِعَيْنِهَا.. قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ «3» . وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ «4» ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «5» الْمَدِينَةِ.. «لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا «6» وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا- أَوْ شَفِيعًا «7» - يَوْمَ القيامة.»
وَقَالَ «1» فِيمَنْ تَحَمَّلَ «2» عَنِ الْمَدِينَةِ.. «وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.» وَقَالَ «3» : «إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ «4» تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ «5» طِيبُهَا» . وَقَالَ «6» : «لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أبد لها اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ.» وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «7» : «مَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَلَا عَذَابَ.» وَفِي طَرِيقٍ آخر «8» : «بعث من الامنين يوم القيامة..»
وعن «1» ابن عمر» : «من استصاع أَنْ يَمُوتَ «3» بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا «4» » . وَقَالَ تَعَالَى: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً «5» ..» إِلَى قوله: «آمنا» قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: آمِنًا مِنَ النَّارِ. وَقِيلَ: كَانَ يَأْمَنُ مِنَ الطَّلَبِ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا خَارِجًا عَنِ الْحَرَمِ وَلَجَأَ إِلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً «6» » عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ «7» . وَحُكِيَ أَنَّ قَوْمًا أَتَوْا سعدون «8» الخولاني بالمنستير «9»
فأعلموه أن كتامة «1» قتلوا رجلا وأضموا عَلَيْهِ النَّارَ طُولَ اللَّيْلِ، فَلَمْ تَعْمَلْ فِيهِ شيئا، وبقي أبيض البدن.. فَقَالَ: لَعَلَّهُ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ؟!! قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: حُدِّثْتُ «2» أَنَّ مَنْ حَجَّ حَجَّةً أَدَّى فَرْضَهُ وَمَنْ حَجَّ ثَانِيَةً دَايَنَ رَبَّهُ. وَمَنْ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ حَرَّمَ اللَّهُ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى النَّارِ. وَلَمَّا نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ «3» قَالَ «4» : «مَرْحَبًا بِكِ مِنْ بَيْتٍ.. مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ» . وَفِي الْحَدِيثِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وَكَذَلِكَ عند الميزاب «5» » .
وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عند الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَحُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الامنين «1» ..» وعن ابن عباس «2» قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا دَعَا أَحَدٌ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ» . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «2» : وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي.. وَقَالَ عَمْرُو «3» بْنُ دِينَارٍ وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هذا من ابن عباس إلا استجيب. وقال سفيان «4» : وأنا ما دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ عَمْرٍو «3» إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي. قَالَ الْحُمَيْدِيُّ «5» وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ في هذا الملتزم منذ
سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سُفْيَانَ «1» إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي. وَقَالَ مُحَمَّدُ «2» بْنُ إِدْرِيسَ: وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ الله بشيء في هَذَا مِنَ الْحُمَيْدِيِّ «3» إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ «4» مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي. قَالَ أَبُو أُسَامَةَ «5» : وَمَا أَذْكُرُ الْحَسَنَ «6» بْنَ رَشِيقٍ قَالَ فِيهِ شَيْئًا «7» - وَأَنَا ما دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنَ الْحَسَنِ «6» بْنِ رَشِيقٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُسْتَجَابَ لِي مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ. قَالَ العذري «8» : فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ أَبِي أُسَامَةَ «5» إِلَّا استجيب لي.
قال أبو علي «1» : وأنا قد دَعَوْتُ اللَّهَ فِيهِ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ اسْتُجِيبَ لِي بعضها وأنا أرجو مِنْ سَعَةِ فَضْلِهِ أَنْ يَسْتَجِيبَ لِي بَقِيَّتَهَا.. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ «2» : ذَكَرْنَا نُبَذًا مِنْ هَذِهِ النُّكَتِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْبَابِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ حِرْصًا عَلَى تَمَامِ الْفَائِدَةِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ برحمته.
القسم الثالث في ما يجب للنبي صلى الله عليه وسلم وما يستحيل في حقه
القسم الثالث في مَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ أَوْ يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا يَمْتَنِعُ أَوْ يَصِحُّ مِنَ الْأَحْوَالِ الْبَشَرِيَّةِ أو يضاف إليه. في بابين وخمسة وعشرين فضلا
مقدمة القسم الثالث
مُقَدِّمَةُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ.. «1» » الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى: «مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ.. «2» » وَقَالَ: «وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ.. «3» » وَقَالَ تَعَالَى: «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ.. «4» » الْآيَةَ فَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْبَشَرِ أُرْسِلُوا إِلَى الْبَشَرِ.. وَلَوْلَا ذلك لما أطاق النَّاسُ مُقَاوَمَتَهُمْ» ، وَالْقَبُولَ عَنْهُمْ، وَمُخَاطَبَتَهُمْ. قَالَ اللَّهُ تعالى: «وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً.. لَجَعَلْناهُ رَجُلًا «6» » .
أي ما كان إلا في صورة البشر الذين يمكنكم مخالطتهم إذ لا تطيقون مقاومة الملك، ومخاطبتهم، وَرُؤْيَتَهُ، إِذَا كَانَ عَلَى صُورَتِهِ.. وَقَالَ تَعَالَى: «قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا «1» » .. أَيْ لَا يُمْكِنُ فِي سُنَّةِ اللَّهِ إِرْسَالُ الْمَلَكِ إِلَّا لِمَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاصْطَفَاهُ وَقَوَّاهُ عَلَى مُقَاوَمَتِهِ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ. فَالْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَسَائِطُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ خَلْقِهِ، يُبَلِّغُونَهُمْ أوامره ونواهيه ووعده ووعيده، ويعرفوهم بِمَا لَمْ يَعْلَمُوهُ مِنْ أَمْرِهِ وَخَلْقِهِ، وَجَلَالِهِ وَسُلْطَانِهِ وَجَبَرُوتِهِ وَمَلَكُوتِهِ.. فَظَوَاهِرُهُمْ وَأَجْسَادُهُمْ وَبِنْيَتُهُمْ مُتَّصِفَةٌ بأوصاف البشر، طاريء عَلَيْهَا مَا يَطْرَأُ عَلَى الْبَشَرِ مِنَ الْأَعْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، وَالْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ وَنُعُوتِ الْإِنْسَانِيَّةِ.. وَأَرْوَاحُهُمْ وَبَوَاطِنُهُمْ مُتَّصِفَةٌ بِأَعْلَى مِنْ أَوْصَافِ الْبَشَرِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى، مُتَشَبِّهَةٌ بِصِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ سَلِيمَةٌ مِنَ التَّغَيُّرِ والافات..
لَا يَلْحَقُهَا غَالِبًا عَجْزُ الْبَشَرِيَّةِ، وَلَا ضَعْفُ الْإِنْسَانِيَّةِ.. إِذْ لَوْ كَانَتْ بَوَاطِنُهُمْ خَالِصَةً لِلْبَشَرِيَّةِ كَظَوَاهِرِهِمْ لَمَا أَطَاقُوا الْأَخْذَ عَنِ الْمَلَائِكَةِ، وَرُؤْيَتَهُمْ، وَمُخَاطَبَتَهُمْ، وَمُخَالَّتَهُمْ «1» . كَمَا لَا يُطِيقُهُ غَيْرُهُمْ مِنَ البشر. ولو كانت أجسادهم وَظَوَاهِرُهُمْ مُتَّسِمَةً بِنُعُوتِ الْمَلَائِكَةِ وَبِخِلَافِ صِفَاتِ الْبَشَرِ لَمَا أَطَاقَ الْبَشَرُ وَمَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ مُخَالَطَتَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى «2» . «فَجُعِلُوا مِنْ جِهَةِ الْأَجْسَامِ وَالظَّوَاهِرِ مَعَ الْبَشَرِ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَرْوَاحِ وَالْبَوَاطِنِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ. كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم «3» «لو كنت متخذا من أمتي خليلا لا تخذت أَبَا بَكْرٍ «4» خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ.. لَكِنْ صاحبكم «5» خليل الرحمن..
وَكَمَا قَالَ «1» : «تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» . وقال «2» : «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ.. إِنِّي أَظَلُّ «3» يُطْعِمُنِي رَبِّي ويسقيني» فبواطنهم منزهة عن الافات، مطهرة عن النقائص والإعتلالات.. وهذه جملة لن يكنفي بِمَضْمُونِهَا كُلُّ ذِي هِمَّةٍ.. بَلِ الْأَكْثَرُ يَحْتَاجُ إِلَى بَسْطٍ وَتَفْصِيلٍ عَلَى مَا نَأْتِي بِهِ بعد هذا في البابين بعون الله تعالى وهو حسبي ونعم الوكيل..
الباب الأول في ما يختص بالأمور الدينية والكلام في عصمة نبينا عليه الصلاة والسلام وسائر الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين. وفيه ستة عشر فصلا
الباب الأوّل في ما يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَلَامُ فِي عِصْمَةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم أجمعين. وفيه ستة عشر فصلا
تمهيد
تَمْهِيدٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ إعلم أن الطواريء من التغيرات والافات عَلَى آحَادِ الْبَشَرِ لَا يَخْلُو أَنْ تَطْرَأَ عَلَى جِسْمِهِ، أَوْ عَلَى حَوَاسِّهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ، كَالْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، أَوْ تَطْرَأَ بِقَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ.. وَكُلُّهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَمَلٌ وَفِعْلٌ.. وَلَكِنْ جَرَى رَسْمُ الْمَشَايِخِ بِتَفْصِيلِهِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: عَقْدٍ بِالْقَلْبٍ.. وَقَوْلٍ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٍ بِالْجَوَارِحِ. وَجَمِيعُ الْبَشَرِ تَطْرَأُ عَلَيْهِمُ الْآفَاتُ وَالتَّغَيُّرَاتُ بِالِاخْتِيَارِ وَبِغَيْرِ الِاخْتِيَارِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا.. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنْ كَانَ مِنَ الْبَشَرِ. وَيَجُوزُ عَلَى جِبِلَّتِهِ مَا يَجُوزُ عَلَى جِبِلَّةِ الْبَشَرِ- فَقَدْ قَامَتِ الْبَرَاهِينُ الْقَاطِعَةُ، وَتَمَّتْ كَلِمَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى خُرُوجِهِ عَنْهُمْ، وَتَنْزِيهِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الافات التي تقع على الاختيار.. وعلى غير الِاخْتِيَارِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا نَأْتِي بِهِ مِنَ التَّفَاصِيلِ.
الفصل الأول في حكم عقد قلب النبي صلى الله عليه وسلم من وقت نبوته
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ عَقْدِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَقْتِ نُبُوَّتِهِ اعْلَمْ مَنَحَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ تَوْفِيقَهُ أَنَّ مَا تَعَلَّقَ مِنْهُ بِطَرِيقِ التَّوْحِيدِ وَالْعِلْمِ بِاللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَالْإِيمَانِ بِهِ وَبِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، فَعَلَى غَايَةِ الْمَعْرِفَةِ، وَوُضُوحِ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ، وَالِانْتِفَاءِ عَنِ الْجَهْلِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، أَوِ الشَّكِّ أَوِ الرَّيْبِ فِيهِ، وَالْعِصْمَةِ مِنْ كُلِّ مَا يُضَادُّ الْمَعْرِفَةَ بِذَلِكَ.. وَالْيَقِينَ.. هَذَا مَا وَقَعَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ. وَلَا يَصِحُّ بِالْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَةِ أَنْ يَكُونَ فِي عُقُودِ الْأَنْبِيَاءِ سِوَاهُ. وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «قَالَ: بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.. «1» إِذْ لَمْ يَشُكَّ إِبْرَاهِيمُ فِي إِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى.. ولكن إرادة طمأنينة القلب،
وَتَرْكَ الْمُنَازَعَةِ لِمُشَاهَدَةِ الْإِحْيَاءِ.. فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ الْأَوَّلُ بِوُقُوعِهِ وَأَرَادَ الْعِلْمَ الثَّانِيَ بِكَيْفِيَّتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا أَرَادَ اخْتِبَارَ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ.. وَعَلِمَ إِجَابَتَهُ «1» دَعَوْتَهُ بِسُؤَالِ ذَلِكَ مِنْ رَبِّهِ.. وَيَكُونُ «2» قَوْلُهُ تعالى «أَوَلَمْ تُؤْمِنْ «3» » أَيْ تُصَدِّقْ بِمَنْزِلَتِكَ مِنِّي وَخُلَّتِكَ وَاصْطِفَائِكَ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ سَأَلَ زِيَادَةَ يَقِينٍ، وَقُوَّةَ طُمَأْنِينَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَوَّلِ شَكٌّ.. إِذِ الْعُلُومُ الضَّرُورِيَّةُ «4» ، وَالنَّظَرِيَّةُ «5» ، قَدْ تَتَفَاضَلُ فِي قُوَّتِهَا، وَطَرَيَانُ الشُّكُوكِ عَلَى الضَّرُورِيَّاتِ مُمْتَنِعٌ، وَمُجَوَّزٌ «6» فِي النظريات فأراد الانتقال من النظر أو الخبر إلى المشاهدة والترقي من علم القين إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ.. فَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ. وَلِهَذَا قَالَ سَهْلُ «7» بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «سَأَلَ كَشْفَ غِطَاءِ الْعِيَانِ، لِيَزْدَادَ بِنُورِ الْيَقِينِ تَمَكُّنًا فِي حاله» .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَمَّا احْتَجَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ رَبَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنْ ربه ليصبح احْتِجَاجُهُ عِيَانًا.. الْوَجْهُ الْخَامِسُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: هُوَ سؤال عن طريق الأدب.. المراد: أَقْدِرْنِي عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى.. وَقَوْلُهُ «لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» عَنْ هَذِهِ الْأُمْنِيَةِ.. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّهُ أَرَى مِنْ نَفْسِهِ الشَّكَّ وَمَا شَكَّ.. لَكِنْ لِيُجَاوَبَ «1» فيزداد قربه «2» . وقول نبينا صلّى الله عليه وسلم: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ..» نَفْيٌ «3» لِأَنْ يكون إبراهيم شك.. وإبعادا لِلْخَوَاطِرِ الضَّعِيفَةِ أَنْ تَظُنَّ هَذَا بِإِبْرَاهِيمَ.. أَيْ نَحْنُ مُوقِنُونَ بِالْبَعْثِ وَإِحْيَاءِ اللَّهِ الْمَوْتَى.. فَلَوْ شَكَّ إِبْرَاهِيمُ لَكُنَّا أَوْلَى بِالشَّكِّ مِنْهُ.. إِمَّا عن طَرِيقِ الْأَدَبِ.. أَوْ أَنْ يُرِيدَ أُمَّتَهُ الَّذِينَ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الشَّكُّ.. أَوْ عَلَى طَرِيقِ التَّوَاضُعِ وَالْإِشْفَاقِ إِنْ حَمَلَتْ قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَى اخْتِبَارِ حاله أو زيادة يقينه..
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ «1» » الْآيَتَيْنِ. فَاحْذَرْ- ثَبَّتَ اللَّهُ قَلْبَكَ- أَنْ يَخْطُرَ ببالك ما ذكره فيه بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «2» أَوْ غَيْرِهِ من إثبات شك لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ.. وَأَنَّهُ مِنَ الْبَشَرِ!! فَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ جُمْلَةً.. بَلْ قَدْ قَالَ «3» ابْنُ عباس: لَمْ يَشُكَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْأَلْ. وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ «4» وَالْحَسَنِ «5» . وَحَكَى «6» قَتَادَةُ «7» : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا أَشُكُّ «8» وَلَا أَسْأَلُ.. وَعَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى هَذَا. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ فقيل المراد.. قل يا محمد للشاك إن كنت في شك.. الاية..
قَالُوا: وَفِي السُّورَةِ نَفْسِهَا مَا دَلَّ عَلَى هذا التأويل. قوله «قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي «1» » الْآيَةَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخِطَابِ الْعَرَبُ وَغَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَمَا قَالَ «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ «2» » الْآيَةَ. الْخِطَابُ لَهُ وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ. وَمِثْلُهُ «فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ» » وَنَظِيرُهُ كَثِيرٌ. قَالَ بَكْرُ «4» بْنُ الْعَلَاءِ: أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ «وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ «5» » الْآيَةَ.. وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْمُكَذَّبَ فِيمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِهِ!!. فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِطَابِ غَيْرُهُ.. وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: «الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً «6» » . المأمور ههنا غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْأَلَ النَّبِيَّ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الخبير المسؤول، لَا الْمُسْتَخْبِرُ السَّائِلُ. وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الشَّكَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بسؤال
الذين يقرؤون الْكِتَابَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا قَصَّهُ اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ.. لَا فِيمَا دَعَا إِلَيْهِ مِنَ التوحيد والشريعة ومثل هذا قوله تعالى: «وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا.. «1» » الاية المراد الْمُشْرِكُونَ وَالْخِطَابُ مُوَاجَهَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قاله القتبي «2» .. وَقِيلَ مَعْنَاهُ.. سَلْنَا عَمَّنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ. فَحُذِفَ الْخَافِضُ وَتَمَّ الْكَلَامُ.. ثُمَّ ابْتَدَأَ «أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ.. «3» » إِلَى آخِرِ الْآيَةِ عَلَى طَرِيقِ الْإِنْكَارِ.. أَيْ مَا جَعَلْنَا.. حَكَاهُ مَكِّيٌّ «4» .. وَقِيلَ: أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَلَ الْأَنْبِيَاءَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ عَنْ ذَلِكَ.. فَكَانَ أَشَدَّ يَقِينًا مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى السُّؤَالِ.. فَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَا أَسْأَلُ قَدِ اكْتَفَيْتُ «5» قَالَهُ ابْنُ زيد «6» .
وقيل: سل امم من أرسلنا.. هل جاؤوهم بِغَيْرِ التَّوْحِيدِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ «1» ، وَالسُّدِّيِّ «2» ، والضحاك «3» ، وقتادة «4» ، والمراد بهذا بِهَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ إِعْلَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا بُعِثَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْذَنْ فِي عِبَادَةِ غَيْرِهِ لِأَحَدٍ.. رَدًّا عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ «إِنَّمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى «5» » . وَكَذَلِكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.. «6» أي في علمهم بِأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.. وَإِنْ لَمْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ شَكَّهُ فِيمَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ.. وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا عَلَى مِثْلِ مَا تَقَدَّمَ. أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمَنِ امْتَرَى فِي ذَلِكَ: لَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْآيَةِ «أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً. «7» » الاية وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاطِبُ بذلك غيره..
وقيل: هو تقرير كقوله «أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ.. «1» » وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ.. مَا كُنْتَ فِي شَكٍّ.. فَاسْأَلْ تَزْدَدْ طُمَأْنِينَةً وَعِلْمًا إِلَى عِلْمِكَ وَيَقِينِكَ. وَقِيلَ: إِنْ كُنْتَ تشك فيما شرفناك وفضّلناك به فاسألهم عَنْ صِفَتِكَ فِي الْكُتُبِ وَنَشْرِ فَضَائِلِكَ.. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ «2» : أَنَّ الْمُرَادَ.. إِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِنْ غَيْرِكَ فِيمَا أَنْزَلْنَا. فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ «حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا «3» » عَلَى قِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ «4» . قُلْنَا: الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.. مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تَظُنَّ ذَلِكَ الرُّسُلُ بِرَبِّهَا.. وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الرُّسُلَ لَمَّا اسْتَيْأَسُوا ظَنُّوا أنّ من وعدهم النصر من أتباعهم
كَذَّبُوهُمْ «1» .. وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ. وَقِيلَ: إِنَّ ضمير ظَنُّوا عَائِدٌ عَلَى الْأَتْبَاعِ وَالْأُمَمِ لَا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ «2» ، وَالنَّخَعِيِّ «3» وَابْنِ جُبَيْرٍ «4» ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ.. وَبِهَذَا الْمَعْنَى قرأ مجاهد «5» : «كذبوا» فَلَا تَشْغَلْ بَالَكَ مِنْ شَاذِّ التَّفْسِيرِ بِسِوَاهُ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِ الْعُلَمَاءِ، فَكَيْفَ بِالْأَنْبِيَاءِ!! وكذلك ما ورد في حديث السيرة ومبدإ الْوَحْيِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَدِيجَةَ «6» : «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي «7» » لَيْسَ مَعْنَاهُ الشَّكَّ فِيمَا آتَاهُ اللَّهُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَلَكِ، ولكن لعله خشي أن لا تحتمل قوته مقاومة
الْمَلَكِ وَأَعْبَاءِ الْوَحْيِ.. فَيَنْخَلِعَ قَلْبُهُ، أَوْ تَزْهَقَ نفسه. هذا عَلَى مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَهُ بَعْدَ لِقَائِهِ الْمَلَكَ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ لقائه، واعلام الله تعالى لَهُ بِالنُّبُوَّةِ لِأَوَّلِ مَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْعَجَائِبِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ، وَبَدَأَتْهُ الْمَنَامَاتُ وَالتَّبَاشِيرُ. كَمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الحديث: أن ذلك كان أولا في فِي الْمَنَامِ، ثُمَّ أُرِيَ فِي الْيَقَظَةِ مِثْلَ ذَلِكَ تَأْنِيسًا لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الأمر مشاهدة ومشافهة، فلا يحمله لِأَوَّلِ حَالَةٍ بِنْيَةُ الْبَشَرِيَّةِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عائشة «1» رضي الله عنها «2» : «أول ما بديء بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ «3» . قَالَتْ.. ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ.. وَقَالَتْ إِلَى أَنْ جَاءَهُ الْحَقُّ وهو في غار حراء» وَعَنِ» ابْنِ عَبَّاسٍ «5» مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً يَسْمَعُ الصَّوْتَ «6» ، وَيَرَى: الضَّوْءَ «7» سَبْعَ سِنِينَ، وَلَا يَرَى
شيئا وثماني سنين يوحى اليه «1» .. وقد روى «2» ابن اسحق «3» عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: - وَذَكَرَ جِوَارَهُ بِغَارِ حِرَاءٍ- قَالَ: «فَجَاءَنِي «4» وَأَنَا نَائِمٌ فَقَالَ اقْرَأْ.. فَقُلْتُ مَا أَقْرَأُ..» وَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي غَطِّهِ «5» له واقرائه له «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ «6» » السُّورَةَ قَالَ: فَانْصَرَفَ عَنِّي.. وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي «7» كَأَنَّمَا صُوِّرَتْ فِي قَلْبِي، وَلَمْ يَكُنْ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ شَاعِرٍ أَوْ مَجْنُونٍ، قُلْتُ: لَا تَحَدَّثُ «8» عَنِّي قُرَيْشٌ بِهَذَا أَبَدًا.. لِأَعْمِدَنَّ إِلَى حَالِقٍ «9» مِنَ الْجَبَلِ فَلَأَطْرَحَنَّ نَفْسِي مِنْهُ فَلَأَقْتُلَنَّهَا.. فَبَيْنَا أَنَا عَامِدٌ لِذَلِكَ، إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيًا ينادي من السماء: يا محمد..
أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ.. فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا جِبْرِيلُ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ.. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.. فَقَدْ بَيَّنَ فِي هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ لِمَا قَالَ، وَقَصْدَهُ لِمَا قَصَدَ، إِنَّمَا كَانَ قَبْلَ لقاء جبريل عليهما السلام، وقيل إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَإِظْهَارِهِ وَاصْطِفَائِهِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ. وَمِثْلُهُ حَدِيثُ عَمْرِو «1» بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» قَالَ لِخَدِيجَةَ «3» : «إِنِّي إِذَا خَلَوْتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً، وَقَدْ خَشِيتُ وَاللَّهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا لِأَمْرٍ «4» » . وَمِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ «5» بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» قَالَ لِخَدِيجَةَ «3» : «إِنِّي لَأَسْمَعُ صوتا، وأرى ضوآ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ بِي جُنُونٌ وَعَلَى هَذَا يُتَأَوَّلُ- لَوْ صَحَّ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الأحاديث- أن
الْمَلَكُ يَا ابْنَ عَمِّ فَاثْبُتْ وَأَبْشِرْ. وَآمَنَتْ بِهِ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَثْبِتَةٌ بِمَا فَعَلَتْهُ لِنَفْسِهَا، وَمُسْتَظْهِرَةٌ لِإِيمَانِهَا لَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُ مَعْمَرٍ «1» فِي فَتْرَةِ الْوَحْيِ «2» : فَحَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما بلغنا- حزنا غدا منه «3» مرارا كي يتردّى من شواهق الجبال.. ولا يَقْدَحُ فِي هَذَا الْأَصْلِ لِقَوْلِ مَعْمَرٍ عَنْهُ- فِيمَا بَلَغَنَا- وَلَمْ يُسْنِدْهُ وَلَا ذَكَرَ رُوَاتَهُ، وَلَا مَنْ حَدَّثَ «4» بِهِ، وَلَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ، وَلَا يُعْرَفُ مِثْلُ هَذَا «5» إِلَّا مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» ، مَعَ «7» أَنَّهُ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ الْأَمْرِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ تَكْذِيبِ مَنْ بَلَّغَهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً «8» » . وَيُصَحِّحُ مَعْنَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثٌ رَوَاهُ «9» شَرِيكٌ «10» عن
عبد الله «1» بن محمد بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ «2» بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا اجْتَمَعُوا بِدَارِ النَّدْوَةِ «3» لِلتَّشَاوُرِ فِي شَأْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَقُولُوا إِنَّهُ سَاحِرٌ.. اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَتَزَمَّلَ فِي ثِيَابِهِ وَتَدَثَّرَ فيها.. فأتاه جبريل فقال: يا أيها المزمل يا أيها الْمُدَّثِّرِ» . أَوْ خَافَ أَنَّ الْفَتْرَةَ لِأَمْرٍ أَوْ سَبَبٍ مِنْهُ فَخَشِيَ أَنْ تَكُونَ عُقُوبَةً مِنْ رَبِّهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ.. وَلَمْ يَرِدْ بَعْدُ شَرْعٌ بِالنَّهْي عَنْ ذَلِكَ فَيُعْتَرَضَ بِهِ وَنَحْوُ هَذَا فِرَارُ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَشْيَةَ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ لَهُ لِمَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَوْلُ اللَّهِ فِي يُونُسَ: «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ «5» » معناه أن لن نضيّق عليه
فأستغفر الله كل «1» يوم مئة مَرَّةٍ» - وَفِي طَرِيقٍ «2» - «فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» . فَاحْذَرْ أَنْ يَقَعَ بِبَالِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْغَيْنُ وَسْوَسَةً أَوْ رَيْبًا وَقَعَ في قلبه صلّى الله عليه وسلم، بَلْ أَصْلُ الْغَيْنِ فِي هَذَا مَا يَتَغَشَّى الْقَلْبَ وَيُغَطِّيهِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ «3» - وَأَصْلُهُ مِنْ «غَيْنِ السَّمَاءِ» وَهُوَ إِطْبَاقُ الْغَيْمِ عَلَيْهَا وَقَالَ غَيْرُهُ «وَالْغَيْنُ» شَيْءٌ يُغَشِّي الْقَلْبَ وَلَا يُغَطِّيهِ كُلَّ التَّغْطِيَةِ كَالْغَيْمِ الرَّقِيقِ الَّذِي يَعْرِضُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا يَمْنَعُ ضَوْءَ الشَّمْسِ.. وَكَذَلِكَ لَا يُفْهَمُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُغَانُ عَلَى قَلْبِهِ مئة مرة أو اكثر من سبعين فِي الْيَوْمِ.. إِذْ لَيْسَ يَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ.. وَإِنَّمَا هَذَا عَدَدٌ لِلِاسْتِغْفَارِ لَا لِلْغَيْنِ. فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهَذَا الْغَيْنِ إِشَارَةً إِلَى غَفَلَاتِ قَلْبِهِ، وَفَتَرَاتِ نَفْسِهِ وَسَهْوِهَا عَنْ مُدَاوَمَةِ الذِّكْرِ، وَمُشَاهَدَةِ الْحَقِّ، بِمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُفِعَ إِلَيْهِ مِنْ مُقَاسَاةِ الْبَشَرِ، وَسِيَاسَةِ الْأُمَّةِ، وَمُعَانَاةِ الْأَهْلِ، وَمُقَاوَمَةِ الولي، والعدو، ومصلحة النفس، وما كلفه مِنْ أَعْبَاءِ أَدَاءِ الرِّسَالَةِ، وَحَمْلِ الْأَمَانَةِ.. وَهُوَ في كل هذا في طاعة ربه،
وَعِبَادَةِ خَالِقِهِ.. وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْفَعَ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ مَكَانَةً، وَأَعْلَاهُمْ دَرَجَةً، وَأَتَمَّهُمْ بِهِ مَعْرِفَةً، وَكَانَتْ حَالُهُ عند خلوص قلبه، وخلو همه، وتفرده بربه، واقباله بكليته، وَمُقَامِهِ هُنَالِكَ أَرْفَعَ حَالَيْهِ «1» .. رَأَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَ فَتْرَتِهِ عَنْهَا، وَشُغْلِهِ بِسِوَاهَا، غَضًّا «2» مِنْ عَلِيِّ حَالِهِ، وَخَفْضًا مِنْ رَفِيعِ مَقَامِهِ، فَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ.. هَذَا أَوْلَى وُجُوهِ الْحَدِيثِ وَأَشْهَرِهَا. وَإِلَى مَعْنَى مَا أَشَرْنَا بِهِ مَالَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَحَامَ حَوْلَهُ.. فَقَارَبَ وَلَمْ يَرِدْ «3» .. وَقَدْ قَرَّبْنَا غَامِضَ مَعْنَاهُ.. وَكَشَفْنَا لِلْمُسْتَفِيدِ مُحَيَّاهُ «4» .. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ الفترات والفضلات، وَالسَّهْوِ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الْبَلَاغِ عَلَى مَا سيأتي..
إِذْ فِيهِ إِثْبَاتُ الْجَهْلِ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ.. وَالْمَقْصُودُ وعظهم أن لا يتسبهوا فِي أُمُورِهِمْ بِسِمَاتِ الْجَاهِلِينَ. كَمَا قَالَ: «إِنِّي أعظك» وليس في آية منها دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِمْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي نَهَاهُمْ عَنِ الْكَوْنِ عَلَيْهَا.. فَكَيْفَ وَآيَةُ نُوحٍ قبلها «فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» «1» فَحَمْلُ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا أَوْلَى، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ، وتجوز إِبَاحَةُ السُّؤَالِ فِيهِ ابْتِدَاءً، فَنَهَاهُ اللَّهُ أَنْ يسأله عما طوى عنه علمه، واكنّه في غَيْبِهِ مِنَ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِهَلَاكِ ابْنِهِ.. ثُمَّ أَكْمَلَ اللَّهُ تَعَالَى نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ بِإِعْلَامِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ «1» » حكاه مَعْنَاهُ مَكِّيٌّ «2» . كَذَلِكَ أُمِرَ نَبِيُّنَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى بِالْتِزَامِ الصَّبْرِ عَلَى إِعْرَاضِ قَوْمِهِ وَلَا يُحْرَجُ عِنْدَ ذَلِكَ فَيُقَارِبُ حَالَ الْجَاهِلِ بِشِدَّةِ التحسر.. حكاه أبو بكر «3» بن فورك.. وقيل معنى الخطاب لأمة محمد.
أي فلا تكونوا من الجاهلين حكاه مَكِّيٌّ «1» وَقَالَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ. فَبِهَذَا الفصل وَجَبَ الْقَوْلُ بِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ قَطْعًا. فَإِنْ قُلْتَ: فَإِذَا قَرَّرْتَ عِصْمَتَهُمْ مِنْ هَذَا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.. فَمَا مَعْنَى إِذًا وَعِيدِ اللَّهِ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ إِنْ فَعَلَهُ وَتَحْذِيرِهِ مِنْهُ. كَقَوْلِهِ «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ «2» » الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ.. «3» » الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: «إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ.. «4» » الاية. وقوله: «لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ «5» » و «إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ «6» .
وقوله: «اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ «1» » . فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَطَاعَهُمْ.. وَاللَّهُ يَنْهَاهُ عَمَّا يَشَاءُ وَيَأْمُرُهُ بِمَا يَشَاءُ كَمَا قَالَ: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ «2» » الْآيَةَ. وَمَا كَانَ طَرَدَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ولا كان من الظالمين.
الفصل الثاني عصمتهم من هذا قبل النبوة
الْفَصْلُ الثَّانِي عِصْمَتُهُمْ مِنْ هَذَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَأَمَّا عِصْمَتُهُمْ مِنْ هَذَا الْفَنِّ قَبْلَ النُّبُوَّةِ فَلِلنَّاسِ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ قَبْلَ النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكيك «1» فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ تَعَاضَدَتِ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ بِتَنْزِيهِهِمْ عَنْ هَذِهِ النَّقِيصَةِ مُنْذُ وُلِدُوا، وَنَشْأَتِهِمْ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ.. بَلْ عَلَى إِشْرَاقِ أَنْوَارِ الْمَعَارِفِ، وَنَفَحَاتِ أَلْطَافِ السَّعَادَةِ، كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَلَمْ يَنْقُلْ أحد من أهل الأخبار أن أحدا نبيء «2» وَاصْطُفِيَ مِمَّنْ عُرِفَ بِكُفْرٍ وَإِشْرَاكٍ قَبْلَ ذَلِكَ. وَمُسْتَنَدُ هَذَا الْبَابِ النَّقْلُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْقُلُوبَ تَنْفِرُ عَمَّنْ «3» كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلُهُ
وَأَنَا أَقُولُ: إِنَّ قُرَيْشًا قَدْ رَمَتْ نَبِيَّنَا بِكُلِّ مَا افْتَرَتْهُ.. وَعَيَّرَ كُفَّارُ الْأُمَمِ أَنْبِيَاءَهَا «1» بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهَا «2» وَاخْتَلَقَتْهُ مِمَّا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ.. أَوْ نَقَلَتْهُ إِلَيْنَا الرُّوَاةُ.. وَلَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَعْيِيرًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِرَفْضِهِ آلِهَتَهُ، وَتَقْرِيعِهِ بِذَمِّهِ بِتَرْكِ مَا كَانَ قَدْ جَامَعَهُمْ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ هَذَا.. لكانوا بذلك مبادرين وبتلوّنه «3» فِي مَعْبُودِهِ مُحْتَجِّينَ.. وَلَكَانَ تَوْبِيخُهُمْ لَهُ بِنَهْيِهِمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ قَبْلُ أَفْظَعَ «4» وَأَقْطَعَ فِي الْحُجَّةِ مِنْ تَوْبِيخِهِ بِنَهْيِهِمْ عَنْ تَرْكِهِمْ آلِهَتَهُمْ وَمَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ.. فَفِي إِطْبَاقِهِمْ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا سَبِيلًا إِلَيْهِ.. إِذْ لَوْ كَانَ لَنُقِلَ وَمَا سَكَتُوا عَنْهُ.. كَمَا لَمْ يَسْكُتُوا عن «5» تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ وَقَالُوا: «مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها «6» » كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْقَاضِي الْقُشَيْرِيُّ «1» عَلَى تَنْزِيهِهِمْ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ «2» » الْآيَةَ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ.. «3» » إلى قوله «لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ..» قال فطهره اللَّهُ فِي الْمِيثَاقِ.. وَبَعِيدٌ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الميثاق قبل خلقه.. ثم يأخذ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَنَصْرِهِ قَبْلَ مَوْلِدِهِ بِدُهُورٍ وَيَجُوزُ عَلَيْهِ الشِّرْكُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الذُّنُوبِ، هَذَا مَا لَا يُجَوِّزُهُ إِلَّا مُلْحِدٌ.. هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ.. وَكَيْفَ يَكُونُ» ذَلِكَ وَقَدْ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «5» ، وَشَقَّ قَلْبَهُ صَغِيرًا، وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، وَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ وَمَلَأَهُ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، كَمَا تظاهرت به أخبار المبدأ.. ولا يشبه عليه بقول إبراهيم..
في الكواكب وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ هَذَا رَبِّي. فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: كَانَ هَذَا فِي سَنِّ الطُّفُولِيَّةِ «1» وَابْتِدَاءِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَقَبْلَ لُزُومِ التَّكْلِيفِ. وَذَهَبَ مُعْظَمُ الْحُذَّاقِ «2» من العلماء والمفسرين إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُبَكِّتًا «3» لِقَوْمِهِ، وَمُسْتَدِلًّا عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: الِاسْتِفْهَامُ الْوَارِدُ مَوْرِدَ الافكار.. وَالْمُرَادُ فَهَذَا رَبِّي! قَالَ الزَّجَّاجُ «4» : قَوْلُهُ «هَذَا ربّي» أي على قولكم «5» .. كما قال «أبن شركائي» «6» : أَيْ عِنْدَكُمْ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْبُدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَشْرَكَ قَطُّ بِاللَّهِ
طَرْفَةَ عَيْنٍ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ. «إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ «1» » ؟ .. ثُمَّ قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ «2» » . وقال: «إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ «3» أَيْ مِنَ الشِّرْكِ.. وَقَوْلُهُ: «وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ «4» » . فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ «5» ؟ قيل: إنه إن لم يؤيدني بِمَعُونَتِهِ أَكُنْ مِثْلَكُمْ فِي ضَلَالَتِكُمْ وَعِبَادَتِكُمْ عَلَى مَعْنَى الْإِشْفَاقِ وَالْحَذَرِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْصُومٌ فِي الْأَزَلِ مِنَ الضَّلَالِ. فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا «6» » ثُمَّ قَالَ بَعْدُ عَنِ الرُّسُلِ: «قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا
فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها «1» » . فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْكَ لَفْظَةُ الْعَوْدِ وَأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَعُودُونَ إِلَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ مِلَّتِهِمْ. فَقَدْ تَأْتِي هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِغَيْرِ مَا لَيْسَ لَهُ ابْتِدَاءٌ، بِمَعْنَى الصَّيْرُورَةِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْجَهَنَّمِيِّينَ «2» عَادُوا حُمَمًا «3» ، وَلَمْ يَكُونُوا قَبْلُ كَذَلِكَ. وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «4» : تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا وَمَا كانا قَبْلُ كَذَلِكَ.. فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى «5» » ؟ فليس
هُوَ مِنَ الضَّلَالِ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ.. قِيلَ: ضَالًّا عَنِ النُّبُوَّةِ، فَهَدَاكَ إِلَيْهَا.. قَالَهُ الطَّبَرِيُّ «1» . وَقِيلَ: وَجَدَكَ بَيْنَ أَهْلِ الضَّلَالِ فَعَصَمَكَ مِنْ ذَلِكَ، وَهَدَاكَ لِلْإِيمَانِ وَإِلَى إِرْشَادِهِمْ. وَنَحْوُهُ عَنِ السُّدِّيِّ «2» وَغَيْرِ وَاحِدٍ. وَقِيلَ: ضَالًّا عَنْ شَرِيعَتِكَ أي لا تعرفها «3» . فهداك إليها. و «الضلال» ههنا التَّحَيُّرُ. وَلِهَذَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فِي طَلَبِ مَا يَتَوَجَّهُ به إلى ربه ويتشرع به حتى هداه الله إِلَى الْإِسْلَامِ قَالَ مَعْنَاهُ الْقُشَيْرِيُّ «4» . وَقِيلَ: لَا تَعْرِفُ الْحَقَّ فَهَدَاكَ إِلَيْهِ.. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تعالى: «وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ «5» قاله علي «6» بن عيسى.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «1» لَمْ تَكُنْ لَهُ ضَلَالَةُ مَعْصِيَةٍ. وَقِيلَ: «هَدَى» أَيْ بَيَّنَ أَمْرَكَ بِالْبَرَاهِينِ. وَقِيلَ: وَجَدَكَ ضَالًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَهَدَاكَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَجَدَكَ فَهَدَى بِكَ ضالا. وعن جعفر «2» بن محمد: ووجدك ضَالًّا عَنْ مَحَبَّتِي لَكَ فِي الْأَزَلِ. أَيْ لَا تَعْرِفُهَا.. فَمَنَنْتُ عَلَيْكَ بِمَعْرِفَتِي.. وَقَرَأَ الْحَسَنُ «3» بن علي ووجدك ضال «4» فَهَدَى.. أَيِ اهْتَدَى بِكَ وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ «5» : ووجدك «ضالا» أي مُحِبًّا لِمَعْرِفَتِي.. «وَالضَّالُّ» الْمُحِبُّ كَمَا قَالَ «إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ «6» » أي محبتك القديمة.. ولم يريدوا ههنا في الدين.. إذ قَالُوا ذَلِكَ فِي نَبِيِّ اللَّهِ لَكَفَرُوا.. وَمِثْلُهُ عِنْدَ هَذَا قَوْلُهُ: «إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ «7» » أي محبة بيّنة
وَقَالَ الْجُنَيْدُ» : وَوَجَدَكَ مُتَحَيِّرًا فِي بَيَانِ مَا أنزل إليك، فهداك لبيانه. لقوله: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ.. «2» » الْآيَةَ. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ لَمْ يَعْرِفْكَ أَحَدٌ بِالنُّبُوَّةِ حَتَّى أَظْهَرَكَ فَهَدَى بِكَ السُّعَدَاءَ.. وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِيهَا: ضَالًّا عَنِ الْإِيمَانِ. وَكَذَلِكَ فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. قوله «فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ «3» » أَيْ مِنَ الْمُخْطِئِينَ الْفَاعِلِينَ شَيْئًا بِغَيْرِ قَصْدٍ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ «4» . وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ «5» : مَعْنَاهُ مِنَ النّاسين.
وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى «1» » أَيْ نَاسِيًّا كَمَا قَالَ تَعَالَى: «أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما «2» ..» فإن قلت فما معنى قوله «مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ «3» » .. فَالْجَوَابُ أَنَّ السَّمَرْقَنْدِيَّ «4» قَالَ: مَعْنَاهُ: مَا كُنْتَ تَدْرِي قَبْلَ الْوَحْيِ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَلَا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان. وقال أبو بَكْرٌ «5» الْقَاضِي نَحْوَهُ. قَالَ: وَلَا الْإِيمَانَ الَّذِي هُوَ الْفَرَائِضُ وَالْأَحْكَامُ. قَالَ: فَكَانَ قَبْلُ مُؤْمِنًا بِتَوْحِيدِهِ ثُمَّ نَزَلَتِ الْفَرَائِضُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَدْرِيهَا قَبْلُ فَزَادَ بِالتَّكْلِيفِ إِيمَانًا وَهُوَ أَحْسَنُ وُجُوهِهِ.. فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ؟ .. «وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ «6» » .. فَاعْلَمْ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ «وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ «7» »
بَلْ حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ «1» الْهَرَوِيُّ: أَنَّ مَعْنَاهُ: لَمِنَ الْغَافِلِينَ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ.. إِذْ لَمْ تَعْلَمْهَا إِلَّا بِوَحْيِنَا. وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ «2» الَّذِي يَرْوِيهِ عُثْمَانُ «3» بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ جابر «4» أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كَانَ يَشْهَدُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مَشَاهِدَهُمْ.. فَسَمِعَ مَلَكَيْنِ خَلْفَهُ أَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ حَتَّى تَقُومَ خَلْفَهُ. فَقَالَ الْآخَرُ.. كَيْفَ أَقُومُ خَلْفَهُ وَعَهْدُهُ باستلام الأصنام.. فلم يشهدهم بعد.. فهذا الحديث أَنْكَرَهُ أَحْمَدُ «5» بْنُ حَنْبَلٍ جِدًّا.. وَقَالَ: هُوَ مَوْضُوعٌ أَوْ شَبِيهٌ بِالْمَوْضُوعِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ «6» : يُقَالُ: إِنَّ عُثْمَانَ «3» وَهِمَ فِي إِسْنَادِهِ. وَالْحَدِيثُ بِالْجُمْلَةِ مُنْكَرٌ غَيْرُ مُتَّفَقٌ عَلَى إِسْنَادِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.. وَالْمَعْرُوفُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. مِنْ قَوْلِهِ «بغضت إلى الأصنام» .
وَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «1» الَّذِي رَوَتْهُ أُمُّ أَيْمَنَ «2» حِينَ كَلَّمَهُ عَمُّهُ وَآلُهُ فِي حُضُورِ بَعْضِ أَعْيَادِهِمْ.. وَعَزَمُوا عَلَيْهِ فِيهِ بَعْدَ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ.. فَخَرَجَ مَعَهُمْ وَرَجَعَ مَرْعُوبًا.. فَقَالَ: «كُلَّمَا دَنَوْتُ مِنْهَا مِنْ صَنَمٍ تَمَثَّلَ لِي شَخْصٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ يَصِيحُ بِي- وَرَاءَكَ- لَا تَمَسَّهُ..» فَمَا شَهِدَ بَعْدُ لَهُمْ عِيدًا. وَقَوْلُهُ فِي قِصَّةِ بَحِيرَا «3» حِينَ اسْتَحْلَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى. إِذْ لَقِيَهُ بِالشَّامِ فِي سَفْرَتِهِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ صبي ورأى عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فَاخْتَبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسْأَلْنِي بِهِمَا فَوَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا قَطُّ بُغْضَهُمَا فَقَالَ لَهُ بَحِيرَا: فَبِاللَّهِ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ.. فَقَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ..» - وَكَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ مِنْ سِيرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوْفِيقِ اللَّهِ لَهُ، أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ يُخَالِفُ الْمُشْرِكِينَ فِي وُقُوفِهِمْ بِمُزْدَلِفَةَ فِي الْحَجِّ.. فَكَانَ يَقِفُ هُوَ بِعَرَفَةَ لِأَنَّهُ كَانَ موقف إبراهيم «4» عليه السلام
الفصل الثالث معرفة الأنبياء بأمور الدنيا
الفصل الثالث معرفة الأنبياء بأمور الدّنيا قَدْ بَانَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عُقُودُ الْأَنْبِيَاءِ فِي التوحيد، والإيمان، والوحي، وعصمتهم في ذلك على مَا بَيَّنَاهُ. فَأَمَّا مَا عَدَا هَذَا الْبَابَ مِنْ عُقُودِ قُلُوبِهِمْ، فَجِمَاعُهَا أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ عِلْمًا ويقينا على الجملة.. وأنها احْتَوَتْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ بِأُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مالا شَيْءَ فَوْقَهُ.. وَمَنْ طَالَعَ الْأَخْبَارَ، وَاعْتَنَى بِالْحَدِيثِ وَتَأَمَّلَ مَا قُلْنَاهُ وَجَدَهُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْهُ في حق نبينا صلّى الله عليه وسلم فِي الْبَابِ الرَّابِعِ- أَوَّلَ قِسْمٍ مِنْ هَذَا الكتاب- ما بينه عَلَى مَا وَرَاءَهُ.. إِلَّا أَنَّ أَحْوَالَهُمْ فِي هذه المعارف تختلف.. - فأما ما يتعلق منها بأمر «1» الدنيا، فلا يشترط في حق
الْأَنْبِيَاءِ الْعِصْمَةُ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْأَنْبِيَاءِ بِبَعْضِهَا، أَوِ اعْتِقَادِهَا عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا وَصْمَ عَلَيْهِمْ فِيهِ.. إِذْ هِمَمُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْآخِرَةِ وَأَنْبَائِهَا.. وَأَمْرِ الشَّرِيعَةِ وَقَوَانِينِهَا.. وَأُمُورُ الدُّنْيَا تضادها. - بخلاف غيرهم من أهل الدنيا الذبن «يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ «1» » كَمَا سَنُبَيِّنُ هَذَا فِي الْبَابِ الثَّانِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.. وَلَكِنَّهُ.. لَا يُقَالُ إِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا!!. فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْغَفْلَةِ وَالْبَلَهِ، - وَهُمُ الْمُنَزَّهُونَ عَنْهُ. بَلْ قَدْ أُرْسِلُوا إِلَى أَهْلِ الدُّنْيَا، وَقُلِّدُوا سِيَاسَتَهُمْ وَهِدَايَتَهُمْ، وَالنَّظَرَ فِي مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَسِيَرُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ مَعْلُومَةٌ، وَمَعْرِفَتُهُمْ بِذَلِكَ كُلِّهِ مَشْهُورَةٌ.. - وَأَمَّا إِنْ كَانَ هَذَا الْعَقْدُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ فَلَا يَصِحُّ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْعِلْمُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ جَهْلُهُ جُمْلَةً.. لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ حَصَلَ عِنْدَهُ ذَلِكَ عَنْ وحي من الله..
فهو ما لَا يَصِحُّ الشَّكُّ مِنْهُ فِيهِ..- عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ- فَكَيْفَ الْجَهْلُ.. بَلْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ الْيَقِينُ أَوْ يَكُونُ فَعَلَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ- عَلَى الْقَوْلِ بِتَجْوِيزِ وُقُوعِ الِاجْتِهَادِ مِنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ-. وَعَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «1» : إِنِّي «إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِرَأْيِي فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِ شَيْءٌ.» خَرَّجَهُ الثِّقَاتُ «2» . وَكَقِصَّةِ أَسْرَى بَدْرٍ «3» ، وَالْإِذْنِ لِلْمُتَخَلِّفِينَ «4» ، عَلَى رَأْيِ بَعْضِهِمْ- فَلَا يَكُونُ أَيْضًا مَا يَعْتَقِدُهُ مِمَّا يُثْمِرُهُ اجْتِهَادُهُ إِلَّا حَقًّا وَصَحِيحًا.. هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يُلْتَفَتُ إِلَى خِلَافِ مَنْ خَالَفَ فِيهِ مِمَّنْ أَجَازَ عَلَيْهِ الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ. لَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا.. وَلَا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بأن الحق في طرف واحد.. لعصمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ. - وَلِأَنَّ الْقَوْلَ فِي تَخْطِئَةِ الْمُجْتَهِدِينَ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الشَّرْعِ. وَنَظَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجْتِهَادُهُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ.. ولم يشرع له قبل.
هَذَا فِيمَا عَقَدَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قلبه. - فأما مالم يَعْقِدْ عَلَيْهِ قَلْبَهُ مِنْ أَمْرِ النَّوَازِلِ الشَّرْعِيَّةِ، فَقَدْ كَانَ لَا يَعْلَمُ مِنْهَا أَوَّلًا إِلَّا ما علمه الله شيئا، حتى استقر علم جملتها عِنْدَهُ إِمَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ، أَوْ إِذْنٍ أَنْ يَشْرَعَ فِي ذَلِكَ وَيَحْكُمَ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ. وَقَدْ كَانَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ فِي كَثِيرٍ منها، ولكنه لم يمت حتى استفرغ عِلْمُ جَمِيعِهَا عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وَتَقَرَّرَتْ مَعَارِفُهَا لَدَيْهِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَرَفْعِ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ، وَانْتِفَاءِ الْجَهْلِ.. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْجَهْلُ بِشَيْءٍ مِنْ تَفَاصِيلِ الشَّرْعِ الَّذِي أُمِرَ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ.. إِذْ لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ إِلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ. - وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِعَقْدِهِ من ملكوت السماوات والأرض، وخلق الله، وَتَعْيِيِنِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَآيَاتِهِ الْكُبْرَى، وَأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَأَحْوَالِ السُّعَدَاءِ وَالْأَشْقِيَاءِ. وَعَلِمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ «1» مِمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ إِلَّا بِوَحْيٍ.. فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ.. مِنْ أَنَّهُ مَعْصُومٌ فِيهِ لَا يَأْخُذُهُ فِيمَا أَعْلَمُ مِنْهُ شَكٌّ وَلَا رَيْبٌ.. بَلْ هُوَ فِيهِ عَلَى غَايَةِ الْيَقِينِ.. لَكِنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ لَهُ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ تفاصيل ذلك.
وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ مَا ليس عند جميع البشر. لقوله صلّى الله عليه وسلم «1» : «إِنِّي لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي رَبِّي» . وَلِقَوْلِهِ «2» : وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» . «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ» «3» . وَقَوْلِ مُوسَى لِلْخَضِرِ» : «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً» «5» . وقوله صلّى الله عليه وسلم «6» : «أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم» وَقَوْلِهِ «7» : «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ به نفسك أو استأثرت بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ.» وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ «8» » . قَالَ زَيْدُ «9» بْنُ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُ: حَتَّى يَنْتَهِيَ العلم إلى الله..
وَهَذَا مَا لَا خَفَاءَ بِهِ، إِذْ مَعْلُومَاتُهُ تعالى لَا يُحَاطُ بِهَا وَلَا مُنْتَهَى لَهَا. هَذَا حُكْمُ عَقْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْحِيدِ وَالشَّرْعِ وَالْمَعَارِفِ وَالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ.
الفصل الرابع العصمة من الشيطان
الْفَصْلُ الرَّابِعُ الْعِصْمَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَكِفَايَتِهِ مِنْهُ، لَا فِي جِسْمِهِ بِأَنْوَاعِ الْأَذَى، وَلَا عَلَى خَاطِرِهِ بالوساوس. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ «1» بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم «2» : «ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.. قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ .. قَالَ: وَإِيَّايَ.. وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ «3» » . زَادَ غَيْرُهُ عَنْ مَنْصُورٍ «4» «فلا يأمرني إلا بخير..»
وعن عائشة «1» بمعناه روي: «فَأَسْلَمُ» بِضَمِّ الْمِيمِ.. أَيْ فَأَسْلَمُ «2» أَنَا مِنْهُ. وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ «3» وَرَجَّحَهَا. وَرُوِيَ «فَأَسْلَمَ «4» » يَعْنِي الْقَرِينَ أَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ حَالِ كُفْرِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ فَصَارَ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِخَيْرٍ كَالْمَلَكِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ «فَاسْتَسْلَمَ..» قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ. فَإِذَا كَانَ هَذَا حُكْمَ شَيْطَانِهِ وَقَرِينِهِ الْمُسَلَّطِ عَلَى بَنِي آدَمَ «5» فَكَيْفَ بِمَنْ بَعُدَ مِنْهُ «6» وَلَمْ يَلْزَمْ صُحْبَتَهُ وَلَا أُقْدِرَ عَلَى الدُّنُوِّ مِنْهُ!! .. وَقَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ بِتَصَدِّي الشَّيَاطِينِ لَهُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ «7» رَغْبَةً فِي إِطْفَاءِ نُورِهِ، وَإِمَاتَةِ نفسه، وإدخال شغل عليه، إذ يئسوا
مِنْ إِغْوَائِهِ فَانْقَلَبُوا خَاسِرِينَ.. كَتَعَرُّضِهِ لَهُ فِي الصلاة فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسَرَهُ «1» . فَفِي الصِّحَاحِ «2» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «3» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ «4» لِي..» قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «5» «فِي صُورَةِ هِرٍّ.. فَشَدَّ عَلَيَّ يَقْطَعُ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَذَعَتُّهُ «6» وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوثِقَهُ إِلَى سَارِيَةٍ حَتَّى تُصْبِحُوا تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً..» «7» الْآيَةَ.. فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِئًا. وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ «8» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «9» : «إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَنِي بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» وَذَكَرَ تَعَوُّذَهُ بِاللَّهِ مِنْهُ ولعنه له.. «ثم أردت أن آخذه» «10» وذكر
نحوه وقال: «لأصبح موثقا بتلاعب بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.. وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِهِ فِي الْإِسْرَاءِ: وَطَلَبِ عِفْرِيتٍ لَهُ بِشُعْلَةِ نَارٍ فَعَلَّمَهُ جِبْرِيلُ مَا يَتَعَوَّذُ بِهِ مِنْهُ» ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَمَّا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَذَاهُ بِمُبَاشَرَتِهِ تَسَبَّبَ بِالتَّوَسُّطِ إِلَى عِدَاهُ كَقَضِيَّتِهِ مَعَ قُرَيْشٍ فِي الِائْتِمَارِ بِقَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصَوُّرِهِ فِي صُورَةِ الشَّيْخِ النَّجْدِيِّ. - ومرة أخرى في غزوة يوم بَدْرٍ «1» فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ «2» بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ قوله: «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ..» «3» الْآيَةَ. - وَمَرَّةً يُنْذِرُ بِشَأْنِهِ عِنْدَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ.. وكل هذا فقد كفاه أَمْرَهُ، وَعَصَمَهُ ضُرَّهُ وَشَرَّهُ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : «إِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كُفِيَ مِنْ لَمْسِهِ، فَجَاءَ لِيَطْعَنَ بِيَدِهِ فِي خاصرته حين ولد فطعن في الحجاب «5» » .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ لُدَّ» في مرضه «2» ، وفيل لَهُ: خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ.. فَقَالَ: «إِنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيُسَلِّطَهُ عَلَيَّ «3» .. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ «4» ..» الاية!! .. فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى قوله: «وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ «5» » ثُمَّ قَالَ: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ» أَيْ يَسْتَخِفَّكَ غَضَبٌ يَحْمِلُكَ عَلَى تَرْكِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ.. وقيل: «النزغ» هنا الفساد. كما قال «مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي «6» ..» وَقِيلَ «يَنْزَغَنَّكَ» يُغْرِيَنَّكَ وَيُحَرِّكَنَّكَ «وَالنَّزْغُ» أَدْنَى الْوَسْوَسَةِ «7»
فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَتَى تَحَرَّكَ عَلَيْهِ غَضَبٌ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ رَامَ الشَّيْطَانُ مِنْ إغرائه به وخواطر أدنى وساوسه ما لَمْ يُجْعَلْ لَهُ سَبِيلٌ إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهُ. فَيُكْفَى أَمْرُهُ وَيَكُونُ سَبَبَ تَمَامِ عِصْمَتِهِ إِذْ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنَ التَّعَرُّضِ له.. ولم يجعل له قُدْرَةٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا.. وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَصَوَّرَ لَهُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ الْمَلَكِ وَيُلَبِّسَ عَلَيْهِ لَا فِي أَوَّلِ الرِّسَالَةِ وَلَا بَعْدَهَا.. وَالِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ دَلِيلُ الْمُعْجِزَةِ بَلْ لَا يَشُكُّ النَّبِيُّ أَنَّ مَا يَأْتِيهِ مِنَ اللَّهِ الْمَلَكُ وَرَسُولُهُ حَقِيقَةً.. إِمَّا بِعِلْمٍ ضَرُورِيٍّ يَخْلُقُهُ اللَّهُ لَهُ.. أَوْ بِبُرْهَانٍ يُظْهِرُهُ لَدَيْهِ لِتَتِمَّ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا.. لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ.. فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى «1» أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ «2» » الْآيَةَ!! فَاعْلَمْ أَنَّ لِلنَّاسِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَقَاوِيلَ «3» ، مِنْهَا السَّهْلُ وَالْوَعْثُ «4» ، وَالسَّمِينُ، وَالْغَثُّ «5» .
وَأَوْلَى مَا يُقَالُ فِيهَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ من المفسرين: أن «التمني» ههنا التِّلَاوَةُ.. وَإِلْقَاءَ الشَّيْطَانِ فِيهَا إِشْغَالُهُ بِخَوَاطِرَ وَأَذْكَارٍ من أمور الدنيا للتّالي، حَتَّى يُدْخِلَ عَلَيْهِ الْوَهْمَ وَالنِّسْيَانَ فِيمَا تَلَاهُ، أَوْ يُدْخِلَ غَيْرَ ذَلِكَ عَلَى أَفْهَامِ السَّامِعِينَ مِنَ التَّحْرِيفِ، وَسُوءِ التَّأْوِيلِ، مَا يُزِيلُهُ اللَّهُ وَيَنْسَخُهُ، وَيَكْشِفُ لَبْسَهُ، وَيُحْكِمُ آيَاتِهِ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ على هذه الاية بعد بِأَشْبَعَ مِنْ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَدْ حكي السمرقندي «1» إنكار قول من قال بتسلط الشيطان على ملك سليمان وغلبته.. وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَصِحُّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قِصَّةَ سُلَيْمَانَ مُبَيَّنَةً بَعْدَ هَذَا، وَمَنْ قَالَ إِنَّ الْجَسَدَ هُوَ الْوَلَدُ الَّذِي وُلِدَ لَهُ.. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ «2» مَكِّيٌّ فِي قِصَّةِ أَيُّوبَ وقوله: «أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ «3» » : إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَأَوَّلَ أَنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ الَّذِي أَمْرَضَهُ، وَأَلْقَى الضُّرَّ فِي بَدَنِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِفِعْلِ اللَّهِ وأمره ليبتليهم ويثيبهم «4» ..
قال مكي: وقيل: إن الذي أصابه الشَّيْطَانُ مَا وَسْوَسَ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنْ قلت: فما معنى قوله تعالى في يوشع «1» : «وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ «2» ..» وَقَوْلِهِ عَنْ يُوسُفَ: «فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ «3» » وَقَوْلِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نام عن الصَّلَاةِ يَوْمَ الْوَادِي «4» : «إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ.. وَقَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي وَكْزَتِهِ «5» : «هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ «6» » !! فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَدْ يَرِدُ فِي جميع هَذَا عَلَى مَوْرِدِ مُسْتَمِرِّ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي وَصْفِهِمْ كُلَّ قَبِيحٍ مِنْ شَخْصٍ أَوْ فِعْلٍ بالشيطان أو فعله.
كما قال تعالى: «طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ «1» » . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» . وَأَيْضًا «3» فَإِنَّ قَوْلَ يُوشَعَ لَا يَلْزَمُنَا الْجَوَابُ عَنْهُ، إِذْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نُبُوَّةٌ مَعَ مُوسَى. قَالَ الله تعالى: «وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ «4» » . والمروي أنه إنما نبيء بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى. وَقِيلَ: قُبَيْلَ «5» مَوْتِهِ. وَقَوْلُ مُوسَى كَانَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ بِدَلِيلِ الْقُرْآنِ وَقِصَّةُ يُوسُفَ قَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ. وقد قال المفسرون في قوله: «فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ» «6» قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الَّذِي أَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ أَحَدُ صَاحِبَيِ السِّجْنِ «وَرَبُّهُ» الْمَلِكُ.. أَيْ أَنْسَاهُ أَنْ يَذْكُرَ لِلْمَلِكِ شَأْنَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السلام.
وَأَيْضًا.. فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ ليس فيه تسلط على يوسف عليه السلام وَيُوشَعَ بِوَسَاوِسَ وَنَزْغٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِشَغْلِ خَوَاطِرِهِمَا بأمور أخر، وتذكير هما من أمور هما مَا يُنْسِيهِمَا مَا نَسِيَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ» فَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ تَسَلُّطِهِ عَلَيْهِ وَلَا وَسْوَسَتِهِ لَهُ.. بَلْ إِنْ كَانَ بِمُقْتَضَى ظَاهِرِهِ فَقَدْ بَيَّنَ أَمْرَ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ بِقَوْلِهِ «1» : «إِنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلَالًا فَلَمْ يَزَلْ يُهَدِّئُهُ كَمَا يُهَدَّأُ الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ..» فَاعْلَمْ أَنَّ تَسَلُّطَ الشَّيْطَانِ فِي ذَلِكَ الْوَادِي إِنَّمَا كَانَ عَلَى بِلَالٍ الْمُوَكَّلِ بِكَلَاءَةِ «2» الْفَجْرِ. هَذَا إِنْ جَعَلْنَا قَوْلَهُ: «إِنَّ هَذَا وَادٍ بِهِ شَيْطَانٌ» تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا إِنْ جَعَلْنَاهُ تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ الرَّحِيلِ عَنِ الْوَادِي، وَعِلَّةً لِتَرْكِ الصَّلَاةِ بِهِ، وَهُوَ دَلِيلُ مَسَاقِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «3» ، فَلَا اعْتِرَاضَ بِهِ في هذا الباب لبيانه وارتفاع اشكاله..
الفصل الخامس صدق أقواله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله
الْفَصْلُ الْخَامِسُ صِدْقُ أَقْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم في جميع أحواله وأما أقواله صلّى الله عليه وسلم، فقد قامت الدَّلَائِلُ «1» الْوَاضِحَةُ بِصِحَّةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِهِ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ فِيمَا كَانَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ فِيهِ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ لَا قَصْدًا وَلَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَلَا غَلَطًا. أَمَّا تَعَمُّدُ الْخُلْفِ فِي ذَلِكَ فَمُنْتَفٍ بِدَلِيلِ الْمُعْجِزَةِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ قَوْلِ اللَّهِ: صَدَقَ فِيمَا قَالَ اتِّفَاقًا، وَبِإِطْبَاقِ أَهْلِ الْمِلَّةِ إِجْمَاعًا. وَأَمَّا وُقُوعُهُ عَلَى جِهَةِ الْغَلَطِ فِي ذَلِكَ فَبِهَذِهِ السَّبِيلِ عِنْدَ الْأُسْتَاذِ» أبي إسحق «3» الإسفرائيني، ومن قال بقوله، ومن جهة الإجماع
فقط. وورود الشرع بانتفاء ذلك وعصمة النبي لَا مِنْ مُقْتَضَى الْمُعْجِزَةِ نَفْسِهَا عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ «1» الْبَاقِلَّانِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ لِاخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي مُقْتَضَى دَلِيلِ الْمُعْجِزَةِ لَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهِ فنخرج عن غرض الكتاب، فلنعتمد مَا وَقَعَ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ. - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ خُلْفٌ فِي الْقَوْلِ فِي إِبْلَاغِ الشَّرِيعَةِ وَالْإِعْلَامِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ، وَمَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ مِنْ وَحْيِهِ، لَا عَلَى الْعَمْدِ وَلَا عَلَى غَيْرِ عَمْدٍ، وَلَا فِي حَالَيِ الرِّضَى وَالسَّخَطِ، وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ. وَفِي حَدِيثِ «2» عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «3» : «قُلْتُ يَا رَسُولَ الله.. أأكتب كُلَّ مَا أَسْمَعُ مِنْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.. قُلْتُ: فِي الرِّضَى وَالْغَضَبِ؟ .. قَالَ نَعَمْ فَإِنِّي لَا أَقُولُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا حَقًّا، وَلْنَزِدْ «4» مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ دَلِيلِ الْمُعْجِزَةِ عَلَيْهِ بَيَانًا. - فَنَقُولُ: إِذَا قَامَتِ الْمُعْجِزَةُ عَلَى صِدْقِهِ وَأَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، وَلَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ إِلَّا صِدْقًا، وَأَنَّ الْمُعْجِزَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ قَوْلِ اللَّهِ لَهُ: صَدَقْتَ فِيمَا تَذْكُرُهُ عني.. وهو يقول: «اني رسول الله إليكم
لأبلّغكم ما أرسلت به اليكم وأبيّن لَكُمْ مَا نُزِّلَ عَلَيْكُمْ» .. «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «1» » «قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ «2» » «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «3» » فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ خَبَرٌ بِخِلَافِ مُخْبَرِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ. فَلَوْ جَوَّزْنَا عَلَيْهِ الْغَلَطَ وَالسَّهْوَ لَمَا تميّز لنا من غيره، ولاختلط الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ. فَالْمُعْجِزَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَصْدِيقِهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ خُصُوصٍ.. فَتَنْزِيهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاجِبٌ برهانا وإجماعا كما قاله أبو إسحق «4»
الفصل السادس دفع بعض الشبهات
الفصل السّادس دفع بعض الشبهات وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنين سؤالات: منها ما رُوِيَ «1» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قرأ سورة «النجم» وَقَالَ: «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ «2» وَالْعُزَّى «3» وَمَناةَ «4» الثَّالِثَةَ الْأُخْرى «5» ..» قَالَ: «تِلْكَ الْغَرَانِيقُ «6» الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهَا لِتُرْتَجَى» وَيُرْوَى تُرْتَضَى.. وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ شَفَاعَتَهَا لَتُرْتَجَى وَإِنَّهَا لَمَعَ الْغَرَانِيقِ الْعُلَى وَفِي أُخْرَى وَالْغَرَانِقَةُ العلى، تلك الشفاعة ترتجى.. فلما ختم
السورة سجد وسجد الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ لَمَّا سَمِعُوهُ أَثْنَى عَلَى آلِهَتِهِمْ. وما وقع في بعض الروايات أن شيطانا أَلْقَاهَا عَلَى لِسَانِهِ. وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَمَنَّى أَنْ لَوْ نَزَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُقَارِبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنْ لَا يَنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُنَفِّرُهُمْ عَنْهُ- وَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَأَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام جاءه فَعَرَضَ عَلَيْهِ السُّورَةَ.. فَلَمَّا بَلَغَ الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ لَهُ: مَا جِئْتُكَ بِهَاتَيْنِ، فَحَزِنَ لِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَسْلِيَةً لَهُ: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ «1» ..» الاية وقوله: «وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ «2» .. الاية. فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنَّ لَنَا فِي الْكَلَامِ عَلَى مُشْكَلِ هَذَا الْحَدِيثَ مَأْخَذَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي تَوْهِينِ أَصْلِهِ وَالثَّانِي عَلَى تَسْلِيمِهِ.. أَمَّا الْمَأْخَذُ الْأَوَّلُ: فَيَكْفِيكَ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ «3» لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الصِّحَّةِ «4» وَلَا رَوَاهُ ثِقَةٌ بِسَنَدٍ سَلِيمٍ مُتَّصِلٍ «5» .. وَإِنَّمَا أُولِعَ بِهِ وَبِمِثْلِهِ المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب
الْمُتَلَقِّفُونَ «1» مِنَ الصُّحُفِ كُلَّ صَحِيحٍ وَسَقِيمٍ «2» . وَصَدَقَ الْقَاضِي بَكْرُ «3» بْنُ الْعَلَاءِ «4» الْمَالِكِيُّ حَيْثُ قَالَ: لَقَدْ بُلِيَ النَّاسُ بِبَعْضِ «5» أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالتَّفْسِيرِ.. وَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْمُلْحِدُونَ مَعَ ضَعْفِ نَقَلَتِهِ، وَاضْطِرَابِ رِوَايَاتِهِ «6» ، وَانْقِطَاعِ إِسْنَادِهِ «7» ، وَاخْتِلَافِ كَلِمَاتِهِ فَقَائِلٌ يَقُولُ: إِنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَآخَرُ يَقُولُ. قَالَهَا فِي نَادِي قَوْمِهِ حِينَ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ السُّورَةُ، وَآخَرُ يَقُولُ: قَالَهَا وَقَدْ أَصَابَتْهُ سِنَةٌ وَآخَرُ يَقُولُ بَلْ حَدَّثَ نَفْسَهُ فَسَهَا، وَآخَرُ يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَهَا عَلَى لِسَانِهِ.. وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَرَضَهَا عَلَى جِبْرِيلَ قَالَ: مَا هَكَذَا أَقْرَأْتُكَ وَآخَرُ يَقُولُ: بَلْ أَعْلَمَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَهَا فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا هَكَذَا أنزلت. - إلى غير ذلك من اختلاف الرواة.
- وَمَنْ حُكِيَتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ «1» وَالتَّابِعِينَ «2» لَمْ يُسْنِدْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا رَفَعَهَا إِلَى صَاحِبٍ. وَأَكْثَرُ الطُّرُقِ عَنْهُمْ فِيهَا ضَعِيفَةٌ وَاهِيَةٌ. وَالْمَرْفُوعُ فِيهِ «3» حَدِيثُ شُعْبَةَ «4» عَنْ أَبِي بِشْرٍ» عَنْ سَعِيدِ «6» بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «7» قَالَ: فِيمَا أَحْسَبُ «8» - الشَّكُّ فِي الْحَدِيثِ «9» أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بِمَكَّةَ- وَذَكَرَ الْقِصَّةَ-. قَالَ أَبُو بَكْرٍ «10» الْبَزَّارُ: هذا لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ يَجُوزُ ذِكْرُهُ إِلَّا هَذَا.. وَلَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ شُعْبَةَ «4» إِلَّا أُمَيَّةُ «11» بْنُ خَالِدٍ. وَغَيْرُهُ يُرْسِلُهُ عَنْ سَعِيدِ «6» بْنِ جبير.. وإنما
يُعْرَفُ عَنِ الْكَلْبِيِّ «1» عَنْ أَبِي صَالِحٍ «2» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «3» . فَقَدْ بَيَّنَ لَكَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مِنْ طَرِيقٍ يَجُوزُ ذِكْرُهُ سِوَى هَذَا، وَفِيهِ مِنَ الضَّعْفِ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ مَعَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ الَّذِي لَا يُوثَقُ بِهِ وَلَا حقيقة معه. أما حديث الكلبي «1» فمما لا تجوز الرواية عَنْهُ «4» وَلَا ذِكْرُهُ لِقُوَّةِ ضَعْفِهِ وَكَذِبِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَزَّارُ «5» رَحِمَهُ اللَّهُ. - وَالَّذِي مِنْهُ فِي الصَّحِيحِ. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ «وَالنَّجْمِ» وَهُوَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ مَعَهُ المسلمون والمشركون والجن والإنس هذا
توهينه «1» من طريق النقل. - أما مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَقَدْ قَامَتِ الْحُجَّةُ وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى عِصْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَزَاهَتِهِ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الرَّذِيلَةِ إِمَّا مِنْ تَمَنِّيهِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا مِنْ مَدْحِ آلِهَةٍ غَيْرِ اللَّهِ وَهُوَ كُفْرٌ أَوْ يَتَسَوَّرَ «2» عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَيُشَبِّهَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ حَتَّى يَجْعَلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَيَعْتَقِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِنَ الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ حَتَّى يُنَبِّهَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذَلِكَ كُلُّهُ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. أَوْ يَقُولُ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ عَمْدًا وَذَلِكَ كُفْرٌ.. أَوْ سَهْوًا وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ. وَقَدْ قَرَّرْنَا بِالْبَرَاهِينِ وَالْإِجْمَاعِ عِصْمَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَرَيَانِ الْكُفْرِ عَلَى قَلْبِهِ أَوْ لِسَانِهِ لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا.. أَوْ أَنْ يَتَشَبَّهَ عَلَيْهِ مَا يلقيه الملك مما يُلْقِي الشَّيْطَانُ، أَوْ يَكُونَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، أو
أَنْ يَتَقَوَّلَ عَلَى اللَّهِ لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا مَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ «1» ..» الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى: «إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ «2» » ووجه ثان: هو اسْتِحَالَةُ هَذِهِ الْقِصَّةِ نَظَرًا وَعُرْفًا. وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَوْ كَانَ كَمَا رُوِيَ لَكَانَ بعيد الالتئام، مُتَنَاقِضَ الْأَقْسَامِ، مُمْتَزِجَ الْمَدْحِ بِالذَّمِّ، مُتَخَاذِلَ التَّأْلِيفِ وَالنَّظْمِ، وَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَصَنَادِيدِ «3» الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ.. وَهَذَا لَا يَخْفَى عَلَى أَدْنَى مُتَأَمِّلٍ فَكَيْفَ بِمَنْ رَجَحَ حِلْمُهُ، وَاتَّسَعَ فِي بَابِ الْبَيَانِ وَمَعْرِفَةِ فَصِيحِ الْكَلَامِ عِلْمُهُ!! وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ عَادَةِ الْمُنَافِقِينَ، وَمُعَانِدِي الْمُشْرِكِينَ، وَضَعَفَةِ الْقُلُوبِ، والجهلة من المسلمين، نفور هم لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ، وَتَخْلِيطُ الْعَدُوِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَقَلِّ فِتْنَةٍ، وَتَعْييرُهُمُ الْمُسْلِمِينَ، وَالشَّمَاتَةُ «4» بِهِمُ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ. وَارْتِدَادُ مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرْضٌ مِمَّنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ لِأَدْنَى شُبْهَةٍ.. وَلَمْ يَحْكِ أَحَدٌ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ شيئا سوى هذه الرواية الضعيفة
الْأَصْلِ.. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَدَتْ قُرَيْشٌ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ الصَّوْلَةَ «1» وَلَأَقَامَتْ بِهَا الْيَهُودُ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ، كَمَا فَعَلُوا مُكَابَرَةً فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ، حَتَّى كَانَتْ فِي ذَلِكَ لِبَعْضِ الضُّعَفَاءِ رِدَّةٌ. وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ الْقَضِيَّةِ «2» ، وَلَا فِتْنَةَ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْبَلِيَّةِ لَوْ وُجِدَتْ، ولا تشغيب «3» المعادي حِينَئِذٍ أَشَدُّ مِنْ هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَوْ أَمْكَنَتْ. فَمَا رُوِيَ عَنْ مُعَانِدٍ فِيهَا كَلِمَةٌ، وَلَا عَنْ مُسْلِمٍ بِسَبَبِهَا بِنْتُ «4» شَفَةٍ.. فَدَلَّ عَلَى بُطْلِهَا، وَاجْتِثَاثِ «5» أَصْلِهَا.. - وَلَا شَكَّ فِي إِدْخَالِ بَعْضِ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ أَوِ الْجِنِّ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى بَعْضِ مُغَفَّلِي الْمُحَدِّثِينَ لِيُلَبِّسَ بِهِ عَلَى ضعفاء المسلمين «6»
وَوَجْهٌ رَابِعٌ: ذَكَرَ الرُّوَاةُ لِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ أَنَّ فيها نزلت «وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ.. «1» الْآيَتَيْنِ. وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ تَرُدَّانِ الْخَبَرَ الَّذِي رَوَوْهُ.. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّهُمْ كَادُوا يَفْتِنُونَهُ حتى يفتري، وأنه لولا أن ثبته لكادير كن إِلَيْهِمْ. فَمَضْمُونُ هَذَا وَمَفْهُومُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَصَمَهُ مِنْ أَنْ يَفْتَرِيَ، وَثَبَّتَهُ حَتَّى لَمْ يَرْكَنْ إِلَيْهِمْ قَلِيلًا فَكَيْفَ كَثِيرًا وَهُمْ يَرْوُونَ في أَخْبَارَهُمُ الْوَاهِيَةَ أَنَّهُ زَادَ عَلَى الرُّكُونِ وَالِافْتِرَاءِ بِمَدْحِ آلِهَتِهِمْ. وَأَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: افْتَرَيْتُ عَلَى اللَّهِ وَقُلْتُ مَا لَمْ يَقُلْ.. وَهَذَا ضِدُّ مَفْهُومِ الْآيَةِ وَهِيَ تُضْعِفُ «2» الْحَدِيثَ لَوْ صَحَّ فَكَيْفَ وَلَا صِحَّةَ لَهُ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: «وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ، وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ. وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ «3» »
وَقَدْ رُوِيَ «1» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «2» : كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ «كَادَ» فَهُوَ مَا لَا يَكُونُ «3» . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «يَكادُ سَنا «4» بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ «5» » وَلَمْ يَذْهَبْ وَ «أَكَادُ أُخْفِيهَا» وَلَمْ يَفْعَلْ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ «6» الْقَاضِي: وَلَقَدْ طَالَبَهُ «7» قُرَيْشٌ وَثَقِيفٌ إِذْ مَرَّ بِآلِهَتِهِمْ أَنْ يُقْبِلَ بِوَجْهِهِ إِلَيْهَا وَوَعَدُوهُ الْإِيمَانَ بِهِ إِنْ فَعَلَ فَمَا فَعَلَ، وَلَا كَانَ «8» لِيَفْعَلَ.. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ «9» : مَا قارب الرسول ولا ركن.
وَقَدْ ذُكِرَتْ «1» فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ تَفَاسِيرُ أُخَرُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نَصِّ اللَّهِ عَلَى عِصْمَةِ رَسُولِهِ تَرُدُّ سِفْسَافَهَا «2» . فَلَمْ يَبْقَ فِي الْآيَةِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَى رسوله بعصمته وتثبيته بما كَادَهُ بِهِ الْكُفَّارُ وَرَامُوا مِنْ فِتْنَتِهِ. وَمُرَادُنَا مِنْ ذَلِكَ تَنْزِيهُهُ وَعِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَفْهُومُ الْآيَةِ. - وَأَمَّا الْمَأْخَذُ الثَّانِي فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ الْحَدِيثِ لَوْ صَحَّ.. وَقَدْ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ صِحَّتِهِ. وَلَكِنْ عَلَى كل حال فقد أجاب عن ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا الْغَثُّ وَالسَّمِينُ.. فَمِنْهَا مَا رَوَى قَتَادَةُ «3» وَمُقَاتِلٌ «4» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَتْهُ سِنَةٌ «5» عِنْدَ قِرَاءَتِهِ هَذِهِ السُّورَةَ فَجَرَى هَذَا الْكَلَامُ عَلَى لِسَانِهِ بِحُكْمِ النَّوْمِ. - وَهَذَا لَا يَصِحُّ إِذْ لَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ فِي حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ، وَلَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ، وَلَا يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عليه في
نَوْمٍ وَلَا يَقَظَةٍ لِعِصْمَتِهِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ جَمِيعِ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ.. وَفِي قَوْلِ الْكَلْبِيِّ «1» : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ نَفْسَهُ فَقَالَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ «2» عَنْ أَبِي بَكْرِ «3» بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَسَهَا.. فَلَمَّا أُخْبِرَ «4» بِذَلِكَ قَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ.. وَكُلُّ هَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا سَهْوًا وَلَا قَصْدًا وَلَا يَتَقَوَّلَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ. وَقِيلَ: لَعَلَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم قاله أَثْنَاءِ تِلَاوَتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّقْرِيرِ وَالتَّوْبِيخِ لِلْكُفَّارِ.. كقول إبراهيم عليه السلام «هذا رَبِّي «5» » عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ وَكَقَوْلِهِ «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا «6» » بعد
السكت وبيان الفصل بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى تِلَاوَتِهِ وَهَذَا ممكن مع بيان الفصل وَقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَتْلُوِّ. وَهُوَ أَحَدُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ «1» .. وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ كَانَ الْكَلَامُ قَبْلُ فِيهَا غَيْرَ مَمْنُوعٍ.. وَالَّذِي يَظْهَرُ وَيَتَرَجَّحُ «2» فِي تَأْوِيلِهِ عِنْدَهُ «3» وَعِنْدَ غَيْرِهِ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ- عَلَى تَسْلِيمِهِ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَمَا أَمَرَهُ رَبُّهُ يُرَتِّلُ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا «4» ، وَيُفَصِّلُ الْآيَ تَفْصِيلًا فِي قِرَاءَتِهِ «5» ، كَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ «6» عَنْهُ- فَيُمْكِنُ تَرَصُّدُ الشَّيْطَانِ لِتِلْكَ السَّكَتَاتِ وَدَسُّهُ فِيهَا مَا اخْتَلَقَهُ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، مُحَاكِيًا نَغْمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ دَنَا إِلَيْهِ مِنَ الْكُفَّارِ فَظَنُّوهَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشَاعُوهَا.. وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ بِحِفْظِ السُّورَةِ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى مَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَتَحَقُّقِهِمْ مِنْ حَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَمِّ الْأَوْثَانِ وَعَيْبِهَا ما عرف منه.
وَقَدْ حَكَى مُوسَى «1» بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ نَحْوَ هَذَا وَقَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَسْمَعُوهَا، وَإِنَّمَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ ذَلِكَ فِي أَسْمَاعِ الْمُشْرِكِينَ وَقُلُوبِهِمْ، وَيَكُونُ مَا رُوِيَ مِنْ حُزْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَذِهِ الْإِشَاعَةِ وَالشُّبْهَةِ وَسَبَبِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ «2» ..» الْآيَةَ فَمَعْنَى «تَمَنَّى» تَلَا «3» . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ «4» » أَيْ تِلَاوَةً وَقَوْلُهُ: «فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ «5» أَيْ يُذْهِبُهُ وَيُزِيلُ اللَّبْسَ بِهِ، وَيُحْكِمُ آيَاتِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ هُوَ مَا يَقَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّهْوِ إِذَا قرأ
فَيَنْتَبِهُ لِذَلِكَ، وَيَرْجِعُ عَنْهُ، وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ الْكَلْبِيِّ «1» فِي الْآيَةِ أَنَّهُ حَدَّثَ نَفْسَهُ وَقَالَ «إِذَا تَمَنَّى» أَيْ حَدَّثَ نَفْسَهُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ «2» بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَحْوُهُ وَهَذَا السَّهْوُ فِي الْقِرَاءَةِ إِنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ تَغْيِيرَ الْمَعَانِي، وَتَبْدِيلَ الْأَلْفَاظِ، وَزِيَادَةَ مَا لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ، بَلِ السَّهْوُ عَنْ إِسْقَاطِ آيَةٍ مِنْهُ أَوْ كَلِمَةٍ وَلَكِنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى هَذَا السَّهْوِ بَلْ يُنَبَّهُ عَلَيْهِ، وَيُذَكَّرُ بِهِ لِلْحِينِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي حُكْمِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنَ السَّهْوِ وَمَا لَا يَجُوزُ وَمِمَّا يَظْهَرُ فِي تَأْوِيلِهِ أَيْضًا أَنَّ مُجَاهِدًا «3» رَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ «وَالْغَرَانِقَةُ الْعُلَى» فَإِنْ سَلَّمْنَا الْقِصَّةَ قُلْنَا لَا يَبْعُدُ أَنَّ هَذَا كَانَ قُرْآنًا وَالْمُرَادُ بِالْغَرَانِقَةِ الْعُلَى وَأَنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى «الْمَلَائِكَةُ» عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَبِهَذَا فَسَرَّ الْكَلْبِيُّ «1» «الْغَرَانِقَةَ» أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ.. وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ كانوا يعتقدون أنّ الْأَوْثَانَ وَالْمَلَائِكَةَ بَنَاتِ اللَّهِ. كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ: «أَلَكُمُ الذَّكَرُ
وَلَهُ الْأُنْثى «1» فَأَنْكَرَ اللَّهُ كُلَّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ، وَرَجَاءُ الشَّفَاعَةِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ صَحِيحٌ.. فَلَمَّا تَأَوَّلَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الذِّكْرِ آلِهَتَهُمْ، وَلَبَّسَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَأَلْقَاهُ إِلَيْهِمْ نَسَخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ آيَاتِهِ، وَرَفَعَ تِلَاوَةَ تِلْكَ اللَّفْظَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَجَدَ الشَّيْطَانُ بِهِمَا سَبِيلًا لِلْإِلْبَاسِ.. كَمَا نُسِخَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَرُفِعَتْ تِلَاوَتُهُ.. وَكَانَ فِي إِنْزَالِ اللَّهِ تَعَالَى لِذَلِكَ حِكْمَةٌ وَفِي نَسْخِهِ حِكْمَةٌ «لِيُضِلَّ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وما يضلّ به إلّا الفاسقين «2» » لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ.. وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ «3» » الْآيَةَ. وَقِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لما قرأ هذه السورة ذِكْرَ اللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الْأُخْرَى، خَافَ الْكُفَّارُ أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَمِّهَا فَسَبَقُوا إِلَى مَدْحِهَا بِتِلْكَ الْكَلِمَتَيْنِ لِيُخَلِّطُوا فِي تِلَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُشَنِّعُوا عَلَيْهِ على عادتهم
وَقَوْلِهِمْ «لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ «1» » وَنُسِبَ هَذَا الْفِعْلُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِحَمْلِهِ لَهُمْ عَلَيْهِ وَأَشَاعُوا ذَلِكَ وَأَذَاعُوهُ.. وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فَحَزِنَ لِذَلِكَ مِنْ كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ عَلَيْهِ.. فَسَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ «2» ..» الْآيَةَ وَبَيَّنَ لِلنَّاسِ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْبَاطِلِ وَحَفِظَ الْقُرْآنَ وَأَحْكَمَ آيَاتِهِ، وَدَفَعَ مَا لَبَّسَ بِهِ الْعَدُوُّ.. كَمَا ضَمِنَهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «3» » . وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ مِنْ «4» قِصَّةِ يُونُسَ عليه السلام أنه وَعَدَ قَوْمَهُ الْعَذابَ عَنْ رَبِّهِ، فَلَمَّا تَابُوا كُشِفَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ فَقَالَ: لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ كَذَّابًا أَبَدًا فَذَهَبَ مُغَاضِبًا. فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنْ «5» لَيْسَ فِي خَبَرٍ مِنَ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ مُهْلِكُكُمْ وَإِنَّمَا فِيهِ أنه دعا عليهم بالهلاك.. والدعاء ليس بخير يُطْلَبُ صِدْقُهُ مِنْ كَذِبِهِ، لَكِنَّهُ قَالَ لَهُمْ: إن العذاب مصبّحكم وقت كذا وكذا..
فَكَانَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ.. ثُمَّ رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمُ الْعَذَابَ وَتَدَارَكَهُمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ «1» » الْآيَةَ.. وَرُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ. أَنَّهُمْ رَأَوْا دَلَائِلَ الْعَذَابِ وَمَخَايِلَهُ «2» .. قَالَهُ «3» ابْنُ مَسْعُودٍ «4» . وَقَالَ سَعِيدُ «5» بْنُ جُبَيْرٍ: غَشَّاهُمُ الْعَذَابُ كَمَا يُغَشِّي الثَّوْبُ «6» الْقَبْرَ. فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى مَا رُوِيَ «7» أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ «8» بْنَ أَبِي سَرْحٍ كَانَ يكتب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا وَصَارَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي كُنْتُ أصرّف محمدا حيث أريد.. كان
يُمْلِي عَلَيَّ «عَزِيزٌ حَكِيمٌ» فَأَقُولُ أَوْ «عَلِيمٌ حَكِيمٌ» ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ كُلٌّ صَوَابٌ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «1» فَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبْ كَذَا فَيَقُولُ: أَكْتُبُ كَذَا؟ فَيَقُولُ اكْتُبْ كَيْفَ شِئْتَ. وَيَقُولُ اكْتُبْ «عَلِيمًا حَكِيمًا» فَيَقُولُ أَكْتُبُ «سَمِيعًا بَصِيرًا» ؟ فَيَقُولُ لَهُ اكْتُبْ كَيْفَ شِئْتَ. وَفِي الصَّحِيحِ «2» عَنْ أَنَسٍ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ نَصْرَانِيًّا «4» كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم بعد ما أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ «5» ، وَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ. فَاعْلَمْ ثَبَّتَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ عَلَى الْحَقِّ، وَلَا جَعَلَ لِلشَّيْطَانِ وَتَلْبِيسَهُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ إِلَيْنَا سَبِيلًا، أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحِكَايَةِ أَوَّلًا لَا تُوقِعُ فِي قَلْبِ مُؤْمِنٍ رَيْبًا.. إِذْ هِيَ حِكَايَةٌ عَمَّنِ ارْتَدَّ وَكَفَرَ بِاللَّهِ. وَنَحْنُ «6» لَا نَقْبَلُ خَبَرَ الْمُسْلِمِ المتّهم فكيف بكافر افترى هو ومثله
على الله ورسوله مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا. وَالْعَجَبُ لِسَلِيمِ الْعَقْلِ يَشْغَلُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ سِرَّهُ، وَقَدْ صَدَرَتْ مِنْ عَدُوٍّ كَافِرٍ مُبْغِضٍ لِلدِّينِ.. مُفْتَرٍ على الله ورسوله.. ولم يرد عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا ذَكَرَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ شَاهَدَ مَا قَالَهُ وَافْتَرَاهُ على نبي الله، «وإِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ «1» » . وَمَا وَقَعَ مِنْ ذِكْرِهَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَظَاهِرِ حِكَايَتِهَا. فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ شَاهَدَهَا، وَلَعَلَّهُ حَكَى مَا سَمِعَ.. وَقَدْ عَلَّلَ الْبَزَّارُ «3» حَدِيثَهُ ذَلِكَ وَقَالَ: رَوَاهُ ثَابِتٌ «4» عَنْهُ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ.. ورواه حميد «5» عن أنس «2» ، قال: وأظن حميدا إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ ثَابِتٍ «4» . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ: وَلِهَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لَمْ يُخَرِّجْ أَهْلُ الصَّحِيحِ حَدِيثَ ثَابِتٍ «4» وَلَا حُمَيْدٍ «6» .
والصحيح حديث عبد الله «1» بن عزيز بْنِ رَفِيعٍ عَنْ أَنَسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الَّذِي خَرَّجَهُ أَهْلُ الصِّحَّةِ، وَذَكَرْنَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ أَنَسٍ «2» قَوْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ إِلَّا مِنْ حِكَايَتِهِ عَنِ الْمُرْتَدِّ النَّصْرَانِيِّ.. وَلَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَمَا كَانَ فِيهَا قَدْحٌ، وَلَا تَوْهِيمٌ «3» لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَلَا جَوَازٌ لِلنِّسْيَانِ وَالْغَلَطِ عَلَيْهِ، وَالتَّحْرِيفِ فِيمَا بَلَّغَهُ، وَلَا طَعْنٌ فِي نَظْمِ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.. إِذْ لَيْسَ فِيهِ- لَوْ صَحَّ- أَكْثَرُ مِنْ أن الكاتب قال له: «عليم حكيم» أو كتبه فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ هُوَ.. فَسَبَقَهُ لِسَانُهُ أَوْ قَلَمُهُ لِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ مِمَّا نَزَلَ عَلَى الرَّسُولِ قَبْلَ إِظْهَارِ الرَّسُولِ لَهَا.. إِذْ كَانَ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا أَمْلَاهُ الرَّسُولُ يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَيَقْتَضِي وُقُوعَهَا بِقُوَّةِ قُدْرَةِ الْكَاتِبِ عَلَى الْكَلَامِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِهِ، وَجَوْدَةِ حِسِّهِ وَفِطْنَتِهِ، كَمَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ لِلْعَارِفِ إِذَا سَمِعَ الْبَيْتَ أَنْ يَسْبِقَ إِلَى قَافِيَّتِهِ، أَوْ مُبْتَدَأَ الْكَلَامِ الْحَسَنِ إِلَى مَا يَتِمُّ به.. ولا يتفق ذلك في جملة الكلام
كَمَا لَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ فِي آيَةٍ وَلَا سُورَةٍ.. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن صح «كل صواب» فقد يكون هذا فيما فِيهِ مِنْ مَقَاطِعِ الْآيِ «1» وَجْهَانِ وَقِرَاءَتَانِ أُنْزِلَتَا جَمِيعًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأملى إحداهما، وَتَوَصَّلَ الْكَاتِبُ بِفِطْنَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِمُقْتَضَى الْكَلَامِ إِلَى الْأُخْرَى، فَذَكَرَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَوَّبَهَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَحْكَمَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحْكَمَ، وَنَسَخَ مَا نَسَخَ، كَمَا قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ في بعض مقاطيع الْآيِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «2» » وَهَذِهِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ «3» وَقَدْ قَرَأَ جَمَاعَةٌ «4» «فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» وَلَيْسَتْ مِنَ الْمُصْحَفِ وَكَذَلِكَ كَلِمَاتٌ جَاءَتْ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي غَيْرِ الْمَقَاطِعِ قرأ بهما معا الْجُمْهُورُ، وَثَبَتَتَا فِي الْمُصْحَفِ مِثْلَ: «وَانْظُرْ إِلَى العظام كيف ننشرها «5» .. وَنُنْشِزُهَا «6» ، «وَيَقْضِي «7» الْحَقَّ» «وَيَقُصُّ الْحَقَّ «8» » وَكُلُّ هَذَا لا يوجب ريبا، ولا يسبب
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَطًا وَلَا وَهْمًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا يَكْتُبُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ غَيْرَ الْقُرْآنِ فَيَصِفُ الله ويسمّيه في ذلك كيف شاء..
الفصل السابع حالته صلى الله عليه وسلم في أخبار الدنيا
الفصل السّابع حالته صلّى الله عليه وسلّم في أخبار الدّنيا هَذَا الْقَوْلُ فِيمَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ.. وَأَمَّا مَا ليس سبيله سبيل البلاغ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَا مُسْتَنَدَ لَهَا إِلَى الْأَحْكَامِ، وَلَا أَخْبَارِ الْمَعَادِ، وَلَا تُضَافُ إِلَى وَحْيٍ، بَلْ فِي أُمُورِ «1» الدُّنْيَا وَأَحْوَالِ نَفْسِهِ. فَالَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ تَنْزِيهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عن أَنْ يَقَعَ خَبَرُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مُخْبَرِهِ، لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَلَا غَلَطًا وَأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ رضاه، وفي حال سَخَطِهِ، وَجَدِّهِ، وَمَزْحِهِ «2» ، وَصِحَّتِهِ، وَمَرَضِهِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ اتِّفَاقُ السَّلَفِ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ أَنَّا نَعْلَمُ مِنْ دِينِ الصَّحَابَةِ وَعَادَتِهِمْ مُبَادَرَتَهُمْ إِلَى تَصْدِيقِ جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَالثِّقَةِ بِجَمِيعِ أَخْبَارِهِ فِي أَيِّ باب كانت وعن «3» أي
شَيْءٍ وَقَعَتْ، وَأَنَّهُ «1» لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَوَقُّفٌ وَلَا تَرَدُّدٌ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا اسْتِثْبَاتٍ عَنْ حَالِهِ عِنْدَ ذَلِكَ.. هَلْ وَقَعَ فِيهَا سَهْوٌ أَمْ لَا وَلَمَّا احْتَجَّ ابْنُ أَبِي «2» الْحُقَيْقِ الْيَهُودِيُّ «3» عَلَى عُمَرَ «4» حِينَ أَجْلَاهُمْ مِنْ خَيْبَرَ بِإِقْرَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لهم، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ؟! فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: كَانَتْ هَزِيلَةً «5» مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ.. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ «6» : كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ أَخْبَارَهُ وَآثَارَهُ، وَسِيَرَهُ وَشَمَائِلَهُ، مُعْتَنًى بِهَا مُسْتَقْصًى تَفَاصِيلُهَا.. وَلَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا اسْتِدْرَاكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَلَطٍ فِي قَوْلٍ قَالَهُ، أَوِ اعْتِرَافُهُ بِوَهْمٍ فِي شَيْءٍ أَخْبَرَ بِهِ.. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ «7» مِنْ قِصَّتِهِ «8» عليه السلام ورجوعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا أَشَارَ بِهِ عَلَى الْأَنْصَارِ فِي تَلْقِيحِ النَّخْلِ.. وَكَانَ ذَلِكَ رأيا لا خبرا..
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ هذا الباب. كقوله «1» : «وَاللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا فَعَلْتُ الَّذِي حَلَفْتُ عَلَيْهِ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي» . وَقَوْلِهِ «2» : «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ» .. الْحَدِيثَ «3» . وَقَوْلِهِ «4» : «اسْقِ «5» يَا زُبَيْرُ «6» حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ «7» الْجَدْرَ «8» » .. كَمَا سَنُبَيِّنُ كُلَّ مَا فِي هذا الحديث مِنْ مُشْكِلِ مَا فِي هَذَا الْبَابِ وَالَّذِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَعَ أَشْبَاهِهِمَا «9» . - وَأَيْضًا فَإِنَّ الْكَذِبَ مَتَى عُرِفَ مِنْ أَحَدٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَى أي وجه كان، استريب بخبره، واتّهم
فِي حَدِيثِهِ، وَلَمْ يَقَعْ قَوْلُهُ فِي النُّفُوسِ مَوْقِعًا.. وَلِهَذَا تَرَكَ الْمُحَدِّثُونَ وَالْعُلَمَاءُ الْحَدِيثَ عَمَّنْ عُرِفَ بِالْوَهْمِ وَالْغَفْلَةِ، وَسُوءِ الْحِفْظِ، وَكَثْرَةِ الْغَلَطِ مَعَ ثِقَتِهِ «1» .. - وَأَيْضًا فَإِنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا مَعْصِيَةٌ.. وَالْإِكْثَارَ مِنْهُ كَبِيرَةٌ بِإِجْمَاعٍ، مسقط المروءة، وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُنَزَّهُ عَنْهُ مَنْصِبُ النُّبُوَّةِ.. والمرة الواحدة منه فيما يستبشع ويستشنع مما يخلّ بصاحبها ويزري بقائلها لا حقة بِذَلِكَ.. وَأَمَّا فِيمَا لَا يَقَعُ هَذَا الْمَوْقِعَ، فَإِنْ عَدَدْنَاهَا مِنَ الصَّغَائِرِ فَهَلْ تَجْرِي عَلَى حُكْمِهَا فِي الْخِلَافِ فِيهَا؟!. مُخْتَلَفٌ فِيهِ.. وَالصَّوَابُ تنزيه النبوة عن قليله وكثيره، وسهوه وَعَمْدِهِ.. إِذْ عُمْدَةُ النُّبُوَّةِ الْبَلَاغُ وَالْإِعْلَامُ وَالتَّبْيِينُ، وَتَصْدِيقُ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَجْوِيزُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا قَادِحٌ في ذلك ومشكك فيه مناقض للمعجزة..
فَلْنَقْطَعْ عَنْ «1» يَقِينٍ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ خُلْفٌ «2» فِي الْقَوْلِ فِي وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ لَا بِقَصْدٍ وَلَا بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَلَا نتسامح «3» مع من تسامح في تجويز ذلك عليهم حال السهو فيما «4» لَيْسَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغَ.. نَعَمْ «5» وَبِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الْكَذِبُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَلَا الِاتِّسَامُ بِهِ فِي أُمُورِهِمْ، وَأَحْوَالِ دُنْيَاهُمْ.. لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يزري ويريب بهم، وَيُنَفِّرُ الْقُلُوبَ عَنْ تَصْدِيقِهِمْ بَعْدُ. وَانْظُرْ أَحْوَالَ عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ، وَسُؤَالِهِمْ عَنْ حَالِهِ فِي صِدْقِ لِسَانِهِ، وَمَا عُرِفُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَاعْتَرَفُوا بِهِ مِمَّا عُرِفَ، وَاتَّفَقَ النَّقْلُ «6» عَلَى عِصْمَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ قَبْلُ وَبَعْدُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنَ الْآثَارِ فِيهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي أَوَّلَ الْكِتَابِ مَا يبين لك صحة ما أشرنا «7» اليه.. ***
الفصل الثامن رد بعض الاعتراضات
الْفَصْلُ الثَّامِنُ رَدُّ بَعْضِ الِاعْتِرَاضَاتِ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ «1» السَّهْوِ الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ الْفَقِيهُ أبو إسحق «2» إبراهيم بن جعفر.. قال أبو هريرة «3» رضي الله عنه: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ «4» فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ.. فَقَامَ ذُو اليدين «5» فقال: يا رسول
أقصرت «1» الصلاة أم نسيت؟. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ.» وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: «ما قصرت الصلاة وما نسيت-» الحديث بقصته فأخبر بِنَفْيِ الْحَالَتَيْنِ وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَقَدْ كَانَ أَحَدُ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ ذُو الْيَدَيْنِ «2» . «قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ..» فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةً بَعْضُهَا بِصَدَدِ الْإِنْصَافِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ بِنِيَّةِ «3» التَّعَسُّفِ «4» وَالِاعْتِسَافِ.. وَهَا أَنَا أَقُولُ: أَمَّا على القول الأول.. بتجويز الوهم والغلط مما لَيْسَ طَرِيقُهُ مِنَ الْقَوْلِ الْبَلَاغُ وَهُوَ الَّذِي زَيَّفْنَاهُ «5» مِنَ الْقَوْلَيْنِ. فَلَا اعْتِرَاضَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَشِبْهِهِ.. وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَمْنَعُ السَّهْوَ والنسيان فِي أَفْعَالِهِ جُمْلَةً وَيَرَى أَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا عَامِدٌ لِصُورَةِ النِّسْيَانِ لِيَسُنَّ، فَهُوَ صَادِقٌ فِي خَبَرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسَ وَلَا قَصُرَتْ، وَلَكِنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَعَمَّدَ هَذَا الْفِعْلَ في هذه الصورة ليسنه لِمَنِ اعْتَرَاهُ مِثْلُهُ.. وَهُوَ قَوْلٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ،
نذكره «1» فِي مَوْضِعِهِ.. وَأَمَّا عَلَى إِحَالَةِ السَّهْوِ عَلَيْهِ.. فِي الْأَقْوَالِ وَتَجْوِيزِ السَّهْوِ عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْقَوْلَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ «2» فَفِيهِ أَجْوِبَةٌ: مِنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ عَنِ اعْتِقَادِهِ وَضَمِيرِهِ، - أَمَّا إِنْكَارُ الْقَصْرِ فَحَقٌّ وَصِدْقٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَأَمَّا النِّسْيَانُ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اعْتِقَادِهِ وَأَنَّهُ لَمْ ينس في ظنه فكأنه قصد الخبر بهذا عَنْ ظَنِّهِ وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ، وَهَذَا «3» صِدْقٌ أَيْضًا. وَوَجْهٌ ثَانٍ: «أَنَّ قَوْلَهُ «وَلَمْ أَنْسَ» رَاجِعٌ إِلَى السَّلَامِ أَيْ إِنِّي سَلَّمْتُ قَصْدًا وَسَهَوْتُ عَنِ الْعَدَدِ.. أَيْ لَمْ أَسْهُ فِي نَفْسِ السَّلَامِ.. وَهَذَا مُحْتَمَلٌ.. وَفِيهِ بُعْدٌ» .. وجه ثالث: (وهو أبعدها.. مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَإِنِ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ مِنْ قَوْلِهِ، كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ.. أَيْ لَمْ يَجْتَمِعِ الْقَصْرُ وَالنِّسْيَانُ بَلْ كَانَ أَحَدُهُمَا.. وَمَفْهُومُ اللَّفْظِ خِلَافُهُ مَعَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الصَّحِيحَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ «مَا قَصُرَتِ الصَّلَاةُ وَمَا «4» نَسِيتُ» ) . - هَذَا مَا رَأَيْتُ فِيهِ لِأَئِمَّتِنَا.. وَكُلٌّ مِنْ هذه الوجوه محتمل
لِلَّفْظِ «1» عَلَى بُعْدِ بَعْضِهَا «2» ، وَتَعَسُّفِ الْآخَرِ «3» مِنْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ «4» وَفَّقَهُ اللَّهُ: وَالَّذِي أَقُولُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ هَذِهِ الوجوه كلها أن قوله: «لَمْ أَنْسَ» إِنْكَارٌ لِلَّفْظِ الَّذِي نَفَاهُ عَنْ نفسه وأنكره على غيره بقوله «5» : «بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وكذا، ولكنه نسّي «6» .» وبقوله في في بعض «7» رواية، الحديث الاخر: «لست أنسى ولكن «8» أنسّى» .. فَلَمَّا قَالَ لَهُ السَّائِلُ.. أَقْصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ.. أَنْكَرَ قَصْرَهَا كَمَا كَانَ وَنِسْيَانُهُ هُوَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ.. وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ جَرَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ نَسِيَ حَتَّى سَأَلَ غَيْرَهُ، فَتَحَقَّقَ أَنَّهُ نَسِيَ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِيُسَنَّ. فَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا «لَمْ أَنْسَ» «وَلَمْ تَقْصُرْ» ، «وَكُلُّ «9» ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ» ، صِدْقٌ وَحَقٌّ، لَمْ تَقْصُرْ، وَلَمْ يَنْسَ حَقِيقَةً، وَلَكِنَّهُ نُسِّيَ.
وَوَجْهٌ آخَرُ اسْتَثَرْتُهُ «1» مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْهُو وَلَا يَنْسَى وَلِذَلِكَ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ النِّسْيَانَ قَالَ: لِأَنَّ النِّسْيَانَ غفلة وآفة، والسهو إنما هو شغل «2» .. قَالَ: فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْهُو فِي صِلَاتِهِ وَلَا يَغْفَلُ عَنْهَا.. وَكَانَ يَشْغَلُهُ عَنْ حَرَكَاتِ الصَّلَاةِ مَا فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا بِهَا لَا غَفْلَةً عَنْهَا.. فَهَذَا إِنْ تَحَقَّقَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.. لَمْ يَكُنْ فِي قوله «ما قصرت» و «ما نَسِيتُ» خُلْفٌ فِي قَوْلٍ. وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ: «مَا قَصُرَتِ الصَّلَاةُ وَمَا نَسِيتُ» بِمَعْنَى التَّرْكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ وَجْهَيِ النِّسْيَانِ أَرَادَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنِّي لَمْ أُسَلِّمْ مِنْ رَكْعَتَيْنِ تَارِكًا لِإِكْمَالِ الصَّلَاةِ. وَلَكِنِّي نَسِيتُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي.. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ صلّى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إني لا أنسى أو أنسى لأسنّ» والله الموفق «3» للصواب. أما قصة كلمات إبراهيم المذكورة «4» أنها
كِذْبَاتُهُ الثَّلَاثُ الْمَنْصُوصَةُ فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا اثْنَتَانِ قوله «إِنِّي سَقِيمٌ «1» » «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا «2» » وَقَوْلُهُ «3» لِلْمَلِكِ عَنْ زَوْجَتِهِ إِنَّهَا أُخْتِي. فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا خَارِجَةٌ عَنِ الْكَذِبِ، لَا فِي الْقَصْدِ وَلَا فِي غَيْرِهِ.. وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي بَابِ الْمَعَارِيضِ «4» الَّتِي فِيهَا مَنْدُوحَةٌ «5» عَنِ الْكَذِبِ «6» .. أَمَّا قَوْلُهُ «إِنِّي سَقِيمٌ «7» » فَقَالَ الْحَسَنُ «8» وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ «سَأَسْقَمُ» أَيْ إِنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ مُعَرَّضٌ لِذَلِكَ فَاعْتَذَرَ لِقَوْمِهِ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُمْ إِلَى عِيدِهِمْ بِهَذَا. وَقِيلَ: «بَلْ سَقِيمٌ بِمَا قُدِّرَ عَلَيَّ مِنَ الْمَوْتِ» . وَقِيلَ: «سَقِيمُ الْقَلْبِ بِمَا أُشَاهِدُهُ «9» مِنْ كُفْرِكُمْ وَعِنَادِكُمْ» . وَقِيلَ: بَلْ كَانَتِ الْحُمَّى تَأْخُذُهُ عِنْدَ طُلُوعِ نجم معلوم.. فلما
رَآهُ اعْتَذَرَ بِعَادَتِهِ» . وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ كذب.. بل خَبَرٌ صَحِيحٌ صِدْقٌ.. وَقِيلَ: «بَلْ عَرَّضَ بِسَقَمِ حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وَضَعْفِ مَا أَرَادَ بَيَانَهُ لَهُمْ، مِنْ جِهَةِ النُّجُومِ الَّتِي كَانُوا يَشْتَغِلُونَ بِهَا، وأنه أثناء نظره في ذلك» .. وقيل: «اسْتِقَامَةِ حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ فِي حَالِ سَقَمٍ وَمَرَضٍ» ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ هُوَ، وَلَا ضَعُفَ إِيمَانُهُ.. وَلَكِنَّهُ ضَعُفَ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَيْهِمْ.. وَسَقِمَ نَظَرُهُ.. كَمَا يُقَالُ: (حُجَّةٌ سَقِيمَةٌ) (وَنَظَرٌ مَعْلُولٌ) .. حَتَّى أَلْهَمَهُ اللَّهُ بِاسْتِدْلَالِهِ وَصِحَّةِ حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ بِالْكَوَاكِبِ وَالشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، مَا نَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا «1» » الاية.. فإن عَلَّقَ خَبَرَهُ بِشَرْطِ نُطْقِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ يَنْطِقُ فَهُوَ فِعْلُهُ.. عَلَى طَرِيقِ التَّبْكِيتِ لِقَوْمِهِ.. وَهَذَا صِدْقٌ أَيْضًا وَلَا خُلْفَ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «أُخْتِي» .. فَقَدْ بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ «2» وَقَالَ: فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ.. وَهُوَ صِدْقٌ. والله تعالى يقول: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ «3» » .
فَإِنْ قُلْتَ: فَهَذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَمَّاهَا كِذْبَاتٍ. وَقَالَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ «1» » وَقَالَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ «2» وَيَذْكُرُ كِذْبَاتِهِ.. فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِكَلَامٍ صُورَتُهُ صُورَةُ الْكَذِبِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا فِي الْبَاطِنِ إِلَّا هَذِهِ الْكَلِمَاتِ. وَلَمَّا كَانَ مَفْهُومُ ظَاهِرِهَا خِلَافَ بَاطِنِهَا أَشْفَقَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السلام بمؤاخذته «3» بِهَا. وَأَمَّا الْحَدِيثُ «4» : «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا.» فَلَيْسَ فِيهِ خُلْفٌ فِي الْقَوْلِ.. إِنَّمَا هُوَ سَتْرُ مَقْصِدِهِ لِئَلَّا يَأْخُذَ عَدُوُّهُ حِذْرَهُ.. وَكَتَمَ وَجْهَ ذَهَابِهِ بِذِكْرِ السُّؤَالِ عَنْ مَوْضِعٍ آخَرَ. وَالْبَحْثِ عَنْ أَخْبَارِهِ وَالتَّعْرِيضِ بِذِكْرِهِ. لَا أَنَّهُ يَقُولُ: تَجَهَّزُوا إِلَى غَزْوَةِ كَذَا، أَوْ وِجْهَتُنَا إِلَى مَوْضِعِ كَذَا خِلَافَ مَقْصِدِهِ، فَهَذَا لَمْ يكن.
والأول ليس فيه خبر يدخله الخلف. وَالْأَوَّلُ لَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ يَدْخُلُهُ الْخُلْفُ. فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ «1» ؟ .. فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ.. فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ! الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ بَلْ عَبْدٌ «2» لَنَا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَعْلَمُ مِنْكَ. وَهَذَا خبر قد أنبأ الله أنه ليس كذلك، فاعلم أنه وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَعْضِ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ عَنِ ابْنِ «3» عَبَّاسٍ. «هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟» فَإِذَا كَانَ جَوَابُهُ عَلَى عِلْمِهِ فَهُوَ خَبَرُ حَقٍّ وَصِدْقٍ لَا خُلْفَ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ. وَعَلَى الطَّرِيقِ الْآخَرِ فَمَحْمَلُهُ عَلَى ظَنِّهِ وَمُعْتَقَدِهِ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ لِأَنَّ حَالَهُ فِي النُّبُوَّةِ وَالِاصْطِفَاءِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَيَكُونُ إِخْبَارُهُ بِذَلِكَ أَيْضًا عَنِ اعْتِقَادِهِ وَحُسْبَانِهِ صِدْقًا لَا خُلْفَ فِيهِ. وَقَدْ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: «أَنَا أعلم» بما تقتضيه وظائف النبوة من
عُلُومِ التَّوْحِيدِ، وَأُمُورِ الشَّرِيعَةِ، وَسِيَاسَةِ الْأُمَّةِ، وَيَكُونُ الْخَضِرُ «1» أَعْلَمَ مِنْهُ بِأُمُورٍ أُخَرَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِعْلَامِ اللَّهِ مِنْ عُلُومِ غَيْبِهِ، كَالْقَصَصِ الْمَذْكُورَةِ فِي خَبَرِهِمَا. فَكَانَ مُوسَى أَعْلَمَ عَلَى الْجُمْلَةِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا أَعْلَمُ عَلَى الْخُصُوصِ بِمَا أُعْلِمَ.. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ: قَوْلُهُ تعالى «وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً «2» » . وعتب «3» الله عَلَيْهِ- فِيمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ- إِنْكَارُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ.. كَمَا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ «لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا «4» » أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ قَوْلَهُ شَرْعًا.. وَذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ فِيهِ من لم يبلغ كما له فِي تَزْكِيَةِ نَفْسِهِ، وَعُلُوِّ دَرَجَتِهِ مِنْ أُمَّتِهِ، فَيَهْلِكَ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ مَدْحِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَيُورِثُهُ ذَلِكَ مِنَ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالتَّعَاطِي وَالدَّعْوَى، وَإِنْ نُزِّهَ عَنْ هَذِهِ الرَّذَائِلِ الْأَنْبِيَاءُ فَغَيْرُهُمْ بِمَدْرَجَةِ سَبِيلِهَا، وَدَرْكِ لَيْلِهَا، إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ الله. فالتحفظ منها أولى لنفسه، وليقتدى به، ولهذا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَفُّظًا مِنْ مِثْلِ هَذَا مِمَّا قَدْ عُلِمَ بِهِ «5» : «أَنَا سيد
وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» وَهَذَا الْحَدِيثُ إِحْدَى حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِنُبُوَّةِ الْخَضِرِ لِقَوْلِهِ فِيهِ: «أَنَا أَعْلَمُ مِنْ مُوسَى» وَلَا يَكُونُ الْوَلِيُّ أَعْلَمَ من مِنَ النَّبِيِّ. وَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ فَيَتَفَاضَلُونَ فِي الْمَعَارِفِ.. وَبِقَوْلِهِ «وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي «1» » . - فَدَلَّ أَنَّهُ يوحي.. وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ بِأَمْرِ نَبِيٍّ آخَرَ.. وَهَذَا يَضْعُفُ لِأَنَّهُ مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ مُوسَى نَبِيٌّ غَيْرُهُ إِلَّا أَخَاهُ هَارُونَ. وَمَا نَقَلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.. - وَإِذَا جَعَلْنَا «أَعْلَمَ مِنْكَ» لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْخُصُوصِ، وَفِي قَضَايَا مُعَيَّنَةٍ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ الْخَضِرِ. - وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: كَانَ مُوسَى أَعْلَمَ مِنَ الْخَضِرِ فِيمَا أَخَذَ عَنِ اللَّهِ، وَالْخَضِرُ أَعْلَمُ فِيمَا دُفِعَ إِلَيْهِ من موسى.. وقال آخر إنما ألجىء موسى إلى الخضر للتأديب لا للتعليم.. ***
الفصل التاسع عصمتهم في الأعمال من الفواحش والموبقات
الفصل التاسع عصمتهم في الأعمال من الفواحش والموبقات وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَارِحِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ جُمْلَتِهَا الْقَوْلُ بِاللِّسَانِ فِيمَا عَدَا الخبر الذي وقع فيه الكلام، ولا الاعتقاد بالقلب فيما عدا التوحيد بما قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَعَارِفِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ. - فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ. - وَمُسْتَنَدُ الْجُمْهُورِ فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ «1» . وَمَنَعَهَا غَيْرُهُ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ مَعَ الْإِجْمَاعِ.. وَهُوَ قَوْلُ الْكَافَّةِ.. واختاره الأستاذ أبو إسحق «2» .
- وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ كِتْمَانِ «1» الرِّسَالَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِي التَّبْلِيغِ. لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْعِصْمَةَ مِنْهُ الْمُعْجِزَةُ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذلك من الكافة. والجمهور قائل بِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ مُعْتَصِمُونَ بِاخْتِيَارِهِمْ وَكَسْبِهِمْ.. إِلَّا حُسَيْنًا «2» النَّجَّارَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي أَصْلًا. - وَأَمَّا الصَّغَائِرُ.. فَجَوَّزَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي جَعْفَرٍ «3» الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. وَسَنُورِدُ بَعْدَ هَذَا مَا احْتَجُّوا بِهِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى الْوَقْفِ.. وَقَالُوا: الْعَقْلُ لَا يُحِيلُ وُقُوعَهَا مِنْهُمْ.. وَلَمْ يَأْتِ فِي الشَّرْعِ قَاطِعٌ بِأَحَدِ الوجهين.
وذهبت طائفة أخرى من المحققين من الفقهاء وَالْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ الصَّغَائِرِ كَعِصْمَتِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ.. قَالُوا: «لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الصَّغَائِرِ وَتَعْيِينِهَا مِنَ الْكَبَائِرِ وَإِشْكَالِ ذَلِكَ» . وَقَوْلِ ابْنِ «1» عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ: «إِنَّ كُلَّ مَا عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَأَنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ مِنْهَا الصَّغِيرُ بِالْإِضَافَةِ «2» إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَمُخَالَفَةُ الباري في أي أَمْرٍ كَانَ يَجِبُ كَوْنُهُ كَبِيرَةً. قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ «3» عَبْدُ الْوَهَّابِ: «لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فِي مَعَاصِي اللَّهِ صَغِيرَةً إِلَّا عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تُغْتَفَرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَلَا يَكُونُ لَهَا حُكْمٌ مَعَ ذَلِكَ. بِخِلَافِ الْكَبَائِرِ إِذَا لَمْ يُتَبْ مِنْهَا فَلَا يُحْبِطُهَا «4» شَيْءٌ، وَالْمَشِيئَةُ فِي الْعَفْوِ عَنْهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى «وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي «5» بَكْرٍ وَجَمَاعَةِ أَئِمَّةِ الأشعرية وكثير من أئمة الفقهاء.
وقال بعض أئمتنا: «لا يَجِبُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَخْتَلِفَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ عَنْ تَكْرَارِ الصَّغَائِرِ وَكَثْرَتِهَا، إِذْ يُلْحِقُهَا ذَلِكَ بِالْكَبَائِرِ، وَلَا فِي صَغِيرَةٍ أَدَّتْ إِلَى إِزَالَةِ الْحِشْمَةِ، وَأَسْقَطَتِ الْمُرُوءَةَ وَأَوْجَبَتِ الْإِزْرَاءَ وَالْخَسَاسَةَ، فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُعْصَمُ عَنْهُ الْأَنْبِيَاءُ إِجْمَاعًا.. لِأَنَّ مثل هذا يحط منصب الْمُتَّسِمَ «1» بِهِ، وَيُزْرِي بِصَاحِبِهِ، وَيُنَفِّرُ الْقُلُوبَ عَنْهُ. وَالْأَنْبِيَاءُ مُنَزَّهُونَ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ يَلْحَقُ بِهَذَا مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ فَأَدَّى إِلَى «2» مِثْلِهِ لِخُرُوجِهِ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ عَنِ اسْمِ الْمُبَاحِ إِلَى الْحَظْرِ» . وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى عِصْمَتِهِمْ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَكْرُوهِ قَصْدًا وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ الصَّغَائِرِ بِالْمَصِيرِ إِلَى امْتِثَالِ أَفْعَالِهِمْ، وَاتِّبَاعِ آثَارِهِمْ وَسِيَرِهِمْ مُطْلَقًا، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ «3» ، وَالشَّافِعِيِّ «4» ، وَأَبِي حَنِيفَةَ «5» ، مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ قَرِينَةٍ.. بَلْ مُطْلَقًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ.. وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي حكم ذلك «6» .
وَحَكَى ابْنُ خُوَيْزَ «1» مِنْدَاذْ وَأَبُو الْفَرَجِ «2» عَنْ مَالِكٍ «3» . الْتِزَامَ ذَلِكَ وُجُوبًا.. وَهُوَ قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ «4» وَابْنِ الْقَصَّارِ «5» وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا.. وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَابْنِ سُرَيْجٍ «6» وَالْإِصْطَخْرِيِّ «7» ، وَابْنِ خَيْرَانَ «8» مِنَ الشافعية.
وأكثر الشافعية على أن ذلك ندب.. وذهبت طَائِفَةٌ إِلَى الْإِبَاحَةِ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمُ الِاتِّبَاعَ فِيمَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَعُلِمَ بِهِ مَقْصِدُ الْقُرْبَةِ. وَمَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ فِي أَفْعَالِهِ لَمْ يُقَيِّدْ.. قَالَ: «فَلَوْ جَوَّزْنَا عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ لَمْ يُمْكِنِ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ إِذْ لَيْسَ كل فعل من أفعاله يتميز مقصده به مِنَ الْقُرْبَةِ أَوِ الْإِبَاحَةِ أَوِ الْحَظْرِ أَوِ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْمَرَ الْمَرْءُ بِامْتِثَالِ أَمْرٍ لَعَلَّهُ مَعْصِيَةٌ لَا سِيَّمَا عَلَى مَنْ يَرَى مِنَ الْأُصُولِيِّينَ تَقْدِيمَ الْفِعْلِ عَلَى الْقَوْلِ إذا تعارضا. ونزيد هَذَا حُجَّةً بِأَنْ نَقُولَ: مَنْ جَوَّزَ الصَّغَائِرَ وَمَنْ نَفَاهَا عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى مُنْكَرٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَأَنَّهُ مَتَى رَأَى شَيْئًا فَسَكَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ.. فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا حَالَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ثُمَّ يَجُوزُ وُقُوعُهُ مِنْهُ فِي نَفْسِهِ؟! - وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ تَجِبُ عصمته من مواقعة المكروه كما قيل.. وإذ الخطر أَوِ النَّدْبُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِفِعْلِهِ يُنَافِي الزَّجْرَ وَالنَّهْيَ عَنْ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ. - وَأَيْضًا فَقَدْ عُلِمَ من دين «1» الصحابة قطعا الاقتداء بأفعال
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف توجهت، وفي كُلِّ فَنٍّ كَالِاقْتِدَاءِ بِأَقْوَالِهِ.. فَقَدْ نَبَذُوا خَوَاتِيمَهُمْ حِينَ نَبَذَ خَاتَمَهُ «1» .. وَخَلَعُوا نِعَالَهُمْ حِينَ خَلَعَ «2» .. وَاحْتِجَاجُهُمْ «3» بِرُؤْيَةِ ابْنِ عُمَرَ «4» إِيَّاهُ جَالِسًا لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ.. وَاحْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي غَيْرِ شَيْءٍ «5» مِمَّا بَابُهُ الْعِبَادَةُ أَوِ الْعَادَةُ بِقَوْلِهِ «6» : «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ» وَقَالَ «7» : «هَلَّا خَبَّرْتِيهَا أَنِّي أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ» .. وَقَالَتْ عَائِشَةُ «8» مُحْتَجَّةً «9» : «كنت أفعله أنا ورسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِي أُخْبِرَ بمثل هذا عنه فقال «10» : «يحلّ الله لرسوله ما يشاء» .
وَقَالَ: «إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ» . وَالْآثَارُ في هذا أعظم من أن يحيط بها. لَكِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ مَجْمُوعِهَا عَلَى الْقَطْعِ اتِّبَاعُهُمْ أَفْعَالَهُ وَاقْتِدَاؤُهُمْ بِهَا وَلَوْ جَوَّزُوا عَلَيْهِ الْمُخَالَفَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَمَا اتَّسَقَ هَذَا، وَلَنُقِلَ عَنْهُمْ، وَظَهَرَ بَحْثُهُمْ عَنْ ذَلِكَ. وَلَمَا أَنْكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْآخَرِ قَوْلَهُ وَاعْتِذَارُهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. - وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ «1» فَجَائِزٌ وُقُوعُهَا مِنْهُمْ إِذْ لَيْسَ فِيهَا قَدْحٌ. بَلْ هِيَ مَأْذُونٌ فِيهَا وَأَيْدِيهِمْ «2» كَأَيْدِي غَيْرِهِمْ مُسَلَّطَةٌ عَلَيْهَا. - إِلَّا أَنَّهُمْ بِمَا خُصُّوا بِهِ مِنْ رَفِيعِ المنزلة، وبما شرحت لَهُ صُدُورُهُمْ مِنْ أَنْوَارِ «3» الْمَعْرِفَةِ، وَاصْطُفُوا بِهِ من تعلق بالهم بِاللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ.. لَا يَأْخُذُونَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ إِلَّا الضَّرُورَاتِ مِمَّا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِهِمْ وَصَلَاحِ دِينِهِمْ وَضَرُورَةِ دُنْيَاهُمْ. وَمَا أُخِذَ عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ الْتَحَقَ طَاعَةً وَصَارَ قُرْبَةً كَمَا بَيَّنَّا مِنْهُ- أَوَّلَ الْكِتَابِ طَرَفًا فِي خِصَالِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَبَانَ لَكَ عَظِيمُ فَضْلِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَى سَائِرِ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، بِأَنْ جَعَلَ أَفْعَالَهَمْ قُرُبَاتٍ وَطَاعَاتٍ بَعِيدَةً عَنْ وَجْهِ الْمُخَالَفَةِ وَرَسْمِ المعصية.
الفصل العاشر عصمتهم من المعاصي قبل النبوة
الفصل العاشر عصمتهم من المعاصي قبل النبوّة وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي قَبْلَ النُّبُوَّةِ فَمَنَعَهَا قَوْمٌ وَجَوَّزَهَا آخَرُونَ. وَالصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَنْزِيهُهُمْ مَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَعِصْمَتُهُمْ مِنْ كُلِّ مَا يُوجِبُ الرَّيْبَ.. فَكَيْفَ وَالْمَسْأَلَةُ تَصَوُّرُهَا كَالْمُمْتَنِعِ.. فَإِنَّ الْمَعَاصِي وَالنَّوَاهِي إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الشَّرْعِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَالِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ.. هَلْ كَانَ مُتَّبِعًا لِشَرْعٍ قَبْلَهُ، أَمْ لَا؟؟ فَقَالَ جَمَاعَةٌ لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لِشَيْءٍ.. وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. فَالْمَعَاصِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ، وَلَا مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّهِ حِينَئِذٍ، إِذِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بالأوامر والنواهي،
وَتَقَرُّرِ «1» الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفَتْ حُجَجُ الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ عَلَيْهَا.. فَذَهَبَ سَيْفُ السُّنَّةِ وَمُقْتَدَى فِرَقِ الْأُمَّةِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ «2» إِلَى أَنَّ طَرِيقَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ النَّقْلُ، وَمَوَارِدُ الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ السَّمْعِ.. وَحُجَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَنُقِلَ، وَلَمَا أَمْكَنَ كَتْمُهُ وَسَتْرُهُ فِي الْعَادَةِ.. إِذْ كَانَ مِنْ مُهِمِّ أَمْرِهِ وَأَوْلَى مَا اهْتُبِلَ «3» بِهِ مِنْ سِيرَتِهِ، وَلَفَخَرَ بِهِ أَهْلُ تِلْكَ الشريعة ولا حتجوا بِهِ عَلَيْهِ.. وَلَمْ يُؤْثَرْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً.. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ عَقْلًا.. قَالُوا: لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَتْبُوعًا مَنْ عُرِفَ تَابِعًا وَبَنَوْا «4» هَذَا عَلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ «5» ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ غَيْرُ سَدِيدَةٍ. وَاسْتِنَادُ ذَلِكَ إِلَى النَّقْلِ- كَمَا تَقَدَّمَ لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ- أَوْلَى وَأَظْهَرُ وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: «بِالْوَقْفِ فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكِ قَطْعِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي ذَلِكَ إِذْ لَمْ يُحِلْ أحد الوجهين منها العقل ولا
استبان عندها فِي أَحَدِهِمَا طَرِيقُ النَّقْلِ.. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْمَعَالِي «1» وَقَالَتْ فِرْقَةٌ ثَالِثَةٌ: «إِنَّهُ كَانَ عَامِلًا بشرح مَنْ قَبْلَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا- هَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الشَّرْعُ أَمْ لَا؟. فَوَقَفَ بَعْضُهُمْ عَنْ تَعْيِينِهِ وَأَحْجَمَ وَجَسَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ وَصَمَّمَ» . ثُمَّ اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْمُعَيَّنَةُ فِيمَنْ كَانَ يَتْبَعُ فَقِيلَ: نُوحٌ «2» وَقِيلَ: إِبْرَاهِيمُ «3» . وَقِيلَ: مُوسَى «4» . وَقِيلَ: عِيسَى «5» صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْمَذَاهِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَالْأَظْهَرُ فِيهَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ «6» وَأَبْعَدُهَا مَذَاهِبُ الْمُعَيَّنِينَ.. إِذْ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَنُقِلَ كَمَا قدمناه، وَلَمْ يَخْفَ جُمْلَةً.. وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي أَنَّ عِيسَى آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَزِمَتْ شَرِيعَتُهُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهَا.. إِذْ لَمْ يَثْبُتْ عُمُومُ دَعْوَةِ عِيسَى «7» .. بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِنَبِيٍّ دَعْوَةٌ عَامَّةٌ إِلَّا لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ولا حجة
أيضا للاخرين «1» فِي قَوْلِهِ: «أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً «2» » وَلَا لِلْآخَرِينَ «3» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً «4» » فمجمل «5» هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ فِي التَّوْحِيدِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ «6» » ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ مَنْ لَمْ يبعث، ولم تكن له شريعته تَخُصُّهُ، كَيُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ- عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ لَيْسَ بِرَسُولٍ-.. وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى جَمَاعَةً مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ شَرَائِعُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى.. وَبَعْدَ هَذَا فَهَلْ يَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِمَنْعِ الِاتِّبَاعِ هَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو يخالفون بينهم؟ .. أَمَّا مَنْ مَنَعَ الِاتِّبَاعَ عَقْلًا فَيَطَّرِدُ أَصْلُهُ في كل رسول بلا مرية..
وأما من قال إِلَى النَّقْلِ فَأَيْنَمَا تُصُوِّرَ لَهُ وَتُقُرِّرَ اتَّبَعَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ فَعَلَى أَصْلِهِ.. وَمَنْ قَالَ بوجوب الاتباع لمن قبله يلتزمه بمساق صحبته في كل نبي «1» ..
الفصل الحادي عشر السهو والنسيان في الأفعال
الفصل الحادي عشر السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْأَفْعَالِ هَذَا حُكْمُ مَا تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ عَنْ قَصْدٍ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَعْصِيَةً وَيَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ.. وَأَمَّا مَا يَكُونُ بِغَيْرِ قَصْدٍ وَتَعَمُّدٍ، كَالسَّهْوِ، وَالنِّسْيَانِ فِي الْوَظَائِفِ الشَّرْعِيَّةِ، مِمَّا تَقَرَّرَ الشَّرْعُ بِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ، وَتَرْكِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَيْهِ.. فَأَحْوَالُ الْأَنْبِيَاءِ فِي تَرْكِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ وَكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ لَهُمْ مَعَ أُمَمِهِمْ سَوَاءٌ. ثُمَّ ذَلِكَ عَلَى نَوْعَيْنِ: - مَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ وَتَقْرِيرُ الشَّرْعِ وَتَعَلُّقُ الْأَحْكَامِ وَتَعْلِيمُ الْأُمَّةِ بِالْفِعْلِ وَأَخْذُهُمْ بِاتِّبَاعِهِ فِيهِ. - وَمَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ هَذَا مِمَّا يَخْتَصُّ بِنَفْسِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَحُكْمُهُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ حُكْمُ السَّهْوِ فِي الْقَوْلِ فِي هَذَا الْبَابِ.. وَقَدْ ذَكَرْنَا الِاتِّفَاقَ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي حَقِّ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِصْمَتَهُ مِنْ جَوَازِهِ عَلَيْهِ قَصْدًا أَوْ سَهْوًا، فَكَذَلِكَ قَالُوا: الْأَفْعَالُ فِي هَذَا الْبَابِ لَا يَجُوزُ طُرُوُّ الْمُخَالَفَةِ فِيهَا، لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا، لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْقَوْلِ مِنْ جِهَةِ التَّبْلِيغِ وَالْأَدَاءِ.. وَطُرُوُّ هَذِهِ الْعَوَارِضِ عَلَيْهَا يُوجِبُ التَّشْكِيكَ، وَيُسَبِّبُ الْمَطَاعِنَ.. وَاعْتَذَرُوا عَنْ أَحَادِيثِ السَّهْوِ «1» بِتَوْجِيهَاتٍ نَذْكُرُهَا بَعْدَ هذا. وإلى هذا مال أبو اسحق «2» وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَفْعَالِ الْبَلَاغِيَّةِ، وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، سَهْوًا وعن غير قصد منه، جائز عَلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَحَادِيثِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ «3» وَفَرَّقُوا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْأَقْوَالِ الْبَلَاغِيَّةِ لِقِيَامِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى الصِّدْقِ فِي الْقَوْلِ.. وَمُخَالَفَةُ ذلك تناقضها، فأما السَّهْوُ فِي الْأَفْعَالِ فَغَيْرُ مُنَاقِضٍ لَهَا وَلَا قَادِحٍ فِي النُّبُوَّةِ.. بَلْ غَلَطَاتُ الْفِعْلِ، وَغَفَلَاتُ الْقَلْبِ مِنْ سِمَاتِ الْبَشَرِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» نَعَمْ «5» .. بَلْ حالة النسيان والسهو
هُنَا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَبُ إِفَادَةِ عِلْمٍ وَتَقْرِيرِ شَرْعٍ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» «إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ» بَلْ قَدْ رُوِيَ: «لَسْتُ أَنْسَى ولكن أنسّى لأسن» وهذه الحالة زيادة له فِي التَّبْلِيغِ، وَتَمَامٌ عَلَيْهِ فِي النِّعْمَةِ.. بَعِيدَةٌ عن سمات النقص «2» ، وأغراض الطَّعْنِ. فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِتَجْوِيزِ ذَلِكَ يَشْتَرِطُونَ أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقَرُّ عَلَى السَّهْوِ وَالْغَلَطِ.. بَلْ يُنَبَّهُونَ عَلَيْهِ، وَيَعْرِفُونَ حُكْمَهُ بِالْفَوْرِ- عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ- وَهُوَ الصَّحِيحُ «3» .. وَقَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ- عَلَى قَوْلِ الاخرين- أما مَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغَ، وَلَا بَيَانَ الْأَحْكَامِ مِنْ أَفْعَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَا يختص به من أمور دينية، وأذكار قلبية، مِمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ لِيُتَّبَعَ فِيهِ فَالْأَكْثَرُ مِنْ طَبَقَاتِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ عَلَيْهِ فِيهَا، وَلُحُوقِ الْفَتَرَاتِ «4» وَالْغَفَلَاتِ بِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ بِمَا كُلِّفَهُ مِنْ مُقَاسَاةِ الْخَلْقِ، وَسِيَاسَاتِ الْأُمَّةِ، ومعاناة «5» الأهل،
وَمُلَاحَظَةِ الْأَعْدَاءِ.. وَلَكِنْ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّكْرَارِ، وَلَا الِاتِّصَالِ.. بَلْ عَلَى سَبِيلِ النُّدُورِ. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ..» وَلَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ يَحُطُّ مِنْ رُتْبَتِهِ، وَيُنَاقِضُ مُعْجِزَتَهُ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ: إِلَى مَنْعِ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ وَالْغَفَلَاتِ وَالْفَتَرَاتِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةً.. وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ «2» . وَأَصْحَابِ عِلْمِ الْقُلُوبِ وَالْمَقَامَاتِ «3» . وَلَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَذَاهِبُ نَذْكُرُهَا بعد هذا إن شاء الله..
الفصل الثاني عشر الأحاديث المذكور فيها السهو منه صلى الله عليه وسلم
الفصل الثاني عشر الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهَا السَّهْوُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ قَبْلَ هَذَا مَا يَجُوزُ فِيهِ عَلَيْهِ السَّهْوُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَمْتَنِعُ.. وَأَحَلْنَاهُ «1» فِي الْأَخْبَارِ جُمْلَةً وَفِي الْأَقْوَالِ الدِّينِيَّةِ قَطْعًا وَأَجَزْنَا وُقُوعَهُ فِي الْأَفْعَالِ الدِّينِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَتَّبْنَاهُ وَأَشَرْنَا إِلَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ ونحن نبسط القول فيه. والصحيح من الأحاديث الوارة في سهوه «2» صلّى الله عليه وسلم ثلاثة «3» أحاديث. أولها: حديث ذو الْيَدَيْنِ «4» فِي السَّلَامِ مِنَ اثْنَتَيْنِ «5» . الثَّانِي: حَدِيثُ ابن بحينة «6» في القيام من اثنتين.
الثَّالِثُ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «2» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى انظهر خَمْسًا «3» .. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّهْوِ فِي الْفِعْلِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ.. وَحِكْمَةُ اللَّهِ فِيهِ لِيُسْتَنَّ بِهِ، إِذِ الْبَلَاغُ بِالْفِعْلِ أَجْلَى مِنْهُ بِالْقَوْلِ، وَأَرْفَعُ لِلِاحْتِمَالِ.. وَشَرْطُهُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى السَّهْوِ بَلْ يَشْعَرُ بِهِ لِيَرْتَفِعَ الِالْتِبَاسُ وَتَظْهَرَ فائدة الحكمة كما قدمناه.. وأنّ النِّسْيَانَ وَالسَّهْوَ فِي الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُضَادٍّ لِلْمُعْجِزَةِ، وَلَا قَادِحٍ فِي التَّصْدِيقِ.. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» . وَقَالَ «5» : «رَحِمَ اللَّهُ فُلَانًا «6» لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا «7» وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أسقطتهن» ويروى «أنسيتهن» .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : إِنِّي لَأَنْسَى- أَوْ أُنَسَّى- لِأَسُنَّ. قِيلَ: هَذَا اللَّفْظُ «2» شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي. وَقَدْ رُوِيَ إِنِّي لَا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ. وَذَهَبَ ابْنُ نَافِعٍ «3» وَعِيسَى «4» بن دينار إنه ليس بشك، وأن مَعْنَاهُ التَّقْسِيمُ، أَيْ أَنْسَى أَنَا أَوْ يُنْسِينِي اللَّهُ.. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ «5» الْبَاجِيُّ: «يَحْتَمِلُ ما قالاه وأن يُرِيدَ أَنِّي أَنْسَى فِي الْيَقَظَةِ وَأُنَسَّى فِي النَّوْمِ «6» .. أَوْ أَنْسَى عَلَى سَبِيلِ عَادَةِ الْبَشَرِ من الذهول عن الشيء والسهو، أو أنسّى مَعَ إِقْبَالِي عَلَيْهِ وَتَفَرُّغِي لَهُ. فَأَضَافَ أَحَدَ النِّسْيَانَيْنِ إِلَى نَفْسِهِ إِذْ كَانَ لَهُ بَعْضُ السَّبَبِ فِيهِ، وَنَفَى الْآخَرَ عَنْ نَفْسِهِ إِذْ هُوَ فِيهِ كَالْمُضْطَرِّ» . وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمَعَانِي «7» وَالْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْهُو فِي الصلاة ولا ينسى «8» .. لأن النسيان
ذُهُولٌ وَغَفْلَةٌ وَآفَةٌ قَالَ «1» : وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ عَنْهَا، وَالسَّهْوُ شُغْلٌ.. فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْهُو فِي صِلَاتِهِ، وَيُشْغِلُهُ عَنْ حَرَكَاتِ الصَّلَاةِ مَا فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا بِهَا لَا غَفْلَةً عَنْهَا. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ «2» فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «3» : «إِنِّي لَا أَنْسَى» وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ «4» إِلَى مَنْعِ هَذَا كُلِّهِ عَنْهُ. وَقَالُوا: «إِنَّ سَهْوَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ عَمْدًا وَقَصْدًا لِيَسُنَّ» .. وَهَذَا قَوْلٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ مُتَنَاقِضُ الْمَقَاصِدِ «5» لَا يُحْلَى «6» مِنْهُ بِطَائِلٍ.. لِأَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ مُتَعَمِّدًا سَاهِيًا فِي حَالٍ؟! وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ أُمِرَ بِتَعَمُّدِ صُورَةِ النِّسْيَانِ لِيَسُنَّ لِقَوْلِهِ إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى» .. وَقَدْ «7» أَثْبَتَ أَحَدَ الْوَصْفَيْنِ وَنَفَى مُنَاقَضَةَ التَّعَمُّدِ وَالْقَصْدِ وَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ.» وَقَدْ مَالَ إِلَى هَذَا عَظِيمٌ مِنَ المحققين من أئمتنا وهو أبو «8» المظفر
الإسفرائيني وَلَمْ يَرْتَضِهِ غَيْرُهُ مِنْهُمْ.. وَلَا أَرْتَضِيهِ. وَلَا حُجَّةَ لِهَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ «إِنِّي لَا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى» .. إِذْ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ حُكْمِ النِّسْيَانِ بِالْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ نَفْيُ لَفْظِهِ.. وَكَرَاهَةُ لَقَبِهِ كَقَوْلِهِ «1» : «بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نسيت آية كذا ولكنه نُسِّيَ «2» » .. أَوْ نَفْيُ الْغَفْلَةِ وَقِلَّةِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الصَّلَاةِ عَنْ قَلْبِهِ لَكِنْ شُغِلَ بِهَا عَنْهَا «3» وَنَسِيَ بَعْضَهَا بِبَعْضِهَا كَمَا تَرَكَ الصَّلَاةَ «4» يَوْمَ الْخَنْدَقِ «5» حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَشُغِلَ «6» بِالتَّحَرُّزِ مِنَ الْعَدُوِّ عَنْهَا فَشُغِلَ بِطَاعَةٍ عَنْ طَاعَةٍ «7» وَقِيلَ «8» : «إِنَّ الَّذِي تُرِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ الظهر والعصر والمغرب والعشاء «9» » .
وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ فِي الْخَوْفِ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَدَائِهَا إِلَى وَقْتِ الْأَمْنِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّامِيِّينَ «1» وَالصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَانَ بَعْدَ هَذَا فَهُوَ نَاسِخٌ لَهُ «2» .. فَإِنْ قُلْتَ فَمَا تَقُولُ فِي نَوْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» عَنِ الصَّلَاةِ «4» يَوْمَ الْوَادِي «5» وَقَدْ قَالَ «6» : «إِنَّ عَيْنِي تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» . فَاعْلَمْ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةً.. مِنْهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بأن هذا حكم قلبه عند نومه وغيبته «7» فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ.. وَقَدْ يَنْدُرُ مِنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ.. كَمَا يَنْدُرُ مِنْ غَيْرِهِ خِلَافُ عَادَتِهِ. وَيُصَحِّحُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ «8» «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أرواحنا» وقول بلال «9» : «مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ. وَلَكِنْ مِثْلُ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ لِأَمْرٍ يُرِيدُهُ اللَّهُ مِنْ إِثْبَاتِ حُكْمٍ وَتَأْسِيسِ سُنَّةٍ وَإِظْهَارِ شرع.
وكما قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «1» : «لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَيْقَظَنَا وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ» . الثَّانِي: أَنَّ قَلْبَهُ لَا يَسْتَغْرِقُهُ النَّوْمُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُ الْحَدَثُ فِيهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مَحْرُوسًا، وَأَنَّهُ كَانَ يَنَامُ حَتَّى يَنْفُخَ وَحَتَّى يُسْمَعَ غَطِيطُهُ «2» ، ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ. وحديث ابن عباس «3» المذكور «4» فيه وضوؤه عِنْدَ قِيَامِهِ مِنَ النَّوْمِ فِيهِ نَوْمُهُ مَعَ أهله «5» فلا يمكن الاحتجاج به على وضوءه بِمُجَرَّدِ النُّوَّمِ.. إِذْ لَعَلَّ ذَلِكَ لِمُلَامَسَةِ الْأَهْلِ.. أَوْ لِحَدَثٍ آخَرَ. فَكَيْفَ وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ نَفْسِهِ.. ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ.. ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَقِيلَ: «لَا يَنَامُ قَلْبُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ في النوم» .. وليس قصة الوادي إلا نوم عينيه عَنْ رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِ القلب.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا» . فَإِنْ قِيلَ فَلَوْلَا عَادَتُهُ مِنَ اسْتِغْرَاقِ النَّوْمِ لَمَا قَالَ لِبِلَالٍ «اكْلَأْ «1» لَنَا الصُّبْحَ» . فَقِيلَ فِي الْجَوَابِ: «إِنَّهُ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّغْلِيسُ «2» بِالصُّبْحِ. وَمُرَاعَاةُ أَوَّلِ الْفَجْرِ لَا تَصِحُّ مِمَّنْ نَامَتْ عَيْنُهُ إِذْ هُوَ ظَاهِرٌ يُدْرَكُ بالجوارح الظاهرة فَوَكَّلَ بِلَالًا بِمُرَاعَاةِ أَوَّلِهِ لِيُعْلِمَهُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ شُغِلَ بِشُغْلٍ غَيْرِ النَّوْمِ عَنْ مُرَاعَاتِهِ» .. فَإِنْ قِيلَ: «فَمَا مَعْنَى نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقَوْلِ «نَسِيتُ» وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي.» !! وَقَالَ: لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا؟. فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ.. أَمَّا نَهْيُهُ عَنْ أَنْ يُقَالَ: نَسِيتُ آيَةَ كذا فمحمول على ما نسخ فعله «3» مِنَ الْقُرْآنِ.. أَيْ إِنَّ الْغَفْلَةَ فِي هَذَا لَمْ تَكُنْ مِنْهُ.. وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اضْطَرَّهُ إليها ليمحو ما يشاء ويثبت..
وَمَا كَانَ مِنْ سَهْوٍ أَوْ غَفْلَةٍ مِنْ قِبَلِهِ تَذَكَّرَهَا صَلَحَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ أَنْسَى.. وقد قيل: «إن هذا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ أَنْ يُضِيفَ الْفِعْلَ إِلَى خَالِقِهِ، وَالْآخَرَ عَلَى طَرِيقِ الْجَوَازِ لِاكْتِسَابِ الْعَبْدِ فِيهِ، وَإِسْقَاطُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا أَسْقَطَ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ جَائِزٌ عَلَيْهِ بَعْدَ بَلَاغِ مَا أُمِرَ بِبَلَاغِهِ، وَتَوْصِيلِهِ إِلَى عِبَادِهِ، ثُمَّ يَسْتَذْكِرُهَا «1» مِنْ أُمَّتِهِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، إِلَّا مَا قَضَى اللَّهُ نَسْخَهُ وَمَحْوَهُ مِنَ الْقُلُوبِ وَتَرْكَ اسْتِذْكَارِهِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَنْسَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَا سَبِيلُهُ كَرَّةً، وَيَجُوزُ أَنْ يُنَسِّيَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْبَلَاغِ مَا لَا يُغَيِّرُ نَظْمًا وَلَا يُخَلِّطُ حُكْمًا «2» مِمَّا لَا يُدْخِلُ خَلَلًا فِي الْخَبَرِ ثُمَّ يُذَكِّرُهُ إِيَّاهُ.. وَيَسْتَحِيلُ دَوَامُ نِسْيَانِهِ لَهُ لَحِفْظِ الله كتابه «3» وتكليفه بلاغه «4» ..
الفصل الثالث عشر الرد على من أجاز عليهم من الصغائر
الفصل الثالث عشر الردّ على من أجاز عليهم من الصّغائر فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ وَالْكَلَامِ عَلَى مَا احْتَجُّوا بِهِ فِي ذَلِكَ. اعْلَمْ أَنَّ الْمُجَوِّزِينَ لِلصَّغَائِرِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَمَنْ شَايَعَهُمْ «1» عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ «2» احْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِظَوَاهِرَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ.. إِنِ الْتَزَمُوا ظَوَاهِرَهَا أَفْضَتْ «3» بِهِمْ إلى تجويز الكبائر وخرق الإجماع، وما لَا يَقُولُ بِهِ مُسْلِمٌ. فَكَيْفَ وَكُلُّ مَا احتجو بِهِ مِمَّا اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ وَتَقَابَلَتِ «4» الاحتمالات في مقتضاه، وجاءت أقاويل «5» فيها
للسلف بخلاف ما التزموا مِنْ ذَلِكَ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَذْهَبُهُمْ إِجْمَاعًا وَكَانَ الْخِلَافُ فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ قَدِيمًا، وَقَامَتِ الدَّلَالَةُ «1» عَلَى خَطَأِ قَوْلِهِمْ، وَصِحَّةِ غَيْرِهِ، وَجَبَ تَرْكُهُ وَالْمَصِيرُ إِلَى مَا صَحَّ. وَهَا نَحْنُ نَأْخُذُ فِي النَّظَرِ فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ: فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «2» وقوله: «وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ «3» » . وَقَوْلُهُ: «وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ «4» » . وَقَوْلُهُ: «عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «5» » . وَقَوْلُهُ: «لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «6» » . وقوله: «عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى «7» » الْآيَةَ. وَمَا قَصَّ مِنْ قَصَصِ غَيْرِهِ مِنَ الأنبياء. كقوله: «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى «8» » .
وَقَوْلِهِ: «فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما.. «1» » وقوله عنه: «رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا.. «2» » الاية. وَقَوْلِهِ عَنْ يُونُسَ: «سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.. «3» » . وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قِصَّةِ دَاوُدَ وَقَوْلِهِ: «وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ «4» » إلى قوله «ماب» . وقوله: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها.. «5» » . وَمَا قَصَّ مِنْ قِصَّتِهِ مَعَ إِخْوَتِهِ. وَقَوْلِهِ عَنْ مُوسَى: «فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ، قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ «6» » وقوله النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ «7» : «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ..» وَنَحْوِهِ مِنْ أَدْعِيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْمَوْقِفِ ذُنُوبَهُمْ- فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ «8» - وَقَوْلِهِ: «إِنَّهُ ليغان على قلبي فأستغفر الله «9» » .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «1» : «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ «2» مَرَّةً» . وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ: «وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي «3» » الْآيَةَ. وَقَدْ كَانَ قَالَ اللَّهُ لَهُ: «وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ «4» » . وَقَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ «5» . وقوله عن موسى: «تُبْتُ إِلَيْكَ «6» » . وقوله: «وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ «7» » . إِلَى مَا أَشْبَهَ هَذِهِ الظَّوَاهِرَ.. فَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «8» » فَهَذَا قَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُفَسِّرُونَ. فَقِيلَ: «الْمُرَادُ ما كان قبل النبوة وبعدها» .
وَقِيلَ: «الْمُرَادُ مَا وَقَعَ لَكَ مِنْ ذَنْبٍ وَمَا لَمْ يَقَعْ.. أَعْلَمَهُ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ» . وَقِيلَ: ( «الْمُتَقَدِّمُ» مَا كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَالْمُتَأَخِّرُ عِصْمَتُكَ بَعْدَهَا) حَكَاهُ أَحْمَدُ «1» بْنُ نَصْرٍ. وَقِيلَ: «المراد بذلك أمته صلّى الله عليه وسلم» . وَقِيلَ: «الْمُرَادُ مَا كَانَ عَنْ سَهْوٍ وَغَفْلَةٍ وَتَأْوِيلٍ» حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ «2» وَاخْتَارَهُ الْقُشَيْرِيُّ «3» . وَقِيلَ: ( «مَا تَقَدَّمَ» لِأَبِيكَ آدَمَ «وَمَا تَأَخَّرَ» مِنْ ذُنُوبِ أُمَّتِكَ) حَكَاهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ «4» وَالسُّلَمِيُّ «5» عَنِ ابْنِ عَطَاءٍ «6» وَبِمِثْلِهِ وَالَّذِي قَبْلَهُ يُتَأَوَّلُ قَوْلُهُ: «وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وللمؤمنين والمؤمنات» قَالَ مَكِّيٌّ «7» «: مُخَاطَبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ههنا هِيَ مُخَاطَبَةٌ لِأُمَّتِهِ» .. وَقِيلَ: (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُمِرَ أَنْ يَقُولَ: «وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ «8» » سرّ بذلك الكفار) .
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «1» » الْآيَةَ. وَبِمَآلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى بَعْدَهَا «2» قَالَهُ «3» ابْنُ عَبَّاسٍ «4» فَمَقْصِدُ الْآيَةِ إِنَّكَ مَغْفُورٌ لَكَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِذَنْبٍ أَنْ لَوْ كَانَ «5» قال بعضهم: «المغفرة ههنا تَبْرِئَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ «6» » فَقِيلَ: «مَا سَلَفَ مِنْ ذَنْبِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ» وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ «7» وَالْحَسَنِ «8» وَمَعْنَى قَوْلِ قَتَادَةَ «9» . وَقِيلَ: «مَعْنَاهُ أَنَّهُ حُفِظَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ مِنْهَا وَعُصِمَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَثْقَلَتْ ظَهْرَهُ «10» » حَكَى مَعْنَاهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ «11» . وَقِيلَ: «الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا أَثْقَلَ ظهره من أعباء الرسالة حتى
بَلَّغَهَا» حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ «1» وَالسُّلَمِيُّ «2» . وَقِيلَ: «حَطَطْنَا عَنْكَ ثقل الْجَاهِلِيَّةِ» حَكَاهُ مَكِّيٌّ «3» . وَقِيلَ: «ثِقَلُ شُغْلِ سِرِّكَ وَحَيْرَتِكَ وَطَلَبِ شَرِيعَتِكَ حَتَّى شَرَعْنَا ذَلِكَ لَكَ» حكى معناه القشيري «4» . وقيل: «معناه.. خَفَّفْنَا عَلَيْكَ مَا حُمِّلْتَ بِحِفْظِنَا لِمَا اسْتُحْفِظْتَ وَحُفِظَ عَلَيْكَ» . - وَمَعْنَى «أَنْقَضَ ظَهْرَكَ» أَيْ كَادَ يَنْقُضُهُ «5» فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ لما قبل النبوة.. اهتمام النبي بِأُمُورٍ فَعَلَهَا قَبْلَ نُبُوَّتِهِ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ فَعَدَّهَا أَوْزَارًا وَثَقُلَتْ عَلَيْهِ وَأَشْفَقَ مِنْهَا. - أَوْ يَكُونُ «الْوَضْعُ» عِصْمَةَ اللَّهِ لَهُ وَكِفَايَتَهُ مِنْ ذُنُوبٍ لَوْ كَانَتْ لَأَنْقَضَتْ ظَهْرَهُ. - أَوْ يَكُونُ مِنْ ثِقَلِ الرِّسَالَةِ. - أَوْ مَا ثَقُلَ عَلَيْهِ وَشَغَلَ قَلْبَهُ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِعْلَامِ الله
تَعَالَى لَهُ بِحِفْظِ مَا اسْتَحْفَظَهُ مِنْ وَحْيِهِ.. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «1» » . فَأَمْرٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى نَهْيٌ فَيُعَدُّ معصية.. ولا عده الله تعالى مَعْصِيَةً.. بَلْ لَمْ يَعُدَّهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مُعَاتَبَةً وَغَلَّطُوا مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ. قَالَ نِفْطَوَيْهِ «2» : «وَقَدْ حَاشَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ.. بَلْ كَانَ مُخَيَّرًا فِي أَمْرَيْنِ. قَالُوا: «وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ «3» فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ وَحْيٌ.. فَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ الله تعالى: «فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ «4» » فَلَمَّا أَذِنَ لَهُمْ أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِمَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مِنْ سِرِّهِمْ.. أَنَّهُ لَوْ لَمْ يأذن لَقَعَدُوا وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ. وليس «عفا» هنا بمعنى غفر.. بل قال النبي صلّى الله عليه وسلم «5» :
«عَفَا اللَّهُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ» وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ قَطُّ. أَيْ لَمْ يُلْزِمْكُمْ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ لِلْقُشَيْرِيِّ «1» قَالَ: «وَإِنَّمَا يَقُولُ «الْعَفْوُ» لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ ذَنْبٍ مَنْ لَمْ يعرف كلام العرب قال: وَمَعْنَى «عَفَا» اللَّهُ عَنْكَ» أَيْ لَمْ يُلْزِمْكَ ذنبا» . قال الداودي «2» : «روي أنها كانت تكرمه» . قال مَكِّيٌّ «3» : «هُوَ اسْتِفْتَاحُ كَلَامٍ مِثْلَ- أَصْلَحَكَ اللَّهُ- وَأَعَزَّكَ» وَحَكَى السَّمَرْقَنْدِيُّ «4» : «أَنَّ مَعْنَاهُ- عَافَاكَ اللَّهُ-..» وأما قوله في أسارى بدر «5» : «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى «6» » الايتين. فَلَيْسَ فِيهِ إِلْزَامُ ذَنْبٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. بَلْ فِيهِ بَيَانُ مَا خُصَّ بِهِ وَفُضِّلَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. فَكَأَنَّهُ قال: ما كان هذا لنبي غيرك
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «أُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ «2» .. وَلَمْ تَحِلَّ لِنَبِيٍّ قَبْلِي» . فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا. «3» » الْآيَةَ. قِيلَ: الْمَعْنَى الْخِطَابُ لِمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ منهم، وتجرّد غرضه لعرض الدُّنْيَا وَحْدَهُ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عِلْيَةَ «4» أَصْحَابِهِ بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ «5» : «أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ وَاشْتَغَلَ النَّاسُ بِالسَّلْبِ «6» وَجَمْعِ الْغَنَائِمِ عَنِ الْقِتَالِ حَتَّى خَشِيَ عُمَرُ «7» أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهِمُ الْعَدُوُّ» . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: «لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ» «8» . فَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ.. فَقِيلَ: مَعْنَاهَا «9» : «لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنْ لَا أُعِذِّبَ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ النَّهْيِ لَعَذَّبْتُكُمْ.. فَهَذَا يَنْفِي أن يكون أمر الأسرى معصية» .
وَقِيلَ الْمَعْنَى: «لَوْلَا إِيمَانُكُمْ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ الْكِتَابُ السَّابِقُ فَاسْتَوْجَبْتُمْ بِهِ الصَّفْحَ لَعُوقِبْتُمْ عَلَى الْغَنَائِمِ «1» » . ويزداد هَذَا الْقَوْلُ تَفْسِيرًا وَبَيَانًا. بِأَنْ يُقَالَ: «لَوْلَا مَا كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِالْقُرْآنِ وَكُنْتُمْ مِمَّنْ أُحِلَّتُ لَهُمُ الْغَنَائِمُ لَعُوقِبْتُمْ كَمَا عُوقِبَ مَنْ تَعَدَّى» . وَقِيلَ: «لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهَا حَلَالٌ لَكُمْ لَعُوقِبْتُمْ فَهَذَا كُلُّهُ يَنْفِي الذَّنْبَ وَالْمَعْصِيَةَ.. لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا أُحِلُّ لَهُ لَمْ يَعْصِ» . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً «2» » . وَقِيلَ: بَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خُيِّرَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ: خَيِّرْ أَصْحَابَكَ في الأسارى إن شاؤوا القتل وإن شاؤوا الفداء على أن يقتل فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ مِثْلُهُمْ.. فَقَالُوا: الْفِدَاءَ وَيُقْتَلُ مِنَّا «4» ..» وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا مَا أُذِنَ لَهُمْ فيه.. لكن بَعْضَهُمْ مَالَ إِلَى أَضْعَفِ الْوَجْهَيْنِ مِمَّا كَانَ الأصلح غيره
مِنَ الْإِثْخَانِ وَالْقَتْلِ فَعُوتِبُوا عَلَى ذَلِكَ، وَبُيِّنَ لَهُمْ ضَعْفُ اخْتِيَارِهِمْ وَتَصْوِيبُ اخْتِيَارِ غَيْرِهِمْ، وَكُلُّهُمْ غَيْرُ عُصَاةٍ وَلَا مُذْنِبِينَ. وَإِلَى نَحْوِ هَذَا أَشَارَ الطَّبَرِيُّ «1» . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ «2» : «لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَذَابٌ مَا نَجَا مِنْهُ إِلَّا عُمَرُ «3» » إِشَارَةً إِلَى هَذَا مِنْ تَصْوِيبِ رَأْيِهِ وَرَأْيِ مَنْ أَخَذَ بِمَأْخَذِهِ فِي إِعْزَازِ الدِّينِ، وَإِظْهَارِ كَلِمَتِهِ، وَإِبَادَةِ عَدُوِّهِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ لَوِ اسْتَوْجَبَتْ عَذَابًا نَجَا مِنْهُ عُمَرُ «3» وَمِثْلُهُ «4» - وَعَيَّنَ عُمَرَ- لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَشَارَ بِقَتْلِهِمْ «5» وَلَكِنَّ اللَّهَ لَمْ يُقَدِّرْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ عَذَابًا لِحِلِّهِ لَهُمْ فِيمَا سَبَقَ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ «6» وَالْخَبَرُ بِهَذَا لَا يَثْبُتُ، وَلَوْ ثَبَتَ لَمَا جَازَ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِمَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا دَلِيلَ مِنْ نَصٍّ، وَلَا جُعِلَ الْأَمْرُ فِيهِ إِلَيْهِ وَقَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الْقَاضِي بَكْرُ «7» بْنُ الْعَلَاءِ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ تَأْوِيلَهُ وَافَقَ مَا كَتَبَهُ لَهُ مِنْ إِحْلَالِ الْغَنَائِمِ وَالْفِدَاءِ وقد
كَانَ قَبْلَ هَذَا فَادَوْا فِي سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ «1» بْنِ جَحْشٍ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا ابْنُ الحضرمي «2» والحكم بْنِ كَيْسَانَ «3» وَصَاحِبِهِ «4» فَمَا عَتَبَ اللَّهُ ذَلِكَ عليم.. وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ بِأَزْيَدَ مِنْ عَامٍ «5» . فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ الْأَسْرَى كَانَ عَلَى تَأْوِيلٍ وَبَصِيرَةٍ. وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ مِثْلُهُ.. فَلَمْ يُنْكِرْهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ.. لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ لِعِظَمِ أَمْرِ بَدْرٍ، وَكَثْرَةِ أَسْرَاهَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- إِظْهَارَ نِعْمَتِهِ، وَتَأْكِيدَ مِنَّتِهِ بتعريفهم ما كتبه في فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مِنْ حِلِّ ذَلِكَ لَهُمْ، لَا عَلَى وَجْهِ عِتَابٍ وَإِنْكَارٍ وَتَذْنِيبٍ.. هَذَا معنى كلامه. وأما قوله: «عَبَسَ وَتَوَلَّى «6» ..» الْآيَاتِ فَلَيْسَ فِيهِ إِثْبَاتُ ذَنْبٍ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ إِعْلَامُ اللَّهِ أَنَّ ذلك المتصدّى «7» له ممن لا يتزكى
وَأَنَّ الصَّوَابَ وَالْأَوْلَى كَانَ- لَوْ «1» كُشِفَ لَكَ «2» حَالُ الرَّجُلَيْنِ- الْإِقْبَالُ عَلَى الْأَعْمَى «3» . وَفِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا فَعَلَ، وَتَصَدِّيهِ لذاك الْكَافِرِ، كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ، وَتَبْلِيغًا عَنْهُ، وَاسْتِئْلَافًا لَهُ، كَمَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُ، لَا مَعْصِيَةً ومخالفة لَهُ. - وَمَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ إِعْلَامٌ بِحَالِ الرَّجُلَيْنِ، وَتَوْهِينِ أَمْرِ الْكَافِرِ عِنْدَهُ، وَالْإِشَارَةِ إِلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: «وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى» . وَقِيلَ: (أَرَادَ «بِعَبَسَ» «وَتَوَلَّى» الْكَافِرَ الَّذِي كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ: أَبُو تَمَّامٍ «4» ) . وَأَمَّا قِصَّةُ آدَمَ عليه السلام وقوله تعالى: «فَأَكَلا مِنْها «5» »
بَعْدَ قَوْلِهِ: «وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ «1» » وقوله: «أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ «2» » وَتَصْرِيحُهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْمَعْصِيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى «3» » أَيْ جَهِلَ. وَقِيلَ: (أَخْطَأَ) . فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ بِعُذْرِهِ بِقَوْلِهِ: «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً «4» » قَالَ ابْنُ زَيْدٍ «5» : «نَسِيَ عَدَاوَةَ إِبْلِيسَ لَهُ، وَمَا عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ» . بِقَوْلِهِ: «إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ «6» ..» الاية. قيل: «نَسِيَ ذَلِكَ بِمَا أَظْهَرَ لَهُمَا» . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «7» : (إِنَّمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إِنْسَانًا لِأَنَّهُ عُهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ) . وَقِيلَ: «لَمْ يَقْصِدِ الْمُخَالَفَةَ اسْتِحْلَالًا لَهَا، وَلَكِنَّهُمَا اغْتَرَّا بِحَلِفِ إِبْلِيسَ لَهُمَا «إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ «8» » وتوهما أن
أَحَدًا لَا يَحْلِفُ بِاللَّهِ حَانِثًا. وَقَدْ رُوِيَ عُذْرُ آدَمَ بِمِثْلِ هَذَا فِي بَعْضِ الْآثَارِ وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ «1» : «حَلَفَ بِاللَّهِ لَهُمَا حَتَّى غرّهما.. والمؤمن يخدع «2» . وقيل: (نسي ولم يَنْوِ الْمُخَالَفَةَ فَلِذَلِكَ قَالَ: «وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا «3» » أَيْ قَصْدًا لِلْمُخَالَفَةِ) .. وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أن «العزم» هنا الحزم وَالصَّبْرُ. وَقِيلَ: «كَانَ عِنْدَ أَكْلِهِ سَكْرَانَ وَهَذَا فِيهِ ضَعْفٌ «3» » . لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ خَمْرَ الْجَنَّةِ أَنَّهَا لَا تُسْكِرُ «4» .. فَإِذَا كَانَ نَاسِيًا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مُلَبَّسًا عَلَيْهِ غَالِطًا إِذِ الِاتِّفَاقُ عَلَى خُرُوجِ النَّاسِي والساهي عن حكم التكليف. وقال الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ «5» بْنُ فُورَكٍ وَغَيْرُهُ: (إِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَدَلِيلُ ذلك قوله: «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى «6» » فذكر أن
الِاجْتِبَاءَ وَالْهِدَايَةَ كَانَا بَعْدَ الْعِصْيَانِ) . وَقِيلَ: «بَلْ أَكَلَهَا مُتَأَوِّلًا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا الشَّجَرَةُ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا.. لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ نَهْيَ اللَّهِ عَنْ شَجَرَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَا عَلَى الْجِنْسِ» . وَلِهَذَا قِيلَ: «إِنَّمَا كَانَتِ التَّوْبَةُ مِنْ تَرْكِ التَّحَفُّظِ لَا مِنَ الْمُخَالَفَةِ» وَقِيلَ: «تَأَوَّلَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْهَهُ عَنْهَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ» . فَإِنْ قِيلَ: (فَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى «1» » . وقال: «فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى «2» » . وقوله في حديث الشفاعة «3» : «- ويذكر ذنبه- وإني نُهِيتُ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُ» . فَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ وَعَنْ أَشْبَاهِهِ مُجْمَلًا آخِرَ الْفَصْلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَمَّا قِصَّةُ يُونُسَ «4» : فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى بَعْضِهَا آنِفًا «5» ، وَلَيْسَ فِي قِصَّةِ يُونُسَ نَصٌّ عَلَى ذَنْبٍ وَإِنَّمَا فِيهَا (أَبَقَ) (وذهب مغاضبا) وقد تكلمنا عليه..
وقيل: (إنما نقم الله خُرُوجَهُ عَنْ قَوْمِهِ فَارًّا مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ) وَقِيلَ: «بَلْ. لَمَّا وَعَدَهُمُ الْعَذَابَ، ثُمَّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَلْقَاهُمْ بِوَجْهِ كَذَّابٍ أَبَدًا» . وَقِيلَ: «بَلْ كَانُوا يَقْتُلُونَ مَنْ كَذَبَ فَخَافَ ذَلِكَ» . وَقِيلَ: «ضَعُفَ عَنْ حَمْلِ أَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ.» وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْهُمْ «1» .. وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى مَعْصِيَةٍ إِلَّا عَلَى قَوْلٍ مَرْغُوبٍ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: «أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ «2» ْمَشْحُونِ «3» قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: تَبَاعَدَ «4» . وَأَمَّا قَوْلُهُ: «إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ «5» » «5» «فَالظُّلْمُ» وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ «6» فَهَذَا اعتراف منه عند بعضهم بذنبه..
فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِخُرُوجِهِ عَنْ قَوْمِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ رَبِّهِ أَوْ لِضَعْفِهِ عَمَّا حُمِّلَهُ، أَوْ لِدُعَائِهِ بِالْعَذَابِ عَلَى قَوْمِهِ. وَقَدْ دَعَا نُوحٌ هلاك قَوْمِهِ فَلَمْ يُؤَاخَذْ. وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ «1» فِي مَعْنَاهُ: «نَزَّهَ رَبَّهُ عَنِ الظُّلْمِ، وَأَضَافَ الظُّلْمَ إِلَى نَفْسِهِ اعْتِرَافًا وَاسْتِحْقَاقًا» . وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ آدَمَ وحواء: «رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا «2» » إِذْ كَانَا السَّبَبُ فِي وَضْعِهِمَا فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أُنْزِلَا فِيهِ وَإِخْرَاجِهِمَا مِنَ الْجَنَّةِ، وإنزالهما إلى الأرض. وأما قصة داوود «3» عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَلَا يَجِبُ «4» أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَى ما سطره فيه الإخباريون عن أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا، وَنَقَلَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ.. وَلَمْ يَنُصَّ اللَّهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ. وَالَّذِي نص الله عليه
قوله: «وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ «1» ..» إلى قوله: «وحسن ماب» وقوله فيه: «أوّاب» فمعنى (فتناه) اختبرناه و «أواب» قال قتادة «2» : «مطيع» .. وهذا التفسير أولى. قال ابْنُ عَبَّاسٍ «3» وَابْنُ مَسْعُودٍ «4» : «مَا زَادَ دَاوُدُ أَنْ قَالَ لِلرَّجُلِ: انْزِلْ لِي عَنِ امْرَأَتِكَ وأكفلينها فَعَاتَبَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَنَبَّهَهُ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ علة شُغْلَهُ بِالدُّنْيَا» . وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ. وَقِيلَ: «خَطَبَهَا عَلَى خِطْبَتِهِ «5» » وَقِيلَ: «بَلْ أَحَبَّ بِقَلْبِهِ أَنْ يُسْتَشْهَدَ «6» » . وَحَكَى السَّمَرْقَنْدِيُّ «7» : «أَنَّ ذَنْبَهُ الَّذِي اسْتَغْفَرَ مِنْهُ قَوْلُهُ لأحد الخصمين «8» : «لقد ظلمتك «9» » فظلّمه «10» بقول
خصمه «1» وقيل لَمَّا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ، وَظَنَّ مِنَ الْفِتْنَةِ بِمَا بُسِطَ لَهُ مِنَ الْمُلْكِ وَالدُّنْيَا، وَإِلَى نَفْيِ مَا أُضِيفَ فِي الْأَخْبَارِ إِلَى دَاوُدَ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ «2» وَأَبُو تَمَّامٍ «3» وَغَيْرُهُمَا من المحققين. قال الدَّاوُدِيُّ «4» : «لَيْسَ فِي قِصَّةِ دَاوُدَ وَأُورِيَا خَبَرٌ يَثْبُتُ، وَلَا يُظَنُّ بِنَبِيٍّ مَحَبَّةُ قَتْلِ مُسْلِمٍ» . وَقِيلَ: «إِنَّ الْخَصْمَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ رَجُلَانِ فِي نِتَاجِ «5» غَنَمٍ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ» . وَأَمَّا قصة يوسف وإخوته فليس على يوسف منها تَعَقُّبٌ، وَأَمَّا إِخْوَتُهُ، فَلَمْ تَثْبُتْ نُبُوَّتُهُمْ فَيَلْزَمُ الْكَلَامُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ.. وَذِكْرُ الْأَسْبَاطِ وَعَدُّهُمْ فِي القرآن عند ذكر الأنبياء.
قال المفسرون: «يريد من نبىء مِنْ أَبْنَاءِ الْأَسْبَاطِ» . وَقَدْ قِيلَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا حِينَ فَعَلُوا بِيُوسُفَ مَا فَعَلُوهُ صِغَارَ الْأَسْنَانِ وَلِهَذَا لَمْ يُمَيِّزُوا يُوسُفَ حِينَ اجْتَمَعُوا بِهِ، ولهذا قالوا: «أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ «1» .» وإن ثبتت لهم نبوة فبعد هذا الفعل- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ «2» » . فعلى مذهب كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ أَنَّ هَمَّ النَّفْسِ لا يؤاخذ به وليست سَيِّئَةً. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ «3» : «إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ..» فَلَا مَعْصِيَةَ فِي هَمِّهِ إذن. وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمُحَقِّقِينَ «4» مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: فَإِنَّ الْهَمَّ إِذَا وُطِّنَتْ عَلَيْهِ النَّفْسُ سَيِّئَةٌ.. وأما مالم تُوَطَّنْ عَلَيْهِ النَّفْسُ مِنْ هُمُومِهَا وَخَوَاطِرهَا فَهُوَ المعفو عنه.. وهذا هُوَ الْحَقُّ. فَيَكُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ هَمُّ يوسف من هذا.
ويكون قوله: «وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي «1» ..» الْآيَةَ.. أَيْ مَا أُبَرِّئُهَا مِنْ هَذَا الْهَمِّ. أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ التَّوَاضُعِ والاعتراف بمخالفة النفس لما زكّي قبل وبرىء.. فَكَيْفَ وَقَدْ حَكَى أَبُو حَاتِمٍ «2» عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ «3» أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَهُمَّ وَأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ. أَيْ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ.. وَلَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا. ولقد قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمَرْأَةِ «وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ «4» » . وقد قال تعالى: «كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ «5» » وَقَالَ تَعَالَى: «وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ،» قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ «6» » الْآيَةَ. قِيلَ: فِي «رَبِّي» اللَّهُ وَقِيلَ: الْمَلِكُ. وَقِيلَ: «هَمَّ بِهَا» أَيْ بِزَجْرِهَا وَوَعْظِهَا وَقِيلَ: «همّ بها»
أَيْ غَمَّهَا «1» امْتِنَاعُهُ عَنْهَا وَقِيلَ: «هَمَّ بِهَا» نَظَرَ إِلَيْهَا وَقِيلَ: هَمَّ بِضَرْبِهَا وَدَفْعِهَا وَقِيلَ: «هَذَا كُلُّهُ كَانَ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ» . وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ: «مَا زَالَ النِّسَاءُ يَمِلْنَ إِلَى يُوسُفَ مَيْلَ شَهْوَةٍ حَتَّى نَبَّأَهُ اللَّهُ فَأَلْقَى عَلَيْهِ هَيْبَةَ النُّبُوَّةِ فَشَغَلَتْ هَيْبَتُهُ كُلَّ مَنْ رَآهُ عَنْ حُسْنِهِ» . وَأَمَّا خَبَرُ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَتِيلِهِ «2» الَّذِي وَكَزَهُ «3» .. وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مِنْ عَدُوِّهِ. وَقِيلَ: «كَانَ مِنَ الْقِبْطِ «4» الَّذِينَ عَلَى دِينِ فِرْعَوْنَ،، وَدَلِيلُ السُّورَةِ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ قَبْلَ «5» نُبُوَّةِ مُوسَى» . وَقَالَ قَتَادَةُ «6» : «وَكَزَهُ بِالْعَصَا وَلَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ، فَعَلَى هَذَا لَا مَعْصِيَةَ فِي ذلك» .
وقوله: «هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ «1» » وقوله: «ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي «2» » . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ «3» : «قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَقْتُلَ حَتَّى يُؤْمَرَ» . وَقَالَ النَّقَّاشُ «4» : (لَمْ يَقْتُلْهُ عَنْ عَمْدٍ مُرِيدًا لِلْقَتْلِ، وَإِنَّمَا وَكَزَهُ وَكْزَةً يُرِيدُ بِهَا دَفْعَ ظُلْمِهِ) . قَالَ «5» وَقَدْ قِيلَ: (إِنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى التِّلَاوَةِ) وَقَوْلُهُ تعالى في قصته: «وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً «6» » أَيِ ابْتَلَيْنَاكَ ابْتِلَاءً بَعْدَ ابْتِلَاءٍ. قِيلَ: «فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَمَا جَرَى لَهُ «7» مَعَ فِرْعَوْنَ.
وَقِيلَ: «إِلْقَاؤُهُ فِي التَّابُوتِ «1» وَالْيَمِّ «2» » وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَخْلَصْنَاكَ إِخْلَاصًا «3» قَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ «4» وَمُجَاهِدٌ «5» مِنْ قَوْلِهِمْ: «فَتَنْتَ الْفِضَّةَ فِي النَّارِ» إِذَا خَلَّصْتَهَا. وَأَصْلُ «الْفِتْنَةِ مَعْنًى» الِاخْتِبَارُ وَإِظْهَارُ مَا بَطَنَ إِلَّا أَنَّهُ اسْتُعْمِلَ فِي عُرْفِ الشرع في اختيار أَدَّى إِلَى مَا يُكْرَهُ. وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ «6» مِنْ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ جَاءَهُ فَلَطَمَ عَيْنَهُ فَفَقَأَهَا.. الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ ما يحكم على موسى عليه السلام بالتعدي وفعل ما لا يجب.. إِذْ هُوَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ، بَيِّنُ الْوَجْهِ، جَائِزُ الْفِعْلِ، لِأَنَّ مُوسَى دَافَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَنْ أَتَاهُ لِإِتْلَافِهَا.. وَقَدْ تُصُوِّرَ لَهُ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، وَلَا يُمْكِنُ أَنَّهُ عَلِمَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ ملك
الْمَوْتِ، فَدَافَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ مُدَافَعَةً. أَدَّتْ إِلَى ذَهَابِ عَيْنِ تِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي تُصُوِّرَ لَهُ فِيهَا الْمَلَكُ، امْتِحَانًا مِنَ اللَّهِ، فَلَمَّا جَاءَهُ بَعْدُ وَأَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ رَسُولُهُ إِلَيْهِ استسلم. وللمتقدمين وللمتأخرين عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَجْوِبَةٌ. هَذَا أَسَدُّهَا عِنْدِي، وَهُوَ تَأْوِيلُ شَيْخِنَا الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ «1» الْمَازِرِيِّ. وَقَدْ تَأَوَّلَهُ قَدِيمًا ابْنُ عَائِشَةَ «2» وَغَيْرُهُ عَلَى صَكِّهِ «3» وَلَطْمِهِ بِالْحُجَّةِ وَفَقْءِ عَيْنِ حُجَّتِهِ، وَهُوَ كَلَامٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي هَذَا الْبَابِ فِي اللغة ومعروف. وَأَمَّا قِصَّةُ سُلَيْمَانَ وَمَا حَكَى فِيهَا أَهْلُ التَّفَاسِيرِ مِنْ ذَنْبِهِ وَقَوْلُهُ: «وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ «4» » فمعناه ابتليناه، وابتلاؤه
مَا حُكِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «1» أنه قال: (لأطوفن الليلة على مئة «2» امْرَأَةٍ أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ «3» كُلُّهُنَّ يَأْتِينَ بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ «4» : قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ.. فَلَمْ تحمل منهن إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشَقِّ رُجُلٍ قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بِيَدِهِ. لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ) . قَالَ أَصْحَابُ الْمَعَانِي «5» : «وَالشِّقُّ» هُوَ الْجَسَدُ «6» الَّذِي أُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيِّهِ حِينَ عُرِضَ عَلَيْهِ.. وَهِيَ عُقُوبَتُهُ وَمِحْنَتُهُ. وَقِيلَ: «بَلْ مَاتَ فَأُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيِّهِ مَيِّتًا» . وَقِيلَ: «ذَنْبُهُ حِرْصُهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَمَنِّيهِ «7» ..» وَقِيلَ: «لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ لِمَا اسْتَغْرَقَهُ مِنَ الْحِرْصِ وَغَلَبَ عَلَيْهِ من التمني» .
وقيل: عقوبته أن سلب «1» ملكه وذنبه أنه أَحَبَّ بِقَلْبِهِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِأَخْتَانِهِ «2» عَلَى خصمهم. وَلَا يَصِحُّ مَا نَقَلَهُ الْأَخْبَارِيُّونَ مِنْ تَشَبُّهِ الشَّيْطَانِ بِهِ وَتَسَلُّطِهِ عَلَى مُلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ فِي أُمَّتِهِ بِالْجَوْرِ، فِي حُكْمِهِ لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ لَا يُسَلَّطُونَ عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَقَدْ عُصِمَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ مِثْلِهِ «3» . وَإِنْ سُئِلَ لِمَ لَمْ يَقُلْ سليمان في القصة المذكور إن شاء الله؟؟ فعنه «4» أجوبة «5» : أحدهما: مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ نَسِيَ أَنْ يَقُولَهَا، وَذَلِكَ لِيَنْفُذَ مُرَادَ «6» اللَّهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ صَاحِبَهُ «7» وَشُغِلَ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: «وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي «8» »
لَمْ يَفْعَلْ هَذَا سُلَيْمَانُ غَيْرَةً «1» عَلَى الدُّنْيَا، وَلَا نَفَاسَةً «2» بِهَا، وَلَكِنْ مَقْصِدُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ أَنْ لَا يُسَلَّطَ عَلَيْهِ أَحَدٌ كَمَا سُلِّطَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ الَّذِي سَلَبَهُ إِيَّاهُ مُدَّةَ امْتِحَانِهِ- عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ «3» - وَقِيلَ: بَلْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنَ اللَّهِ فَضِيلَةٌ، وَخَاصَّةٌ يَخْتَصُّ بِهَا، كَاخْتِصَاصِ «4» غَيْرِهِ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ بِخَوَاصَّ «5» مِنْهُ. وَقِيلَ: «لِيَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا وَحُجَّةً عَلَى نُبُوَّتِهِ كَإِلَانَةِ الْحَدِيدِ لِأَبِيهِ، وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى لِعِيسَى، وَاخْتِصَاصِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّفَاعَةِ، وَنَحْوِ هَذَا» .. وَأَمَّا قِصَّةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَظَاهِرَةُ الْعُذْرِ، وَأَنَّهُ أَخَذَ فِيهَا بِالتَّأْوِيلِ، وَظَاهِرِ اللفظ لقوله تعالى «وأهلك «6» » فَطَلَبَ مُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ، وَأَرَادَ عِلْمَ مَا طوي عنه مِنْ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ شَكَّ فِي وَعْدِ الله.
فَبَيَّنَ «1» اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ الَّذِينَ وَعَدَهُ بِنَجَاتِهِمْ لِكُفْرِهِ، وَعَمَلِهِ، الَّذِي هُوَ غَيْرُ صَالِحٍ، وَقَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ مُغْرِقُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَنَهَاهُ عَنْ مُخَاطَبَتِهِ فِيهِمْ، فَأُوخِذَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ، وَعَتَبَ عَلَيْهِ، وَأَشْفَقَ هُوَ مِنْ إِقْدَامِهِ عَلَى رَبِّهِ لِسُؤَالِهِ مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي السُّؤَالِ فِيهِ. وَكَانَ نُوحٌ- فِيمَا حَكَاهُ النقاش «2» - لا يعلم بكفرابنه وَقِيلَ فِي الْآيَةِ: غَيْرُ هَذَا.. وَكُلُّ هَذَا لَا يَقْضِي عَلَى نُوحٍ بِمَعْصِيَةٍ سِوَى مَا ذكرناه من تأويله وإقدامه بالسؤال فيمن «3» لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ وَلَا نُهِيَ عَنْهُ.. وَمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ «4» مِنْ أَنَّ نَبِيًّا قَرَصَتْهُ «5» نَمْلَةٌ فَحَرَقَ قَرْيَةَ «6» النَّمْلِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ «7» قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأمم تسبّح «8» ؟!!.
فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَتَى مَعْصِيَةً بَلْ فَعَلَ مَا رَآهُ مَصْلَحَةً وَصَوَابًا بِقَتْلِ مَنْ يُؤْذِي جِنْسُهُ وَيَمْنَعُ الْمَنْفَعَةَ بما أَبَاحَ اللَّهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ كان نازلا تحت الشجرة. فلما آذته انملة تحول برحله عَنْهَا مَخَافَةَ تَكْرَارِ الْأَذَى عَلَيْهِ.. وَلَيْسَ فِيمَا أوحى الله إليه ما يوجب عليه مَعْصِيَةً.. بَلْ نَدَبَهُ إِلَى احْتِمَالِ الصَّبْرِ، وَتَرْكِ التَّشَفِّي. كَمَا قَالَ تَعَالَى: «وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ «1» » إِذْ ظَاهِرُ فِعْلِهِ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهَا آذَتْهُ هُوَ فِي خَاصَّتِهِ فَكَانَ انتقساما لِنَفْسِهِ، وَقَطْعَ مَضَرَّةٍ يَتَوَقَّعُهَا مِنْ بَقِيَّةِ النَّمْلِ هناك، ولم يأت في كل هذا أمرا نُهِيَ عَنْهُ فَيُعَصَّى بِهِ، وَلَا نَصَّ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «2» : مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا أَلَمَّ بِذَنْبٍ أَوْ كَادَ، إِلَّا يَحْيَى بْنَ زكريا أو كما قال «3» عليه السلام فَالْجَوَابُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي وَقَعَتْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَعَنْ سَهْوٍ وغفلة.
الفصل الرابع عشر حالة الانبياء في خوفهم واستغفارهم
الفصل الرابع عشر حالة الانبياء في خوفهم واستغفارهم فَإِنْ قُلْتَ: فَإِذَا نَفَيْتَ عَنْهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِي بِمَا ذَكَرْتَهُ مِنَ اخْتِلَافِ الْمُفَسِّرِينَ وَتَأْوِيلِ الْمُحَقِّقِينَ.. فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى «1» » وَمَا تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنَ اعْتِرَافِ الْأَنْبِيَاءِ بِذُنُوبِهِمْ، وَتَوْبَتِهِمْ، وَاسْتِغْفَارِهِمْ، وَبُكَائِهِمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ، وَإِشْفَاقِهِمْ؟؟!! وَهَلْ يُشْفَقُ وَيُتَابُ وَيُسْتَغْفَرُ مِنْ لَا شَيْءَ؟!! فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ دَرَجَةَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الرِّفْعَةِ وَالْعُلُوِّ، وَالْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ وَسُنَّتِهِ فِي عِبَادِهِ، وَعِظَمِ سُلْطَانِهِ وَقُوَّةِ بَطْشِهِ، مِمَّا يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْخَوْفِ مِنْهُ جَلَّ جَلَالُهُ، وَالْإِشْفَاقِ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِمَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ غَيْرُهُمْ، وَأَنَّهُمْ فِي تَصَرُّفِهِمْ بِأُمُورٍ لَمْ يُنْهَوْا عَنْهَا، ولا
أُمِرُوا بِهَا، ثُمَّ وُوخِذُوا «1» عَلَيْهَا، وَعُوتِبُوا بِسَبَبِهَا، وَحُذِّرُوا «2» مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهَا.. وَأَتَوْهَا عَلَى وَجْهِ التَّأْوِيلِ، أَوِ السَّهْوِ، أَوْ تَزَيُّدٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا الْمُبَاحَةِ، خَائِفُونَ وَجِلُونَ. وَهِيَ ذُنُوبٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى عَلِيِّ مَنْصِبِهِمْ. وَمَعَاصٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَمَالِ طَاعَتِهِمْ. لَا أَنَّهَا كَذُنُوبِ غَيْرِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ. فَإِنَّ الذنب مأخوذ «3» من الشيء الدنيء الرَّذْلِ «4» ، وَمِنْهُ «ذَنَبُ «5» كُلِّ شَيْءٍ» أَيْ آخِرُهُ وأذناب الناس رذّا لهم «6» فَكَأَنَّ «7» هَذِهِ أَدْنَى أَفْعَالِهِمْ وَأَسْوَأُ مَا يَجْرِي مِنْ أَحْوَالِهِمْ، لِتَطْهِيرِهِمْ، وَتَنْزِيهِهِمْ، وَعِمَارَةِ بَوَاطِنِهِمْ وَظَوَاهِرِهِمْ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْكَلِمِ الطَّيِّبِ، وَالذِّكْرِ الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ، وَالْخَشْيَةِ لِلَّهِ وَإِعْظَامِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ.. وَغَيْرُهُمْ يَتَلَوَّثُ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالْقَبَائِحِ وَالْفَوَاحِشِ مَا تَكُونُ
بالإضافة إلى «1» هَذِهِ الْهَنَاتِ «2» فِي حَقِّهِ كَالْحَسَنَاتِ. كَمَا قِيلَ «3» : «حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ، سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ» . أَيْ يَرَوْنَهَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى عَلِيِّ أَحْوَالِهِمْ كَالسَّيِّئَاتِ وَكَذَلِكَ «الْعِصْيَانُ» التَّرْكُ وَالْمُخَالَفَةُ، فَعَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظَةِ كَيْفَمَا كَانَتْ مِنْ سَهْوٍ، أَوْ تَأْوِيلٍ، فَهِيَ مُخَالَفَةٌ وَتَرْكٌ. وَقَوْلُهُ: «غوى» أي أَنَّ تِلْكَ الشَّجَرَةَ هِيَ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا.. «وَالْغَيُّ» الْجَهْلُ وَقِيلَ: أَخْطَأَ مَا طَلَبَ مِنَ الْخُلُودِ إِذْ أَكَلَهَا.. وَخَابَتْ أُمْنِيَّتُهُ «4» . وَهَذَا يُوسُفُ عليه السلام قد ووخذ «5» بِقَوْلِهِ لِأَحَدِ صَاحِبَيِ السِّجْنِ «6» : «اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ، فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ «7» » . قِيلَ: «أُنْسِيَ يُوسُفُ ذِكْرَ اللَّهِ» . وَقِيلَ: «أُنْسِيَ صاحبه أن يذكره لسيده الملك» .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «لَوْلَا كَلِمَةُ يُوسُفَ مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ» قَالَ ابْنُ دِينَارٍ «2» : لَمَّا قَالَ ذَلِكَ يُوسُفُ قِيلَ لَهُ: اتَّخَذْتَ «3» مِنْ دُونِي وَكِيلًا!! .. لَأُطِيلَنَّ حَبْسَكَ.. فَقَالَ: يَا رَبِّ أَنْسَى قَلْبِي كَثْرَةُ «4» الْبَلْوَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «يُؤَاخَذُ الْأَنْبِيَاءُ بِمَثَاقِيلِ «5» الذَّرِّ «6» لِمَكَانَتِهِمْ عِنْدَهُ وَيُجَاوِزُ عَنْ سَائِرِ الْخَلْقِ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ «7» بِهِمْ فِي أَضْعَافِ مَا أَتَوْا به
مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ. وَقَدْ قَالَ الْمُحْتَجُّ لِلْفِرْقَةِ «1» الْأُولَى. عَلَى سِيَاقِ مَا قُلْنَاهُ.. إِذَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ يُؤَاخَذُونَ بِهَذَا مِمَّا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ غَيْرُهُمْ مِنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا ذَكَرْتَهُ وَحَالُهُمْ أرفع فحالهم «2» إذن فِي هَذَا أَسْوَأُ «3» حَالًا مِنْ غَيْرِهِمْ. فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ: أَنَّا لَا نُثْبِتُ لَكَ الْمُؤَاخَذَةَ فِي هَذَا عَلَى حَدِّ مُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِمْ.. بَلْ نَقُولُ: «إِنَّهُمْ يُؤَاخَذُونَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا لِيَكُونَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي دَرَجَاتِهِمْ، وَيُبْتَلُونَ بِذَلِكَ لِيَكُونَ اسْتِشْعَارُهُمْ «4» لَهُ سَبَبًا لِمَنْمَاةِ «5» رُتَبِهِمْ كَمَا قَالَ: «ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى «6» » . وقال لداود: «فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ «7» » الْآيَةَ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِ مُوسَى: «تُبْتُ إِلَيْكَ «8» » «إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ «9» » . وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ فِتْنَةِ سُلَيْمَانَ وَإِنَابَتِهِ: «فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ. إلى
وَحُسْنُ مَآبٍ «1» » وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: «زَلَّاتُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الظَّاهِرِ زَلَّاتٌ وَفِي الْحَقِيقَةِ كَرَامَاتٌ وَزُلَفٌ «2» . وَأَشَارَ إِلَى نَحْوٍ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ. وَأَيْضًا فَلْيُنَبَّهْ غَيْرُهُمْ مِنَ البشر منهم، أو ممن ليس من دَرَجَتِهِمْ بِمُؤَاخَذَتِهِمْ بِذَلِكَ فَيَسْتَشْعِرُوا الْحَذَرَ وَيَعْتَقِدُوا الْمُحَاسَبَةَ لِيَلْتَزِمُوا الشُّكْرَ عَلَى النِّعَمِ، وَيُعِدُّوا الصَّبْرَ عَلَى الْمِحَنِ «3» بِمُلَاحَظَةِ مَا وَقَعَ بِأَهْلِ هَذَا النِّصَابِ «4» الرَّفِيعِ الْمَعْصُومِ. فَكَيْفَ بِمَنْ سِوَاهُمْ. وَلِهَذَا قَالَ صَالِحٌ «5» الْمُرِّيُّ: «ذِكْرُ دَاوُدَ بَسْطَةٌ «6» لِلتَّوَّابِينَ» . قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ «7» : «لَمْ يَكُنْ مَا نَصَّ اللَّهُ تعالى من قصة صاحب «8»
الْحُوتِ نَقْصًا «1» لَهُ، وَلَكِنِ اسْتِزَادَةً «2» مِنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَيْضًا. فَيُقَالُ لَهُمْ: فَإِنَّكُمْ وَمَنْ وَافَقَكُمْ تَقُولُونَ بِغُفْرَانِ الصَّغَائِرِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَلَا خِلَافَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْكَبَائِرِ.. فَمَا جَوَّزْتُمْ مِنْ وُقُوعِ الصَّغَائِرِ عَلَيْهِمْ هِيَ مَغْفُورَةٌ عَلَى هَذَا، فَمَا مَعْنَى الْمُؤَاخَذَةِ بها إذن عِنْدَكُمْ!! .. وَخَوْفِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَوْبَتِهِمْ مِنْهَا وَهِيَ مَغْفُورَةٌ لَوْ كَانَتْ!! .. فَمَا أَجَابُوا بِهِ فَهُوَ جَوَابُنَا عن المؤاخذة بأفعال السَّهْوِ وَالتَّأْوِيلِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ كَثْرَةَ اسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوْبَتِهِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى وَجْهِ مُلَازِمَةِ الْخُضُوعِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالِاعْتِرَافِ بِالتَّقْصِيرِ شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» وَقَدْ أَمِنَ من المؤاخذة بما تقدم وما تأخر «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا..» !! وَقَالَ «4» : «إِنِّي أَخْشَاكُمْ لله وأعلمكم بما أتقي» .
قَالَ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ «1» : «خَوْفُ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ خَوْفُ إِعْظَامٍ وَتَعَبُّدٍ لِلَّهِ لِأَنَّهُمْ آمِنُونَ» . وَقِيلَ «2» : فَعَلُوا ذَلِكَ لِيُقْتَدَى بِهِمْ وَتَسْتَنَّ بِهِمْ أُمَمُهُمْ. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مَعْنًى آخَرَ لَطِيفًا أَشَارَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ اسْتِدْعَاءُ مَحَبَّةِ اللَّهِ «4» . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «5» » . فَإِحْدَاثُ «6» الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ الِاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ وَالْإِنَابَةَ وَالْأَوْبَةَ فِي كُلِّ حِينٍ اسْتِدْعَاءٌ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَالِاسْتِغْفَارُ فِيهِ مَعْنَى التَّوْبَةِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلّى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ: «لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ «7» .» الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى: «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً «8» » .
الفصل الخامس عشر فائدة مامر من الفصول التي بحثت مسألة العصمة
الفصل الخامس عشر فائدة مامرّ من الفصول التي بحثت مسألة العصمة قد استبان لك أيها الناظر بما «1» قَرَّرْنَاهُ مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِصْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَهْلِ بِاللَّهِ، وَصِفَاتِهِ، أَوْ كَوْنِهِ عَلَى حَالَةِ تُنَافِي الْعِلْمَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ جُمْلَةً بَعْدِ النُّبُوَّةِ عَقْلًا وإجماعا، وقبلها سماعا ونقلا، ولا بشي مما قرره مِنْ أُمُورِ الشَّرْعِ، وَأَدَّاهُ عَنْ رَبِّهِ مِنَ الْوَحْيِ قَطْعًا وَعَقْلًا وَشَرْعًا، وَعِصْمَتِهِ عَنِ الْكَذِبِ، وَخُلْفِ الْقَوْلِ، مُنْذُ نَبَّأَهُ اللَّهُ، وَأَرْسَلَهُ قَصْدًا أَوْ غَيْرَ قَصْدٍ، وَاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ شَرْعًا وإِجْمَاعًا وَنَظَرًا وَبُرْهَانًا، وَتَنْزِيهِهِ عَنْهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ قَطْعًا، وَتَنْزِيهِهِ عَنِ الْكَبَائِرِ إِجْمَاعًا «2» وَعَنِ الصَّغَائِرِ تَحْقِيقًا، وَعَنِ اسْتِدَامَةِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ، وَاسْتِمْرَارِ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ عَلَيْهِ فِيمَا شَرَعَهُ لِلْأُمَّةِ، وَعِصْمَتِهِ فِي كل حالاته من رضا، وغضب، وجد، ومزح،
فَيَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَلَقَّاهُ بِالْيَمِينِ «1» ، وَتَشُدَّ عَلَيْهِ يَدَ الضَّنِينِ «2» ، وَتُقَدِّرَ «3» هَذِهِ الْفُصُولَ حَقَّ قَدْرِهَا، وَتَعْلَمَ عَظِيمَ فَائِدَتِهَا وَخَطَرِهَا، فَإِنَّ مَنْ يَجْهَلُ مَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يجوز، أَوْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْرِفُ صُوَرَ أَحْكَامِهِ، لَا يَأْمَنُ أَنْ يَعْتَقِدَ فِي بَعْضِهَا خِلَافَ مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا يُنَزِّهُهُ عَمًّا لَا يَجِبُ «4» أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ، فَيَهْلِكَ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي، وَيَسْقُطَ فِي هُوَّةِ «5» الدَّرْكِ «6» الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.. إِذْ ظَنَّ الْبَاطِلَ بِهِ وَاعْتِقَادُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ يُحِلُّ بِصَاحِبِهِ دَارَ البوار، ولهذا احْتَاطَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ رَأَيَاهُ لَيْلًا وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ صَفِيَّةَ «7» .. فقال لهما: «إنها صفية» .. ثم قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدم وإني
خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا فَتَهْلِكَا «1» » .. - هَذِهِ أَكْرَمَكَ اللَّهُ إِحْدَى فَوَائِدِ مَا تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ. وَلَعَلَّ جَاهِلًا لَا يَعْلَمُ بِجَهْلِهِ.. إِذَا سَمِعَ شَيْئًا مِنْهَا يَرَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا جُمْلَةً مِنْ فُضُولِ الْعِلْمِ، وَأَنَّ السُّكُوتَ أَوْلَى.. وَقَدِ اسْتَبَانَ لَكَ أَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لِلْفَائِدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَفَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ يُضْطَرُّ إِلَيْهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَيُبْتَنَى «2» عَلَيْهَا مَسَائِلُ لَا تَنْعَدُّ «3» مِنَ الْفِقْهِ، وَيَتَخَلَّصُ بِهَا مِنْ تشغيب «4» مُخْتَلِفِي الْفُقَهَاءِ فِي عِدَّةٍ مِنْهَا، وَهِيَ: - الْحُكْمُ فِي أَقْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَفْعَالِهِ، وَهُوَ بَابٌ عَظِيمٌ، وَأَصْلٌ كَبِيرٌ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بِنَائِهِ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَخْبَارِهِ وَبَلَاغِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ السَّهْوُ فِيهِ، وَعِصْمَتُهُ مِنَ الْمُخَالَفَةِ فِي أَفْعَالِهِ عَمْدًا، وَبِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي وُقُوعِ الصَّغَائِرِ وَقَعَ خِلَافٌ «5» فِي امْتِثَالِ الْفِعْلِ بُسِطَ بَيَانُهُ فِي كُتُبِ ذَلِكَ الْعِلْمِ، فَلَا نُطَوِّلُ بِهِ.. وَفَائِدَةٌ ثَالِثَةٌ: يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْحَاكِمُ «6» وَالْمُفْتِي فِيمَنْ أَضَافَ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَوَصَفَهُ بِهَا فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَا يَجُوزُ، وَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ، وَمَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ فِيهِ، وَالْخِلَافُ كَيْفَ يُصَمِّمُ فِي الْفُتْيَا فِي ذَلِكَ!! وَمِنْ أَيْنَ يَدْرِي هَلْ مَا قاله فيه نقص أو مدح!!. فإما أن يجترىء عَلَى سَفْكِ دَمِ مُسْلِمٍ حَرَامٍ، أَوْ يُسْقِطَ حقا ويضيّع حُرْمَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» .. وَبِسَبِيلِ هَذَا مَا قَدِ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ الْأُصُولِ وَأَئِمَّةُ العلماء والمحققين في عصمة الملائكة..
الفصل السادس عشر عصمة الملائكة
الفصل السّادس عشر عصمة الملائكة فِي الْقَوْلِ فِي عِصْمَةِ الْمَلَائِكَةِ: أَجْمَعَ «1» الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ «2» مُؤْمِنُونَ فُضَلَاءُ، وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ حُكْمَ الْمُرْسَلِينَ مِنْهُمْ حُكْمُ النَّبِيِّينَ سَوَاءً فِي الْعِصْمَةِ، مِمَّا ذَكَرْنَا عِصْمَتَهُمْ مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ فِي حُقُوقِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالتَّبْلِيغِ إِلَيْهِمْ، كَالْأَنْبِيَاءِ مَعَ الْأُمَمِ.. وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمُرْسَلِينَ مِنْهُمْ، فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى عِصْمَةِ جَمِيعِهِمْ عَنِ الْمَعَاصِي «3» ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ «4» » وبقوله: «وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ
مَقامٌ مَعْلُومٌ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ «1» وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ «2» » وَبِقَوْلِهِ: «وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ» «3» . وَبِقَوْلِهِ: «إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ «4» » الاية وبقوله: «كِرامٍ بَرَرَةٍ «5» » و: «لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «6» » وَنَحْوِهِ مِنَ السَّمْعِيَّاتِ «7» . وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ: إِلَى أَنَّ هَذَا خُصُوصٌ «8» لِلْمُرْسَلِينَ مِنْهُمْ وَالْمُقَرَّبِينَ وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ ذَكَرَهَا أَهْلُ الْأَخْبَارِ وَالتَّفَاسِيرِ نَحْنُ نَذْكُرُهَا إِنْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدُ، وَنُبَيِّنُ الْوَجْهَ فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَالصَّوَابُ: عِصْمَةُ جَمِيعِهِمْ، وَتَنْزِيهُ نِصَابِهِمُ «9» الرَّفِيعِ عَنْ جَمِيعِ مَا يَحُطُّ مِنْ رُتْبَتِهِمْ وَمَنْزِلَتِهِمْ عَنْ جَلِيلِ مِقْدَارِهِمْ. وَرَأَيْتُ بَعْضَ شيوخنا أشار «10» بأن «11» لَا حَاجَةَ بِالْفَقِيهِ إِلَى الْكَلَامِ فِي عِصْمَتِهِمْ «12» .
وَأَنَا أَقُولُ إِنَّ لِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ مَا لِلْكَلَامِ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْفَوَائِدِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا سِوَى فَائِدَةِ الْكَلَامِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، فهي ساقطة ههنا «1» . فَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يُوجِبْ عِصْمَةَ جَمِيعِهِمْ «2» قِصَّةُ هَارُوتَ وَمَارُوتَ «3» وَمَا ذَكَرَ فِيهَا أَهْلُ الْأَخْبَارِ وَنَقَلَةُ الْمُفَسِّرِينَ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ «4» وَابْنِ عَبَّاسٍ «5» فِي خَبَرِهِمَا وَابْتِلَائِهِمَا. فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ- أَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ لَمْ يُرْوَ مِنْهَا شَيْءٌ لَا سَقِيمٌ وَلَا صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» . وَلَيْسَ هُوَ شَيْئًا يُؤْخَذُ بِقِيَاسٍ.. وَالَّذِي مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ، وَأَنْكَرَ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ كَمَا سنذكره.
وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ مِنْ كُتُبِ الْيَهُودِ وَافْتِرَائِهِمْ، كَمَا نَصَّهُ اللَّهُ أَوَّلَ الْآيَاتِ مِنَ افْتِرَائِهِمْ بِذَلِكَ عَلَى سُلَيْمَانَ وَتَكْفِيرِهِمْ إِيَّاهُ. وَقَدِ انْطَوَتِ الْقِصَّةُ على شنع «1» عظيمة. وها نحن نحبر «2» فِي ذَلِكَ مَا يَكْشِفُ غِطَاءَ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَاخْتُلِفَ أَوَّلًا فِي هَارُوتَ وَمَارُوتَ.. هَلْ هُمَا مَلَكَانِ أَوْ إِنْسِيَّانِ وَهَلْ هُمَا الْمُرَادُ بِالْمَلَكَيْنِ أَمْ لَا.. وَهَلِ الْقِرَاءَةُ «مَلَكَيْنِ» «3» أَوْ «مَلِكَيْنِ» «4» . وَهَلْ مَا فِي قَوْلِهِ «وَما أُنْزِلَ «5» » و «ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ «6» » نَافِيَةٌ أَوْ مُوجِبَةٌ.. فَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَحَنَ النَّاسَ بِالْمَلَكَيْنِ لِتَعْلِيمِ السِّحْرِ وَتَبْيِينِهِ.. وَأَنَّ عَمَلَهُ «7» كُفْرٌ.. فَمَنْ تَعَلَّمَهُ كَفَرَ وَمَنْ تركه آمن «8» » .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ «1» » وَتَعْلِيمُهُمَا النَّاسَ لَهُ تَعْلِيمُ إِنْذَارٍ.. أَيْ يَقُولَانِ لِمَنْ جَاءَ يَطْلُبُ تَعَلُّمَهُ لَا تَفْعَلُوا «2» كَذَا فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَلَا تَتَخَيَّلُوا «3» بِكَذَا فَإِنَّهُ سِحْرٌ. فَلَا تَكْفُرُوا. فَعَلَى هَذَا: فِعْلُ الْمَلَكَيْنِ طَاعَةٌ، وَتَصَرُّفُهُمَا فِيمَا أُمِرَا بِهِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ.. وَهِيَ لِغَيْرِهِمَا فِتْنَةٌ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ «4» عَنْ خَالِدِ «5» بْنِ أَبِي عِمْرَانَ: أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ هَارُوتُ وَمَارُوتُ، وَأَنَّهُمَا يُعَلِّمَانِ السِّحْرَ فَقَالَ: نَحْنُ نُنَزِّهُهُمَا عَنْ هَذَا.. فَقَرَأَ بَعْضُهُمْ «وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ «6» » فَقَالَ خَالِدٌ: لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِمَا) . فَهَذَا خَالِدٌ عَلَى جَلَالَتِهِ وَعِلْمِهِ نَزَّهَهُمَا عَنْ تَعْلِيمِ السِّحْرِ الذي قد ذكره غَيْرُهُ أَنَّهُمَا «7» مَأْذُونٌ لَهُمَا فِي تَعْلِيمِهِ بِشَرِيطَةِ أَنْ يُبَيِّنَا أَنَّهُ كُفْرٌ، وَأَنَّهُ امْتِحَانٌ مِنَ اللَّهِ وَابْتِلَاءٌ.. فَكَيْفَ لَا يُنَزِّهُهُمَا عَنْ كَبَائِرِ «8»
الْمَعَاصِي وَالْكُفْرِ الْمَذْكُورَةِ فِي تِلْكَ الْأَخْبَارِ. وَقَوْلُ خَالِدٍ: «لَمْ يُنْزَلْ» يُرِيدُ أَنَّ مَا «نَافِيَةٌ» وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ «1» . قَالَ مَكِّيٌّ «2» : «وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ.. وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ- يُرِيدُ بِالسِّحْرِ الَّذِي افتعلته عليه الشياطين واتبعتهم فِي ذَلِكَ الْيَهُودُ» . وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ. قَالَ مَكِّيٌّ «2» : «هُمَا جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ. ادَّعَى الْيَهُودُ عَلَيْهِمَا الْمَجِيءَ بِهِ كَمَا ادَّعَوْا عَلَى سُلَيْمَانَ فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ.. «وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ. بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ «3» » قِيلَ: «هُمَا رَجُلَانِ تَعلَّمَاهُ» . قَالَ الْحَسَنُ «4» : «هَارُوتُ وَمَارُوتُ عِلْجَانِ «5» مِنْ أَهْلِ بابل وقرأ «وما أنزل على الملكين «6» بِكَسْرِ اللَّامِ، وَتَكُونُ «مَا» إِيجَابًا عَلَى هَذَا.
وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «1» بْنِ أَبْزَى بِكَسْرِ اللام، ولكنه قال: «الملكان هنا داوود وَسُلَيْمَانُ» .. وَتَكُونُ «مَا» نَفْيًا «2» عَلَى مَا تَقَدَّمَ.. وَقِيلَ: كَانَا مَلِكَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ.. حَكَاهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ «3» ، وَالْقِرَاءَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ شَاذَّةٌ فَمَحْمَلُ الْآيَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيٍّ حَسَنٌ.. يُنَزِّهُ الْمَلَائِكَةَ، وَيُذْهِبُ الرِّجْسَ عَنْهُمْ.. وَيُطَهِّرُهُمْ تطهيرا.. وقد وصفهم الله بأنهم «مطهّرون «4» » و «كِرامٍ بَرَرَةٍ «5» » و «لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ «6» » . وَمِمَّا يَذْكُرُونَهُ: قِصَّةُ إِبْلِيسَ وَأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَرَئِيسًا فِيهِمْ، وَمِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ.. إِلَى آخِرِ مَا حَكَوْهُ وَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِ: «فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ «7» » .
وَهَذَا أَيْضًا لَمْ يُتَّفَقْ عَلَيْهِ.. بَلِ الْأَكْثَرُ ينفون ذلك، وأنه أبو الجن كما آدَمَ أَبُو الْإِنْسِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ «1» وَقَتَادَةَ «2» ، وَابْنِ زَيْدٍ «3» وَقَالَ شَهْرُ «4» بْنُ حَوْشَبٍ: «كَانَ مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ طَرَدَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي الْأَرْضِ حِينَ أَفْسَدُوا.. وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ «5» شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ سَائِغٌ» . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ» ومما رووه في الْأَخْبَارِ «6» : «أَنَّ خَلْقًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَصَوُا اللَّهَ فَحُرِّقُوا «7» ، وَأُمِرُوا أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ فَأَبَوْا فَحُرِّقُوا، ثُمَّ آخَرُونَ كَذَلِكَ، حَتَّى سَجَدَ لَهُ مَنْ ذَكَرَ اللَّهُ إِلَّا إِبْلِيسَ.. فِي أَخْبَارٍ لَا أَصْلَ لَهَا تَرُدُّهَا صِحَاحُ الْأَخْبَارِ.. فَلَا يُشْتَغَلُ بها والله أعلم.
الباب الثاني في ما يخصتهم الأمور الدنيوية ويطرأ عليهم من العوارض البشرية
الباب الثّاني في ما يخصتهم الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَيَطْرَأُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ وفيه تسعة فصول
الفصل الأول حالة الأنبياء بالنسبة للعوارض البشرية
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ حَالَةُ الْأَنْبِيَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مِنَ الْبَشَرِ.. وَأَنَّ جِسْمَهُ وَظَاهِرَهُ خَالِصٌ لِلْبَشَرِ يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنَ الْآفَاتِ وَالتَّغْيِيرَاتِ وَالْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ وَتَجَرُّعِ كَأْسِ الْحِمَامِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْبَشَرِ. وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِنَقِيصَةٍ فِيهِ.. لِأَنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يُسَمَّى نَاقِصًا بِالْإِضَافَةِ إلى ما هو أتم فيه وأكمل من نوعه وقد كتب الله عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ فِيهَا يَحْيَوْنَ، وَفِيهَا يَمُوتُونَ، وَمِنْهَا يُخْرَجُونَ. وَخَلَقَ جَمِيعَ الْبَشَرِ بِمَدْرَجَةِ «1» الْغِيَرِ «2» . فَقَدْ مَرِضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاشْتَكَى وَأَصَابَهُ الْحَرُّ وَالْقَرُّ، وَأَدْرَكَهُ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَلَحِقَهُ الْغَضَبُ وَالضَّجَرُ، وَنَالَهُ الْإِعْيَاءُ وَالتَّعَبُ، وَمَسَّهُ الضَّعْفُ وَالْكِبَرُ، وَسَقَطَ فَجُحِشَ «3» شِقُّهُ» وَشَجَّهُ الْكُفَّارُ «4»
وَكَسَرُوا رُبَاعِيَّتَهُ «1» ، وَسُقِيَ السُّمُّ «2» ، وَسُحِرَ «3» ، وَتَدَاوَى «4» وَاحْتَجَمَ «5» ، وَتَنَشَّرَ «6» وَتَعَوَّذَ، ثُمَّ قَضَى نَحْبَهُ فَتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَحِقَ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى، وَتَخَلَّصَ مِنْ دَارِ الِامْتِحَانِ «7» وَالْبَلْوَى. وَهَذِهِ سِمَاتُ الْبَشَرِ الَّتِي لَا مَحِيصَ عَنْهَا. وَأَصَابَ غَيْرَهُ مِنَ الأنبياء ما هو أعظم فَقُتِّلُوا قَتْلًا «8» ، وَرُمُوا فِي النَّارِ «9» ، وَنُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرِ «10» ، وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَهُ كَمَا عُصِمَ «11» بَعْدُ «12» نبينا «13» من الناس.
فَلَئِنْ لَمْ يَكْفِ نَبِيَّنَا رَبُّهُ يَدَ ابْنِ قميئة «1» يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَا حَجَبَهُ عَنْ عُيُونِ عِدَاهُ عِنْدَ دَعْوَتِهِ أَهْلَ الطَّائِفِ فَلَقَدْ أَخَذَ عَلَى عُيُونِ قُرَيْشٍ عِنْدَ خُرُوجِهِ إِلَى ثَوْرٍ «2» ، وَأَمْسَكَ عَنْهُ سَيْفَ غَوْرَثٍ «3» ، وَحَجَرَ أَبِي جَهْلٍ «4» ، وَفَرَسَ سُرَاقَةَ «5» . وَلَئِنْ لَمْ يَقِهِ مِنْ سِحْرِ ابْنِ الْأَعْصَمِ «6» ، فَلَقَدْ وَقَاهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ سُمِّ الْيَهُودِيَّةِ.. وَهَكَذَا سَائِرُ أَنْبِيَائِهِ، مُبْتَلًى وَمُعَافًى، وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ حِكْمَتِهِ لِيُظْهِرَ شَرَفَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَقَامَاتِ، وَيُبَيِّنُ أَمْرَهُمْ، وَيُتِمُّ كَلِمَتَهُ فِيهِمْ، وليحقق بامتحانهم بشربتهم، ويرتفع «7» الالتباس عن أهل الضعف
فِيهِمْ لِئَلَّا يَضِلُّوا بِمَا يَظْهَرُ مِنَ الْعَجَائِبِ على أيديهم، ضلال «1» النصارى بعيسى بن مريم، وليكون في محنتهم تَسْلِيَةٌ لِأُمَمِهِمْ وَوُفُورٌ لِأُجُورِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ.. تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: «وهذه الطواريء والتغييرات الْمَذْكُورَةُ إِنَّمَا تَخْتَصُّ بِأَجْسَامِهِمُ الْبَشَرِيَّةِ الْمَقْصُودِ بِهَا مُقَاوَمَةُ الْبَشَرِ وَمُعَانَاةُ بَنِي آدَمَ لِمُشَاكَلَةِ الْجِنْسِ. وَأَمَّا بَوَاطِنُهُمْ فَمُنَزَّهَةٌ غَالِبًا عَنْ ذَلِكَ مَعْصُومَةٌ مِنْهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَلَأِ «2» الْأَعْلَى وَالْمَلَائِكَةِ لِأَخْذِهَا عَنْهُمْ.. وَتَلَقِّيهَا الْوَحْيَ مِنْهُمْ» قَالَ: وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» . وَقَالَ «4» : «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ.. إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي..» وَقَالَ «5» : «لَسْتُ أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِيُسْتَنَّ بِي» . فَأَخْبَرَ أَنَّ سِرَّهُ وَبَاطِنَهُ وَرُوحَهُ بِخِلَافِ جِسْمِهِ وَظَاهِرِهِ وَأَنَّ الْآفَاتِ الَّتِي تَحِلُّ ظَاهِرَهُ مِنْ ضَعْفٍ وَجُوعٍ وَسَهَرٍ وَنَوْمٍ، لَا يَحِلُّ مِنْهَا شَيْءٌ بَاطِنَهُ بِخِلَافِ غيره من البشر في حكم الباطن.
لِأَنَّ غَيْرَهُ إِذَا نَامَ اسْتَغْرَقَ النَّوْمُ جِسْمَهُ وَقَلْبَهُ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَوْمِهِ حَاضِرُ الْقَلْبِ كَمَا هُوَ فِي يَقَظَتِهِ.. حَتَّى قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّهُ كان محروسا من الحدث في نومه ليكون قَلْبِهِ يَقْظَانَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ إِذَا جَاعَ ضَعُفَ لِذَلِكَ جِسْمُهُ، وَخَارَتْ قُوَّتُهُ، فَبَطَلَتْ بِالْكُلِّيَّةِ جُمْلَتُهُ.. وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر أنه لا يعتر به ذلك، وأنه بخلافهم. لقوله: «إني لست كهيئكم.. إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» . وَكَذَلِكَ أَقُولُ: «إِنَّهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، مِنْ وَصَبٍ «1» ومرض، وسحر «2» وغضب، لم يجر على باطنه ما يخلّ بِهِ، وَلَا فَاضَ مِنْهُ عَلَى لِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ، كَمَا يَعْتَرِي «3» غَيْرَهُ مِنَ الْبَشَرِ مِمَّا نَأْخُذُ بَعْدُ فِي بَيَانِهِ» ..
الفصل الثاني حالتهم بالنسبة للسحر
الْفَصْلُ الثَّانِي حَالَتُهُمْ بِالنِّسْبَةِ لِلسِّحْرِ فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ «1» أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم سحر فعن عَائِشَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ «3» : «سُحِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ» الْحَدِيثَ. وَإِذَا كَانَ هَذَا مِنَ الْتِبَاسِ الْأَمْرِ عَلَى الْمَسْحُورِ فَكَيْفَ حَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ؟! وَكَيْفَ جَازَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْصُومٌ؟!. فَاعْلَمْ: وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ هَذَا الحديث صحيح، متفق عليه
وقد طعنت فيه الملحدة، وتذرعت «1» بِهِ لِسُخْفِ عُقُولِهَا، وَتَلْبِيسِهَا عَلَى أَمْثَالِهَا، إِلَى التَّشْكِيكِ فِي الشَّرْعِ.. وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ الشَّرْعَ وَالنَّبِيَّ عَمَّا يُدْخِلُ فِي أَمْرِهِ لَبْسًا وَإِنَّمَا السِّحْرُ مَرَضٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَعَارِضٌ «2» مِنَ الْعِلَلِ يَجُوزُ عَلَيْهِ كَأَنْوَاعِ الْأَمْرَاضِ «3» مِمَّا لَا يُنْكَرُ وَلَا يَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِ.. وَأَمَّا مَا وَرَدَ من أَنَّهُ كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَا يَفْعَلُهُ فَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُدْخِلُ عَلَيْهِ دَاخِلَةً فِي شَيْءٍ مِنْ تَبْلِيغِهِ أَوْ شَرِيعَتِهِ، أَوْ يَقْدَحُ فِي صِدْقِهِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى عِصْمَتِهِ مِنْ هَذَا. وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَا يَجُوزُ طُرُوُّهُ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ «4» دُنْيَاهُ الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ بِسَبَبِهَا، وَلَا فُضِّلَ مِنْ أجلها، وهو فيها عرضة لِلْآفَاتِ كَسَائِرِ الْبَشَرِ، فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يُخَيَّلَ إليه من أمورها مالا حَقِيقَةَ لَهُ ثُمَّ يَنْجَلِي عَنْهُ كَمَا كَانَ.. وَأَيْضًا فَقَدْ فَسَّرَ هَذَا الْفَصْلَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ
مِنْ قَوْلِهِ: «حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي أهله ولا يأتيهن» . وقال سفيان «1» : «هذا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ «2» » .. وَلَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ مِنْهَا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ بِخِلَافِ مَا كَانَ أَخْبَرَ أَنَّهُ فعله ولم يفعله، وإنما كانت خواطر وتخييلات. وَقَدْ قِيلَ: «إِنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَتَخَيَّلُ الشَّيْءَ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَمَا فَعَلَهُ لَكِنَّهُ تَخْيِيلٌ لَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ، فَتَكُونُ اعْتِقَادَاتُهُ كُلُّهَا عَلَى السَّدَادِ وَأَقْوَالُهُ عَلَى الصِّحَّةِ» . هَذَا مَا وقفت عليه من الأجوبة لأئمتنا عن «3» هذا الحديث مع ما أوضحنا مِنْ مَعْنَى كَلَامِهِمْ، وَزِدْنَاهُ بَيَانًا مِنْ تَلْوِيحَاتِهِمْ «4» وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْهَا مُقْنِعٌ، لَكِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ لي في الحديث تأويل أجلى وأبعد عن مَطَاعِنِ ذَوِي الْأَضَالِيلِ، يُسْتَفَادُ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ «5» قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ «6» عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ «7» وَعُرْوَةَ «8» بْنِ الزُّبَيْرِ وقال فيه عنهما، سحر يهودي بني زريق
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلُوهُ «1» فِي بِئْرٍ «2» حَتَّى كَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم يُنْكِرَ بَصَرَهُ.. ثُمَّ دَلَّهُ اللَّهُ عَلَى مَا صَنَعُوا فَاسْتَخْرَجَهُ «3» مِنَ الْبِئْرِ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ الْوَاقِدِيِّ «4» ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «5» بْنِ كَعْبٍ، وَعُمَرَ «6» بْنِ الْحَكَمِ. وَذُكِرَ: عَنْ عَطَاءٍ «7» الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ يَحْيَى «8» بْنِ يَعْمُرَ: حُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَةَ سَنَةً فَبَيْنَا هُوَ نَائِمٌ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. الْحَدِيثَ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «9» : حُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَةَ خَاصَّةً سَنَةً حَتَّى أَنْكَرَ بَصَرَهُ. وَرَوَى «10» مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ «11» عَنِ ابْنِ عباس «12» مرض رسول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُبِسَ عَنِ النِّسَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ.. وَذَكَرَ الْقِصَّةَ. - فَقَدِ اسْتَبَانَ لَكَ مِنْ مَضْمُونِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا تَسَلَّطَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَجَوَارِحِهِ، لَا عَلَى قَلْبِهِ. وَاعْتِقَادِهِ وَعَقْلِهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَثَّرَ فِي بَصَرِهِ وَحَبَسَهُ عَنْ وَطْءِ نِسَائِهِ وَطَعَامِهِ، وَأَضْعَفَ جِسْمَهُ وَأَمْرَضَهُ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي أَهْلَهُ وَلَا يَأْتِيهِنَّ أَيْ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نَشَاطِهِ وَمُتَقَدَّمِ عَادَتِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى النِّسَاءِ، فَإِذَا دَنَا مِنْهُنَّ أَصَابَتْهُ أَخْذَةُ السِّحْرِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِتْيَانِهِنَّ كَمَا يَعْتَرِي مَنْ أُخِذَ وَاعْتُرِضَ «1» وَلَعَلَّهُ لِمِثْلِ هَذَا أَشَارَ سُفْيَانُ «2» بِقَوْلِهِ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ، وَيَكُونُ قَوْلُ عَائِشَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: «إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ» مِنْ بَابِ مَا اخْتَلَّ مِنْ بَصَرِهِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ رَأَى شَخْصًا مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ أَوْ شَاهَدَ فِعْلًا مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَا يُخَيَّلُ إِلَيْهِ لِمَا أَصَابَهُ فِي بَصَرِهِ وَضَعْفِ نَظَرِهِ لَا لِشَيْءٍ طَرَأَ عَلَيْهِ فِي مَيْزِهِ «3» . وَإِذَا كَانَ هَذَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ إِصَابَةِ السِّحْرِ لَهُ وَتَأْثِيرِهِ فِيهِ مَا يُدْخِلُ لَبْسًا، وَلَا يَجِدُ بِهِ الْمُلْحِدُ المعترض أنسا..
الفصل الثالث أحواله في أمور الدنيا
الفصل الثالث أحواله في أمور الدّنيا هذا حَالُهُ فِي جِسْمِهِ، فَأَمَّا أَحْوَالُهُ فِي أُمُورِ الدنيا فنحن نسبرها «1» على أسلوبها «2» الْمُتَقَدِّمِ بِالْعَقْدِ «3» وَالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ. أَمَّا الْعَقْدُ مِنْهَا: فَقَدْ يَعْتَقِدُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا الشَّيْءَ عَلَى وَجْهٍ وَيَظْهَرُ خِلَافُهُ، أَوْ يَكُونُ مِنْهُ عَلَى شك أو ظن، بخلاف أمور الشرع. قال رافع «4» بن خديج «5» قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وهم يؤبّر «6» النخل فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كما نَصْنَعُهُ.. قَالَ: لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خيرا فتركوه فنقصت. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ.. فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ.. إذا أمرتكم بشيء من دينكم
فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأي فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ. وَفِي رِوَايَةِ «1» أَنَسٍ «2» : أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «3» إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ «4» عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ الْخَرْصِ «5» : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ.. فَمَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَمَا قُلْتُ فِيهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي فَإِنَّمَا أنا بشر، أخطىء وَأُصِيبُ وَهَذَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِيمَا قَالَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، وَظَنِّهِ مِنْ أَحْوَالِهَا، لَا مَا قَالَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي شَرْعٍ شَرَعَهُ، وَسُنَّةٍ سَنَّهَا. وَكَمَا حَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ «7» : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ بِأَدْنَى مِيَاهِ بَدْرٍ قَالَ لَهُ الْحُبَابُ «8» بْنُ الْمُنْذِرِ: أَهَذَا مَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ.. أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: لَا.. بَلْ هو
الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ.. قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلٍ.. انْهَضْ حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ فَنَنْزِلَهُ، ثُمَّ نُغَوِّرَ مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْقَلْبِ «1» . فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ. فَقَالَ: «أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ» وَفَعَلَ مَا قَالَهُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: «وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ «2» » . وأراد مصالحة بعض عدوه على ثلث تمر الْمَدِينَةِ «3» فَاسْتَشَارَ الْأَنْصَارَ «4» . فَلَمَّا أَخْبَرُوهُ بِرَأْيِهِمْ رَجَعَ عَنْهُ. فَمِثْلُ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِعِلْمِ دِيَانَةٍ، وَلَا اعتقادها، ولا تعليمها يجوز عليه فيها مَا ذَكَرْنَاهُ.. إِذْ لَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ نَقِيصَةٌ وَلَا مَحَطَّةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ أُمُورٌ اعْتِيَادِيَّةٌ يَعْرِفُهَا مَنْ جَرَّبَهَا وَجَعَلَهَا هَمَّهُ. وَشَغَلَ نَفْسَهُ بِهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْحُونُ الْقَلْبِ بِمَعْرِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، مَلْآنُ الْجَوَانِحِ «5» بِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ، قصيد الْبَالِ بِمَصَالِحِ الْأُمَّةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ. وَلَكِنْ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ وَيَجُوزُ فِي النادر. وفيما سَبِيلُهُ التَّدْقِيقُ فِي حِرَاسَةِ الدُّنْيَا وَاسْتِثْمَارِهَا، لَا في الكثير المؤذن بالعلة، والغفلة.
وَقَدْ تَوَاتَرَ «1» بِالنَّقْلِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَدَقَائِقِ مَصَالِحِهَا، وَسِيَاسَةِ فِرَقِ أَهْلِهَا مَا هُوَ مُعْجِزٌ فِي الْبَشَرِ مِمَّا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي بَابِ معجزاته من هذا الكتاب.
الفصل الرابع أحكام البشر الجارية على يديه
الْفَصْلُ الرَّابِعُ أَحْكَامُ الْبَشَرِ الْجَارِيَةُ عَلَى يَدَيْهِ وأما ما يعتقده من أُمُورِ أَحْكَامِ الْبَشَرِ الْجَارِيَةِ عَلَى يَدَيْهِ وَقَضَايَاهُمْ، وَمَعْرِفَةِ الْمُحِقِّ مِنَ الْمُبْطِلِ وَعِلْمِ الْمُصْلِحِ مِنَ الْمُفْسِدِ فَبِهَذِهِ السَّبِيلِ. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ.. وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ «2» بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ.. فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قطعة من النار.» عن أُمِّ سَلَمَةَ «3» قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ «5» عَنْ عُرْوَةَ «6» «فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ
مِنْ بَعْضٍ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَأَقْضِيَ لَهُ» . ويجري أَحْكَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الظَّاهِرِ وموجب غلبات الظن، بشهادة الشاهدين وَيَمِينِ الْحَالِفِ وَمُرَاعَاةِ الْأَشْبَهِ «1» ، وَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ «2» وَالْوِكَاءِ «3» مَعَ مُقْتَضَى حِكْمَةِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ. فَإِنَّهُ تَعَالَى- لَوْ شَاءَ- لَأَطْلَعَهُ عَلَى سَرَائِرِ عِبَادِهِ ومخبئات «4» ضَمَائِرِ أُمَّتِهِ فَتَوَلَّى الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ بِمُجَرَّدِ يَقِينِهِ وَعِلْمِهِ.. دُونَ حَاجَةٍ إِلَى اعْتِرَافٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، أَوْ يَمِينٍ، أَوْ شُبْهَةٍ.. وَلَكِنْ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ أُمَّتَهُ بِاتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ، وَقَضَايَاهُ، وَسَيَرِهِ.. وَكَانَ هَذَا لَوْ كَانَ مما يخص بِعِلْمِهِ وَيُؤْثِرُهُ اللَّهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْأُمَّةِ سَبِيلٌ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا قَامَتْ حُجَّةٌ بِقَضِيَّةٍ مِنْ قَضَايَاهُ لِأَحَدٍ فِي شَرِيعَتِهِ، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا أُطْلِعَ عَلَيْهِ هُوَ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ بِحُكْمِهِ هو إذن فِي ذَلِكَ بِالْمَكْنُونِ مِنْ إِعْلَامِ اللَّهِ لَهُ بِمَا أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ مِنْ سَرَائِرِهِمْ.. وَهَذَا مَا لَا تَعْلَمُهُ الْأُمَّةُ. فَأَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى أَحْكَامَهُ عَلَى ظَوَاهِرِهِمُ الَّتِي يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ هُوَ
وَغَيْرُهُ مِنَ الْبَشَرِ لِيَتِمَّ اقْتِدَاءُ أُمَّتِهِ بِهِ في تعيين «1» قضاياه وتنزيل أحكامه.. ويأتوا مَا أَتَوْا مِنْ ذَلِكَ عَلَى عِلْمٍ وَيَقِينٍ مِنْ سُنَّتِهِ إِذِ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ أَوْقَعُ مِنْهُ بالقول وأرفع لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ وَتَأْوِيلِ الْمُتَأَوِّلِ، وَكَانَ حُكْمُهُ عَلَى الظاهر أحلى فِي الْبَيَانِ، وَأَوْضَحَ فِي وُجُوهِ الْأَحْكَامِ، وَأَكْثَرَ فَائِدَةً لِمُوجِبَاتِ التَّشَاجُرِ وَالْخِصَامِ وَلِيَقْتَدِيَ بِذَلِكَ كُلِّهِ حُكَّامُ أُمَّتِهِ، وَيُسْتَوْثَقَ بِمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ، وَيَنْضَبِطُ قَانُونُ شَرِيعَتِهِ.. وَطَيُّ ذَلِكَ عَنْهُ مَنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ بِهِ عَالَمُ الْغَيْبِ «فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ «2» » فَيُعْلِمُهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ وَيَسْتَأْثِرُ بِمَا شَاءَ، وَلَا يَقْدَحُ هَذَا فِي نُبُوَّتِهِ ولا يفصم «3» عروة «4» من عصمته.
الفصل الخامس أخباره الدنيوية
الفصل الخامس أخباره الدّنيوية وَأَمَّا أَقْوَالُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ أَخْبَارِهِ عَنْ أَحْوَالِهِ وَأَحْوَالِ غَيْرِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ أَوْ فَعَلَهُ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْخُلْفَ فِيهَا مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ مِنْ عَمْدٍ أَوْ سَهْوٍ أَوْ صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ رِضًى أَوْ غَضَبٍ، وَأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا فِيمَا طَرِيقُهُ الْخَبَرُ الْمَحْضُ «1» مِمَّا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ. - فَأَمَّا الْمَعَارِيضُ «2» الْمُوهِمُ ظَاهِرُهَا خِلَافَ بَاطِنِهَا فَجَائِزٌ وُرُودُهَا مِنْهُ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ لَا سِيَّمَا لِقَصْدِ الْمَصْلَحَةِ.. كَتَوْرِيَتِهِ «3» عَنْ وَجْهِ مَغَازِيهِ لِئَلَّا يَأْخُذَ الْعَدُوُّ حذره..
وَكَمَا رُوِيَ مِنْ مُمَازَحَتِهِ وَدُعَابَتِهِ لِبَسْطِ أُمَّتِهِ وَتَطْيِيبِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ صَحَابَتِهِ «1» وَتَأْكِيدًا فِي تَحَبُّبِهِمْ وَمَسَرَّةِ نُفُوسِهِمْ.. كَقَوْلِهِ «2» : «لَأَحْمِلَنَّكِ عَلَى ابْنِ النَّاقَةِ» . وَقَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي سَأَلَتْهُ عَنْ زَوْجِهَا «3» «أَهُوَ الَّذِي بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ..» وَهَذَا كُلُّهُ صِدْقٌ، لِأَنَّ كُلَّ جَمَلٍ ابْنُ نَاقَةٍ، وَكُلَّ إِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» : «إِنِّي لَأَمْزَحُ وَلَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا «5» ..» هَذَا كُلُّهُ فِيمَا بَابُهُ الْخَبَرُ. - فَأَمَّا مَا بَابُهُ غَيْرُ الْخَبَرِ مِمَّا صُورَتُهُ صُورَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ أَيْضًا وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا بِشَيْءٍ، أَوْ يَنْهَى أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ، وَهُوَ يُبْطِنُ خِلَافَهُ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خائنة الأعين.»
فَكَيْفَ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ قَلْبٍ. فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ زَيْدٍ «1» : «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ «2» » الاية فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، وَلَا تَسْتَرِبْ فِي تَنْزِيهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ وَأَنْ يَأْمُرَ زَيْدًا بِإِمْسَاكِهَا وَهُوَ يُحِبُّ تَطْلِيقَهُ إِيَّاهَا كَمَا ذُكِرَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ.. وَأَصَحُّ مَا فِي هَذَا مَا حَكَاهُ «3» أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَنْ عَلِيِّ «4» بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ أَعْلَمَ نَبِيَّهُ أَنَّ زَيْنَبَ سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ.. فَلَمَّا شَكَاهَا إِلَيْهِ زَيْدٌ.. قَالَ لَهُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ. وأخفى منه فِي نَفْسِهِ مَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا «5» مِمَّا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَمُظْهِرُهُ بِتَمَامِ التزويج وطلاق زيد لها «6» .
وَرَوَى نَحْوَهُ عَمْرُو «1» بْنُ فَائِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ «2» قَالَ: «نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْلِمُهُ أَنَّ اللَّهَ يُزَوِّجُهُ زَيْنَبَ «3» بِنْتَ جَحْشٍ، فَذَلِكَ الَّذِي أَخْفَى فِي نَفْسِهِ» . وَيُصَحِّحُ هَذَا قَوْلُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بعد هذا «وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا «4» » أَيْ لَا بُدَّ لَكَ أَنْ تَتَزَوَّجَهَا.. وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبْدِ مِنْ أَمْرِهِ مَعَهَا غَيْرَ زَوَاجِهِ لَهَا، فَدَلَّ أَنَّهُ الَّذِي أَخْفَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا كَانَ أَعْلَمَهُ بِهِ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْقِصَّةِ: «مَا كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ.. سُنَّةَ اللَّهِ.. «5» » الْآيَةَ فَدَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَرَجٌ في الأمر.
قَالَ الطَّبَرِيُّ «1» : «مَا كَانَ اللَّهُ لِيُؤَثِّمَ نَبِيَّهُ فِيمَا أَحَلَّ لَهُ مِثَالَ فِعْلِهِ لِمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ» . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ «2» » أَيْ مِنَ النَّبِيِّينَ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ.. وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ «3» قَتَادَةَ «4» مِنْ وُقُوعِهَا مِنْ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عند ما أَعْجَبَتْهُ، وَمَحَبَّتِهِ طَلَاقَ زَيْدٍ لَهَا لَكَانَ فِيهِ أَعْظَمُ الْحَرَجِ وَمَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ مدعينيه لِمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.. وَلَكَانَ هَذَا نَفْسَ الْحَسَدِ الْمَذْمُومِ الَّذِي لَا يَرْضَاهُ، وَلَا يَتَّسِمُ بِهِ الْأَتْقِيَاءُ.. فَكَيْفَ سَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ!!! قَالَ الْقُشَيْرِيُّ «5» : «وَهَذَا إِقْدَامٌ عَظِيمٌ مِنْ قَائِلِهِ وَقِلَّةُ مَعْرِفَةٍ بِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِفَضْلِهِ وَكَيْفَ يُقَالُ: رَآهَا فَأَعْجَبَتْهُ، وهي بنت عمته «6» ، وَلَمْ يَزَلْ يَرَاهَا مُنْذُ وُلِدَتْ، وَلَا كَانَ النِّسَاءُ يَحْتَجِبْنَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وهو زوّجها لزيد.
- وإنما جعل الله طلاق زيد لها، وتزوج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا لِإِزَالَةِ حُرْمَةِ التَّبَنِّي وَإِبْطَالِ سُنَّتِهِ.. كَمَا قَالَ: «مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ «1» » . وَقَالَ: «لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ «2» » . وَنَحْوُهُ لِابْنِ «3» فُورَكٍ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ «4» السَّمَرْقَنْدِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ بِإِمْسَاكِهَا؟ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَ نَبِيَّهُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ طَلَاقِهَا إِذْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا أُلْفَةٌ وَأَخْفَى فِي نَفْسِهِ مَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِهِ.. فَلَمَّا طَلَّقَهَا زَيْدٌ خَشِيَ قَوْلَ النَّاسِ: يَتَزَوَّجُ امْرَأَةَ ابْنِهِ فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِزَوَاجِهَا لِيُبَاحَ مِثْلُ ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ.. كَمَا قَالَ تَعَالَى: «لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ «5» .» وَقَدْ قِيلَ: كَانَ أَمْرُهُ لِزَيْدٍ بِإِمْسَاكِهَا قَمْعًا للشهوة وردا للنفس عن هواها «6» ..
وَهَذَا إِذَا جَوَّزْنَا عَلَيْهِ أَنَّهُ رَآهَا فَجْأَةً وَاسْتَحْسَنَهَا وَمِثْلُ هَذَا لَا نُكْرَةَ فِيهِ لِمَا طبع عليه ابن آدم من استحسانه الحسن، ونظرة الفجأة مَعْفُوٌّ عَنْهَا ثُمَّ قَمَعَ نَفْسَهُ عَنْهَا وَأَمَرَ زيدا بإمساكها.. وإنما تنكر تلك الزيادات التي فِي الْقِصَّةِ. وَالتَّعْوِيلُ وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ علي «1» بن الحسين وحكاه السمرقندي «2» وهو قول ابن عطاء «3» وَاسْتَحْسَنَهُ الْقَاضِي الْقُشَيْرِيُّ «4» وَعَلَيْهِ عَوَّلَ أَبُو بَكْرِ «5» بْنُ فُورَكٍ وَقَالَ: إِنَّهُ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ.. قَالَ.. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ عَنِ اسْتِعْمَالِ النِّفَاقِ فِي ذَلِكَ وَإِظْهَارِ خِلَافِ مَا فِي نَفْسِهِ.. وَقَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «مَا كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ «6» » قال: «وَمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَخْطَأَ. قَالَ: وَلَيْسَ مَعْنَى الْخَشْيَةِ هُنَا الْخَوْفَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ «7» الِاسْتِحْيَاءُ.. أَيْ يَسْتَحْيِي مِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا: تَزَوَّجَ زَوْجَةَ ابْنِهِ.. وَأَنَّ خشيته
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ كَانَتْ مِنْ إِرْجَافِ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ، وَتَشْغِيبِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِمْ: تَزَوَّجَ زَوْجَةَ ابْنِهِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ نِكَاحِ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ كَمَا كَانَ.. فَعَتَبَهُ اللَّهُ على هذا ونزهه عن الإلتفات إِلَيْهِمْ فِيمَا أَحَلَّهُ لَهُ.. كَمَا عَتَبَهُ عَلَى مُرَاعَاةِ رِضَى أَزْوَاجِهِ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ: «لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ «1» ..» الاية كذلك قوله له ههنا «وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ «2» » وَقَدْ رُوِيَ «3» عَنِ الْحَسَنِ «4» وَعَائِشَةَ «5» : لَوْ كَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لكتم هَذِهِ الْآيَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ عَتَبِهِ وَإِبْدَاءِ ما أخفاه.
الفصل السادس حديث الوصية
الْفَصْلُ السَّادِسُ حَدِيثُ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَقَرَّرَتْ عِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِيهَا خُلْفٌ وَلَا اضْطِرَابٌ فِي عَمْدٍ وَلَا سَهْوٍ، وَلَا صِحَّةٍ وَلَا مَرَضٍ، وَلَا جد ولا مزح، وَلَا رِضًى وَلَا غَضَبٍ. وَلَكِنْ مَا مَعْنَى الْحَدِيثِ «1» فِي وَصِيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فعن ابْنِ عَبَّاسٍ «2» قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» .. فَقَالَ بَعْضُهُمْ «3» : «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ» الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةٍ: «آتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أبدا»
فتنازعوا.. فقالوا «1» : «ماله؟ أهجر؟ إستفهموا «2» فَقَالَ: «دَعُونِي فَإِنَّ الَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ» . وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهْجُرُ «3» . وَفِي رِوَايَةٍ: هَجَرَ وَيُرْوَى: أَهْجُرٌ؟ وَيُرْوَى: أَهُجْرًا؟ .. وَفِيهِ فَقَالَ عُمَرُ «4» : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ «5» فَقَالَ: قُومُوا عَنِّي «6» . وَفِي رِوَايَةٍ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عمر «4» قال أئمتنا في هذا الْحَدِيثِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مَعْصُومٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَمَا يَكُونُ مِنْ عَوَارِضِهَا مِنْ شِدَّةِ وَجَعٍ وَغَشْيٍ «7» وَنَحْوِهِ مِمَّا يَطْرَأُ عَلَى جِسْمِهِ. - مَعْصُومٌ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مِنَ الْقَوْلِ أَثْنَاءَ ذَلِكَ مَا يَطْعَنُ فِي
مُعْجِزَتِهِ وَيُؤَدِّي إِلَى فَسَادٍ فِي شَرِيعَتِهِ مِنْ هذيان أو اختلال في كَلَامٍ. - وَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ ظَاهِرُ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى فِي الْحَدِيثِ «هَجَرَ» إِذْ مَعْنَاهُ هَذَى، يُقَالُ: «هَجَرَ هُجْرًا» إِذَا هَذَى، «وَأَهْجَرَ هُجْرًا» إِذَا أَفْحَشَ. «وَأَهْجَرَ» تَعْدِيَةُ «هَجَرَ» .. وَإِنَّمَا الْأَصَحُّ وَالْأَوْلَى أَهَجَرَ؟ عَلَى طَرِيقِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا يَكْتُبُ.. وَهَكَذَا رِوَايَتُنَا فِيهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «1» مِنْ رِوَايَةِ جَمِيعِ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ «2» الْمُتَقَدِّمِ. وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ «3» بن سلام عن ابن عُيَيْنَةَ «4» وَكَذَا ضَبَطَهُ الْأَصِيلِيُّ «5» بِخَطِّهِ فِي كِتَابِهِ «6» ، وَغَيْرُهُ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ. وَكَذَا رَوَيْنَاهُ عَنْ مسلم «7» في حديث «8» شفيان وغيره وقد
تُحْمَلُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ «هَجَرَ» ؟ عَلَى حَذْفِ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ وَالتَّقْدِيرُ «أَهَجَرَ» .. أَوْ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْقَائِلِ هَجَرَ أَوْ أَهَجَرَ دَهْشَةً مِنْ قَائِلِ ذَلِكَ.. وَحَيْرَةً لِعَظِيمِ مَا شَاهَدَ مِنْ حَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشدّة وجعه والمقام الَّذِي اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَيْهِ، وَالْأَمْرُ الَّذِي هَمَّ بِالْكِتَابِ فِيهِ، حَتَّى لَمْ يَضْبِطْ هَذَا الْقَائِلُ لَفْظَهُ وَأَجْرَى «الْهُجْرَ» مَجْرَى شِدَّةِ الْوَجَعِ.. لَا أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْهُجْرُ.. كَمَا حملهم الإشفاق على حراسته والله يقول: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ «1» » وَنَحْوِ هَذَا. وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ «أَهُجْرًا» وَهِيَ رواية أبي إسحق «2» المستملى في الصحيح حَدِيثِ ابْنِ جُبَيْرٍ «3» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «4» مِنْ رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ «5» . فَقَدْ يَكُونُ هَذَا رَاجِعًا إِلَى الْمُخْتَلِفِينَ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُخَاطَبَةً لَهُمْ مِنْ بَعْضِهِمْ.. أَيْ جِئْتُمْ بِاخْتِلَافِكُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يديه هجرا ومنكرا من القول!!.
و «الهجر» بِضَمِّ الْهَاءِ الْفُحْشُ فِي الْمَنْطِقِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَكَيْفَ اخْتَلَفُوا بعد أمره صلّى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتُوهُ بِالْكِتَابِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوَامِرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْهَمُ إِيجَابُهَا مِنْ ندبها من إباحتها بقرائن. فلعل قَدْ ظَهَرَ مِنْ قَرَائِنِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِهِمْ مَا فَهِمُوا أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ عَزْمَةٌ بَلْ أَمْرٌ رَدَّهُ إِلَى اخْتِيَارِهِمْ. وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ فَقَالَ: اسْتَفْهِمُوهُ.. فلما اختلفوا كفّ عنه إذ لَمْ يَكُنْ عَزْمَةً وَلِمَا رَأَوْهُ مِنْ صَوَابِ رَأْيِ عُمَرَ «1» . ثُمَّ هَؤُلَاءِ قَالُوا: «وَيَكُونُ امْتِنَاعُ عُمَرَ «1» إِمَّا إِشْفَاقًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَكْلِيفِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ إِمْلَاءَ الْكِتَابِ. وَأَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم اشتد عليه الْوَجَعُ.. وَقِيلَ: (خَشِيَ عُمَرُ «1» أَنْ يَكْتُبَ أُمُورًا يَعْجِزُونَ عَنْهَا فَيَحْصَلُونَ فِي الْحَرَجِ بِالْمُخَالَفَةِ.. وَرَأَى أنّ الأرفق بِالْأُمَّةِ فِي تِلْكَ الْأُمُورِ سَعَةُ الِاجْتِهَادِ، وَحُكْمُ النظر، وطلب الصواب، فيكون المصيب والمخطيء مأجورا وقد علم عمر «1» تقرّر الشرع،
وَتَأْسِيسَ الْمِلَّةِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ «1» » وَقَوْلُهُ «2» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُوصِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَعِتْرَتِي «3» » . وَقَوْلُ عُمَرَ «4» : «حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ» رَدٌّ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ لَا عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ قِيلَ: «إِنَّ عُمَرَ «4» خَشِيَ تَطَرُّقَ الْمُنَافِقِينَ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ لِمَا كُتِبَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ في الخلوة، وأن يتقولوا في ذلك الأوقاويل.. كَادِّعَاءِ الرَّافِضَةِ الْوَصِيَّةَ «5» وَغَيْرِ ذَلِكَ.. وَقِيلَ: «إِنَّهُ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم على طريق المشورة «6» والاختيار، وهل يَتَّفِقُونَ عَلَى ذَلِكَ أَمْ يَخْتَلِفُونَ.. فَلَمَّا اخْتَلَفُوا تَرَكَهُ» .. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: «إِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مُجِيبًا فِي هَذَا الْكِتَابِ لِمَا طُلِبَ مِنْهُ، لا أنه ابتدأ بالأمر به.. بل
اقْتَضَاهُ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَأَجَابَ رَغْبَتَهُمْ، وَكَرِهَ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ لِلْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا» . وَاسْتَدَلَّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِقَوْلِ الْعَبَّاسِ «1» لَعَلِيٍّ «2» : (انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِينَا عَلِمْنَاهُ، وَكَرَاهَةِ عَلِيٍّ «2» هَذَا وَقَوْلِهِ: «وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ» الْحَدِيثَ «3» . وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: «دَعُونِي فَإِنَّ الَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ» .. أَيِ الَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِنْ إِرْسَالِ الْأَمْرِ، وَتَرْكِكُمْ وَكِتَابَ «4» اللَّهِ وَأَنْ تَدَعُونِي مِمَّا طَلَبْتُمْ.. وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِي «طُلِبَ» كِتَابَةُ أمر الخلافة بعده وتعيين ذلك
الفصل السابع دراسته أحاديث أخرى
الفصل السّابع دراسته أَحَادِيثَ أُخْرَى فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ حَدِيثِهِ عن أبي هريرة «1» قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «2» : «اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ، يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لن نخلفنيه.. فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ.. أَوْ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ فاجعلها له كفارة وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.» وَفِي رِوَايَةٍ «3» : «فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ دَعْوَةً» وَفِي رِوَايَةٍ: «لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ جلدته فاجعلها له زكاة وصلاة» . وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَلْعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ!!، وَيَسُبُّ من لا يستحق «4» السبّ!! ويجلد
مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَلْدَ!! أَوْ يَفْعَلُ مِثْلَ ذلك عند الغضب وهو معصوم من هَذَا كُلِّهِ!!. فَاعْلَمْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَكَ.. أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا «لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ» أَيْ عِنْدَكَ يَا رَبِّ فِي بَاطِنِ أَمْرِهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا قَالَ. وَلِلْحِكْمَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَحَكَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَلْدِهِ أَوْ أَدَّبَهُ بِسَبِّهِ أَوْ لَعْنِهِ بِمَا اقْتَضَاهُ عنده حال ظاهره، ثم دعا له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِشَفَقَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ، وَرَحْمَتِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا، وَحَذَّرَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ اللَّهُ فِيمَنْ دَعَا عَلَيْهِ دعوته أن يجعل دعاءه وفعله له رحمة وهو مَعْنَى قَوْلِهِ «لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ» .. لَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُهُ الْغَضَبُ وَيَسْتَفِزُّهُ الضَّجَرُ لِأَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا بِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ مُسْلِمٍ. وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ. وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: «أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ» أَنَّ الْغَضَبَ حَمَلَهُ عَلَى مَا لَا يَجِبُ.. بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا أَنَّ الغضب لله حمله على ما لا يجب.. بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا أَنَّ الْغَضَبَ لِلَّهِ حَمَلَهُ عَلَى مُعَاقَبَتِهِ بِلَعْنِهِ أَوْ سَبِّهِ وَأَنَّهُ مِمَّا كَانَ يَحْتَمِلُ، وَيَجُوزُ عَفْوُهُ عَنْهُ أَوْ كَانَ مِمَّا خُيِّرَ بَيْنَ الْمُعَاقَبَةِ فِيهِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ. - وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِشْفَاقِ وَتَعْلِيمِ أُمَّتِهِ الْخَوْفَ وَالْحَذَرَ مِنْ تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ.
- وَقَدْ يُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ دُعَائِهِ هُنَا، وَمِنْ دَعَوَاتِهِ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ، عَلَى غَيْرِ الْعَقْدِ وَالْقَصْدِ، بَلْ بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ «1» .. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْإِجَابَةَ كَقَوْلِهِ «2» : «تَرِبَتْ «3» يَمِينُكَ» «وَلَا أَشْبَعَ اللَّهُ بطنك «4» » و «5» عقرى «6» حَلْقَى «7» » وَغَيْرِهَا مِنْ دَعَوَاتِهِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي صِفَتِهِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ «8» أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لم يكن فحاشا.
وَقَالَ «1» أَنَسٌ «2» : «لَمْ يَكُنْ سَبَّابًا وَلَا فَاحِشًا وَلَا لَعَّانًا» .. وَكَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ «3» : «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ «4» » فَيَكُونُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ أَشْفَقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُوَافَقَةِ أَمْثَالِهَا إِجَابَةً فَعَاهَدَ رَبَّهُ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَجْعَلَ ذلك للمقول له زَكَاةً وَرَحْمَةً وَقُرْبَةً. - وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ إِشْفَاقًا على المدعو عليه وتأنيا لَهُ لِئَلَّا يَلْحَقَهُ مِنَ اسْتِشْعَارِ الْخَوْفِ وَالْحَذَرِ مِنْ لَعْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَبُّلِ دُعَائِهِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ. - وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سُؤَالًا مِنْهُ لِرَبِّهِ لِمَنْ جَلَدَهُ أَوْ سَبَّهُ عَلَى حَقٍّ وَبِوَجْهٍ صَحِيحٍ أن يجعل ذلك كَفَّارَةً لِمَا أَصَابَهُ وَتَمْحِيَةً لِمَا اجْتَرَمَ، وَأَنْ تَكُونَ عُقُوبَتُهُ لَهُ فِي الدُّنْيَا سَبَبَ الْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «5» . «وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ» .. فَإِنْ قُلْتَ: «فَمَا مَعْنَى حَدِيثِ «6» الزُّبَيْرِ «7» وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
له حِينَ تَخَاصُمِهِ مَعَ الْأَنْصَارِيِّ فِي شِرَاجِ «1» الْحَرَّةِ «2» اسق يا زبير حتى يبلغ الماء الكعبين فقال له الأنصاري: أن كان يا رسول الله ابن عمتك! فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ «3» » الْحَدِيثَ.. فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ أَنْ يَقَعَ بِنَفْسِ مُسْلِمٍ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَمْرٌ يُرِيبُ.. وَلَكِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَدَبَ الزُّبَيْرَ أَوَّلًا إِلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ عَلَى طَرِيقِ التَّوَسُّطِ وَالصُّلْحِ، فَلَمَّا لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ الْآخَرُ، وَلَجَّ، وَقَالَ مَا لَا يَجِبُ، اسْتَوْفَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ. وَلِهَذَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ «4» عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: بَابٌ إِذَا أَشَارَ الْإِمَامُ بِالصُّلْحِ فَأَبَى حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَاسْتَوْعَى «5» رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ. وَقَدْ جَعَلَ الْمُسْلِمُونَ هَذَا الحديث أصلا في قضيته وفيه الاقتداء
بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَا فَعَلَهُ فِي حَالِ غَضَبِهِ وَرِضَاهُ، وَأَنَّهُ وَإِنْ نَهَى أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ، فَإِنَّهُ فِي حُكْمِهِ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَالرِّضَى سَوَاءٌ لِكَوْنِهِ فِيهِمَا مَعْصُومًا. وَغَضَبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا إِنَّمَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِنَفْسِهِ كَمَا جَاءَ فِي الحديث الصحيح. وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ «1» فِي إِقَادَتِهِ «2» عُكَاشَةَ «3» مِنْ نَفْسِهِ لم يكن لتعمّد حَمَلَهُ الْغَضَبُ عَلَيْهِ.. بَلْ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ أَنَّ عُكَاشَةَ قَالَ لَهُ: «وَضَرَبْتَنِي بِالْقَضِيبِ فَلَا أَدْرِي أَعَمْدًا أَمْ أَرَدْتَ ضَرْبَ النَّاقَةِ» فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُعِيذُكَ بِاللَّهِ يَا عُكَاشَةُ أَنْ يَتَعَمَّدَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم» وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِهِ «4» الْآخَرِ مَعَ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ طَلَبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الِاقْتِصَاصَ مِنْهُ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ» وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ لِتَعَلُّقِهِ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاهُ وَيَقُولُ لَهُ: «تُدْرِكُ حَاجَتَكَ» وَهُوَ يَأْبَى.. فَضَرَبَهُ بَعْدَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ. وَهَذَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ لَمْ يقف عند نهيه صواب، وموضع أدب،
لكنه عليه السَّلَامُ أَشْفَقَ إِذْ كَانَ حَقَّ نَفْسِهِ مِنَ الْأَمْرِ حَتَّى عَفَا عَنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ سَوَادِ «1» بْنِ عَمْرٍو أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأنا متخلق «2» فقال: وَرْسٌ «3» وَرْسٌ حُطَّ «4» حُطَّ وَغَشِيَنِي «5» بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ فِي بَطْنِي فَأَوْجَعَنِي.. قُلْتُ: الْقَصَاصُ يَا رسول الله.. فكشف لي عن بطنه، إنما ضَرَبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُنْكَرٍ رَآهُ بِهِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يُرِدْ بِضَرْبِهِ بِالْقَضِيبِ إِلَّا تَنْبِيهَهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنْهُ إِيجَاعٌ لَمْ يَقْصِدْهُ طلب التحلل منه على ما قدمناه.
الفصل الثامن أفعاله الدنيوية
الفصل الثامن أفعاله الدّنيويّة قال القاضي رحمه الله تعالى: وَأَمَّا أَفْعَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّنْيَوِيَّةُ فَحُكْمُهُ فِيهَا مِنْ تَوَقِّي الْمَعَاصِي وَالْمَكْرُوهَاتِ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَمِنْ جَوَازِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ فِي بَعْضِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَكُلُّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي النُّبُوَّةِ بَلْ إِنَّ هَذَا فِيهَا عَلَى النُّدُورِ، إِذْ عَامَّةُ أَفْعَالِهِ عَلَى السَّدَادِ وَالصَّوَابِ، بَلْ أَكْثَرُهَا أَوْ كُلُّهَا جَارِيَةٌ مَجْرَى الْعِبَادَاتِ وَالْقُرَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. إِذْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا لِنَفْسِهِ إِلَّا ضَرُورَتَهُ وَمَا يُقِيمُ رَمَقَ جِسْمِهِ، وَفِيهِ مَصْلَحَةُ ذَاتِهِ التي يَعْبُدُ رَبَّهُ، وَيُقِيمُ شَرِيعَتَهُ، وَيَسُوسُ أُمَّتَهُ، وَمَا كَانَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ فَبَيْنَ مَعْرُوفٍ يَصْنَعُهُ، أَوْ بِرٍّ يُوَسِّعُهُ، أَوْ كَلَامٍ حَسَنٍ يَقُولُهُ أَوْ يُسْمِعُهُ، أَوْ تَأَلُّفِ شَارِدٍ، أَوْ قَهْرِ مُعَانِدٍ، أَوْ مُدَارَاةِ حَاسِدٍ، وكل هذا لا حق بصالح أعماله، منتظم في وظائف عباداته.
وَقَدْ كَانَ يُخَالِفُ فِي أَفْعَالِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَيُعِدُّ لِلْأُمُورِ أَشْبَاهَهَا، فَيَرْكَبُ فِي تَصَرُّفِهِ لِمَا قَرُبَ الْحِمَارَ وَفِي أَسْفَارِهِ الرَّاحِلَةَ، وَيَرْكَبُ الْبَغْلَةَ فِي مَعَارِكَ الْحَرْبِ دَلِيلًا عَلَى الثَّبَاتِ وَيَرْكَبُ الْخَيْلَ وَيُعِدُّهَا لِيَوْمِ الْفَزَعِ وَإِجَابَةِ الصَّارِخِ.. وَكَذَلِكَ فِي لِبَاسِهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ مَصَالِحِهِ وَمَصَالِحِ أُمَّتِهِ. وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْفِعْلَ من أُمُورِ الدُّنْيَا مُسَاعَدَةً لِأُمَّتِهِ وَسِيَاسَةً وَكَرَاهِيَةً لِخِلَافِهَا.. وإن كان قديرى غَيْرَهُ خَيْرًا مِنْهُ، كَمَا يَتْرُكُ الْفِعْلَ لِهَذَا، وَقَدْ يَرَى فِعْلَهُ خَيْرًا مِنْهُ.. وَقَدْ يَفْعَلُ هَذَا فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مِمَّا لَهُ الْخِيَرَةُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْهِ.. كَخُرُوجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ لِأُحُدٍ وَكَانَ مَذْهَبُهُ التَّحَصُّنَ بِهَا. وَتَرْكِهِ قَتْلَ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَمْرِهِمْ مُؤَالَفَةً لِغَيْرِهِمْ، ورعاية للمؤمنين من قرابته، وَكَرَاهَةً لِأَنْ يَقُولَ النَّاسُ: «إِنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «1» . وَتَرْكِهِ بِنَاءَ الكعبه على قواعد إبراهيم، مراعاة القلوب قريش، وتعظيمهم لتغيّرها، وحذارا مِنْ نِفَارِ قُلُوبِهِمْ لِذَلِكَ، وَتَحْرِيكِ مُتَقَدِّمِ عَدَاوَتِهِمْ للدين وأهله.
فَقَالَ لِعَائِشَةَ «1» فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «2» : «لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ، لَأَتْمَمْتُ الْبَيْتَ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ» . وكان يفعل الْفِعْلَ ثُمَّ يَتْرُكُهُ لِكَوْنِ غَيْرِهِ خَيْرًا مِنْهُ، كَانْتِقَالِهِ مِنْ أَدْنَى مِيَاهِ بِدْرٍ إِلَى أَقْرَبِهَا لِلْعَدُوِّ مِنْ قُرَيْشٍ. وَكَقَوْلِهِ «3» : «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمري ما استدبرت اسقت الْهَدْيَ «4» » . وَيَبْسُطُ وَجْهَهُ لِلْكَافِرِ وَالْعَدُوِّ رَجَاءَ اسْتِئْلَافِهِ وبصبر لِلْجَاهِلِ وَيَقُولُ «5» : «إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنِ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ..» وَيَبْذُلُ لَهُ الرَّغَائِبَ «6» لِيُحَبِّبَ إِلَيْهِ شَرِيعَتَهُ وَدِينَ رَبِّهِ.. وَيَتَوَلَّى فِي مَنْزِلِهِ مَا يَتَوَلَّى الْخَادِمُ مِنْ مِهْنَتِهِ، وَيَتَسَمَّتُ «7» فِي ملاءته «8»
حتى لا يبدو منه شيء من أطرافه، وحتى كأن على رؤوس جُلَسَائِهِ الطَّيْرَ. وَيَتَحَدَّثُ مَعَ جُلَسَائِهِ بِحَدِيثِ أَوَّلِهِمْ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَضْحَكُ «1» مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ. وَقَدْ وَسِعَ النَّاسَ بِشْرُهُ وَعَدْلُهُ. لَا يَسْتَفِزُّهُ الْغَضَبُ، وَلَا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ، وَلَا يُبْطِنُ عَلَى جُلَسَائِهِ. يَقُولُ: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ «2» » . فَإِنْ قُلْتَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ «3» لِعَائِشَةَ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الدَّاخِلِ عَلَيْهِ «5» : «بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ» .. فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ وَضَحِكَ مَعَهُ، فَلَمَّا خرج سَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: «إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنِ اتَّقَاهُ النَّاسُ لِشَرِّهِ» . وَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُظْهِرَ لَهُ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ، وَيَقُولُ فِي ظَهْرِهِ مَا قَالَ؟. فَالْجَوَابُ أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْتِئْلَافًا لِمِثْلِهِ. وتطبيقا لِنَفْسِهِ لِيَتَمَكَّنَ إِيمَانُهُ، وَيَدْخُلَ فِي الْإِسْلَامِ بِسَبَبِهِ أَتْبَاعُهُ، وَيَرَاهُ مِثْلُهُ فَيَنْجَذِبَ بِذَلِكَ إِلَى الْإِسْلَامِ، ومثل هذا على هذا الوجه قد
خَرَجَ مِنْ حَدِّ مُدَارَاةِ الدُّنْيَا إِلَى السِّيَاسَةِ الدينية، وقد كان يَسْتَأْلِفُهُمْ بِأَمْوَالِ اللَّهِ الْعَرِيضَةِ فَكَيْفَ بِالْكَلِمَةِ اللَّيِّنَةِ. قَالَ صَفْوَانُ «1» : «لَقَدْ أَعْطَانِي وَهُوَ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى صَارَ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيَّ» . وَقَوْلُهُ فِيهِ: «بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ هُوَ» غَيْرُ غِيبَةٍ، بَلْ هُوَ تَعْرِيفُ مَا عَلِمَهُ مِنْهُ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ لِيَحْذَرَ حَالَهُ وَيُحْتَرَزَ مِنْهُ، وَلَا يُوثَقَ بِجَانِبِهِ كُلَّ الثِّقَةِ، لا سِيَّمَا وَكَانَ مُطَاعًا مَتْبُوعًا. وَمِثْلُ هَذَا إِذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ وَدَفْعِ مَضَرَّةٍ لَمْ يَكُنْ بِغِيبَةٍ، بَلْ كَانَ جَائِزًا، بَلْ وَاجِبًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ كَعَادَةِ الْمُحَدِّثِينَ فِي تَجْرِيحِ الرُّوَاةِ، وَالْمُزَكِّينَ فِي الشُّهُودِ «2» . فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى الْمُعْضِلِ «3» الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ «4» بِريرَةَ «5» مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ «6» وَقَدْ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ موالي بريرة أبوا بيعها إلا
أن يكون لهم الولاء «1» ، فقال لها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اشْتَرِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ» .. فَفَعَلَتْ ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ.. كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَهَا بِالشَّرْطِ لَهُمْ.. وَعَلَيْهِ بَاعُوا، وَلَوْلَاهُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لَمَا بَاعُوهَا مِنْ عَائِشَةَ كَمَا لَمْ يَبِيعُوهَا قَبْلُ حَتَّى شَرَطُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَبْطَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَدْ حَرَّمَ الْغِشَّ وَالْخَدِيعَةَ!! فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ.. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ عَمَّا يَقَعُ فِي بَالِ الْجَاهِلِ مِنْ هَذَا، وَلِتَنْزِيهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ مَا قَدْ أَنْكَرَ قَوْمٌ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قوله: «إشترطي لهم الولاء» إذ ليس فِي أَكْثَرِ طُرُقِ الْحَدِيثِ «2» . وَمَعَ ثَبَاتِهَا «3» فَلَا اعْتِرَاضَ بِهَا، إِذْ يَقَعُ «لَهُمْ» بِمَعْنَى «عَلَيْهِمْ» . قال الله تعالى: «أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ «4» » وقال: «وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها «5» » .. فَعَلَى هَذَا اشْتَرِطِي عَلَيْهِمُ الْوَلَاءَ لَكِ وَيَكُونُ قِيَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَعْظُهُ لما سلف لهم مِنْ شَرْطِ الْوَلَاءِ لِأَنْفُسِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ. وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إشترطي لهم الولاء» ليس على
مَعْنَى الْأَمْرِ، لَكِنْ عَلَى مَعْنَى التَّسْوِيَةِ وَالْإِعْلَامُ، بِأَنَّ شَرْطَهُ لَهُمْ لَا يَنْفَعُهُمْ بَعْدَ بَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ قَبْلُ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ.. فَكَأَنَّهُ قَالَ: «اشْتَرِطِي أولا تَشْتَرِطِي، فَإِنَّهُ شَرْطٌ غَيْرُ نَافِعٍ» . وَإِلَى هَذَا ذهب الداوودي «1» وَغَيْرُهُ. وَتَوْبِيخُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ وَتَقْرِيعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِمْ بِهِ قَبْلَ هَذَا. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ «اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ» أَيْ أَظْهِرِي لَهُمْ حكمه، وبيّني عندهم سنته أن الْوَلَاءَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَعْتَقَ ثُمَّ بَعُدَ هَذَا قَامَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَيِّنًا ذَلِكَ، وَمُوَبِّخًا عَلَى مُخَالَفَةِ مَا تَقَدَّمَ منه. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى فِعْلِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَخِيهِ إِذْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِهِ وَأَخَذَهُ بِاسْمِ سَرِقَتِهَا، وَمَا جَرَى عَلَى إِخْوَتِهِ في ذلك وقوله «إنكم لسارقون» وَلَمْ يَسْرِقُوا؟. فَاعْلَمْ: أَكْرَمَكَ اللَّهُ، أَنَّ الْآيَةَ تدلّ على أن فعل يوسف كان من أَمْرِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: «كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «2» » فإذا كان كذلك فلا
اعْتِرَاضَ بِهِ، كَانَ فِيهِ مَا فِيهِ «1» وَأَيْضًا فَإِنَّ يُوسُفَ كَانَ أَعْلَمَ أَخَاهُ بِأَنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ.. فَكَانَ مَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا مِنْ وَفْقِهِ «2» وَرَغْبَتِهِ، وَعَلَى يَقِينٍ مِنْ عُقْبَى الْخَيْرِ لَهُ بِهِ، وَإِزَاحَةِ السُّوءِ وَالْمَضَرَّةِ عَنْهُ بِذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «أَيَّتُهَا الْعِيرُ «3» إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ» «4» ، فَلَيْسَ مِنْ قَوْلِ يُوسُفَ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ جَوَابٌ يَحِلُّ شُبَهَهُ، وَلَعَلَّ قَائِلَهُ إِنْ حُسِّنَ لَهُ التَّأْوِيلُ كَائِنًا مَنْ كَانَ، ظَنَّ عَلَى صُورَةِ الْحَالِ ذَلِكَ. وَقَدْ قِيلَ «: قَالَ ذَلِكَ لِفِعْلِهِمْ قَبْلُ بِيُوسُفَ وَبَيْعِهِمْ لَهُ» . وَقِيلَ: غَيْرُ هَذَا. وَلَا يَلْزَمُ أَنْ نُقَوِّلَ الْأَنْبِيَاءَ مَا لَمْ يَأْتِ أَنَّهُمْ قَالُوهُ حَتَّى يُطْلَبَ الْخَلَاصُ مِنْهُ، ولا يلزم الاعتذار عن زلات غيرهم..
الفصل التاسع حكمة المرض والابتلاء لهم
الفصل التاسع حكمة المرض والابتلاء لهم فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْحِكْمَةُ فِي إِجْرَاءِ الْأَمْرَاضِ وَشِدَّتِهَا عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى جَمِيعِهِمُ السَّلَامُ؟!. وَمَا الْوَجْهُ فِيمَا ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ، وَامْتِحَانِهِمْ بِمَا امْتُحِنُوا بِهِ كَأَيُّوبَ، وَيَعْقُوبَ، وَدَانْيَالَ، وَيَحْيَى، وَزَكَرِيَّا، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمَ، وَيُوسُفَ وَغَيْرِهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وَأَصْفِيَاؤُهُ؟! فَاعْلَمْ- وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ- أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا عَدْلٌ، وَكَلِمَاتِهِ جَمِيعَهَا صِدْقٌ، «لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ «1» » ، يَبْتَلِي عباده كما قال لهم «لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ «2» » .. و «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا «3» » .. و «وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا «4» »
و. «لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ «1» » و.. «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ «2» » .. فَامْتِحَانُهُ إِيَّاهُمْ بِضُرُوبِ الْمِحَنِ زِيَادَةٌ فِي مَكَانَتِهِمْ «ورفعة في فِي دَرَجَاتِهِمْ، وَأَسْبَابٌ لِاسْتِخْرَاجِ حَالَاتِ الصَّبْرِ وَالرِّضَى، وَالشُّكْرِ وَالتَّسْلِيمِ، وَالتَّوَكُّلِ وَالتَّفْوِيضِ، وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ مِنْهُمْ، وَتَأْكِيدٌ لِبَصَائِرِهِمْ فِي رَحْمَةِ الْمُمْتَحَنِينَ وَالشَّفَقَةِ عَلَى المبتلين، وتذكرة لغيرهم وموعظة لسواهم، ليتاسسوا فِي الْبَلَاءِ بِهِمْ، وَيَتَسَلَّوْا فِي الْمِحَنِ بِمَا جَرَى عَلَيْهِمْ، وَيَقْتَدُوا بِهِمْ فِي الصَّبْرِ، وَمَحْوٌ لِهِنَاتٍ «3» فَرَطَتْ مِنْهُمْ، أَوْ غَفَلَاتٍ سَلَفَتْ لَهُمْ لِيَلْقَوُا اللَّهَ طَيِّبِينَ مُهَذَّبِينَ، وَلِيَكُونَ أَجْرُهُمْ أَكْمَلَ وثوابهم أوفر وأجزل. عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ «4» عَنْ أَبِيهِ قَالَ «5» : «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل «6» فالأمثل،
يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ.» وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ «1» » الْآيَاتِ الثَّلَاثَ. وَعَنْ «2» أَبِي هُرَيْرَةَ «3» : «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» وَعَنْ «4» أَنَسٍ «5» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا. وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «6» «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا بتلاه لِيَسْمَعَ تَضَرُّعَهُ.» وَحَكَى السَّمَرْقَنْدِيُّ «7» : «أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ بَلَاؤُهُ أَشَدَّ، كَيْ يَتَبَيَّنَ فَضْلُهُ، وَيَسْتَوْجِبَ الثَّوَابَ» كَمَا رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ «8» أَنَّهُ قَالَ: «يَا بُنَيَّ.. الذهب والفضة
يُخْتَبَرَانِ بِالنَّارِ وَالْمُؤْمِنُ يُخْتَبَرُ بِالْبَلَاءِ» وَقَدْ حُكِيَ: «أَنَّ ابْتِلَاءَ يَعْقُوبَ بِيُوسُفَ كَانَ سَبَبُهُ الْتِفَاتَهُ في صلاته إِلَيْهِ وَيُوسُفُ نَائِمٌ مَحَبَّةً لَهُ «1» » وَقِيلَ: «بَلِ اجْتَمَعَ يَوْمًا هُوَ وَابْنُهُ يُوسُفُ عَلَى أَكْلِ حَمَلٍ «2» مَشْوِيٍّ وَهُمَا يَضْحَكَانِ، وَكَانَ لَهُمْ جَارٌ يَتِيمٌ فَشَمَّ رِيحَهُ وَاشْتَهَاهُ وَبَكَى.. وَبَكَتْ لَهُ جَدَّةٌ لَهُ عَجُوزٌ لِبُكَائِهِ وَبَيْنَهُمَا جِدَارٌ، وَلَا عِلْمَ عِنْدَ يَعْقُوبَ وَابْنِهِ، فَعُوقِبَ يَعْقُوبُ بِالْبُكَاءِ أَسَفًا عَلَى يُوسُفَ إِلَى أَنْ سَالَتْ حَدَقَتَاهُ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ بَقِيَّةَ حَيَاتِهِ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي عَلَى سَطْحِهِ: ألا من كان مفطرا فليتغدّ عِنْدَ آلِ يَعْقُوبَ «3» .» وَعُوقِبَ يُوسُفُ بِالْمِحْنَةِ الَّتِي نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهَا وَرُوِيَ عَنِ اللَّيْثِ «4» أَنَّ سَبَبَ بَلَاءِ أَيُّوبَ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ أَهْلِ
قربته عَلَى مَلِكِهِمْ، فَكَلَّمُوهُ فِي ظُلْمِهِ وَأَغْلَظُوا لَهُ إِلَّا أَيُّوبَ فَإِنَّهُ رَفَقَ بِهِ مَخَافَةً عَلَى زَرْعِهِ، فَعَاقَبَهُ اللَّهُ بِبَلَائِهِ «1» . - وَمِحْنَةُ سُلَيْمَانَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نِيَّتِهِ فِي كَوْنِ الْحَقِّ فِي جَنْبَةِ «2» أَصْهَارِهِ «3» ، أَوْ لِلْعَمَلِ بِالْمَعْصِيَةِ فِي دَارِهِ وَلَا عِلْمَ عِنْدَهُ. - وَهَذِهِ فَائِدَةُ شِدَّةِ الْمَرَضِ وَالْوَجَعِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ «4» عَائِشَةُ «5» : «مَا رَأَيْتُ الْوَجَعَ عَلَى أَحَدٍ أَشَدَّ مِنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَنْ «6» عَبْدِ اللَّهِ «7» : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ يُوعَكُ وَعْكًا شديدا فقلت: إنك لتوعك وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ: أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يوعك رجلان منكم.. قلت ذلك أنّ لك الأجر مرتين!!. قال: أجل.. ذلك كذلك..
وَفِي حَدِيثِ «1» أَبِي سَعِيدٍ «2» أَنَّ رَجُلًا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا أُطِيقُ أَضَعُ يَدِي عَلَيْكَ مِنْ شِدَّةِ حُمَّاكَ» .. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ يُضَاعَفُ لَنَا الْبَلَاءُ.. إِنْ كَانَ النَّبِيُّ لَيُبْتَلَى بِالْقَمْلِ «3» حَتَّى يَقْتُلَهُ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ وَإِنْ كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون «4» بِالرَّخَاءِ.» وَعَنْ أَنَسٍ «5» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ.. وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَى وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» . وَقَدْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ «7» » إِنَّ الْمُسْلِمَ يُجْزَى بِمَصَائِبِ الدُّنْيَا فَتَكُونُ لَهُ كَفَّارَةً «8» .. وَرُوِيَ «9» هَذَا عَنْ عَائِشَةَ «10» وَأُبَيٍّ «11» وَمُجَاهِدٍ «12» .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «1» عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ «3» مِنْهُ..» وَقَالَ «4» فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ: «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا» . وَقَالَ «5» فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ «6» ولا وصب «7» وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.» وَفِي حَدِيثِ «8» ابْنِ مَسْعُودٍ «9» : «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّ «10» اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا يُحَتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ.» وَحِكْمَةٌ أُخْرَى أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْأَمْرَاضِ لِأَجْسَامِهِمْ وتعاقب الأوجاع عليها وشدتها عند مماتهم.
لِتَضْعُفَ قُوَى نُفُوسِهِمْ فَيَسْهُلَ خُرُوجُهَا عِنْدَ قَبْضِهِمْ وتخفّ عليهم موتة النَّزْعِ وَشِدَّةُ السَّكَرَاتِ بِتَقَدُّمِ الْمَرَضِ وَضَعْفِ الْجِسْمِ وَالنَّفْسِ لِذَلِكَ. خِلَافُ مَوْتِ الْفُجْأَةِ وَأَخْذِهِ كَمَا يُشَاهَدُ مِنَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمَوْتَى فِي الشِّدَّةِ وَاللِّينِ، وَالصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ.. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ خَامَةِ «2» الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا «3» الرِّيحُ هَكَذَا وَهَكَذَا» . وَفِي «4» رِوَايَةِ أَبِي هريرة «5» مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ تَكْفِؤُهَا «6» فَإِذَا سَكَنَتِ اعتدلت، وكذلك المؤمن يكفؤ بِالْبَلَاءِ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ «7» صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حتى يقصمه الله معناه أن المؤمن مرزّأ مُصَابٌ بِالْبَلَاءِ وَالْأَمْرَاضِ، رَاضٍ بِتَصْرِيفِهِ بَيْنَ أَقْدَارِ اللَّهِ تَعَالَى، مُنْطَاعٌ «8» لِذَلِكَ، لَيِّنُ الْجَانِبِ بِرِضَاهُ وقلة سخطه كطاعة خامة الزرع وانقيادها للرباح، وتمايلها لهبوبها، وترنحها
مِنْ حَيْثُ مَا أَتَتْهَا، فَإِذَا أَزَاحَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِ رِيَاحَ الْبَلَايَا وَاعْتَدَلَ صَحِيحًا كَمَا اعْتَدَلَتْ خَامَةُ الزَّرْعِ عِنْدَ سُكُونِ رِيَاحِ الْجَوِّ رَجَعَ إِلَى شُكْرِ رَبِّهِ وَمَعْرِفَةِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ بِرَفْعِ بَلَائِهِ مُنْتَظِرًا رَحْمَتَهُ وَثَوَابَهُ عَلَيْهِ. فَإِذَا كَانَ بِهَذِهِ السَّبِيلِ لَمْ يَصْعُبْ عَلَيْهِ مَرَضُ الْمَوْتِ وَلَا نُزُولُهُ، وَلَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ سَكَرَاتُهُ ونزعه لعادته بما تقدّمه من الالام، ومعرفة ماله فِيهَا مِنَ الْأَجْرِ وَتَوْطِينِهِ نَفْسَهُ عَلَى الْمَصَائِبِ وَرِقَّتِهَا وَضَعْفِهَا بِتَوَالِي الْمَرَضِ أَوْ شِدَّتِهِ. وَالْكَافِرُ بِخِلَافِ هَذَا، مُعَافًى فِي غَالِبِ حَالِهِ، مُمَتَّعٌ بِصِحَّةِ جِسْمِهِ، كَالْأَرْزَةِ الصَّمَّاءِ حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ هَلَاكَهُ قَصَمَهُ لِحِينِهِ عَلَى غِرَّةٍ «1» وَأَخَذَهُ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ لُطْفٍ وَلَا رِفْقٍ، فَكَانَ مَوْتُهُ أَشُدَّ عَلَيْهِ حَسْرَةً، وَمُقَاسَاةُ نَزْعِهِ مَعَ قُوَّةِ نَفْسِهِ وَصِحَّةِ جِسْمِهِ أَشَدَّ أَلَمًا وَعَذَابًا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ كَانْجِعَافِ «2» الْأَرْزَةِ. وَكَمَا قَالَ تعالى: «فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ «3» » وَكَذَلِكَ عَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَعْدَائِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: «فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ «4» .» الْآيَةَ فَفَجَأَ جَمِيعَهُمْ بِالْمَوْتِ عَلَى حَالِ عُتُوٍّ
وَغَفْلَةٍ، وَصَبَّحَهُمْ بِهِ عَلَى غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ بَغْتَةً. وَلِهَذَا ذُكِرَ عَنِ السَّلَفِ «أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ مَوْتَ الْفُجْأَةِ» وَمِنْهُ فِي حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ «1» : «كَانُوا يَكْرَهُونَ أَخْذَةً كَأَخْذَةِ الْأَسَفِ» أَيِ الْغَضَبِ يُرِيدُ مَوْتَ الْفُجْأَةِ «2» . وَحِكْمَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنَّ الْأَمْرَاضَ نَذِيرُ الْمَمَاتِ، وَبِقَدْرِ شِدَّتِهَا شِدَّةُ الْخَوْفِ مِنْ نُزُولِ الْمَوْتِ، فَيَسْتَعِدُّ مَنْ أَصَابَتْهُ وَعَلِمَ تَعَاهُدَهَا لَهُ لِلِقَاءِ رَبِّهِ وَيُعْرِضُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا الْكَثِيرَةِ الْأَنْكَادِ «3» ، وَيَكُونُ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا بِالْمَعَادِ، فَيَتَنَصَّلُ مِنْ كُلِّ مَا يَخْشَى تِبَاعَتَهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ وَقِبَلِ الْعِبَادِ، وَيُؤَدِّي الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا وَيَنْظُرُ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ وَصِيَّةٍ فِيمَنْ يَخْلُفُهُ أَوْ أَمْرٍ يَعْهَدُهُ. وَهَذَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْفُورُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَدْ طَلَبَ التَّنَصُّلَ «4» فِي مَرَضِهِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ أَوْ حَقٌّ فِي بَدَنٍ. وَأَقَادَ مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَمْكَنَ مِنَ الْقِصَاصِ مِنْهُ عَلَى مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ «5»
الْفَضْلِ «1» وَحَدِيثِ الْوَفَاةِ، وَأَوْصَى بِالثَّقَلَيْنِ بَعْدَهُ: كِتَابِ اللَّهِ وَعِتْرَتِهِ وَبِالْأَنْصَارِ عَيْبَتِهِ «2» ، وَدَعَا إِلَى كَتْبِ كِتَابٍ لِئَلَّا تَضِلَّ أُمَّتُهُ بَعْدَهُ، إِمَّا فِي النَّصِّ عَلَى الْخِلَافَةِ، أَوِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ، ثُمَّ رَأَى الْإِمْسَاكَ عَنْهُ أَفْضَلَ وَخَيْرًا.. وَهَكَذَا سِيرَةُ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ وَهَذَا كُلُّهُ يُحْرَمُهُ غَالِبًا الْكُفَّارُ لِإِمْلَاءِ اللَّهِ لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا، وَلِيَسْتَدْرِجَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ «3» وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» فِي رَجُلٍ مَاتَ فُجْأَةً: «سُبْحَانَ اللَّهِ كَأَنَّهُ عَلَى غَضَبٍ.. الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ وَصِيَّتُهُ..» وَقَالَ «5» «مَوْتُ الفجأة راحة للمؤمن وأخذة أسف للكافر أو «6» الفاجر» .
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي الْمُؤْمِنَ وَهُوَ غَالِبًا مُسْتَعِدٌّ لَهُ مُنْتَظِرٌ لِحُلُولِهِ، فَهَانَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ كَيْفَمَا جَاءَ. وَأَفْضَى إِلَى رَاحَتِهِ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» . وَتَأْتِي الْكَافِرَ وَالْفَاجِرَ مَنِيَّتُهُ عَلَى غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ وَلَا أُهْبَةٍ وَلَا مُقَدِّمَاتٍ مُنْذِرَةٍ مُزْعِجَةٍ، بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ «2» فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون.. فَكَانَ الْمَوْتُ أَشَدَّ شَيْءٍ عَلَيْهِ، وَفِرَاقُ الدُّنْيَا أَفْظَعَ أَمْرٍ صَدَمَهُ وَأَكْرَهَ شَيْءٍ لَهُ.. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ «3» : «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لقاءه» .
القسم الرابع في تعرف وجوه الأحكام فيمن تنقصه أو سبه عليه الصلاة والسلام
القسم الرابع في تعرّف وُجُوهِ الْأَحْكَامِ فِيمَنْ تَنَقَّصَهُ أَوْ سَبَّهُ عَلَيْهِ الصّلاة والسّلام في بابين وخمسة عشر فصلا وباب ثالث يبحث فيما يتعلّق بالله والرّسل والملائكة والال
مقدمة
مُقَدِّمَةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ: قَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَا يَجِبُ مِنَ الْحُقُوقِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يَتَعَيَّنُ لَهُ مِنْ بِرٍّ وَتَوْقِيرٍ، وَتَعْظِيمٍ وَإِكْرَامٍ، وَبِحَسَبِ هَذَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَذَاهُ فِي كِتَابِهِ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى قتل متنقّصه مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَسَابِّهِ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً «1» » . وقال: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «2» » . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً «3» » . وقال تعالى في تحريم التعريض له: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا «4» » الاية.
وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ «رَاعِنَا» يَا مُحَمَّدُ. أَيْ أَرْعِنَا سَمْعَكَ وَاسْمَعْ مِنَّا، وَيُعَرِّضُونَ بِالْكَلِمَةِ يُرِيدُونَ الرُّعُونَةَ «1» ، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، وَقَطَعَ الذَّرِيعَةَ بِنَهْيِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهَا لِئَلَّا يَتَوَصَّلَ بِهَا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ إِلَى سَبِّهِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِ.. وَقِيلَ: «بَلْ لِمَا فِيهَا مِنْ مُشَارَكَةِ اللَّفْظِ، لِأَنَّهَا عِنْدَ الْيَهُودِ بِمَعْنَى اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ» . وَقِيلَ: (بَلْ لِمَا فِيهَا مِنْ قِلَّةِ الْأَدَبِ، وَعَدَمِ تَوْقِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْظِيمِهِ، لِأَنَّهَا فِي لُغَةِ الْأَنْصَارِ بِمَعْنَى «ارْعُنَا نَرْعَكَ» فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.. إِذْ مُضَمَّنُهُ أَنَّهُمْ لَا يَرْعَوْنَهُ إِلَّا بِرِعَايَتِهِ لَهُمْ.. وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبُ الرِّعَايَةِ بكل حال «2» . وهذا هو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنِ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ فَقَالَ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكَنُّوا بِكُنْيَتِي» . صِيَانَةً لِنَفْسِهِ وَحِمَايَةً عَنْ أَذَاهُ. إِذْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» اسْتَجَابَ لِرَجُلٍ نَادَى: «يَا أَبَا الْقَاسِمِ» فَقَالَ: «لَمْ أَعْنِكَ.. إِنَّمَا دَعَوْتُ هَذَا» .. فَنَهَى حِينَئِذٍ عَنِ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِإِجَابَةِ دَعْوَةِ غَيْرِهِ لِمَنْ لم يدعه..
ويجد بذلك المنافقون والمستهزؤون ذَرِيعَةً إِلَى أَذَاهُ وَالْإِزْرَاءِ بِهِ فَيُنَادُونَهُ، فَإِذَا الْتَفَتَ قَالُوا: إِنَّمَا أَرَدْنَا هَذَا- لِسِوَاهُ- تَعْنِيتًا لَهُ وَاسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِ عَلَى عَادَةِ الْمُجَّانِ «1» وَالْمُسْتَهْزِئِينَ. فَحَمَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَى أَذَاهُ بِكُلِّ وَجْهٍ «فَحَمَلَ مُحَقِّقُو الْعُلَمَاءِ نَهْيَهُ عَنْ هَذَا عَلَى مُدَّةِ حَيَّاتِهِ، وَأَجَازُوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِارْتِفَاعِ الْعِلَّةِ» . وَلِلنَّاسِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَذَاهِبُ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ مَذْهَبُ الجمهور والصواب- إن شاء الله- وأن ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ تَعْظِيمِهِ وَتَوْقِيرِهِ، وَعَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ. وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْهَ عَنِ اسْمِهِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ اللَّهُ مَنَعَ مِنْ نِدَائِهِ بِهِ بِقَوْلِهِ: «لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً «2» » وإنما كان المسلمون يدعونه يا رسول الله يا نبي الله، وقد يدعونه «3» بكنيته أبا القاسم بعضهم فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ. وَقَدْ رَوَى «4» أَنَسٌ «5» رَضِيَ الله عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مَا يَدُلُّ على كراهة
التَّسَمِّي بِاسْمِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَنْ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يُوَقَّرْ فَقَالَ: «تُسَمُّونَ أَوْلَادَكُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ تَلْعَنُونَهُمْ» . وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ «1» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ.. «لَا يُسَمَّى أَحَدٌ بِاسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» حَكَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ «2» الطَّبَرِيُّ «3» وَحَكَى مُحَمَّدُ «4» بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ «5» نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَرَجُلٌ يَسُبُّهُ وَيَقُولُ لَهُ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ يَا مُحَمَّدُ وَصَنَعَ» فَقَالَ عُمَرُ لِابْنِ أَخِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ. «لَا أَرَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبُّ بِكَ وَاللَّهِ لَا تُدْعَى مُحَمَّدًا مَا دُمْتَ حَيًّا» وَسَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ «6» وَأَرَادَ أَنْ يَمْنَعَ لِهَذَا أَنْ يُسَمَّى أَحَدٌ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ إِكْرَامًا لَهُمْ بِذَلِكَ وَغَيَّرَ أَسْمَاءَهُمْ وَقَالَ: «لَا تُسَمُّوا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ أَمْسَكَ» .. - وَالصَّوَابُ جَوَازُ هَذَا كُلِّهِ «7» بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلِيلِ إِطْبَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ سَمَّى جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ ابْنَهُ مُحَمَّدًا وكناه بأبي القاسم.
وَرُوِيَ «1» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ فِي ذَلِكَ لِعَلِيٍّ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» أَنَّ ذَلِكَ اسْمُ الْمَهْدِيِّ وَكُنْيَتُهُ. وَقَدْ سَمَّى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدَ «4» بْنَ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدَ «5» بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَمُحَمَّدَ «6» بْنَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَغَيْرَ وَاحِدٍ وَقَالَ: «مَا ضَرَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ مُحَمَّدٌ، وَمُحَمَّدَانِ وَثَلَاثَةٌ» !! وَقَدْ فَصَّلْتُ الْكَلَامَ فِي هذا القسم في بابين كما قدمناه. ***
الباب الأول في بيان ما هو في حقه صلى الله عليه وسلم سب أو نقص من تعريض أو نص
الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَا هُوَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبٌّ أَوْ نقص مِنْ تَعْرِيضٍ أَوْ نَصٍّ وَفِيهِ عَشَرَةُ فُصُولٍ
الفصل الأول الحكم الشرعي فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم أو تنقصه
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تَنَقَّصَهُ اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَابَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي نَفْسِهِ أَوْ نَسَبِهِ، أَوْ دِينِهِ أَوْ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ أَوْ عَرَّضَ بِهِ أَوْ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ لَهُ أَوِ الْإِزْرَاءِ عَلَيْهِ، أَوِ التَّصْغِيرِ لِشَأْنِهِ، أَوِ الْغَضِّ مِنْهُ وَالْعَيْبِ لَهُ فَهُوَ سَابٌّ لَهُ. وَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ السَّابِّ يُقْتَلُ كَمَا نُبَيِّنُهُ. وَلَا نَسْتَثْنِي فَصْلًا مِنْ فُصُولِ هَذَا الْبَابِ عَلَى هَذَا الْمَقْصِدِ، وَلَا نَمْتَرِي «1» فِيهِ تَصْرِيحًا كَانَ أَوْ تَلْوِيحًا. وَكَذَلِكَ مَنْ لَعَنَهُ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ، أَوْ تَمَنَّى مَضَرَّةً لَهُ، أَوْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ، أَوْ عَبَثَ فِي جِهَتِهِ الْعَزِيزَةِ بِسُخْفٍ مِنَ الْكَلَامِ، وَهَجْرٍ «2» ومنكر من القول وزور. أو
عَيَّرَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا جَرَى مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمِحْنَةِ عَلَيْهِ، أَوْ غَمَصَهُ «1» بِبَعْضِ الْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ الْجَائِزَةِ وَالْمَعْهُودَةِ لَدَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِجْمَاعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عليهم إلى هلم «2» جرا قال أَبُو بَكْرِ «3» بْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ عَوَامُّ «4» أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْتُلُ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ: «مَالِكُ «5» بْنُ أَنَسٍ، وَاللَّيْثُ «6» وَأَحْمَدُ «7» وَإِسْحَاقُ «8» وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ» «9» . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ «10» : «وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ «11» الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عنه ولا تقبل توبته عند هؤلاء» .
وَبِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ «1» وَأَصْحَابُهُ «2» وَالثَّوْرِيُّ «3» وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ «4» فِي الْمُسْلِمِينَ «5» لَكِنَّهُمْ قَالُوا هِيَ ردة «6» . وروى مِثْلَهُ الْوَلِيدُ «7» بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ «8» وَحَكَى الطَّبَرِيُّ «9» مِثْلَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِيمَنْ تنقصه صلّى الله عليه وسلم أو برىء مِنْهُ أَوْ كَذَّبَهُ. وَقَالَ سُحْنُونٌ «10» فِيمَنْ سَبَّهُ: «ذَلِكَ رِدَّةٌ كَالزَّنْدَقَةِ وَعَلَى هَذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اسْتِتَابَتِهِ وَتَكْفِيرِهِ، وَهَلْ قَتْلُهُ حَدٌّ أَوْ كُفْرٌ. كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي الْبَابِ الثَّانِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي اسْتِبَاحَةِ دَمِهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ. وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى قَتْلِهِ وتكفيره.
وَأَشَارَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ «1» وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ «2» عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ إِلَى الْخِلَافِ فِي تَكْفِيرِ الْمُسْتَخِفِّ بِهِ وَالْمَعْرُوفُ مَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ مُحَمَّدُ «3» بْنُ سُحْنُونٍ: «أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ شَاتِمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَنَقِّصَ «4» لَهُ كَافِرٌ، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وَحُكْمُهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ الْقَتْلُ.. وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ وَعَذَابِهِ كَفَرَ «5» » . وَاحْتَجَّ إِبْرَاهِيمُ «6» بْنُ حُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ الْفَقِيهُ فِي مِثْلِ «7» هَذَا بِقَتْلِ خالد «8» بن الوليد مالك «9» بن نويرة بقوله عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَاحِبُكُمْ «10» »
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ «1» الْخَطَّابِيُّ: «لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا» . وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ «2» عَنْ مَالِكٍ «3» فِي كِتَابِ ابْنِ سُحْنُونٍ «4» وَالْمَبْسُوطِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَحَكَاهُ ابن مُطَرِّفٌ «5» عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ «6» : «مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ» . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ «7» : «مَنْ سَبَّهُ أَوْ شَتَمَهُ، أَوْ عَابَهُ أَوْ تَنَقَّصَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، وَحُكْمُهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ الْقَتْلُ كَالزِّنْدِيقِ وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ تعالى توقيره وبره» . وفي المبسوطة «8» عَنْ عُثْمَانَ «9» بْنِ كِنَانَةَ: «مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم من
الْمُسْلِمِينَ، قُتِلَ أَوْ صُلِبَ حَيًّا وَلَمْ يُسْتَتَبْ، وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي صَلْبِهِ حَيًّا أَوْ قَتْلِهِ» . وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمُصْعَبِ «1» وَابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ «2» سَمِعْنَا مَالِكًا يَقُولُ: «مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ شَتَمَهُ أَوْ عَابَهُ أَوْ تَنَقَّصَهُ قُتِلَ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا وَلَا يُسْتَتَابُ» «3» . وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ «4» : (أَخْبَرَنَا أَصْحَابُ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ» ) . وَقَالَ أَصْبَغ «5» : «يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، أَسَرَّ ذَلِكَ أَوْ أَظْهَرَهُ وَلَا يُسْتَتَابُ لِأَنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُعْرَفُ» . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ «6» بْنُ الْحَكَمِ: «مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ» . وَحَكَى الطَّبَرِيُّ «7» مِثْلَهُ عَنْ أَشْهَبَ «8» عَنْ مالك «9» .
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ «1» عَنْ مَالِكٍ: «مَنْ قَالَ إِنَّ رِدَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُرْوَى زِرَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسخ أراد به عَيْبَهُ قُتِلَ» . وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: «أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ دَعَا عَلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِالْوَيْلِ «2» أَوْ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَكْرُوهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ» . وَأَفْتَى أَبُو الْحَسَنِ «3» الْقَابِسِيُّ: (فِيمَنْ قَالَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمَّالُ «4» يَتِيمُ أَبِي طَالِبٍ» بِالْقَتْلِ) . وَأَفْتَى أَبُو مُحَمَّدِ «5» بْنُ أَبِي زَيْدٍ: (بِقَتْلِ رَجُلٍ سَمِعَ قَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ مَرَّ بِهِمْ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ وَاللِّحْيَةِ فَقَالَ لَهُمْ: «تُرِيدُونَ تَعْرِفُونَ صِفَتَهُ؟. هِيَ فِي صِفَةِ هَذَا الْمَارِّ فِي خَلْقِهِ وَلِحْيَتِهِ» . قَالَ: «وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَقَدْ كَذَبَ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَلَيْسَ يَخْرُجُ مِنْ قَلْبٍ سَلِيمِ الإيمان» ) .
وَقَالَ أَحْمَدُ «1» بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ صَاحِبُ سُحْنُونٍ «2» مَنْ قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَسْوَدَ، يُقْتَلُ» . وَقَالَ فِي رَجُلٍ قِيلَ لَهُ: «لَا وَحَقِّ رَسُولِ «3» اللَّهِ» .. فَقَالَ: «فعل الله برسول الله كذا» - وَذَكَرَ كَلَامًا قَبِيحًا- فَقِيلَ لَهُ: «مَا تَقُولُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ» ؟. فَقَالَ أَشَدَّ مِنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ «: إِنَّمَا أَرَدْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ الْعَقْرَبَ» «4» فَقَالَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ لِلَّذِي سَأَلَهُ «5» : «اشْهَدْ عَلَيْهِ وَأَنَا شَرِيكُكَ» - يُرِيدُ فِي قَتْلِهِ وَثَوَابِ ذَلِكَ- قَالَ حَبِيبُ «6» بْنُ الرَّبِيعِ لِأَنَّ ادِّعَاءَ التَّأْوِيلِ فِي لَفْظٍ صُرَاحٍ لَا يُقْبَلُ «7» لِأَنَّهُ امْتِهَانٌ وَهُوَ غَيْرُ مُعَزِّرٍ «8» لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مُوَقِّرٍ لَهُ. فَوَجَبَ إِبَاحَةُ دَمِهِ. وَأَفْتَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ «9» بن عتّاب في عشّار «10» قال لرجل:
أَدِّ وَاشْكُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» ، وَقَالَ إِنْ سَأَلْتُ أَوْ جَهِلْتُ فَقَدْ جَهِلَ وَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. بِالْقَتْلِ. وَأَفْتَى فُقَهَاءُ الْأَنْدَلُسِ بِقَتْلِ ابْنِ حَاتِمٍ «2» الْمُتَفَقِّهِ الطُّلَيْطِلِيِّ وَصَلْبِهِ بِمَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ مِنَ اسْتِخْفَافِهِ بِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَسْمِيَتِهِ إِيَّاهُ أَثْنَاءَ مُنَاظَرَتِهِ بِالْيَتِيمِ «3» وَخَتَنِ حيذرة «4» ، وَزَعْمِهِ أَنَّ زُهْدَهُ لَمْ يَكُنْ قَصْدًا، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الطَّيِّبَاتِ أَكَلَهَا.. إِلَى أَشْبَاهٍ لِهَذَا. وَأَفْتَى فُقَهَاءُ الْقَيْرَوَانِ «5» وَأَصْحَابُ سُحْنُونٍ «6» بِقَتْلِ إِبْرَاهِيمَ «7»
الغزاري، وَكَانَ شَاعِرًا مُتَفَنِّنًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعُلُومِ، وَكَانَ مِمَّنْ يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْقَاضِي أَبِي الْعَبَّاسِ «1» بْنِ طَالِبٍ لِلْمُنَاظَرَةِ، فَرُفِعَتْ عَلَيْهِ أُمُورٌ مُنْكَرَةٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِاللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَحْضَرَ لَهُ الْقَاضِي يَحْيَى «2» بْنَ عُمَرَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ وَصَلْبِهِ فَطُعِنَ بِالسِّكِّينِ وَصُلِبَ مُنَكَّسًا، ثُمَّ أُنْزِلَ وَأُحْرِقَ بِالنَّارِ «3» وَحَكَى بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ أَنَّهُ لَمَّا رُفِعَتْ خَشَبَتُهُ وَزَالَتْ عَنْهَا الْأَيْدِي اسْتَدَارَتْ وَحَوَّلَتْهُ عَنِ الْقِبْلَةِ، فَكَانَ آيَةً لِلْجَمِيعِ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَجَاءَ كَلْبٌ فَوَلَغَ «4» فِي دَمِهِ. فَقَالَ يَحْيَى «2» بْنُ عُمَرَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ حَدِيثًا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يلغ الكلب في دم مسلم «5» . قال الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ «6» بْنُ الْمُرَابِطِ: مَنْ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هُزِمَ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ «1» وَإِلَّا قُتِلَ لِأَنَّهُ تَنَقُّصٌ، إِذْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي خَاصَّتِهِ إِذْ هُوَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَقِينٍ مِنْ عِصْمَتِهِ. وَقَالَ حَبِيبُ «2» بْنُ رَبِيعٍ الْقَرَوِيُّ مَذْهَبُ مَالِكٍ «3» وَأَصْحَابِهِ أَنَّ مَنْ قَالَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِيهِ نَقْصٌ قُتِلَ دُونَ اسْتِتَابَةٍ «4» . وَقَالَ ابْنُ «5» عَتَّابٍ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مُوجِبَانِ أَنَّ مَنْ قَصَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَذًى أَوْ نَقْصٍ مُعَرِّضًا أَوْ مُصَرِّحًا وَإِنْ قَلَّ فَقَتْلُهُ وَاجِبٌ «6» - فَهَذَا الْبَابُ كُلُّهُ مِمَّا عَدَّهُ الْعُلَمَاءُ سَبًّا أَوْ تَنَقُّصًا يَجِبُ قَتْلُ قَائِلِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ مُتَقَدِّمُهُمْ وَلَا مُتَأَخِّرُهُمْ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ قَتْلِهِ عَلَى مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ وَنُبَيِّنُهُ بَعْدُ. وَكَذَلِكَ أَقُولُ حُكْمُ مَنْ غَمَصَهُ أَوْ عَيَّرَهُ بِرِعَايَةِ الْغَنَمِ أَوِ السَّهْوِ أَوِ النِّسْيَانِ أَوِ السِّحْرِ أَوْ مَا أَصَابَهُ مِنْ جرح «7» أو هزيمة لبعض
جُيُوشِهِ، أَوْ أَذًى مِنْ عَدُوِّهِ، أَوْ شِدَّةٍ مِنْ زَمَنِهِ، أَوْ بِالْمَيْلِ إِلَى نِسَائِهِ، فَحُكْمُ هَذَا كُلِّهِ لِمَنْ قَصَدَ بِهِ نَقْصَهُ الْقَتْلُ، وَقَدْ مَضَى مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ويأتي ما يدل عليه.
الفصل الثاني الحجة في إيجاب قتل من سبه أو عابه عليه الصلاة والسلام
الفصل الثّاني الْحُجَّةِ فِي إِيجَابِ قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ أَوْ عابه عليه الصّلاة والسّلام فَمِنَ الْقُرْآنِ لَعْنُهُ تَعَالَى لِمُؤْذِيهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقِرَانُهُ تَعَالَى أَذَاهُ بِأَذَاهُ. وَلَا خِلَافَ فِي قَتْلِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ، وَأَنَّ اللَّعْنَ إِنَّمَا يَسْتَوْجِبُهُ مَنْ هُوَ كَافِرٌ، وَحُكْمُ الْكَافِرِ الْقَتْلُ فَقَالَ: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..» «1» الْآيَةَ وَقَالَ فِي قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَمِنْ لَعْنَتِهِ فِي الدُّنْيَا الْقَتْلُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا» «2» وَقَالَ فِي الْمُحَارِبِينَ وَذَكَرَ عُقُوبَتَهُمْ: «ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا» «3» وقد يقع القتل بمعنى اللعن.
قال: «قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ» «1» و «قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» «2» أَيْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ. وَلِأَنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ أَذَاهُمَا وَأَذَى الْمُؤْمِنِينَ. وَفِي أَذَى الْمُؤْمِنِينَ مَا دُونُ الْقَتْلِ مِنَ الضَّرْبِ وَالنَّكَالِ «3» فَكَانَ حُكْمُ مُؤْذِي اللَّهِ وَنَبِيِّهِ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقَتْلُ. وقال الله تَعَالَى: «فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ» «4» الْآيَةَ فَسَلَبَ اسْمَ الْإِيمَانِ عَمَّنْ وُجِدَ فِي صَدْرِهِ حَرَجًا مِنْ قَضَائِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ، وَمَنْ تَنَقَّصَهُ فَقَدْ نَاقَضَ هَذَا. وَقَالَ اللَّهُ تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ» إلى قوله «أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ «5» » وَلَا يُحْبِطُ الْعَمَلَ إِلَّا الْكُفْرُ «6» ، وَالْكَافِرُ يُقْتَلُ. وقال تعالى: «وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ.» «7»
ثُمَّ قَالَ: «حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ» «1» وَقَالَ تَعَالَى: «وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ» «2» ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» «3» وَقَالَ تَعَالَى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ» «4» إلى قوله: «قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ» «5» قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: «كَفَرْتُمْ» بِقَوْلِكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فقد ذكرناه وأما الاثار فعن الحسين «6» عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «7» : «مَنْ سَبَّ نَبِيًّا فاقتلوه. ومن أَصْحَابِي فَاضْرِبُوهُ» وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «8» أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ كَعْبِ «9» بْنِ الْأَشْرَفِ وَقَوْلِهِ: مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ يُؤْذِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟!. وَوَجَّهَ إِلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ غِيلَةً دُونَ دَعْوَةٍ «10» ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.. وَعَلَّلَ قَتْلَهُ بِأَذَاهُ لَهُ، فَدَلَّ أَنَّ قَتْلَهُ إياه لغير
الْإِشْرَاكِ، بَلْ لِلْأَذَى.. وَكَذَلِكَ قَتَلَ أَبَا رَافِعٍ «1» . قَالَ الْبَرَاءُ «2» وَكَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ يَوْمَ الْفَتْحِ بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ «3» وَجَارِيَتَيْهِ «4» اللَّتَيْنِ كَانَتَا تُغَنِّيَانِ بِسَبِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «5» : أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَسُبُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ يَكْفِينِي عَدُوِّي؟. فَقَالَ خَالِدٌ «6» : أَنَا، فَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَهُ. وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِقَتْلِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ كَانَ يُؤْذِيهِ مِنَ الْكُفَّارِ وَيَسُبُّهُ، كَالنَّضْرِ بْنِ «7» الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي «8» مُعَيْطٍ وَعَهِدَ بِقَتْلِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ قَبْلَ الْفَتْحِ وَبَعْدَهُ فَقُتِلُوا إِلَّا مَنْ بَادَرَ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عليه.
وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ «1» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «2» : أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ نَادَى «3» : يَا مَعَاشِرَ قريش.. مالي أقتل من بينكم صيرا «4» ! فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِكُفْرِكَ وَافْتِرَائِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَكَرَ عَبْدُ «5» الرَّزَّاقِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ يَكْفِينِي عَدُوِّي؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ «6» : أَنَا فَبَارَزَهُ فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ. وَرَوَى «7» أَيْضًا: أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسُبُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ يكفيني عدوي؟ فَخَرَجَ إِلَيْهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَتَلَهَا. وَرُوِيَ «8» : أَنَّ رَجُلًا كَذَبَ «9» عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ عَلِيًّا «10» وَالزُّبَيْرَ إِلَيْهِ لِيَقْتُلَاهُ. وَرَوَى ابْنُ قَانِعٍ «11» : أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ.. سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِيكَ قَوْلًا قَبِيحًا فَقَتَلْتُهُ.. فَلَمْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم.
وَبَلَغَ «1» الْمُهَاجِرَ «2» بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ أَمِيرَ الْيَمَنِ لِأَبِي بَكْرٍ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً هُنَاكَ فِي الرِّدَّةِ غَنَّتْ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطَعَ يَدَهَا، وَنَزَعَ ثَنِيَّتَهَا «4» ، فَبَلَغَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: لَوْلَا مَا فَعَلْتَ لَأَمَرْتُكَ بِقَتْلِهَا، لِأَنَّ حَدَّ الْأَنْبِيَاءِ لَيْسَ يُشْبِهُ الْحُدُودَ. وَعَنِ ابْنِ «5» عَبَّاسٍ: هَجَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَطْمَةَ «6» النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ لِي بِهَا؟ .. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهَا: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَنَهَضَ فَقَتَلَهَا، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عنزان «7» .
وَعَنِ «1» ابْنِ عَبَّاسٍ «2» : «أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وتشتمه فقتلها، وعلم النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَأَهْدَرَ دَمَهَا» . وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ «3» الْأَسْلَمِيِّ: «كُنْتُ «4» يَوْمًا جَالِسًا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَغَضِبَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ- وَحَكَى الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ «5» وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ «6» : أَتَيْتُ أبا بكر وقد أغلظ رجل فَرَدَّ عَلَيْهِ قَالَ- فَقُلْتُ «7» يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ.. فَقَالَ: اجْلِسْ.. فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ «8» بْنُ نصر: «ولم يخالف عليه أحد،
فَاسْتَدَلَّ الْأَئِمَّةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى قَتْلِ مَنْ أَغْضَبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُلِّ مَا أَغْضَبَهُ، أَوْ أَذَاهُ، أَوْ سَبَّهُ» . وَمِنْ ذَلِكَ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ «1» الْعَزِيزِ إِلَى عَامِلِهِ «2» بِالْكُوفَةِ: «وَقَدِ اسْتَشَارَهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ سَبَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عمر.. إنه لا يحل قتل امريء مُسْلِمٍ بِسَبِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا رَجُلًا سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ سَبَّهُ فَقَدْ حَلَّ دَمُهُ» . وَسَأَلَ الرَّشِيدُ «3» مَالِكًا «4» فِي رَجُلٍ شَتَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ لَهُ أَنَّ فُقَهَاءَ الْعِرَاقِ أَفْتَوْهُ بِجِلْدِهِ، فَغَضِبَ مَالِكٌ وَقَالَ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. مَا بَقَاءُ الْأُمَّةِ بَعْدَ شَتْمِ نَبِيِّهَا؟! مَنْ شَتَمَ الْأَنْبِيَاءَ قُتِلَ وَمَنْ شَتَمَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلِدَ «5» » . قَالَ الْقَاضِي أَبُو «6» الْفَضْلِ: كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ- رَوَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَنَاقِبِ مَالِكٍ، وَمُؤَلِّفِي أَخْبَارِهِ وَغَيْرِهِمْ. وَلَا أَدْرِي مَنْ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ بِالْعِرَاقِ الَّذِينَ أَفْتَوُا الرَّشِيدَ بِمَا
ذُكِرَ.. وَقَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَ الْعِرَاقِيِّينَ بِقَتْلِهِ.. وَلَعَلَّهُمْ مِمَّنْ لَمْ يُشْهَرْ بِعِلْمٍ.. أَوْ مَنْ لَا يُوثَقُ بِفَتْوَاهُ.. أَوْ يَمِيلُ بِهِ هَوَاهُ.. أَوْ يَكُونُ مَا قَالَهُ يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ السَّبِّ.. فَيَكُونُ الْخِلَافُ هَلْ هُوَ سَبٌّ أَوْ غَيْرُ سب.. أو يكون رجع وتاب عن سَبِّهِ فَلَمْ يَقُلْهُ لِمَالِكٍ «1» عَلَى أَصْلِهِ وَإِلَّا فَالْإِجْمَاعُ عَلَى قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَيَدُلُّ عَلَى قَتْلِهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ «2» وَالِاعْتِبَارِ «3» .. أن من سبّه وتنقّصه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ ظَهَرَتْ عَلَامَةُ مرض قلبه، وبرهان سرطويته وكفره، ولهذا حَكَمَ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالرِّدَّةِ. وَهِيَ رِوَايَةُ الشَّامِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ «4» . وَقَوْلُ الثَّوْرِيِّ «5» وَأَبِي «6» حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: «أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْكُفْرِ فَيُقْتَلُ حَدًّا، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالْكُفْرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَادِيًا عَلَى قَوْلِهِ غَيْرَ مُنْكِرٍ لَهُ، وَلَا مُقْلِعٍ عَنْهُ. فَهَذَا كَافِرٌ» . وَقَوْلُهُ إِمَّا صَرِيحُ كُفْرٍ كَالتَّكْذِيبِ ونحوه، أو من كلمات الاستهزاء والذم.
فَاعْتِرَافُهُ بِهَا، وَتَرْكُ تَوْبَتِهِ عَنْهَا، دَلِيلُ اسْتِحْلَالِهِ لِذَلِكَ، وَهُوَ كُفْرٌ أَيْضًا.. فَهَذَا كَافِرٌ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مِثْلِهِ: «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ «1» » . قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: هِيَ قَوْلُهُمْ: «إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا «2» لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ» . وَقِيلَ بَلْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ «3» : «مَا مِثْلُنَا وَمِثْلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا قَوْلُ الْقَائِلِ سَمِّنْ كَلْبَكَ يأكلك.. ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعن منها الأذل» . وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَائِلَ مِثْلِ هَذَا إِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا «4» بِهِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ يقتل.. ولأنه قد غيّر دينه.
وَقَدْ قَالَ «1» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ.» وَلِأَنَّ لِحُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُرْمَةِ مَزِيَّةً عَلَى أُمَّتِهِ، وَسَابُّ الْحُرِّ مِنْ أُمَّتِهِ يُحَدُّ، فَكَانَتِ الْعُقُوبَةُ لِمَنْ سَبَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَتْلَ لِعَظِيمِ قَدْرِهِ وَشُفُوفِ «2» مَنْزِلَتِهِ عَلَى غيره.
الفصل الثالث أسباب عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض من آذاه
الفصل الثالث أسباب عفو النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَذَاهُ فَإِنْ قُلْتَ: فَلِمَ لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلم اليهودي الذي لَهُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ «1» وَهَذَا دُعَاءٌ عَلَيْهِ؟، وَلَا قَتَلَ الْآخَرَ «2» الَّذِي قَالَ لَهُ: «إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ «3» مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ «4» » ، وَقَدْ تَأَذَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: «قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ؟ وَلَا قَتَلَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُؤْذُونَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْيَانِ؟ فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ يَسْتَأْلِفُ عَلَيْهِ النَّاسَ وَيُمِيلُ قلوبهم إليه، ويحبب إليهم الإيمان ويزينه في
قلوبهم، ويداريهم ويقول لأصحابه: إنما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا منفرين ويقول «1» «بشروا «2» وتعسروا وسكّتوا «3» وَلَا تُنَفِّرُوا» . وَيَقُولُ: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ «4» .» وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدَارِي الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَيُجْمِلُ صُحْبَتَهُمْ، وَيُغْضِي عَنْهُمْ، وَيَحْتَمِلُ مِنْ أَذَاهُمْ، وَيَصْبِرُ عَلَى جَفَائِهِمْ، مَا لَا يَجُوزُ لَنَا الْيَوْمَ الصَّبْرُ لَهُمْ عَلَيْهِ. وَكَانَ يُرْفِقُهُمْ «5» بِالْعَطَاءِ وَالْإِحْسَانِ «6» ، وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى. فَقَالَ تَعَالَى: «وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» «7» .
وَقَالَ تَعَالَى «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» «1» . وَذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ لِلتَّأَلُّفِ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، وَجَمْعِ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِ. - فَلَمَّا اسْتَقَرَّ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ قَتَلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَاشْتَهَرَ أَمْرُهُ كَفِعْلِهِ بِابْنِ خَطَلٍ «2» وَمَنْ عَهِدَ بِقَتْلِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ. وَمَنْ أَمْكَنَهُ قَتْلُهُ غِيلَةً مِنْ يَهُودَ وَغَيْرِهِمْ، أَوْ غَلَبَةً مِمَّنْ لَمْ يُنْظِمْهُ قَبْلُ سِلْكَ صُحْبَتَهِ، وَالِانْخِرَاطَ «3» فِي جُمْلَةِ مُظْهِرِي الْإِيمَانِ بِهِ مِمَّنْ كَانَ يُؤْذِيهِ، كَابْنِ الْأَشْرَفِ «4» وأبي «5» رافع والنضر «6» وعقبة «7» . - وكذلك هدر «8» دم جماعة سواهم ككعب «9» بن زهير.
وَابْنِ الزَّبَعْرِيِّ «1» ، وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ آذَاهُ حَتَّى أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ وَلَقُوهُ مُسْلِمِينَ. - وَبَوَاطِنُ الْمُنَافِقِينَ مُسْتَتِرَةٌ وَحُكْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الظَّاهِرِ.. وَأَكْثَرُ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ إِنَّمَا كَانَ يَقُولُهَا الْقَائِلُ مِنْهُمْ خُفْيَةً، وَمَعَ أَمْثَالِهِ وَيَحْلِفُونَ عَلَيْهَا إِذَا نُمِيَتْ «2» وَيُنْكِرُونَهَا، وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ. - وَكَانَ مَعَ هَذَا يَطْمَعُ فِي فَيْأَتِهِمْ «3» ، وَرُجُوعِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَتَوْبَتِهِمْ، فَيَصْبِرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَنَاتِهِمْ وَجَفْوَتِهِمْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ «4» ، حَتَّى فَاءَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بَاطِنًا كَمَا فَاءَ ظَاهِرًا وَأَخْلَصَ سِرًّا كَمَا أَظْهَرَ جَهْرًا، وَنَفَعَ اللَّهُ بَعْدُ بِكَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَقَامَ مِنْهُمْ لِلدِّينِ وُزَرَاءُ وَأَعْوَانٌ وحماة وأنصار كما جاءت به الأخبار.
وَبِهَذَا أَجَابَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَنْ هذا السؤال «1» . قال: ولعله لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ مَا رُفِعَ وَإِنَّمَا نَقَلَهُ الْوَاحِدُ «2» ومن لم يصل رتبة الشهادة في هَذَا الْبَابِ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوِ امرأة. والدماء لا تستباح إلا بعد لين، وعلى هذا يحمل أمر اليهودي «3» في السلام «4» ، وأنهم لووا به أَلْسِنَتَهُمْ وَلَمْ يُبَيِّنُوهُ. أَلَا تَرَى كَيْفَ نَبَّهَتْ عَلَيْهِ عَائِشَةُ وَلَوْ كَانَ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ تَنْفَرِدْ بِعِلْمِهِ.. وَلِهَذَا نَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عَلَى فِعْلِهِمْ وَقِلَّةِ صِدْقِهِمْ فِي سَلَامِهِمْ وَخِيَانَتِهِمْ فِي ذَلِكَ لَيًّا «5» بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ.. فَقَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمْ فَإِنَّمَا يَقُولُ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: عَلَيْكُمْ «6» . وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ «7» .. إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلِ الْمُنَافِقِينَ بِعِلْمِهِ فِيهِمْ.. وَلَمْ يَأْتِ أَنَّهُ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى نِفَاقِهِمْ فَلِذَلِكَ تَرَكَهُمْ.. وَأَيْضًا.. فَإِنَّ الْأَمْرَ كَانَ سِرًّا وَبَاطِنًا، وَظَاهِرُهُمُ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ. وإن كان من أهل الذمة «8» والعهد والجوار. والناس
قريب عهدهم بالإسلام لم يَتَمَيَّزْ بَعْدُ الْخَبِيثُ مِنَ الطِّيبِ، وَقَدْ شَاعَ عَنِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْعَرَبِ كَوْنُ مَنْ يُتَّهَمُ بِالنِّفَاقِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَصَحَابَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَأَنْصَارِ الدِّينِ بِحُكْمِ ظَاهِرِهِمْ.. فَلَوْ قَتَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنِفَاقِهِمْ وَمَا يَبْدُرُ مِنْهُمْ، وَعِلْمِهِ بِمَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ لَوَجَدَ المنفّر ما يقول، ولارتاب الشَّارِدُ، وَأَرْجَفَ «1» الْمُعَانِدُ، وَارْتَاعَ مِنْ صُحْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَزَعَمَ الزَّاعِمُ وَظَنَّ الْعَدُوُّ الظَّالِمُ أَنَّ الْقَتْلَ إِنَّمَا كَانَ لِلْعَدَاوَةِ وَطَلَبِ أَخْذِ التِّرَةِ «2» . وَقَدْ رَأَيْتُ مَعْنَى مَا حَرَّرْتُهُ مَنْسُوبًا إِلَى مَالِكِ «3» بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مْحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» وَقَالَ «5» أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِمْ. وَهَذَا بِخِلَافِ إِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ حُدُودِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ وَشِبْهِهِ «6» لِظُهُورِهَا «7» وَاسْتِوَاءِ النَّاسِ فِي عِلْمِهَا. وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ «8» بْنُ الْمَوَّازِ: لَوْ أَظْهَرَ الْمُنَافِقُونَ نِفَاقَهُمْ لَقَتَلَهَمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
وقال الْقَاضِي أَبُو «1» الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ وَقَالَ قَتَادَةُ «2» فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا، مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا. سُنَّةَ اللَّهِ» «3» الْآيَةَ قَالَ: مَعْنَاهُ إِذَا أَظْهَرُوا النِّفَاقَ. وَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ «4» مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ «5» عَنْ زَيْدِ «6» بن أسلم أن قوله تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ» «7» نسخت «8» مَا كَانَ قَبْلَهَا «9» . وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: «لَعَلَّ الْقَائِلَ «10» «هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ» وَقَوْلَهُ «اعْدِلْ» لَمْ يَفْهَمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ الطَّعْنَ عَلَيْهِ وَالتُّهْمَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا رَآهَا مِنْ وَجْهِ الْغَلَطِ فِي الرأي وأمور الدنيا،
وَالِاجْتِهَادِ فِي مَصَالِحِ أَهْلِهَا فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ سببا «1» ، وَرَأَى أَنَّهُ مِنَ الْأَذَى الَّذِي لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ» فَلِذَلِكَ لَمْ يُعَاقِبْهِ. - وَكَذَلِكَ يقال في اليهود إذ قَالُوا «السَّامُ عَلَيْكُمْ» لَيْسَ فِيهِ صَرِيحُ «2» سَبٍّ، ولا دعاء الا بما لابد مِنْهُ مِنَ الْمَوْتِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ لَحَاقِهِ جَمِيعَ الْبَشَرِ. وَقِيلَ: بَلِ الْمُرَادُ «تَسْأَمُونَ دِينَكُمْ» وَالسَّأْمُ وَالسَّآمَةُ «الْمَلَالُ» وَهَذَا دُعَاءٌ عَلَى سَآمَةِ الدِّينِ لَيْسَ بِصَرِيحِ سَبٍّ. وَلِهَذَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ «3» عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: بَابٌ إِذَا «عَرَّضَ» الذي أَوْ غَيْرُهُ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. قال بعض علمائنا: «ليس هَذَا بِتَعْرِيضٍ بِالسَّبِّ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْرِيضٌ بِالْأَذَى» قَالَ الْقَاضِي أَبُو «4» الْفَضْلِ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَذَى وَالسَّبَّ فِي حَقِّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَاءٌ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو «5» مُحَمَّدِ بْنُ نصر مجيبا عن هذا الحديث ببعض
مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ هَلْ كَانَ هَذَا الْيَهُودِيُّ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَالذِّمَّةِ أَوِ الْحَرْبِ؟!، وَلَا يُتْرَكُ مُوجِبُ الأدلة للأمر الْمُحْتَمَلِ، وَالْأَوْلَى فِي ذَلِكَ «1» كُلِّهِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ هذه الوجوه مقصد الإستئلاف والمداراة عَلَى الدِّينِ لَعَلَّهُمْ يُؤْمِنُونَ. وَلِذَلِكَ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ «2» عَلَى حَدِيثِ الْقِسْمَةِ وَالْخَوَارِجِ: بَابٌ مِنْ تَرْكِ قِتَالِ الْخَوَارِجِ لِلتَّأَلُّفِ وَلِئَلَّا يَنْفِرَ النَّاسُ عَنْهُ، وَلِمَا ذَكَرْنَا مَعْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ «3» وَقَرَّرْنَاهُ قَبْلُ. وَقَدْ صَبَرَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سِحْرِهِ وَسَمِّهِ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ سَبِّهِ إِلَى أَنْ نَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَأَذِنَ لَهُ في قتل من عيّنه مِنْهُمْ، وَإِنْزَالِهِمْ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَكَتَبَ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمُ الْجَلَاءَ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَخَرَّبَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، وَكَاشَفَهُمْ بِالسَّبِّ فَقَالَ: «يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ» .. وَحَكَّمَ فِيهِمْ «4» سُيُوفَ الْمُسْلِمِينَ وَأَجْلَاهُمْ مِنْ جِوَارِهِمْ، وَأَوْرَثَهُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ «5» .. لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَكَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى.
فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «1» عَنْ عَائِشَةَ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ» . فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِمْ مِمَّنْ سَبَّهُ أَوْ آذَاهُ أَوْ كَذَّبَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ الَّتِي انْتَقَمَ لَهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ما لا ينتقم منه لَهُ فِيمَا تَعَلَّقَ بِسُوءِ أَدَبٍ، أَوْ مُعَامَلَةٍ من القول والفعل بِالنَّفْسِ «3» وَالْمَالِ مِمَّا لَمْ يَقْصِدْ فَاعِلُهُ بِهِ أَذَاهُ لَكِنْ مِمَّا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الْأَعْرَابُ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْجَهْلِ «4» ، أَوْ جُبِلَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ مِنَ السفه «5» كجبذ «6» الأعرابي رداءه حَتَّى أَثَّرَ فِي عُنُقِهِ «7» ، وَكَرَفْعِ صَوْتِ الْآخَرِ «8» عِنْدَهُ، وَكَجَحْدِ الْأَعْرَابِيِّ «9» شِرَاءَهُ مِنْهُ فَرَسَهُ «10» الَّتِي شهد فيها
خُزَيْمَةُ «1» .. وَكَمَا كَانَ مِنْ تَظَاهُرِ زَوْجَيْهِ «2» عَلَيْهِ، وَأَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا يَحْسُنُ الصَّفْحُ عَنْهُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: «إِنَّ أَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ» . وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَجُوزُ بِفِعْلٍ مباح مما يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ وَإِنْ تَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَاحْتَجَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» «3» . وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ «4» فَاطِمَةَ «5» : «إِنَّهَا بِضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا يُؤْذِيهَا.. أَلَا وَإِنِّي لَا أُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ. وَلَكِنْ لَا تَجْتَمِعُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَابْنَةُ عَدُوِّ «6» اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَبَدًا» أَوْ يَكُونُ هذا مما آذاه به كافر رجا «7» بَعْدَ ذَلِكَ إِسْلَامُهُ كَعَفْوِهِ عَنِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي سحره وعن الأعرابي «8» الذي أراد قتله
وَعَنِ الْيَهُودِيَّةِ الَّتِي سَمَّتْهُ. وَقَدْ قِيلَ: «قَتَلَهَا» «1» وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يَبْلُغُهُ مِنْ أَذَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ فَصَفَحَ «2» عَنْهُمْ رَجَاءَ اسْتِئْلَافِهِمْ وَاسْتِئْلَافِ غيرهم كما قررناه قبل وبالله التوفيق
الفصل الرابع حكم من فعل ذلك دون قصد أو اعتقاد
الْفَصْلُ الرَّابِعُ حُكْمُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ دُونَ قصد أو اعتقاد قَالَ الْقَاضِي: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَتْلِ الْقَاصِدِ لِسَبِّهِ وَالْإِزْرَاءِ بِهِ وَغَمْصِهِ «1» بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ مُمْكِنٍ أَوْ مُحَالٍ. فَهَذَا وَجْهٌ بَيِّنٌ لا إشكال فيه. الوجه الثاني: لا حق بِهِ فِي الْبَيَانِ وَالْجَلَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ لِمَا قَالَ فِي جِهَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلسَّبِّ وَالْإِزْرَاءِ وَلَا مُعْتَقَدٍ لَهُ، وَلَكِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي جِهَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مِنْ لَعْنِهِ أَوْ سَبِّهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ أَوْ إِضَافَةِ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، أَوْ نَفْيِ مَا يَجِبُ لَهُ مِمَّا هُوَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقِيصَةٌ، مِثْلُ أَنْ يَنْسُبَ إِلَيْهِ إِتْيَانَ كَبِيرَةٍ، أَوْ مُدَاهَنَةً فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، أَوْ فِي حُكْمٍ بَيْنَ النَّاسِ.. أَوْ يَغُضَّ من مرتبته، أو شرف
نَسَبِهِ، أَوْ وُفُوِرِ عِلْمِهِ، أَوْ زُهْدِهِ، أَوْ يُكَذِّبَ بِمَا اشْتَهَرَ مِنْ أُمُورٍ أَخْبَرَ بِهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاتَرَ الْخَبَرُ بِهَا عَنْ قَصْدٍ لِرَدِّ خَبَرِهِ، أَوْ يَأْتِي بِسَفَهٍ من القول، أو قبيح من الكلام، ونوع من السب في جهة، وإن ظهر بدليل حاله أنه لم يعتمد ذَمَّهُ وَلَمْ يَقْصِدْ سَبَّهُ، إِمَّا لِجَهَالَةٍ حَمَلَتْهُ عَلَى مَا قَالَهُ، أَوْ لِضَجَرٍ، أَوْ سُكْرٍ اضْطَرَّهُ إِلَيْهِ أَوْ قِلَّةِ مُرَاقَبَةٍ وَضَبْطٍ لِلِسَانِهِ، وَعَجْرَفَةٍ وَتَهَوُّرٍ فِي كَلَامِهِ، فَحُكْمُ هَذَا الْوَجْهِ حُكْمُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْقَتْلُ دُونَ تَلَعْثُمٍ، إِذْ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي الْكُفْرِ بِالْجَهَالَةِ وَلَا بِدَعْوَى زَلَلِ اللِّسَانِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، إذا كَانَ عَقْلُهُ فِي فِطْرَتِهِ سَلِيمًا، إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وَبِهَذَا أَفْتَى الْأَنْدَلُسِيُّونَ عَلَى ابْنِ «1» حَاتِمٍ فِي نَفْيِهِ الزُّهْدَ عَنْ رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ «2» بْنُ سُحْنُونٍ فِي الْمَأْسُورِ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ يُقْتَلُ، إِلَّا أَنْ يعلم تنصره أَوْ إِكْرَاهُهُ. وَعَنْ أَبِي «3» مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ لَا يُعْذُرُ بِدَعْوَى زَلَلِ اللِّسَانِ فِي مثل هذا.
وَأَفْتَى أَبُو الْحَسَنِ «1» الْقَابِسِيُّ فِيمَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُكْرِهِ يُقْتَلُ.. لأنه يظنّ به أنه يعتقد هذا ويفعله فِي صَحْوِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ حَدٌّ لَا يُسْقِطُهُ السُّكْرُ كَالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ وَسَائِرِ الْحُدُودِ. لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ. لِأَنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ زَوَالِ عَقْلِهِ بِهَا، وَإِتْيَانِ مَا يُنْكَرُ مِنْهُ فَهُوَ كَالْعَامِدِ لِمَا يَكُونُ بِسَبَبِهِ، وَعَلَى هَذَا أَلْزَمْنَاهُ الطَّلَاقَ وَالْعِتَاقَ، وَالْقِصَاصَ، وَالْحُدُودَ. وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِحَدِيثِ «2» حَمْزَةَ «3» وَقَوْلِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي» قَالَ.. فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلٌ فَانْصَرَفَ. لِأَنَّ الْخَمْرَ كَانَتْ حِينَئِذٍ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي جِنَايَاتِهَا إِثْمٌ. وَكَانَ حُكْمُ مَا يَحْدُثُ عَنْهَا مَعْفُوًّا عَنْهُ كَمَا يَحْدُثُ مِنَ النَّوْمِ وشرب الدواء المأمون..
الفصل الخامس حقيقة قائل ذلك هل هو كافر أو مرتد
الفصل الخامس حقيقة قائل ذلك هل هو كافر أو مرتدّ الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْصِدَ إِلَى تَكْذِيبِهِ فِيمَا قاله أو أتى به، أو ينفي نبوته، أو رسالته، أو وجوده، أو يكفر بِهِ.. انْتَقَلَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إِلَى دِينٍ آخَرَ غَيْرِ مِلَّتِهِ أَمْ لَا؟. فَهَذَا كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ، يَجِبُ قَتْلُهُ. ثُمَّ يُنْظَرُ- فَإِنْ كَانَ مُصَرِّحًا بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ أَشْبَهَ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ «1» . وَقَوِيَ الْخِلَافُ فِي اسْتِتَابَتِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا تُسْقِطُ الْقَتْلَ عَنْهُ تَوْبَتُهُ لِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ ذَكَرَهُ بِنَقِيصَةٍ فيما قاله من كذب أو غيره.
- وَإِنْ كَانَ مُتَسَتِّرًا بِذَلِكَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ لَا تُسْقِطُ قَتْلَهُ التَّوْبَةُ عِنْدَنَا «1» كَمَا سَنُبَيِّنُهُ. قال أبو «2» حنيفه وأصحابه: «من برىء مِنْ مُحَمَّدٍ أَوْ كَذَّبَ «3» بِهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ حَلَالُ الدَّمِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ» . وَقَالَ ابْنُ «4» الْقَاسِمِ فِي الْمُسْلِمِ إِذَا قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تَقَوَّلَهُ «5» يُقْتَلُ. قَالَ: «وَمَنْ كَفَرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْكَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ» . وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ أَنَّهُ كَالْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ تَنَبَّأَ وَزَعَمَ أنه يوحى إليه. وقال سحنون «6» وقال ابْنُ «7» الْقَاسِمِ: «دَعَا إِلَى ذَلِكَ سِرًّا أَوْ جَهْرًا» وَقَالَ أَصْبَغُ «8» : «وَهُوَ كَالْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ قَدْ كَفَرَ بِكِتَابِ اللَّهِ مَعَ الْفِرْيَةِ عَلَى اللَّهِ» .
وَقَالَ أَشْهَبُ «1» فِي يَهُودِيٍّ تَنَبَّأَ- أَوْ زَعَمَ أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى النَّاسِ- أَوْ قَالَ: بَعْدَ نَبِيِّكُمْ نَبِيٌّ، أَنَّهُ يُسْتَتَابُ إِنْ كَانَ مُعْلِنًا بِذَلِكَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «لَا نَبِيَّ بَعْدِي» مُفْتَرٍ عَلَى اللَّهِ فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ «2» سُحْنُونٍ: «مَنْ شَكَّ فِي حَرْفٍ مِمَّا جاء به محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ جَاحِدٌ» . وَقَالَ: «مَنْ كَذَّبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حُكْمُهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ الْقَتْلَ» . وَقَالَ أَحْمَدُ «3» بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ صَاحِبُ سُحْنُونٍ «4» : «مَنْ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدُ قُتِلَ. لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسْوَدَ. وَقَالَ نَحْوَهُ أَبُو عُثْمَانَ «5» الْحَدَّادُ قَالَ: «لَوْ قَالَ إِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ «6» أَوْ إِنَّهُ كَانَ بِتَاهَرْتَ «7» وَلَمْ يَكُنْ بِتِهَامَةَ «8» قُتِلَ لِأَنَّ هَذَا نفي.
قال حبيب «1» بن الربيع: تَبْدِيلُ صِفَتِهِ وَمَوَاضِعِهِ كُفْرٌ، وَالْمُظْهِرُ لَهُ كَافِرٌ وَفِيهِ الِاسْتِتَابَةُ، وَالْمُسِرُّ لَهُ زِنْدِيقٌ يُقْتَلُ دُونَ استتابة
الفصل السادس الحكم فيما لو كان الكلام يحتمل السب وغيره
الفصل السّادس الحكم فيما لو كان الكلام يحتمل السّبّ وغيره الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْكَلَامِ بِمُجْمَلٍ وَيَلْفِظُ مِنَ الْقَوْلِ بِمُشْكِلٍ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره أَوْ يَتَرَدَّدُ فِي الْمُرَادِ بِهِ مِنْ سَلَامَتِهِ من المكروه، أو شرّه فههنا مُتَرَدِّدُ النَّظَرِ، وَحَيْرَةُ الْعِبَرِ، وَمَظِنَّةُ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَوَقْفَةِ اسْتِبْرَاءِ الْمُقَلِّدِينَ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ غَلَّبَ حُرْمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَمَى حِمَى عِرْضِهِ فَجَسَرَ عَلَى الْقَتْلِ. وَمِنْهُمْ مَنْ عَظَّمَ حُرْمَةَ الدَّمِ وَدَرَأَ الْحَدَّ بِالشُّبْهَةِ لِاحْتِمَالِ الْقَوْلِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي رَجُلٍ أَغْضَبَهُ غَرِيمُهُ فَقَالَ لَهُ: صَلِّ عَلَى محمد صلّى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ الطَّالِبُ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ.
فَقِيلَ لِسُحْنُونٍ «1» : هَلْ هُوَ كَمَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ أو شتم الملائكة الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا إِذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْتَ مِنَ الْغَضَبِ.. لِأَنَّهُ لَمْ يكن مضمرا الشتم. وقال أبو اسحق «2» الْبَرْقِيُّ وَأَصْبَغُ «3» بْنُ الْفَرَجِ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ. وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ سُحْنُونٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْذُرْهُ بِالْغَضَبِ فِي شَتْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْكَلَامَ عِنْدَهُ وَلَمْ تَكُنْ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى شَتْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ شَتْمِ الْمَلَائِكَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَلَا مُقَدِّمَةٌ يُحْمَلُ عَلَيْهَا كَلَامُهُ، بَلِ الْقَرِينَةُ تَدُلُّ على أن مراده الناس غير هؤلا. لِأَجْلِ قَوْلِ الْآخَرِ لَهُ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ، فَحُمِلَ قَوْلُهُ وَسَبُّهُ لِمَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْآنَ لِأَجْلِ أَمْرِ الْآخَرِ لَهُ بِهَذَا عِنْدَ غَضَبِهِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ سُحْنُونٍ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِعِلَّةِ صاحبه.
وَذَهَبَ الْحَارِثُ بْنُ «1» مِسْكِينٍ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: فِي مِثْلِ هَذَا إِلَى الْقَتْلِ. وَتَوَقَّفَ أَبُو الْحَسَنِ «2» الْقَابِسِيُّ فِي قَتْلِ رَجُلٍ قَالَ: كُلُّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ قَرْنَانُ «3» وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا مُرْسَلًا، فَأَمَرَ بِشَدِّهِ بِالْقُيُودِ، وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ حَتَّى يُسْتَفْهَمَ الْبَيِّنَةُ عَنْ جُمْلَةِ أَلْفَاظِهِ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى مَقْصِدِهِ، هَلْ أَرَادَ أَصْحَابَ الْفَنَادِقِ الْآنَ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ فَيَكُونُ أَمْرُهُ أَخَفَّ. قَالَ: وَلَكِنْ ظَاهِرُ لَفْظِهِ الْعُمُومُ لِكُلِّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ كَانَ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مَنِ اكْتَسَبَ الْمَالَ. قَالَ: «وَدَمُ الْمُسْلِمِ لَا يُقْدَمُ عَلَيْهِ إِلَّا بأمر بيّن، وما تردّ إليه التأويلات لابد مِنْ إِمْعَانِ «4» النَّظَرِ فِيهِ.» هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي «1» مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْعَرَبَ. وَلَعَنَ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَعَنَ اللَّهُ بَنِي آدَمَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْأَنْبِيَاءَ، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ، أَنَّ عَلَيْهِ الْأَدَبَ بِقَدْرِ اجْتِهَادِ السُّلْطَانِ. وَكَذَلِكَ أَفْتَى فِيمَنْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ حَرَّمَ الْمُسْكِرَ، وَقَالَ: لَمْ أَعْلَمْ مَنْ حَرَّمَهُ. وَفِيمَنْ لَعَنَ حَدِيثَ «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» وَلَعَنَ مَا جَاءَ بِهِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَعَدَمِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ الْوَجِيعُ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَقْصِدْ بِظَاهِرِ حَالِهِ سَبَّ اللَّهِ وَلَا سَبَّ رَسُولِهِ وَإِنَّمَا لَعَنَ مَنْ حَرَّمَهُ مِنَ النَّاسِ عَلَى نَحْوِ فَتْوَى سُحْنُونٍ «2» وَأَصْحَابِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ المتقدمة. ومثل هذا يجري في كلام سفهاء الناس من قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ يَا ابْنَ أَلْفِ خِنْزِيرٍ ويا ابن مئة كَلْبٍ وَشِبْهِهِ مِنْ هُجْرِ «3» الْقَوْلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَعَلَّ بَعْضَ هَذَا الْعَدَدِ مُنْقَطِعٌ إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فينبغي الزجر
عنه، وتبيين ما جهل قَائِلُهُ مِنْهُ، وَشِدَّةُ الْأَدَبِ فِيهِ. وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ سَبَّ مَنْ فِي آبَائِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى عِلْمٍ لَقُتِلَ. وَقَدْ يَضِيقُ الْقَوْلُ فِي نَحْوِ هَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ هَاشِمِيٍّ: لَعَنَ اللَّهُ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَالَ: أَرَدْتُ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ، أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا قَبِيحًا فِي آبَائِهِ أَوْ مِنْ نَسْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ تَقْتَضِي تَخْصِيصَ بَعْضِ آبَائِهِ وَإِخْرَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ سَبَّهُ مِنْهُمْ، وَقَدْ رَأَيْتُ لِأَبِي مُوسَى عِيسَى بْنِ «1» مَنَاسَ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ لَعَنَكَ اللَّهُ إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قتل. قال القاضي وفقه الله: وَقَدْ كَانَ اخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِيمَنْ قَالَ لِشَاهِدٍ شَهِدَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ: تَتَّهِمُنِي؟ فقال لَهُ الْآخَرُ.. الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ فَكَيْفَ أَنْتَ! فَكَانَ شيخنا أبو إسحق «2» بْنُ جَعْفَرٍ يَرَى قَتْلَهُ لِبَشَاعَةِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ «3» بْنُ مَنْصُورٍ يَتَوَقَّفُ عَنِ الْقَتْلِ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ خبرا عمّن اتهمهم من الكفار.
وَأَفْتَى فِيهَا قَاضِي قُرْطُبَةَ أَبُو عَبْدِ «1» اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَشَدَّدَ الْقَاضِي أبو محمد «2» تصفيده وأطال سجنه ثم استحلفه بَعْدُ عَلَى تَكْذِيبِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ إذ دَخَلَ فِي شَهَادَةِ بَعْضِ مِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَهَنٌ ثُمَّ أَطْلَقَهُ. وَشَاهَدْتُ شَيْخَنَا الْقَاضِي أَبَا عَبْدِ «3» اللَّهِ بْنَ عِيسَى أَيَّامَ قَضَائِهِ أُتِيَ بِرَجُلٍ هَاتَرَ «4» رَجُلًا اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ قَصَدَ إِلَى كَلْبٍ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، وَقَالَ لَهُ قُمْ يَا مُحَمَّدُ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ لَفِيفٌ مِنَ النَّاسِ فَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ، وَتَقَصَّى عَنْ حَالِهِ، وَهَلْ يَصْحَبُ مَنْ يُسْتَرَابُ بِدِينِهِ فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ مَا يُقَوِّي الرِّيبَةَ بِاعْتِقَادِهِ ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ وَأَطْلَقَهُ.
الفصل السابع حكم من وصف نفسه بصفة من صفات الأنبياء رفعا لشأنه أو استصغارا لشأنهم صلوات الله عليهم
الْفَصْلُ السَّابِعُ حُكْمُ مَنْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِصِفَةٍ من صفات الأنبياء رفعا لشأنه أو استصغارا لشأنهم صلوات الله عليهم الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا وَلَا سَبًّا لَكِنَّهُ يَنْزِعُ «1» بِذِكْرِ بَعْضِ أَوْصَافِهِ، أَوْ يَسْتَشْهِدُ بِبَعْضِ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَائِزَةِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَالْحُجَّةِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِ، أَوْ عِنْدَ هَضِيمَةٍ «2» نَالَتْهُ، أَوْ غَضَاضَةٍ لَحِقَتْهُ، لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ التَّأَسِّي وَطَرِيقِ التَّحْقِيقِ، بَلْ عَلَى مَقْصِدِ التَّرْفِيعِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَعَدَمِ التَّوْقِيرِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أو قصد الهزل والتندير «3» بقوله:
كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنْ قِيلَ فِي السُّوءِ فَقَدْ قيل في النبي، أو إن كُذِّبْتُ فَقَدْ كُذِّبَ الْأَنْبِيَاءُ، أَوْ إِنْ أَذْنَبْتُ فَقَدْ أَذْنَبُوا. أَوْ أَنَا أَسْلَمُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ، أَوْ قَدْ صَبَرْتُ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ، أَوْ كَصَبْرِ أَيُّوبَ، أَوْ قَدْ صَبَرَ نَبِيُّ الله على عِدَاهُ وَحَلُمَ عَلَى أَكْثَرِ مِمَّا صَبَرْتُ وَكَقَوْلِ المتنبي «1» أنا في أمة تداركها الل ... هـ غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَشْعَارِ الْمُتَعَجْرِفِينَ فِي الْقَوْلِ الْمُتَسَاهِلِينَ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِ الْمَعَرِّيِّ «2» : كَنْتُ مُوسَى وَافَتْهُ بِنْتُ شُعَيْبٍ ... غَيْرَ أَنْ لَيْسَ فِيكُمَا مِنْ فَقِيرِ «3» عَلَى أَنَّ آخر البيت شديد وداخل في الْإِزْرَاءِ وَالتَّحْقِيرِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتفضيل حال غيره عليه. وكذلك قوله:
لَوْلَا انْقِطَاعُ الْوَحْيِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ... قُلْنَا مُحَمَّدُ عَنْ أَبِيهِ بَدِيلُ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْفَضْلِ إِلَّا أَنَّهُ ... لَمْ يَأْتِهِ بِرِسَالَةٍ جِبْرِيلُ فَصَدْرُ الْبَيْتِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْفَصْلِ شَدِيدٌ لِتَشْبِيهِهِ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضْلِهِ بِالنَّبِيِّ، وَالْعَجْزُ مُحْتَمِلٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ نَقَصَتِ الْمَمْدُوحَ وَالْآخَرُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْهَا، وهو أَشَدُّ. وَنَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ «1» : وَإِذَا مَا رُفِعَتْ رَايَاتُهُ ... صَفَّقَتْ بَيْنَ جَنَاحَيْ جَبْرِينْ وَقَوْلُ الْآخَرِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ «2» فَرَّ مِنَ الْخُلْدِ وَاسْتَجَارَ بِنَا ... فَصَبَّرَ اللَّهُ قَلْبَ رَضْوَانِ وَكَقَوْلِ حَسَّانَ «3» الْمِصِيصِيِّ مِنْ شُعَرَاءِ الْأَنْدَلُسِ فِي مُحَمَّدِ
بْنِ «1» عَبَّادٍ الْمَعْرُوفِ بِالْمُعْتَمِدِ وَوَزِيرِهِ أَبِي بَكْرِ «2» بْنِ زَيْدُونٍ: كَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَبُو بَكْرِ الرّضى ... وَحَسَّانَ حَسَّانٌ وَأَنْتَ مُحَمَّدُ إِلَى أَمْثَالِ هَذَا. وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا بِشَاهِدِهَا مَعَ اسْتِثْقَالِنَا حِكَايَتَهَا لِتَعْرِيفِ أَمْثِلَتِهَا، وَلِتَسَاهُلِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِي وُلُوجِ هَذَا الْبَابِ الضَّنْكِ «3» ، وَاسْتِخْفَافِهِمْ فَادِحَ هَذَا الْعِبْءِ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ بِعَظِيمِ مَا فِيهِ مِنَ الْوِزْرِ، وَكَلَامِهِمْ مِنْهُ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ. «وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ» «4» لا سيما الشُّعَرَاءُ.. وَأَشَدُّهُمْ فِيهِ تَصْرِيحًا وَلِلِسَانِهِ تَسْرِيحًا ابْنُ هانىء «5» الْأَنْدَلُسِيُّ، وَابْنُ «6» سُلَيْمَانَ الْمَعَرِّيُّ.. بَلْ قَدْ خَرَجَ كَثِيرٌ مِنْ كَلَامِهِمَا إِلَى حَدِّ الِاسْتِخْفَافِ وَالنَّقْصِ وَصَرِيحِ الْكُفْرِ. وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ.. وَغَرَضُنَا الْآنَ الكلام في هذا الفصل الذي
سُقْنَا أَمْثِلَتَهُ.. فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْ سَبًّا وَلَا أَضَافَتْ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ نَقْصًا..- وَلَسْتُ أَعْنِي عَجُزَيْ بَيْتَيِ الْمَعَرِّيِّ «1» - وَلَا قَصَدَ قَائِلُهَا إِزْرَاءً وَغَضًّا، فَمَا وَقَّرَ النُّبُوَّةَ ولا عظّم الرسالة، ولا عزّر حُرْمَةَ الِاصْطِفَاءِ، وَلَا عَزَّزَ حُظْوَةَ الْكَرَامَةِ، حَتَّى شَبَّهَ مَنْ شَبَّهَ فِي كَرَامَةٍ نَالَهَا أَوْ معرّة قصد الانتفاء مِنْهَا، أَوْ ضَرْبِ مَثَلٍ لِتَطْيِيبِ مَجْلِسِهِ، أَوْ إِغْلَاءٍ فِي وَصْفٍ لِتَحْسِينِ كَلَامِهِ بِمَنْ عَظَّمَ اللَّهُ خَطَرَهُ وَشَرَّفَ قَدْرَهُ، وَأَلْزَمَ تَوْقِيرَهُ وَبِرَّهُ، وَنَهَى عَنْ جَهْرِ الْقَوْلِ لَهُ، وَرَفْعِ الصَّوْتِ عنده، فحقّ هذا إن درىء عَنْهُ الْقَتْلُ الْأَدَبُ، وَالسِّجْنُ وَقُوَّةُ تَعْزِيرِهِ بِحَسَبِ شُنْعَةِ مَقَالِهِ، وَمُقْتَضَى قُبْحِ مَا نَطَقَ بِهِ، وَمَأْلُوفِ عَادَتِهِ لِمِثْلِهِ، أَوْ نُدُورِهِ، وَقَرِينَةِ كَلَامِهِ أَوْ نَدَمِهِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْهُ. - وَلَمْ يَزَلِ الْمُتَقَدِّمُونَ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا مِمَّنْ جَاءَ بِهِ وَقَدْ أَنْكَرَ الرَّشِيدُ «2» عَلَى أَبِي نُوَاسٍ «3» قَوْلَهُ: فَإِنُ يَكُ بَاقِي سِحْرِ فِرْعَوْنَ فِيكُمُ ... فإن عصا موسى بكفّ خصيب
وقال له: يا ابن اللخناء «1» .. أنت المستهزىء بِعَصَا مُوسَى!! .. وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ عَسْكَرِهِ مِنْ ليلته وذكر القتيبي «2» : أَنَّ مِمَّا أُخِذَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَكُفِّرَ فِيهِ أَوْ قَارَبَ.. قَوْلُهُ فِي مُحَمَّدٍ «3» الْأَمِينِ، وَتَشْبِيهِهِ إِيَّاهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ: تَنَازَعَ الْأَحْمَدَانِ الشَّبَهَ فَاشْتَبَهَا ... خَلْقًا وَخُلُقًا كما قدّ «4» الشراكان «5» كما أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلَهُ: كَيْفَ لَا يُدْنِيكَ مِنْ أَمَلٍ ... مَنْ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ نَفَرِهِ لأن حقّ رسول الله وموجب تعظيمه وإنافة مَنْزِلَتِهِ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ وَلَا يُضَافُ. - فَالْحُكْمُ فِي أَمْثَالِ هَذَا مَا بَسَطْنَاهُ فِي طَرِيقِ الْفُتْيَا عَلَى هَذَا الْمَنْهَجِ جَاءَتْ فُتْيَا إِمَامِ مَذْهَبِنَا مَالِكِ «6» بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابِهِ. فَفِي النَّوَادِرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ «7» أَبِي مَرْيَمَ فِي رَجُلٍ عَيَّرَ رَجُلًا بِالْفَقْرِ فَقَالَ: «تُعَيِّرُونِي بِالْفَقْرِ وَقَدْ رَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الغنم» !
فَقَالَ مَالِكٌ «1» : «قَدْ عَرَّضَ بِذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. أَرَى أن يؤدب» وقال: (وَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الذُّنُوبِ إِذَا عُوتِبُوا أَنْ يقولوا: أَخْطَأَتِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَنَا) . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ «2» عَبْدِ الْعَزِيزِ لِرَجُلٍ: «انْظُرْ لَنَا كَاتِبًا يَكُونُ أَبُوهُ عربيا» . فقال كاتب له: «كَانَ أَبُو النَّبِيِّ كَافِرًا» . فَقَالَ: «جَعَلْتَ هَذَا مَثَلًا! فَعَزَلَهُ» وَقَالَ: «لَا تَكْتُبْ لِي أَبَدًا» وَقَدْ كَرِهَ سُحْنُونٌ «3» أَنْ يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ التَّعَجُّبِ إِلَّا عَلَى طَرِيقِ الثَّوَابِ وَالِاحْتِسَابِ تَوْقِيرًا لَهُ وَتَعْظِيمًا كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ. وَسُئِلَ الْقَابِسِيُّ «4» عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ قَبِيحٍ: كَأَنَّهُ وَجْهُ نَكِيرٍ «5» وَلِرَجُلٍ عَبُوسٍ: كَأَنَّهُ وَجْهُ مَالِكٍ «6» الْغَضْبَانِ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَرَادَ بِهَذَا؟ ..- وَنَكِيرٌ أَحَدُ فَتَّانَيِ الْقَبْرِ، وَهُمَا مَلَكَانِ- فَمَا الَّذِي أَرَادَ؟ .. أَرَوْعٌ دَخَلَ عَلَيْهِ حِينَ رَآهُ مِنْ وَجْهِهِ أَمْ عَافَ
النَّظَرَ إِلَيْهِ لِدَمَامَةِ خَلْقِهِ؟. فَإِنْ كَانَ هَذَا فهو شديد. لأنه جرى مجرى التحقير والتهوبن، فهو أشد عقوبة. وليس فيه تَصْرِيحٌ بِالسَّبِّ لِلْمَلَكِ، وَإِنَّمَا السَّبُّ وَاقِعٌ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَفِي الْأَدَبِ بِالسَّوْطِ وَالسِّجْنِ نَكَالٌ «1» لِلسُّفَهَاءِ قَالَ: وَأَمَّا ذَاكِرُ مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ فَقَدْ جفا الذي ذكره عند ما أَنْكَرَ «2» حَالَهُ مِنْ عُبُوسِ الْآخَرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَبَّسُ لَهُ يَدٌ فَيَرْهَبُ بِعُبْسَتِهِ فَيُشَبِّهُهُ الْقَائِلُ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ لِهَذَا فِي فِعْلِهِ، وَلُزُومِهِ فِي ظُلْمِهِ صِفَةَ مَالِكٍ الْمَلَكِ الْمُطِيعِ لِرَبِّهِ فِي فِعْلِهِ فَيَقُولُ: كَأَنَّهُ لِلَّهِ يَغْضَبُ غَضَبَ مَالِكٍ فَيَكُونُ أَخَفَّ. وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ التَّعَرُّضُ لِمِثْلِ هَذَا، وَلَوْ كَانَ أَثْنَى عَلَى الْعَبُوسِ بِعُبْسَتِهِ وَاحْتَجَّ بِصِفَةِ مَالِكٍ كَانَ أَشَدَّ وَيُعَاقَبُ الْمُعَاقَبَةَ الشَّدِيدَةَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا ذَمٌّ لِلْمَلَكِ، وَلَوْ قَصَدَ ذَمَّهُ لَقُتِلَ. وَقَالَ أَبُو «3» الْحَسَنِ أَيْضًا فِي شَابٍّ مَعْرُوفٍ بِالْخَيْرِ قال لرجل شيئا فقال له الرَّجُلُ: اسْكُتْ فَإِنَّكَ أُمِّيٌّ.. فَقَالَ الشَّابُّ أَلَيْسَ
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِّيًّا! فَشُنِّعَ عَلَيْهِ مَقَالُهُ وَكَفَّرَهُ النَّاسُ، وَأَشْفَقَ الشَّابُّ مِمَّا قَالَ. وَأَظْهَرَ النَّدَمَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو الحسن: أما إطلاق الكفر عليه فخطأ لكنه مخطىء فِي اسْتِشْهَادِهِ بِصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَوْنُ النَّبِيِّ أُمِّيًّا آيَةٌ لَهُ، وَكَوْنُ هَذَا أُمِّيًّا نَقِيصَةٌ فِيهِ وَجَهَالَةٌ، وَمِنْ جَهَالَتِهِ احْتِجَاجُهُ بِصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّهُ إِذَا اسْتَغْفَرَ وَتَابَ وَاعْتَرَفَ وَلَجَأَ إِلَى اللَّهِ فَيُتْرَكُ.. لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَنْتَهِي إِلَى حَدِّ الْقَتْلِ. وَمَا طَرِيقُهُ الْأَدَبُ فَطَوْعُ فَاعِلِهِ بِالنَّدَمِ عَلَيْهِ يُوجِبُ الْكَفَّ عَنْهُ. وَنَزَلَتْ أَيْضًا مَسْأَلَةٌ اسْتَفْتَى فِيهَا بَعْضُ قُضَاةِ الْأَنْدَلُسِ شَيْخَنَا الْقَاضِيَ أَبَا مُحَمَّدِ «1» بْنَ مَنْصُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رَجُلٍ تَنَقَّصَهُ آخَرُ بِشَيْءٍ فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا تُرِيدُ نَقْصِي بِقَوْلِكَ، وَأَنَا بَشَرٌ وَجَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمُ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفْتَاهُ بِإِطَالَةِ سِجْنِهِ وَإِيجَاعِ أَدَبِهِ، إِذْ لَمْ يَقْصِدِ السَّبَّ. وَكَانَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الأندلس أفتى بقتله.
الفصل الثامن حكم الناقل والحاكي لهذا الكلام عن غيره
الفصل الثامن حكم النّاقل والحاكي لِهَذَا الْكَلَامِ عَنْ غَيْرِهِ الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ ذَلِكَ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ، وَآثِرًا «1» لَهُ عَنْ سِوَاهُ فَهَذَا يُنْظَرُ فِي صُورَةِ حِكَايَتِهِ، وَقَرِينَةِ مَقَالَتِهِ، وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ، وَالْكَرَاهَةِ، وَالتَّحْرِيمِ. - فَإِنْ كَانَ أَخْبَرَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ وَالتَّعْرِيفِ بِقَائِلِهِ وَالْإِنْكَارِ وَالْإِعْلَامِ بِقَوْلِهِ وَالتَّنْفِيرِ مِنْهُ وَالتَّجْرِيحِ لَهُ فَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي امْتِثَالُهُ وَيُحْمَدُ فَاعِلُهُ. وَكَذَلِكَ إِنْ حَكَاهُ فِي كِتَابٍ أَوْ في مجلس على طريق الردله والنقض
على قائله. والفتيا بِمَا يَلْزَمُهُ.. وَهَذَا مِنْهُ مَا يَجِبُ وَمِنْهُ مَا يُسْتَحَبُّ بِحَسَبِ حَالَاتِ الْحَاكِي لِذَلِكَ وَالْمَحْكِيِّ عَنْهُ. فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ لِذَلِكَ مِمَّنْ تَصَدَّى لِأَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُ الْعِلْمُ أَوْ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ، أَوْ يُقْطَعَ بِحُكْمِهِ أَوْ شَهَادَتِهِ أَوْ فُتْيَاهُ فِي الْحُقُوقِ، وَجَبَ عَلَى سَامِعِهِ الْإِشَادَةُ بِمَا سَمِعَ مِنْهُ، وَالتَّنْفِيرُ لِلنَّاسِ عَنْهُ، وَالشَّهَادَةُ- عَلَيْهِ بِمَا قَالَهُ، وَوَجَبَ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِنْكَارُهُ، وَبَيَانُ كُفْرِهِ، وَفَسَادِ قَوْلِهِ لِقَطْعِ ضَرَرِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيَامًا بِحَقِّ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعِظُ الْعَامَّةَ، أَوْ يُؤَدِّبُ الصِّبْيَانَ فَإِنَّ مَنْ هَذِهِ سَرِيرَتُهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى إِلْقَاءِ ذَلِكَ- فِي قُلُوبِهِمْ.. فَيَتَأَكَّدُ فِي هَؤُلَاءِ الْإِيجَابُ لِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِحَقِّ شَرِيعَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْقَائِلَ بِهَذِهِ السَّبِيلِ، فَالْقِيَامُ بِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبٌ وَحِمَايَةُ عرضه متعين، ونصرته على الْأَذَى حَيًّا وَمَيِّتًا مُسْتَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ لَكِنَّهُ إِذَا قَامَ بِهَذَا مَنْ ظَهَرَ بِهِ الْحَقُّ، وَفُصِلَتْ بِهِ الْقَضِيَّةُ، وَبَانَ بِهِ الْأَمْرُ. سَقَطَ عَنِ الْبَاقِي الْفَرْضُ وَبَقِيَ الِاسْتِحْبَابُ فِي تَكْثِيرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَعَضْدِ التَّحْذِيرِ مِنْهُ.. وَقَدْ أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى بَيَانِ حَالِ الْمُتَّهَمِ فِي الحديث «1» فكيف بمثل هذا.
وَقَدْ سُئِلَ أَبُو مُحَمَّدِ «1» بْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنِ الشَّاهِدِ يَسْمَعُ مِثْلَ هَذَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَيَسَعُهُ أَلَّا يُؤَدِّيَ شَهَادَتَهُ قَالَ: «إِنْ رَجَا نَفَاذَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ فَلْيَشْهَدْ، وَكَذَلِكَ إِنْ عَلِمَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَرَى الْقَتْلَ بِمَا شَهِدَ بِهِ وَيَرَى الِاسْتِتَابَةَ وَالْأَدَبَ فَلْيَشْهَدْ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ» . - وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ لِحِكَايَةِ قَوْلِهِ لِغَيْرِ هَذَيْنِ الْمَقْصِدَيْنِ فَلَا أَرَى لَهَا مَدْخَلًا فِي هَذَا الْبَابِ، فَلَيْسَ التَّفَكُّهُ بِعِرْضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّمَضْمُضُ بِسُوءِ ذِكْرِهِ لِأَحَدٍ، لَا ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا «2» لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ بِمُبَاحٍ، وَأَمَّا لِلْأَغْرَاضِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَمُتَرَدَّدٌ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَقَدْ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى مَقَالَاتِ الْمُفْتَرِينَ عَلَيْهِ وَعَلَى رُسُلِهِ فِي كِتَابِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لِقَوْلِهِمْ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ كُفْرِهِمْ، وَالْوَعِيدِ عَلَيْهِ، وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِمَا تَلَاهُ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ. وَكَذَلِكَ وَقَعَ مِنْ أَمْثَالِهِ فِي أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةِ عَلَى الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَأَجْمَعَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى عَلَى حِكَايَاتِ مَقَالَاتِ الْكَفَرَةِ وَالْمُلْحِدِينَ فِي كُتُبِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ لِيُبَيِّنُوهَا لِلنَّاسِ وَيَنْقُضُوا
شُبَهَهَا عَلَيْهِمْ.. وَإِنْ كَانَ وَرَدَ لِأَحْمَدَ بْنِ «1» حَنْبَلٍ إِنْكَارٌ لِبَعْضِ هَذَا عَلَى الْحَارِثِ «2» بْنِ أَسَدٍ. فَقَدْ صَنَعَ أَحْمَدُ «1» مِثْلَهُ فِي رَدِّهِ على الجهمية «3» والقائلين بالمخلوق «4» وهذه الْوُجُوهُ السَّائِغَةُ الْحِكَايَةُ عَنْهَا. - فَأَمَّا ذِكْرُهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا مِنْ حِكَايَةِ سَبِّهِ وَالْإِزْرَاءِ بِمَنْصِبِهِ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَاتِ وَالْأَسْمَارِ «5» وَالطُّرَفِ وَأَحَادِيثِ النَّاسِ وَمَقَالَاتِهِمْ فِي الْغَثِّ وَالسَّمِينِ وَمَضَاحِكِ الْمُجَّانِ «6» وَنَوَادِرِ السُّخَفَاءِ، وَالْخَوْضِ فِي قِيلَ وَقَالَ وَمَا لَا يَعْنِي فَكُلُّ هَذَا مَمْنُوعٌ، وَبَعْضُهُ أَشَدُّ فِي الْمَنْعِ وَالْعُقُوبَةِ مِنْ بَعْضٍ. فَمَا كَانَ مِنْ قَائِلِهِ الْحَاكِي لَهُ عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ، أَوْ معرفة بمقدار ما
حَكَاهُ، أَوْ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ، أَوْ لَمْ يَكُنِ الْكَلَامُ مِنَ الْبَشَاعَةِ حَيْثُ هُوَ، وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى حَاكِيهِ اسْتِحْسَانُهُ وَاسْتِصْوَابُهُ، زُجِرَ عَنْ ذَلِكَ وَنُهِيَ عَنِ الْعَوْدَةِ إِلَيْهِ. وَإِنْ قُوِّمَ بِبَعْضِ الْأَدَبِ فَهُوَ مُسْتَوْجِبٌ لَهُ. وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ مِنَ الْبَشَاعَةِ حَيْثُ هُوَ.. كَانَ الْأَدَبُ أَشَدَّ وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ مَالِكًا «1» عَمَّنْ يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ.. فَقَالَ مَالِكٌ: كَافِرٌ فَاقْتُلُوهُ.. فَقَالَ: إِنَّمَا حَكَيْتُهُ عَنْ غَيْرِي.. فَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا سَمِعْنَاهُ مِنْكَ «2» . وَهَذَا مِنْ مَالِكٍ رحمه الله عَلَى طَرِيقِ الزَّجْرِ «3» وَالتَّغْلِيظِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُنَفِّذْ قَتْلَهُ، وَإِنِ اتُّهِمَ هَذَا الْحَاكِي فِيمَا حَكَاهُ أَنَّهُ اخْتَلَقَهُ وَنَسَبَهُ إِلَى غَيْرِهِ، أَوْ كَانَتْ تِلْكَ عَادَةً لَهُ، أَوْ ظَهَرَ اسْتِحْسَانُهُ لِذَلِكَ، أَوْ كَانَ مُولَعًا بِمِثْلِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ لَهُ، أَوِ التَّحَفُّظِ لِمِثْلِهِ وَطَلَبِهِ وَرِوَايَةِ أَشْعَارِ هَجْوِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبِّهِ، فَحُكْمُ هَذَا حُكْمُ السَّابِّ نَفْسِهِ.. يُؤَاخَذُ بِقَوْلِهِ وَلَا تَنْفَعُهُ نِسْبَتُهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَيُبَادَرُ بِقَتْلِهِ وَيُعَجِّلُ إِلَى الهاوية أمه.
وَقَدْ قَالَ أَبُو عَبِيدٍ «1» الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِيمَنْ حَفِظَ شَطْرَ بَيْتٍ مِمَّا هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كُفْرٌ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي الْإِجْمَاعِ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِ رِوَايَةِ مَا هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِتَابَتِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَتَرْكِهِ مَتَى وُجِدَ دُونَ مَحْوٍ، وَرَحِمَ اللَّهُ أَسْلَافَنَا الْمُتَّقِينَ الْمُتَحَرِّزِينَ لِدِينِهِمْ، فَقَدْ أَسْقَطُوا مِنْ أَحَادِيثِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ مَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ، وَتَرَكُوا رِوَايَتَهُ إِلَّا أَشْيَاءَ ذَكَرُوهَا يَسِيرَةً وَغَيْرَ مُسْتَبْشَعَةٍ عَلَى نَحْوِ الْوُجُوهِ الْأُوَلِ لِيُرُوا نِقْمَةَ اللَّهِ مِنْ قَائِلِهَا وَأَخْذَهُ الْمُفْتَرِيَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ. وَهَذَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ «1» بْنُ سَلَّامٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ تَحَرَّى فِيمَا اضْطُرَّ إِلَى الِاسْتِشْهَادِ بِهِ مِنْ أَهَاجِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ فِي كُتُبِهِ، فَكَنَّى عَنِ اسْمِ الْمَهْجُوِّ بِوَزْنِ اسْمِهِ اسْتِبْرَاءً لِدِينِهِ، وَتَحَفُّظًا مِنَ الْمُشَارَكَةِ فِي ذَمِّ أحد بروايته أَوْ نَشْرِهِ. فَكَيْفَ بِمَا يَتَطَرَّقُ إِلَى عِرْضِ سيد البشر صلّى الله عليه وسلم!
الفصل التاسع ذكر الحالات التي تجوز عليه صلى الله عليه وسلم على طريق التعليم
الفصل التاسع ذكر الْحَالَاتِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم على طريق التّعليم الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنْ يَذْكُرَ مَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِهِ عَلَيْهِ، وَمَا يَطْرَأُ مِنَ الْأُمُورِ الْبَشَرِيَّةِ بِهِ وَيُمْكِنُ إِضَافَتُهَا إِلَيْهِ أَوْ يَذْكُرَ مَا امْتُحِنَ بِهِ وَصَبَرَ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَلَى شِدَّتِهِ مِنْ مُقَاسَاةِ أَعْدَائِهِ وَأَذَاهُمْ لَهُ وَمَعْرِفَةِ ابْتِدَاءِ حَالِهِ وَسِيرَتِهِ، وَمَا لَقِيَهُ مِنْ بؤس زمنه ومر عليه من معاناة عيشته.. كُلُّ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الرِّوَايَةِ، وَمُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ، وَمَعْرِفَةِ مَا صَحَّتْ مِنْهُ الْعِصْمَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ. فَهَذَا فَنٌّ خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ الْفُنُونِ السِّتَّةِ.. إِذْ لَيْسَ فِيهِ غَمْصٌ «1» ، وَلَا نَقْصٌ، وَلَا إِزْرَاءٌ، وَلَا اسْتِخْفَافٌ لَا فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ. وَلَا فِي مَقْصِدِ اللَّافِظِ.. لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَهْلِ العلم
وَفُهَمَاءِ طَلَبَةِ الدِّينِ مِمَّنْ يَفْهَمُ مَقَاصِدَهُ، وَيُحَقِّقُونَ فَوَائِدَهُ، وَيُجَنِّبُ ذَلِكَ مَنْ عَسَاهُ لَا يَفْقَهُ أَوْ يُخْشَى بِهِ فِتْنَتُهُ. - فَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ السّلف تعليم النساء سورة يُوسُفَ لِمَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقَصَصِ لِضَعْفِ مَعْرِفَتِهِنَّ وَنَقْصِ عُقُولِهِنَّ وَإِدْرَاكِهِنَّ. فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْبِرًا عَنْ نَفْسِهِ باستئجاره «1» لِرِعَايَةِ الْغَنَمِ فِي ابْتِدَاءِ حَالِهِ وَقَالَ «2» : «مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ» وَأَخْبَرْنَا اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَذَا لَا غَضَاضَةَ فِيهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً لِمَنْ ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِهِ. - بِخِلَافِ مَنْ قَصَدَ بِهِ الْغَضَاضَةَ وَالتَّحْقِيرَ، بَلْ كَانَتْ عَادَةُ جَمِيعِ الْعَرَبِ. نَعَمْ فِي ذَلِكَ لِلْأَنْبِيَاءِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ وَتَدْرِيجٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَهُمْ إِلَى كَرَامَتِهِ، وَتَدْرِيبٌ بِرِعَايَتِهَا لِسِيَاسَةِ أُمَمِهِمْ مِنْ خَلِيقَتِهِ بِمَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ فِي الْأَزَلِ وَمُتَقَدِّمِ الْعِلْمِ. وَكَذَلِكَ قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ يُتْمَهُ، وَعَيْلَتَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمِنَّةِ عَلَيْهِ وَالتَّعْرِيفِ بِكَرَامَتِهِ لَهُ. فَذِكْرُ الذَّاكِرِ لَهَا عَلَى وَجْهِ تَعْرِيفِ حَالِهِ، وَالْخَبَرِ عَنْ مبتدئه
وَالتَّعَجُّبِ مِنْ مِنَحِ اللَّهِ قِبَلَهُ. وَعَظِيمِ مِنَّتِهِ عِنْدَهُ لَيْسَ فِيهِ غَضَاضَةٌ، بَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَصِحَّةِ دَعْوَتِهِ، إِذْ أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا عَلَى صَنَادِيدِ الْعَرَبِ وَمَنْ نَاوَأَهُ «1» مِنْ أَشْرَافِهِمْ شَيْئًا فَشَيْئًا وَنَمَى أَمْرُهُ حَتَّى قَهَرَهُمْ، وَتَمَكَّنَ مِنْ مِلْكِ مَقَالِيدِهِمْ، وَاسْتِبَاحَةِ مَمَالِكِ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمَمِ غَيْرِهِمْ بِإِظْهَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ وَتَأْيِيدِهِ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَإِمْدَادِهِ بِالْمَلَائِكَةِ الْمُسَوِّمِينَ «2» . وَلَوْ كَانَ ابْنَ مَلِكٍ أَوْ ذَا أَشْيَاعٍ مُتَقَدِّمِينَ لِحَسِبَ كَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ ظُهُورِهِ، وَمُقْتَضَى عُلُوِّهِ. وَلِهَذَا قَالَ هِرَقْلُ «3» حِينَ سَأَلَ أَبَا سُفْيَانَ «4» عَنْهُ: «هَلْ فِي آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ» ؟! ثُمَّ قَالَ: «وَلَوْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ لقلنا: رجل يطلب ملك أبيه» ، وإذا «اليتيم» مِنْ صِفَتِهِ وَإِحْدَى عَلَامَاتِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَخْبَارِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ. وَكَذَا وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي كتاب
أَرْمِيَاءَ «1» ، وَبِهَذَا وَصَفَهُ ابْنُ «2» ذِي يَزَنٍ لِعَبْدِ «3» الْمُطَّلِبِ.. وَبَحِيرَا «4» لِأَبِي «5» طَالِبٍ. وَكَذَلِكَ إِذَا وُصِفَ بأنه أمي كما وصفه الله فَهِيَ مِدْحَةٌ لَهُ وَفَضِيلَةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ، وَقَاعِدَةُ معجزته.. إذ معجزته العظمى من الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِنَّمَا هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِطَرِيقِ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ مَعَ مَا مُنِحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفُضِّلَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَوُجُودُ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يَكْتُبْ وَلَمْ يُدَارِسْ وَلَا لُقِّنَ.. مُقْتَضَى الْعَجَبِ وَمُنْتَهَى الْعِبَرِ، وَمُعْجِزَةُ الْبَشَرِ. وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَقِيصَةٌ، إِذِ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْكِتَابَةِ وَالْقِرَاءَةِ الْمَعْرِفَةُ، وَإِنَّمَا هِيَ آلَةٌ لَهَا، وَوَاسِطَةٌ مُوَصِّلَةٌ إِلَيْهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ فِي نَفْسِهَا،.. فَإِذَا حَصَلَتِ الثَّمَرَةُ وَالْمَطْلُوبُ اسْتُغْنِيَ عَنِ الْوَاسِطَةِ وَالسَّبَبِ. وَالْأُمِّيَّةُ فِي غَيْرِهِ نَقِيصَةٌ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْجَهَالَةِ، وَعُنْوَانُ الْغَبَاوَةِ. فَسُبْحَانَ مَنْ بَايَنَ «6» أَمْرَهُ مِنْ أَمْرِ غَيْرِهِ، وَجَعَلَ شَرَفَهُ فِيمَا فيه
محطة سواه، وحياته فِيمَا فِيهِ هَلَاكُ مَنْ عَدَاهُ.. هَذَا شَقُّ قَلْبِهِ، وَإِخْرَاجُ حُشْوَتِهِ «1» كَانَ تَمَامَ حَيَاتِهِ، وَغَايَةَ قُوَّةِ نَفْسِهِ، وَثَبَاتَ رَوْعِهِ، وَهُوَ فِيمَنْ سِوَاهُ مُنْتَهَى هَلَاكِهِ، وَحَتْمُ مَوْتِهِ وَفَنَائِهِ، وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى سَائِرِ مَا رُوِيَ مِنْ أَخْبَارِهِ وَسِيَرِهِ، وَتَقَلُّلِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِنَ الْمَلْبَسِ وَالْمَطْعَمِ وَالْمَرْكَبِ.. وَتَوَاضُعِهِ وَمِهْنَتِهِ نَفْسَهُ فِي أُمُورِهِ وَخِدْمَةِ بَيْتِهِ زُهْدًا وَرَغْبَةً عَنِ الدُّنْيَا، وَتَسْوِيَةً بَيْنَ حَقِيرِهَا وَخَطِيرِهَا لِسُرْعَةِ فَنَاءِ أُمُورِهَا، وَتَقَلُّبِ أَحْوَالِهَا.. كُلُّ هَذَا مِنْ فَضَائِلِهِ وَمَآثِرِهِ وَشَرَفِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ.. فَمَنْ أَوْرَدَ شَيْئًا مِنْهَا مَوْرِدَهُ، وَقَصَدَ بِهَا مَقْصِدَهُ كَانَ حَسَنًا، وَمَنْ أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ بِذَلِكَ سُوءُ قَصْدِهِ، لَحِقَ بِالْفُصُولِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا،.. وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنْ أَخْبَارِهِ وَأَخْبَارِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي الْأَحَادِيثِ مِمَّا فِي ظَاهِرِهِ إِشْكَالٌ يَقْتَضِي أُمُورًا لَا تَلِيقُ بِهِمْ بِحَالٍ وَتَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ، وَتَرَدُّدِ احْتِمَالٍ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يَتَحَدَّثَ مِنْهَا إِلَّا بِالصَّحِيحِ وَلَا يُرْوَى مِنْهَا إِلَّا الْمَعْلُومُ الثَّابِتُ.. وَرَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا «2» فَلَقَدْ كَرِهَ التحدث بمثل ذلك من الأحاديث الموهمة
للتشبيه «1» والمشكلة المعنى «2» وقال: ما يدعو الناس إِلَى التَّحَدُّثِ بِمِثْلِ هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ «3» عَجْلَانَ يُحَدِّثُ بِهَا.. فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ من الفقهاء، وليست النَّاسَ وَافَقُوهُ عَلَى تَرْكِ الْحَدِيثِ بِهَا وَسَاعَدُوهُ عَلَى طَيِّهَا فَأَكْثَرُهَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ.. بَلْ عَنْهُمْ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْكَلَامَ فِيمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْرَدَهَا عَلَى قَوْمٍ عَرَبٍ يَفْهَمُونَ كَلَامَ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهِهِ. وَتَصَرُّفَاتِهِمْ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، واستعارته وبليغه وإيجازه
فَلَمْ تَكُنْ فِي حَقِّهِمْ مُشْكِلَةً.. ثُمَّ جَاءَ مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْعُجْمَةُ وَدَاخَلَتْهُ الْأُمِّيَّةُ، فَلَا يَكَادُ يَفْهَمُ مِنْ مَقَاصِدِ الْعَرَبِ إِلَّا نَصَّهَا وصريحها. ولا يتحقق إشارتها إِلَى غَرَضِ الْإِيجَازِ وَوَحْيِهَا وَتَبْلِيغِهَا وَتَلْوِيحِهَا.. فَتَفَرَّقُوا في تأويلها أو حملها عَلَى ظَاهِرِهَا شَذَرَ «1» مَذَرَ.. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ. فَأَمَّا مَا لَا يَصِحُّ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَوَاجِبٌ أَلَّا يُذْكَرَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَلَا فِي حَقِّ أَنْبِيَائِهِ، وَلَا يُتَحَدَّثُ بِهَا، وَلَا يُتَكَلَّفُ الْكَلَامُ عَلَى مَعَانِيهَا، وَالصَّوَابُ طَرْحُهَا، وَتَرْكُ الشُّغْلِ بِهَا، إِلَّا أَنْ تُذْكَرَ عَلَى وَجْهِ التَّعْرِيفِ بِأَنَّهَا ضَعِيفَةُ الْمَقَادِ، وَاهِيَةُ الْإِسْنَادِ. وَقَدْ أَنْكَرَ الْأَشْيَاخُ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ «2» فُورَكٍ تَكَلُّفَهُ فِي مُشْكِلِهِ الْكَلَامَ عَلَى أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ مَوْضُوعَةٍ «3» لَا أَصْلَ لَهَا، أَوْ مَنْقُولَةٍ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُلَبِّسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ.. كَانَ يَكْفِيهِ طرحها ويغنيه عن الكلام عليها التنبيه على ضعفها.. إذ المقصود
بِالْكَلَامِ عَلَى مُشْكِلِ مَا فِيهَا إِزَالَةُ اللَّبْسِ بها، وَاجْتِثَاثُهَا «1» مِنْ أَصْلِهَا وَطَرْحُهَا أَكْشَفُ لِلَّبْسِ وَأَشْفَى للنفس.
الفصل العاشر الأدب اللازم عند ذكر أخباره صلى الله عليه وسلم
الْفَصْلُ الْعَاشِرُ الْأَدَبُ اللَّازِمُ عِنْدَ ذِكْرِ أَخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ فِيمَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا لَا يَجُوزُ، وَالذَّاكِرُ مِنْ حَالَاتِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَ هَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُذَاكَرَةِ وَالتَّعْلِيمِ أَنْ يَلْتَزِمَ فِي كَلَامِهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذِكْرِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْوَاجِبِ مِنْ تَوْقِيرِهِ وَتَعْظِيمِهِ، وَيُرَاقِبُ حَالَ لِسَانِهِ وَلَا يُهْمِلُهُ وَتَظْهَرُ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ الْأَدَبِ عِنْدَ ذِكْرِهِ، فَإِذَا ذَكَرَ مَا قَاسَاهُ مِنَ الشَّدَائِدِ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْإِشْفَاقُ وَالِارْتِمَاضُ «1» وَالْغَيْظُ عَلَى عَدُوِّهِ، وَمَوَدَّةُ الْفِدَاءِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَالنُّصْرَةُ لَهُ لَوْ أَمْكَنَتْهُ.. وَإِذَا أَخَذَ فِي أَبْوَابِ الْعِصْمَةِ، وَتَكَلَّمَ عَلَى مَجَارِي أَعْمَالِهِ وَأَقْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَرَّى أَحْسَنَ اللَّفْظِ، وَأَدَبَ الْعِبَارَةِ مَا أَمْكَنَهُ.. وَاجْتَنَبَ بَشِيعَ ذَلِكَ.. وَهَجَرَ مِنَ الْعِبَارَةِ مَا يَقْبُحُ، كَلَفْظَةِ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ والمعصية..
فَإِذَا تَكَلَّمَ فِي الْأَقْوَالِ قَالَ: هَلْ يَجُوزُ عليه الخلف في القول، والإحبار بِخِلَافِ مَا وَقَعَ سَهْوًا أَوْ غَلَطًا؟ .. وَنَحْوَهُ مِنَ الْعِبَارَةِ.. وَيَتَجَنَّبُ لَفْظَةَ الْكَذِبِ جُمْلَةً وَاحِدَةً.. وَإِذَا تَكَلَّمَ عَلَى الْعِلْمِ قَالَ: هَلْ يَجُوزُ ألا يعلم إلا ما علّم؟ وهل يمكن ألا يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى يُوحَى إِلَيْهِ..؟ وَلَا يَقُولَ: بِجْهَلٍ لِقُبْحِ اللَّفْظِ وَبَشَاعَتِهِ.. وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي الْأَفْعَالِ قَالَ: هَلْ يَجُوزُ مِنْهُ الْمُخَالِفَةُ فِي بَعْضِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَمُوَاقَعَةُ الصَّغَائِرِ؟ .. فَهُوَ أَوْلَى وَآدَبُ مِنْ قَوْلِهِ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَعْصِيَ، أَوْ يُذْنِبَ، أَوْ يَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي. فَهَذَا مِنْ حَقِّ تَوْقِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ تَعْزِيزٍ وَإِعْظَامٍ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَتَحَفَّظْ مِنْ هَذَا فَقُبِّحَ مِنْهُ، وَلَمْ أَسْتَصْوِبْ عِبَارَتَهُ فِيهِ، وَوَجَدْتُ بَعْضَ الْجَائِرِينَ قَوَّلَهُ- لِأَجْلِ تَرْكِ تَحَفُّظِهِ فِي الْعِبَارَةِ- مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَشَنَّعَ عَلَيْهِ بِمَا يَأْبَاهُ وَيَكْفُرُ قَائِلُهُ. وَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا بَيْنَ النَّاسِ مُسْتَعْمَلًا فِي آدَابِهِمْ وَحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِمْ وَخِطَابِهِمْ. فَاسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبُ.. وَالْتِزَامُهُ آكَدُ.. فَجَوْدَةُ الْعِبَارَةِ تُقَبِّحُ الشيء أو تحسّنه.. وتحريرها وتهذيبها يعظّم الأمر أو يهوّنه.
وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» : «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا «2» » فَأَمَّا مَا أَوْرَدَهُ عَلَى جِهَةِ النَّفْيِ عَنْهُ وَالتَّنْزِيهِ. فَلَا حَرَجَ فِي تَسْرِيحِ «3» الْعِبَارَةِ، وَتَصْرِيحِهَا فِيهِ كَقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ جُمْلَةً.. وَلَا إِتْيَانُ الْكَبَائِرِ بِوَجْهٍ وَلَا الْجَوْرُ فِي الْحُكْمِ عَلَى حَالٍ.. وَلَكِنْ مع هذا يجب ظهور توقيره وتعظيمه، وتعزيزه عِنْدَ ذِكْرِهِ مُجَرَّدًا فَكَيْفَ عِنْدَ ذِكْرِ مِثْلِ هَذَا وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ تَظْهَرُ عَلَيْهِمْ حَالَاتٌ شَدِيدَةٌ عِنْدَ مُجَرَّدِ ذِكْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي القسم الثاني. وكان بَعْضُهُمْ يَلْتَزِمُ مِثْلَ ذَلِكَ عِنْدَ تِلَاوَةِ آيٍ مِنَ الْقُرْآنِ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مَقَالَ عِدَاهُ، وَمَنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ وَافْتَرَى عَلَيْهِ الْكَذِبَ. فَكَانَ يَخْفِضُ بِهَا صَوْتَهُ إِعْظَامًا لِرَبِّهِ وَإِجْلَالًا لَهُ، وَإِشْفَاقًا مِنَ التَّشَبُّهِ بِمَنْ كَفَرَ «4» بِهِ. ***
الباب الثاني في حكم سابة وشانئه ومتنقصه ومؤذيه وعقوبته وذكر استتابته ووراثته
الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ سَابِّهِ وَشَانِئِهِ وَمُتَنَقِّصِهِ ومؤذيه وعقوبته وذكر استتابته ووراثته وفيه خمسة فصول
الفصل الأول الأقوال والاراء في حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو تنقصه
الفصل الأوّل الأقوال والاراء في حكم مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو تنقصه قَدْ قَدَّمْنَا مَا هُوَ سَبٌّ وَأَذًى فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرْنَا إِجْمَاعَ العلماء على قتل فاعل ذلك وقائله وتخيير الْإِمَامِ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَرَّرْنَا الْحُجَجَ عَلَيْهِ. وَبَعْدُ فَاعْلَمْ: أَنَّ مَشْهُورَ مَذْهَبِ مَالِكٍ «1» وَأَصْحَابِهِ وَقَوْلِ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ «2» قَتْلُهُ حَدًّا لَا كُفْرًا إِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ مِنْهُ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ عِنْدَهُمْ تَوْبَتُهُ، وَلَا تَنْفَعُهُ اسْتِقَالَتُهُ وَلَا فَيْأَتُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ وَمُسِرِّ الْكُفْرِ فِي هَذَا الْقَوْلِ «3» . وَسَوَاءٌ كَانَتْ تَوْبَتُهُ عَلَى هَذَا بعد القدرة عليه والشهادة على قوله.
أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ.. لِأَنَّهُ حد وجب لَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ قَالَ الشَّيْخُ الْقَابِسِيُّ «1» رَحِمَهُ اللَّهُ إِذَا أَقَرَّ بِالسَّبِّ وَتَابَ مِنْهُ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ قُتِلَ بِالسَّبِّ لِأَنَّهُ هُوَ حَدُّهُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ «2» بْنُ أَبِي زَيْدٍ مِثْلِهِ وَأَمَّا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَتَوْبَتُهُ تَنْفَعُهُ «3» وَقَالَ ابْنُ «4» سُحْنُونٍ: «مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ ثُمَّ تَابَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ تُزِلْ تَوْبَتُهُ عَنْهُ الْقَتْلَ. وَكَذَلِكَ قَدِ اخْتُلِفَ «5» فِي الزِّنْدِيقِ إِذَا جَاءَ تَائِبًا» . فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ «6» بْنُ الْقَصَّارِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: قَالَ 1- مِنْ شُيُوخِنَا مَنْ قَالَ: اقْتُلْهُ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى سَتْرِ نَفْسِهِ، فَلَمَّا اعْتَرَفَ خِفْنَا أَنَّهُ خَشِيَ الظُّهُورَ عَلَيْهِ فَبَادَرَ لِذَلِكَ. 2- وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَقْبَلُ تَوْبَتَهُ، لِأَنِّي أَسْتَدِلُّ عَلَى صِحَّتِهَا بمجيئه
فَكَأَنَّنَا وَقَفْنَا عَلَى بَاطِنِهِ بِخِلَافِ مَنْ أَسَرَّتْهُ الْبَيِّنَةُ.. قَالَ الْقَاضِي أَبُو «1» الْفَضْلِ: وَهَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ «2» وَمَسْأَلَةُ سَابِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَى لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْخِلَافُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ. لِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ولأمته بسببه لَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. وَالزِّنْدِيقُ «3» إِذَا تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَعِنْدَ مَالِكٍ «4» والليث «5» واسحق «6» وَأَحْمَدَ «7» لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ «8» تُقْبَلُ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ «9» وَأَبِي يُوسُفَ «10» وحكى ابن
الْمُنْذِرِ «1» عَنْ عَلِيِّ بْنِ «2» أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُسْتَتَابُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ «3» سُحْنُونٍ: «وَلَمْ يَزُلِ الْقَتْلُ عَنِ الْمُسْلِمِ بِالتَّوْبَةِ مِنْ سَبِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ دِينٍ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ شَيْئًا حَدُّهُ عِنْدَنَا الْقَتْلُ لَا عَفْوَ فِيهِ لِأَحَدٍ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ ظَاهِرٍ إِلَى ظَاهِرٍ.» وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ «4» بْنُ نَصْرٍ مُحْتَجًّا لِسُقُوطِ اعْتِبَارِ تَوْبَتِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَشْهُورِ القول باستتابة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ، وَالْبَشَرُ جِنْسٌ تَلْحَقُهُ الْمَعَرَّةُ إِلَّا مَنْ أَكْرَمَهُ الله بنبوته والباري تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ جَمِيعِ الْمَعَايِبِ قَطْعًا وَلَيْسَ مِنْ جِنْسٍ تَلْحَقُ الْمَعَرَّةُ بِجِنْسِهِ، وَلَيْسَ سَبُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالِارْتِدَادِ الْمَقْبُولِ فِيهِ التَّوْبَةُ لِأَنَّ الِارْتِدَادَ مَعْنًى يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُرْتَدُّ لَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ فَقُبِلَتْ تَوْبَتُهُ.. وَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّقَ فِيهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَكَانَ كَالْمُرْتَدِّ يُقْتَلُ حِينَ ارْتِدَادِهِ أَوْ يُقْذَفُ.. فَإِنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُسْقِطُ عَنْهُ حَدَّ الْقَتْلِ وَالْقَذْفِ وَأَيْضًا فَإِنَّ تَوْبَةَ الْمُرْتَدِّ إِذَا قُبِلَتْ لَا تُسْقِطُ ذنوبه
من زنى وَسَرِقَةٍ وَغَيْرهَا.. وَلَمْ يُقْتَلْ سَابُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُفْرِهِ، لَكِنْ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إِلَى تَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ وَزَوَالِ الْمَعَرَّةِ بِهِ وَذَلِكَ لَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ. قَالَ الْقَاضِي «1» أَبُو الْفَضْلِ: - يُرِيدُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لِأَنَّ سَبَّهُ لَمْ يَكُنْ بِكَلِمَةٍ تَقْتَضِي الْكُفْرَ، وَلَكِنْ بِمَعْنَى الْإِزْرَاءِ وَالِاسْتِخْفَافِ، أَوْ لِأَنَّ بِتَوْبَتِهِ وَإِظْهَارِ إِنَابَتِهِ ارْتَفَعَ عَنْهُ اسْمُ الْكُفْرِ ظَاهِرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِسَرِيرَتِهِ، وَبَقِيَ حُكْمُ السَّبِّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو «2» عِمْرَانَ الْقَابِسِيُّ: مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ، لِأَنَّ السَّبَّ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الَّتِي لَا تَسْقُطُ عَنِ الْمُرْتَدِّ. وَكَلَامُ شُيُوخِنَا هَؤُلَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِقَتْلِهِ حَدًّا لَا كُفْرًا وَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلٍ. وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ «3» مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ «4» وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ بِهِ مِنْ أَهْلِ العلم فقد صرخوا بأنه ردة قالوا:
وَيُسْتَتَابُ مِنْهَا فَإِنْ تَابَ نُكِّلَ، وَإِنْ أَبَى قُتِلَ.. فَحُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ مُطْلَقًا فِي هَذَا الْوَجْهِ. وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَنَحْنُ نَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهِ فَنَقُولُ: مَنْ لَمْ يَرَهُ رِدَّةً فَهُوَ يُوجِبُ الْقَتْلَ فِيهِ حَدًّا، وَإِنَّمَا نَقُولُ ذَلِكَ مَعَ فَصْلَيْنِ: إِمَّا مَعَ إِنْكَارِهِ مَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ، أَوْ إظهاره الاقلاع والتوبة عند فَنَقْتُلُهُ حَدًّا لِثَبَاتِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْقِيرِهِ مَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ.. وَأَجْرَيْنَا حُكْمَهُ فِي مِيرَاثِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ، إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ أَوْ تَابَ. فَإِنْ قِيلَ: فكيف ثثبتون عَلَيْهِ الْكُفْرَ وَيُشْهَدُ عَلَيْهِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَلَا تَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ مِنَ الِاسْتِتَابَةِ وَتَوَابِعِهَا.؟! قُلْنَا: نحن وإن أثبتنا له حكم الكافر في القتل، فَلَا نَقْطَعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِإِقْرَارِهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ، وَإِنْكَارِهِ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ زَعَمَهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ وَهَلًا «1» وَمَعْصِيَةً، وَأَنَّهُ مُقْلِعٌ عَنْ ذَلِكَ نَادِمٌ عَلَيْهِ.. وَلَا يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُ بَعْضِ أَحْكَامِ الْكُفْرِ عَلَى بَعْضِ الْأَشْخَاصِ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ خَصَائِصُهُ، كَقَتْلِ تَارِكِ الصلاة «2» .. وأما من علم
أنه سبه معتقدا لاستحلاله.. فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ بِذَلِكَ.. وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ سَبَّهُ فِي نَفْسِهِ كَفَرَ كَتَكْذِيبِهِ، أَوْ تَكْفِيرِهِ وَنَحْوِهُ، فَهَذَا مِمَّا لَا إِشْكَالَ فِيهِ. وَيُقْتَلُ- وَإِنْ تَابَ مِنْهُ- لِأَنَّا لَا نَقْبَلُ تَوْبَتَهُ وَنَقْتُلُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ حَدًّا لِقَوْلِهِ وَمُتَقَدِّمِ كُفْرِهِ. وَأَمْرُهُ بَعْدُ إِلَى اللَّهِ الْمُطَّلِعِ عَلَى صِحَّةِ إِقْلَاعِهِ الْعَالِمِ بِسِرِّهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُظْهِرِ التَّوْبَةَ وَاعْتَرَفَ بِمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَصَمَّمَ عَلَيْهِ فَهَذَا كَافِرٌ بِقَوْلِهِ وَبِاسْتِحْلَالِهِ هَتْكَ حُرْمَةِ اللَّهِ، وَحُرْمَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْتَلُ كَافِرًا بِلَا خِلَافٍ. فَعَلَى هَذِهِ التَّفْصِيلَاتِ خُذْ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ، وَنَزِّلْ مُخْتَلَفَ عِبَارَاتِهِمْ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهَا، وَأَجْرِ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْمُوَارَثَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى تَرْتِيبِهَا تَتَّضِحُ لَكَ مَقَاصِدُهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الفصل الثاني حكم المرتد إذا تاب
الْفَصْلُ الثَّانِي حُكْمُ الْمُرْتَدِّ إِذَا تَابَ إِذَا قلنا بالاستتابة حيث تصح فالاختلاف عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَوْبَةِ الْمُرْتَدِّ.. إِذْ لَا فرق بينهما وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي وُجُوبِهَا وَصُورَتِهَا وَمُدَّتِهَا. فَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ. وَحَكَى ابْنُ «1» الْقَصَّارِ: أَنَّهُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى تَصْوِيبِ قَوْلِ عُمَرَ «2» فِي الِاسْتِتَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ «3» ، وَعَلِيٍّ «4» ، وَابْنِ مَسْعُودٍ «5» . وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ بْنُ «6» أبي رياح، والنخعي «7» ،
والثوري «1» ، ومالك «2» وأصحابه، والأوزاعي «3» ، والشافعي «4» وأحمد «5» ، وإسحق «6» ، وأصحاب الرأي «7» . وذهب طاووس «8» ، وَعُبَيْدُ «9» بْنُ «10» عُمَيْرٍ، وَالْحَسَنُ «11» ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَتَابُ. وَقَالَهُ: عَبْدُ الْعَزِيزِ «12» بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَذَكَرَهُ عَنْ مُعَاذٍ «13» وَأَنْكَرَهُ سحنون «14» عن معاذ «15» .
وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ «1» عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ «2» قَالُوا: وَتَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ، ولكن لا تدرأ الْقَتْلَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «من بدل دينه فاقتلوه» . وحكي عن عطاء: أنه إِنْ كَانَ مِمَّنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُسْتَتَبْ وَيُسْتَتَابُ الْإِسْلَامِيُّ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ وَالْمُرْتَدَّةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ. وتسترقّ. قاله عَطَاءٌ «5» وَقَتَادَةُ «6» . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ «7» عَبَّاسٍ: لَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ فِي الرِّدَّةِ «8» وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ «9» قَالَ مَالِكٌ: وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالذَّكُرُ وَالْأُنْثَى في ذلك سواء وأما مدتها
فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ «1» أَنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُحْبَسُ فِيهَا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ «2» وَقَوْلِ أَحْمَدَ «3» ، وَإِسْحَاقَ «4» وَاسْتَحْسَنَهُ مَالِكٌ «5» وَقَالَ: لَا يَأْتِي الِاسْتِظْهَارُ «6» إِلَّا بِخَيْرٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ «7» بْنُ أَبِي زَيْدٍ: يريد من الِاسْتِينَاءِ «8» ثَلَاثًا وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا: الَّذِي آخُذُ بِهِ فِي الْمُرْتَدِّ قَوْلُ عُمَرَ: يُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ «9» بْنُ الْقَصَّارِ: فِي تَأْخِيرِهِ ثَلَاثًا رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ.. هَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ. وَاسْتَحْسَنَ الِاسْتِتَابَةَ وَالِاسْتِينَاءَ ثَلَاثًا أَصْحَابُ الرَّأْيِ «10» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ «11» الصِّدِّيقِ: أَنَّهُ اسْتَتَابَ امْرَأَةً «12» فَلَمْ تَتُبْ فَقَتَلَهَا
وقال الشافعي «1» : مرة «2» فقال: إن لم يتب مكانه قتل وَاسْتَحْسَنَهُ الْمُزَنِيُّ «3» وَقَالَ الزُّهْرِيُّ «4» : يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُسْتَتَابُ شَهْرَيْنِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ «6» يُسْتَتَابُ أَبَدًا- وَبِهِ أَخَذَ الثَّوْرِيُّ «7» - مَا رُجِيَتْ تَوْبَتُهُ. وَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ «8» عَنْ أَبِي «9» حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ ثَلَاثِ جُمَعٍ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ جمعة مرة. وفي كتاب محمد «10» عن ابن «11» الْقَاسِمِ يُدْعَى الْمُرْتَدُّ إِلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.. فإن أبى ضربت عنقه. واختلف في هَذَا هَلْ يُهَدَّدُ، أَوْ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ أَيَّامَ الاستتابة ليتوب أم لا.
فَقَالَ مَالِكٌ «1» : «مَا عَلِمْتُ فِي الِاسْتِتَابَةِ تَجْوِيعًا وَلَا تَعْطِيشًا.. وَيُؤْتَى مِنَ الطَّعَامِ بِمَا لَا يَضُرُّهُ» . وَقَالَ أَصْبَغُ «2» : «يُخَوَّفُ أَيَّامَ الِاسْتِتَابَةِ بِالْقَتْلِ وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ» . وَفِي كِتَابِ أَبِي الْحَسَنِ «3» الطَّابِثِيِّ: «يُوعَظُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَيُذَكَّرُ بِالْجَنَّةِ ويخوّف بالنار» . وقال أَصْبَغُ: «وَأَيُّ الْمَوَاضِعِ حُبِسَ فِيهَا مِنَ السُّجُونِ مَعَ النَّاسِ أَوْ وَحْدَهُ إِذَا اسْتُوثِقَ مِنْهُ سَوَاءٌ، وَيُوقَفُ مَالُهُ إِذَا خِيفَ أَنْ يُتْلِفَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُطْعَمُ مِنْهُ وَيُسْقَى. وَكَذَلِكَ يُسْتَتَابُ أبدا كلما رجع وارتد» . وَقَدِ اسْتَتَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» نَبْهَانَ «5» الَّذِي ارْتَدَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَوْ خمسا.
قال ابْنُ «1» وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يُسْتَتَابُ أَبَدًا كُلَّمَا رَجَعَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ «2» ، وَأَحْمَدَ «3» ، وَقَالَهُ ابْنُ القاسم، وقال إسحق «4» : «يُقْتَلُ فِي الرَّابِعَةِ» . وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: «إِنْ لَمْ يَتُبْ فِي الرَّابِعَةِ قُتِلَ دُونَ اسْتِتَابَةٍ وَإِنْ تَابَ ضُرِبَ ضَرْبًا وَجِيعًا، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ السِّجْنِ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِ خُشُوعُ التَّوْبَةِ» . قَالَ ابْنُ «5» الْمُنْذِرِ: «وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ عَلَى الْمُرْتَدِّ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَدَبًا إِذَا رَجَعَ» . وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ «6» ، وَالشَّافِعِيِّ «7» ، وَالْكُوفِيِّ «8» . هَذَا حُكْمُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِمَا يَجِبُ ثُبُوتُهُ مِنْ إِقْرَارٍ أَوْ عُدُولٍ لَمْ يدفع فيهم.
الفصل الثالث حكم المرتد إذا اشتبه ارتداده
الفصل الثالث حكم المرتد إذا اشتبه ارتداده قال القاضي أبو الفضل: هَذَا حُكْمُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِمَا يَجِبُ ثُبُوتُهُ مِنْ إِقْرَارٍ أَوْ عُدُولٍ لَمْ يُدْفَعْ فِيهِمْ فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِمَا شَهِدَ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ أَوِ اللَّفِيفُ مِنَ النَّاسِ، أَوْ ثَبَتَ قَوْلُهُ لَكِنِ احْتُمِلَ وَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا وَكَذَلِكَ إِنْ تَابَ..- عَلَى الْقَوْلِ «1» بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ- فَهَذَا يُدْرَأُ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ الْإِمَامِ بِقَدْرِ شُهْرَةِ حَالِهِ، وَقُوَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَضَعْفِهَا، وَكَثْرَةِ السَّمَاعِ عَنْهُ، وصورة حاله من التهمة في الدين، والنّبز «2» بِالسَّفَهِ وَالْمُجُونِ. فَمَنْ قَوِيَ أَمْرُهُ أَذَاقَهُ مِنْ شديد النكال من التضييق في السجن
وَالشَّدِّ فِي الْقُيُودِ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي هِيَ منتهى طاقته مما لَا يَمْنَعُهُ الْقِيَامُ لِضَرُورَتِهِ، وَلَا يُقْعِدُهُ عَنْ صَلَاتِهِ، وَهُوَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ لَكِنْ وُقِفَ عَنْ قَتْلِهِ لِمَعْنًى أَوْجَبَهُ، وَتُرُبِّصَ بِهِ لِإِشْكَالٍ وَعَائِقٍ اقْتَضَاهُ أَمْرُهُ، وَحَالَاتُ الشِّدَّةِ فِي نَكَالِهِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِهِ وَقَدْ رَوَى الْوَلِيدُ «1» عَنْ مَالِكٍ «2» وَالْأَوْزَاعِيِّ «3» أَنَّهَا رِدَّةٌ. فَإِذَا تَابَ نُكِّلَ. وَلِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ «4» مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ «5» إِذَا تَابَ الْمُرْتَدُّ فَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَهُ سُحْنُونٌ «6» . وَأَفْتَى أَبُو «7» عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ- عُدِّلَ أَحَدُهُمَا- بِالْأَدَبِ الْمُوجِعِ وَالتَّنْكِيلِ وَالسَّجْنِ الطَّوِيلِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ «8» فِي مِثْلِ هَذَا: وَمَنْ كَانَ أَقْصَى أَمْرِهِ الْقَتْلَ
فَعَاقَ عَائِقٌ أَشْكَلَ فِي الْقَتْلِ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يُطْلَقَ مِنَ السِّجْنِ، وَيُسْتَطَالُ سِجْنُهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مِنَ الْمُدَّةِ مَا عَسَى أَنْ يُقِيمَ، وَيُحْمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَيْدِ مَا يُطِيقُ. وَقَالَ فِي مِثْلِهِ مِمَّنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ: يُشَدُّ فِي الْقُيُودِ شَدًّا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي السِّجْنِ حَتَّى يُنْظَرَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى مِثْلِهَا: وَلَا تُهْرَاقُ الدِّمَاءُ إِلَّا بالأمر الواضح، في الْأَدَبِ بِالسَّوْطِ وَالسِّجْنِ نَكَالٌ لِلسُّفَهَاءِ وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً. فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ سِوَى شَاهِدَيْنِ فَأُثْبِتَ مِنْ عَدَاوَتِهِمَا، أَوْ جَرْحَتِهِمَا مَا أَسْقَطَهُمَا عَنْهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَأَمْرُهُ أَخَفُّ لِسُقُوطِ الْحُكْمِ عَنْهُ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يشهد عليه إلا أن يكون ممن يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ الشَّاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ التَّبْرِيزِ «1» فَأَسْقَطَهُمَا بِعَدَاوَةٍ. فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَنْفُذِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا فَلَا يَدْفَعُ الظَّنُّ صِدْقَهُمَا وَلِلْحَاكِمِ هُنَا فِي تَنْكِيلِهِ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ. وَاللَّهُ ولي الإرشاد «2» .
الفصل الرابع حكم الذمي في ذلك
الفصل الرابع حكم الذمّي في ذلك قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ: هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ. فَأَمَّا الذِّمِّيُّ إِذَا صَرَّحَ بِسَبِّهِ أَوْ عَرَّضَ أَوِ اسْتَخَفَّ بِقَدْرِهِ، أَوْ وَصَفَهُ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ. فَلَا خِلَافَ عِنْدِنَا فِي قَتْلِهِ إِنْ لَمْ يُسْلِمْ، لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِ الذِّمَّةَ أَوِ الْعَهْدَ عَلَى هَذَا. وَهُوَ قَوْلُ عامة العلماء إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ «1» ، وَالثَّوْرِيَّ «2» ، وَأَتْبَاعَهُمَا مِنْ أَهْلِ الكوفة فإنهم قالوا: لا يقتل.. لأن مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ وَلَكِنْ يؤدّب ويعذّر.
وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَلَى قَتْلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ «1» ..» الْآيَةَ. وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا بِقَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ الْأَشْرَفِ «2» وَأَشْبَاهِهِ وَلِأَنَّا لَمْ نُعَاهِدْهُمْ، وَلَمْ نُعْطِهِمُ الذِّمَّةَ عَلَى هَذَا.. ولا يجوز أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ مَعَهُمْ. فَإِذَا أَتَوْا مَا لَمْ يُعْطَوْا عَلَيْهِ الْعَهْدَ وَلَا الذِّمَّةَ، فَقَدْ نقضوا ذمتهم، وصاروا كفارا أهل حرب يُقْتَلُونَ لِكُفْرِهِمْ.. وَأَيْضًا.. فَإِنَّ ذِمَّتَهُمْ لَا تُسْقِطُ حُدُودَ الْإِسْلَامِ عَنْهُمْ مِنَ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةِ أَمْوَالِهِمْ وَالْقَتْلِ لِمَنْ قَتَلُوهُ مِنْهُمْ.. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا عِنْدَهُمْ. فَكَذَلِكَ سَبُّهُمُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْتَلُونَ بِهِ. وَوَرَدَتْ لِأَصْحَابِنَا ظَوَاهِرُ تَقْتَضِي الْخِلَافَ إِذَا ذَكَرَهُ الذِّمِّيُّ بِالْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ سَتَقِفُ عَلَيْهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ «3» الْقَاسِمِ وَابْنِ «4» سُحْنُونٍ بَعْدُ.. وَحَكَى أَبُو «5» الْمُصْعَبِ الْخِلَافَ فِيهَا عَنْ أَصْحَابِهِ الْمَدَنِيِّينَ وَاخْتَلَفُوا إذا سبه ثم أسلم.
فَقِيلَ: يُسْقِطُ إِسْلَامُهُ قَتْلَهُ. لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ.. بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إِذَا سَبَّهُ ثُمَّ تَابَ.. لِأَنَّا نَعْلَمُ بَاطِنَةَ الْكَافِرِ فِي بُغْضِهِ لَهُ، وَتَنَقُّصِهِ بِقَلْبِهِ، لَكِنَّا مَنَعْنَاهُ مِنْ إِظْهَارِهِ.. فَلَمْ يَزِدْنَا مَا أَظْهَرَهُ إِلَّا مُخَالَفَةً لِلْأَمْرِ، وَنَقْضًا لِلْعَهْدِ.. فَإِذَا رَجَعَ عَنْ دِينِهِ الْأَوَّلِ إِلَى الْإِسْلَامِ سَقَطَ مَا قَبْلَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ «1» » وَالْمُسْلِمُ بِخِلَافِهِ.. إِذْ كَانَ ظَنُّنَا بِبَاطِنِهِ حُكْمَ ظَاهِرِهِ وَخِلَافَ مَا بَدَا مِنْهُ الْآنَ فَلَمْ نَقْبَلْ بَعْدُ رُجُوعَهُ وَلَا اسْتَنَمْنَا إِلَى بَاطِنِهِ إِذْ قَدْ بَدَتْ سَرَائِرُهُ وَمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ من الأحكام باقية عليه لم يُسْقِطُهَا شَيْءٌ. وَقِيلَ: لَا يُسْقِطُ إِسْلَامُ الذِّمِّيِّ السَّابِّ قَتْلَهُ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ عَلَيْهِ لِانْتِهَاكِهِ حُرْمَتَهُ، وَقَصْدِهِ إِلْحَاقَ النَّقِيصَةَ وَالْمَعَرَّةَ بِهِ.. فَلَمْ يَكُنْ رُجُوعُهُ إِلَى الْإِسْلَامِ بِالَّذِي يُسْقِطُهُ كَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلِ إِسْلَامِهِ مِنْ قَتْلٍ وَقَذْفٍ. وَإِذَا كُنَّا لَا نَقْبَلُ تَوْبَةَ المسلم فأن لا نقبل توبة الكافر أولى.
قال مَالِكٌ «1» فِي كِتَابِ ابْنِ «2» حَبِيبٍ وَالْمَبْسُوطِ «3» ، وَابْنِ «4» القاسم، وابن الماجشون «5» وابن «6» عبد الحكم، وأصبغ «7» : فِيمَنْ شَتَمَ نَبِيَّنَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ أحدا من الأنبياء عليهم السلام إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ. وَقَالَهُ ابْنُ «8» الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ «9» . وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ «10» وَابْنِ سُحْنُونٍ «11» . وَقَالَ سُحْنُونٌ وَأَصْبَغُ: لَا يُقَالُ لَهُ «أَسْلِمْ» وَلَا «لَا تُسْلِمْ» وَلَكِنْ إِنْ أَسْلَمَ فَذَلِكَ لَهُ تَوْبَةٌ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَصْحَابُ مَالِكٍ أَنَّهُ قال: «من سبّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ وَرُوِيَ لَنَا عَنْ مَالِكٍ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ وَقَدْ رَوَى ابْنُ «1» وَهْبٍ عَنِ ابْنِ «2» عُمَرَ أَنَّ رَاهِبًا تَنَاوَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «فَهَلَّا قَتَلْتُمُوهُ!» . وَرَوَى عِيسَى «3» عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: فِي ذَمِّيٍّ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْنَا إِنَّمَا أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ. وَإِنَّمَا نَبِيُّنَا مُوسَى أَوْ عِيسَى. وَنَحْوُ هَذَا.. لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ.. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَرَّهُمْ عَلَى مِثْلِهِ. وَأَمَّا إِنْ سَبَّهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِنَبِيٍّ.. أَوْ لَمْ يُرْسَلْ.. أَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ.. وإنما هو شيء تقوّله أو نحو هذا.. فيقتل. قال ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا قَالَ النَّصْرَانِيُّ: دِينُنَا خَيْرٌ من دينكم، إنما دِينُكُمْ دِينُ الْحَمِيرِ، وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْقَبِيحِ.. أَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: كَذَلِكَ يُعْطِيكُمُ اللَّهُ.. فَفِي هَذَا.. الْأَدَبُ الْمُوجِعُ، وَالسِّجْنُ الطَّوِيلُ. قَالَ: وَأَمَّا إن شتم النبي صلى الله عليه وسلم شتما يعرف فإنه يقتل إلا أن
يُسْلِمَ قَالَهُ مَالِكٌ «1» غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَمْ يَقُلْ يُسْتَتَابُ قَالَ ابْنُ «2» الْقَاسِمِ: وَمَحْمَلُ قَوْلِهِ عِنْدِي.. إِنْ أَسْلَمَ طَائِعًا. وَقَالَ ابْنُ سُحْنُونٍ «3» فِي سؤالات سليمان «4» بن سالم الْيَهُودِيِّ يَقُولُ لِلْمُؤَذِّنِ إِذَا تَشَهَّدَ «كَذَبْتَ» يُعَاقَبُ الْعُقُوبَةَ الْمُوجِعَةَ مَعَ السِّجْنِ الطَّوِيلِ. وَفِي النَّوَادِرِ «5» مِنْ رِوَايَةِ سُحْنُونٍ «6» عَنْهُ «7» مَنْ شَتَمَ الْأَنْبِيَاءَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ كَفَرُوا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سُحْنُونٍ: فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَتَلْتَهُ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ دِينِهِ سَبُّهُ وَتَكْذِيبُهُ؟! .. قِيلَ: لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِمُ الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا عَلَى قَتْلِنَا، وَأَخْذِ أَمْوَالِنَا.. فَإِذَا قَتَلَ وَاحِدًا مِنَّا قَتَلْنَاهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ دِينِهِ اسْتِحْلَالُهُ فَكَذَلِكَ إِظْهَارُهُ لسب نبينا صلّى الله عليه وسلم.
قَالَ سُحْنُونٌ: «كَمَا لَوْ بَذَلَ لَنَا أَهْلُ الْحَرْبِ الْجِزْيَةَ عَلَى إِقْرَارِهِمْ عَلَى سَبِّهِ لَمْ يَجُزْ لَنَا ذَلِكَ فِي قَوْلِ قَائِلٍ. كَذَلِكَ يَنْتَقِضُ عَهْدُ مَنْ سَبَّ مِنْهُمْ وَيَحِلُّ لَنَا دمه.. وكما لَمْ يُحْصِنِ الْإِسْلَامُ مَنْ سَبَّهُ مِنَ الْقَتْلِ كَذَلِكَ لَا تُحْصِنُهُ الذِّمَّةُ. قَالَ الْقَاضِي «1» أَبُو الْفَضْلِ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سُحْنُونٍ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَبِيهِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا خَفَّفَ عُقُوبَتَهُمْ فِيهِ مِمَّا بِهِ كَفَرُوا فَتَأَمَّلْهُ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ «2» خِلَافَ مَا رُوِيَ عَنِ الْمَدَنِيِّينَ «3» فِي ذَلِكَ فَحَكَى أَبُو الْمُصْعَبِ «4» الزُّهْرِيُّ قَالَ: أُتِيتُ بِنَصْرَانِيٍّ قَالَ: وَالَّذِي اصْطَفَى عِيسَى عَلَى مُحَمَّدٍ، فَاخْتُلِفَ عَلَيَّ فِيهِ، فَضَرَبْتُهُ حَتَّى قَتَلْتُهُ، - أَوْ عَاشَ يَوْمًا وَلَيْلَةً-.. وَأَمَرْتُ مَنْ جَرَّ بِرِجْلِهِ، وَطُرِحَ عَلَى مَزْبَلَةٍ، فَأَكَلَتْهُ الْكِلَابُ. وَسُئِلَ أَبُو الْمُصْعَبِ عَنْ نَصْرَانِيٍّ قَالَ: عِيسَى خلق محمدا.. فقال: يقتل..
وَقَالَ ابْنُ «1» الْقَاسِمِ: سَأَلْنَا مَالِكًا «2» عَنْ نَصْرَانِيٍّ بِمِصْرَ شُهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ.. يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ!. مَا لَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ إِذْ كَانَتِ الْكِلَابُ تَأْكُلُ سَاقَيْهِ! لَوْ قَتَلُوهُ اسْتَرَاحَ مِنْهُ النَّاسُ. قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُهُ.. قَالَ: وَلَقَدْ كِدْتُ أن لا أَتَكَلَّمَ فِيهَا بِشَيْءٍ ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّهُ لَا يَسَعُنِي الصَّمْتُ. قَالَ ابْنُ «3» كِنَانَةَ فِي الْمَبْسُوطَةِ: مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يُحْرِقَهُ بِالنَّارِ «4» وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ ثُمَّ حَرَقَ جُثَّتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ حَيًّا «5» إِذَا تَهَافَتُوا فِي سَبِّهِ. وَلَقَدْ كُتِبَ إِلَى مَالِكٍ مِنْ مِصْرَ- وَذَكَرَ «6» مَسْأَلَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمَةَ- قَالَ: فأمرني مالك فكتبت بأن يقتل وتضرب عنقه
فَكَتَبْتُ.. ثُمَّ قُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ «1» اللَّهِ، وَأَكْتُبُ.. ثُمَّ يُحْرَقُ بِالنَّارِ.. فَقَالَ: إِنَّهُ لَحَقِيقٌ بِذَلِكَ، وَمَا أَوَّلَاهُ بِهِ فَكَتَبْتُهُ بِيَدِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا أَنْكَرَهُ وَلَا عَابَهُ، وَنَفَذَتِ الصَّحِيفَةُ بِذَلِكَ، فَقُتِلَ وَحُرِقَ. وَأَفْتَى عُبَيْدُ «2» اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَابْنُ لُبَابَةَ «3» فِي جَمَاعَةِ سَلَفِ أَصْحَابِنَا الأندلسيين بقتل نصرانية استهلت «4» بنفي الربوبية وبنوة «5» عيسى لله.. وتكذيب مُحَمَّدٍ فِي النُّبُوَّةِ، وَبِقَبُولِ إِسْلَامِهَا، وَدَرْءِ الْقَتْلِ عنها به. قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمُ الْقَابِسِيُّ «6» ، وَابْنُ «7» الْكَاتِبِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ «8» بْنُ الْجَلَّابِ فِي كِتَابِهِ «9» مَنْ سَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ مسلم أو كافر، قتل ولا يستتاب.
وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ «1» فِي الذِّمِّيِّ يَسُبُّ ثُمَّ يُسْلِمُ رِوَايَتَيْنِ فِي دَرْءِ الْقَتْلِ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ. وَقَالَ ابْنُ «2» سُحْنُونٍ: وَحَدُّ الْقَذْفِ وَشِبْهُهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا يُسْقِطُهُ عَنِ الذِّمِّيِّ إِسْلَامُهُ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ حُدُودُ اللَّهِ. فَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَحَقٌّ لِلْعِبَادِ، كَانَ ذَلِكَ لِنَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ. فَأَوْجَبَ عَلَى الذِّمِّيِّ إِذَا قَذَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَسْلَمَ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَكِنِ انْظُرْ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ هَلْ حَدُّ الْقَذْفِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْقَتْلُ لِزِيَادَةِ حُرْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِ؟ .. أَمْ هَلْ يَسْقُطُ الْقَتْلُ بِإِسْلَامِهِ وَيُحَدُّ ثمانين؟ .. فتأمله. ***
الفصل الخامس في ميراث من قتل في سب النبي صلى الله عليه وسلم وغسله والصلاة عليه
الفصل الخامس فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَهَبَ سُحْنُونٌ «1» إِلَى أَنَّهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ شَتْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ يُشْبِهُ كُفْرَ الزِّنْدِيقِ. وَقَالَ أَصْبَغُ «2» : مِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِنْ كَانَ مُسْتَسِرًّا بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُظْهِرًا لَهُ مُسْتَهِلًّا بِهِ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، ويقتل على كل حال ولا يستتاب. قال أَبُو الْحَسَنِ «3» الْقَابِسِيُّ: إِنْ قُتِلَ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فَالْحُكْمُ فِي مِيرَاثِهِ عَلَى مَا أظهر مِنْ إِقْرَارِهِ- يَعْنِي لِوَرَثَتِهِ- وَالْقَتْلُ حَدٌّ ثَبَتَ عليه ليس من الميراث في شيء.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِالسَّبِّ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ لَقُتِلَ إِذْ هُوَ حَدُّهُ. وَحُكْمُهُ فِي مِيرَاثِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ. وَلَوْ أَقَرَّ بِالسَّبِّ وَتَمَادَى عَلَيْهِ وَأَبَى التَّوْبَةَ مِنْهُ فَقُتِلَ عَلَى ذَلِكَ، كَانَ كَافِرًا وَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ. وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُكَفَّنُ، وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ، وَيُوَارَى كَمَا يُفْعَلُ بِالْكُفَّارِ. وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ- فِي الْمُجَاهِرِ الْمُتَمَادِي- بَيِّنٌ لَا يُمْكِنُ الْخِلَافُ فِيهِ. لِأَنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ غَيْرُ تَائِبٍ وَلَا مُقْلِعٍ. - وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ أَصْبَغَ «1» . وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ ابْنِ سُحْنُونٍ «2» فِي الزِّنْدِيقِ يَتَمَادَى عَلَى قَوْلِهِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ «3» الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَلِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ «4» فِي كِتَابِ ابْنِ «5» حَبِيبٍ فِيمَنْ أَعْلَنَ كُفْرَهُ- مِثْلُهُ- قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وحكمه حكم المرتد لا ترثه وَرَثَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي ارْتَدَّ إِلَيْهِ، وَلَا تَجُوزُ وَصَايَاهُ وَلَا عتقه.
وَقَالَهُ أَصْبَغُ «1» : «قُتِلَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ مَاتَ عليه» . وقال أبو محمد «2» ابن أَبِي زَيْدٍ: «وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي مِيرَاثِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي يَسْتَهِلُّ بِالتَّوْبَةِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ. فَأَمَّا الْمُتَمَادِي، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُورَثُ» . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ «2» : «فِيمَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ تُعَدَّلْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ..، أَوْ لَمْ تُقْبَلْ. إِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ» . وَرَوَى أَصْبَغُ «1» عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ «3» فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ «4» : «فِيمَنْ كَذَّبَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو أعلن دِينًا مِمَّا يُفَارِقُ بِهِ الْإِسْلَامَ. أَنَّ مِيرَاثَهُ للمسلمين» . وقال يقول مَالِكٍ «5» : إِنَّ مِيرَاثَ الْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ، رَبِيعَةُ «6» ، وَالشَّافِعِيُّ «7» ، وَأَبُو «8» ثَوْرٍ، وَابْنُ أَبِي «9» لَيْلَى. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ «10» . وَقَالَ عَلِيُّ بن «11» أبي طالب رضي
اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ «1» ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ «2» ، وَالْحَسَنُ «3» وَالشَّعْبِيُّ «4» ، وَعُمَرُ بْنُ «5» عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَكَمُ «6» ، وَالْأَوْزَاعِيُّ «7» والليث «8» ، وإسحق «9» ، وأبو «10» حنيفة: يرثه وَرَثَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ: «ذَلِكَ فِيمَا كَسَبَهُ قَبْلَ ارْتِدَادِهِ، وَمَا كَسَبَهُ فِي الِارْتِدَادِ فَلِلْمُسْلِمِينَ» . وَتَفْصِيلُ أَبِي الْحَسَنِ «11» فِي بَاقِي جَوَابِهِ حَسَنٌ بَيِّنٌ، وَهُوَ عَلَى رَأْيِ أَصْبَغَ «12» وَخِلَافُ قَوْلِ سُحْنُونٍ «13» ، وَاخْتِلَافُهُمَا عَلَى قَوْلَيْ مَالِكٍ «14» فِي مِيرَاثِ الزِّنْدِيقِ، فَمَرَّةً وَرَّثَهُ وَرَثَتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَامَتْ
عليه بَيِّنَةٌ فَأَنْكَرَهَا، أَوِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَمُحَمَّدُ بْنُ «1» مَسْلَمَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ مُظْهِرٌ لِلْإِسْلَامِ بِإِنْكَارِهِ أَوْ تَوْبَتِهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى ابْنُ «2» نَافِعٍ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ «3» أَنَّ مِيرَاثَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَالَهُ تَبَعٌ لِدَمِهِ. وَقَالَ بِهِ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَالَهُ أَشْهَبُ «4» ، وَالْمُغِيرَةُ «5» وَعَبْدُ «6» الْمَلِكِ، وَمُحَمَّدٌ، وسحنون وذهب ابن «7» قاسم في العتبة إِلَى أَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ بِمَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ وَتَابَ فَقُتِلَ فَلَا يُورَثُ، وَإِنْ لَمْ يقرّ حتى مات أو قتل وُرِّثَ. قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَسَرَّ كُفْرًا فَإِنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِوِرَاثَةِ الْإِسْلَامِ وَسُئِلَ أَبُو «8» الْقَاسِمِ بْنُ الْكَاتِبِ عَنِ النَّصْرَانِيِّ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم
فَيُقْتَلُ هَلْ يَرِثُهُ أَهْلُ دِينِهِ أَمِ الْمُسْلِمُونَ؟ فأجاب: إنه لِلْمُسْلِمِينَ لَيْسَ عَلَى جِهَةِ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ أَهْلِ مِلَّتَيْنِ «1» ، وَلَكِنْ لِأَنَّهُ مِنْ فيئهم لنقضه العهد.. هذا معنى قوله واختصاره.
الباب الثالث في حكم من سب الله تعالى وملائكته وأنبياء وكتبه وآل النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وصحبه
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تعالى وملائكته وأنبياء وَكُتُبَهُ وَآلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأزواجه وصحبه وفيه عشرة فصول
الفصل الأول حكم ساب الله تعالى وحكم استتابته
الفصل الأوّل حكم سابّ الله تعالى وحكم استتابته قال القاضي أبو الفضل: لَا خِلَافَ أَنَّ سَابَّ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَافِرٌ حَلَّالُ الدَّمِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِتَابَتِهِ. فَقَالَ ابْنُ «1» الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ «2» سُحْنُونٍ وَمُحَمَّدٍ «3» وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مالك «4» في كتاب إسحق «5» بْنِ يَحْيَى مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ بِارْتِدَادِهِ إِلَى دِينٍ دَانَ بِهِ وَأَظْهَرَهُ فَيُسْتَتَابُ.. وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ لَمْ يستتب.
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطَةِ مُطَرِّفٌ «1» وَعَبْدُ «2» الْمَلِكِ مِثْلَهُ.. وقال المخزومي «3» وَمُحَمَّدُ بْنُ «4» مَسْلَمَةَ وَابْنُ «5» أَبِي حَازِمٍ: لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالسَّبِّ حَتَّى يُسْتَتَابَ «6» ، وَكَذَلِكَ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فَإِنْ تَابُوا قُبِلَ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يتوبوا فتلوا. وَلَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِتَابَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ كَالرِّدَّةِ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي ابْنُ نَصْرٍ «7» عَنِ الْمَذْهَبِ. وَأَفْتَى أَبُو مُحَمَّدِ «8» بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ فِي رَجُلٍ لَعَنَ رَجُلًا وَلَعَنَ اللَّهَ فَقَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَلْعَنَ الشَّيْطَانَ فَزَلَّ لِسَانِي فَقَالَ: يُقْتَلُ بِظَاهِرِ كُفْرِهِ، وَلَا يُقْبَلُ عُذْرُهُ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَمَعْذُورٌ. وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ قُرْطُبَةَ فِي مَسْأَلَةِ هَارُونَ «9» بْنِ حَبِيبٍ أَخِي عَبْدِ الْمَلِكِ الْفَقِيهِ وَكَانَ ضَيِّقَ الصَّدْرِ كَثِيرَ التَّبَرُّمِ، وَكَانَ قد شهد عليه
بشهادات منها أنه قال عند استقلاله «1» مِنْ مَرَضٍ: لَقِيتُ فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْتُ أَبَا بَكْرٍ «2» وَعُمَرَ «3» لَمْ أَسْتَوْجِبْ هَذَا كُلَّهُ. فَأَفْتَى إِبْرَاهِيمُ «4» بْنُ حُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ بِقَتْلِهِ، وَأَنَّ مُضَمَّنَ قَوْلِهِ تَجْوِيرٌ «5» لِلَّهِ تَعَالَى وَتَظَلُّمٌ مِنْهُ، وَالتَّعْرِيضُ فِيهِ كَالتَّصْرِيحِ «6» . وَأَفْتَى أَخُوهُ عَبْدُ الْمَلِكِ «7» بْنُ حَبِيبٍ، وَإِبْرَاهِيمُ «8» بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ، وَسَعِيدُ بْنُ «9» سُلَيْمَانَ الْقَاضِي يطرح الْقَتْلِ عَنْهُ إِلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ رَأَى عَلَيْهِ التَّثْقِيلَ فِي الْحَبْسِ وَالشِّدَّةَ فِي الْأَدَبِ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ وَصَرْفِهِ إِلَى التَّشَكِّي. فَوَجَّهَ مَنْ قَالَ فِي سَابِّ اللَّهِ بِالِاسْتِتَابَةِ أَنَّهُ كُفْرٌ وَرِدَّةٌ مَحْضَةٌ، لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَشْبَهَ قَصْدَ الْكُفْرِ بِغَيْرِ سَبِّ اللَّهِ وَإِظْهَارَ الِانْتِقَالِ إِلَى دِينٍ آخَرَ مِنَ الْأَدْيَانِ الْمُخَالِفَةِ للإسلام.
وَوَجْهُ تَرْكِ اسْتِتَابَتِهِ: أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ مِنْهُ ذَلِكَ بَعْدَ إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلُ اتَّهَمْنَاهُ وَظَنَنَّا أَنَّ لِسَانَهُ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إِلَّا وَهُوَ مُعْتَقِدٌ لَهُ.. إِذْ لَا يَتَسَاهَلُ فِي هَذَا أَحَدٌ، فَحُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الزِّنْدِيقِ، وَلَمْ تُقْبَلْ توبته وإذا انتقل من دين إلى دين آخَرَ وَأَظْهَرَ السَّبَّ بِمَعْنَى الِارْتِدَادِ فَهَذَا قَدْ أَعْلَمَ أَنَّهُ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ، بخلاف الأول المستمسك بِهِ وَحُكْمُ هَذَا حُكْمُ الْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ عَلَى مشهور مذاهب أكثر العلماء «1» . وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قبل وذكرنا الخلاف في فصوله. ***
الفصل الثاني حكم إضافة ما لا يليق به تعالى عن طريق الاجتهاد والخطأ
الْفَصْلُ الثَّانِي حُكْمُ إِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ به تعالى عن طريق الاجتهاد والخطأ وَأَمَّا مَنْ أَضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ. لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ وَلَا الرِّدَّةِ وَقَصَدَ الْكُفْرَ.. وَلَكِنْ عَلَى طَرِيقِ التَّأْوِيلِ وَالِاجْتِهَادِ وَالْخَطَأِ الْمُفْضِي إِلَى الْهَوَى وَالْبِدْعَةِ.. مِنْ تَشْبِيهٍ، أَوْ نَعْتٍ بِجَارِحَةٍ، أَوْ نَفْيِ صِفَةِ كَمَالٍ. فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي تَكْفِيرِ «1» قَائِلِهِ وَمُعْتَقِدِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ «2» وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي قِتَالِهِمْ إِذَا تَحَيَّزُوا «3» فِئَةً.. وَأَنَّهُمْ يُسْتَتَابُونَ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُنْفَرِدِ مِنْهُمْ. فأكثر قول مالك وأصحابه ترك
الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِهِمْ «1» ، وَتَرْكُ قَتْلِهِمْ وَالْمُبَالَغَةُ فِي عُقُوبَتِهِمْ، وَإِطَالَةُ سِجْنِهِمْ حَتَّى يَظْهَرَ إِقْلَاعُهُمْ، وَتَسْتَبِينَ تَوْبَتُهُمْ. كَمَا فَعَلَ عُمَرُ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِصَبِيغٍ «3» وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ «4» الْمَوَّازِ فِي الْخَوَارِجِ «5» وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ «6» الْمَاجِشُونِ وَقَوْلُ سُحْنُونٍ «7» فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَمَا رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ «8» عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَدِّهِ «9» وَعَمِّهِ «10» مِنْ قَوْلِهِمْ فِي القدرية «11» : يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا.
وَقَالَ عِيسَى «1» عَنِ ابْنِ «2» الْقَاسِمِ: فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مَنِ الْإِبَاضِيَّةِ «3» وَالْقَدَرِيَّةِ وَشِبْهِهِمْ مِمَّنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالتَّحْرِيفِ لِتَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ.. يُسْتَتَابُونَ.. أَظْهَرُوا ذَلِكَ أَوْ أَسَرُّوهُ فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا، وَمِيرَاثُهُمْ لِوَرَثَتِهِمْ. وَقَالَ مِثْلَهُ أَيْضًا ابْنُ «4» الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ «5» فِي أَهْلِ الْقَدَرِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ: وَاسْتِتَابَتُهُمْ أَنْ يُقَالَ لهم: أتركوا ما أنتم عليه. ومثله فِي الْمَبْسُوطِ فِي الْإِبَاضِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَسَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ قَالَ: وَهُمْ مُسْلِمُونَ.. وَإِنَّمَا قُتِلُوا لِرَأْيِهِمُ السُّوءِ. وَبِهَذَا عَمِلَ عُمَرُ بْنُ «6» عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا.. اسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَابْنُ «7» حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يرى تكفيرهم وتكفير
أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ «1» . وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ سُحْنُونٍ «2» مِثْلُهُ.. فِيمَنْ قَالَ: لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ.. أَنَّهُ كَافِرٌ. وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ مَالِكٍ «3» . فَأَطْلَقَ فِي رِوَايَةِ الشَّامِيِّينَ أَبِي «4» مُسْهِرٍ وَمَرْوَانَ بْنِ «5» مُحَمَّدٍ الطَّاطِرِيِّ الْكُفْرَ عَلَيْهِمْ.. وَقَدْ شُووِرَ «6» فِي زَوَاجِ الْقَدَرِيِّ.. فَقَالَ: لَا تُزَوِّجْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى.. «وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ «7» » . وروي عنه أيضا: «أهل الأهوا كُلُّهُمْ كُفَّارٌ» وَقَالَ: «مَنْ وَصَفَ شَيْئًا مِنْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَشَارَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ جده يَدٍ أَوْ سَمْعٍ أَوْ بَصَرٍ قُطِعَ ذَلِكَ منه. لأنه شبّه الله بنفسه» .
وَقَالَ: فِيمَنْ قَالَ «الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ» كَافِرٌ فَاقْتُلُوهُ. وَقَالَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ ابْنِ «1» نَافِعٍ: يُجْلَدُ وَيُوجَعُ ضَرْبًا وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ. وَفِي رِوَايَةِ بِشْرِ «2» بْنِ بَكْرٍ التِّنِّيسِيِّ عَنْهُ: يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ «3» البرتكاني وَالْقَاضِي أَبُو عَبْدِ «4» اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ العراقيين «5» : جوابه مختلف.. يقتل المستبصر «6» الدّعية وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي إِعَادَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ «7» . وَحَكَى ابْنُ «8» الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ «9» : لَا يُسْتَتَابُ الْقَدَرِيُّ وَأَكْثَرُ أَقْوَالِ السَّلَفِ تَكْفِيرُهُمْ. وممن قال به الليث «10» ، وابن عينية «11» ، وابن لهيعة «12» ، وروي
عَنْهُمْ ذَلِكَ فِيمَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَقَالَهُ ابْنُ «1» الْمُبَارَكِ، وَالْأَوْدِيُّ «2» ، وَوَكِيعٌ «3» ، وَحَفْصُ «4» بْنُ غِيَاثٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ «5» الْفَزَارِيُّ، وَهُشَيْمٌ «6» ، وَعَلِيُّ «7» بْنُ عَاصِمٍ فِي آخَرِينَ وَهُوَ مِنْ قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْفُقَهَاءِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ فِيهِمْ، وَفِي الْخَوَارِجِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ، وَأَصْحَابِ الْبِدَعِ الْمُتَأَوِّلِينَ. وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ «8» بْنِ حَنْبَلٍ. وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْوَاقِفَةِ «9» والشّاكّة في هذه الأصول.
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مَعْنَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِتَرْكِ تَكْفِيرِهِمْ عَلِيُّ بْنُ «1» أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ «2» عُمَرَ، وَالْحَسَنُ «3» الْبَصْرِيُّ وَهُوَ رَأْيُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ «4» النظّار «5» وَالْمُتَكَلِّمِينَ «6» . وَاحْتَجُّوا بِتَوْرِيثِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَرَثَةَ أَهْلِ حَرُورَاءَ «7» وَمَنْ عُرِفَ بِالْقَدَرِ مِمَّنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَدَفْنِهِمْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَجَرْيِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ «8» الْقَاضِي: وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ «9» فِي الْقَدَرِيَّةِ وَسَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ يُسْتَتَابُونَ. فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا، لِأَنَّهُ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ. كَمَا قَالَ فِي الْمُحَارِبِ إِنْ رَأَى الْإِمَامُ قَتْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ قَتَلَهُ.. وَفَسَادُ الْمُحَارِبِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْوَالِ وَمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ قَدْ يَدْخُلُ أَيْضًا فِي أَمْرِ الدِّينِ مِنْ سَبِيلِ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ.. وَفَسَادُ أَهْلِ الْبِدَعِ مُعْظَمُهُ عَلَى الدِّينِ.. وَقَدْ يَدْخُلُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا بِمَا يَلْقَوْنَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ العداوة.
الفصل الثالث في تحقيق القول في إكفار المتأولين
الفصل الثالث فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِي إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ قَدْ ذكرنا مذاهب السلف في إكفار أصحاب الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ الْمُتَأَوِّلِينَ.. مِمَّنْ قَالَ قَوْلًا يُؤَدِّيهِ مَسَاقُهُ إِلَى كُفْرٍ هُوَ إِذَا وُقِفَ عَلَيْهِ لَا يَقُولُ بِمَا يُؤَدِّيهِ قَوْلُهُ إِلَيْهِ. وَعَلَى اخْتِلَافِهِمُ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ فِي ذَلِكَ. فَمِنْهُمْ مَنْ صَوَّبَ التَّكْفِيرَ الَّذِي قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنَ السَّلَفِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاهُ وَلَمْ يَرَ إِخْرَاجَهُمْ مِنْ سَوَادِ الْمُؤْمِنِينَ «1» ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. وَقَالُوا هُمْ فُسَّاقٌ عُصَاةٌ ضْلَّالٌ، ونورّثهم من المسلمين وتحكم لهم بأحكامهم.
وَلِهَذَا قَالَ سُحْنُونٌ «1» : «لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَهُمْ» . قَالَ- وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ «2» ، الْمُغَيَّرَةِ «3» ، وَابْنِ «4» كِنَانَةَ وَأَشْهَبَ «5» قَالَ: لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَذَنْبُهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنَ الْإِسْلَامِ. وَاضْطَرَبَ آخرون في ذلك ووقفوا عن الْقَوْلِ بِالتَّكْفِيرِ أَوْ ضِدِّهِ. وَاخْتِلَافُ قَوْلَيْ مَالِكٍ «2» فِي ذَلِكَ وَتَوَقُّفُهُ عَنْ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ مِنْهُ. وَإِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ «6» إِمَامُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَالْحَقِّ وَقَالَ إنها من المعوصات «7» ، إذ القوم لم يصرحوا باسم الكفر، وَإِنَّمَا قَالُوا قَوُلًا يُؤَدِّي إِلَيْهِ. وَاضْطَرَبَ قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى نَحْوِ اضْطِرَابِ قَوْلِ إِمَامِهِ «8» مَالِكِ «2» بْنِ أَنَسٍ. حَتَّى قَالَ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ إِنَّهُمْ عَلَى رَأْيِ مَنْ كَفَّرَهُمْ بِالتَّأْوِيلِ لا
تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ، وَلَا الصَّلَاةُ عَلَى مَيِّتِهِمْ، وَيُخْتَلَفُ فِي مُوَارَثَتِهِمْ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ. وَقَالَ أَيْضًا: «نُوَرِّثُ مَيِّتَهُمْ وَرَثَتَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا نُوَرِّثُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» .. وَأَكْثَرُ مَيْلِهِ إِلَى تَرْكِ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ. وَكَذَلِكَ اضْطَرَبَ فِيهِ قَوْلُ شَيْخِهِ أَبِي «1» الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَكْثَرُ قَوْلِهِ تَرْكُ التَّكْفِيرِ.. وَأَنَّ الْكُفْرَ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْجَهْلُ بِوُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى. وَقَالَ مَرَّةً: «مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ، أَوِ الْمَسِيحُ أَوْ بَعْضُ مَنْ يَلْقَاهُ فِي الطُّرُقِ فَلَيْسَ بِعَارِفٍ بِهِ وَهُوَ كَافِرٌ» . وَلِمِثْلِ هَذَا ذَهَبَ أَبُو «2» الْمَعَالِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَجْوِبَتِهِ لِأَبِي «3» مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْحَقِّ وَكَانَ سَأَلَهُ عن المسألة فاعتذر لَهُ بِأَنَّ الْغَلَطَ فِيهَا يَصْعُبُ.. لِأَنَّ إِدْخَالَ كافر في الملة وإخراج مُسْلِمٍ عَنْهَا عَظِيمٌ فِي الدِّينِ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: «الَّذِي «4» يَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنَ التَّكْفِيرِ فِي أَهْلِ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّ اسْتِبَاحَةَ دِمَاءِ الْمُصَلِّينَ «5» الموحدين خطر..
وَالْخَطَأُ فِي تَرْكِ «1» أَلْفِ كَافِرٍ أَهْوَنُ مِنَ الْخَطَأِ فِي سَفْكِ مِحْجَمَةٍ «2» مِنْ دَمٍ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «3» : «فَإِذَا قَالُوهَا- يَعْنِي الشَّهَادَةَ «4» - عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ..» فَالْعِصْمَةُ مَقْطُوعٌ بِهَا مَعَ الشَّهَادَةِ وَلَا تَرْتَفِعُ وَيُسْتَبَاحُ خِلَافُهَا إِلَّا بِقَاطِعٍ وَلَا قَاطِعَ مِنْ شَرْعٍ وَلَا قِيَاسٍ عَلَيْهِ.. وَأَلْفَاظُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ مُعَرَّضَةٌ لِلتَّأْوِيلِ.. فَمَا جَاءَ مِنْهَا فِي التَّصْرِيحِ بِكُفْرِ الْقَدَرِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: «لَا سَهْمَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ» وَتَسْمِيَتُهُ الرَّافِضَةَ بِالشِّرْكِ، وَإِطْلَاقُ اللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ.. وَكَذَلِكَ فِي الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ يَقُولُ بِالتَّكْفِيرِ. وقد يجيب الاخر بأنه قد ورد مثل هذه الألفاظ في الحديث في غير الكفرة على طريق التغليظ «5» .. وَكُفْرٌ «6» دُونَ كُفْرٍ، وَإِشْرَاكٌ دُونَ إِشْرَاكٍ. وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُهُ فِي الرِّيَاءِ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ، وَالزَّوْجِ، والزّور
وَغَيْرِ مَعْصِيَةٍ «1» .. وَإِذَا كَانَ مُحْتَمَلًا لِلْأَمْرَيْنِ فَلَا يُقْطَعُ عَلَى أَحَدِهِمَا إِلَّا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ. وَقَوْلُهُ «2» فِي الْخَوَارِجِ: «هُمْ مِنْ شَرِّ الْبَرِيَّةِ..» وَهَذِهِ صِفَةُ الْكُفَّارِ «3» وَقَالَ: «شَرُّ قَبِيلٍ «4» تَحْتَ أَدِيمِ «5» السَّمَاءِ، طُوبَى «6» لِمَنْ قَتَلَهُمْ «7» أَوْ قَتَلُوهُ..» وَقَالَ «8» : «فَإِذَا وَجَدْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ قَتْلَ عَادٍ «9» .» وَظَاهِرُ هَذَا الْكُفْرُ، لَا سِيَّمَا مَعَ تَشْبِيهِهِمْ بِعَادٍ فَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى تَكْفِيرَهُمْ. فَيَقُولُ لَهُ الْآخَرُ، إِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ قَتْلِهِمْ لِخُرُوجِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبَغْيِهِمْ عَلَيْهِمْ، بِدَلِيلِهِ مِنَ الْحَدِيثِ نَفْسِهِ «يَقْتُلُونَ أهل الإسلام» . فقتلهم ههنا حَدٌّ لَا كُفْرٌ.. وَذِكْرُ عَادٍ تَشْبِيهٌ لِلْقَتْلِ وَحِلِّهِ لَا لِلْمَقْتُولِ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ حُكِمَ بقتله يحكم بكفره، ويعارضه بقول خالد «10»
فِي الْحَدِيثِ «1» : «دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ «2» يَا رَسُولَ اللَّهِ» فَقَالَ: «لَعَلَّهُ يُصَلِّي» .. فَإِنِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صلّى الله عليه وسلم «3» : «يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ «4» .» فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ «5» ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَعُودَ «6» السَّهْمُ عَلَى «7» فُوقِهِ «8» » وَبِقَوْلِهِ «9» : «سَبَقَ الْفَرْثَ «10» وَالدَّمَ..» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ مِنَ الْإِسْلَامِ بِشَيْءٍ. أَجَابَهُ الْآخَرُونَ: إِنَّ مَعْنَى «لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ» لَا يَفْهَمُونَ مَعَانِيَهُ بِقُلُوبِهِمْ، وَلَا تَنْشَرِحُ لَهُ صُدُورُهُمْ وَلَا تعمل به جوارحهم.
وَعَارَضُوهُمْ بِقَوْلِهِ «وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ «1» » وَهَذَا يَقْتَضِي التشكك في حاله. وإن احتجوا بِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ «2» الْخُدْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ..» وَلَمْ يَقُلْ «مِنْ هَذِهِ» وَتَحْرِيرُ أَبِي سَعِيدٍ الرِّوَايَةَ وَإِتْقَانُهُ اللَّفْظَ. أَجَابَهُمُ الْآخَرُونَ: بِأَنَّ الْعِبَارَةَ «بِفِي» لَا تَقْتَضِي تَصْرِيحًا بِكَوْنِهِمْ مِنْ غَيْرِ الْأُمَّةِ، بِخِلَافِ لَفْظَةِ «مِنَ» الَّتِي هِيَ لِلتَّبْعِيضِ، وَكَوْنِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ.. مَعَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ «3» وَعَلِيٍّ «4» ، وَأَبِي «5» أُمَامَةَ وَغَيْرِهِمْ فِي هَذَا الحديث: «يخرج من أمتي» و «سيكون من أمتي» وحروف المعاني مشتركة فلا تقويل عَلَى إِخْرَاجِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ بِ «فِي» وَلَا عَلَى إِدْخَالِهِمْ فِيهَا بِ «مِنْ» . لَكِنَّ أَبَا سَعِيدٍ «6» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجَادَ مَا شَاءَ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ.. وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى سَعَةِ فِقْهِ الصَّحَابَةِ، وَتَحْقِيقِهِمْ لِلْمَعَانِي،
وَاسْتِنْبَاطِهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ، وَتَحْرِيرِهِمْ لَهَا، وَتَوَقِّيهِمْ فِي الرِّوَايَةِ «1» . - هَذِهِ الْمَذَاهِبُ الْمَعْرُوفَةُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الْفِرَقِ فِيهَا مَقَالَاتٌ كَثِيرَةٌ مُضْطَرِبَةٌ سَخِيفَةٌ. أَقْرَبُهَا قَوْلُ جَهْمٍ «2» ، وَمُحَمَّدِ بْنِ «3» شَبِيبٍ: «إِنَّ الْكُفْرَ بِاللَّهِ الْجَهْلُ بِهِ. لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ» «4» . وَقَالَ أَبُو الْهُذَيْلِ «5» : «إِنَّ كُلَّ مُتَأَوِّلٍ كَانَ تَأْوِيلُهُ تَشْبِيهًا لِلَّهِ بِخَلْقِهِ وَتَجْوِيرًا «6» لَهُ فِي فِعْلِهِ، وَتَكْذِيبًا لِخَبَرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ.. وَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا قَدِيمًا لَا يُقَالُ لَهُ اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ» . وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: «إِنْ كَانَ مِمَّنْ عَرَّفَ الْأَصْلَ وَبَنَى عَلَيْهِ، وَكَانَ فِيمَا هُوَ مِنْ أَوْصَافِ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَفَاسِقٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفِ الأصل فهو مخطىء غير كافر» .
وَذَهَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ «1» بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ إِلَى تَصْوِيبِ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ فِيمَا كَانَ عُرْضَةً لِلتَّأْوِيلِ، وَفَارَقَ فِي ذَلِكَ فِرَقَ الْأُمَّةِ.. إِذْ أَجْمَعُوا- سِوَاهُ- عَلَى أَنَّ الْحَقَّ في أصول الدين في واحد والمخطىء فِيهِ آثِمٌ عَاصٍ فَاسِقٌ.. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَكْفِيرِهِ. وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ «2» الْبَاقِلَّانِيُّ مثل قول عبيد «1» الله عن داوود «3» الأصبهاني. قال: وَحَكَى قَوْمٌ عَنْهُمَا «4» أَنَّهُمَا قَالَا ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حَالِهِ اسْتِفْرَاغَ الْوُسْعِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِ ملتنا، أو من غيرهم.
وَقَالَ نَحْوَ هَذَا الْقَوْلِ الْجَاحِظُ «1» ، وَثُمَامَةُ «2» ، فِي أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعَامَّةِ، وَالنِّسَاءِ، وَالْبُلْهِ. وَمُقَلِّدَةِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ لَا حُجَّةَ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ.. إِذْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ طِبَاعٌ يُمْكِنُ مَعَهَا الاستدلال «3» وقد نحا «4» الغزالي «5» قريبا من هذا المنحى في كتاب التفرقة «6»
وَقَائِلُ هَذَا كُلِّهِ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى كُفْرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِنَ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ، وَكُلَّ مَنْ فَارَقَ دِينَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ وَقَفَ فِي تَكْفِيرِهِمْ، أَوْ شَكَّ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو «1» بكر.. لأن التوقيف «2» والإجماع اتفقا عَلَى كُفْرِهِمْ، فَمَنْ وَقَفَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ كَذَّبَ النَّصَّ وَالتَّوْقِيفَ، أَوْ شَكَّ فِيهِ. وَالتَّكْذِيبُ أَوِ الشَّكُّ فِيهِ لَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ كافر.
الفصل الرابع في بيان ما هو من المقالات كفر وما يتوقف أو يختلف فيه وما ليس بكفر
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْمَقَالَاتِ كُفْرٌ وَمَا يُتَوَقَّفُ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بِكُفْرٍ اعْلَمْ أَنَّ تَحْقِيقَ هَذَا الْفَصْلِ وَكَشْفَ اللَّبْسِ فِيهِ مَوْرِدُهُ الشَّرْعُ، وَلَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ. وَالْفَصْلُ الْبَيِّنُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ مَقَالَةٍ صَرَّحَتْ بِنَفْيِ الرُّبُوبِيَّةِ، أَوِ الْوَحْدَانِيَّةِ، أَوْ عِبَادَةِ أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ أو مع الله فهي كُفْرٌ.. كَمَقَالَةِ الدَّهْرِيَّةِ «1» وَسَائِرِ فِرَقِ أَصْحَابِ الِاثْنَيْنِ «2» من الديصانية «3»
وَالْمَانَوِيَّةِ «1» وَأَشْبَاهِهِمْ مِنَ الصَّابِئِينَ «2» وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ «3» وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، أَوِ الْمَلَائِكَةِ أَوِ الشَّيَاطِينِ، أَوِ الشَّمْسِ، أَوِ النُّجُومِ، أَوِ النَّارِ أَوْ أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْهِنْدِ وَالصِّينِ، وَالسُّودَانِ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يَرْجِعُ إِلَى كِتَابٍ. وَكَذَلِكَ الْقَرَامِطَةُ «4» وَأَصْحَابُ الْحُلُولِ «5» ، وَالتَّنَاسُخِ «6» من الباطنية «7» ، والطيارة «8» من الروافض، والبيانية «9» والغرابية «10» وكذلك من اعترف بإلاهية اللَّهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَلَكِنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ غَيْرُ حَيٍّ أَوْ غَيْرُ قَدِيمٍ، وَأَنَّهُ مُحْدَثٌ، أَوْ مُصَوَّرٌ، أو ادعى له ولدا، أو صاحبة
أَوْ وَالِدًا أَوْ أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ شَيْءٍ، أَوْ كَائِنٌ عَنْهُ، أَوْ أَنَّ مَعَهُ فِي الْأَزَلِ شَيْئًا قَدِيمًا «1» غَيْرَهُ، أَوْ أَنَّ ثَمَّ صَانِعًا لِلْعَالَمِ سِوَاهُ.. أَوْ مُدَبِّرًا غَيْرَهُ.. فَذَلِكَ كُلُّهُ كُفْرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. كَقَوْلِ الْإِلَهِيِّينَ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ «2» وَالْمُنَجِّمِينَ «3» وَالطَّبَائِعِيِّينَ «4» وَكَذَلِكَ مَنِ ادَّعَى مُجَالَسَةَ اللَّهِ وَالْعُرُوجَ إِلَيْهِ وَمُكَالَمَتَهُ أَوْ حُلُولَهُ فِي أَحَدِ الْأَشْخَاصِ، كَقَوْلِ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ «5» وَالْبَاطِنِيَّةِ، وَالنَّصَارَى، وَالْقَرَامِطَةِ، وَكَذَلِكَ نَقْطَعُ عَلَى كُفْرِ مَنْ قَالَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ، أَوْ قَالَ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ وَانْتِقَالِهَا أَبَدَ الْآبَادِ فِي الأشخاص وتعذيبها أو
تنعهما فِيهَا بِحَسَبِ «1» زَكَائِهَا وَخُبْثِهَا وَكَذَلِكَ مَنِ اعْتَرَفَ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ وَلَكِنَّهُ جَحَدَ النُّبُوَّةَ مِنْ أَصْلِهَا عُمُومًا. أَوْ نُبُوَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خصوصا، أو أحد مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ بِلَا رَيْبَ. كَالْبَرَاهِمَةِ «2» ، وَمُعْظَمِ الْيَهُودِ، وَالْأُرُوسِيَّةِ مِنَ النَّصَارَى وَالْغُرَابِيَّةِ مِنَ الرَّوَافِضِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ الْمَبْعُوثَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ، وَكَالْمُعَطِّلَةِ «3» ، وَالْقَرَامِطَةِ، وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ «4» وَالْعَنْبَرِيَّةِ مِنَ الرَّافِضَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ قَدْ أَشْرَكُوا فِي كُفْرٍ آخَرَ مَعَ مَنْ قَبْلَهُمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ دَانَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَصِحَّةِ النُّبُوَّةِ وَنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ جَوَّزَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الْكَذِبَ فِيمَا أَتَوْا بِهِ. ادَّعَى فِي ذَلِكَ الْمَصْلَحَةَ- بِزَعْمِهِ- أَوْ لَمْ يَدَّعِهَا فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ كَالْمُتَفَلْسِفِينَ، وَبَعْضِ الْبَاطِنِيَّةِ. وَالرَّوَافِضِ، وَغُلَاةِ الْمُتَصَوِّفَةِ، وَأَصْحَابِ الْإِبَاحَةِ «5» فَإِنَّ هَؤُلَاءِ زَعَمُوا أَنَّ ظَوَاهِرَ الشَّرْعِ وَأَكْثَرَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الْأَخْبَارِ عَمَّا كَانَ وَيَكُونُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَالْحَشْرِ، وَالْقِيَامَةِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ على مقتضى لفظها ومفهوم خطابها.
وَإِنَّمَا خَاطَبُوا بِهَا الْخَلْقَ عَلَى جِهَةِ الْمَصْلَحَةِ لَهُمْ.. إِذْ لَمْ يُمْكِنْهُمُ التَّصْرِيحُ لِقُصُورِ أَفْهَامِهِمْ، فَمُضَمَّنُ مَقَالَاتِهِمْ إِبْطَالُ الشَّرَائِعِ، وَتَعْطِيلُ الْأَوَامِرِ، وَالنَّوَاهِي، وَتَكْذِيبُ الرُّسُلِ، وَالِارْتِيَابُ فِيمَا أَتَوْا بِهِ.. وَكَذَلِكَ مَنْ أَضَافَ إِلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَمُّدَ الْكَذِبَ فِيمَا بَلَّغَهُ وَأَخْبَرَ بِهِ، أَوْ شَكَّ فِي صِدْقِهِ، أَوْ سَبَّهُ، أَوْ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُبَلِّغْ أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِ، أَوْ بِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ أَزْرَى عَلَيْهِمْ.. أَوْ آذَاهُمْ.. أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا، أَوْ حَارَبَهُ.. فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ. - وَكَذَلِكَ نُكَفِّرُ مَنْ ذَهَبَ مذهب بعض الْقُدَمَاءِ فِي أَنَّ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنَ الحيوان نذيرا ونبيا من القردة والخنازير والدواب والدود وغير ذلك، وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ «1» » إِذْ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يُوصَفَ أَنْبِيَاءُ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بِصِفَاتِهِمُ الْمَذْمُومَةِ وَفِيهِ مِنَ الْإِزْرَاءِ عَلَى هَذَا الْمَنْصِبِ الْمُنِيفِ مَا فِيهِ.. مَعَ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ. وَتَكْذِيبِ قَائِلِهِ. - وَكَذَلِكَ نُكَفِّرُ مَنِ اعْتَرَفَ مِنَ الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ بِمَا تقدم وَنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ قَالَ: كَانَ أَسْوَدَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يلتحي، أو ليس الَّذِي كَانَ بِمَكَّةَ، وَالْحِجَازِ، أَوْ لَيْسَ بِقُرَشِيٍّ.. لأن
وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَاتِهِ الْمَعْلُومَةِ نَفْيٌ لَهُ وَتَكْذِيبٌ بِهِ.. وَكَذَلِكَ مَنِ ادَّعَى نُبُوَّةَ أَحَدٍ مَعَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَعْدَهُ كَالْعِيسَوِيَّةِ «1» مِنَ الْيَهُودِ الْقَائِلِينَ بِتَخْصِيصِ رِسَالَتِهِ إِلَى الْعَرَبِ، وَكَالْخُرَّمِيَّةِ «2» الْقَائِلِينَ بِتَوَاتُرِ الرُّسُلِ، وَكَأَكْثَرِ الرَّافِضَةِ الْقَائِلِينَ بِمُشَارَكَةِ عَلِيٍّ فِي الرِّسَالَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وبعده.. فكذلك كُلُّ إِمَامٍ عِنْدَ هَؤُلَاءِ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي النبوة والحجة.. وكالبزيعيّة «3» وَالْبَيَانِيَّةِ مِنْهُمُ الْقَائِلِينَ بِنُبُوَّةِ بَزِيعٍ وَبَيَانٍ «4» وَأَشْبَاهِ هَؤُلَاءِ أَوْ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ لِنَفْسِهِ.. أَوْ جَوَّزَ. اكْتِسَابَهَا وَالْبُلُوغَ بِصَفَاءِ الْقَلْبِ إِلَى مَرْتَبَتِهَا كَالْفَلَاسِفَةِ وَغُلَاةِ الْمُتَصَوِّفَةِ - وَكَذَلِكَ مَنِ ادَّعَى مِنْهُمْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ أو أنه يصعد إلى السماء. ويدخل الْجَنَّةِ، وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَيُعَانِقُ الْحُورَ الْعِينَ.. فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ مُكَذِّبُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.. لأنه
أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.. وَأَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأَنَّهُ أُرْسِلَ كَافَّةً لِلنَّاسِ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى حَمْلِ هَذَا الْكَلَامِ على ظاهره، وأن مفهومه المراد به دُونَ تَأْوِيلٍ وَلَا تَخْصِيصٍ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا قَطْعًا إِجْمَاعًا وَسَمْعًا. - وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ دَافَعَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوْ خَصَّ حَدِيثًا مُجْمَعًا عَلَى نَقْلِهِ مَقْطُوعًا بِهِ، مُجْمَعًا عَلَى حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، كَتَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ بِإِبْطَالِ «1» الرَّجْمِ. وَلِهَذَا نكفر من لم يكفر مَنْ دَانَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمِلَلِ.. أَوْ وَقَفَ فِيهِمْ، أَوْ شَكَّ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ.. وَإِنْ أَظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ الْإِسْلَامَ وَاعْتَقَدَهُ وَاعْتَقَدَ إِبْطَالَ كُلِّ مَذْهَبٍ سِوَاهُ.. فَهُوَ كَافِرٌ بِإِظْهَارِهِ مَا أَظْهَرَ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ. - وَكَذَلِكَ نقطع بتكفير كل قائل قَوْلًا يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى تَضْلِيلِ الْأُمَّةِ، وَتَكْفِيرِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ.. كَقَوْلِ الْكُمَيْلِيَّةِ «2» مِنَ الرَّافِضَةِ بِتَكْفِيرِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَمْ تُقَدِّمْ عَلِيًّا «3» .. وَكَفَّرَتْ عَلِيًّا إِذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَيَطْلُبْ حَقَّهُ فِي التَّقْدِيمِ.
- فَهَؤُلَاءِ قَدْ كَفَرُوا مِنْ وُجُوهٍ، لِأَنَّهُمْ أَبْطَلُوا الشَّرِيعَةَ بِأَسْرِهَا، إِذْ قَدِ انْقَطَعَ نَقْلُهَا وَنَقْلُ الْقُرْآنِ، إِذْ نَاقِلُوهُ كَفَرَةٌ عَلَى زَعْمِهِمْ. وَإِلَى- هَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَشَارَ مَالِكٌ «1» فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ بِقَتْلِ مَنْ كَفَّرَ الصَّحَابَةَ. - ثُمَّ كَفَرُوا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِسَبِّهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ وَزَعْمِهِمْ أَنَّهُ عَهِدَ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بَعْدَهُ- عَلَى قَوْلِهِمْ- لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ-. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ. - وَكَذَلِكَ نُكَفِّرُ بِكُلِّ فِعْلٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُصَرِّحًا بِالْإِسْلَامِ مَعَ فِعْلِهِ ذَلِكَ الْفِعْلَ.. كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ، وَلِلشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالصَّلِيبِ، وَالنَّارِ، وَالسَّعْيِ إِلَى الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ مَعَ أَهْلِهَا، وَالتَّزَيِّي بِزِيِّهِمْ من شد الزنانير وفحص «2» الرؤوس. فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ هَذَا لَا يُوجَدُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ وَأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ عَلَامَةٌ عَلَى الْكُفْرِ، وَإِنْ صَرَّحَ فَاعِلُهَا بِالْإِسْلَامِ. - وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنِ اسْتَحَلَّ القتل،
أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ، أَوِ الزِّنَا، مِمَّا حَرَمَ اللَّهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ كَأَصْحَابِ الْإِبَاحَةِ مِنَ الْقَرَامِطَةِ وَبَعْضِ غُلَاةِ الْمُتَصَوِّفَةِ «1» . - وَكَذَلِكَ نَقْطَعُ بِتَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ كَذَّبَ وَأَنْكَرَ قَاعِدَةً مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَمَا عُرِفَ يَقِينًا بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ فعل الرسول صلّى الله عليه وسلم وَوَقَعَ الْإِجْمَاعُ الْمُتَّصِلُ عَلَيْهِ. كَمَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَ الصلوات الخمس، وعدد رَكَعَاتِهَا وَسَجَدَاتِهَا وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ الصَّلَاةَ عَلَى الْجُمْلَةِ وَكَوْنَهَا خَمْسًا.. وَعَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالشُّرُوطِ لَا أَعْلَمُهُ إِذْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ فِي الْقُرْآنِ نَصٌّ جَلِيٌّ، وَالْخَبَرُ بِهِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خبر واحد.. - وكذلك أجمع عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ قَالَ مِنَ الْخَوَارِجِ إِنَّ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ. - وَعَلَى تَكْفِيرِ الْبَاطِنِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْفَرَائِضَ أَسْمَاءُ رِجَالٍ أُمِرُوا بِوِلَايَتِهِمْ.. والخبائث والمحارم أسماء رجال أمروا بالبراءة منهم.
وَقَوْلُ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ.. إِنَّ الْعِبَادَةَ. وَطُولَ الْمُجَاهِدَةِ إِذَا صَفَتْ نُفُوسُهُمْ أَفْضَتْ بِهِمْ إِلَى إِسْقَاطِهَا وَإِبَاحَةِ كُلِّ شَيْءٍ لَهُمْ وَرَفْعِ عَهْدِ الشَّرَائِعِ عَنْهُمْ. - وَكَذَلِكَ إِنْ أَنْكَرَ مُنْكِرٌ مَكَّةَ، أَوِ الْبَيْتَ، أَوِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ صِفَةَ الْحَجِّ.. أَوْ قَالَ: الْحَجُّ وَاجِبٌ فِي الْقُرْآنِ وَاسْتِقْبَالُ القبلة كذلك، ولكن كونه على هذه الهيأة المتعارفة، وأنّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ هِيَ مَكَّةُ وَالْبَيْتُ وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ لا أدري هل هِيَ تِلْكَ أَوْ غَيْرُهَا! وَلَعَلَّ النَّاقِلِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَرَّهَا بِهَذِهِ التفاسير غلطوا ووهموا. فهذا ومثله لامرية فِي تَكْفِيرِهِ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ علم ذلك، وممن خالط الْمُسْلِمِينَ وَامْتَدَّتْ صُحْبَتُهُ لَهُمْ.. إِلَّا أَنْ يَكُونَ حديث عهد بالإسلام فَيُقَالُ لَهُ: سَبِيلُكَ أَنْ تُسْأَلَ عَنْ هَذَا الَّذِي لَمْ تَعْلَمْهُ بَعْدَ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا تَجِدُ بَيْنَهُمْ خِلَافًا، كَافَّةً عَنْ كَافَّةٍ إِلَى معاصر الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ كَمَا قِيلَ لَكَ، وَأَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ هِيَ مَكَّةُ.. وَالْبَيْتُ الَّذِي فِيهَا هُوَ الْكَعْبَةُ، وَالْقِبْلَةُ الَّتِي صَلَّى لَهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَحَجُّوا إِلَيْهَا وَطَافُوا بِهَا، وأنّ تلك الأفعال هي صفات عِبَادَةِ الْحَجِّ وَالْمُرَادُ بِهِ.. وَهِيَ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ. وَأَنَّ صفات الصلوات الْمَذْكُورَةِ.. هِيَ الَّتِي فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم،
وَشَرَحَ مُرَادَ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَأَبَانَ حُدُودَهَا.. فَيَقَعُ لَكَ الْعِلْمُ كَمَا وَقَعَ لَهُمْ.. وَلَا تَرْتَابُ بذلك بعد.. والمرتاب في ذلك والمنكر بعد البحث وصحبة المسلمين كافر باتفاق ولا يُعْذَرُ بِقَوْلِهِ «لَا أَدْرِي» ، وَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ.. بَلْ ظَاهِرُهُ التَّسَتُّرُ عَنِ التَّكْذِيبِ، إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنَّهُ لَا يَدْرِي وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِذَا جَوَّزَ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ الْوَهْمَ وَالْغَلَطَ فِيمَا نَقَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ قَوْلُ الرَّسُولِ وَفِعْلُهُ وَتَفْسِيرُ مُرَادِ اللَّهِ بِهِ أَدْخَلَ الِاسْتِرَابَةَ فِي جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ. إِذْ هُمُ النَّاقِلُونَ لَهَا وَلِلْقُرْآنِ، وَانْحَلَّتْ عُرَى الدِّينِ كَرَّةً.. وَمَنْ قَالَ هَذَا كَافِرٌ. - وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَ الْقُرْآنَ أَوْ حَرْفًا مِنْهُ، أَوْ غَيَّرَ شَيْئًا مِنْهُ، أَوْ زَادَ فِيهِ- كَفِعْلِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ- أَوْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ وَلَا مُعْجِزَةٌ. كَقَوْلِ هِشَامٍ «1» الْفُوطِيِّ، وَمَعْمَرٍ «2» الصَّيْمَرِيِّ إِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى اللَّهِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِرَسُولِهِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَلَا حُكْمٍ.. وَلَا مَحَالَةَ فِي كُفْرِهِمَا بِذَلِكَ الْقَوْلِ.
- وكذلك نكفر هما بإنكار هما أَنْ يَكُونَ فِي سَائِرِ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ لَهُ، أَوْ فِي خلق السموات وَالْأَرْضِ «1» دَلِيلٌ عَلَى اللَّهِ لِمُخَالَفَتِهِمُ الْإِجْمَاعَ وَالنَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاحْتِجَاجِهِ بِهَذَا كُلِّهِ، وَتَصْرِيحَ الْقُرْآنِ بِهِ. - وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا نَصَّ فِيهِ الْقُرْآنُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَمَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ جَاهِلًا بِهِ، وَلَا قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَاحْتَجَّ لِإِنْكَارِهِ إِمَّا بِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ النَّقْلُ عِنْدَهُ، وَلَا بلغه العلم به، أو لتجويز الوهم على ناقله، فَنُكَفِّرُهُ بِالطَّرِيقَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ «2» لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلْقُرْآنِ، مُكَذِّبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّهُ تَسَتَّرَ بِدَعْوَاهُ.. وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَ الْجَنَّةَ، أَوِ النَّارَ، أَوِ الْبَعْثَ، أَوِ الْحِسَابَ، أَوِ الْقِيَامَةَ، فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعٍ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى صِحَّةِ نَقْلِهِ مُتَوَاتِرًا. - وَكَذَلِكَ مَنِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، مَعْنًى غَيْرُ ظَاهِرِهِ، وَإِنَّهَا لَذَّاتٌ رُوحَانِيَّةٌ، وَمَعَانٍ بَاطِنَةٌ كَقَوْلِ النَّصَارَى، وَالْفَلَاسِفَةِ،
والباطنية، وبعض المتصوفة «1» ، وزعم أَنَّ مَعْنَى الْقِيَامَةِ الْمَوْتُ أَوْ فَنَاءٌ مَحْضٌ، وَانْتِقَاضُ هَيْئَةِ الْأَفْلَاكِ، وَتَحْلِيلُ الْعَالَمِ.. كَقَوْلِ بَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ. - وَكَذَلِكَ نَقْطَعُ بِتَكْفِيرِ غُلَاةِ الرَّافِضَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْأَئِمَّةَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. فَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ مَا عُرِفَ بِالتَّوَاتُرِ مِنَ الْأَخْبَارِ والسير والبلاد، لا يرجع إلى إبطال شريعة ولا يفضي إِلَى إِنْكَارِ قَاعِدَةٍ مِنَ الدِّينِ كَإِنْكَارِ غَزْوَةِ تَبُوكَ «2» ، أَوْ مُؤْتَةَ «3» ، أَوْ وُجُودِ أَبِي «4» بَكْرٍ، وعمر «5» ، أو قتل عثمان «6» ، أو خلافة عَلِيٍّ «7» مِمَّا عُلِمَ بِالنَّقْلِ ضَرُورَةً وَلَيْسَ فِي إِنْكَارِهِ جَحْدُ شَرِيعَةٍ فَلَا سَبِيلَ إِلَى تَكْفِيرِهِ. بِجَحْدِ ذَلِكَ وَإِنْكَارِ وُقُوعِ الْعِلْمِ لَهُ إِذْ ليس في ذلك أكثر
مِنَ الْمُبَاهَتَةِ.. كَإِنْكَارِ هِشَامٍ «1» وَعِبَادٍ «2» وَقْعَةَ الْجَمَلِ «3» وَمُحَارَبَةَ عَلِيٍّ مَنْ خَالَفَهُ. - فَأَمَّا إِنْ ضَعَّفَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ تُهْمَةِ النَّاقِلِينَ وَوَهَّمَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعَ.. فَنُكَفِّرُهُ بِذَلِكَ لِسَرَيَانِهِ «4» إِلَى إِبْطَالِ الشَّرِيعَةِ. فَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ «5» الْمُجَرَّدَ الَّذِي لَيْسَ طَرِيقُهُ النَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ عَنِ الشَّارِعِ، فَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالنُّظَّارِ فِي هَذَا الْبَابِ قَالُوا بِتَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ الصَّحِيحَ الْجَامِعَ لشروط الإجماع المتفق عليه عموما.
وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى.» «1» الْآيَةَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ «3» شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ «4» الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ.» وَحَكُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى تَكْفِيرِ من خالف الإجماع وذهب آخرون إلى الوقف عَنِ الْقَطْعِ بِتَكْفِيرِ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِنَقْلِهِ الْعُلَمَاءُ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى التَّوَقُّفِ فِي تَكْفِيرِ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ الْكَائِنَ عَنْ نَظَرٍ، كَتَكْفِيرِ النَّظَّامِ «5» بِإِنْكَارِهِ الْإِجْمَاعَ لِأَنَّهُ بِقَوْلِهِ هَذَا مُخَالِفٌ إِجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى احْتِجَاجِهِمْ بِهِ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ. قَالَ الْقَاضِي «6» أَبُو بَكْرٍ: الْقَوْلُ عندي أن الكفر بالله هو
الْجَهْلُ بِوُجُودِهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ هُوَ الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ. وَأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ بِقَوْلٍ وَلَا رَأْيٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْجَهْلُ بِاللَّهِ فَإِنْ عَصَى بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ نَصَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ.. أَوْ يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ. لَيْسَ لِأَجْلِ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ. لَكِنْ لِمَا يُقَارِنُهُ مِنَ الْكُفْرِ فَالْكُفْرُ بِاللَّهِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَحُدُهَا: الْجَهْلُ بِاللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَ فِعْلًا، أَوْ يَقُولَ قَوْلًا يُخْبِرُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ يُجْمِعُ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ، وَالْمَشْيِ إِلَى الْكَنَائِسِ بِالْتِزَامِ الزِّنَّارِ مَعَ أَصْحَابِهَا فِي أَعْيَادِهِمْ. أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَوِ الْفِعْلُ لَا يُمْكِنُ معه العلم بالله.. قَالَ: فَهَذَانِ الضَّرْبَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا جَهْلًا بِاللَّهِ، فَهُمَا عِلْمٌ أَنَّ فَاعِلَهُمَا كَافِرٌ مُنْسَلِخٌ مِنَ الْإِيمَانِ. فَأَمَّا مَنْ نَفَى صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّاتِيَّةِ، أَوْ جَحَدَهَا مُسْتَبْصِرًا فِي ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: لَيْسَ بِعَالِمٍ وَلَا قَادِرٍ وَلَا مُرِيدٍ وَلَا مُتَكَلِّمٍ
وَشِبْهِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ الْوَاجِبَةِ لَهُ تَعَالَى فَقَدْ نَصَّ أَئِمَّتُنَا عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى كُفْرِ مَنْ نَفَى عَنْهُ تَعَالَى الْوَصْفَ بِهَا وَأَعْرَاهُ عَنْهَا. وَعَلَى هَذَا حُمِلَ قَوْلُ سُحْنُونٍ «1» مَنْ قَالَ: «لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ فَهُوَ كَافِرٌ» وَهُوَ لَا يُكَفِّرُ الْمُتَأَوِّلِينَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. فَأَمَّا مَنْ جَهِلَ صِفَةً مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَاخْتَلَفَ العلماء ههنا فَكَفَّرَهُ بَعْضُهُمْ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي «2» جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ «3» الْأَشْعَرِيُّ مَرَّةً وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ هَذَا لَا يُخْرِجُهُ عَنِ اسْمِ الْإِيمَانِ.. وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ اعْتِقَادًا يَقْطَعُ بصوابه، ويراه دينا وشرعا وإنما يكفر مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ مَقَالَهُ حَقٌّ. وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ السَّوْدَاءِ «4» وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا طَلَبَ مِنْهَا التَّوْحِيدَ لَا غَيْرَ.
وَبِحَدِيثِ الْقَائِلِ «1» : لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ- وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِ- لَعَلِّي أُضِلُّ اللَّهَ- ثُمَّ قَالَ- فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ قَالُوا: وَلَوْ بُوحِثَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَنِ الصِّفَاتِ وَكُوشِفُوا عَنْهَا، لَمَا وُجِدَ مَنْ يَعْلَمُهَا إِلَّا الْأَقَلُّ. وَقَدْ أَجَابَ الْآخَرُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِوُجُوهٍ: مِنْهَا: أَنَّ «قَدَرَ» بِمَعْنَى «قَدَّرَ» وَلَا يَكُونُ شَكُّهُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى إِحْيَائِهِ بَلْ فِي نَفْسِ الْبَعْثِ الَّذِي لا يعلم إلا بشرع، ولعله لم يكن وَرَدَ عِنْدَهُمْ بِهِ شَرْعٌ يُقْطَعُ عَلَيْهِ فَيَكُونَ الشك فيه حينئذ كفرا فأما ما لم يرد به شَرْعٌ فَهُوَ مِنْ مُجَوَّزَاتِ الْعُقُولِ.. أَوْ يَكُونُ «قَدَرَ» بِمَعْنَى «ضَيَّقَ» وَيَكُونُ مَا فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ إزراء عليها، وغضبا لعصيانها.
وَقِيلَ: «قَالَ مَا قَالَهُ وَهُوَ غَيْرُ عَاقِلٍ لِكَلَامِهِ وَلَا ضَابِطٍ لِلَفْظِهِ مِمَّا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنَ الْجَزَعِ وَالْخَشْيَةِ الَّتِي أَذْهَبَتْ لُبَّهُ فَلَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ» وَقِيلَ: «كَانَ هَذَا فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ. وَحَيْثُ يَنْفَعُ مُجَرَّدُ التَّوْحِيدِ» وَقِيلَ: (بَلْ هَذَا مِنْ مَجَازِ «1» كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي صُورَتُهُ الشَّكُّ وَمَعْنَاهُ التَّحْقِيقُ.. وَهُوَ يُسَمَّى تَجَاهُلَ الْعَارِفِ.. وَلَهُ أَمْثِلَةٌ فِي كَلَامِهِمْ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى «2» » وَقَوْلِهِ: «وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ «3» » ) فَأَمَّا مَنْ أَثْبَتَ الْوَصْفَ، وَنَفَى الصِّفَةَ «4» فَقَالَ: أَقُولُ عَالِمٌ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَمُتَكَلِّمٌ وَلَكِنْ لَا كَلَامَ لَهُ. وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ. فَمَنْ قَالَ بِالْمَآلِ لِمَا يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ قَوْلُهُ وَيَسُوقُهُ إِلَيْهِ مَذْهَبُهُ كَفَّرَهُ.. لِأَنَّهُ إِذَا نَفَى الْعِلْمَ انْتَفَى وَصْفُ عَالِمٍ.. إِذْ لَا يُوصَفُ بِعَالِمٍ إِلَّا مَنْ لَهُ عِلْمٌ فَكَأَنَّهُمْ صَرَّحُوا عِنْدَهُ بِمَا أَدَّى إليه قولهم.
وَهَكَذَا عِنْدَ هَذَا سَائِرُ فِرَقِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنَ الْمُشَبِّهَةِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَمَنْ لَمْ يَرَ أَخْذَهُمْ بِمَآلِ قَوْلِهِمْ وَلَا أَلْزَمَهُمْ مُوجِبَ مَذْهَبِهِمْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَهُمْ. قَالَ: لِأَنَّهُمْ إِذَا وُقِّفُوا عَلَى هَذَا قَالُوا: لَا نَقُولُ لَيْسَ بِعَالَمٍ، ونحن ننتفي من القول بالمال الذي ألزمتموه لَنَا، وَنَعْتَقِدُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ أَنَّهُ كُفْرٌ. بَلْ نقول: إن قولنا لا يؤول إِلَيْهِ عَلَى مَا أَصَّلْنَاهُ. فَعَلَى هَذَيْنِ الْمَأْخَذَيْنِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي إِكْفَارِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَإِذَا فَهِمْتَهُ اتَّضَحَ لَكَ الْمُوجِبُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي ذلك. والصواب ترك إكفارهم، والإعراض عن الختم عَلَيْهِمْ بِالْخُسْرَانِ، وَإِجْرَاءِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ فِي قِصَاصِهِمْ، وَوِرَاثَاتِهِمْ، وَمُنَاكَحَاتِهِمْ، وَدِيَاتِهِمْ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، وَدَفْنِهِمْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَائِرِ مُعَامَلَاتِهِمْ. لَكِنَّهُمْ يُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِوَجِيعِ الْأَدَبِ. وَشَدِيدِ الزَّجْرِ وَالْهَجْرِ حَتَّى يَرْجِعُوا عَنْ بِدْعَتِهِمْ. وَهَذِهِ كَانَتْ سِيرَةَ الصَّدْرِ الأول فيهم. فقد كان نشأ على زمن الصَّحَابَةِ وَبَعْدَهُمْ فِي التَّابِعِينَ مَنْ قَالَ بِهَذِهِ
الْأَقْوَالِ مِنَ الْقَدَرِ، وَرَأْيِ الْخَوَارِجِ وَالِاعْتِزَالِ «1» ، فَمَا أزاحوا لَهُمْ قَبْرًا، وَلَا قَطَعُوا لِأَحَدٍ مِنْهُمْ مِيرَاثًا، لَكِنَّهُمْ هَجَرُوهُمْ. وَأَدَّبُوهُمْ بِالضَّرْبِ. وَالنَّفْيِ، وَالْقَتْلِ، عَلَى قَدْرِ أَحْوَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ فُسَّاقٌ ضُلَّالٌ عُصَاةٌ أَصْحَابُ كَبَائِرَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَأَهْلِ السُّنَّةِ مِمَّنْ لَمْ يَقُلْ بِكُفْرِهِمْ مِنْهُمْ، خِلَافًا لِمَنْ رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ «2» : وَأَمَّا مَسَائِلُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ «3» ، وَالرُّؤْيَةِ «4» وَالْمَخْلُوقِ «5» ، وخلق الأفعال، وبقاء الأعراض «6» ،
وَالتَّوَلُّدِ «1» ، وَشِبْهِهَا مِنَ الدَّقَائِقِ، فَالْمَنْعُ فِي إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ فِيهَا أَوْضَحُ.. إِذْ لَيْسَ فِي الْجَهْلِ بِشَيْءٍ مِنْهَا جَهْلٌ بِاللَّهِ تَعَالَى.. وَلَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِكْفَارِ مَنْ جَهِلَ شَيْئًا مِنْهَا. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ وَصُورَةِ الْخِلَافِ فِي هَذَا مَا أَغْنَى عَنْ إعادته بحول الله تعالى.
الفصل الخامس حكم الذمي اذا سب الله تعالى
الْفَصْلُ الْخَامِسُ حُكْمُ الذِّمِّيِّ إِذَا سَبَّ اللَّهَ تعالى هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ السَّابِّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ «1» اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي ذَمِّيٍّ «2» تَنَاوَلَ مِنْ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ دِينِهِ وَحَاجَّ فِيهِ.. فَخَرَجَ ابْنُ عُمَرَ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ فَطَلَبَهُ فَهَرَبَ. وَقَالَ مَالِكٌ «3» فِي كِتَابِ ابْنِ «4» حَبِيبٍ وَالْمَبْسُوطَةِ وَابْنِ الْقَاسِمِ «5» فِي الْمَبْسُوطِ، وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ «6» وابن سحنون «7» : «من شتم الله من
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ.» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطَةِ طَوْعًا. قَالَ أَصْبَغُ «1» : «لِأَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي بِهِ كَفَرُوا هُوَ دِينُهُمْ وَعَلَيْهِ عُوهِدُوا مِنْ دَعْوَى الصَّاحِبَةِ وَالشَّرِيكِ وَالْوَلَدِ وَأَمَّا غَيْرُ هَذَا مِنَ الْفِرْيَةِ وَالشَّتْمِ فَلَمْ يُعَاهِدُوا عَلَيْهِ فَهُوَ نَقْضٌ لِلْعَهْدِ» . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ «2» : «وَمَنْ شَتَمَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْأَدْيَانِ اللَّهَ تَعَالَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ فِي كِتَابِهِ قُتِلَ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ. وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ «3» فِي الْمَبْسُوطَةِ.، وَمُحَمَّدُ بْنُ «4» مَسْلَمَةَ وَابْنُ «5» أَبِي حَازِمٍ: «لَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ» . وَقَالَ مُطَرِّفٌ «6» وَعَبْدُ «7» الْمَلِكِ: مثل قول مالك «8» وقال
أَبُو مُحَمَّدِ «1» بْنُ أَبِي زَيْدٍ: «مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ كَفَرَ قُتِلَ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ ابْنِ الْجَلَّابِ «2» قَبْلُ. وَذَكَرْنَا قَوْلَ عُبَيْدِ «3» اللَّهِ، وَابْنِ «4» لُبَابَةَ، وَشُيُوخِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَفُتْيَاهُمْ بِقَتْلِهَا لِسَبِّهَا- بِالْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَتْ بِهِ- اللَّهَ وَالنَّبِيَّ وَإِجْمَاعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ نَحْوُ الْقَوْلِ الْآخَرِ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ بِالْوَجْهِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ سَبِّ اللَّهِ وَسَبِّ نبيه لأنّا عاهدناهم على أن لا يظهروا لنا شيئا من كفرهم وأن لا يُسْمِعُونَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَمَتَى فَعَلُوا شَيْئًا مِنْهُ فَهُوَ نَقْضٌ لِعَهْدِهِمْ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الذِّمِّيِّ إِذَا تَزَنْدَقَ فَقَالَ مَالِكٌ وَمُطَرِّفٌ، وَابْنُ «5» عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَصْبَغُ «6» : «لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ خَرَجَ من كفر إلى كفر» .
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ «1» بْنُ الْمَاجِشُونِ: «يُقْتَلُ لِأَنَّهُ دين لا يقرّ عليه أحد.. ولا يؤخذ عليه جزية» . قال ابن «2» حبيب: «وما أعلم من قاله غيره» . ***
الفصل السادس حكم ادعاء الإلهية أو الكذب والبهتان على الله
الْفَصْلُ السَّادِسُ حُكْمُ ادِّعَاءِ الْإِلَهِيَّةِ أَوِ الْكَذِبِ والبهتان عَلَى اللَّهِ هَذَا حُكْمُ مَنْ صَرَّحَ بِسَبِّهِ وَإِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ. فَأَمَّا مُفْتَرِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِادِّعَاءِ الْإِلَهِيَّةِ أَوِ الرِّسَالَةِ، أَوِ النَّافِي أَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَالِقُهُ، أَوْ رَبُّهُ.. أَوْ قَالَ: «لَيْسَ لِي رَبٌّ» ، أَوِ الْمُتَكَلِّمُ بِمَا لَا يُعْقَلُ مِنْ ذَلِكَ فِي سُكْرِهِ، أَوْ غَمْرَةِ جُنُونِهِ، فَلَا خِلَافَ فِي كُفْرِ قَائِلِ ذَلِكَ وَمُدَّعِيهِ مَعَ سلامة عقله كما قدمناه. لَكِنَّهُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَتَنْفَعُهُ إِنَابَتُهُ، وتنجيه من القتل فيأته، لَكِنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ عَظِيمِ النَّكَالِ، وَلَا يُرَفَّهُ «1» عَنْ شَدِيدِ الْعِقَابِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ زَجْرًا لِمِثْلِهِ عَنْ قَوْلِهِ، وَلَهُ عَنِ الْعَوْدَةِ لِكُفْرِهِ أو جهله إِلَّا مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَعُرِفَ اسْتِهَانَتُهُ بما أتى به، فهو دليل على
سُوءِ طَوِيَّتِهِ، وَكَذِبِ تَوْبَتِهِ،، وَصَارَ كَالزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا نَأْمَنُ بَاطِنَهُ، وَلَا نَقْبَلُ رُجُوعَهُ.. وَحُكْمُ السَّكْرَانِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الصَّاحِي.. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ وَالْمَعْتُوهُ فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ غَمْرَتِهِ، وَذَهَابِ مَيْزِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا نَظَرَ فِيهِ، وَمَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ مَيْزِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَقْلُهُ وَسَقَطَ تَكْلِيفُهُ أُدِّبَ عَلَى ذَلِكَ لِيَنْزَجِرَ عَنْهُ كَمَا يُؤَدَّبُ عَلَى قَبَائِحِ الْأَفْعَالِ وَيُوَالَى أَدَبُهُ على ذلك حتى ينكفّ عَنْهُ، كَمَا تُؤَدَّبُ الْبَهِيمَةُ عَلَى سُوءِ الْخُلُقِ حَتَّى تُرَاضَ. - وَقَدْ أَحْرَقَ عَلِيُّ «1» بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنِ ادَّعَى «2» لَهُ الْإِلَهِيَّةَ. - وَقَدْ قَتَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ «3» بْنُ مَرْوَانَ الْحَارِثَ «4» الْمُتَنَبِّي وَصَلَبَهُ وَفَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ من الخلفاء والملوك بأشباههم وأجمع علماء
وَقْتِهِمْ عَلَى صَوَابِ فِعْلِهِمْ.. وَالْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ مِنْ كُفْرِهِمْ كَافِرٌ. وَأَجْمَعَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ أَيَّامَ الْمُقْتَدِرِ «1» مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَاضِي قُضَاتِهَا أَبُو عُمَرَ «2» الْمَالِكِيُّ عَلَى قَتْلِ الْحَلَّاجِ «3» وَصَلْبِهِ لِدَعْوَاهُ الْإِلَهِيَّةَ «4» ، وَالْقَوْلِ بِالْحُلُولِ «5» وَقَوْلِهِ «أَنَا الْحَقُّ» مَعَ تَمَسُّكِهِ في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته.
وَكَذَلِكَ حَكَمُوا فِي ابْنِ أَبِي «1» الْفَرَاقِيدِ، وَكَانَ عَلَى نَحْوِ مَذْهَبِ الْحَلَّاجِ بَعْدَ هَذَا أَيَّامِ الرَّاضِي «2» بِاللَّهِ.. وَقَاضِي قُضَاةِ بَغْدَادَ يَوْمَئِذٍ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ «3» أَبِي عُمَرَ الْمَالِكِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ «4» الْحَكَمِ فِي الْمَبْسُوطِ: «مَنْ تَنَبَّأَ قُتِلَ» . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ «5» وَأَصْحَابُهُ: «مَنْ جَحَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُهُ أَوْ رَبُّهُ أَوْ قَالَ: لَيْسَ لِي رَبٌّ فَهُوَ مُرْتَدٌّ» . وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ «6» فِي كِتَابِ ابْنِ «7» حَبِيبٍ وَمُحَمَّدٍ «8» فِي
الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ تَنَبَّأَ يُسْتَتَابُ أَسَرَّ ذَلِكَ أَوْ أعلنه، وهو كالمرتد.. وقاله سُحْنُونٌ «1» وَغَيْرُهُ وَقَالَهُ أَشْهَبُ «2» فِي يَهُودِيٍّ تَنَبَّأَ وَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ إِلَيْنَا.. إِنْ كَانَ مُعْلِنًا بِذَلِكَ اسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ «3» بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيمَنْ لَعَنَ بَارِئَهُ وَادَّعَى أَنَّ لِسَانَهُ زَلَّ.. وَإِنَّمَا أَرَادَ لَعْنَ الشَّيْطَانِ يُقْتَلُ بِكُفْرِهِ وَلَا يُقْبَلُ عُذْرُهُ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا تقبل توبته. وقال أبو الحسين «4» الْقَابِسِيُّ فِي سَكْرَانَ قَالَ: أَنَا اللَّهُ أَنَا اللَّهُ. إِنْ تَابَ أُدِّبَ فَإِنْ عَادَ إِلَى مِثْلِ قَوْلِهِ طُولِبَ مُطَالَبَةَ الزِّنْدِيقِ لِأَنَّ هَذَا كفر المتلاعبين.
الفصل السابع حكم من تعرض بساقط قوله وسخيف لفظه لجلال ربه دون قصد
الفصل السّابع حكم من تعرّض بساقط قوله وسخيف لفظه لجلال ربّه دُونَ قَصْدٍ وَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ مِنْ سَقْطِ الْقَوْلِ وَسُخْفِ اللَّفْظِ مِمَّنْ لَمْ يَضْبِطْ كَلَامَهُ وَأَهْمَلَ لِسَانَهُ بِمَا يَقْتَضِي الِاسْتِخْفَافَ بِعَظَمَةِ رَبِّهِ، وَجَلَالَةِ مَوْلَاهُ.. أَوْ تَمَثَّلَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِبَعْضِ مَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ مَلَكُوتِهِ.. أَوْ نَزَعَ مِنَ الْكَلَامِ لِمَخْلُوقٍ بِمَا لَا يَلِيقُ إِلَّا فِي حَقِّ خَالِقِهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْكُفْرِ وَالِاسْتِخْفَافِ وَلَا عَامِدٍ لِلْإِلْحَادِ. فَإِنْ تَكَرَّرَ هَذَا مِنْهُ، وَعُرِفَ بِهِ دَلَّ عَلَى تَلَاعُبِهِ بِدِينِهِ، وَاسْتِخْفَافِهِ بِحُرْمَةِ رَبِّهِ، وَجَهْلِهِ بِعَظِيمِ عِزَّتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ. - وهذا كفر لامرية فِيهِ. وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مَا أَوْرَدَهُ يُوجِبُ الِاسْتِخْفَافَ وَالتَّنَقُّصَ لِرَبِّهِ.
وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ حَبِيبٍ «1» وَأَصْبَغُ «2» بْنُ خَلِيلٍ مِنْ فُقَهَاءِ قُرْطُبَةَ بِقَتْلِ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ أَخِي عَجَبٍ «3» ، وَكَانَ خَرَجَ يَوْمًا فَأَخَذَهُ الْمَطَرُ فَقَالَ: «بَدَأَ الْخَرَّازُ «4» يَرُشُّ جُلُودَهُ» . وَكَانَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِهَا.. أَبُو زَيْدٍ «5» صَاحِبُ الثَّمَانِيَةِ «6» ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى «7» بن وهب، وأبان «8» بن عيسى. وقد تَوَقَّفُوا عَنْ سَفْكِ دَمِهِ، وَأَشَارُوا إِلَى أَنَّهُ عَبَثٌ مِنَ الْقَوْلِ. يَكْفِي فِيهِ الْأَدَبُ. وَأَفْتَى بِمِثْلِهِ الْقَاضِي حِينَئِذٍ مُوسَى «9» بْنُ زِيَادٍ. فَقَالَ ابن حبيب:
دمه في غيض.. أَيُشْتَمُ رَبٌّ عَبَدْنَاهُ ثُمَّ لَا نَنْتَصِرُ لَهُ.. إنا إذا لعبيد سوء ما نَحْنُ لَهُ بِعَابِدِينَ وَبَكَى. وَرُفِعَ الْمَجْلِسُ إِلَى الْأَمِيرِ بِهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ «1» بْنِ الْحَكَمِ الْأُمَوِيِّ وَكَانَتْ عَجَبُ «2» عَمَّةَ هَذَا الْمَطْلُوبِ مِنْ حَظَايَاهُ «3» ، وَأُعْلِمَ بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فَخَرَجَ الْإِذْنُ مِنْ عِنْدِهِ بِالْأَخْذِ بِقَوْلِ ابْنِ «4» حَبِيبٍ وَصَاحِبِهِ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقُتِلَ وَصُلِبَ بِحَضْرَةِ الْفَقِيهَيْنِ.. وَعُزِلَ الْقَاضِي لِتُهْمَتِهِ بِالْمُدَاهَنَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَوَبَّخَ بَقِيَّةَ الْفُقَهَاءِ وَسَبَّهُمْ. - وَأَمَّا مَنْ صَدَرَتْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ الهنة الواحدة، والفلتة الشاردة ما لم يكن تَنَقُّصًا وَإِزْرَاءً فَيُعَاقَبُ عَلَيْهَا، وَيُؤَدَّبُ بِقَدْرِ مُقْتَضَاهَا، وَشُنْعَةِ مَعْنَاهَا، وَصُورَةِ حَالِ قَائِلِهَا، وَشَرْحِ سَبَبِهَا وَمُقَارِنِهَا. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ «5» الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ عن رجل نادى رجلا باسمه
فأجابه لبيك اللهم لبيك. قال: فإن كَانَ جَاهِلًا، أَوْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ سَفَهٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو «1» الْفَضْلِ: وَشَرْحُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِ. وَالْجَاهِلُ يُزْجَرُ وَيُعَلَّمُ. وَالسَّفِيهُ يُؤَدَّبُ. وَلَوْ قَالَهَا عَلَى اعْتِقَادِ إِنْزَالِهِ مَنْزِلَةَ رَبِّهِ لَكَفَرَ. هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ. وَقَدْ أَسْرَفَ كَثِيرٌ مِنْ سُخَفَاءِ الشُّعَرَاءِ وَمُتَّهِمِيهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ وَاسْتَخَفُّوا عَظِيمَ هَذِهِ الْحُرْمَةِ فَأَتَوْا مِنْ ذَلِكَ بِمَا نُنَزِّهُ كِتَابَنَا وَلِسَانَنَا وَأَقْلَامَنَا عَنْ ذِكْرِهِ، وَلَوْلَا أَنَّا قَصَدْنَا نص مسائل حكيناها لما ذَكَرْنَا شَيْئًا مِمَّا يَثْقُلُ ذِكْرُهُ عَلَيْنَا مِمَّا حكيناه في هذه الفصول. وأما مَا وَرَدَ فِي هَذَا مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ وَأَغَالِيطِ اللِّسَانِ كَقَوْلِ بَعْضِ الْأَعْرَابِ رَبَّ الْعِبَادِ ما لنا ومالكا ... قَدْ كُنْتَ تَسْقِينَا فَمَا بَدَا لَكَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ لَا أَبَا لَكَا. فِي أَشْبَاهٍ لِهَذَا مِنْ كَلَامِ الْجُهَّالِ، وَمَنْ لَمْ يُقَوِّمْهُ ثِقَافُ «2» تَأْدِيبِ الشَّرِيعَةِ وَالْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ. فَقَلَّمَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ جَاهِلٍ يَجِبُ تَعْلِيمُهُ وَزَجْرُهُ وَالْإِغْلَاظُ لَهُ عَنِ الْعَوْدَةِ إِلَى مِثْلِهِ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ «1» الْخَطَابِيُّ: وَهَذَا تَهَوُّرٌ مِنَ الْقَوْلِ. وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَوْنِ «2» بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «لِيُعَظِّمْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَهُ في كل شيء. حتى لا يَقُولَ. أَخْزَى اللَّهُ الْكَلْبَ. وَفَعَلَ بِهِ كَذَا وكذا» . وَكَانَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ مَشَايِخِنَا قَلَّمَا يَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا فِيمَا يَتَّصِلُ بِطَاعَتِهِ. وَكَانَ يَقُولُ لِلْإِنْسَانِ: جُزِيتَ خَيْرًا. وَقَلَّمَا يَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا. إِعْظَامًا لِاسْمِهِ تَعَالَى أَنْ يُمْتَهَنَ فِي غَيْرِ قُرْبَةٍ. وَحَدَّثَنَا الثِّقَةُ «3» أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا بَكْرٍ «4» الشَّاشِيَّ كَانَ يَعِيبُ على
أَهْلِ الْكَلَامِ كَثْرَةَ خَوْضِهِمْ فِيهِ تَعَالَى وَفِي ذِكْرِ صِفَاتِهِ إِجْلَالًا لِاسْمِهِ تَعَالَى. وَيَقُولُ: هَؤُلَاءِ يَتَمَنْدَلُونَ «1» بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.. وَيُنَزِّلُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ تَنْزِيلَهُ فِي بَابِ سَابِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي فصلناها.. والله الموفق.
الفصل الثامن حكم سب بقية الانبياء والملائكة
الْفَصْلُ الثَّامِنُ حُكْمُ سَبِّ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ وَاسْتَخَفَّ بِهِمْ، أَوْ كَذَّبَهُمْ فِيمَا أَتَوْا بِهِ، أَوْ أَنْكَرَهُمْ وَجَحَدَهُمْ.. حُكْمُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَسَاقِ مَا قَدَّمْنَاهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ. «1» » الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى: «قُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا، وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ. «2» » الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ «لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ «3» » وَقَالَ: «كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ «4» »
قَالَ مَالِكٌ «1» فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ «2» وَمُحَمَّدٍ «3» ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ «4» وَابْنُ الْمَاجِشُونِ «5» ، وَابْنُ «6» عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَصْبَغُ «7» وَسُحْنُونٌ «8» فِيمَنْ شَتَمَ الْأَنْبِيَاءَ أَوْ أَحَدًا مِنْهُمْ أَوْ تَنَقَّصَهُ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ. وَمَنْ سَبَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قُتِلَ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ. وَرَوَى سُحْنُونٌ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: «من سب الْأَنْبِيَاءَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ كَفَرَ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي هَذَا الْأَصْلِ.. وَقَالَ الْقَاضِي بِقُرْطُبَةَ سَعِيدُ بْنُ «9» سُلَيْمَانَ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ: «مَنْ سَبَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ قُتِلَ» . وَقَالَ سُحْنُونٌ «10» : «مَنْ شَتَمَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَعَلَيْهِ القتل» .
وَفِي النَّوَادِرِ «1» عَنْ مَالِكٍ «2» : «فِيمَنْ قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ بِالْوَحْيِ وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ عَلِيَّ بْنَ «3» أَبِي طَالِبٍ. اسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ» . وَنَحْوُهُ عَنْ سُحْنُونٍ. وَهَذَا قَوْلُ الْغُرَابِيَّةِ «4» مِنَ الرَّوَافِضِ.. سُمُّوا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهَ بِعَلِيٍّ مِنَ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ» وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ «5» وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَصْلِهِمْ: «مَنْ كَذَّبَ بِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ تنقّص أحدا منهم أو برىء مِنْهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ» . وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ «6» الْقَابِسِيُّ: فِي الَّذِي قَالَ لِآخَرَ: كَأَنَّهُ وَجْهُ مَالِكٍ «7» الْغَضْبَانِ.. لَوْ عُرِفَ أَنَّهُ قَصَدَ ذَمَّ الْمَلَكِ قُتِلَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو «8» الْفَضْلِ: وَهَذَا كُلُّهُ فيمن تكلم فيهم بما قلناه
عَلَى جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ، أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ مِمَّنْ حَقَّقْنَا كَوْنَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ مِمَّنْ نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ، أَوْ حَقَّقْنَا عِلْمَهُ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمُشْتَهِرِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ، كَجِبْرِيلَ «1» وَمِيكَائِيلَ وَمَالِكٍ، وَخَزَنَةِ الْجَنَّةِ، وَجَهَنَّمَ وَالزَّبَانِيَةِ وَحَمَلَةِ الْعَرْشِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ سُمِّيَ فِيهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَعِزْرَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ وَرِضْوَانَ، وَالْحَفَظَةِ وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ «2» مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَى قَبُولِ الْخَبَرِ بِهِمَا.. فَأَمَّا مَنْ لم تثبت الأخبار بتعيينه كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ فِي الْمَلَائِكَةِ، وَالْخَضِرِ «3» وَلُقْمَانَ «4» وَذِي الْقَرْنَيْنِ «5» وَمَرْيَمَ «6» وَآسِيَةَ «7» وَخَالِدِ بْنِ «8» سِنَانَ (الْمَذْكُورِ أنه نبي أهل
الرس) وزرادشت «1» الذي تدعي المجوس والمؤرخون نُبُوَّتَهُ، فَلَيْسَ الْحُكْمُ فِي سَابِّهِمْ وَالْكَافِرِ بِهِمْ كَالْحُكْمِ فِيمَنْ قَدَّمْنَاهُ.. إِذْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ.. وَلَكِنْ يُزْجَرُ مَنْ تَنَقَّصَهُمْ وَآذَاهُمْ، ويؤدب بقدر حال المقول فيه، لَا سِيَّمَا مَنْ عُرِفَتْ صِدِّيقِيَّتُهُ وَفَضْلُهُ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ نُبُوَّتُهُ. وَأَمَّا إِنْكَارُ نُبُوَّتِهِمْ، أَوْ كَوْنِ الْآخَرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا حَرَجَ، لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ زُجِرَ عَنِ الْخَوْضِ فِي مِثْلِ هَذَا. فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ الْكَلَامُ فِي مِثْلِ هَذَا. وَقَدْ كَرِهَ السَّلَفُ الْكَلَامَ فِي مِثْلِ هَذَا مِمَّا لَيْسَ تحته عمل لأهل العلم، فكيف للعامة!
الفصل التاسع الحكم بالنسبة للقرآن
الفصل التاسع الحكم بالنسبة للقرآن وَاعْلَمْ أَنَّ مَنِ اسْتَخَفَّ بِالْقُرْآنِ، أَوِ الْمُصْحَفِ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ، أَوْ سَبَّهُمَا، أَوْ جَحَدَهُ، أَوْ حَرْفًا مِنْهُ، أَوْ آيَةً أَوْ كَذَّبَ به، أو بشيء منه.. أو بِشَيْءٍ مِمَّا صُرِّحَ بِهِ فِيهِ مِنْ حُكْمٍ، أَوْ خَبَرٍ، أَوْ أَثْبَتَ مَا نَفَاهُ، أَوْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ.. عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِذَلِكَ، أَوْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِجْمَاعٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. «1» » عَنْ أَبِي «2» هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «3» : «الْمِرَاءُ «4» فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ» تؤوّل بمعنى «الشك» وبمعنى «الجدال»
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «1» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «مَنْ جَحَدَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ حَلَّ ضَرْبُ عُنُقِهِ..» وَكَذَلِكَ إِنْ جَحَدَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَكُتُبَ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةَ أَوْ كَفَرَ بِهَا، أَوْ لَعَنَهَا، أَوْ سَبَّهَا، أَوِ اسْتَخَفَّ بِهَا فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ الْمَتْلُوَّ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ الْمَكْتُوبَ فِي الْمُصْحَفِ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مِمَّا جَمَعَهُ الدَّفَّتَانِ مِنْ أَوَّلِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «3» ) إلى آخر (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَوَحْيُهُ الْمُنَزَّلُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وَأَنَّ جَمِيعَ مَا فِيهِ حَقٌّ. وَأَنَّ مَنْ نَقَصَ مِنْهُ حَرْفًا قَاصِدًا لِذَلِكَ، أَوْ بَدَّلَهُ بِحَرْفٍ آخَرَ مَكَانَهُ، أَوْ زَادَ فِيهِ حَرْفًا مِمَّا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِ الْمُصْحَفُ الَّذِي وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَأَجْمَعَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ عَامِدًا لِكُلِّ هَذَا. أَنَّهُ كَافِرٌ وَلِهَذَا رَأَى مَالِكٌ «4» قَتْلَ مَنْ سَبَّ عَائِشَةَ «5» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِالْفِرْيَةِ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْقُرْآنَ، وَمَنْ خَالَفَ القرآن قتل.. أي لأنه كذّب بما فيه.
وَقَالَ ابْنُ «1» الْقَاسِمِ: «مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا يُقْتَلُ» . وَقَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ «2» بْنُ مَهْدِيٍّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ «3» سُحْنُونٍ: فِيمَنْ قَالَ: «الْمُعَوِّذَتَانِ لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ يُضْرَبُ عُنُقُهُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَذَّبَ بِحَرْفٍ مِنْهُ» . قَالَ: «وَكَذَلِكَ إِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَشَهِدَ آخَرُ عليه أنه قال: إن الله لم يتخذ إِبْرَاهِيمَ خَلَيِلًا لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّهُ كَذَّبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَقَالَ أَبُو عثمان «4» الْحَدَّادِ: «جَمِيعُ مَنْ يَنْتَحِلُ التَّوْحِيدَ مُتَّفِقُونَ أَنَّ الْجَحْدَ لِحَرْفٍ مِنَ التَّنْزِيلِ كُفْرٌ» . وَكَانَ أَبُو «5» الْعَالِيَةِ إِذَا قَرَأَ عِنْدَهُ رَجُلٌ لَمْ يَقُلْ لَهُ: لَيْسَ كَمَا قَرَأْتَ وَيَقُولُ: أَمَّا أَنَا فأقرأ كذا. فبلغ ذلك إبراهيم «6» فقال:
أَرَاهُ سَمِعَ أَنَّهُ مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ فقد كفر به كلية. وقال عبد الله بن «1» مسعود «2» : من كفر باية من القرآن فَقَدْ كَفَرَ بِهِ كُلِّهِ. وَقَالَ أَصْبَغُ بْنُ «3» الْفَرَجِ: مَنْ كَذَّبَ بِبَعْضِ الْقُرْآنِ فَقَدْ كَذَّبَ بِهِ كُلِّهِ وَمَنْ كَذَّبَ بِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ. وَقَدْ سُئِلَ الْقَابِسِيُّ «4» عَمَّنْ خَاصَمَ يَهُودِيًّا فَحَلَفَ لَهُ بِالتَّوْرَاةِ.. فَقَالَ الْآخَرُ: لَعَنَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدٌ ثُمَّ شَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْقَضِيَّةِ فَقَالَ إِنَّمَا لَعَنْتُ تَوْرَاةَ الْيَهُودِ.. فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ لَا يُوجِبُ الْقَتْلَ، وَالثَّانِي عَلَّقَ الْأَمْرَ بِصِفَةٍ تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ.. إِذْ لَعَلَّهُ لَا يَرَى الْيَهُودَ مُتَمَسِّكِينَ بِشَيْءٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِتَبْدِيلِهِمْ، وَتَحْرِيفِهِمْ، وَلَوِ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى لَعْنِ التَّوْرَاةِ مُجَرَّدًا لَضَاقَ التَّأْوِيلُ. وَقَدِ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ عَلَى استتابة ابن شنبوذ «5» المقرىء أحد
أَئِمَّةِ الْمُقْرِئِينَ الْمُتَصَدِّرِينَ بِهَا مَعَ ابْنِ مُجَاهِدٍ «1» لقراءته وإقراءه بِشَوَاذَّ مِنَ الْحُرُوفِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ.. وعقدوا عليه- بالرجوع عنه، والتوبة منه- سِجِلًّا أَشْهَدَ فِيهِ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَجْلِسِ الْوَزِيرِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ «2» مُقْلَةَ سَنَةَ ثلاث وعشرين وثلاثمئة. وَكَانَ فِيمَنْ أَفْتَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ «3» الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَفْتَى أَبُو مُحَمَّدِ «4» بْنُ أَبِي زَيْدٍ بِالْأَدَبِ فِيمَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ: لَعَنَ اللَّهُ معلمك وما علمك.. وقال: أَرَدْتُ سُوءَ الْأَدَبِ وَلَمْ أُرِدِ الْقُرْآنَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَمَّا مَنْ لَعَنَ الْمُصْحَفَ فَإِنَّهُ يقتل.
الفصل العاشر الحكم في سب آل البيت والأزواج والأصحاب
الْفَصْلُ الْعَاشِرُ الْحُكْمُ فِي سَبِّ آلِ الْبَيْتِ والأزواج والأصحاب وسبّ آل بيته وأزواجه أمهات المؤمنين وأصحابه صلّى الله عليه وسلم وثنقصها حرام ملعون فاعله. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ «1» مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «2» : «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فَقَدْ آذَى اللَّهَ.. وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ..» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.»
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَإِنَّهُ يَجِيءُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَسُبُّونَ أَصْحَابِي فَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ، وَلَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ، وَلَا تُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا تُجَالِسُوهُمْ، وَإِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ.» وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَاضْرِبُوهُ.» وَقَدْ أَعْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سَبَّهُمْ وَأَذَاهُمْ يُؤْذِيهِ وَأَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرام» فقال: «لا تؤذوا أَصْحَابِي، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي.. وَقَالَ: «لَا تُؤْذُونِي فِي عَائِشَةَ «1» .» وَقَالَ فِي فَاطِمَةَ «2» : «بِضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا «3» ..» وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ «4» فِي ذَلِكَ: الِاجْتِهَادُ وَالْأَدَبُ الْمُوجِعُ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ وَمَنْ شَتَمَ أَصْحَابَهُ أُدِّبَ. وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ شَتَمَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم أبا بكر «5»
أَوْ عُمَرَ «1» ، أَوْ عُثْمَانَ «2» ، أَوْ مُعَاوِيَةَ «3» ، أَوْ عَمْرَو «4» بْنَ الْعَاصِ فَإِنْ قَالَ: كَانُوا عَلَى ضَلَالٍ وَكُفْرٍ قُتِلَ، وَإِنْ شَتَمَهُمْ بِغَيْرِ هَذَا مِنْ مُشَاتَمَةِ النَّاسِ نُكِّلَ نَكَالًا شَدِيدًا. وَقَالَ ابْنُ «5» حَبِيبٍ: مَنْ غَلَا مِنَ الشِّيعَةِ إِلَى بُغْضِ عُثْمَانَ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ أُدِّبَ أَدَبًا شَدِيدًا، وَمَنْ زَادَ إِلَى بُغْضِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فالعقوبة عليه أشد ويكرر ضربه، ويطال جنه حَتَّى يَمُوتَ، وَلَا يُبْلَغُ بِهِ الْقَتْلُ إِلَّا فِي سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ سُحْنُونٌ «6» : مَنْ كَفَّرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا «7» أَوْ عُثْمَانَ، أَوْ غَيْرَهُمَا يُوجَعُ ضَرْبًا. وَحَكَى أَبُو محمد «8» بن أبي زيد عن سحنون فيمن قَالَ فِي أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ إنهم كانوا على ضلال وَكُفْرٍ قُتِلَ، وَمَنْ شَتَمَ غَيْرَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ بمثل هذا نكّل النكال الشديد.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ جُلِدَ، وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ «1» قُتِلَ.. قِيلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: مَنْ رَمَاهَا فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ. وَقَالَ ابْنُ «2» شَعْبَانَ عَنْهُ: لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ «يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «3» » فَمَنْ عَادَ لِمِثْلِهِ فَقَدْ كَفَرَ. وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ «4» الصَّقَلِّيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرِ بْنَ «5» الطَّيِّبَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ مَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ سَبَّحَ نَفْسَهُ لِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: «وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً «6» » فِي آيٍ كَثِيرَةٍ، وَذَكَرَ تَعَالَى مَا نَسَبَهُ الْمُنَافِقُونَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: «وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ: مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ «7» » سَبَّحَ نَفْسَهُ فِي تَبْرِئَتِهَا مِنَ السُّوءِ كَمَا سَبَّحَ نَفْسَهُ فِي تَبْرِئَتِهِ مِنَ السُّوءِ، وَهَذَا يَشْهَدُ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي قَتْلِ مَنْ سَبَّ عائشة.
وَمَعْنَى هَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ اللَّهَ لَمَّا عَظَّمَ سَبَّهَا كَمَا عَظَّمَ سَبَّهُ وَكَانَ سَبُّهَا سَبًّا لِنَبِيِّهِ، وَقَرَنَ سَبَّ نَبِيِّهِ وَأَذَاهُ بِأَذَاهُ تَعَالَى، وَكَانَ حُكْمُ مُؤْذِيهِ تَعَالَى الْقَتْلَ كَانَ مُؤْذِي نَبِيِّهِ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. - وَشَتَمَ رَجُلٌ عَائِشَةَ بِالْكُوفَةِ، فَقُدِّمَ إِلَى مُوسَى «1» بْنِ عِيسَى الْعَبَّاسِيِّ فَقَالَ: مَنْ حَضَرَ هَذَا؟ فَقَالَ ابْنُ أبي «2» ليلى: أنا.. فجلد ثمانين، وحلق رأسه وأسلمه للحجامين. وَرُوِيَ «3» عَنْ عُمَرَ بْنِ «4» الْخَطَّابِ أَنَّهُ نَذَرَ قَطْعَ لِسَانِ عُبَيْدِ «5» اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِذْ شَتَمَ الْمِقْدَادَ «6» بْنَ الْأَسْوَدِ. فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ.. فَقَالَ: دَعُونِي أَقْطَعْ لِسَانَهُ حَتَّى لَا يَشْتُمَ أَحَدٌ بَعْدُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى أَبُو ذَرٍّ «7» الْهَرَوِيُّ أَنَّ عُمَرَ بن الخطاب أتي بأعرابي
يَهْجُو الْأَنْصَارَ فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ لَهُ صُحْبَةً لَكَفَيْتُكُمُوهُ قَالَ مَالِكٌ «1» : مَنِ انْتَقَصَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ حَقٌّ.. قَدْ قَسَمَ اللَّهُ الْفَيْءَ فِي ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ فَقَالَ: «لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ «2» » الاية ثم قال: «وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ «3» » الْآيَةَ وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْأَنْصَارُ.. ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ.. «4» » الْآيَةَ فَمَنْ تَنَقَّصَهُمْ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ «5» شَعْبَانَ: مَنْ قَالَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِنَّهُ ابْنُ زَانِيَةٍ وَأُمُّهُ مَسْلَمَةٌ حُدَّ عِنْدِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا حَدَّيْنِ.. حَدًّا لَهُ وَحَدًّا لِأُمِّهِ وَلَا أَجْعَلُهُ كَقَاذِفِ الْجَمَاعَةِ فِي كَلِمَةٍ لِفَضْلِ هَذَا عَلَى غَيْرِهِ. وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَاجْلِدُوهُ» . قَالَ: وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ أَحَدِهِمْ وَهِيَ كَافِرَةٌ حُدَّ حَدَّ الْفِرْيَةِ لِأَنَّهُ سَبٌّ لَهُ.. فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ هَذَا الصحابي حيّا قام بما يجب
له، وإلا فمن قام مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ قَبُولُ قِيَامِهِ. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا كَحُقُوقِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ لِحُرْمَةِ هَؤُلَاءِ بِنَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ سَمِعَهُ الْإِمَامُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ كَانَ وَلِيَّ الْقِيَامِ بِهِ قَالَ: وَمَنْ سَبَّ غَيْرَ عَائِشَةَ «1» مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يُقْتَلُ لِأَنَّهُ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم يسب حَلِيلَتِهِ «2» وَالْآخَرُ: أَنَّهَا كَسَائِرِ الصَّحَابَةِ يُجْلَدُ حَدَّ الْمُفْتَرِي قَالَ: وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ. وَرَوَى أَبُو «3» مُصْعَبٍ عن مالك «4» .: فيمن سب من انْتَسَبَ إِلَى بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضْرَبُ ضَرْبًا وَجِيعًا، وَيُشْهَرُ وَيُحْبَسُ طَوِيلًا حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْتَى أَبُو الْمُطَرِّفِ «5» الشَّعْبِيُّ فَقِيهُ مَالِقَةَ فِي رَجُلٍ أَنْكَرَ تَحْلِيفَ
امْرَأَةٍ بِاللَّيْلِ وَقَالَ: لَوْ كَانَتْ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ «1» الصِّدِّيقِ مَا حُلِّفَتْ إِلَّا بِالنَّهَارِ. وَصَوَّبَ قَوْلَهُ بَعْضُ الْمُتَّسِمِينَ بِالْفِقْهِ فَقَالَ أَبُو الْمُطَرِّفِ: ذِكْرُ هَذَا لِابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي مِثْلِ هَذَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ وَالسِّجْنَ الطَّوِيلَ. والفقيه الذي صوّب قوله هو أخص باسم الفسق من اسم الفقه فيتقدّم إليه فِي ذَلِكَ وَيُزْجَرُ وَلَا تُقْبَلُ فَتْوَاهُ، وَلَا شَهَادَتُهُ، وَهِيَ جُرْحَةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ، وَيُبْغَضُ فِي اللَّهِ. وَقَالَ أَبُو «2» عِمْرَانَ فِي رَجُلٍ قَالَ: لَوْ شَهِدَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ شَهَادَتَهُ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَجُوزُ فِيهِ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَيْرَ هَذَا فَيُضْرَبُ ضَرْبًا يَبْلُغُ بِهِ حَدَّ الْمَوْتِ وَذَكَرُوهَا رِوَايَةً. قَالَ الْقَاضِي أَبُو «3» الْفَضْلِ: هُنَا انْتَهَى الْقَوْلُ بِنَا فِيمَا حَرَّرْنَاهُ وَانْتَجَزَ الْغَرَضُ الَّذِي انتحيناه، واستوفي الشرط الذي شرطناه مما
أرجو أنّ فِي كُلِّ قِسْمٍ مِنْهُ لِلْمُرِيدِ مَقْنَعٌ وَفِي كُلِّ بَابٍ مَنْهَجٌ إِلَى بُغْيَتِهِ وَمَنْزَعٌ. وَقَدْ سَفَرْتُ فِيهِ عَنْ نُكَتٍ تُسْتَغْرَبُ وَتُسْتَبْدَعُ، وَكَرَعْتُ فِي مَشَارِبَ مِنَ التَّحْقِيقِ لَمْ يُورَدْ لَهَا قَبْلُ فِي أَكْثَرِ التَّصَانِيفِ مَشْرَعٌ وَأَوْدَعْتُهُ غَيْرَ مَا فَصْلٍ وَدِدْتُ لَوْ وَجَدْتُ مَنْ بَسَطَ قبلي الكلام فيه، أو مقتدى يفيد فيه عَنْ كِتَابِهِ أَوْ فِيهِ «1» ، لِأَكْتَفِيَ بِمَا أَرْوِيهِ وإلى الله تعالى جزيل الضراعة والمنة بِقَبُولِ مَا مِنْهُ لِوَجْهِهِ، وَالْعَفْوِ عَمَّا تَخَلَّلَهُ مِنْ تَزَيُّنٍ وَتَصَنُّعٍ لِغَيْرِهِ، وَأَنْ يَهَبَ لَنَا ذَلِكَ بِجَمِيلِ كَرَمِهِ وَعَفْوِهِ، لِمَا أَوْدَعْنَاهُ مِنْ شَرَفِ مُصْطَفَاهْ وَأَمِينِ وَحْيِهِ وَأَسْهَرْنَا بِهِ جُفُونَنَا لِتَتَبُّعِ فَضَائِلِهِ، وَأَعْمَلْنَا فِيهِ خَوَاطِرَنَا مِنْ إِبْرَازِ خَصَائِصِهِ وَوَسَائِلِهِ، وَيَحْمِيَ أَعْرَاضَنَا عَنْ نَارِهِ الْمُوقَدَةِ لِحِمَايَتِنَا كَرِيمَ عِرْضِهِ، وَيَجْعَلَنَا مِمَّنْ لَا يُذَادُ إِذَا ذِيدَ الْمُبَدِّلُ عَنْ حَوْضِهِ، وَيَجْعَلَهُ لَنَا وَلِمَنْ تَهَمَّمَ بِاكْتِتَابِهِ، وَاكْتِسَابِهِ سَبَبًا يَصِلُنَا بِأَسْبَابِهِ، وَذَخِيرَةً نَجِدُهَا يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا نَحُوزُ بِهَا رِضَاهُ وجزيل ثوابه، ويخصّنا بخصّيص زُمْرَةِ نَبِيِّنَا وَجَمَاعَتِهِ، وَيَحْشُرَنَا فِي الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ، وأهل الباب الأيمن ومن أهل شفاعته.
وَنَحْمَدُهُ تَعَالَى عَلَى مَا هَدَى إِلَيْهِ مِنْ جَمْعِهِ، وَأَلْهَمَ وَفَتَحَ الْبَصِيرَةَ لِدَرْكِ حَقَائِقِ مَا أَوْدَعْنَاهُ وَفَهَّمَ، وَنَسْتَعِيذُهُ جَلَّ اسْمُهُ مِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَعِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَعَمَلٍ لَا يُرْفَعُ، فَهُوَ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يُخَيِّبُ مَنْ أَمَّلَهُ وَلَا يُنْتَصَرُ مَنْ خَذَلَهُ.. وَلَا يَرُدُّ دَعْوَةَ الْقَاصِدِينَ، وَلَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ. وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَصَلَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ..
مسرد الفصول والأبواب والعناوين الجانبية
بسم الله الرّحمن الرّحيم مسرد الفصول والأبواب والعناوين الجانبية الصفحة الموضوعات 1 الجزء الثاني 3 القسم الثاني: فيما عَلَى الْأَنَامِ مِنْ حُقُوقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم 5 مقدسة القسم الثاني (الْبَابُ الْأَوَّلُ) فِي فَرْضِ الْإِيمَانِ بِهِ وَوُجُوبِ طاعته واتباع سنته 9 الفصل الاول: فرض الايمان به- لا يتم الايمان إلا به- الايمان تصديق بالقلب واقرار باللسان- لم يجعل للبشر سبيل الى السرائر- تصديق القلب دون اللسان- الشهادة انشاء عقد والتزام إيمان. 16 الفصل الثاني: وجوب طاعته- وجوب طاعته من الايمان به- طاعة الرسول وكيف تكون- من أطاعني دخل الجنة- تصوير نبوي جميل- صورة أخرى. 21 الفصل الثالث: وجوب اتباعه وامثال سننه والاقتداء به- سبب نزول «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني» - المحبة هي الطاعة- من رضي بقولي فقد رضي بالقرآن.
الصفحة الموضوعات 29 الفصل الرابع: مَا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنِ اتِّبَاعِ سنته والاقتداء بهديه وسيرته- نفعل كما رأيناه يفعل- الاعتصام بالسنة نجاة- اصحاب السنن اعلم بكتاب الله- قول عمر للحجر الاسود- اتباع وتدقيق- استجلاب الحكمة- اقتداء بالنبي- أكل من حلال- اخلاص النية- غفر له باستعمال السنة. 36 الفصل الخامس: خطر مخالفة امره- الذي يذادون عن المرض- تحذير منكر السنة- المتنطعون. 41 (الْبَابُ الثَّانِي) فِي لُزُومِ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم 43 الفصل الاول: لزوم محبته صلّى الله عليه وسلم- المحبة ومداها- لذة المحبة- الان يا عمر- صلاة السنة. 46 الفصل الثاني: ثواب محبته صلّى الله عليه وسلم- حكمة الرسول في تحويل الجواب بسؤال آخر- المرء مع من أحب- صورة من محبة الصحابة- سبب نزولها. 49 الفصل الثالث: ما رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم وشوقهم له- أشد الناس حبا له. محبة عمر. محبة عمر بن العاص- صورة من المحبة رائعة جميلة. محبة ابي بكر- كل مصيبة بعده جلل. محبة علي- محبة عجوز وبكاء عمر- اذكر أحب الناس اليك- محبة بلال. امرأة قتلتها المحبة- زيد بن الوثنة عند مقتله- المهاجرات. 56 الفصل الرابع: علامة محبته صلّى الله عليه وسلم- الاقتداء- ايثاره شرع الله على هواه
الصفة الموضوعات - إنه يحب الله ورسوله- كثرة ذكره- شوقه للقياه- توقيره عند ذكره- حالة الصحابة عند ذكره صلّى الله عليه وسلم- حبيب الحبيب محبوب- محبته الاصحاب- من محبته لفاطمة- محبته لاسامة- حب الانصار- ما زلت أحب الدباء- تقليده في ملبسه- بغض من ابغض الله ورسوله- حب القرآن- من علامات محبته الزهد في الدنيا- المحبة والابتلاء. 66 الفصل الخامس: مَعْنَى الْمَحَبَّةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحقيقتها- المحبة اتباع- المحبة انقياد ودفاع- المحبة دوام الذكر- الايثار- الشوق- اخضاع القلب- ميل القلب- حقيقتها الميل- يقويها لمحبة الاحسان- وسيلتنا الى ربنا- من خالطه معرفة أحبه. 71 الفصل السادس: وجوب منا صحته صلّى الله عليه وسلم- معنى النصيحة- نصيحة الله تعالى- النصيحة لكتابه- النصيحة لرسوله- معنى آخر- معنى آخر- نصحه في حياته- نصحه بعد وفاته- قصة الذي غفر له بمحبته وتمنيه نصرته. نصيحة ائمة المسلمين- نصيحة عامة المسلمين. 77 (الباب الثالث) في تنظيم أَمْرِهِ وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ وَبِرِّهِ 79 الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: مَا ورد في ذلك- تعزروه- ادب القول والاستماع- ادب النداء- في من نزلت- راعنا. 86 الفصل الثاني: عادة الصحابة في تعظيمه وتوقيره واجلاله صلّى الله عليه وسلم- لا يملأ عينه منه اجلالا- كأنما على رؤوسهم الطير- يتبادرون وضوءه- حتى يطوف رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
الصفحة الموضوعات 91 الْفَصْلُ الثَّالِثُ: حُرْمَتُهُ وَتَوْقِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بعد موته- حرمته صلّى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا- ابو جعفر المنصور ومالك- بل استقبله واستشفع به- حالة ايوب السختياني عند ذكره- يبكي حتى نرحمه- اصفرّ- على طهارة- كأنه نزف منه الدم- لا يبقى في عينيه دموع- كأنه ما عرفك- فلا يزال يبكي- خشع- أدب قراء الحديث. 97 الفصل الرابع: تعظيم السلف لرواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه- ورع عبد الله بن مسعود- كراهة أخذ الحديث قائما- كراهة الحديث مضطجعا- على وضوء- توضأ وتهيأ ولبس- حالة مالك عند الحديث- العقرب ومالك- ونحن نمشي- وهو قائم- وهو واقف- لو زادني سياطا. 104 الفصل الخامس: يرّا له وذريته وامهات المؤمنين- هؤلاء أهل بيتي- آية المباهلة- علي- عمه العباس- زيد والحسن- الحسن والحسين- استحيي من الله أن يراك على بابي- آثرت حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم مالك وجعفر بن سليمان- لبدأت بحاجة علي. 116 الفصل السادس: توقير اصحابه وبرهم ومعرفة حقهم- احسن التأويلات ويسكت عما وراء ذلك- كالنجوم- هم كمثل الملح في الطعام- من احبهم فبحبي احبهم- ولا نصيغه- امسكوا- خصلتان منجيتان- براءة من النفاق- لا يقاس بهم احد- أحفظوني في اصحابي- شفاعة الصحابة. 126 الفصل السابع: اعزاز ماله من صلة بالنبي صلّى الله عليه وسلم من امكنة ومشاهد- لا أَحْلِقُهَا وَقَدْ مَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- قلنسوة خالد- ابن عمر يتبرك
الصفحة الموضوعات بالمنبر- مالك لا يركب بالمدينة دابة- فضل المدينة- قضيب النبي صلّى الله عليه وسلم ترجل ومشى باكيا- ما مشيت على قدمي- فضائل المدينة- شعر للمصنف-. (الْبَابُ الرَّابِعُ) فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ وفرض ذلك وفضيلته 137 الفصل الاول: معنى الصلاة عليه- البركة- الترحم والدعاء- معنى السلام. 140 الفصل الثاني: حكم الصلاة عليه- فرض على الجملة- فرض أن يأتي بها مرة- هي فرض في الصلاة. 149 الفصل الثالث: الْمَوَاطِنِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّشَهُّدِ- في الدعاء- أول الدعاء وأوسطه وآخره- أركان الدعاء- أجنحة الدعاء- مواقيت الدعاء- أسباب الدعاء- مواطن الصلاة عليه- مواطن الكراهة- يوم الجمعة- دخول المسجد- على الجنائز- في الرسائل- تشهد الصلاة. 160 الفصل الرابع: كيفية الصلاة عليه والتسليم- المكيال الأوفى- صلاة علي رضي الله عنه- صلاة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حسنوا الصلاة عليه. 171 الفصل الخامس: فضيلة الصلاة والسلام عليه والدعاء له- الواحدة عشرة- حلت عيه الشفاعة- عشر درجات- ما شئت وان زدت فهو خير تكفى ويغفر ذنبك- بشارة- ماحقة الذنوب. 177 الفصل السادس: ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وإثمه- رغم أنف امرىء- البخيل الذي إذا ذكرت عنده فلم يصل علي- نسي طريق الجنة- جفاء.
الفصل الموضوعات 182 الفصل السابع: تَخْصِيصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبْلِيغِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَوْ سَلَّمَ مِنَ الْأَنَامِ- سماعه الصلاه عليه- الملائكة السياحون- غرض الصلاة عليه- رد السلام عليهم. 186 الفصل الثامن: الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- الصلاة لغة- الرسول جد كل تقي- كراهة الصلاة على غير الأنبياء- الصلاة على الال بحكم التبع لا التخصيص. 194 الفصل التاسع: حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضِيلَةِ مَنْ زَارَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يُسَلِّمُ عليه- فضيلة مرغب بها- وجوب ندب وترغيب- سلام أنس- يقف ووجهه إلى القبر- سلام ابن عمر- التبرك باثاره صلّى الله عليه وسلم- دخول المسجد- الصلاة في الروضة أفضل- الواداع عند السفر- آداب دخول المسجد- آداب الخروج منه- مصلّى النبي صلّى الله عليه وسلم 208 الفصل العاشر: آداب دخول المسجد النبوي الشريف وفضله وفضل المدينة ومكة- مسجد أسس على التقوى- لا يرفع فيه الصوت- ثواب الصلاة فيه- الذين فضلوا مكة- موضع قبره أفضل بقاع الأرض- منبري على حوضي- معنى الروضة- فضائل المدينة- كرامة- ثلاث حجج- الركن الأسود- الميزاب- ركعتا المقام- استجابة الدعاء عند الملتزم. (القسم الثالث) في مَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ أَوْ يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا يَمْتَنِعُ أَوْ يَصِحُّ مِنَ الْأَحْوَالِ الْبَشَرِيَّةِ أو يضاف إليه 224 مقدمة القسم الثالث- أجساد الأنبياء- أرواحهم- بواطنهم منزهة عن الافات.
الصفحة الموضوعات (الباب الأول) في ما يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَلَامُ فِي عِصْمَةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم أجمعين 230 الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي حُكْمِ عَقْدِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَقْتِ نُبُوَّتِهِ) - الرسول صلّى الله عليه وسلم على غاية المعرفة بالله- لم يشك إبراهيم- أراد الكيفية والمشاهدة- أراد اختبار منزلته- سأل زيادة يقين- عين اليقين- ليزداد تمكنا- تقوية حجته- طلبا للجواب- لا يجوز الشك على النبي جملة- لم يشك ولم يسأل- المراد غيره- السؤال في الأخبار لا في التوحيد والشريعة- كان صلّى الله عليه وسلم أشد يقينا من أن يحتاج إلى سؤال- كذبوا من اتباعهم- بداءة الوحي- أما الان فلا- فعل خديجة لاختبار أمر الملك- توهين هذا الحديث- حمل هَذَا الْحَدِيثِ- النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجهل صفة من صفات الله- مغاضبا لقومه لا لربه- الحادثة قبل نبوته- الغين- العدد للاستغفار- سهو النفس عن مشاهدة الحق بمقاساة البشر- توجيه الحديث- ما يهمه من أمر أمته- استغفاره تعليم- المقصود وعظهم. 257 الْفَصْلُ الثَّانِي: عِصْمَتُهُمْ مِنْ هَذَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ- نشأ الأنبياء على التوحيد والايمان- لم يشرك الانبياء قبل النبوة- استخراج حظ الشيطان- ابراهيم والكواكب- ضال عن النبوة- الضلال التحير- مننت عليك بمعرفتي- زاد بالتكليف إيمانا- حديث موضوع أو شبيه به- أنكر هذا الحديث أحمد. 269 الفصل الثالث: معرفة الأنبياء بأمور الدنيا- لا يَصِحُّ مِنْهُ الْجَهْلُ بِشَيْءٍ مِنْ تَفَاصِيلِ الشَّرْعِ. 257 الفصل الرابع: العصمة من الشيطان- عصمة على الجسم والخاطر-
الصفحة الموضوعات تعرض الشيطان له صلّى الله عليه وسلم- طريقة غير مباشرة- العرب توجه كل ضر إلى الشيطان. 285 الْفَصْلُ الْخَامِسُ: صِدْقُ أَقْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في جميع أحواله- قامت المعجزة على صدقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الخوف في القول في إبلاغ الشريعة- تنزيه النبي صلّى الله عليه وسلم واجب برهانا واجماعا. 288 الفصل السادس: دفع بعض الشبهات- شبهات- توحيد الحديث من جهة النقل- اضطرابات الروايات- توهين الحديث من جهة المعنى- عِصْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الكفر عمدا أو سهوا- استحالة ذلك نظرا وعرفا- ما روي عن معاند فيها كلمة- ما قارب الرسول صلّى الله عليه وسلم ولا ركن- هذا لا يصح لأنه لا يجوز في حقه صلّى الله عليه وسلم ذلك- لا يصح هذا القول سهوا ولا عمدا- الشيطان يقلد صوت النبي- توجيه آخر- يونس عليه السلام وقومه- كاتب الرسول- شبهات أخرى- نصراني كان يكتب ثم ارتد- رواية المسلم المتهم لا يقبلها فكيف بالمرتد- افتراء وكذب. 311 الفصل السابع: حالته صلّى الله عليه وسلم في أخبار الدنيا- أخباره وآثاره وشمائله وسيره معتنى بها- لا يجوز عليهم الخلف في القول عمدا ولا غير عمد- قريش تعترف بصدقه قبل النبوة. 316 الفصل الثامن: رد بعض الاعتراضات- السهو في الصلاة- تجويز الوهم فيما ليس طريقه البلاغ- عامد ليسنّ- قول مرغوب عنه- الحق أنها لم تقتصر- لم ينس في (ظنه) وهو صدق- توجيه آخر- لم أنس ولكن نسيت فهو إنكار للفظ- اجري عليه ذلك ليسن- النبي صلّى الله عليه وسلم يسهو ولا ينسى- السهو شغل- النسيان غفلة- يشغله عن الصلاة ما في الصلاة- الدليل- ما قيل عن إبراهيم- باب المعاريض- توجيه إني سقيم- على طريق التبكيت- تورية النبي صلّى الله عليه وسلم عند غزواته-
الصفحة الموضوعات جوابه على علمه- الجىء مُوسَى إِلَى الْخَضِرِ لِلتَّأْدِيبِ لَا لِلتَّعْلِيمِ. 327 الْفَصْلُ التاسع: عصمتهم في الأعمال من الفواحش والموبقات- عصمة الانبياء من الكبائر- الإجماع- العقل والإجماع- الصغائر- عصمته من الكبائر والصغائر- قول الاشعرية وغيرهم- حالتهم في المباحات- لا يأخذون إلا الضرورات. 335 الفصل العاشر: عصمتهم من المعاصي قبل النبوة- امتنع ذلك نقلا- الامتناع عقلا- التوقن- إنه كان عاملا بشرع من قبله- مذهب القاضي أبي بكر هو الأصح- بالنسبة لبقية الانبياء. 340 الفصل الحادي عشر: السهو والنسيان في الافعال- جواز ذلك سهوا- السهو أفاده علم وتقرير شرع- ينبهون عليه ليعرف حكمه على النور- ما ليس طريقه البلاغ فيجوز النسيان على سبيل الندور- أصحاب القلوب يمنعون سهوه ونسيانه جملة. 344 الفصل الثاني عشر: الاحاديث المذكورة فِيهَا السَّهْوُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السهو في الاخبار محال- ذو اليدين- حديث ابن بجينه- حديث ابن مسعود- حكمة السهو وشرطه- لا حجة لهم في قولهم. 353 الفصل الثالث عشر: الرد على من أجاز عليهم من الصغائر- احتجوا بما اختلف المفسرون في معناه- معنى: ما تقدم من ذنبك وما تأخر- معنى الغفران- الوزر- أنقض ظهرك- لم أذنت عليهم- لم يعده أهل العلم معاتبة- كان مخيرا- عنا ليس بمعنى غفر- عرض الدنيا- لولا كتاب من الله سبق- ما نجا منه إلا عمر- عبس وتولى- قصة آدم- قبل النبوة- يونس- أبق- الظلم- قصة داود لا تؤخذ عن أهل الكتب المبدلين- يوسف واخوته- خبر موسى- فتنة سليمان- هب لي ملكا- قصة نوح- النبي والنملة- توجيه.
الصفحة الموضوعات 385 الفصل الرابع عشر: حالة الانبياء في خوفهم واستغفارهم- اعترافهم بذنوبهم- معنى الذنب- هي ذنوب بالاضافة الى علي منزلتهم- حسنات الابرار سيئات المقربين- اذكرني عند ربك- عطاء بعد عتاب. 393 الْفَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ: فَائِدَةُ مَا مَرَّ مِنَ الفصول التي بحثت مسألة العصمة- فائدة للأصوليين- فائدة للحكام والمفتين. 397 الفصل السادس عشر: عصمة الملائكة- حكم المرسلين منهم حكم النبيين في العصمة- اختلاف في غير المرسلين- الصواب عصمة جميعهم- هاروت وماروت- لم يرو شيء منها عن الرسول صلّى الله عليه وسلم- ما أنا فيه- الأقوال في الملكين- أكثر ينفون أن إبليس كان من الملائكة- فيكون الاستثناء من غير الجنس. (الباب الثاني) في فيما يخصهم من الأمور الدنيوية وما يطرأ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ 406 الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: حَالَةُ الأنبياء بالنسبة للعوارض البشرية- درجة الغير- العوارض التي أصابته صلّى الله عليه وسلم- الأنبياء يبتلون ويعصمون- وهو في نومه صلّى الله عليه وسلم حاضر القلب. 411 الفصل الثاني: حالتهم بالنسبة للسحر- قد يخيل إليه ولكن في غير الشريعة والتبليغ- اعْتِقَادَاتُهُ كُلُّهَا عَلَى السَّدَادِ وَأَقْوَالُهُ عَلَى الصِّحَّةِ- تسلط السحر على ظاهره وجوارحه لا قلبه صلّى الله عليه وسلم. 416 الفصل الثالث: أحواله في أمور الدنيا- حادثة تأبير النخل- نزوله في بدر- المصالحة على ثمار المدينة- هذا يجوز في القليل لا الكثير المؤذن بالعلة. 420 الْفَصْلُ الرَّابِعُ: أَحْكَامُ الْبَشَرِ الْجَارِيَةُ عَلَى يَدَيْهِ- وإنكم تختصمون إلي- الحكمة في كون الحكم على الظاهر.
الصفحة الموضوعات 423 الفصل الخامس- أخباره الدنيوية- توريته عن وجه مغازيه والممازحة- أمسك عليك زوجك- خطأ المفسرين- توجيه جميل وحق- إبطال الشبهات- الحكمة في زواجها- الخشية هنا الاستحياء. 431 الفصل السادس: حديث الوصية- اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده 438 الفصل السابع: دراسة أحاديث أخرى- حُكْمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الظَّاهِرِ- دعوة بغير قصد على عادة العرب- تأنيسا للمدعو عليه. 445 الفصل الثامن: أفعاله الدنيوية- لهم بمعنى عليهم- معنى التسوية- أظهري لهم حكمه- أمر من الله. 453 الفصل التاسع: حكمة الابتلاء والمرض لهم- أعمال الله جل جلاله كلها عدل- فائدة البلاء- زيادة مكانة ورفعه درجة- سبب ابتلاء يعقوب- سبب بلاء أيوب- محنة سليمان- شدة مرض الرسول صلّى الله عليه وسلم- الأخذ بغته. القسم الرابع في تعريف وُجُوهِ الْأَحْكَامِ فِيمَنْ تَنَقَّصَهُ أَوْ سَبَّهُ عَلَيْهِ الصلاة والسلام 467 مقدمة- توفير اسم محمد الباب الاول بَيَانِ مَا هُوَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبٌّ أَوْ نَقْصٌ مِنْ تَعْرِيضٍ أَوْ نَصٍّ 473 الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تنقصه- مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتل- الاجماع على ذلك- مذهب الشافعي- سب النبي صلّى الله عليه وسلم- ردة- لا خلاف في استباحة دمه- هو كافر- لم يستتب. 485 الفصل الثاني: الْحُجَّةِ فِي إِيجَابِ قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ أَوْ عابه عليه الصلاة والسلام- اللعن في القرآن- اللعن للكافر- النصوص في ذلك- الاثار في ذلك- قتل كعب بن الأشرف- قتل أبي رافع- قتل أبي خطل- قتل
الصفحة الموضوعات جماعة أخرى- من جهة النظر أو الاعتبار- سبه صلّى الله عليه وسلم ردة- من سبه صلّى الله عليه وسلم يقتل حدا- أو كفرا. 496 الفصل الثالث: أسباب عفو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَعْضِ مَنْ آذاه- بعض الذين عفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم- استئلاف النبي صلّى الله عليه وسلم الناس- حُكْمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الظَّاهِرِ- حرمة النبي صلّى الله عليه وسلم من حرمة الله تعالى. 408 الْفَصْلُ الرَّابِعُ: حُكْمُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ دُونَ قصد أو اعتقاد- الحكم هو القتل- لا يعذر بزلل اللسان- ويقتل السكران بذلك- حد لا يسقطه السكر. 511 الفصل الخامس: حقيقة قائل ذلك هل هو كافر أو مرتد- مرتد عند أبي حنيفة. 515 الفصل السادس: الحكم فيما لو كان الكلام يحتمل السب وغيره- الخلاف هنا- الذي غلب الحرمة قتل- دم الْمُسْلِمِ لَا يُقْدَمُ عَلَيْهِ إِلَّا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ. 521 الْفَصْلُ السَّابِعُ: حُكْمُ مَنْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِصِفَةٍ من صفات الأنبياء رفعا لشأنه أو (استضعافا) أو استصغارا لشأنهم صلوات الله عليهم- المتنبي- المعري- ابن هانىء أشدهم تصريحا- المعري- الأدب والسجن إن درىء عنه القتل- ورع الرشيد- عمر بن عبد العزيز وكاتبه. 530 الفصل الثامن: حكم الناقل والحاكي لهذا الكلام عن غيره- الحكم على أربعة وجوه- للبيان والرد- صنع أحمد مثله- مالك يكفر من يقول بخلق القرآن- حكاية عن غيره- ولكن لم ينفذ قتله- من روى شَطْرَ بَيْتٍ مِمَّا هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم كفر. 536 الفصل التاسع: ذكر الْحَالَاتِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم على طريق التعلم- معجزته العظمى والقرآن- يكره الكلام فيما ليس تحته عمل- الذي لا يفهم إلا النص والصريح يعد قريبا من الأمية. 544 الْفَصْلُ الْعَاشِرُ: الْأَدَبُ اللَّازِمُ عِنْدَ ذِكْرِ أَخْبَارِهِ صلّى الله عليه وسلم.
(البال الثاني) في حكم سابه وشائنه وَمُتَنَقِّصِهِ وَمُؤْذِيهِ وَعُقُوبَتِهِ وَذِكْرِ اسْتِتَابَتِهِ وَوِرَاثَتِهِ 548 الْفَصْلُ الاول: الأقوال والاراء في حكم مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو تنقصه- إن تاب قتل حدا لا كفرا عند مالك وجمهور العلماء- حق لا تسقطه التوبة- الارتداد معنى يتعلق بنفس صاحبه- أما سب النبي صلّى الله عليه وسلم فهو حق تعلق به مخلوق آخر- القتل حدا. 555 الفصل الثاني: حكم المرتد إذا تاب- المرتد يستتاب- تنفعه توبته تنفعه توبته عند الله ولكن لا تدرأ القتل عنه. 562 الفصل الثالث: حكم المرتد إذا اشتبه ارتداده. 565 الفصل الرابع: حكم الذمي في ذلك. 575 الفصل الخامس: فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ. (الْبَابُ الثَّالِثُ) فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تعالى وملائكته وأنبياءه وَكُتُبَهُ وَآلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزواجه وَصَحْبَهُ 582 الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: حُكْمُ سَابِّ اللَّهِ تَعَالَى وحكم استتابته. 586 الْفَصْلُ الثَّانِي: حُكْمُ إِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ به تعالى عن طريق الاجتهاد والخطأ- لا خلاف في قتالهم إذا تحيزوا لفئة- المشبهون- من قال بخلق القرآن- القدري لا يستتاب. 593 الفصل الثالث: في تحقيق القول في اكفار المتأولين- الكفر هو الجهل بوجود الباري تعالى. 604 الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْمَقَالَاتِ كُفْرٌ وَمَا يُتَوَقَّفُ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ وما ليس بكفر- لا مجال للعقل فيه.
626 الفصل الخامس: حكم الذي إذا سب الله تعالى. 630 الْفَصْلُ السَّادِسُ: حُكْمُ ادِّعَاءِ الْإِلَهِيَّةِ أَوِ الْكَذِبِ والبهتان على الله- السكران كالصاحي. 635 الفصل السابع: حكم من تعرض بساقط قوله وسخيف لفظه لجلال ربه دون قصد. 641 الْفَصْلُ الثَّامِنُ: حُكْمُ سَبِّ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ. 646 الفصل التاسع: الحكم بالنسبة للقرآن.
الفهارس العامة
الفهارس العامة آ- فهارس الجزء الأول 1- مسرد الايات القرآنية الكريمة 2- مسرد الأحاديث النبوية 3- مسرد الأعلام 4- مسرد الأمكنة
مسرد الايات القرآنية
مسرد الايات القرآنية ملاحظات: في مسرد الايات القرآنية راعينا الأمور التالية: أ- لم نسقط «ال» التعريف من مطلع بعض الايات بل احتسبناها حزآ من الكلمة ووضعت في حرف الهمزة ب- لم نزاع في ترتيب الايات التي تبدأ بحرف واحد أن نرتبها حسب الحروف الأبجدية بل حسب تسلسل أرقام صفحات الكتاب لتكون مراجعتها أسهل ج- اذا كانت الاية طويلة فاننا اجتزأنا القسم الاخير منها د- يورد المؤلف الاية أحيانا مبتورة من أولها وكذلك أوردناها كما هي تحت الحرف الاول الذي بدأها به المؤلف لا حسب اولها في المصحف.
(مسرد الايات القرآنية الكريمة) الصفحة الاية رقمها السورة - ا- 52 إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى 23 الشورى 58 اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ 25 النور 60 أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ 1 الانشراح 60 إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً 46 الاحزاب 64 آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 136 النساء 65 إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب 67 اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ 6- 7 الفاتحة 70 أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ 28 الرعد 75 الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ 157 الاعراف 92 الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ 1- 2 البقرة 101 إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ 19 التكوير 105 أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ 15 القلم 108 إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ 4 الشعراء 112 إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما 162 النساء 119 إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب 120 أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ 36 الزمر 121 وأَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ 62 الانفال 121 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 67 المائدة 121 إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب 122 إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً 1 الفتح 124 إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً 45 الاحزاب 126 إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ 10 الفتح 130 إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ 40 التوبة 131 إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 1- 3 الكوثر 131 إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ 3 الكوثر 134 النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ 6 الاحزاب 197 إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً 23 ص 209 إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ 30 مريم 241 إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ 53 الاحزاب 246 ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 34 فصلت 293 إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً 54 ص 293 أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ 39 آل عمران 293 إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ 33- 34 آل عمران 293 إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً 3 الاسراء 294 إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ 45 آل عمران 294 إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ 30- 31 مريم 294 إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ 107 الشعراء 295 إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ 26 القصص 296 إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ 54 مريم 296 إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً 51 مريم 296 إِنَّهُ أَوَّابٌ 17 ص الصفحة الاية رقمها السورة 297 اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ 55 يوسف 297 إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ 90 الانبياء 326 إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ 33 الاحزاب 335 إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً 1 الفتح 352 إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ 15 النجم 352 إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ 15 النجم 381 أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ 1 الانشراح 411 أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ 14 التغابن 416 إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ 33 الاحزاب 440 إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ 140 الصَّافَّاتِ 440 إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً 87 الانبياء 446 اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ 124 الانعام 448 أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ 2 يُونُسَ 462 إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً 46 الاحزاب 463 الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً 59 الفرقان 464 إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ 19 الانفال 465 إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً 3 الاسراء 467 إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ 55 المائدة 467 النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ 6 الاحزاب 469 إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ 56 القصص 472 أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى 39 آل عمران 476 إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ 40 النمل 493 إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 1 الكوثر 504 أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ 31 يونس 505 إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ 25 المدثر 505 إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ 24 المدثر 505 إِفْكٌ افْتَراهُ 4 الفرقان 505 أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ 5 الفرقان 506 إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ 90 النحل 509 ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 34 فصلت 518 إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ 1 النصر 519 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ 9 الحجر 521 إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ 35- 36- 37 الطور 530 أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ 9 الحجر 533 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ 95 الحجر 533 إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً 1- 2 الجن 537 أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ 81 يس 539 إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ 76 النمل 543 اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ 1- 2 القمر 546 اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ 1 القمر 680 أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ 36 الزمر 680 إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ 95 الحجر
الصفحة الاية رقمها السورة 689 إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا 8- 9 يس 705 أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ 5 الفرقان 705 إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ 103 النحل 708 إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ 12 الانفال 709 إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ 9- 10 الانفال 735 إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 1 الكوثر 736 إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 1 الكوثر 736 إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 1 الكوثر - ب- 451 بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 128 التوبة 460 بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 128 التوبة 472 بِكَلِمَةٍ مِنْهُ 45 آل عمران - ت- 114 تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ 253 البقرة 290 تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ 253 البقرة 383 تُبْتُ إِلَيْكَ 143 الأعراف 442 تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا 253 البقرة 529 تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ 23 الزمر 684 تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 1 المسد - ث- 388 ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى 8 النجم - ج- 592 جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ 81 الاسراء 593 جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ 49 سبأ - ح- 461 حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ 29 الزخرف 531 حم كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ 1- 2 فصلت - خ- 468 خُذِ الْعَفْوَ 199 الاعراف 468 خُذِ الْعَفْوَ 199 الاعراف - د- 390 دَنا فَتَدَلَّى 8 النجم - ذ- 57 ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ 21 التكوير 467 ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ 21 التكوير 513 ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً 11 المدثر 524 ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ 29 الفتح 547 ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 38 يس - ر- 222 رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ 26 نوح 714 رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً 35 ص - س- 105 سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ 16 القلم الصفحة الاية رقمها السورة 296 سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ 102 الصَّافَّاتِ 297 سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً 69 الكهف 297 سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ 27 الْقَصَصِ 343 سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ 1 الاسراء 362 سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ 1 الاسراء 368 سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ 1 الاسراء 505 سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ 2 القمر 520 سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ 45 القمر - ص- 68 صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ 7 الفاتحة 68 صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ 7 الفاتحة 531 صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ 137 فصلت - ط- 106 طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ 1- 2 طه 448 طه 1 طه - ع- 79 عَفَا اللَّهُ عَنْكَ 43 التوبة 251 عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ 128 يونس 418 عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ 79 الاسراء 419 عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ 79 الاسراء 466 عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ 73 الانعام 503 عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ 42 فصلت - ف- 58 فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ 91 الواقعة 68 فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ 256 البقرة 75 فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ 159 آلُ عمران 76 فَكَيْفَ إِذا جِئْنا 41 النساء 100 فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى 10 النجم 101 فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ 15- 16 التكوير 105 فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ 5 القلم 105 فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ 8 القلم 108 فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ 6 الكهف 108 فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ 94 الحجر 109 فَتَوَلَّ عَنْهُمْ 54 الذاريات 109 فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ 54 الذاريات 127 فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ 17 الانفال 209 فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ 79 الانبياء 220 فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ 35 الاحقاف 246 فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ 159 آلُ عمران 269 فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ 33 الانعام 294 فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً 21 الشعراء 295 وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ 28 الذاريات 295 فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ 35 الاحقاف 339 فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ 27 البقرة 385 فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ 143 الاعراف 389 فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى 10 النجم
الصفحة الاية رقمها السورة 415 فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ 32 آل عمران 415 فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ 9 النجم 461 فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ 5 الانعام 468 فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ 13 المائدة 490 فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا 11 مريم 505 فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ 5 فصلت 507 فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ 94 الحجر 507 فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ 80 يوسف 509 فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ 40 العنكبوت 526 فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ 94 البقرة 527 فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ 61 آل عمران 528 فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا 240 البقرة 685 فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ 8 الحاقة 725 فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ 28 يونس - ق- 28 قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ 91 الانعام 60 قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ 15 المائدة 66 قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ 31 آلِ عِمْرَانَ 67 قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ 32 آل عمران 82 قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ 33 الانعام 93 ق، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ 1- 2 ق 133 قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ 158 الاعراف 396 قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 9 النجم 414 قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ 30 آلِ عِمْرَانَ 461 قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ 170 النساء 461 قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ 15 المائدة 504 قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ 88 الاسراء 504 قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ 13 هود 505 قُلُوبُنا غُلْفٌ 88 البقرة 520 قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ 14 التوبة 525 قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ 93 آل عمران 526 قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ 94 البقرة 537 قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها 79 يس - ك- 54 كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا 151 البقرة 109 كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ 52 الذاريات 120 كهيعص 1 مريم 357 كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ 15 المطففين 417 كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ 84 الاسراء 691 كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى 7 العلق - ل- 30 لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ 31 المدثر 51 لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ 128 التوبة 53 لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 164 آل عمران 86 لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ 72 الحجر 98 لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 18 النَّجْمِ الصفحة الاية رقمها السورة 100 لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 18 النَّجْمِ 108 فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ 3 الشعراء 117 لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا 25 الفتح 382 لَنْ تَرانِي 143 الاعراف 383 لَنْ تَرانِي 143 الاعراف 384 لَنْ تَرانِي 143 الاعراف 401 لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ 16 المؤمن 415 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ 2 الفتح 447 لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ 33 التوبة 448 لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ 147 البقرة 461 لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ 44 النحل 465 لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ 7 ابراهيم 471 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ 2 الفتح 474 لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 11 الشورى 481 لِيَزْدادُوا إِيماناً 5 الفتح 506 لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا 31 الانفال 518 لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ 27 الفتح 518 لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ 9 الصف 520 لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً 111 آل عمران 530 لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ 21 الحشر 537 لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ 22 الانبياء 705 لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ 103 النحل 709 لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ 18 النجم 742 لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ 55 البقرة - م- 66 مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ 80 النساء 66 مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ 80 النساء 77 ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ 19 المائدة 96 ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى 3 الضحى 101 ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 11 النجم 101 ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى 17 النجم 102 مُطاعٍ ثَمَّ 21 التكوير 103 ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ 2 القلم 107 ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى 2 طه 107 مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى 2 طه 208 مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ 3 آل عمران 209 مِنْ تَحْتِهَا 24 مريم 268 مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ 21 التكوير 297 ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ 88 هود 354 ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 10 النجم 363 ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى 16 النجم 373 ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 10 النجم 373 ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى 16 النجم 374 ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 10 النجم 377 ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 10 النجم 470 مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ 21 التكوير 521 مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ 46 النساء 537 مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ 38 الْأَنْعَامِ
الصفحة الاية رقمها السورة- ن- 102 ن. وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ 1- 2 القلم 296 نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ 30 ص - هـ- 54 هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ 2 الجمعة 520 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ 33 التوبة 529 هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً 138 آل عمران - و 27 وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى 73 الاسراء 55 وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ 119 الشعراء 56 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً 107 الانبياء 56 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً 107 الانبياء 61 وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ 3 الانشراح 61 وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ 4 الانشراح 64 وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ 32 آل عمران 69 وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ 34 ابراهيم 69 وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ 33 الزمر 75 وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً 143 البقرة 76 وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ 78 الحج 77 وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ 2 يونس 81 وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ 74 الاسراء 83 وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ 33 الانعام 83 وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها 14 النمل 84 وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ 34 الانعام 89 وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ 2- 3 يس 91 وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ 3 التين 92 وَوالِدٍ وَما وَلَدَ 3 البلد 94 وَالنَّجْمِ إِذا هَوى 1 النجم 94 وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ 1 الفجر 95 وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى 1- 2 الضحى 96 وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى 1- 2 الضحى 97 وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ 5 الضحى 98 وَالنَّجْمِ إِذا هَوى 1 النجم 98 وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 11 الضحى 99 وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ 1- 2- 3 الطارق 101 وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى 3 النجم 101 وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ 25 التكوير 102 وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ 24 التكوير 103 وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ 3 القلم 103 وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 4 القلم 108 وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ 97 الحجر 108 وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ 32 الرعد 109 وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ 4 فاطر 110 وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ 48 الطور 111 وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ 18 آل عمران 112 وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ 7 الاحزاب 113 وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ 7 الاحزاب الصفحة الاية رقمها السورة 115 وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ 252 البقرة 115 وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ 83 الصافات 117 وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ 33 الانفال 117 وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ 33 الانفال 117 وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ 25 الفتح 118 وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ 33 الانفال 118 وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ 33 الانفال 118 وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ 34 الانفال 119 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً 106 الانبياء 120 وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً 2 الفتح 121 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 67 المائدة 121 وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ 4 التحريم 123 وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ 2 الفتح 124 وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ 9 الفتح 129 وَالنَّجْمِ 1 النجم 129 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 67 المائدة 130 وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ 30 الانفال 132 وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً 87 الحجر 133 وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ 44 النحل 133 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً 28 سبأ 133 وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا 4 ابراهيم 135 وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ 113 النساء 135 وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ 113 النساء 162 وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ 219 الشعراء 198 وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ 45 آل عمران 208 وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا 12 مريم 211 وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ 51 الانبياء 212 وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ 15 يوسف 213 وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى 14 القصص 220 وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ 17 لقمان 220 وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا 22 النور 220 وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ 43 الشورى 228 وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ 24 الفتح 251 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً 107 الانبياء 290 وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ 32 الدخان 295 وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ 84- 90 الانعام 295 وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ 17- 18 الدخان 296 وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ 45- 47 ص 296 وَشَدَدْنا مُلْكَهُ 20 ص 297 وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً 74 الانبياء 299 وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ 11 سبأ 326 وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ 13 الحجرات 335 وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ 29 الانبياء 335 وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ 4 ابراهيم 335 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً 28 سبأ 340 وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما 82 الكهف 342 وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا 53 الاحزاب 343 وَالنَّجْمِ إِذا هَوى 1 النجم 358 وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ 82 يوسف 358 وَما كانَ لِبَشَرٍ 51 الشورى
الصفحة الاية رقمها السورة 360 وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا 59 الاسراء 368 وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا 59 الاسراء 385 وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ 142 الاعراف 390 وَما كانَ لِبَشَرٍ 51 الشورى 410 وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى 18 المائدة 415 وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ 75 الانعام 415 وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي 82 الشعراء 416 وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ 87 الشعراء 416 وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ 84 الشعراء 416 وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ 4 الانشراح 416 وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ 35 ابراهيم 427 وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى 5 الضحى 442 وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ 55 الاسراء 447 وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ 40 الاحزاب 451 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً 107 الانبياء 452 وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ 17 البلد 461 وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ 89 الحجر 462 وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً 142 البقرة 462 وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 4 القلم 466 وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ 113 النساء 466 وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ 7 الاحزاب 466 وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ 151 البقرة 468 وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ 25 يونس 469 وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ 52 الشورى 469 وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ 46 الاحزاب 471 وَيُزَكِّيهِمْ 2 الجمعة 471 وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ 16 المائدة 472 وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ 8 المنافقون 486 وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ 517 الشورى 490 وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ 2 الانعام 490 وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى 7 القصص 490 وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ 52 الشورى 504 وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا 23 البقرة 504 وَلَنْ تَفْعَلُوا 23 البقرة 506 وَلَنْ تَفْعَلُوا 23 البقرة 507 وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 52 النور 508 وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى 7 القصص 509 وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ 179 البقرة 509 وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ 51 سبأ 509 وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ 44 هود 518 وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 3 الروم 518 وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ 55 النور 520 وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ 8 المجادلة 520 وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا 7 الانفال 521 وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى 67 المائدة 521 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 42 المائدة 528 وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ 240 البقرة 537 وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ 89 النمل 537 وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ 58 الروم 540 وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ 17 القمر الصفحة الاية رقمها السورة 592 وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ 90 الانعام 680 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 70 النساء 680 وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ 48 الطور 680 وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا 30 الانفال 681 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 70 النساء 704 وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ 48- 49 العنكبوت 708 وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ 4 التحريم 709 وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً 29 الاحقاف 742 وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ 157 النساء - لا- 91 لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ 1- 2 البلد 209 أَلَّا تَحْزَنِي 24 مريم 228 لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ 92 يوسف 382 لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ 103 الانعام 476 لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ 23 الانبياء 505 لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ 26 فصلت 533 لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ 42 فصلت 687 لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا 40 التوبة - ي- 59 يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ 35 النور 59 يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ 35 النور 71 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ 45 الاحزاب 72 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ 45 الاحزاب 85 يا آدَمُ 23 البقرة 85 يا أَيُّهَا الرَّسُولُ 67 المائدة 85 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ 45 الاحزاب 85 يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 10 المزمل 85 يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1 المدثر 78 يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ 1- 2 يس 114 يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ 66 الاحزاب 115 يا أَيُّهَا الرَّسُولُ 67 المائدة 115 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ 45 الاحزاب 122 يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ 10 الفتح 126 يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ 10 الفتح 293 يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ 12- 15 مريم 294 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا 69 الاحزاب 416 يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ 8 التحريم 416 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ 64 الانفال 448 يس 1 يس 451 يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ 2 الجمعة 451 وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 16 المائدة 470 يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ 61 التوبة 472 يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ 21 التوبة 485 يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ 35 النور 520 يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ 154 آل عمران 525 يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا 15 المائدة 682 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا 12 المائدة 683 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا 12 المائدة 689 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا 12 المائدة
مسرد الأحاديث النبوية في الجزء الأول
مسرد الأحاديث النبوية في الجزء الأول ملاحظات على مسرد الاحاديث: أ- في هذا المسرد اكتفينا بتسجيل الجزء الاول من الحديث ب- لم نسجل سوى الاحاديث القولية المنسوبة للرسول صلّى الله عليه وسلم وتركنا تسجيل أحاديث الوصف والتقرير والاحاديث التي قالها الصحابة ولم يرفعوها للرسول صلّى الله عليه وسلم وان كان بعضها له حكم المرفوع ج- لم نثبت في المسرد رتبة الحديث ولا رواته ومن أراد ذلك فليرجع الى الكتاب د- رتبنا الاحاديث التي تنضوي تحت حرف واحد حسب تسلسل أرقام الصفحات لا حسب الابجدية هـ- الكلمة المبدوة ب (أل) التعريف وضعت في حرف الهمزة
(مسرد الأحاديث النبوية الشريفة) الصفحة الحديث - أ- 56 اذا أراد الله رحمة بأمة قبض بنبيّها.. 63 اتاني جبريل فقال: أتدري.. 90 انا سيد ولد آدم ولا فخر 118 انزل الله علي أمانين لأمتى 119 أنا امان لأصحابي 162 اني لأراكم من وراء ظهري 163 اني لأبصر من فقاي كما.. 163 اني لأنظر من ورائي كما انظر.. 168 ان لكم فراعها ووهاطها 169 اللهم بارك لهم في محضها 173 المسلمون تتكافؤ دماؤهم 174 الناس كاسنان المشط.. 174 المرء مع من أحب 174 الناس معادن 174 المستشار مؤتمن 174 اسلم تسلم.. اسلم يؤتك الله.. 175 اتق الله حيث كنت 175 ان احبكم الي واقربكم.. 175 احبب حبيبك هونا ما.. 176 الظلم ظلمات يوم القيامة 176 اللهم اني اسألك رحمة من عندك 178 السعيد من وعظ بغيره 178 انا افصح العرب بيد اني من قريش 181 إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ 181 ان الله اصطفى من ولد ابراهيم. 182 ان الله عز وجل اختار خلقه 187 الم ار البرمة فيها لحم؟. 188 اما أنا فلا آكل متكأ.. 188 إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ 189 ان عيني تنامان ولا ينام قلبي 203 الان استرحت 221 اني لم أبعث لعانا 222 اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون 225 المال مال الله وأنا عبده ويقاد منك 227 انا وهو كنا الى غير هذا منك احوج 228 اقول كما قال أخي يوسف 239 انا اقتلك أن شاء الله. 245 أما ان تركب واما ان تنصرف 245 اركب امامي فصاحب الدابة أولى بمقدمها. 252 احسنت اليك؟ .. 254 ايما رجل سببته او لعنته.. 255 أُؤَخِّرُ عَنْ أُمَّتِي لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عليهم 258 انها كانت تأتينا أيام خديجة 258 ان آل بني فلان ليسوا باولياء 259 إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين. الصفحة الحديث 263 إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ 263 اجْلِسِي يَا أُمَّ فُلَانٍ فِي أَيِّ طُرُقِ المدينة.. 264 اللهم اجعله حجا مبرورا لا رياء فيه 272 ابلغوا حاجة من لا يستطيع ابلاغي 278 اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا 279 اني عرض عني ان يجعل لي بطحاء مكة ذهبا 285 إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لا تسمعون 288 اني لاستغفر الله في اليوم مئة مرة 289 المعرفة رأس مالي 292 ان اول زمرة يدخلون الجنة 298 إِنَّمَا الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنُ الكريم 299 احب الصلاة الى الله صلاة داود 313 اذا رايتم صاحب الحاجة يطلبها فارفدوه 325 ان الله قسم الخلق قسمين فجعلني 326 إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ 327 أَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلَا فخر 327 انا اكرم الأولين والاخرين ولا فخر 327 اتاني جبريل عليه السلام فقال: قلبت 329 أعطيت خمسا.. 331 اني فرط لكم وانا شهيد عليكم 331 أَنَا مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ لَا نَبِيَّ بَعْدِي 334 ان الله حبس عن مكة الفيل 334 اني عبد الله وخاتم النبيين 344 أتيت بالبراق وهو دابة.. 366 ان جبريل عليه السلام حملني.. 366 أتيت فانطلقوا بي الى زمزم 398 انا اول الناس خروجا اذا بعثوا 399 انا سيد ولد آدم يوم القيامة.. 400 أَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فخر 400 انا اول الناس يشفع في الجنة 400 انا سيد الناس يوم القيامة 400 اطمع ان اكون اعظم الانبياء اجرا 401 أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ وَعِيسَى فِيكُمْ 401 انا سيد الناس يوم القيامة 402 آتي باب الجنة يوم القيامة 403 أحدهما من ذهب والاخر من ورق 419 انه قيامه عن يمين العرش 420 اني لقائم المقام المحمود 421 أريت ما تلقى امتي من بعدي 434 إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ.. 435 الوسيلة اعلى درجة في الجنة 442 إِنَّ لِلنُّبُوَّةِ أَثْقَالًا وَإِنَّ يُونُسَ تَفَسَّخَ مِنْهَا 448 انا العاقب الذي ليس بعدي نبي 452 أمة مرحومة 452 ان الله يحب من عباده الرحماء 452 ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السماء
الصفحة الحديث 457 اذود الناس عنه بعصاي لاهل اليمن 462 انا أكرم ولد آدم 465 افلا أكون عبدا شكورا 467 انا أول من تنشق الأرض عنه 467 انا ولي كل مؤمن 471 انا أمنة لأصحابي 483 ان الحمد لله نحمده ونستعينه.. 489 ان الانبياء مئة الف وأربعة وعشرون الف 529 إِنَّ الْقُرْآنَ صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ 547 إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ آمِرًا وَزَاجِرًا 539 اني منزل عليك توراة حديثة 548 أصليت يا علي؟ .. 558 احفظ علي ميضاتك.. 559 اذهبي فانا لم نأخذ من مائك.. 563 ادع ثلاثين من اشراف الانصار 575 انقادي علي باذن الله 577 انها استأدنت ان تسلم على 578 ادع تلك الشجرة.. 579 اللَّهُمَّ أَرِنِي آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي 580 ارني آية لا أبالي من كذبني 580 أرأيت ان دعوت هذا العذق 583 إِنَّ هَذَا بَكَى لِمَا فَقَدَ مِنَ الذِّكْرِ 584 ان شئت أردك الى الحائط 591 اثبت أحد فانما عليك.. 591 احصب وجوهها فان الله.. 589 إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ 601 انه شكى كثرة العمل وقلة العلف 601 انه شكى لي انكم أردتم ذبحه 605 املكها وما أراك.. 606 إِنَّ الَّذِي جَاءَ بِهَا هُوَ الَّذِي ذَهَبَ بها 608 اخبرتني به هذه الذراع 608 ان فخذها تكلمني انها مسمومة 622 اللهم اشفه 625 اللهم اكثر ماله وولده وبارك له 628 افلح وجهك 629 اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل 631 اللهم نور له 632 اللهم سلط عليه كلبا من كلابك 633 اكلك الأسد 634 اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَاذِبًا فَلَا تُبَارِكْ لَهُ فيها 642 اضرب به 661 الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ وَلَنْ يَزَالَ هَذَا الْأَمْرُ 662 إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ بَدَأَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً ثُمَّ يكون.. 671 إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ 674 اثبت أحد فانما عليك نبي وصديق 676 انك تجده يصيد البقر 683 اللهم اكفنيه بما شئت 692 أفضالة؟ قلت: نعم. قال: ما كنت.. 696 الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ.. وَهِيَ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ الصفحة الحديث 696 الرؤيا ثلاث رؤيا حق 697 إِذَا تَقَارَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تكذب 697 اصل كل داء البردة 697 المعدة حوض البدن 700 ان الزمان قد استدار كهيئة 701 انا افرس بالخيل منك 702 الق الدواة وحرف القلم 703 اشكنب دردم 714 ان شيطانا تفلت البارحة 731 اني نهيت عن التعري - ب- 65 بئس خطيب القوم انت قم 134 بعثت الى الأحمر والأسود 180 بعثت من خير قرون بني آدم 207 بعثت لاتمم مكارم الأخلاق 255 بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ 230 بعثت الى الأحمر والأسود 331 بعثت بين يدي الساعة 332 بشرني أول من يدخل 354 بينا أَنَا قَاعِدٌ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ دَخَلَ جِبْرِيلُ 364 بينا انا نائم في الحجر 435 بينا انا اسير في الجنة 570 بقيت انا وأنت.. - ت- 190 تناكحوا تناسلوا فاني مباه بكم 577 تعالى يا شجرة 603 تطلق هذه الظبية 675 تبنى مدينة بين دجلة ودجيل 691 تلك الملائكة لو دنا لاختطفته 712 تقدم يا مصعب.. - ث- 337 ثم ضموني الى صدورهم وقبلوا راسي 349 ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى 349 ثم انطلق بي حتى اتيت سدرة 350 ثم سار حتى اتى بيت المقدس 364 ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى 367 ثم رجعت الى خديجة وما تحولت 369 ثم استيقظت وانا في المسجد الحرام 369 ثم استيقظت وانا في المسجد الحرام - ح- 177 حمي الوطيس 194 حبب إلى من دنياكم 277 حبب إلى من دنياكم
الصفحة الحديث 402 حوضي مسيرة شهر 699 حمير رأس العرب ونابها الصفحة الحديث - خ- 175 خير الأمور أوساطها 299 خفف على داود القرآن 420 خيرت بين ان يدخل نصف امتي 664 خيركم قرني ثم الذين يلونهم - ذ- 175 ذُو الْوَجْهَيْنِ لَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا 265 ذاك ابراهيم 439 ذاك ابراهيم 688 ذاك جبريل لو دنا لأخذه - ر- 174 رحم الله عبدا قال خيرا فغنم 379 رأيت ربي 387 رأيت نورا 699 رجل ولد عشرة تيامن منهم ستة - ز- 519 زويت لي الارض فأريت مشارقها 700 زواياه سواء.. - س- 287 سبحان ذي الجبروت والملكوت 675 سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ.. 703 سنه سنه - ش- 421 شفاعتي ان شهد ان لا اله الا الله - ص- 267 صاحب الشيء أحق بشيئه 366 صليت ليلة أسري بي 613 صدقت بارك الله فيك - ض- 668 ضِرْسُ أَحَدِكُمْ فِي النَّارِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ 701 ضع القلم على أذنك فانه اذكر للمحل - ط- 403 طوله ما بين عمان إلى إيله الصفحة الحديث - ع- 75 عبدي أحمد المختار مولده بمكة 256 عليك بالرفق 291 على خلق رجل واحد 395 عرج بي جبريل إلى سدرة المنتهى 676 عسى ان يقوم مقاما يسرك 678 عمران بيت المقدس خراب يثرب - ف- 159 فانه لا يرى أحد عورتي إلا.. 173 فان اليد العليا هي المنطية 183 فاهبطني الله الى الأرض 198 فضلت على الناس بأربع 326 فانا اتقى ولد آدم 338 فما هو إلا أن وليا عني 348 فرج سقف بيتي 350 فلما جاوزته بكى فنودي.. 352 فقيل لي هذه سدرة المنتهى 362 فأخذ بعضدي فجرني 366 فرج سقف بيتي وأنا بمكة 390 فارقني جبريل فانقطعت الأصوات 394 فارقني جبريل فانقطعت الأصوات 413 فاذا أحببته كنت سمعه 419 فيمشي حتى يأخذ بحلق الجنة 436 فاذا هو يجري ولم يشق 591 فانما عليك نبي أو صديق 619 فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين 673 فيها مضجعه - ق- 332 قال الله تعالى: سل يا محمد 408 قد سمعت كلامكم وعجبكم 574 قل لتلك الشجرة رسول الله يدعوك 596 قم فحدثهم.. - ك- 215 كل الخلال يطبع عليها المؤمن الا.. 292 كأحسن ما أنت راء 294 كان موسى رجلا حييا ستيرا 351 كُلُّكُمْ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ وَأَنَا أَثْنَى عَلَيَّ ربي 403 كما بين المدينة وصنعاء 466 كنت اول الانبياء في الخلق 571 كلن واطعمن من غشيكن 610 كلوا بسم الله 632 كل بيمينك 632 كذلك كن 673 كيف بك اذا أخرجت منه..
الصفحة الحديث 674 كيف بك إذا لبست سواري كسرى - ل- 88 لي عند ربي عشرة اسماء 156 لما تجلى الله عز وجل لموسى.. 175 لعله كان يتكلم بما لا يعنيه 213 لما نشأت بغضت الى الأوثان 226 لَنْ تُرَاعَ لَنْ تُرَاعَ وَلَوْ أَرَدْتَ ذَلِكَ.. 238 لن تراعوا 245 لولا ان اشق على امتي 284 لو تعلمون ما أعلم.. 301 لقد كان الانبياء قبلي 309 ليبلغ الشاهد منكم الغائب 328 لما خلق الله آدم اهبطني 340 لما اسري بي الى السماء 366 لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني 407 لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر 411 لو كنت متخذا خليلا.. 412 لو كنت متخذا خليلا غير ربي.. 431 لاشفعن يوم القيامة لأكثر مما 432 لكل دعوة يدعو بها 432 لكل نبي دعوة دعا بها 432 لكل نبي دعوة مستجابة 448 لي خمسة اسماء 448 لي عشرة اسماء 450 لي في القرآن سبعة اسماء - م- 31 من سئل عن علم فكتمه 174 ما هلك امرؤ عرف قدره 177 مات حتف أنفه 186 مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بطنه 191 من كان ذا طول فليتزوج 203 ما يسرني ان لي أحدا ذهبا 233 ما عندي شيء ولكن ابتع علي 242 ما بال اقوام يصنعون 253 مثلي ومثل هذا رجل له ناقة 273 مَا هَمَمْتُ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ 282 ما فرشتموا لي الليلة 292 مَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ لُوطٍ نبيا 333 مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا وَقَدْ اعطي 342 مَا ضَرَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ محمد 397 مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا 438 مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ من يونس 438 ما ينبغي لعبد أن يقول انا.. 439 مَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ متى 445 ما لم يعط غيره 468 من كنت مولاه فعلي مولاه 600 ما بين السماء والارض شيء الا الصفحة الحديث 603 ما حاجتك؟ 607 ما حملك على ما صنعت؟ 608 ما كان الله ليسلطك على ذلك 609 ما زالت أكلة خيبر تعادني 613 من أنا؟ 683 من شاء فليخذلني. 699 مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بطن 739 ما من نبي إلا أعطي من الايات - ن- 45 نسبا وصهرا وحسبا ليس في.. 234 نصفه قضاء ونصفه نائل.. 330 نصرت بالرعب واوتيت جوامع 336 نعم انا دعوة ابي ابراهيم 387 نور إني أراه 553 ناد بجفنة الركب 701 نعم موضع الحمام هذا 713 نغمة الجن.. - هـ- 57 هل أصابك من هذه الرحمة شيء 187 هو لها صدقة ولنا هدية 199 هون عليك فاني لست بملك 266 هون عليك فاني لست بملك 267 هذا تفعله الاعاجم بملوكها 420 هو المقام الذي اشفع لامتي فيه 576 هل ترى من نخل او حجارة 668 هاجت لموت منافق.. - و 120 وجعلت قرة عيني في الصلاة 178 وما يمنعني وانما أنزل القرآن بلساني 223 ويحك فمن يعدل ان لم اعدل 229 ويحك يا أبا سفيان 269 والله اني لأمين في السماء 271 ويحك فمن يعدل أن لم اعدل 285 وددت اني شجرة تعضد 292 وانا أشبه ولد ابراهيم به 298 وكذلك الانبياء تنام أعينهم 326 وآدم بين الروح والجسد 330 وقيل لي سل تعطه 330 وعرض علي امتي 350 وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء 351 وانتهي بي الى سدرة المنتهى 407 وان صاحبكم خليل الله 407 وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا 424 وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الفم 435 ومجراه على الدر والياقوت 439 وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلَ مِنْ يُونُسَ 444 ولي خمسة اسماء
الصفحة الحديث 447 وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ 447 وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي 526 وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَقُولُهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ 538 ولا يختلف ولا يتشان 583 والذي نفسي بيده لو لم التزمه 636 وجدنا فرسك بحرا 652 وانتم اليوم خير منكم يومئذ 654 ويل للعرب من شر قد اقترب 659 وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْكَ وَوَيْلٌ لَكَ مِنَ النَّاسِ 700 وان الحسنة بعشر امثالها 703 ويكثر الهرج - لا- 64 لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فلان 174 لا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَكَ ما ترى له 177 لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين 225 لا لئلا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه 253 لا يبلغني احد منكم عن احد 263 لا تقوموا كما يقوم الاعاجم 263 لا تطروني كما اطرت النصارى 265 لا تفضلوني على يونس بن متى 439 لا تفضلوا بين الأنبياء 439 لا تخيروني على موسى 439 لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ 606 لا تبرح بارك الله فيك 632 لا استطعت 655 لا يزال أهل الغرب ظاهرين.. الصفحة الحديث 655 لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين.. 664 لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ منه 675 لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان.. 702 لا تمدوا بسم الله الرحمن الرحيم - ي- 155 يا عائشة او ما علمت أن الارض تبتلع 199 يا مسكينة عليك السكينة 257 يا فتى لقد شققت علي 280 يَا جِبْرِيلُ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دار له 283 يا عائشة مالي وللدنيا 342 يا معشر اهل الايمان أن الله فضلني 356 يا جبريل من هذا؟ 365 يا أم هانيء.. لقد صليت معكم 396 ينزل ربنا الى سماء الدنيا 419 يحشر الناس يوم القيامة فاكون انا 424 يجمع الأولين والاخرين 556 يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ 573 يا أعرابي أين تريد؟ 575 يا جابر قل لهذه الشجرة.. 579 يَا رَبِّ عَلِمْتُ أَنْ لَا مَخَافَةَ عَلَيَّ 592 يمجد الجبار نفسه يقول.. 595 يا ضب 614 يا فلانة اجيبي باذن الله 661 يكون في ثقيف كذاب ومبير 664 يوشك أن يكثر فيكم العجم.. 681 يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني..
ارقام الصفحات التي ذكر فيها الاعلام من الجزء الاول ابو
ارقام الصفحات التي ذكر فيها الاعلام من الجزء الاول ابو أبو اسحق الزجاج 526 أبو اسحق (عمرو بن عبد الله) 236 م ابو امامة 215 هـ- 262 م- 279 هـ- 281 م- 404- 579 هـ- 624 هـ- 655- 726 هـ- أبو اوفى 600 هـ- أبو أيوب الانصاري 269 هـ- 563 م- 563- 563 هـ- أبو بكر الصديق 58 هـ- 68- 69- 113 هـ 121- 156 م- 168 هـ- 334- 365- 405- 405- 406 هـ- 411 هـ- 412 هـ- 429 506 هـ- 548 هـ- 560- 569- 569- 588- 590- 599- 605 هـ- 615-- 616- 616 هـ- 637 هـ 641 هـ- 656 هـ- 662 هـ- 662 هـ- 674 هـ- 676 هـ- 676 هـ- 684- 684- 686- 687- 687- 687 هـ- 687 هـ- 687 هـ- 690- 709 هـ- 719 هـ- 732 هـ- أبو بكر (الباقلاني) 385 م- 498 هـ- 611- أبو بكر البزار 291 م- أبو بكر بن سابق المالكي 156 م- أبو بكر الشافعي 188 هـ- 328 هـ أبو بكر بن طاهر 56 م- 209 هـ- أبو بكر بن فورك 119 م- 251- 410- 415- 498 أبو بكر محمد بن بكر 30- أبو بكر بن العربي 385 هـ- أبو بكر الهزلي 384 م- أبو بكره 405 م- 700 هـ- أبو برزة الاسلمي 404 م- 404 هـ- أبو جحيفة 146 م- أبو جعفر الطبري 273- أَبُو جَعْفَرٍ (مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) 356 م- أبو جهل 82- 105 هـ- 166 هـ- 166 هـ- 196 هـ- 229 هـ- 234 هـ- 270 م- 270- 511- 545- 598- 622 هـ- 627- 627 هـ- 688- 688 هـ- 688 هـ- 690- 691 هـ- أبو جعفر المنصور 555 هـ- 586 هـ- أبو الجوزاء 86 هـ- 87 م- أبو جهم (بن حذيفة) 685 م- 685- أبو حاتم 55 هـ- 112 هـ 339 هـ- 547 هـ- 562 هـ- 571 هـ- 585 هـ- 586 هـ- 604 هـ- أبو حازم 586 م- أبو حبان 585 هـ- أبو حبة البدري 361 م- أبو حذيفة الارحبى 545 م- أبو الحسن الاشعري 381 م- 381 هـ- 515- 611- 612- أبو الحسن بن الضحاك 233 هـ- أبو الحسن القابسي 76 م- 111- أبو الحسن (الماوردي) 67- أبو الحسين بن أسيد 213 هـ- أبو الحكم 270- أبو الحمراء 340 م- أبو حنيفة 31 هـ- 423 هـ- 499 م- 499 هـ- أبو حية 585 م- أبو داود المازني 711 هـ- ابو داود 30 هـ- 30 هـ- 30 هـ- 31 هـ- 64 هـ- 65 هـ- 90 هـ- 156 هـ- 159 هـ- 165 هـ- 166 هـ- 173 هـ- 175 هـ- 196 هـ- 196 هـ- 199 هـ- 221 هـ- 228 هـ- 241 هـ- 242 هـ- 245 هـ- 248 هـ- 248 هـ- 253 هـ- 254 هـ- 257 هـ- 260 هـ- 260 هـ- 260 هـ- 262 هـ- 264 هـ- 265 هـ- 265 هـ- 272 هـ- 274 هـ- 275 هـ- 276 هـ- 277 هـ- 277 هـ- 287 هـ- 288 هـ- 299 هـ- 341 هـ- 348 هـ- 351 هـ- 371 هـ- 399 هـ- 404 هـ- 404 هـ- 434 هـ- 434 هـ- 434- 434 هـ- 434 هـ- 438 هـ- 439 هـ- 439 هـ- 444 هـ- 452 هـ- 452 هـ- 483 هـ- 546 هـ- 568 هـ- 586 هـ- 591 هـ- 600 هـ- 607 هـ- 608- 610 هـ- 632 هـ- 637 هـ- 650 هـ- 650 هـ- 652 هـ- 668 هـ- 669 هـ- 678 هـ- 691 هـ- 696 هـ- 698 هـ- 698 هـ- 700 هـ- 732 هـ- أبو الدرداء 272 هـ- 284 هـ- 406 هـ- 656 هـ- أبو ذر (الغفاري) 175 هـ- 248 هـ- 284 هـ- 285 م- 285- 285 هـ- 288 هـ- 329- 330 هـ- 330 هـ- 336- 338- 340 هـ- 348- 336- 371 هـ- 372- 376 هـ- 378- 386- 387- 403- 489- 513- 513 هـ- 514- 589- 651- 663 هـ- 672- 703 هـ- 703 هـ- أبو رافع 196 م- 196 هـ- 269 هـ- 605- 605 هـ- 701 هـ أبو ركانة 166- أبو رمته لتيمي 483 م- أبو رهم الغفاري 620 هـ- أبو زرعة 405 هـ- 433 م- 577 هـ- 585 هـ- 585 هـ- 585 هـ- 586 هـ- أبو زيد القرشي 636 هـ- أبو سعيد الخدري 63 م- 78- 90 هـ- 157 هـ- 241- 266- 266 هـ- 274- 301 هـ- 399- 405- 407- 429- 582- 586- 595- 597- 601 هـ- 610- 611 هـ- 617 هـ- 618- 618 هـ- 618 هـ- 641 هـ- 652 هـ- 661- 697 هـ- 697 هـ- أبو سفيان بن الحارث 236- 237- 711 م- بن عبد المطلب أبو سفيان بن حرب 229 م- 229- 232 هـ- 270- 421 هـ- 597- 597- 660 هـ- 683 هـ- أبو سلمة 286 م- 286 هـ- 326- 607 هـ- 608- 610 هـ أبو سلمة بن عبد الاسد المخزومي 286 هـ- أبو سليمان (الخطابي) 65- 65- أبو شامة 90 هـ- أبو شيب (غرقدة) 630 هـ- أبو الشحم 203 هـ-
أبو الشيخ 118 هـ- 174 هـ- 220 هـ- 238 هـ- أبو صالح (ذكوان) 52 هـ- 432 م- 432- 526 هـ- 585- 633 هـ- أبو طالب 560 م- 707 هـ- 729- 729- أبو الطفيل (عمر بن واتلة) 87 هـ- 260- 713 هـ- أبو الطفيل 147 م- أبو طلمة 238 م- 561- 572 هـ- 636- أبو العاص بن الربيع 258 هـ- 259 هـ- 259 هـ- أبو العالية (ربيع بن مهران) 67 م- 67 هـ- 67 هـ- 68- 376- 464- أبو العباس العزفي 120 هـ- أبو العباس المبرد 271 م- أبو عبد الرحمن (السلمي) 68- 88- 454- 547- أبو عبد الله الحاكم 421 هـ- أبو عبيدة بن الجراح 667 هـ- 367 هـ- 662 هـ- أبو عبيد 207 هـ أبو عبيدة القاسم بن سلام 507 م- 670 هـ- أبو عبس بن جبير 621 هـ- أبو عثمان المازني 271 هـ- أبو عثمان الهندي 31 هـ- أبو علي الحافظ بن سكرة 313 هـ- أبو علي 638 م- أبو علي النيسابوري 158 هـ- أبو عمرة بشير بن عمرو 564 م- أبو عمرو الجرمي 271 هـ- أبو عمر الطلمنكي 379 م- 380- أبو عمرو بن العلاء 102 هـ- 209 هـ- أبو عمرو النمري 30- أبو عوانة 405 هـ- ابن أبي داود 429 هـ- 429 هـ ابن أبي الدنيا 78 هـ- 215 هـ- 220 هـ- 406 هـ- 615 هـ- 616 هـ- 698 هـ- 728 هـ- 733 هـ- ابن أبي شيبة 64 هـ- 188 هـ- 215 هـ- 269 هـ- 300 هـ- 539 هـ- 565 هـ- 620 هـ- 620 هـ- 622 هـ- 622 هـ- 622 هـ- 712 هـ- ابن أبي طلحة 86 هـ- ابن أبي عمر العدني 54 هـ- 182 هـ- 328 هـ- ابن أبي عمرة المخزومي 585 هـ- ابن أبي كبشة 544 هـ- ابن أبي مالك 600 هـ- ابن أبي هالة 146 م- 150- 237 هـ- 246- 248 هـ- 276- 288- 304- 315 هـ- ابن ام عبد 5256- ابن الاثير 616 هـ- 657 هـ- 657 هـ- 676 هـ- 701 هـ ابن أخطب (حيي) 721 م- ابن اسحق 73 م- 96- 97- 239 هـ- 260 هـ- 265 هـ- 268- 270 هـ- 270 هـ- 336 هـ- 359 هـ- 364 هـ 365 هـ- 372 هـ- 376- 380- 439 هـ- 506 هـ- 531 هـ- 549- 556- 579- 609- 609- 617 هـ- 621 هـ- 622 هـ- 631 هـ- 632 هـ- 660 هـ- 670 هـ- 676 هـ- 682 هـ- 684- 685 هـ- 688- 689- 692 هـ- 692 هـ- 711 هـ- 711 هـ- 721 هـ- 727 هـ- ابن اسلم 68 هـ- ابن الاشرف 621 م- ابن الاعرابي 607 هـ- ابن الانباري 272 هـ- 317- ابن بريدة 405 م- ابن جبير 58 م- 448 هـ- ابن جريج 31 هـ- 159 م- 361- ابن جرير 67 هـ- 70 هـ- 77 هـ- 88 هـ- 92 هـ- 112 هـ- 197 هـ- 215 هـ- 220 هـ- 270 هـ- 292 هـ- 359 هـ- 365 هـ- 372 هـ- 378 هـ- 387 هـ- 394 هـ- 437 هـ- 545 هـ- 631 هـ- 634 هـ- 683 هـ- ابن الجزري 675 هـ- ابن الجنيد 432 هـ- ابن الجوزي 66 هـ- 213 هـ- 549 هـ- 604 هـ- 713 هـ- 713 هـ- ابن حارثة 616 هـ- ابن حبان 31 هـ- 63 هـ- 112 هـ- 149 هـ- 152 هـ- 159 هـ- 164 هـ- 186 هـ- 298 هـ- 371 هـ- 404 هـ- 623 هـ- 627 هـ- 632- 675 هـ- 697 هـ- 727 هـ- 727 هـ- ابن حجر 107 هـ- 446 هـ- 581 هـ- 611 هـ- 692 هـ- 697 هـ- 719 هـ- 720 هـ- 733 هـ- ابن حزم الاندلسي 379 هـ- ابن حنبل (أحمد) 361- 376 هـ- 697 هـ- ابن الحنفية 8 م ابن حيدر 447 هـ- ابن خالوية 272 م- ابن خزيمة 195 هـ- 483 هـ- 559 هـ- 581 هـ- ابن خلصة 724 م- ابن خيتمة 164 هـ- ابن داسة 30 هـ- ابن دحية 155 هـ- 450 هـ- 454 هـ- 594 هـ- 613 هـ ابن دريد 102 هـ- 317- ابر راهوية 268 هـ- 273 هـ- 673- ابن رجب 727 هـ- ابن رواحة (عبد الله) 485 م- 620 هـ- ابن الزبير 647 هـ- 662 هـ- 685 هـ- ابن زحر 398 م- 398 هـ- 398 هـ- ابن زنجويه 228 هـ- ابن زياد (محمد) 433- 645 هـ- ابن زيد (عبد الرحمن) 361- ابن سبع 24- 732 هـ- ابن سحنون 609 م- ابن سعد بن حرام 638 هـ- ابن سعد 55 هـ- 159 هـ- 159 هـ- 188 هـ- 199 هـ- 199 هـ- 203 هـ- 228 هـ- 238 هـ- 246 هـ- 261 هـ- 269 هـ- 280 هـ- 342 هـ- 453 هـ- 483 هـ- 564 هـ- 567 هـ- 585 هـ- 586 هـ- 602 هـ- 602 هـ- 605 هـ- 609 هـ- 618 هـ- 633 هـ- 637 هـ- 643 هـ- 643 هـ- 644 هـ- 712- 729 هـ- 730 هـ- 721 هـ- 731- ابن سعيد 304 هـ- 638 هـ- ابن السكن 616 هـ- 623 هـ- 638 هـ- 728 هـ- ابن سلام (عبد الله) 243- 718- ابن سلول 722 هـ- ابن السمعاني 175 هـ- ابن السني 697 هـ- ابن سوقة 652 هـ- ابن سيد الناس 377 هـ- 622 هـ- 682 هـ- 689 هـ- 692 هـ- ابن السيد 657 هـ- ابن سيرين 456 م- 696 هـ- 696 هـ- 696 هـ- 697 هـ ابن شاذان 304 هـ- ابن شاهين 549 هـ- 643 هـ- ابن شعبان (محمد) 702 م- ابن شهاب (الزهري) 164 هـ- 251 م- 251 هـ- 252- 348- 349- 361- 557- 617- ابن الصلاح (عمرو) 157 هـ- 406 هـ- 549 هـ- 581 هـ- 729 هـ- ابن صوريا 524 م- 721 م ابن صياد 663 هـ- ابن الضريس 539 هـ- ابن عامر 209 هـ- ابن عباد 458 هـ- ابن عباس 31 هـ- 51 هـ- 52 م- 52 هـ- 52 هـ- 52 هـ- 52 هـ- 55- 57- 58 هـ- 59 هـ- 60- 66 هـ- 67 هـ 75 هـ- 86 هـ- 86 هـ- 87- 88- 88 هـ- 89 هـ- 92-
92 هـ- 93 هـ- 104 هـ- 105 هـ- 106 هـ- 118 هـ- 125 هـ- 132 هـ- 146- 159 هـ- 159 هـ- 160- 160 هـ- 176 هـ- 182- 190- 197- 208 هـ- 210 هـ- 225 هـ- 229 هـ- 231 هـ- 270 هـ- 277 هـ- 280 هـ- 281- 281- 286- 286 هـ- 292 هـ- 301 هـ- 325- 327- 328- 329- 335- 340- 340- 349- 360- 364- 376- 376- 378- 378- 380- 380 381- 383- 386- 390- 390- 393- 394 394- 400- 406 هـ- 408- 422 هـ- 429- 436 هـ- 437- 438- 452 هـ- 454 هـ- 456 هـ- 506 هـ- 512 هـ- 526 هـ- 545 هـ- 546- 546 هـ- 552 هـ- 555 هـ- 578- 580- 585 هـ- 586- 592- 610- 623- 627 هـ- 629- 631 هـ- 631 هـ- 633 هـ- 658 هـ- 659 هـ- 662 هـ- 666 هـ- 671 هـ- 688 هـ- 688 هـ- 698 هـ- 698 هـ- 699 هـ- 702- 702 هـ- 710- 710 هـ-- 710 هـ- 725 هـ- 726 هـ- 729 هـ- 730 هـ- 731 هـ- ابن عبد البر 30 هـ- 199 هـ- 379 هـ- 431 هـ- 446 هـ- 506 هـ- 616 هـ- 640 هـ- 647 هـ- ابن عدي 163 هـ- 174 هـ- 188 هـ- 605 هـ- 615 هـ 617 هـ- 673 هـ- ابن عرفة 351 هـ- ابن عساكر 147 هـ- 154 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 280 هـ- 300 هـ- 332 هـ- 588 هـ- 604 هـ- 613 هـ- 660 هـ هـ- 713 هـ- 717 هـ- 731 هـ- ابن عطاء (أبو عبد الله) 63 م- 63 هـ- 91- 93- 94- 125- 211- 381- ابن عمر 73 هـ- 132 هـ- 182 م- 182 هـ- 187 هـ- 188 هـ- 190 هـ- 191 هـ- 192- 237- 248 هـ- 299 هـ- 329- 331- 336 هـ- 338 هـ- 376- 404- 404- 418- 418 هـ- 419- 452 هـ- 545- 547- 555 هـ- 573- 577- 585- 592- 605 هـ- 627 هـ- 634 هـ- 652 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 659 هـ- 700 هـ- 701 هـ- ابن عمر بن قتادة (عاصم) 618 هـ- ابن عمرو 585 هـ- 633 هـ- ابن العواد 30 هـ- ابن عينيه 191 م- 549 هـ- ابن فديك (حبيب) 620 هـ- ابن فرحون 23- 23- ابن فهيرة 678 م- ابن فورك (أبو بكر) 498 هـ- 578- 604 هـ- ابن القاسم 341 م- ابن قانع 339 هـ- 340 م- 340 هـ- 482- 605- ابن قتيبة 696 هـ- 729 هـ- ابن قرقول 703 هـ- ابن القطان 632 هـ- ابن قيس 638 هـ- ابن القيم 288 هـ- 406 هـ- 618 هـ- 632 هـ- ابن كثير 102 هـ- 112 هـ- 209 هـ- 406 هـ- 435 هـ- 602 هـ- ابن الكلبي 54- 646 هـ- ابن لال 114 هـ- 174 هـ- ابن ماجه 31 هـ- 90 هـ- 156 هـ- 242 هـ- 248 هـ- 262 هـ- 266 هـ- 268 هـ- 277 هـ- 278 هـ- 281 هـ- 282 هـ- 284 هـ- 285 هـ- 299 هـ- 334 هـ- 399 هـ- 405 هـ- 420 هـ- 449 هـ- 462 هـ- 482 هـ- 552 هـ- 570 هـ- 578 هـ- 581 هـ- 590 هـ- 591 هـ- 601 هـ- 618 هـ- 628 هـ- 630 هـ- 637 هـ- 639 هـ- 654 هـ- 658 هـ- 696 هـ- 699 هـ- 700 هـ- 703 هـ- 704 هـ- ابن ماكولا 712 هـ- ابن المبارك 652 هـ- ابن محيض 51 هـ- ابن مخيرير 653 هـ- ابن المديني 585 هـ- 655 م- ابن مردودية 60 هـ- 78 هـ- 87 هـ- 107 هـ- 190 هـ- 220 هـ- 365 هـ- 366 هـ- 429 هـ- 549 هـ- ابن مريم (ص) 263- ابن مسعود 74- 102 هـ- 132 هـ- 152 هـ- 253 هـ- 256 م- 265 هـ- 269 هـ- 269 هـ- 334- 351- 352 هـ- 354 هـ- 361- 376- 376 هـ- 379- 380- 381- 390- 404- 404 هـ- 406 هـ- 407 هـ- 419- 420- 423- 439- 538- 543- 543 هـ- 544- 544 هـ- 544 هـ- 545- 545- 545- 545 هـ- 545 هـ- 550- 551- 570 هـ- 577- 577- 578- 588- 588- 592 هـ- 593- 628- 631 هـ- 638 هـ- 709 هـ- ابن المسيب 361- 444 هـ- 585- ابن معين 55 هـ- 61 هـ- 75 هـ- 348 هـ- 432 هـ- 547 هـ- 549 هـ- 562 هـ- 585 هـ- 586 هـ- 604 هـ ابن المقري 24- ابن المقفع (عبد الله) 531 م- ابن ملاعب الاسنة 619- ابن الملقن 697 هـ- ابن منبه 698 هـ- ابن منده 257 هـ- 406 هـ- 549 هـ- 616 هـ- 676 هـ- ابن المنذر 60 هـ- 66 هـ- 162 هـ- ابن المنكدر 68 هـ- 231 م- 231 هـ- 255- ابن الناطور 719 هـ- ابن هشام 223 هـ- ابن وهب 332 م- 341 م- 434 هـ- 597- 601- 622- ابن يامين 718 م- ام ام أبي هريرة 630 م- ام أيمن 158 م- 159 هـ- 412 هـ- 412 هـ- 562 هـ- 730- ام جندب 622 هـ- ام جميل العوراء 683 هـ- ام حبيبة 158 هـ- 421 م- 690 هـ- ام سلمة 60 هـ- 286 م- 286 هـ- 406 هـ- 582- 602- 602 هـ- 647 هـ- ام سليم (رميلة) 238 هـ- 571 م- 625 هـ-
ام عثمان بن أبي العاص 727 م- 728 هـ- ام الفضل 671 م- ام قيس 698 هـ- ام كلثوم 616 هـ- 630 هـ- ام مالك 639 م- ام مالك البهزية 639 هـ- ام مالك الانصارية 639 هـ- ام معبد 146 م- 150- 178- 316- 643- ام موسى (ص) 490- ام هانيء 365 م- 365- 373- 373 م- ام يحيى (ص) 209- آدم (ص) 54- 85- 90- 92- 114- 182- 182- 183- 200- 262- 291- 293- 323- 326- 326- 327- 328- 334- 338- 339- 339- 339- 345- 349- 356- 398- 399- 399- 399- 408- 408- 423- 424- 424- 439- 455- 462- 489- 489- 713 هـ- آدم بن علي العجلي 418 م- ابراهيم (ص) 85- 92- 115- 115- 181- 183- 211- 211- 211 هـ- 212- 212- 212- 212 هـ- 265- 265- 292- 293- 296- 296 هـ- 326- 328- 332- 334- 336- 345- 349- 351- 351- 353- 377- 401- 401- 408- 408- 408 هـ- 410- 410- 411- 412- 415- 416 هـ- 425- 425- 426 هـ- 439- 441 هـ- 459- 492 هـ- 515 هـ- 523- 715 هـ- 730 هـ- ابراهيم بن محمد (ص) 457 م- ابراهيم بن محمد 649 هـ- ابراهيم بن حماد 604 م- ابراهيم النخعي 361 م- ابرويز بن هرمز 631 هـ- 672 هـ- أبي بن خلف 238 م- 239- 671- أبي بن كعب 134 هـ- 209 هـ- 406 هـ- 581 م- 583 م- 583- 583- الاجري 571 م- أحمد بن حنبل 75 هـ- 90 هـ- 146 هـ- 149 هـ- 165 م- 174 هـ- 175 هـ- 186 هـ- 207 هـ- 208 هـ- 215 هـ- 224 هـ- 234 هـ- 237 هـ- 249 هـ- 259 هـ- 262 هـ- 268 هـ- 268 هـ- 276 هـ- 277 هـ- 280 هـ- 284 هـ- 288 هـ- 298 هـ- 299 هـ- 300 هـ- 300 هـ- 300 هـ- 301 هـ- 301 هـ- 331 هـ- 331 هـ- 334 هـ- 336 هـ- 342 هـ- 348 هـ- 449 هـ- 363 هـ- 379 هـ- 380 هـ- 380- 380- 399 هـ- 404 هـ- 405 هـ- 405 هـ- 406 هـ- 419 هـ- 419 هـ- 419 هـ- 420 هـ- 423 هـ- 424 هـ- 429 هـ- 431 هـ- 432 هـ- 444 هـ- 452 هـ- 457 هـ- 482 هـ- 489 هـ- 526 هـ- 543 هـ- 544 هـ- 545 هـ- 547 هـ- 565 هـ- 568 هـ- 576 هـ- 582 هـ- 582 هـ- 590 هـ- 592 هـ- 592 هـ- 594 هـ- 595 هـ- 596 هـ- 599 هـ- 600 هـ- 600 هـ- 602 هـ- 622 هـ- 625 هـ- 627 هـ- 640 هـ- 640 هـ- 641 هـ- 646 هـ- 648 هـ- 651 هـ- 652 هـ- 654 هـ- 656 هـ- 657 هـ- 659 هـ- 661 هـ- 671 هـ- 672 هـ- 673 هـ- 675 هـ- 675 هـ- 675 هـ- 675 هـ- 675 هـ- 685 هـ- 691 هـ- 693 هـ- 697 هـ- 699 هـ- 699 هـ- 699 هـ- 703 هـ- 726 هـ- أحمد بن صالح (الطبري) 549 م- الاحمصي 271 هـ- الاحنف بن قيس 494 م- أخطب 524 م- الاخفش 86 هـ- الاخنس بن شريق 105 هـ- 270 م- ادريس (ص) 345- 441 هـ- اربد بن قيس 692 م- 692 هـ- أردشير بن بابك 675 هـ- الارقم 548 هـ- ازد بن غوث 700 هـ- اسامة بن زيد 260 هـ- 406 هـ- 412 م- 452 هـ- 562 هـ- 575- 578- 710- 710 هـ- اسحق (ص) 212 م- 295- 296- 459- اسحق بن راهويه 154 م- اسحق بن عبد الله 583 م- 585- 637 هـ- 727 هـ- اسرائيل 524- اسرافيل 262- 280 هـ- 709 م- الاسفرائيني 584 م- 601- أسماء 332 هـ- 405 م- 637- 661 هـ- 684 هـ- أسماء بنت عميس 548 م- 548- 549- اسماعيل بن ابراهيم (ص) 181- 212 هـ- 212 هـ- 296- 326- 326- 459- 459- 463- اسماعيل بن ابراهيم 118 هـ- اسماعيل بن أبي حبيبة 729 هـ- الاسود 543 هـ- الاسود بن يزيد 544 م- آسية 726 هـ- اسيد بن حضير 406 هـ- 631 هـ- 712 هـ- الاشعث بن قيس 168 م- الاشعري (أبو موسى) 390- الاشعري (أبو حسن) 612 هـ- أصبع 68 هـ- الاصبهاني 309 هـ- الاصمعي 508 م- الاعمش (سليمان) 544 م- 544 هـ- افعى نجرران 724 م- الاقرع بن حابس 701 م- اكيدر 676 م- الياس بن مضر 328 هـ- أمامة بنت بنته (ص) 259 م- آمنة بنت وهب 159 م- 212- 726 هـ- امية بن خلف 686 م- أمية بن عبد شمس 717 هـ- أميمة بنت عبد المطلب 643 هـ- اميمة (بنت صبيح) 630 هـ-
اميمة 159 هـ- أنس (بن مالك) 31 هـ- 47- 47 هـ- 47 هـ- 62 هـ- 146- 153- 153- 159 هـ- 163- 163 هـ- 172- 186 هـ- 195- 195- 195 هـ- 195 هـ- 198- 207- 225- 228- 231- 231 هـ- 232- 233 هـ- 234- 239- 242- 247- 248- 248 هـ- 249- 254 هـ- 257- 263- 264- 264 هـ- 265 هـ- 266- 277 هـ- 281- 284 هـ- 286- 286 هـ- 292- 298 هـ- 300 هـ- 327- 327- 331 هـ- 336- 344- 347- 347- 347- 348- 349- 352 هـ- 354- 354- 360- 360- 362- 364- 366- 371- 371- 371- 376 هـ- 390- 395- 395 هـ- 398- 398 هـ- 398 هـ- 398 هـ- 400- 400- 402- 403- 404- 424- 424- 425- 427- 428 هـ- 430- 433- 435- 457- 545- 546- 550- 550- 550 هـ- 551- 551- 552- 562- 566- 571- 571 هـ- 571 هـ- 572 هـ- 578- 578- 581- 582- 583- 585- 588- 590- 599- 602- 602 هـ- 608 هـ- 609- 610- 615- 615 هـ- 616 هـ- 672 هـ- 696 هـ- 697 هـ- 702 هـ- 733- الانطاكي 632 هـ- انوشروان 631 هـ- انيس الاشهلي 431 م- انيس الغفاري 513 م- 514- اهبان بن اوس 597 م- اورياء 197- اوزاعي 31 هـ- 675 هـ- الاوس 715 م- أويس القرني 663 م- اياد بن لقيط 483 هـ- أيمن بن عبيد الحبشي 158 هـ- 562 م- 585 م- أيوب (ص) 293 م- 459- ب الباقر 567 هـ- الباقلاني 381 هـ- بهيرا 707 هـ- 719 م- البخاري 31 هـ- 31 هـ- 31 هـ- 52 هـ- 66 هـ- 72 هـ- 73 هـ- 77 هـ- 153 هـ- 154- 156 هـ- 158 م- 163 هـ- 164 هـ- 174 هـ- 175 هـ- 177 هـ- 180 هـ- 188 هـ- 190 هـ- 195 هـ- 195 هـ- 195 هـ- 195 هـ- 195 هـ- 199 هـ- 200 هـ- 203 هـ- 223 هـ- 223 هـ- 231 هـ- 231 هـ- 232 هـ- 236 هـ- 246 هـ- 257 هـ- 258 هـ- 263 هـ- 265 هـ- 266 هـ- 266 هـ- 270 هـ- 271 هـ- 276 هـ- 278 هـ- 279 هـ- 279 هـ- 279 هـ- 281 هـ- 284 هـ- 284 هـ- 286 هـ- 288- 292 هـ- 298 هـ- 298 هـ- 298 هـ- 299 هـ- 341 هـ- 347 هـ- 348 هـ- 348 هـ- 349 هـ- 364 هـ- 375 هـ- 375 هـ- 376 هـ- 392 هـ- 395 هـ- 397- 398 هـ- 404 هـ- 406 هـ- 407 هـ- 411 هـ- 413 هـ- 418 هـ- 428 هـ- 436 هـ- 436 هـ- 438 هـ- 439 هـ- 444 هـ- 444 هـ- 454 هـ- 468 هـ- 523 هـ- 524 هـ- 543 هـ- 549 هـ- 552 هـ- 562 هـ- 564 هـ- 568 هـ- 569- 580 هـ- 581 هـ- 581 هـ- 581 هـ- 585 هـ- 588 هـ- 588 هـ- 590 هـ- 597 هـ- 602 هـ- 618 هـ- 625 هـ- 628 هـ- 630 هـ- 631 هـ- 640 هـ- 648 هـ- 651 هـ- 651 هـ- 653 هـ- 655 هـ- 661 هـ- 662 هـ- 664 هـ- 667 هـ- 667 هـ- 672 هـ- 673 هـ- 681 هـ- 691 هـ- 697 هـ- 698 هـ- 703 هـ- 709 هـ- 733 هـ- 739 هـ- البراء بن عازب 146 م- 149- 236- 236 هـ- 405- 556- 557- برة (زينب بنت جحش) 566 هـ- 647 هـ- بركة 158 م- 159- البرهان الحلبي 446 هـ- 446 هـ- 446 هـ- 619 هـ- 646 هـ- 682 هـ- 688 هـ- 719 هـ- 721 هـ- 728 هـ- بريدة 406 هـ- 431 هـ- 574 هـ- 577 هـ- 582- 584- 640 هـ- 732 هـ- بريدة 187 م- البزار 55 هـ- 56 هـ- 156 هـ- 157 هـ- 159 هـ- 159 هـ- 188 هـ- 188 هـ- 203 هـ- 207 هـ- 248 هـ- 248 هـ- 281 هـ- 330 هـ- 340 هـ- 342 هـ- 354 هـ- 355 هـ- 356 هـ- 406 هـ- 559 هـ- 573 هـ- 574 هـ- 580 هـ- 589 هـ- 589 هـ- 592 هـ- 594 هـ- 595 هـ- 596 هـ- 599 هـ- 599 هـ- 600 هـ- 602 هـ- 602 هـ- 604 هـ- 610- 640- 659 هـ- 659 هـ- 662 هـ- 664 هـ- 665 هـ- 686 هـ- 699 هـ- بشر بن البراء 607 م- 608 هـ- 608 هـ- 608 هـ- 610- 611 هـ- 611 هـ- بشر بن معاوية 643 هـ- 643 هـ- البغوي 112 هـ- 157 هـ- 207 هـ- 250 هـ- 339 هـ- 531 هـ- 596 هـ- 620 هـ- بقي بن مخلد 163 م- بكر بن العلاء 464 م- بلال بن أبي رباح 233 هـ- 571- 686 هـ- 686 هـ- بلعام 705 هـ- 706- بهرام جوز 519 هـ- البيقوني 421 هـ- البيهقي 57 هـ- 62 هـ- 87 هـ- 89 هـ- 150 هـ- 155 هـ- 156 هـ- 157 هـ- 157 هـ- 159 هـ- 159 هـ- 159 هـ- 162 هـ- 163 هـ- 166 هـ- 166 هـ- 173 هـ- 175 هـ- 175 هـ- 175 هـ- 177 هـ- 177 هـ- 177 هـ- 181 هـ- 196 هـ- 199 هـ- 207 هـ- 215 هـ- 221 هـ- 223 هـ- 223 هـ- 224 هـ- 225 هـ- 229 هـ- 237 هـ- 238 هـ- 248 هـ- 256 هـ- 259 هـ- 260 هـ- 262 هـ- 264 هـ- 265 هـ- 265 هـ- 270 هـ-
270 هـ- 273 هـ- 280 هـ- 284 هـ- 304 هـ- 325 هـ- 327 هـ- 330 هـ- 332 هـ- 334 هـ- 335 هـ- 338 هـ- 339 هـ- 350 هـ- 354 هـ- 365 هـ- 371 هـ- 404 هـ- 404 هـ- 404 هـ- 405 هـ- 405 هـ- 405 هـ- 406 هـ- 409 هـ- 419 هـ- 421 هـ- 421 هـ- 429 هـ- 430 هـ- 447 هـ- 448 هـ- 452 هـ- 457 هـ- 483 هـ- 506 هـ- 506 هـ- 512 هـ- 526 هـ- 543 هـ- 544 هـ- 545 هـ- 552 هـ- 557 هـ- 559 هـ- 563 هـ- 563 هـ- 564 هـ- 565 هـ- 568 هـ- 669 هـ- 570 هـ- 573 هـ- 575 هـ- 576 هـ- 578 هـ- 579- 579 هـ- 580 هـ- 580 هـ- 582 هـ- 582 هـ- 589 هـ- 589 هـ- 590 هـ- 592 هـ- 593 هـ- 594 هـ- 594 هـ- 595 هـ- 596 هـ- 597 هـ- 599 هـ- 600 هـ- 600 هـ- 600 هـ- 602 هـ- 602 هـ- 602 هـ- 603 هـ- 604 هـ- 604 هـ- 605 هـ- 608 هـ- 610 هـ- 613 هـ- 613 هـ- 614 هـ- 615 هـ- 615 هـ- 617 هـ- 617 هـ- 618 هـ- 618 هـ- 620 هـ- 620- 621 هـ- 622 هـ- 622 هـ- 622 هـ- 623 هـ- 624 هـ- 626 هـ- 627 هـ- 628 هـ- 628 هـ- 630 هـ- 630 هـ- 631 هـ- 631 هـ- 632 هـ- 632 هـ- 633 هـ- 634 هـ- 637 هـ- 637 هـ- 638 هـ- 639 هـ- 642 هـ- 643 هـ- 644 هـ- 645 هـ- 646 هـ- 646 هـ- 647 هـ- 655 هـ- 656 هـ- 656 هـ- 656 هـ- 656 هـ- 658 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 660 هـ- 661 هـ- 662 هـ- 665 هـ- 669 هـ- 670 هـ- 671 هـ- 671 هـ- 672 هـ- 673 هـ- 673 هـ- 673 هـ- 674 هـ- 675 هـ- 676 هـ- 676 هـ- 677 هـ- 684 هـ- 685 هـ- 688 هـ- 692 هـ- 697 هـ- 710 هـ- 710 هـ- 711 هـ- 711 هـ- 711 هـ- 712 هـ- 712 هـ- 713 هـ- 713 هـ- 726 هـ- 726 هـ- 727 هـ- 727 هـ- 728 هـ- 730 هـ- 730 هـ- 731 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 733 هـ- ت تبع 715 م- تبعية بن ذؤيب 634 هـ- الترمذي 31 هـ- 47 هـ- 54 هـ- 54 هـ- 82 هـ- 90 هـ- 90 هـ- 95 هـ- 118 هـ- 147 هـ- 149 هـ- 150 هـ- 152 هـ- 165 هـ- 166 هـ- 166 هـ- 166 هـ- 174 هـ- 175 هـ- 175 هـ- 175 هـ- 175 هـ- 176 هـ- 181 م- 181 هـ- 186 هـ- 186 هـ- 199 هـ- 203 هـ- 228 هـ- 231 هـ- 233 هـ- 234 هـ- 234 هـ- 234 هـ- 242 هـ- 242 هـ- 243 هـ- 244 هـ- 245 هـ- 247 هـ- 247 هـ- 248 هـ- 248 هـ- 249 هـ- 253 هـ- 254 هـ- 265 هـ- 269 هـ- 269 هـ- 271 هـ- 271 هـ- 272 هـ- 274 هـ- 275 هـ- 275 هـ- 277 هـ- 277 هـ- 278 هـ- 279 هـ- 281 هـ- 281 هـ- 282 هـ- 282 هـ- 284 هـ- 285 هـ- 286 هـ- 286 هـ- 286 هـ- 288 هـ- 288 هـ- 288 هـ- 292 هـ- 304 هـ- 310 هـ- 323 هـ- 323 هـ- 326 هـ- 327 هـ- 327 هـ- 331 هـ- 334 هـ- 384 هـ- 375 هـ- 378 هـ- 379 هـ- 398 هـ- 398 هـ- 398 هـ- 399 هـ- 399 هـ- 400 هـ- 404 هـ- 406 هـ- 407 هـ- 408 هـ- 429 هـ- 432 هـ- 434 هـ- 435 هـ- 439 هـ- 444 هـ- 452 هـ- 452 هـ- 465 هـ- 465 هـ- 468 هـ- 482 هـ- 482 هـ- 536 هـ- 537 هـ- 543 هـ- 545 هـ- 552 هـ- 554- 563 هـ- 569 هـ- 570 هـ- 580 هـ- 581 هـ- 582- 588 هـ- 588 هـ- 589 هـ- 590 هـ- 591 هـ- 591 هـ- 593 هـ- 618 هـ- 627 هـ- 627 هـ- 652 هـ- 652 هـ- 652 هـ- 653 هـ- 654 هـ- 655 هـ- 656 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 661 هـ- 661 هـ- 655 هـ- 665 هـ- 681 هـ- 696 هـ- 697 هـ- 698 هـ- 699 هـ- 699 هـ- 701 هـ- 701 هـ- 709 هـ- 710 هـ- 731 هـ- 731 هـ- تميم الداري 601 هـ- 720 م- توربشتي 639 هـ- التيجاني 210 هـ- 210 هـ- ث ثابت بن ارقم 406 هـ- ثابت البناني 347 م- 347- 349- 551- 551- 562- 585- ثابت بن قيس بن شماس 65 هـ- 164 هـ- 615 م- 722 هـ- ثابت بن منقذ 483 هـ- الثعالبي 495 هـ- ثعلب 456 م- 456- ثعلبة بن مالك 600 م- الثعلبي 97 هـ- 105 هـ- ثوبان 336 هـ- 403 م- 519 هـ- 654 هـ- ثور بن عبد مناف 686 هـ- ثوبية 261 م- 728 هـ- ج جابر (بن عبد الله) 31- 31 هـ- 154 م- 154- 186 هـ- 223 هـ- 231 هـ- 231- 248- 276- 329- 329 هـ- 360- 367- 406 هـ- 423- 531 هـ- 550- 552- 552- 553- 553 هـ- 553- 561- 562-- 562- 62- 568- 574- 575- 577 هـ- 581- 582- 585- 589- 592 هـ- 599- 600- 601 هـ-- 608- 610- 621 هـ- 636 هـ- 639 هـ- 652 هـ- 668 هـ- 681 هـ- 682 هـ- 730 هـ- جابر بن سمرة 146 م- 149- 153- 275- 404- 589- 657 هـ- الجارود 719 م- جالوت 197- جامع بن شداد (أبو حمزة) 483 م- الجبائي 162 م جبريل (ع) 47- 63- 63 هـ- 82- 93- 99- 102- 102- 107 هـ- 164 هـ- 164 هـ- 220- 231- 255- 280- 280- 327- 327- 327 327- 327- 337- 344- 344- 344- 344- 345- 345- 347- 348-
- 350- 354- 354- 355- 355- 356- 357- 364- 364- 366- 366- 376- 381- 389- 389- 390- 393- 393 هـ- 394- 395- 395- 397- 410- 435- 457- 462- 468- 578- 579- 589- 590- 661 هـ- 669 هـ- 688- 690- 708- 709- 709- 710- 710- 710- 710 هـ- 710 هـ- 710 هـ- 711- 721 هـ- 723 هـ- 741 هـ- جبر 705 هـ- 706-- 545- 546- جبير بن محمد بن جبير بن مطعم 546 م الجد بن قيس 126 هـ- جذامة (الشيماء) 259 هـ- جذل بن جذل الكندي 724 م- جريج (العابد) 614 هـ- جرير 57 هـ- جرير بن عبد الله البجلي 247 م- 568- 649- 675 هـ- الجزري 611 هـ- الجعبري 90 هـ- الجعد بن عبد الله 643 هـ- جعفر بن أبي طالب 485 هـ- 548 هـ- 672 هـ- جعفر بن محمد 55 م- 57- 63- 88- 94- 99- 125- 133 هـ- 341- 385- 389- 395- 395- 396- 449- 567- 590- جعيل الاشجعي 637 م- جلال الدين السيوطي 24- 265 هـ- 613- الجلندي 484 م- 484- جنادة بن جندب 146 هـ- جندب 95 هـ- 405- جندع بن عمرو 492 هـ- 492 هـ- الجنيد 91 هـ- 104 هـ- الجهجاه 664 هـ- جهجاه الغفاري 638 م- الجواليقي 729 هـ- الجوهري 176 هـ- 636 هـ- 729 هـ- جويرية (ض) 279 هـ- 432 هـ- الجويني 604 هـ- جيش بن خالد 150 هـ- ح حاتم الطائي 494 م- 715 هـ- الحارث بن أبي اسامة 56 هـ- الحارث بن أوس 621 هـ- 621 هـ- الحارث بن ابي شمر الغساني 719 هـ- الحارث بن الصمة 239 م- الحارث بن عبد العزى 259 هـ- 260 هـ- 643 هـ- 727 هـ- الحارث بن كلدة 698 هـ- الحارث 653 هـ- الحارث بن هشام 232 هـ- حارثة بن وهب 403 م- 404- حاطب بن أبي بلتعه 670 م- 670 هـ- الحاكم (ابو عبد الله) 31 هـ- 51 هـ- 82 هـ- 87 هـ- 95- 157 هـ- 157 هـ- 159 هـ- 159 هـ- 173 هـ- 174 هـ- 175 هـ- 194 هـ- 197 هـ- 197 هـ- 199 هـ- 208 هـ- 258 هـ- 265 هـ- 268 هـ- 268 هـ- 277 هـ- 284 هـ- 284- 298 هـ- 301 هـ- 334 هـ- 377 هـ-- 421 هـ- 422 هـ- 429 هـ- 442 هـ- 449 هـ- 452 هـ- 452 هـ- 482 هـ- 483 هـ- 489 هـ- 538 هـ- 600 هـ- 602 هـ- 605 هـ- 611 هـ- 611 هـ- 618 هـ- 627 هـ- 632 هـ- 652 هـ- 655 هـ- 656 هـ- 657 هـ- 658 هـ- 662 هـ- 671 هـ- 676 هـ- 698 هـ- 699 هـ- 717 هـ- 727 هـ- 733 هـ- 733 هـ- حبيب بن فديك 620 م- حبيب بن يساف 622 م- الحجاج 58 هـ- 157 هـ- 405 هـ- 661 م- 661 هـ- 661 هـ- 661 هـ- 661 هـ- الحجازي 56 هـ- 73 هـ- حذيفة بن أسيد 406 هـ- حذيفة زاد الراكب 647 هـ- حذيفة بن اليمان 64 م- 287- 332- 360- 363- 404- 421- 429- 431- 437- 452- 545- 545- 547- 625- 650- 650- 658 هـ-- 659 هـ- 660- الحربي (ابراهيم) 154 م- 450- 453- الحريري 729 هـ- حسان بن ثابت 336 هـ- 460 م- الحسن البصري 60 م- 67- 68- 77- 78- 88 هـ- 132 هـ- 165 هـ- 209 هـ- 214- 233 هـ- 266- 266 هـ- 266 هـ- 272- 359- 361- 364- 376 هـ- 379- 380- 381- 394- 394 هـ- 420- 551- 579- 580 هـ- 584- 585- 608- 614- 614 هـ- 634 هـ- الحسن بن علي 191 هـ- 192- 266 هـ- 272 هـ- 304- 304- 309- 309 هـ- 313 هـ- 406 هـ- 630 هـ- 631 هـ- 639- 655- 662- 662 هـ- 662 هـ- 671- الحسن بن محمد 676 هـ- الحسين بن علي 272 هـ- 309 م- 309- 313 هـ- 630 هـ- 639- 622 هـ- 673 هـ- الحسين بن الفضل 53 هـ- الحسين بن محمد 30- حصن بن خذافة 282 هـ- حصين 73 هـ- حفض بن عبيد الله 585 م- حفصة 282 م- 403 هـ- 708 هـ- الحكم بن أبي العاص 633 م- 684 م- الحكم بن عمير 529 هـ- حكيم بن حزام 147 م- 232 هـ- الحكيم 156 هـ- الحلبي 166 هـ- 233 هـ- 279 هـ- 395 هـ- 398 هـ- 434 هـ- 475- 553 هـ- 567 هـ- 621 هـ- 632 هـ- 632 هـ- 652 هـ- 668 هـ-
701 هـ- 729 هـ- 729 هـ- 731 هـ- 732 هـ- حليمة السعدية 259 هـ- 347 هـ- 643 م- 711 هـ- 727- 727 هـ- 727 هـ- 728 هـ- 728 هـ- 731 هـ- حمّاد بن سلمة 31 م 347- 644- حمدان بن قرمط 519 هـ- حمزة الزيات 84 هـ- حمزة بن عبد المطلب 196 هـ- 406 هـ- 406 هـ-- 691 م- 691 هـ- 691 هـ- 691 هـ- 691 هـ-- 711- حمزة بن عمرو الاسلمي 631 هـ- حميد 551 م- 551- حنش بن عقيل 641 م- 641 هـ- حنظلة بن حزيم 647 م- 647- حنظلة الفسيل 660 م- حنفية بنت عليبة 275 هـ- الحنفية 89- حويطب بن عبد العزى 705 هـ- حيوة بن شريح 434 هـ- حيي بن اخطب 524 هـ- 690 م- 690- خ خارجة بن زيد 274 م- خالد بن عبد العزى 570- 570- 571- خالد بن عبد الله القسري 586 هـ- خالد بن عقبة 506 هـ- خالد بن معدان 336 م- 336 هـ- خالد بن الوليد 223 هـ- 506 هـ- 506 هـ- 616 هـ- 637 م- 672 هـ- 676- 676 هـ- 713- خباب بن الأرث 406 هـ- خديجة بنت خويلد 146 هـ- 147 هـ- 232 هـ- 232 هـ- 258- 258- 258- 258- 261- 367- 373- 570 هـ- 630 هـ- 671 هـ- 707 هـ-- 731- 731 هـ- الخرائطي 257 هـ- خريمة بن اوس بن حارثة 328- خريم بن فاتك 147 م- خزيمة بن سواد بن الحارث 646 هـ- خزيمة 634 م- 634 هـ- 634 هـ- الخضر 523 م- 733- 733 هـ- 733 هـ- 733 هـ- 733 هـ- 733 هـ- 733- 733 هـ- 733 هـ- الخطابي 64 م- 65 هـ- 172 هـ- 683- الخطيب 159 هـ- 340 هـ- 675 هـ- 676 هـ- الخفاجي 566 هـ- 601 هـ- 613 هـ- 657 هـ-- 675 هـ- الخليل (ابراهيم ص) 614 هـ- خنافر 724 م الخنساء (تماضر) 598 هـ- خولة بنت حكيم 406 هـ- خولة بنت قيس 406 م- خويلد بن أسد 717 هـ- الدارقطني 155 هـ- 157 هـ- 157 هـ- 158 م- 159 هـ- 215 هـ- 248 هـ- 292- 310 هـ- 564 هـ- 594 هـ- 697 هـ- 698- 721 هـ- الدارمي 73 هـ- 74 هـ- 231 هـ- 237 هـ- 323 هـ- 327 هـ- 335 هـ- 336 هـ- 337 هـ- 338 هـ- 400 هـ- 408 هـ- 552 هـ- 573 هـ- 578 هـ- 580 هـ- 581 هـ- 582 هـ- 582 هـ- 589 هـ- 600 هـ- الداني 735 هـ- داود (ص) 20 هـ- 85- 187 هـ- 197 م- 210- 210 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 296- 299- 299- 299- 351- 353- 441 هـ- 442 هـ- 450- 463- 541- 714- داود بن علية 703 هـ- 703 هـ- الدبوسي 499 هـ- دحيبية بنت عليبة 275 هـ- دحية 719 هـ- 719 هـ- 720 هـ- دحية الكلبي 710 م- دعثور (بن الحارث) 223 هـ- 682 م- دكين الاحمسي 568- الدلجي 66 هـ- 82 هـ- 155 هـ- 164 هـ- 166 هـ- 187 هـ- 221 هـ- 280 هـ- 282 هـ- 292 هـ- 340 هـ- 398- 570 هـ- 590 هـ- 601 هـ- 603 هـ- 604- 611 هـ- 614 هـ- 620 هـ- 630 هـ- 632 هـ- 648 هـ- 652 هـ- 668 هـ- 675 هـ- 729 هـ- 732 هـ- الدولابي 571 م- الديلمي 97 هـ- 171 هـ- 174 هـ- 177 هـ- 188 هـ- 208 هـ- 450 هـ- 529 هـ- 702 هـ- 702 هـ- ذ ذكوان 731 هـ- الذهبي 55 هـ- 70 هـ- 157 هـ- 395 هـ- 450 هـ- 605 هـ- 616 هـ- 619 هـ- 620 هـ- 632 هـ- 632 هـ- 652 هـ- 657 هـ- 658 هـ- 673 هـ- 674 هـ- 675 هـ- 703 هـ- 719 هـ- 721 هـ- 727 هـ- ذو الخويصرة 222 هـ- 666 هـ- ذو القرنين 523 م- 524- ذو المشعار الهمداني 168 م- ذو النون المصري 58 هـ- 476 م- ذياب بن الحارث 725 هـ- ر الرازي (فخر الدين) 393 م- راشد بن سعد 656 هـ- الراغب الاصفهاني 454 هـ- رافع 444 هـ- رافع بن خديج 668 هـ- الرافعي 152 هـ- الرافعي (مصطفى صادق) 532 هـ- الربيع 376 هـ- 398 هـ-
الربيع بن أنس 107 م- 107 هـ- 352 م- 378- 398- 398 هـ- 464- الربيع بن خيثم 269 م- الربيع بن معوز 234 هـ- الرحال بن عفوة 669 هـ- الرشاطي 113 هـ- الرشيد (هارون) 613 هـ- رفاعة بن زيد بن الثابوت 668 هـ- رفيع بن مهران 67 هـ- ركانة 165 م- 166 هـ- 579 م- ركانة بن يزيد 166 هـ- رميلة (ام سليم) 625 هـ- الرهاوي 698 هـ- روح بن زنباع 661 هـ- ريطة بنت منبه 72 هـ- ز الزبير بن باطيا 722 م- الزبير بن بكار 164 هـ- 582 هـ- 649 هـ- الزبير بن العوام 591 م- 659- 674- 674 هـ- 727 هـ- الزجاج (أبو اسحق) 88 م- زكريا (ص) 85- 192 هـ- الزنجي 655 هـ- الزهري 208 هـ- 231 هـ- 270 هـ- 348 هـ 372- 677 هـ- 697 هـ- 697 هـ- 698 هـ- 698 هـ- 726 هـ- 729 هـ- زياد بن أبيه 563 هـ- زياد النمري 430 م زيد بن أبي أنيسه 698 هـ- زيد بن أرقم 31 هـ- 404 م- 602- 602 هـ- زيد بن أسلم 77 م- 454 هـ- زيد بن ثابت 406 هـ- 605 هـ- 701 هـ- 702 هـ- زيد بن حارثه 158 هـ- 485 هـ- 566 هـ- 672 هـ- 730 هـ- زيد بن خارجة 616 م- زيد بن خالد الجهني 669 هـ- زيد بن سعنة 226 م- زيد بن صوحان 673 م- 673 هـ- 674 هـ- زيد بن عمرو بن نفيل 717 م- زيد بن اللصيب 669 هـ زيد بن معاذ 621- 621 هـ- 621 هـ- 621 هـ- زينب بنت ام سلمة 647 م- زينب بنت جحش 566 م- 566 هـ- 654 هـ- 654 هـ- 673- 673 هـ- زينب بنت الحارث بن سلام 224 هـ- زينب بنت علي 630 هـ زينب بنت محمد (ص) 258 هـ- 259 م- 259 هـ- 259 هـ- - س- السائب- بن يزيد 645 م- سارة 212 هـ- سالم بن أبي الجعد 552 م- 644 هـ- السامري 741 م- سبأ 699 م- السبكي 632 هـ- سحنون 188 م- السخاوي 549 هـ- السدي 112 م 182 هـ- 270 هـ- سراقة بن مالك 130 م- 674- 674- 686- سريج بن يونس 339 م- سطيح 723 هـ- سعيد 245- 605 هـ- سعد بن أبي وقاص 146 هـ- 168 هـ- 215 م- 215 هـ- 585 هـ- 591- 617- 627- 627 هـ- 655 هـ- 672- 674- 674 هـ- 710- سعد بن بنت كريز 724 م- سعد بن العاص 656 هـ- سعد بن عبادة 637 م- سعد بن معاذ 712 هـ- سعية 718 م- سعيد بن أيوب 434 هـ- سعيد بن بردة 119 هـ- سعيد بن جبير 52 هـ- 88- 88 هـ- 88 هـ- 131 هـ- 209 هـ- 361- 380- 436- 547 هـ- سعيد بن زيد 591 م- سعيد بن عبد العزيز 632 هـ- سعيد بن المسيب 252 م- 655 هـ- 671 هـ- 675 هـ- 675 هـ- 675 هـ- سعيد بن منصور 215- 292 هـ- سعيد بن ميناء 562 م- 562 هـ سعيد بن هشام 207 هـ- سفيان الثوري 186 م- 297- سفيان بن مجاشع 716 م- سفيان بن معاوية المهلبي 531 هـ- سفيان بن وكيع 310 م- 313- سفينة (رومان) 603 م- السقا 223 هـ- السقلي الحافظ 658 هـ- سلطان بن سلامة 621 هـ- سلمى 196 م- سلمان الفارسي 496 هـ- 640 م- 640 هـ- 640 هـ- 640 هـ- 673 هـ- 705 م- 705- 705 هـ 705 هـ- 706- 720- سلمة بن الأكوع 556 م- 557- 559- 564- 565- 597- 621 م- 632 هـ- 648 هـ- السلمي 61 م- 78- 99- 449- سليمان 406 هـ- سليمان (ص) 164 هـ- 192 هـ- 196- 197- 208- 209- 210- 210 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 210 هـ- 296- 298- 332- 351- 353- 714 م- 714 هـ سليمان بن الاشعث 30 م- سليمان بن أيوب 377 هـ-
سليمان بن بريدة 405 هـ- سليمان بن صرد 667 هـ- سليمان بن عبد الملك 546 هـ- سمرة بن جندب 406 هـ- 563 م- 660- 660- 660 هـ- 660 هـ- السمرقندي 51 م- 57- 61- 75- 77- 79- 80 هـ- 93- 114- 115- 378- 545- 688- 689- السمعاني 174 هـ- 519 هـ- السمنطاري 341 م- سهل بن حنيف 711 هـ- سهل الساعدي 231 م- 231 هـ- 405- 582- 583- 583- 586- 621 هـ- 651 هـ- 660 هـ- سهل بن عبد الله (التستري) 58 م- 60- 69- 78- 92- 93- 96- 191- سهل بن وهب 618 هـ- سهيل بن عمرو 676 م- 711 هـ- السهيلي 159 هـ- 604 هـ- 604 هـ- سواد بن قارب 723 هـ- سواد بن قيس 634 هـ- سويد بن جبلة 405 م- سيبويه 717 هـ- السيرافي 272 هـ- سيف بن ذي يزن 717 م- سيف بن وهب 87 هـ- السيوطي 57 هـ- 59 هـ- 196 هـ- 199 هـ- 212 هـ- 221 هـ- 232 هـ- 243 هـ- 280 هـ- 280 هـ- 288 هـ- 450 هـ- 592 هـ- 549 هـ- 579 هـ- 590 هـ- 594 هـ- 598 هـ- 603 هـ- 604 هـ- 644 هـ- 647 هـ- 647 هـ- 658 هـ- 697 هـ- 701 هـ- 702 هـ- 711 هـ- 720 هـ- 731 هـ- 732 هـ- - ش- شاصونه 613- شافع بن كليب 623 م- الشافعي 54 هـ- 55 هـ- 154 هـ- 155 م- 155 هـ- 164 هـ- 165 هـ- 195 هـ- 341 هـ- 499- 499 هـ- 507 هـ- 553 هـ- 581 هـ- 732 هـ- 733 هـ- شامول 717 م- الشحاوي 544 هـ- شداد بن اوس 213 هـ- 336 م- 365- شرحبيل الجعفي 623 م- شريح 361 هـ- شريك بن أبي نمر 347 م- 347- 354 م- 371- 371 هـ- 371 هـ- 378- 395 هـ- 395 هـ- شعبة 31 هـ- الشعبي 300 هـ- 553 م- 673 هـ الشعيب (ص) 297- ؟؟؟ عبد الرحمن) 727 م- 727 هـ- ؟؟؟ 723 هـ- الشمني 112 هـ- شيبة بن عثمان الحججي 691 م- الشيماء 259 م - ص- صالح (ص) 492 هـ- صعصعة بن صوحان 673 هـ- صفوان بن امية 232 م- 232 هـ- 252- 252- 597- 670 م- 670 هـ- 670 هـ- 670 هـ- صفوان بن سليم 196 م- صفوان بن عسال 87 هـ صفية (بنت حيي) 196 هـ- 524 هـ- 566 هـ- 690 هـ- 721 هـ- 721 هـ- صهيب 657 هـ- - ض- الضحاك بن مزاحم 75 م- 361- 545- ضغاطر 719 م- ضماد بن ثعلبة 483 م - ط- طارق بن حرام 725 هـ- طارق بن عبد الله 483 م- طاووس (اليماني) 196 م- 648 م- 648 هـ- الطبراني 52 هـ- 57 هـ- 74 هـ- 152 هـ- 157 هـ- 157 هـ- 159 هـ- 165 هـ- 172 هـ- 178 هـ- 182- 186 هـ- 186 هـ- 190 هـ- 191 هـ- 198 هـ- 225 هـ- 229 هـ- 234 هـ- 237 هـ- 267- هـ- 268 هـ- 268 هـ- 270 هـ-- 272 هـ- 280 هـ- 284 هـ- 288 هـ- 298 هـ- 304 هـ- 325 هـ- 327 هـ- 328 هـ- 338 هـ- 339 هـ- 340 هـ- 342 هـ- 365 هـ- 377 هـ-- 405 هـ- 405 هـ- 406 هـ- 431 هـ- 452 هـ-- 548 هـ- 549 هـ- 565 هـ- 571 هـ- 576 هـ-- 589 هـ- 592 هـ- 594 هـ- 594 هـ- 597 هـ-- 598 هـ- 601 هـ- 602 هـ- 602 هـ- 602 هـ-- 602 هـ- 605 هـ- 616 هـ- 620 هـ- 620 هـ-- 620 هـ- 624 هـ- 624 هـ- 639 هـ- 643 هـ-- 645 هـ- 645 هـ- 651 هـ- 655 هـ- 657 هـ- 660 هـ- 664 هـ- 668 هـ- 670 هـ- 684 هـ-- 697 هـ- 697 هـ- 699 هـ- 701 هـ- 727 هـ- 727 هـ- 733 هـ- الطبري- 182 م- 210- 214- 302- 361- 558- 563 هـ- الطحاوي 548 م- 549- 549 هـ- الطفيل بن أبي 586 م- الطفيل بن عمرو 631 م- 631 هـ- 687 هـ- طلحة بن ام سليم 646 هـ- طلحة بن عبد الله 591 م- 674- 674 هـ- طهفة النهدي 168 م- 169 هـ- الطيالسي 231 هـ- 371 هـ- 387 هـ- 423 هـ- 623 هـ- - ع- عائذ بن عمرو 406 هـ- 645 م- عائشة 31 هـ- 51 هـ- 87 هـ- 104 هـ-
146 م- 152 هـ- 152 هـ- 155- 155- 155 هـ- 159- 163- 163- 187- 187 هـ- 188 هـ- 203 هـ- 207- 221- 226- 242- 242- 243- 247- 255- 256- 256 هـ- 258- 258 هـ- 265 هـ- 266- 271- 271 هـ- 276- 278- 278 هـ- 279- 279- 280- 281- 282 282- 283- 286- 288- 288 هـ- 327- 360- 361- 372- 372- 372- 372- 373- 373- 375- 375- 376- 405- 405 هـ- 413- 435- 545 هـ- 589- 594- 594 هـ- 609 هـ- 658 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 662 هـ- 665 هـ- 665 هـ- 671 هـ- 673 هـ- 677 هـ- 681- 698 هـ- 708 هـ- 710 هـ- 732 هـ- 732 هـ- 732 هـ- عاتكة بنت خالد 146- عاصم بن عمر بن قتادة 68 هـ- 617 م- 617 هـ- 617 هـ- 618- 660 هـ- عامر بن الاضبط 634 هـ- 634 هـ عامر بن الطفيل 692 م- عامر بن مالك بن جعفر 239 هـ- 239 هـ- عامر بن مالك (ملاعب الاسة) 619 هـ- عامر بن واثلة 260 هـ- العامري 173 م- عباد بن بشر 621 هـ- 621 هـ- 631 هـ- عباد بن وهب 618 هـ- عباس الدوري 21 هـ- العباس بن سهل 586 م- العباس بن عبد المطلب 164 هـ- 181 م- 183-- 233- 236- 328- 470- 590- 656- 671- 671 هـ- 733 هـ- عباس بن مرداس 598 م 598- 598 هـ- 598 هـ- عبد الحافظ أبو الفضل 590 هـ- عبد الحق 632 هـ- عبد الرحمن بن أبي بكر 564 م- 633 هـ- عبد الرحمن بن زيد 68 م- 649 م- 649 هـ- عبد الرحمن السلمي 336 هـ- عبد الرحمن بن صخر 31 هـ- عبد الرحمن بن ابي عمرة 564 م- عبد الرحمن بن عوف 281 م- 379 هـ- 406 هـ- 591- 626- 626- 686 هـ- 712 هـ- 717 هـ- 717 هـ- 727 هـ- 727 هـ- 727 هـ- عبد الرحمن بن قيس 731 هـ- عبد الرزاق 163 هـ- 203 هـ- 238 هـ- 379 م- عبد الله بن أبي اوفى 600 م- عبد الله بن أحمد بن حنبل 381- 655 هـ- عبد الله بن أبي بن مشلول؟؟؟ 66 هـ- 224 م- 225 هـ- عبد الله بن أنيس 620 م- عبد الله بريدة 586- عبد الله جحش 643 م- عبد الله بن جعفر 600 م- 629- 727 هـ- عبد الله بن حفص 585- عبد الله بن حميد 370 م- 683- عبد بن حميد 107 هـ- 621 هـ- عبد الله بن الحارث (الزبيري) 249 م- 278- عبد الله بن الحارث (بن عبد العزى) 260 هـ عبد الله بن الحمساء 257 م- عبد الله بن دينار 652 هـ- عبد الله بن رواحة 672 هـ- عبد الله بن الزبير 157 م- 405 هـ- 405 هـ- 659 هـ- عبد الله بن زيد بن ثعلبة 404 م- عبد الله بن رمقة 647 هـ- عبد الله بن أبي سلمة 376 هـ- عبد الله بن سعد 52 هـ- عبد الله بن سرجس 62 هـ- عبد الله بن سلام 73 م- 482- 524 هـ- عبد الله بن الشخير 288 م- عبد الله انصنابحي 405 م- عبد الله بن عبد الرحمن 649 هـ- عبد الله بن عباس 582 عبد الله بن عبد الله بن عتبة 546 م- عبد الله بن عبد المطلب 159 هـ- عبد الله بن عتيك 177 هـ- عبد الله بن عبيد الله الانصاري 615- عبد الله بن عمر 403 هـ- 418 هـ- 468 هـ- 581- عبد الله بن عمرو بن العاص 31 هـ- 72 م- 243- 254 هـ- 331- 402- 434- 435- 585 هـ- 700 هـ- عبد الله بن قرط 602 م- عبد الله بن مسعود 214 م- 276- 342- 407- 545- 577- 632- 644- 709- 712- عبد المطلب 717 هـ- 717 هـ- 717 هـ- 717 هـ- عبيدة بن الحارث 513 هـ- عبيد بن عمير 200 هـ- عبد الملك بن سعيد ابجر 698 هـ- عبد الملك بن مروان 187 هـ- 552 هـ- 553 هـ-- 661 هـ- 661 هـ- عتبة بن أبي لهب 632 م- 632 هـ- 671- عتبة بن ربيعة 105 هـ- 513 م- 513 هـ- 531- 531- 531- 531- عتبة بن عبد السلمي 336 هـ- 406 هـ- عتبة بن فرقد 645 م- عتيبة بن أبي لهب 632 هـ- 632 هـ- عثكلان الحميري 717 م- عثمان بن حنيف 618 م- عثمان بن عفان 58 هـ- 126 هـ- 135 هـ- 404 هـ- 412 هـ- 556 هـ- 569- 589- 590- 591- 615- 616- 621 هـ- 633 هـ-
633 هـ- 633 هـ- 638- 638 هـ- 658- 658 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 658 هـ- 658 هـ-- 662 هـ- 674- 674 هـ- 684 هـ- 719 هـ- 720 هـ- 724 هـ- 724 هـ- عثمان العمري 342 هـ- عثمان بن مظعون 406 هـ- العجلي 586 هـ- العداء بن خالد 147 م- العدني 732 هـ- عدي بن حاتم 494 هـ- 651 هـ- العراقي 152 هـ- 243 هـ- 249 هـ- 288 هـ- 302 هـ- 371 هـ- 549 هـ- 733 هـ- العرباض بن سارية 334 م- 406 هـ- 726 هـ- العرفي 398 هـ- عروة 619 هـ- 632 هـ- 671 هـ- 692 هـ- عروة بن ابي الجعد 629 م- 699 هـ- عطاء (بن أبي رباح) 31 م- 52 هـ- 280 هـ العسقلاني (ابن حجر) 371 هـ- 546 هـ-- 376- 547 هـ- عطاء بن يسار 72 م- 73- 73 هـ- عطة السعدي 173 م- عقبة بن أبي معيط 238 هـ- عقبة بن عامر 331 م- 404- 404 هـ- 429- العقيلي 277 هـ- 620 م- 656 هـ- عكاشة 642 م- 642 هـ- 642 هـ- عكرمة (بن عبد الله) 51 هـ 60 هـ- 160 م- 160- 361- 376 هـ- 379- 380- 381- 506 هـ- 621 هـ- 625- عكرمة بن أبي جهل 622 هـ- العلاء 577 هـ- علقمة 543 هـ- 545 م- 551- علي بن أبي طالب 54 م- 69- 82- 89- 97 هـ- 107 هـ- 112- 112 هـ- 121- 132 هـ-- 146 هـ- 146- 146- 147 هـ- 150- 156- 159- 191 هـ- 192- 207- 222 هـ- 237- 244- 259 هـ- 268 هـ- 271- 273- 273 هـ- 288- 310 هـ- 334- 339 هـ- 340 هـ- 355- 361 هـ- 365 هـ- 365 هـ- 391- 412 هـ- 536 هـ- 537 هـ- 545- 545- 545 هـ- 548- 548- 548 هـ- 564 هـ- 565- 567- 567- 567- 567 هـ- 567 هـ- 571- 578- 579- 579 هـ- 589- 591- 621- 621- 630- 630 هـ- 634 هـ- 651- 651 هـ- 652 هـ- 657- 657 هـ- 657 هـ- 657 هـ- 657 هـ- 657 هـ- 657 هـ- 657 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 662 هـ- 663 هـ- 66 هـ- 666 هـ- 669 هـ- 670 هـ- 670 هـ- 674- 674 هـ- 674 هـ- 676 هـ- 697 هـ- 711 هـ- 732 هـ- 733 هـ- علي بن زيد بن جدعان 655 هـ- علي بن الحسين (زين العابدين) 423 م- علي بن الحكم 31 م- 621- علي بن عيسى 102 م- علي بن هارون 24- عمار بن سيف 675 هـ- عمار بن ابي عمار 586 م- عمار بن ياسر 277 هـ- 334- 657 هـ- 659 م- 711 هـ- عمران بن الحصين 164 هـ- 238 م- 464 هـ- 554- 558- 558- 559- 630 هـ- 709 هـ- عمران 292- عمر بن الخطاب 45 هـ- 52 هـ- 54 هـ- 58 هـ- 64 هـ- 66- 68- 70 هـ- 77 هـ- 113 م- 121- 126 هـ- 132 هـ- 156 هـ- 168 هـ-- 215- 221- 221 هـ- 223 هـ- 227- 227- 227- 233- 247 هـ- 252 هـ- 263- 270 هـ-- 334- 340 هـ- 360- 366- 367- 405- 406 هـ- 412 هـ- 446 هـ- 507- 559- 560 هـ-- 564- 567- 568 هـ- 568 هـ- 569- 576 هـ-- 580- 581 هـ- 589- 590- 594- 599- 615- 616- 627- 627- 627 هـ- 627 هـ- 628- 628- 637 هـ- 637 هـ- 640 هـ- 640 هـ-- 641 هـ- 641 هـ- 641 هـ- 641 هـ- 644 هـ- 644 هـ- 644 هـ- 645 هـ- 649 هـ- 659- 659 هـ- 662 هـ- 666 هـ- 667 هـ- 674- 674- 674 هـ- 675 هـ- 675 هـ- 676- 676 هـ-- 676 هـ- 685- 685- 685- 690- 712- 719 هـ- 725 هـ- 733- عمر بن شعيب 560 م- عمر بن عبد العزيز 251 هـ- 546 هـ عمر بن عبد العزيز بن وهيب 274 م- عمر بن قتادة 618 هـ- 660 هـ- عمرو بن أمية بن خويلد 690 م- عمرو بن ثعلبة الجهني 646 م- عمرو بن جبلة 725 هـ- عمرو بن حجاش 689 م- عمرو بن الحارث 279 م- عمرو بن السائب 157 هـ- 260 م- عمرو بن الصلاح 729 هـ- عمرو بن عتبة 645 هـ- عمرو بن مرة الجهني 699 هـ- عمير بن سعد 644 م- 644 هـ- عمير بن وهب 670 م- 670 هـ- 671- عنترة بن شداد 494 م- عوف بن مالك 287 م- 287 هـ- 667 هـ- عون بن عبد الله 79 م- عياض 21- 23- 23- 24- 30 هـ- 590 هـ- 729 هـ- عيسى (ص) 66- 85- 192 م- 192 هـ- 192 هـ- 193- 195- 197 هـ- 198- 208- 209- 209 209- 209 هـ- 291- 300- 301- 334- 336- 345- 351- 353- 401- 401- 401- 408- 408- 414- 426- 426- 441 هـ- 441 هـ- 441 هـ- 444 هـ- 449 هـ- 459- 492 هـ- 507- 515 هـ-
524- 524 هـ- 614 هـ- 653 هـ- 656 هـ- 663 هـ- 737- عيسى بن علي 531 هـ- عيينة بن حصن 701 م- - غ- غرقده (أبو شبيب) 630 م- الغزالي 475 هـ- غورث بن الحارث 223- 223 هـ- 224 هـ- 681- 682 هـ- 683- غيلان بن سلمة الثقفي 576 م- 729 هـ- - ف- فاطمة (الزهراء) 51 هـ- 54 هـ- 196 هـ- 259 هـ- 412 م- 567- 571- 630- 662- فاطمة بنت عمر 649 هـ- فاطمة بنت النعمان 724 م- الفخر الرازي 377 هـ- الفراء 84 م- 116- فرعون 208 هـ- 211 م- 211 هـ- 295- 614 هـ- 675- 741- فرقد السنجي 298 هـ- فصالة بن عمرو 692 م- 692- فنحاص 439 هـ- فهد بن عطيه 613- فيروز 672 م- 672- - ق- القابسى 703 هـ- 703 هـ- القاري (ملا على) 603 هـ- 604 هـ- 714 هـ- قاسم بن ثابت 641 هـ- قتادة بن دغامة 62 م- 66 هـ- 69 هـ- 77- 112- 114- 165- 195 هـ- 292- 292- 348- 361- 428- 546- 546- 551- 711 هـ- قتادة بن ملحان 646 م- (قتادة بن النعمان) 617 هـ- 617 هـ- 618 م- 618- 618- 631 هـ- 641- قتيبة 68 هـ- القتيبي (عبد الله) 470 م- القرطبي 271 هـ- 663 هـ- قزمان 660 م- قس بن ساعدة 716 م- القسطلاني (ابن حجر) 590 هـ- 594 هـ- قسطنطين 678 هـ- القشيري 63 هـ- القضاعي 288 هـ- قطن بن حارثة العليمي 168 م- قيس 199 هـ- 621 هـ- قيس ابن أبي حازم 627 هـ- قيس بن زيد 646 م- قيس بن سعد 244 م- 245- 245- قيصر 652- 653- 653- قيلة (بنت مخرمة) 199 م- 275 م- - ك- كامل بن عدي 215 هـ- كثير بن زيد 586 م- كريب 585 م- الكسائي 82 هـ- 84 م- 84 هـ- 102 هـ- كسرى 272- 631 م- 652- 653- 653- 672 م- 672 هـ- 672 هـ- 674- 674- 728- كعب الاحبار 58 م- 73- 74 هـ- 89 هـ- 89- 89- 89- 357- 378- 378- 378- 420- 456- 529- 529 هـ- 719 م- كعب بن أسد 721 م- كعب بن الاشرف 621 هـ- 621 هـ- كعب بن عجرة 406 هـ- كعب بن علقمة 434 هـ- كعب بن لؤي 716 م- كعب بن مالك 419 م- الكلبي 52 هـ- 115- 526 هـ- 631 هـ- 633 هـ كلثوم بن الحصين 620- الكواشي 211 هـ- - ل- لبابة بنت أبي لبابة 649 هـ- لبيد بن الاعصم 224 م- 224 هـ- 677- لبيد بن ربيعة 692 هـ- 692 هـ- لقمان (الحكيم) 187 م- 187 هـ- 523- لقبط بن عامر 406 هـ- لوط (ص) 292- 297- الليث 31 هـ- ليث بن سعد 703 هـ- ليلى بنت الحطية 633 هـ- 633 هـ- - م- المأمون 155 هـ- مارية القبطية 457 هـ- 721 هـ- مالك (بن أنس) 31 هـ- 31 هـ- 155 هـ- 155 هـ- 156 هـ- 164 هـ- 188 هـ- 207 هـ- 221 هـ- 248 هـ- 248 هـ- 340 هـ- 341 م- 341 هـ- 384 م- 499- 499 هـ- 550 هـ- 555- 555 هـ- 585 هـ- مالك بن سنان 157 م- مالك بن صعصعة 348 م- 350- 360- 371- 371- مالك بن النضر 571 هـ- 572 هـ- مالك بن بخامر 379 م- الماوردى 64 هـ- 68- 104 هـ- 377- 394- مبارك اليمامة 614 م- 614 هـ- مجاهد 66 هـ- 70 م- 92- 93 هـ- 134 هـ- 162- 209 هـ- 211- 300 هـ- 300 هـ- 301 هـ- 361- 423- 452 هـ- 470 هـ- 544- 547- 547 هـ- 577- 703 هـ- 703 هـ- 729 هـ- المحاربى 703 هـ- المحب الطبري 658 هـ- محصن بن ثعلبة 158 هـ- محلم بن جثامه 634 م- 634 هـ- 634 هـ- 634 هـ- 634 هـ- محمد بن احيحة 446 م- محمد بن اسحق 359-
محمد براء البكري 446 م- محمد بن بشار 482 هـ- محمد بن بشر بن معاوية 643 هـ- محمد بن جبير بن مطعم 546 م- محمد بن جريو الطبري 209 هـ- 273 هـ- محمد بن حاطب 623 م- محمد بن الحسن الاصبهاني 119- محمد بن حمدان الجعفي 446 م- محمد بن حميد الرازي 285 هـ- محمد بن الحنفية 662 هـ- محمد بن خزاعي 446 م- محمد بن زياد 432 م- محمد بن السائب الكلبي 54- محمد بن سعد 155 م- محمد بن سفيان 446 م- 446- محمد بن سيرين 31 هـ- 660 هـ- محمد بن علي الترمذي 78 م- محمد بن عمر (القوطية) 384 هـ- محمد بن كرام 489 هـ- محمد بن كعب القرظي 197 هـ- 378 م- 378 هـ- 387 هـ- 395- 531 هـ- محمد بن لبيد 618 هـ- محمد بن مسلمة 446 م- 621 هـ- محمد بن اليحمد 446 م- المختار الثقفي 661 م- 661 هـ- 661 هـ- المخدج 666 م- مخزوم بن هانىء 728 هـ- مخيريق 718 م- المدائني 691 هـ- مدعم 669 هـ- مدلوك (أبو سفيان) 645 م- مذحج 700 م- المرتضي 675 هـ- مرداس 598 هـ- مروان بن الحكم 380 م- 684 هـ- مروان بن عبد شمس 633 هـ- المروزي الحافظ 56 هـ- مريم 209- 412 هـ- 614 هـ- 726 هـ- المزني (أبو ابراهيم) 154 م- 548 هـ- 583 هـ- المزي 594 هـ- المستنصر 527 هـ- المستورد (بن شداد) 404 م- 404 هـ- مسروق بن اجدع 361 م- 375- 543 هـ- 544- مسعر 423 هـ المسعودي 721 هـ- مسلم 23- 31 هـ- 56 هـ- 56 هـ- 65 هـ- 90 هـ- 90 هـ- 95 هـ - 119 هـ- 152 هـ- 152 هـ- 153 هـ- 158 م- 163 هـ - 165 هـ- 174 هـ- 177 هـ- 181 هـ- 187 هـ- 188 هـ - 197 هـ- 223- 223 هـ- 223 هـ- 223 هـ- 228 هـ- 231 هـ- 231 هـ- 231 هـ- 232 هـ- 232 هـ- 236- 236 هـ- 237 هـ- 247 هـ- 249 هـ- 254 هـ- 256 هـ- 263 هـ - 264 هـ- 265 هـ- 275 هـ- 277 هـ- 278 هـ- 278 هـ- 279 هـ- 281 هـ- 284 هـ- 287 هـ- 288 هـ- 301 هـ- 326 هـ- 329 هـ- 331 هـ- 339 هـ- 344 هـ- 348 هـ- 348 هـ- 353 هـ- 366 هـ- 371- 375 هـ- 376 هـ- 387 هـ- 387 هـ- 387 هـ- 399 هـ- 400 هـ- 400 هـ- 401 هـ- 402 هـ- 403 هـ- 403 هـ- 404 هـ- 404 هـ- 405 هـ- 406 هـ- 407 هـ- 423 هـ- 428 هـ- 234 هـ- 434 هـ- 434 هـ- 438 هـ- 439 هـ- 444 هـ- 451 هـ- 457 هـ- 471 هـ- 483 هـ- 513 هـ- 519 هـ- 543 هـ- 545 هـ- 553- 553 هـ- 555 هـ- 558 هـ- 561 هـ- 562 هـ- 566 هـ- 566 هـ- 574 هـ- 575 هـ- 581 هـ- 582 هـ- 589 هـ- 591 هـ- 591 هـ- 592 هـ- 600 هـ- 603 هـ- 614 هـ- 618 هـ- 625 هـ- 630 هـ- 632 هـ- 632 هـ- 637 هـ- 639 هـ- 644 هـ- 648 هـ- 654 هـ- 655 هـ- 661 هـ- 661 هـ- 662 هـ- 663 هـ- 663 هـ- 668 هـ- 671 هـ- 673 هـ- 673 هـ- 674 هـ- 674 هـ- 677 هـ- 677 هـ- 678 هـ- 681 هـ- 690 هـ- 696 هـ- 709 هـ- 711 هـ- 728 هـ- 739 هـ- مسلم بن أبي عمران الازدي 547 م- مسور بن مخرمة 641 هـ- 641 هـ- المسيح بن مريم (ص) 318- مسيلمة (الكذاب) 506 م- 662- مصعب بن الزبير 662 هـ- مصعب بن شيبة 152 هـ- مصعب بن عميز 712 م- 712- 712- 712 هـ- 712 هـ- مصعب بن الوليد 211 هـ- مضر بن محمد 51 هـ- المطلب بن أبي وداعة 582 م- 583- 583- 586- معاذ بن جبل 208 هـ- 379 م- 379 هـ- 386- 406 هـ- 555- 556- 602- 604 هـ- 662 هـ- 724 هـ- معاذ بن عفراء 270 هـ- 622 هـ- معاذ بن هشام 195 هـ- معاوية بن أبي سفيان 147 هـ- 157 هـ- 232 هـ- 232 هـ- 244 هـ- 336 هـ- 359 م- 412 هـ- 419 هـ- 513 هـ- 574 هـ- 579 هـ- 597 هـ- 602 هـ- 616 هـ- 618 هـ- 627- معاوية بن ثور 643 م- 643 هـ- معتب بن أبي لهب 632 هـ- معرض بن معيقيب 147 م- 613- معقل بن سيار 732 هـ- معمر 208 م- 546- معوذ بن عفراء 234 م- 270 هـ- 622- مغيث بن سمي 539 هـ- المغيرة بن شعبة 113 هـ- 285 م- 602- 602 هـ- المغيرة بن عبد الله 688 هـ- المغيرة بن نوفل 259 هـ- مقاتل 69 هـ- 88 هـ- المقداد بن عمرو 629 م- 644 م- المقدام بن معدي كرب 186 م- 256 هـ- 699 هـ- المقوقس 670 هـ- 721 م مكي (أبو محمد) 67 م- 67 هـ- 91- 108- 116- 123- 394- 448-
ملاعب الاسنة 619 هـ- ملا علي القاري 93 هـ- 590 هـ- 611 هـ- 614 هـ- المنسائي 88 هـ- 89 هـ- 90 هـ- المنذري 602 هـ- المنصور (أبو جعفر) 499 هـ- المهدي 656 م- المهلب بن قبالة 647 م- 647 هـ- موسى (ص) 54 هـ- 85- 135- 165- 208- 211 م- 211 هـ- 265- 291- 292- 294- 294- 296- 297- 301- 302- 332- 345- 346- 346- 346- 346- 350- 351- 253- 354- 354- 364- 377- 377- 377- 378- 378- 381- 382- 383- 385- 385- 385- 386- 391- 392- 392 هـ- 408- 408- 408 هـ- 426- 426- 426 هـ- 426 هـ- 439- 439- 441 هـ- 441 هـ- 459- 492 هـ- 515 هـ- 523- 523- 675 هـ- 736- 736- 741 هـ- 741 هـ- 742 هـ- موسى بن اسماعيل 30 م موسى بن عقبة 641 هـ- ميسرة 731 م- ميكائيل 710 م- ميمونة 340 هـ- - ن- نائل بن قيس 646 هـ- النابغة (قيس بن عبد الله) 628 م- 628 هـ- النابغة الذبياني 628 هـ- نافع 31 هـ- 82 هـ- 84 هـ- 164 هـ- 348 هـ- 585- 618 هـ- النجاشي 164 م- 164 هـ- 259- 672- 690 هـ- 720- النسائي 64 هـ- 65 هـ- 173 هـ- 186 هـ- 194 هـ- 195 م- 195 هـ- 195 هـ- 196 هـ- 203 هـ- 224 هـ- 228 هـ- 228 هـ- 236 هـ- 237 هـ- 245 هـ- 265 هـ- 277 هـ- 284 هـ- 286 هـ- 287 هـ- 288 هـ- 288 هـ- 299 هـ- 341 هـ- 348 هـ- 375 هـ- 377 هـ- 406 هـ- 407 هـ- 418 هـ- 421 هـ- 432 هـ- 434 هـ- 439 هـ- 444 هـ- 483 هـ- 483 هـ- 543 هـ- 543 هـ- 547 هـ- 562 هـ- 563 هـ- 585 هـ- 591 هـ- 591 هـ- 592 هـ- 604 هـ- 618 هـ- 623 هـ- 631 هـ- 637 هـ- 655 هـ- 669 هـ-- 690 هـ- 709 هـ- 713 هـ- نصطور الحبشنة 719 م- النضر بن الحارث 270 م- 513- 706- النظام 491 هـ- النعمان بن بشير 616 م- النعمان بن مقرن 568 م- نغطوية 80 م- 485- نفيسة بنت منية 731 هـ- النقاش 90 م- 197- 342- 380- 390- 394- 394 هـ- 450- 721 هـ- النواس بن سمعان 406 هـ- نوح (ص) 85- 112- 113- 114- 116- 183- 293- 294- 328- 328 هـ- 332- 356- 425- 425- 441 هـ- 441 هـ- 459- 465- 465 هـ- 713 م النووي 72 هـ- 165 هـ- 166 هـ- 223 هـ- 348 هـ- 428 هـ- 470 هـ- 640 هـ- 661 هـ- 663 هـ- 677 هـ- 729 هـ- 729 هـ- 733 هـ- النويري 484 هـ- - هـ- هاجر 212 هـ- هارون (ص) 54 هـ- 345- هاشم 52- 677 م- هالة بنت خويلد 258 هـ- هامة بن الهيم 713- هانيء 165 هـ- هبار بن الاسود 632 هـ- هذيل بن بلال 674 هـ- هرقل 270- 293- 719 هـ- 719 هـ- 720 م- هشام 68 هـ- هشام بن حسان 661 هـ- هشام بن عبد الملك 418 هـ- 675 هـ- هلال بن الحارث 340 هـ- همام بن يحيى العوذي 370 م- هند بن أبي هالة 245 هـ- 263 هـ- 272 هـ- 304- هند بن خديجة 633 هـ- هند بنت عتبة 513- - ووائلة بن الاسقع 181 م- 326- وائل بن خجر الكندي 168 م- 171- 172- 648 هـ- وائل الحضرمي 639 هـ- الواسطي 91 م- 104- 106- 135- 389- 396- 449- 474- الواقدي 155 م- 238 هـ- 261 هـ- 361 هـ- 606- 610- 619 هـ- 621 هـ- 676 هـ- 713- 731 هـ- ورقة بن نوفل 232 م- 717- وكيع (بن الجراح) 375 هـ- 613 م- الوليد (فرعون) 675- 675 هـ- الوليد بن عبادة 552 م- الوليد بن عبد الملك 675 هـ- الوليد بن المعيزة 105 هـ- 506 م- 506 هـ- 511- 513- 513 هـ- 688 هـ- الوليد بن يزيد 675 هـ- وهب بن عبد الله 146 وهب بن منيه 73 هـ- 162 م- 300 هـ- 302- 442 هـ- 608- - ي- ياسر بن أخطب 721 هـ- 721 هـ- يحيى (ص) 85- 192 م- 193- 193- 195- 208- 208- 209- 293- 293- 301- 345- 441 هـ- 459- 472- 614 هـ- يحيى بن آدم 61 م- 375 هـ- يحيى بن حكم الغزال 532 م- يزيد بن ركانة 166 هـ- يزيد بن شهاب 605 م-
يزيد بن عياض 618 م- 618 هـ- يزيد الفقير 423 م- يزيد بن معاوية 232 هـ- 286 هـ- 563 هـ- 564 هـ- 574 هـ- 649 هـ- يزيد بن مهران 632 هـ- يزيد بن الوليد بن عبد الملك 675 هـ- يسار 705 هـ- 706- اليسير بن رزام 620 هـ- يعقوب (ص) 212 هـ- 295- 296- اليعقوبي 700 هـ- يعلى بن سيابة 576 م- 577- 578- 600- يعيش 705 هـ- 706- يوسف بن يعقوب (ص) 73 هـ- 212 م- 228- 265- 297- 298- 299- 459- 510- 523- 614 هـ- يونس بن بكير 549 م- يونس بن متى (ص) 265 م- 265 هـ- 438- 439- 439- 440- 443- 443- يونس بن ميسرة 453 هـ- يونس بن يزيد الايلي 348 م- انتهى فهرس اعلام الجزء الأول من الشفاء
مسرد الأمكنة والبلاد
مسرد الأمكنة والبلاد «1» في الجزء الأول- ا- أحد 64 هـ- 146 هـ- 157- 157 هـ- 203- 221- 404 هـ- 419 هـ- 563 هـ- 591 هـ- 620- 620 هـ- 620 هـ- 637 هـ- 643 هـ- 643 هـ- 659 هـ- 660 هـ- 660 هـ- 660 هـ- 668- 668 هـ- 670 هـ- 690 هـ- 691 هـ- 712- 712 هـ- 712 هـ- 718 هـ- اسفرايين: 584 هـ- اسكندرية: 404 هـ- 670 هـ- أصبهان: 675 هـ- أصيلة: 527 هـ- افريقية: 52 هـ- 188 هـ- 556 هـ- 621 هـ الاندلس: 21- 21- 21 هـ- 22 هـ- 67 هـ- 527 هـ- 532- 532 هـ- 638 هـ- انطاكية: 720 هـ- اهواز: 675 هـ- الايكة: 297 هـ- ايلة: 403- 403- ايوان كسرى: 728- - ب- بئر ذروان: 677- بئر معونة: 239 هـ- 690 هـ- بدر: 64 هـ- 147 هـ- 154 هـ- 181 هـ- 199 هـ- 214 هـ- 234 هـ- 256 هـ- 259 هـ- 261 هـ- 270- 270 هـ- 270 هـ- 270 هـ- 281 هـ- 282 هـ- 379 هـ- 419 هـ- 446 هـ- 513 هـ- 521- 563 هـ- 574 هـ- 582 هـ- 591 هـ- 591 هـ- 607 هـ- 616 هـ- 622 هـ- 622 هـ- 633- 642- 644 هـ- 659 هـ- 670 هـ- 671- 671 هـ- 676 هـ- 691 هـ- 691 هـ- 709 هـ- 710 هـ- هـ- 711- 711 هـ- 712 هـ- بست: 64 هـ- بصرى: 336- 719- 719 هـ- البصرة: 30 هـ- 47 هـ- 58 هـ- 60 هـ- 271 هـ- 391 هـ- 494 هـ- 508 هـ- 508 هـ- 531 هـ- 563 هـ- 568 هـ- 618 هـ- 645 هـ- 659- 659 هـ- 668- 668 هـ- 719 هـ- 727 هـ- بغداد: 88 هـ- 102 هـ- 154 هـ- 155 هـ- 155 هـ- 158 هـ- 158 هـ- 165 هـ- 272 هـ- 456 هـ- 498- 571 هـ- 675- 675 هـ- البقيع: 55 هـ- 63 هـ- 146 هـ- 192 هـ- 229 هـ- 281 هـ- 727 هـ- البلقاء: 558 هـ- بواط: 496- 553- بيت المقدس: 164- 336 هـ- 344- 348- 350- 362- 363- 365- 651- 655- 667 هـ- 677- 678- 729 هـ- - ت- تبوك: 54- 168 هـ- 181 هـ- 226 هـ- 248 هـ- 419 هـ- 496- 496 هـ- 555- 558 هـ- نستر: 58- التنعيم: 228- تهامة: 280 هـ- 717 هـ- - ث- ثبير 591- 591 هـ- - ج- الجزيرة: 341 هـ- جزيرة العرب: 203 الجعرانة: 260 هـ- الجماجم: 87 هـ- الجودي: 509 هـ- جيان: 705 هـ- - ح- الحبشة: 158 هـ- 600 هـ- 647 هـ- 703 هـ- 703 هـ- 717 هـ- 719- 720- 720 هـ- الحجاز: 167- 203- 328 هـ- 661 هـ- 669 هـ- الحجر: 366- 670 هـ- 670 هـ- حجر اليمامة: 669 هـ- الحديبية: 126 هـ- 285 هـ- 368- 444 هـ- 496- 556- 556 هـ- 557- 574 هـ- 618 هـ- 618 هـ- 637 هـ- حراء: 546- 591- 591- 592- 674- 674 هـ- الحربية 154 الحسا 519 هـ- حضرموت: 168- 168 هـ- 715 هـ- حلب: 272 هـ حمص: 58 هـ- 186 هـ- 262 هـ- 340 هـ-- 403 هـ- 616 هـ- 637 هـ- 644 هـ- 719 هـ- الحميمة: 356 هـ- حنين: 181 هـ- 229 هـ- 232 هـ- 252- 270 هـ- 556 هـ- 562 هـ- 572 هـ- 577- 618 هـ- 645- 648- 691- 691 هـ- 691 هـ- حواب: 659- حوران: 558 هـ- 637- - خ- خراسان: 341- 352 هـ- 470 هـ- 574 هـ- 584 هـ-
خيبر: 238 هـ- 549- 556 هـ- 599- 607- 609- 618 هـ- 618 هـ- 620 هـ- 621- 645 هـ- 651- 689 هـ- - د- دار القطن 158 هـ- دجلة: 675- 675 هـ- دجيل: 675- دمشق: 403 هـ- - ذ- ذو امر: 682 ذو المجاز: 560 - ر- الربذة: 285 هـ- 672 هـ- الرقة: 147 هـ- الرملة: 391 هـ- 403 هـ- روضة خاخ: 670 هـ- رومة: 720 رومية: 720 هـ- الري: 84 هـ- 393 هـ- 544 هـ- - س- سبأ: 699 هـ سبته: 21- 21- 22- 23- 23- 56- السد: 112 هـ- سرف: 240 سرقسطة: 638 هـ- سرمرا: 102 هـ- سفاقس: 76 هـ- سفط: 249- سمرقند: 51- - ش- شاطبة: 30 الشام: 168 هـ- 228 هـ- 287 هـ- 336- 336 هـ- 359 هـ- 403 هـ- 405 هـ- 419 هـ- 496 هـ- 572 هـ- 637 هـ- 637 هـ- 644 هـ- 645 هـ- 646 هـ- 651 هـ- 661 هـ- 662 هـ- 671 هـ- 672 هـ- 673 هـ- 673 هـ- 675 هـ- 676 هـ- 699 هـ- 705 هـ- 707 هـ- 717 هـ- 718 هـ- 719- 719 هـ- هـ- 719 هـ- 719 هـ 719 هـ- 719 هـ- 719 هـ- 720 هـ- 727 هـ- 729 هـ- 731 هـ- الشمال الافريقي: 21 - ص- الصراة: 675 الصفا: 685 صفين: 564 هـ- 634 هـ- 659 هـ- 659 هـ- 663 هـ- 676 هـ- صنعاء: 33- 403- 403- 699 هـ- 699 هـ- الصين: 699 هـ- - ط- الطائف: 52 هـ- 123- 130 هـ- 232 هـ- 405 هـ- 560 هـ- 576 هـ- 578- 633 هـ- 661 هـ- 691 هـ- 709- طبرستان: 393 هـ- طرابلس: 76 هـ- الطف: 673 طنجة: 654 هـ- طيبة: 75 - ع- العراق: 168 هـ- 361 هـ- 531 هـ- 545 هـ- 584 هـ- 586 هـ- 613 هـ- 618 هـ- 637 هـ- 651- 675 هـ- 675 هـ- 675 هـ- العرج: 571 هـ- 641 هـ- العقبة: 181- 199 هـ- 419 هـ- 563 هـ- 607 هـ- 637 هـ- العقيق: 215 هـ- عمان: 403- 484 هـ- عمواس: 667 هـ- 667 هـ- 676 هـ- عمورية: 705 هـ- عين النهر: 616 هـ- - غ- الغار: 130- 130- 130 هـ- الغرب: 655 غرناطة: 23 غزة: 155 هـ- غزنة: 119 هـ- - ف- فاس: 21- 21- 21- 719 هـ- فارس: 729 الفرات: 673 هـ- فلسطين: 72 هـ- - ق- قابس: 76 هـ- 76 هـ- القادسية: 247 هـ- القاهرة: 732 هـ- قباء: 659 هـ- القدس: 489 هـ- 663 هـ- قرطبة: 67 هـ- 67 هـ- 379 هـ- 527 هـ- القسطنطينية: 563 هـ- 563 هـ- 678- قطربل: 675 القيروان: 67 هـ- 76 هـ- 609 هـ- - ك- كربلاء: 309 هـ- 673 هـ- كرمان: 741 هـ- الكعبة: 157 هـ- 164- 228 هـ- 268- 652- 691 هـ- 711- 730- الكوفة 118 هـ- 146 هـ- 146 هـ- 168 هـ- 247 هـ- 378 هـ- 404- 404 هـ- 404 هـ- 483 هـ- 499- 519 هـ- 544 هـ- 544 هـ- 545 هـ- 553 هـ- 553- 563 هـ- 568 هـ- 597 هـ- 613 هـ- 616 هـ- 623 هـ- 629 هـ- 645 هـ- 651 هـ- 659 هـ 662 هـ- 673 هـ- - م- مارب 699 هـ- ماوراء النهر 51 هـ-
المدائن 675 هـ- مدين 297 هـ- 301- المدينة 31- 63 هـ- 64 هـ- 72 هـ- 73 هـ- 75- 89 هـ- 112 هـ- 130 هـ- 146 هـ- 147 هـ- 154 هـ- 160 هـ- 164 هـ- 164 هـ- 165 هـ- 181 هـ- 192 هـ- 215 هـ- 228 هـ- 231 هـ- 252 هـ- 256 هـ- 261 هـ- 264- 266- 274- 282 هـ- 282 هـ- 286 هـ- 256 هـ- 356 هـ- 373- 378 هـ- 378 هـ- 384 هـ- 403- 403 هـ- 412 هـ- 423 هـ- 446 هـ- 460 هـ- 484- 484- 496 هـ- 496 هـ- 524 هـ- 546 هـ- 546 هـ- 553 هـ- 556 هـ- 559 هـ- 563 هـ- 569 هـ- 571 هـ- 579 هـ- 585 هـ- 586 هـ- 591 هـ- 600 هـ- 605 هـ- 616- 618 هـ- 621 هـ- 624- 637 هـ- 639- 642 هـ- 644 هـ- 644 هـ- 645 هـ- 651- 655 هـ- 659 هـ- 660 هـ- 662 هـ- 663 هـ- 668- 670 هـ- 670 هـ- 670 هـ- 670 هـ- 672 هـ- 677 هـ- 678 هـ- 689- 690- 690 هـ- 691 هـ- 692 هـ- 705 هـ- 712 هـ- 715 هـ- 718 هـ- 719 هـ- 720 هـ- 721 هـ- 723 هـ- 723 هـ- مراكش 24- مرو 574 هـ- 557 هـ- المروة 685- 705- مزدلفة 591 هـ- المسجد الاقصى 129 هـ- 343 هـ- 362- 362- 362- 366- المسجد الحرام 129 هـ- 343- 360- 360-- 362- 362- 369- 369- 369- 518- 561 هـ- 673- المشرق 22- 154 هـ- 638 هـ- 654- 701- 701 هـ- 726 هـ- 727 هـ- مصر 72 هـ- 155 هـ- 249 هـ- 341 هـ- 403 هـ- 404 هـ- 675 هـ- 721- المغرب 21- 21- 21- 22- 22- 30 هـ- 76 هـ- 527 هـ- 654 هـ- 655- 701- 701 هـ- 726 هـ- 727 هـ- مكة: 58 هـ- 70 هـ- 75- 84 هـ- 91- 113 هـ- 117- 117- 118- 118- 118 هـ- 123- 130 هـ- 155 هـ- 155 هـ- 155 هـ- 180- 181 هـ- 191 هـ- 195 هـ- 196 هـ- 228 هـ- 228 هـ- 228 هـ- 229 هـ- 229 هـ- 232 هـ- 238 هـ- 240- 240 هـ- 259 هـ- 261 هـ- 273- 273- 279- 279 هـ- 334- 342- 483 هـ- 496 هـ- 521 هـ- 544- 546- 564 هـ- 568 هـ- 569 هـ- 571 هـ- 571 هـ- 589- 589- 623 هـ- 632 هـ- 637 هـ- 648 هـ- 649 هـ- 651- 651- 659 هـ- 660 هـ- 663 هـ- 667 هـ- 670 هـ- 670 هـ- 670 هـ- 676- 677 هـ- 688- 691 هـ- 692 هـ- 707- 712 هـ- 712 هـ- 717 هـ- 717 هـ- 725 هـ- منى 591 هـ- مؤتة 485 هـ- 558- 672- الموصل 645 هـ- 645 هـ- 705 هـ- - ن- ناعم 228 هـ- نجد 167- 642 هـ- 692 هـ- نجران 527- 720- 720 هـ- 724 هـ- 724 هـ- تصنيبين 705- 709 هـ- نعمان 228 هـ- نعيم 228 هـ- نهاوند 674 هـ- 719 هـ- النهروان 222 هـ- نيسابور 119 هـ- 470 هـ- 584 هـ- 584 هـ- 651 هـ- - هـ- هجر 519- هراة 507- 675 هـ- الهند 341- 654- - وواسط 102 هـ- 661 هـ- واسطة 91 هـ- - ي- يثرب 678- 678- اليرموك 670 هـ- 676 هـ- اليمامة 147 هـ- 506 هـ- 613- 613 هـ- 616 هـ- 631 هـ- 669- 669 هـ- 669 هـ- اليمن 22- 58 هـ- 118 هـ- 155 هـ- 168- 168 هـ- 168 هـ- 169 هـ- 203- 208 هـ- 208 هـ- 247 هـ- 291 هـ- 379- 446- 446 هـ- 603- 651- 699 هـ- 699 هـ- 699 هـ- 699 هـ- 700 هـ- 715 هـ- 715 هـ- 717 هـ- 717 هـ- 717 هـ- 720 هـ- ينبع 553- - الرموز- هـ- بجانب الرقم تدل على ان العلم المذكور موجود في الهامش م- بجانب الرقم تدل على ان العلم مترجم في الصفحة المذكورة. واذا ترك الرقم بلا حرف فذلك دلالة على ان العلم مذكور في المتن.
بسم الله الرّحمن الرّحيم مسرد الايات القرآنية الكريمة الصفحة الاية رقمها السورة أ 9 إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً 8 الفتح 9 الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ 157 الاعراف 11 إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ 1 المنافقين 38 أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ 51 العنكبوت 84 إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ 3 الحجرات 84 إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ 4 الحجرات 104 إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ 33 الاحزاب 106 إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ 33 الاحزاب 137 إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب 148 هـ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب 166 إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب 189 أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ 157 البقرة 197 إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ 56 الاحزاب 218 إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ 96 آل عمران 231 أَوَلَمْ تُؤْمِنْ 260 البقرة 234 الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً 59 الفرقان 235 أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ 45 الزخرف 236 أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً 114 الانعام 237 أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي 116 المائدة 240 اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1 العلق 246 إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً 87 الانبياء 249 هـ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ 25 النمل 252 إِنِّي أَعِظُكَ 46 هود 253 إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ 75 الاسراء 253 هـ إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ 75 الاسراء 253 هـ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ 116 الانعام 254 اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ 1 الاحزاب 254 هـ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ 24 الشورى 254 هـ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً 1 الاحزاب 254 هـ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ 67 المائدة 255 إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ 75 الاسراء 255 إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا 149 آل عمران 255 هـ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ 106 الانعام الصفحة الاية رقمها السورة 256 اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ 1 الاحزاب 260 أَيْنَ شُرَكائِيَ 74 القصص 261 إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ 70 الشعراء 261 أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ 75 76 77 الشعراء 263 هـ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ 282 البقرة 264 إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ 95 يوسف 264 إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 30 يوسف 266 أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما 282 البقرة 279 اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 200 الاعراف 279 إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ 100 يوسف 281 أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ 41 ص 282 هـ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ 63 الكهف 282 هـ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ 15 القصص 289 هـ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ 52 الحج 294 إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ 75 الاسراء 297 أَكادُ أُخْفِيها 301 هـ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ 52 الحج 302 أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى 21 النجم 304 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ 9 الحجر 305 إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا 98 يونس 307 إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ 105 النحل 309 إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ 18 المائدة 320 هـ إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ 7 الاعلى 321 إِنِّي سَقِيمٌ 189 الصافات 322 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ 10 الحجرات 325 هـ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 32 البقرة 338 أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ 123 النمل 238 أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ 90 الانعام 352 هـ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ 9 الحجر 355 هـ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ 15 القصص 356 هـ أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ 47 هود 357 هـ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى 9 الأحقاف 359 أَنْقَضَ ظَهْرَكَ 3 الانشراح 367 أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ 22 الاعراف 367 إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ 117 طه 367 إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ 21 الاعراف 370 أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ 140 الصافات 370 إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 87 الأنبياء 370 هـ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ 13 لقمان 374 أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ 2 يوسف
الصفحة الاية رقمها السورة 387 اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ 42 يوسف 389 إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ 144 الاعراف 392 إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ 222 البقرة 398 إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ 206 الاعراف 401 إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ 102 البقرة 436 الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ 3 المائدة 450 أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ 25 الرعد 451 إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ 76 يوسف 451 أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ 70 يوسف 467 إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 57 الاحزاب 485 إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 57 الاحزاب 486 أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ 3 الحجرات 498 ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 35 فصلت 499 هـ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ 505 هـ الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً 506 إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ 58 الاحزاب 597 إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ 641 هـ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ 150 النساء 647 م الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 1 الفاتحة ب 68 بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 128 التوبة 231 بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي 260 البقرة 256 بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ 52 الانعام 299 بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا 63 الانبياء 321 بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا 63 الانبياء 322 بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا 63 الانبياء 624 هـ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ت 117 تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ 29 الفتح 356 تُبْتُ إِلَيْكَ 143 الاعراف 362 تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا 67 الانفال 389 تُبْتُ إِلَيْكَ 143 الاعراف 430 هـ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ 1 التحريم ث 294 هـ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً 75 الاسراء 338 هـ ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ 123 النمل 389 ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ 122 طه ج 273 هـ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ 17 السجدة ح 68 هـ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ 128 التوبة الصفحة الاية رقمها السورة 237 حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا 110 يوسف 354 هـ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا 43 التوبة 360 هـ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا 43 التوبة 361 هـ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ 67 الانفال 382 هـ حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا 40 هود 487 حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها 9 المجادلة خ 189 خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً 103 التوبة 279 هـ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ 199 الاعراف ذ 283 هـ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ 42 يوسف 326 هـ ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ 82 الكهف 485 ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا 45 المائدة ر 68 رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ 107 الانبياء 74 رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ 23 الاحزاب 277 رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي 35 ص 371 رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا 23 الاعراف س 324 هـ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ 1 الاسراء 427 سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا 38 الاحزاب ش 338 شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ 13 الشورى 338 هـ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ 13 الشورى ص 22 صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ 7 الفاتحة 191 صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً 56 الاحزاب ط 283 طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ 65 الصافات ظ 377 ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي 16 القصص ع 289 عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ 73 الاسراء 296 هـ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ 73 الاسراء 354 عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ 43 التَّوْبَةِ 354 عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ 1/ 2 عبس 360 عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ 43 التَّوْبَةِ
الصفحة الاية رقمها السورة 365 عَبَسَ وَتَوَلَّى 1 عبس ف 9 فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ 8 التغابن 9 فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ 157 الاعراف 21 فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ 157 الاعراف 21 فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ 64 النساء 33 فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ 58 النساء 36 فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ 63 النور 39 هـ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ 43 فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ 106 هـ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ 61 آل عمران 117 هـ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ 23 الاحزاب 139 فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ 65 النساء 155 فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا 61 النور 232 فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا 94 يونس 234 فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ 109 هود 244 فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى 6 الكهف 245 فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ 87 الانبياء 247 فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ 147 الصافات 247 فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ 50 القلم 250 فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ 40 التوبة 251 فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ 46 هود 252 فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ 46 هود 255 فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ 24 الشُّورَى 255 فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى 24 الشورى 265 فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ 20 الشعراء 266 فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى 282 البقرة 273 فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ 17 السجدة 280 فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ 52 الحج 282 فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ 42 يوسف 282 هـ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ 42 يوسف 283 فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ 42 يوسف 287 هـ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا 170 النساء 296 هـ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ 52 الحج 299 هـ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ 76 الانعام 301 فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ 52 الحج 305 هـ فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ 98 يونس 313 هـ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى 65 النساء 320 هـ فَلا تَنْسى 6 الاعلى 321 هـ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ 89 الصافات 322 هـ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ 10 الحجرات الصفحة الاية رقمها السورة 325 هـ فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا 65 الكهف 354 هـ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ 19 محمد 355 فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا 19 الاعراف 355 فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ 15 القصص 355 هـ فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 19 الاعراف 355 هـ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ 25 ص 356 هـ فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ 143 الاعراف 360 فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ 62 التوبة 363 فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا 69 الانفال 366 فَأَكَلا مِنْها 121 طه 366 هـ فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما 121 طه 369 فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى 121 طه 370 هـ فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ 98 يونس 389 فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ 40 ص 392 فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ 3 النصر 403 فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ 24 البقرة 422 فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً 26 الجن 426 هـ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ 28 الاحزاب 461 فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ 95 الاعراف 461 فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ 40 العنكبوت 486 فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى 65 النساء 493 هـ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ 572 هـ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ ق 16 قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ 54 النور 21 قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي 31 آلِ عمران 22 قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ 31 آلِ عِمْرَانَ 43 قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ 25 التوبة 56 قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي 31 آلِ عمران 66 قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي 31 آلِ عمران 224 قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ 110 الكهف 225 قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ 95 الاسراء 234 قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ 104 يونس 251 هـ قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ 46 هود 252 هـ قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ 46 هود 258 هـ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ 142 البقرة 261 قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً 89 الاعراف 264 هـ قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي 95 يوسف 287 قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ 170 النساء 299 هـ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ 63 الانبياء 315 هـ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي 321 هـ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ 63 الانبياء
الصفحة الاية رقمها السورة 322 هـ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ 63 الانبياء 338 هـ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ 90 الانعام 355 هـ قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا 23 الاعراف 486 قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ 11 الذاريات 486 قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 32 التوبة 487 قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ 68 التوبة 567 قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا 40 الانفال 647 م قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ 1 الناس 641 م قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ 136 البقرة ك 375 كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ 24 يوسف 398 كِرامٍ بَرَرَةٍ 16 عبس 403 كِرامٍ بَرَرَةٍ 16 عبس 451 كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ 76 يوسف 641 هـ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ 286 بقرة 624 هـ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ 286 البقرة ل 21 لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ 64 النساء 67 لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ 38 التوبة 117 لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ 18 الفتح 164 لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ 30 طه 202 هـ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى 108 التوبة 208 لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى 108 التوبة 234 لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ 65 الزمر 253 لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ 65 الزمر 253 لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ 45 الحاقة 255 لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ 65 الزمر 259 لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ 81 آلُ عِمْرَانَ 261 لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ 77 الانعام 265 هـ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ 44 النحل 294 هـ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ 45 الحاقة 303 لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ 53 الحج 354 لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ 68 الانفال 356 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ 2 الفتح 358 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ 2 الفتح 358 لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ 5 الفتح 362 لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ 68 الانفال 362 هـ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ 68 الانفال 392 لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ 117 التوبة 425 لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 37 الاحزاب 428 لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 37 الاحزاب 430 لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ 1 التَّحْرِيمِ 453 لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ 14 يونس 453 لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا 2 الملك 453 لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا 140 آل عمران 485 هـ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ 57 الاحزاب 502 لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ 62 الاحزاب الصفحة الاية رقمها السورة 622 م لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى 45 طه 656 م لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ 9 الحشر م 16 مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ 79 النِّسَاءِ 68 مُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً 45/ 46 الاحزاب 120 هـ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ 224 مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ 75 المائدة 258 ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي 142 البقرة 266 ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ 52 الشورى 279 مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ 100 يوسف 404 ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ 426 ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ 38 الأحزاب 428 ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ 40 الاحزاب 429 ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ 38 الاحزاب 458 مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ 123 النساء 463 ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ 49/ 50 يس 485 مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا 61 الاحزاب ن 23 نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ 20 المائدة 266 نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ 3 يوسف هـ 273 هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ (66) الكهف 282 هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ (15) القصص 299 هذا رَبِّي (76) الانعام 377 هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ (15) القصص و9 وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 13 الفتح 16 وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 132 آلِ عِمْرَانَ 16 وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا 54 النور 16 وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ 7 الحشر 16 وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ 68 النساء 17- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ 63 النساء 18 وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ 7 الحشر 24 هـ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ 26 وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ 7 الحشر 36 وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ 114 النساء 47 هـ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ 68 النساء 48 وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ 68 النساء 57 وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ 9 الحشر 68 هـ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً 107 الانبياء 71 وَلا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ 92 التوبة
الصفحة الاية رقمها السورة 75 وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 8 الحشر 81 وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 1 الْحُجُرَاتِ 104 وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ 6 الاحزاب 116 هـ وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً 117 وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ 100 التوبة 117 هـ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ 100 التوبة 120 وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ 10 الحشر 163 هـ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها 30 النازعات 177 هـ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ 175 الاعراف 192 وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ 100 التوبة 215 هـ وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ 34 لقمان 218 وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً 125 البقرة 224 وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ 144 آل عمران 224 وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ 20 الفرقان 244 وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا 9 الانعام 266 هـ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا 9 الانعام 231 وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ 260 البقرة 234 وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا 95 يونس 235 وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ 45 الزخرف 236 وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ 114 الانعام 242 هـ وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا 51 القلم 247 وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ 48 القلم 251 وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ 75 الانعام 251 وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ 253 وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما 106 يونس 253 وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ 116 الانعام 253 هـ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى 65 الزمر 253 هـ وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما 106 يونس 254 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 67 المائدة 255 وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ 44 الحاقة 255 وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ 116 الانعام 255 هـ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ 24 الشورى 255 هـ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ 65 الزمر 255 هـ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ 75 الاسراء 256 وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ 52 الانعام 256 هـ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً 1 الاحزاب 259 وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ 7 الاحزاب 259 وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ 81 آلِ عِمْرَانَ 259 هـ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى 7 الاحزاب 260 هـ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي 74 القصص 261 وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ 35 ابراهيم 261 وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ 13 ابراهيم 261 هـ وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ 35 ابراهيم 262 وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى 7 الضحى الصفحة الاية رقمها السورة 263 وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ 113 النساء 263 هـ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ 113 النساء 264 وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ 30 يوسف 260 وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ 44 النحل 266 وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى 7 الضحى 266 وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ 3 يوسف 226 وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ 7 يونس 226 هـ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً 52 الشورى 226 هـ إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ 7 يونس 273 وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ 76 يوسف 278 وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ 48 الانفال 279 وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ 200 الاعراف 279 وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ 199 الاعراف 280 وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ 52 الحج 281 هـ وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى 41 ص 282 وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ 63 الكهف 283 وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ 60 الكهف 287 وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى 3/ 4 النجم 287 ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ 7 الحشر 287 هـ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ 7 الحشر 289 وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ 52 الحج 289 وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ 73 الاسراء 294 وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ 44 الحاقة 296 وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ 73 الاسراء 296 وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ 143 النساء 296 هـ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ 52 الحج 301 وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ 52 الحج 301 هـ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ 78 البقرة 304 وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ 52 الحج 304 هـ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ 52 الحج 309 وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها 259 البقرة 325 وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً 65 الكهف 326 وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي 82 الكهف 337 هـ وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ 6 الصف 354 وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ 19 محمد 354 وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ 1/ 3 الانشراح 354 وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى 121 طه 355 هـ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ 20 الفتح 355 وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ 24/ 25 ص 355 وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها 24 يوسف 356 وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي 47 هود 356 وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا 37 هود
الصفحة الاية رقمها السورة 356 وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي 82 الشُّعَرَاءِ 356 وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ 34 ص 356 هـ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً 34 ص 357 وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ 20 الفتح 357 وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي 9 الاحقاف 358 وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ 2/ 3 الانشراح 360 هـ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ 62 التوبة 362 هـ وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ 67 الانفال 363 هـ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 69 الانفال 366 وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى 7 عبس 367 تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ 35 البقرة 367 وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى 121 طه 367 وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ 115 طه 368 وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً 368 وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ 121 طه 369 وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ 121 طه 369 ذَهَبَ مُغاضِباً 372 وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ 24/ 25 ص 374 وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها 24 يُوسُفَ 375 وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي 53 يوسف 375 وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ 32 يوسف 375 وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ 377 وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً 40 طه 379 وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ 34 ص 381 وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ 35 ص 382 وَأَهْلَكَ 40 هود 383 هـ وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ 1/ 2 الانعام 383 هـ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ 44 الاسراء 384 وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ 126 النحل 389 هـ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ 394 هـ وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ 397 وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ 165/ 166 الصافات 398 وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ 19/ 20 الانبياء 400 وَما أُنْزِلَ 102 البقرة 400 وَما يُعَلِّمانِ 102 البقرة 401 وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ 102 البقرة 402 وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا 102 البقرة 418 وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ 159 آل عمران 425 وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ 37 الاحزاب 425 هـ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ 37 الاحزاب 426 وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا 37 الاحزاب 430 وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ 37 الاحزاب 434 وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 67 المائدة 450 وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها 7 الاسراء الصفحة الاية رقمها السورة 455 وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ 146 آلِ عِمْرَانَ 454 وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا 142 آل عمران 454 وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ 3 محمد صلى الله عليه وسلم 467 وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ 61 التوبة 467 وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ 53 الاحزاب 467 هـ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ 104 البقرة 486 وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ 9 المجادلة 487 وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ 63 التوبة 487 وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ 63 التوبة 487 وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما 67 التوبة 497 وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ 15 المائدة 524 وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ 16 التوبة 527 هـ وَنادَوْا يا مالِكُ 546 هـ وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ 560 هـ وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً 589 وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ 222 البقرة 608 وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها 25 فاطر 646 م وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ 42- 43- فصلت 622 م وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 24 سبأ 656 م وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ 10 الحشر 656 م وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا 11 الحشر 618 م وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى 115 النساء لا 62 لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ 22 المجادلة 79 لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ 63 النور 82 لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ 63 النور 96 لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ 2 الْحُجُرَاتِ 192 لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ 63 النور 277 هـ لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي 35 ص 283 هـ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ 60 الكهف 301 لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ 78 البقرة 304 لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ 267 فصلت 325 لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا 32 البقرة 397 لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ 6 التحريم 398 لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ 79 الواقعة 403 لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ 6 التحريم 403 هـ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ 79 الواقعة
الصفحة الاية رقمها السورة 453 لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ 115 الانعام 469 لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ 63 النور ي 18 يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ 66 الاحزاب 19 هـ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ 68 هـ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ 45/ 46 الاحزاب 69 يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ 2 الجمعة 69 هـ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ 16 المائدة 79 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ 7/ 8 الفتح 79 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا 1 الحجرات 79 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا 2 الحجرات 84 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا 104 البقرة 95 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا 2 الحجرات الصفحة الاية رقمها السورة 120 هـ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا 10 الحشر 137 هـ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا 56 الاحزاب 192 يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا 10 الحشر 245 يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 1 المزمل 245 يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1 المدثر 270 يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ 7 الروم 297 يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ 43 النور 303 يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي 26 البقرة 352 هـ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ 467 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا 104 البقرة 486 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ 3 الحجرات 494 يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا 76 التوبة 498 هـ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ 502 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ 75 التوبة
مسرد الأحاديث النبوية الشريفة- ا- 10- أمرت ان اقتل الناس حتى يشهدوا 11- أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ 12 هـ- اقتلته بعد أن أسلم 19- اذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه 19 هـ- ان الله قد فرض عليكم الحج 25- القرآن صعب مستصعب على من كرهه 26- ان احسن الحديث كتاب الله 26- العلم ثلاثة فما سوى ذلك 27- ان الله تعالى يدخل العبد الجنة 27- المتمسك بسنتي عند فساد أمتي 27- ان بني اسرائيل افترقوا 47- المرء مع من احب 53 هـ- اثمة بلال 59- اللهم اني احبهما فاحبهما 59- اللهم اني احبه فاحب من يحبه 60- انها بضعة مني 60- الله الله في اصحابي 60- احبيه فاني احبه 60- آية الايمان حب الانصار 64- ان الفقر الى من يحبني 64- انظر ما تقول 65- ان كنت تحبني فاعد للفقر 71- ان الدين النصيحة 621 هـ- ان رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة اوصى أهله اذا انا مت فاجمعوا لي حطبا ... 646 م- المراء في القرآن كفر.. 651 م- اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا 105- انشدكم الله أهل بيتي 105- اني تارك فيكم ما ان أخذتم 106- اللهم هؤلاء أهل بيتي 107- اللهم هؤلاء اهلي 107- اغد علي يا عم مع ولدك 108- اللهم اني احبهما فأحبهما 108- احب الله من أحب حسنا 116 هـ- اذا ذكر أصحابي فامسكوا 116 هـ- اياكم وما شجر أصحابي 117- اذا ذكر أصحابي فامسكوا 117- اقتدوا بالذين من بعدي 118- اصحاب كالنجوم 118- الله الله في اصحابي 119- اذا ذكر اصحابي فامسكوا 119- ان الله اختار اصحابي 121- أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَاضٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ 123- اعفوا عن مسيئهم 123- احفظوني في اصحابي واصهاري 123 هـ- اوصى الخليفة من بعدي بالمهاجرين 137- اللهم اغفر له 149- اذا صلى احدكم فليبدا بتحميد الله 152- الدعاء بين الصلاتين لا يرد 157- اذا صلى احدكم فليقل التحيات 161- اللهم صلي على محمد وآل محمد 171- اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول 173- اولى الناس بي يوم القيامة 176- ان انجاكم يوم القيامة من اهوالها 178- آمين 178- الْبَخِيلُ الَّذِي ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ 179- إِنَّ الْبَخِيلَ كُلَّ الْبَخِيلِ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ 179- ايما قوم جلسوا ثم تفرقوا 183- ان لله ملائكة سياحين 184- اكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة 185- أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيَّ فِي اللَّيْلَةِ الزَّهْرَاءِ 189- اللهم صلي على آل أبي أوفي 189- اللهم صلي على فلان 189- اللهم صلي على محمد وعلى أزواجه 190- اللهم اجعل صلواتك وبركاتك 190- اللهم صلي على محمد وأزواجه 197- اللهم لا تجعل قبري وثنا 203- اذا دخلت المسجد فصلي علي النبي 203- اللهم اني أسألك من فضلك 203- اللهم احفظني من الشيطان الرجيم 204- اللهم افتح لي أبواب رحمتك 206- اللهم لا تجعل قبري وثنا 209- أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم 216- الجنة تحت ظلال السيوف 217- انما المدينة كالكير 227- انما لست كهيئتكم 227 هـ- ابيت عند ربي يطعمني 239- اول ما بدىء به رسول الله
241- اني اذا خلوت وحدي سمعت نداء 241- اني لا سمع صوتا، وأرى ضوآ 247- انه ليفان على قلبي 251- افلا اكون عبدا شكورا 251- انه ليفان على قلبي 284- ان هذا واد به شيطان 284- ان هذا واد به شيطان 284- ان الشيطان أتى بلا 298- ان الله يحب معالي الامور 299- انما ذلك من الشيطان 312- انكم لتختصمون الى 313- اسق يا زبير 320- اني لانسى او انسى 320 هـ- انه لم يكذب ابراهيم الا ثلاث 323- انت نبي الله وخليله 325- انا سيد ولد آدم 325 هـ- انا سيد ولد آدم 333 هـ- اني لاتقاكم لله واعلمكم بحدوده 341- انما انا بشر انسى كما تنسون 342- اني لأنسى أو أنسى 343- انه ليفان على قلبي 345- انما انا بشر 346- اني لانسى أو أنسى لأسن 347- انى لا أنسى 347- انما انا بشر 349- ان عيني تنامان ولا ينام قلبي 349- ان الله قبض ارواحنا 351- ان الله قبض ارواحنا 351- أكلا لنا الصبح 351- اني أنسى كما تنسون 355- اللهم اغفر لي ما قدمت 355- انه ليغان على قلبي 356- اني لأستغفر الله وأتوب اليه 362- احلت لي الغنائم 374- اذا هم عبدي بسيئة 391- افلا أكون عبدا شكورا 391- اني اخشاكم لله واعلمكم 394- انها صفية 394- ان الشيطان يجري من ابن آدم 408- اقماك الله 409- ان عيني تنامان 409- اني لست كهيئتكم 410- اني لست كهيئتكم 417- انتم اعلم بامر دنياكم 417- انما ظننت ظنا 417- انما انا بشر 418- اشرت بالرأي 420- انما انا بشر 424- اهو الذي بعينه بياض 424- اني لأمزح ولا أقول الا حقا 424- اني اذا داعبتكم 431- اتوني اكتب لكم كتابا 436- اوصيكم بكتاب الله وعترتي 438- اللهم انما محمد بشر 442- اسق يا زبير 442- اسق يا زبير 243- اعيذك بالله يا عكاشة 446- ان محمدا 447- ان من شر الناس 448- ان من شر الناس 450- اشتريها واشترطي 455- اذا اراد الله بعبد سوآ 455- اذا احب الله عبدا 457- اجل اني أدعك 458- انا معاشر الأنبياء 458- ان عظم الجزاء 471 هـ- ادبني ربي فاحسن تأديبي 488 هـ- الحمد لله الذي قتلك واقر عيني 496 هـ- اذا سلم عليكم اهل الكتاب 497- انما بعثتم ميسرين 500- ان اليهود اذا سلم احدهم 506- انها بضعة مني 546- ان من البيان لسحرا 572 هـ- ان وجدتموه فاحرقوه 596 هـ- امرت أن اقاتل 597 هـ- الخوارج شرار امتي ب 215- بين قبري ومنبري 267- بغضت الى الاصنام 448- بئس ابن العشيرة 449- بئس ابن العشيرة 489- بكفرك وافترائك 497- بشروا ولا تعسروا 652 م- بضعة مني يؤذيني ما آذاها ت 148- هـ- تقولون اللهم صلي على محمد 227- تنام عيناي ولا ينام قلبي 440- تربت يمينك 443- تدرك حاجتك 468- تسموا بأسمي ولا تكنوا 470- تسمون أولادكم محمدا ث 44- ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ح 183- حيثما كنتم فصلوا على 204- حمد الله وسمى وصلي على النبي
411- حتى كان يخيل اليه انه كان 413- حتى يخيل اليه انه يأتي خ 440 هـ- خرجنا مع رسول الله د 19 هـ- دعوني ما تركتكم 432- دعوني فان الذي انا فيه خير 437- دعوني فان الذي انا فيه خير 498- دعني اضرب عنقه ر 152- رغم أنف رجل 177- رغم انف رجل 345- رحم الله فلانا 479- رب المتاع أولى بحمله ز 205- زر غبا تزدد حبا س 411- سمر رسول الله 463- سبحان الله كأنه على غضب 598- سبق الفرث والدم 599- سيكون من أمتي ش 597- شر قبيل تحت اديم السماء ص 163- صلوا واجتهدوا في الدعاء 188- صلوا على انبياء الله ورسله 202 هـ- صلاة ركعتين فيه كعمرة 204- صلى الله على محمد وسلم 211- صلاة في مسجدي هذا 214 هـ- صيام شهر رمضان ع 27- عمل قليل في سنة 262- عادوا حمما 361- عفا الله لكم صدقه الخيل والرقيق 440- عقري ف 24- فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء 37- فليزادن رجال عن حوضي 37- فمن رغب عن سنتي فليس مني 240- وجاءني وأنا نائم فقال 596- فاذا قالوها 597- فاذا وجدتموهم فاقتلوهم ق 79- قدموا قريشا ولا تقدموها 160- قولوا اللهم صلي على محمد وأزواجه 286- قلت يا رسول أأكتب كل ما اسمع منك 324- قال بل عبد لنا بمجمع البحرين 360 هـ- قد عفوت لكم زكاة الخيل 454- قلت يا رسول الله اي الناس ك 19- كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى 19 هـ- كلكم يدخل الجنة الا من أبى 19- كل امتي يدخل الجنة الا من أبى 38- كفى بقوم حمقا أن يرغبوا 152- كل دعاء محجوب دون السماء 189- كل تقي 268- كلما دنوت منها من صنم 317- كل ذلك لم يكن 440- كنت مع الصبيان ل 37 هـ- لكم سيما ليست لاحد من الامم 44- لَنْ يُؤْمِنَ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ 172- لقيت جبريل فقال أبشرك 176- ليرون على اقوام ما أعرفهم 190- لَقَدْ أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ 195- لعن الله زوارات القبور 226- لو كنت متخذا من امتي خليلا 238- لقد خشيت على نفسي 323- لم يكذب ابراهيم الا ثلاث 350- لو شاء الله لا يقظنا 351- لقد اذكرني كذا 364- لو نزل من السماء عذاب 380- لأطوفن بالليل على 388- لَوْلَا كَلِمَةُ يُوسُفَ مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ 392- لو تعلموا ما اعلم لضحكتم قليلا 409- لست انسى ولكن انسى 424- لا حملنك على ابن الناقة 447- لولا حدثان قومك 447- لو استقبلت من أمري م 18- من اطاعني فقد اطاع الله 19- مثلي ومثل ما بعثني الله به 25- ما بال قوم يتنزهون عن الشيء 26- من اقتدى بي فهو مني 28- من احيا سنتي فقد احياني 28- من احيا سنة من سنتي 35- من كان يؤمن بالله واليوم الاخر 37- من ادخل في أمرنا ما ليس فيه فهو رد 37 هـ- من عمل عملا ليس عليه أمرنا 37 هـ- من أدخل في ديننا 46- ما اعددت لها
47- من احبني واحب هزيمة واباهما 48- ما بالك 48- من احبني كان معي في الجنة 49- مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بعدي 60- من احبهما فقد احبني 60- من احب العرب فبحبي احبهم 105- مَعْرِفَةُ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 107- من كنت مولاه فعلي مولاه 109- من احبني واحب هذين 109- من اهان قريشا اهانه الله 109 هـ- من يرد هوان قريش اهانه الله 118- مثل أصحابي كمثل الملح 119- من سب اصحابي فعليه لعنة الله 120- من أحب عمر فقد احبني 124- من حفظني في اصحابي كنت 124- من حفظني في اصحابي ورد 149- من احدث فيها حدثا 129- من حلف على منبري كاذبا 147- من صلى صلاة لم يصل علي 154 هـ- من عطس فقال الحمد لله 157- من صلى عليّ في كتاب 162- من سره أن يكتال بالمكيال 171- من صلى على صلاة صلى الله 172- من صلى عليك صلاة صلى الله 173- من قال اللهم صلي على محمد 173- من صلى علي في كتاب لم نزل 174- من صلى علي صلاة صلت 175- من قال حين يسمع النداء 176- من سلم علي عشرا 179- من ذكرت عنده فلم يصل 180- من نسي الصلاة علي 180- من الجفاء أن اذكر عند الرجل 180- ما جلس قوم مجلسا 182- ما من أحد يسلم علي 183- من صلى علي عند قبري 194- من زار قبري وجبت له شفاعتي 195- من زارني في المدينة محتسبا 195- من زارني بعد موتي 195- من زار قبري 201- ما بين بيتي ومنبري 208- مسجدي هذا 214- ما بين بيتي ومنبري 215- منبري على ترعة من ترع الجنة 217- من مات في احد الحرمين 219- مرحبا بك من بيت 219- مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الركن 220- من صلى عند المقام ركعتين 220- مَا دَعَا أَحَدٌ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ 313- ما انا حملتكم ولكن الله حملكم 317- ما قصرت الصلات ولا نسيت 333 هـ- ما لهذه المراة 384- ما من أحد الا الم بذنب 384 هـ- ما من أحد الا وقد اخطأ 396 هـ- من كفر مسلما بغير حق 416- ما تصنعون 424- مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ 441- ما له ترب جبينة 448- مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ 450- ما بال أقوام يشترطون 459- من يرد الله بر حيرا 459- ما من مصيبة تصيب المسلم 459- ما يصيب المؤمن من نصب 459- ما من مسلم يصيب أذى 460- مثل المؤمن مثل خامة الزرع 462 هـ- من كان له على حق 463- موت الفجاة راحة للمؤمن 464- ستريح وستراح منه 464- مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ 487- من سب نبيا 487- من لكعب بن الاشرف 488- من يكفيني عدوي 488- من يكفيني عدوي 490- من لي بها 495- من غير دينه فاضربوه 495 هـ- من بدل دينه فاقتلوه 537- مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ 557- من بدل دينه فاقتلوه 596 هـ- من اتى عرافا 618 م- مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ ربقة الاسلام من عنقه 647 م- من مجد آية من كتاب الله ... » 652 م- من سب اصحابي فاضربوه ... » 656 م- من سب اصحابي فاجلدوه..» ن 195- نهتكم عن زيارة القبور فزوروها 232- نحن أحق بالشك بابراهيم 243- نعم هـ 12- هلا شققت عن قلبه 39- هلك المتنطعون 431- هلموا اكتب لكم 597- هم من شر البرية و24- وكل ضلالة في النار 107- وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الايمان 175- وما يمنعني وقد خرج جبريل 213- وصلاة في المسجد الحرام 215- ومنبري على حوضي 217- والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون 313- والله لا أحلف على يمين 313 هـ- والله ما عندي ما أحملكم عليه 313 هـ- ولعل بعضكم الحن بحجته 380- والذي نفسي بيده
440- ولا اشبع الله بطنك 441- ومن أصاب من ذلك شيئا 444- ورس ورس لا 17 هـ- لا الفين احدكم متكئا على أريكته 25- لا الفين احدكم متكئا على أريكته 38- لا الفين أحدكم متكئا على أريكته 44- لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ 45- لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ من نفسه 58- لا تلعنه فانه يحب الله ورسوله 107- لا يحبك الا مؤمن 109- لا تؤذيني في عائشة 109 هـ- لا تؤذنني في عائشة 119- لا تسبوا اصحابي 137 هـ- لا يزال العبد في صلاة 147- لا صلاة لمن لم يصل عليها 151- لا تجعلوني كقدح الراكب 154 هـ- لا تذكروني في ثلاث مواضع 180- لا يجلس قوم مجلسا 184- لا تتخذوا بيتي عيدا 206- لا تجعلوا قبري عيدا 209- لا تشد الرحال الى ثلاث 216- لا يصبر علي لأوائها 217- لا يخرج احد من المدينة 235- لا أسال قد اكتفيت 417- لا بل هو 424- لا ثمار اخاك ولا تمازحه 482- لا يلغ الكلب في دم مسلم 490- لا ينتطح فيها عنزان 497- لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه 501- لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه 513- لا نبي بعدي 518- لا يبع حاضر لباد 598- يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم 651 م- لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله.. 652 م- لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَإِنَّهُ يَجِيءُ قَوْمٌ فِي آخر الزمان ... 652 م- لا تؤذوني في عائشة..» ي 13- يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ 57- يَا بُنَيَّ إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ 57- يا بني وذلك من سنتي 83- يا تأبت اما ترضى أن تعيش حميدا. 152- يا غلام اني اعلمك كلمات 174- يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة 333- يحل الله لرسوله ما يشاء 471 هـ- يصيب هذه الامة بلاء 504- يا اخوة القردة والخنازير 541 هـ- ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى سماء الدنيا 597- يقتلون أهل الاسلام 598- يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم 598- يمرقون من الدين 599- يخرج من هذه الامة 599- يخرج من أمتي
ارقام الصفحات التي ذكر فيها الاعلام من الجزء الثاني بسم الله الرحمن الرحيم 1- أبو ابراهيم التجيبي: 59 هـ- 74- 191 2- أبو أسامة الهروي: 221 م «1» 3- أبو اسحق: 618 هـ «2» 4- أبو اسحق الاسفرائيني: 285 م 5- أبو اسحق ابراهيم بن جعفر: 316 م- 519 6- أبو اسحق البرقي: 516 «3» 7- أبو اسحق بن شعبان المصري: 155 م 8- أبو اسحق الزجاج: 73 م 9- أبو اسحق المستملي: 434 م 10- أبو امامة الانصاري: 157 م- 599 11- أبو اوفى الاسلمي: 189 م 12- أبو أيوب الانصاري: 206 13- أبو بشر: 291 م 14- أبو برزة الاسلمي: 477 هـ- 491 م 15- أبو بكر القاضي: 615 م 16- أبو بكر الاجري: 74- 74 هـ 17- أبو بكر الاعصري: 650 م 18- أبو بكر الباقلاني: 286- 327- 329- 374 هـ 601- 603 19- أبو بكر البغدادي: 650 هـ 20- أبو بكر ابن أبي شيبة: 182 م 21- أبو بكر بن اسحق الخفاف: 72 م 22- أبو بكر بن زيدون: 524 م 23- أبو بكر بن عبد الرحمن المخزومي: 299 م 24- أبو بكر ابن العربي: 293 هـ 639 هـ 25- أبو بكر بن عمرو بن حزم: 156 م 26- أبو بكر بن عياش الخياط: 113 م 115 27- أبو بكر بن فورك: 252- 368- 542 28- أبو بكر بن المنذر: 474 أبو بكر التيمي: 138 م- 141 أبو بكر الشاشي: 639 م- 639 هـ أبو بكر الصديق: 39- 39- هـ- 50- 50 هـ- 53 هـ- 83- 83 هـ- 86- 87 هـ- 108- 109- 114- 115- 118- 119- 122 هـ- 146- 165 هـ 176- 190- 191- 200- 201- 202- 204- 250 هـ- 458 هـ- 490- 490 هـ- 491- 558- 584- 610 هـ- 616- 652 م- 653 م- 653 م- 658 م- 658 م أبو بكر القشيري: 138 أبو بكر النيسابوري: 143 م أبو ثور بن أبي عبد الرحمن: 577 م أبو جعفر الطبري: 140- 142- 143- 169 هـ- 328- 470 أبو جعفر المنصور: 92- 92 هـ أبو جهل: 408 أبو حاتم: 113 هـ- 228 هـ- 289- 292 هـ- 375 م- 578 أبو حازم: 98- 98 هـ أبو الحسن: 649 م أبو الحسن الاشعري: 595 أبو الحسن الاخفش: 80 م أبو الحسن بن القصار: 141 م 502- 549- 558 أبو الحسن الطالبتي: 560 م أبو الحسن القابسي: 479- 510- 517- 575 أبو الحسن المجاشعي: 80 م أبو الحسين بن أبي عمر: 633 هـ أبو الحسين القابسي: 634 م- 634 م أبو حميد الساعدي 160 م- 190 م أبو حنيفة: 33 هـ- 102 هـ- 122 هـ 143 هـ- 330 349 هـ 433 هـ 542 هـ 475- 493- 512- 541 هـ 550- 550 هـ 556 هـ 557- 559- 565- 572- 578- 633 م- 643 م أبو داود: 24 هـ- 25 هـ- 36 هـ- 38 هـ 39 هـ 47 هـ 89 هـ- 114- 129 هـ 149 هـ 154 هـ 162 هـ 171 هـ 179 هـ 182 هـ 184 هـ 209 هـ 271 هـ 286 هـ 333 هـ 360 هـ 383 هـ 420 هـ 424 هـ 471 هـ 476 هـ 491 هـ 517 هـ 546 هـ- 646 هـ- أبو الدرداء: 26 هـ 32 هـ 277 م 392 هـ أبو ذر: 46 هـ- 47- 47 هـ- 49- 392 هـ- 599 أبو رافع بن الحقيق: 488- 498 أبو زرعة: 113 هـ أبو زيد: 636 م- 636 هـ أبو سعيد الابهري: 331 هـ أبو سعيد الخدري: 64- 64 هـ 146- 154 هـ 180- 214- 262 هـ 333- 471 هـ 597- 598 هـ 599 أبو سعيد الخراز: 387 م أبو سفيان: 54 م- 144- 324 هـ- 538 م أبو سليمان البستي: 72 م أبو سليمان الخطابي: 477- 639 م أبو الشيخ: 25- 150 هـ 157 هـ 173 هـ 183 هـ 388 هـ أبو صالح: 292 م أبو طالب: 169 هـ 268- 539 م أبو طلحة: 175 أبو الطيب المتنبي: 130 هـ أبو العالية: 648 م- 648 هـ أبو العباس: 632 هـ أبو العباس الاربلي: 390
أبو عبد الرحمن السلمي: 128 أبو عبد الله: 141 م أبو عبد الله بن الحاج: 520 م أبو عبد الله بن سكرة: 222 م أبو عبد الله بن عتاب: 480 م- 563 أبو عبد الله بن عيسى اليتمي: 520 م- 520 م أبو عبد الله التستري: 590 م أبو عبد الله مالك: 573 م أبو عبد الله المازري: 379 م أبو عبد الله المرابط: 482 م أبو عبد الله الهروي: 267 م أبو عبيدة: 62 م 122 هـ أبو عبيدة الاصمعي: 237 م أبو عبيد القاسم بن سلام: 248 م- 319- 535 أبو العتاهية: 530 هـ أبو عثمان الحداد: 513 م 648 م أبو علي الفارسي 73 هـ أبو علي بن مقلة: 650 م- 650 هـ أبو عمر بن عبد البر: 169- 193 م أبو عمران: 658 م أبو عمران الفاسي: 188 م 192 م 196 م أبو عمر المالكي: 632 م- 632 هـ- 633 م أبو عوان: 195 هـ 201 هـ أبو الفتح اليعمري: 290 هـ أبو الفرج الليثي: 331 أبو الفضل الجوهري: 130 م أبو الفضل (عياض) : 10- 10 هـ 92- 138- 222- 276- 307- 319- 474- 492- 503- 550- 552- 562- 565- 571- 582- 632 هـ- 638 م- 643 م- 658 م- 658 هـ- أبو القاسم بن الجلاب: 573 م- 579 أبو القاسم القشيري: 75 م أبو قتادة: 464 أبو قحافة: 50 هـ- 51- 51 هـ أبو كامل: 610 هـ أبو الليث السمرقندي: 428 أبو محذ وروة مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم 126 م أبو محمد: 650 م أبو محمد بن أبي زيد: 144 م 170 م 509- 518- 532- 549- 558- 577- 628 م 634 م 650 م 653 م أبو محمد بن أبي زيد القيرواني: 479 م أبو محمد بن منصور: 519 م- 520- 529 أبو محمد بن نصر: 141 م 491- 551- 574 أبو محمد عبد الحق: 595 م أبو محمد عبد الوهاب: 329 م أبو محمد الفارسي: 476 م أبو محمد مكي: 82 أبو مسهر الغساني: 589 م أبو مصعب: 657 م- 657 هـ أبو مصعب القاسم: 99 م- 478- 566- 571 أبو المطرف الشعبي: 657 م- 657 هـ 658 م أبو المظفر الاسفرائيني: 193 م- 347 م أبو المعالي: 337- 595 أبو موسى الاشعري: 46 هـ- 47- 47 هـ- 58 هـ- 146- 190 هـ 313 هـ أبو موسى عيسى بن مناس: 519 م أبو نعيم: 25 هـ 68 هـ 119 هـ 123 هـ 163 هـ 242 هـ 243 هـ أبو نواس: 525 م أبو الهزيل بن احمد بن العلاف: 600 م أبو هريرة: 10- 10 هـ 19- 19 هـ- 26- 26 هـ- 27- 36- 44- 44 هـ 49- 49 هـ 129 هـ 137 هـ 145- 148 هـ 162- 172- 173- 176 هـ- 177- 177 هـ 178- 179- 180- 181- 182- 188- 209- 213- 214- 227 هـ 248 هـ- 251 هـ- 277- 278 هـ 316- 316 هـ 320 هـ- 322 هـ 323 هـ 355 هـ 378 هـ 383 هـ 388 هـ 424 هـ 438- 596 هـ 438 هـ 455- 455 هـ- 459- 460- 497 هـ 537 هـ 621 هـ 646 هـ أبو الوليد الباجي: 201 م- 213- 346 أبو يوسف: 61 هـ- 475- 550- 550 هـ 557 أبو يعلى: 90 هـ- 118 هـ 144- 144 هـ- 151 هـ- 171 هـ- 183 هـ- 184 هـ- 195 هـ 267 هـ- 469 هـ أم أيمن: 108- 114- 268- 268 هـ أم حبيبة: 123 هـ أم سلمة: 106 م 109- 109 هـ 242- 271- 333 هـ- 420- 490 هـ أم قرفة: 558 م أم هانيء: 292
بسم الله الرحمن الرحيم الابناء ابن أبي أويس: 100 م 478 ابن أبي حاتم: 38 هـ 118 هـ 154 هـ 297 هـ 305 هـ 381 هـ 388 هـ 404 هـ 424 ابن أبي حازم: 583 م 627 م ابن أبي الدينا: 184 هـ 399 ابن أبي رافع: 37 هـ ابن أبي زيد: 643 هـ ابن أبي الفراقيد 633 م- 633 هـ ابن أبي سرح: 448 هـ ابن أبي سليمان: 480 ابن أبي شيبة: 26 هـ 172 هـ 183 هـ 184 هـ 186 هـ 206 هـ 407 هـ ابن أبي طلحة: 470 هـ ابن أبي عجيب: 636 م ابن أبي فديك: 197 م ابن أبي ليلى: 577 م ابن أبي مريم: 526 م ابن أبي مليكة: 199 م ابن الأثير: 276 هـ ابن أسامة: 116 هـ- 117 هـ ابن اسحق: 51 م- 242- 242 هـ- 243 هـ- 417 ابن الاشرف: 498- 566 ابن الاعصم: 408 ابن الانباري: 297 م ابن بحينة: 344 م ابن جبير: 238- 305- 368- 378- 434 ابن جريج: 377 م ابن جرير: 288 هـ 291 هـ 388- 399 هـ 404 ابن الجهم: 138 هـ- 456 هـ ابن الجوزي: 157 هـ 276 هـ 443 هـ ابن حاتم: 481 م ابن الحباب: 173 م ابن الجلاب: 628 م ابن حبان: 44 هـ 50 هـ 154 هـ 161 هـ 163 هـ 172 هـ 175 هـ 183 هـ 195 هـ 204 هـ 218 هـ 243 هـ 292 هـ 399 هـ ابن حبيب: 629 م- 633 م- 636 م- 637 م- 642 م 653 م ابن حجر: 46 هـ 61 هـ 162 هـ 178 هـ 293- 296- 399- 459 هـ 482- 602 هـ ابن حزم: 412- 601 هـ ابن الحضرمي: 365 م ابن حميد: 399 هـ ابن حبوة: 297 ابن خزيمة: 194- 204 هـ ابن خويز: 331 م ابن خيران: 331 م ابن دينار: 388 م ابن ذي يزن: 539 م ابن راهويه: 184 هـ ابن رواحة: 58 هـ ابن الزبعري: 499 م ابن الزبير: 212 هـ 470 هـ ابن زيد: 235 م- 246 م- 358- 367- 404 ابن سحنون: 477- 566- 568- 570- 576- 582- 626 م- 627 م- 633 م- 648 م ابن سريج: 331 م ابن سعد: 115 هـ 127 هـ 199- 200 هـ 239 هـ- 268 هـ 490 ابن سعيد: 55 هـ ابن سلمة: 58 هـ ابن سليمان: 524 م ابن سيد الناس: 244 هـ ابن سيرين: 95 هـ 161 هـ ابن شريح: 173 هـ ابن شعبان: 156 ابن شهاب الزهري: 30- 30 هـ- 185 ابن شنبوذ: 649 م- 949 هـ ابن شيبان: 618 هـ 656 م ابن الصلاح: 90 هـ 113 هـ ابن الضريس: 64 هـ ابن عائشة: 379 م ابن عباس: 48 هـ 53 هـ 54 م 80 م 83 هـ 110- 114- 118 هـ 137- 145 هـ 146- 146 هـ 152- 156- 167- 167 هـ 184- 186- 188- 209- 220- 223- 238- 239- 241 هـ 244 هـ 246- 247- 264- 268 هـ 278- 291- 292- 292- هـ 297- 324- 329- 350- 350 هـ 358- 367- 372- 381 هـ 384 هـ 388 هـ 399- 402- 404 هـ 414- 414 هـ 417- 431- 432 هـ 434- 440 هـ 489- 490- 491- 557- 557 هـ- 647 م ابن عبد البر: 88 هـ 121 هـ 129 هـ 154 هـ 444 هـ 950 ابن عبد الحكم: 154 هـ 568- 633 م- 628 م- 642 م ابن عبد ربه الانصاري: 16 هـ ابن عتاب: 483 م ابن عدي: 68 هـ 118 هـ ابن العربي: 250 هـ ابن عرفة: 265 م ابن عساكر: 50 هـ 111 هـ 112 هـ 130 هـ 150 هـ 195 هـ 444 هـ 590 ابن عطاء: 151 م 264- 357 ابن عمار: 523 هـ- 524 هـ ابن عمر: 32- 32 هـ 50 هـ 52 هـ 60- 62- 111- 118 هـ 127 هـ 154 هـ 158- 183- 187- 187 هـ 190- 194- 195 هـ 199- 201- 208- 216- 218- 227 هـ 276 هـ 333 هـ 384 هـ 399 هـ 424- 546 هـ 556- 592 ابن الفارض: 370 هـ
ابن فورك: 428 ابن القاسم: 153 م 154 هـ 200- 205- 277- 412- 517 هـ 559- 561- 566- 568- 569- 570- 571- 572- 577- 582- 588- 627 م- 633 م- 637 م- 642 م- 642 م- 648 م ابن قانع: 489 ابن قسيط: 200 م ابن القصار: 122 هـ 144- 147 م 331- 555- 559 ابن قميئة: 406 هـ- 408 م ابن كثير: 157 هـ 163 هـ ابن كنانة: 572 م 594 ابن لبابة: 573 م- 628 م ابن لهيعة: 590 م ابن الماجشون: 346 هـ- 568 م- 642 م ابن ماجه: 24 هـ 25 هـ 26 هـ 28 هـ 29 هـ 38 هـ 107 هـ 108 هـ 117 هـ 127 هـ 143 هـ 147- 150 هـ 152 هـ 154 هـ 156 هـ 166 هـ 168 هـ 173 هـ 204 هـ 218 هـ 383 هـ 392- 458 هـ 476- 647 هـ ابن ماكولا: 34 هـ 390 هـ 587 هـ ابن المبارك: 52 هـ 591 ابن مجاهد: 649 هـ 650 م 650 هـ ابن مردويه: 198 هـ- 305 هـ 388 هـ ابن مسادر: 162 هـ ابن مسعود: 26 هـ 32- 39 هـ 64 م 97- 117 هـ 119 هـ 1345- 145 هـ 147- 147 هـ 150- 152 هـ 168- 183- 183 م 205 هـ 305- 319- 345- 348 هـ- 372- 407 هـ 459- 555- 578 ابن المسيب: 89- 208 هـ 413- 413 هـ 578 ابن اللدينيي: 648 هـ ابن معين: 102 هـ 113 هـ 153 هـ 292 هـ 541- 550 هـ 579 ابن الملقن: 145 هـ- 444 ابن مندة: 162 هـ ابن المنذر: 38 هـ 288 هـ 291 هـ 561- 590 ابن منيع: 123 هـ ابن مهدي: 101 ابن نافع: 346 م- 590 ابن النجار: 220 هـ ابن هاني: 524 م ابن وضاح: 200 هـ ابن وهب: 176- 191 م- 198- 200- 203- 212- 401- 444 هـ 479- 517 هـ 561- 569- 628 هـ ابن يونس: 154 هـ الأعلام آسية: 644 م 644 هـ ابراهيم بن حسين: 476 م ابراهيم بن حسين بن خالد: 584 م ابراهيم بن حسين بن عاصم: 584 م ابراهيم بن سيار: 618 هـ ابراهيم بن عبد الله: 98 م ابراهيم: 481 م- 648 م ابراهيم النخعي: 546 هـ- 648 م- 648 هـ- أبان بن عيسى: 636 م- 636 هـ أبي بن سلول: 497 أبي بن كعب: 174 الأبهري: 331 م- 366 هـ أحمد أبو العباس: 633 هـ- أحمد بن حنبل: 24 هـ 26 هـ 34 هـ 35 م 47 هـ 71 هـ 74 هـ 93 هـ 113 هـ 128- هـ 160 هـ 161 هـ 208 هـ 244 هـ 267- 273- 286 هـ 392- 399 هـ 400 هـ 403 هـ 424- 474- 474 هـ 495- 533- 521 هـ 546 هـ 550 هـ 556- 558- 561- 577 هـ 591- 596 هـ 597 هـ 646 هـ أحمد بن الرفاعي: 133 أحمد بن سعيد الهندي: 202 م أحمد بن أبي بكر: 657 هـ أحمد بن أبي سليمان: 480 م 513 م أحمد بن طلحة: 632 هـ أحمد بن موسى: 650 هـ ارمياء: 539 م الاعناقي: 657 هـ الازرقي: 219 هـ الازهري: 265 م أسامة بن زيد: 12 هـ 60- 107 هـ 108 م 111- 112 اسامة بن شريك: 87 م اسحق بن ابراهيم بن مخلد: 143 م- 197 اسحق بن راهوية: 474 م 556- 558- 561 اسحق بن يحيى سرقسطي: 582 م اسحق التيجيبي: 59 م اسرافيل: 644 م أسماء بنت عميس: 61 هـ اسماعيل بن أبي حكيم: 243 م اسماعيل بن اسماعيل الازدي: 210 م 592 اسماعيل بن جعفر الصادق: 605 هـ 607 هـ اسماعيل القاضي: 167 هـ 186 هـ الاشعري: 586 هـ- 620 م- 624 هـ أشهب بن عبد العزيز القيسي: 154 م 211- 346 هـ 478- 513 م- 563 أصبغ: 627 م- 627 م 636 م 363 هـ 642 م- 649 م أصبغ بن فرج: 153 م 550- 560- 568- 575- 576- 577- 578- 579 الاصطخري: 331 م الاصمعي: 237 هـ الاعز المزني: 247 م الاعمش: 103 امية بن أبي الصلت: 262 هـ امية بن خالد: 291 م
امية بن خلف: 53 هـ امية بن عبد الله: 29 هـ اميمة بنت عبد المطلب: 427 أنس بن مالك: 10 هـ 37- 37 هـ 43 هـ 44- 46- 47- 47 هـ 48- 48 هـ- 57 هـ 61- 61 هـ 86- 88- 118- 162 هـ 171- 172- 178 هـ 189- 191- 195- 198- 227 هـ 259- 273 هـ 307- 308- 312- 417- 417 هـ 424 هـ 438- 441- 455- 463- 469- 497. الانطاكي: 180 هـ الاودي: 591 م الاوزاعي: 111 م 414 هـ 475- 493- 556- 563 أوس بن أوس الثقفي: 154 م 184 م أيوب بن ثابت: 126 هـ أيوب السختياني: 93 م السيد الشريف: 632 هـ حرف الباء بابك الحزمي: 609 هـ الباجي: 205- 216 بحيرا: 268- 539 م البخاري 12 هـ 19 هـ 25 هـ 31 هـ 33 هـ 35 هـ 37 هـ 43 هـ 44 هـ 57 هـ 59 هـ 83 هـ 87 هـ 88 هـ 99 هـ هـ 102 هـ 108 هـ 109 هـ 111 هـ 122 هـ 123 هـ 153 هـ 161 هـ 172 هـ 175 هـ 179 هـ 209 هـ 211 هـ 226 هـ 238 هـ 248 هـ 251 هـ 268 هـ 282 هـ 306 هـ 307 هـ 314 هـ 321 هـ 337 هـ 345 هـ 348 هـ 383 هـ 388 هـ 391 هـ 409 هـ 411 هـ 433- 433 هـ 437 هـ 440 هـ 441- 442- 444 هـ 446 هـ 459 هـ 468 هـ 474 هـ 487 هـ 495 هـ 496 هـ 500 هـ 502 هـ 503- 504- 505 هـ 506 هـ 537 هـ 540 هـ 541 هـ 546 هـ 596 هـ 598 هـ البراء بن عازب: 90- 488 البرهان الحلبي: 162 هـ 173 هـ 240 هـ 306 هـ بريرة: 449 البزار: 51 هـ 54 هـ 109 هـ 118 هـ 151 هـ 178 هـ 201 هـ 244 هـ 292- 297 هـ 307- 384 هـ 417 هـ 469 هـ 497- بشر بن البراء: 407 هـ 507 هـ بشر بن بكر التنيسي: 590 بشر بن الوليد الكندي: 550 هـ بشر الحافي: 123 هـ البغوي: 48 هـ 118 هـ 163 هـ 346 هـ 388 هـ- 617 هـ بكر بن العلاء 234 م 290 بلال بن الحارث المزني 28 هـ بلال بن أبي رباح: 53 هـ 114 هـ 214 هـ 349 هـ البوصيري: 129 هـ بيان بن سمعان: 605 م البيهقي 12 هـ 26 هـ 51 هـ 53 هـ 60 هـ 64 هـ 68 هـ 90 هـ 110 هـ 118 هـ 147 هـ 150 هـ 151 هـ 154 هـ 161 هـ 166 هـ 168 هـ 171 هـ 172 هـ 175 هـ 178 هـ 182 هـ 183 هـ 186 هـ 194 هـ 195 هـ 198 هـ 199 هـ 201 هـ 203 هـ 217 هـ 242 هـ 243- 244- 273 هـ 276 هـ 277 هـ 282 هـ 321 هـ 399 هـ 440 هـ 491 هـ 497 هـ 560 هـ حرف التاء الترمذي: 24 هـ 25 هـ 27 هـ 28 هـ 35 هـ 38 هـ 47 هـ 57 هـ 60 هـ 61 هـ 64 هـ 84 هـ 86 هـ 87 هـ 89 هـ 98 هـ 105 هـ 108 هـ 109 هـ 114 هـ 117 هـ 123 هـ 149 هـ 150 هـ 152 هـ 156 هـ 171 هـ 173 هـ 174 هـ 177 هـ 178 هـ 204 هـ 218 هـ 265- 346 هـ 360 هـ 392 هـ 424 هـ 430 هـ 454 هـ 455 هـ 456 هـ 471 هـ 474 هـ 546 هـ 651 هـ التلمساني: 29 هـ 560 هـ 595 هـ تميم الداري: 71 م التيمي: 188 هـ 648 هـ حرف الثاء ثابت بن قيس بن شماس: 83 م 505 هـ ثعلب بن يزيد الشيباني: 80 م ثمامة بن اشرس بن معن النميري: 602 م ثوبان 17 هـ 48 هـ 70 هـ الثوري: 81- 123 هـ 265- 475- 493- 556- 559- 565 حرف الجيم جابر: 26 هـ 52 هـ 119- 146- 146 هـ 151- 180- 217 هـ 245- 267- 460 هـ 537 هـ جبريل: 632 هـ- 644 م- 644 هـ الجاحظ: 602 م الجرجاني: 292 هـ جرير بن عبد الحميد القاضي: 101 م جعفر بن أبي طالب: 105 م 616 هـ جعفر الطيار: 605 هـ جعفر بن محمد 94- 179- 264 جعفر بن سليمان بن علي: 113 م جعفر بن المعتضد بالله: 632 هـ 133 هـ الجنيد: 265 م- 632 هـ جهجاه: 129 م جهم بن صفوان: 533- 600 م جويرية بنت أبي جهل: 506 هـ حرف الحاء حاتم الطائي: 419 حاتم بن ودان 198 هـ الحاكم: 19 هـ 38 هـ 90 هـ 110 هـ 117 هـ 146 هـ 147 هـ 149 هـ 152 هـ 154 هـ 162 هـ 171 هـ 172 هـ 173 هـ 178 هـ 179 هـ 268 هـ 333 هـ 442 هـ 458 هـ 469 هـ 491 هـ 596 هـ 644 هـ الحارث بن أسد: 392 م 533 الحارث بن مسكين: 517 م
الحارث بن كلال الحميري: 490 هـ الحارث بن سعيد الكذاب 631 هـ الحافظ الدمياطي: 344 هـ الحارث المتنبي: 631 م- 631 هـ الحلاج: 632 م- 632 هـ- 633 م الحباب بن المنذر: 269 هـ 417 م حبيب بن الربيع: 480 م 514 م حبيب بن ربيع القروي: 483 م الحجاج بن يوسف الثقفي: 55 هـ 476 هـ حجر بن حجر: 24 هـ حذيفة بن اليمان: 117 م 272 هـ- 621 هـ حرب بن الحسن: 162 هـ الحريري: 80 هـ حسان المصيصي: 523 م حسان أبو سعيد انبصري: 648 هـ الحسن البصري: 27- 30 م 64 هـ 81- 118 هـ 167- 219 هـ 227 هـ 233 هـ 400 هـ 403- 430- 578- 592 الحسن بن رشيق 221 م الحسن بن علي: 59- 61- 106- 107- 108- 109- 110- 183- 264 الحسين بن علي: 59: 59- 106- 107- 109- 110- 487 الحسين بن منصور: 632 هـ حسين النجار: 327 م حفص بن غياث: 591 م حفصة: 38 هـ 506 هـ الحكم بن عتبه الكندي: 578 م الحكم بن عمير: 25 هـ الحلبي: 29 هـ 61 هـ 87 هـ 118 هـ 124- 204- 290 هـ 301 هـ 399 هـ 505 هـ 595 هـ حليمة السعدية: 212- 220 م حماد بن زيد: 632 هـ حماد بن سلمة: 241 هـ حمزة بن عبد المطلب: 510 حميد بن عبد الرحمن 307 هـ حميد بن هلال: 477 هـ الحميدي: 212- 220 م حنش بن عبد الله بن حنظلة: 152 م - خ- خالد بن أبي عمران: 401 م 402 خالد بن اسية: 29 م خالد بن سعيد: 121 م خالد بن سنان: 644 م- 644 هـ خالد بن معدان: 59 م خالد بن الوليد: 127- 486- 488- 597 خديجة بنت خويلد: 112 هـ 238- 241- 242- 243 هـ- 243 خراش 88 هـ خزيمة بن ثابت الانصاري: 506 م الخضر: 644 م الخضري: 147 هـ الخطابي: 29 هـ 145- 276 هـ 346 هـ 450 هـ الخطيب البغدادي: 120 هـ 517 هـ الخفاجي: 46 هـ 147 هـ 182 هـ 324 هـ 384- 457 هـ الخليل: 406 هـ- 644 هـ حرف الدال الدارمي 27 هـ 32 هـ 36 هـ دحية: 632 هـ داود الاصبهاني: 601 هـ داود الظاهري: 632 هـ الدلجي: 25 هـ 102 هـ 158 هـ 170 هـ 180 هـ 204 هـ 534 هـ الدميري: 456 هـ الداوودي: 216 هـ 373- 451 الدولابي 244 هـ الديلمي: 119 هـ 123 هـ 154 هـ 162 هـ 163 هـ 168 هـ 189 هـ 220 هـ 273 هـ 455 هـ حرف الذال الذهبي: 24 هـ 34 هـ 53 هـ 172 هـ 195 هـ 403 هـ 433 هـ 602 هـ ذو الخويصرة: 496 هـ 502 هـ 598 هـ ذو القرنين: 644 م- 644 هـ ذو اليدين: 316 م 344 حرف الراء الراغب: 342 هـ رافع بن خديج: 416 م الراضي بالله: 633 م- 633 هـ- 650 هـ الرافعي: 145: 145 هـ ربيعة بن أبي عبد الرحمن: 577 م الرشيد: 492 م 525- 584 هـ- 602 هـ رضوان: 644 م رملة بنت الحارث: 82 هـ رويفع بن ثابت: 173 هـ حرف الزاي الزبير بن العوام: 21 هـ 83 هـ 122- 313 هـ 441- 442- 489 الزجاج: 23- 260 زرارة بن مصعب: 657 هـ زفر بن الهذيل: 475 هـ زردشت: 645 م- 645 هـ الزمخشري: 498 هـ الزهري: 64 هـ- 95- 157 هـ 244 هـ- 291- 413 هـ 414- 420- 426- 433- 559 زياد 49 هـ زيد بن أرقم: 63 هـ 104 زيد بن أسلم: 52 م 215- 502
زيد بن ثابت 110 م 208 زيد بن حارثة: 112 م 427- 428- 429- 616 هـ زيد بن خارجة: 636 هـ زيد الحباب: 163 هـ 173 م زيد بن الدثنة: 53 م 54- 54 هـ زينب بنت الحارث اليهودية: 407 هـ زينب بنت جحش: 114 هـ 426 م حرف السين سالم بن الجعد: 46 هـ 275 هـ الساجي: 212 م السبكي: 206 هـ 213 م 273- 482 هـ السحاوي: 183 هـ سحنون: 153 م 154 هـ 475- 480- 481- 512- 516- 518- 519 هـ 527- 563- 568- 570- 571- 575- 578- 579- 586- 587- 589. السخاوي 166 هـ السدي 81- 236- 263- 292 هـ 306 هـ سراقة بن نوفل 408 السري 632 هـ السري السقطي 265 هـ سعد بن أبي وقاص 454 هـ سعد بن عبادة 418 هـ سعد بن مالك 74 هـ سعد بن معاذ 418 هـ سعيد بن جبير 288 هـ 291- 305- 489 هـ سعيد بن سليمان 584 م 642 م سعيد بن العاص 122 سعيد القطان 541 هـ سعيد بن منصور 124 هـ 163 هـ 180 هـ 186 هـ 195 هـ سعدون الخولاني 128 م- 218 م سحنون 620 م- 634 م- 636 هـ- 642 م- 643 م- 653 م سفيان 220 سفيان التوري 66 م 143- 186- 186 هـ 265 سلامة الكندي 163 م سلمى 61 م السلمى 81- 357- 359 سليمان بن سالم اليهودي 570 سليمان بن عبد الملك 414 سليمان بن عتيق 212 هـ السمرقندي 18 هـ 266- 357- 358- 372- 403- 429 السمهودي 105 هـ سيبوبة 639 هـ السيوطي 10 هـ 27 هـ 162 هـ 278 هـ 378 هـ 381 هـ 384 هـ 399 هـ 644 هـ السيد الشريف 632 هـ سهل بن أبي وقاص 109 هـ سهل بن عبد الله التستري 18- 22- 34 م- 45- 45 هـ 81- 125- 231- 361 السهيلي 169 هـ 305 هـ سواد بن الحارث 505 هـ سواد بن قيس المجاربي 505 هـ سواد بن عمرو 444 م سواد بن غزية 444 هـ سواد بن عبد الله 601 هـ سيف بن ذي يزن 262 هـ ش الشافعي 17 هـ 25 هـ 33 م 93 هـ 119 هـ 122 هـ 128- 142- 143- 144- 145- 145 هـ 147 هـ 154 هـ 156 هـ 212 هـ 214 هـ 329 هـ 330 هـ 400 هـ 433- 474- 476 هـ 550- 553 هـ 556- 558- 559- 561- 572 هـ 577- 590- 590 هـ 592 هـ 601 هـ 602 هـ الشاذلي 251 هـ الشيلي 632 هـ شريك بن عبد الله النخعي 244 م شعبة بن الجراح 291 هـ 541 شعبة بن عياش 113 هـ الشعبي 161 هـ شهر بن حوشب 404 م شيبان 189 هـ الشيخ الاكبر 624 هـ الشيرازي 141 هـ الشيماء بنت حليمة السعدية 115 هـ ص صالح المري 390 م صبيغ بن شريك بن عسل 587 م الصفدي 631 م صفوان بن سليم 95 صفوان بن عسال 84 م صفوان بن قدامة 47 م 49 هـ صفية (ام المؤمنين) 55 هـ 61 هـ 394- 440 هـ صفية بنت نجدة 126 م ض الضحاك 81- 236- 246- 362 ضرار بن مرة 100 م الضيا 180 هـ ط طارق بن شهاب 83 هـ الطبراني 27 هـ 48 هـ 116 هـ 117 هـ 119 هـ 121 هـ 122 هـ 124 هـ 147 هـ 150 هـ 157 هـ 162 هـ 173 هـ 176 هـ 178 هـ 179 هـ 183 هـ 184 هـ 186 هـ 188 هـ 189 هـ 195 هـ 214 هـ 219 هـ 241 هـ 244 هـ 321 هـ 392 هـ 420 هـ 456 هـ 487 هـ 497 هـ الطبري 80 م 129- 143- 169 هـ 206 هـ 215- 263- 257- 362 هـ 364- 427- 478- 620 م الطحاوي 142 م 163 هـ 214 م 557 طلحة بن عبيد الله التيمي 89 م 122- 312 طاووس 167- 556 الطوفي 37 ع عائشة 25- 38 هـ 48 هـ 53- 53 هـ 63 هـ 124- 158- 217 هـ 227 هـ 237- 238 هـ 239- 240- 242 هـ 243
- 244- 276 هـ 300 هـ 345- 414 هـ 415- 430- 440 هـ 447 هـ 448- 449- 450- 457- 458- 459- 463 هـ 497 هـ 500- 505- 506- 617 م- 647 م- 652 م- 657 م عاصم 133 هـ عامر بن ربيعة 173 م عامر بن عبد الله بن الزبير 94 م عامر بن قيس الانصاري 494 هـ عياد ضميري 617 هـ العباس 51 هـ 107- 114 هـ 436 العباس بن مجاهد التميمي 650 هـ عبد بن حميد 32 هـ 118 م 167 هـ 427 هـ عبد الاعلى بن وهب 636 م- 636 هـ عبد الحميد بن عبد الرحمن بن الحطاب 492 هـ عبد الحميد بن حميد 80 هـ عبد الحكم ابو عثمان 628 هـ عبد الحكيم بن عبد الله 628 م عبد الرحمن الاموي 636 هـ عبد الرحمن بن أبزى 403 م عبد الرحمن بن اسحق 177 م عبد الرحمن بن جيش 277 هـ عبد الرحمن بن حكم 637 م- 637 هـ عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب 470 م عبد الرحمن بن القاسم 94 عبد الرحمن بن كعب 414 م عبد الرحمن بن عباس 107 هـ عبد الرحمن بن عمرو السلمي 24 هـ عبد الرحمن بن عوف 122 م 172 عبد الرحمن بن مهدي 96 م- 648 م- 648 هـ عبد الرحمن المدني 657 هـ عبد الرزاق 27 هـ 150 هـ 167 هـ 180 هـ 188 م 197 هـ 206 هـ 214 م 277 هـ 282 هـ 414- 649 هـ عبد العزير بن أبي سلمة 556 م عبد العظيم المنذري 290 هـ عبد الله بن أباض 588 هـ عبد الله بن ابراهيم الاصيلي 433 م عبد الله بن أبي أوفى 189 هـ عبد الله بن أبي سرح 305 م عبد الله بن أبي بن أبي سلول 446 هـ عبد الله بن أبي رواحة 616 هـ عبد الله بن أحمد بن طالب التيمي 482 م عبد الله بن ام مكتوم 366 م عبد الله بن حجش 365- 365 هـ عبد الله بن صالح 102 م عبد الله بن الحارث 178 هـ عبد الله بن الحسن بن الحسين 110 م عبد الله بن الزبير 146- 213 عبد الله بن زيد 48 هـ عبد الله بن عباس 61- 107 هـ عبد الله بن عبد الحكم 478 م عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ 63 م عبد الله بن عزيز بن رفيع 308 م عبد الله بن عمر 626 م عبد الله بن عمرو بن رفاعة البدري 57 م عبد الله بن عمرو بن العاص 209- 286 عبد الله بن المبارك 23 هـ- 101 م- 120 م عبد الله بن مسعود 47- 157- 166- 275- 649 م عبد الله بن محمد عقيل 245 م عبد الله بن محمد بن يحيى 243 م عبد الله بن مغفل 64 م- 651 م عبد الله بن هشام 44 هـ عبد الله بن يزيد 345 هـ عبد المطلب 359 م عبد الملك 627 م- 631 م- 631 هـ عبد الملك بن حبيب 583- 584 عبد الملك بن الماجشون 587 م- 629 م عبد الملك بن مروان 587 م عبد الوهاب 144 م عبدة بنت خالد 50 م عبيد الله 628 م عبيد الله بن أبي طلحة 173 م عبيد بن عمير 556 م عبيد الله بن يحيى 573 م العنبي 200 م 207 هـ عثمان بن أبي شيبة 267 م عثمان بن خالد الطويل 600 هـ عثمان بن عفان 31 م 88- 119- 121- 122- 122 هـ 125 هـ 129 هـ 173 هـ 219 هـ 538 هـ 555- 616- 653 م- 653 م 653 م عثمان بن عبد الله 365 عثمان بن كنانة 477 م عميد 636 هـ 637 م 637 هـ عدن بن عبد الله 639 م العذري 221 م العراقي 162 هـ- 321 هـ العرباض بن سارية 24- 24 هـ عروة بن انزبير 53 هـ 120 هـ 238- 244 هـ 413 م 420- 550 هـ عروة بن مسعود 87 م عزرائيل 644 م عصماء بنت مروان 490 هـ عطاء الخراساني 414 م عطاء بن السائب 550 هـ عطاء بن أبي رباح 33 م 124 هـ 212- 429- 555- 557- عطاء بن يسار 282 هـ 333 عقبة بن أبي معيط 488 م 489- 498 م عقبة بن عامر 26 هـ عقبة بن عمرو 161 م 183 هـ عقيل بن أبي طالب 105 م عكاشة 443 عكرمة 88
علقمة 156 علي بن ابي سلمة 106 م علي بن ابي طالب 31- 47 هـ 51- 51 هـ 70- 105- 106- 107- 114- 119- 121- 122- 125 هـ- 150- 152 هـ- 160- 161 هـ 169- 169 هـ 179- 292- 360- 363- 399- 419 هـ 436 هـ 437- 471- 481 هـ 487 هـ 489- 497 هـ 510 هـ 555- 559- 572 هـ 577 هـ 587 هـ 592- 597 هـ 599- 605- 610 هـ 611- 616- 617 م 631 م 643 م 653 م علي بن الحسين 429 علي بن عاصم 591 م علي بن عيسى 263 م- 632 هـ علي بن محمد بن يوسف 123 هـ علي بن معيد 636 هـ عمر بن ابي سلمة 106 م عمر بن الخطاب 17 هـ 30 م 34 هـ 38 هـ 46 هـ 49- 49 هـ 51- 51 هـ 52- 52 هـ 57 هـ 62 هـ 83- 86- 112- 114- 114 هـ 115- 117 هـ 118- 119- 121- 122- 122 هـ 127 هـ 145 هـ 146- 150- 153 هـ 157 هـ 172 هـ 190- 191- 200- 201- 202- 203- 204- 210- 211- 212- 312- 362- 364- 424 هـ- 431 هـ 432- 435- 436- 470- 475 هـ 501 هـ 555 عمر بن عبد العزيز 30 م 110- 111- 123- 198- 243 هـ 492- 527- 583- 588 عمرو بن الحضرمي 365 م عمرو بن خالد 162 هـ عمرو بن دينار 155 م 220 هـ عمرو بن سعد بن ابي وقاص 115 هـ عمرو بن شرحبيل 241 م عمرو بن العاص 49 م 86- 366 هـ- 653 م عمرو بن عوف المزني 28 م 32 هـ 202 هـ عمرو بن فائد 426 م عمرو بن الليث 75 م عمرو بن ميمون 97 م عون بن عبد الله بن عتبة الهزلي 639 م عياض (المصنف) 113 هـ 276 293 هـ 324 هـ عياض الانصاري 123 هـ عيسى بن ابراهيم الغافقي 569 م عيسى بن دينار 346 هـ العيلي 195 هـ عيسى بن مناس 519 هـ غ الغزالي 330 هـ 602 هـ غورت بن الحارث الغطفاني 408 م 506 هـ ف فَاطِمَةَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 106- 107- 203- 506- 652 م فاطمة بنت اسد بنت هاشم 169 هـ فاطمة بنت الحسين 156 م 242 هـ الفراء 280 هـ فرعون 644 هـ الفريابي 36 هـ فضالة بن عبيد 149 م الفضل بن عباس 107 هـ ق القابس 527- 549- 563- 563 القابسي 649 م قتادة 95- 1017- 102- 180- 213- 33- 236- 291 هـ 298- 321 هـ 358- 371- 376- 404- 427- 427 هـ 502- 557 القاسم بن الحارث 657 هـ القتبي 235 م قتيبة بن سعد 434 م القتيبي 526 قثم بن عباس 107 هـ القرافي 213- 295 هـ 300 هـ القرطبي 278 هـ 280- 426 هـ 456 هـ قريش 636 هـ القشيري 23- 34 هـ- 143 م 263- 263 هـ 297- 357- 359- 361- 427 قصي بن كلاب 245 القعنبي 200 م قيلة 89 ك كابس بن ربيعة 112 م كافور الاخشيدي 522 هـ الكسائي 280 هـ كعب الاحبار 124 م 125 هـ 156 كعب بن الاشرف 23 كعب بن زهير 498 م كعب بن عجرة 148 هـ 161 م 178 هـ كعب بن مالك 323 هـ 460 هـ الكلبي 292 م ل اللالكائي 28 هـ- 30 هـ لقمان 455- 644 م الليث 102 م- 456- 474- 478- 550- 578- 590 ليلى الاخيلية 388 هـ م مالك 29 هـ 33 هـ 36 هـ 62 هـ 92 هـ 93 هـ 95- 98- 99 101- 102- 113- 120- 120 هـ 122 هـ 124- 127- 128 هـ 141 هـ 142- 143- 145 هـ 154 هـ 158- 159- 160- 160 هـ 178 هـ 187- 190- 191- 195- 196- 197 هـ 198- 199 هـ 200- 202- 207- 209- 210- 211- 212- 301 هـ 316 هـ 330 هـ- 331- 400 هـ- 414- 474- 475- 477 هـ 478 هـ 479- 479 هـ 483- 483 هـ 492- 493- 501- 504- 511 هـ 517 هـ 526- 527- 534- 534 هـ 540- 540 هـ 546 هـ 548- 548 هـ 550- 552- 556- 557- 558
- 560- 561- 562- 563- 568- 569- 572- 576- 577 هـ 578- 582- 584 هـ 585- 586- 587- 589- 589 هـ 590 هـ 592- 594- 601 هـ 611- 626 م- 627 هـ- 628 م- 642 م- 642 م- 652- 656 م- 657 م مالك بن أوس بن الحدثان 172 م مالك بن نويرة 476 م المأمون 517 هـ ماروت 644 م مالك خازن النار 643 هـ 644 م 647 م الماوردي 81- 359 المبرد 73- 80- 137 المتنبي 522 م المتوكل 517 هـ المتوكل بن محمد 632 هـ مجاهد 81- 236- 238- 302- 378- 458 المحاسبي 265 هـ محرز 71 هـ محمد 642 م محمد بن ادريس 221 م محمد بن اسامة بن زيد 111 م محمد بن ثابت بن قيس 471 م محمد بن الحس الشيباني 475 هـ 550 هـ 556 هـ محمد بن زيد بن الخطاب 470 محمد بن سحنون 476- 509- 513- 551 محمد بن سعد 414- 470 محمد بن سلام 433 م محمد بن سيرين 99- 203 محمد بن شبيب 600 م محمد بن طلحة 471 م محمد بن عباد 524 م محمد بن عبد الحكم 144 م محمد بن عبد السلام القرشي 657 هـ محمد بن علي الترمذي 22 محمد بن علي بن الحسين 362 محمد بن علي بن اسماعيل القفال الشاشي 639 هـ محمد بن عمرو بن حزم 471 م محمد بن مسلمة 158 م 210- 502- 579 محمد بن المنكدر 94 محمد بن يوسف 632 هـ المحمود 23 هـ المخزومي 583 م- 627 م مروان بن محمد الاموي 588 هـ مروان بن محمد الطاطري 589 م مريم 644 م المزني 559 المستغفري 157 هـ مسلم 12 هـ 24 هـ 26 هـ 31 هـ 35 هـ 36 هـ 39 هـ 43 هـ 44 هـ 49 هـ 50 هـ 72 هـ 86 هـ 88 هـ 104 هـ 106 هـ 107 هـ 126 هـ 161 هـ 167 هـ 171 هـ 175 هـ 195 هـ 209 هـ 216 هـ 243 هـ 247 هـ 259 هـ 271 هـ 275 هـ 276 هـ 277 هـ 291 هـ 296 هـ 312 هـ 316 هـ 323 هـ 348 هـ 355 هـ 374 هـ 400 هـ 417 هـ 433- 436- 440 هـ 460 هـ 468 هـ 474 هـ 476 هـ 589 هـ 597 هـ 598- 601 هـ مسور بن مخرمة 87 هـ مصعب بن ابي وقاص 454 م مصعب بن عبد الله 93 م 99 مصعب بن عمران 141 هـ مصعب بن عمير 62 هـ مطرف بن عبد الله اليساري 99 م 214 معاذ 178- 556- 566 معاوية بن ابي سفيان 28 هـ 49 هـ 122- 161 هـ- 440 هـ - 617 م- 653 م المعتصم 609 هـ 618 هـ المعتصم بن هارون الرشيد 632 هـ المعري 522 م المعتضد 75 هـ المعتمد 523 هـ معمر الصيمري 614 م مغيث بن قشير 502 هـ المغيرة بن شعبة 391 هـ المغيرة بن عبد الرحمن 579 م المغيرة بن نوفل 125 م مقاتل الخراساني 298 م المقتدر 632 م- 632 هـ المقتدر بالله 650 هـ المقداد 365 هـ المقدام بن معدي كرب الكندي: 38 م مطرف: 627 م- 628 م- 636 هـ مكي بن أبي طالب 235 م 246- 353- 357- 361- 402 منكر: 644 م المهاجر بن أبي أمية: 498 م المهدي: 471- 584 موسى: 648 م موسى بن زياد: 636 م- 636 هـ موسى بن عقبة: 301 م الموفق بن جعفر: 632 هـ ميكائيل: 44 م 644 م ميمونة بنت الحارث: 350 ميمونة الهلالية: 99 هـ 114 هـ ن نافع القاري: 99 هـ نافع بن هرمز: 199 م نبهان التمار: 560 م النخعي: 155- 239- 555- 559 النسائي: 26 هـ- 29 هـ- 31 هـ- 43 هـ 47 هـ- 72 هـ- 84 هـ- 104 هـ- 144 هـ- 146 هـ- 149 هـ 154- 154 هـ- 163 هـ- 171 هـ- 173 هـ- 175 هـ- 180 هـ- 183 هـ- 204 هـ- 209 هـ 210 هـ-
316 هـ- 348 هـ- 360- 383 هـ- 392 هـ- 424- 474 هـ- 497 هـ 517 هـ نصير مولى علي: 631 هـ النضر بن الحارث: 488- 489 النظام: 617 م- 617 هـ نفطوية 360 النقاش 377 383 نكير 644 م النوار بنت مالك 110 م نوح بن قيس الطاحن 163 م 153 هـ النووي 53 هـ 72 هـ 88 هـ 153 هـ 154 هـ 170 هـ 175 هـ 216 هـ 299 هـ 313 هـ 317 هـ 403 هـ 556 هـ 592 هـ هـ هاروت 644 م هارون بن حبيب 573 م هارون الرشيد 632 هـ هرثمة بن اين 218 هـ هرقل 538 م هشام بن عروة 243 م 414 هـ 550 هـ هشام بن عمار الدمشقي 102 هـ هشام بن الغازي 102 م هشام الفوطي 614 م- 617 م هشام بن المغيرة 365 هـ هشيم بن بشر الواسطي 591 م وواصل بن عطاء 600 الواحدي 122 هـ الواسطي 371 وافد بن عبد الله 365 الواقدي 414 وديعة بن ثابت 494 هـ ورقة بن نوفل 243 م وضاح بن محمد الرعيني 582 هـ وكيع 591 الوليد بن عبد الملك 111 هـ الوليد بن مسلم 475 م 552- 562 هـ 593 وهيب بن الورد 167 م ي يحي بن اسحق 187 م يحيى الاندلسي 190 م يحي بن جعد 38 هـ يحي بن سعيد 541 هـ يحي بن عمر 482 م يحي بن كثير 404 هـ يحي بن الليثي 200 م يحي بن معين 531 هـ يحي بن يحي 573 يحي بن يعمر 414 م يزيد بن ابي سعيد المهري 198 م يزيد بن ابي سفيان 105 هـ يزيد بن هارون 163 هـ البيعمري 147 هـ يعقوب ابن اسماعيل 632 هـ يونس 369 الأماكن احد 149 هـ بئر معونة 365 بدر 105 هـ 269 هـ 277 هـ البصرة 602 هـ بغداد 265- 632 م- 633 م- 633 هـ البقيع 124 تبوك 271 الثمانية 636 م الحبشة 262 هـ الحديبية 122 هـ 149 هـ حراء 239 ذو الحليفة 31 شاش 639 هـ الشوينزية 265 صفين 161 هـ الطائف 83 هـ طوس 602 هـ عدن 644 هـ العقبة 278 العقيق 101 وقعة الجمل 617 م قباء 202 قرطبة 636 م 636 هـ- 642 م الكوفة 117 هـ مالقة 657 م المدينة 636 هـ- 657 هـ المرغاب 112 مصر 636 هـ مؤتة 105 هـ نهاوند 265 هـ الوعث 280 اليمامة 83 هـ اليمن 262 افريقية 636 هـ الاندلس 638 هـ