العين حق

محمد بن عبد المعطي

العين حق جمع وترتيب: محمد بن سنجاب الأثرى دار التقوى للنشر والتوزيع

دار التقوى للنشر والتوزيع - شبرا الخيمة

مقدمة

مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} يأيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيباً}. {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله، وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما}. أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد. فهذا بحث أعددته منذ سنوات لحاجتى إليه وهو يتناول مسألة من المسائل المشهورة بين المسلمين جميعهم. علمائهم وعوامهم. صغيرهم وكبيرهم. إنسهم وجنهم دائمة الحدوث. ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. بينها الشارع الحكيم وقبلها العقل السليم لاينكرها إلامبتدع ضال صاحب هوى أعمى الله بصيرته. وهذا لا يعنينا فى قليل ولا كثير لأن المسألة كما قلت ثابتة شاء من شاء وأبى من أبى والواقع يشهد بهذا.

وأحكامها باقية إلى ما شاء الله تعالى. وما أردت بهذا البحث إثبات أصل الحسد لأن الأمر كما قيل: وليس يصح فى الأذهان شئ ... إذا احتاج النهار إلى دليل. وإنما أردت أن أكشف عما فى المسألة من أحكام قد تخفى على بعض الناس ليكون المسلم على بصيرة من أمور دينه فى زمان الغربة المتجددة. بعيدا عن حديث خرافة. أو بدعة محدثة. أو شرك يشوب المعتقد. يوم ضل من ضل وغفل من غفل. وأنبه هنا إلى أن بعض العوام قد يفرطون فى تعليق كثير من الحوادث على الحسد وبعضهم يعتقد أن الذى يكل ذلك إلى الحسد عنده شئ من قبيل الوساوس ونحوها والحق وسط بين الفريقين وبعضم يسلك فى العلاج مسالك المبتدعة والكهان وطوائف الشرك والردة أعاذنا الله وأهلنا من ذلك والبعض أيضا ينكر علاج الحسد بالرقى ويرى أن ذلك كله من الشعوزة وهذا منتشر بين الماديين والعقلانيين - زعموا - وكلاهما طرفى نقيض والحق خلافهما كذلك ولعلى أبين فى هذه الرسالة المتواضعة عقيدة أهل السنة ومنهج الحق فى الإيمان بوجود الحسد وتأثير العين فى المحسود وكيف يقى المسلم منها نفسه وأهله وماله وصديقه وكيف يكون العلاج على منهاج وسنة بعيدا عن المجربات والمبتدعات ووصفات العطارين ودجل المشعوزين بل من غير الذهاب إلى راق أو معالج مع جمع لكلام أهل العلم مما هو مفرق فى كتبهم كما قال محمد بن سيرين رحمه الله: ذهبَ العلم وبقيت منه شذراتٌ في أوعيةٍ شتى. ونقله عنه الذهبى فى كتابه الماتع سير أعلام النبلاء. وإن اتسع المقام بينت من الأحاديث والأخبار والحكايات ممالم يثبت والعامة تعتقد ثبوته ونبهت عليه وعلى ما يتعلق بالمسألة من بدع ومحدثات مما لا تراه

بفضل الله فى غير هذه الرسالة وهى جهد المقل فى الدفاع عن دين الله تعالى والنصيحة له وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم عسى الله تعالى أن ينفع بها وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد والقبول. إنه سبحانه ولى ذلك والقادر عليه. آمين. وكتبه محمد بن عبد المعطى بن على بن أحمد بن سنجاب الأثرى صعيد مصر. أبوتشت. السليمات. نجع بكار. شهر صفر عام 1423 من الهجرة الموافق 14 مايو (آيار) 2002 للميلاد.

تمهيد عن منهج البحث

تمهيد عن منهج البحث الحمد لله على فضله وامتنانه وجميل إحسانه. حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه. وصلى اللهم وسلم على محمد وآله. وبعد. فهذا منهج البحث أستخلصه بين يدى القارئ حيث أنى أذكر الترجمة فأعرفها بما يزيل عجمتها ثم أذكر الأدلة من الكتاب أو السنة أو أثر عن السلف أو بيان معناه المعقول. والأخير هذا نادرا. وقد رأيت جماعة من المصنفين فى مجال العلاج إن صح التعبير ذلك أنهم كما يظهر من كثرة تصانيفهم يجوزون الإجتهاد الجزئى ومذهيهم فى هذا مذهب الجمهور لكنهم يخالفون الجمهور فى الإحتجاج بالضعيف والموضوع أو على الأقل يوردونها دون تمييز زيفها. فقد رأيت الكثيرين يوردون أخباراً، وحكايات، هى من جنس المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، مع أشياء أخرى لا يعول عليها من شم ريح العلم ولو مرة فى حياته، فكم من مؤلف حاطب ليل، وجارف سيل، لا يميز بين الصحيح والضعيف، ويظن كل مدور رغيفاً! ! (¬1) وليس لهؤلاء مثل عندى إلا هذا المثل القاسى: ليست الثكلى كالمستأجرة فلو كان الأمر يهمهم لأتعبوا أنفسهم فى البحث والاختيار والنقد فلهذا عمدت إلى جمعت طرق الأحاديث التى وردت فى العين والحسد والغبطة بل فى كل ما له علاقة بالمسألة ونقدتها نقدا علميا وفق أصول المصطلح بمنهج المتقدمين من علماء الحديث وبينت زيفها من صحيحها وربما أطلت النفس فى بعض هذا أعنى ما هو من صلب الموضوع. مع قلة المصادر وبعدى عن دور أهل العلم واشتغال ¬

(¬1) هذه التعبيرات من كلام الشيخ أبى إسحاق حفظه الله فى مقدمة كتابه النافلة فى الأحاديث الضعيفة والباطلة.

البال وتوالى الهموم وأنا طويلب علم صغير أقرأ وأجمع وأبلغ عن الله ورسوله ولو آية قدر ما أستطيع ليس لى نظر المحدثين ولا طول اشتغالهم. ولا يظنن أحد أنى بانتقاد بعض الأحاديث أو الجرأة فى الحكم عليها ومخالفة من مضى من علمائنا لا يظن من ذلك انتقاصهم ولا هضم حقهم أو مكانتهم بل والله ما دفعنى إلى ذلك إلا النصيحة وما توصلت إليه فبأصولهم التى وضعوها ونقحها من بعدهم وما زال الآخر يتعلم من الأول وينفرد عنه وهذا عين الإتباع أما الموافقة فى كل نتيجة فهذا هو التقليد وهو مالم يقل به أولئك العلماء ولا يعيب الأول أن يستدرك عليه من جاء بعده واعدد ما تفردنا فيه عنهم إلى جنب ما وافقناهم فيه تعلم مدى فضلهم ومبلغ علمهم ولا جرم فقد كان علماء يهود والنصارى شرارهم وامتن الله علينا بأن جعل علماءنا خيارنا نسأل الله تعالى أن يلحقنا بهم ويجعلنا من الذين اتبعوهم بإحسان وما أحوجنا إلى أن نعرف أننا كما قال أبو عمرو ابن العلاء: ما نحن فيمن مضى إلا كبقل فى أصول نخل طوال (¬1) وأنا فى نقدى للأحاديث وحكمي عليها وفق المنهج العلمى المعروف لكل مشتغل بعلم الحديث رواية ودراية لا أخلو أن أكون أحد رجلين لا ثالث لهما إما مصيب وإما مخطئ فإن كنت مصيبا فما المانع أن يقبل منى. وإن كنت مخطئا فجزى الله خيرا من أوقفنى على خطإ زللت فيه ويبين لى ذلك بالأدلة ولسوف يجد صدري واسعا في قبول ذلك منه نسأل الله العلم النافع. والكلام على الأحاديث صحة وضعفا من المسائل الإجتهادية يصيب فيها الرجل ويخطئ والعبرة بمن ندر خطؤه فى جنب صوابه ورحم الله من أوقفنى على خطإ لأتداركه لاسيما وأنى لا أتبنى القول بالتساهل فى إيراد الضعيف ولا القول بالتجربة فى العلاج. وأعوذ بالله أن أقول قولا وأنحى غيره وحسبى أن لا أتكلم إلا بدليل أو أنطق إلا بحجة. إذ الخطب جليل والناقد بصير وهذا الأمر دين. ¬

(¬1) مقدمة موضح الأوهام للخطيب البغدادى (1/ 5)

وهذا شرطى فيما أكتب وحسب امرئ أن ينتهى إلى ما سمع. ولم أذكر فى صفة علاج الحسد مجربات ولا أذكار مبتدعات بل ولا ما ورد بسند ضعيف أو شديد الضعف فضلا عن الموضوع الساقط وإنما آثرت أن أورد ما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن سلف الأمة ألحقنا الله بهم وما دام فى المسألة أحاديث صحاح ففيها إن شاء الله لباغى الخير غنية ولمعة للمحتاج ورشد للمسترشد والأمر كما جاء عن سفيان الثورى رحمه الله قال: إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل. (¬1) وقال سعيد بن جبير رحمه الله: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع. (¬2) وأيا ما كان الأمر فى مسألة العلاج بالقرءان والرقى والدعوات. هل الأصل فيها التجربة -وهذا باب واسع جدا - أو التوقف شأن بقية العبادات والسنن. فلا ريب أن اتباع السنة أولى بكثير من الخضوع لأمور مجربات ذلك أن النبى محمد صلى الله عليه وسلم أعلمنا بالله وأعرفنا به وأتقانا له فما من خير إلا وقد دلّنا عليه وخير الهدى هديه صلى الله عليه وسلم. وفى النفس من جهة التجربة فى باب العلاج شئ. وقد روينا عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا حاك فى نفسك شئ فدعه" (¬3) فمن لم يرض منا بهذا فليرض بذكر الفاضل فى العلاج دون المفضول -وهذا عين الإنصاف - على الرغم من أنى لا أتبنى مذهب المجربات فى مسألة العلاج بالرقى وإنما العلاج بما جرب وعرف منفعته ¬

(¬1) صحيح: أخرجه أبو الفضل المقرئ فى ذم الكلام وأهله (328) ط دار أطلس للنشر والتوزيع - الرياض. ولفظه: ينبغي للرجل أن لا يحك رأسه إلا بأثر. والخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع برقم (174) والسمعاني في أدب الإملاء والاستملاء (1/ 109) من طرق عن أحمد بن محمد بن مسروق سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت ثابت بن محمد يقول سمعت سفيان الثورى يقول .. ولفظ السمعانى: يجب على الرجل. (¬2) صحيح: أخرجه مسلم. ح (220). (¬3) حسن: أخرجه أحمد فى المسند (21662 - 21695) والحاكم فى المستدرك. من طريق يحيى بن أبى كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن أبى أمامة يرفعه .. وهؤلاء رجال مسلم وصححه الألبانى رحمه الله فى السلسة الصحيحة (550)

يكون فى العاديات المحضة أما مسألتنا فهى من الأمور العادية التعبدية فلو كانت عادية محضة لكان القول فيها للعلاج المجرب إذ الناس أعلم بأمور دنياهم ولعل هذا هو محز الخلاف وأنا والله أخشى على من يدع السنة إلى الشئ المجرب أن يدخل فى وعيد النبى صلى الله عليه وسلم حيث قال .. فمن رغب عن سنتى فليس منى (¬1) وفى هذه المسألة كذا وكذا حديثا. لست أدع ذلك كله لذكر استحسنوه أو أمر جربوه. مع العلم بأن النبى صلى الله عليه وسلم أوتى جوامع الكلم وفواتحه والدعاء بالمأثور لا شك أنفع وتجد من النور على الدعاء المأثور عنه صلى الله عليه وسلم ما لا تجد على كل من جاء بعده صلى الله عليه وسلم قال الشافعى رحمه الله: أجمع المسلمون على أن من استبانت له السنة لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس. (¬2) والكلام على هذا الأصل يحتمل البسط فى مجلدات. وإنما أشرت إليه أدنى إشارة يعلم منها المقصود ولعلى أشبعته بحثا فى غير هذا الموضع. وأشرع الآن فى ذكر ما كنت سطرته فى مسألة الحسد وعلاجه وبالله التوفيق. ¬

(¬1) متفق عليه: من حديث أنس بن مالك يرفعه رواه البخارى (5063) ومسلم .. (¬2) وانظر اعلام الموقعين لابن القيم (2/ 283)

تعريف الحسد

الحسد هو مصطلح على معنى معين عند الناس قد يتفق مع المعنى اللغوى وقد يفترق ولبيان هذا أذكر أمورا دائرة فى معنى الحسد لكن بينها بعض الفروق من جهة الأصل والنتائج والكيفية والجهة الواقعة منها وهى الحسد والعين والغبطة والأضم والغل والحقد. تعريف الحسد هو تمنى ملك الشئ المستحسن مع تمنى زوال الشئ من الغير يعنى من صاحبه. ويحصل الحسد برؤية الشئ غالبا وقد يقع من غير رؤية. ولا يكون الحسد إلا من نفس شريرة - مسلمة أوغير ذلك - ولما كانت رؤية الشئ مصاحبة للحسد ارتبط الحسد بالعين فقيل للمحسود أصابته عين وفى الحديث الصحيح "العين حق "متفق عليه. ولا يذكر الحسد إلا والذم لازم له لما يلحق المحسود من أضرار أو فساد بقدر ما فى نفس الحاسد من شر على ما قدره الله تعالى له. قال ابن منظور: الحسد معروف حسده يحسده إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما هو وترى اللبيب محسدا لم يجترمشتم الرجال وعرضه مشتوم قال الجوهرى: الحسد أن تتمنى زوال نعمة المحسود إليك. اهـ (¬1) وقال الفيروزآبادى: حسده تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما وهو حاسد من حسد وحساد وحسدة وحسود من حسد وحسدنى الله إن كنت أحسدك أي عاقبنى على الحسد وتحاسدوا حسد بعضهم بعضا. اهـ (¬2) وقال فى المصباح المنير: حسدته على النعمة وحسدته النعمة حسدا بفتح السين أكثر من سكونها يتعدى إلى الثاني بنفسه وبالحرف إذا كرهتها عنده وتمنيت زوالها عنه وأما الحسد على الشجاعة ونحو ذلك فهو الغبطة وفيه معنى التعجب وليس فيه تمني زوال ذلك عن المحسود فإن تمناه فهو القسم الأول وهو حرام والفاعل ¬

(¬1) اللسان (3/ 148) (¬2) القاموس المحيط (1/ 353)

تعريف الأضم.

حاسد وحسود والجمع حساد وحسده. (¬1) واعلم أن الحسد من أمراض القلوب نعوذ بالله من ذلك وأصله من الغضب والحقد وعدم الرضا بالقضاء والقدر والرزق وهو يفسد ذات البين ويضر بالدين ويذهب بالمودة وينشر البغضاء بين المسلمين ويصد عن العمل والذكر والعبادة حتى عده الغزالى من الأسباب المانعة من قيام الليل ولا حول ولا قوة إلا بالله. تعريف الأضم. إذا تمنى الرجل (أو المرأة أو الصبى سواء كانوا من الإنس أو من الجن) حصول النعمة له وزوالها من الغير من غير أن يضر ذلك بالمحسود يعنى لا يضر كما يضر الحسد ولا يقع هذا فهو الأضم وهذا من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده ومن دفعه للقضاء السئ عن العباد فلو أنفذ الله تعالى كل حسد لخربت الدنيا وفسدت معايش الناس ولا حولا ولا قوة إلا بالله. قال فى العين: الأضم الحسد والحقد في القلب لا يقدر على أن يمضيه. اهـ (¬2) والأضم لايؤثر كالعين وإن كان هو منها لكن هو أشبه بالحقد الحامل على الكبر وبطر الحق وغمط الناس كالذى يكون بين الأقران فى كل عمل ومكان كطلبة العلم يحمل بعضهم الحسد على تسفيه الآخر وانتقاص قدره وهضم حقه والتهوين من أمره والإستخفاف بمكانته وربما النيل من عرضه بسسبب مقالة أو رأى ونحو ذلك وهذا ليس من الغبطة المحمودة التى وردت فى الحديث ولا هى أيضا من العين التى تضر بل هى من قراع الأقران وجدالهم مما هو ظاهر معلوم والله تعالى أعلم. ومنه قول الشاعر: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالناس أعداء لهم وخصومُ كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... ظلماً وزوراً إنه لذميمُ ¬

(¬1) المصباح المنير (1/ 135) (¬2) العين (7/ 72)

تعريف الغبطة.

ومنه أيضا قول بعضهم: لولا التخوف للعواقب لم تزل ... للحاسد النعمى على المحسود وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ماكان يعرف طيب عرف العود تعريف الغبطة. هى تمنى حصول النعمة للعبد مع عدم تمنى زوالها من صاحبها ولا تكون إلا فى الفضائل والأمور المستحسنة فى الشريعة كالقراءة والعلم والشجاعة والقوة وكثرة الصدقة والإنفاق فى سبيل الله .. قال ابن منظور: والغبط أن يتمنى أن يكون له مثلها ولا يتمنى زوالها عنه. اهـ (¬1) وقال أيضا: غبطه, حسده وقيل الحسد أن تتمنى نعمته على أن تتحول عنه والغبطة أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها ولا أن تتحول عنه وليس بحسد. (¬2) وقال فى المصباح المنير: الغبطة حسن الحال وهي اسم من غبطته غبطا من باب ضرب إذا تمنيت مثل ما ناله من غير أن تريد زواله عنه لما أعجبك منه وعظم عندك وفى حديث " أقوم مقاما يغبطني فيه الأولون والآخرون ". وهذا جائز فإنه ليس بحسد فإن تمنيت زواله فهو الحسد. اهـ (¬3) وقال الأصفهانى: فمجرد تمني مثل خير يصل إلى غيره فهو غبطة، وإن زاد على التمنى بالسعى لبلوغ مثل ذلك الخير أو ما فوقه فمنافسة. (¬4) تعريف الغل والحقد. الغل والحقد من مرادفات الحسد ولها نفس المعنى وإن كانت هى المقدمة للحسد فهى بدايته والحسد يقع لها فى النهاية وهى أمور متلازمة فلا يقع الحسد ¬

(¬1) اللسان (3/ 149) (¬2) اللسان (7/ 359) (¬3) المصباح المنير (2/ 442) (¬4) الذريعة إلى مكارم الشريعة ص (144)

تعريف العين.

من غير حقد ولا ينتج الحقد غير الحسد والواقع يشهد بذلك ولا يقولن قائل قد يستشكل ههنا أن يحسد الرجل رغما عنه ولا يحقد كالذى يحسد ماله وولده وقريبه فنقول هذه عين وليست بحسد والله تعالى أعلم قال ابن منظور: والغل بالكسر والغليل الغش والعداوة والضغن والحقد والحسد وفي التنزيل العزيز: ونزعنا ما في صدورهم من غل. قال الزجاج حقيقته والله أعلم أنه لا يحسد بعض أهل الجنة بعضا في علو المرتبة لأن الحسد غل. (¬1) تعريف العين. العين هى وقوع الحسد بالقوة التى أودعها الله تعالى فى بعض أعين عباده من غير حقد وتكون من رجل صالح ليست نفسه بالخبيثة فهذا لايقال فيه حاسد وإنما هو عائن. وإن جاز الأول تعميما لكن التفصيل أصح ومنه قصة عامر بن ربيعة رضى الله عنه لما حسد سهل بن حنيف رضى الله عنه وقدر الله تعالى أن تقع مثل هذه القصة فى الزمن الأول لنستفيد من أحكامها مع ما كان يسود مجتمع الصحابة رضى الله عنهم من أخوة وحب ومودة وإيثار ما عهدناها فى عصر بعدهم. هل هناك فرق بين الحسد والعين أو هما سواء؟ نعم هناك فرق بينهما وإن اتفق تأثيرهما. فقد اشتهر عند الناس ذم الحسد والحاسد -وهذا صحيح - ومعلوم أن الحسد إنما يقع من نفس حاسدة. لكن قد صح فى السنة أن العين قد تقع من الرجل الصالح كما حدث مع عامر بن ربيعة لما رأى سهل بن حنيف الأنصارى رضى الله عنهمافوعك سهل واشتد به فهل هذا يقدح فى عامر رضى الله عنه؟ اللهم لا. وإنما كان عليه أن يدعو لسهل رضى الله عنه بالبركة لما رأى منه ما أعجبه. فمن هنا كان فى المسألة تفصيل لا ينفك عن فهم المسألة ووهم من سوى بينهما. ¬

(¬1) اللسان (11/ 499)

ومجمل القول فى الفرق بين العين والحسد أن

فالحسد مغاير للعين. وما يهمنا من الفرق بينهما هو أن الحسد يقع من نفس حاقدة. والعين قد تقع من الرجل الصالح. وليس فى العين تمن زوال النعمة من الغير. والله أعلم وأنت تجد أن الله عز وجل لما ذكر الحاسد فى كتابه ذكره مقرونا بالشر فقال تعالى {ومن شر حاسد إذا حسد} لكن لما ذكر النبى صلى الله عليه وسلم العين ذكر تأثيرها وحدوثها ونبه على الغفلة التى تلحق العائن إذا رأى ما يعجبه فأمر هـ بالدعاء بالبركة. وإن كان فيها أذى. ومجمل القول فى الفرق بين العين والحسد أن: * الحاسد أعم من العائن. فالعائن حاسد خاص -إن صح التعبير - فكل حاسد عائن. وليس كل عائن حاسدا. ولذلك جاء ذكر الإستعاذة فى سورة الفلق من الحاسد فإذا استعاذ المسلم من شر الحاسد دخل فيه العائن. وهذا من شمول القرءان الكريم وإعجازه وبلاغته. (¬1) * الحسد يتأتى عن الحقد والبغض وتمن زوال النعمة أما العين فيكون سببها الإعجاب والاستعظام والاستحسان. * الحسد والعين يشتركان فى الأثر حيث يسببان ضررا للمعين والمحسود ويختلفان فى المصدر. فمصدر الحسد تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود وتمنى زوالها عنه أما العائن فمصدره انقداح نظرة العين. لذا فقد يصيب من لا يحسده من جماد أو حيوان أو زرع أو مال وربما أصابت عينه نفسه فرؤيته للشئ رؤية تعجب وتحديق مع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر فى المعين. * الحاسد يمكن أن يحسد فى الأمر المتوقع قبل وقوعه بينما العائن لا يعين إلا الموجود بالفعل. ¬

(¬1) راجع زاد المعاد لابن القيم (3/ 174) ط المنار. ورسالة العين حق لأحمد بن عبد الرحمن الشميمرى. ص (28).

* لا يحسد الإنسان نفسه ولكن قد يعينها. * لا يقع الحسد إلا من نفس خبيثة حاقدة. ولكن العين قد تقع من رجل صالح من جهة إعجابه بالشئ دون إرادة منه إلى زواله. كما حدث من عامر رضى الله عنه فهو من السابقين إلى الإسلام شهد بدرا. وناهيك بفضل الصحبة. أنعم به وأكرم. وممن فرق بين العين والحسد. ابن الجوزى والنووى وابن القيم وابن حجر العسقلانى، وغيرهم. رحمهم الله جميعا. (¬1) ¬

(¬1) راجع الصارم البتار لوحيد عبد السلام بالى ص (131) ط مكتبة الصحابة - جدة.

الأدلة على تأثير العين فى المحسود

الأدلة على تأثير العين فى المحسود: أولا: من القرآن الكريم. قال تعالى عن اليهود {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} البقرة (89 - 90) فبين الله تعالى أن اليهود حملهم الحسد والبغى على الكفر برسالة النبى صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا يرون أن النبوة ستكون فيهم وسيقاتلون مع النبى صلى الله عليه وسلم فيغلبون الذين كفروا فلما جاءت النبوة كما عرفوا لكنها كانت النبوة فى العرب حسدوهم فلم يؤمنوا. فالآية حجة فى إثبات الحسد وبيان سوء عاقبته. قال أبوعبيد القاسم بن سلام: (بغيا) حسدا بلغة تميم. (¬1) وقال القرطبى: قوله تعالى: {بَغْياً} معناه حسداً قاله قتادة والسّدّى, وهو مفعول من أجله, وهو على الحقيقة مصدر. الأصمعيّ: وهو مأخوذ من قولهم: قد بَغَى الجرح إذا فسد. وقيل: أصله الطلب, ولذلك سُمّيت الزانية بَغِيّا. {أَن يُنَزّلُ اللهُ} في موضع نصب أى لأن ينزّل, أي لأجل إنزال الله الفضل على نبيّه صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن كَثير وأبو عمرو ويعقوب وابن مُحَيْصِن «أن يُنْزِل» مخفّفاً, وكذلك سائر ما في القرآن, إلا «وَمَا نُنَزّلُه» في «الحجر» , وفي «الأنعام» «عَلَى أنْ يُنَزّلَ آيةً».اهـ (¬2) ¬

(¬1) رسالة لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم - سورة البقرة - (¬2) الجامع لأحكام القرءان عند تفسير الآية.

* وقال الله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة - 109). قال الحافظ ابن كثير الدمشقى رحمه الله: يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك الكفار من أهل الكتاب ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم. اهـ (¬1) وقال ابن تيميه رحمه الله فى هذه الآية: فذم اليهود على ما حسدوا المؤمنين على الهدى والعلم. وقد يبتلى بعض المنتسبين إلى العلم وغيرهم بنوع من الحسد لمن هداه الله بعلم نافع أو عمل صالح، وهو خلق مذموم مطلقا وهو في هذا الموضع من أخلاق المغضوب عليهم. (¬2) وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: من فوائد الآية: بيان شدة عداوة اليهود، والنصارى للأمة الإسلامية؛ وجه ذلك أن كثيراً منهم يودون أن يردوا المسلمين كفاراً حسداً من عند أنفسهم .. ومنها: أن الحسد من صفات اليهود، والنصارى. ومنها: تحريم الحسد؛ لأن مشابهة الكفار بأخلاقهم محرمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"؛ واعلم أن الواجب على المرء إذا رأى أن الله أنعم على غيره نعمة أن يسأل الله من فضله، ولا يكره ما أنعم الله به على الآخرين، أو يتمنى زواله؛ لقوله تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله} [النساء: 32]؛ والحاسد لا يزداد بحسده إلا ناراً تتلظى في جوفه؛ وكلما ازدادت نعمة الله على عباده ازداد حسرة؛ فهو مع كونه كارهاً لنعمة الله على هذا الغير مضاد لله في حكمه؛ لأنه يكره ¬

(¬1) تفسير القرآن العظيم عند تفسير الأية. (¬2) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 70، 71).

أن ينعم الله على هذا المحسود؛ ثم إن الحاسد أو الحسود. مهما أعطاه الله من نعمة لا يرى لله فضلاً فيها؛ لأنه لابد أن يرى في غيره نعمة أكثر مما أنعم الله به عليه، فيحتقر النعمة؛ حتى لو فرضنا أنه تميز بأموال كثيرة، وجاء إنسان تاجر، وكسب مكسباً كبيراً في سلعة معينة تجد هذا الحاسد يحسده على هذا المكسب بينما عنده ملايين كثيرة؛ وكذلك أيضاً بالنسبة للعلم: بعض الحاسدين إذا برز أحد في مسألة من مسائل العلم تجده. وإن كان أعلم منه. يحسده على ما برز به؛ وهذا يستلزم أن يحتقر نعمة الله عليه؛ فالحسد أمره عظيم، وعاقبته وخيمة؛ والناس في خير، والحسود في شر: يتتبع نعم الله على العباد؛ وكلما رأى نعمة صارت جمرة في قلبه؛ ولو لم يكن من خُلُق الحسد إلا أنه من صفات اليهود لكان كافياً في النفور منه .. ومن فوائد الآية: علم اليهود، والنصارى أن الإسلام منقبة عظيمة لمتبعه؛ لقوله تعالى: {حسداً}؛ لأن الإنسان لا يحسد إلا على شيء يكون خيراً، ومنقبة؛ ويدل لذلك قوله تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} [البقرة: 105] .. ومنها: بيان خبث طوية هؤلاء الذين يودون لنا الكفر؛ لقوله تعالى: {من عند أنفسهم}؛ ليس من كتاب، ولا من إساءة المسلمين إليهم؛ ولكنه من عند أنفسهم: أنفس خبيثة تود الكفر للمسلمين حسدا. اهـ (¬1) أقول: وقد يستشكل هنا أن الله تعالى مدح التنافس فى الخير فقال تعالى {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}. وقال النبى صلى الله عليه وسلم " لا حَسدَ إلا في اثنتين رجلٍ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليلِ وآناء النهارِ ورجلٍ آتاه الله مالاً فهن ينفقه آناء الليلِ وآناء النهارِ ". وترجم عليه البخارى " باب الاغتباط في العلم والحكمة " فكيف يذم الله تعالى فعل اليهود ويسوقه فى معرض الإنكار مع أنهم حسدوا المسلمين على الخير ¬

(¬1) تفسير سورة البقرة المجلد الأول عند تفسير الآية.

والإسلام والحسد فى الخير مشروع؟ فنقول: إن الحسد أو الغبطة هنا معناها تمنى النعمة وهى الإسلام أو العلم أو العمل الصالح مع عدم رجاء زوالها من صاحبها فهى بهذا القيد ممدوحة لكن هذا الشرط منعدم عند اليهود فهم يتمنون زوال نعمة الإسلام عن المسلمين ويتمنون أن لو لم تكن النبوة فى العرب أصلا بدليل قوله تعالى {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا} فهم يتمنون ردتهم عز وجل الإسلام والعياذ بالله وهذا القيد فاصل بين الغبطة المحمودة والحسد المذموم. والله تعالى أعلم. * ... وقال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا ءاتاهمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ ءاتَيْنَا ءالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وءاتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} (النساء - الآية 54) قال ابن كثير: يعني بذلك حسدهم النبى صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله النبوة العظيمة، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل. اهـ (¬1) * وقال تعالى: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الأخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ} (المائدة - الآية 27). قال ابن كثير: يقول تعالى مبينا عاقبة البغي والحسد والظلم في خبر ابني آدم لصلبه في قول الجمهور وهما قابيل وهابيل كيف عدا أحدهما على الآخر فقتله بغيا عليه وحسدا له فيما وهبه الله من النعمة وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله عز وجل ففاز المقتول بوضع الآثام والدخول إلى الجنة وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدارين. اهـ (¬2) * وقال تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ. قَالَ يَابُنَىَّ لا تَقْصُصْ رء يَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (سورة يوسف عليه السلام الآيتان 4 - 5). ¬

(¬1) تفسير القرآن العظيم عندتفسير الأية. (¬2) تفسير القرآن العظيم عند تفسير الأية

قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب لابنه يوسف حين قص عليه ما رأى من هذه الرؤيا التي تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيما زائدا بحيث يخرون له ساجدين إجلالا واحتراما وإكراما فخشي يعقوب - عليه السلام - أن يحدث بهذا المنام أحدا من إخوته فيحسدونه على ذلك فيبغون له الغوائل حسدا منهم له. ولهذا قال له: (لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا) أى يحتالون لك حيلة يردونك فيها. اهـ (¬1) * وقال تعالى: {وَقَالَ يَبَنِيّ لاَ تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مّتَفَرّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُتَوَكّلُونَ وَلَمّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِلاّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنّهُ لَذُو عِلْمٍ لّمَا عَلّمْنَاهُ وَلَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}. سورة يوسف عليه السلام الآيتان (67 - 68) قال القرطبى - صاحب التفسير - رحمه الله: لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد, وكانت مصر لها أربعة أبواب وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلاً لرَجُل واحد وكانوا أهل جَمال وكمال وبَسْطة قاله ابن عباس والضّحاك وقَتَادة وغيرهم. اهـ (¬2) وقال الحافظ بن كثير رحمه الله: يقول تعالى إخباراً عن يعقوب عليه السلام, إنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر أن لا يدخلوا كلهم من باب واحد, وليدخلوا من أبواب متفرقة, فإنه كما قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد إنه: خشي عليهم العين, وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة, ومنظر وبهاء, فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم, فإن العين حق تستنزل الفارس عن فرسه , وروى ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله ¬

(¬1) تفسير القرآن العظيم عند تفسير الآية. (¬2) التفسير الجامع لأحكام القرءان (4/ 3455) ط الشعب تجليد خاص.

{وادخلوا من أبواب متفرقة} قال: علم أنه سيلقى إخوته في بعض تلك الأبواب. وقوله {وما أغني عنكم من الله من شيء} أي إن هذا الاحتراز لا يرد قدر الله وقضاءه, فإن الله إذا أراد شيئاً لا يخالف ولا يمانع, {إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون. ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} قالوا: هي دفع إصابة العين لهم {وإنه لذو علم لما علمناه} قال قتادة والثوري: لذو عمل بعلمه. وقال ابن جرير: لذو علم لتعليمنا إياه {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.اهـ (¬1) وذكر اسم بنيامين لعله مأخوذ من الإسرائيليات التى لاتصدق ولا تكذب كما فى الحديث - والله تعالى أعلم- * وقال تعالى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا} الكهف الآية (39) والآية فيها تحصين من العين والحسد. * وقال تعالى {وَإِن يَكَادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنّهُ لَمَجْنُونٌ} القلم آية (51) قال الحافظ بن كثير: قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما {ليزلقونك} لينفذونك {بأبصارهم} أي يعينونك بأبصارهم بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم, وفي هذه الاَية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل, كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة. اهـ تفسير ابن كثير عند تفسير الآية. * ... وقال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ. مِن شَرِّ مَا خَلَقَ. وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ. وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ. وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} سورة الفلق (1 - 6) فقوله تعالى {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ.} أصرح ما يكون دلالة على تأثير العين ¬

(¬1) تفسير ابن كثير عند تفسير الآيتين.

فى المحسود ولولا ذلك لما ندبنا إلى الإستعاذة منها. قال الفخر الرازى: من المعلوم أن الحاسد هو الذي تشتدّ محبته لإزالة نعمة الغير إليه، ولا يكاد يكون كذلك إلا ولو تمكن من ذلك بالحيل لفعل، فلذلك أمر الله بالتّعوّذ منه، وقد دخل في هذه السورة كل شر يتوقّى كمه ديناً ودنيا، فلذلك لما نزلت هذه السورة فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزولها، لكونها مع ما يليها - يعني سورة الناس - جامعة فى التعوّذ لكل أمر. (¬1) ¬

(¬1) التفسير الكبير (32/ 195). وأنا حينما أنقل عن الرازى أنبه على أنى ما أنقل عنه إلا ما وافق الصواب فيه وإلا فقد كان الرجل متكلما معتزليا أشعريا يقدم العقل على النقل بل هو الذى حرر لهم هذا المذهب الخبيث وكان يؤول الصفات نسأل الله العافية وقد رجع قبل موته عن هذا أو بعضه لكن البلية من كتبه. وقد درست حاله وأمثاله فى كتابى أحكام أهل البدعة يسر الله إخراجه.

الأدلة على تأثير العين من السنة.

الأدلة على تأثير العين من السنة. * حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. عن أنس رضى الله عنه قال: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَالْحُمَةِ وَالنَّمْلَةِ. (¬1) وفى رواية " قال رخص فى الحمة والنملة والعين ". (¬2) و (رخص) بضم أوله. وكسر الثانى مشددا مبنيا للمجهول. وعن أنس أيضا رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ. (¬3) * حديث أم سلمة رضى الله عنها. عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيت أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم رأى بوجهها سفعة فقال بها نظرة فاسترقوا لها يعني بوجهها صفرة. (¬4) ¬

(¬1) صحيح: مسلم (2196/ 5687 - 58) وأحمد (12194 - 12215 - 12304) والترمذى (2056) وابن ماجة وابن حبان والنسائى فى الكبرى (7541) وابن أبى شيبة فى المصنف ح (23526) من طرق عن سفيان عن عاصم الأحول عن يوسف بن عبد الله عن أنس. (¬2) صحيح: أخرجه مسلم (5687) (¬3) حسن لغيره: أخرجه أبوداود (3889) من طريق شريك عن العباس بن ذريح عن الشعبي عن أنس .. وشريك بن عبد الله القاضى من رجال مسلم ساء حفظه منذ ولى القضاء. والحديث له شواهد. (¬4) متفق عليه: أخرجه البخاري (5407) ومسلم (2197) والحاكم فى المستدرك (7486) والبيهقي فى السنن الكبرى (9/ 348) من طرق عن محمد بن حرب حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي أخبرنا الزهري عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة .. وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. اهـ أقول وقد أخرجاه من نفس الطريق كما عرفت وهذا من أوهام الحاكم على سعة علمه رحمه الله. وأخرجه الحاكم (8276) وصححه على شرطهما أيضا من طريق ابن شهاب قال أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بيت أم سلمة .. وأخرجه ابن أبى شيبة فى المصنف عن عروة بن الزبير رحمه الله أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ فَإِذَا صَبِيٌّ فِي الْبَيْتِ يَشْتَكِي ... وإسناده حسن إلى عروة لكنه مرسل فعروة لم يشهد القصة.

* حديث أسماء بنت عميس رضى الله عنها

* حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَنِى جَعْفَرٍ تُصِيبُهُمُ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِى لَهُمْ، فَقَالَ: نَعَمْ لَوْ كَانَ شَىْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَهُ الْعَيْنُ. (¬1) * حديث عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضى الله عنه. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ نَلْتَمِسُ الْخَمْرَ فَوَجَدْنَا خَمْرًا وَغَدِيرًا , وَكَانَ أَحَدُنَا يَسْتَحِي أَنْ يَغْتَسِلَ وَأَحَدٌ يَرَاهُ , فَاسْتَتَرَ مِنِّي حَتَّى إذَا رَأَى أَنْ قَدْ فَعَلَ نَزَعَ جُبَّةً عَلَيْهِ مِنْ كِسَاءٍ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَاءَ , فَنَظَرْتُ إلَيْهِ فَأَعْجَبَنِي خَلْقُهُ , فَأَصَبْتُهُ مِنْهَا بِعَيْنٍ , فَأَخَذَتْهُ قَعْقَعَةٌ وَهُوَ فِي الْمَاءِ , فَدَعَوْتُهُ فَلَمْ يُجِبْنِي , فَانْطَلَقْتُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قُومُوا , فَأَتَاهُ فَرَفَعَ، عَنْ سَاقِهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ إلَيْهِ الْمَاءَ، فَلَمَّا أَتَاهُ ضَرَبَ صَدْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَذْهِبْ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا، ثُمَّ قَالَ: قُمْ , فَقَامَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ. (¬2) ¬

(¬1) صحيح: رواه أحمد والترمذى (2059) وقال: حسن صحيح وابن ماجة (3510). والْحُمَيْدِىُّ (348) بتحقيقى وابن أبى شيبة (23581). كلهم من طريق سُفْيَانُ عن عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عن أسماء به. وأخرجه ابن أبى شيبة: ح (23583) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ثَابِتٍ مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عن أَسْمَاء. لكن هذا الإسناد ضعيف: فعَبْدِ اللهِ بْنِ ثَابِتٍ. لم أجد له ترجمة وابن أَبِي نَجِيحٍ ثقة يدلس. وابن إِسْحَاقَ صدوق مدلس وقد عنعنه. وشيخ ابن أبى شيبة لم أقف عليه. لكن من شيوخه عبد الرحيم بن سليمان وعبد الرحيم بن عبد الرحمن المحاربى وكلاهما ثقة. ويغلب على الظن أنه بن سليمان. لكن ليس من شيوخهما محمد بن إسحاق. والله أعلم. (¬2) ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة فى المصنف (23594) واللفظ له وعنه أبو يعلى فى مسنده (13/ 152 - 153) ح (7195) والنسائى فى السنن الكبرى (7511) والضياء المقدسى فى الأحاديث المختارة (213) كلهم من طريق مُعَاوِيَةُ بْن هشامٍ عن عَمَّار بْن رزَيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ هِنْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ .. ورواته موثقون غير أمية بن هند مقبول روى عنه اثنان وفى الحديث تفرد بأمرين لا أحسبه محفوظا بهما الأول أنه من مسند عامر بن ربيعة والثانى دعاء النبى صلى الله عليه وسلم: اللهم أذهب حرها ... . والله أعلم .. وأخرج ابن ماجه (3506) من نفس الطريق آخر الحديث فقط وهى قوله " العين حق "

* حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة رضى الله عنه.

* حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة رضى الله عنه. عن عبد الله بن عامر قال: انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل, قال فانطلقا يلتمسان الخمر. قال فوضع عامر جبة كانت عليه من صوف فنظرت إليه فأصبته بعيني فنزل الماء يغتسل, قال فسمعت له في الماء فرقعة فأتيته فناديته ثلاثاً فلم يجبني, فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته, قال فجاء يمشي فخاض الماء فكأني أنظر إلى بياض ساقيه, قال فضرب صدره بيده ثم قال: اللهم اصرف عنه حرها وبردها ووصبها. قال: فقام, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأى أحدكم من أخيه أو من نفسه أو من ماله ما يعجبه فليبرك فإن العين حق. (¬1) * حديث أبي هريرة رضى الله عنه. عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق (ونهى عن الوشم). (¬2) وعنه أيضا رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا بأس فى الهام , والعين حق وأصدق الطيرة الفأل. (¬3) ¬

(¬1) ضعيف: أخرجه أحمد (15273) والحاكم فى المستدرك (7500) كلاهما من طريق وكيع بن الجراح بن مليح , حدثنا أبى , حدثنا عبد الله بن عيسى عن أمية بن هند بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عامر قال: انطلق عامر بن ربيعة .. وفى المسند عبيد الله بن عامر وهو تصحيف. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي فى التلخيص، وقال الألبانى فى صحيح الجامع (556): حديث صحيح! ! وليس كما قالوا فالجراح بن مليح صدوق يهم. وأمية بن هند مقبول قال يحيى بن معين لا أعرفه ووثقه ابن حبان كعادته فى توثيق المجاهيل! ! وعبد الله بن عامر لم يشهد القصة. ولا يروى الحديث من غير طريق أمية هذا فهذا تفرد أيضا لا ينتبه إليه المتأخرون. (¬2) صحيح: أخرجه البخارى (5408 - 5944) ومسلم (2187) وأبوداود (3879) وأخرجه ابن ماجه (3507) من طريق مضارب بن حزن عن أبى هريرة ومضارب مقبول. وليست الزيادة عند مسلم وابن ماجه (¬3) ضعيف مضطرب: أخرجه أحمد (20158) من طريق شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن حيّة, حدثه عن أبيه عن أبي هريرة .. ورواته ثقات غيرحية مقبول. وقد اختلف فيه على يحيى بن أبى كثير فرواه أحمد (16191 - 20156 - 22705) والترمذى (2061) من طريق على بن المبارك وأحمد أيضا (20157) من طريق حرب بن شداد اليشكرى كلاهما عن يحيى بن أبي كثير .. من حديث حابس التميمى رضى الله عنه. والثلاثة من رجال الشيخين وشيبان أثبتهم فى يحيى وعلى بن المبارك عن يحيى بن أبى كثير خاصة فيها وهاء. والحديث له شواهد كما تقدم وجملة العين حق صحيحة ثابتة.

* حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما.

وعنه أيضا رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العين حق ويحضرها الشيطان وحسد ابن آدم. (¬1) وعن محمد بن قيس: سئل أبوهريرة هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الطيرة في ثلاث: في المسكن والفرس والمرأة؟ قال: قلت إذاً أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم مالم يقل, ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أصدق الطيرة الفأل, والعين حق. (¬2) * حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما. عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا حسد والعين حق. (¬3) * حديث أبى ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه ... . عن أبى ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العين لتولع الرجل بإذن الله حتى يصعد حالقاً ثم يتردى منه. (¬4) ¬

(¬1) ضعيف منقطع: أخرجه أحمد (9948) حدثنا ابن نمير حدثنا ثور يعني ابن يزيد عن مكحول عن أبي هريرة .. ورواته ثقات لكن مكحول الشامى ثقة فقيه كثير الإرسال، وثقه العجلى وقال ابن حبان فى" الثقات " ربما دلس. وقال أبو بكر البزار: روى مكحول عن جماعة من الصحابة: عن عبادة وأم الدرداء وحذيفة وأبى هريرة وجابر ولم يسمع منهم وإنما أرسل عنهم ولم يقل فى حديث عنهم "حدثنا" ... وقال الحاكم فى علوم الحديث: أكثر روايته عن الصحابة حوالة. اهـ (¬2) حسن لغيره: أحمد (7823) قال حدثنا خلف بن الوليد حدثنا أبو معشرنجيح بن عبد الرحمن عن محمد بن قيس .. وأبو معشر ضعفه يحيى بن معين وعلى بن المدينى وقال البخارى: منكر الحديث. والحديث له شواهد وفيها لين هى بمجموعها مقبولة إن شاء الله. وصححه الشيخ الألبانى فى الصحيحة ح (1248) (¬3) ضعيف: أخرجه أحمد (7030) حدثنا قتيبة حدثنا رشدين بن سعد عن الحسن بن ثوبان عن هشام بن أبى رقية عن عبد الله بن عمرو .. ورشدين: ضعيف والحسن صدوق. والحديث تفرد به أحمد رحمه الله. وبعض الحديث ثابت من غير هذا الوجه لكن قوله لا حسد مشكل جدا. (¬4) حسن: أخرجه أحمد (20795 - 20690) وأبو يعلى الموصلى والبزار من طريق ديلم بن غزوان حدثنا وهب بن أبي دبى عن أبى حرب محجن بن أبى الأسود عن أبى ذر .. ورواته ثقات غير ديلم بن غزوان: صدوق، يرسل وهو هنا صرح بالتحديث. ولا أعلم أنه يروى بغير ها الإسناد فهو غريب. لكن له شواهد من حديث ابن عباس رضى الله عنه بسند جيد. وصححه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم (1681) وفى السلسلة الصحيحة! !

* حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه.

* حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه. عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف, أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة, اغتسل سهل بن حنيف, وكان رجلاً أبيض حسن الجسم والجلد, فنظر إليه عامر بن ربيعة أخو بني عدي بن كعب وهو يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة, فلبط سهل فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: يا رسول الله هل لك في سهل! والله ما يرفع رأسه ولا يفيق, قال: هل تتهمون فيه من أحد؟ قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامراً فتغيظ عليه وقال: علام يقتل أحدكم أخاه, هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟ ثم قال اغتسل له فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح, ثم صب ذلك الماء عليه فصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه , ثم يكفأ القدح وراءه , ففعل ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس. وفى رواية: فأمر عامرا فغسل وجهه في الماء وأطراف يديه وركبتيه وأطراف قدميه ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ضبعي إزار عامر وداخلته فغمرها في الماء ثم أفرغ الإناء على رأس سهل وأكفأ الإناء من دبره فأطلق سهل لا بأس به. (¬1) ¬

(¬1) صحيح: أخرجه أحمد (15550) من طريق أبى أويس والطبرانى فى المعجم الكبير (5573) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع وابن أبى شيبة (23585) من طريق ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ. ثلاثتهم عن الزهرى عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف, أن أباه حدثه .. وأويس من رجال مسلم وهو صدوق يهم. وابن مجمع ضعفه يحيى بن معين والنسائى وأبونعيم. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال البخارى: كثير الوهم. وقال أبو أحمد بن عدى: ومع ضعفه يكتب حديثه. واستشهد به البخارى تعليقا. وفى كتاب ابن أبى خيثمة من طريق جعفر بن عون أن ابن مجمع كان أصم، وكان يجلس إلى الزهرى فلا يكاد يسمع إلا بعد كد. ومحمد بن أبى ذئب ثقة وفى حديثه جعل صفة الغسل من قول الزهرى وتابعه يونس بن يزيد عند الطبرانى وهو ثقة. والرواية للطبرانى وسندها جيد فى الشواهد.

* حديث أبى أمامة أسعد بن سهل بن حنيف رحمه الله.

* حديث أبى أمامة أسعد بن سهل بن حنيف رحمه الله. عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف قال: مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة, فما لبث أن لبط به فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له أدرك سهلاً صريعاً قال: من تتهمون به قالوا: عامر بن ربيعة قال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة ثم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره, وأمره أن يصب عليه, قال سفيان قال معمر عن الزهري وأمر أن يكفأ الإناء من خلفه. وفى رواية: ثم أمره فغسل له فغسل وجهه وظاهر كفيه ومرفقيه وغسل صدره وداخلة إزاره وركبتيه وأطراف قدميه في الإناء ظاهرهما ثم أمر به فصب على رأسه وكفأ الإناء من خلفه حسبته قال وأمره فحسا منه حسوات فأمره فقام فراح مع الركب. (¬1) وأخرجه الطبرانى من طريق يونس بن يزيد عن بن شهاب عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف الأنصارى أن عامر بن ربيعة العدوي مر على سهل وهو يغتسل في الخرار فقال والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلبط سهل فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل ¬

(¬1) مرسل: أخرجه ابن ماجه (3509) والنسائى فى السنن الكبرى (10036) والبيهقى فى السنن الكبرى (9/ 351) كلهم من طريق سفيان عن الزهري عن أبي أمامة .. وأخرجه الطبرانى فى الكبير (5574) والرواية له من طريق معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل .. وأخرجه مالك فى الموطأ (1747) وعنه الطبرانى فى الكبير (5574) عن ابن شهاب الزهرى عن أبي أمامة. وأخرجه أخرجه مالك فى الموطأ (1746) عن محمد بن أبي أمامة أنه سمع أباه .. فيكون مالك سمعه من الزهرى ومن محمد بن أبى أمامة على الوجهين. وأخرجه الطبرانى فى الكبير (5576) من طريق الهقل بن زياد عن معاوية بن يحيى عن الزهرى عن أبو أمامة .. ومعاوية بن يحيى: ضعفه أبوداود والنسائى والبزار وقال ابن حبان: كان يشترى الكتب ويحدث بها، ثم تغير حفظه، فكان يحدث بالوهم، وكان اشترى كتابا للزهرى من السوق، فروى عن الزهرى. وقال البخارى: أحاديثه عن الزهرى مستقيمة كأنها من كتاب. وقال الدارقطنى: يكتب ماروى الهقل عنه، ويتجنب ما سواه .. اهـ وهذه أسانيد صحيحة لكن أبا أمامة لم يشهد القصة ولد قبل موت النبى صلى الله عليه وسلم بعامين وله رؤية ..

يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف والله ما يرفع رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تتهمون به من أحد قالوا نعم يا رسول الله مر عليه عامر بن ربيعة وهو يغتسل فقال والله ما رأيت كاليوم قط ولا جلد مخبأة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعة فتغيظ عليه وقال علام يقتل أحدكم أخاه ان لا تبرك اغسل له فغسل له عامر فراح سهل مع الركب. قال بن شهاب الغسل الذي أدركنا علماءنا يصنعون أن يؤتى بالرجل بالذي يعين صاحبه بالقدح فيه الماء ويمسك له مرفوعا من الأرض فيدخل الذي يعين يده اليمنى في الماء فيصب على وجهه صبة واحدة في القدح ثم يدخل اليسرى في الماء فيغسل يده اليمنى صبة واحدة في القدح ثم يدخل يده اليمنى فيغسل يده اليسرى صبة واحدة إلى المرفقين ثم يدخل يديه جميعا في الماء فيغسل صدره صبة واحدة في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيغرف من الماء فيصبه على ظهر كفه اليمنى صبة واحدة في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب على مرفق يده اليمنى صبة واحدة في القدح وهو في يده الى عنقه ثم يفعل مثل ذلك في مرفق يده اليسرى ثم يفعل مثل ذلك في ظهر قدمه اليمنى من ثم أصول الأصابع واليسرى كذلك ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ظهر ركبته اليمنى ثم يفعل باليسرى مثل ذلك ثم يغمس داخلة إزاره اليمنى ثم يقوم الذي في يده القدح بالقدح فيصبه على ظهر ركبته اليمنى ثم يقوم الذي في يده القدح بالقدح فيصبه على رأس المعيون من ورائه ثم يكفأ القدح على وجه الأرض من ورائه. (¬1) ويونس من أعرف الناس برأى الزهرى وهو هنا جعل صفة الغسل من قول الزهرى وتابعه على هذا ابن أبى ذئب فى المصنف. ¬

(¬1) مرسل: أخرجه الطبرانى فى الكبير (5577) ويونس بن يزيد من رجال الشيخين. وثقه العجلى والنسائى وقال أحمد بن حنبل يقول: فى حديث يونس ابن يزيد منكرات عن الزهرى وقال أحمد بن صالح المصرى: نحن لا نقدم فى الزهرى على يونس أحدا. قال: وكان الزهرى إذا قدم أيلة نزل على يونس، وإذا سار إلى المدينة زامله يونس. وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلى: مالك وسفيان ومعمر، هؤلاء أصحاب الزهرى، ويونس بن يزيد عارف برأيه. وقال يعقوب بن شيبة: عالم بحديث الزهرى.

* حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه

* حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال أبو عبد الله بن ماجة: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير, حدثنا إسحاق بن سليمان عن أبي جعفر الرازي عن حصين عن الشعبى عن بريدة بن الحصيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا رقية إلا من عين أو حمة. (¬1) لكن قد أخرجه مسلم عن بريدة موقوفاً وفيه قصة. ثنا سعيد بن منصور ثنا هشيم نا حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير، فقال أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة قلت: أنا ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت قال: فماذا صنعت قلت: استرقيت قال: فما حملك على ذلك قلت: حديث حدثناه الشعبي، فقال وما حدثكم الشعبي قلت: حدثنا عن بريدة بن حصيب الأسلمي أنه قال لا رقية إلا من عين أو حمة، فقال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى صلى الله عليه وسلم وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا ¬

(¬1) حسن: أخرجه ابن ماجه (3513) ورواته ثقات غير أبى جعفر الرازى هو عيسى بن ماهان. صدوق سئ الحفظ .. وله شواهد منها حديث عمران بن حصين رضى الله عنه مرفوعا عند مسلم والترمذى وأحمد وأبى داود وحديث سهل بن حنيف رضى الله عنه. عند أحمد (15548) وأبو داود (3888) من طريق عبد الواحد بن زياد عن عثمان بن حكيم عن جدته سمعت سهل بن حنيف مرفوعا .. ومن حديث أنس بن مالك رضى الله عنه عند أبوداود (3889) من طريق شريك عن العباس بن ذريح عن الشعبى عن أنس مرفوعا .. وشريك صدوق يخطئ. فالحديث يصح مرفوعا بما له من شواهد. لكن هذه الشواهد تقوى رفع الحديث من غير طريق بريدة كما سيأتى.

* حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.

في الإسلام ولم يشركوا بالله وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما الذي تخوضون فيه فأخبروه، فقال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن، فقال ادع الله أن يجعلني منهم، فقال أنت منهم ثم قام رجل آخر، فقال ادع الله أن يجعلني منهم، فقال سبقك بها عكاشة. (¬1) * حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. قال الإمام البخارى حدثنا عمران بن ميسرة حدثنا ابن فضيل حدثنا حصين عن عامر عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضى الله تعالى عنهما قال لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ فذكرته لسعيد بن جبير، فقال: حدثنا ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرضت علي الأمم فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط والنبي ليس معه أحد حتى رفع لي سواد عظيم قلت: ما هذا أمتي هذه قيل هذا موسى وقومه قيل انظر إلى الأفق فإذا سواد يملأ الأفق ثم قيل لي انظر ها هنا وها هنا في آفاق السماء فإذا سواد قد ملأ الأفق قيل هذه أمتك ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألف بغير حساب ثم دخل ولم يبين لهم فأفاض القوم وقالوا نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله فنحن هم أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام فإنا ولدنا في الجاهلية فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج، فقال هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، فقال عكاشة بن محصن ¬

(¬1) صحيح: أخرجه مسلم ح رقم (220) وأحمد (2444) عن هشيم. به .. وهشيم بن بشير بن القاسم هو أثبت الناس فى حصين كما قال عبد الرحمن بن مهدى. كما فى "تهذيب الكمال" للمزى. وقال أبو داود: قال أحمد بن حنبل: ليس أحد أصح حديثا عن حصين من هشيم .. وقال محمد بن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، ثبتا، يدلس كثيرا، فما قال فى حديثه أخبرنا فهو حجة، وما لم يقل فيه أخبرنا فليس بشئ. اهـ أقول: وهو هنا صرح بالتحديث .. فيترجح كونه موقوفا من وجوه. الأول: أن الرواية الموقوفة فى الصحيح. والثانى: أن هشيم أثبت الناس فى حصين. والثالث: أن الرازى سئ الحفظ لا يحتج بما خالف فيه.

* حديث ابن عباس رضي الله عنه.

أمنهم أنا يا رسول الله قال: نعم فقام آخر، فقال أمنهم أنا؟ قال: سبقك بها عكاشة. (¬1) * حديث ابن عباس رضي الله عنه. عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا. (¬2) وعن ابن عباس أيضا رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العين حق, العين حق تستنزل الحالق. (¬3) ¬

(¬1) صحيح: أخرجه البخاري باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو. من حديث محمد بن فضيل. موقوفا. وأخرجه وأبو داود (3884) وأحمد (19407 - 19428 - 19508) من حديث مالك بن مغول. والترمذي (2057) والحميدى فى مسنده (871) بتحقيقى من حديث سفيان بن عيينة , كلاهما عن حصين عن عامر الشعبي عن عمران بن حصين مرفوعا وإسناده صحيح ثم هم قد خالفوا هشيم والرازى كما تقدم فقد روياه عن بريدة. ويمكن النظر إلى هذا الخلاف بهذا الشكل: مالك بن مغول وسفيان عند أبى داود وأحمد والترمذى والحميدى عن عمران مرفوعا محمد بن فضيل عند البخارى عن عمران موقوفا الرازى عند ابن ماجه عن بريدة مرفوعا هشيم عند مسلم وأحمد عن بريدة موقوفا وهذه أرجح من رواية الرازى ولا حاجة للترجيح ما أمكن الجمع ولعل الشعبى سمعه من عمران ومن بريدة كلاهما. وحدث به على الوجهين. (¬2) صحيح: أخرجه مسلم (2188) والترمذى (2062) وابن أبى شيبة فى المصنف (23597) والنسائى فى الكبرى (7620) كلهم من طريق وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .. ولفظ ابن أبى شيبة فى المصنف: الْعَيْنُ حَقٌّ , وَإِذَا اسْتُغْسِلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسِلْ. (¬3) حسن: أخرجه أحمد (2473) قال حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبيرعن سفيان الثورى عن رجل عن جابر عن ابن عباس وهذا سند ضعيف فأبو أحمد هذا يخطئ فى حديث الثورى وشيخ الثورى رجل مجهول. لكن أخرجه أحمد (2676) والحاكم فى المستدرك (7498) من طريق سفيان عن دويد حدثنى اسمعيل بن ثوبان عن جابر بن زيد عن ابن عباس .. وهذا سند جيد: دويد لين قاله البخارى وأبوداود وقال أبو حاتم: شيخ. وقال ابن حبان: مستقيم الحديث إذا كان دونه ثقة. اهـ ودونه هنا سفيان وناهيك به حفظا وتثبتا. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وحسنه الشيخ الألبانى فى بعض كتبه وهو الصواب وله شاهد من حديث على رضى الله عنه.

وعن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير، فقال أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة قلت: أنا ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت قال: فماذا صنعت قلت: استرقيت قال: فما حملك على ذلك قلت: حديث حدثناه الشعبي، فقال وما حدثكم الشعبي قلت: حدثنا عن بريدة بن حصيب الأسلمي أنه قال لا رقية إلا من عين أو حمة، فقال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى صلى الله عليه وسلم وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما الذي تخوضون فيه فأخبروه، فقال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن، فقال ادع الله أن يجعلني منهم، فقال أنت منهم ثم قام رجل آخر، فقال ادع الله أن يجعلني منهم، فقال سبقك بها عكاشة. (¬1) عن ابن عباس أيضا رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعالى عليه وآله وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة, ومن كل عين لامة. ويقول هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام. (¬2) ¬

(¬1). متفق عليه: رواه البخارى ومسلم ح (220) واللفظ له. (¬2) صحيح: أخرجه البخارى (3771) وأبوداود (4737) والترمذى (2060) وابن ماجه (3525) وأحمد (2430 - 20684) عبد الرزاق فى المصنف كلهم من حديث المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبيرعن ابن عباس ..

* حديث أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه.

* حديث أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه. عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذمن أعين الجان وأعين الإنس, فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك. (¬1) وعن أبى سعيد أيضا رضى الله عنه أن جبريل أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: اشتكيت يا محمد؟ قال: نعم. قال: باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك, ومن شر كل نفس وعين تشنيك والله يشفيك, باسم الله أرقيك. (¬2) وعن أبي نضرة عن أبي سعيد أو جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى فأتاه جبريل فقال: باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك, من كل حاسد وعين والله يشفيك. (¬3) * حديث عائشة رضي الله عنها. عن أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنهما قالت أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر أن يسترقى من العين. (¬4) وعن عائشة أيضا رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعيذوا بالله تعالى من العين فإن العين حق. (¬5) ¬

(¬1) حسن: أخرجه الترمذى والنسائى وابن ماجه والضياء فى المختارة من حديث سعيد بن إياس أبى مسعود الجريرى به وقال الترمذى: حسن. وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (4902) (¬2) صحيح: أخرجه مسلم وابن ماجه والترمذى والنسائى كلهم من طرق عن عبد الوارث حدثني أبي حدثني عبد العزيز بن صهيب , حدثني أبو نضرة عن أبي سعيد أن جبريل به. (¬3) صحيح: أخرجه أحمد ورواه أيضاً عن أبي سعيد به وكلاهما صحيح (¬4) صحيح: أخرجه البخارى (5738) ومسلم (2195) فى السلام باب: استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة. وأحمد والنسائى فى الكبرى وابن ماجه وابن حبان والبيهقى. (¬5) ضعيف: أخرجه الحاكم فى المستدرك (7497) واللفظ له وابن ماجه فى سننه (3508) كلاهما من طريق أبى واقد الليثى قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث عن عائشة .. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة على حديث ابن عباس: العين حق. اهـ قلت: وهذا من أوهامه رحمه الله فأبو واقد هذا ليس هو أبو واقد الليثى الصحابى الجليل الذى روى له الشيخان إنما هو صالح بن محمد بن زائدة المدنى، أبو واقد الليثى الصغير ضعفه أبوداود وأبو زرعة ويحيى بن معين وعلى بن المدينى وقال البخارى منكر الحديث وقال ابن حبان: كان ممن يقلب الأخبار والأسانيد ولا يعلم، ويسند المرسل ولا يفهم، فلما كثر ذلك فى حديثه وفحش استحق الترك. اهـ وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (938) وليس هو كذلك.

* حديث جابر رضى الله عنه.

وعَنْ عَائِشَةَ أيضا رضى الله عنه أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ الْعَايِنَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيَغْسِلَ الَّذِي أَصَابَتْهُ الْعَيْن. (¬1) وقال ابن أبى شيبة: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، وعَنْ إبْرَاهِيمَ النخعى قَالَ: كَانَ لآل الأَسْوَدِ رُقْيَةٌ يَرْقُونَ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْحُمَةِ، قَالَ: فَعَرَضَهَا الأَسْوَدُ عَلَى عَائِشَةَ، قَالَ: فَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَرْقُوا بِهَا، قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لاَ رُقْيَةَ إلاَ مِنْ عَيْنٍ، أَوْ حُمَةٍ. (¬2) * حديث جابر رضى الله عنه. عن جابر بن عبدالله الأنصارى رضى الله عنهما قال: رخص النبي صلى الله عليه وسلم لآل حزم في رقية الحية، وقال لأسماء بنت عميس: مالى أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة؟ قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم، قال: ارقيهم قالت: فعرضت عليه فقال: ارقيهم. (¬3) ¬

(¬1) إسناده صحيح على أى وجه: قال ابن أبى شيبة (23596) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ وهذا سند مسلسل بالحفاظ وسفيان هو الثورى أو ابن عيينة وكلاهما روى عن الأعمش ويغلب على الظن أنه الأول لأن ابن أبى شيبة يقول سفيان إذا أراد الثورى ويقول ابن عيينة إن كان ابن عيينة وعبد الله هو ابن المبارك أو ابن نمير والصواب الأول فكلاهما سمع من سفيان وكلاهما شيخ لابن أبى شيبة لكنه يقول عن الثانى ابن نمير وعن الأول يقول عبد الله. ورواه أبو داود (3880) من طريق جرير بن عبد الحميد عن الأعمش به .. بلفظ قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ويغسل منه المعين. وهذا فيه أنه مرفوع إلى زمن النبى صلى الله عليه وسلم بخلاف رواية ابن أبى شيبة التى تفيد أن ذلك من فعلها موقوفا. (¬2) إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبى شيبة ح (23529) عن غُنْدَرعَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عن إبراهيم .. وهم رجال الشيخين وإبراهيم هو ابن يزيد النخعى ثقة يرسل عن عائشة لكن يحتمل أنه سمعه من خاله الأسود بن يزيد وهو ثقة سمع من عائشة رضى الله عنها. ولهذا أوردت الحديث هنا لكن الراوى عنه مغيرة بن مقسم: ثقة يدلس عن إبراهيم. فهو آفة الحديث. (¬3) صحيح: أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (2198)

وعنه أيضا رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله عز وجل وقضائه وقدره بالأنفس. قال أبو داود الطيالسى والبزار: يعنى العين (¬1) وعن جابر أيضا رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن العين لتدخل الرجل القبر وتدخل الجمل القدر. (¬2) ¬

(¬1) حسن: أخرجه الطيالسى (1760) وابن أبى عاصم فى السنة (311) واللفظ له والبخارى ى التاريخ الكبير والبزار فى مسنده وابن عدى فى الكامل فى الضعفاء (4/ 119) ح (964) كلهم من طريق طالب بن حبيب بن عمر ويقال بن الضجيع عن عبد الرحمن بن جابر بن عبدالله عن أبيه يرفعه .. ورجاله ثقات قال الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 106): رجاله رجال الصحيح خلا طالب بن حبيب بن عمرو وهو ثقة. اهـ وقال الشيخ ابن عدى فى الكامل: طالب بن حبيب بن عمرو بن سهل بن قيس الأنصاري جده ضجيع حمزة فيه نظر سمعت بن حماد ذكره عن البخارى .. ونرجو أنه لا بأس به. اهـ والحديث حسنه من المعاصرين الشيخ الألبانى رحمه الله فى الصحيحة وفى صحيح الجامع. (¬2) حسن: أخرجه القضاعى فى مسند الشهاب (1057 - 1058) من طريقين عن شعيب بن أيوب الصريفينى ثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر .. وهذا سند جيد لاسيما فى الشواهد فشعيب بن أيوب الصريفيني وثقه الدارقطنى وابن حبان وقال: كان على قضاء واسط، يخطئ ويدلس، كلما حدث جاء فى حديثه من المناكير مدلسة. اهـ قلت قد صرح هنا بالتحديث. وشيخه معاوية بن هشام قال ابن شاهين فى " الثقات ": قال عثمان بن أبى شيبة: معاوية بن هشام رجل صدق وليس بحجة وقال الساجى: صدوق يهم. وقال أحمد بن حنبل: هو كثير الخطأ. وقال ابن سعد: كان صدوقا كثير الحديث. وقال أبو الفرج ابن الجوزى فى كتاب " الضعفاء ": معاوية بن هشام، وقيل هو معاوية بن أبى العباس، روى ما ليس من سماعه فتركوه. قال الحافظ ابن حجرفى تهذيب التهذيب (10/ 218): قرأت بخط الذهبى: هذا خطأ من أبى الفرج، ما تركه أحد. قلت فهو صدوق يهم وقد خرج له مسلم وأصحاب السنن. وعزاه ابن كثير للحافظ محمد بن المنذر الهروي المعروف بشكر في كتابه العجائب من هذا الطريق وقال ابن كثير: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات ولم يخرجوه. اهـ من التفسير وعزاه السيوطى لأبى نعيم فى الحلية وحسنه الألبانى رحمه الله فى صحيح الجامع (4144) ثم أخرجه القضاعى فى مسند الشهاب برقم (1059) من طريق علي بن أبي علي اللهبي عن محمد بن المنكدر عن جابر. وهذا سند ضعيف جدا. وعزاه ابن كثير للحافظ محمد بن المنذر الهروي المعروف بشكر في كتابه العجائب من هذا الطريق بلفظ: العين حق لتورد الرجل القبر والجمل القدر وإن أكثر هلاك أمتي في العين. قال ابن حبان فى المجروحين (2/ 107) ترجمة (679) على بن أبى على اللهبى من ولد أبى لهب يروي عن محمد بن المنكدر روى عنه محمد بن عياد المكي عداده في أهل المدينة يروي عن الثقات الموضوعات وعن الثقات المقلوبات لا يجوز الاحتجاج به روى عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العين لتدخل الجمل القدر والرجل القبر. وله شاهد من حديث أسماء بنت عميس رضى الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نصف ما يحفر لأمتي من القبور من العين. لكن لا يفرح به فقد قال الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 106): رواه الطبرانى وفيه علي بن عروة الدمشقي وهو كذاب. اهـ

* أحاديث ضعيفة فى مسألة الحسد

* أحاديث ضعيفة فى مسألة الحسد: الدعوة إلى السنة من أوجب الواجبات فلا يقبل الله تعالى من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه تعالى موافقا لما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومعرفة ذلك تكون باتباع السنة الصحيحة ونبذ مالم يثبت منها فمن المفيد هنا أن نحذر ممالم يثبت من السنة وكذا التحذير من البدع المتعلقة بالمسألة ليكون أكمل فى النفع وأعظم فى الفائدة فإن من تمام النصيحة لله ورسوله تبليغ كلامهما والتنبيه على ما ليس منه والله الموفق. * حديث: الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل. (¬1) * حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " أو قال " العشب " (¬2) * ... قال الحاكم أخبرنى خلف نا خلف نا خلف نا خلف نا خلف فأولهم الأمير خلف بن احمد السجزي والثاني أبو صالح خلف بن محمد البخاري يعني الخيام والثالث خلف بن سليمان النسفى صاحب المسند والرابع خلف بن محمد الواسطي كردوس والخامس خلف بن موسى بن خلف وقد سمعته من أبي صالح بإسناده لم يذكر المتن فقرأته على احمد بن هبة الله عن عبدالمعز بن محمد انا زاهر بن طاهر انا ¬

(¬1) ضعيف: أخرجه الديلمى فى مسند الفردوس من حديث معاوية بن حيدة وضعفه الألبانى فى ضعيف الجامع (2782). وفى السلسلة الضعيفة (3523) (¬2) ضعيف: أخرجه أبو داود (4903) من طريق إبراهيم بن أسيد عن جده عن أبى هريرة .. وإبراهيم صدوق وجده مجهول

إسحاق بن عبد الرحمن قال انا الأمير خلف بن احمد بن محمد بن خلف نا خلف بن محمد بن إسماعيل نا خلف بن سليمان نا خلف بن محمد كردوس نا خلف بن موسى العمي نا أبي عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم حسود وبعض الناس أفضل في الحسد من بعض ولا يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم بلسانه أو يعمل باليد (¬1) وهذا الحديث أسوقه هنا لسببين الأول: التنبيه على ضعفه. والثانية بيان لطيفة فى إسناده وهى أنه مسلسل بمن اسمه خلف. * الرقية المعيون بـ (حَبسٌ حَابسٌ، وحَجَرٌ يابسٌ، وشهابٌ قابسٌ) يذكر بعض المصنفين فى الرُّقى التي ترُدُّ العين ما ذكر عن أبى عبد الله الساجى (¬2)، أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فَارهة، وكان في الرفقة رجل عائن، فما نظر إلى شيء إلا أتلفه، فقيل لأبي عبد الله: احفَظ ناقَتك من العائن، فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل، فأُخبرَ العائنُ بقوله، فتحين غيبة أبي عبد الله، فجاء إلى رحله، فنظر إلى الناقة، فاضطربت وسقطت، فجاء أبو عبد الله، فأُخبرَ أن العائنَ قد عانها، وهي كما ترى، فقال: دلُّونى عليه، فدُل، فوقف عليه، وقال: بسم الله، حَبسٌ حَابسٌ، وحَجَرٌ يابسٌ، وشهابٌ قابسٌ، رددتُ عينَ العائن عليه، وعلى أحب الناس إليه، (فارجع البَصَرَ هَل تَرَى من فُطُورٍ. ثم ارجع البَصَرَ كَرتَين يَنقَلب إلَيكَ البَصَرُ خَاسئاً وهُوَ حَسيرٌ) فخرجت حدقتا العائن، وقامت الناقةُ لا بأسَ بها". ¬

(¬1) علوم الحديث ص (236) ط مكتبة طبرية ورواته ثقات غير خلف بن موسى بن خلف وثقه العجلى وقال ابن حبان فى الثقات: ربما أخطأ. وأبوه كذلك وقال الذهبى فى تذكرة الحفاظ (3/ 1042) هذا حديث غريب منكر. وعزاه السيوطى لأبى نعيم فى الحلية. وضعفه الشيخ الألبانى في ضعيف الجامع (4222) (¬2) ووقفت على جماعة فى كتب الرجال ممن اسمهم الساجى ولم أجد منهم من كنيته أبو عبدالله فما أدرى من هو فمن كان عنده علم فليفدنا وجزاه الله خيرا.

وهذه الحكاية يذكرها المعالجون من المعاصرين بدون سند وأعلى كتاب وقفت عليها فيه فيض القدير للمناوى قال: فائدة: أخرج ابن عساكر أن سعيدا الساجى من كراماته أنه قيل له احفظ ناقتك من فلان العائن فقال لا سبيل له عليها فعانها فسقطت تضطرب فأخبر الساجي فوقف عليه فقال بسم الله حبس حابس وشهاب قابس رددت عين العائن عليه وعلى أحب الناس إليه وعلى كبده وكلوتيه وشيق وفى ماله يليق فارجع البصر هل ترى من فطور الملك الآية فخرجت حدقتا العائن وسلمت الناقة عد حل من حديث شعيب بن أيوب عن معاوية بن هشام عن الثورى عن ابن المنكدر عن جابر وقال غريب من حديث الثوري تفرد به معاوية اهـ عن أبي ذر قال السخاوي تفرد به شعيب بن أيوب عن معاوية عن هشام. اهـ فهذه الحكاية فيها ما ليس فى السابقة وكذا القصص تزيد وتنقص وقد عزاها المناوى برمزه (عد حل) لابن عدى وأبى نعيم فى الحلية من الطريق المذكور وشعيب بن أيوب ذكره ابن حبان فى الثقات وقال: كان على قضاء واسط يخطئ ويدلس كلما حدث جاء فى حديثه من المناكير مدلسة. وشيخه معاوية روى له مسلم وذكره ابن حبان فى الثقات، وقال: ربما أخطأ. وقال الحافظ فى "تهذيب التهذيب (10/ 218): قال ابن شاهين فى الثقات: قال عثمان بن أبى شيبة: معاوية بن هشام رجل صدق وليس بحجة. وقال الساجى: صدوق يهم. وقال أحمد بن حنبل: هو كثير الخطأ. اهـ فتبين أن القصة لا تثبت ثم هى فيها من المفاسد ما فيها من شرك وخرافة ودجل واستخفاف بالعقول وهاك بعض ما وقفت عليه فيها: هذا الكلام المذكور ليس دعاءً ولا استعاذة بأسماء الله تعالى وصفاته، وليس هو من الرقى فى شئ وإنما هو من السجع المتكلف كسجع الكهان، وليس له معنى ظاهراً يحكم عليه من خلاله، فما معنى حبس حابس ومن هو هذا الحابس؟ وما المقصود بالحجر اليابس؟ وما علاقة الحجر اليابس والشهاب القابس بالرقية

* حديث حابس التميمى رضى الله عنه.

من العين؟ وما معنى وشيق وفى ماله يليق؟ قوله: رددت عين العائن عليه، وعلى أقرب الناس إليه. فما ذنب أقرب الناس إليه؟ وقد قال تعالى (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام (164) وقال تعالى (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) النجم (38 - 39) الاستشهاد بالآية في غير ما سيقت له ومن غير مناسبة، وليس البصر المذكور في الآية هو بصر العائن كما هو ظاهر وجه الاستدلال. وعلى اعتبار أن الحابس من الجن، وأن هذا دعاء له واستعانة من دون الله تعالى، فهذا شرك والعياذ بالله. ليس فى الدنيا كلها رقية تفعل بالحاسد هذا بل غاية الرقى النافعة أن يعافى الله تعالى المعين أو المحسود دون ضرر العائن! ! فإذا عرفت هذا تبين لك المقصود من وضع هذه الحكاية فكم من ذكر مبتدع يضع الوضاعون له من الفوائد والأجر والثواب ما ليس لكلام الله تعالى ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ولله الأمر من قبل ومن بعد. وهذا الاستدلال بالقصة مجملة لا يقع إلا عن تساهل وجهل بالأصول فلا تتهيب رد هذا إن كان الناقل لها ممن يظن أنه من أهل العلم فإن كلا يؤخذ من قوله ويرد إلا النبى صلى الله عليه وسلم ومن ابتغى الهدى فى السنة كفاه الله تعالى ما أهمه وجمع عليه شمله. * حديث حابس التميمى رضى الله عنه. عن حية بن حابس التميمى أن أباه أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا شيء في الهام والعين حق, وأصدق الطيرة الفأل. (¬1) ¬

(¬1) ضعيف: أخرجه أحمد والترمذى (2061) وحية بن حابس مقبول واختلف فى الحديث على يحيى بن أبى كثير على أوجه لا يمكن معها ترجيح كما تقدم.

* وقال ابن أبى شيبة: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: رَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى ابْنِهِ فَصَّةً مِنْ الْحُمَّى , فَقَطَعَهَا وَقَالَ: لاَ رُقْيَةَ إلاَ مِنْ عَيْنٍ، أَوْ حُمَةٍ. (¬1) * وروى الحافظ ابن عساكر من طريق خيثمة بن سليمان الحافظ, حدثنا عبيد بن محمد الكشورى, حدثنا عبد الله بن عبد الله بن عبد ربه البصري عن أبي رجاء عن شعبة, عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فوافقه مغتماً فقال: يا محمد ما هذا الغم الذي أراه فى وجهك: قال: الحسن والحسين أصابتهما عين. قال: صدق بالعين فإن العين حق أفلا عوذتهما بهؤلاء الكلمات؟ قال وما هن يا جبريل؟ قال: قل اللهم ذا السلطان العظيم والمن القديم, ذا الوجه الكريم ولي الكلمات التامات والدعوات المستجابات, عاف الحسن والحسين من أنفس الجن وأعين الإنس, فقالها النبي صلى الله عليه وسلم , فقاما يلعبان بين يديه فقال النبي صلى الله عليه وسلم عوذوا أنفسكم ونساءكم وأولادكم بهذا التعويذ فإنه لم يتعوذ المتعوذون بمثله. (¬2) * وعن الرباب جدة عثمان بن حكيم قالت سمعت سهل بن حنيف يقول مررنا بسيل فدخلت فاغتسلت منه فخرجت محموما فنمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ثم مروا أبا ثابت يتعوذ قلت يا سيدي والرقي صالحة قال لا رقيه إلا في نفس أو حمة أو لدغة قال عفان النظرة واللدغة والحمة. (¬3) ¬

(¬1) إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبى شيبة ح (23527) وعامر هو ابن شراحيل الشعبى ثقة من الثالثة. وزكريا هو ابن زائدة يدلس عن الشعبى قاله أبوزرعة والذهبى ولينه أبو حاتم ومحمد بن فضيل بن غزوان صدوق شيعى روى له الجماعة. (¬2) ضعيف جدا: أخرجه ابن عساكر في ترجمة طراد بن الحسين من تاريخه والحارث بن عبد الله الأعور شيعى ضعفوه. وأبو اسحاق ثقة اختلط بآخره لم يسمع من الحارث غير أربعة أحاديث والباقى من كتاب. وأبى رجاء وعبد الله وعبيد لم أجد لهم ترجمة. وقال الخطيب البغدادي: تفرد بروايته أبو رجاء محمد بن عبد الله الحنطي من أهل تستر. (¬3) ضعيف: أخرجه أحمد (11548) وأبوداود (3888) كلاهما من طريق عثمان بن حكيم قال حدثتني جدتي الرباب قالت سمعت سهل بن حنيف .. والرباب هذه لم يرو عنها غير حفيدها وهو ثقة فهى مقبولة.

* وفى المستدرك عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن عامر بن ربيعة رجل من بني عدي بن كعب رأى سهل بن حنيف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالخرار فقال والله ما رأيت كاليوم قط ولا جلد مخبأة فلبط سهل وسقط فقيل يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامر بن ربيعة فتغيظ عليه وقال لم يقتل أحدكم أخاه أو صاحبه ألا يدعو بالبركة اغتسل له فاغتسل له عامر فراح سهل وليس به بأس والغسل أن يؤتى بقدح فيه ماء فيدخل يديه في القدح جميعا ويهريق على وجهه من القدح ثم يغسل فيه يده اليمنى ويغتسل من فيه في القدح ويدخل يده فيغسل ظهره ثم يأخذ بيده اليسار فيفعل مثل ذلك ثم يغسل صدره في القدح ثم يغسل ركبته اليمنى في القدح وأطراف أصابعه ويفعل ذلك بالرجل اليسرى ويدخل داخل إزاره ثم يغطي القدح قبل أن يضعه على الأرض فيحثو منه ويتمضمض ويهريق على وجهه ثم يصب على رأسه ثم يلقي القدح من ورائه. وهذا ضعيف جدا. (¬1) ¬

(¬1) ضعيف جدا: أخرجه الحاكم فى المستدرك (5741) من طريق الجراح بن المنهال عن الزهري عن أبي أمامة .. وقال: قد اتفق الشيخان رضي الله عنهما على إخراج هذا الحديث مختصرا. وهذا من أوهامه رحمه الله فالشيخان ما خرجاه. والجراح هذا: قال عنه ابن أبى حاتم: سمعت أبى يقول هو متروك الحديث ذاهب الحديث لا يكتب حديثه. وقال ابن حبان فى المتروكين: الجراح بن المنهال الجزري كنيته أبو العطوف وكان رجل سوء يشرب الخمر ويكذب في الحديث سمعت الحنبلي يقول سمعت أحمد بن زهير عن يحيى بن معين قال أبو العطوف الجرزي ليس حديثه بشيء. اهـ وهذا الرجل كان قاضى حران فما أشبه الليلة بالبارحة! واعتذر الحاكم نفسه عن ضعف هذه الرواية فقال: فأما الجراح بن المنهال فإنه أبو العطوف الجزري وليس من شرط الصحيح وإنما أخرجت هذا الحديث لشرح الغسل كيف هو وهو غريب جدا مسندا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ

أقوال العلماء فى مسألة العين وتأثيرها

أقوال العلماء فى مسألة العين وتأثيرها قال الحافظ ابن كثير فى التفسير: العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عزوجل. وقال الحافظ حجر: حقيقة العين نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر. (¬1) وقال ابن الأثير: يقال أصابت فلانا إذا نظر إليه عدو أو حسثود فأثرت فيه فمرض بسببها يقل عانه يعينه عضينا فهو عائن إذا اصابه بالعين والمصاب معين ومنه الحديث كان يؤمر العائين فيتوضأ ثم يغتسل من المعين ومنه الحديث لا رقية إلا من عين أو حمضة تخصيصه العين والحمة لا يمنع جواز الرقية في غيرهما من المراض لأنه أمر بالرقية مطلقا ورقى بعض أصحابه من غيرهما وإنما معناه لارقية أولى وأنفع من رقية العين والحمة. (¬2) وقال شمس الحق العظيم أبادي: " والعين " أي أثرها " حق " وتحقيقه أن الشيء لا يعان إلا بعد كماله وكل كامل يعقبه النقص، ولما كان ظهور القضاء بعد العين أضيف ذلك إليها قاله القارى وفي فتح الودود: والعين حق لا بمعنى أن لها تأثيرا؛ بل بمعنى أنها سبب عادي كسائر الأسباب العادية يخلق الله تعالى عند نظر العائن إلى شيء وإعجابه ما شاء من ألم أو هلكة انتهى. (¬3) وقال عبد الرؤوف المناوى (¬4): (العين حق) يعني الضرر الحاصل عنها وجودي أكثري لا ينكره إلا معاند وقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد ¬

(¬1) فتح البارى (¬2) النهاية فى غريب الأثر (3/ 332) ط المكتبة العلمية - بيروت (¬3) عون المعبود (10/ 259) (¬4) المناوى هذا صوفى مخرف يقول بعقيدة المتصوفة فى الأقطاب ووحدة الوجود وغيرها وأنا أنقل من كلامه ما وافق الحق وأنبه على عقيدته وانحرافه ليحذره الناس فقد كان الرجل مكثرا جدا من التصانيف وإن كان فى بعضها نقل مطول عمن سبقوه فلينتبه إلى هذا طلاب العلم فإن هذا العلم دين فلينظر المرء عمن يأخذه كما قال ابن سيرين رحمه الله.

ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد وتدخل البستان فتضر بكثير من العروش بغير مس والصحيح ينظر إلى الأرمد فقد يرمد ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب هو وقد ذكروا أن جنساً من الأفاعي إذا وقع بصره على الإنسان هلك وحينئذ فالعين قد تكون من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون وقد أجرى الله عادته بوجود كثير من القوى والخواص والأجسام والأرواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل فيحدث في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه وذلك بواسطة ما خلق الله في الأرواح من التأثيرات ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين وليست هي المؤثرة إنما التأثير للروح والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية بغير اتصال ومنها ما يؤثر بالمقابلة ومنها ما يؤثر بتوجه الروح كالحادث من الأدعية والرقى والالتجاء إلى الله ومنها ما يقع بالتوهم والتخييل. فالخارج من عين العائن سهم معيون إن صادف البدن ولا وقاية لأثر فيه وإلا فلا. كالسهم الحسي وقد يرجع على العائن (¬1) ¬

(¬1) فيض القدير (2/ 376)

الأدلة على تأثير العين من جهة النظر.

الأدلة على تأثير العين من جهة النظر. ليس المقصود من هذه الترجمة إثبات حقيقة العين من جهة المعقول أو من جهة النظر فلست ولله الحمد ممن يقدمون العقل على النقل بل أحمد الله تعالى على السنة وطريقة السلف كما أحمده على الإسلام وهذا منقول عن السلف ألحقنا الله تعالى بهم ولكن أتكلم على بعض ما فى الأشياء من خصائص يعتبر بها على وقوع التأثير ثم الكلام على منهج السلف فى ذلك والرد على أهل البدعة من باب النصيحة والله ييسر لنا بمنه وكرمه: فمن أسرار الله فى خلقه ما أودعه فيهم مما يقف العقل أمامه حائرا فأنت ترى الرجل أمامك يداعبه النعاس فإذا بك تشعر بحاجتك إلى النوم وهذا أمر مشاهد وكذا فإنك ترى الرجل يتثاءب فإذا بك تتثاءب مثله وهذا كثير واقع والمسلم مندوب إلى أن يدفع التثاؤب ما استطاع. وترى الرجل يتمطى ويشد جسمه من الخمول فإذا بك يدب فيك الكسل ويذهب نشاطك أدراج الريح وترى الرجل يتقيأ فيغلبك القئ من غي استدعاء .. فبعد هذا كله لا يسعنا إلا الإيمان بإن فى النفوس خصائصا لا يعكر عليها جهل جاهل وفكر معاند ومن تلك الطبائع تأثير العين وأنها حق وأن لنظرة العائن تأثير بإذن الله وتقديره فى نفس المحسود. قال ابن القيم رحمه الله: أخبرنى بعض حذاق الأطباء قال: كان لى ابن أخت حذق فى الكحل فجلس كحالا ـ يعنى اشتغل بالصنعة يداوى الناس ـ فكان إذا فتح عين الرجل ورأى الرمد وكحله رَمَدَ هوَ وتكرر ذلك منه فترك الجلوس قلت فما سبب ذلك؟ قال: نقل الطبيعة فإنها نقالة قال وأعرف آخر كان إذا رأى خراجا فى موضع من جسم رجل يحكه فحك هو ذلك الموضع خرجت فيه خراجه قلت: وكل هذا لابد فيه من استعداد الطبيعة وتكون المادة ساكنة فيها غير متحركة فيتحرك لسبب من هذه الأسباب فهذه أسباب

لتحرك المادة لاأنها هى الموجبة لهذا العارض. اهـ (¬1) قال الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله: إن الإجابة عن كيفية إصابة العين والكشف عن حقيقة ذلك فعلا ومسببا ليس بالعمل الميسور، ولم يزل ذلك خفيا حتى اليوم .. وهذا من الناحية المنهجية، متعذر أو ممتنع، لأنه تأثير غير محسوس، وغير المحسوس لا يمكن إدراكه بالحس، وإنما الحس يدرك آثاره، ويحكم بوجوده أو عدمه، أما كنه عمله وتفاعلاته، فلا .. مثله كالروح في الجسم، وتيار الكهرباء، وتلك الأشعات الحديثة، تردك آثارها ويتصور وجودها من تلك الآثار .. وقديما قالوا: كتأثير المغناطيس في جلب الحديد، أما ما هو المغناطيس فليس معلوما بماهيته .. ومن هذا الباب تأثير عين العائن فيمن أصابه بعينه .. ومع ذلك فقد اجتهد العلماء رحمهم الله تعالى في العصور المتقدمة في الكشف عن حقيقته، ونقل عنهم رحمهم الله ما قالوه، وهو ما بين موجز ومطول، مع اختلاف وجهات النظر، شأنهم في ذلك شأنهم في المسائل الاجتهادية، ولا سيما الخفي منها عن الحسى (¬2) وقال الدكتور فهد بن ضويان السحيمي مدرس فى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في منظومته العلمية لنيل درجة الماجستير: لم يرد فى الشرع ما يبين كيفية الإصابة بالعين، ولسنا مطالبين بمعرفة ذلك، ولا متعبدين به، فكل ما أخبر به الشارع وجب علينا الإيمان به والتسليم ولو لم نعقل الحكمة أو الكيفية. وإن علمت فذلك مما يزيد في الإيمان وهو خير على خير. والذي يمكن معرفته من كيفية الإصابة بالعين هو أن العائن إذا رأى ما يعجبه ولم يبرك قد يخلق الله من الضرر للمعين ما يشاء إذا شاء أما ما ذكره بعض العلماء: من أن كيفية الإصابة بالعين هو: انفصال قوة سمية من عين العائن أو جواهر لطيفة غير مرئية تتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه فهذا أمر محتمل لا يقطع بإثباته ولا ¬

(¬1) زاد المعاد (3/ 155) ط المنار (¬2) العين والرقية والاستشفاء من القرآن والسنة ص (24)

يجزم بنفيه والله أعلم (¬1) وسئل الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمه الله: إذن فما هى العناصر التى يتم بها الحسد؟ .فأجاب: هناك عنصران: قوة طبيعية فى الحاسد، وشئ إرادى وهو أن يتمنى أن يضر نقول: لماذا فعل الله هذا؟ أقول: ولماذا يعطى ربنا بعض الناس قوى مادية يستطيعون بها أن يطغوا تلك هى الفتنة، وذلك هو الابتلاء، والله تعالى علمنا أن نستعيذ منه، إذن لابد أن يكون له ضرر وشر، سواء فهمناه أو لم نفهمه. (¬2) قلت: وبيان هذا أن الله تعالى أودع فى الأشياء خصائص لا تنفك عنها إلا بإذن الله تعالى وجعل لذلك أسباب ومسببات فمن جاء بالسبب أتته النتائج وهذا من سنن الله تعالى فى الكون فجعل فى النار خاصية الإحراق وجعل فى الماء خاصية السيولة والميوعة وجعل فى الأرض خاصية الجذب وجعل فى المغناطيس خاصية جذب الحديد وجعل فى بعض أعين خلقه من الجن والإنس خاصية الحسد وأمورا أخرى مودعة فى المخلوقات كنقل الطبيعة وغيرها وكل هذا مخلوق لله تعالى فالله هو خالق الأشياء وأسبابها ومسبباتها فهو خالق العباد وخالق أفعالهم. وللبخارى رحمه الله كتاب خلق أفعال العباد وإنما افتتحت هذه المسألة ردا على الأشاعرة والشئ بالشئ يذكر. وأفصل المسألة ببعض بسط فأقول: ما ذكرته هو الذى عليه سائر أهل العلم ولم يخالف غير الأشاعرة فهم ينكرون أن يكون شيء يؤثر في شيء ويقولون بأن ¬

(¬1) أحكام الرقى والتمائم ص (94) (¬2) فتاوى الأزهر رقم (316) والشيخ الشعراوى ليس عالما ولم يكن على منهج السلف لكنه شيخ من الدعاة وكان على مذهب المتصوفة وإن لم يدع إلى بدعهم فليس هو من غلاتهم والله أعلم بحاله.

الأسباب علاقات لا موجبات فالرجل إذا كسر الزجاجة ما انكسرت بكسره عندهم وإنما انكسرت عند كسره، والنار إذا أحرقت ما تحرق ما احترق بسببها وإنما احترق عندها لا بها فالإنسان إذا أكل حتى شبع لكنه ما شبع بالأكل وإنما شبع عند الأكل! . وقالوا إن فاعل الإحراق هو الله ولكن فعله يقع مقترنا بشيء ظاهرى مخلوق. فلا ارتباط عندهم بين سبب ومسبب أصلا وإنما المسألة اقتران فحسب ولهذا فالعين عندهم لا تحسد فالحسد عندهم يوجد عن اقتران رؤية العين للمحسود وإيجاده بقدرة قديمة وليس هو مخلوقا حتى لا يكون الله محلا للحوادث! ! فليس ثم حسد ولا عين ولكن اقترن حدوث الحسد باقتران وقوع البصر على المحسود. وليس الحسد من كسب العبد مع قوهم بأن له كسبا يجازى من أجله ويثاب عليه! ! والعجيب أنهم يكفرون من خالف قولهم هذا والأعجب أنه لم يقل به غيرهم! ! فهم يكفرون سائر الأمة ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومن متونهم فى العقيدة التى ما تزال تدرس إلى اليوم: والفعل فى التأثير ليس إلا ... للواحد القهار جل وعلا ومن يقل بالطبع أو بالعلةِ ... فذاك كفر عند أهل الملةِ ومن يقل بالقوة المودعةِ ... فذاك بدعى فلا تلتفتِ (¬1) ومعنى المتن أن من يقول بنقل الطبيعة أو بتأثير العين فى المحسود وأنها السبب فهو كافر عندهم ومن قال بأن فى العين قوة مودعة سببت الحسد فهذا مبتدع عندهم أيضا مع قولهم فى الإيمان بالتصديق فقط يعنى من صدق فهو مؤمن من أهل الجنة وإن لم ينطق بالشهادة ويصل بل وإن لم يعمل خيرا قط ثم من خالفهم فى هذه الجزئية إما مبتدع ضال وإما كافر! ! ¬

(¬1) راجع شرح الكبرى (184) شرح أم البراهين ومنظومة الدردرير (240)

وأصل مذهب القوم أنهم لا يثبتون صفة الخلق لله تعالى فيقولون الكون حادث وكل حادث فلا بد له من محدث قديم، وأخص صفات هذا القديم مخالفته للحوادث وعدم حلولها فيه ومن مخالفته للحوادث إثبات أنه ليس جوهراً ولا عرضاً ولا جسماً ولا في جهة ولا مكان .. الخ فهم يصفون الله بأنه قديم (¬1) مع كون هذا لم يرد لا فى الكتاب ولا فى السنة. ويعدلون عن وصفه بالخالق جل وعلا وكل ما استخدموه من كلام الفلاسفة من الجوهر والعرض والجسمية .. كل هذا مبتدع ما تكلم به السلف وقد فروا من قولهم مخلوق وخالق حتى لا يلزمهم الفلاسفة بأنهم استدلوا بالدعوى على نفسها! ! ومع هذا فالفلاسفة يقولون: الكون قديم ولا نسلم أنه حادث، فالأشاعرة كما قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله: لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا. اهـ فهم يقولون بأن الحرق يُخلق بقدرة ربانية قديمة. ولا يقولون هو من خصائص النار يعني خلق الله للحرق ليس على الحقيقة وإنما على المجاز. وإلا كان الله تعالى محلاً للحوادث، وهو تعالى منزه عن ذلك. ولذلك لم يجعلوا الخلق من الصفات المثبتة لله سبحانه. فالحسد عندهم يوجد عند اقتران رؤية العين للمحسود وإيجاده حصل بقدرة قديمة! ! أما مذهبنا فى هذا فهو مذهب أهل السنة وهو مذهب السلف فالْخَلْقُ صفةٌ من ¬

(¬1) قال ابن أبى العز الحنفى شارح الطحاوية: وقد أدخل المتكلمون فى أسماء الله تعالى القديم وليس هو من الأسماء الحسنى فإن القديم فى لغة العرب التى نزل بها القرءان هو المتقدم على غيره فيقال هذا قديم للعتيق وهذا حديث للجديد ولم يستعملوا هذا الإسم إلا فى المتقدم على غيره لا فيما لم يسبقه عدم .. لكن أسماء الله تعالى هى الأسماء الحسنى كلها فلا يكون من الأسماء الحسنى وجاء الشرع باسمه الأول وهو أحسن من القديم لأنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه وتابع له بخلاف القديم والله تعالى له الأسماء الحسنى. اهـ من شرح الطحاوية ص (55)

صفات الله الفعلية الثابتة بالكتاب والسنة، وهي من صفات الذات وصفات الفعل معاً. ومن أسماء الله تعالى الخالق والخلاَّق. قال الله تعالى {أَلا لَهُ الْخَلْقُ واَلأمْرُ} الأعراف (54) وقال تعالى {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ} الحجر (86) وقال تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} سورة ق (16) وقال تعالى {هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِيءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} الحشر (24) والأدلة من السنة شئ كثير فماذا نصنع وقد ابتلينا بمن ينكر المعلوم من الدين بالضرورة لذا نقول: إعرف الحق تعرف أهله. فهذه نبذة سريعة أردت من خلالها الدعوة إلى تعلم العقيدة والاهتمام بها فإنما العلم بالتعلم وكثير من الناس ما يهتم بدراسة العقيدة ويظن أنه على علم بها وهو ما سأل عنها مرة فى عمره ولا قرأ فيهاكتابا واحدا ومن ثم تجد الشرك والبدعة يعملان فى الأمة عملهما. ولا يظن أنى قد بعدت عن موضوع الكتاب بل ما خرجت عن مقصوده وإن كنت أطلت شيئا فبالقدر الواجب الذى ينبغى أن يكون وليست هذه المسألة بأقل شأنا من علاج المحسود بل هى أكبر منها وأعمق أثرا وإن كانت من دقائق العلم التى لا يجوز امتحان الناس بها خلافا للأشاعرة الذين يكفرون من لم يقل بقولهم فيها وليعلم الناظر فى كتابى هذا وجوب التحذير من البدع وأصحابها نصيحة لهم وللعامة وشفقة على المخدوعين بهم فنحن معذورون فى ذكر كل هذا ذلك بل لم نستوف حقنا بعد. وقد تكلم عليها ابن القيم فى غير كتاب من كتبه بل قد ألفت فيها مؤلفات مفردة مثل كتاب: الإقتران والتاثير لمختار طيباوى. وكتاب عقيدة العادة عند الأشاعرة. قال ابن القيم رحمه الله: ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد

على عشرة آلاف موضع ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة ويكفي شهادة الحس والعقل والفطرولهذا قال من قال من أهل العلم تكلم قوم في إنكار الأسباب فأضحكوا ذوي العقول على عقولهم وظنوا انهم بذلك ينصرون التوحيد فشابهوا المعطلة الذين أنكروا صفات الرب ونعوت كماله وعلوه على خلقه واستواءه على عرشه وتكلمه بكتبه وتكليمه لملائكته وعباده وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد فما أفادهم إلا تكذيب الله ورسله وتنزيهه عن كل كمال ووصفه بصفات المعدوم والمستحيل ونظير من نزه الله في أفعاله وأن يقوم به فعل البتة وظن انه ينصر بذلك حدوث العالم وكونه مخلوقا بعد أن لم يكن وقد أنكر اصل الفعل والخلق جملة ثم من أعظم الجناية على الشرائع والنبوات والتوحيد إيهام الناس أن التوحيد لا يتم إلا بإنكار الأسباب! ! فإذا رأى العقلاء أنه لا يمكن إثبات توحيد الرب سبحانه إلا بإبطال الأسباب ساءت ظنونهم بالتوحيد وبمن جاء به وأنت لا تجد كتابا من الكتب أعظم إثباتا للأسباب من القرآن ويا لله العجب إذا كان الله خالق السبب والمسبب وهو الذي جعل هذا سببا لهذا والأسباب والمسببات طوع مشيئته وقدرته منقادة لحكمه إن شاء أن يبطل سببيه الشيء أبطلها كما أبطل إحراق النار على خليله إبراهيم وإغراق الماء على كليمه وقومه وإن شاء أقام لتلك الأسباب موانع تمنع تأثيرها مع بقاء قواها وإن شاء خلى بينها وبين اقتضائه لآثارها فهو سبحانه يفعل هذا وهذا وهذا فأي قدح يوجب ذلك في التوحيد وأي شرك يترتب على ذلك بوجه من الوجوه. ولكن ضعفاء العقول إذا سمعوا أن النار لا تحرق والماء لا يغرق والخبز لا يشبع والسيف لا يقطع ولا تأثير لشيء من ذلك البتة ولا هو سبب لهذا الأثر وليس فيه قوة وإنما الخالق المختار يشاء حصول كل أثر من هذه الآثار عند ملاقاة كذا لكذا قالت هذا هو التوحيد وإفراد الرب بالخلق والتأثير ولم يدر هذا القائل أن هذا إساءة ظن بالتوحيد وتسليط لأعداء الرسل على ما جاؤوا به كما تراه عيانا في كتبهم ينفرون به الناس عن الإيمان. اهـ (¬1) ¬

(¬1) شفاء العليل ص (189)

وأردت هنا أيضا التنبيه على عقيدة الأشاعرة الضالة لأنهم يلبسون على الناس أنهم هم أهل السنة وتجد فى الكتب التى تدرس فى أزهر مصر اليوم أن منهج أهل السنة هو خليط من منهج الأشاعرة والماتريدية فهم يكذبون بهذا وقلما وجد رجل يدافع عن مبتدعة إلا وهو منطو على بلية وله خبيئة سوء نعوذ بالله من ذلك. وأنبه أيضا إلى أن الكذب يتعلق بالضبط لا بالعدالة فلينتبه إلى هذا لأنه ليس قدحا كما هو معلوم عند أهل العلم لاسيما إن كان الكاتب لم يحرر المذهب جيدا فلا بأس أن نقول كذب بمعنى أخطأ لكن إن كان يقصد الباطل والتلبيس ويدعو إليه فهذه علامة نفاق وهوى فى القلب نعوذ بالله من ذلك فإن كان قائله لا يعرف ما يقول فهذه مصيبة وما كان له أن يتكلم وإن كان يعرف ثم يكذب ويدلس فالمصيبة أعظم ونسأل الله العفو والعافية. والأشاعرة إنما هم فرقة ضالة وكذلك الماتريدية ولا أدع المجال هنا بدون التنبيه على بدعهم ومعتقداتهم وهل هم يوافقون فى ذلك أهل السنة أم لا؟ والشئ بالشئ يذكر كما أسلفت نسأل الله العلم النافع وأن يثبتنا على دينه وسنة نبيه فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. أراد الأشاعرة أن يوفقوا بين الجبرية والقدرية فجاءوا بنظرية الكسب قال الرازى الذي عجز هو عن فهمها: إن الإنسان مجبور فى صورة مختار. اهـ كلامهم فى السببية وأفعال المخلوقات كما فى مسألتنا فى الحسد. التوحيد عند أهل السنة والجماعة معروف بأقسامه الثلاثة توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وهو عندهم أول واجب على المكلف، أما الأشاعرة قدماؤهم ومعاصروهم فالتوحيد عندهم هو نفي التثنية أو التعدد ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة أي حسب تعبيرهم "نفي الكمية المتصلة والكمية المنفصلة" ومن هذا المعنى فسروا الإله بأنه الخالق أو القادر على الاختراع وأنكروا بعض الصفات كالوجه واليد والعين لأنها تدل على التركيب والأجزاء

عندهم. وانظر كتاب " الله " لسعيد حوى وكتب الباقلانى وقد رد عليهم فى هذا الحافظ بن حجرفى الفتح الأشاعرة ينفون أن يكون لشيء من أفعال الله تعالى علة مشتملة على حكمة فلم يثبت الأشاعرة الحكمة مع الصفات السبع واكتفوا بإثبات الإرادة فالله عندهم ليس بحكيم جل وعلا! ! ولهذا يرون جواز التكليف بما لا يطاق وقالوا بجواز أن يخلد الله في النار أخلص أوليائه ويخلد في الجنة افجر الكفار. لهم كلام مخالف لعقيدة السلف فى النبوات وعصمة الأنبياء ومعجزاتهم لا أطيل بذكره. الأشاعرة في الإيمان مرجئة جهمية قال صاحب الجوهرة: وفسر الإيمان بالتصديق ... والنطق فيها لخلف بالتحقيق. يعنى أن الإيمان بالتصديق فقط واختلفوا فى النطق بالشهادة ورجح الشيخ حسن أيوب فى تبسيط العقائد أن المصدق بقلبه ناج عند الله وإن لم ينطق بهما ومال إليه البوطى. فأبوطالب مسلم من أهل الجنة عندهم وربما إبليس وفرعون وسائر الكفرة الذين صدقوا دون قول وعمل! ! ! الأشاعرة لا يقولون بأن القرءان كلام الله غير مخلوق بل يقولون كلام الله معنى أزلي أبدي قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بالخبر ولا الإنشاء. ويستدلون بقول الأخطل النصرانى: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلاً. فسبحان الله العظيم كيف يردون الأحاديث الصحيحة بدعوى مخالفة العقل تارة وبدعوى أنها أخبار آحاد لا يؤخذ منها عقيدة ثم يحتجون بمثل هذا! ! والعجيب أن المعاصرين يصرحون بهذا من أن شارح الجوهرة أراد أن يستره فقال: يمتنع أن يقال إن القرآن مخلوق إلا فى مقام التعليم. وراجع شرح الباجورى

على الجوهرة ومتن الدردير تعلم يقينا لماذا تأخر النصر عنا! ! ؟ يتطرفون جدا فى الرد على المبتدعة حتى يخرجوا عن الصحيح حتى أنه يمكنك أن تقول إن عقائدهم هى من ردود الفعل ومن محاولات التوفيق بين المذاهب المبتدعة! ! ولا أطيل المقام بذكر أمثلة فما مضى يكفى. الأشاعرة لا يثبتون من صفات الله تعالى إلا صفات سبع فقط بزعم أن هذه الصفات السبع دل عليها العقل فأثبتوها لدلالة العقل عليها، وأما ما سواها فإن العقل لا يدل عليها فيجب أن نؤول، فهم ما يثبتون بدلالة الكتاب ولا السنة والصفات التى أثبتوها هى السمع والبصر والكلام والحياة والعلم والقدرة والإرادة وأنكروا سائر الصفات الواردة فى الأسماء الحسنى التسع وتسعين! ! وأنكروا صفات الوجه واليدين والعين والنزول والمجئ والإستواء والعلو والفوقية وغيرها. فهذا بعض ما عند القوم وها هنا حقيقة كبرى أثبتها علماء الأشعرية الكبار بأنفسهم كالجويني وابن أبي المعالي والرازي والغزالي وغيرهم وهى حقيقة إعلان حيرتهم وتوبتهم ورجوعهم إلى مذهب السلف، وكتب الأشعرية المتعصبة مثل طبقات الشافعية أوردت ذلك في تراجمهم أو بعضه فما دلالة ذلك؟ .إذا كانوا من أصلهم على عقيدة أهل السنة والجماعة فعن أي شيء رجعوا؟ ولماذا رجعوا؟ . وإلى أي عقيدة رجعوا؟ . (¬1) ¬

(¬1) راجع رسالة منهج الأشاعرة للشيخ سفر الحوالى حفظه الله.

هل الحسد من الذنوب أم أنه من الخصال الذميمة فحسب؟

هل الحسد من الذنوب أم أنه من الخصال الذميمة فحسب؟ كثير من يعتقدون أن الحسد ليس فيه إلا أنه من خوارم المروءة أو من العادات الذميمة التى تنافى كرم الطباع ونحو ذلك من الأوصاف التى ليس فيها كثير ذم للحسد والصواب أن الحاسد عاص لله تعالى وآثم بفعله بل وبتعاطيه لأسباب الحسد ومقدماته والوسائل لها حكم المقاصد فى الشريعة كما هو محرر فى الأصول فلا ينبغى للعبد أن يغضب فى غير حقوق الله تعالى ولا يبغض إلا أن يكون فى الله ولا يحقد ولا يحسد فإن فعل أثم والحسد من المعاصى التى لها متعلق فى التحريم بذات الفعل ومآل الفعل فالمفسدة ظاهرة فى الفعل من حيث هو السخط بقضاء الله وحكمته فى تقسيم الأرزاق والطمع فى غير ما فى اليد وامتلاء القلب غيظا وحقدا بذلك حتى يفيض على العين فتحسد وتتمنى هلاك صاحب النعمة وزوالها عنه وهذا محرم لذاته ثم هو محرم لغيره باعتبار مآله ونقص إيمان الحاسد بحسبه وزوال النعم عن أصحابها والخراب أو العطب الحادث من جراء ذلك وانتشار البغضاء بين الناس حتى لا يأمن الرجل جاره بوائقه فلا يؤمن والعياذ بالله. قال الله تعال {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} النساء الآية (54) قال القرطبى رحمه الله: قوله تعالى: "أم يحسدون" يعني اليهود. "الناس" يعني النبي صلى الله عليه وسلم خاصة؛ عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما. حسدوه على النبوة وأصحابه على الإيمان به. وقال قتادة: "الناس "العرب، حسدتهم اليهود على النبوة. الضحاك: حسدت اليهود قريشا؛ لأن النبوة فيهم. والحسد مذموم وصاحبه مغموم وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛

رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. (¬1) وقال الحسن: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد؛ نفس دائم، وحزن لازم، وعبرة لا تنفد. وقال عبدالله بن مسعود: لا تعادوا نعم الله. قيل له: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، يقول الله تعالى في بعض الكتب: الحسود عدو نعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي. ولمنصور الفقيه: ألا قل لمن ظل لي حاسدا ... أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في حكمه ... إذا أنت لم ترض لي ما وهب ويقال: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض؛ فأما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل. (¬2) ولأبى العتاهية في الناس: فيا رب إن الناس لا ينصفونني ... فكيف ولو أنصفتهم ظلموني وإن كان لي شيء تصدوا لأخذه ... وإن شئت أبغي شيئهم منعوني وإن نالهم بذلي فلا شكر عندهم ... وإن أنا لم أبذل لهم شتموني وإن طرقتني نكبة فكهوا بها ... وإن صحبتني نعمة حسدوني سأمنع قلبي أن يحن إليهمو ... وأحجب عنهم ناظري وجفوني وقيل: إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك. ولرجل من قريش: حسدوا النعمة لما ظهرت ... فرموها بأباطيل الكلم وإذا ما الله أسدى نعمة ... لم يضرها قول أعداء النعم ولقد أحسن من قال: ¬

(¬1) هذا الحديث: الحسد يأكل الحسنات. رواه أوداود ولا يصح. (¬2) تسمية ابنى آدم عليه السلام بقابيل وهابيل مأخوذ من أخبار بنى إسرائيل وهى لا تصدق ولا تكذب ولم يرد فى السنة ما يفيد باسميهما فنتوقف فى هذه التسمية فلا نسميهما إلا ابنى آدم ويكفينا ما فى شرعنا.

أصبر على حسد الحسود ... فإن صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها ... إن لم تجد ما تأكله وقال بعض أهل التفسير في قول الله تعالى: "ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين " [فصلت: 29]. إنه إنما أراد بالذي من الجن إبليس والذي من الإنس قابيل؛ وذلك أن إبليس كان أول من سن الكفر، وقابيل كان أول من سن القتل، وإنما كان أصل ذلك كله الحسد. وقال الشاعر: إن الغراب وكان يمشي مشية ... فيما مضى من سالف الأحوال حسد القطاة فرام يمشي مشيها ... فأصابه ضرب من التعقال. (¬1) وفى الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً. (¬2) وعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. (¬3) ¬

(¬1) تفسير القرطبى الجامع (2/ 1821 - 1822) ط الشعب. والقطاة هى الهَوذَةُ: نوع من اليمام سريع الطيران ويتخذ له أُفحُوصَة فى الأرض وبيضه مُرقّط. والتعقال: انقباض شديد مؤلم فى العضلات يسبب وقوف الحركة وقتيا. فكأن الغراب فاته مقصوده لما حسد القطاة فلا هو على مشيته ولا استطاع أن يمشى مشيها وهذا من عقاب الله للحاسد قدرا وشرعا. (¬2) متفق عليه: أخرجه البخارى (6064 - 6066) ومسلم (2563 - 2564) وأحمد (7670 - 7815 - 8505 - 8876 - 9675 - 9728 - 9862 - 10001 - 10138 - 10271 - 10323 - 10566) ومالك فى الموطأ (1684) (¬3) متفق عليه: أخرجه البخارى (6065 - 6076) ومسلم (2559) ومالك فى الموطأ (1683) وأحمد (11663 - 12280 - 12640 - 12767 - 12941 - 13523) وأبوداود (4910) والترمذى (1935)

وعن أوسط بن إسماعيل البجلى قال: خطبنا أبوبكر رضي الله عنه فقال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا عام الأول وبكى أبو بكر فقال أبو بكر سلوا الله المعافاة أو قال العافية فلم يؤت أحد قط بعد اليقين أفضل من العافية أو المعافاة عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا أخوانا كما أمركم الله تعالى. (¬1) وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء والبغضاء هى الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين والذي نفسى بيده أو والذى نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم أفشوا السلام بينكم. (¬2) قال ابن القيم رحمه الله: أصول الخطايا كلها ثلاثة: ¬

(¬1) حسن: أخرجه أحمد (5 - 18 - 35) وابن ماجه (3849) من طريق شعبة عن يزيد بن خمير عن سليم بن عامر عن أوسط .. ورجاله ثقات. (¬2) حسن لغيره: أخرجه أحمد فى المسند (1415) من طريق هشام بن حسان وأبى معاوية شيبان كلاهما عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد بن هشام عن الزبير بن العوام .. وهومنقطع بين يعيش والزبير رضى الله عنه فلم يسمع منه. ووصله الترمذى (2510) وأحمد (1433) من طريق حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير أن يعيش بن الوليد حدثه أن مولى لآل الزبير حدثه أن الزبير بن العوام .. وهو ضعيف أيضا فمولى آل الزبير مجهول. وله علة أخرى نبه عليها الترمذى رحمه الله فقال: هذا حديث قد اختلفوا في روايته عن يحيى بن أبي كثير فروى بعضهم عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد عن مولى الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا فيه عن الزبير. اهـ وله شاهد عند الترمذى (2508) من طريق عبد الله بن جعفر المخرمي هو من ولد المسور بن مخرمة عن عثمان بن محمد الأخنسي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا .. وعثمان صدوق يهم وقال ابن حبان: يعتبر حديثه من غير رواية المخرمى عنه. اهـ قلت وقد غمزه الترمذى أيضا فقال: هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه اهـ وهذه الطرق الثلاث تنجبر إن شاء الله لخلوها من متهم. وعزاه المنذرى فى الترغيب للبزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما وحسنه الالبانى فى صحيح سنن الترمذى (2038) وزعم بعض المنحرفين عن الشيخ أنه تناقض وضعفه فى ضعيف الجامع وزيادته (2957) فرجعت للجامع الصغيرفإذا بالشيخ قد حسنه وأحال على صحيح السنن! !

(1) - الكبر وهو الذى أصار ابليس الي ما أصاره. (2) - والحرص وهو الذى أخرج آدم من الجنة. (3) - والحسد وهو الذى جرأ أحدا بني آدم على أخيه فمن وقى شر هذه الثلاثة فقد وقى الشر فالكفر من الكبر والمعاصى من الحرص والبغى والظلم من الحسد. اهـ (¬1) وقال فى نفس الكتاب فى الفائدة السادسة والتسعون: أركان الكفر أربعة: الكبر والحسد والغضب والشهوة. فالكبر يمنعه الانقياد, والحسد يمنعه قبول النصيحة وبذلها, والغضب يمنعه العدل, والشهوة تمنعه التفرّغ للعبادة. فاذا انهدم ركن الكبر سهل عليه الانقياد, واذا انهدم ركن الحسد سهل عليه قبول النصح وبذله, واذا انهدم ركن الغضب سهل عليه العدل والتواضع, واذا انهدم ركن الشهوة سهل عليه الصبر والعفاف والعبادة. وزوال الجبال عن أماكنها أيسر من زوال هذه الأربعة عمن ابتلي بها, ولا سيما اذا صارت هيئات راسخة وملكات وصفات ثابتة, فانه لا يستقيم له معها عمل البتة ولا تزكو نفسه مع قيامها بها. وكلما اجتهد في العمل أفسدته عليه هذه الأربعة, وكل الآفات متولدة منها. واذا استحكمت في القلب أرته الباطل في صورة الحق, والحق في صورة الباطل, والمعروف في صورة المنكر, والمنكر في صورة المعروف, وقربت منه الدنيا, وبعدت عنه الآخرة, واذا تأملت كفر الأمم رأيته ناشئا منها, وعليها يقع العذاب, وتكون خفته وشدته بحسب خفتها وشدتها. فمن فتحها على نفسه فتح عليه أبواب الشرور كلها عاجلا وآجلا, ومن أغلقها على نفسه أغلق عنه أبواب الشرور, فانها تمنع الانقياد والاخلاص والتوبة والانابة وقبول الحق ونصيحة المسلمين والتواضع لله ولخلقه. ¬

(¬1) الفوائد ص (105)

ومنشأ هذه الأربعة من جهله بربه وجهله بنفسه, فانه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت الجلال, وعرف نفسه بالنقائص والآفات, لم يتكبر ولم يغضب لها ولم يحسد أحدا على ما أتاه الله, فانه الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله, فانه يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله, ويحب زوالها عنه ويكره الله ذلك. فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته, ولذلك كان ابليس عدوه حقيقة لأن ذنبه كان عن كبر وحسد. فقلع هاتين الصفتين بمعرفة الله وتوحيده, والرضا به وعنه, والانابة اليه, وقلع الغضب بمعرفة النفس وأنها لا تستحق أن يغضب لها وينتقم لها, فان ذلك ايثار لها بالغضب والرضا على خالقها وفاطرها, وأعظم ما تدفع به هذه الآفة أن يعوّدها أن تغضب له سبحانه وترضى له, فكلما دخلها شيء من الغضب والرضا له خرج منها مقابله من الغضب والرضا لها, وكذا بالعكس. وأما الشهوة فدواؤها صحة العلم والمعرفة بأن اعطاءها شهواتها أعظم أسباب حرمانها اياها ومنعها منها. وحميتها أعظم أسباب اتصالها اليها, فكلما فتحت عليك باب الشهوات كنت ساعيا في حرمانها اياها, وكلما أغلقت عنها ذلك الباب كنت ساعيا في ايصالها على أكمل الوجوه. فالغضب مثل السبع اذا أفلته صاحبه بدأ بأكله, والشهوة مثل النار اذا أضرمها صاحبها بدأت بحرقه, والكبر بمنزلة منازعة الملك ملكه فان لم يهلكك طردك عنه, والحسد بمنزلة معاداة من هو أقد منك, والذي يغلب شهوته وغضبه يفرق الشيطان من ظله. ومن تغلبه شهوته وغضبه يفرق من خياله. اهـ

أعراض الحسد

أعراض الحسد هذه الأعراض مستندها الواقع ولم يرد لها ذكر فى الأثر اللهم إلا ماورد فى حديث سهل بن حنيف أنه لبط مكانه أو صرع فى مكانه وسقط مغشيا عليه وكذلك حديث أسماء أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى أجسام بنى جعفر بن أبى طالب ضارعة يعنى نحيله وورد أيضا أنه رأى بوجه جارية سفعة وهى سواد وشحوب وفى بعض الأحاديث أنها تميت المحسود إن كان إنسانا أو حيوانا وذكر ابن عبدالبر وعنه القرطبى فى التفسير: عن الأصمعي قال: رأيت رجلا عيونا سمع بقرة تحلب فأعجبه صوت شخبها، فقال: أيتهن هذه؟ قالوا الفلانية، لبقرة أخرى، يورون عنها فهلكتا جميعا الموري بها والموري عنها. وهذا يدل على أن العين تضر بأى صورة وقع الضرر وهذا لا ضابط له لكن من كلام أهل العلم ومن الواقع المشاهد كما قلت ومن له خبرة وتجربة فى العلاج ومخالطة الناس يعرف ذلك وهى لا تقع مجموعة ولكن بعضها وينبغى أن يراعى فى ذلك أن تكون بغير سابق عادة لمن يخشى من الحسد أو تكون فجأة بصورة ملحوظة وبدون سبب طبيعى معروف كالهم والإجهاد والتعب من العمل ونحو ذلك. فالأعراض هى: اصفرار الوجه وشحوبه وصداع وشعور بالحمى وارتفاع حرارة الجسم وتصبب العرق، خاصة في منطقة الظهر. وألم شديد في الأطراف وقد يصاحب ذلك رعشة وارتجاف. وتثاؤب مستمر بشكل غير طبيعي وملفت للنظر وفى حالات الإصابة الشديدة يحدث البكاء أو تساقط الدموع دون سبب واضح. والصرع والإغماء وتمغض العضلات، وهو ما يسمى (التمطى) والشعور بالخمول بشكل عام وعدم القدرة على القيام بالعمل ووجود كدمات فى أنحاء الجسم مائلة إلى الزرقة أو الخضرة من غير أن يكون لها أسباب طبية. وقد يصاحب الإصابة بالعين انطواء وعزلة للمحسود وعدم توافق نفسى أو اجتماعى بحيث قد يترك بعض أعماله واهتماماته.

قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين حفظه الله: العلامات التي تظهر على المصاب بالعين: لا شك أن الإصابة بالعين معروفة الإمارات والعلامات الظاهرة، وقد تظهر إذا كان الشخص أو المال متصف بالصفات التي يتميز بها عن غيره، فحدث فيه ما غيرها فجأة من مرض أو نفرة أو كسر أو حادث مروري أو نحو ذلك، ثم إن المريض بالعين قد يصاب في بصره إذا كان حديد البصر، وفي سعيه إذا كان شديد السعي، وفي ماله الكثير الحسن بالتلف أو الكساد أو الهلاك، أو في سيارته الفارهة، وقصره المشيد، وزوجته الحسناء، وأولاده الكثيرين، ونحو ذلك، فيحدث ما لا يتوقع من الموت والهدم والدمار والتعطيل، ونحو ذلك، ومتى مرض وذهب إلى المستشفيات، فبعد الكشف والتحاليل وجد سليماً صحيحاً لم يعرف الأطباء علته، مع كونه يصرع عندهم، ويتألم ولا يعلمون ما فيه، ثم يعالج بالرقية والأسباب التي يعالج بها المعين فيبرأ بإذن الله، فيقال: إن به عين حاسد، زالت بهذه الأسباب التي يتعاطاها القراء وأهل الرقية الشرعية. (¬1) ¬

(¬1) المنهل المعين في إثبات حقيقة الحسد والعين ص (123 - 124).

مدى تأثير العين فى المحسود

مدى تأثير العين فى المحسود لا حد لتأثير العين فى المحسود فقد تضر به ضررا هينا وبعض الشر أهون من بعض وقد يزيد فيفسد بعضه أو جميعخ فقد تحسد الآلة أو المتاع فتفسد أبدًا فيستحيل إصلاحها وقد يفسد جزء أو أجزاء منها وكذا يحسد البيت والبناء فينهدم أو تسرع إليه آفة ثم تزول عنه فيعود كما كان وقد يحسد الرجل فيوعك وتصيبه الحمى أو يمرص عضو من جسده أو يفسد عليه بعض عقله وقد يستمر به المرض حتة يميته وقد يموت ابتداءًا أولاً. وقد سبق فى الحديث أن العين تردى الرجل من على الجبل وتستنوله من حالق أو شواهق الجبال وكما فى حديث جابر بن عبد الله الأنصارى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله عز وجل وقضائه وقدره بالأنفس. عند الطيالسى والبزار وغيرهما وإسناده جيد مقبول إن شاء الله تعالى.

حكم من قتل بعينه

حكم من قتل بعينه صح فى الحديث أن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر كما تقدم فهل تسرى أحكام القاتل على من قتل بعينه أم لا؟ فنقول وبالله التوفيق: لم يرد فى الشرع نص صريح فى تسوية من قتل بعينه بالقاتل بيده. وهذا أيضا غير معروف عند أهل اللغة فلا يقال للعائن أنه قاتل وإن قتل بعينه. وإذا تبين أن الحسد ذنب فذنب القاتل حقيقة هو الحسد وليس القتل. فإذا قسناه على القاتل الذى قتل بيده كان قياسا مع الفارق لا ينضبط شرعا ولا تجرى عليه الأحكام الشرعية. فالقصاص ههنا مسكوت عنه. ولا يصلح حمله على القتل الخطأ فتلزمه الدية بذلك ولكن للحاكم أن يعزره بما يرى من التغريم بالمال أو حبسه عن الناس لمنع ضرره يعنى يحبس فى بيته ويجرى عليه رزقه لاسيما إذا اشتهر بذلك. والله أعلم وعليه أن يتقى الله تعالى أن ينظر إلى من يخاف من عينه عليه. وأن يدعو له بالبركة وهو أدرى بحال نفسه من غيره قال تعالى {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} النساء (93) فليحذر من يعرف من نفسه الحسد أن يقتل بعينه أو أن يدخل فى وعيد الله تعالى -فى هذه الآية للقاتل على خلاف فى توبة القاتل العمد هما روايتان عن ابن عباس رضى الله عنهما وإن كان القول بعدمها مرجوحا والراجح أن من تاب يرجى أن يتوب الله عليه. وصح فى الحديث عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لايزال المسلم فى فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما " (¬1) وعنه أيضا رضي الله عنه موقوفا قال " إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه ¬

(¬1) صحيح: أخرجه البخارى (6862) وأحمد (5648).

فيها سفك الدم الحرام بغير حله " (¬1) قال الحافظ فى الفتح " قد اختلف فى جريان القصاص بذلك -يعنى على العائن - فقال القرطبي لو أتلف العائن شيئا ضمنه ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة وهو في ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرا انتهى ولم يتعرض الشافعية للقصاص في ذلك بل منعوه وقالوا أنه لا يقتل غالبا ولا يعد مهلكا وقال النووي في الروضة ولا دية فيه ولا كفارة لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال مما لا انضباط له كيف ولم يقع منه فعل أصلا وإنما غايته حسد وتمن لزوال نعمة وأيضا فالذى ينشأ عن الإصابة بالعين حصول مكروه لذلل الشخص ولا يتعين ذلك المكروه في زوال الحياة فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين اه ولا يعكر على ذلك إلا الحكم بقتل الساحر فإنه في معناه والفرق بينهما فيه عسر ونقل بن بطال عن بعض أهل العلم فإنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس وأن يلزم بيته فإن كان فقيرا رزقه ما يقوم به فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر رضي الله عنه بمنعه من مخالطة الناس كما تقدم واضحا في بابه وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة قال النووي وهذا القول صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه. اهـ (¬2) والحافظ كان قاضيا فيظهر أنه كان يقضى فى ذلك بمذهبه فهو شافعى المذهب وقد نقل عنهم أنهم لا يقتلون من قتل بحسده وهو أصح القولين لكن نقله للخلاف بشعر بجريمة الحاسد وأنه آثم بارتكابه للحسد حتى قتل صاحبه فلينتبه لهذا والله تعالى أعلم. ¬

(¬1) صحيح: أخرجه البخارى (6863) والحاكم وقال صحيح على شرطهما. (¬2) فتح البارى (16/ 20) ط الغد العربى ولا أدرى من هو القرطبى المذكور هل هو صاحب التفسير أم هو شيخه صاحب المفهم فى شرح صحيح مسلم

كيف يقع الحسد؟

كيف يقع الحسد؟ قال ابن القيم رحمه الله: لا ريب أن الله سبحانة خلق فى الاجسام والارواح قوى وطبائع مختلفة وجعل فى كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ولايمكن العاقل انكار تاثير الأرواح فى الأجسام فانه أمر مشاهد محسوس وأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرة شديدة إذا نظر اليه من يحتشمه ويستحيى منه ويصفر صفرة شديدة عن نظر من يخافه اليه وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه وهذا كله بواسطة تاثير الأرواح ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل اليها وليست هى الفاعلة وانما التاثير للروح والارواح مختلفة فى طبائعهاوقواها وكيفياتها وخواصها فروح الحاسد مؤذية للمحسود اذى بينا ولهذا أمر الله سبحانه رسوله ان يستعيذبه من شره وتاثير الحاسد فى أذى المحسود أمرلاينكره الامن هو خارج عن حقيقته الانسانية وهواصل الاصابة بالعين فان النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفيه خبيثه مؤذيه فمنها ماتشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر فى اسقاط الجنين ومنها مايؤثر فى طمس البصر كما قال النبى صلى الله عليه وسلم فى الأبتر وذى الطفيتين من الحيات " إنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل". (¬1) ومنها ماتؤثر فى النفس كيفيتهابمجرد الرؤية من غير اتصال به لشدة خبث تلك النفس وكيفيتها الخبيثة المؤثرة والتاثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة بل التاثير يكون تارة ... بالاتصال وتارة بالمقابلة وتارة بالرؤية وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه وتارة بالادعية والرقى والتعوذات وتارة بالوهم والتخيل ... ونفس العائن لايتوقف تاثيرها على الرؤية بل قد يكون اعمى فيوصف له الشى فتؤثر نفسه فيه وان لم يره وكثير من العائنين يؤثر فى المعين بالوصف من غير رؤية ... وهى سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن ... نحو المحسود والعين تصبيه تارة فان ¬

(¬1) - متفق عليه: أخرجه البخارى ومسلم (2233)

صادفتة مكشوفا لاوقايه عليه اثرت فيه ولابد .. وان صادفته شاكى السلاح لامنفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه وربما ردت السهام على صاحبها وهذا بمثابة الرمى الحسى سواء فهذا فى النفوس والأرواح وذلك من الأجسام والأشباح وأصله من إعجاب العائن بالشئ ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة ثم تستعين على تنفيذ سمها ينظره إلى المعين وقد يعن الرجل نفسه وقد يعين بغير إرادته بل بطبعه وهذا أردأ مايكون من النوع الإنسانى. اهـ (¬1) وقال عبد الرؤوف المناوى: العين حق يعني الضرر الحاصل عنها وجودي أكثري لا ينكره إلا معاند وقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد وتدخل البستان فتضر بكثير من العروش بغير مس والصحيح ينظر إلى الأرمد فقد يرمد ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب هو وقد ذكروا أن جنسا من الأفاعي إذا وقع بصره على الإنسان هلك وحينئذ فالعين قد تكون من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون وقد أجرى الله عادته بوجود كثير من القوى والخواص والأجسام والأرواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل فيحدث في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل وكذا الاصفرار ثم رؤية من يخافه وذلك بواسطة ما خلق الله في الأرواح من التأثيرات ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين وليست هي المؤثرة إنما التأثير للروح والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية بغير اتصال ومنها ما يؤثر بالمقابلة ومنها ما يؤثر بتوجه الروح كالحادث من الأدعية والرقى والإلجاء إلى الله ومنها ما يقع بالتوهم والتخييل فالخارج من عين العائن سهم معيون إن صادف البدن ولا وقاية لأثر فيه وإلا فلا كالسهم الحسي وقد يرجع على العائن حم ق د ن عن أبي هريرة هـ عن عامر بن ربيعة العين حق أي الإصابة بالعين من جملة ما تحقق كونه تستنزل الحالق أي الجبل العالي قال الحكماء والعائن ¬

(¬1) - زاد المعاد (3/ 173 - 174).

يبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعان فيهلك أو يهلك نفسه قال ولا يبعد أن تنبعث جواهر مرئية من العين فتتصل بالمعين وتخلل مسام بدنه فيخلق الله الهلاك عندها كما يخلقه ثم شرب السم وهو بالحقيقة فعل الله قال المازري وهذا ليس على القطع بل جائز أن يكون وأمر العين مجرب محسوس لا ينكره إلا معاند. (¬1) ¬

(¬1) فيض القدير (4/ 396)

من يقع منه الحسد.

من يقع منه الحسد. يقع الحسد من الإنس والجن على حد سواء. ولا نعلم عوالما غيرهما يقع منها الحسد. فأما حسد الإنس ففيه نصوص القرءان التى أسلفت ذكرها والأحاديث التى ستأتى بعد. ويقع الحسد من النفوس الشريرة كما قدمنا وتقع العين من الرجل الصالح وأغرب ما وقفت عليه هنا أن نبيا من الأنبياء عليه السلام أعجبه قومه فعانهم وهذ ليس صريحا فى النص ولكن وقفت على قول بعض أهل العلم يفسر الحديث بهذا ولم أضبطه لا ضبط صدر ولاضبط كتاب فليس معى كتابه فأنقل منه لكن شئ قرأته ذكرته بمعناه أما الحديث فأضبطه بلفظه عن صهيب رضى الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أيام حنين يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء لم نكن نراه يفعله فقلنا يا رسول الله إنا نراك تفعل شيئا لم تكن تفعله فما هذا الذي تحرك شفتيك قال إن نبيا فيمن كان قبلكم أعجبته كثرة أمته فقال لن يروم هؤلاء شيء فأوحى الله إليه أن خير أمتك بين إحدى ثلاث إما أن نسلط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم أو الجوع وإما أن نرسل عليهم الموت فشاورهم فقالوا أما العدو فلا طاقة لنا بهم وأما الجوع فلا صبر لنا عليه ولكن الموت فأرسل عليهم الموت فمات منهم في ثلاثة أيام سبعون ألفا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أقول الآن حيث رأى كثرتهم اللهم بك أحاول وبك أصاول وبك أقاتل. وفى رواية: اللهم بك أقاتل وبك أصاول ولا حول ولا قوة إلا بالله. (¬1) ¬

(¬1) حسن: أخرجه أحمد فى المسند (18458 - 18461 - 23409) والدارمى (2441) أخرج الدعاء فقط من طرق عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. والرواية لأحمد. وأخرجه الترمذى (3340) من طريق معمر عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب ورجاله رجال مسلم لكن قال يحيى بن معين: حديث معمر عن ثابت وعاصم بن أبى النجود وهشام بن عروة وهذا الضرب مضطرب كثيرالأوهام .. وذكر مع الحديث قصة أصحاب الأخدود مطولا وهى فى صحيح مسلم.

وأما عين الجن. فالجن يرى الإنس فى كثير من أحواله كما قال ربنا تعالى {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}.والهاء فى قوله تعالى {إنه} عائدة على إبليس لعنه الله وغضب عليه. ولهذا ندبنا إلى التسمية عند دخول الخلاء وأن يتعوذ المسلم من الخبث والخبائث. صحيح: أخرجه الجماعة. وليست التسمية عند الشيخين وهى صحيحة ثابتة من وجوه عند غيرهما. وكذا عند وضع الثياب يندب للمسلم أن يقول بسم الله. (¬1) لأن الجن ربما تراه إذا كشف عن جسمه وعند جماع أهله وغير ذلك. وفى وقوع الحسد من أعين الجن أحاديث منها: ما صح عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذمن أعين الجان وأعين الإنس, فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك. (¬2) وعن أم سلمة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى فى بيتها جارية فى وجهها سفعة -كالبقعة السوداء -فقال استرقوا لها فإن بها النظرة. (¬3) قال أبو الحسين الفراء: السفعة: نظرة من الجن. اهـ وقال ابن الأثير: السُّفْعَةُ: نوعٌ من السواد ليس بالكثير. وقيل هو سوادٌ مع لون آخر .. وفى حديث أم سلمة: أنه دخَل عليها وعندَها جارِيةٌ بها سَفْعة، فقال: إن بها نظرةً فاستَرْقُوا لها. أى عَلامة من الشَّيطان، وقيل ضَرْبة واحدة منه، وهي المرّةُ من السَّفْع: الأخْذ. يقال صَفع بناصِية الفَرس ليركبه، المعنى أن السَّفْعة أدركَتْها من قِبَل النّظرة فاطلبوا لها الرُّقْيَة. وقيل: السَّفعة: العينُ، والنَّظرة: الإصابةُ بالعين. اهـ (¬4) ¬

(¬1) - صحيح: رواه الترمذى وغيره. وأورده الألبانى فى الإرواء برقم (49) (¬2) - حسن: أخرجه ابن ماجة (3511) واللفظ له والترمذي (2058) وحسنه. والنسائى (5494) من طرق عن سعد بن إياس الجريرى عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى .. والجريرى ثقة اختلط بآخره. (¬3) متفق عليه: رواه البخارى ومسلم (2197) وغيرهما. (¬4) النهاية في غريب الحديث والأثر لمجد الدين ابن الأثير مادة: سفع. نشر موقع أم الكتاب

علاج العين بالرقى

علاج العين بالرقى فى البداية نذكر مقدمة سريعة عن العلاج بالقرءان والرقى أختصرها من كتابى العلاج بالقرءان والرقى بين السنة والبدعة على حسب ما يسع المقام وبالله التوفيق. وأتكلم فيه عن العلاج بالرقى وحكم الرقى وهل الرقى الشرعية ووسائلها توقيفية أم اجتهادية؟ وحكم أخذ الأجرة على العلاج. ثم صفة العلاج والغسل وما يتعلق به من أحكام ثم الكلام على الوقاية من العين فإن الوقاية خير من العلاج. تعريف الرقى تعريف الرقية فى اللغة هى: العُوْذة، وجمعها رُقى، يقال: رَقَى الراقي رَقْياً ورُقْيَةً ورُقِيًّا، إذا عوّذ ونفث في عُوْذته. كما فى لسان العرب لابن منظور. والرقية فى الإصطلاح هى: العُوذة التي يُرْقى بها صاحب الآفة كالحُمَّى والصَّرع وغير ذلك من الآفات. كما فى النهاية في غريب الحديث والأثر لمجد الدين ابن الأثير. حكم الرقى وحكم الرقى هو الإستحباب لورود الأمر بها فى غير ما حديث فى السنة مع قرينة صارفة لهذا الوجوب إلى الندب كحديث ابن عباس رضى الله عنهما فى الصحيح أن النبى خير المرأة التى كانت تصرع فى الدعاء لها أو أن يدع الدعاء. فلو كان العلاج واجبا لما خيرها بين الدعاء وتركه. ومن الصوارف ايضا أن النبى صلى الله عليه وسلم امتدح من لم يرق ولم يسترق فيما أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس رضى الله عنهما عند البخارى ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى صلى الله عليه وسلم وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم نهض فدخل منزله فخاض

مشروعية العلاج.

الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما الذي تخوضون فيه فأخبروه، فقال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون .. الحديث. وهؤلاء كما يقول أهل العلم قوم وثقوا بالله وتوكلوا عليه حق التوكل، فلشدة توكلهم لم يأبهوا لطب الأطباء ورقى الرقاة، وإن كان تعاطي هذه الأسباب غير قادح في التوكل؛ لثبوت جواز فعل ذلك بل واستحبابه فى الأحاديث الصحيحة وفعل الصحابة رضى الله عنهم والتابعين لهم بإحسان. وقد رقى النبى صلى الله عليه وسلم بنفسه رقى نفسه ورقى غيره ورقاة جبريل عليه السلام وحث النبى صلى الله عليه وسلم على الرقية وأمر بتعلمها والأخبار فى هذا مشهورة كثيرة. مشروعية العلاج. الإصابة بالعين ينتج عنها أمراض عضوية أو بدقة أكثر أمراضا تتفق مع الأمراض العضوية وأمور أخرى سبقت فى ذكر التأثير والأعراض وعلاجها بالقرءان والرقى مشهور معروف قال الله تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} الإسراء (82) وفى الحديث عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذمن أعين الجان وأعين الإنس , فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك. (¬1) وعن أبى سعيد أيضا رضى الله عنه أن جبريل أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: اشتكيت يا محمد؟ قال: نعم. قال: باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك , ومن شر كل نفس وعين تشنيك والله يشفيك , باسم الله أرقيك. خرجه مسلم وغيره. والأدلة كثيرة تقدمت فى أدلة العين لا نطيل بإعادتها وهنا نقطة أخرى هى أن ¬

(¬1) حسن: أخرجه الترمذى وحسنه والنسائى وابن ماجه.

هل الأصل فى الرقى التوقيف أو التجربة؟

العلاج بالرقى مشروع فى الأمراض العضوية التى لها علاج عند الأطباء فعلاج الأمراض الروحية كما يسمونها بالرقى مشروع من باب أولى وبخاصة مسألة الحسد. هل الأصل فى الرقى التوقيف أو التجربة؟ مسألة العلاج بالقرءان والرقى فرع من فروع الفقه يتجاذبه أصلان هما العلاج والإستعانة بالله تعالى ودعائه لرد عدوان الجن أو لدفع أذى الحاسد. وسائر الأدواء إما أن تكون أمرا تعبديا أو أمرا عاديا وفى الفرق بينهما ما لا يخفى على الصامت فكيف بالناطق بل لا يخفى على كل كه فه فكيف بالحاذق. فمن اعتبره من عادات الناس وقاس الكلام فيه كالكلام على سائر الأدوية القائمة على التجربة فرأى أن العلاج بالقرءان يصلح فيه ما جرب وحصل الشفاء به وإن لم يرد فى السنة بل وإن ورد فى السنة خلافه فالمجرب أولى عندهم بالعمل. ومن اعتبرها مسألة تعبدية محضة وجب أن يقف عند النص ولا يتجاوز الكتاب والسنة بل يصبر نفسه على السنة حتى يحصل الشفاء بإذن الله تعالى. لكنى لم أجد من اعتبر هذين الأصلين وإن كنت لم أجد من نبه عليهما لكن هذا يستشف من كلام أهل العلم فهم مثلا يحكمون على بعض الأمور فى العلاج مما يمارسها المعالجون الخنفشاريون إن صح التعبير أو المخضرمين من الذين طرقوا باب العلاج بأنها بدع فهذا يعنى أن الأصل عندهم كون مسألة العلاج مسألة تعبدية. ثم لا نلبث أن نراهم يرون صلاحية الرقى بإطلاقها أو على حد قولهم جائزة على العموم بشروط ككونها من اللغة العربية وأن تخلو من الشرك وأن لا يعتقد تأثيرها بذاتها .. وهذا دال على أنهم يتركون أمر العلاج لما جرب من الرقى وكأنها مسألة عادية أصلا وفروعا تنبنى عليه .. ثم بان لى بعد ذلك أن عامة أهل العلم ممن كتب فى المسألة قديما وحديثا سلفا رحمهم الله ومن تبعهم من الخلف يرون أن المسألة عادية تعبدية فى آن واحد والناظر فى كتب أهل العلم يعلم ذلك جيدا. ولكنى لكثرة ما وجدت من نصوص فى السنة

ومن أصول الشريعة ومقاصدها ثم كلام أهل العلم على بدع بعض المعالجين كدت أجزم بأن الأصل فى المسألة التوقف وأنها تعبدية من حاد عن النصوص فهو جائر محدث يصح أن يسمى فعله بدعة. لولا ما وجدت للحافظ ابن حجر وعنه السيوطى رحمهما الله وجماعة من أهل العلم فإن الحافظ نقل الإجماع على جواز الرقى بصفة عامة مما لم يرد فى السنة بشروط ثلاثة .. وأنا لست على يقين من هذا الإجماع فليس هو الإجماع الأصولى وكم من مسألة نقلوا فيها الإجماع مع كون الخلاف فيها مشهورا. والمعلوم لدى أهل العلم أن الإجماع لا يكون بعدخلاف مستقر وأن الخلاف لا يتصور بعد الإجماع الأصولى. وتوضيحا لهذا الإجمال أقول قد اختلف أهل العلم هل الرقى ووسائلها توقيف من الشارع أم أن الأصل الاجتهاد والتجربة فيها وفى كيفياتها مع اتفاقهم على تحريم ما فيه محظور أو محرم. والمشهور من ذلك القول بالإجتهاد والتجربة. واحتج القائلون به بأحاديث صحيحة منها: ما رواه مسلم عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأساً، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل. وهذا الحديث فيه أن الرقى كانت من رقى الجاهلية لكن ليس فيها ما يحرم لإقرار النبى صلى الله عليه وسلم وقوله: من استطاع يفيد العموم. وروى مسلم أيضاً عن عوف بن مالك الأشجعى قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علىّ رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك. وهذا كسابقه فى وجه الإستدلال. ومنها حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه قال انطلق نفر من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم

فى سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحى فسعوا له بكل شئ لا ينفعه شئ، فقال بعضهم لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شئ فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شئ لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شئ، فقال بعضهم نعم والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ {الحمد لله رب العالمين} فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم اقسموا، فقال الذى رقى لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال وما يدريك أنها رقية، ثم قال قد أصبتم اقسموا واضربوا لى معكم سهما فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه واللفظ للبخارى وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثُمَّةَ، أَنَّ الشِّفَاءَ ابْنَةَ عَبْدِ اللهِ وهى جدته قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا قَاعِدَةٌ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تُعَلِّمِي هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ كَمَا عَلَّمْتِيهَا الْكِتَابَةَ. (¬1) ¬

(¬1) صحيح لغيره: أخرجه أبوداود (3887) وأحمد (26555) والنسائى فى الكبرى وابن أبى شيبة من طرق عن عَبْد الْعَزِيزِ بْن عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ ... وهذا سند جيد فى الشواهد فعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ صدوق يخطئ من رجال الشيخين ذكره ابن حبان فى " الثقات " وقال: يخطئ، يعتبر حديثه إذا كان دونه ثقات وحكى الخطابى عن أحمد بن حنبل، قال: ليس هو من أهل الحفظ والإتقان. اهـ لكن أخرج ابن أبى شيبة عن ابْن عُلَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِى حَثُمَّةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِحُرَّةِ: الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللهِ: عَلِّمِى حَفْصَةَ رُقْيَتَكِ، قَالَ أَبُو بِشْر يَعْنِي إسْمَاعِيلَ ابْنَ عُلَيَّةَ: فَقُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: مَا رُقْيَتُهَا؟ قَالَ: رُقْيَةُ النَّمْلَةِ. وهذا سند صحيح ظاهره الإرسال فأبو بكر لم يشهد القصة لكنه محمول على سماعها من جدته. ثم أخرج ابن أبى شيبة أيضا عن يَحْيَى بْن آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِى الرُّقْيَةِ مِنْ النَّمْلَةِ .. كذا وقع فى الأصل ولعل الصواب سفيان عن عاصم عن يوسف وعاصم هو الأحول وهذا سند صحيح على شرط مسلم ولا أدرى من هو سفيان إما الثورى وإما ابن عيينة وكلاهما حافظ.

قال ابن القيم فى زاد المعاد: النملة قروح تخرج فى الجنبين وهو داء معروف وسمى نملة لأن صاحبه يحس في مكانه كأن نملة تدب عليه وتعضه. اهـ وأخرج مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصارى رضى الله عنه قال: أرخص النبى صلى الله عليه وسلم فى رقية الحية لبنى عمرو. وأما أدلة القول بالتوقف فى العلاج على ماورد فى الكتاب والسنة وعدم تعدى النصوص فمنها: * أن باب الرقى قد بينت كيفيته فى السنة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: فمن رغب عن سنتى فليس منى. متفق عليه. فما الداعى إلى تعديه والرغبة عنه وتجريب غيره يعنى عندنا فى علاج العين ورد نحوا من عشرة طرق وأكثر فى العلاج لماذا العدول عنها والجرى وراء المجربات هلا جُرّبَت هى أولا؟ ثم إن من يجرب غيرها لا شك أنه جاهل بها فهل من يجهل السنة يكون قاضيا عليها؟ هذا وجه. * ووجه ثان: وهو أن العلاج بالرقى مما ورد الأمر به فى الكتاب بالعلاج بالقرءان ويجوز التعميم فقد سمى الصحابة رضى الله عنهم الفاتحة رقية والرقى مستحبة وهى أشبه بالأذكار الراتبة كأذكار النوم والإستيقاظ والخروج من البيت ودخول البيت ودخول المسجد والخروج منه وأذكار الصباح والمساء ونحو ذلك وما كان هذا سبيله فالأصل فيه التوقف وهذا لا يجوز الزيادة فيه على ما ثبت ولا يحيل الرقى من هنا كونها ذات شق عادى فهذا الوضوء من العبادات التى لها شق عادى كالنظافة لكنه ما يجوز الزيادة فيه فمن مسح رقبته فى الوضوء أو جعل الغسل أكثر من ثلاث مرات قلنا له هذه بدعة وقف على ماورد ولا تتعداه. * والوجه الثالث أن فتح الباب فيما لم يرد لا ينضبط وهو مظنة دخول ما يحرم وما

يكون شركاً. ولا يخفى أنه لا يمكن لصاحب سنة أن يقول ببدعية شئ يصنعه المعالجون لأنهم يقولون هذا مجرب نافع والأصل التجربة فإما أن تسدوا الباب وتقولوا بالتوقف أو لا يكون هناك بدعة أبدا وإن كان ثمة شئ محرم فهم محرم لا بدعة. فلو لم يكن المنع إلا من باب سد الذرائع لكان كافيا معتبرا مندرجا تحت أصل من أصول الشريعة. * والوجه الرابع أنه صح النهى عن الرقى وأن منها ما يكون شركا والعياذ بالله كما فى حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: إن الرقي والتمائم والتولة شرك. (¬1) ثم أباح النبى صلى الله عليه وسلم الرقى فإما أن يكون هذا من نسخ النهى بالإباحة أو يكون من باب تخصيص ما خلا من الشرك وقد يقال: إذا اشتبه الحظر بالإباحة غلّب جانب الحظر صيانةً للدين. فيمنع من الرقى التى لا يعلم عن الشرع إقرارها فيكون معنى حديث " لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك" أنه لا يدل على مطلق الإباحة والمقصود مما شرع في السنةأو مما أقره النبى صلى الله عليه وسلم كما فى حديث علميها رقية النملة. ففيه دلالة ضمنية على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعرف ما فى هذه الرقية وسائر أحاديث الإباحة العامة هى من العام الذي أريد به الخصوص، ولم يرد العموم بل لم يستوعب جميع الرقى، بدلالة أنه استثنى منها ما فيه شرك، ولم يستثن ما فيه محرم. وأما الجواب عن أدلة من قال بالإجتهاد والتجربة فما ذكر من النصوص أخص من هذه الدعوى العريضة: فقوله من استطاع أن ينفع أخاه. ورد عقب إقراره لرقية العقرب فمن استطاع أن ينفع أخاه بها فليفعل .. وكذا فى رقية الحية ورقية النملة بل إن معنى قوله رخص لبنى فلان فى رقية الحية أنه لا قيمة للرقية بغير إقراره لهم عليها كما هو ظاهر وليس فيه التعميم المتبادر. * والوجه الخامس أن فى ذلك أموراً لا يُدرى ما هى؟ فلا هى من جنس ما ورد به النص ولا هى من الأدوية الطبيعية فالمنع مما لا يعرف فى باب الرقى محل إجماع. ¬

(¬1) حسن: أخرجه أحمد (3604) وأبوداود (3883) وابن ماجه (3530).

وأبين هذا ببعض الأمثلة. الكتابة على ورق الزعفران وبله بالماء ثم يعطى للمريض فيشربه مع أن دليل الكتابة لا يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم وما الحكمة فى جعل الكتابة على الزعفران؟ العلاج عن طريق النظر فبعضهم يقرأ على المريض أو المصروع أو المسحور أو المحسود وينظر فى عينيه ويطيل النظر حتى يشفى المريض أو يفيق المصروع ويهرب الجنى. ويستخدم هذه الطريقة حتى مع النساء! ! ولا تستبعد أن يقول جربتها فنفعت! ! كتابة القرءان والرقى على الجسد! وهذه الكتابة تارة تكون على الظهر وتارة على الرجل وتارة على الوجه! ويستخدمونها مع النساء! فيكتبون على ظهر المرأة وعلى بطنها وعلى صدرها وتحت سرتها! ! وهذا لعدم المروؤة والحياء عند المعالج وعند قريب المرأة أو زوجها بل هو من رقة الدين سوء الطبع خبث الأنفس والعياذ بالله. وهب أننا قلنا هذا حرام قولا واحدا أفيجوز الكتابة على ظهر رجل أو صبى؟ تحديد عدد معين لتلاوة آيات بعينها فمثلا هذه الآية تقرأ سبع مرات. وهذه أربع عشرة مرة. وهذه ألف مرة. ووبعضهم يقول اقرؤا له الرقية ثلاث مرات يوميا لمدة شهر! ونسى أن يقول قبل الأكل أو بعد الأكل! ! بعضهم يكتب آيات من القرءان على ورق أو قماش ثم يحرقونه بالنار ليشمها المريض! وهذا إلى جنب أدوية الشراب يلتئم وإن لم يلتئم شرعا لكن بقى أن يصنعوا منه حقنا فى العضل وفى الوريد وسعوطا فى الأنف وقطرة فى العين من أجل العين بلا شك. ما يسمونه بالقراءة التخييلية وصفتها أن يمسك الراقى بأحد عروق مفصل يد المصاب ثم يقرأ ويقول له: في أثناء قراءتى اذكر أسماء من يرد بخاطرك فيذكر له بعض الأسماء ممن يعرفهم فيقول الراقى: هؤلاء أصابوك بعينٍ أو غير ذلك.

ويقولون جرب هذا فنفع والحق أن مسألة التجريب لا نسلم لهم بها فشتان بين حدوث الشفاء عند الرقية وبين حصولها بسبب الرقية أفلم يكن الله تعالى يرزق المشركين ويمطرهم ويزعمون أن هذا حصل بدعائهم لأصنامهم؟ مع الفارق بين المشركين والمعالجين. وهذه واحدة قل من يلتفت لها ونقطة أخرى هى فشو الكذب فى جهلة المعالجين لا سيما المحترفون الذين يتكسبون من الرقى مع جواز أخذ المال على الرقى ولكن أقصد المحترفين وإن لم يكن كذبا صريحا فهو تدليس وتضخيم للحقائق وتكبير لها ولو كانت بالصورة التى يخرجون بها على الناس من التجريب والإنتفاع للمسنا لها صدى وتأثيرًا لكن الواقع المر يكذب هذا قَالَ السفارينى: قال الْإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: قَالَ الْمَأْمُونُ , وَهُوَ صَاحِبُ الرُّمْحِ الْمَيْمُونِ: لَوْ صَحَّ الْكِيمْيَاءُ مَا احْتَجْنَا إلَى الْخَرَاجِ , وَلَوْ صَحَّ الطَّلْسَمُ مَا احْتَجْنَا إلَى الْأَجْنَادِ وَالْحَرَسِ , وَلَوْ صَحَّتْ النُّجُومُ مَا احْتَجْنَا إلَى الْبَرِيدِ. اهـ (¬1) ومع كثرة المعالجين نجد كثرة المصابين بالصرع والسحر وبالعين وفشا الكذب فى الفريقين ولله الأمر من قبل ومن بعد وغالبا ما تكون بطانة المعالجين من غير أهل السنة وأنا أشك فى عدالتهم وضبطهم فكثير من الذين يدعون الحسد عندهم وسوسة وكثير من المصروعين يكذبون على الجن! ولولا الإطالة لذكرت أمثلة وقصصا واقعية كما يذكر ذلك المعالجون المصنفون. رقية اليهودى والنصرانى للمسلم فترى كثيرا من العوام يذهبون إلى الأحبار والرهبان يطلبون رقياهم وهم فى غيبة تامة عن معرفة العقيدة الصحيحة وسائر مسائلها على الإطلاق ولا ينفعهم هنا ذكر الخلاف فى مثل هذا بل يفتى العامى على المذهب الراجح ويجنب معرفة الخلاف لأنه لا يفهم والسنة مخاطبة الناس بما يفهمون. ¬

(¬1) غِذَاءَ الْأَلْبَابِ، لِشَرْحِ مَنْظُومَةِ الْآدَابِ للشيخ محمد بن احمد السفارينى الحنبلى باب يحرم الرقى والتعوذ بطلسم ..

قال الربيع بن سليمان سألت الشافعى عن الرقية فقال لا بأس أن يرقى الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله قلت أيرقى أهل الكتاب المسلمين فقال نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله فقلت وما الحجة في ذلك قال غير حجة فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكا أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبدالرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهى تشتكى ويهودية ترقيها فقال أبو بكر أرقيها بكتاب الله فقلت للشافعى فإنا نكره رقية أهل الكتاب فقال ولم وأنتم تروون هذا عن أبى بكر ولا أعلمكم تروون عن غيره من أصحاب النبى خلافه وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب ونساءهم وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا أو أخف. اهـ (¬1) وهذا موقوف ولعله شاذ ولم يروى بغير هذا الإسناد ولم يعمل به مالك نفسه (¬2) وهو راوى الخبر وهو أدرى بفقه ما روى. وهذا الإبتداع لا ينتهى أبدا ولا ضابط له ولا حد يمكن معه استغراب الغريب أو استقباح القبيح اللهم إلا حدود الشرع والشرع فقط ولا نجهل أنهم يقولون كل مرة: جربناه فنفع. ولا يظنن أحد أنى حين أحكى مثل هذا وأذكر ما يتندر به عقبه أنى أضحك رضا. إنما أضحك عجبا فشر البلية ما يضحك وكم فى بلدنا من المضحكات المبكيات. ويعلم الله كم يتألم القلب لأجل هذا وغيره وكم أجد فى نفسى من المرارة لانتشار البدع وأنا أتذكر حال السلف الذين كانوا إذا رأوا البدعة لا يستطيعون تغييرها يبولون دما مع أننا نرى المنكرات عيانا وقل من يحمر وجهه غضبا فضلا عن أن يبول الدم فإلى الله المشتكى. ¬

(¬1) كتاب الأم لمحمد بن إدريس الشافعى فى كتاب العتق باب ما جاء فى الرقية. وراجع كتاب البيهقى معرفة السنن والآثار (14/ 123) وإسناد الخبر الذى رواه الشافعى صحيح على شرط الشيخين لكنه موقوف ثم لا أظنه محفوظا. (¬2) المنتقى (7/ 261)

وقال ابن حبان فى خبر عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها، فقال: عالجيها بكتاب الله. (¬1) قال رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: عالجيها بكتاب الله أراد: عالجيها بما يبيحه كتاب الله؛ لأن القوم كانوا يرقون في الجاهلية بأشياء فيها شرك، فزجرهم بهذه اللفظة عن الرقى إلا بما يبيحه كتاب الله دون ما يكون شركاً. اهـ (¬2). وهو يقول هذا على فرض صحة الحديث وإلا فهو موقوف. وقال البيهقى رحمه الله: باب الرخصة في الرقية ما لم يكن فيها شرك وأورد أحاديث منها حديث عوف بن مالك السالف ثم قال: وحديث عوف عام فى الرقى ما لم يكن فيه شرك، وكذلك روي عن أبي سفيان عن جابر في معناه، وقال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل وفى ذلك دلالة على أن كل نهى ورد في الرقى أو عما في معناه، فإنما هو فيما لا يعرف من رقى أهل الشرك، فقد يكون شركاً. اهـ (¬3) وقال أبو جعفر الطحاوى رحمه الله: في حديث جابر ما يدل على أن كل رقية يكون فيها منفعة فهي مباحة، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل، وقال: قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى إباحة الرقى كلها، ما لم يكن فيها شرك، ثم أورد حديث عوف بن مالك وقال: دل ذلك على أن كل رقية لا شرك فيها فليست بمكروهة. اهـ (¬4) ¬

(¬1) ضعيف مرفوعا صحيح موقوفا: أخرجه ابن حبان فى صحيحه من طريق أبى أحمد الزبيرى حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة عن عائشة ترفعه .. وأبو أحمد كثيرالخطأ في حديث سفيان كما قال الإمام أحمد وغيره. وقد ظهر خطؤه هنا، فروى الحديث جماعة عن يحيى بن سعيد فأوقفوه ولم يرفعوه منهم الإمام مالك في موطئه (1756) عن يحيى به. ولفظه: أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر أرقيها بكتاب الله. وقال الشيخ الألبانى رحمه الله فى السلسلة الصحيحة (1931) فى حديث ابن حبان: إسناده صحيح. قلت: بل المحفوظ أنه موقوف. (¬2) الإحسان (13/ 464) (¬3) الآداب ص (449). (¬4) شرح معاني الآثار (4/ 326).

ونقل ابن حجر الإجماع على جواز الرقى من الكتاب والسنة وبما يعرف معناه من اللغة العربية ونقل فى هذا شروطا هى أيضا تحتاج إلى شروط وقد أضاف إليها شروطا غير ما نقله الحافظ أحمد بن حجر قبله شيخ الإسلام أحمد بن تيمية فى مجموع الفتاوى زاد شرطا وكذا تلميذه ابن قيم الجوزية فى زاد المعاد وفى إعلام الموقعين زاد شرطين فصارت ستة وهذا يجعلنى أشك فى صحة الإجماع المنقول لكن إن صح هذا الإجماع فأنا أول من يقول به وأضرب بقولى عرض الحائط. وتابع الحافظ على هذا السيوطى وغيره. وإن كانت الشرط التى ذكروها كافية لكن قل من يتنبه لها من المعالجين ولا يخفى أننا بين نوعين من المعالجين قد لا يكون لها ثالث: النوع الأول: المعالجون من أهل السنة وهم حتى القائلين منهم بجواز الرقى بغير ما ورد فى السنة لكنهم يقتصرون فى علاجهم على السنة وهذا معروف عنهم فلا نطيل بأمثلته. وأما النوع الثانى فهم الدجالون ومقلدوهم وغالبهم سحرة وفى العزائم التى يرددونها شرك وكفر بواح أو على الأقل ما لا يعرف معناه وهؤلاء كثرة ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا شك أنهم هم فقط المستفيدون من القول بأن الأصل فى الرقى التجربة ليلبسوا على الناس ولكى لا يتهموا بخروجهم عن الملة. أما أهل السنة فالسنة تكفيهم كما قلت وديننا قائم على التوحيد وفى سبيل الله تهون علينا نفوسنا فوالله ما نبغى من هذا إلا نصرة التوحيد وحماية جناب العقيدة فاعتبروا يا أولى الأبصار.

ما ورد فى علاج العين

ما ورد فى علاج العين: الغسل للعائن: إذا عرف العائن أمر بالإغتسال ثم يؤخذ هذا الماء الذى اغتسل به ويصب على المحسود من خلفه دفعة واحدة. فيبرأ بإذن الله. وصفة الغسل تختلف عن الغسل المعروف فهى كالوضوء إلا أنه يستبدل مسح رأسه ويزيد غسل ركبتيه وداخلة إزاره. وهى مبينة فى عدة أحاديث منها: عن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا. (¬1) وعن أَبِى أمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَامِرًا مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، وَلاَ جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ , فَلُبِطَ بِهِ حَتَّى مَا يَعْقِلُ لِشِدَّةِ الْوَجَعِ , فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ , وَقَالَ: قَتَلْتَهُ , عَلَى مَا يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ أَلاَ بَرَّكْتَ؟ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ: اغْسِلُوهُ , فَاغْتَسَلَ فَخَرَجَ مَعَ الرَّكْبِ , وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: هَذَا مِنْ الْعِلْمِ , يُغْسَلُ لَهُ الَّذِي عَانَهُ، قَالَ: يُؤْتَى بِقَدَحِ مَاءٍ فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ فَيُمَضْمِضُ وَيَمُجُّهُ فِي الْقَدَحِ, وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَصُبَّ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى , وَيُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَيَصُبُّ عَلَى مِرْفَقِ يَدِهِ الْيُمْنَى , فَيَغْسِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَدَهُ الْيُمْنَى فَيَغْسِلُ الرُّكْبَتَيْنِ , وَيَأْخُذُ دَاخِلَ إزَارِهِ فَيَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً، وَلاَ يَدَعُ الْقَدَحَ حَتَّى يَفْرُغَ. (¬2) ¬

(¬1) صحيح: أخرجه مسلم (2188) والترمذى (2062) وابن أبى شيبة فى المصنف (23597) والنسائى فى الكبرى (7620) كلهم من طريق وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .. ولفظ ابن أبى شيبة فى المصنف: الْعَيْنُ حَقٌّ , وَإِذَا اسْتُغْسِلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسِلْ. (¬2) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبى شيبة: ح (23585) بسند صحيح من طريق ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِى أمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ فوصله محمد بن أبى ذئب .. وجعل صفة الوضوء من كلام الزهرى لكن مالك أثبت فى الزهرى من محمد بن أبى ذئب.

واستشكل فى الحديث لفظة داخلة إزاره فقيل هى طرف الإزار. وقيل هى الفرج. قال مالك بن أنس رحمه الله: داخلة الإزار ما يلى داخل الجسد منه. وقال عياض: داخلة الإزار فى هذا الحديث طرفه - يقصد حديث الذكر قبل النوم - وداخلة الإزار فى حديث الذى أصيب بالعين ما يليها من الجسد وقيل كنى بها عن الذكر وقيل عن الورك وحكى بعضهم أنه على ظاهره وأنه يغسل طرف ثوبه والأول هو الصواب وقال القاضى ابن العربى: الظاهر والأقوى بل الحق أنه ما يلى الجسد. (¬1) وذكر ابن القيم الخلاف ولم يصنع شيئا فقال رحمه الله: يؤر العائن بغسل مغابنه وأطرافه وداخلة إزاره وفيه قولان أحدهما: أنه فرجهه. والثانى: أنه طرف إزاره الداخل الذى يلى جسده من الجنب الأيمن. ثم يصب على رأس المعين من خلفه بغته. اهـ (¬2) والأقرب أنها طرف الإزار لأن ظاهر النصوص تدل على أن الغسل كان فى ملأ. بدلالة وصف الغسل. بل وتحقق الغسل. وفى بعض الروايات " ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره .. " فيبعد أن يكون المراد بداخلة الإزار ما يلى الجسد أو الفرج ويؤيده ما أخرجه البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه. قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: إذا آوى أحدكم إلى فراشه. فلينفض فراشه بداخلة إزاره .. " (¬3) وفى طرق حديث الغسل بسند جيد عند المتابعة: فأمر عامرا فغسل وجهه في الماء وأطراف يديه وركبتيه وأطراف قدميه ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ضبعي إزار عامر وداخلته فغمرها في الماء ثم أفرغ الإناء على رأس سهل وأكفأ الإناء من دبره فأطلق سهل لا ¬

(¬1) انظر فتح البارى (17/ 60) ط الغد العربى. (¬2) زاد المعاد (3/ 176) (¬3) متفق عليه: البخارى فى الدعوات (6320) ومسلم فيها. وأبو داود فى الأدب. والنسائى فى عمل اليوم والليلة.

بأس به. (¬1) وأخرج الطبرانى أيضا بسند صحيح إلى الزهرى حديث الغسل وفيه: قال بن شهاب الزهرى الغسل الذي أدركنا علماءنا يصنعون أن يؤتى بالرجل بالذي يعين صاحبه بالقدح فيه الماء ويمسك له مرفوعا من الأرض فيدخل الذي يعين يده اليمنى في الماء فيصب على وجهه صبة واحدة في القدح ثم يدخل اليسرى في الماء فيغسل يده اليمنى صبة واحدة في القدح ثم يدخل يده اليمنى فيغسل يده اليسرى صبة واحدة إلى المرفقين ثم يدخل يديه جميعا في الماء فيغسل صدره صبة واحدة في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيغرف من الماء فيصبه على ظهر كفه اليمنى صبة واحدة في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب على مرفق يده اليمنى صبة واحدة في القدح وهو في يده الى عنقه ثم يفعل مثل ذلك في مرفق يده اليسرى ثم يفعل مثل ذلك في ظهر قدمه اليمنى من ثم أصول الأصابع واليسرى كذلك ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ظهر ركبته اليمنى ثم يفعل باليسرى مثل ذلك ثم يغمس داخلة إزاره اليمنى ثم يقوم الذي في يده القدح بالقدح فيصبه على ظهر ركبته اليمنى ثم يقوم الذي في يده القدح بالقدح فيصبه على رأس المعيون من ورائه ثم يكفأ القدح على وجه الأرض من ورائه. (¬2) والشاهد قوله: ثم يغمس داخلة إزاره اليمنى .. وإن كان ابن مجمع فى الرواية السابقة حفظ عن الزهرى فلا يصح إلا أن تكون داخلة الإزار هى طرفه الأيمن ¬

(¬1) حسن فى الشواهد: أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير (5573) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن الزهرى (¬2) مرسل: أخرجه الطبرانى فى الكبير (5577) ويونس بن يزيد من رجال الشيخين. وثقه العجلى والنسائى وقال أحمد بن حنبل يقول: فى حديث يونس ابن يزيد منكرات عن الزهرى وقال أحمد بن صالح المصرى: نحن لا نقدم فى الزهرى على يونس أحدا. قال: وكان الزهرى إذا قدم أيلة نزل على يونس، وإذا سار إلى المدينة زامله يونس. وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلى: مالك وسفيان ومعمر، هؤلاء أصحاب الزهرى، ويونس بن يزيد عارف برأيه. وقال يعقوب بن شيبة: عالم بحديث الزهرى.

الوضوء للعاين

وليست هى الفرج قولا واحدا والله تعالى أعلم. الوضوء للعاين: لحديث أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف قال: مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة, فما لبث أن لبط به فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له أدرك سهلاً صريعاً قال: من تتهمون به قالوا: عامر بن ربيعة قال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة ثم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره, وأمره أن يصب عليه, قال سفيان قال معمر عن الزهري وأمر أن يكفأ الإناء من خلفه. (¬1) وعن عائشة رضى الله عنها عند أبى داود قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ويغسل منه المعين. وهذا فيه أنه مرفوع إلى زمن النبى صلى الله عليه وسلم بخلاف رواية ابن أبى شيبة التى تفيد أن ذلك من فعلها موقوفا. قال محمد بن مفلح: وهذا من الطب الشرعي المتلقى بالقبول عند أهل الإيمان. وقد تكلم بعضهم في حكمة ذلك، ومعلوم أن ثم خواص استأثر الله بعلمها فلا يبعد مثل هذا ولا يعارضه شيء، ولا ينفع مثل هذا إلا من أخذه بالقبول واعتقاد حسن، لا مع شك وتجربة. (¬2) قال القرطبي فى التفسير الجامع: أمر صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أمامة العائن بالاغتسال للمعين، وأمر هنا بالاسترقاء، قال علماؤنا: إنما يسترقى من العين إذا لم يعرف العائن، وأما إذا عرف الذي أصابه بعينه فإنه يؤمر بالوضوء على حديث أبي إمامة، والله أعلم. ¬

(¬1) مرسل: أخرجه ابن ماجه (3509) ومالك فى الموطأ (1746) والنسائى فى السنن الكبرى (7617 - 7619) وبوب عليه: وضوء العائن. (¬2) الآداب الشرعية (3/ 58)

حكم الغسل والوضوء للمحسود.

حكم الغسل والوضوء للمحسود. الغسل والوضوء للمعين آكد من الدعاء له بالبركة وقد وجب الدعاء بالبركة وأصول الشريعة تقتضى دفع المفاسد وتقليلها وجلب المصالح وتكثيرها وتقدم الكلام على أن الحسد من الذنوب فيأثم الحاسد وفى البخارى من حديث أبى هريرة رضى الله عنه يرفعه: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. وخرجه أحمد أيضا فى المسند. وممن ذهب إلى القول بوجوب الغسل القرطبى صاحب التفسير فقال: العائن إذا أصاب بعينه ولم يبرك فإنه يؤمر بالإغتسال ويجبر على ذلك إن أباه لأن الأمر على الوجوب لا سيما هذا فإنه قد يخاف على المعين الهلاك ولا ينبغى لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه ولا يضره هو ولا سيما إذا كان بسببه وكان الجانى عليه. اهـ (¬1) العلاج بالقرءان: قال ابن القيم رحمه الله: القرءان هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للإستشفاء به وإذا أحسن العليل التداوى به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تامواعتقاد جازم واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبدا وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذى لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفى القرءان سبيل الدلالة على دوائه وسببه الحمية منه لمن رزقه الله فهما فى كتابه وبيان إرشاد القرءان العظيم إلى أصوله ومجامعه لتى هى حفظ الصحة والحمية واستفراغ المؤذى والإستدلال بذلك على سائر أفراد هذه الأنواع وأما الأدوية القلبية فإنه يذكرها مفصله ويذكر أسباب أدوائها وعلاجها قال تعالى {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ¬

(¬1) التفسير الجامع لأحكام القرءان (4/ 3456) عند تفسير سورة يوسف الآية (67)

وأما الأحاديث فى الرقى بالمعوذتين فمشهورة كثيرة منها

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)} [العنكبوت: 51] فمن لم يشفه القرءان فلا شفاه الله ومن لم يكفه القرءان فلا كفاه الله. اهـ (¬1) العلاج بالقرءان ثابت فى الكتاب والسنة وعليه أجمعت الأمة ومن المناسب هنا فى مسألة الحسد العلاج بالمعوذتين وقراءة خواتيم سورة البقرة الأيتين الأخيرتين. فعن أبي مسعود البدرى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه. (¬2) قال ابن القيم رحمه الله: الصحيح أن معناه كفتاه من شر ما يؤذيه وقيل كفتاه من قيام الليل وليس بشئ. (¬3) وأما الأحاديث فى الرقى بالمعوذتين فمشهورة كثيرة منها: حديث عائشة رضى الله عنها عن عائشة رضى الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده عليه رجاء بركتهما. (¬4) حديث عقبة بن عامر رضى الله عنه عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنزلت علي الليلة آيات لم ير مثلهن قط " قل أعوذ برب الفلق" و" قل أعوذ برب الناس " (¬5) ¬

(¬1) زاد المعاد (3/ 269) ط المنار (¬2) متفقع عليه: أخرجه البخارى (4008 - 5010 - 5040 - 5051) ومسلم (807 - 808) والترمذى (2881) وأبوداود (1397) وابن ماجه (1368 - 1369) وأحمد (16620 - 16642 - 16646 - 16647 - 16651) (¬3) الوابل الصيب من الكلم الطيب ص (124) ط الفجر (¬4) متفق عليه: أخرجه مالك في الموطأ (1755) عن ابن شهاب الزهرى عن عروة عن عائشة .. ومن طريقه أخرجه البخارى (5016) ومسلم (2192) وأحمد (24311) وأبوداود (3902) وابن ماجه (3529) وأخرجه أحمد (24310) من طريق الزهرى به .. (¬5) صحيح: أخرج مسلم (814) والترمذى (2902 - 3367) وأبوداود (1462) وأحمد (16891 - 16899 - 16915 - 16845 - 16852 - 16883 - 16890) والنسائى (953 - 954 - 5430 - 5431 - 5433 - 5436 - 5437 - 5438 - 5439 - 5440 - 5441) بطرق وألفاظ مقاربة

حديث جابر بن عبد الله الأنصارى رضى الله عنه

حديث جابر بن عبد الله الأنصارى رضى الله عنه عن جابر بن عبد الله قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ يا جابر قلت وماذا أقرأ بأبى أنت وأمى يا رسول الله قال اقرأ قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فقرأتهما فقال اقرأ بهما ولن تقرأ بمثلها. (¬1) حديث عبد الله بن خبيب رضى الله عنه عن عبد الله بن خبيب قال: أصابنا طش وظلمة فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا فخرج فأخذ بيدي فقال: قل فسكت قال: قل قلت ما أقول قال: "قل هو الله أحد" والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا يكفيك كل يوم مرتين. (¬2) عن عبد الله بن خبيب رضى الله عنه قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة فأصبت خلوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فدنوت منه فقال قل فقلت ما أقول قال قل قلت ما أقول قال قل أعوذ برب الفلق حتى ختمها ثم قال قل أعوذ برب الناس حتى ختمها ثم قال ما تعوذ الناس بأفضل منهما. (¬3) حديث ابن عابس الجهنى رضى الله عنه عن ابن عابس الجهنى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا بن عابس ألا أدلك أو قال ألا أخبرك بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون قال بلى يا رسول الله قال قل أعوذ ¬

(¬1) حسن لغيره: أخرجه النسائى (5441) وابن حبان فى صحيحه من طريق شداد بن سعيد حدثنا سعيد الجريرى حدثنا أبو نضرة عن جابر .. وشداد بن سعيد صدوق يخطئ أخرج له مسلم فى الشواهد والجريرى تغير بآخره وأبونضرة ثقة يخطئ لكن الحديث له شواهد من حديث عقبة بن عامر رضى الله عنه وغيره (¬2) حسن لغيره: أخرجه أحمد (27828) وأبوداود (5082) والترمذى (3575) والنسائى (5428) كلهم من طريق ابن أبى ذئب عن أسيد بن أبي أسيد البراد عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه .. وأبى سعيد أسيد البراد صدوق وشيخه معاذ صدوق يهم فلا يحتمل تفردهما لكن الحديث له شواهد هو بها مقبول إن شاء الله تعالى. (¬3) حسن لغيره: أخرجه النسائى (5429) من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه وحفص وزيد ومعاذ لا يحتمل تفردهم. لكن له شواهد هو بمثلها جيد.

حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه

برب الفلق وقل أعوذ برب الناس هاتين السورتين. (¬1) حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن أبي نضرة عن أبى سعيد الخدرى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذمن أعين الجان وأعين الإنس, فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك. (¬2). بل ورد عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه كان يقول كان نبى الله صلى الله عليه وسلم يكره عشر خلال الصفرة يعنى الخلوق وتغيير الشيب وجر الإزار والتختم بالذهب والتبرج بالزينة لغير محلها والضرب بالكعاب والرقى إلا بالمعوذات وعقد التمائم وعزل الماء لغير أو غير محله أو عن محله وفساد الصبي غير محرمه. (¬3) لكنه لم يصح والرقى بغير المعوذتين محفوظ يبلغ التواتر بالمعنى وقد يستدل له بحديث أبى سعيد: أخذ بهما وترك ما سوى ذلك. لكن هذا التعبير أصح ولا يعنى عطف هذه الأمور على بعضها أنها متساوية فى الحكم فيحمل كلام ابن مسعود رضى الله عنه لو صح عنه على المعوذات بأن الكراهة ليست هى النهى عن التعوذ بغيرهما يعنى التى فى الإصطلاح وإنما هى بمعنى الترك كما قال أبو سعيد رضى الله عنه. ¬

(¬1) حسن لغيره: أخرجه ابن سعد والنسائى (5432) واللفظ له وأحمد (15022 - 16846) والبغوى والبيهقى من طرق عن يحيى بن أبى كثير عن محمد بن إبراهيم بن الحارث أخبرنى أبو عبد الله أن بن عابس .. وهذا سند ضعيف: محمد بن إبراهيم له أفراد وإن كان من رجال الشيخين وشيخه أبو عبد الله مقبول لم يرو عنه غير محمد ولم يرو هو عن غير ابن عابس رضى الله عنه بل وابن عابس ليس له سوى هذا الحديث الواحد. ولكن له شواهد يعتضد بها. (¬2) حسن: أخرجه الترمذى والنسائى وابن ماجه والبيهقى والضياء فى المختارة من حديث أبى مسعود سعيد بن إياس الجريرى عن أبى نضرة به .. وقال الترمذى: حسن. وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (4902) (¬3) ضعيف: أخرجه أبوداود (4222) وأحمد (3594 - 3765) والنسائى (5088) والحاكم وصححه من طرق عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن عبد الرحمن بن حرملة عن عبد الله بن مسعود .. والقاسم وعمه حرملة مقبولان لا يحتمل تفردهما. وقد غمزه أبوداود فقال: انفرد بإسناد هذا الحديث أهل البصرة والله أعلم. اهـ

وعن زر بن حبيش قال: أتيت المدينة فلقيت أبى بن كعب، فقلت له: أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين فى مصحفه، فقال: أما والذي بعث محمداً بالحق لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما وما سألنى عنهما أحد منذ سألته غيرك، قال: قيل لى: قل، فقلت فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬1) وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى. قال الأعمش: وحدثنا عاصم عن زر عن أبى بن كعب قال: سألنا عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقيل لى فقلت. (¬2) قال البيضاوى فى تفسيره: قال البزار: لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما فى الصلاة وأثبتتا في المصحف. اهـ ¬

(¬1) صحيح: أخرجه البخارى وأحمد والنسائى وغيرهم (¬2) حسن: أخرجه أحمد والبزار وغيرهما من طرق عن الأعمش عن أبى إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد .. ورواته ثقات وحديث أبى بن كعب رضى الله عنه رواته ثقات وعاصم بن بهدلة سئ الحفظ روى له البخارى ومسلم مقرونا بغيره.

العلاج بالرقى

العلاج بالرقى: أولا: ما ورد من الرقى فى علاج العين والحسد بخصوصه: عن أبي سعيد الخدري أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أشتكيتَ؟ فقال: نعم. فقال جبريل: "باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفسٍ أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك. (¬1) فيضع أحد المخلصين يده اليمنى على رأس المحسود ويمسح بهما ويقول: باسم الله أرقيك .. إلى آخر الرقية والدليل على وضع اليد اليمنى حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما. متفق عَلَيهِ. وعنها أيضا رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضا أو أتى به قال أذهب الباس رب الناس اشف وأنت الشافي لا شفاء الا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما. أخرجه البخارى. والرقى فى هذا الباب كثيرة يحفظ منها الراقى ما شاء وفيها أحاديث منها: حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل قال باسم الله يبريك ومن كل داء يشفيك ومن شر حاسد إذا حسد وشر كل ذى عين. (¬2) وعن عائشة أيضا رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقى يقول امسح البأس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف له إلا أنت. (¬3) ¬

(¬1) صحيح: أخرجه مسلم (2186) (¬2) صحيح: أخرجه مسلم (2185) من طريق الدراوردى عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة .. وأخرجه أحمد (24744) من طريق زهير بن محمد بن قمير عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عائشة فلم يذكر أبا سلمة ثم هو منقطع بين زهير وابن الهاد. (¬3) صحيح: أخرجه البخارى (5744) ومسلم (2191) وأحمد (25212).

وفى رواية عن عائشة أيضا رضى الله عنها قالت: كنت أرقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين (فأضع يدى على صدره وأقول) امسح البأس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف له إلا أنت. (¬1) حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضى الله عنهما قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهية أن يهجم منا على شيء يكرهه قالت: وإنه جاء ذات يوم فتنحنح قالت: وعندي عجوز ترقيني من الحمرة فأدخلتها تحت السرير فدخل فجلس إلى جنبي فرأى في عنقي خيطا قال: ما هذا الخيط قالت: قلت: خيط أرقي لي فيه قالت: فأخذه فقطعه ثم قال: إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرقي والتمائم والتولة شرك قالت: فقلت له: لما تقول هذا وقد كانت عيني تقذف فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها وكان إذا رقاها سكنت قال: إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقيتها كف عنها إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أذهب البأس رب الناس اشف وأنت الشافى لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما. (¬2) وعن عبد العزيز بن صهيب قال: دخلت أنا وثابت البنانى على أنس بن مالك فقال ثابت يا أبا حمزة اشتكيت؟ فقال أنس ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بلى قال: اللهم رب الناس مذهب الباس اشف أنت الشافى لا شافى إلا أنت شفاءا لا يغادر سقما. (¬3) ¬

(¬1) صحيح: أخرجه أحمد (24474 - 25868) والزيادة له بالرقم الأول. (¬2) حسن: أخرجه أحمد (3604) وأبوداود (3883) وابن ماجه (3530) واللفظ لأحمد كلهم من طريق الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن ابن أخي زينب عن زينب .. قال الحافظ ابن حجر فى تقريب التهذيب: ابن أخي زينب الثقفية امرأة بن مسعود كأنه صحابى ولم أره مسمى. اهـ وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: إسناده حسن. (¬3) صحيح: أخرجه البخارى (5742) واللفظ له والترمذى (973) وأبوداود (3890) والنسائى فى عمل اليوم والليلة.

ثانيا: ماورد فى رقى عامة

ثانيا: ماورد فى رقى عامة كمرض وحمى ونحوهما مما قد بشترك مع تأثير العين فى المحسود فإنهم تصيب بالحمى وتصرع وتمرض: عن أبى عبد اللَّه عثمان بن أبى العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أنه شكا إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وجعاً يجده في جسده، فقال له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل: بسم اللَّه ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. (¬1) وعن أبى سعيد الخدرى رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن جبريل أتى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فقال: يا محمد اشتكيت؟ قال: نعم قال: بسم اللَّه أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شركل نفس أو عين حاسد، اللَّه يشفيك، بسم اللَّه أرقيك. (¬2) ثالثا: ما ورد فى العلاج بالدعاء وهو غير الرقى: عن سعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: عادني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فقال: اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعدا. (¬3) وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنهماُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عند سبع مرات: أسأل اللَّه العظيم، رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه اللَّه من ذلك المرض. (¬4) وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم دخل على أعرابي يعوده، وكان إذا دخل على من يعوده قال: لا بأس، طهور إن شاء الله. (¬5) ما ورد فى كراهة تعليق الكتابة على الصبى: تعليق شئ مكتوب على الصبى من الرقى ومن القرءان يسمى بالتمائم وهى محرمة فى أصح قولى العلماء فلا أطيل بذكر الأدلة وقد حررتها فى كتابى العلاج ¬

(¬1) صحيح: أخرجه مسلم. (¬2) صحيح: أخرجه مسلم. (¬3) صحيح: أخرجه مُسلِمٌ. (¬4) صحيح: أخرجه أبُو دَاوُدَ والتِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وقال الحاكم حديث صحيح على شرط البخاري. (¬5) صحيح: أخرجه البُخَارِي (3616 - 5656 - 5662).

* الإستشفاء بمام زمزم

بالقرءان والرقى بين السنة والبدعة وأما إن كانت التميمة من غير القرءان والرقى كأن كانت حلقة أو ودعة أو خيطا أو خرزة زرقاء أو كتابا بغير نقط أو بغير العربية فهذا شرك وكفر نعوذ بالله من ذلك وينبغى نهى النساء عن هذا فإنه يقع منهن كثيرا لعوج فى طبعهن ولا حول ولا قوة إلا بالله. وورد ما يفيد الكراهة لكنه لم يصح عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه كان يقول كان نبى الله صلى الله عليه وسلم يكره عشر خلال الصفرة يعنى الخلوق وتغيير الشيب وجر الإزار والتختم بالذهب والتبرج بالزينة لغير محلها والضرب بالكعاب والرقى إلا بالمعوذات وعقد التمائم وعزل الماء لغير أو غير محله أو عن محله وفساد الصبي غير محرمه. (¬1) وما ورد مما يفيد الجواز ولا يصح أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من عقل من بنيه ومن لم يعقل كتبه فأعلقه عليه. (¬2) * الإستشفاء بمام زمزم: يجوز الإستشفاء بماء زمزم ويصح حمله من مكان آخر ويتداوى به بالغسل والوضوء والشرب وجعله فى الطبيخ وعمل الشاى والعصير وإذابة السكر فيه وانتباذ التمر فيه وسائر طرق الإستشفاء على ما يروق للمريض كل ذلك جائز إن شاء الله تعالى ولا حرج فيه بل مضت فى أصل هذا سنة عن النبى صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم ¬

(¬1) ضعيف: أخرجه أبوداود (4222) وأحمد (3594 - 3765) والنسائى والحاكم وصححه من طرق عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن عبد الرحمن بن حرملة عن عبد الله بن مسعود .. والقاسم وعمه حرملة مقبولان لا يحتمل تفردهما. وقد غمزه أبوداود فقال: انفرد بإسناد هذا الحديث أهل البصرة والله أعلم. اهـ (¬2) ضعيف: أخرجه أحمد (6657) وأبوداود (3893) والترمذى (3528) كلهم من طريق محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وهذا سند ضعيف ابن اسحاق يدلس وقد عنعنه. ولا أعلم هذا الخبريروى بغير هذا الإسناد ولهذا قال الترمذى: حديث حسن غريب.

فعن أبي جمرة الضبعي قال: كنت أجالس ابن عباس بمكة، فأخذتني الحمى، فقال: أبردها عنك بماء زمزم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحمى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء، أو قال: بماء زمزم. (¬1) حديث جابر بن عبد الله الأنصارى رضى الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ماء زمزم لما شرب له. (¬2) وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬3) ¬

(¬1) صحيح: أخرجه البخارى (3261) وأحمد (2644) (¬2) ضعيف: أخرجه أحمد (14435 - 14578) قال أحمد بن حنبل حدثنا عبد الله بن الوليد حدثنا عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر قال: قال .. وهذا سند ضعيف: فعبد الله بن الوليد بن ميمون قال أبو زرعة: صدوق وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به. وقال أبو أحمد بن عدى: وما رأيت فى حديثه شيئا منكرا فأذكره. اهـ وذكره ابن حبان فى كتاب " الثقات "وقال: مستقيم الحديث. واستشهد به البخارى فى الصحيح، وروى له فى كتاب الأدب المفرد. فهو صدوق يخطئ وشيخه عبد الله بن المؤمل بن وهب الله: ضعيف سئ الحفظ. وتابع عبد الله عليه الوليد بن ميلم عند ابن ماجه (3062) وهذه المتابعة لا تسمن ولا تغنى من جوع لضعف ابن المؤمل ثم إن الوليد لم يصرح بالسماع من ابن المؤمل وهو يدلس ويسوى. (¬3) ضعيف: أخرجه الترمذى (963) قال: حدثنا أبو كريب حدثنا خلاد بن يزيد الجعفي حدثنا زهير بن معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة .. وهذا سند ضعيف. خلاد بن يزيد الجعفى الكوفى ذكره ابن حبان فى كتاب " الثقات " وقال: ربما أخطأ. ليس له سوى هذا الحديث وحديث آخر عند ابن خزيمة فى صحيحه. وقال البخارى: لا يتابع عليه.

الوقاية من الحسد

الوقاية من الحسد لاشك أن الوقاية من الحسد مما يؤرق كثير من الناس بل ويشغل البعض أكثر من العلاج لما فيه من تجنب مخاطر الحسد وشروره وإذا كانت الحمية فى الأمراض العضوية خير من العلاج فالأمر هو تماما فى مسألة العين ولأن شرطى فى الكتاب أن لا أنحى منحى الذين يجربون ويعملون بمجرباتهم فأنا لا أتبنى ذلك وممن قال بهذا جماعة نذكر منهم ما قاله الدكتور فهد بن ضويان السحيمى وهو مدرس فى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في رسالته لنيل درجة الماجستير: فالوقاية من كل ذلك وما يشبهه يكون بما يتلائم معه ويدفع ضرره، وكذلك العلاج والوقاية الطبية فإن من بديهيات الطب وأولياته تشخيص الداء ومن ثم تقديم الدواء .. والوقاية من كل داء بحسبه من أنواع الأمصال الملائمة له. وموضوع العين لم تعرف على التحقيق كيفية الإصابة منها، كما تقدم لأنها من الأمور المغيبة عنا، فلا يمكن تشخيصها في مختبرات كيميائية، ولا بالأشعات الكهربائية ولا بعوارض ظاهرة .. وعليه فلا سبيل إلى معرفة شيء عنها إلا ما يظهر من عوارض التأثير بعد وقوعها تظهر على من أصابته العين. فلا سبيل إلى الوقاية منها قبل وقوعها إلا بما جاء وحياً من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬1) أقول فهذا كلام قوى معتبر وهذا فى دراسة متخصصه تفرغ لها الباحث وهذا ما أنادى به وأدندن حوله من أول الكتاب. وقال بهذا الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله (¬2) وسيأتى نص كلامه فلأجل هذا وغيره أقول: الوقاية تكون بأمرين لا يعرفان من غير جهة الشرع: ¬

(¬1) العين والرقية والاستشفاء من القرآن والسنة ص (39 - 40) (¬2) العين والرقية والاستشفاء من القرآن والسنة ص (43)

الأول: الأذكار والرقى التى تعمل كالحصن ضد العين.

الأول: الأذكار والرقى التى تعمل كالحصن ضد العين. * فمن ذلك أن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله: فمن رأى شيئا له أو لأحد من الناس فأعجبه فخاف عليه العين قال ذلك لقول الله تعالى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا} الكهف (39) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: هذا تحضيض وحث على ذلك أى هلا إذ أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها, حمدت الله ما أنعم به عليك وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك, وقلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله, ولهذا قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده, فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله, وهذا مأخوذ من هذه الاَية الكريمة. وقد روي فيه حديث مرفوع, أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا جراح بن مخلد, حدثنا عمر بن يونس, حدثنا عيسى بن عون, حدثنا عبد الملك بن زرارة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد, فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله, فيرى فيه آفة دون الموت. وكان يتأول هذه الاَية {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} قال الحافظ أبو الفتح الأزدى: عيسى بن عون عن عبد الملك بن زرارة عن أنس لا يصح حديثه. اهـ (¬1) وقال الشيخ النووى رحمه الله: ويستحب للعائن أن يدعو للمعين بالبركة فيقول: اللهم بارك فيه ولا تضره، وأن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. اهـ (¬2) ¬

(¬1) تفسير ابن كثير عند تفسير الآية من سورة الكهف والحديث الذى ذكره أخرجه البرزار وابن السنى وأبى يعلى الموصلى لا يصح ونحوه عند الطبرانى فى الأوسط والصغير عن أنس ولفظه: ما أنعم الله على عبد من نعمة من أهل وولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت. وهو ضعيف كما قال الأزدى: فالجراح وابن يونس ثقتان لكن عيسى لم أجد له ترجمة وشيخه عبد الملك بن زرارة ترجم له ابن أبى حاتم ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. (¬2) روضة الطالبين (7/ 200)

* أن يستعيذ بالله من الحسد وشر الحساد.

قلت: دعنا مما استحبه الشيخ ثم شأننا بما فى الأية أن نقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. * أن يستعيذ بالله من الحسد وشر الحساد. فيقول: أعوذ بالله من الحسد أو أعوذ بالله من العين وإنما قلت هذا لأن الصحابة كانوا يقولون أقرب صيغة للأستعاذة فإذا قال النبى صلى الله عليه وسلم استعيذوا بالله من عذاب القبر قالوا نعوذ بالله من عذاب القبر فما كانوا يضخمون الألفاظ والعبارات ولا يأتون بالسجع المتكلف وكانوا أبعد الناس عن التكلف شغلهم عنه الإخلاص نسأل الله الإخلاص والسلامة والإستعاذة من العين وردت فى حديث مرفوع ولو قال أعوذ برب الفلق أو قرأ السورة لوسعه ذلك وأتى بالأمر , قال الله تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} سورة الفلق (1 - 5) قال ابن القيم رحمه الله: فلما كان الحاسد أعم من العائن، كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن، وهي - أي العين - سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه، أثرت فيه ولا بد، وإن صادفته حذرا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام، لم تؤثر فيه، وربما ردت السهام على صاحبها. انتهى من زاد المعاد وقوله: وربما ردت السهام على صاحبها. لا دليل عليه فتنبه أن ابن القيم رحمه الله وغيره من أهل العلم يصيبون ويخطئون ويعلمون ويجهلون وليس أحد منهم بمعصوم رحمنا الله وإياهم وألحقنا بهم. وقال النسفى رحمه الله: فإن الاستعاذة من شر هذه الأشياء، بعد الاستعاذة من شر ما خلق إشعار بأن شرّ هؤلاء أشدّ وختم بالحسد ليعلم أنه شرّها. (¬1) قال الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله: أمر الله تعالى عباده بالاستعاذة من شر ما خلق عموما ثم من شر غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات فى العقد ومن شر حاسد إذا ¬

(¬1) تفسير النسفى (4/ 430)

* قراءة أذكار الصباح والمساء

حسد، وكلها أمور مغيبة عنا ولا يعيذ منها إلا الله سبحانه. (¬1) وقال الشيخ عبدالله الجبرين حفظه الله: وقد أمر الله بالاستعاذة من العائن، فهو داخل في قوله تعالى: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)، وبالاستعاذة من شره يحصل الحفظ والحماية والله أعلم. (¬2) وفى الإستعاذة من العين حديث عائشة رضى الله عنها فى الإستعاذة من العين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعيذوا بالله من العين فإن العين حق. وحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة. (¬3) وعن زر بن حبيش قال: قلت لأبى: إن أخاك يحكهما من المصحف فلم ينكر قيل لسفيان: ابن مسعود قال: نعم وليسا في مصحف ابن مسعود كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرؤهما في شيء من صلاته فظن أنهما عوذتان وأصر على ظنه وتحقق الباقون كونهما من القرآن فأودعوهما أياه. (¬4) * قراءة أذكار الصباح والمساء ودبر الصلوات المكتوبات ودخول البيت والخروج من البيت والتسمية قبل كل عمل فإن ذلك يدفع الشر ومنه الحسد ويجلب الخير ومنه العافية ومن كان لله دوما كان الله تعالى له دوما ومن كان لله مرة ومرة كان الله تعالى له مرة ومرة والله أوسع عطاءا وأجزل مثوبة وأكرم من سأله العبد وما خاب من كان ملجؤه إلى الله فسبحانه من ملك عظيم ورب كريم وله الحمد فى الأولى والآخرة. ¬

(¬1) العين والرقية والاستشفاء من القرآن والسنة ص (43) (¬2) المنهل المعين في إثبات حقيقة الحسد والعين ص (208) (¬3) صحيح: أخرجه البخارى (3371) والترمذى (2060) وأبوداود (4737) وابن ماجه (3525) وأحمد (2430) (¬4) صحيح على شرط الشيخين: أخرجه أحمد (20684) قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عبدة وعاصم عن زر .. به.

وينبغى الرجوع فى هذا إلى كتب تنقل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم بعيدا عن الأوراد المبتدعة التى اخترعها المتصوفة المخرفون على شتى طرقهم وكذا المأثورات لحسن البنا فيها أذكار ملفقة ليست من السنة ومن هذه المختصرات الصحيحة تحفة الأخيار للشيخ ابن باز رحمه الله وحصن المسلم للشيخ سعيد القحطانى وصحيح الأذكار للشيخ العدوى ومختصر النصيحة للشيخ المقدم مما هو مشهور أما الأمهات الكبار كالسنن وعمل اليوم والليلة فهى مراجع للمختصين وهى تحتاج إلى تحقيق ففيها خير وغير. وهى الآن محققة بفضل الله تعالى فمنها صحيح الكلم الطيب للشيخ الألبانى رحمه الله وتخريج أذكار النووى للشيخ الأرناؤوط وصحيح أذكار النووى للشيخ سليم الهلالى وغيرها كثير وفى هذه غنية. قال ابن القيم رحمه الله فى زاد المعاد: ومن جرب الدعوات والعوذ، عرف مقدار منفعتها، وشدة الحاجة إليها وهي تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها، وقوة نفسه واستعداده وقوة توكله وثبات قلبه فإنها سلاح والسلاح بضاربة. اهـ وهذا من فقهه رحمه الله تعالى رحمة واسعة فقلما يتفطن الناس لهذا وأن السلاح بضاربه بحسب قوة إيمان الراقى. قال محمد بن مفلح: ويعالج المعين مع ذلك بالرقى من الكتاب والسنة والتعوذ والدعاء (¬1) قال الشيخ عبدالله الجبرين حفظه الله: إن من أسباب كثرة المصابين بهذه الأمراض - يعني الصرع والسحر والعين والحسد- إعراضهم عن التحصين بالذكر والأوراد والأدعية الشرعية. (¬2) ومن التحصن أيضا ما ينبغى على العائن فعله وهو أن يدعوا لمن خاف عليه من ¬

(¬1) الآداب الشرعية (3/ 60). (¬2) فتح المغيث ص (4)

عينه بالبركة لحديث سهل بن حنيف فيقول اللهم بارك فيه. أو يسميه فيقول اللهم بارك فى كذا .. وحكم الدعاء بالبركة أنه واجب لأمر النبى صلى الله عليه وسلم وتأكيده عليه بلام الأمر بل وقد غضب صلى الله عليه وسلم وتغيظ على عامر ولم يرد من القرائن ما يصرف هذا الوجوب فهذا وجه ووجه ثان وهو أن فى الدعاء بالبركة لمن خيف عليه العين تحرز عن قتل مسلم إو إيذائه والعين قد تقتل وقد تردى الرجل وفى الحديث أن كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه كحرمة البلد الحرام فى الشهر الحرام والتحرز من هذا واجب قولا واحدا وإذا وجبت الغاية وجبت الوسيلة إليها كما تقرر فى الأصول وإلى هذا ذهب القرطبى فى التفسير فقال رحمه الله: واجب على كل مسلم أعجبه شئ أن يبرك (عليه) فإنه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة. (¬1) وبعض الناس يكبرون على العائن إذا خافوا منه قال الشيخ الشنقيطى فى أضواء البيان: من اتهم أحدا بالعين فليكبر ثلاثا عند تخوفه منه. فإن الله يدفع العين بذلك والحمد لله. اهـ وقال الشيخ عطية سالم رحمه الله: ويقال إن الشخص الذي يخاف على نفسه أو ماله من عين إنسان أن يقول هو على نفسه ما شاء الله تبارك الله، يرفع بها صوته يسمع الشخص الذي خاف منه أو يكبر على نفسه أو ماله قائلا: الله أكبر ثلاث مرات. (¬2) ولم أقف على حديث فيه فلا أراه بل ما أعتقد ثبوت الأصل فكيف بالوصف ثلاث مرات! ! وبعض الناس بل هذا المشهور فى بلدنا أنهم يصلون على النبى صلى الله عليه وسلم ويقولون لمن يخافون منه صلى على النبى يا فلان لا تحسده. فهذا أيضا لم يرد فلا ينبغى قوله وفيما صح غنية فمن لم يكفه ما ثبت فلا كفاه الله. ¬

(¬1) الجامع لأحكام القرءان (4/ 3456) ط الشعب تجليد خاص (¬2) العين والرقية والاستشفاء من القرآن والسنة ص (45)

الثانى: ستر محاسن ما يخاف عليه من العين عن الحاسد

ومن الرقى والأذكار التى يقولها من رأى شيئا فأعجبه أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. فعن صهيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أيام حنين يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء لم نكن نراه يفعله فقلنا يا رسول الله إنا نراك تفعل شيئا لم تكن تفعله فما هذا الذي تحرك شفتيك قال إن نبيا فيمن كان قبلكم أعجبته كثرة أمته فقال لن يروم هؤلاء شيء فأوحى الله إليه أن خير أمتك بين إحدى ثلاث إما أن نسلط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم أو الجوع وإما أن نرسل عليهم الموت فشاورهم فقالوا أما العدو فلا طاقة لنا بهم وأما الجوع فلا صبر لنا عليه ولكن الموت فأرسل عليهم الموت فمات منهم في ثلاثة أيام سبعون ألفا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أقول الآن حيث رأى كثرتهم اللهم بك أحاول وبك أصاول وبك أقاتل. وفى رواية: اللهم بك أقاتل وبك أصاول ولاحول ولا قوة إلا بالله. (¬1) الثانى: ستر محاسن ما يخاف عليه من العين عن الحاسد وثبت أصله فى الكتاب وفيه آثار موقوفات صحاح فقد اتقى العين نبى الله يعقوب عليه السلام قال تعالى: {وَقَالَ يَبَنِيّ لاَ تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مّتَفَرّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُتَوَكّلُونَ وَلَمّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِلاّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنّهُ لَذُو عِلْمٍ لّمَا عَلّمْنَاهُ وَلَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}.سورة يوسف عليه السلام الآيتان (67 - 68) ¬

(¬1) حسن: أخرجه أحمد فى المسند (18458 - 18461 - 23409) والدارمى (2441) أخرج الدعاء فقط من طرق عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. والرواية لأحمد. وأخرجه الترمذى (3340) من طريق معمر عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب ورجاله رجال مسلم لكن قال يحيى بن معين: حديث معمر عن ثابت وعاصم بن أبى النجود وهشام بن عروة وهذا الضرب مضطرب كثيرالأوهام. وذكر مع الحديث قصة أصحاب الأخدود مطولا وهى فى صحيح مسلم.

قال البغوى رحمه الله: وقال لهم يعقوب لما أردوا الخروج من عنده، "يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة"، وذلك أنه خاف عليهم العين، لأنهم كانوا أعطوا جمالا وقوة وامتداد قامة، وكانوا ولد رجل واحد، فأمرهم أن يتفرقوا في دخولهم لئلا يصابوا بالعين، فإن العين حق، وجاء في الأثر: إن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر. وعن إبراهيم النخعى: أنه قال ذلك لأنه كان يرجو أن يروا يوسف في التفرق. والأول أصح. اهـ من تفسيره عند الآيات وقال القرطبى رحمه الله: لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين؛ فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد، وكانت مصر لها أربعة أبواب؛ وإنما خاف عليهم العين لكونهم أحد عشر رجلا لرجل واحد؛ وكانوا أهل جمال وكمال وبسطة؛ قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم. إذا كان هذا معنى الآية فيكون فيها دليل على التحرز من العين، والعين حق؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر). وفي تعوذه عليه السلام: (أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة) ما يدل على ذلك .. قال الأصمعي: رأيت رجلا عيونا سمع بقرة تحلب فأعجبه شخبها فقال: أيتهن هذه؟ فقالوا: الفلانية لبقرة أخرى يورون عنها، فهلكتا جميعا، المروى بها والمورى عنها. قال الأصمعى. وسمعته يقول: إذا رأيت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني. . اهـ (¬1) وقال الحافظ بن كثير رحمه الله: يقول تعالى إخباراً عن يعقوب عليه السلام, إنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر أن لا يدخلوا كلهم من باب واحد, ¬

(¬1) التفسير الجامع لأحكام القرءان (4/ 3455) ط الشعب تجليد خاص.

وليدخلوا من أبواب متفرقة, فإنه كما قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدى وغير واحد إنه خشي عليهم العين. اهـ (¬1) ولم أقف على ما يدل على اسم بنيامين فلعله من الإسرائيليات. قال الشيخ النووى: قال القاضي عياض بعد ذكر حديث حسد عامر بن ربيعه لسهل بن حنيف: في هذا الحديث من الفقه ما قاله بعض العلماء أنه ينبغي إذا عرف أحد بالإصابة بالعين أن يجتنب ويتحرز منه، وينبغي للإمام منعه من مداخلة الناس. ويأمره بلزوم بيته فإن كان فقيرا رزقه ما يكفيه، ويكف أذاه عن الناس. صحيح مسلم بشرح النووى وقال ابن القيم رحمه الله: ومن علاج ذلك أيضا والاحتراز منه ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه، كما ذكر البغوي فى كتاب " شرح السنة " (¬2): أن عثمان رضي الله عنه رأى صبيا مليحا، فقال: دسموا نونته، لئلا تصيبه العين، ثم قال في تفسيره: ومعنى: دسموا نونته: أى: سودوا نونته، والنونة: النقرة التي تكون فى ذقن الصبي الصغير. وقال الخطابى فى غريب الحديث له عن عثمان رضى الله عنه أنه رأى صبيا تأخذه العين فقال دسموا نونته فقال أبو عمرو وسألت أحمد بن يحيى عنه فقال أراد بالنونة النقرة التى فى ذقنه والتدسيم التسويد أراد سودوا ذلك الموضعمن ذقنه ليرد العين قال ومن هذا حديث عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم وعلى رأسه عمامة دسماء أى سوداء أراد الإستشهاد على اللفظة ومن هذا أخذ الشاعر قوله: ما كان أحوج ذا الكمال إلى ... عيب يوقيه من العين. اهـ (¬3) وقال محمد بن مفلح رحمه الله: وليحترز الحسن من العين والحسد بتوحيش حسنه. (¬4) ¬

(¬1) تفسير ابن كثير عند تفسير الآيتين. (¬2) شرح السنة (12/ 166) (¬3) الطب النبوى وزاد المعاد (3/ 177) (¬4) الآداب الشرعية (3/ 60)

* ومن الستر أيضا قضاء الحوائج بالكتمان والسر.

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: والتحرز من العين مقدما لا بأس به ولا ينافي التوكل بل هو التوكل لأن التوكل الاعتماد على الله سبحانه مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: " أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ويقول: هكذا كان إبراهيم يعوذ اسحق واسماعيل عليهما السلام (¬1) وسئل الشيخ عبدالله الجبرين عن المبالغة في الخوف من الإصابة بالعين ومنع الأطفال من مخالطة الناس خوفاً عليهم من العين؟ فأجاب: لا تعتبر وإنما هي من تجنب أسباب الشرور والأضرار، وقد ورد ما يدل على الجواز في صبي جميل أمروا أن يغيروا صورته خوف العين، كما سبق الأثر عن عثمان في قوله " دسموا نونته " أي سودوها، وهي النقرة في أسفل الوجه، وذلك سبب مما شرعه الله، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) النساء الآية (71) وهو يعم الحذر من كل ما فيه ضرر على النفس أو المال، وقال تعالى: (وَخذُوا حِذْرَكُمْ) النساء الآية (102) (¬2) * ومن الستر أيضا قضاء الحوائج بالكتمان والسر. فهذا مما يقى من شر العين والحسد وفى الحديث: " استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود ". (¬3) * ومن ذلك أيضا الاحتراز من العائن واجتنابه والبعد عنه ومن الأمور الهامة ¬

(¬1) فتاوى العلاج بالقرآن والسنة ص (41 - 42) والحديث رواه البخارى وغيره. (¬2) المنهل المعين في إثبات حقيقة الحسد والعين ص (218 - 219) (¬3) صحيح: أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان والعقيلى فى الضعفاء وابن عدى فى الكامل والطبرانى فى الكبير وأبو نعيم فى الحلية من حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه والخرائطي في اعتلال القلوب من حديث عمر رضى الله عنه والخطيب البغدادى فى التاريخ من حديث ابن عباس رضى الله عنهما والخلعي في فوائده من حديث على رضى الله عنه. وعزاه السيوطى لهم وصححه الألبانى رحمه الله في صحيح الجامع (943) وفى السلسلة الصحيحة (1453)

ثالثا: وما ينبغى تحصين العبد نفسه بالصلاة

والنافعة لاتقاء شر العائن أو الحاسد اجتنابه والبعد عنه كأن يجتنب الرجل المرور من أمام هذا الحسود ولا يخالطه ولا يؤاكله ولا يسلم عيه ولا يزوره ولا يجيبه إذا سأله عن تجارته أو ماله أو أولاده أو زرعه أو بهائمه أو كل ما يخافه على نفسه حتى إن بعضهم قد يحسد علاقة الرجل بأهله وأقربائه فيرى الرجلان متآخيان فيحسدهما فتدب بينهما الوحشة وتعمل البغضاء عملها بينهما فتنقلب صداقتهما عداوة ولا حول ولا قوة إلا بالله. ويجب على ولى الأمر القيام على الحساد بالحبس والمنع عن الناس والتعزير بما يليق بحال العائن حتى يرتدع عن هذا الفعل المشين فإن أضرار الحسد وخيمة حسبك منها بذهاب البركة ووقوع البغضاء والشحناء بين الناس وتنغيص عيش المحسود عافانا الله بمنه وكرمه. قال ابن القيم رحمه الله: وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء: أن من عرف بذلك حبسه الإمام وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت وهذا هو الصواب قطعا. الطب النبوى وقال العينى: وقال القاضي عياض: قال بعض العلماء: ينبغي إذا عرف واحد بالإصابة بالعين أن يجتنب وأن يحترز منه وينبغي للإمام منعه من مداخلة الناس، ويلزمه بلزوم بيته، وإن كان فقيرا لزمه ما يكفيه فضرره أكثر من آكل الثوم والبصل الذي منعه النبي صلى الله عليه وسلم من دخول المسجد لئلا يؤذي الناس ومن ضرر المجذوم الذي منعه عمررضى الله تعالى عنه. (¬1) ثالثا: وما ينبغى تحصين العبد نفسه بالصلاة فإنها الصلة بين الله تعالى وبين العبد فكلما حافظ عليها العبد كان من الله تعالى أقرب وكان أعون له على استجابة دعائه ومعافاته وفى الحديث عن نعيم بن همار الغطفانى رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ¬

(¬1) عمدة القاري بشرح صحيح البخارى (17/ 405)

قال: يا ابن آدم صل لي أربع ركعات أول النهار أكفك آخره. (¬1) وبسند ضعيف عن أبى الدرداء رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقول يا ابن آدم لا تعجزن من الأربع ركعات من أول نهارك أكفك آخره. (¬2) ¬

(¬1) حسن: أخرجه أحمد (21964 - 21965 - 21966 - 21967 - 21969) والدارمى (1451) كلاهما من طريق مكحول عن كثير بن مرة عن قيس الجذامى عن نعيم بن همار .. وأخرجه أحمد (21963 - 21968) من طريق معاوية عن أبى الزهراية عن كثير عن نعيم .. ومعاوية صدوق يهم من رجال مسلم. وأخرجه أحمد (17339) من طريق قتادة عن نعيم عن عقبة بن عامر .. وهذا منقطع بين قتادة ونعيم ثم هو من مسند عقبة بن عامر. (¬2) ضعيف: أخرجه أحمد (26934 - 27002) من طريق صفوان بن عمرو السكسكى حدثني شريح بن عبيد الحضرمي وغيره عن أبي الدرداء .. وهذا ضعيف فأما شريح فلم يدرك أبا الدرداء وأما غيره فمجهول , قال الحافظ ابن حجر فى تهذيب التهذيب (4/ 329): قال ابن أبى حاتم فى " المراسيل "، عن أبيه: لم يدرك أبا أمامة، ولا المقدام، ولا الحارث بن الحارث، وهو عن أبى مالك الأشعرى مرسل. انتهى. وإذا لم يدرك أبا أمامة الذى تأخرت وفاته فبالأولى أن لا يكون أدرك أبا الدرداء، وإنى لكثير التعجب من المؤلف كيف جزم بأنه لم يدرك من سمى هنا، ولم يذكر ذلك فى المقداد وقد توفى قبل سعد بن أبى وقاص، وكذا أبو الدرداء، وأبو مالك الأشعرى، وغير واحد ممن أطلق روايته عنهم، والله الموفق. اهـ

وفى الختام أنبه على أهمية الصبر على السنة والتواصى بها وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وقد بينا هديه صلى الله عليه وسلم فى علاج العين من وجوه عدة لا ينبغى لمسلم أن يخرج عن هذا كله لا سيما وقد كفى مؤنته. قال حذيفة بن اليمان رضى الله عنه قال: يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا. (¬1) وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: لو تركتم سنة نبيكم لضللتم. رواه مسلم. وقال أيضا رضى الله عنه: اتبعوا آثاءرنا ولاتبتدعوا فقد كفيتم. (¬2) وعن عبد العزيز بن رفيع قال: سئل عطاء عن شئ فقال: لاأدرى قال: قيل له ألا تقول فيها برأيك؟ قال: إنى أستحيى من الله عزوجل أن يدان فى الأرض برأيى. (¬3) ¬

(¬1) صحيح: أخرجه البخارى (7282) (¬2) صحيح: أخرجه الدارمى فى المقدمة (205) والبغوى فى شرح السنة باب رد البدع والأهواء. (¬3) صحيح: أخرجه الدارمى فى سننه فى المقدمة (107)

حكم رقية الحيوان والجماد

حكم رقية الحيوان والجماد إذا كان المحسود بهيمة أو متاعا أو بيتا أو زرعا أو سيارة ونحو ذلك فيقرأ الرقية فى البيت أو فى الزرع ويمسك بالبهيمة إن استطاع ويقرأ عليها الرقية ولو مع كفيه فنفث فيهما بالمعوزات ومسح على البهيمة وسعه ذلك وبرأت بإذن الله تعالى وهذا أنفعبكثير من تعليق ما قد يفضى إلى الشرك والله تعالى أعلم والأصل فى هذا أن الرقية للعموم غير مقيدة بجنس بنى آدم والخصوصيات لا تثبت إلا بدليل والعين تصيب الإنسان والحيوان والبيت وقد أمر المعجب بحديقته أن يقول " ماشاء الله لا قوة إلا بالله " حتى لا تصيبه العين. وما روى عن سحيم بن نوفل قال: كنا عند عبد الله نعرض المصاحف، فجاءت جارية أعرابية إلى رجل منا فقالت: إن فلانا قد لقع مهرك بعينه، وهو يدور في فلك، لا يأكل ولا يشرب، ولا يبول ولا يروث، فالتمس له راقيا، فقال عبدالله: لا نلتمس له راقيا، ولكن ائته فانفخ في منخره الأيمن أربعا، وفي الأيسر ثلاثا، وقل: " لا بأس أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا يكشف الضر إلا أنت "، فقام الرجل فانطلق، فما برحنا حتى رجع، فقال لعبدالله: فعلت الذي أمرتني به، فما برحت حتى أكل وشرب وبال وراث. (¬1) فهذا نص فى علاج البهائم لكنه ضعيف والحجة تقوم بغيره. ¬

(¬1) ضعيف: أخرجه ابن عبد البر فى التمهيد (6/ 238) قال: أخبرنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن عبدالسلام الخشنى حدثنا محمد بن بشار حدثنا مؤزر حدثنا سفيان حدثنا حصين عن هلال بن يساف عن سحيم .. وهذا سند مظلم فلم أقف على ترجمة لعبد الوارث والقاسم والخشنى ومؤزر .. وسحيم ترجم له ابن أبى حاتم ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وعبد الله هو ابن مسعود رضى الله عنه.

وأما بدع علاج العين فيحضرنى منها الآن

وأما بدع علاج العين فيحضرنى منها الآن الذهاب للعرافين والدجالين والسحرة وقد بينت ما يعرف به الساحر فى كتابى العلاج بالرقى بين السنة والبدعة فيراجع ومن ذلك أيضا الذهاب للنساء ورش الماء أو الملح عند الخوف من الحسد ويقولون إن ذلك لدفع العين فهذا من الشرك ومثله مسك الخشب وتعليق التمائم والحروز والخرزة الزرقاء والأصابع الخمسة والحلقة وربط الخيط والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عند رؤية ما يخاف عليه الحسد والتكبير فالمشروع هو قول ماشاء الله لا قوة إلا بالله والدعاء بالبركة والإستعاذة على ما تقدم وهذه الرسالة ما أردت بها زيادة المصنفات فى موضوع الحسد مصنفا بل أردت التنبيه على الإقتصار على السنن الثابتة فى علاج المحسود ولا أنشط الآن لتتبع بدع العوام والمشعوذين هنا ومن اكتفى بالسنة كفاه الله تعالى ثم إن الإبتداع لا ضابط له والحق أن مسألة العلاج بالرقى قد أخذت حقها من التصنيف فحسب العاقل أن يقتصد فى أمره والله العاصم من الزلل. ولا أدع الفرصة هنا تمر دون التنبيه على شئ يكثر فى كتب المعالجين وهو فى كلام المعالجين من غير أصحاب الكتب أكثر وقوعا ألا وهو أنهم يعالجون المريض أيا كان محسودا أو مصروعا أو مسحورا أو كما كان السلف يسمونه مطبوبا تفاؤلا بشفائه. فتجد المعالج يقرأ آيات يظن أن فى ألفاظها دلالة على مطابقة حال المريض لها ويجعلها من الرقى الخاصة بهذا المرض وإذا توسع أكثر من ذلك جعل هذه الآيات لكذا وهذه لكذا وحد حدودا ووضع كيفيات ما أنزل بها من سلطان وإن حدث الشفاء عند واحدة منها كانت لها ميزة التجربة وأنا أضرب على ذلك أمثلة فأقول: * للمحسود: يقرؤن: ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير. وما أنزل اله الآية لذلك ولا بين الآية وحالة المريض أى علاقة. * يناول بعضهم المريض ماء قد قرأ عليه ويقرأ: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)} [الإنسان: 21]

بعضهم إذا سمع بكاء المريض ردد قول الله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} الدخان (49) وبعضهم يقرأها وهو يضرب المصروع * بعضهم يكتب للمريض فواتح السور من القرءان الكريم من الحروف المقطعة كقول الله تعالى: كهيعص. وقوله تعالى: حم عسق. وقوله تعالى: الر. وقوله تعالى: الم. وقوله تعالى: المص وقوله تعالى: طس. وقوله تعالى: طسم. إلى أخر ذلك مما لا يعلم تأويله إلا الله ولا ينبغى الخوض فيه بلا علم. * بعضهم صب فوق رأس مريض الماء البارد وهو يتلو: {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} الدخان (48) * بعضهم يصب على المريض الماء وهو يتلو: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} سورة ص الآية (42) وهذا من الجهل المركب ونظير هذا أن الناس يقولون فى افتتاح الأعمال أو عند تكريم بعض الرجال يتلون قول الله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} التوبة (105) والآية تهديد ووعيدد من الله تعالى للمنافقين. وليس فيها أى افتخار بعمل العاملين ولا بتقدير المتميزين ولاالمتقنين البارعين! ! قال ابن جرير الطبرى رحمه الله: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَقُلْ يا محمد لهؤلاء الذين اعترفوا لك بذنوبهم من المتخلفين عن الجهاد معك: اعْمَلُوا لله بما يرضيه من طاعته وأداء فرائضه, فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ يقول: فسيرى الله إن عملتم عملكم, ويراه رسوله. وَالمُؤْمِنُونَ في الدنيا وَسَيُرَدّونَ يوم القيامة إلى من يعلم سرائركم وعلانيتكم, فلا يخفى عليه شيء من باطن أموركُمْ وظواهرها. فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول: فيخبركم بما كنتم تعملون , وما منه خالصا وما

منه رياء وما منه طاعة وما منه لله معصية, فيجازيكم على ذلك كله جزاءكم, المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن يمان عن سفيان عن رجل عن مجاهد: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمُؤْمِنُونَ. قال: هذا وعيد. اهـ من نفسيره عند تفسير الآية وأثر مجاهد ضعيف كما هو ظاهر لجهالة شيخ الثورى رحمه الله. وقال ابن كثير رحمه الله: قال مجاهد: هذا وعيد من الله تعالى للمخالفين أوامره، بأن أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى، وعلى الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى المؤمنين، وهذا كائن لا محالة يوم القيامة، كما قال: {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}، وقال تعالى: {يوم تبلى السرائر}، وقال: {وحصل ما في الصدور}، وقد يظهر الله تعالى ذلك للناس في الدنيا كما قال الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة، لأخرج الله عمله للناس كائناً ما كان"، وقد ورد: أن أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيراً استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا" (أخرجه أحمد والطيالسي). وقال البخاري: قالت عائشة رضي الله عنها: إذا أعجبك حسن عمل امرئ مسلم فقل: {اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}، وفي الحديث الصحيح: "إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله قبل موته"، قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله؟ قال: "يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه" (أخرجه أحمد عن أنس ابن مالك). اهـ من النفسير العظيم. والآثار فى عرض أعمال الأحياء على موتاهم لا تثبت وقد بينت ضعفها فى كتابى الحياة البرزخية.

وقال البغوى رحمه الله فى تفسيره: قال مجاهد: هذا وعيد لهم. قيل: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بإعلام الله تعالى إياه، ورؤية المؤمنين بإيقاع المحبة في قلوبهم لأهل الصلاح، والبغضة لأهل الفساد. اهـ وقال الشيخ عبد الرحمن السعدى رحمه الله: يقول تعالى: " وقل " لهؤلاء المنافقين: " اعملوا " ما ترون من الأعمال، واستمروا على باطلكم، فلا تحسبوا أن ذلك سيخفى. " فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " أي: لا بد أن يتبين عملكم ويتضح، " وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " من خير وشر. ففي هذا التهديد والوعيد الشديد على من استمر على باطله وطغيانه، وغيه وعصيانه. ويحتمل أن المعنى: أنكم مهما عملتم من خير وشر، فإن الله مطلع عليكم، وسيطلع رسوله وعباده المؤمنين، على أعمالكم، ولو كانت باطنة. اهـ من التفسير عند تفسير الآية. وإنما أطلت هذا لما توسع الناس فى الإستشهاد بالآيات فى غير موضعها حتى تعودوا على هذا وصار أقل الناس يتكلم فى القرءان ويفسر على هواه ويظن أنه فى سعة من أمره وليس كذلك. وكان السلف يستقبحون مثل هذا جدا فقد روى الترمذي وأبو داود عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ التُّجِيبِيِّ قَالَ: كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنَ الرُّومِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةَ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ

صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاحِهَا وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ، فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِأَرْضِ الرُّومِ. (¬1) ولا يخفى أن كل شئ فى مكانه حسن. ووضع الشئ فى غير محله من الغبن الفاحش بل من الجهل الفاضح فضلا عن أن نقول إن المراء فى القرءان والعياذ بالله. ولئن استنكرنا هذا فلنا فى هذا أسوةمن السلف والله الهادى إلى طريق مستقيم. ¬

(¬1) صحيح: أخرجه الترمذى (2972) وأبوداود (2512) من طريق حيوة بن شريح التجيبى عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران التجيبى .. ورجاله ثقات وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح غريب. اهـ

* خاتمة

* خاتمة إعلم علمنى الله وإياك أن الحسد من نواتج الحقد والحقد نتاج الغضب فهو فرع فرعه والغضب أصل أصله كما حرره الغزالى فى الإحياء (¬1) وما أحوج الحسود إلى معالجة هذا الباب لإصلاح قلبه ومن ثم صلاح نفسه وصلاح ذات البين ذلك أن الأمر خطير وقديما قالوا: كل العداوات قد ترجى إماتتها ... إلا عداوة من عاداك من حسد فهذ البيت وإن كان يروى. . . إلا عداوة من عاداك فى الدين. لكن حسبنا أن الحسد يفسد ذات البين وهى الحالقة التى تحلق الدين كما فى الخبر. فالحسد ناتج عن الكراهية والغضب والرجل إذا كره أظلم قلبه من جهة ما يكره فكره كل ما يشبهه فترى السفيه إذا حسد فقيها حسد لأجله كل فقيه وترى من يكره حاكما لظلمه يكره كل ظالم وإن لم يكن حاكما ويرى منه ما لا يراه غيره. وبالعكس تماما إذا أحب كلف فسعى فى تحصيل ما يحب وأحب لحبه كل ما يشبهه كما قيل: أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب. وأسأل الله تعالى أن يكون هذا الجهد المتواضع علاجا للحاسد قبل المحسود لما ذكرت فإن الوقاية خير من العلاج. وأن يصلح لنا قلوبنا ويحفظها علينا من الحقد والحسد والكراهية والبغض كما أسأله تعالى أن ينفع به من جمعه وكتبه وقرأه وساعد على نشره. وأن يتقبله منى ويجعله فى ميزان حسناتى يوم القيامة إنه ولى ذلك وحده والقادر عليه. فقد وضعته نصيحة وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ولم يخف على ما قاله صاحب كشف الظنون حيث قال: الإنسان في فسحة من عقله، وفي سلامة من أفواه ¬

(¬1) وراجع هذا الكتاب - والأولى أن لا تراجعه - فى موضوع الحسد فإنه من أنفع ما كتب لإصلاح القلوب لكن اقرأ معه المغنى عن حمل الأسفار للعراقى لتخريج الأحاديث أو اعتمد على نسخة محققة فإن الإحياء ملئ بالأحاديث الضعيفة والموضوعة وفى كثير منها نصر لمذهب المتصوفة ومخالفة لعقيدة أهل السنة.

جنسه، ما لم يضع كتابا، أو لم يقل شعرا، وقد قيل: من صنف كتابا فقد استشرف للمدح والذم، فان أحسن فقد استهدف من الحسد والغيبة، وان أساء فقد تعرض للشتم والقذف .. اهـ فأرجو من نفعه مالم أكن أطمع فى بعضه لو سكت أسأل الله من فضله. وفى الختام أقول: " رحم الله من نظر بعين الإنصاف إليه ووقف فيه على خطأ فأطلعنى عليه وإنى لجدير بأن أنشد قول القائل: حمدت الله حين هدى فؤادى ... لما أبديت مع عجزى وضعفى فمن لى بالخطا فأرد عنه ... ومن لى بالقبول ولو بحرف وأعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات فى العقد ومن شر حاسد إذا حسد. فإنى لحقيق بأن أنشد قول من قال من أهل الكمال: إنى لأرحم حاسدى لفرط ما ... ضاقت صدورهم من الأوغار (¬1) نظروا صنيع الله بى فعيونهم ... فى جنة وقلوبهم فى نار لا ذنب لى قد رمت كتم فضائلى فكأنما علقتها بمنار لكن من يكن الله معينا له وتوكله عليه لا يضره حسد الحاسدين." (¬2) وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. كتبه محمد بن عبد المعطى بن على بن أحمد آل سنجاب. أقصى الصعيد وأعلاه. أبوتشت. السليمات. نجع بكار. صفر 1423 هـ هاتف 6714326/ 096 ¬

(¬1) ذكر ابن كثير فى البداية والنهاية (12/ 21) ط الريان. هذه الأبيات لأبى الحسن التهامى الشاعر والبيت هكذا: إنى لأرحم حاسدى لحر ما ... ضمت صدورهم من الأوغار (¬2) ختم الزرقانى (1055 - 1122 هـ) بهذه الخاتمة كتابه شرح موطأ مالك رحمهما الله تعالى.

ثبت المصادر والمراجع

ثبت المصادر والمراجع (1) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار ... أبو عمر يوسف بن عبد البر. (2) الإلزامات والتتبع ... محمد بن عمر الدارقطني. (3) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ... أبو عمر يوسف بن عبد البر. (4) الإصابة في معرفة الصحابة ... أحمد بن على بن حجر العسقلاني. (5) الإحكام في أصول الأحكام ... أبو محمد على بن حزم الأندلسي (6) الأحاديث المختارة ... ضياء الدين المقدسي. (7) الإبداع فى مضار الإبتداع ... على محفوظ (8) الإحسان فى ترتيب صحيح ابن حبان لعلاء الدين بن بلبان الفارسى ط الرسالة (9) أحكام الجنائز وبدعها ... محمد ناصر الدين الألبانى ... ط المكتب الإسلامى (10) إحياء علوم الدين ... محمد بن محمد بن محمد الغزالى ... ط الحلبى (11) الأدب المفرد ... محمد بن إسماعيل البخارى (12) إدراك الفوت بما ينفع الميت بعد الموت ... محمد بن عبد المعطى بن على (13) الأذكار ... يحيى بن شرف النووى (14) إرواء الغليل فى تخريج أحاديث منار السسبيل الألبانى ط المكتب الإسلامى (15) إعلام الموقعين عن رب العالمين ... ابن قيم الجوزية (16) اقتضاء الصراط المستقيم ... شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحرانى

(17) الأم ... محمد بن إدريس الشافعى ط بولاق (18) الإعتصام ... إبراهيم بن إسحاق الشاطبى ... ط الحديث (19) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لمحمد الأمين الشنقيطي. (20) الإنسان بين السحر والعين والجان زهير حموي (21) برهان الشرع في إثبات المس والصرع ... علي عبد الحميد (22) تفسير القرآن العظيم لأبي الفداء عماد الدين ابن كثير. (23) تهذيب التهذيب لأحمد بن عمر بن حجر العسقلاني. (24) تهذيب الكمال في أسماء الرجال لأبي الحجاج يوسف المزي. (25) تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف لأبي الحجاج يوسف المزي. (26) تحفة الأحوذي محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفورى ط الكتب العلمية- بيروت (27) التمائم في ميزان العقيدة ... علي العلياني (28) تهذيب الكمال فى أسماء الرجل للحافظ أبى الحجاج المزي (29) تهذيب التهذيب، لابن حجر. (30) توقيف الفريقين على خلود أهل الدارين لمرعي بن يوسف الحنبلي تحقيق خليل السبيعي. (31) جامع البيان عن تأويل القرآن لأبي جعفر ابن جرير الطبري. (32) الجامع الصغير للسيوطي. (33) أحكام القرآن لأبي بكر الرازي الجصاص. (34) الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد القرطبي. (35) الجامع الصحيح لمحمد بن إسماعيل البخاري مع شرحه فتح الباري لابن حجر (36) الجامع الصحيح لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي

(37) الجامع الصحيح لمسلم بن الحجاج النيسابوري مع شرحه للنووي المسمى المنهاج. (38) الجامع لشعب الإيمان لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. (39) الجرح والتعديل لأبي محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي. (40) خلق أفعال العباد لمحمد بن إسماعيل البخاري. (41) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصفهاني. (42) الحسد عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين (43) الرقية النافعة للأمراض الشائعة ... سعيد عبد العظيم (44) السلسلة الصحيحة والضعيفة للعلامة محمد ناصر الدين الألباني (45) السنن لسعيد بن منصور. (46) السحربين الحقيقة والوهم في التصور الإسلامي ... عبدالسلام السكري (47) السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث (48) السنن الصغرى المسمى بالمجتبى لأحمد بن شعيب النسائي نشر مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب (49) السنن الكبرى للنسائى. ط الكتب العلمية بيروت (50) السنن لمحمد بن يزيد ابن ماجه القزويني. (51) السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (52) السنن لعبدالله بن عبدالرحمن الدارمي. (53) سنن سعيد بن منصور. (54) شرح علل الترمذي لابن رجب. (55) شرح السنة للبغوي. (56) شرح معاني الآثار لأبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (57) شرح السيوطى للسيوطى ط المطبوعات الإسلامية

(58) الشريعة للآجري. (59) شرح لمعة الاعتقاد للعثيمين. (60) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لهبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي. (61) شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (62) الصحيح لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري (63) صحيح ابن خزيمة. (64) صحيح ابن حبان. (65) العظمة لعبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهانى دار العاصمة الرياض (66) عون العبود شرح سنن أبي داود. (67) عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة ... عبد الكريم عبيدات (68) عالم الجن والشياطين ... عمر الأشقر (69) عالم الجن والملائكة ... عبد الرزاق نوفل (70) عالم السحر والشعوذة ... عمر الأشقر (71) العلاج القرآني والطبى من الصرع الجنى والعضوى أحمد محمد الديب (72) العين حق أحمد الشميمرى (73) الضعفاء والمتروكين للعقيلي. (74) طبقات المحدثين بأصبهان أبو محمد عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري ط مؤسسة الرسالة- بيروت (75) الطرق الحسان في علاج أمراض الجان ... خليل أمين (76) العلل المتناهية، لابن الجوزي. (77) العلل، لابن أبي حاتم.

(78) فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين ... عبدالرحمن الطيار (79) فتح المغيث في السحر والحسد ومس ابليس ... ماهر آل مبارك (80) قواعد الرقية الشرعية ... عبدالله السدحان (81) كتاب السحر بين الحقيقة والخيال ... أحمد الحمد (82) القاموس المحيط للفيروز آبادى (83) كتاب الثقات والمجروحين لمحمد ابن حبان البستي صاحب الصحيح. (84) كشف الخفاء ومزيل الإلباس لإسماعيل بن محمد العجلونى (85) كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية؟ ... عبدالله السدحان (86) الكامل في ضعفاء الرجال لأبى أحمد عبدالله ابن عدي الجرجانى ط الفكر بيروت (87) كتاب المجروحين، لابن حبان. (88) الكفاية فى علم الرواية للخطيب البغدادى. (89) كتاب معرفة علوم الحديث، للحاكم. (90) لسان العرب لابن منظور (91) المسند لمحمد بن إدريس الشافعي. (92) الموقظة فى علم المصطلح للإمام الذهبي رحمه الله. (93) موطأ الإمام مالك بن أنس. (94) معرفة علوم الحاديث لأبي عبدالله الحاكم. (95) المغني لأبي محمد عبدالله بن قدامة المقدسي. (96) المسند لعبدالله بن الزبير الحميدي. (97) معرفة السنن والآثار للبيهقي (98) المسند لأبي يعلى أحمد بن علي الموصلي.

(99) المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعاني. (100) المصنف في الأحاديث والآثار لأبي بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة. (101) المسند لأبي داود سليمان بن داود الطيالسي. (102) المسند للإمام أحمد بن حنبل. (103) المسند لإسحاق بن راهوية. (104) المستدرك على الصحيحين الحاكم ط الكتب العلمية بيروت (105) المعجم الصغير لأبي القاسم سليمان الطبراني (106) المعجم الكبير للطبراني. (107) المنتخب من مسند عبد بن حميد بن نصر. (108) المنتقى، لابن الجارود. (109) المنتقى فى قمع البدع والهوى ... محمد بن عبد المعطى آل سنجاب (110) مسند أبي يعلى الموصلي (111) المرقاة شرح المشكاة. (112) مرجع المعالجين من القرآن الكريم والحديث. محي الدين عبدحميد (113) المحلى، لابن حزم. (114) معارج القبول، للحكمي. (115) محاولة تصحيح العلاج بالرقية علي بن محمدياسين (116) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. (117) الموضوعات، لابن الجوزي. (118) ميزان الاعتدال في نقد الرجال لأبي عبد الله الذهبي. (119) المقاصد الحسنة، للسخاوي. (120) مختصر المقاصد الحسنة ... الزرقانى ... تحقيق د / لطفى الصباغ (121) نصب الراية لأحاديث الهداية لجمال الدين أبي محمد عبدالله بن

يوسف الزيلعي الحنفي. (122) نخبة الفكر، لابن حجر. (123) النذير العريان لتحذير المرضى والمعالجين فتحي الجندي (124) نيل الأوطار، للشوكاني. (125) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبى العباس أحمد بن محمد بن أبى بكر بن خلكان ط الثقافة بيروت (126) وقاية الإنسان من الجن والشيطان وحيد عبد السلام بالي (127) الوقاية والعلاج بالكتاب والسنة محمد بن شايع

§1/1