المحنة وأثرها في منهج الإمام أحمد النقدي

عبد الله بن فوزان الفوزان

[المقدمة]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [المقدمة] الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه بما هو أهله، وأُثني عليه الخير كله، وأُصلي وأُسلم على خير خلقه وخاتم رسله، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد: فهذه ورقات يسيرة في تجلية أثر المحنة في منهج الإمام أحمد رحمه الله النقدي، إذ ليس يخفي على أهل العلم - خصوصًا أصحاب الحديث منهم - أن المحنة التي امتدت أكثر من خمسة عشر عامًا تركت أثرًا واضحًا في الإمام، لا سيما أنها كانت في آخر حياته؛ فلم يبق الإمام بعد انجلاء غمتها إلا سنوات يسيرة. وقد دعاني إلى هذه الدراسة الأسباب التالية: 1 - شهرة هذه المحنة وعمومها. 2 - طول مدتها زمنًا، وانتشارها مكانًا؛ إذ عمت غالب البلاد. 3 - أنها من المحن القلائل التي توالى عدد من الحكام والولاة على القول بها وحمل الناس عليها.

4 - كثرة من ابتلي بها من كبار الأئمة، وأعلام السنة، وعلماء الملة. 5 - ما كان لها من أثر واضح بين في حياة الإمام أحمد وحالته وصحته، فليس هناك شك أنها أشهر الأحداث في حياته وأعظمها أثرًا وتأثيرًا. 6 - ما ترتب عليها - عند الإمام بوجه خاص - من أثر حديثي ونقدي من الكلام في بعض الرواة ونقدهم من أجل إجابتهم في المحنة. 7 - كثرة التفاسير واختلاف التوجيهات لمواقف الأئمة - وموقف أحمد عَيْنًا - في هذه المحنة بين إفراط وتفريط، وغلو وجفاء، وتبرير وإدانة، وتبع ذلك شيءٌ من التنقيص أو التقديس. 8 - تصور بعض طلاب العلم - فضلاً عن غيرهم - أن المحنة حدثٌ تاريخي مجرد كغيره مما وقع في غابر الأزمان، والأمر - يقينًا - ليس كذلك، فلهذه المحنة من الأثر العقدي والحديثي والتاريخي الشيء الواضح البين. 9 - خطورة المسألة عقديًا، فهي - ربما تكون على الباحث - من المزالق الخطيرة، كيف لا؟! وهي فيصل بيّن، وحاجز ظاهر بين السنة والبدعة، بل بين الإسلام والكفر، وقد ظهر من آثارها حتى في الأسماء والأوصاف ما عرف فيما بعد بـ: أحمد السنة، وأحمد البدعة.

10 - أنني لم أقف على بحث يتناول أثر هذه المحنة في المنهج العلمي والنقدي عند الإمام أحمد رحمه الله، وأقرب ما يوافق الهدف العام للبحث رسالة صغيرة للشيخ عبد الفتاح أبو غدة بعنوان (مسألة خلق القرآن وأثرها في صفوف الرواة والمحدثين وكتب الجرح والتعديل)، وستأتي الإشارة إليها وتعقب بعض أهل العلم لها. وقد قصدت من هذا البحث تحقيق الأهداف التالية: * بيان شدة هذه المحنة وعظيم فتنتها. * توضيح مدى أثرها في الأمة وعلى الأئمة. * تصوير قوة تأثيرها على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله. * كشف العلاقة بينها وبين منهج النقد عنده رحمه الله، وهو الهدف الأصلي. * أثر هذه المحنة على علم الجرح والتعديل من خلال منهج الإمام أحمد، والمعلوم أنه من كبار أئمة السنة، ومن أشهر المعتدلين في نقد الرواة. * تجلية مواقف بعض الأئمة الذين ابتلوا بهذه البلية الكبيرة. وسوف أتناول ذلك - مستعينًا بالله تعالى - من خلال المباحث التالية: المبحث الأول: مختصر عن تأريخ المحنة وأحداثها. المبحث الثاني: أثر المحنة في منهج الإمام، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: أثرها في منهجه العلمي، وفيه: * تركه التحديث بعد المحنة. * ترك التحديث عمن أجاب بعد المحنة وإبقاء ما حدث به عنه قبلها. * الضرب على حديث بعض الرواة وتركه مطلقًا. * نهيه عن التحديث بأحاديث ربما فهم منها تأييد البدعة. * منعه لابنه أن يحدث عن المبتدعة عمومًا، وعمن أجاب في المحنة خصوصًا. المطلب الثاني: أثرها في منهجه النقدي، وفيه: * تعديل الرجل والثناء عليه؛ لثباته في المحنة وتمسكه بالسنة. * كلامه فيمن أجاب متأولاً. * كلامه فيمن قال: القرآن مخلوق اعتقادًا. * كلامه في الواقفة. المبحث الثالث: أشهر الأئمة الذين امتحنوا وموقف الإمام منهم، وفيه مطلبان: المطلب الأول: أشهر الأئمة الذين امتحنوا ولم يجيبوا وموقف الإمام منهم. المطلب الثاني: أشهر الأئمة الذين امتحنوا فأجابوا أو توقفوا، وموقف الإمام منهم.

وقد سرتُ في مسالك البحث وفق الخطوات التالية: 1 - جعلت عنوان البحث (المحنة وأثرها في منهج الإمام أحمد النقدي)، وقد تضمن البحث الكلام على الأثر في المنهج العلمي، لكن ذلك كالمدخل للمنهج النقدي، فذلك تعميم تلاه تخصيص، وقصرت العنوان على المنهج النقدي؛ لأن البحث متعلق بالجرح والتعديل، ذاك الباب الكبير الواسع من أبواب السنة وعلومها. 2 - صغت حدث المحنة تاريخيًا، دون النظر إلى ترتيب المصادر. 3 - اختصرت ذكر المحنة دون الإخلال في شيء من فصولها أو أحداثها المهمة، ولم أتوسع في ذلك؛ إذ ليس البحث في تاريخها وأحداثها خصوصًا، فذاك بحث تاريخي صرفٌ، وإنما أردت أن يكون ذلك مدخلاً لأصل البحث. 4 - ذكرت أهم مؤثرات المحنة على الإمام أحمد في منهجه العلمي ثم منهجه النقدي - وهو الأهم والمقصود الأصل بالبحث - دون غيرهما من مؤثر سياسي، أو اجتماعي أو نحو ذلك. 5 - ترجمت للأئمة الذين امتحنوا، وقد اقتصرت على العناصر الأساسية للتعريف بكل إمام، واعتمدت في وصف الواحد منهم - غالبًا - على عبارة الذهبي في السير، وذكرت في

الحاشية أشهر مصادر ترجمته، ثم ذكرت موقفه في المحنة، ثم موقف الإمام منه، وإن اقتضى السياق جمعت بينهما في عنوان واحد. 6 - ذكرت بعض الأئمة وإن لم يمتحنوا صريحًا؛ لأنهم فروا من المحنة أو اختبأوا عن عين السلطان؛ كالعجلي، وأصبغ بن الفرج؛ لأجل أنهم سجلوا موقفًا في المحنة ومن باب إتمام البحث في ذكر كل من كان له موقف في المحنة، وأيضًا بعض الأئمة لم أقف للإمام أحمد على رأي فيهم، ومع ذلك فقد ذكرتهم لكونهم من كبار الأئمة ومن أشهر من ابتلي فيها، فسكوت الإمام عن ذلك يشكل منهجًا، وربما نقف على كلام له رحمه الله فيما بعد. 7 - ختمت بعد ذلك بخاتمة فيها أهم النتائج. 8 - ذيلت البحث بالفهارس العلمية اللازمة. والله أسأل التوفيق والسداد فيما قصدت، وأن يكون خالصًا لوجهه الكريم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا كتبه د. عبد الله بن فوزان بن صالح الفوزان الأستاذ المشارك في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة طيبة E-mail: [email protected]

المبحث الأول مختصر عن تأريخ المحنة وأحداثها

المبحث الأول مختصر عن تأريخ المحنة وأحداثها (¬1) خرج الإمام أحمد إلى الدنيا بعد استقرار الحكم لبني العباس، في وقت تميز بالاستقرار السياسي في معظم فتراته، وعاصر الإمام ثمانية من الخلفاء، وهم: المهدي والهادي، والرشيد، والأمين، والمأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل. ويعد هذا العصر عصر انتصارات واسعة، وحضارة مزدهرة، وقوة وهيبة للخلافة، وكانت الحركة العلمية قوية جدًا؛ فبغداد دار السلام والخلافة والعلم والعلماء. ولكن مما يلحظ على هذا العصر - المزدهر في شتى ¬

(¬1) ينظر في خبر المحنة: سيرة الإمام أحمد لابنه صالح ص (48 - 65، 83 - 95)، وذكر محنة الإمام أحمد لابن عمه حنبل بن إسحاق، وحلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 196)، ومحنة الإمام أحمد للمقدسي، ومنازل الأئمة الأربعة ص (253)، ومناقب الإمام أحمد ص (385 - 462)، والسير (11/ 232)، وتاريخ الإسلام (18/ 97)، والبداية والنهاية (14/ 393)، والجوهر المحصل ص (62)، والمنهج الأحمد (1/ 100).

مجالاته - ما صاحبه من تعكير صفوه بتأثير الفرس والروم السيء سياسةً وفكرًا وعقيدةً، وزاده سوءًا ما عُرب من كتبهم وكتب اليونان والهند، فابتليت الأمة بفتنة عمياء ومحنة شنعاء ألا وهي: «محنة القول بخلق القرآن» والتي حُمِلَ الناس على القول بها (¬1). وقد ابتدأها الخليفة العباسي المأمون؛ وذلك بعد أن استحوذ المعتزلة عليه فأزاغوه، وزينوا له هذا المذهب الفاسد، ولم يكن خليفة من الخلفاء قبله إلا وهو على مذهب السلف ومنهاجهم القويم (¬2). وبعد تولي المأمون الخلافة سنة (198 هـ)، ظهرت الدعوة إلى القول بخلق القرآن؛ بسبب تقريبه لأهل البدع والاعتزال، من أمثال أحمد بن أبي دُؤَاد (¬3)، الذي كان رأس الفتنة ¬

(¬1) ينظر: السير (11/ 236 - 237)، والبداية والنهاية (14/ 396)، والجوهر المحصل ص (62). (¬2) ينظر: المناقب ص (385 - 386)، والسير (11/ 236)، والبداية والنهاية (14/ 396). (¬3) هو: أحمد بن أبي دؤاد بن جرير أبو عبد الله الإيادي القاضي، قال الخطيب في تاريخ بغداد (4/ 141): «كان موصوفًا بالجود والسخاء، وحسن الخلق، ووفور الأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهمية، وحمل السلطان على الامتحان بخلق القرآن»، وقال الذهبي في العبر (1/ 431): «كان فصيحًا مفوهًا، شاعرًا، جوادًا، ممدحًا، رأسًا في التجهم، وهو الذي شغب على الإمام أحمد بن حنبل، وأفتى بقتله، وقد مرض بالفالج قبل موته بنحو أربع سنين، ونكب وصودر» وقال في ميزان الاعتدال (1/ 97): «جهمي بغيض»، توفي سنة 240 هـ.

ومشعلها في الأمة - عامله المولى بما يستحق - والسبب في ميل المأمون للمعتزلة وتقريبه لهم أنه كان تلميذًا لأبي الهذيل العلّاف والذي كان من رؤوس المعتزلة (¬1). فأخذ يعمل جاهدًا في نشر الاعتزال طيلة تسع عشرة سنة، دون أن يحمل الناس على ذلك بقوة السلطان، فلما دخلت سنة ثماني عشرة ومائتين من الهجرة، أمر بامتحان العلماء وحملهم على القول بخلق القرآن، فكتب إلى نائبه في بغداد، وهو إسحاق بن إبراهيم الخزاعي يأمره بحمل الناس على ذلك، وقد استعمل في حمل العلماء على تلك المقولة التهديد والوعيد، فمن امتنع منهم عن القول بخلق القرآن حُبِسَ، وضيق عليه، وضرب، وعُزل عن وظيفته، وقطع رزقه من بيت المال (¬2). ثم كتب إليه ثانية بإحضار أشخاص سبعة، وهم: محمد بن سعد كاتب الواقدي، ويحيى بن معين، وأبو خثيمة، وأبو مسلم المستملي، وإسماعيل بن داود الجوزي، وأحمد ¬

(¬1) ينظر: محنة الإمام أحمد للمقدسي ص (39 - 69)، والبداية والنهاية (14/ 396). (¬2) ينظر: مجموع الفتاوى (11/ 479)، والبداية والنهاية (14/ 396).

الدورقي، وابن أبي مسعود، فحملوا إلى الرقة (¬1) حيث المأمون، فامتحنهم فأجابوا خوفًا من السيف ثم أطلقوا. ولقد اغتم الإمام لإجابة هؤلاء؛ لأن هذا مبدأ الأمر فلو صبروا لانقعطت الفتنة وانتهت المحنة، ولكن الله غالب على أمره. قال حنبل: «سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل - وذكر الذين حملوا إلى الرقة إلى المأمون وأجابوا - فذكرهم أبو عبد الله بعد ذلك فقال: هؤلاء لو كانوا صبروا وقاموا لله لكان الأمر قد انقطع، وحذرهم الرجل - يعني: المأمون - ولكن لما أجابوا وهم عين البلد اجترأ على غيرهم. وكان أبو عبد الله إذا ذكرهم اغتم لذلك، ويقول: هم أول من ثلم هذه الثلمة وأفسد هذا الأمر» (¬2). ثم كتب إلى إسحاق بن إبراهيم ثالثة يأمره بإحضار مزيد من العلماء لامتحانهم، منهم: الإمام أحمد، ومحمد بن نوح، وعبيد الله بن عمر القواريري، والحسن بن حماد سجادة، ¬

(¬1) مدينة تقع شرقي حلب على نهر الفرات، كانت من أهم المدن أيام بني العباس، بني بها الرشيد قصر السلام، وهي اليوم في دولة سوريا، بينها وبين دمشق 500 كيلو. ينظر: معجم البلدان (3/ 58)، والروض المعطار (1/ 270). (¬2) ذكر محنة الإمام أحمد ص (34)، وينظر: محنة الإمام أحمد للمقدسي (40).

فأخذهم وامتحنهم فأبوا أن يجيبوا جميعًا، ثم امتحنهم مرة أخرى، فمن امتنع أمر بحبسه وتقييده، فلما كان بعد ذلك دعا بالقواريري، وسجادة فأجابا وخلى عنهما، فبقي ممن لم يجب الإمام أحمد، ومحمد بن نوح - عليهم رحمة الله -، فلم يجيبا أبدًا، وامتنعا عن القول بذلك، فحبسا أيامًا، حتى ورد كتاب المأمون من طرسوس (¬1) يأمر بحملهما مقيدين فحملا إليه، ومضى الإمام داعيًا ربه ألا يريه المأمون، فلما بلغا الرقة تلقاهم نبأ موت المأمون في السنة نفسها (218 هـ)، فردا إلى بغداد، فلما كانا ببلدة عانة (¬2) توفي محمد بن نوح رحمه الله، فصلى عليه الإمام ودفنه (¬3). قال الإمام أحمد: «فكنت أدعو الله ألا يريني وجهه، قال: فلما دخلنا طرسوس أقمنا أيامًا، فإذا رجل قد دخل علينا، فقال لي: يا أبا عبد الله قد مات الرجل - يعني: ¬

(¬1) بفتح الطاء والراء، تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى الشمال الغربي من أنطاكيا، بينها وبين حلب، من ثغور الشام المشهورة، وهي اليوم تقع في جمهورية تركيا. ينظر: معجم البلدان (4/ 28)، والروض المعطار (1/ 388). (¬2) بلد مشهور بين الرقة وهيت، من أعمال الجزيرة، مشرفة على الفرات، وبها قلعة حصينة. معجم البلدان (4/ 72). (¬3) ينظر: ذكر محنة الإمام لحنبل ص (34 - 41)، ومحنة الإمام للمقدسي (40 - 46)، والمناقب ص (392 - 393)، والسير (11/ 242).

المأمون - فحمدت الله وظننت أنه الفرج، إذا رجل قد دخل فقال: إنه قد صار مع أبي إسحاق المعتصم رجل يقال له: ابن أبي دؤاد، وقد أمر بإحضاركم إلى بغداد، فجاءني في أمر آخر فحمدت الله على ذلك، وظننت أنا قد استرحنا حتى قيل لنا: انحدروا إلى بغداد» (¬1). فجيء بأبي عبد الله مقيدًا حتى أدخل السجن، فكانت بداية هذه المحنة العظيمة في هذه السنة - أعني: ثماني عشرة ومائتين - (¬2). فتولى بعد المأمون المعتصم، فاقتفى أثر سابقه واستفحلت المحنة بعد توليه الخلافة، فلم يكتفوا بإدخال الإمام سجن بغداد، بل أنالوه الأذى وضربوه ضربًا شديدًا حتى تخلعت يداه، والإمام صابر يناظر ويحتمل صنوف الأذى مع سجن دام نحوًا من ثمانية وعشرين شهرًا، وقيل: نحوًا من ثلاثين شهرًا، وناظروه طويلاً فلم يستطيعوا له تحويلاً ولا صرفًا إلى بدعتهم، بل كان يسكتهم بقوة حجته، وشدة يقينه وإيمانه، ¬

(¬1) ذكر محنة الإمام أحمد ص (39)، وينظر: محنة الإمام للمقدسي ص (51 - 52)، والبداية والنهاية (14/ 396 - 367)، والجوهر المحصل ص (66 - 72). (¬2) ينظر: سيرة الإمام أحمد ص (48 - 49)، والمناقب ص (387 - 393)، والبداية والنهاية (14/ 396 - 397)، والجوهر المحصل ص (66 - 72).

وثبات قلبه، فلما رأى الخليفة المعتصم إصراره وعدم تزحزحه عن قوله أمر بضربه بين يديه فطاله الأذى العظيم، حتى لقد قال أحد الجلادين: «لقد ضربت أحمد بن حنبل ثمانين سوطًا، لو ضربت فيلاً لهدته» (¬1). وفي شهر رمضان من سنة إحدى وعشرين ومائتين أمر الخليفة بإطلاقه، ففرح المسلمون بخروجه وأقام في بيته يتعالج من آثار الضرب الشديد حتى شفاه الله، وبعد برئه باشر التدريس والفتوى وحضور الجمعة والجماعة حتى مات المعتصم سنة سبع وعشرين ومائتين. فيكون الإمام قد مكث في السجن منذ أُخِذَ وحُمِلَ إلى المأمون إلى أن ضربه المعتصم وخلى عنه سنتين وأربعة أشهر (¬2). ثم ولي الواثق بالله الخلافة بعد أبيه المعتصم، فأظهر ما أظهره سلفه من حمل الناس على القول بخلق القرآن والانقياد لما يمليه عليه رأس المعتزلة وأحمدُ البدعة ابنُ أبي دؤاد. ¬

(¬1) المناقب ص (412)، وينظر: سيرة الإمام أحمد ص (51 - 65)، والمحن لأبي العرب التميمي ص (435 - 438)، والمناقب ص (397 - 420)، والجوهر المحصل ص (72 - 93). (¬2) ينظر: المناقب ص (421 - 428)، ومحنة الإمام أحمد للمقدسي ص (73 - 131)، والسير (11/ 263)، والبداية والنهاية (14/ 397 - 403).

فلما دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائتين أمر بامتحان الأئمة والمؤذنين بخلق القرآن، لكنه لم يتعرض للإمام أحمد بشيء في هذا الامتحان، بل اكتفى بالإرسال إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم أن يبلغ الإمام بأن لا يجتمع إليه أحد، ولا يسكن بأرض أو مدينة هو فيها، وأن يلزم بيته، ولا يخرج إلى جمعة ولا جماعة، وإلا نزل بك ما نزل بك في أيام أبي إسحاق، فاختفى الإمام أحمد بقية حياة الواثق، ولم يزل ينتقل في الأماكن، ثم عاد إلى بيته بعد أشهر ولزم منزله فلا يخرج منه لا إلى جماعة ولا إلى جمعة، وامتنع من التحديث، واستمر به ذلك إلى أن توفي الواثق سنة اثنتين وثلاثين ومائتين (¬1). وفي تعليل ذلك نقل ابنه صالح عنه أنه قال: «إني لأرى طاعته في العسر واليسر، والمنشط والمكره والأَثَرة، وإني لآسف عن تخلفي عن الصلاة، وعن حضور الجمعة، ودعوة المسلمين» (¬2). ثم ولي الخلافة بعده المتوكل، فكشف الله به الغمة، ¬

(¬1) ينظر: ذكر محنة الإمام أحمد ص (72 - 73)، والمناقب ص (429 - 437)، ومحنة الإمام أحمد للمقدسي ص (166 - 175)، والسير (11/ 264)، والبداية والنهاية (14/ 411 - 412)، والجوهر المحصل ص (93 - 100). (¬2) سيرة الإمام أحمد لابنه ص (90).

وأظهر السنة، ومحا البدعة، وأخمد الفتنة، ففرح المسلمون بالفرج، وقد أكرم الإمام أحمد وعظمه، حتى كان لا يولي أحدًا ولاية إلا بمشورته، وطلب منه الإقامة عنده فأبى (¬1). فهذا مجمل خبر المحنة، وبيان فصولها العريضة، ولقد خرج منها الإمام أحمد بعد صبره منتصرًا، وبعد مكابدته مظفرًا، فجعل الله له قبولاً في الأرض، حتى أصبح إمامًا لأهل الجماعة والسنة، ومحنة لأهل الأهواء والبدعة. ولقد صدق بشر بن الحارث أحد أصحاب الإمام إذ يقول: «إن أحمد أدخل الكير فخرج ذهبًا أحمر» (¬2). وقال علي بن المديني: «أعز الله الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة» (¬3). وقال الميموني: «قال لي علي بن المديني بعدما امتحن أحمد: يا ميموني، ما قام أحد في الإسلام ما قام أحمد بن ¬

(¬1) ينظر: ذكر محنة الإمام أحمد ص (84 - 92)، ومناقب الإمام أحمد ص (438 - 462)، ومحنة الإمام أحمد لعبد الغني المقدسي ص (176 - 193)، وسير أعلام النبلاء (11/ 265 - 280)، والبداية والنهاية (14/ 412 - 420)، والجوهر المحصل ص (101 - 111)، والمنهج الأحمد (1/ 111 - 112). (¬2) طبقات الحنابلة (1/ 28)، وينظر: السير (11/ 191)، والبداية والنهاية (14/ 407). (¬3) طبقات الحنابلة (1/ 28)، وينظر: السير (11/ 196).

حنبل. فعجبت من هذا عجبًا شديدًا، وذهبت إلى أبي عبيد القاسم بن سلام، فحكيت له مقالة علي بن المديني، فقال: صدق، إن أبا بكر وجد يوم الردة أنصارًا وأعوانًا، وإن أحمد بن حنبل لم يكن له أنصار ولا أعوان، ثم أخذ أبو عبيد يُطْري أحمد ويقول: لست أعلم في الإسلام مثله» (¬1). ¬

(¬1) طبقات الحنابلة (1/ 36)، وينظر: السير (11/ 191)، والبداية والنهاية (14/ 408).

المبحث الثاني أثر المحنة في منهج الإمام

المبحث الثاني أثر المحنة في منهج الإمام وفيه مطلبان: المطلب الأول أثرها في منهجه العلمي وفيه ما يلي: تركه التحديث بعد المحنة: وقد كان هذا من الإمام رحمه الله في آخر أمر المحنة قبل وفاته، وأما قبل ذلك فقد حدَّث أيامًا يسيرة بعد وفاة المعتصم. قال أبو عبد الله البوشنجي: «حدث أحمد جهرة حين مات المعتصم، فرجعت من الكوفة، فأدركته في رجب سنة سبع وعشرين وهو يحدث، ثم قطع الحديث لثلاث بقين من شعبان بلا منع، بل كتب الحسن بن علي بن الجعد قاضي بغداد إلى ابن أبي دؤاد: إن أحمد قد انبسط في الحديث، فبلغ

ذلك أحمد، فقطع الحديث إلى أن توفي» (¬1)، فيكون تركه للتحديث في هذه الفترة قد استمر قرابة خمسة أعوام. وفي أول عهد المتوكل - بويع له بالخلافة في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين - كان الإمام يحدث، بل يرى أن حاجة الناس إلى العلم شديدة وملحة في زمن المحن والفتن. قال ابن عمه حنبل بن إسحاق: «ثم ولي جعفر المتوكل، فلما ولي انكشف ذلك عن المسلمين، وأظهر الله السنة، وفرج عن الناس، فكان أبو عبد الله يحدثنا، وسمعته يقول: ما كان الناس إلى الحديث والعلم أحوج منهم في زماننا هذا» (¬2). وقال أبو بكر المروذي: «سمعت يعقوب رسول الخليفة يقول لأبي عبد الله: يجيئك ابني بين المغرب والعشاء فتحدثه بحديث واحد أو حديثين، فقال: لا، لا يجيء. فلما خرج سمعته يقول: ترى لو بلغ أنفه طرف السماء حدثته! أنا أحدث حتى يوضع الحبل في عنقي!» (¬3). وفي سياق آخر: أن أبا عبد الله لما أرسل إلى المتوكل في سامراء، قال له يعقوب - أحد حُجاب المتوكل -: «إن لي ¬

(¬1) السير (11/ 265)، وينظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (428). (¬2) ذكر محنة الإمام أحمد ص (73)، وينظر: السير (11/ 265). (¬3) أخبار الشيوخ وأخلاقهم ص (139) رقم (218)، وينظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (451).

ابنًا أنا به معجب، وإن له في قلبي موقعًا، فأحب أن تحدثه بأحاديث، فسكت، فلما خرج قال: أتراه لا يرى ما أنا فيه؟!» (¬1). ثم استقر الأمر بالإمام ألا يحدث إلا ولده وحنبل ابن عمه. قال عبد الله: «سمعت أبي سنة سبع وثلاثين ومائتين يقول: قد استخرت الله أن لا أحدث حديثًا على تمامه أبدًا، ثم قال: إن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وإني أعاهد الله أن لا أحدث بحديث على تمامه أبدًا، ثم قال: ولا لك، وإن كنت تشتهي. فقلت له بعد ذلك بأشهر: أليس يروى عن شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «العهد يمين» (¬2)؟ قال: نعم سكت، فظننت أنه سيكفر، فلما كان بعد أيام قلت له في ذلك، فلم ينشط للكفارة، ثم لم أسمعه يحدث بحديثٍ على تمامه» (¬3). ¬

(¬1) السير (11/ 276)، وينظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (451). (¬2) لم أقف عليه عن ابن عباس، وهو بهذا الإسناد ضعيف؛ لحال شريك القاضي ويزيد بن أبي زياد، وقد أخرجه عبد الرزاق (15981، 15982) عن طاووس والشعبي من قولهما. (¬3) السير (11/ 309)، وينظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (451 - 452).

وقال حنبل: «وكان أبو عبد الله قد بلغ بُصْرَى - لما خرج إلى المتوكل بالعسكر في سُرَّ مَنْ رأى - فوجه إليه رسولاً، وقد باب ببصرى يأمره بالرجوع، فرجع أبو عبد الله، وامتنع من الحديث إلا لولده ولنا، وربما قرأ في منزلنا» (¬1). وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله في العسكر، يقول لولده: قال الله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، أتدرون ما العقود؟ إنما هو العهود، وإني أعاهد الله عز وجل، ثم قال: والله، والله، والله، وعلي عهد الله وميثاقه ألا حدثت بحديث لقريب ولا لبعيد حديثًا تامًا حتى ألقى الله، ثم التفت إلى ولده وقال: وإن كان هذا يشتهي منه ما يشتهي، ثم بلغه عن رجل من الدولة وهو ابن أكثم أنه قال: قد أردت أن يأمره الخليفة أن يكفر عن يمينه، ويحدث، فسمعت أبا عبد الله يقول لرجل من قبل صاحب الكلام: لو ضربت ظهري بالسياط، ما حدثت (¬2). ويستنتج من كل ما مضى في مسألة ترك التحديث ومراحله ومنهج الإمام فيه ما يلي: أولاً: أن الإمام كان يرى عظيم أثر العلم والحديث والسنة لا سيما أيام المحن وظهور البدع وعلو شأنها. ¬

(¬1) ذكر محنة الإمام أحمد ص (74)، وينظر: سيرة الإمام أحمد لابنه صالح ص (101). (¬2) ينظر: السير (11/ 310).

ثانيًا: أن أول ترك للتحديث منه رحمه الله كان من قبله ابتداءً، ولم يكن بمرسوم من السلطان، وذلك في سنة سبع وعشرين ومائتين - أي: في زمن المحنة وقبل انجلاء غمتها - ولم يستمر هذا الترك. وأما قبل ذلك فلم يترك التحديث، بل إن تلك الفترة - بين سنة عشرين وسبع وعشرين - هي التي أسمع فيها ابنيه وابن عمه حنبل مسنده، فقد قيل: إن ذلك كان سنة خمس وعشرين ومائتين، وفي هذه الفترة أيضًا حدَّث عنه فيها الأئمة كمسلم وأبي داود وغيرهما؛ كما عُلم من تاريخ رحلاتهم ودخولهم إلى بغداد للسماع من شيوخها وعلى رأسهم الإمام رحمه الله. ثالثًا: أنه ترك تحديث ابن رسول الخليفة ولم يكن ذلك بسبب أمر المحنة؛ بل للموقف الواضح من أبي عبد الله تجاه السلاطين وأعوانهم، وأيضًا لم يكن طلب رسول الخليفة لأبي عبد الله أن يحدث ابنه إلا لطلب الشرف بذلك والتزين به. رابعًا: أن الإمام ترك التحديث لعامة الناس، واقتصر على تحديث ولده وابن عمه، وهو الذي استمر عليه حتى مات رحمه الله، وكان ذلك من سنة سبع وثلاثين، ويلحظ على هذه المرحلة أنه في آخرها لم يكن ينبسط للتحديث مطلقًا، بل أقسم على نفسه ألا يحدث حديثًا تام.

ترك التحديث عمن أجاب بعد المحنة وإبقاء ما حدَّث به عنه قبلها: وهذا كان من الإمام أحمد - فيما وقفتُ عليه - في راوٍ واحدٍ وهو الإمام الحجة المتقن علي بن عبد الله بن المديني (ت 234 هـ). فالإمام رحمه الله روى عنه قبل المحنة، فلما حصلت ترك الرواية عنه في أثنائها وبعدها، لكنه لم يضرب على حديثه جملةً كغيره لجلالته وعظيم منزلته في هذا الشأن؛ ولذا وجد لابن المديني في المسند أكثر من خمسة وستين حديثًا. وقد ورد التصريح في ثلاثة مواضع من المسند على أن روايته عنه كانت قبل المحنة، وسيأتي مزيد بسط لذلك عند الكلام على موقف أحمد من ابن المديني تفصيلاً. الضرب على حديث بعض الرواة وتركه مطلقًا. وهذا الصنيع كان من الإمام مع جملة من الرواة، فيهم كبار أئمة وأساطين رواية؛ كابن معين، وعلي بن الجعد، وأبي نصر التمار، وغيرهم. قال أبو الفضل صالح ابن الإمام: «وضرب أبي على حديث كل مَنْ أجاب» (¬1). ¬

(¬1) سيرة الإمام أحمد لابنه صالح ص (74).

وقال سعيد بن عمر البرذعي: «سمعت الحافظ أبا زرعة الرازي يقول: كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا عن يحيى بن معين، ولا عن أحد ممن امتحن فأجاب» (¬1). وقال أبو زرعة أيضًا: «كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن علي بن الجعد، ولا سعيد بن سليمان، ورأيته في كتابه مضروبًا عليهما» (¬2). نهيه عن التحديث بما يُفْهَم منه تأييد البدعة: ويظهر هذا الأثر حينما أنكر الإمام رحمه الله ما بلغه عن ابن المديني أنه حديث بحديث: «كلوه إلى عالمه»، فقال فيه: «كلوه إلى خالقه»، وهو مما أخطأ فيه الوليد بن مسلم، فحدث به ابن المديني على الخطأ في قصة بينه وبين ابن أبي دؤاد زعيم فتنة القول بخلق القرآن. قال الخطيب البغدادي: «أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه، أخبرنا عيسى بن حامد القاضي، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد الصيدلاني، حدثنا أبو بكر المروذي، قال: قلت ¬

(¬1) السير (11/ 87)، وينظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (473). (¬2) تاريخ بغداد (5/ 185)، وينظر: تهذيب الكمال (20/ 348)، وسير أعلام النبلاء (11/ 456).

لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: إن علي بن المديني يحدث عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أنس، عن عمر: «كلوه إلى خالقه»؟ فقال أبو عبد الله: كذب، حدثنا الوليد بن مسلم مرتين ما هو هكذا، إنما هو: «كلوه إلى عالمه» (¬1). قلت لأبي عبد الله: إن عباسًا العنبري قال لما حدث به بالعسكر: قلت لعلي ابن المديني: إنهم قد أنكروه عليك؟ فقال: حدثتكم به بالبصرة، وذكر أن الوليد أخطأ فيه، فغضب أبو عبد الله وقال: فنعم، قد علم - يعني: علي بن المديني - أن الوليد أخطأ فيه فلم أراد أن يحدثهم به؟ يعطيهم الخطأ؟ وكذبه أبو عبد الله» (¬2). منعه لابنه أن يحدث عن المبتدعة عمومًا، وعمن أجاب في المحنة خصوصًا: قال الخطيب: «أخبرنا البرقاني: سمعت أبا بكر أحمد بن جعفر بن سلم يقول: عبد الله بن أحمد بن حنبل لم يكن عنده عن رجل عن شعبة إلا عن يحيى بن عبدويه، عن شعبة، ولم يسمع من علي بن الجعد، منعه أبوه عنه إذ أجاب في الفتنة، ¬

(¬1) أخرجه: سعيد بن منصور (1/ 181) ح (43)، وابن أبي شيبة (6/ 136)، وأحمد (11/ 353 - 354)، ح (6741) ح (2281). وينظر: علل الدارقطني (2/ 120). (¬2) تاريخ بغداد (11/ 469)، وينظر: سير أعلام النبلاء (11/ 54 - 55)، وتاريخ الإسلام (4/ 317).

وحثَّه أبوه على السماع من يحيى بن عبدويه وأثنى عليه» (¬1). وقال ابن حجر: «كان عبد الله بن أحمد لا يكتب إلا عمن أذن له أبوه في الكتابة عنه، وكان لا يأذن له أن يكتب إلا عن أهل السنة، حتى كان يمنعه أن يكتب عمن أجاب في المحنة؛ ولذلك فاته علي بن الجعد ونظراؤه من المسند» (¬2). على أن هذا الامتناع من عبد الله كان مؤقتًا؛ لأن المتقرر أن عبد الله إنما سمع من أبيه وبقية شيوخه بعد المحنة كما قال الذهبي (¬3)؛ إذ كان في زمن المحنة صغيرًا، فقد ولد قبل ابتدائها بخمس سنين في سنة ثلاث عشرة ومائتين، وعبد الله بقي بعد أبيه قرابة الخمسين عامًا، وقد وجد في كتبه بما فيها زوائد المسند تحديثه عن جملة ممن أجاب في المحنة؛ كيحيى بن معين، وأبي معمر، وأبي كريب وغيرهم. ولعل طول مدة بقاء عبد الله بعد المحنة وجلالة هؤلاء الأئمة وطلب العلو في الإسناد من الأسباب التي دعته إلى عدم ترك التحديث عنهم، وأنه ربما حمل نهي أبيه له على زمن المحنة وما قاربه، أو لعله ترخص في ذلك كغيره من الرواة، وأن موقف أبيه رحمه الله عزيمة يصعب تطبيقها، وإلا لفاته الكثير من الشيوخ والأحاديث والأسانيد العالية. ¬

(¬1) تاريخ بغداد (14/ 166). (¬2) تعجيل المنفعة ص (1/ 258 - 259)، وينظر: (1/ 814)، (2/ 173)، (2/ 216). (¬3) السير (11/ 181).

المطلب الثاني أثرها في منهجه النقدي خصوصا

المطلب الثاني أثرها في منهجه النقدي خصوصًا وفيه ما يلي: تعديل الرجل والثناء عليه؛ لثباته في المحنة، وتمسكه بالسنة: وقد كان هذا من الإمام رحمه الله في الثناء على من ثبتوا في المحنة وأعطوا الجهد من نفوسهم ولم يجيبوا، فقد اشتهر ثناؤه على محمد بن نوح وأحمد بن نصر الخزاعي، وسيأتي الكلام تفصيلاً عن ذلك في تراجمهم في المبحث الثالث. كلامه فيمن أجاب متأولاً: لا شك أن موقف الإمام رحمه الله تجاه هذه الطائفة كان صريحًا وواضحًا، وقد تجلى ذلك فيما يلي: كلامه الصريح في بعض الرواة من أجل ذلك. ترك الرواية عن بعضهم أثناء المحنة وبعدها. الضرب على حديث رواةٍ آخرين مطلقًا، بما في ذلك ما سمع منهم قبل المحنة. هجر من أجاب إلى ذلك، حتى ربما في ردَّ السلام وبدء الكلام، مع أن منهم من بينه وبينهم مودة تامة، وصحبة صادقة؛ كابن معين رحمه الله.

عدم شهوده لجنائز بعضهم. نهيه لابنه عبد الله أن يحدث عن هؤلاء. وهذا الأثر تجليته واضحًا وتحريره كشفًا وبيانه وصفًا هو لب المراد وخلاصة القصد، فقد تباينت الأفهام تفسيرًا واختلفت الأقلام تسطيرًا وازدوجت المقاصد تأويلاً في وصف موقف الإمام رحمه الله من هذه الطائفة من الأئمة في هذه المحنة المدلهمة، فطائفة حرَّفت، وأخرى انتقصت، وثالثة غلت وأسرفت. وأستمد مولاي مدده وعونه في بيان ذلك وإيضاحه من خلال النقاط التالية: 1 - أن المسألة جليلة، والقول بها خطير، والزلل فيها كبير، وليست مسألة هينة سهلة، من فضول العلم ومكملاته، وذلك بالنظر إلى مقاصدها، وما تفضي إليها من التعطيل، وجحد الشريعة، وتكذيب الربّ - عياذًا بالله تعالى -. 2 - أن مَنِ امتحن في هذا الشأن كانوا أئمة كبارًا، مقتديً بهم، أسوةً لغيرهم، لهم تمام الأثر في عامة الناس، إيجابًا أو سلبًا، خيرًا أو شرًا، فبهم - بعد قدرة الله وإرادته وحكمته - نجاة الناس أو هلاكهم في هذا الأمر الكبار، وهذا مقصد الإلحاح في امتحانهم من أحمد البدعة والاعتزال ابن أبي دؤاد - عليه من الله ما يستحق.

3 - أن عامة الناس قد اشرأبت أعناقهم، وشخصت أبصارهم، وأصغت أسماعهم ينتظرون جواب هؤلاء الأئمة وقولهم في ذلك. 4 - أن الإمام رحمه الله كان قد أمل في بعضهم تمام الثبات، والتعاون على الحق، والتواصي بالصبر. 5 - أن الإمام قارن موقف بعض كبار أهل العلم وأئمة الدين بموقف أفراد ليسوا بمنزلتهم؛ كموقف ابن المديني أو ابن معين بموقف محمد بن نوح - رحمهم الله تعالى - فأثر ذلك في نفسه. 6 - أن موقفه رحمه الله من الابتداع وأهله عمومًا فيه حزم وعزيمة، لا رخصة عنده في هذا الأمر، وإذا كان قد أقل الرواية عن رواة عدلهم وأثنى عليهم بسبب شيء من التشيع أو القدر أو نحو ذلك ففي هذه النازلة أشد، بل قد ذهب الإمام إلى ما هو أبعد من ذلك في موقفه من رواةٍ تتلمذوا في مدرسة أهل الرأي وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله. 7 - أن الأئمة الذين أجابوا إلى القول بذلك كانوا مكرهين بلا شك. 8 - أن الإكراه لم يكن قد وصل - لا سيما مع بعضهم - إلى حدَّ الإلجاء الذي يحصل به تمام المعذرة، ورفع الحرج، وسرعة الإجابة.

9 - أن بيان مدرك الإكراه وتحقيق حكم المعذرة فيه يختلف باختلاف الأمر الممتحن فيه، والشخص الممتحن، والعقوبة المتوعد عليها، وأثر الإجابة والموافقة حالاً ومآلاً. 10 - أن منهم من ندم على ذلك وكره ما حصل من سرعة الإجابة. 11 - أن منهم من عذره الإمام لما كان إكراهه ملجئًا، كما ذكر حنبل من عذره لعباس العنبري، وسجادة، والقواريري (¬1). 12 - أن موقف الإمام رحمه الله كان لخاصة نفسه واجتهاده، فلم يلزم به أحدًا من الناس - سوى نهيه لابنه أن يحدث عمن أجاب - ولم يشع الكلام في هؤلاء الأئمة بين الناس والدهماء. 13 - أنه لم يجرحهم جرحًا عامًا، أو يسقط الرواية عنهم جملةً وتفصيلاً، وإنما ترك حديث بعضهم، أو كلام فئة منهم، أو الانبساط إلى طائفة ثالثة، أو تشييع جنازة لآخرين. 14 - أنه قد وجد من وقف مثل موقف الإمام أو أشد منه، وحزن لإجابة من أجاب حزنًا عظيمًا، فقد قال بشر بن الحارث الحافي: «وددت أن رؤوسهم خضبت بدمائهم وأنهم لم يجيبوا»، وترك أبو زرعة الرواية عن بعض من أجاب، وترك ¬

(¬1) ذكر المحنة لحنبل ص (36 - 37 - 68 - 69).

أبو حاتم الرواية عن قوم توقفوا، وهم بذلك عثمان بن سعيد الدارمي، ووجدت مواقف مماثلة لبعض علماء الأندلس (¬1). 15 - أن إطلاق تفسير جرح الإمام لبعض الرواة بسبب المحنة جرى فيه شيء من التوسع؛ بدليل أنه وجد جملة ممن أجاب أو له أثر سلبي واضح في المحنة لم يوقف على كلام له فيه (كما سيأتي إيضاحه). 16 - أنه لم يترتب على ذلك - فيما وقفت عليه - رد أحاديث الثقات أو قبول رواية غيرهم، فليست المسألة إسقاطًا للعدالة أو كلامًا في ضبط الراوي من حيث الصناعة الحديثية، وإنما هو موقف تدين واحتساب، وانتصار وغيرة على السنة (¬2). 17 - أن معرفة بساط حال المحنة، وإدراك تأثيرها على نفس الإمام، وكشف أغوارها، وتصور أبعادها يتوقف على معايشتها وحضور مشاهدها، وهي تلك الفتنة العظيمة التي تجاوزت خمسة عشر عامًا، فليس من السهل أن يصادر موقف الإمام، أو يتعقبه، أو يهون منه، بله أن يصفه بالتشدد والغلو والإفراط من يعيش رغدًا ويأتي ¬

(¬1) ينظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (478)، وتهذيب الكمال (21/ 171)، وكتاب مسألة خلق القرآن، وموقف علماء القيروان منها للدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي. (¬2) ينظر: التنكيل للمعلمي (1/ 207).

خلفًا (¬1)، ولكن كما قالت العرب: «ويل للشجيَّ من الخليَّ». 18 - أن من عرف وتأمل مسألة اللفظ وأثرها على الأئمة وعلم الجرح والتعديل (كما في قصة الإمامين الذهلي والبخاري، أو الإمامين ابن منده وأبي نعيم - رحمه الله الجميع رحمةً واسعة) تبين له شيء من التفسير والفهم لموقف الإمام أحمد في أصل المحنة وأساسها. 19 - أن من أئمة الجرح والتعديل من توقف في بعض الرواة، أو جرحهم بأدنى مغمز وأهون سبب، بل ربما كان الحامل على ذلك مواقف شخصية، أو منافرة أقران؛ فكيف بمثل هذه الفتنة العمياء؟! 20 - حَسْبُ الإمام أنه مجتهدٌ، وهو من أئمة الاجتهاد المطلق، فليس بخارج عن الأجرين والأجر، قدس الله روحه، وأعلى منزلته، وجزاه عنا خير الجزاء وأوفاه. ¬

(¬1) ممن تكلم في هذا فما أنصف تصورًا وتصويرًا، وتفسيرًا وحكمًا، وزعم أن المسألة ليست من أصول الدين، وإنما هي من فضول العلم المقبلي في العلم الشامخ ص (370)، والشوكاني في الإرشاد (1/ 95 - 96)، وعبد الفتاح أبو غدة في رسالته «مسألة خلق القرآن وأثرها في صفوف الرواة والمحدثين وكتب الجرح والتعديل»، وقد ردَّ عليه وفنَّد ما في رسالته الشيخ العلامة حمود بن عبد الله التويجري في رسالته «تنبيه الإخوان على الأخطاء في مسألة خلق القرآن».

كلامه فيمن قال: القرآن مخلوق اعتقادًا: كلامه رحمه الله في هذا الأمر كالشمس وضوحًا وكالقمر نورًا؛ سبيل غيره من الأئمة، نصحاء الملة، وأمناء الأمة في أن من اعتقد ذلك فهو كافر. وقد نقل ذلك عنه ما يزيد على خمسة وعشرين من أصحابه. بل إن الإمام رحمه الله في عدد من النصوص عنه رتَّب جملة من الأحكام على هذا الوصف. فقال: «لا يصلي خلف من قال: القرآن مخلوق، فإن صلى رجلٌ أعاد» (¬1). وقال: «إذا كان القاضي جهميًا فلا تشهد عنده» (¬2). ونهى عن كلامهم، ومجالستهم، وعيادة مرضاهم، وشهود جنائزهم، وأمر بالتفرقة بينهم وبين زوجاتهم (¬3). ¬

(¬1) سيرة الإمام أحمد لابنه صالح ص (67). (¬2) السنة لابنه عبد الله (1/ 103). (¬3) ينظر في ذلك: خلق أفعال العباد للبخاري (2/ 115 - 116)، وسيرة الإمام لابنه صالح ص (67)، وذكر المحنة لحنبل بن إسحاق ص (69 - 70)، والسنة لابنه عبد الله (1/ 102 - 105)، والسنة لأبي بكر الخلال (6/ 9 - 12، 29 - 36) (7/ 61 - 62)، والشريعة للآجري (! /505 - 506)، والإبانة لابن بطة (5/ 157)، وشرح السنة للالكائي (2/ 263)، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (201 - 203)، وهداية الإنسان إلى الاستغناء بالقرآن لابن عبد الهادي بن المبرد ص (77 - 86، 185، 229، 234 - 235)، والمسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (1/ 223 - 224).

كلامه في الواقفة (¬1): المقصود بالواقفة الذين لم يفصحوا في المسألة نفيًا أو إثباتًا، فلم يقولوا: القرآن غير مخلوق، ولا: مخلوق، وهؤلاء منهم من وقف مطلقًا ولم يصرحوا بشيء مدعين أن الأمر لم يتبين لهم، وهذا الصنف يسمون عند السلف: الشاكة، وقد عدَّهم الإمام رحمه الله جهمية، وصرح بكفرهم في بعض الروايات عنه، ولم يعذرهم بهذه الحجة الواهية؛ لأن الأمر أوضح من أن يشك فيه، وبعضهم ربما اتخذ ذلك ذريعة إلى التستر بالقول بخلق القرآن. قال عبد الله ابن الإمام أحمد: «سمعت أبي رحمه الله يقول: من كان من أصحاب الحديث أومن أصحاب الكلام فأمسك عن أن يقول: القرآن ليس بمخلوق فهو جهميٌّ» (¬2). وقال مرةً عن الواقفة: «من كان يخاصم ويعرف بالكلام فهو جهمي، ومن لم يعرف بالكلام يجانب حتى يرجع، ومن ¬

(¬1) تركت الكلام في مسألة اللفظ، وبيان حكم اللفظية؛ لأن حكمها العام مدرك من أصل المسألة؛ ولأن فيها من الاشتباه والاحتمال لمن أطلقها ما جعلها من أشكل مسائل الباب، وفيها تفاصيل عقدية ليس هذا مقام تحريرها، ولكن ينظر تحرير رأي الإمام فيها في كتاب: المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (1/ 232 - 252). (¬2) السنة لابنة عبد الله (1/ 151)، وينظر: السنة للخلاف (5/ 131).

لم يكن له علم يسأل يتعلم» (¬1). وفي رواية ثالثة قال: «من وقف فهو كافر»، وقال: «من شك فهو كافر» (¬2). وفي رابعة ذكر أنهم أشد من الجهمية مبينًا العلة في ذلك فقال: «هم أشد على الناس تزيينًا من الجهمية؛ هم يشككون الناس، وذلك أن الجهمية قد بان أمرهم، وهؤلاء إذا قالوا: إنا لا نتكلم، استمالوا العامة، إنما هذا يصير إلى قول الجهمية» (¬3). وقال في رواية الحسن بن ثواب: «هم شرٌّ من الجهمية، استتروا بالوقف» (¬4). وطائفة أخرى من الواقفة وقفوا عند قول: القرآن كلام الله فقط، معتقدين أن هذا أسلم لهم، وأبعد عن الخوض في أصل المسألة، وقد سئل الإمام عنهم فقيل: «هل لهم رخصة أن يقول الرجل: كلام الله. ثم يسكت؟ فقال: ولم يسكت؟! لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت، ولكن حيث تكلموا لأي شيء لا يتكلمون؟!» (¬5). ¬

(¬1) السنة لابنه عبد الله (1/ 179)، وينظر: السنة للخلال (5/ 130). (¬2) السنة للخلال (5/ 132). (¬3) السنة للخلال (5/ 135). (¬4) السنة للخلال (5/ 129). (¬5) السنة للخلال (5/ 132 - 133).

وقال في رواية سلمة بن شبيب: «من لم يقل: القرآن كلام الله غير مخلوق، فهو كافر. ثم قال: لا تشكن في كفرهم، فإن لم يقل: القرآن كلام الله غير مخلوق، فهو يقول: مخلوق، ومن قال: هو مخلوق، فهو كافر» (¬1). وفي رواية أبي بكر المروذي قال: «لا نرضى أن يقول: كلام الله. ويسكت، حتى يقول: إنه غير مخلوق» (¬2). وقد نهى الإمام أبو عبد الله رحمه الله عن كلامهم، وأمر بهجرهم والبعد عنهم، بل وأفتى بالتفريق بين الزوجين من أجل ذلك. قال أبو بكر المروذي: «قدم رجل من ناحية الثغر فأدخلته عليه، فقال: ابن عم لي يقف، وقد زوجته ابنتي، وقد أخذتها وحولتها إلي، علي أن أفرق بينهما؟ فقال: لا ترضى منه حتى يقول: غير مخلوق، فإن أبى ففرق بينهما» (¬3). وفي رواية الجُرْجَرائي قال: «سألت أبا عبد الله عن رجل له أخت أو عمة، ولها زوج واقفي، قال: يلتقي بها ويسلم ¬

(¬1) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (205 - 206). (¬2) هداية الإنسان إلى الاستغناء بالقرآن لابن عبد الهادي ابن المبرد ص (95). (¬3) المصدر السابق ص (96 - 97).

عليها، قلت: فإن كانت الدار له؟ قال: يقف على الباب ولا يدخل» (¬1). ¬

(¬1) السنة لأبي بكر الخلال (5/ 143)، وينظر للفائدة: الشريعة للآجري (1/ 209)، والإبانة لابن بطة (5/ 128 - 141، 160 - 176)، وشرح السنة للالكائي (2/ 323 - 329)، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (205 - 208)، وهداية الإنسان إلى الاستغناء بالقرآن لابن عبد الهادي بن المبرد ص (93 - 102)، والمسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (1/ 252 - 257).

المبحث الثالث أشهر الأئمة الذين امتحنوا وموقف الإمام منهم

المبحث الثالث أشهر الأئمة الذين امتحنوا وموقف الإمام منهم وفيه مطلبان: المطلب الأول أشهر الأئمة الذين امتحنوا ولم يجيبوا 1 - أحمد بن عبد الله العجلي الكوفي نزيل طرابلس: هو: الإمام الحافظ الأوحد الزاهد أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح بن مسلم، العجلي الكوفي، نزيل طرابلس، من أئمة الجرح والتعديل، له كتاب «معرفة الثقات»، ولد بالكوفة سنة اثنتين وثمانين ومائة، وتوفي سنة إحدى وستين ومائتين رحمه الله (¬1). موقفه في المحنة: قال الذهبي: «ومن كلام أحمد بن عبد الله قال: من آمن برجعة علي رضي الله عنه فهو كافر، ومن قال: القرآن مخلوق فهو ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: تاريخ بغداد (4/ 214 - 215)، وتذكرة الحفاظ (2/ 560)، والسير (12/ 505)، والوافي بالوفيات (7/ 97)، والبداية والنهاية (14/ 465)، وطبقات الحفاظ (242).

2 - أحمد بن نصر الخزاعي

كافر، وقيل: إنه فرَّ إلى المغرب لما ظهر الامتحان بخلق القرآن، فاستوطنها وولد له بها» (¬1). وقد قيل: إنه ارتحل إلى المغرب في السنة التي ابتدأت فيها المحنة، سنة ثمان عشرة ومائتين، وأنه لقي الإمام أحمد ودخل عليه ببغداد قبل رحلته. موقف الإمام منه: لم أقف على كلام للإمام أحمد في أبي الحسن العجلي، ولعل السبب تقدم رحلته إلى بلاد المغرب وبقاؤه هناك حتى توفي رحمه الله. 2 - أحمد بن نصر الخزاعي: هو: الإمام الكبير الشهيد أبو عبد الله أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم، الخزاعي المروزي ثم البغدادي، كان رحمه الله أمَّارًا بالمعروف قوالاً بالحق، استشهد سنة إحدى وثلاثين ومائتين، قتله الواثق في قصة المحنة (¬2). ¬

(¬1) السير (12/ 506)، وينظر: تذكرة الحفاظ (2/ 560). (¬2) ينظر في ترجمته: تاريخ بغداد (5/ 173)، وطبقات الحنابلة (1/ 189 - 203)، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (484 - 486)، وتهذيب الكمال (1/ 505 - 514)، والسير (11/ 166)، والوافي بالوفيات (7/ 211)، والبداية والنهاية (14/ 310 - 319)، وتهذيب التهذيب (1/ 87)، والتقريب (120).

موقفه في المحنة: قال الذهبي: «قال الصولي: كان هو وسهل بن سلامة حين كان المأمون بخراسان بايعا الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم قدم المأمون فبايعه سهل، ولزم ابن نصر بيته، ثم تحرك في آخر أيام الواثق، واجتمع إليه خلق يأمرون بالمعروف. قال: إلى أن ملكوا بغداد، وتعدى رجلان موسران من أصحابه، فبذلا مالاً، وعزما على الوثوب في سنة إحدى وثلاثين، فنمَّ الخبر إلى نائب بغداد إسحاق بن إبراهيم، فأخذ أحمد وصاحبيه وجماعة، ووجد في منزل أحدهما أعلامًا، وضرب خادمًا لأحمد، فأقر بأن هؤلاء كانوا يأتون أحمد ليلاً، ويخبرونه بما عملوا، فحملوا إلى سامراء مقيدين، فجلس الواثق لهم، وقال لأحمد: دع ما أخذت له، ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله. قال: أفمخلوق هو؟ قال: كلام الله. قال: فترى ربك في القيامة؟ قال: كذا جاءت الرواية. قال: ويحك يرى كما يرى المحدود المتجسم، ويحويه مكان ويحصره ناظر؟! أنا كفرت بمن هذه صفته، ما تقولون فيه؟ فقال قاضي الجانب الغربي: هو حلال الدم، ووافقه فقهاء، فأظهر أحمد بن أبي دؤاد أنه كاره لقتله، وقال: شيخ مختل، تغير عقله، يؤخر.

قال الواثق: ما أراه إلا مؤديًا لكفره، قائمًا بما يعتقده، ودعا بالصمصامة وقام، وقال: احتسب خطاي إلى هذا الكافر، فضرب عنقه، بعد أن مدوا له رأسه بحبل وهو مقيد، ونصب رأسه بالجانب الشرقي، وتتبع أصحابه فسجنوا ... ، وعلق في أذن أحمد بن نصر ورقة فيها: هذا رأس أحمد بن نصر، دعاه الإمام هارون إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة، فعجله الله إلى ناره. وكتب محمد بن عبد الملك. ونقل عن الموكل بالرأس أنه سمعه في الليل يقرأ: (يس) وصح أنهم أقعدوا رجلاً بقصبة، فكانت الريح تدير الرأس إلى القبلة، فيديره الرجل. وقيل: رئي في النوم، فقيل: ما فعل الله بك؟ قال: ما كانت إلا غفوة حتى لقيت الله، فضحك إلي (¬1). موقف الإمام منه: قال المروذي: «سمعت أحمد وذكر أحمد بن نصر، فقال: رحمه الله، ما كان أسخاه، لقد جاد بنفسه» (¬2). ¬

(¬1) السير (11/ 167 - 168)، وينظر: تاريخ بغداد (5/ 176 - 179)، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (484 - 486)، وتهذيب الكمال (1/ 508 - 514)، والبداية والنهاية (14/ 310 - 319). (¬2) تاريخ بغداد (5/ 177).

3 - إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس

3 - إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس: هو: الإمام الحافظ الصدوق إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر، أبو عبد الله، الأصبحي المدني، ولد سنة تسع وثلاثين ومائة، وتوفي سنة ست وعشرين، وقيل: سبع وعشرين ومائتين، روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (¬1). قال الذهبي: «وكان عالم أهل المدينة ومحدثهم في زمانه، على نقص في حفظه وإتقانه، ولولا أن الشيخين احتجا به لزحزح حديثه عن درجة الصحيح إلى درجة الحسن، هذا الذي عندي فيه ... الرجل قد وثب إلى ذاك البر، واعتمده صاحبا الصحيحين، ولا ريب أنه صاحب أفراد ومناكير تنغمر في سعة ما روى، فإنه من أوعية العلم، وهو أقوى من عبد الله كاتب الليث» (¬2). وقال ابن حجر: «صدوق، أخطأ في أحاديث من ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (1/ 364)، والجرح والتعديل (2/ 180)، والكامل (1/ 323)، وترتيب المدارك (1/ 369)، وتهذيب الكمال (3/ 124 - 129)، وتذكرة الحفاظ (1/ 409)، والسير (10/ 391)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ)، والميزان (1/ 222)، والوافي بالوفيات (9/ 149)، وتهذيب التهذيب (1/ 310)، والتقريب (464). (¬2) سير أعلام النبلاء (10/ 392 - 393).

حفظه» (¬1). موقفه في المحنة: لقد ثبت الله أبا عبد الله الأصبحي في هذه المحنة فلم يجب إلى القول بخلق القرآن. قال ابن الجوزي: «قال أبو الحسين بن المنادي: وممن لم يجب: أبو نعيم الفضل بن دكين، وعفان، والبويطي، وإسماعيل بن أبي أويس وأبو مصعب المدنيان، ويحيى الحماني» (¬2). موقف الإمام منه: قال الفضل بن زياد: «سمعت أحمد بن حنبل وقيل له: من بالمدينة اليوم؟ فقال: إسماعيل بن أبي أويس هو عالم كثير العلم. أو نحو هذا». وقال مرة: «هو ثقة، قام في أمر المحنة مقامًا محمودًا». وسأله أبو طالب عنه؟ فقال: «لا بأس به» (¬3). ¬

(¬1) تقريب التهذيب (464). (¬2) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (479). (¬3) السير (10/ 392 - 394). وينظر: المعرفة ليعقوب (2/ 177 - 178)، والجرح والتعديل (2/ 180)، والكامل لابن عدي (1/ 323)، وتهذيب الكمال (3/ 127).

4 - أصبغ بن الفرج المصري

4 - أصبغ بن الفرج المصري: هو: الشيخ الإمام الكبير الثقة، مفتي الديار المصرية وعالمها، أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع، أبو عبد الله الأموي مولاهم، المصري المالكي. ولد بعد الخمسين ومائة، وتوفي مستترًا أيام المحنة سنة خمس وعشرين ومائتين، روى له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (¬1). موقفه في المحنة: قال القاضي عياض: «قال أبو العرب: قال يحيى بن عمر: اختفى أصبغ بن الفرج أيام المعتصم وأخذه الناس بالمحنة في القرآن، فطلبه الأصم (¬2) فاختفى في داره، وكان إخوانه يأتونه فيها الواحد بعد الواحد حتى مات». ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (2/ 36)، والجرح والتعديل (2/ 321)، وترتيب المدارك (2/ 561)، وتهذيب الكمال (3/ 304)، وتذكرة الحفاظ (2/ 457)، والسير (10/ 656)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ)، وتهذيب التهذيب (1/ 361)، والتقريب (540). (¬2) هو: أبو بكر الأصم محمد بن أبي الليث بن شداد الإيادي الخوارزمي الجهمي قاضي مصر، ولي قضائها سنة ست وعشرين، ولم تحمد سيرته، فكان ظلومًا غشومًا، امتحن العلماء بخلق القرآن، وقد عزل وحبس وعذب، وطيف به على حمار سنة خمس وثلاثين، توفي ببغداد سنة خمسين ومائتين. ينظر: تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات (241 - 250 هـ)، ورفع الإصر (1/ 180)، والنجوم الزاهرة (1/ 228 - 245)، وحسن المحاضرة (261).

5 - الحارث بن مسكين الأموي

وقال أبو عمر الكندي: إن المعتصم كتب في أصبغ ليحمل في المحنة، فهرب إلى حلوان، فاستتر بها (¬1). قال الذهبي: «ومن مناقب أصبغ: قال ابن قديد: كتب المعتصم في أصبغ ليحمل إليه في المحنة، فهرب واختفى بحلوان، رحمه الله» (¬2). موقف الإمام منه: لم أقف على كلام للإمام فيه رحمهما الله تعالى. 5 - الحارث بن مسكين الأموي: هو: الإمام العلامة الفقيه الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف، أبو عمرو الأموي المصري، أقضى القضاة بمصر، ولد سنة أربع وخمسين ومائة، وتوفي سنة خمسين ومائتين، روى له: أبو داود، والنسائي (¬3). ¬

(¬1) ترتيب المدارك (2/ 562)، وينظر: المحن لأبي العرب ص (448). (¬2) تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ)، وينظر: السير (10/ 658)، وتذكرة الحفاظ (2/ 458). (¬3) ينظر في ترجمته: الجرح والتعديل (3/ 90)، والثقات (8/ 182)، وتاريخ بغداد (8/ 216)، ووفيات الأعيان (2/ 56)، وتهذيب الكمال (5/ 281)، وطبقات الشافعية (2/ 113)، وتذكرة الحفاظ (2/ 514)، والسير (12/ 54)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 241 - 250 هـ)، وتهذيب التهذيب (2/ 156)، والتقريب (1056).

قال الذهبي: «الحافظ الفقيه عالم الديار المصرية وقاضيها ... ، وكان - مع إمامته في العلم وزهده وعبادته - قوالاً بالحق، من قضاة العدل» (¬1). موقفه في المحنة: قال الخطيب: «وكان فقيهًا على مذهب مالك بن أنس، وكان ثقة في الحديث ثبتًا، حمله المأمون إلى بغداد في أيام المحنة وسجنه؛ لأنه لم يجب إلى القول بخلق القرآن، فلم يزل ببغداد محبوسًا إلى أن ولي جعفر المتوكل فأطلقه، وأطلق جميع من كان في السجن، وحدث الحارث ببغداد ... ، ورجع إلى مصر، وكتب إليه المتوكل بعهده على قضاء مصر، فلم يزل يتولاه من سنة سبع وثلاثين ومائتين إلى أن صرف عنه في سنة خمس وأربعين ومائتين» (¬2). موقف الإمام منه: قال أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان: «قال لي عمي أبو علي عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان بن موسى وسألته -يعني: أحمد بن حنبل- عن الحارث بن ¬

(¬1) تذكرة الحفاظ (2/ 514 - 515). (¬2) تاريخ بغداد (8/ 216)، وينظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (486)، وتهذيب الكمال (5/ 283)، والسير (12/ 55).

6 - عاصم بن علي بن عاصم الواسطي

مسكين قاضي مصر، فقال فيه قولاً جميلاً، وقال: ما بلغني عنه إلا خير» (¬1). 6 - عاصم بن علي بن عاصم الواسطي: هو: عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب الواسطي، أبو الحسين القرشي التيمي مولاهم، توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين، روى له: البخاري، والترمذي، وابن ماجه (¬2). قال الذهبي: «ثقة مكثر، لكن ضعفه ابن معين، وأورد له ابن عدي أحاديث منكرة» (¬3). وقال مرةً بعد تضعيف ابن معين له: «والصواب أنه صدوق؛ كما قال أبو حاتم» (¬4). وقال ابن حجر: «صدوق، ربما وهم» (¬5). ¬

(¬1) تاريخ بغداد (8/ 216 - 217)، وينظر: تهذيب الكمال (5/ 282)، وسير أعلام النبلاء (12/ 54)، وتهذيب التهذيب (2/ 156). (¬2) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (6/ 491)، والجرح والتعديل (6/ 348)، والثقات (8/ 506)، وتاريخ بغداد (12/ 247)، وتهذيب الكمال (13/ 508)، وتذكرة الحفاظ (1/ 397)، والسير (9/ 262)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ). والميزان (2/ 354)، وتهذيب التهذيب (5/ 49)، والتقريب (3084). (¬3) الكاشف (2508). (¬4) السير (9/ 263). (¬5) تقريب التهذيب (3084).

موقفه في المحنة: قال الذهبي: «قلت: كان عاصم رحمه الله ممن ذبّ عن الدين في المحنة، فروى الهيثم بن خلف الدوري: أن محمد بن سويد الطحان حدثه قال: كنا عند عاصم بن علي ومعنا أبو عبيد وإبراهيم بن أبي الليث وجماعة، وأحمد بن حنبل يضرب، فجعل عاصم يقول: ألا رجلٌ يقوم معي، فنأتي هذا الرجل فنكلمه، قال: فما يجيبه أحدٌ، ثم قال ابن أبي الليث: أنا أقوم معك يا أبا الحسين، فقال: يا غلام؛ خُفي، فقال ابن أبي الليث: يا أبا الحسين أبلغ إلى بناتي فأوصيهم، فظننا أنه ذهب يتكفن ويتحنط، ثم جاء، فقال: إني ذهبت إليهن فبكين، قال: وجاء كتاب ابنتي عاصم من واسط: يا أبانا إنه بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمد بن حنبل، فضربه على أن يقول: القرآن مخلوق، فاتق الله ولا تجبه، فوالله لأن يأتينا نعيك أحب إلينا من أن يأتينا أنك أجبت» (¬1). موقف الإمام منه: قال في رواية أبي داود: «حديثه مقارب، حديث أهل الصدق، ما أقل الخطأ فيه، ولكن أبوه كان يتهم في الشيء، ¬

(¬1) السير (9/ 263 - 264)، وينظر: تاريخ بغداد (12/ 249)، ومناقب الإمام أحمد ص (415)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ).

قام من الإسلام بموضع أرجو أن يثيبه الله به الجنة» (¬1). وقال صالح بن أحمد، عن أبيه: «ما أقل خطأه، قد عرض علي بعض حديثه» (¬2). وقال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: «قد عرض علي حديثه، وهو أصح حديثًا من أبيه» (¬3). وقال الميموني، عن أحمد: «صحيح الحديث، قليل الغلط، ما كان أصح حديثه، وكان - إن شاء الله - صدوقًا» (¬4). وقال المروذي: «قلت لأحمد: إن ابن معين قال: كل عاصم في الدنيا ضعيف؟ قال: ما أعلم في عاصم بن علي إلا خيرًا، كان حديثه صحيحًا، حديث شعبة والمسعودي ما كان أصحها» (¬5). ¬

(¬1) سؤالات أبي داود لأحمد رقم (441)، وينظر: تهذيب الكمال (13/ 511)، والسير (9/ 263)، وتهذيب التهذيب (5/ 50 - 51)، وبحر الدم ص (223) رقم (485). (¬2) تهذيب الكمال (13/ 511). (¬3) علل أحمد - رواية عبد الله - (1228)، وينظر: تهذيب الكمال (13/ 511)، والسير (9/ 263)، وتهذيب التهذيب (5/ 50 - 51). (¬4) تهذيب الكمال (13/ 511)، وينظر: الجرح والتعديل (6/ 348)، وتاريخ بغداد (12/ 249 - 250)، والسير (9/ 263)، وتهذيب التهذيب (5/ 50 - 51). (¬5) علل أحمد - رواية المروذي - (227)، وينظر: تهذيب الكمال (13/ 511)، والسير (9/ 263)، وتهذيب التهذيب (5/ 50 - 51).

7 - عبد الأعلى بن مسهر أبو مسهر الدمشقي

7 - عبد الأعلى بن مُسْهر أبو مُسْهر الدمشقي: هو: الإمام شيخ الشام الفقيه عبد الأعلى بن مُسْهر بن عبد الأعلى بن مُسْهر، أبو مُسْهر الغساني الدمشقي، ولد سنة أربعين ومائة، وتوفي سنة ثمان عشرة ومائتين، روى له: الجماعة (¬1). موقفه في المحنة: قال الخطيب: «أبو مسهر الغساني كان أُشْخِصَ من دمشق إلى عبد الله بن هارون وهو بالرقة، فسأله عن القرآن؟ فقال: هو كلام الله، وأبى أن يقول: مخلوق، فدعا له بالسيف والنطع ليضرب عنقه، فلما رأى ذلك قال: مخلوق، فتركه من القتل، وقال: أما إنك لو قلت ذلك قبل أن أدعو لك بالسيف لقبلت منك، ورددتك إلى بلادك وأهلك، ولكنك تخرج الآن فتقول: قلت ذلك فرقًا من القتل، أشخصوه إلى بغداد فاحبسوه بها حتى يموت، فأشخص من الرقة إلى بغداد في شهر ربيع ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (6/ 73)، والجرح والتعديل (6/ 29)، والثقات (8/ 408)، وتاريخ بغداد (11/ 72)، ومناقب الإمام أحمد ص (486)، وتهذيب الكمال (16/ 369)، وتذكرة الحفاظ (1/ 381)، والعبر (1/ 374)، والسير (10/ 228)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات سنة 231 - 240 هـ)، وتهذيب التهذيب (6/ 98)، والتقريب (3762).

الآخر من سنة ثمان عشرة ومائتين، فحبس قبل إسحاق إبراهيم، فلم يلبث في الحبس إلا يسيرًا حتى مات فيه، في غرة رجب سنة ثمان عشرة ومائتين، فأخرج ليدفن فشهده قوم كثير من أهل بغداد» (¬1). وقال الذهبي: «قلت: وكان أبو مُسهر ممن امتحنه المأمون وأكرهه على أن يقول: القرآن مخلوق، فأصر وصمم، فوضعه في النطع ليضرب عنقه، فأجاب وقال: القرآن مخلوق. فأقيم من النطع فرجع في الحال، فسجنه المأمون نحوًا من مائة يوم، وجاءه الأجل فمات في سنة ثمان عشرة ومائتين، رحمه الله» (¬2). موقف الإمام منه: قال في رواية أبي داود: «رحم الله أبا مسهر ما كان أثبته، وجعل يطريه» (¬3). وقال أبو الحسن الميموني: «وذكر يومًا - يعني: أحمد بن حنبل - أبا مسهر الشامي فقال: كيس، عالم بالشاميين. قلت: ¬

(¬1) تاريخ بغداد (11/ 72 - 73)، وينظر: المحن لأبي العرب ص (446 - 447)، ومناقب الإمام أحمد ص (486 - 487)، وتهذيب الكمال (16/ 376). (¬2) تذكرة الحفاظ (1/ 381)، وينظر: السير (10/ 234)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات سنة 231 - 240 هـ). (¬3) سؤالات أبي داود لأحمد رقم (285)، وينظر: تهذيب الكمال (16/ 373).

8 - عفان بن مسلم الصفار

وبالنسب؟ قال: نعم، زعموا» (¬1). 8 - عفان بن مسلم الصفار: هو: الإمام الحافظ محدث العراق عفان بن مسلم بن عبد الله، أبو عثمان الصفار البصري، ولد سنة أربع وثلاثين ومائة، وتوفي سنة عشرين ومائتين، روى له: الجماعة (¬2). قال ابن حجر: «ثقة ثبت، قال ابن المديني: كان إذا شك في حرف من الحديث تركه. وربما وهم، وقال ابن معين: أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة. ومات بعدها بيسير» (¬3). موقفه في المحنة: قال حنبل: «حضرت أبا عبد الله وابن معين عند عفان بعدما دعاه إسحاق بن إبراهيم للمحنة، وكان أول من امتحن ¬

(¬1) تهذيب الكمال (16/ 373)، وينظر: تاريخ بغداد (11/ 73)، وسير أعلام النبلاء (10/ 72)، وتهذيب التهذيب (6/ 99)، وبحر الدم ص (253) رقم (577). (¬2) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (7/ 72)، والجرح والتعديل (7/ 30)، والثقات (8/ 522)، وتاريخ بغداد (12/ 269)، ومناقب الإمام أحمد ص (479)، وتهذيب الكمال (20/ 160)، وتذكرة الحفاظ (1/ 397)، والسير (10/ 242)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات سنة 211 - 220 هـ)، والميزان (3/ 81)، وتهذيب التهذيب (7/ 230)، والتقريب (4659). (¬3) التقريب (4659).

من الناس عفان، فسأله يحيى من الغد بعدما امتحن، وأبو عبد الله حاضر ونحن معه، فقال: أخبرنا بما قال لك إسحاق؟ قال: يا أبا زكريا لم أسود وجهك ولا وجوه أصحابك، إني لم أجب. فقال له: فكيف كان؟ قال: دعاني وقرأ علي الكتاب الذي كتب به المأمون من الجزيرة (¬1)، فإذا فيه: امتحن عفان وادعه إلى أن يقول: القرآن كذا وكذا، فإن قال ذلك فأقره على أمره، وإن لم يجبك إلى ما كتبت به إليك فاقطع عنه الذي يجرى عليه - وكان المأمون يجري على عفان كل شهر خمس مئة درهم - فلما قرأ علي الكتاب قال لي إسحاق: ما تقول؟ فقرأت عليه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] حتى ختمتها، فقلت: أمخلوق هذا؟ فقال: يا شيخ إن أمير المؤمنين يقول: إنك إن لم تجبه إلى الذي يدعوك إليه يقطع عنك ما يجري عليك. فقلت: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22]، فسكت عني وانصرفت، فسر بذلك أبو عبد الله ويحيى ومن حضر من أصحابنا» (¬2). ¬

(¬1) موضع بين دجلة والموصل من أرض. ينظر: الروض المعطار ص (163 - 164). (¬2) ذكر محنة الإمام أحمد لحنبل ص (67)، وينظر: المحن لأبي العرب ص (433 - 434)، وتاريخ بغداد (12/ 270 - 272)، ومناقب الإمام أحمد ص (479 - 480)، وتهذيب الكمال (20/ 165)، والسير (10/ 244).

موقف الإمام منه: قال أبو بكر المروذي، عن أحمد بن حنبل قال: «إنما رفع الله عفان وأبا نعيم بالصدق حتى نوّه بذكرهما» (¬1). وقال الإمام أيضًا: «لزمنا عفان عشر سنين، وعفان أثبت من عبد الرحمن بن مهدي» (¬2). وقال حنبل بن إسحاق: «سألت أبا عبد الله عن عفان؟ فقال: عفان؟ وحبان (¬3)، وبهز (¬4) هؤلاء المتثبتون، قال: قال عفان: كنت أوقف شعبة على الأخبار. قلت له: فإذا اختلفوا في الحديث يرجع إلى من منهم؟ قال: إلى قول عفان، هو في نفسي أكبر، وبهز أيضًا، إلا أن عفان أضبط للأسامي، ثم حبان» (¬5). وقال حنبل أيضًا: «سمعت أبا عبد الله يقول: شيخان كان الناس يتكلمون فيهما ويذكرونهما، وكنا نلقي من الناس في أمرهما ما الله به عليم، قاما لله بأمر لم يقم به كبير أحدٍ، عفان، وأبو نعيم» (¬6). ¬

(¬1) تهذيب الكمال (23/ 207)، وينظر: السير (10/ 150)، وتهذيب التهذيب (7/ 232 - 233)، وبحر الدم ص (298 - 299) رقم (696). (¬2) الجرح والتعديل (7/ 30)، وينظر: تهذيب الكمال (20/ 172)، وسير أعلام النبلاء (10/ 250)، وبحر الدم ص (298 - 299) رقم (696). (¬3) هو: ابن هلال الباهلي أبو حبيب البصري. (¬4) هو: ابن أسد العمي أبو الأسود البصري. (¬5) تاريخ بغداد (12/ 273)، وينظر: تهذيب الكمال (20/ 167)، وتهذيب التهذيب (7/ 232 - 233). (¬6) ذكر محنة الإمام أحمد لحنبل بن إسحاق ص (68).

9 - الفضل بن دكين أبو نعيم

وقال أبو طالب: «سمعت أبا عبد الله قال: كان عفان يسمع بالغداة، ويعرض بالعشي» (¬1). وقال الحسن بن محمد الزعفراني: «قلت لأحمد بن حنبل: من تابع عفانًا على حديث كذا وكذا؟ قال: وعفان يحتاج أن يتابعه أحدٌ، أو كما قال» (¬2). وقال مهنا: «سألت أحمد عن عفان وأبي نعيم؟ فقال: ذهبا محمودين» (¬3). 9 - الفضل بن دكين أبو نعيم: هو: الحافظ الكبير، شيخ الإسلام، الحجة الثبت الفضل بن دكين بن حماد بن زهير بن درهم، أبو نعيم التيمي الطلحي القرشي مولاهم، الكوفي الملائي، الأحول، ولد سنة ثلاثين ومائة، وتوفي سنة ثماني عشرة، وقيل: تسع عشرة ومائتين، روى له: الجماعة، من كبار شيوخ أحمد، والبخاري (¬4). ¬

(¬1) تاريخ بغداد (12/ 274)، وينظر: تهذيب الكمال (20/ 169)، والسير (10/ 247). (¬2) تاريخ بغداد (12/ 274)، وينظر: تهذيب الكمال (20/ 169)، والسير (10/ 247). (¬3) تهذيب الكمال (23/ 207). (¬4) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (7/ 118)، والجرح والتعديل (7/ 61)، والثقات (7/ 319)، وتاريخ بغداد (12/ 346)، ومناقب الإمام أحمد ص (281 - 282)، وتهذيب الكمال (23/ 197)، والتذكرة (1/ 372)، والسير (10/ 142)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات سنة 211 - 220 هـ)، والعبر (1/ 377)، وميزان الاعتدال (3/ 350)، وتهذيب التهذيب (8/ 270)، والتقريب (5436).

موقفه في المحنة: قال أحمد بن الحسن الترمذي، عن أبي نعيم قال: «القرآن كلام الله ليس بمخلوق» (¬1). وقال الطبراني: «سمعت طليحة بنت أبي نعيم تقول: سمعت أبي يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق. فهو كافر» (¬2). قال أبو العباس السراج، عن الكديمي قال: «لما دخل أبو نعيم على الوالي ليمتحنه، وثم يونس وأبو غسان وغيرهما، فأول من امتحن فلان فأجاب، ثم عطف على أبي نعيم، فقال: قد أجاب هذا، فما تقول؟ فقال: والله ما زلت أتهم جده بالزندقة، ولقد أخبرني يونس بن بكير أنه سمع جده يقول: لا بأس أن يرمي الجمرة بالقوارير. أدركت الكوفة وبها أكثر من سبع مئة شيخ، الأعمش فمن دونه يقولون: القرآن كلام الله، وعنقي أهون من زري هذا، فقام إليه أحمد بن يونس، فقبل رأسه - وكان بينهما شحناء - وقال: جزاك الله من شيخ ¬

(¬1) تاريخ بغداد (12/ 349)، وينظر: تهذيب الكمال (23/ 215). (¬2) تهذيب الكمال (23/ 215)، وينظر: السير (10/ 149).

10 - محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري الفقيه

خيرًا» (¬1). موقف الإمام منه: سبق شيءٌ في ذلك في ترجمة عفان، ومن ذلك أيضًا: قال في رواية الميموني: «ثقة، وكان يقظًا عارفًا بالحديث، ثم قام في أمر الفتنة بما لم يقم غيره، عافاه الله» (¬2). وقال مهنا: «سألت أحمد عن عفان وأبي نعيم؟ فقال: هما العقدة» (¬3). 10 - محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري الفقيه: هو: الإمام شيخ الإسلام الفقيه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث، أبو عبد الله المصري، ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة، وتوفي سنة ثمان وستين ومائتين، روى له: النسائي (¬4). ¬

(¬1) تهذيب الكمال (23/ 214)، وينظر: المحن لأبي العرب ص (444 - 445)، وتاريخ بغداد (12/ 349)، والمناقب ص (481 - 282)، والسير (10/ 149)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات سنة 211 - 220 هـ). (¬2) تهذيب الكمال (23/ 208)، وينظر: سير أعلام النبلاء (10/ 155)، وتهذيب التهذيب (8/ 272 - 275)، وبحر الدم ص (340 - 343) رقم (822). (¬3) تهذيب الكمال (23/ 208). (¬4) ينظر في ترجمته: الجرح والتعديل (7/ 300)، والثقات (9/ 132)، ووفيات الأعيان (4/ 193)، وتهذيب الكمال (25/ 497)، وتذكرة الحفاظ (2/ 546)، والسير (12/ 497)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 261 - 270 هـ)، والعبر (1/ 345)، والميزان (3/ 611)، وطبقات الشافعية (2/ 67)، وتهذيب التهذيب (9/ 260)، والتقريب (6066).

قال الذهبي: «وكان عالم الديار المصرية في عصره مع المزني ... ، وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: ما رأيت في فقهاء الإسلام أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وقال: كان أعلم من رأيتُ على أديم الأرض بمذهب مالك وأحفظهم له» (¬1). موقفه في المحنة: قال أبو إسحاق الشيرازي: «حُمِلَ محمد في محنة القرآن إلى ابن أبي دؤاد، ولم يجب إلى ما طلب منه، ورد إلى مصر، وانتهت إليه الرئاسة بمصر. يعني: في العلم، وذكر غيره أن ابن عبد الحكم ضُرِبَ، فهرب واختفى» (¬2). موقف الإمام منه: لم أقف على كلام للإمام رحمه الله فيه. ¬

(¬1) السير (12/ 498). (¬2) طبقات الفقهاء ص (99)، وينظر: السير (12/ 500)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 261 - 270 هـ).

11 - محمد بن نوح العجلي

11 - محمد بن نوح العجلي: هو: محمد بن نوح بن ميمون بن عبد الحميد بن أبي الرجال العجلي المعروف والده بالمضروب، توفي سنة ثماني عشرة ومائتين (¬1). قال الخطيب: «كان أحد المشهورين بالسنة، وحدث شيئًا يسيرًا» (¬2). وقال الصفدي: «كان محمد عالمًا، زاهدًا، ورعًا، مشهورًا بالسنة والدين والثقة، امتحن بالقول بخلق القرآن فثبت على السنة» (¬3). موقفه في المحنة: قال الخطيب: «وكان المأمون كتب وهو بالرقة إلى إسحاق بن إبراهيم صاحب الشرطة ببغداد بحمل أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح إليه بسبب المحنة، فأخرجا من بغداد على بعير متزاملين، ثم إن محمد بن نوح أدركه المرض في طريقه. قال أبو عبد الله: انظر بما ختم له، فلم يزل ابن نوح كذلك، ومرض حتى صار إلى بعض الطريق فمات، فصليت ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: تاريخ بغداد (3/ 322)، والمنتظم (3/ 313)، والوافي بالوفيات (2/ 138)، والنجوم الزاهرة (1/ 221). (¬2) تاريخ بغداد (3/ 322). (¬3) الوافي بالوفيات (2/ 138).

عليه ودفنته، أظنه قال: بعانة. قلت: وكانت وفاته في سنة ثماني عشرة ومائتين» (¬1). موقف الإمام منه: قال البرقاني: «بلغني أن محمد بن نوح هذا جار أحمد بن حنبل، وأن أحمد بن حنبل قال لمن سأله عنه: اكتب عنه؛ فإنه ثقة» (¬2). وقال أبو بكر المروذي: «حدثنا محمد بن نوح، وسألت عنه أحمد بن حنبل، فقال: ثقة» (¬3). وقال حنبل بن إسحاق بن حنبل: «سمعت أبا عبد الله يقول: ما رأيت أحدًا على حداثة سنه وقلة علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، وإني لأرجو أن يكون الله قد ختم له بخير. قال لي ذات يوم وأنا معه خلوين: يا أبا عبد الله! الله الله إنك لست مثلي أنت رجل يقتدى بك، وقد مد هذا الخلق أعناقهم ¬

(¬1) تاريخ بغداد (3/ 322 - 323)، وينظر: ذكر محنة الإمام أحمد لحنبل ص (38 - 39)، والمنتظم (3/ 313)، ومحنة الإمام أحمد لعبدالغني المقدسي ص (45، 50 - 51، 54)، والوافي بالوفيات (2/ 138). (¬2) تاريخ بغداد (3/ 322). (¬3) تاريخ بغداد (3/ 322 - 323)، وينظر: ذكر محنة الإمام أحمد لحنبل ص (38 - 39)، والمنتظم (3/ 313)، ومحنة الإمام أحمد لعبد الغني المقدسي ص (45)، والوافي بالوفيات (2/ 138).

12 - محمود بن غيلان العدوي مولاهم المروزي

إليك لما يكون منك، فاتق الله واثبت لأمر الله، أو نحو هذا من الكلام. قال أبو عبد الله: فعجبت من تقويته لي وموعظته إياي» (¬1). 12 - محمود بن غيلان العدوي مولاهم المروزي: هو: الإمام الحافظ الحجة محمود بن غيلان، أبو أحمد العدوي مولاهم المروزي، توفي سنة تسع وثلاثين ومائتين، روى له: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (¬2). موقفه في المحنة، وموقف الإمام منه: قال محمود: «قلت لأبي عبد الله: ما تقول فيمن أجاب في المحنة؟ فقال: أما أنا فما أحب أن آخذ عن أحد منهم فقلت له: فإن يحيى بن يحيى قال: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، لا يكلم، ولا يجالس، ولا يناكح. فقال أحمد: ¬

(¬1) ذكر محنة الإمام أحمد لحنبل ص (38 - 39)، وينظر: تاريخ بغداد (3/ 322 - 323). (¬2) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (7/ 404)، والجرح والتعديل (8/ 291)، والثقات (9/ 202)، وطبقات الحنابلة (2/ 420)، وتاريخ بغداد (13/ 89)، وتهذيب الكمال (27/ 305)، وتذكرة الحفاظ (2/ 475)، والسير (12/ 223)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 231 - 240 هـ)، والعبر (1/ 431)، والميزان (3/ 611)، وتهذيب التهذيب (10/ 64)، والتقريب (6559).

13 - نعيم بن حماد الخزاعي، أبو عبد الله المروزي

ثبت الله قوله» (¬1). وقال أبو بكر المروذي، عن أحمد بن حنبل: «أعرفه بالحديث، صاحب سنة، قد حبس بسبب القرآن» (¬2). 13 - نعيم بن حماد الخزاعي، أبو عبد الله المروزي: هو: الإمام العلامة الحافظ نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث بن همام بن سلمة بن مالك، أبو عبد الله الخزاعي المروزي، الفرضي الأعور، صاحب التصانيف، روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (¬3). قال ابن حجر: «صدوق، يخطئ كثيرًا، فقيه، عارف بالفرائض، ... مات سنة ثمان وعشرين على الصحيح، وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ فيه، وقال: باقي حديثه ¬

(¬1) طبقات الحنابلة (2/ 421). (¬2) العلل عن أحمد - رواية المروذي - رقم (289)، وينظر: تاريخ بغداد (13/ 89)، وتهذيب الكمال (27/ 308)، والسير (12/ 223)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 231 - 240 هـ)، وتهذيب التهذيب (10/ 65)، وبحر الدم ص (397) رقم (965). (¬3) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (8/ 100)، والجرح والتعديل (8/ 462)، والثقات (9/ 219)، وتاريخ بغداد (13/ 306)، وتهذيب الكمال (29/ 466)، وتذكرة الحفاظ (2/ 418)، والسير (10/ 595)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ)، والعبر (1/ 405)، والميزان (4/ 267)، وتهذيب التهذيب (10/ 458)، والتقريب (7215).

مستقيم» (¬1). موقفه في المحنة: قال محمد بن سعد: «طلب الحديث طلبًا كثيرًا بالعراق والحجاز، ثم نزل مصر فلم يزل بها حتى أشخص منها في خلافة أبي إسحاق بن هارون، فسئل عن القرآن، فأبى أن يجيب فيه بشيء مما أرادوه عليه، فحبس بسامراء، فلم يزل محبوسًا بها حتى مات في السجن في سنة ثمان وعشرين» (¬2). وقال أبو القاسم البغوي، وإبراهيم بن عرفة نفطويه، وابن عدي: «مات سنة تسع وعشرين. زاد نفطويه: وكان مقيدًا محبوسًا؛ لا متناعه من القول بخلق القرآن، فجر بأقياده، فألقي في حفرة، ولم يكفن، ولم يصل عليه، فعل به ذلك صاحب ابن أبي دؤاد، يعني: المعتصم» (¬3). وقال أبو بكر الطرسوسي: «أخذ نعيم بن حماد في أيام المحنة سنة ثلاث أو أربع وعشرين ومائتين، وألقوه في السجن، ومات في سنة تسع وعشرين ومائتين، وأوصى أن يدفن في قيوده، وقال: إني مخاصم» (¬4). ¬

(¬1) التقريب (7215). (¬2) الطبقات (7/ 519). (¬3) تهذيب الكمال (29/ 480)، وينظر: تاريخ بغداد (13/ 313 - 314)، وتاريخ دمشق (162/ 171)، ومحنة الإمام أحمد لابن الجوزي ص (483). (¬4) تاريخ بغداد (13/ 313)، وينظر: تهذيب الكمال (29/ 479 - 480)، والسير (10/ 610 - 612)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ).

موقف الإمام منه: قال أبو بكر المروذي: «سمعت أبا عبد الله يقول: جاءنا نعيم بن حماد، ونحن على باب هشيم نتذاكر المقطعات فقال: جمعتم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: فعنينا بها منذ يومئذ» (¬1). وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل - وذكر حديثًا لشعبة، عن أبي عصمة - قال أبو عبد الرحمن: سألت أبي: من أبو عصمة هذا؟ قال: رجل روى عنه شعبة، وليس هو أبو عصمة صاحب نعيم بن حماد، وكان أبو عصمة صاحب نعيم خراسانيًا، وكان نعيم كاتبًا لأبي عصمة، وكان أبو عصمة شديد الرد على الجهمية وأهل الأهواء، ومنه تعلم نعيم بن حماد. قال أبي: وكنا نسميه: نعيمًا الفارض، كان من أعلم الناس بالفرائض (¬2). وقال يوسف بن عبد الله الخوارزمي: «سألت أحمد بن حنبل عن نعيم بن حماد، فقال: لقد كان من الثقات» (¬3). ¬

(¬1) تاريخ بغداد (13/ 306)، وينظر: تاريخ دمشق (62/ 164)، وتهذيب الكمال (29/ 468 - 469)، والسير (10/ 596 - 597). (¬2) تاريخ بغداد (13/ 306 - 307)، وينظر: تاريخ دمشق (62/ 164). (¬3) الكامل لابن عدي (7/ 16)، وينظر: تاريخ دمشق (62/ 167)، وتهذيب الكمال (29/ 468 - 469)، والسير (10/ 596 - 597)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ).

14 - يوسف بن يحيى القرشي مولاهم البويطي

14 - يوسف بن يحيى القرشي مولاهم البويطي: هو: الإمام العلامة الفقيه يوسف بن يحيى القرشي مولاهم، أبو يعقوب البويطي المصري، صاحب الشافعي، توفي ببغداد سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين ومائتين في المحنة، روى له: الترمذي (¬1). قال الذهبي: «وكان إمامًا في العلم، قدوة في العمل، زاهدًا، ربانيًا، متهجدًا، دائم الذكر والعكوف على الفقه، بلغنا أن الشافعي قال: ليس في أصحابي أحدٌ أعلم من البويطي» (¬2). وقال ابن حجر: «ثقة فقيه، من أهل السنة» (¬3). موقفه في المحنة: قال الربيع بن سليمان: «كان البويطي أبدًا يحرك شفتيه بذكر الله، وما أبصرت أحدًا أنزع بحجة من كتاب الله من البويطي، ولقد رأيته على بغل في عنقه غل، وفي رجليه قيد، وبينه وبين الغل سلسلة فيها لبنة وزنها أربعون رطلاً، وهو ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: الجرح والتعديل (9/ 235)، والثقات (9/ 219)، وتاريخ بغداد (14/ 299)، وفيات الأعيان (7/ 61)، وتهذيب الكمال (32/ 472)، والسير (12/ 58)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 231 - 240 هـ)، والعبر (1/ 411)، وطبقات الشافعية للسبكي (2/ 162)، وتهذيب التهذيب (11/ 427)، والتقريب (7949). (¬2) السير (12/ 59). (¬3) التقريب (7949).

يقول: إنما خلق الله الخلق بـ: «كن»، فإذا كانت مخلوقة، فكأن مخلوقًا خلق بمخلوق، ولئن أدخلت عليه لأصدقنه - يعني: الواثق - ولأموتن في حديدي هذا حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم» (¬1). وقال أبو سعيد بن يونس: «كان من أصحاب الشافعي، وكان متقشفًا، حمل من مصر أيام المحنة والفتنة بالقرآن إلى العراق، فأرادوه على الفتنة فامتنع، فسجن ببغداد وقيد، وأقام مسجونًا إلى أن توفي في السجن والقيد ببغداد سنة اثنتين وثلاثين» (¬2). وقال أبو إسحاق الشيرازي: «قال الساجي في كتابه: كان أبو يعقوب البويطي إذا سمع المؤذن وهو في السجن يوم الجمعة اغتسل ولبس ثيابه ومشى حتى يبلغ باب السجن، فيقول له السجان: أين تريد؟ فيقول: أجيب داعي الله، فيقول: ارجع عافاك الله، فيقول أبو يعقوب: اللهم إنك تعلم أني قد أجبت داعيك فمنعوني» (¬3). موقف الإمام منه: لم أقف على كلام للإمام فيه، رحمهما الله تعالى. ¬

(¬1) طبقات الشافعية للسبكي (2/ 164)، وينظر: تاريخ بغداد (14/ 302)، ووفيات الأعيان (7/ 62)، وسير أعلام النبلاء (12/ 59)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 231 - 240 هـ). (¬2) تاريخ بغداد (14/ 302)، وينظر: تهذيب الكمال (32/ 475). (¬3) طبقات الفقهاء ص (98). وينظر: المحن لأبي العرب ص (448)، ووفيات الأعيان (7/ 62)، وطبقات الشافعية للسبكي (2/ 164).

المطلب الثاني أشهر الأئمة الذين امتحنوا وأجابوا أو توقفوا في ذلك

المطلب الثاني أشهر الأئمة الذين امتحنوا وأجابوا أو توقفوا في ذلك 1 - إبراهيم بن المنذر بن عبد الله الأسدي الحزامي: هو: الإمام الحافظ الثقة إبراهيم بن المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد بن أسد، أبو إسحاق القرشي الأسدي الحزامي المدني، توفي سنة ست وثلاثين ومائتين، روى له: البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (¬1). موقفه في المحنة، وموقف الإمام منه: قال أبو بكر الأثرم: «سمعتُ أبا عبد الله يقول: أي شيء يبلغني عن الحزامي؟!، لقد جاءني بعد قدومي من العسكر، فلما رأيته أخذتني - أخبرك - الحمية، فقلت: ما جاء بك إلي؟ - قالها أبو عبد الله بانتهار - قال: فخرج، فلقي أبا يوسف - يعني: عم أبي عبد الله - فجعل ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (1/ 331)، والجرح والتعديل (2/ 139)، والثقات (8/ 73)، وتاريخ بغداد (6/ 179)، وتهذيب الكمال (2/ 207)، والسير (10/ 689)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 231 - 240 هـ)، والعبر (1/ 422)، والميزان (1/ 67)، وتهذيب التهذيب (1/ 166)، والتقريب (255).

يعتذر» (¬1). وقال عبدان بن أحمد الهمذاني: «سمعت أبا حاتم يقول: إبراهيم بن المنذر أعرف بالحديث من إبراهيم بن حمزة الزبيري، إلا أنه خلط في القرآن، جاء إلى أحمد بن حنبل فاستأذن، فلم يأذن له أحمد، وجلس حتى خرج، فسلم على أحمد، فلم يرد عليه السلام» (¬2). وقال زكريا بن يحيى الساجي: «بلغني أن أحمد بن حنبل كان يتكلم فيه ويذمه، وقصد إليه ببغداد ليسلم عليه فلم يأذن له، وكان قدم إلى ابن أبي دؤاد، قاصدًا من المدينة، عنده مناكير» (¬3). وقال ابن حجر: «تكلم فيه أحمد من أجل كونه دخل إلى ابن أبي دؤاد» (¬4). ¬

(¬1) السير (10/ 690). (¬2) تاريخ بغداد (6/ 180 - 181)، وينظر: مناقب الإمام أحمد ص (474)، ومحنة الإمام للمقدسي ص (162)، وتهذيب الكمال (2/ 210)، والسير (10/ 690)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 231 - 240 هـ)، وتهذيب التهذيب (1/ 167). (¬3) تاريخ بغداد (6/ 180 - 181)، وينظر: تهذيب الكمال (2/ 210)، وتهذيب التهذيب (1/ 167). (¬4) هدي الساري ص (388)، وينظر: التقريب (255).

2 - إسحاق بن أبي إسرائيل المروزي

2 - إسحاق بن أبي إسرائيل المروزي: هو: الإمام الحافظ الثقة إسحاق بن أبي إسرائيل، واسمه إبراهيم بن كامْجَر، أبو يعقوب المروزي، نزيل بغداد، ولد سنة خمسين ومائة، وتوفي سنة خمس، وقيل: ست وأربعين ومائتين، روى له: البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي (¬1). قال ابن حجر: «صدوق، تُكلم فيه لوقفه في القرآن» (¬2). موقفه في المحنة: قال أبو العباس السراج: «سمعته يقول: هؤلاء الصبيان، يقولون: كلام الله غير مخلوق، ألا قالوا: كلام الله. وسكتوا؟ ويشير إلى دار الإمام أحمد» (¬3). وقال ابن الجوزي: «كان حافظًا، ثقة، مأمونًا، إلا أنه كان يقول: القرآن كلام الله ويقف، ولا يقول: مخلوق ولا غير ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (1/ 380)، والثقات (8/ 116)، وتاريخ بغداد (6/ 356)، وتهذيب الكمال (2/ 398)، وتذكرة الحفاظ (2/ 484)، والسير (11/ 476)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 241 - 250 هـ)، والعبر (1/ 444)، والميزان (1/ 182)، وتهذيب التهذيب (1/ 223)، والتقريب (340). (¬2) التقريب (340). (¬3) تاريخ بغداد (6/ 360)، وينظر: تهذيب الكمال (2/ 403)، والسير (11/ 477)، والميزان (1/ 182).

مخلوق، وكان يقول: لا أقول هذا على الشك، ولكن أسكت كما سكت القوم قبلي، فذموه بسكوته» (¬1). موقف الإمام منه: قال شاهين بن السميدع العبدي: «سمعت أبا عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل - يقول: إسحاق بن أبي إسرائيل واقفي مشؤوم، إلا أنه صاحب حديث كيس» (¬2). قال إسحاق بن داود: «قال أحمد بن حنبل: تجهم ابن أبي إسرائيل بعد تسعين سنة. فقال محمد بن يحيى المكي: ذكرت لأبي عبد الله إسحاق بن أبي إسرائيل، فقال: ذاك أحمق» (¬3). وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: «سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل - ذكر ابن أبي إسرائيل - فقال: بعد طلبه للحديث وكثرة سماعه شك، فصار ضلالاً شكاكًا» (¬4). ¬

(¬1) المنتظم (3/ 405)، وينظر: مناقب الإمام أحمد ص (470)، والسير (11/ 478). (¬2) تاريخ بغداد (6/ 359 - 360)، وينظر: تهذيب الكمال (2/ 403)، وسير أعلام النبلاء (11/ 477)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 241 - 250 هـ)، وتذكرة الحفاظ (2/ 485)، وتهذيب التهذيب (1/ 224). (¬3) تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 241 - 250 هـ). (¬4) تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 241 - 250 هـ).

3 - إسماعيل بن إبراهيم بن معمر القطيعي

وقد تكلم فيه غيره من الأئمة؛ من أجل وقفه، تكلم فيه: ابن معين، وصالح جزرة، وأبو حاتم، والساجي. قال أبو حاتم: «وقف في القرآن فوقفنا عن حديثه، ولقد تركه الناس حتى كنت أمر بمسجده وهو وحيد لا يقربه أحد، بعد أن كان الناس إليه عَنَقًا واحدًا» (¬1). وقال الساجي: «كان صدوقًا، تركوه لموضع الوقف» (¬2). علق الذهبي على ذلك: «قل من ترك الأخذ عنه» (¬3). 3 - إسماعيل بن إبراهيم بن معمر القطيعي: هو: الإمام الحافظ الكبير الثبت إسماعيل بن إبراهيم بن معمر بن الحسن الهذلي الهروي، أبو معمر البغدادي القطيعي، ولد بعد الخمسين ومائة، وتوفي سنة ست وثلاثين ومائتين، روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود (¬4). ¬

(¬1) الجرح والتعديل (2/ 210)، وينظر: وتهذيب الكمال (2/ 398)، وتهذيب التهذيب (1/ 223). (¬2) تاريخ بغداد (6/ 360)، وينظر: تهذيب الكمال (2/ 398)، والسير (11/ 476)، وتهذيب التهذيب (1/ 223). (¬3) الميزان (1/ 182). (¬4) ينظر في ترجمته: طبقات ابن سعد (7/ 359)، والتاريخ الكبير (1/ 342)، والجرح والتعديل (2/ 157)، وتاريخ بغداد (6/ 266)، وتهذيب الكمال (3/ 19)، وتذكرة الحفاظ (2/ 471)، وسير أعلام النبلاء (11/ 69)، والعبر (1/ 432)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 231 - 240 هـ)، وميزان الاعتدال (1/ 220)، وتهذيب التهذيب (1/ 273)، والتقريب (419).

قال ابن سعد: «ثقة ثبت، صاحب سنة وفضل» (¬1). موقفه في المحنة: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: «سمعت أبا معمر الهذلي يقول: من زعم أن الله لا يتكلم، ولا يسمع، ولا يبصر، ولا يرضى، ولا يغضب، فهو كافر، إن رأيتموه واقفًا على بئر فألقوه فيها، بهذا أدين الله عز وجل» (¬2). وقال عبيد بن شريك البزار: «كان أبو معمر القطيعي من شدة إدلاله بالسنة يقول: لو تكلمت بغلتي لقالت: إنها سنية. قال: فأخذ في محنة القرآن، فأجاب، فلما خرج قال: كفرنا وخرجنا» (¬3). موقف الإمام منه: قال أبو زرعة: «كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا أبي معمر، ولا يحيى بن معين، ولا عن ¬

(¬1) الطبقات (7/ 359). (¬2) تاريخ بغداد (6/ 270)، وينظر: تهذيب الكمال (3/ 20 - 21)، والسير (11/ 70). (¬3) تاريخ بغداد (6/ 270)، وينظر: تهذيب الكمال (3/ 20 - 21)، وتذكرة الحفاظ (2/ 471)، والسير (11/ 70)، وتهذيب التهذيب (1/ 273).

4 - الحسن بن حماد المعروف بسجادة

أحد ممن امتحن فأجاب» (¬1). قال حجاج بن الشاعر: «سمعت أحمد بن حنبل يقول: لو حدثت عن أحد أجاب في المحنة لحدثت عن اثنين: أبو معمر، وأبو كريب، أما أبو معمر فلم يزل بعدما أجاب يذم نفسه على إجابته، ويحسن أمر من لم يجب ويغبطهم، وأما أبو كريب فأجري عليه ديناران وهو محتاج، فتركهما لما علم أنه أجري لذلك» (¬2). 4 - الحسن بن حماد المعروف بسجادة: هو: الإمام القدوة المحدث الأثري الحسن بن حماد بن كسيب الحضرمي، أبو علي البغدادي، توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين، روى له: أبو داود، والنسائي وابن ماجه (¬3). ¬

(¬1) تاريخ بغداد (6/ 271)، وينظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (473)، وتهذيب الكمال (3/ 20 - 21)، والسير (11/ 70)، والميزان (2/ 658)، وتهذيب التهذيب (1/ 273)، وبحر الدم ص (381) رقم (921). (¬2) تاريخ دمشق (55/ 57)، وينظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (473)، وتهذيب الكمال (26/ 246)، والسير (1/ 395). (¬3) ينظر في ترجمته: الجرح والتعديل (3/ 9)، والثقات (8/ 175 - 176)، وتاريخ بغداد (7/ 295)، وتهذيب الكمال (6/ 129)، والسير (11/ 392)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 241 - 250 هـ)، والعبر (1/ 435)، وتهذيب التهذيب (2/ 272)، والتقريب (1240).

موقفه في المحنة، وموقف الإمام منه: يوضح هذا ويبينه ما قصّه حنبل بن إسحاق عن المحنة فقال رحمه الله فيما نقله عن أبيه: «ورد كتاب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بإحضار أبي عبد الله أحمد ابن حنبل، وعبيد الله بن عمر القواريري، والحسن بن حماد سجادة، ومحمد بن نوح بن ميمون، وأن يمتحنهم ... ، فلما كان من الغد حضر أبو عبد الله والمسمون معه، فأدخلوا إلى إسحاق فامتحنهم، فأبى أبو عبد الله والقوم أن يجيبوا جميعًا ... ، ثم امتحن القواريري، فأبى أن يجيبه وامتنع، فأمر بحبسه وتقييده، وسجادة أيضًا كذلك، فلما كان بعد بيوم أو يومين جاء بهما فأجاباه فخلى عنهما، وكان أبو عبد الله بعد ذلك يعذر القواريري وسجادة، يقول: قد أعذار وحُبسا وقُيدا، وقال الله عز وجل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]، ثم قال: القيد كره، والحبس كره، والضرب كره، فأما إذا لم ينل بمكروه فلا عذر له» (¬1). قال عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان: «سألت أحمد بن حنبل عن سجادة؟ فقال: صاحب سنة، ما بلغني عنه إلا خير» (¬2). ¬

(¬1) ذكر المحنة لحنبل ص (35 - 37) باختصار، وينظر: محنة الإمام أحمد لعبد الغني المقدسي ص (41 - 43). (¬2) تاريخ بغداد (7/ 295)، وينظر: تهذيب الكمال (6/ 131)، والسير (11/ 393)، وتهذيب التهذيب (2/ 237)، وبحر الدم ص (110) رقم (191).

5 - زهير بن حرب أبو خيثمة

5 - زهير بن حرب أبو خيثمة: هو: الحافظ الحجة، أحد أعلام الحديث، أبو خيثمة، زهير بن حرب بن شداد الحرشي النسائي البغدادي، ولد سنة ستين ومائة، وتوفي سنة أربع وثلاثين ومائتين، روى له: الستة عدا الترمذي (¬1). موقفه في المحنة: قال عبد الغني المقدسي: «قال أبو علي حنبل: وكان أول من حُمِلَ للمحنة هؤلاء السبعة، جاء كتاب المأمون في أمرهم أن يحملوا إليه ولم يمتحنوا هاهنا، وإنما أخرجهم إليه فأجابوه بالرقة، وكانوا: يحيى بن معين، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وإسماعيل الجوري، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي، وأبو مسلم المستملي عبد الرحمن بن يونس، وابن أبي مسعود، فحضرتهم حين أخرجوا إلى الرقة في الخان بباب الأنبار فأخرجوا جميعًا، ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (3/ 429)، والجرح والتعديل (3/ 591)، والثقات (8/ 256)، وتاريخ بغداد (8/ 482)، وتهذيب الكمال (9/ 402)، وتذكرة الحفاظ (2/ 437)، والسير (11/ 489)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 231 - 240 هـ)، والعبر (1/ 416)، وتهذيب التهذيب (3/ 342)، والتقريب (2053).

6 - سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي

فأجابوا وأطلقوا» (¬1). موقف الإمام منه: لم أقف على كلام للإمام يطعن به على أبي خيثمة، لكن الإمام هجره كغيره ممن أجاب. قال ابن الجوزي: «وكذلك فعل بأبي خيثمة، فإنه جاء فطرق عليه الباب فلما خرج فرآه أغلق الباب، وخرج مغضبًا يتكلم هو ونفسه بكلمات سمعها أبو خيثمة، فلم يعد إليه» (¬2). 6 - سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي (¬3): قال الذهبي: «وثقه بعضهم» (¬4). موقفه في المحنة: قال الإمام أحمد: «امتحن أول شيء قبل أن يخوفوا، وقبل أن يكون ترهيب فأجابهم» (¬5). ¬

(¬1) محنة الإمام أحمد لعبدالغني المقدسي ص (40 - 41)، وينظر: ذكر المحنة لحنبل ص (34 - 35)، ومناقب الإمام لابن الجوزي ص (470). (¬2) مناقب الإمام لابن الجوزي ص (474). (¬3) ينظر: تاريخ بغداد (9/ 126)، وتاريخ الإسلام (5/ 572)، وذيل ميزان الاعتدال ص (265)، ولسان الميزان (4/ 33). (¬4) تاريخ الإسلام (5/ 572). (¬5) تاريخ بغداد (9/ 127).

7 - سعيد بن سليمان الواسطي، المعروف بسعدويه

موقف الإمام منه: قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله: أخبرني اليوم إنسان بشيء عجب، زعم أن فلانًا أمر بالكتاب عن سعد بن العوفي، وقال: هو أوثق الناس في الحديث. فاستعظم ذاك أبو عبد الله جدًا، وقال: لا إله إلا الله، سبحان الله! ذاك جهمي، امتحن أول شيء قبل أن يخوفوا وقبل أن يكون ترهيب فأجابهم. قلت لأبي عبد الله: فهذا جهمي إذًا؟ فقال: فأي شيء ثم. قال أبو عبد الله: لو لم يكن هذا أيضًا لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه، ولا كان موضعًا لذاك (¬1). 7 - سعيد بن سليمان الواسطي، المعروف بسعدويه: هو: الحافظ الثبت الإمام سعيد بن سليمان، أبو عثمان الضبي الواسطي البزاز، الملقب بسعدويه، سكن بغداد، ونشر بها العلم، ولد سنة بضع وعشرين ومائة، وتوفي سنة خمس وعشرين ومائتين، روى له: الجماعة (¬2). ¬

(¬1) ينظر: تاريخ بغداد (9/ 127)، وتاريخ الإسلام (5/ 572)، وذيل ميزان الاعتدال ص (265)، ولسان الميزان (4/ 33). (¬2) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (3/ 481)، والجرح والتعديل (4/ 26)، والثقات (8/ 267)، وتاريخ بغداد (9/ 84)، وتهذيب الكمال (10/ 483)، وتذكرة الحفاظ (1/ 398)، والسير (10/ 481)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ)، والعبر (1/ 394)، وتهذيب التهذيب (4/ 43)، والتقريب (2342).

موقفه في المحنة: قال أبو بكر الخطيب: «كان سعدويه من أهل السنة، وأجاب في المحنة» (¬1). ولكنه رحمه الله ممن اعترف وندم. قال أحمد بن عبد الله العجلي: «قيل لسعدويه بعدما انصرف من المحنة: ما فعلتم؟ قال: كفرنا ورجعنا» (¬2). وقال محمد بن سهل بن عسكر: «لما دُعي سعدويه إلى المحنة رأيته خرج من دار الأمير، قال: يا غلام، قدم الحمار فإن مولاك كفر!» (¬3). موقف الإمام منه: قال العقيلي: «حدثني الخضر بن داود قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن سعيد بن سليمان: ترى الكتابة عنه؟ فقال: أعفني عن المسألة عن هؤلاء، وذلك في حياة سعيد، وذلك بعد المحنة» (¬4). ¬

(¬1) تاريخ بغداد (9/ 86). (¬2) معرفة الثقات رقم (596)، وينظر: تاريخ بغداد (9/ 86)، ومناقب الإمام أحمد ص (470)، وتهذيب الكمال (10/ 487)، والسير (10/ 482)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ). (¬3) تاريخ بغداد (9/ 86)، وينظر: مناقب الإمام أحمد ص (470)، وتهذيب الكمال (10/ 487)، وتذكرة الحفاظ (1/ 399). (¬4) الضعفاء للعقيلي (2/ 109).

8 - عباس بن عبد العظيم العنبري

قال عبد الله بن أحمد: «سمعت أبي ذكر سعيد بن سليمان، قال: كان صاحب تصحيف ما شئت» (¬1). وقال أبو زرعة: «كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن علي بن الجعد، ولا سعيد بن سليمان، ورأيته في كتابه مضروبًا عليهما» (¬2). قال الذهبي: «وأما أحمد بن حنبل فكان يغض منه، ولا يرى الكتابة عنه؛ لكونه أجاب في المحنة تقية، ويقول: صاحب تصحيف ما شئت» (¬3). 8 - عباس بن عبد العظيم العنبري: هو: الحافظ الحجة الإمام العباس بن عبد العظيم بن إسماعيل بن توبة، أبو الفضل العنبري البصري، توفي سنة ست وأربعين ومائتين، روى له: مسلم، والأربعة (¬4). ¬

(¬1) العلل - رواية عبد الله - (944)، وينظر: تاريخ بغداد (9/ 86)، (11/ 365)، وتهذيب الكمال (10/ 486)، والسير (10/ 482)، وتهذيب التهذيب (4/ 43). (¬2) تاريخ بغداد (9/ 86) (11/ 365)، وينظر: طبقات الحنابلة (2/ 62)، وتهذيب الكمال (10/ 486)، والسير (10/ 482). (¬3) السير (10/ 482)، وينظر: تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ). (¬4) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (4/ 6)، والجرح والتعديل (6/ 216)، والثقات (8/ 511)، وتاريخ بغداد (12/ 137)، وطبقات الحنابلة (2/ 153)، وتهذيب الكمال (14/ 222)، والسير (12/ 302)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 241 - 250 هـ)، وتذكرة الحفاظ (2/ 542)، وتهذيب التهذيب (5/ 121)، والتقريب (3193).

موقفه في المحنة، وموقف الإمام منه: قال حنبل: «امتحن عباس بن عبد العظيم العنبري، وعلي بن المديني بالبصرة، فأما عباس فأقيم فضُرِبَ بالسوط فأجاب، وأُقعد علي بن المديني فلم يمتحن حتى ضرب عباس وهو ينظر، فلما رأى ما نزل بعباس العنبري، وأن عباسًا قد أجاب، أجاب علي عند ذلك، ولم ينل بمكروه ولا ضرب، وحذر لما رأى ما نزل بعباس من الضرب، فعذر أبو عبد الله عباسًا، ولم يعذر عليًا لذلك». وقال في موضع آخر: «كان أبو عبد الله عباسًا العنبري، لما ضُرِبَ ونيل بالضرب والقيد، ويذكر علي بن المديني فيغتم له ولما صار إليه، ويقول: أخرج إليهم كتاب يحيى، فعرفوا من الحديث ما لم يكونوا يعرفون - يعني: من أخبار الحديث - وما فيها من الوهم، فكان يغتم لذلك» (¬1). وقال عبد الله: «قيل له - يعني: أباه -: عباس العنبري؟ قال: ابن خلّاد من الشيوخ. قال أبو عبد الرحمن: حاد عنه من أجل المحنة؛ لأنه كان ضُرِبَ في المحنة» (¬2). ¬

(¬1) ذكر محنة الإمام أحمد بن حنبل لابن عمه حنبل بن إسحاق ص (38، 69). (¬2) العلل - رواية عبد الله - رقم (5174).

9 - عبد الملك بن عبد العزيز القشيري أبو نصر التمار

أي أن الإمام أحمد ترك الكلام فيه من أجل ما ابتلي به في المحنة. 9 - عبد الملك بن عبد العزيز القشيري أبو نصر التمار: هو: الإمام الثقة الزاهد القدوة عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الملك بن ذكوان بن يزيد، أبو نصر التمار القشيري مولاهم، النسوي الدقيقي، نزيل بغداد، ولد سنة سبع وثلاثين ومائة، وتوفي سنة ثمان وعشرين ومائتين، روى له: مسلم، والنسائي (¬1). موقفه في المحنة: قال ابن الجوزي: «كان عالمًا، ثقة، زاهدًا، يعد في الأبدال، وكان ممن أجاب في المحنة، وكان أحمد ينهى عن الكتابة عنه، ولم يخرج للصلاة عليه، كل ذلك ليعظم أمر القرآن عند الناس» (¬2). وقال الذهبي: «وكان ممن امتحن في خلق القرآن، فأجاب وخاف» (¬3). ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (5/ 423)، والجرح والتعديل (5/ 358)، والثقات (8/ 390)، وتاريخ بغداد (10/ 420)، والمنتظم (3/ 347)، وتهذيب الكمال (18/ 354)، والسير (10/ 571)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ)، والعبر (1/ 402)، والميزان (2/ 658)، والوافي بالوفيات (6/ 252)، وتهذيب التهذيب (6/ 406)، والتقريب (4222). (¬2) المنتظم (3/ 347). (¬3) الميزان (2/ 658)، وينظر: تاريخ بغداد (10/ 421)، ومحنة الإمام أحمد لابن الجوزي ص (473)، والوافي بالوفيات (6/ 252).

10 - عبيد الله بن عمر القواريري

موقف الإمام منه: قال أبو زرعة الرازي: «كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصار التمار، ولا ابن معين، ولا ممن امتحن فأجاب» (¬1). وقال أبو الحسن الميموني: «صح عندي أنه - يعني: أحمد - لم يحضر أبا نصر التمار حين مات، فحسبت أن ذلك لما كان أجاب في المحنة» (¬2). 10 - عبيد الله بن عمر القواريري: هو: الإمام الحافظ، محدث الإسلام عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري، أبو سعيد الجشمي مولاهم، البصري، نزيل بغداد، ولد سنة اثنتين وخمسين ومائة تقريبًا، وتوفي سنة خمس وثلاثين ومائتين، روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (¬3). ¬

(¬1) تاريخ بغداد (9/ 86) (11/ 365)، وينظر: طبقات الحنابلة (2/ 62)، وتهذيب الكمال (10/ 486)، والسير (10/ 482). (¬2) العلل - رواية الميموني - رقم (416)، وينظر: تاريخ بغداد (10/ 421)، ومحنة الإمام أحمد لابن الجوزي ص (473)، وتهذيب الكمال (18/ 354)، والسير (10/ 571)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ)، والميزان (2/ 658)، وتهذيب التهذيب (6/ 406)، وبحر الدم ص (278 - 279) رقم (642). (¬3) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (5/ 395)، والجرح والتعديل (5/ 327)، والثقات (8/ 405)، وتاريخ بغداد (10/ 320)، والمنتظم (6/ 26، 44)، وتهذيب الكمال (19/ 130)، والسير (11/ 442)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 231 - 240 هـ)، والعبر (1/ 422)، وتهذيب التهذيب (7/ 40)، والتقريب (4354).

موقفه في المحنة، وموقف الإمام منه: قد تقدم في ترجمة سجَّادة قصته وقصة القواريري وموقف الإمام منهما، فيما قاله ابن عمه حنبل بن إسحاق رحمه الله عن أبيه: «ثم ورد كتاب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بإحضار أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وعبيد الله بن عمر القواريري، والحسن بن حماد سجَّادة، ومحمد بن نوح بن ميمون، وأن يمتحنهم ... ، فلما كان من الغد حضر أبو عبد الله والمسمون معه، فأدخلوا إلى إسحاق فامتحنهم، فأبى أبو عبد الله والقوم أن يجيبوا جميعًا ... ، ثم امتحن القواريري فأبى أني يجيبه وامتنع، فأمر بحبسه وتقييده، وسجَّادة أيضًا كذلك، فلما كان بعدُ بيوم أو يومين جاء بهما فأجاباه فخلّى عنهما، وكان أبو عبد الله بعد ذلك يعذر القواريري وسجادة، يقول: قد أعذرا وحبسا وقيدا، وقال الله عز وجل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] ثم قال: القيد كره، والحبس كره، والضرب كره، فأما إذا لم ينل بمكروه فلا عذر له» (¬1). ¬

(¬1) تاريخ بغداد (7/ 295)، وينظر: تهذيب الكمال (6/ 131)، وسير أعلام النبلاء (11/ 393)، وتهذيب التهذيب (2/ 237)، وبحر الدم ص (110) رقم (191).

11 - علي بن الجعد الجوهري

11 - علي بن الجعد الجوهري: هو: الإمام الحافظ الحجة مسند بغداد علي بن الجعد بن عبيد، أبو الحسن البغدادي، ولد سنة أربع وثلاثين ومائة، وتوفي سنة ثلاثين ومائتين، روى له: البخاري، وأبو داود (¬1). موقفه في المحنة: قد عيب على علي بن الجعد رحمه الله كلام له في بعض الصحابة، أوجب نسبته إلى شيء من التشيع، وأيضًا إجابته في المحنة وموقفه ممن قال بخلق القرآن؛ ومن أجل هذا تكلم فيه الإمام أحمد وغيره من الأئمة، وفيما يلي ذكرٌ لما نسب إليه من هذه الهفوات. قال أبو يحيى الناقد: «سمعت أبا غسان الدوري يقول: كنت عند علي بن الجعد، فذكروا حديث ابن عمر: «كنا نفاضل على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فنقول: خير هذه الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، وعمر، وعثمان، فيبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره» (¬2). فقال ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (6/ 265)، والجرح والتعديل (6/ 178)، والثقات (8/ 466)، وتاريخ بغداد (11/ 360)، والمنتظم (6/ 6، 28، 62 - 63)، وتهذيب الكمال (20/ 341)، وتذكرة الحفاظ (1/ 399)، والسير (10/ 459)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ)، والعبر (1/ 406)، والميزان (3/ 116)، وتهذيب التهذيب (7/ 289)، والتقريب (4732). (¬2) أخرجه: ابن أبي عاصم في السنة (2/ 804)، والخلال في السنة (1/ 398)، والطبراني في الأوسط (8/ 303) ح (8702)، وأصله في البخاري - فتح - (7/ 16) ح (3655).

علي: انظروا إلى هذا الصبي هو لم يحسن أن يطلق امرأته يقول: كنا نفاضل. وكنت عنده فذكروا حديث: «إن ابني هذا سيَّد» (¬1) قال: ما جعله الله سيدًا. قال أحمد بن إبراهيم الدورقي: قلت لعلي بن الجعد: بلغني أنك قلت: ابن عمر ذاك الصبي، قال: لم أقل، ولكن معاوية ما أكره أن يعذبه الله» (¬2) (¬3). وقال هارون بن سفيان المستملي: «كنت عند علي بن الجعد، فذكر عثمان، فقال: أخذ من بيت المال مئة ألف درهم بغير حق، فقلت: لا والله، ما أخذها إلا بحق» (¬4). وقال الآجري: «قلت لأبي داود: أيما أعلى عندك علي بن الجعد أو عمرو بن مرزوق؟ فقال: عمرو أعلى عندنا، علي بن الجعد وُسِمَ بميسم سوءٍ، قال: ما ضرني أن يعذب الله ¬

(¬1) أخرجه: البخاري - فتح - (7/ 94) ح (3746). (¬2) تهذيب الكمال (20/ 346 - 347)، وينظر: الضعفاء للعقيلي (3/ 225)، والسير (10/ 463 - 464). (¬3) وهذه الألفاظ من ابن الجعد لو ثبتت عنه فيها شناعة، وقد قال الذهبي في السير (10/ 464): «أبو غسان لا أعرف حاله، فإن كان قد صدق، فلعل ابن الجعد قد تاب من هذه الورطة، بل جعله سيدًا علي رغم أنف كل جاهل». (¬4) تهذيب الكمال (20/ 347)، وينظر: السير (10/ 465)، وتهذيب التهذيب (7/ 289).

معاوية، وقال: ابن عمر ذاك الصبي» (¬1). وقال زياد بن أيوب: «سأل رجلٌ أحمد بن حنبل عن علي بن الجعد؟ فقال الهيثم: ومثله يسأل عنه! فقال أحمد: أمسك أبا عبد الله، فذكره رجل بشيء، فقال أحمد: ويقع في أصحاب رسول الله؟ فقال زياد بن أيوب: كنت عند علي بن الجعد، فسألوه عن القرآن، فقال: القرآن كلام الله، ومن قال: مخلوق، لم أعنفه، فقال أحمد: بلغني عنه أشد من هذا» (¬2). موقف الإمام منه: قال أبو جعفر العقيلي: «قلت لعبد الله بن أحمد: لِمَ لَمْ تكتب عن علي بن الجعد؟ قال: نهاني أبي أن أذهب إليه، وكان يبلغه عنه أنه يتناول الصحابة» (¬3). وقال أبو زرعة: «كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن علي بن الجعد، ولا سعيد بن سليمان، ورأيته في كتابه مضروبًا عليهما» (¬4). ¬

(¬1) سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود رقم (684)، وينظر: تاريخ بغداد (11/ 364)، وتهذيب الكمال (20/ 347)، والسير (10/ 465). (¬2) الضعفاء للعقيلي (3/ 225)، وينظر: تاريخ بغداد (11/ 365)، وطبقات الحنابلة (1/ 421 - 422)، وتهذيب الكمال (20/ 348)، والسير (10/ 465). (¬3) الضعفاء (3/ 225). (¬4) تاريخ بغداد (9/ 86) (11/ 365)، وينظر: طبقات الحنابلة (2/ 62)، وتهذيب الكمال (10/ 486)، والسير (10/ 482).

12 - علي بن المديني

وقال ابن عدي: «وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه ضعفه، وقال: نهيت ابني عبد الله أن يكتب عنه، وعبد الله لم يكتب عن أحد إلا عمن أمره أبوه بالكتابة عنه، وكتب عبد الله عن شيخ يقال له: يحيى بن عبدويه من أهل بغداد، وكان يحدث عن شعبة، ويحيى بن عبدويه ليس بالمعروف، ولم يكتب عن علي بن الجعد مع شهرته؛ لأن أباه نهاه عن الكتابة عنه» (¬1). وقال ابن الجوزي: «وكان أحمد قد نهى ابنه عبد الله أن يسمع من علي بن الجعد، وذلك أنه بلغه عنه أنه يتناول بعض الصحابة، وأنه قال: من قال: إن القرآن مخلوق. لم أعنفه» (¬2). وقال ابن حجر: «تكلم فيه أحمد من أجل التشيع، ومن أجل وقوفه في القرآن» (¬3). 12 - علي بن المديني: هو: الشيخ الإمام الحجة، أمير المؤمنين في الحديث أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بن بكر بن سعد السعدي مولاهم البصري، المعروف بابن المديني، مولى عروة بن عطية السعدي، ولد سنة إحدى وستين ومائة، وتوفي ¬

(¬1) الكامل لابن عدي (5/ 213). (¬2) المنتظم (3/ 354). (¬3) هدي الساري ص (430)، وينظر: تهذيب الكمال (20/ 346 - 347)، وتهذيب التهذيب (7/ 289)، وبحر الدم ص (301 - 302) رقم (705).

سنة أربع وثلاثين ومائتين، روى له: البخاري، وأبو داود والترمذي، والنسائي (¬1). قال المزي: «الإمام المبرز في هذا الشأن، صاحب التصانيف الواسعة، والمعرفة الباهرة» (¬2). وقال ابن حجر: «ثقة ثبت إمام، أعلم أهل عصره بالحديث وعلله، حتى قال البخاري: ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني. وقال فيه شيخه ابن عيينة: كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني. وقال النسائي: كأن الله خلقه للحديث. عابوا عليه إجابته في المحنة، لكنه تنصل وتاب، واعتذر بأنه كان قد خاف على نفسه» (¬3). موقفه في المحنة: الإمام ابن المديني قد تكلم فيه بعدد من الأسباب والوجوه، وبعضها لا يثبت عنه، ولا يصح نسبتها إليه، وسوف أورد الجميع على جهة الاختصار. ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (6/ 284)، والجرح والتعديل (6/ 193)، والثقات (8/ 469)، وتاريخ بغداد (11/ 458)، والمنتظم (6/ 6، 28، 62 - 63)، وتهذيب الكمال (21/ 5)، وتذكرة الحفاظ (2/ 428)، والسير (11/ 41)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ)، والعبر (1/ 418)، والميزان (3/ 138)، وتهذيب التهذيب (7/ 349)، والتقريب (4794). (¬2) تهذيب الكمال (21/ 5). (¬3) التقريب (4794).

كلامه في حديث رؤية الرب تعالى يوم القيامة. قال الحسين بن فهم: «حدثني أبي قال: قال ابن أبي دؤاد للمعتصم: يا أمير المؤمنين، هذا يزعم - يعني: أحمد بن حنبل - أن الله يُرَى في الآخرة، والعين لا تقع إلا على محدود، والله لا يُحد، فقال: ما عندك؟ قال: يا أمير المؤمنين عندي ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: وما هو؟ قال: حدثني غندر، حدثنا شعبة، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير قال: «كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة أربع عشرة، فنظر إلى البدر فقال: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر، لا تضامون في رؤيته» (¬1). فقال لابن أبي دؤاد: ما تقول؟ قال: انظر في إسناد هذا الحديث، ثم انصرف. فوجّه إلى علي بن المديني - وعليٌّ ببغداد مملق - ما يقدر على درهم فأحضره، فما كلمه بشيء حتى وصله بعشرة آلاف درهم، وقال: هذه وصلك بها أمير المؤمنين، وأمر أن يدفع إليه جميع ما استحق من أرزاقه، وكان له رزق سنتين، ثم قال له: يا أبا الحسن حديث جرير بن عبد الله في الرؤية ما هو؟ قال: صحيح. قال: فهل عندك عنه شيءٌ؟ قال: يعفيني القاضي من هذا. قال: هذه حاجة الدهر. ثم أمر له بثياب وطيب ومركب بسرجه ولجامه، ولم يزل حتى قال له: في هذا ¬

(¬1) أخرجه: البخاري - فتح - (13/ 419) ح (529)، ومسلم (1/ 439) ح (633) عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.

الإسناد من لا يعول عليه، ولا على ما يرويه، وهو قيس بن أبي حازم، إنما كان أعرابيًا بوّالاً على عقبيه، فقبل ابن أبي دؤاد عليه واعتنقه، فلما كان الغد وحضروا قال ابن أبي دؤاد: يا أمير المؤمنين، يحتج في الرؤية بحديث جرير، وإنما رواه عنه قيس، وهو أعرابي بوّال على عقبيه؟ قال: فقال أحمد بعد ذلك: فحين أطلع لي هذا، علمت أنه من عمل علي بن المديني، فكان هذا وأشباهه من أوكد الأمور في ضربه». وقد تكلم في ثبوت ذلك عن ابن المديني رحمه الله: فقال الخطيب: «أما ما حكي عن عليّ في هذا الخبر من أنه لا يعول على ما يرويه قيس، فهو باطل، قد نزه الله عليًا عن قول ذلك، لأن أهل الأثر - وفيهم عليّ - مجمعون على الاحتجاج برواية قيس وتصحيحها، إذ كان من كبراء تابعي أهل الكوفة، وليس في التابعين من أدرك العشرة وروى عنهم غير قيس مع روايته عن خلق من الصحابة ... ، فإن كان هذا محفوظًا عن ابن فهم، فأحسب أن ابن أبي دؤاد تكلم في قيس بما ذكر في الحديث، وعزا ذلك إلى ابن المديني، والله أعلم ... ، ولم يحك أحد ممن ساق المحنة أن أحمد نوظر في حديث الرؤية» (¬1). ¬

(¬1) تاريخ بغداد (11/ 469)، وينظر: مناقب الإمام أحمد ص (476 - 477)، وتهذيب الكمال (21/ 22 - 24)، وسير أعلام النبلاء (11/ 52 - 54)، وتاريخ الإسلام (4/ 317).

أنه روى لابن أبي دؤاد حديثًا أخطأ فيه الوليد بن مسلم فيه تأييد للبدعة. قال الخطيب البغدادي: «أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه، أخبرنا عيسى بن حامد القاضي، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد الصيدلاني، حدثنا أبو بكر المروذي قال: قلتُ لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: إن علي بن المديني يحدث عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أنس، عن عمر: «كلوه إلى خالقه»؟ فقال أبو عبد الله: كذب، حدثنا الوليد بن مسلم مرتين ما هو هكذا، إنما هو: «كلوه إلى عالمه». قلت لأبي عبد الله: إن عباسًا العنبري قال لما حدث به بالعسكر: قلت لعلي بن المديني: إنهم قد أنكروه عليك! فقال: حدثتكم به بالبصرة، وذكر أن الوليد أخطأ فيه، فغضب أبو عبد الله وقال: فنعم، قد علم - يعني: علي بن المديني - أن الوليد أخطأ فيه فلم أراد أن يحدثهم به؟! يعطيهم الخطأ! وكذبه أبو عبد الله» (¬1). ثقة علاقته وجميل معاملته لأحمد البدعة ابن أبي دؤاد. قال زكريا الساجي: «قدم ابن المديني البصرة، فصار إليه بندار، فجعل علي يقول: قال أبو عبد الله، قال أبو عبد الله، ¬

(¬1) تاريخ بغداد (11/ 469)، وينظر: مناقب الإمام أحمد ص (476)، وتهذيب الكمال (21/ 25 - 27)، وسير أعلام النبلاء (11/ 54 - 55).

فقال بندار على رؤوس الملأ: من أبو عبد الله، أأحمد بن حنبل؟ قال: لا، أحمد بن أبي دؤاد. فقال بندار: عند الله احتسب خطاي، شبه علي هذا، وغضب وقام» (¬1). وقال أبو بكر الشافعي: «كان عند إبراهيم الحربي قمطر من حديث ابن المديني، وما كان يحدث به. فقيل له: لم لا تحدث عنه؟ قال: لقيته يومًا، وبيده نعله، وثيابه في فمه، فقلت: إلى أين؟ فقال: ألحق الصلاة خلف أبي عبد الله، فظننت أنه يعني أحمد بن حنبل، فقلت: من أبو عبد الله؟ قال: ابن أبي دؤاد، فقلت: والله لا حدثت عنك بحرف» (¬2). وقال سليمان بن إسحاق الجلّاب وآخر: «قيل لإبراهيم الحربي: أكان ابن المديني يُتَّهم؟ قال: لا، إنما كان إذا حدث بحديث زاد في خبره كلمة؛ ليرضي بها ابن أبي دؤاد. فقيل له: أكان يتكلم في أحمد بن حنبل؟ قال: لا، إنما كان إذا رأى في كتاب حديثًا عن أحمد، قال: اضرب على ذا، ليرضي به ابن أبي دؤاد، وكان قد سمع من أحمد، وكان في كتابه: سمعت أحمد، وقال أحمد، وحدثنا أحمد، وكان ابن أبي دؤاد إذا رأى في كتابه حديثًا عن الأصمعي قال: اضرب على ذا، ¬

(¬1) تاريخ بغداد (11/ 465)، وينظر: تهذيب الكمال (21/ 28 - 29)، وسير أعلام النبلاء (11/ 56 - 57). (¬2) تاريخ بغداد (11/ 470)، وينظر: سير أعلام النبلاء (11/ 56).

ليرضي نفسه بذلك» (¬1). إجابته في المحنة: قد ثبت أن ابن المديني أجاب في المحنة، ولكنه ندم وتاب من ذلك، وأبدى عذره في إجابته. قال حنبل: «امتحن عباس بن عبد العظيم العنبري وعلي بن المديني بالبصرة، فأما عباس فأقيم فضرب بالسوط فأجاب، وأقعد علي بن المديني فلم يمتحن حتى ضرب عباس وهو ينظر، فلما رأى ما نزل بعباس العنبري، وأن عباسًا قد أجاب، أجاب علي عند ذلك، ولم ينل بمكروه ولا ضرب، وحذر لما رأى ما نزل بعباس من الضرب، فعذر أبو عبد الله عباسًا، ولم يعذر عليًا لذلك» (¬2). وقال ابن عمار الموصلي في تاريخه: «قال لي علي بن المديني: ما يمنعك أن تكفر الجهمية، وكنت أنا أولاً لا أكفرهم؟ فلما أجاب علي إلى المحنة، كتبت إليه أذكره ما قال لي وأذكره الله، فأخبرني رجل عنه أنه بكى حين قرأ كتابي، ثم رأيته بعد فقال لي: ما في قلبي مما قلت وأجبت إلى شيء، ولكني خفت أن أقتل، وتعلم ضعفي أني لو ضربت سوطًا واحدًا لمت، أو نحو هذا. ¬

(¬1) تاريخ بغداد (11/ 470 - 471)، وينظر: تهذيب الكمال (21/ 28 - 29)، وسير أعلام النبلاء (11/ 57)، وتهذيب التهذيب (7/ 310). (¬2) ذكر المحنة لحنبل ص (36 - 37).

قال ابن عمار: ودفع عني عليّ امتحان ابن أبي دؤاد إياي شفع في، ودفع عن غير واحد من أهل الموصل من أجلي، فما أجاب ديانةً إلا خوفًا» (¬1). وقال ابن عدي: «سمعت مسدد بن أبي يوسف القلوسي، سمعت أبي يقول: قلت لابن المديني: مثلك يجيب إلى ما أجبت إليه؟! فقال: يا أبا يوسف، ما أهون عليك السيف» (¬2). وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: «سمعت عليًا على المنبر يقول: من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر، ومن زعم أن الله لا يرى فهو كافر، ومن زعم أن الله لم يكلم موسى على الحقيقة فهو كافر». وفي رواية عنه أنه قال: «سمعت علي بن المديني يقول قبل أن يموت بشهرين: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: مخلوق. فهو كافر» (¬3). وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: «كان أبو زرعة ترك الرواية عن علي من أجل ما بدا منه في المحنة، وكان والدي ¬

(¬1) سير أعلام النبلاء (11/ 57)، وينظر: تاريخ بغداد (11/ 471)، وتهذيب الكمال (21/ 30). (¬2) تهذيب الكمال (21/ 31)، وينظر: تاريخ بغداد (11/ 471)، والسير (11/ 58)، والميزان (3/ 141). (¬3) تاريخ بغداد (11/ 472)، وينظر: تهذيب الكمال (21/ 32)، وسير أعلام النبلاء (11/ 59).

يروي عنه لنزوعه عما كان منه. قال أبي: كان علي علمًا في الناس في معرفة الحديث والعلل» (¬1). موقف الإمام منه: لقد كان موقف الإمام واضحًا من ابن المديني - رحمهما الله تعالى - حيث كان يغتم عند ذكره، وترك الحديث عنه بعد المحنة، ونهى ابنه عن التحديث عنه، ولم ينفرد بهذا، فكما سبق أن أبا زرعة ترك الرواية عن ابن المديني. وقد بين عبد الله بن أحمد أن الأحاديث التي في المسند عن ابن المديني إنما كانت قبل المحنة، فقال: «وحدثناه أبي عن عليّ قبل أن يمتحن بالقرآن»، بل في بعضها بين الإمام أنه سمعه منه قبل المحنة (¬2). وقال عبد الله: «لم يحدث أبي بعد المحنة عنه بشيءٍ» (¬3). قال حنبل: «كان أبو عبد الله يعذر عباسًا العنبري، لما ضرب ونيل بالضرب والقيد، ويذكر علي بن المديني فيغتم له ولما صار إليه، ويقول: أخرج إليهم كتاب يحيى، فعرفوا من الحديث ما لم يكونوا يعرفون؛ يعني: من أخبار الحديث وما ¬

(¬1) سير أعلام النبلاء (11/ 59)، وينظر: الميزان (3/ 138). (¬2) ينظر: المسند (39/ 441، 464). (¬3) سير أعلام النبلاء (11/ 182).

13 - محمد بن سعد كاتب الواقدي

فيها من الوهم، فكان يغتم لذلك» (¬1). وقال العقيلي: «وقرأت على عبد الله بن أحمد كتاب العلل عن أبيه، فرأيت فيه حكايات كثيرة عن أبيه، عن علي بن عبد الله، ثم قد ضرب على اسمه، وكتب فوقه: حدثنا رجلٌ، ثم ضرب على الحديث كله، فسألت عبد الله؟ فقال: كان أبي حدثنا عنه، ثم أمسك عن اسمه، وكان يقول: حدثنا رجل، ثم ترك حديثه بعد ذاك» (¬2). قال المروذي: «سمعت رجلاً من أهل العسكر يقول لأبي عبد الله: ابن المديني يقرئك السلام، فسكت. فقلت لأبي عبد الله: قال لي عباس العنبري: قال علي بن المديني ... وذكر رجلاً فتكلم فيه، فقلت له: إنهم لا يقبلون منك، إنما يقبلون من أحمد بن حنبل. قال: قَوِي أحمد على السوط وأنا لا أقوى» (¬3). 13 - محمد بن سعد كاتب الواقدي: هو: الحافظ العلامة الحجة محمد بن سعد بن منيع، أبو عبد الله البغدادي، كاتب الواقدي، ومصنف الطبقات الكبرى، ولد بعد الستين ومائة، وتوفي سنة ثلاثين ومائتين، ¬

(¬1) ذكر المحنة لحنبل ص (69). (¬2) الضعفاء (3/ 239)، وينظر: الميزان (3/ 138). (¬3) تاريخ بغداد (11/ 469)، وينظر: تهذيب الكمال (21/ 27)، وسير أعلام النبلاء (11/ 55)، وتهذيب التهذيب (7/ 309).

روى له: أبو داود (¬1). موقفه في المحنة: قال الذهبي: «وكتب المأمون إليه - نائبه إسحاق بن إبراهيم الخزاعي - أيضًا في إشخاص سبعة أنفس وهم: محمد بن سعد كاتب الواقدي، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة، وأبو مسلم مستملي يزيد بن هارون، وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن إبراهيم الدورقي. فأشخصوا إليه، فامتحنهم بخلق القرآن فأجابوه، فردهم من الرقة إلى بغداد» (¬2). موقف الإمام منه: لم أجد موقفًا خاصًا للإمام تجاه ابن سعد، وإنما المنقول موقفه العام من السبعة الذين أجابوا، وأنه قد اغتم لذلك؛ لأن هذا مبدأ الأمر، فلو أنهم صبروا لانقطعت الفتنة. ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: الجرح والتعديل (7/ 262)، وتاريخ بغداد (5/ 321)، وتهذيب الكمال (25/ 255)، وتذكرة الحفاظ (2/ 425)، والسير (10/ 664)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ)، والعبر (1/ 407)، والميزان (3/ 560)، والوافي بالوفيات (3/ 88)، وتهذيب التهذيب (9/ 182)، والتقريب (5940). (¬2) تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 - 230 هـ)، وينظر: ذكر محنة الإمام أحمد لحنبل بن إسحاق ص (34 - 35)، والمحن لأبي العرب ص (439)، ومناقب الإمام أحمد ص (470)، ومحنة الإمام للمقدسي ص (40 - 41).

14 - محمد بن العلاء أبو كريب

قال حنبل: «سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن حنبل - وذكر الذين حملوا إلى الرقة، إلى المأمون، وأجابوا - فذكرهم أبو عبد الله بعد ذلك فقال: هؤلاء لو كانوا صبروا وقاموا لله لكان الأمر قد انقطع، وحذرهم الرجل - يعني: المأمون - ولكن لما أجابوا وهم عين البلد اجترأ على غيرهم. وكان أبو عبد الله إذا ذكرهم اغتم لذلك، ويقول: هم أول من ثلم هذه الثلمة وأفسد هذا الأمر» (¬1). 14 - محمد بن العلاء أبو كريب: هو: الحافظ الثقة الإمام، شيخ المحدثين محمد بن العلاء بن كريب، أبو كريب الهمداني الكوفي، ولد سنة إحدى وستين ومائة، وتوفي سنة ثمان وأربعين ومائتين، روى له: الجماعة (¬2). موقفه في المحنة، وموقف الإمام منه: قال حجاج بن الشاعر: «سمعت أحمد بن حنبل يقول: لو حدثت عمن أجاب في المحنة، لحدثت عن اثنين: أبو معمر ¬

(¬1) ذكر محنة الإمام أحمد ص (34)، وينظر: محنة الإمام أحمد للمقدسي (40). (¬2) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (1/ 205)، والجرح والتعديل (8/ 52)، والثقات (9/ 105)، وتهذيب الكمال (26/ 243)، وتذكرة الحفاظ (2/ 497)، والسير (11/ 394)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 241 - 250 هـ)، والعبر (1/ 453)، والوافي بالوفيات (4/ 99)، وتهذيب التهذيب (9/ 385)، والتقريب (6244).

15 - هشام بن عمار

وأبو كريب؛ أما أبو معمر فلم يزل بعدما أجاب يذم نفسه على إجابته وامتحانه، ويحسن أمر من لم يجب، وأما أبو كريب فأجري عليه ديناران وهو محتاج، فتركهما لما علم أنه أجري عليه لذلك» (¬1). 15 - هشام بن عمار: هو: الإمام الحافظ، العلامة المقرئ، عالم أهل الشام، هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة بن أبان، أبو الوليد السلمي، ويقال: الظفري، خطيب دمشق، ولد سنة ثلاث وخمسين ومائة، وتوفي سنة خمس وأربعين ومائتين، روى له: البخاري، والأربعة (¬2). موقفه في المحنة، وموقف الإمام منه: قال الذهبي: «قال المروذي: ذكر أحمد هشامًا فقال: طياش خفيف. قال المروذي: ورد كتاب من دمشق: سل لنا أبا عبد الله، فإن هشام بن عمار قال: لفظ جبريل ومحمد عليه السلام ¬

(¬1) تاريخ دمشق (55/ 57)، وينظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (473)، وتهذيب الكمال (26/ 246)، والسير (11/ 395). (¬2) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (8/ 199)، والجرح والتعديل (9/ 66)، والثقات (9/ 233)، وتهذيب الكمال (30/ 242)، وتذكرة الحفاظ (2/ 451)، والسير (11/ 420)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 241 - 250 هـ)، والعبر (1/ 445)، والميزان (4/ 302)، وتهذيب التهذيب (11/ 51)، والتقريب (7353).

بالقرآن مخلوق، فسألت أبا عبد الله؟ فقال: أعرفه طياشًا، قاتله الله لم يتجرئ الكرابيسي أن يذكر جبريل ولا محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، هذا قد تجهم، وفي الكتاب أنه قال في خطبته: الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه، فسألت أبا عبد الله؟ فقال: هذا جهمي، الله تجلى للجبال، يقول هو: تجلى لخلقه بخلقه، إن صلوا خلفه فليعيدوا الصلاة» (¬1). وفي سياق آخر: قال أبو بكر المروذي في كتاب القصص: «ورد علينا كتاب من دمشق: سل لنا أبا عبد الله، فإن هشامًا قال: لفظ جبريل عليه السلام ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن مخلوق، فسألت أبا عبد الله؟ فقال: أعرفه طياشًا، لم يجترئ الكرابيسي أن يذكر جبريل ولا محمدًا، هذا قد تجهم، في كلام غير هذا» (¬2) (¬3). ¬

(¬1) الميزان (4/ 303 - 304). (¬2) السير (11/ 432 - 433)، وينظر: العلل - رواية المروذي - رقم (247)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 241 - 250 هـ)، والميزان (4/ 303 - 304)، وبحر الدم ص (439 - 440) رقم (1096). (¬3) وقد اعتذر الذهبي لهشام بقوله: «لقول هشام اعتبار ومساغ، ولكن لا ينبغي إطلاق هذه العبارة المجملة، وقد سقت أخبار أبي الوليد رحمه الله في تاريخي الكبير، وفي طبقات القراء، أتيت فيها بفوائد، وله جلالة في الإسلام، وما زال العلماء الأقران يتكلم بعضهم في بعض بحسب اجتهادهم، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» الميزان (4/ 304) وفي هذا الاعتذار تأمل.

16 - يحيى ين معين

16 - يحيى ين معين: هو: الإمام الحافظ الجهبذ، شيخ المحدثين، أبو زكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام الغطفاني ثم المُرَّي مولاهم، البغدادي، ولد سنة ثمان وخمسين ومائة، وتوفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود (¬1). موقفه في المحنة: قال الذهبي: «وكتب المأمون إليه - نائبه إسحاق بن إبراهيم الخزاعي - أيضًا في إشخاص سبعة أنفس وهم: محمد بن سعد كاتب الواقدي، ويحيى بن معين، وأبو خثيمة، وأبو مسلم مستملي يزيد بن هارون، وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، فأُشخصوا إليه، فامتحنهم بخلق القرآن فأجابوه، فردهم من الرقة إلى بغداد» (¬2). ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: التاريخ الكبير (8/ 307)، والجرح والتعديل (1/ 314) (9/ 192)، والثقات (9/ 262)، وتاريخ بغداد (14/ 177)، والمنتظم (3/ 367)، ووفيات الأعيان (6/ 139)، وتهذيب الكمال (31/ 543)، وتذكرة الحفاظ (2/ 429)، والسير (11/ 71)، وتاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 231 - 240 هـ)، والعبر (1/ 415)، والميزان (4/ 410)، وتهذيب التهذيب (11/ 280)، والتقريب (7701). (¬2) تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 231 - 240 هـ)، وينظر: ذكر محنة الإمام أحمد لحنبل بن إسحاق ص (34 - 35)، والمحن لأبي العرب ص (439)، ومناقب الإمام أحمد ص (470)، ومحنة الإمام للمقدسي ص (40 - 41).

وقال الذهبي: «وكان يحيى من أئمة السنة، فخاف من سطوة الدولة، وأجاب تقية» (¬1). موقف الإمام منه: قال أبو زرعة الرازي: «كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصار التمار، ولا ابن معين، ولا عمن امتحن فأجاب» (¬2). ونقل ابن أبي يعلى بسنده إلى أبي بكر المروذي أنه قال: «جاء يحيى بن معين فدخل على أحمد بن حنبل وهو مريض، فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام، وكان أحمد قد حلف بالعهد أن لا يكلم أحدًا ممن أجاب حتى يلقى الله عز وجل، فما زال يعتذر ويقول: حديث عمار، وقال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]، وقلب أحمد وجهه إلى الجانب الآخر، فقال يحيى: لا يقبل عذرًا، فخرجت بعده وهو ¬

(¬1) سير أعلام النبلاء (11/ 87). (¬2) تاريخ بغداد (6/ 271)، وينظر: مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص (473)، وتهذيب الكمال (3/ 20 - 21)، والسير (11/ 70)، والميزان (2/ 658)، وتهذيب التهذيب (1/ 273)، وبحر الدم ص (381) رقم (921).

جالسٌ على الباب، فقال: أيش قال أحمد بعدي؟ قلت: قال: يحتج بحديث عمار، وحديث عمار: «مررت بهم وهم يسبونك فنهيتهم فضربوني» (¬1)، وأنتم قيل لكم: نريد أن نضربكم. فسمعت يحيى بن معين يقول: مر يا أحمد، غفر الله لك، فما رأيت والله تحت أديم سماء الله أفقه في دين الله منك» (¬2). وقال ابن الجوزي: «وعاده يحيى بن معين في مرضه فولّاه ظهره، وأمسك عن كلامه حتى قام عنه وهو يتأفف ويقول: بعد الصحبة الطويلة لا أُكَلَّم!» (¬3). ¬

(¬1) لم أقف عليه بهذا اللفظ، والمشهور في قصة عمار رضي الله عنه ما أخرجه: الحاكم (2/ 389)، والبيهقي (8/ 208) من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه، قال: «أخذ المشركون عمار بن ياسر، فلم يتركوه حتى سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال له عليه الصلاة والسلام: «ما وراءك؟» قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال: «فكيف تجد قلبك؟» قال: مطمئنًا بالإيمان، قال: «فإن عادوا فعد». وروي بأسانيد مرسلة متعددة، بمجموعها تتقوى كما قال ابن حجر في فتح الباري (12/ 312). (¬2) طبقات الحنابلة (2/ 533 - 534)، وينظر: مناقب الإمام أحمد ص (474 - 475). (¬3) مناقب الإمام أحمد ص (474 - 475)، وينظر: المحن ص (439)، ومحنة الإمام لعبد الغني المقدسي ص (147 - 148).

الخاتمة

الخاتمة الحمد لله أولاً وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فبعد هذه الرحلة التاريخية العلمية في فصول ومشاهد هذه المحنة العظيمة، والنظر في آثارها الوخيمة، والاستفادة من دروسها المفيدة، وقبل وضع القلم، وطي القرطاس أقيد أهم النتائج: 1 - خطورة أمر المحن، وشدة أثرها على العلماء والأئمة، بله العامة والدهماء. 2 - ما لولي الأمر والحاكم من أثر على رعيته بصلاحه أو فساده، وكما قال عثمان رضي الله عنه: «ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن» (¬1). 3 - الأثر الواضح للبطانة، وغيبة النصح علي ولي الأمر في الخير والشر. 4 - أن أهل البدع لا يرقبون في السنة وأهلها وعلمائها إلّا ولا ذمة، وإنما يتربصون بهم الدوائر والبلاء والمحن. ¬

(¬1) أخرجه: ابن عبد البر في التمهيد (1/ 118)، وبنحوه عن عمر أخرجه: الخطيب في تاريخ بغداد (4/ 107)، ولا يصح عن عمر رضي الله عنه.

5 - أن نظر الأئمة اختلف واجتهادهم تعدد في هذه المحنة، فهم - رحمهم الله - بين الأجرين والأجر، فالعذر لهم قائم، والعتب عنهم مرفوع، واللوم إليهم غير متجه. 6 - أن الموقف الخاص للإمام أحمد من بعض الأئمة الذين أسرعوا إلى الإجابة له ما يبرره، فليس هناك من شك أنه رحمه الله أبعدهم عن لوم أو عتب، فضلاً عن مصادرة رأيه أو تخطئته في موقفه. 7 - أن الإمام لم يكن نظره إلى المحنة ومواقف الأئمة فيها واحدًا، فمنهم من عذره، وآخرين لامهم وعذلهم، وطائفة ثالثة لم يحفظ للإمام فيهم موقف. 8 - أن أصعب الأئمة موقفًا وأشدهم إشكالاً وأشق مواقفهم تفسيرًا موقف الإمام الحافظ الحجة علي بن المديني رحمه الله. 9 - من خلال ما سبق تبين أن موقف الإمام من الذين أجابوا لم يكن ذلك الموقف الذي ترتب عليه إسقاط العدالة، أو الكلام في حديث الراوي ومروياته، وإنما هو موقف عزيمة خاص، أراد به الإمام سد الذريعة أمام الابتداع، وإيصاد الباب تجاه الفتن، والتربية على قوة العزائم، وأخذ الأمر بالقوة في الحق. 10 - من تأمل ألفاظ الإمام رحمه الله التي أطلقها في ظروف المحنة يجد أنها ليست ألفاظًا اصطلاحية داخلة في مراتب

الجرح والتعديل المتقررة عند أهل الفن؛ بدليل أنه قرن ببعضها ألفاظًا صريحة في أحدى المرتبتين، إما جرحًا أو تعديلاً. 11 - أن للمحن من بساط الحال، وشدة التأثير، وكثرة العوامل، وعظيم الالتباس ما يحتم على المسلم - لا سيما طالب العلم - الفزع إلى ربه، واللجوء إلى مولاه أن يعيذه من ظاهرها وباطنها، وأن يقيه بالتقوى، ويعصمه بالطاعة، ويحفظه بالاستقامة. 12 - علو قدر الأئمة وعظيم منزلتهم في الإسلام. 13 - المكانة السنية والدرجة العلية لإمامهم؛ إمام أهل السنة والجماعة بلا منازع، ومقدمهم بلا مدافع أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله. 14 - أن الله تعالى قد طوى في هذه المحنة منحًا عظيمة، ومننًا جسيمة للأمة جميعًا، وللإمام أحمد خصوصًا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وهو ذو الفضل العظيم. اللهم أعذنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، واحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، اللهم ارحم علماءنا وأئمتنا، وأجزهم عنا خير الجزاء وأوفاه. والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

§1/1