المسائل العسكريات في النحو العربي

أبو علي الفارسي

هذا باب علم (ما) الكلم من العربية

(1) - هذا باب علم (ما) الكلم من العربية - 2 أ/ أعلم أن الكلام يأتلف من ثلاثة أشياء: إسم، وفعل، وحرف. فالإسم: ما اقتصر سيبويه في تعريفه في أول الكتاب على المثال، وقفا كثير من أصحابنا أثره في ذلك. وقد ذكر في الكتاب ما يخصصه من القبيلين الآخرين. وذلك أنه قسمه إلى المعرفة والنكرة. وقسم حروف المعرفة، وذلك مما يدل على معرفة الإسم، وعدد الحروف في أول الأبنية. وحد الفعل في أول الكتاب. وإذا عرف من هذه الأشياء الثلاثة شيء على الوجه الذي ذكرنا، امتاز الثالث منهما ولم يستبهم. وقد وصف الإسم أصحابنا بغير شيء. فالذي كان يعول عليه أبو العباس في تعريفه، وصفته المخصصة له: إنه ما جاز الأخبار عنه ومثال الأخبار عنه

كقولنا: قام زيد، وزيد منطلق، وهذا وصف يشمل عامَّة الأسماء. ولا يخرج منه إلا اليسير منها وذلك (مثل) إذ، وإذا لأنهما عند النحويين من الأسماء. ومع ذلك لا يجوز الإخبار عنهما. ويدل على أنهما إسمان قولنا: القتال إذا جاء زيد. فيكون خبرًا عن الحدث. كما تقول: القتال يوم الجمعة، فيكون خبرًا. وأما إذ. فإنه يضاف إليه الإسم في نحو: يومئذ. وحينئذ. ويقع خبرًا عن الحدث كاذا. وهذه الأسماء التي تجريها على هذا الوصف الذي وصف به أبو العباس الإسم، إنها ليست متمكنة في الإسمية، ولا يكاد النحويون يطلقون عليها الإسم مطلقًا حتى يعتبروه بغيره. فكل ما جاز الإخبار عنه من الكلم فهو الإسم - وإن لم يكن كل إسم يجوز عنه الإخبار ومثل هذا الوصف في شموله علامة الأسماء، ما وصفه به أبو العباس من أنه ما دخل عليه حرف من حروف الجرّ -وهذا الوصف يشمل كثيرًا (من) الأسماء. وإن كان بعضها لا يدخل عليه حرف الجر (كيف)، لأنه إسم بدلالة أنه لا يتألف من إسم كان فيه كلام مفيد مستقل ولا يظن أنه فعل. ولا يجوز أن يكون حرفًا لما ذكرناه، مع ذلك فحرف الحرفّ لا يدخل عليه، كما لا يدخل على الأسماء التي (كيف) دال عليها، والأسماء المسمى بها الأفعال مثل: نزال، وتراك، وصه، ومع ونحو ذلك (فهي) أسماء عند النحويين، ولا يجوز دخول حرف الجرّ عليها، إلا أنَّ هذا الوصف يشمل أيضًا عامة الأسماء. وأعلم أن الإسم يقع خبرًا كما يكون مخبرًا عنه وذلك نحو: زيد أخوك وعمرو منطلق. وهذا أيضًل معنى يختص به الإسم وليس كذلك الفعل، والحرف

وقد وصف الإسم أيضًا: ما دل على معنى، وذلك المعنى يكون شخصًا، وغير شخص ففصل (ما دل على معنى) بينه وبين الفعل الذي يدل على معنيين. وبقوله: إن ما يدل عليه (يكون شخصًا، وغير شخص)، بين الإسم، والحرف، فصار ذلك وصفًا شاملاً لجمع الأسماء، مخصصًا لها من الفعل والحرف. فإن قلت: معنى أسماء الاستفهام مثل (من) و (ما) (تدل على معنى) (وعلى الاستفهام) (فمن) يدل على معنى، وعلى الاستفهام، وكذلك (ما) يدل على الأجناس، أو على صفات من ميز، وعلى الاستفهام فقد دل على معنيين، إذا قيل كذا أن هذه الأسماء تدل على هذه المعاني التي تحتها، وكان حدها أن تذكر معها حرفًا من الاستفهام، وإنما حذفت معها للدلالة، وما يحذف من اللفظ للدلالة، فبمنزلة المثبت فيه. ألا ترى أنك إذا -حذفت المبتدأ والخبر للدلالة، كان بمنزلة إثباتك إياه في اللفظ. وكذلك إذا حذفت (أن) الناصبة للفعل مع الفاء، وما أشبه مما يلزم فيه الإضمار ولا يستعمل معه الإظهار، كان بمنزلة الثابت في اللفظ وفي تقديره، فكذلك هذه الأسماء لما حذف معها حرف الاستفهام لدلالة الكلام عليه، كان بمنزلة إثباته. كما أنها لما حذفت مما ذكرنا، كانت في تقدير الثبات وإن لم يستعمل معها إظهار. ألا ترى أنك إذا تعديت هذا الموضع، استعلمت معه حرف الاستفهام، فإذا كان (أن) التي يستعمل معها إظهار (كان) بمنزلة المثبت في اللفظ. يختص الإسم/ 2 ب من الصفات دخول الألف واللام وذلك نحو: الرجل، والفرس، والضرب، والأكل، والعلم، والجهل. فهذا الوصف يعرف به كثير من الأسماء وقد حكي.

1 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . اليجدع في أحرف آخر، فدخل الألف واللام على الفعل، وذلك نادر، ومن ذلك أيضًا جواز الكناية (عنه) نحو: ضربته: وأكرمته فالكناية على هذا الحد لا تكون إلا عن الأسماء. ومن ذلك دخول التنوين المصاحب للجر، وذلك كله يختص بعض الأسماء، ولا يشمل جميعها إلا أن ذلك مما يعين على معرفة الإسم. وإما الفعل، فقد وصفه سيبويه: بأنه أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع وما هو كائن لم ينقطع .... ومن أصحابنا من يقول في وصفه: أنه ما دل على حدث وزمان. ويدل على قولهم هذا، إنِّا نجد الأفعال تتعدى إلى جميع أقسام الأزمنة معرفتها ونكرتها، ومبهمها، ومخصوصها، كما نجدها تتعدى إلى جميع أقسام المصادر فلولا أنَّ فيها دلالة على مهمة اللفظ، ما كانت لتتعدى إلى جميع ضروب الأزمنة. كما لم يتعدَّ ما تتعدى الأفعال المتعدية إليه، فاستواؤه والمصدر في تعدى الفعل إليهما تعديا واحدًا، دلالة على ما ذكرنا من وقوع الدلالة عليه من اللفظ، وقد قيل لمن وصف الفعل بهذا الوصف. أرأيتهم قولكم: خلق الله الزمان. هل يدل هذا على زمان قلته؟ (فإن قلتم: لا) فسد الوصف. وأن قلتم يدل، فقد ثبتم زمانًا قبل. وذلك ممتنع لما يجيبون به عن ذلك. أن اللفظ فيه قد جرى عندهم مجرى الآن، وما يتخاطبون به، ويتعارفون. وهذا النحو غير ضيق في كلامهم. ألا ترى قوله عزّ وجلّ: " ..... إنك أنت العزيز الكريم"، وكذلك قوله:

2 - أبلغ كليبا، وأبلغ عنك شاعرها إني الأغرُّ، وإني زهرة اليمن فأجاب جرير. 3 - ألم تكن في رسوم قد رسمت بها من حاز موعظًة يا زهرة اليمن وكذلك قوله تعالى: "وأرسلناه إلى مائة ألف، أو يزيدون" إنما هو عند كثير من أصحابنا أنهم جميع إذا رأيتم مثلهم، قلتم فيهم هذا الضرب من الكلام. فكذلك قولهم: "خلق الله الزمان". يجوز على هذا لحد الذي تجري هذه الأمثلة (عليه) في كلامهم، وما يتعارفونه الآن والدليل على أن الفعل مأخوذ من المصدر إنّ هذه المصادر تقع دالةّ على جميع ما تحتها، ولا تختص شيئًا منه دون شيء. ألا ترى أنّ (الضرب) يشمل جميع هذا الحدث، ولا يخص ماضيًا منه من حاضر، ولا حاضرًا من الآتي. وإنّ هذه الأمثلة تدل على أحداث مخصوصة، وحكم الخاص أن يكون من العام، ويستحيل كون العام من الخاص، وهذه الأمثلة تدل أيضًا على معنيين، أحدهما يأتي من الآخر. والأحداث تدل على معان مجردة مفردة، والمفردة في الرتبة أسبق من المركبة. فأما اعتلال بعض هذه الأحداث لاعتلال الفعل، فلا يدل على أنها مشتقة من الأفعال. كما أنّ أسماء الفاعلين لما أعتلت بجريانها على الفعل، لم تدل (على) أنها مشتقة من

الأفعال، ولو كانت ألفاظ هذه الأحداث مشتقة من ألفاظ الأمثلة، لوجب أن تتضمن الدلالة في لفظها على ما أشتق منها، وعلى زيادة معنى آخر. لأن المشتقات لا تخلو من هذا، فإن لم تدل ألفاظ الأمثلة" ولو كان الأمر على ما قاله من خالفنا في ذلك، ما يأتي، ولم أر على الحاضر دلالًة على أنها لست مأخوذة من ألفاظ الأمثلة" ولو كان الأمر على ما قاله من خالفنا في ذلك، لكان على ما وصفت لك. ألا ترى أن المضرب لما كان مأخوذًا من (الضرب)، دلّ على مكانه. فكذلك كان ينبغي أن يكون سببًا لهذه المصادر من أن تكون دالةّ على ما تدل عليه الأمثلة من المعنيين. وهذا الوصف الذي وصف به سيبويه الفعل لا يدخل عليه السؤال الذي تقدم، وهو أيضًا يشمل جميع ضروب هذه الأمثلة، وليس كوصف من خصص فقال فيها لأنها تدل على حدث وزمان، لأن (من) هذه الأمثلة ما هو عند النحويين دال على زمن غير مقترن /3 آبحدث، وذلك نحو: كان المفتقرة إلى الخبر المنصوب وهو عندهم فعل، ومع ذلك فهو دال على الزمان مجردًا من الحدث، ومن ثم لزمه الخبر المنصوب، ولم يستعمل في الكلام إلا به، وصارت الجملة بلزوم الخبر -المنصوب- لها موازية للجملة التي من الفعل والفاعل نحو قام زيد. وضرب عمرو، والذي وصفه به، وينتظم جميع ذلك ألا ترى أن (كان) مثال مأخوذ من لفظ حدث دال على ما مضى. كما أن (ضرب) كذلك، فهذا الوصف إذن أصح من غيره إذ لا دخل عليه، وكان منتظمًا جميع ما كان من هذه الأمثلة لا يدخل فيه ما ليس منه، ولا يخرج عنه ما هو منه، والذي تقدم من هذه الأزمان التي وصفت بها الأسماء مما هو كالحد الشامل لجميع ما كان يصفه به شيخنا أبو بكر. وهو ما دل على معنى وكان ذلك المعنى شخصًا، أو غير شخص. فهذا ينتظم جميع الأسماء

ولم يقتصر فيه على قوله: (ما دلّ على معنى) إذ لو اقتصر عليه، لا لتبس بالحرف. ألا ترى أن الحروف كلها تدل على معان، وإنّ المعاني التي تدل عليها تكون غير أشخاص. وقوله: يكون ما يدل عليه شخصًا، وغير شخص يخصص صفة (يكون) لا يشركه فيه الحرف، ولا يشركه فيه الفعل. ما يدل على حدث فيما مضى، وفيما هو كائن لم ينقطع، أو ما هو آت فقد اختصً الإسم بهذا الوصف من القبلين الآخرين، كما اختصّ الفعل منهما بوصف سيبويه له، فإن قال: فانّ الحرف أيضًا يدل على معنى، والمعنى الذي يدل عليه غير شخص فكيف ينفصل الإسم من الحرف بهذا الوصف مع هذا الإشتراك الموجود بينهما؟. أعلم أن الفعل ينفسم بإنقسام الزمان، ماض وحاضر. وآت. فمثال الماضي، ما كان مبنيًا على الفتح نحو: ذهب. وسمع، وظرف، وضرب، ودحرج، واستخرج، ونحو ذلك. ومثال الحاضر نحو: يقوم، ويذهب، ويظرف، ويكتب، ويصلي، وهذا الضرب الذي وصفه سيبويه بأنه كائن لم ينقطع. فهذا الضرب وإن كان شيء منه قد مضى، وشيء منه لم يمض، فإنه عند العرب ضرب من ضروب لفعل غير الماضي، وغير المستقبل. وعلى هذا عندهم حكم هذه الأفعال تتطاول أركانها، وتخرج إلى الوجود شيئَا فشيئًا، ويدلك على ذلك -من مذاهبهم- إنهم خصوه في النفي بـ (ما) فقالوا في نفيه: ما يصلي ولم ينفوه بـ (لن) كما نفوا المستقبل بها ولا بـ (لا) كما نفوا المستقبل الموجب بالقسم بها بـ (لم) كما نفوا الماضي بها، وأدخلوا لام الإبتداء على هذا المثال في نحو قوله عزَّ وجلّ: " .... وإن ربك ليحكم بينهم .... " ولم يدخلوه على المثالين الأخيرين. فهذا ولفظه الأخص لفظ المضارع، وهو ما يلحقه الألف والنون، والتاء والياء في قولك: أفعل أنا، وتفعل أنت أو هي، ونفعل نحن، ويفعل ويتسع فيوقع على الآتي أيضًا، والأصل أن يكون

للحاضر، بدلالة أن موضع الضمير من المواضع التي ترد فيها الأشياء إلى أصولها، يدلك على ذلك قولهم: لزيد مال. فإذا أضمر، قيل: له مال، فرددت إلى الفتح الذي هو الأصل، ومن ثم فتحت هذه اللام في المنادي المستغاث به. ألا ترى أنه واقع موضع المضمر، ولذلك بنى المفرد منه نحو، "يوسف أعرض عن هذا ... ". ومن ذلك أن عامة من يقول: أعطيتكم درهما، فيحذف الواو المتصلة بالميم إذا وصلها بالمضمر، قال: أعطيتكموه. كما قال: "أنلزمكموها". ومن ذلك أنك تقول: والله لأفعلنّ. فهذه (الواو) من (الباء) الجارة، فإذا وصله بالمضمر، رجعتها، فقلت: بك لأفعلنّ. ومثل ما أنشده أبو بكر. 4 - ألا نادت أمامة باحتمال ليجزيني فلا بك ما أبالي وأنشد أبو زيد: 5 - رأى برقا فأوضع فوق بكر فلا بك ما أسال، ولا أغاما فقد ردت هذه الأسماء مع المضمر إلى أصولها، فلما لم يقدموا الأبعدّ على الأقرب مع المضمر بل قدموا الأقرب على الأبعد، دل أن الأقرب الأول عندهم، الأولى من الأبعد وإذا كان اللفظ الذي هو الأول، ما هو عندهم أولى، ومثل ذلك لفظا المصدر الأول نحو: الضرب والحمل هو الأصل للشاهد الموجود/ 3 ب وإن يقع على غيره. فإن (أن) إذا وصلت بالفعل، لم تقع إلا على الماضي والمستقبل

دون الحاضر، وكذلك ما كان دخل عليه السين، أو سوف مختصًا بالاستقبال (كأن) ما لم تدخل عليه، الزيادة بالحال أولى، كقولنا: يقوم. قج يقع على المستقبل، كما يقع على الحال، والمستقبل يختص بالسين وسوف. ومما يختص بالاستقبال من هذه الأمثلة لاعتلاله باعتلال الأمثلة، أن بعض هذه الأمثلة يعتل لاعتلال بعض. ألا ترى أن (تعدو) عدوًا يعتل لإعتلال (يعدو)، لوقوع الواو فيه بين الكسر والياء فتبعت الأمثلة الباقية، هذا المثال، وكذلك قالوا: أنا أكرم فحذفت الهمزة مع همزة المضارعة، ثم اتبع سائر الحروف الهمزة، وكذلك أعل (قام) و (باع)، فلما اعلا إتبعا مضارعهما، وإن كان ما قبل حروف العلة منهما ساكنًا، وكما لا يقول أحد. إن هذه الأمثلة مأخوذة من بعض لإعتلال بعضها من أجل، بعض، كذلك لا يجوز أن يكون المصدر مأخوذًا من الأمثلة لاعتلاله بعتلها في نحو، (القيام) و (زنة) و (عدة)، وصحتها في نحو: (اللواذ) بصحة الحرف في (لاوذ). وأما الحرف، فما يدل على معنى في غيره وذلك (كالباء) الجارة، و (من) و (الواو العاطفة) وما أشبه ذلك، وهو أيضًا (ما) لا يكون خبراً. ويجوز أن يخبر عنه. ألا ترى أنك، لو قلت: زيد حتى. أو عمرو لعلّ فجعلتهما أخبارًا عن

الإسم، لم يجز، وكذلك لو أخبرت عنهما، فقلت: حتى منطلق، أو حتى يقوم، فجعلت ما بعدهما خبرًا عنهما لم يستقم. فهذه جمل وستتبع ذلك زيارات في كتاب آخر إن شاء الله.

هذا باب ما ائتلف من هذه الألفاظ الثلاثة

هذا باب ما ائتلف من هذه الألفاظ الثلاثة كان كلاماً مستقلاً وهو الذي يسميه أهل العربية الجمل أعلم أنّ الإسم يأتلف مع الإسم يكون منهما كلام، وذلك نحو: زيد أخوك. وعمرو ذاهب. والفعل مع الإسم: (نحو) قام زيد. وذهب عمرو. ويدخل الحرف على كل واحد من هاتين الجملتين، فيكون كلامًا. وذلك نحو: هل زيد أخوك؟ .. وإنّ زيد أخوك. وما عمرو منطلقًا. وكذلك يدخل الحرف على الفعل والإسم. كما دخل على الجملة المركبة من الإسمين، وذلك نحو: قام زيد. ويذهب عمرو. ولم يضرب زيد. فأما قولهم: زيد في الدار. والقتال في اليوم، فهو كلام مؤتلف من إسم وحرف، وليس هو على حد قولك: إنّ زيدًا منطلق، ولكنه من خبره الفعل والإسم، أو الإسم والإسم. ألا ترى أنّ قولك: (في الدار) ليس زيد، ولا القتال في اليوم، ولم يكونا إياهما، كان الكلام على غير هذا الظاهر، ويحتاج إلى ما يربطه بما قبله، ويعلقه، وأن يخلو ما يعلقه به من أن يكون إسمًا أو فعلاً، وكلاهما جائز، غير ممتنع تقديره، وإذا كان كذلك، كان داخلاً في جملة ما ذكرناه. وقد جعل أبو بكر هذا التأليف -في بعض كتبه- قسمًا برأسه وذلك مذهب حسن. ألا ترى أن الكلام، وإن كان لا يخلو مما ذكرنا في الأصل، فقد صار له الآن حكم يخرج به عن ذلك الأصل يدلك على ذلك قولك: إنّ في الدار زيدًا، فلا يخلو ذلك المقدر المضمر من أن يكون إسمًا أو فعلاً -كما أعلمتك- فول كان فعلاً، لم

يجز دخول (أنّ) في الكلام. ألا ترى أنّ (أنّ) مدخل لها في الأفعال، وكذلك أخوات (أنّ)، فإن قلت فقد أنشد أبو زيد: 6 - فليت دفعت الهم عني ساعة فبتنا على ما خليِّلت ناعمي بال وأنشد أبو عبيدة: 7 - فليت كفافا كان خيرك كلُّه وشرُّك كان عني ما ارتوى الماء مرتوي ومن أبيات الكتاب: 8 - فلو أنّ حقّ اليوم منكم إقامة وإن كان سرج قد مضى فتسرعا فإنَّ ذلك من الضرورات في الشعر للحاجة إلى إقامة الوزن، وهو يجيء على تقدير الحذف لاسم - (إنَّ) المنصوب. فأما الفعل، فلا مدخل لهذه الحروف عليه، لأنها مشبهة به، وعاملة عمله. وكما لا يدخل فعل على فعل بلا واسطة إسم، كذلك لا يدخل شيء من هذه الحروف على الفعل، فلا يجوز إذًا أن يكون الفعل مراداً هنا، ولا يجوز أيضًا أن يكون المراد الإسم، لأنَّ الإسم لو كان مرادًا،

ما كان ليتخطى ذلك الإسم المراد، فيعمل في هذا المظهر. فإذا لم يخل هذا الكلام من هذين، لم يجز هذا، ثبت أن هذا قسم ونوع غير ما تقدم. من ها هنا أيضًا خالف حكمه حكم الفعل، فلم يجز تقديم ما إنتصب من الأحوال فيه عليه/ 4 آفي نحو: ما قائمًا في الدار زيد. ولو كان حكمه حكم الفعل، لجاز هذا التقديم معه كما جوز مع الفعل، ومن ثم جعله أبو الحسن عاملاً للإسم المحدث عنه، ومرتفعًا به، إذا تقدمه في كل موضع. كما ترفع سائر الأشياء الجارية مجرى الفعل من أسماء الفاعلية، والصفات المشبهة بها. فهذا ضرب آخر من تألف هذه الكلم. وأما قولهم في النداء: يا زيد، وإستقلال هذا الكلام مع أنه مؤتلف من إسم وحرف، فذلك لأن الفعل ها هنا مراد عندهم يدلك على ذلك ما حكاه سيبويه في قولهم: يا أثلا أفلا ترى أن الإسم المنتصب لا يخلو من أن يكون العامل فيه فعلاً، وما هو مشبه به، أو إسمًا، فلا يجوز أن يكون العامل ما شبه به الفعل في نحو: (أن) و (ما) لأن ذلك العامل ما شبه به الفعل في نحو: (أن) و (ما) لأن ذلك لا يعمل مضمرًا. ولا يكون العامل فيه نحو: عشرين وخمسة عشر وبابه، لأن ذلك لا يعمل مضمرًا. وهي أيضًا لا تعمل في المعارف، وهذا الإسم معرفة، لأنه مشمر،، فثبت أن العامل فيه الفعل إلا أن ذلك الفعل مختزل غير مستعمل الإظهار، لأنك لو أظهرته، لكان على الخبر، ومحتملاً للصدق والكذب، ولو كان كذلك، لبطل هذا القسم من الكلام، وهو أحد المعاني التي تجري عليها العبارات. فلما وجدنا في كلامهم أفعالاً مضمرةً غير مستعملة الإظهار، وقع أنه لو أظهرت، لم تقلب معنى، ولم تبطل شيئَا عن حقيقته، وذلك قولهم: "رأسك والسيف" و "شرًا ونفسك". كان ترك ما كان إذا أظهر، قلب المعنى، وإزالة عما كان

عليه، أجرى بحسن الإظهار مع ذلك، لأن المعتبر عنه لما كان من جنس النطق، قام مقام العبارة، ولست تجد كذلك سائر الأحداث المعبرة عنها، ومما يبين لك ترك هذا الإظهار، ومعاقبة هذا الحرف للفعل (إذ) تجده يصل تارة بحرف وتارة بغير حرف. فوصله بالحرف كقولك في الإستغاثة: يا للمسلمين، ويا لله ووصله بغير الحرف: يا زيد. ويا عبد الله، ويا رجل إقبل، فصار في هذا كقولك: (جئته، وجئت إليه) و "حشيت صدره، وبصدره"، ولهذا أيضًا، ولمكان الياء، حسن أمالة هذا الحرف مع إمتناع الأمالة في حروف المعاني في أكثر الأمر، وقد أقيمت مقام الأمثلة المخوذة من المصادر ألفاظ جعلوها إسمًا لها، فأعنت عنها، وسدت مسدها وصارت كأمثلة الأمر إذا احتملت ضمير الفاعلين، وذلك كقولهم: تراك، ونزال، ونعاء، وصه، ومه، ورويد وإيه، وما اشبه ذلك، وهذا إنما أخصَّ به الأمر، موضع يغلب فيه الفعل، ويختص به، فلا يستعمل فيه غيره، فلما قويت الدلالة على الفعل هنا، استجازوا أن يتسعوا بإقامة هذه الألفاظ مقامه، وهي في الحقيقة أسماء سميت بها هذه الأمثلة، وهذا مثل حذفهم الفعل حيث علم أنه لا يكون إلا به، وذلك قولهم: "هلا خيرا من ذلك" وعلى هذا قوله: 9 - تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بنى ضوطرى لولا الكمي المقنعا فلم يستعمل الفعل بعدها للدلالة على الفعل، والعلم بأن هذا الموضع يختص به، ولم يجيء من هذا النحو في الخبر إلا أحرف قليلة من ذلك قولهم:

هيهات زيد. وشتان عمرو. وقالوا في مثل: "سرعان ذي أهالة:، هذا قولهم عند التضجر: (أف). فأما (هيهات) في قولك: هيهات زيد وقوله: 10 - فهيهات هيهات العقيق وأهله وهيهات خلّ بالعقيق نواصله فبمنزلة قولك: بعد ذلك. وبعد العقيق. والفتحة فيه على هذا فتحة بناء، اتبعت الألف التي قبلها. وقياس من أعمل الثاني من الفعلين، وهذا الذي يختار أصحابنا، أن يكون العقيق مرتفعًا، (هيهات) الثاني. وقد أضمر في الأول على شريطة التفسير، كما تقول: قام وقعد زيد. ومن أعمل الأول، كان العقيق مرتفعا، (هيهات) الأول، ويضمر في (هيهات) الثاني. فأما قوله تعالى: (هيهات هيهات لما توعدون) فليس من هذا، ولكن الفاعل مضمر في كل واحد منهما، لتقدم الذكر، فالفاعل هو البعث، أو الحشر، أو النشر، وما أشبه ذلك مما يدل على البعث، لأن في قوله تعالى: "أسعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابًا وعظامًا إنكم مخرجون" دليلاً على ذلك، وتقريرًا لما ينكرونه من البعث فكأنهم قالوا: ذهابا عن قوله تعالى: "وضرب لنا مثلا ونسي خلقه .. " بعد (إخراجكم)، وبعد (نشركم) لتعلقه بهذا الوعد/ 4 ب وهذه الكلمة تستعمل على ضربين، مفتوحة، ومكسورة، فمن فتحها جعلها كلمة مفردة، والوقف عليها بالهاء ومن كسرها، فقال: هيهات، كان

الوقف عليها بالتاء كما أنها في (أذرعات) في قول من نون، ولم ينو الوقف عليها بالتاء. ويحتمل أن يكون الفتح فيها في قول من فتح بالنصب، لأنه ظرف، ولم يدخله غير الفتح كما أن (سحرّ) إذا أريد (سحر يومك) و (ذات مرة) و (بعيدات بين) لم تستعمل إلا ظروفًا. وهو قول مقول. والأول جعلوه الأولى والأقيس، لأن هذه الأسماء الموقعة موقع الفعل يغلب عليها البناء، لوقوعها موقع المبني ... ألا ترى أن (شتان) و (سرعان) مستقبلان وقد بنيا مع ذلك لوقوعهما موقع المبني، كذلك قسم ذلك ما كان واقعًا موقع الأمر، ومن هنا أيضًا بني المفرد في الواو، وعلى هذا إختار أبو عثمان، قوله تعالى: "قل لعبادي الذين آمنوا: يقيموا الصلاة .... " فإن (يقيموا) بني لما أقيم مقام (أقيموا) لأن المعنى إنما هو على الأمر. ألا ترى أنه ليس كل من قيل له (أقم) الصلاة أقامها ولا كل من قيل له قوله: "وقل ... التي هي أحسن ... " قالها. فإذا كان كذلك، توجه على الأمر، والأسماء والأفعال المعرفة في الأصل إذا أوقعت موقع المبني، بنيت كما ترى في هذا الموضع (فهيهات) ونحوه من الأسماء المشابهة للحروف إذا وضعت موضع المبني، أجوز بالبناء وكذلك القول الآخر وجيه وهو أنّ هذه الأسماء المسمى بها الأفعال، بعضها ظروف كقولك: دونك، ووراءك، فكما جاز الظرف من أسمائها في الأمر، كذلك يجوز أن يكون في الخبر، فمن جعل الفتحة فتحة إعراب، كانت الكسرة في الجمع للإعراب أيضا والكسرة في الجمع نظير الفتحة في الواحد. ومن جعل الفتحة للبناء، كانت الكسرة في الجمع أيضًا للبناء، كما أنّ الفتحة في (ضرب) كالفتحة في (لن يضرب) فهذه جملة من القول في هذه الكلمة. وقد بسطناه بأكثر من هذا في غير هذا الموضع.

وأما (شتان)، فموضوع موضع قولك: افترق، وتباين. وهو من قوله عزّ وجلّ "أن سعيكم لشتى" و ".أشتاتا ... ". وهذا الباب إذا كان كذلك، اقتضى فاعلين فصاعدا فمن قال: شتان زيد وعمر. (أسند إلى فاعلين) وعلى هذا قول الأعشى. 11 - شتان ما يومي على كورها ويوم حيان أخي جابر فأسنده إلى فاعلين، معطوف أحدهما على الآخر، وأما قولك، شتان ما بينهما، فالقياس لا يمنعه إذا جعلت (ما) بمنزلة (الذي)، وجعلت (بين) صلًة. لأن (ما) لإبهامها قد على الكثرة. ألا ترى قوله "ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم .. ". ثم قال: ..... ويقولون .... ". فعلمت أن المراد به (جميع) وكذلك " ... مالا يملك لهم رزقًا .... " ثم قال: " ... ولا يستطيعون"، وقد جاء في الشعر:

12 - لشتان (ما) بين اليزيدين. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إلا أن الأصمعي طعن في فصاحة هذا الشاعر، وذهب إلى أنه غير محتج بقوله: ورأيت أبا عمرو قد أنشد هذا البيت على وجه القبول له، والإستشهاد به. وقد طعن الأصمعي على غير شاعر قد احتج بهم غيره كذي الرمة والكميت. فيكون هذا أيضًا مثلهم. وأما "سرعان ذي إهالة" فـ (ذي) ترفع بـ (سرعان) على حد إرتفاع الفاعل بالفعل، وما بعده منتصب على التمام على وجه الحال، (وفيه) مع ذلك بيين وتفسير للمشار إليه. فأما (أف) ففيه لغات الحركات الثلاث بلا تنوين، ومع التنوين. وحكى أبو إسحاق مثل هذه لغة سابعًة ولم نعلم لفظه أخرى أقيمت مقام الفاعل في الخبر، وغير الأمر سوى ما ذكرت لك. فأما الإسم والفعل إذا ائتلف، وكذلك الإسم والإسم. فلم أعملهما غير مستقلين ولا مفتقرين إلى غيرهما إلا في الجزاء والقسم. ألا ترى أن الفعل والفاعل في الشرط لا يستغنى بهما، ولا يخلو

من أن تضم الجملة التي هي الخبر إليه. ولهذا المعنى حسن أن تعمل جملة الشرط مع الحرف الداخل عليها في الجزاء. وكذلك القسم لا يكون كلامًا مستقلاً دون أن تضم إليه المقسم عليه والمقسم. لأنه ضرب من الخبر يذكر ليؤكد به غيره جاء على حدّه النون، عليه الإخبار. فكما أن الجمل التي هي أخبار تكون من الفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر، كذلك كانت الجملة التي هي قسم على هذين الوجهين. فما كان منه من فعل وفاعل، فقولك: (بالله لأفعلن). وهذه الجملة التي هي قولك: (بالله) متعلقة بها لا يستغنى بها عن المقسم عليه. ألا ترى أنك لو اقتصرت عليه، لم يجز ذلك، ولهذا، لم يجز الخليل في قوله تعالى: "والليل إذا يغشى" و "النهار إذا تجلى" وما عطف عليه من بعد أن تكون الواو جارة مبدلة من (الباء)، لأنك لو حملته على هذا الوجه، تركت القسم بغير مقسم عليه، فلما لم يسغ هذا، جعله عاطفا، وصار ما ذكر مشتركًا في الأول، ومثل به في الجملة التي هي من الفعل والفاعل، ما هي من المبتدأ والخبر، وذلك قولك: لعمرك لأفعلن وأيمن الله لأقومن فهذان الإسمان يرتفعان بالإبتداء، وخبرهما مضمر، والجملة بأسرها قسم ولا يستغنى بها حتى يضم إليها مّا اجتلبا لتأكيده من المقسم عليه /5 آفإن قلت فقد أقول: أحلف بالله، وحلف بالله، فيكون كلامًا مستغنى به غيره، فإن ذلك إنما جوز إذا أردت الإفادة لجنس حلف عليه، ولم ترد هنا القسم. ولو أردت القسم، ولم يسلم (لأقسمن) حتى تذكر ما يقسم عليه، وما عدا ما ذكرت لك من الجملة المتآلفة من جزئين: أحدهما

خبر والآخر مخبر عنه، فهو مستقل مفيد مستغنى به عن غيره. وأعلم أن بعض الجمل قد تقوم مقام بعض، فمن ذلك قوله عزّ وجل: " ... سواء عليكم أدعموتموهم أم أنتم صامتون" فهذه التي من الإبتداء والخبر موقعًة موقع التي هي من الفعل، والفاعل. ألا ترى أنها معادلة كما هو كذلك (وكذلك) قوله: " ... فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد ... ". فقوله: (أن نرد). معادلة التي من الإبتداء والخبر، كما كانت التي من الإبتداء والخبر معادلة للفعل والفاعل في الآية الأخرى. يدلك على ذلك دخولها في حيز الإستفهام بعطفها عليه، وعلى هذا يتجه ما أشنده أبو زيد: 13 - أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد أموف بادراع ابن ظبية أو تذم فظاهر قوله: (أو تذم)، إنها معادلة لما قبله من الجملة التي هي إبتداء وخبر. وقد يحتمل أن يضمر، بينما يكون الفعل في موضع خبره. ومما وقع من بعض هذه الجمل موقع بعض قولهم: أتقى الله امرؤ فعل خيرا، يثبت عليه. فاللفظ كما ترى لفظ الخبر، والمعنى معنى الأمر، يدلك علي ذلك جزمك للفعل بعده. وهذا الجزم جواب له، وهو في الحقيقة -عندنا- ينجزم، لأنه جواب لشرك محذوف، ونظير هذا من الإبتداء والخبر قولهم: حسبك ينم الناس (فحسبك) مرتفع بالإبتداء والخبر محذوف مراد. وحسن فيه الحذف لأمرين: أحدهما أن حسبك بمنزلة (أكفف). والآخر أنك لا تكاد تقول: ذلك عند معرفة المخاطب بالمراد، فحذف الخبر للعلم به، - وهذا تفسير أبي العباس- فهاتان جملتان ألفاظهما ألفاظ الخبر، ومعناها معنى الأمر. وجزمكّ لـ (ينام) بعد

(حسبك) يدلك على ذلك. وكما يوقع لفظ الخبر موقع لفظ الأمر في هذا، ونحوه، نحو قوله تعالى: " .... يتربصن بأنفسهن ... " " ... ولا تضار والدة ... "، وما أشبه ذلك: فكذلك قد أوقع لفظ الأمر موقع الخبر، فمن ذلك قولهم في التعجب: أكرم بزيد. وفي التنزيل "اسمع بهم وأبصر ... " فهذا بمعنى (خبر)، لأنك تحدث عن زيد بأنه قد كرم وبالغ. ولست في ذلك آمر أحدًا بإيقاع فعل عليه، ومن ثم كان على هذا اللفظ في خطاب الواحد، والإثنين في المؤنث والجمع. فالجار مع المجرور على هذا في موضع رفع لكونهما في موضع الفاعل. ونظير قولهم: كفى بالله. وهذا في غير الخبر واسع فلا يعلم غير هذا في الفعل والفاعل. وقد جاء في المبتدأ موضع رفع بالإبتداء. وأنشد أبو زيد. 14 - تجانف رضوان عن ضيفه ألم يأت رضوان عني النذر بحسبك في الجمع أن يعلموا بأنك فيهم عني مضر وقد قال أبو الحسن في قوله تعالى: " ... وجزاء سيئة بمثلها .... " أنه في موضع رفع لكونه خبرًا للمبتدأ ويدلك على ذلك قوله في الأخرى: "وجزاء سيئة سيئة مثلها ... " وهنا في الخبر مثله في الفاعل لأنَّ الخبر شبيه الفاعل. ألا ترى أنه لا يستقل إلا بالجزاء الذي قبله، كما أنَّ الفاعل كذلك.

فكما جاء ذلك في الفاعل، يجوز في خبر المبتدأ، ومن هذا قوله عزّ جّل " .... فليمدد له الرحمن مدا ... ". فاللفظ لفظ الأمر، والمعنى - والله أعلم - الخبر هذا نظير قولهم: أكرم بزيد. في أنَّ اللفظ لفظ الأمر، والمعنى يعني الخبر. وأما قولهم: لا هالله ذا. (فذا) من جملة محلوف عليها. و (ذا) خبر مبتدأ محذوف، يدلك على ذلك أنه لا يخلو -إن كان جملة محلوفًا عليها- من أن يكون خبرا، أو مبتدأ. فلو كان مبتدأ، للزم أم يحلقه (واو) البناء، والقسم من (اللام) أو (أن) ونحوهما. فلا كان قولك (ذا) (مبتدأ، إنما هو خبر) وهذا ما يذهب إليه أبو الحسن في نحو قوله تعالى: "يحلفون بالله لكم ليرضوكم ... " و "ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ... ". يذهب إلى أنَّ المعنى (ليرضيكم) و (لتصغي). وقد إعترض بعض النحاة على هذا التأويل. والدليل على ما يذهب إليه أبو الحسن ما أنشده هو وغيره لبعض القدماء: 15 - إذا قلت: قدني، قال بالله حلفة لتغتني عني ذا أنائك أجمعا أو هو قسم لكونه جوابًا، ولا جواب له. فلا يجوز أن يخلو من الجواب، لأنه مبتدأ به، وليس بمتوسط كلام كقولك: زيد - والله - منطلق. إذا كان كذلك، لم يخل من كونه جوابًا أولا، (وليس) في هذا الكلام، ولا في البيت الذي بعده ما يصح أن يكون جوابًا غير قوله: (لتغني عني) فقد ثبت أنه جواب، فهذا يسقط

إعتراض من اعترض على هذا. فإن قالوا: إن المقسم عليه، إنما يكون جملة، وليس هذا الذي ذهب إليه أنه مقسم عليه بجملة. /5 ب لأن اللام في تقدير الدخول على (أن) و (الفعل) في تقدير - إسم مفرد، قيل: إن ذلك لا يمنع من وقوعه موقع الجملة التي يقسم عليها - وإن كان مفردًا- وذلك أن الفعل والفاعل اللذين وجدناهما في الصلة يسدان مسد الجملة فيصير المجموع بمنزلة الجملة، وسادًا مسدها، كما كانت في الجملة في نحو قوله تعالى: "أفحسب الناس أن يتركوا، أن يقولوا، آمنا ... " وكقولهم: علمت أن زيدًا منطلق. ألا ترى أنَّ هذا الموضع من المواضع التي يقع فيها ما هو بجملة في المعنى، وقد صد ما ذكرناه مسدها، وكذلك قولهم: لو أنك جئتني، لأكرمتك. وكقولهم: أقائم زيد؟ هذه المواضع قد استغنى فيها عن الجملة بالمفرد. ما كان على الوصف الذي أعلمتك على إنكار هذا من هذا الوجه، لا يسوغ لمن قال منهم بقول الكسائي. وذلك أنه يجيز على ما بلغنا منه: أعلم أنَّ زيدا منطلق. فيفتح (أن) و (ان) وما بعدها في تقدير مفرد كما أن (أن والفعل) كذلك، ووجه مجاز الجميع ما أعلمتك. وهذه جمل من القول على إئتلاف هذه الكلم.

هذا باب معرفة ما كان شاذا من كلامهم

هذا باب معرفة ما كان شاذًا من كلامهم أعلم أنَّ الشاذ في العربية على ثلاثة أضرب: شاذ عن الاستعمال مطرد في القياس. ومطرد في الاستعمال شاذ عن القياس. وشاذ عنهما. وهذا قول أبي بكر (رحمه الله). فأما الشاذ عن الاستعمال المطردّ في القياس، فكما في (يدع) و (يذر)، فماضي هذا لا يمنع منه القياس. ألا ترى أنه لا تجد في كلامهم مضارعًا لا يستعمل فيه الماضي، سوى هذا، فلهذا شذَّ عن قياس نظائره، فصار قول الذي يقول: (ودع) شاذًا عن الاستعمال. وقد حكى أبو العباس أنَّ بعضهم قرأ " ... ما ودعك - ربك - وما قلا". ومثل هذا لا تستحب قراءته للشذوذ، ولرفضهم ذلك وإستغنائهم عنه بتركه. وكما رفض مثال الماضي منه، فكذلك رفض المصدر. وإسم الفاعل. فإنَّ بعض البغداديين (أنشد).

16 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . حزين على ترك الذي أنا وادع وهذا في القلة كما تقدم، ومثل (يدع)، (يذر) غير أني لا أعرف ماضيه، وإسم فاعله استعمالاً في موضع. ومثل هذا في الشذوذ عن الاستعمال -وإن كان غير ممتنع في القياس- رفضهم وصل كاف التشبيه بعلامات الضمير، واستغني عنه بقولهم: أنا مثلك. وأنت مثلي. فصار قول الواصل له بهما شاذًا عما عليه استعمال لكثرة، والجمهور. فمن ذلك بيتا الكتاب: 17 - حيىّ الذنابات يمينًا كتبًا وأم أو عال كها أو أقربا وقال: 18 - فلا ترى بعلا ولا حلائلا كه، ولا كهنً إلا حاظلا وأجازه (عند) أصحابنا مجراه هذا المجرى. ومن هذا الباب قولهم: أرأيتك زيدا ما فعل؟. وفي التثنية والجمع ارأيتكما،

وأرأيتكم. والتاء هي ضمير الفاعل مفردة في جميع الأحوال (وإن) كان المخاطب واحدا مذكرا، أو مؤنثا، أو مجموعا، والقياس لا يمنع تثنية ذلك وجمعه، كما لم يمنع من ماضي (يدع) و (يذر) إلا أن الاستعمال لم يأت في ذلك، واستغنوا بما اتصل من حرف الخطاب بعلامة الضمير على أن يثنى ويجمع. وقد وجد كذلك أمثل في كلامهم كقوله: " ... ذلك أدنى ألا تعولوا فجعل الخطاب للواحد من الجماعة فهذا مثل (أرأيتكم) في المعنى، وفي التنزيل: "قل أرأيتم أن أخذ الله سمعكم وأبصاركم ... ". ولو قلت في نظيره في التثنية والجمع وتأنيث المؤنث، لكان مقيسا مستعملا. فأما الكاف في (أرأيتك) و (أرأيتكم)، فقد اختلف فيها. فقال أصحابنا: إنها لا موضع لها من الإعراب. وقال بعضهم، موضعها (نصب)، وقال آخرون: موضعها (رفع). ولا يخلو القول فيها من أن يكون على أحد هذه الوجوه. فالذي يفسد قول من قال: إنها رفع أن التاء هي الفاعلة، وموضعها رفع، كما أنها في قولك: علمتك خارجا. ونحو ذلك في موضع رفع فيمتنع إذاً أن تكون الكاف مرفوعة لإستحالة كون فاعلين لفعل واحد في كلامهم على غير وجه الإشتراك. ألا ترى أنَّ الآخر يغير حرف العطف، فهذا القول بعيد جدًا، ويدلك على إمتناع الكاف من أن يكون في موضع (نصب) أنها لو كانت في موضع (نص) أو أنها المفعول الأول من المفعولين اللذين يقتضيهما (رأيت) - والمفعول الأول في المعنى هو المفعول الثاني - (لكانت بمعنى الغائب). فأنت إذا قلت: أرأيتك زيدا هذا الذي أكرمته؟. لا يصح استعماله أن يكون المخاطب غائبًا، فما يكون إذن المفعول الأول، فإذا لم يكن إياه، علمت أنه لا موضع - هو - أن زيدا في موضع المفعول الثاني.

فإن قلت: فمن الأفعال ما يتعدى إلى ثلاث مفعولات، والمفعول الأول منها لا يكون الثاني. فلم لا يكون (أرأيتك) أيضًا؟، قيل: إنَّ هذا الفعل ليس من تلك الأفعال التي تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، ولو كان منها، جاز تعديه إليها في غير هذا الموضع، وإمتناعه من ذلك -فيما عدا هذا- يفسر هذا الإعراب (وإذا كان كذلك، فهو ملحق فلا يكون في) موضع الإعراب. وكثير في كلامهم، من ذلك إلحاقهم إياه في (ذلك وتلك وهولئك، وهنالك وأولئك). وقالوا: /6 آأبصرك. وحكى بعض البصرييين وصلها بـ (ليس) وفي مواضع آخر لم يحكها أصحابنا، فإذا إمتنع أن تكون في موضع نصب، أو رفع، علمت أنها لا موضع لها من الإعراب، وأنها في كونها للمخاطب فقط كتاء. ويحكى عن عيسى أنه كان يحذف الهمزة من (أرأيتك التي بمعنى العلم. وهذا أيضًا ليس بمطرد في القياس. ألا ترى أن التخفيف القياسي في هذا أن تجعلها بين بين،، ولا تحذفها ولا تقلبها قلبا. وقد جاء قلب الهمزة في الشعر للضرورة. ولم يبلغ القلب -عندي- في هذا أن يكون سائغا عند الجميع مطردا. وقد سمع في بعض الأشعار، وقال الراجز: 19 - أريت أن جاءت به املودا مرحلا ويلبس البرودا ومن هذا الباب قولهم: ظننت زيدا منطلقا. وإمتناعهم من نقله بالهمزة ليتعدى إلى مفعول ثالث. وقد حكى أبو عثمان إجازته عن أبي الحسن وذهب هو إلى الإمتناع من إجازته، وأنِّه قد استغنى عنه، بقولهم جعلته يظن كذا، أو

صيرته يظن. وقال أبو زيد يقال للجبان: مفؤود، ولا فعل له وقال: وقالوا: مدرهم، ولم يقولوا: درهم. وحكي عنه: أعين: بين العين. واشيم: بين الشيم، ولم يعرف له فعل. فإن قلت: كيف يكون قوله: " ... بماء معين" على هذا، وإن لم يستعمل؟، فقلت: منه على هذا المعنى، فإنّ ذلك لقلته لا نحمله عليه، وإن كان في القياس غير ممتنع. ولكن نجعله معتلا. قال أبو الحسن: معن: بمعنى معانة. وقال أحمد بن يحيى: أمعن بحقه، وأذعن، وطابق. وحكي عنهم: سألتع معاناته. فواحد هذا في القياس (معين) -كقضيب وقضبان- وهو سائل الماء، وحكى أبو إسحاق عن الأصمعي في قوله: 20 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فإن ضياع مالك غير معن قال: غير سهل. فالمعنى على هذا وصف. والميم فاء الفعل. معناه: سهل غير معتاص، وأما المطرد في الاستعمال، الشاذ في القياس فنحو قولهم: (استحوذ) وإن كان في الاستعمال مطردًا، ومثله قولهم: القود. ورجل روع، وقال أبو زيد: طعام قضض. فيه حصى. وقالوا: قوم ضففوا الحال، ولا نعلم التصحيح في اللام جاء في شيء من كلامهم كما جاء العين في نحو (القود). ومن ذلك قولهم: القصوى. وقياس هذه الياء. ألا تراهم قالوا: الدنيا: والعليا. ومن ذلك

قولهم: عساكم تضربون. ومنه "كاد الغوير ابؤسا" ألا تراك لا تقول: كاد زيد قائمًا. وإنما المستعمل هنا (المضارع) و (أن) في (عسى). فأما إسم الفاعلين، فلم يجئ في هذا الباب فيما علمنا ألا في هذا المثل. وهذا يدلك على مشابهة هذا الضرب من الأفعال الموضوع للمقاربة كباب كاد وأخواتها، ومن ثم أجاز سيبويه كون فاعلها ضمير القصة والحديث المفسر بالجمل وعلى هذا قوله: " .... من بع ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم .... ". فيزيغ على هذا في موضع نصب. وقد يحتمل أن يكون فاعل (كاد). في الآية ما تقدم ذكرهم. ألا أن الضمير عاد ذكر الواحد من حيث كان يعبر عنهم بالقبيل والفريق، وما أشبه ذلك من الأسماء العامة المفردة اللفظ. ومن هذا الباب تسكينهم الياءات التي هي لامات في موضع النصب في الشعر، وإنما ذكرناه في هذا الفصل، لأن أبا بكر حدثنا عن أبي العباس، أنه كان يقول: ل جاء هذا في الكلام، لكان عندي جائزا حسنا، فمن ذلك ما أنشدناه أبو بكر: عن أبي العباس عن أبي عثمان قال: أنشد يونس أحسبه لعروة بن الورد. 21 - أكاشر أقواما حياء وقد أرى صدورهم باد على مراضها

وأنشد أيضًا لبشر بن أبي خازم: 22 - كفى بالناى من أسماء كاف وليس لحبها إذ طال شاف قال أبو بكر: قال أبو العباس: أنشدني أبو محلم بيت الخطفي. 23 - يرفعن بالليل إذا ما سدفا أعناق جنان، وهاما رجفا وهذا في الشعر منه كثير، وفي الكتاب منه غير بيت، ووجه القياس فيه أن الألف قريبة من الياء، وواقعة موقعها في مواضع تراها. فكما أنَّ الألف من المثنى في الأحوال الثلاث على صورة (واحدة)، كذلك الياء فيهن عليها. ومما يقوى قول أبي العباس في ذلك أنَّ هذا النحو قد جاء في الكلام، والنثر، وحال السعة، فمن ذلك قولهم: لا أكلمك صبرى دهر. بإسكان الياء. ومن أضاف نحو: (معدي كرب)، لم يفتح الياء من (معدى كرب) وهو في موضع نصب. ومن أجاز حركة هذه الياء، كان مخطئًا تاركًا لكلامهم، وأن كان القياس غيره. كما أن من أعل (استحوذ) كان تاركًا لكلامهم. وفي معدى كرب ضرب من الشذوذ وهو أنَّ (معدى) لا يخلو من أن يكون (فعلي) من معد في الأرض إذا بعد، أو يكون

(مفعلا) من (عدا) يعدو، وليس في الكلام (فعلي) و (المفعل) بكسر العين من المعتل اللام، إنما يجيئ على (مفعل)، كالمعتدى، والمنتمي 6 ب والمعني، فلا يحمل هذا على (فعلي) لأنه ليس في الكلام، ولكن على (مفعل) لأمرين، أحدهما: أن يكون هذا الحرف، قد جاء على قياس الصحيح، ليؤذن أنه الأصل كما جاء (القود) كذلك. وكما جاء (المطلع)، والآخر: أن الأسماء الإعلام قد تجيئ في غير شيء مخالفة لغيرها، ومختصة بأمثلة لا يشركها فيها غيرها. ألا تراهم قالوا: موهب ورجاء بن حيوة وموهل. وليست واحدًا مثل ذلك في غيرها، فكذلك يكون هذا الإسم على حدهن في المخالفة. ومن الشاذّ في القياس والاستعمال، قولهم. (اليجدع). وإدخال لام التعريف فيه على الفعل فهذا شاذ عن القياس لأن موضع الفعل على خلاف التخصيص، وشاذ في الاستعمال أيضًا، ولم يوجد ذلك إلا في شعر أنشده -أبو زيد وهو: 24 - يقول الخناء وأبغض العجم ناطقًا إلى ربنا، صوت الحمار اليجدع وفي هذا الشعر: . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . اليتقطع وأظنُّ حرفًا، أو حرفين آخرين. وأنشد أبو زيد:

25 - وداع دعا هل من مجيب. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فقلت: وهذا أوسع من الأول وقد حكاه يونس، وأبو عبيدة، وخلف الأحمر وأبو الحسن الأخفش. وأنشد أبو عثمان عن أبي زيد، عن خلف عن أبي خليفة. 26 - تزوجتا رامية هرمزية بفضل الذي أعطى الأجير من الرزق فأضاف إلى الإسمين جميعا وليس ذلك بمعروف في شيء آخر. وأنشد عن أبي عثمان. قال: أنشدني كيسان لإبن همام السلولي. 27 - لا يمسك المال إلا ريث يرسله. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فأضاف (رث) (إلى الفعل). وأنشد أبو الحسن: 28 - يا ابن الزبير. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والأبيات فإن شئت، قلت: أبدل من (التاء) الكاف، لإجتماعها معها في الموضغين، وإن شئت، قلت: أوقع الكاف -وإن كان في أكثر الاستعمال للمفعول - للفاعل لإقامة القافية - ألا تراهم يقولون: رأيتك أنت، ومررت به هو فتحمل علامات الضمير المختص بها بعض الأنواع في أكثر الأمر (فتقع) موقع الآخر، ومن ثَّم جاء (لولاك). وإنما ذلكّ لأنَّ الإسم -لا يصاغ معربا، وإنما يستحق الإعراب بالعامل، وأنشدنا أبو الحسن الأخفش عن الأحول عن أبي عبيدة: 29 - وكم موطن لولاي طحت. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فأما إبدال (الياء) من الألف في (قفا) في الإضافة، فإنها أبدلت كما أبدلت الألف منها، فيمن قال: رأيت هذان. وقالوا أيضًا: عليك، وإليك، وقد أطرد هذا في بعض اللغات، وعلى هذا: 30 - سبقوا هوى، وأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع وقال أبو داود الأيادي

31 - فأبلوني بليتكم لعلي أصالحكم، وأستدرج نويا فأبدل الياء من الألف في (نوا). ومثل ما أنشده أبو الحسن: 32 - يطوف بي عكب في معد ويطعن بالصملة في قفيكا وكما أبدلت الألف منها في حاحيت، وعاعيت حيث أريد إزالة التضعيف فيه كما أريد في نظيره من الواو. وهو ضوضيت وقوقيت. وهذا مذهب أيضًا، وفي التنزيل: " .... من أن تأمنه بدينار .... " وفيه: " .. فهي تملى عليه بكرةً وأصيلا" وأما قول الفرزدق. 33 - وباشر راعيها الصلا بلبانه وكفيه حرُّ النار ما يتحرف فقد يكون على العطف على عاملين كقول الآخر:

34 - أوصيت من قسوة قلبا حرا بالكنة خيرا، والحماة شرا فإن أضمرت في قول الفرزدق، الجار لتقدم ذكره كما ذهب إليه بعض الناس في قوله: " ... وإختلاف الليل والنهار لآيات ... "، لم يخلص مع ذلك من عيب آخر، وهو الفصل بين المعطوف وحرف العطف وذلك ما لا تكاد تجده في مصطلح حال السعة والاختيار. فأما قراءة من قرأ: ومن وراء إسحاق يعقوب" بالفتح، فلا يخلو من أن تعطفه على الباء الجارة، كأنه أراد أنها بشرت بهما أو لحمله على موضع الجار والمجرور على حد من قرأ "وحور عين" بعد "يطوف عليهم .... وكأس ... ". والوجه الأول ليس بالسهل، لأن الواو عاطفة على حرف الجر، وقد فصل بينهما، وبين المعطوف بها بالظرف، والآخر أيضا كذلك، وأن كان الأول أفحش وهذا كما أعلمتك إنما تجده في الشعر، وعلى هذا قوله: 35 - أبو خش يؤرقنا. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ففصل بالظرف أيضًا بينهما، وفيه ضرورة أخرى، وهي أنه رخِّم في غير النداء. ومن زعم أن ذلك محمول على الفعل على غير وجه الترخيم. فما روته

الرواة من أنَّ هؤلاء قوم لا يذاع هذا الذي غاب عنهم، فهو يراهم في النوم، لتسوقه إليهم بدافع أن يكون على ما ذكره. وأما قول العجاج: 36 - قواطنا مكة ...... فمن /7 آذهب فيه إلى أنه أراد به (حمام)، ورخم ثم أبدل من الألف الياء، كما ذكرت لك من مناسب الألف لها، فإنَّ ذلك لا يصح إنه لا يخلو من أن يكون رخمه، وفيه الألف واللام، أو لم يكونا فيه، فإن كانا فيه، لم يصح ترخيمه. ألا ترى أن ما فيه الألف واللام في النداء لا يبنى كما يبنى المفرد المعرفة. فإذا لم يجز فيه بناء النداء، فإن لا يجوز فيه الترخيم أولى. وإن رخمه بعد نزع لام التعريف منه، لم يجز أيضًا لأنه إسم جنس، وليس واحدًا مخصوصًا. والترخيم يجيء في الأعلام، ولا يجيء في الأسماء الشائعة إلا فيما كان واحده تاء التأنيث كقوله: 37 - جاري لا تستنكري عذيري وليس هذا الإسم كذلك، وإذا كان على ما وصفت لك، لم يجز تقدير الترخيم في هذا، لأن التجوز للضرورة إنما هو أن يجوز في غير النداء ما يجوز في النداء. فأما ما لا يجوز في النداء، فكيف يتجوزه إلى غيره؟. ولكن الأمثل من هذا أن تقدر حذف الألف من (الحمام) للضرورة، كما يقصر الممدود. فإذا حذف الألف، اجتمع مثلان، فأبدل من الثاني (الياء) وليس ذلك في الكثيرة كأمليت، وتقضيت ونحوه في الفعل. ولكن حكى أحمد بن يحيى. لا وربيك ما أفعل، يريد: لا

وربك. فأبدل من المثل الثاني في الياء. قال أحمد: وهي عمانية. فهذا نظيرهما في البيت. وأما قول العجاج: 38 - خالط من سلمى خياشيم وفا فإني أذكر لك أصله لتتبين مواضع الشذوذ فيه. أعلم أنَّ أصل هذه الكلمة (فعل) الفاء منها مفتوحة نسمعها كذلك، والعين منها (واو)، واللام منها (هاء). وحروف العلة إذا كانت لامات، فقد تحذف لما يعتورها من من الحركات، وهي مستنكرة فيها لمجانستها لها فحذفت للتخفيف، ولكن لا يكثر في كلامهم جملة ما يستثقلون. وأما ما سبق لهذه الحروف لخفائها، وقربها من مخرج الألف، وكونها بمنزلة في بيان الحركة ومن ثم كان الإختيار، والأقيس في نحو: (عليه) "س ..... وألقي عنده ..... "، و " ..... خذوه فغلوه"، حذف الحرف اللين اللاحق لهذا الضمير في الوصل-، فلما أشبهت الهاء هذه الحروف، فأجريت مجراها فيما ذكرت لك، حذفت لاماتها أيضًا، كما حذفت لامات في غير موضع، فمن ذلك قولهم: سنة، وعضة وشية، وشاة، وكان حذفها أجدر لما ذكرت. إذ قد حذف من هذه الحروف ما هو أدخل في الفم منها، وأبعد شبها بحروف اللين منها، ومن ثم أيضًا اعتورها الحرف اللين في الكلمة الواحدة، وذلك قولك في عضة: عضاة، واللام هنا على هذا القول، ومن ثم قال: 39 - وعضوات تقطع اللهازما

كان اللام هذه واو. وكذلك (سنة). فمن قال: ليست السنهاء، اللام هاء عنده. ومن قال: المساناة، وأسنتوا، أن اللام عنده (واو). واللام والتاء في (أسنتوا) من الياء على حد (أعزب). فأما شفة، فليس فيه إلا (التاء). تقول: شفاه، وشافهت، فكذلك هذا الحرف، لما حذفت لام منه، كما حذفته مما ذكرت لك، وبقيت العين التي هي حرف علة، حرف إعراب. وهذه الحروف إذا وقعت حروف إعراب، لزم إنقلابها ألفا، لكونها متحركة طرفا. واقعة بعد متحرك. وإذا إنقلبت ألفا، سكنت، ويلحقها التنوين فليزم أن تحذف لإلتقاء الساكنين فيبقى الإسم على حرف واحد. فلما كسرت، أبدت من هذه العين الميم لمشاركته لما في المخرج، كما أبدلت من الياء (الواو). وكذلك يبقى الإسم على حرفين. وكون الأسماء على حرفين من هذه المحذوفات غير ضيق. فمن ثم قالوا: في الأفواه (فم) فإذا أضفت إلى مالك، لم تبدل، وتركت العين على حالها، لأن بقاء الإسم على حرف واحد لمعاقبة الإضافة، والتنوين. ومن ثمًّ لم يستعمل في حال الإضافة بالميم، إلا في شعر كقوله: 40 - يصبح ظمان وفي البحر فمه وكان القياس على من أفراد أن يبدل من العين الميم، لما أعلمتك. فلما ترك هذا القائل إلا بدال، صار العين حرف إعراب فانقلبت ألفا، ولحق التنوين، فانحذف الساكن الأول فبقي الإسم على حرف واحد، فكان خارجًا. وجملة الأمر الأكثر مما عليه الأسماء المظهرة المتمكنة. ألا ترى أنك لا تجد إسمًا مظهرًا في كلامهم

على حرف واحد؟. فإن قلت: فقد قالوا في القسم (م الله لأفعلن)، ومن النحويين من ذهب إلى أنه محذوف من (ايمن)، كان اللام حيث كانت نونا، حذفت، كما حذفت من قولهم دد تراهم أتموا فقالوا: ددن. مثل حزن. وهو أيضًا مشاره في الخفايا للحروف اللينة، وواقع أيضًا مواقعها في الزيادة، وكونها إعرابًا، وإغامًا في (الياء) و (الواو). فلما كان كذلك، حذفت لامها، كما حذفت لامات، وحذفت الفاء التي هي ياء، لأنها تعتل بمواضع فيبقى الإسم على حرف واحد. فإن ذلك حرف نادر، وجاز ذلك عند القائلين بهذا القول لمشابهته الحرف، ولزومه موضعًا واحدًا. ألا ترى أنَّه لا يتعدى القسم، وليس (م) كذلك؟. على أن أبا بكر كان يقول: إنها ليست محذوفة عند من (قال) ايمن، وإنما هي (من الله) فحذف النون، ألا تراهم قد إستعملوا هذا الحرف في القسم فقالوا: (من ربي لأفعلن). وغيروا أيضًا، فضموا الميم منه. والنون قد تحذف لإلتقاء الساكنين حذفا كالمطرد. ألا ترى أن بعض القراء قد قرأ " ... أحد الله ..... ". "وقالت اليهود عزير إبن الله ... " وقد جاء: "حميد الذي أحج دراه" وأنشد أبو عمرو. 41 - وحاتم الطائي وهاب المئي وهذا كثير في الشعر، وأجري 7 ب النون مجرى حرف العلة في الحذف

لإلتقاء الساكنين، ومن ثُّم قالوا: لم تك منطلقًا. فإن قلت: إنَّ هذه النون من نفس الحرف، تقع أيضًا في موضع، الحركة فهذا لم يمتنع تأويله هنا. كما لم يقولوا: لم يك الرجل منطلقًا، ولكن أثبتوا لمفارقته حرف اللين في هذا الموضع، لمكان الحركة. قيل: إنها وإن كانت تقع موقع الحركة فقط جاءت محذوفًة. ألا ترى أنهم قد أنشدوا: 42 - لم يك الحقُّ على أن هاجه. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فحذفت مع كونها في موضع الحركة. فكذلك لا يمتنع الحذف في ذلك التأويل، لمكان الحركة، فإن قلت: أن الحروف لا يحذف منها إلا أن تكون مضاعفة، وليس في (من) تضعيف؟، قيل: قد حذفت النون بعينها لإلتقاء الساكنين في الحروف في قوله: 43 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ولاك أسقني إن كان ماؤك ذا فضل وقالوا: هلمَّ فإذا كان كذلك، كان حمله على هذا الوجه أسوغ من حمله على أنه مظهر على حرف واحد. لأن ذلك لم يجيء في موضع. وقد حكي أن كثيرًا من الناس قد لحنوا العجاج في قوله هذا. ووجه ذلك غير جلي. ومما يجري مجرى (فم) في الإضافة في كونه على حرفين أحدهما حرف لين لأمن التنوين قولهم: ذو مال. ومنه أيضًا ما حكاه أبو الحسن، عن يونس، عن أبي عمرو من أنه كان ينشد:

44 - أبى جوده لا البخل واستعجلت به نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله فهذا على قول أبي عمرو مضاف كما ترى. فإذا أضافه، جعله إسمًا، وإذا جعله إسمًا، لزمه أن يكون على ما تكون عليه الأسماء، وليس في مفرداتها شيء على حرفين أحدهما حرف لين. وهكذا القياس في هذا، إذا آثر أن يجعله إسمًا. إلا أنه لما كان مضافًا، كان بمنزلة ما ذكرت لك من قولهم: فوك، وذو مال. وساغت الإضافة لأن (ل) قد تكون للجود، كما تكون للبخل. فقياس الألف في (لا) أن تكون عينًا في موضع حركة، ولا تكون على حدها قبل النقل. ألا ترى أن الضمة في قولك: هي الفلك غير الضمة في قولك: هو الفلك. ومن ثم رد النحويون الفاء في ترخيم (شيه) إسم رجل على حدّ من قال: يا حار. فأجمعوا على الرد، وإن اختلفوا في غيره، فقد تعين لك من جملة ما ذكرنا موضع الشذوذ في هذه الكلمة. فأما قوله: 45 - هما نفثا في فّي من فمويهما. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فمن النحويين من يذهب إلى أنه أوقع الحرف موقع اللام، واجتمع مع ما هو بدل منه. قال أبو بكر: والذي حسن ذلك له أن الكلمة كانت قبل الرد ناقصة، ولولا نقصانها، لم يسهل هذا. فإن قلت: فلم لا تكون (الواو) بدلاً من (الهاء) التي هي لامها، وتكون هي والهاء تتعاقبان على الكلمة، كما تعاقبتا في (عضة) و (سنة)، فإنك لا تجد (الواو) لا ما في هذه الكلمة في غير هذا الموضع. فليس

هو إذن كما ذكرت لك في سنة وعضة، فإن قلت: إني وإن لم أجده في موضع، لم يمتنع أن أحمله عليه لأني لا أجد العوض والمعوض فيه يجتمعان. فهو مذهبه. ومما يجيزه النحويون في إضطرار الشعر، قطع همزة الوصل في الدرج، ووجه ذلك أن الوصل يجري مجرى الوقف، كما أجرى الوصل مجرى الوقف في (سيسبا) و (عهيلّ) وأمثل ذلك أن تكون في نصف البيت كقول الشاعر: 46 - أو مذهب جدد على الواحة الناطق المبروز والمختوم وفي هذا ضرب آخر من الضرورة، وهو قولهم: المبروز. والمراد: المبروز به، فحذف، وحكم الضمير المنصوب إذا إتصل بإسم الفاعل الداخلة عليه الألف واللام على معنى الذي أن لا يستحسن حذفه من الفعل في صلة (الذي) قال أبو عثمان: فإن حذف الضمير من إسم الفاعل كان قبيحًا، وهو جائز في القياس، ولا يكاد ذلك يوجد في كلام، ولا شعر. فإذا لم يحسن حذف الضمير المتصل من إسم الفاعل مع حسن حذفه من صلة الذي، فإن لا يحسن حذف الضمير المتوصل بالجار المنفصل من إسم الفاعل مع إسم الفاعل، أجدر إذ كان حذف ذلك من صلة الذي غير مجوز. ألا ترى أن من قال: الذي ضربت أخوك، لم يقل الذي مررت زيد، وهو يريد به. كما لا تقول: الذي ضربت عمرو وهو يريد: ضربت أخاه. لإجتماع الضمير في الموضعين في الإنفصال عن الفعل، فإذا كان كذلك، علمت أن هذا الحذف في هذا البيت قبيح، ولا يستقيم إلا على هذا التقدير. ألا ترى أنك تقول: برز زيد، وأبرزته، وبرزت به. وعلى هذا قال: 47 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وأبرز ببرزة حيث اضطرك القدر

وكان الذي يسوغ ذلك في الضرورة أن الجار مع المجرور في موضع نصب. بدلالة أنك تعطف عليه، كما تعطف على المنصوب، وكما إستجاوزا حذف الجار مع المجرور، ولم يكن الجار وإن كان منفصلاً عن الصلة -كأخه وغيره من الأسماء المنفصلة، لأن ذلك يقصد في نفسه، وليس الجار كذلك، لأنه متعلق أبداً بالمجرور، فكأنه من أجل ذلك بمنزلة ما هو من جملة الإسم. وإستجازتهم لهذا مع أنه لم يجر ذكر حرف جار يدل على المحذوف، مما يقوى مذهب الخليل وسيبويه وأبي عثمان في قول الراجز. 48 - إن الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجد يوما على من يتكل والمعنى عندهم: إن لم يجد يوما على من يتكل عليه. فحذف، وكان حذف هذا /8 آأحسن من الأول لجري ذكر حرف الجر. ألا ترى أنه إستجاز: (على من تمرر، أمرر). وعلى أيهم تنزل. إنزل. فتحذف الجار من الفعل الثاني. ولو قلت من تكرم، أنزل عليه، لم يسغ، كما ساغ في الأول من حيث لم يجر ذكر الحرف كما جرى في الأول. فأما (على) في قوله: . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إن لم تجد يوما على. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . مزيدة في قولهم، والمعنى: إن لم تجد من تتكل عليه. تعدى الفعل بالحرف

كما تقول: ضربت لزيد. وفي التنزيل: (... ردف لكم ...) و (... إن كنتم للرؤيا تعبرون) وقال تعالى: (ألم يعلم بأن الله يرى) (... ويعلمون أن الله هو الحقُّ المبين). فوصل الفعل مرة بالحرف ومرة بلا حرف، فكذلك: هذا وجدته، ووجدت عليه، بمعنى. فأما المحذوف من الصلة، فيكون على أنه حذف الجارَّ والمجرور، كما قرئ: (.. ولا تجزي نفس عن نفس شيئًا ...) أن فيه مرادًا. وإن شئت، قلت: حذف الحرف، فوصل، واتصل الضمير، ثم حذف، كما حذفت في نحو: (... أهذا الذي بعث الله رسولاً)، وهذا التقدير أسهل من الأول. وأشندنا عن أبي العباس: 49 - فمن يك لم يغرض، فإني وناقتي بفلج إلى أهل الحمى عرضان أحنُّ كما حنت وأبكي صبابة وأخفي الذي لولا الأسى لقضائي يريد: قضى علّي، فحذف، وأوصل. قرأ بعضهم: (... من فضة قدرها ....) يريد: قدروا عليها، فأوصل الفعل بعد الحذف. وقول البغداديين في البيت (إن لم تجد يوما) بمنزلة: يعلم، كأنه: (إن لم علم على من يتكل)، فالكلام في تأويلهم

هذا إستفهام وموضع الجملة نصب. كقوله: (إنَّ الله يعلم ...) كأنه قال: إن لم (... يعلم ما تدعون من دونه ....) (إن ربك هو أعلم بمن يضل عن سبيله ...) فالجاز في قولهم متصل (بيتكل) وهو المجرور في موضع نصب بـ (يجد) وقول الرياشي في هذا كقول البغداديين. ومن الضرورة غير المستحسنة ما أنشده أبو بكر عن السكري عن أبي حاتم. 50 - أضرب عنك الهموم طارقها ضربك بالسيف قونس الفرس الباء متحركة بالفتح على تقدير إرادة النون الخفيفة، ولا يخلو من أن يريد به الوقف، أو الوصل فإن أراد الوصل، كان الحكم أن تثبت نونا في الصلة كقوله: (... لنفسعا بالناصية). وإن أراد الوقف وجب أن يبدل منها الألف كما يبدل منها في (لنسفعا) فلم يجيء على واحد من الأمرين، ولكنه حذف الحرف لدلالة الفتحة عليه، ومثل ذلك في خروجه عن حد الوقف والوصل جميعًا قول الشاعر:

51 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ما حجَّ ربه في الدنيا ولا اعتمرا الوصل في هذا أن تلحق الواو، وأجرى الوصل مجرى الوقف (في) (ربَّه في الدنيا). كقول الآخر: 52 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ومطواي مشتاقان له أرقان فهذا أجرى الوصل مجرى الوقف. والآخر ليس من ذلك. ولكن حذف الحرف له في الوصل لدلالة الضمة عليه، وحذف هذا أسهل من حذف الواو من الضمير المنفصل المرفوع، لأنَّ هذه الواو قد تحذف في الوقف، والوصل جميعًا إذا سكن ما قبلها. والواو في (هو)، والياء في (هي) لا تحذفان في حال سعة، وإنما جاء في ضرورة الشعر في قوله: 53 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إذه من هواكا وقول الآخر: 54 - فبيناه يشري رحله. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وعلى وجه التشبيه بهذا الحرف اللين اللاحق بضمير المنصوب، أو المجرور، لإجتماعهما في أنهما علامتا ضمير، وأن الحروف في القبيلين حروف لين، وإن اختلفا فيما ذكرت لك، فإن قلت فهل يكون هذا البيت المحذوف فيه الخفيفة على قياس قول من حذف التنوين من الإسم في موضع النصب كقول الأعشى:

55 - إلى المرء قيس أطيل السرى وآخذ من كل حي عصم فحذف البدل من التنوين، كما يحذفه من المجرور والمنصوب. والخفيفة ثبت البدل منها إذا انفتح ما قبلها، كما ثبت البدل من التنوين إذا إنفتح ما قبله، فإن ذلك لا يكون على هذا القياس لثبات الفتحة. ألا ترى أنه، لو كان على قياس (عصم)، لوجب أن تسكن اللامّ كما سكنت منه. فإن تحرك اللام منه. دلالة على أنه على هذا الحد. وأما قول الآخر: 56 - لا تهين الفقير غلك أن تركع يومًا، والدهر قد رفعه فعلى تقدير الخفيفة، وهو مستقيم مقيس إلا أنك حذفتها لإلتقاء الساكنين، ولم تثبتها في: زيد العاقل. وكذلك حدهما في الكلام، وحال السعة، وأخبرنى أبو بكر عن أبي العباس؛ عن أبي عثمان قال: أخبرني إبن قطرب عن أبيه أنه سمع من العرب من يقول: 57 - ألا أيهذا الزاجري، أحضر الوغى . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بنصب (أحضر) على إضمار (أن) وهذا قبيح. ألا ترى أنَّ (أن) لا تكاد تعمل مضمرة حتى تثبت عنها عوضًا نحو: (الفاء، أو الواو) تعطف على إسم. فأما

أعمالها على هذا الحد، فغير موجود، إلا أنَّ نصب الفعل يدل عليها، كما أن الفتحة في البيت تدل على النون المحذوفة. ومما حذف منه في الضرورة ما لا يستحسن حذفه في حال السعة والإختيار كقوله /8 ب. 58 - وقبيل من لكيز شاهد رهط مرجوم، ورهط إبن المعل حذف الألف من (المعل) في القافية تشبيهًا بالياء في قوله: 59 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بعض القوم يخلق ثم لا يفر فقد أريتك بعض ما بين الألف والياء من التشابه فيما تقدم. فكما حذفت الياء من القوافي والفواصل، كذلك حذف هذا الألف، ولم يكن ينبغي، لأنَّ من يقول: (.... ذلك ما كنا نبغ .....)، ويقول (والليل إذا يغشى) فلا يحذف، كما أن الذي يقول: هذا عمرو، يقول: رأيت عمرا (وقال الراجز). 60 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . قد رابني حفص فحرك حفصا إلا أن (المعلى) في الضرورة لا يمتنع للتشبيه ويؤكد ذلك أن (أبا) الحسن قد أنشد.

61 - فلست بمدرك ما فات عني بلهف، ولا بليت ولا لوانى فقال: (ليت) وهو يريد: (ليتني) فحذف النون اللاحق مع الضمير للضرورة ثم أبدل من الياء الألف، ثم حذف، وقد يمكن أن يكون. 62 - يا إبن أمّ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . على هذا كأنه محذوف من قول من قال: 63 - يا إبنة عمي لا تلومي واهجعي: فأبدل، ثم حذف، وعلى هذا تأول أبو عثمان قول من قرأ (... يا أبة لم تعبد ....) ومن الضرورة غير السهلة ما أنشدناه أبو إسحاق. 64 - إن العرارة والنبوح لدارم والمستخف أخوهم الأثقالا قال: مروى (والمستخف) بالرفع، والنصب على موضع (أن) ولفظها، ولم يذكر لنا غيره، ولو انشد منشد بالجر، لكان أسوغ، فانتصب المفعول بها في الصلة، ولم يحتج بأن تقدر له ناصبًا آخر. ومثل هذا في القبح:

65 - لسنا كمن جعلت إياد دارها تكريت ترقب حبها أن يحصدا وليس هذا كما أنشده أبو إسحاق عن الأحوال للبيد: 66 - لعمرك أن كان المخبر صادقا لقد رزئت في آخر الدهر جعفر إذا كان أما كلُّ شئ سألته فيعطى، وأما كلُّ ذنب فيغفر ألا ترى أنَّ في التنزيل: (يوم يرون الملائكة، لا بشرى يومئذ للمجرمين ....) وقال (ينبئكم إذا مزقتم كلُّ ممزق أنكم لفى خلق جديد). ومن الضرورة التي تستقيم لا تستجاز في الكلام ما يفعله الشاعر لإقامة الوزن من تحريف الإسم، ووضعه موضعه لفظا على معناه، وإن لم يكن العلم المتعارف، من ذلك ما أنشده أبو الحسن الأخفش: 67 - بني رب الجواد فلا تفيلوا فما أنتم فنعذركم لفيل قال أبو بكر: أراد: ربيعة الفرس، فلم يستقم الوزن له. فعدل إلى (رب الجواد) قال:

ومثل هذا قول الآخر: 68 - وفاء عليه الليث أفلاذ كبده وكله قلد من البطن من دم ومثله: 69 - تنادوا فقالوا: أردت الخيل فارسا فقلت: أعبد الله ذلكم الردي وفي هذا الشعر: . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . أنا غضاب لمعبد فجعله مرة (معبد). وأظنه قال الإسم (عبد الله) ومثله: 70 - ربَّ مسقي بغيلي أسد قد تقدمت بقراظ السباء ومن ذلك قول البعيث في جرير بن عطية: 71 - أبوك عطاء ألأم الناس كلّهم فقبح من كهل، وقبحت من نسل فأما ما أنشده أحمد بن يحيى:

72 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . من نسج داود أبي سلام فالأولى أن يكون اشتقه من لفظ (سليمان) كما اشتق (عطاء) من عطية، ولا يحمله على الغلط كقوله: 73 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . كأحمر عاد. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وكقول الآخر: 74 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الركب عثمان بن عفانا ومن قبيح الضرورة قول الشاعر: 75 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . مثل الحماليج بأيدي التلام قالوا: يريد التلامذة، فحذف، وقد أعلمتك أن ذلك لا يكون على الترخيم في ما تقدم إلا أنه قد جاء من هذا النحو ما لا يكون في الترخيم كقوله:

76 - درس المنا بما بمتالع فأبان . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . قالوا: يريد المنازل. ومثل ذلك ما أنشده لأبي دواد الأيادي: 77 - يجعلن جندل حائر لمتونه فكأنما تذكي سنابكها حبا قبل: يريد الحباحب. أي: نار الحباحب، وفي التنزيل: (فالموريات قدحا) وأنشد أحمد بن يحيى: 78 - من لي من هجر ليلى من لي والحبل من حبالها المنحل (فالمنحل) لا يخلو من أن يكون محمولاً على الحبل، أو على الحبال، وكلا الأمريين قبيح. وأنشد الكسائي: 79 - مثل الفراخ نتفت حواصله وفي هذه الأرجوزة.

80 - تعرضت لي بمكان حبل تعرض المهرة في الطّول تعرضا لم تعد عن (قتلا) لي قال أبو الحسن يكون عن (قتلا) على الحكاية، ويكون أن يريد (النون) فيبدل منها العين. يريد على ما يجيء في لغة تميم من القلب في هذا النحو، وهو الذي يسمى (عنعة) تيم كقول الشاعر منهم: 81 - إعن تغنت على ساق مطوفة /9 آ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وفي هذه الأرجوزة 82 - أن تبخلي يا جمل أو تعتلي أو تصبحي في الظاعن المولي إلى قوله: موقع رجلي راهب يصلي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . أنشده أبو زيد. وقال أبو عثمان: يريد بالظاعن: إسم حنس. ومثل ما قال أبز عثمان -في هذا قول الآخر:

83 - إنى كاني لدى النعمان خبره بعض الأودى بقول غير مكذوب والمعنى: الأودين. ألا ترى أن البعض يقتضي أن يكون الكل؟ فهذا أنشاد قوم، وأنشده أحمد بن يحيى: (بعض الأود) جعله على (افعل) جمعا (لود (وحكي: رجل ودوود فاما 84 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . العيهل و. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الكلكل فاستعمالهما بتخفيف اللام، مقدر الوقف عليه مضاعف إرادة للبيان، وهذا ينبغي أن يكون في الوقف دون الوصل لأنَّ ما لا يتصل به في الوصل يبين الحرف، وحركته، فمن ذلك. قال من قال في الوقف: هذا خالد. فإذا وصل، قال: هذا خالد. كما ترى، ويضطر الشاعر فيجري الوصل بهذه الإطلاقات في القوافي التي تجري مجرى الوقف. وقد جاء ذلك في النصب أيضا. قال: 85 - مثل الحريق وافق القصبا. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وهذا لا ينبغي أن يكون في السعة، فأما قول بعض العرب: هذا طلحة. وهذه رحمة، في الوقف، فإنه أمثل من (عيهل) ونحوه، لأنَّ الأصل (الهاء) ألا ترى أن الهاء لا يؤت بها؟. وأما قولك: هذه أمة الله. فالهاء بدل (التاء) فيجوز أن يكون أصحاب هذه اللغة جاءوا بها على الأصل، ولم يبدلوا في الوقف منها الهاء. وهذا البدل من تغييرات الوقف. ألا ترى أنك تبدل فيه من التنوين الألف إذا إنفتح ما

قبله؟. وكذلك تبدلها من النون الخفيفة. ومما جاء على هذه اللغة ما أنشده أبو الحسن: 85 - ما بال عين عن كراها قد جفت. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الأبيات. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ومن الشواذ عن القياس والاستعمال، ما حكي من قولهم: نزال يريد: نزال أخبرنا محمد بن الحسن وأنشدنا: 87 - لقد علمت خيلي بموقان أنني أنا الفارس الحامي إذا قيل: نزال والاستعمال في هذا الباب التخفيف في العين، وترك تكريرها كقولهم: تراك، ومناع، وصمي، وصمام: وأنشدنا أبو الحسن الأخفش: 88 - فرت يهود، وأسلمت جيرانها صمي كما فعلت يهود صمام ومن الشاذ ما أنشده أبو زيد: 89 - هل تعرف الدار ببيدا أنه. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الأبيات. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فهذا يجيء على وجوه شاذة، وفيما ذكرنا من هذه الفنون ما يدخل إلى كثير مما يرد منها.

هذا باب الإعراب والبناء

هذا باب الإعراب والبناء الإعراب تغير أواخر الكلم، وإختلافها بإختلاف العوامل. والبناء خلاف ذلك فالمعرب من الكلم الثلاث، الإسم، والفعل. فأما حروف المعاني، فكلها مبنية، وما تختلف به أواخر الكلم للإعراب: الحركة، أو السكون أو حرف غير حركة. فالحركات على ضربين: حركة ظاهرة في اللفظ مسموعة منه. وحركة منوية، غير خارجة إلى اللفظ. والحركات الظاهرة التي تكون للإعراب: الرفع، والنصب، والجر والسكون -هو الجزم- نحو: لم يذهب. والأسماء على ضربين: معرب، وغير معبر. فالمعرب منها ما كان متمكنًا، وهو الذي لم يشابه الحرف، ولم يتضمن معناه. وهي أسماء الأنواع الأول، أو ما اشتق منها للصفات، ونحوها، أو ما كان منقولاً عن ذلك للأعلام المخصوصة، فالمنقول بحسب المنقول منه. وهو إما إسم غير صفة كأسد، وكلب، وحمار، وزيد،، وفضل. وأما إسم صفة كحارث، وعباس، وحسن، وسهل، وربما استغنوا ببعض الأسماء التي تجري مجرى الأسماء الأعلام من إسم النوع. فهذا جمهور أقسام الأسماء المتمكنة. وهذه الأسماء المتمكنة على ضربين: منصرف وغير منصرف.

فالمنصرف ما لم يشبه الفعل فدخلته الحركات الثلاث مع التنوين، وذلك نحو قولك: هذا رجل. ورأيت رجلا. ومررت برجل قبل. وغير المنصرف ما كان ثانيا من جهتين، ومعنى ذلك أن يجتمع فيه ثقلان، وسببان من هذه الأسباب التسعة وهي: وزن الفعل، والصفة، والتأنيث، والعجمة، والعدل، (والمعرفة)، والجمع، وأن يجعل إسمان إسمًا واحدًا، وأن يكون في آخر الإسم ألف ونون زائدتان. فمتى اجتمع من هذه الأسباب سببان في إسم، منعاه الصرف، فلم يدخله الجر، والتنوين كما لم يدخلا الفعل. فإن أضيف شيء من ذلك، أو دخله الألف واللام، أنجرَّ لزوال شيبه الفعل لذلك، وأمن التنوين، وذلك قولك: مررت بالأحمر، وابن عيهل. فإن قلت: إذا كان السببان من هذه الأسباب، إذا اجتمعا، منعاه الصرف فهلا لم تصرف نحو طويلة، وقائمة، وشديدة في الكسرة للتأنيث، والوصف اللذين اجتمعا فيها؟ فالقول في ذلك: أن أحد السببين لم يلزم الإعتداد به. وإذا لم يلزم ذلك، كان الذي يبقى سببًا واحدًا، وهو لا يزيل ما للإسم من التمكن فيخرج به إلى شبه الفعل. ويدلك على أن التاء لا يلزم الإعتداد بها إنها غير لازمة للكلمة في حال تذكيرها، لأنه ليس فيها ما/9 ب (يحظرها) ويمنع من إسقاطها، وما لم يلزم من الحروف، وكان قلقا في مكانه، وموضعه لا يعتدون به. ألا ترى أن الواوين إذا وقعتا أولا في التحقير والتكسير وغيرهما، ألزم الأولى منهما القلب، وذلك قولك في تحقير (واصل) وتكسيره (أو يصل) و (أواصل) وعلى هذا قوله:

90 - ضربت صدرها إلّي وقالت يا عديا لقد وقتك ألا واقي وقالوا: التولج. وقال: 91 - متخذًا من عضوات تولجا. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فأبدل من الأولى (التاء)، كما أبدل منها الهمزة في (أواصل) وفي التنزيل: (... ما وورى عنهما من سوءاتهما ...)، فلم يبدل الأولى منهما، حيث كانت الثانية غير لازمة. ألا ترى أنك إذا بنيت الفعل للفاعل، إنقلبت ألفا، فلما لم تلزم الثانية هنا لزومها في الباب (لم تلزم) الأولى منهما القلب إلا على حد (اقتت). ومن ذلك أيضًا قوله في (بيضة) و (جوزة) بتحريك العين، لم يقلبوا العين ألفا، وإن كانت في موضع حركة. كما انقلبت في دارات، وساعات، لأنَّ الحركة غير لازمة. فلما لم يلزم، كان الحرف في حال كونها فيه بمنزلة ساكنا، ومن ذلك قولهم في تخفيف موألة، وحوأبة وجيئل: موله، وحوبة، وجيل. فصحت حروف العلة حيث كانت الحركة فيهن لحروف غيرهن. ومن ذلك قولهم في تخفيف ضوء: ضو، فتحرك الواو (لأنها) صحت طرفا مع سكون ما قبلها، حيث كانت الحركة غير لازمة. ولو كانت لازمة، لم يسغ هذا. ألا ترى أن باب (عصا) و (رحى)، لا يصح في شيء منه حرف العلة؛ فكما أن هذه الأشياء وغيرها مما لم يذكر، لا يعتد بها

لأنها غير لازمة، كذلك، لم يلزم الإعتداد بالتاء في هذا الضرب من النكرة. فإن قال قائل: فهلا صرف في المعرفة أيضًا وفيه هذه التاء -كما قلتم- إنه لا يعتد به في النكرة؟. قيل لزم الإعتداد به في المعرفة، وإن لم يلزم ذلك في النكرة، لأنَّ التسمية تحيل الإسم وتحظره فيمتنع من إسقاط شيء منه، وقت التسمية، وهو فيه، كما يمنع من أن يضم إليه ما ليس منه. وإذا كّان كذلك، كان معتدًا بهذا، وإذا إعتد به، إنضّم إلى السبب الآخر، فمنع الصرف، كما يمنع الصرف الرابع من بنات الأربع إذا كان الإسم مما غلب عليه التأنيث نحو: عقرب وعناث، ومن أجل ما ذكرت لك من حظ التسمية إسقاط التاء ما لم يجز النحويون في نحو: طلحة، أن يجمع إذا كان إسمًا لمذكر بالواو وأّلنون. ألا ترى أنه لو جمع به، كان لا يخلو من أحد أمرين. أما أن تثبت التاء مع حرف الجمع فيجمع بذلك بين ما لا يجتمع، ويعاقب أحدهما الآخر، أو تحذف التاء، وحذفها غير سائغ للتحريف، وبعد الإسم عما سمي به، ولا يلزم إذا (جمع) بالألف والتاء، لأن التأنيث المجتلب، يصير بدلاً من المحذوف، فكأنه لم يحذف، ومع ذلك فلم يجز جمع بيّن تأنيثه. وقد أجاز البغداديون جمع هذا الضرب من الأسماء بالواو والنون على ضعف عندهم. ووجه فساده ما قدمناه ذكره. والذي ثبت به الاستعمال أيضًا خلاف ما أجازوه. ألا ترى أنهم حين جمعوا طلحة إسم رجل. قالوا: طلحات وعلى هذا قول الشاعر:

92 - نصرّ الله أعظما دفنوها بسجستان طلحة الطلحات فلما ثبت استعمال بخلافه، ودفعه القياس، لم يكن لإجازته وجه، واستدلوا على إجازتهم ذلك بما أنشده، أحمد بن يحيى: 93 - وعقبة الإعقاب في الشهر الأصم هذا أن سلم أنه جمع (عقبة) مع إحتماله غير ذلك، فليس فيه ما يدل على جواز جمعه بالواو، والنون. ألا ترى أنه ليس كل ما يجمع مكسرا، يجمع بالواو والنون. فإن ما له وجه الدلالة في ذلك أنه حذف التاء في هذا التكسير، وإن كانت التسمية وقعت بالإسم وهي فيه، فكما جاز حذفه في هذا التكسير، كذلك يجوز الحذف مع الواو والنون؟. قيل: لا يجوز جمعه بالواو والنون من حيث جاز تكسيره على هذا الحد، وإن اجتمع الجمعان في حذف التاء منهما. ألا ترى أنك إذا كسرت، عاقبت الإسم بالتكسير، وتأنيثه الذي كان يكون في الواحد، فصار لذلك بمنزلة الجمع بالألف والتاء. فكما جاز الجمع بالألف والتاء، لأنَّ دلالة التأنيث لا تخترم فتصير بذلك كأنها ثابتة فيه، لذلك جاز التكسير لما تعاقب الإسم به في التأنيث. وليس الجمع بالواو والنون كذلك. فإذا لم يكن مثله ولم يعاقب الإسم به تأنيث، كما عاقب بالتكسير، لم يجب جوازه في الإسم من حيث جاز التكسير. فإذا كان كذلك، لم يكن في هذا الذي أورد هذا دلالة على إجازة مما أجازوا. مما يدل على حظر الكلمة بالتسمية، وتقدير الحرف/ 10 آفيما كان ثابتًا فيه إمتناع تقدير ما لم يكن داخلاً عليه قبل التسمية فيه وذلك نحو: ارطى،

ومعزى، ولو سميت بهما مذكرًا، لم تصرف للتعريف، وأن الألف شابهت في حال التسمية، ألف التأنيث لزيادتها. وإمتناع التاء من الدخول عليه يحظر التسمية كإمتناعها من الدخول على ألف التأنيث. ألا ترى أنّك إذا سميت بأرطى، إمتنع دخول التاء على الإسم، ولم يجز كما كان يجوز في حال النكرة، فأشبه حبلى. فكما إمتنع من أجل التسمية دخول ما كان يدخله قبل، كذلك يمتنع سقوط ما كان يسقط قبل. فإذا لزم ثباته، لزم الإعتداد به، فصار السببان يمنعان في (طلحة) الصرف، وإن لم يكن أحد السببين في (قائمة) معتدًا به. ومثل ألف الإلحاق فيما ذكرت لك من أن التاء تمتنع من الدخول عليه للتسمية. الألف والنون في عثمان وعريان يصيران كاللتين في عطشان، لإمتناع التاء من الدخول عليهما في حال التسمية وللتسمية. كأمتناعها من الدخول في باب عطشان ونحوه، كما في باب أرطى في التسمية كباب حبلى كذلك صار نحو: سرحان، كنحو عطشان. فأما مساجد ونحوه: فيما يمنعه من الصرف أنه جمع، وأنه ليس في أبنية الآحاد مثله، فإن قلت: فهلا لم ينصرف نحو: أفعال، وأفعل أيضًا لأنهما جمعان، وليس في أبنية الآحاد مثلهما؟. قيل: إنَّ أفعالاً، وأفعلا، يشبهان الواحد. ألا ترى أن أفعالاً جرى وصفا على المفرد نحو: (ثوب أكياش)، (وحبل أرمام، واقطاع). وقال (تعالى) (... نسقيكم مما في بطونه ...) وقد تقدم ذكر (الأنعام) وقد كسر (هو) وأفعل تكسير الآحاد نحو: أبايت. وأراهط، وقربها من الآحاد أيضًا في المعنى فلما كان كذلك، لم يكونا كباب مساجد. ويدلك على أن

كونه خارجًا من أمثلة الآحاد الأول، ثقل، وسبب مانع، أنه إذا وقع وافق بناء الواحد، إنصرف، وذلك نحو: الكراهية، والطواعية، وحمار حزابية. فمن ها هنا صرف نحو: صياقلة، وزنادقة. فإن قلت: (فهذا) امتنع لمكان التأنيث المعاقب لذلك البناء الأول المختص به اجمع، فإنَّ ذلك ليس بسؤال على ما قدمت ذكره لك. فهذه الأسماء التي لا تنصرف تنفتح الأواخر منها في موضع الجر. وهذه الحركة التي هي الفتحة في موضع الجر حركة إعراب، وليست حركة بناء. يدلك على ذلك أنّ البناء لا يوجد في شيء من الأسماء، إلا لمشابهة الحرف، ولا شيء في هذا الإسم من مشابهة الحرف. وإذا كان كذلك، لم يسغ الحكم ببنائه. وكانت الحركة للإعراب، فإن قلت فإنَّ الأسماء المفردة المعربة تجرى متمكنة في أحوالها الثلاث، ولا يمنعها ذلك أن تبنى في النداء فكذلك ما تنكر أن يجرى الإسم غير المنصرف معربًا في موضع الرفع، والنصب، ويبنى في الجر؟ فإن بناء ذلك في الجر لا يستقيم من حيث بني المفرد، المعرفة في النداء. ألا ترى أنها في هذا الباب، واقعة موقع ما يغلب عليه شبه الحرف. وهو جار مجراه، وهي الأسماء المضمرة الموضوعة للخطاب. والحرفية على هذه الأسماء أغلب في معنى الإسم. ألا ترى أن كل موضع يكون فيه إسمّا،، لا تنفك فيه من شبه الحرف. وقد تتجرد حروف، ولا معنى إسم فيها، فيعلم بهذا أن كون معنى الحرف منها أعم وأغلب. فإذا وقعت الأسماء المفردة المعرفة موقعها، وجب بناؤها، كما أن سائر الأسماء ما وقع منها موقع الحرف، وسد مسده وجب بناؤه. ويدلك على أنَّ هذا الإسم معرب في هذه الحال غير مبني فيها، أنَّ هذه الحركة، وجبت فيه بعامل. والحركات اليت تجب بعوامل لا تكون حركات نباء. ولو جاز مع الجر بها بالعامل أن تكون حركة بناء، لجاز ذلك في سائر حركات (الإعراب)، فإمتناع ذلك في غير هذا الموضع، دلالة على أن الحكم بها ها هنا فاسد. فإن قلت

فقد قالوا: لا رجل عندك. وهذه الحركة حركة بناء، وهي موجودة مع عامل قد عمل ذلك فيه. فما تنكر مثل ذلك في ما لا ينصرف في حال الجر؟، قيل: إنَّ العامل هنا لم يعلم حركة بناء، وإنما نصب الإسم نصبًا صحيحًا. ألا ترى: أنَّ سيبويه قد قال: أن (لا) تنصب ما بعدها كنصب (أن) لما بعدها. وبذلك على أنها نصبت الإسم. إنّ الإسم المنفيَّ بها إذا كان مطولاً، أو مضافًا؟ ظهرت فيه فتحة النصب، كقولك: لا خيرًا من زيد. ولا أمرًا يوم الجمعة لك، فنصبها للمفرد على حد نصبها لهذا المطور. والموجب للبناء فيه غير الموجب للإعراب، وهو جعلهم الإسم مع (لا) كالشيء، الواحد. فهذا الذي هو المعنى الواجب للبناء. وإذا جعلت كلمتان كلمة واحدة، فهم مما يبنونهما على الفتح وذلك كضمهم الإسم إلى الإسم في الموضع الذي يدخلهما مع الحرف وكضم /10 ب الصوت إلى الإسم، أو الفعل إلى الإسم في قول النحويين، والحرف إلى الفعل، والحرف إلى الإسم، والصوت إلى الصوت، فهذه الأنواع مع إختلافها يغلب عليها البناء، فلما بنى إذا ضم الصوت كذلك، بنى إذا ضمّ إليه الحرف في هذا الباب فهذا هو المعنى الموجب للبناء. ألا ترى أن حركة البناء حدثت بعامل. إلا أنَّ حركة البناء في هذا المبني هي الحركة التي كانت تكون للإعراب في هذا المبنى قبل حاله المفضية به إلى البناء. ونظيره في هذا المعنى (قوله): يا بان أم. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فيمن جعلها اسمًا واحدًا. فإن قلت: فقد اتفقت الحركتان، وصارت في حالتين مختلفتين على صورة واحدة. وهذا مما يكون في المبنى. ألا تراهم قالوا: جئت من قبل وقبل ونحو ذلك. فإنَّ إتفاق الصور في هذه الأشياء لا يدل على البناء. ألا ترى أن صورتى الرفع والجر في باب القاضي والغازي متفقان وهو مع ذلك معرب. وكذلك باب المثنى والمعلى في الأحوال الثلاث على صورة واحدة، وهو مع ذلك معرب. فليس إتفاق الصور مما يوجب البناء في الكلم المبنية، وإنما الموجب ما ذكرت لك من مشابهة الحرف. فأما موافقة الجر النصب هنا فهو كموافقة النصب الجرّ في التثنية، والجمع الذي على حدها. فلو جاز أن يكون الإسم غير المنصرف مبنيًا في هذه الحال، لكانت التثنية والجمع كذلك أيضًا، فليس هذا الإتفاق للبناء وإنما هو لإجتماع النصب، والجر في كونهما فضلتين وكاملتين بعد استعمال الجملة المتضمنة للفعل أو معنى الفعل بجزئيها اللذين هما الحدث - والمحدث عنه، ومن ثم اتفقا أيضًا في باب الضمير. والأفعال على ضربين: معرب، ومبني. فالمعرب منها بالحركات الظاهرة هي الأفعال المضارعة، وهي التي تلحق أوائلها زيادة من إحدى هذه الزيادات، الأربع، وهي الهمزة والنون، والتاء، والياء وذلك قولك: أفعل أنا، ونفعل نحن وتفعل أنت، وهي في المؤنث الغائب، ويفعل هو. فهذه الأفعال هي الأفعال المعربة، وإنما أعربت بجملة الإعراب لمشابهتها الإسم، وخصَّ كلّ ضرب من الإعراب بعامل عمل فيه ذلك. فعامل الرفع غير عامل النصب، والجزم، كما أنَّ كل عامل من الناصب والجازم غير الآخر، فإعراب هذا الضرب من الفعل، الرفع والنصب، والجزم، ولا جرّ فيه كما كان في الإسم، وإنما إمتنع الجر فيه لأنه لا يكون إلا

بالإضافة. ألا ترى (أنّ) الجرّ يكون بأحد أمرين: أما إضافة إسم إلى إسم. أو إضافة فعل إلى إسم، وكلاهما يوجب تخصيصًا، والغرض في صياغة هذه الأمثلة (التي تسمى) بالأفعال، خلاف التخصيص. ألا ترى أنها تكون الجرّ المستفاد من الجملة. والغرض في الإضافة التخصيص، وإخراج المضاف بها من الإشاعة إلى المخصوص، فمنها ما تضع اليد عليه كغلام زيد، ودار الخليفة، ومنها ما يكون ضربًا من التخصيص، وإن لك يكن كالأول، كغلام رجل، وصاحب إمرأة. فلما لم تخل الإضافة في كلا ضربيها من أن تحدث تخصيصًا، وكان الغرض في صياغة الفعل خلاف ذلك، لما أعلمتك، لم تستقم الإضافة إليه. لأنه يصير نقصًا، لذلك الغرض الذي قصد به، ووضع من أجله. فمن أجل هذا لم تضف إليه، كما لم يضف إليه، لأن الإضافة توجب التعريف، ووضع الفعل بخلافه، وكذلك لم تدخل عليه لام التعريف، لأنه في باب إيجابه التخصيص مثل الإضافة، وتوصل في محاولة ذلك فيه إلى لفظ آخر غيره، جعل بمعناه، كما توصل إلى نداء ما فيه الألف واللام حيث لم يسغ إجتماعها مع حرف النداء إلى نداء شيء آخر جرى عليه ما فيه الألف واللام، وذلك قولهم: يا أيها الرجل، فكذلك حيث لم يسغ دخول (الألف) واللام على الفعل من حيث كان مؤدي إلى نقص الذي وضع له الفعل، أدخل على ما دلّ عليه، وذلك قولهم: هذا الضارب زيدًا أمس. فلولا كون إسم الفاعل بمعنى الفعل، لم يجر هذا. ألا ترى أنك لو قلت: رأيت ضاربًا زيدًا أمس، لم يستقم. فإن قلت: هلا أضيف إلى الفعل. وإن كان لا يختص كما أضيف إلى النكرة المضاف إليها، لم توضع لخلاف التخصيص. ألا ترى أنَّ النكرة قد يعاقبها التعريف، فعلم بذلك إنها لم يقصد بها الإشاعة في جميع أحوالها، كما كان القصد في الفعل أن يكون لخلاف التخصيص

في جميع أحواله، للزوم هذا المعنى له وإمتناع تعريفه. فليس النكرة في جواز الإضافة إليها يدل على جواز الإضافة (إليه) مما يدل على جواز الإضافة إلى الفعل كذلك. وليس في الأسماء الجزم الذي في الأفعال، لأن عوامل الجزم لا معنى لدخولها على الإسم، وعملها ذلك فيه. ألا ترى أن المجازاة، والأمر، والنهي، ونفي الماضي على لفظ الأمر /11 آ. لا يوجد في الإسم. فهنا إمتناع من جهة المعنى. وأما اللفظ فلأن الأسماء أدخل في الإعراب من الأفعال، فلما كان جزمه يؤدي إلى ضرب من البناء، رفض ذلك على أنه لو جزم على حد الفعل، لم يخل من أن تحذف له الحركة دون التنوين. أو التنوين دون الحركة. أو يحذفا جميعًا، فلا يستقيم حذف التنوين دون الحركة، لأنه ليس بإعراب، وإنما هو حرف تابع له. والجزم يحذف حركات الإعراب. فإذا لم يكن التنوين إياها، لم يجز حذفه له، أو تحذف له الحركة دون التنوين، وهذه الحركة لا تحذفه ويترك التنوين، فلا يحذف بل قد يحذف التنوين، وتبقى الحركة، وذلك في نحو الإسم الذي لا ينصرف، فأما أن تحذف الحركة، ويبقى التنوين، فلا يكون. فإن قلت فهلا جزم ما كان من هذا الضرب من الأسماء لشبهه بالفعل.؟، فإنَّ ذلك لا يستقيم. ألا ترى أن إمتناعه من الانصراف، لم يمنع أن يضاف إليه كما يضاف إلى سائر الأسماء. فكما أجرى مجرى سائر الأسماء من جراء الإضافة إليه وأن كان ممتنعًا في الفعل، كذلك إمتنع جزمه من حيث لم يكن إلا في الفعل، لأنَّ هذا الضرب من الأسماء في أحكام الأسماء المنصرفة، وإن كان الجر مع التنوين يمنعان من الدخول إليه. وإمتناعهما من ذلك، لا يمنع من تقدير ذلك له في الأصل، ووجوبه أن كان الشبه العارض للفعل قد منع منه. وما كان مقدرًا في

المعنى، كان بمنزلة المثبت في اللفظ. ويقوى ذلك إخراج الشاعر له إلى اللفظ عند الحاجة، فأنه يرده إلى ما يجب له في الأصل ولولا ذلك، لم يجز، ولم يستقم أن يحذفا له جميعًا، لأنه في الفعل يحذف شيئًا واحدًا، ولا يحذف في شيئين، فإن قلت: فقد يحذف حرفا متحركا في الفعل الذي تلحقه تثنية، الفاعلين وجمعهم، وفي المخاطب المؤنث، وذلك شيئان. فإنَّ الحركة في هذا القبيل لما كانت لإلتقاء الساكنين، كان المحذوف كأنه شيء واحد. يدلك على ذلك، حذف اللام له إذا كان حرفًا لينا، وهو حرف واحد مفرد من الحركة، فإذا كان الجزم يحذف له مفرد لم يستقم إن يحذف له شيئان لمخالفة ما يكون عليه في غير هذا الموضع. فأما إعراب هذا الضرب من الفعل، وهو الذي يلحق أوله زيادة من الزيادات الأربع، فلمشابهة الإسم. ووجهة الشبة أن لفظه وأن كانّ أصله لما كان حاضرًا فقد وقع على الآتي، وقوعه على الحاضر فصار أحدهما لا ينفصل من الآخر. كما أن رجلاً لا يدل على زيد دون عمرو. فإذا أدخلت على الإسم حرفًا خصه لبعض ما كان يدل عليه، كما أنَّ لام التعريف إذا دخلت على الإسم، خصته بغير ما كان يقع عليه، وزالت الإشاعة التي كانت قبل دخول الحرف. فهذا وجه من الشبه الذي يختص به هذا الضرب من الفعل دون أمثلة الآتي، وأمثلة الحاضر. ومن شبه هذا الضرب بالإسم دخول لام الإبتداء، عليه في حال وقوعه خبرًا، ووجه الشبه إن هذه اللام تختص بالدخول على الأسماء المبتدأة دون الأفعال، وكان حقها في هذا الوضع أيضًا أن تقع أولاً، وصدرًا، كما تقع في غير هذا الموضع، وذلك في نحو: أزيد منطلق، ولعمرو ذاهب. فكما لم يستقم إجتماع الحرفين أولاً لكونهما بمعنى واحد. والحرفان إذا كانا بمعنى واحد، لم يجز إجتماعهما آخرًا إلى الخبر من حيث كان الخبر في المعنى هو المخبر عنه، وما يؤول إلى ما هو المخبر عنه في المعنى. فدخل على هذا الضرب من الفعل من حيث كان مشابهًا له ومقارنًا. فلم يدخل على غيره

غير موجودة في الأصل المصور

وإن كانت في اللفظ قد وقعت غير صدر. يدلك على ذلك أن التقدير به التقديم، أجازه النحويون (نحو) أن زيدًا طعامك لآكل. /11 ب فلولا أنه تقدم في التقدير، لم يجز تقديم المفعول به عليه، كما لم يجز هنا. ولو قلت: أن زيدًا آكل لطعامًا، لم يجز هنا. ولو قلت: أن زيدًا آكل لطعامًا، لم يجز، لأن حكم اللام، أن تدخل على الخبر إذا كان في المعنى المبتدأ أو ما يؤول إلى ما هو هو. فإذا اقتضى الخبر، فلا مدخل لها في ما كان فضلة. وإنما دخلت عليها حيث كانت متقدمة للخبر. لأنَّ التقدير بهذا الدخول عليه، كما كان التقدير به التقديم، وعلى هذا قوله: 94 - أن أمرأ خصني عمدا مودته . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فدخلت على الفضلة حيث كان الخبر بعدها. ومما يدلك على أنَّ التقدير به التقديم قولهم: إنك لرجل صدق. فوقعت على (أن)، وصار هذا الإبدال إلى الهمزة من الفصل الموقع بينهما بالمبتدأ في المعنى، أو بالظرف، وذلك نحو: إن عندك لزيدا و (.... إن في ذلك لآية .....) وإن زيدا لقائم، فالأبدال هنا كالفصل. ألا ترى (إنما) لم تجتمع مع الحرف على الصورة التي تكون عليها في أكثر الكلام، فأما اللام فيشبه أن تكون زائدة. ومما جاء في ذلك ما أنشده أبو زيد: 95 - وأما لهنك من تذكر أهلها لعلى شفا يأس، وأن لم تيأس

وأنشد أحمد بن يحيى: 96 - ألا ياسنا برق على قلل الحمى لهنك من برق علي كريم وأما الحركة المنوية التي هي غير خارجة إلى اللفظ، فتكون من الأسماء والأفعال. فالأسماء المقدر فيها ذلك على ضربين: أحدهما أن ينوي في حرف إعرابه الحركة في حال الرفع، والجر ويظهر في حال النصب، والآخر أن ينوى في حرف إعرابه الحركات الثلاث، ولا يظهر شيء من الحركات في فعله، كما ظهر فيما قبل فمثال الأول قولك: هذا القاضي. وهذا الغازي، وبالقاضي والغازي، وكذلك العمي، والشقي، والمجعبي، وكذلك قلنسوة وقلنسي، وعرقوة، وعرقو، على شعرة، وشعير. وتقول في النصب: رأيت قاضيا، وغازيًا، وعميا، وشقيا، ومجعبيا، فتحركت في النصب بالفتحة. وتقول في الفعل: هو يغزو، وهو يرمي وكذلك يستجزى، ويستدعي، وتحركه في النصب فتقول: لن يغزو، ولن يرمي وكذلك هو يخشى، ولن يخشى، فالحركة في هذه اللامات منوية مقدرة. وكذلك هو يسلقى، ويجعبى، ويدلك على تقدير الحركة هنا، وحذفها لمجانستها حروف اللين أنها منها، وبعضها يحذف، وكرهت كما يكره اجتماع، الأمثال، والمقاربة. فيخفف، ذلك بأشياء تارة بالإدغام، وتارة بالحذف، وتارة بالقلب فكذلك الحركة فيما ذكرت لك، حذفت، وإن كانت مرادة في المعنى تحذف (في) نحو قولهم: علم أبو فلان وأحسنت. ونحو ذلك مما يدل على نية الحركة هنا، أن الشاعر إذا اضطر، أخرج ذلك، فلو أنه الأصل، ما كان ليفعل هذا، كما أنه إذا احتاج إلى تحريك الأول في المثالين (اللذين) يجتمع فيهما على الإدغام، بيِّن كقوله:

97 - يشكو الوجا من اظلل واظلل . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وكما قال: 98 - مهلا اعاذل قد جريت من خلقي إني أجود لأقوام، وأن ضننوا وكما أظهر الحركة هنا التي هي من أصل البناء للحاجة، أن تتحرك بها، وذلك قول الشاعر: 99 - ما أن رأيت، ولا أرى في مدتي كجواري يلعبن بالصحراء وقال: 100 - فيوما يوافينا الهوى غير ماضي ويوما ترى فيهنّ غولاً تغول وعلى هذا قوله: 101 - قد عجبت مني، ومن يعيليا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وعلى هذا قول الآخر في الفعل. 102 - ألم يأتيك، والأنباء تنمي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فهذا أسكنه من الضمة التي قدر حذفها للجزم، كما يحذفها من (يضرب) ونحو ذلك من الصحيح الذي تعتقبه الحركات، ولا يمتنع شيء منها أن تدخل عليه. وأما قول الآخر: 103 - إذا العجوز غضبت فطلق ولا ترضاها، ولا تملق وقول الآخر: 104 - وتضحك مني شيخة عبشمية كأن لم ترى قبلي أسيراً يمانياً (فترضاها) لا يستقيم أن تقدر فيه، ما قدرت في: (ألم يأتيك). ألا أنَّ الألف شبيهة بالياء فأجريته مجراها. وكذلك قوله: (كأن لم ترى). وبعض البغداديين يذهب في ذلك على ما حكي لي أنه حذف لام الفعل المجزم. وأن هذه الألف هي المبدلة من الهمزة، وليس هذا بالواسع على أن سيبويه قد حكى المرأة، والكماة فقياس هذا قياس لم تره في قول القائل.

والضرب الآخر هو ما ينوي في حرف إعرابه الحركات الثلاث، ولا يظهر شيء منها في حالة من أحوال الإسم فهو نحو: الرجا، والعصا، والمعلى، والمثنى، والمسرى، والمعزى، والأرطى، وحبارى، وحبلى، وقرقرى، فحرف الإعراب في هذا القبيل يكون على صورة واحدة في الرفع، والنصب، والجر، تقول: هذا المعلى، ورأيت المعلى، ومررت بالمعلى، فتستوى الصورة في الأحوال الثلاث في ظاهر اللفظ، والحركة مقدرة منوية. يدلك على ذلك إنقلاب اللامات في هذه الأشياء إلى الألف. ولولا تقدير الحركة، لم تنقلب. ألا ترى أنهم، قالوا: (الواو) و (ولي) فصحت الحروف حيث كانت في مواضع سكون، وتقول: (غزونا) و (رمينا) فتصححهما لسكونهما، ولا تقلب، كما قلبت في (غزا) و (رمى) حيث كانا في موضع حركة. وكذلك هذه/ 12 آاللامات، انقلبت إلى، الألف لكونها في مواضع الحركة، وتقدر ذلك فيها. وهذا مما يدل أن الغرض من الأسماء أن تكون معرضة للعوامل، والأخبار عنها. ألا ترى أن الحركة تجب لها بالعوامل، وأنك لا تجد لهذه الأسماء حالا تصح فيها هذه اللامات فهذا من أمر الإسم يدل على أن الغرض فيه الأخبار عنه، وما جرى مجرى الأخبار من التعريض للعوامل. وليس العصا، والرجا في هذا كغزا، ورمى، لأن الحركة في الفعل حركة بناء، وحركة الإسم حركة إعراب، والإعراب لا يكون إلا بعوامل. فالوجه فيه ما ذكرناه. فأما قولك: هو يغشى. وفي النصب، لن يغشى. فالألف في الموضعين في تقدير حركة. والحركة توجب القلب، إذا كانت ضمة، كما توجبه إذا كانت فتحة. إلا أن هذه الحروف كلها تجتمع في الحذف للجزم لمعاقبتها الحركة، فإنها من جنسها، فكما حذفت الحركات للجزم، كذلك حذفت هذه الحروف له، وما يختلف آخره بالحروف على ضربين: أحدهما أن يكون الحرف زائدًا، والآخر أن يكون الحرف غير زائد. وغير الزائد يمثله النحويون بالفاء، والعين واللام. والزائد هو النون اللاحقة

لفعل المخاطب المؤنث بعد الياء التي هي علامة لضميره، وفي فعل الاثنين والجمع المذكر، وذلك قولك: أنت تضربين، وأنتما تضربان، وأنتم تضربون. فهذه النون في دلالتها على الرفع، وكونها علامة له، بمنزلة الضمة في قولك: هو يضرب. ومن ثم حذفت حيث تحذف الضمة. ألا ترى أنك تقول: هل تضربان؟ وهل تضربن؟. فتحذف هذه النون في المواضع التي تحذف فيها الرفعة من الفعل. وتحذفها أيضًا في الجزم. وتضم النصب إلى الجزم هنا كما ضممت النصب إلى الجر في الإسم فهذا الحرف الزائد. فأما غير الزائد، فإن لامات الفعل إذا كن ياء، أو واوا، أو ألفا منقلبا عن أحدهما، لما حذفن في الجزم لمشابهتها الحركات، ومجانستها لها، صار ثباتها يدل على غير الجزم. كما صار ثبات الحركات في الأفعال المضارعة دالاً على الإعراب. فأما الألف في يخشى فإنها ثبتت في حال الرفع، والنصب. وتجرى الياء التي هي زائدة في نحو: يسلقى، مجرى هذه اللامات في الحذف للجزم. فالحذف في هذين الضربين قد جرى في كونه إعرابا مجرى الحركة، كما أجريت الحركة مجرى الحرف في غير هذا الموضع من كلامهم. وإنما كان كذلك لأن هذه الحركات وإن كان الصوت بها نقص عن الصوت بالحروف، من حيث كانت خارجة من مخارج بعض الحروف. ألا ترى أن الصوت ببعض الحروف، أزيد منه في بعض؟ ولا يخرج ما يزيد الصوت فيه على الآخر من مساواته له في أنه حرف كما أنه حرف، وفي أنه يعتد به إعتداد الأنقص الصوت. فكذلك قام الحرف مقام الحركة، كما قامت الحركة مقام الحرف. ومما جرى الحرف فيه مجرى الحركة أنَّ الإسم إذا كان ساكن الأوسط مؤنثا معرفًة، فمن العرب من يصرفه. فإذا تحرك الأوسط نحو: قدم، لم يصرفه أحد. كما أنه إذا كان على هنا وأجريت مجراه. ومما أجريت الحركة فيه مجرى الحرف، أن الإسم إذا كان على أربعة أحرف

أحدهما ساكن، كان الآخر منه ألفا فإنك إذا أضفت إليه، كنت مخيرًا في إبدال الواو من الألف، وحذفها، وذلك قولك في حبلى: حبلوي. وحبلي. وفي موسى: موسوى، وموسي فإذا كان على خمسة أحرف آخره ألف، حذفت الألف، ولم تبدل منه الواو. كما أبدلت في الباب الأول، وذلك قولك في مرامي، وحباري، مرامي وحباري ليس إلا. وكذلك لو كان الحرف على أربعة أحرف آخره ألف متتابع الحركات. تقول في جمزى وملهى: جمزيّ، ملهي. فتحذف الألف، كما حذفتها من ذوات الخمسة. فقد عودل بالحركة هنا الحرف. كما عودل بها في باب (قدم) فلما جرت الحركة مجرى الحرف في هذه المواضع، كذلك جرى الحرف مجري الحركة في ما ذكرت لك في كونه إعرابا كالحركات. فأما قولهم: لم يكن. قول من قال: لم يك (إنها أن تك مثقال حبة ...)، وحذف النون هنا فإنها حذفت في حال السكون بعد حذف الحركة للجزم لكثرة الاستعمال، حرف يشابه هذه الحروف اللينة ويجرى مجراها. ألا ترى أنهم يدغمونها كما يدغم بعضهما في بعض وتزاد في مواضع زيادتها، وتحذف لألتقاء الساكنين في نحو: (... أحد الله) و (حميد الذي أحج داره). فأبدلت منها في: رأيت زيدا. و (لنسفعا ...) وأبدلت من الواو أيضًا في: صناعني. وبهراني. ألا ترى أنها لا تخلو من أن تكون بدلاً من الهمزة، أو الواو في (صنعاني). فإن أبدلتها من الهمزة، لم يسهل ذلك لتباعد ما بينهما، وأنه لم تبدل إحداهما من الأخرى للتقارب، والتباعد، فإذا لم يستقم إبدالها من الهمزة، لذلك علمت أنها بدل من الواو التي /12 ب تبدل من الهمزة في الإضافة. فلما جرت النون مجرى هذه الحروف، شبهت بهن أيضًا ساكنة في هذا الموضع، فحذفت للجزم، كما حذفت الواو، والياء، والألف لموافقتها لهن في السكون، وكونها لاما. واللامات أضعف

من العينات، والحذف عليها أشد تسلطًا، كما أنَّ الفاءات أقوى من العينات، ألا ترى أن اللام تعتقب عليها حركات الإعراب، وضروب الإضافة، والتحريك لإلتقاء الساكنين، فحذفت هذه النون في الجزم ساكنة لهذه المشابهة. وإذا تركت، لم تحذف لزوال شبهها بهن بالحركة. ألا ترى أن هذه الحروف يغلب عليها السكون. ولا تحرك بالكسر في موضع. فلما صارت هذه النون في موضع تحرك بالكسر ما بينها فأثبتها في (لم يكن) القوم: (لم يكن الذين كفروا ....). من قال: لم يك زيد منطلقًا، فقد جاء في بعض الأشعار محذوفة، وهي في موضع حركة. أنشدوا: لم يك الحق على أن هاجه رسم دار قد تعفي ودثر فهذا إن قلت: فيه أن الجزم لحقه قبل إلحاق الساكن، وإجتماعه معه. فكأن الساكن لحق، وقد مضى الحذف في الحرف، ونظير هذا إنشاد من أنشد: 105 - فغض الطرف أنك من نمير . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . حرك الساكن الأول، فلحق الساكن الثاني، وقد مضى الحذف بالفتح للساكن الأول، فكذلك لحث الساكن، وقد مضى الحذف، في الحرف. وإن شئت، قلت: أن الحركة هنا كانت لالتقاء الساكنين لم يعتد بها، وكان الحرف في نية سكون فلما كان يحذفها ساكنة، كذلك يحذفها إذا كانت في نية سكون. فأما

حذف هذه النون، فعلى ما ذكرت لك من استعمالهم لها ساكنة، ثم حذفت للجزم هي وحدها لا للجزم، والحرف جميعا، لأن حذفه لها لا يسوغ. فأما حذف النون في التثنية والجمع، وهي متحركة، فلأنّ الحركة للساكنين، وحركة إلتقاء الساكنين في تقدير السكون. فكأنّ الحذف لحق شيئًا واحدًا. ونظير قولهم: (لم يك) في أنه حذف لحق بعد حذف قولهم: لم أبال فحذفت الياء للجزم. ثم كثر استعمالهم: (لم أبال)، فكأن الحركة حذفت للجزم، كما حذفت النون للجزم في (لم يكن)، فصار (لم أبال) فاعلم. ثم قيل: (لم أبال) في الوقف ثم حذفت الألف، لإلتقاء الساكنين، فصار (لم أبل) وزعم الخليل أنَّ قومًا يقولون. لم أبله. فهؤلاء هم الذين حذفوا الألف من (لم أبل) لإلتقاء الساكنين. ثم حركوا اللام بالكسر بإلتقاء الساكنين. إنها وهي الهاء، ولم يردوا الألف المحذوفة لإلتقائهما. وإن حركت الساكن الذي من أجله حذفت الساكن الأول، لأن حركته لإلتقاء الساكنين. وكذلك كان ينبغي أن يكون ما أنشده أبو زيد: 106 - أيها فداء لك يا فضاله ... أجره الرمح ولا تهاله كان القياس أن لا ترد الألف، كما يردون في (لم أبله)، وردها ضعيف، لكون الحركة لإلتقاء الساكنين. ألا ترى أن قياس هذا أن تقول: نومي الليل وهذا لا يقال. ويضعفه أيضًا قولهم: رمت المرأة. فلم يردوا اللام مع تحرك الساكن الذي من أجله حذفت. فكذلك كان قياس هذا. إلا أنه جعل الحركة غير اللازمة لإقامة الوزن والقافية. وقد قالوا مع ذلك: (ريا) فأدغموا. ونظير هذا في الضعف قول الآخر:

107 - له متنتان خظاتا كما ... اكبَّ على ساعديه النمر رد اللامَّ كما رد الأول (العين) للضرورة، ولا تقول: بغت المرأة، ونحوه في الكلام إلا بالحذف، وترك الإعتداد بالحركة. وقد يمكن في هذا أن يكون حذف نون التثنية للضرورة، فلا يكون الألف علامة للضمير، وتكون كقول الآخر: 108 - إبني كليب أنَّ عميَّ اللذا. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فكما لا يكون هذا إلا علي حذف النون، كذلك يجوز أن يكون ما في البيت الآخر على حذف النون، وقد كان أبو بكر أجازه مرة في قول الشاعر: 109 - قد سالم الحيات منه القدما. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . أن تكون القدمان فاعلتين، وحذف النون، كما حذفت في ما ذكرت لك، وهذا غير ممتنع. (تمت المسائل العسكريات بحمد الله وعونه، وكان الفراغ منها في يوم السبت العاشر من شهر جمادي الآخرة من سنة خمس عشرة وستمائة، على يدى العبد الشعيف المقر بذنبه، الراجي عفو ربه، أحمد بن تميم بن هشام اللبلي، بمدينة السلام المحروسة، على الأصل المنقول منه بخط إبن بلبل، وكان فيه إسقاط كلمات، وتصحيف مواضع، أصلحت في نسختي هذه بعضها، وقت كتابتها، وعلمت على الباقي إلى الفراغ، إلى معاودة النظر فيها، إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، والصلاة على محمد وآله).

§1/1