المنازل والديار

أسامة بن منقذ

المنازل والديار

المنازل والديار أسامة بن منقذ تحقيق مصطفى حجازي بسم الله الرحمن الرحيم قال أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني - غفر الله له، ولجميع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -: "الحمد لله وإن تنقلت بنا الدنيا تنقل الظلال، وتقلب بنا الدهر من حال إلى حال، وعفت رسوم آثارنا، واستولت يد الاعتداء على ديارنا، وتصدع شملنا أيدي سبا، وتشعبت بنا سبل المذاهب، وأخنت الحوادث على معشري وآلي، وأفنى الموت أسودي وأشبالي، كل ذلك بقدر جرى به القلم في القدم، وقضاء سبقت به المشيئة قبل الخروج إلى الوجود من العدم، ألقى ما سر من ذلك وساء بالتسليم والرضا، وافوض إليه جل وعلا فيما قدر وقضى، واقر بأن ابتلاءه بعدله، ومعافاته بفضله، وأرجو من رحمته أن يكون ذلك كفارة لذنوب سلفت، وموعظة دعت عن المعاصي وصرفت، وأن ما نالنا من الدنيا وآفاتها، بذنوب اقترفناها فرحمنا بتعجيل مكافاتها، وصلى الله على رسوله الأمين، محمد خاتم النبيين، الذي وصفه في كتابه الكريم، فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم) وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه البررة المتقين، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، صلاة دائمة إلى يوم الدين. وبعد: - جعلك الله بنجوة من النوائب، وأصفى لك الحياة من كدر الشوائب، ولا راعك بحادثة تنسى ما قبلها، وتصغر ما بعدها، وتفتح من النكبات أبواباً لا تستطيع سدها - فإني دعاني إلى جمع هذا الكتاب، ما نال بلادي وأوطاني من الخراب؛ فإن الزمان جر عليها ذيله، وصرف إلى تعفيتها حوله حيله، فأصبحت "كأن لم تعن بالأمس" موحشة العرصات بعد الأنس، قد دثر عمرانها، وهلك سكانها، فعادت مغانيها رسوماً، والمسرات بها حسرات وهموماً، ولقد وقفت عليها بعدما أصابها من الزلازل ما أصابها، وهي "أول أرض مس جلدي ترابها"، فما عرفت داري، ولا دور والدي وإخوتي، ولا دور أعمامي وبني عمي وأسرتي، فبهت متحيراً مستعيداً بالله من عظيم بلائه، وانتزاع ما خوله من نعمائه. ثم انصرفت فلا أبثك حيبتي ... رعش القيام أمس ميس الأصور وقد عظمت الرزية حتى غاضت بوادر الدموع، وتتابعت الزفرات حتى أقامت حنايا الضلوع، وما اقتصرت حوادث الزمان على خراب الديار دون هلاك السكان، بل كان هلاكهم أجمع، كارتداد الطرف أو أسرع، ثم استمرت النكبات تترى، من ذلك الحين وهلم جرا، فاسترحت إلى جمع هذا الكتاب، وجعلته بكاء للديار والأحباب، وذلك لا يفيد ولا يجدي، ولكنه مبلغ جهدي، وإلى الله عز وجل أشكو ما لقيت من زماني وانفرادي من أهلي وإخواني، واغترابي عن بلادي وأوطاني: لو كانت الأحلام ناجتني بما ... ألقاه يقظان لأصماني الردى وإليه - عز وجل - أرغب في أن يمن علي وعليهم بغفرانه، ويعوضنا برحمته في دار رضوانه، إنه لا يرد دعاء من دعاه، ولا يخيب رجاء من رجاه. وقد جعلت هذا الكتاب فصولاً؛ فافتتحت كل فصل بما يوافق حالي، ثم أفضت فيما يوافق ذا القلب الخالي، ليلا يأتي الكتاب وهو كله عويل ونياحة، ليس فيه لسوى ذي البث راحة، على أن رزايا الدنيا كالأجل؛ تمهل ولا تمهل، فإن تولت اليوم فغداً تقبل: فما أحد من ريبهن سليم وتتبع هذا المعنى صعب وحصره لا يمكن، وقد أوردت منه ما يبرد اللوعة، ويسكن الروعة، والعذر إلى من وقف عليه مبذول، وهو عند الكرام مقبول. فصول الكتاب 1- فصل في ذكر المنازل 2- فصل في ذكر الديار 3- فصل في ذكر المغاني 4- فصل في ذكر الأطلال 5- فصل في ذكر الربع 6- فصل في ذكر الدمن 7- فصل في ذكر الرسم 8- فصل في ذكر الآثار 9- فصل في ذكر المساكن والمحل والمعاهد والأعلام والمعالم والعرصات 10- فصل في ذكر الأرض 11- فصل في ذكر الأوطان 12- فصل في ذكر المدن 13- فصل في ذكر البلاد 14- فصل في ذكر الدار 15- فصل في ذكر البيت 16- فصل في ذكر بكاء الأهل والإخوان 1- فصل في ذكر المنازل عن ابن أبي مريم قال: مررت بسويقة عبد الوهاب وقد خربت، وعلى حائط. منها مكتوب: هذي منازل أقوام عهدتهم ... في خفض عيش وعز ماله خطر صاحت بهم نائبات الدهر فانقلبوا ... إلى القبور، فلا عين ولا أثر وقال الأسود بن يعفر:

ماذا أرجى بعد آل محرق ... درست منازلهم، وبعد إياد أهل الخورنق والسدير وبارق ... والقصر ذي الشرفات من سنداد جرت الرياح على محل ديارهم ... فكأنما كانوا على ميعاد فإذا النعيم وكل ما يلهى به ... يوماً يصير إلى بلى ونفاد ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة ... في ظل ملك ثابت الأوتاد وقال بشر بن أبي خازم: أي المنازل بعد الحول تعترف ... أم هل صباك وقد حكمت منصرف؟! أم ما بكاؤك في دار عهدت بها ... عهداً، فأخلف، أم في أيها تقف؟! كأنها بعد عهد العاهدين بها ... من الذنوب وخرمى واحف صحف (الذنوب، وخر ما واحف) : مواضع أضحت خلاء قفاراً لا أنيس بها ... إلا الجوازي والظلمان تختلف فأصبحوا بعد نعماهم بمبأسة ... والدهر يخدع أحياناً فينصرف قوله: يخدع، أي يخالف ما تريد، يقال للرجل إذا وعد ثم أخلف: خدع، وإذا أطلع الضب رأسه ثم أدخله يقال: خدع الضب، وخدع الريق، إذا تغير وفسد، وخدعت السوق؛ إذا كسدت، وقوله: "فينصرف" أي ينقلب ويحول. تبكي لهم أعين من شجو غيرهم ... وإن بكى لهم باك فقد لهفوا (لهفوا) : أي الحق ذلك وقال ابن أبي طاهر: يا منزلاً لعب الزمان بأهله ... طوراً يفرقهم، وطوراً يجمع أين الذين عهدتهم بك مرة ... كان الزمان بهم يضر وينفع أصبحت تفزع من رآك، وطالما ... كنا إليك من الحوادث نفزع أيام لا أغشى لأهلك مربعاً ... إلا وفيه للمسرة مربع لهفي عليك، لو أن لهفاً ينفع ... أو أن دهراً راحم من يجزع ما كان ذاك العيش إلا خلسة ... خطفاً كرجع الطرف أو هو أسرع وقلت: يا ليت أن ديارنا كانت كذا ... طوراً تفرقنا وطوراً تجمع لكنها درست وأوحشها الردى ... من أهلها فهي القفار البلقع لا يرتجى لهم إياب جامع ... لشتاتهم حتى يضم المجمع وقال عبد الله بن الزبعري في العاص بن وائل: وأصبحت المنازل وهي قفر ... مخلاة عليهن القتام كأن الناس بعدك نظم سلك ... تقطع لا يقوم له نظام وقال المتنبي أبو الطيب أحمد بن الحسين: أبنى أبينا نحن أهل منازل ... أبداً غراب البين فينا ينعق نبكي على الدنيا وما من معشر ... جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا أين الأكاسرة الجبابرة الأُلى ... جمعوا الكنوز فما بقين ولا بقوا من كل من ضاق الفضاء بجيشه ... حتى توى فحواه لحد ضيق خرس إذا نودوا، كأن لم يعلموا ... أن الكلام لهم حلال مطلق وقال البحتري: وما أهل المنازل غير ركب ... مناياهم رواح وابتكار لنا في الدهر آمال طوال ... نرجيها، وأعمار قصار وقال أيضاً: يا منزلاً نسجت له أيدي الصبا ... من حوكهن سبائباً وبروداً هل كنت إلا منزلاً عمدت له ... عقب الزمان فغادرته عميداً؟! وقال أيضاً: قفا نعط المنازل من جفون ... لها في الشوق أحشاء غزار عفت آياتهن، وأي ربع ... يكون له على الزمن الخيار؟! وقال أبو تمام، حبيب بن أوس الطائي: يا منزلاً أعطى الحوادث حكمها ... لا مطل في عدة ولا تسويفا أرسى بناديك الندى وتنفست ... نفساً بعقوتك الرياح ضعيفا شعف الغرام بعقوتيك، وربما ... روت رباك الهائم المشعوفا ولئن نرى بك ملقياً أجرانه ... ضيف الخطوب، لقد أصاب مضيفا وهي الفجائع لم تزل نكباتها ... يألفن ربع المنزل المألوفا خلفت بعقوتك الشؤون وطالما ... كانت بنات الدهر عنك خلوفا أيام لا تسطو بأهلك نكبة=إلا تراجع صرفها مصروفا وقال أيضاً: وأبى المنازل إنها لشجون ... وعلى الصبابة إنها لتبين فاعقل بنضو الدار نضوك نقتسم ... فيها الصبابة: مسعد، ومعين لا تمنعني وقفة أشفى بها ... داء الصبابة إنها ماعون واسق الأثافي من شؤونك ريها ... إن الضنين بدمعه لضنين وقال أبو نواس الحسن بن هانئ: عفا المصلى فأقوت الكثب ... مني فالمربدان فاللبب

فالمسجد الجامع المروءة والمج ... د عفا فالصمان فالرحب منازل قد عمرتها زمناً ... حتى بدا في عذارى الشهب في فتية كالسيوف هزهم ... شرخ شباب وزانهم أدب ثم أراب الزمان فاقتسموا ... أيدي سبا في البلاد فانشعبوا لن يخلف الدهر مثلهم أبداً ... علي، هيهات شأنهم عجب! وقال البحتري: فيء إليك، فقد تخون أسرتي ... حتف الردى وتحامل النكبات تلك المنازل ما تمتع واقفاً ... بزهى الشخوص، ولا وغى الأصوات ولن تخلف الأيام لي بدلاً بهم ... أيهات من بدل بهم أيهات ومعيري بالدهر يعلم في غد ... أن الحصاد وراء كل نبات وقال كاسب بن غياث أحد بني حن: هل منزل دارس يبين ... سؤال من ما له معين؟! أقوى وأودت به الليالي ... وصرف دهر له فنون فما بربعيه من أنيس ... كأن من فيه لم يكونوا صاح بمن حله زمان ... واخترمتهم به المنون فكل عهد لهم محيل ... وكل ربع لهم دفين سوى الذي حل في فؤادي ... من حبهم فهو لا يبين وكل حي إلى افتراق ... تشعبهم نية شطون وقال آخر: دعني وتسكاب دمعي في منازلهم ... فللشؤون ولي من بعدهم شان أحبابنا ما الديار اليوم بعدكم ... تلك الديار ولا الأوطان أوطان! وقال القاضي أبو المجد محمد بن عبد الله بن سليمان رحمه الله: يا معشر الأحباب قد ... أضحت منازلهم قبورا كنت الصغير فليتني ... لم أدع بعدهم كبيرا عن زنام الزامر قال: لما اشتد بالمعتصم المرض - في مرضه الذي مات فيه - أفاق في بعض الأيام، فقال: هيئوا لي الزلال؛ لأركب فيه في دجلة غداً، فعملوه، فركب وركبت معه، فمر في دجلة بإزاء منازله، فقال: يا زنام ازمرلي: يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشا لأطلالك أن تبلى لم أبك أطلالك، لكنني ... بكيت عيشي فيك إذ ولى والعيش أولى ما بكاه الفتى ... لا بد للمخزون أن يسلى قد كان لي فيك هوى مرة ... غيره الدهر وما ملا فما زال ينتحب حتى عاد على منزله. مات المعتصم رحمه الله لثماني عشرة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين. وحدثني من أثق به، أنه لما وقع بمصر الغلاء العظيم في أيام المستنصر بالله، واستولت كتامة والجند على الدولة، واستنفدوا ما في الخزائن من الأموال، وتضعضعت الدولة، أمر المستنصر بإحضار ابن الجوهري الواعظ، فحضر، ونصب له كرسي، فلما صعد على الكرسي تلفت يميناً وشمالاً على نواحي القصر، ثم أنشد: يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشا لأطلالك أن تبلى الأبيات، فارتفع البكاء والضجيج في القصر، وما زاد على ذلك، يستعاد منه ويكرره حتى انقضى المجلس. وقال آخر: أحب منازل الأحبا ... ب إن غابوا وإن حضروا وأسقيها دموع العي ... ن إن لم يسقها المطر بقدر كرامة الأحبا ... ب يكرم بعدها الأثر ولولا راحة الشكوى=لكان القلب ينفطر وقال آخر: أيا منزلاً بالدير أصبح خالياً ... تلاعب فيه شمال ودبور كأنك لم تسكنك بيض نواعم ... ولم تتبختر في فنائك حور وأبناء أملاك كرام وسادة ... صغيرهم بين الأنام كبير إذا لبسوا أدراعهم فضراغم ... وإن لبسوا تيجانهم فبدور وقال الحارث بن شداد، أخو بني كعب بن عمرو: إلى الله أشكو ما أرى من عشيرتي ... وما كنت فيما قد مضى استزيدها تذكرنيهم وحدتي، ومنازل ... سواء علينا رثها وجديدها أرى الناس راعوا للديار وللحيا ... وكعب بن عمرو لا يريع شريدها أنشدني الخطيب العالم قدوة الشريعة "أبو زكريا يحيى بن سلامة الحصكفي - حرمه الله - عند اجتماعي به بميافارقين في سنة سبع وعشرين وخمسمائة لبعض أهل المعرة، وقد اجتاز بقرية من أعمال المعرة يقال لها: "سياث" وفيها علوج من الإفرنج يهدمون من جدرانها الحجارة، ويكسرونها بالمعاول؛ ليخف عليهم حملها، فوقف كالمتأسف، وقال: مررت بربع من سياث فهاجني ... بها زجل الأحجار تحت المعاول تصدى لها عبل الذراع، كأنما ... جنى الدهر فيما بينهم حرب وائل

فقلت له: شلت يمينك خلها ... لمستخبر أو واقف أو مسائل منازل قوم حدثتنا حديثهم ... ولم أر أجلى من حديث المنازل وقال آخر: إذا أنت لم ترع العهود لمنزل ... فلست براع عهد أهل المنازل ولا سيما دار ولدت بربعها ... وكنت بها جذلان في خير آهل وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: هاج ذا القلب منزل ... بالبليين محول غيرت آيه الصبا ... وجنوب وشمأل فلئن بان أهله ... لبما كان يؤهل قد أرانا بغبطة ... فيه نلهو ونجذل وقال جرير بن عطية بن الخطفي: ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأقوام ضربت معارفها الروامس بعدنا ... وسجال كل مجلجل سجام ولقد أراك ... وأنت جامعة الهوى يثنى بعهدك خير دار مقام فإذا أتيت على المنازل باللوى ... فاضت دموعي غير ذات نظام وقال أبو حية النميري: ألا حييا قصراً رسوم المنازل ... بسلان سلمانين أو ميث عاقل خلت من أنيس صالحين فأصبحت ... مراداً لوحدان النعاج الخواذل بما قد أرى الحي الجميع بغبطة ... بها، والنوى قطاعة للوسائل وقال أيضاً: أأبكاك رسم المنزل المتقادم ... بأمراش أقوى من حلول الأخارم (أمراش) : موضع: فأمرت به عيناك لما عرفتها ... بمبتدر نظم الفريدين ساجم لعرفانك الربع الذي صدع العصا ... به البين صدعاً ليس بالمتلائم فقد كنت أدرى أن للبين صيحة ... على الحي في يوم لنفسك ضائم وقال الراعي، وهو عبيد بن حصين النميري - وكان قومه ارتحلوا، فصار بعضهم إلى العراق، وبعضهم إلى الشام: تذكرت فاستبكاك رسم المنازل ... بقارة أقوى أو بسوقة حائل خلت من جميع ساكن وتبدلت ... ظباء السليل بعد خال وجامل ذكرت بها من لن أبالي بعده ... تفرق حي في النوى متزايل وإن امرأ بالسيف أكبر همه ... وبطنان ليس الشوق عنه بغافل وقال جرير بن عطية: شعفت بعهد ذكرته المنازل ... وكيف تناسى الحلم والشيب شامل لعمرك لا أنسى ليالي منعج ... ولا عاقلاً، إذ منزل الحي عاقل فيا حبذا أيام يحتل أهلها ... بذات الغضا والحي في الدار آهل وإذ نحن أُلافٌ لدى كل منزل ... ولم تتفرق للطيات الحمائل وقال أيضاً: حي المنازل إذ لا نبتغي بدلاً ... بالدار داراً، وبالجيران جيرانا نهدي السلام لأهل الغور من ملح ... هيهات من ملح بالغور مهدانا أحبب إلي بذاك الجزع منزلة ... بالطلح طلحاً وبالأعطان أعطانا روى أن أبا عمرو بن العلاء - رحمه الله - غاب عن البصرة عشرين سنة، ثم عاد فجلس مجلسه في الجامع، ففقد إخوانه وأصحابه الذين كانوا يقعدون إليه، فبكى، وأنشأ يقول: يا منزل الحي الذي ... ن تفرقت بهم المنازل أصبحت بعد عمارة ... قفرا تهب بك الشمائل فلئن رأيتك موحشا ... فبما رأيت وأنت آهل وقال عدي بن الرقاع العاملي: هل أنت منصرف فتنظر ما ترى ... أبقى الحوادث من رسوم المنزل؟! دار بإحدى الرجلتين كأنها ... قد عفيت حججاً، ولما تحلل فسقيت من دار ... وإن لم تسمعي أصواتنا قطر الربيع المسبل قد كان أهلك مرة لك زينة ... فاستبدلوا بدلاً ولم تستبدلي فابكي إذا بكت المنازل أهلها ... معذورة، وظلمت إن لم تفعلي أهلاً كراماً لن يحلك مثلهم ... في ذا الزمان ولا الزمان المقبل وقال أيضاً: لمن المنازل أقفرت بعباء؟ ... لو شيت هيجت الغداة بكائي لولا التجلد، واعترافي أنه ... لا قوم إلا عقرهم لفناء لرثيت أصحابي الذين توجهوا ... ودعوت أخرس لا يجيب دعائي وفراق ذي حسب وروعة فاجع ... داويته بتجمل وعزاء ليرى الرجال الشامتون صلابتي ... وأكف ذاك بعفة وحياء وقال البحتري: منازل أضحت للرياح منازلاً ... تردد فيها بين نؤي ورمدد شجدت صاحبي أطلالها فتهللت ... مدامعه فيها، وما قلت: أسعد

وقلت لعيني في المنازل عبرة ... من الشوق لم تملك بصبر فتردد وقال أيضاً: سألت الغوادي ملحفاً في سؤالها ... وناشدتها في سقى برقة ثهمد منازل ما أبقى البلى من عراصها ... سوى أرسم معفوة الآى همد وقال آخر: تزافر صحبي يوم ذي الأثل زفرة ... تذوب قلوب من لظاها وأضلع منازل لم تسلم عليهن مقلة ... ولا جم بعد البين فيهن مدمع فدمع على رسم الديار مفرق ... وقلب على أهل الديار مروع وقال عبيد الله بن قيس الرقيات: يا سند الظاعنين من أحد ... حييت من منزل ومن سند ما إن بمثواك غير راكدة ... سفع وهاب كالفرخ ملتبد استبدلت بالظباء والبقر العي ... ن خلاف العقائل الخرد فساخط أنت أم رضيت بما اس ... تبدلت بالحي بعدهم فقد بدلت غير الرضا وشط بهم عن ... ك صروف المنون والأبد وقال الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضوان الله عليهم -: أعلى العهد منزل بالجناب ... كان فيه متى أردت طلابي؟! المغاني تلك المغاني فهل في ... هن ما قد عهدت من إطرابي؟ ليست الدار بعد أن توحش الد ... ار نوى غير جندل وتراب فإذا لم يعد حنيني على الدا ... ر حبيباً فليس يغني انتحابي وقال الشريف نظام الملك أبو الحسن على الفاطمي، أحد شعراء الدولة بمصر - إذ أنا بها - ويعرف بالأخفش: أحبابنا لم تذق عيناي مذ بعدت ... عني منازلكم غمضاً ولا وسنا ولا وجدت لقلبي من يسر به ... ولم تر العين شيئاً بعدكم حسنا وقال البكاء - واسمه أرطاة بن كعب (جاهلي) : لمن المنازل قد عفون سنينا ... أقفرن بعد تحدد وبلينا بقنان ودعة والبقيل تغيرت ... بعدي تحن بها الرياح حنينا وبدارة السلم التي شوقتها ... دمن يظل حمامها يبكينا ما كنت أول من تفرق شمله ... ورأى الغداة من الفراق يقينا وقال الرماح بن ميادة، وميادة أمه سندية، وأبوه الأبرد بن ثوبان بن سراقة بن سلمى، ابن ظالم: منازل أما أهلها فتحملوا ... فساروا، وأما خيمها فمقيم كأني بها لما عرفت رسومها ... ثقيل لدى أيدي الرقاة سليم ولم تر عيني مربعاً مثل مربع ... بذي العش لو أن النعيم يدوم وقال عباس بن كبير بن جابر بن عمرو بن غيظ بن السبد: سقى الصفرات العفر حول تبالة ... إلى رحب بالوشم غيث مطبق منازل من حيي ذؤيب بن مازن ... وغيظ وكعب قبل أن يتفرقوا عصائب في بر البلاد وبحرها ... فمنهم شآم غائر ومشرق ديار من الحي الذين رماحهم ... معاقل في الهيجا وبالوتر تسبق عظام مقاريهم جماع فدورهم ... يد الدهر تنتاب النهار وتطرق بهم تتقى الحرب العوان وفيهم ... حفاظ على جل الأمور ومصدق عن سنان بن يزيد الديلمي قال: كنت مع مولاي جرير بن سهم التيمي، وهو يسير أمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - إلى الشام، فلم انتهى إلى مدائن كسرى، وقف مولاي ينظر، ثم تمثل: جرت الرياح على محل ديارهم ... فكأنما كانوا على ميعاد الأبيات التي تقدمت للأسود بن يعفر، فقال له علي - رضوان الله عليه -: أي شيء قلت؟ فأنشده الشعر، فقال: هلا قلت: "كم تركوا من جنات وعيون" ثم قال: يا ابن أخي إن هؤلاء كفروا النعم، فحلت بهم النقم، فإياكم وكفر النعم، فتحل بكم النقم. وقال الشريف البياضي: مالي أعلل نفسي بالوقوف على ... منازل أقفرت منكم وأطلال؟! وأبتغي البرء منها وهي بالية ... هيهات! كيف يداوي بالياً بال؟! وقال آخر: يذكرني لمع البروق منازلي ... بنجدٍ وأهليها، فأضنى بها وجدا وهذي النوى حكم من الله نازل ... وما كنت ممن يستطيع له ردا وقال الأقرع بن معاذ: حي المنازل بين حمة فاللوى ... إن كنت مشتغلاً بهن عميدا يا برق حمة ما فعلت على البلى ... لا زلت يصحبك الغمام سديدا فلئن بكيت لأبكين صبابة ... ولئن صبرت لأصبرن جليدا

وقال عبيد الله بن قيس الرقيات: ما هاج من منزل بذي العلم ... بين لوى المنجنون فالسلم لم تبق منه الرياح معلمة ... إلا بقايا الثمام والحمم وقفت بالدار ما أبينها ... إلا إدكاراً، توهم الحلم بادت وأقوت من الإنيس كما ... أقوت محاريب دارس الأمم واستبدل الحي بعدها إضماً ... هيهات غمر الفرات من إضم قيل لأعرابية أصيبت بابنها: ما أحسن عزاءك! قالت: إن فقدي إياه أمنى كل فقد سواه، وإن مصيبته هونت على المصائب من بعده، ثم قالت: من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر كنت السواد لناظري ... فعليك يبكي الناظر ليت المنازل والديار ... حضائر ومقابر كان الرقاشي يجتمع إليه جماعة من أصحابه وإخوانه يتحدثون ويتذاكرون، فغاب في بعض أحواله، ثم رجع بعد مدة، فوجد بعضهم قد مات، وبعضهم قد غاب، فوقف على مجلسهم وبكى، وقال: لولا التطير قلت غيركم ... ريب الزمان فخنتم عهدي درست منازل كنت آلفها ... من بعدكم، وتغيرت بعدي وقال أبو العلاء (أحمد بن عبد الله) بن سليما المعري: أعفى المنازل قبر يستراح به ... وأفضل اللبس فيما أعلم الكفن؟ إن الذين على وجه الثرى وطئوا ... يشابهون أناساً في الثرى دفنوا وقال آخر: دعني وتسكاب دمعي في منازلهم ... فللشؤون ولي من بعدهم شان أحبابنا ما الديار اليوم بعدكم ... تلك الديار، ولا الأوطان أوطان وقال آخر: أبكى إلى الشوق أن كانت منازلكم ... بجانب الغرب خوف القيل والقال أقول: بالخد خال حين أذكره ... خوف الرقيب، وما بالخد من خال وقال مهيار: يا منزلاً لعبت به أيدي البلى ... لعب الشكوك، وقد بدا بتيقن إما تناشدني العهود فإنها ... خيست فكانت بين ذخر المقتنى نفض الصبي أوراقه، وأعادني=خوط اليراعة، كيف تغمز تنحني إني لأعلم قبل فضى ختمه=ما في كتاب بالمشيب معنون وقال آخر: أمزمعة للبيت ليلى ولم تمت ... كأنك عما قد أظلك غافل؟! ستعمل إن شطت بهم غربة النوى ... وزالوا بليلي أن لبك زائل وأنك مسلوب التصبر والأسى ... إذا بعدت ممن تحب المنازل وقال آخر: تطوى المنازل عن حبيبك دائباً ... وتظل تبكيه بدمع ساجم ألا أقمت ولو على جمر الغضا ... قلبت، أوحد الحسام الصارم؟! كذبتك نفسك لست من أهل الهوى=تشكو الفراق وأنت عين الظالم؟ قلت: لي على من تقدم ذكره من الشعراء فضل المزية؛ إذ كنت دونهم صاحب الرزية فكان شعري أولى أني قدم على أشعارهم، وإن قصرت بي البلاغة عن اقتفاء آثارهم، لكن للمتقدم السبق، وهو بالتقدمة أولى وأحق، وإن كنت وهم كما قال ذر لأبيه: يا أبه. مالك إذا تكلمت أبكيت الناس، وإذا تكلم غيرك لم يبكهم؟ قال: يا بني. ليست النائحة المستأجرة كالثكلى. وأنا ذاكر شيئاً من شعر أخي - رحمه الله - وشعري مما يدخل في هذا الفصل: قال أخي عز الدولة أبو الحسن علي بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ - رضي الله عنه -: يا منزلاً لعب البلى برسومه ... شعفاً ببهجته فليس يريم لا تبعدن وجاد ربعك وابل ... يروى ثراك أتيه ويسيم فاسق الربوع من الدموع سجالها ... إن الرسوم لها عليك رسوم وقال أيضاً: سل المنازل عمن كان يسكنها ... من الأحبة والإخوان ما صنعوا؟ تخبرك وعظاً بلا لفظ فقد نظرت ... آمالهم والمنايا كيف تصطرع وهكذا بعد نفخ الصور خاوية ... تضحى المنازل أعلاهن متضع بنى أبي إن عدا دهر ففرقنا ... فهم نفسي بكم ما عشت مجتمع نزحتم أدمعي حتى لقد محلت ... جفون عيني، ومات اليأس والطمع وإن دهراً رمى عن جيده درراً ... أمثالكم لزمان عاطل ضرع وقال أيضاً: يا منزلاً أضحى كجسمي بالياً ... حزن القلوب، وحسرة للناظر لي كل يوم في ربوعك زفرة ... يرمى لظاها بالشرار الطائر غربت شموسك والذين عهدتهم ... بك في ملمات الزمان الغابر فعليهم مني سلام نشره ... متضوع كثنائهم في الحاضر

قلت: كان رحمه الله تأخر عنا، وخرجت أنا وأخواي إلى دمشق، ثم إلى مصر، فكان يتأسف لبعدنا عنه، وخلو منازلنا منا. وهذا شيء من شعري في هذا المعنى، بعد ما أصابنا من الزلازل ما أصابنا، قلت: إلى الله أشكو روعتي لمنازل ... خلت، وجوى قلبي لأهل المنازل سيوفي إذا ما نازلتني ملمة ... حصوني إذا خفت الردى ومعاقلي مضوا سلفاً قبلي فلم أحظ بعدهم ... من العيش والعمر الطويل بطائل وقلت: هذي منازلهم عفت وتفرقوا ... فسل المنازل عنهم ماذا لقوا؟! تخبرك أن الأرض قد وارتهم ... وأبت لهم أن يسمعوا أو ينطقوا وبقيت بعدهم لهم فادح ... وكآبة تضنى، وخطب يطرق أرجو اللحاق بهم، ودون لحاقهم ... باب من الأجل المؤقت مغلق فإذا نهاني عن رجاء لقائهم=يأسى هفا قلب إليهم شيق وقلت: قل للذي فقد الأحبة وانثنى ... يسقى منازلهم دموعاً تسجم: ماذا وقوفك في الديار مسائلاً ... عن أهلها، ومتى يجيب الأبكم؟! سل عنهم صرف الزمان فإنه ... بهم من الدار المحيلة أعلم أفناهم ريب المنون، وهذه ... آثارهم عظة لمن يتوسم هي شيمة الأيام: كف تبتنى ... مذ كانت الدنيا وكف تهدم وإذا رأيت محسدين فقلما ... ترجيهم الأيام حتى يرحموا وترى تقلب هذه الدنيا بنا ... وكأننا فيها سكارى نوم وقلت: يعنفني في الدار صحبي على البكا ... فيا ويح قلبي من خلي وجاهل؟ وقالوا: أتبكي للمنازل؟ قلت: لا ... ولكنما أبكى لأهل المنازل وقلت: حيي ربوعك من ربى ومنازل ... ساري الغمام بكل هام هامل وسقتك يا دار الهوى بعد النوى ... وطفاء تسفح بالهتون الهاطل حتى تروض كل ماح ما حل ... عاف، وتروى كل ذاو ذابل أبكيك، أم أبكى زماني فيك، أم ... أهليك، أم شرخ الشباب الزائل ما قدر دمعي إن تقسمه الجوى ... والوجد بين أحبة ومنازل؟ أنفقته سرفاً وهأنا ماثلٌ ... في ماحلٍ أبكى بجفن ما حل وإذا فرغت إلى العزاء دعوت من ... لا يستجيب، ورمت نصرة خاذل وقلت: أنظر منازل آل منقذ إنها ... عظمة اللبيب، وعبرة للناظر كانوا بها في نعمة محروسة ... بمكارم وذوابلٍ وبواتر ما رامها ملك ولا ذو قدرة ... إلا انثنى عنها بقلب طائر متلهفاً ما اسطاعها، ومن الذي ... يلج العرين على الهزبر الخادر؟! فأصابها قدر فأهلك من بها ... وأعاد شامخها كرسم داثر فإذا ذكرتهم عرتني حسرة ... تمرى سحائب دمعي المتبادر وقلت: يا منزلاً كان فيه العز مقترنا ... بالسيف، والمال مقروناً إلى الكرم من خاف جوراً وعدماً ثم لاذ به ... لاقى الأمانين من جور ومن عدم أفنت حماتك أحداث الزمان، فيا ... لله من فتكها بالأسد في الأجم! أعيت مناواتهم غلب الملوك إلى ... أن جاءهم قدر قد خط بالقلم "فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم" ... كأن ما خولوه كان في الحلم ولم تدع منهم إلا حديثهم ... كما تحدث عن عاد وعن إرم فيا لقلبي لأحزان أكاتمها ... عليهم، ولدمع غير مكتتم! وقلت: غاضت دموعي في المنازل وارعوى ... صبري، وراجعني الرقاد النافر إن لم أسح بها سحائب أدمع ... ينجاب خشيتها الغمام الباكر أأحمل الأطلال منة عارض ... وسحاب دمعي مستهل ماطر؟! إني إذن بشؤون عيني باخل ... وبعهد من سكن المنازل غادر وقلت: إن لم تطيقا يوم رامه ... أن تسعدا، فذرا الملامه عنفتماني أن وقف ... ت بمنزل أقضى ذمامه وشكوتما ... من وقفة فيه الكلالة والسآمه هو منزل الأحباب لم ... يدع البلى إلا رمامه وعلى حق أن تصافح سحب أجفاني رغامه وأبيكما لأروي ... ن ولو بسح دم أوامه فإلام لومكما؟ أفي ... رعي العهود على آمه؟! وقلت: هذي منازلهم وأن ... ت بهم معنى مغرم فاسفح دموعك في ثرا ... ها أو يمازجها الدم

فصل آخر في ذكر المنال

واسأل بهم صرف الزما ... ن فإنه هو أعلم يخبرك أن القوم قد ... قدموا على ما قدموا وغدا نخيم حيث حل ... لوا في القبور وخيموا وقال مهيار: أنظر معي، فهي نظرة أمم ... أعلم السفح ذلك العلم؟! أنت بريء مما تشبهه الع ... ين، وطرفي بالدمع متهم يطربني اليوم للمنازل ما أس ... أر عندي أيامها القدم ويطبيني ... على فصاحة شك واي إليها ربوعها العجم على يا دار جهد عيني وما ... على عار أن تبخل الديم لك الرضا من جمام أدمعها ... أو دمها إن سقى ثراك دم وقال أيضاً: لها منزل بالغور بين مفدن ... مشيد ومنشور البساط مروض حبست به أبغي الحياة لقاتلي ... غراماً، وأدعو بالشفاء لممرضي رأت شيبة ما صرحت لعوارضي ... فصرح بالهجران كل معرض وقالت: أشيخ؟ قلت: كهل، فأطرقت ... وقالت: أمام الشيب إنذار منبض نبا عنك بعد الشيب قلبي وناظري ... ومن أين يصفو أسودان لأبيض؟! فصل آخر في ذكر المنال السابق إلى بكاء المنازل امرؤ القيس بن حجر - واسمه حندج، والحندجة: القطعة الصغيرة من الرمل - بقوله: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل فتوضح، فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجته من جنوب وشمأل وقوفاً بها صحبي على مطيهم ... يقولون: لا تهلك أسى وتجمل وإن شفائي عبرة لو سفحتها ... فهل عند رسم دارس من معول؟ وقال النابغة الذبياني - وهو زياد بن معاوية -: دعاك الهوى واستجهلتك المنازل ... وكيف تصابي المرء والشيب شامل وقفت بربع الدار قد غير البلى ... معالمها، والساريات الهواطل أسائل عن سعدي، وقد مر دونها ... على حجرات الدار سبع كوامل وقال جرير بن عطية: قل للمنازل من أثيلة تنطق ... بالجزع جزع القرن لما تخلق حييت من طلل تقادم عهده ... وسقيت من صوب الغمام المغدق وقال أرطأة بن سهية - وسهية أمه، وأبوه زفر بن عبد الله بن مالك بن شداد -: ومن عجب الأيام أن كل منزل ... لو جرة من أكناف رمان دارس طلاب بعيد، واختلاف من النوى ... إذا ما أتى من دون وجرة فارس وقد طال ما عشنا جميعاً وودنا ... جميع إلى من يبتغي الأنس آنس وقال أبو حية النميري، واسمه الهيثم بن الربيع: لعل الهوى إن أنت حييت منزلاً ... بأكياب مرتد عليك عقابله (أكياب) : موضع. فلما سألت الربع أين تيممت ... نوى الحي لم ينطق، وضلل سائله وكنت إذ خبرت أن مكلفاً ... بكى أو تعناه عداد يماطله من الحب، عنفت المحب، فقد بكى ... فؤادي حتى أسلمته عواذله كأن فؤادي طائر في حبالةٍ=رأى غيه لما اعتقته حبائله يا برق طالع منزلاً بالأبرق ... واحد السحاب له حداء الأينق دمن لوت عزم الفؤاد ومزقت ... فيها دموع العين كل ممزق وقال المتنبي: لك يا منازل في القلوب منازل ... أقفرت أنت، وهن منك أواهل يعلمن ذاك، وما علمت، وإنما أولاكما ببكاً عليه العاقل وأنا الذي جلب المنية طرفه=فمن المطالب، والقتيل القائل؟! تخلو الديار من الظباء؛ وعنده=من كل تابعة خيال خاذل وقال البحتري: سقم دون أعين ذات سقم ... وعذاب دون الثنايا العذاب وكمثل الأحباب، لو يعلم العاذل، عندي منازل الأحباب وقال ابن زريق الكاتب: بالله يا منزل اللهو الذي درست ... آياته، وعفت مذ بنت أربعه هل الزمان معيد فيك لذتنا ... أم الليالي التي أمضته ترجعه؟! في ذمة الله من أصبحت منزله ... وجاد غيث على مرباك ممرعه من عنده لي عهد لم يضعه كما ... عندي له عهد صدق لا أضيعه ومن يصدع قلبي ذكره، وإذا ... جرى على قلبه ذكرى يصدعه استودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه ودعته وبودي أن يودعني ... روح الحياة، وأني لا أودعه كم قد تشفع في ألا أفارقه ... وللضرورة حال لا تشفعه

وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى ... وأدمعي مستهلات وأدمعه لا أكذب الله: ثوب الصبر منخرق ... عني لفرقته لكن أرقعه وقال آخر: تطوى المنازل عن حبيبك دائباً ... وتظل تبكيه بدمع ساجم ألا أقمت ولو على جمر الغضا ... قلبت، أو حد الحسام الصارم كذبتك نفسك، لست من أهل الهوى ... تشكو الفراق وأنت عين الظالم وقالت امرأة من كلب: سقى الله المنازل بين شرج ... وبين نواظر ديماً رهاما فلو أنا نطاع إذا أمرنا ... أطلنا في ديارهم المقاما فإني لا أنى ما عشت أهدى ... لها ولمن يحل بها السلاما وما يغني السلام إذا نزلنا ... لوى لامٍ، ألام الله لاما وقال إسماعيل بن يسار مولى قريش: ما على رسم منزل بالجناب ... لو أبان الغداة رجع الجواب غيرته الصبا، وكل ملثٍ ... دائم الودق مكفهر السحاب دار هند، وهل زمان بهند ... عائد بالهوى وصفو الجناب؟! صاح أبصرت أو سمعت براع ... رد في الضرع ما مرى في الحلاب؟ أقصرت شرتي، وولى شبابي ... واستراحت عواذلي من عتابي وقال جميل بن معمر العذري: إن المنازل هيجت إطرابي ... واستعجمت آياتها بجوابي قفراً تلوح بذي اللحين كأنها ... أنضاء وشم، أو سطور كتاب لما وقفت بها القلوص تبادرت ... مني الدموع لفرقة الأحباب وذكرت عصراً يا بثينة شفني ... إذ فاتني، وذكرت شرخ شبابي وقال الشريف الرضي رحمه الله: أيا منازل سلمى أين سلماك ... من أجلها إذ أتيناها أتيناك زرناك شوقاً، ولو أن النوى بسطت ... عرض الفلاة لنا جمرا لزرناك وقال أبو الصفي رفاعة بن عاصم الثقفي: أمنزلتي ثبجاء من بطن واسط ... إلى ذي الأراطي، كيف حالكما بعدي؟ تتابع أنواء الربيع عليكما=أمالكما بالمالكية من عهد؟ وقال آخر: سقى الله باب الكرخ من متنزه ... إلى قصر وضاح، فبركة زلزل منازل لو أن امرأ القيس حلها ... لأقصر عن ذكرى حبيب ومنزل وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي: كأن لم تكن سعدى بأحياء غيقة ... ولم ترى من ليلى بهن منازل ولم تتربع بالسرير ولم تكن ... به الصيف خيمات العذيب الظلائل أبى الصبر عن سُعدى هوىً ذو علاقة ... ووجد بسُعدى شارك القلب قاتل وقال جرير بن عطية: خليلي هيجا عبرة أو قفا بنا ... على منزل بين البقيعة والحبل فإني لباقي الدمع أن كنت باكياً ... على كل دار حلها مرة أهلي لعمرك لولا اليأس ما انقطع الهوى ... ولولا الهوى ما حن من واله قبلي تريدين أن أرضى، وأنت بخيلة ... ومن ذا الذي يرضى الاخلاء بالبخل وقال أيضاً: حي المنازل بالبردين قد بليت ... للحي لم يبق منها غير أبلاد (أبلاد) أي آثار: ما كدت تعرف هذا الربع غيره ... مر السنين كما غيرن أجلادي لقد علمت ... وما أخبرت عن أحد أن الهوى بنقا البشرين معتادي وقال عروة بن الورد: ألم تعرف منازل أم عمرو ... بمنعرج النواصف من أبان؟ وقفت بها، ففاض الدمع مني ... كمنحدر من النظم الجمان ولكن لن يلبث وصل حي ... وجدة وجهه مر الزمان وقال حفص الأموي: يا منزل الحي بالأجراع من لجب ... بادت معارفه في سالف الحقب دار لأسماء إذ كانت تجاورنا ... والحبل، إذ كان منها غير منقضب إذا تذكرت أهل الغمر ساعدني=موار دمع على الخدين منسكب كانوا لنا جيرة حتى تخونهم ... دهر يفرق بين الجيرة الصقب وغربتهم نوى عنا مطوحة ... ومن تغله النوى يشحط ويغترب جاء الفراق ولم نلبس لبغتته ... ثوب العزاء، ولم نذهل عن الطرب فنحن بين شج لم يقض عبرته ... وبين حران باكي العين منتحب وقال جميل بن معمر: أهاجتك المنازل والطلول ... عفون، وخف منهن الحمول نعم، وذكرت دنيا قد تقضت ... وأي نعيم دنيا لا يزول أسائل دار بثنة أين حلت ... كأن الدار تفهم ما أقول وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه:

يقر بعيني أن أرى لك منزلاً ... بنعمان يزكو تربه ويطيب وأرضا بنوار الأقاحي صقيلة ... تردد فيها شمأل وجنوب وأي حبيب غيب النأي شخصه ... وحال زمان دونه وخطوب تطاولت الأعلام بيني وبينه ... وأصبح نائي الدار وهو قريب يقولون: مشغوف الفؤاد مروع ... ومشغوفة تدعو به فيجيب عفافي من دون التقية زاجر ... وصونك من دون الرقيب رقيب وفي القلب داء في يديك دواؤه ... ألا رب داء لا يراه طبيب وقال زهير بن أبي سلمى: كم للمنازل من عام ومن زمن ... لآل أسماء بالقفين فالركن لآل أسماء إذ هام الفؤاد بها ... حيناً، وإذ هي لم تظعن ولم تبن وإذ كلانا إذا حانت مفارقة ... من الديار، طوى كشحاً على حزن فقلت ... والدار أحياناً يشط بها صرف الأمير على من كان ذا شجن لصاحبي وقد زال النهار بنا ... : هل تؤنسان ببطن الجو من ظعن يقطعن أميال أجواز الفلاة، كما ... يغشى النواتي غمار اللج بالسفن وقال النابغة الذبياني: أهاجك من أسماء ربع المنازل ... بروضة نعمى فبرق الأجاول أربت بها الأرواح حتى كأنما ... تهادين أعلى تربها بالمناخل عهدت بها حيا كراما فبدلت ... خناطيل آرام الظباء المطافل وقال زهير: لسلمى بشرقي القنان منازل ... ورسم بصحراء اللبيين ماثل أتى عام حلت صيفه وربيعه ... وعام وعام يتبع العام قابل تحمل عنها أهلها، وخلت لها ... سنون، فمنها مستبين وحائل طربت، وقال القلب: هل دون أهلها ... لمن جاورت إلا ليال قلائل؟ وقال عدي بن الرقاع: أتعرف بالصحراء شرقي شابك ... منازل أعراها الأنيس وملعبا؟! ظللت أرائيها صحابي، وقد أرى ... بها أهلها من بين غر وأشيبا ومحتجبات بالستور، كأنما ... تجن ستور الخز منهن ربربا أخطرة شوق في الفؤاد تعرض ... لتنكأ قلباً مستهاما معذبا وقال ذو الرمة غيلان: خليلي عوجا من صدور الرواحل ... بجمهور حزوى فابكيا في المنازل لعل انحدار الدمع يعقب راحة ... من الوجد أو يشفى نجي البلابل دعاني، وما داعي الهوى من بلادها ... إذا ما نأت خرقاء عني بغافل وقال أيضاً: ألا حي المنازل بالسلام ... على بخل المنازل بالكلام لمى باللوى درجت عليه ... رياح الصيف عاماً بعد عام ألا يا ليتنا يا مي ندري ... متى نلقاك في عرج اللمام [يريد بعرج اللمام] اختلاف داريهما. وقال أيضاً: أمنزلني مي سلام عليكما ... على النأي، والنائي يود وينصح ولازال من نوء السماك عليكما ... ونوء الثريا وابل متبطح وإن كنتما قد هجتما راجع الهوى ... لذي الشوق حتى ظلت العين تسفح أجل عبرة كادت لعرفان منزل ... لمية لو لم تسهل الماء تذبح إذا غير النأي المحبين لم أجد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح فلا القرب يدني من هواها ملالة ... ولا حبها إن تنزح الدار ينزح تصرم أهواء القلوب ولا أرى ... نصيبك من قلبي لغيرك يمنح وبعض الهوى بالهجر يمحى فينمحي ... وحبك عندي يستجد ويربح وقال ذو الرمة أيضاً: ألا أيهذا المنزل الدارس اسلم ... وأسقيت صوب الباكر المتغيم وإن كنت قد هيجت لي دون صحبتي ... رسيس هوى من حب مية مسقم هوى كادت العينان يفرط منهما ... له سنن مثل الجمان المنظم أحب المكان القفر من أجل أنني ... به أتغنى باسمها غير معجم وقال الحارث بن خالد: إني وما نحروا غداة منى ... عند الجمار تئودها العقل لو بدلت أعلى منازلها ... سفلاً، وأصبح سفلها يعلو فيكاد يعرفها الخبير بها ... فيرده الإقواء والمحل لعرفت منزلها بما ضمنت ... مني الضلوع لأهلها قبل وقال البحتري: جئنا نحيي من أثيلة منزلاً ... جدداً معالمه بذي الأنصاب أدى إلى العهد من عرفانها ... حتى لكاد يرد رجع جوابي وقال أيضاً:

مستهتر بالظاعنين وفيهم ... صد يسعر لوعة المستهتر يسل المنازل عنهم، وعلى اللوى ... دمن دوارس إن تسل لم تخبر ومن السفاهة أن تظل مكفكفاً=دمعاً على طلل تأبد مقفر وقال أيضاً: لا زال محتفل الغمام الماطر ... يهمي على حجرات أهل الحاجر فلرب نزلة هناك محيلة ... ومحلة قفر ورسم داثر أبهت لساكنها النوى وتكشفت ... عن أهلها سنة الزمان الناظر ولقد تكون بها الأوانس من مهى ... ميل القلوب إلى الصبي وجآذر وقال أبو حية النميري: طربت وهاجتك المنازل من جن ... ألا ربما يعتادك الشوق بالحزن نظت إلى أظعان زينب بالضحى ... فأعولتها لو أن إعوالها يغني فوالله لا أنساك زينب ما دعت ... مطوقة ورقاء شجوا على غصن وقال الأحوص: زبيرية بالعرج منها منازل ... وبالخيف من أدنى منازلها رسم أسأئل عنها كل ركب لقيته ... وما لي بها من بعد مكتنا علم أيا صاحب النخلات من بطن أرثد ... إلى النخل من ودان ما فعلت نعم؟! فإن تك حرب بين قومي وقومها ... فإني لها في كل حادثة سلم وقال البحتري: أكثرت في لوم المحب فأقلل ... وأمرت بالصبر الجميل فأجمل لم يكفه نأي الأحبة باللوى ... حتى ثنيت عليه لوم العذل قسم الصبابة فرقتين: فشوقه ... للظاعنين، ودمعه للمنزل متقسم الأحشاء يندب أربعاً ... متقسمات بالصبا والشمال خطت على تلك المنازل والربى ... منهن أعباء الغمام المثقل وقال أيضاً: منازل لم نذمم عهد معرسنا ... فيها، ولا ذم يوماً عهدها فينا تجرمت عندها أيامنا حججا ... معدودة وخلت فيها ليالينا وقال أيضاً: خذا من بكائي في المنازل أودعا ... وروحاً على لومي بهن أو أربعا فما أنا بالمشتاق إن قلت: أسعدا ... لنندب ربعاً من سعاد ومربعا ولي لوعة تستغرق الهجر والنوى ... جميعاً، ودمع ينفد الحب أجمعا وقال مهيار بن مرزويه الديلمي: وبالغور للناسين عهدي منزل ... حنانيك من شات أقام وصائف أغالط فيه رقبة لا جهالة ... وأسأل عنه وهو باد [ي] المعارف ويعذلني في الدار صحبي كأنني ... على عرصات الدار أول واقف أنشد المبرد، قال: أنشدتني القريظية (من بني قريظ) : سقى الله نجداً من ربيع وصيف ... وماذا ترجى من ربيع سقى نجدا؟ على أنه قد كان للعيش مرة ... وللبيض والفتيان منزلة حمدا وقال آخر: وإن بصحراء الغوير منازلاً ... لأحبابنا، أكرم بها من منازل وفيها الذي هام الفؤاد بحبها ... على أنه لم يحظ منها بطائل وقال أبو الفتح الحسن بن عبد الله بن عبد الجبارين أبي حصينة السلمي: سل المنزل الغوري أين خرائده ... وأين تولى بدره وفراقده وإن كان ذاك الربع مذ بان أهله ... ليعتاده الوجد الذي أنا واجده ومن لوعة من أهله لو شكوتها ... إليه للانت وهي صم جلامده وقفنا به فاستمطرت كل مقلة ... عهاد البكا آياته ومعاهده وأنبت من سحب الدموع ترابه ... حياً بشر النجاع بالخصب رائده وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي: أللشوق لما هيجتك المنازل ... بحيث التقت من بيشتين الغياطل تذكرت فانهلت لعيني عبرة ... يجود بها جار من الدمع هامل ليالي من عيش نعمنا بوجهه ... زماناً، وسُعدى لي خليل مواصل وقال البحتري: ليت المنازل سرن يوم متالعٍ ... إذ لم يكن أنس الخليط مقيما فلربما أروت دموعاً من دم ... فيها، وأظمت لائماً وملوما ولقد منعت الدار إعلان الهوى ... وطويت عنها سرك المكتوما وسلي محيل الربع هل أبثثته ... إلا الوقوف عليه والتسليما؟ سقيت رباك بكل نوء عاجل ... من وبله حقاً لها معلوما وقال البحتري أيضاً: نشدتك الله من برق على إضم ... ألا سقيت جنوب الخبت فالعلم وصبت بينهما حتى تسليهما ... بمستهل من الوسمى منسجم منازل ما تجيب الصب من خرس ... ولا تريع إلى شكواه من صمم

روى أن المأمون أمر أن يحمل إليه عشرة من الزنادقة سموا له من أهل البصرة، فجمعوا،

أقام ينشد شملاً غير متفق ... من آل ليلى، وشعباً غير ملتئم وقال ذو الرمة غيلان: أإن ترسمت من خرقاء منزلة ... ماء الصبابة من عينيك مسجوم؟! منازل الحي، إذ لا الدار نازحة ... بالأصفياء، وإذ لا العيش مذموم تعتادني زفرات حين أذكرها ... تكاد تنفد منهن الحيازيم وقال البحتري: أرى بين ملتف الأراك منازلاً ... مواثل لو كانت مهاها مواثلا فقف مسعداً فيهن إن كنت عاذراً ... وسر مبعداً عنهن إن كنت عاذلا لقينا المغاني باللوى، فكأننا ... لقينا الغواني الآنسات عواطلا وقال القاضي أبو الفتح محمود بن إسماعيل بن قادوس - منشئ ديوان الرسائل بمصر - من ابتداء قصيدة: هذي منازل من هويت فيمم ... واربع، وسح بربعها ديم الدم عجنا فمن صب بصب دموعه ... درب، ومن متعمل متعلم وقال آخر: وقفت لليلى بعد عشرين حجة ... بمنزلة فانهلت العين تدمع كأن زماماً في الفؤاد معلقا ... تقود به حيث استمرت وأتبع وقال آخر: ما للمنازل لا يجبن حزبنا ... أصممن أم قدم البلى فبلينا؟! لا، بل بلين فهجن داء ساكناً ... لمتيم، وأثرن منه دفينا روحوا العشية روحة مذكورة ... إن متن متن، وإن حيين حيينا قلت: مرت بي هذه الأبيات في خبر استطرفته فأوردته، وليس مما قصدت له، لكن الأبيات أوجبت إيراده. روى أن المأمون أمر أن يحمل إليه عشرة من الزنادقة سموا له من أهل البصرة، فجمعوا، وأبصرهم طفيلي، فقال: ما اجتمعوا هؤلاء إلا لصنيع، فانسل فدخل في وسطهم، ومضى بهم الموكلون، حتى انتهوا إلى زورق قد أعد لهم، فدخلوا في الزورق، فقال الطفيلي: هي نزهة، فدخل معهم الزورق، فلم يكن بأسرع من أن قيد القوم، وقيد معهم الطفيلي، ثم سير بهم إلى بغداد، فلما دخلوا على المأمون جعل يدعوا بأسمائهم رجلاً رجلاً، ويأمر بضرب أعناقهم، حتى وصل إلى الطفيلي وقد استوفى العدة،، فقال للموكلين: ما هذا؟ قالوا: والله ما ندري غير أنا وجدناه مع القوم فجئنا به، فقال له المأمون: ما قصتك؟ ومن أنت؟ فقال: يا أمير المؤمنين امرأته طالق إن كان يعرف من أقاويلهم شيئاً، ولا مما يدينون به، وإنما أنا رجل طفيلي، رأيتهم مجتمعين، فظننت صنيعاً يدعون إليه، فضحك المأمون، وقال: يؤدب، وكان إبراهيم بن المهدي قائماً على رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين هب لي أدبه، وأحدثك بحديث عجيب عن نفسي، قال: قل يا إبراهيم، قال: خرجت من عندك يوماً، وطفت في سكك بغداد متطرباً حتى انتهيت إلى موضع، فشممت من أبازير قدر قد فاح طيبها، فتاقت نفسي إليها وغلى طيب رائحتها، فوقفت على خياط، فقلت: لمن هذه الدار؟ فقال: لرجل من التجار البزازين، قلت: ما اسمه؟ قال: فلان بن فلان، ثم رميت بطرفي إلى شباك فيها مطل، فنظرت إلى كف قد خرج على معصم، فشغلني يا أمير المؤمنين حسن الكف والمعصم عن رائحة القدر، فبقيت باهتاً ساعة، ثم أدركني ذهني، فقلت للخياط: هو ممن يشرب النبيذ؟ قال: نعم، وأحسب أن عنده دعوة، وليس ينادم إلا تجاراً مثله مستورين، [فبينا] أنا كذلك إذ أقبل رجلان جليلان راكبان من رأس الدرب، فقال لي الخياط: هؤلاء منادموه، فقلت: ما اسماهما وكنهما؟ فقال: فلان وفلان، فحركت دابتي وداخلتهما، وقلت: جعلت فداكما قد استبطأكما أبو فلان - حرسه الله - وسايرتهما حتى أتيا الباب، فأجلاني، وقدماني، فدخلت ودخلا، فلما رآني معهما صاحب المنزل لم يشك أني منهما بسبيل، أو قادم قدم عليهما من موضع، فرحب بي وأجلسني في أفضل المواضع، فجيءيا أمير المؤمنين بالمائدة، وعليها خبز نصف، وأتينا بذلك اللون، فكان طعمه أطيب من ريحه، فقلت في نفسي: هذه الألوان قد أكلتها، بقيت الكف، كيف أصل إلى صاحبتها؟ ثم رفع الطعام، وجيء بالوضوء، ثم صرنا إلى مجلس الشراب والمنادمة، فإذا أشكل منزل يا أمير المؤمنين، وجعل صاحب المنزل يلطف بي، ويقبل علي بالحديث، وجعلوا لا يشكون أن ذلك منه عن معرفة متقدمة، حتى إذا شربنا أقداحاً خرجت علينا جارية كأنها جان، تتثنى كالخيزران، فأقبلت فسلمت غير خجلة، وثنيت لها وسادة، فجلست، وأتي بعود، فوضع في حجرها، فجسته فتوهمت في جسها حذقها، ثم اندفعت تغني:

فجعلت الجارية تصيح: هذا الغناء والله يا سيدي لا ما كنا فيه منذ اليوم، فسكر

توهمها طرفي فأصبح خدها ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر يصافحها كفى، فتألم كفها ... فمن مس كفي في أناملها عقر فهيجت يا أمير المؤمنين بلابلي، وطربت لحسن الشعر وحذقها، ثم اندفعت تغني: أشرت إليها: هل عرفت مودتي؟ ... فردت بطرف العين: إني على العهد فحدت عن الإظهار عمد السرها ... وحادت عن الإظهار أيضاً على عمد فصحت: السلاح - يا أمير المؤمنين - وجاءني من الطرب ما لم أملك [معه] نفسي، ثم اندفعت تغني الصوت الثالث: أليس عجيباً أن بيتاً يضمني ... وإياك لا نخلو ولا نتكلم سوى أعين تشكو الهوى بجفونها ... وتقطيع أنفاس على النار تضرم إشارة أفواه، وغمز حواجب ... وتكسير أجفان، وكف تسلم فحسدتها والله يا أمير المؤمنين على حذقها ومعرفتها بالمعنى الذي قصدته من الشعر، ولم تخرج عن الفن الذي بدأت به، فقلت: بقي عليك يا جارية [شيء] ، فضربت بعودها الأرض، وقالت: متى كنتم تحضرون مجالسكم البغضاء؟! فندمت على ما كان مني، ورأيت القوم كأنهم قد تغيروا لي، فقلت: أما عندكم عود غير هذا؟ قالوا: بلى، وأتيت بعود، فأصلحت من شأنه، ثم غنيت: ما للمنازل لا يجبن حزبنا.... الأبيات التي تقدمت فما استتممته - يا أمير المؤمنين - حتى قامت الجارية فانكبت على رجلي تقبلهما، وقالت: معذرة إليك يا سيدي، فوالله ما سمعت أحداً يغني هذا الصوت غناك، وقام مولاها وأهل المجلس، ففعلوا كفعلها، وطرب القوم، واستحثوا الشرب، فشربوا بالطاسات والكاسات، ثم اندفعت أغني: أبى الله أن أمسي ولا تذكرينني ... وقد سجمت عيناي من ذكرك الدما إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل مني، وتبذل علقما فردى مصاب القلب، أنت قتلته ... ولا تتركيه ذاهل القلب مغرما فطرب القوم يا أمير المؤمنين حتى خرجوا من عقولهم، فأمسكت ساعة حتى تراجعوا، ثم غنيت الصوت الثالث: هذا محبك مطوى على كمده ... عبرى مدامعه تجري على جسده له يد تسأل الرحمن رحمته ... مما به، ويد أخرى على كبده فجعلت الجارية تصيح: هذا الغناء والله يا سيدي لا ما كنا فيه منذ اليوم، فسكر القوم، وكان صاحب المنزل حسن الشرب، صحيح العقل، فأمر غلمانه أن يخرجوهم ويحفظوهم إلى منازلهم، وخلوت معه، فلما شربنا أقداحاً، قال: يا سيدي ذهب ما مضى من أيامي ضياعاً، إذ كنت لاأعرفك، فمن أنت يا مولاي؟ فلم يزل يلح علي حتى أخبرته، فقام وقبل رأسي، وقال: وأنا عجبت يا سيدي أن يكون هذا الأدب إلا لمثلك، وإني لجالس مع الخلافة ولا أشعر؟ ثم سألني عن قصتي، فأخبرته حتى وصلت إلى صاحبة الكف والمعصم، فقلت: أما الطعام فقد نلت منه حاجتي، وبقي الكف والمعصم، فقال للجارية: قومي، فقولي لفلانة تنزل إلي، فلم يزل ينزل إلى جواريه واحدة واحدة، فأنظر كفها ومعصمها، فأقول: ليست هي، حتى قال: والله ما بقي غير أختي وأمي، وبالله لأنزلنهما إليك، فعجبت من كرمه وسعة صدره، فقلت: جعلت فداك، أبدأ بالأخت قبل الأم، فعسى أن تكون هي، ففعل، فلما رأيت كفها ومعصمها قلت: هي هذه، فأمر غلمانه فساروا إلى عشرة مشايخ من جلة جيرانه، فأقبلوا بهم، وأمر ببدرتين فيهما عشرون ألف درهم، ثم قال للمشايخ: هذه أختي فلانة، أشهدكم أني قد زوجتها من سيدي إبراهيم بن المهدي، وأمهرتها عنه عشرين ألف درهم، فرضيت وقبلت النكاح، فدفع إليها بدرة، وفرق الأخرى على المشايخ، وقال لهم: انصرفوا، ثم قال: يا سيدي أمهد لك بعض البيوت فتنام فيه مع أهلك؟ فأحشمني ما رأيت من كرمه فقلت: بل أحضر عمارية فأحملها إلى منزلي، قال: ما شئت، فأحضرت عمارية فحملتها إلى منزلي، فوالله يا أمير المؤمنين لقد اتبعنا من الجهاز ما ضاقت عنه بيوتنا، فأولدتها هذا الغلام القائم على رأس أمير المؤمنين، فعجب المأمون من كرم الرجل، وألحقه في خاصته، وأطلق الطفيلي وأجازه. وقال بشر بن أبي خازم: تغيرت المنازل من سليمى ... برامة فالكثيب إلى بطاح [بطاح] : موضع: ديار قد تحل بها سليمى ... هضيم الكشح، جاثلة الوشاح؟ ليالي تستبيك بذي غروب ... يشبه ظلمه خضل الأقاح وقال مهيار: هل عند ظبي المنحنى ... إجابة فيسألا؟

2- فصل في ذكر الديار

أم أنا معذور إذا ... سألت عنه الطللا بلى عدمت الناز ... لين فبكيت المنزلا عثرت في غدرك بي ... عثرة من لا وألا كان دلالاً فغفر ... ناه، فتم مللا 2- فصل في ذكر الديار قال الله تبارك وتعالى: (وإذ أخذنا ميثاقكم، لا تسفكون دماءكم، ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ... ) الآية: قال الخليل: كل موضع حله قوم فهو دار، وإن لم يكن فيه أبنية، وسميت داراً لدورها على سكانها، كما سمى الحائط حائطاً؛ لإحاطته على ما يحويه. قال القاضي الماوردي - رحمه الله -: إن قيل: هل يسفك أحد دمه، ويخرج نفسه من دياره؟ ففيه قولان: أحدهما معناه: لا يقتل بعضكم بعضاً، ولا يخرجه من دياره. والثاني: أنه القصاص الذي يقتص منهم بمن قتلوه، فصاروا قاتلين لأنفسهم بالقصاص. وقوله تعالى: (ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: لا يخرج بعضكم بعضاً. والثاني: لا تسيئوا جوار من جاوركم، فتلجئوهم إلى الخروج من دياركم. والثالث: لا تفعلوا ما تخرجون به من الجنة التي هي داركم. قوله عز وجل: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر، ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، فاعتبروا يا أولي الأبصار) . (أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب) : يعني يهود بني النضير. (من ديارهم) : يعني منازلهم بالحجاز. (لأول الحشر) : أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من أحد إلى أذرعات الشام، وأعطى كل ثلاثة نفر بعيراً يحملون عليه ما استقل إلا السلاح، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد عاهدهم - حين هاجر إلى المدينة - ألا يقاتلوا معه ولا عليه، فكفوا يوم بدر، لظهور المسلمين على المشركين، وأعانوا المشركين يوم أحد حين رأوا ظهورهم على المسلمين، فقتل رئيسهم كعب بن الأشرف، قتله محمد بن مسلمة - رحمه الله - غيلة، وسأذكر قتله بعد الفراغ من تفسير هذه الآية، ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم فحاصرهم ثلاثاً وعشرين ليلة محارباً، حتى أجلاهم عن ديارهم. وقوله تعالى: (لأول الحشر) : أنهم أول من أجلاه النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود، وقيل: أول حشرهم أنهم يحشرون بعدها إلى أرض المحشر في القيامة. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال - لما أجلاهم -: (هذا أول الحشر، وأنا على الأثر) وقيل: أول حشرهم؛ لما ذكره قتادة - رحمه الله -: أنهم يأتي عليهم بعد ذلك نار من مشرق الشمس تحشرهم إلى مغربها، تبيت معهم إذا باتوا، وتأمل من تخلف. قتل كعب بن الأشرف كان قتل كعب بن الأشرف في ربيع الأول، على رأس خمسة وعشرين شهراً من الهجرة. قال ابن إسحاق - رحمه الله - إلى أهل السافلة، وعبد الله بن رواحة - رحمه الله - إلى أهل العالية بشيرين، بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله تعالى عليه، وقتل من قتل من المشركين، قال كعب بن الأشرف - وكان رجلاً من طيء، ثم أحد بني نبهان، وكانت أمه من بني النضير - حين بلغه الخبر: أحق هذا؟ أترون محمداً قتل هؤلاء الذين يسمى هذان الرجلان؟ - يعني زيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما - فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس، والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها، فلما تيقن عدو الله الخبر خرج حتى أتى مكة، فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن صبيرة السهمي، وعنده عاتكة ابنة أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن [عبد] مناف، فأنزله وأكرمه، فجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينشد الأشعار، ويبكي أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا ببدر، فمن ذلك قوله: طحنت رحى بدر لمهلك أهلها ... ولمثل بدر تستهل الأدمع قتلت سراة الناس حول حياضهم ... لا تبعدوا إن الملوك تصرع كم قد أصيب به من ابيض ماجد ... ذي بهجة تأوي إليه الضيع طلق اليدين إذا الكواكب أخلفت ... حمال أثقال يسود ويرفع ويقول أقوام ... أثير بشحطهم إن ابن الأشرف ظل كعب يجزع صدقوا، فليت الأرض ساعة قتلوا ... ظلت تسوخ بأهلها وتصدع

صار الذي أثر الحديث بطعمة ... أو عاش أعمى من عشاً لا يسمع نبئت أن بني المغيرة كلهم ... خشعوا لقتل أبي الحكيم وجدعوا يعني [بأبي الحكيم] : أبا جهل نبئت أن الحارث بن هشامهم ... في الناس يبنى الصالحات ويجمع ليزور يثرب بالجموع، وإنما ... يحمي عن الحسب الكريم الأروع ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة، فشبب بأم الفضل بنت الحارث، فقال: أراحل أنت لم تلمم بمنتبه ... وتارك أنت أم الفضل بالحرم؟ ترتج ما بين كعبيها ومرفقها ... إذا تأنت قياماً ثم لم تقم أشباه أم حكيم إذ تواصلنا ... والحبل منها متين غير منجذم إحدى بني عامر هام الفؤاد بها ... ولو تشاء شفت كعباً من السقم فرع النساء، وفرع القوم والدها ... أهل المحلة والإيفاء بالذمم لم أر شمساً بليل قبلها طلعت ... حتى تجلت لنا في ظلمة الظلم

ثم شبب بنساء المسلمين حتى آذاهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لي من ابن الأشرف"، فقال محمد بن مسلمة [أخو بني عبد الأشهل]- رحمه الله - أنا لك به يا رسول الله، أنا أقتله، قال: فافعل إن قدرت على ذلك، فرجع محمد، فمكث ثلاثاً لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق به نفسه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه، فقال له: لم تركت الطعام والشراب؟ قال: يا رسول الله قلت لك قولاً لا أدري أوفي لك به أم لا، قال: إنما عليك الجهد، قال: يا رسول الله إنه لابد أن نقول قال: "قولوا ما بدا لكم؛ فأنتم في حل من ذلك" فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة، وأبو نائلة سلكان ابن سلامة بن وقش، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة، وعباد بن بشر بن وقش، والحارث بن أوس بن معاذ، وأبو عبس بن جبر رضي الله عنهم، ثم قدموا إلى كعب بن الأشرف - قبل أن يأتوه - أبا نائلة، فجاءه فتحدث معه ساعة، وتناشدا الأشعار، وكان أبو نائلة يقول الشعر، ثم قال: ويحك يا ابن الأشرف، إني قد جئتك بحاجة أريد ذكرها لك، فاكتم عني، قال: أفعل، قال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء؛ عادتنا العرب، ورمونا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال، وجهدت الأنفس، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا، فقال كعب بن الأشرف: أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول، فقال له أبو نائلة: ومعي رجال من أصحابي عل مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم، فنبتاع منك طعاماً، فتحسن في ذلك إلينا، ونرهنك ما يكون لك فيه وفاء، فقال كعب: ما كنت أحب يا أبا نائلة أن أرى هذه الخصاصة بك، وإن كنت لمن أكرم الناس علي، أنت أخي نازعتني الثدي، فاصدقني ذات نفسك، ما الذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتنحي عنه، قال: سررتني يا أبا نائلة، فما ترهنوني؟ أترهنوني أبناءكم؟ قال: لقد أردت أن تفضحنا، قال: أترهنوني نساءكم؟ قال: كيف نرهنك نساءنا وأنت أشب أهل يثرب وأعطرهم، ولكنا نرهنك من الحلقة ما فيه وفاء - وأراد أبو نائلة ألا ينكر السلاح إذا جاءوا به - قال: إن في الحلقة لوفاء، فخرج أبو نائلة من عنده على ميعاد، فأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى لميعاده، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم عشاء فأخبروه، قال ابن إسحاق: فمشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع، ثم وجههم وقال: "انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم" ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه، فهتف به أبو نائلة، وكان كعب حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفته، فأخذت امرأته بناحيتها، وقالت: إنك امرؤ محارب، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة، فقال: إنه أبو نائلة، لو وجدني نائماً ما أيقظني، قالت: والله إني لأعرف في صوته الشر، فقال: "لو يدعى الفتى لطعنة أجابا"، فنزل فتحدث معهم ساعة، وتحدثوا معه، ثم قالوا له: هل لك يا ابن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا هذه؟ قال: إن شئتم، فخرجوا يتماشون، فمشوا ساعة، ثم إن أبا نائلة أدخل يده في فودى رأس كعب، ثم شم يده، فقال: ما رأيت كالليلة طيباً أعطر قط، ثم مشى ساعة، ثم قال: اضربوا عدو الله، فضربوه فاختلفت عليه أسيافهم، فلم تغن شيئاً، قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولاً في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئاً، فأخذته - وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نار - فوضعته في ثنته، وتحاملت عليه حتى بلغت عانته، فوقع عدو الله فاحتز رأسه، وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ، فجرح في رجله؛ أصابه بعض أسيافنا، قال: فخرجنا حتى أسندنا في حرة العريض، وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس، ونزفه الدم، فوقفنا له ساعة حتى أتانا يتبع آثارنا، فحملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم [آخر الليل] ، وقال الواقدي: فلما بلغوا "بقيع الغرقد"، وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على باب المسجد، فقال: "أفلحت الوجوه" قالوا: "ووجهك يا رسول الله" ورموا برأس كعب بين يديه، فحمد الله على قتله، ثم أتوا بصاحبهم الحارث، فتفل على جرحه، فلم يؤذه، قال محمد بن مسلمة: فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله، فليس فيها يهودي إلا وهو يخاف على نفسه، قال الواقدي: ففزعت يهود ومن معها من المشركين، فجاءوا إلى النبي صلى

الله عليه وسلم حين أصبحوا، فقالوا: لقد طرق صاحبنا الليلة، وهو سيد من ساداتنا، فقتل غيلة بلا جرم، ولا حدث علمناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنه لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتسل، ولكنه نال منا الأذى وهجانا، ولن يفعل أحد منكم مثل فعله إلا كان له السيف" ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتبوا بينهم كتاباً ينتهون إلى ما فيه، فكتبوا بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم كتاباً في دار رملة بنت الحدث، وخافت يهود من يوم قتل كعب بن الأشرف. "قلت: اقتضت الآية ذكر قتل كعب بن الأشرف فذكرته، وإن لم يكن مما قصدت له". قوله - عز وجل -: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) ... الآية. يعني تعالى بالمهاجرين: من هاجر عن وطنه من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دار الهجرة - وهي المدينة - خوفاً من أذى المشركين، ورغبة في نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم فهم المقدمون في الإسلام. (يبتغون فضلاً من الله ورضواناً) : يعني فضلاً من عطاء الله تعالى في الدنيا، ورضواناً من ثوابه في الآخرة. وروى علي بن رباح اللخمي، أن عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - خطب بالجابية فقال: من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض، فليأت زيد بن ثابت، ومن أراد أن يسأل عن الفقه، فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله تعالى جعل له خازناً وقاسماً، فإني باد بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعطيهن، ثم بالمهاجرين الأولين أصحابي، أخرجنا من ديارنا وأموالنا. قال قتادة: لأنهم اختاروا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على ما كانت من شدة حتى ذكر لنا أن الرجل كان يعصب على بطنه الحجر ليقيم صلبه من الجوع، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء دثاراً ماله دثار غيرها. رضوان الله عليهم أجمعين. وقوله - عز وجل -: (قال نوح: رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك، ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً) في قوله (ديارا) وجهان: أحدهما: يعني أحداً، والآخر: من يسكن الديار. قيل: إن رجلاً من قوم نوح عليه السلام مر به، وعلى كتفه ولد له صغير فقال لابنه: احذر هذا فإنه يضلك - يعني نوحاً عليه السلام - فقال الصبي لأبيه: أنزلني، فأنزله عن كتفه، فرمى نوحاً عليه السلام فشجه، فحينئذ غضب نوح عليه السلام، ودعا عليهم. وقيل: لما أنزل الله - عز وجل - عليه: (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) دعا عليهم. عن أبي بريدة عن أبيه - رحمه الله - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا دخلوا المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية. قال الخنوت، وهو توبة بن مضرس: رحلت حرام عن البلاد فلن ترى ... أخرى المنون بها وجوه حرام ولقد نرى بالجزع منهم مجلساً ... ضخماً، ومبرك جامل قمقام أضحت ديار بني أبيك كأنها ... بالبرقتين تخط بالأقلام فاترك بكاءك في الديار فقد قضت ... عيناك نحبهما من التسجام وفي بني حرام يقول رؤبة بن العجاج: أقفرت الوعساء من حرام ... وقد يكونون ذوي أحلام بها، وأحياناً ذوي عرام ... فإن تكن سوايق الأيام ساقتهم للبلد الشآمي فبالسلام ثم بالسلام وقال التهامي: ماتت لفقد الظاعنين ديارهم ... فكأنهم كانوا لها أرواحاً ولقد عهدت بها ... فهل أرينه مغدى لمنتجع العلى ومراحا وقال آخر: أين أهل الديار من قوم نوح ... ثم عاد من بعدهم وثمود بينما هم على النمارق والديبا ... ج أفضت إلى التراب الخدود وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي: لمن الديار بأبرق الحنان ... فالبرق فالهضبات من أدمان أفوت منازلهم وغير رسمها ... بعد الأنيس تعاقب الأزمان فإذا غشيت لها ببرقة واسط ... ولواء بينة منزلاً أبكاني وقال أبو نواس - الحسن بن هانئ -: لقد طال في رسم الديار بكائي ... وقد طال تردادي بها وعنائي كأني مريغ في الديار طريدة ... أراها أمامي تارة وورائي

فلما بدا لي اليأس عديت ناقتي ... عن الدار، واستولى على عزائي وقال آخر: ليت الديار التي تبقى فتحزننا ... كانت تبيد إذا ما أهلها بانوا بانوا فأفئدة فيهم معذبة ... لو خلفوها لدناهم كما دانوا ينأون عنا، وما تنأى مودتهم ... فالقلب رهن لديهم أينما كانوا وقال آخر: ولقد مررت على ديارهم ... وطلولها بيد البلى نهب فوقفت حتى عج من لغب ... نضوى، ولج بعذلي الركب وتلفتت عيني، فمذ خفيت ... عني الطلول تلفت القلب وقال سيدوك الواسطي (وتنسب إلى الرستمي) : مررنا بأكناف العقيق فأعشبت ... أباطح من أجفاننا ومسايل فمن واقف في جفنه الدمع واقف ... ومن سائل في خده الدمع سائل وكادت تناجينا الديار صبابة ... وتبكي كما نبكي عليها المنازل وقال أبو نواس: لمن الديار تسربلت ببلاها ... أنستك رؤيتها، وما تنساها لا تكذبن فما أراك بمنته ... عنها، وإن خبرت أن ستناهي وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري: علام هجرت شرق الأرض حتى ... أتيت الغرب تختبر العبادا فإن تجد الديار كما أراد ال ... غريب، فما الصديق كما أرادا إذا الشعرى اليمانية استقلت ... فجدد للشآمية الودادا فللشام الوفاء، وإن سواه ... توافي منطقاً غدر اعتقادا ظعنت لتستفيد أخاً وفياً ... وضيعت القديم المستفادا وقال ابن الزقاق - من شعراء الأندلس -: حننت إلى الديار، ولي حنين ... إلى الأحباب، ليس إلى الربوع ولو أني أحن إلى مغاني ... أحبائي حننت إلى ضلوعي روى أن المجنون قيس بن الملوح لما اختل عقله كان يخرج، فيأتي الشام، فيقول: أين أرض بني عامر؟ فيقال له: أين أنت من أرض بني عامر؟ عليك بنجم كذا فسر عليه، فينصرف، ويسير حتى يأتي أرض بني عامر، فيقف عند جبل لهم يقال له: "التوباذ" وينشد: وأجهشت للتوباذ لما عرفته ... وكبر للرحمن حين رآني فأذريت دمع العين لما رأيته ... ونادى بأعلى صوته فدعاني فقلت له: أين الذين عهدتهم ... حواليك في أمن وخفض مكان؟! فقال: مضوا، واستودعوني ديارهم ... ومن ذا الذي يبقى على الحدثان؟ وقال القاضي المهذب أبو محمد الحسن بن علي بن الزبير أحد شعراء مصر: لكم خيال في الجفون ممثل ... أبداً، وذكر بالفؤاد موكل وإلى دياركم نحن صبابة ... ونفض أوعية الدموع ونرسل تلك المنازل ما تمر سحابة ... فهمي بها إلا وعين تهمل ما ضرها إذ ينزلون ربوعها ... ألا يرى "فيها لعلوة منزل" وقال السننبسي: وإني كلما زاد التياحي ... إليك وأضرم القلب الخفوق أمر على دياركم وإني ... بمن أمسى بها صب مشوق وأومي بالتحية من بعيد ... كما يومي بإصبعه الغريق وقال أبو تغلب، الحارث بن غنم العدواني: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بحوزة أو بالجزع أو بقران؟! وهل أرين تلك الديار التي بها ... نداماي قدماً حيث كنت أراني؟! وقال عدي بن الرقاع العاملي: ليت شعري: هل تخبرني الديار ... بيقين عن أهلها أين ساروا؟ أسفاً هيجت فمالك منها ال ... يوم إلا تفجع وإدكار دار حي تقادم العهد منها ... بعد حضارها، فبارت وباروا صادفوا من غوائل الدهر غولاً ... بعد ما أنجدوا سنيناً وغاروا فكأني من ذكرهم خالطتني ... من فلسطين بنت كرم عقار وقال عبد الله بن قيس الرقيات: هل للديار بأهلها علم؟! ... أم هل يبين فينطق الرسم؟! يا صاح هل أبكاك موقفنا ... أم هل علينا في البكا إثم؟! أم ما بكاؤك منزلاً خلقا ... قفراً يلوح كأنه الوشم؟ وقال النابغة الجعدي، واسمه قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة: ألا يا ديار الحي بين محجر ... إلى جانب القمري كأنه لم تغير وقفت بها لا أنت قاض لبانة ... ولا اليأس يشفي حاجة المتذكر ألا أيها الباكي على ما يعوله ... تجمل على ما يحدث الدهر واصبر

فإن أنت لم تصبر لما كان جائياً ... فإن كان تنكير لديك فأنكر وقال عكرمة بن ربيعة العبدري: فإن تك عبد الدار خلت مكانها ... وبقيت فرداً في ديارهم وحدي فيا رب يوم لو هتفت أجابني ... مصاليت أبطال سراع إلى المجد وقال لبيد بن ربيعة العامري: بلينا وما تبلى النجوم الطوالع ... وتبقى الديار بعدنا والمصانع وقد كنت في أكناف جار مضنة ... ففارقني جار بأربد نافع فلا جزع إن فرق الدهر بيننا ... وكل فتى يوماً به الدهر فاجع ولا أنا يأتيني طريف بفرحة ... ولا أنا مما أحدث الدهر جازع وما الناس إلا كالديار وأهلها ... بها يوم حلوها وغدوا بلا قع وما المرء إلا كالشهاب، وضوءه ... يحور رماداً بعد إذ هو ساطع وما البر إلا مضمرات من التقى ... وما المال والأهلون إلا ودائع يقول الفتى: إني سأفعل ذاكم ... وما للفتى علم بما الله صانع وقال زهير بن أبي سلمى: لمن الديار بقنة الحجر ... أقفرن من حجج ومن دهر لعب الرياح بها وغيرها ... بعدي سوافي المور والقطر وقال عدي بن الرقاع العاملي: منع النوم طارقات الهموم ... بأسى وإدكار خطب قديم من لدن أن أجنني الليل حتى ... فضح الصبح واضحات النجوم من ديار غشيتها ذكرةً ما ... بين صارات ضاحكٍ فالهزيم [الهزيم] : موضع نسجت ظهرها الرياحات حتى ... يرى القاع من جميع الرسوم واختلاف الأيام حتى محاها ... سالف الدهر بعد سكن مقيم جمعتنا بها نوى الحي حولاً ... نتلهى بسرنا المكتوم ولقد حال دون ذلك هم ... مثله فليرع فؤاد الحليم إن قومي تتابعوا بعد ما كا ... نوا، هم القوم، فابك غير ملوم ولقد كان يخفض الجار فيهم ... غير مستشرف ولا مظلوم وقال البحتري: متى تستزد فضلاً من العمر تغترف ... بسجليك من أرى الخطوب وصابها يسر بعمران الديار مضلل ... وعمرانها تدنو بها من خرابها ولم أرتض الدنيا أوان مجيئها ... فكيف ارتضائيها أوان ذهابها وقال أيضاً: شرخ الشباب أخو الصبي وأليفه ... والشيب تزجية الهوى وخفوفه وأراك تعجب من صبابة مغرم ... أسيان طال على الديار وقوفه صرف المسامع عن ملامة لائم ... لا لومه أجدى ولا تعنيفه فسقى اللوى، لا بل سقى عهد اللوى ... أيام نرتبع اللوى ونصيفه وقال أيضاً: بني تغلب أعزز علي بأن أرى ... دياركم أمست وليس بها أهل خلت بلد من ساكنيها وأوحشت ... مرابع من سنجار يهمي بها الوبل وأزعج أهل المحلبيات ناجز ... من الحرب ما فيه خداع ولا هزل وأقوت من القمقام أعراص مارد ... فما ضمنت تلك الأعقة والرمل أفي كل يوم فرقة من جميعكم ... تبيد، ودار من مجامعكم تخلو؟! وقال مهيار: يا ديار الحي من خبت اللوى ... عدت ظناً بعد ما كنت حقيقه أخذ الدهر قشيباً رائقاً ... من مغانيك، وأعطاك سحوقه خلت ... لما لم أطق حمل النوى أن تلك الدمن الصم مطيقه لم أكن أعلم ... حتى نحلت كنحولي أنها مثلي مشوقه أين جيراني بها؟ لهفي لهم ... لهفة سكرتها غير مفيقه وقال الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبرايهم بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -: أي دمع جرى ونحن بنجرا ... ن لنا، والديار ثم رسوم دمن لو رنت إليهن عينا ... ك، قبيل الفراق قلت: نجوم ومغان من النحول كأروا (م) ... ح، ولكن ليست لهن جسوم ما سررنا إلا بهن وفيه ... (م) ن قفاراً سيقت إلينا الهموم وقال أيضاً: قد مررنا على الديار تبدأ (م) ... ن دثوراً، بجدة، وخمولا نكرتها العيون منا فما تع ... رف إلا رسومها والطلولا

أبيات من شعر والدي وأخي - رضي الله عنهما - مما يوافق المعنى المقصود

قال أبو عبد الله الطبري: قال رجل لأبي محمد الحريري - رحمه الله -: كنت على بساط الأنس، وفتح لي طريق إلى الانبساط، فزللت زلة، فحجبت عن مقامي، فكيف السبيل إليه؟ دلني إلى الوصول إلى ما كنت عليه. فبكى أبو محمد، وقال: يا أخي. الكل في قهر هذه الخطة، وفي أسر هذه الرزية، ثم شهق، وسكت ساعة، ثم أنشد: قف بالديار فهذه آثارهم ... نبك الأحبة حسرة وتشوقا كم قد وقفت بها أسائل مخبراً ... عن أهلها أو صادراً أو مشفقا فأجابني داعي الهوى في رسمها ... فارقت من تهوى فعز الملتقى قيل: لما تغير المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيات، كان يتمثل قبل الإيقاع به بقول أبي العتاهية: سل ديار الحي من غيرها ... وعفاها ومحا منظرها وهي الدنيا إذا ما أدبرت ... جعلت معروفها منكرها إنما الدنيا كظل زائل ... أحمد الله، كذا قدرها وقال أبو كبير - واسمه عتبة بن قادم أحد بني حرام -: يا صاح قف بديار الحي مقفرة ... من الأحبة واحبس أينقاً قوداً سقى الإله ... وإن بانوا، وقل لهم مبنى الخيام، وتلك الأجبل السودا منازلاً كنت أهوى أن أكون بها ... كما مضى، ليت كان العيش مردودا وقال محمد بن عبد الأزدي، ثم السلاماني: أرسم ديار بالستارين تعرف ... عفتها شمال ذات نيرين حرجف فلم تدع الأرواح والماء والبلى ... من الدار إلا ما يشوق ويشعف وقفت بها والدمع يذري حبابه ... على الصدر حتى كادت الشمس تكسف [تكسف] : يريد تغرب رسوماً كآيات الكتاب مبينة ... بها للحزين الصب مبكى وموقف كأنك لم تعهد بها الحي جيرة ... جميع الهوى، من حيرة ما تصرف إذ الناس ناس، والبلاد بغرة ... وأنت بها صب القرينة مؤلف وقال آخر: كفى حزناً أني مقيم ببلدة ... أخلاي عنها نازح وبعيد أقلب طرفي في الديار فلا أرى ... وجوه أحبائي الذين أريد وقال ثوب الغطفاني: أبت ألا تكلمك الديار ... وغير رسمها بعدي القطار فلو نطقت شفت مني سقاماً ... ولكن السكات لها شعار فهل شعب يداني بعد شعب ... وهل لليان عيشتنا انكرار عسى هذا العسار من الليالي ... يكون وراءهن لنا يسار فكل نعيم عيش يا ابن ثوب ... له لا بد جمع وانتشار وقال البحتري: يا ربوع الديار إني على ما ... قد أراه منكن غير جليد أخلق الدهر عهدكن وللده ... ر صروف يبلين كل جديد فرقت شملنا النوى بعد ما كن (م) ... اجميعاً في ظل عيش حميد وقال الشريف المرتضى - رضي الله عنه -: إلى كم ذا التصامم والتعاشي ... وكم هذا التواكل والتواني ولو أنا فهمنا عن خراب الد (م) ... يار مقالها لم يبن بان ويجني العيش كل أذى ويهوى ... فيا للعيش يعشق وهو جان وقال أيضاً: من على هذه الديار أقاما ... لو ضفا ملبس عليه فداما عج بنا نندب الذين تولوا ... باقتياد المنون عاماً فعاما سكنوا كل ذروة من أشم ... يحسر الطرف ثم حلوا الرغاما يا لحى الله مهملاً حسب الده ... ر نئوم الجفون عنه فناما علقاً في يد المنى كلما نا ... ل هوى يبتغيه رام مراما أبيات من شعر والدي وأخي - رضي الله عنهما - مما يوافق المعنى المقصود قال مولاي والدي مجد الدين أبو سلامة مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ - رضي الله عنه -: ما في وقوفك في الديار تورع ... فأفض شؤون العين فهي الأربع درست فليس لناظر لولا الهوى ... من طول ما بليت به مستمتع يا دار لو أنصفت ربعك لم أقف ... فيه كهاتفة تنوح وتسجع ولما طلبت لي الأساة لأشتفى ... من لوعة طويت عليها الأضلع ما قدر ما أسفي عليك وحسرتي ... قلت، ولو أن الحشا يتقطع أنا مدع فيما أقول؛ لأنني ... باق، وعذري عنه ما لا يسمع فوددت لو أني ظفرت براحة ... إما بموت أو بعيش ينفع وقال أخي عز الدولة أبو الحسن علي بن مرشد بن علي - رضي الله عنه -:

قفا فاحبسا تلك الركاب وأطلقا ... دموي، فهل بعد الديار أكاتم؟! فعهدي بهذا الربع والشمل جامع ... وسيان عندي عاذر لي ولائم أبيت كما شاء السرور ولا أرى ... من الهم ما تثنى عليه الحيازم إخوان صدق كالثريا نفوسهم ... سمت ووهت شحناؤهم والسخائم بقيت وقد أودوا عناء وشقوة ... وإني على عد سقوا منه حائم إذا ما تذكرت الديار وأهلها ... ووحشتها منهم أقل أنا حالم وقال أيضاً: يا ديار الأحباب ما فيك للمح ... زون إلا البكاء والتسليم أين سكانك الذين بهم كا ... ن على العيش نضرة ونعيم؟! أقفرت منهم الديار وأضحت ... دارسات كأنهم رقوم ليت أنى ناهلتهم جرع المو ... ت، فعيشي بعد الأحبة لوم وقال أيضاً - رحمه الله -: يا إخوتي وذوي ودي وخالصتي ... حزني عليكم مدى الأيام متصل أحبب إلي بليل التم أسهره ... تفكراً فيكم، والدمع ينهمل دياركم إن خلت منكم وفارقها ... نور المهابة وانحطت بها الكلل فما الزمان بمأمون على أحد ... ولا تدوم به الأيام والدول كنتم كأنكم شمس النهار بها ... قد أشرقت وهي من أبراجها الحمل وقال أيضاً - رحمه الله -: إخوتي شلت يد البي ... ن لقد جارت علينا واعتدى الدهر بلا جر ... م وما كنا اعتدينا فتفرقنا، كأنا ... لم نكن قط التقينا ويح قلبي من ديار ... كنتم فيها عفينا أصبحت قفراً كأنا ... لم نكن فيها ثوينا لا أقر الله من قر (م) ت له بالبين عينا وهذه الأبيات من شعري في هذا المعنى قلت: هذي ديار بني أبي ومعاشري ... قفر عليها وحشة وظلام درست محافظة لهم، وتوحشت ... من بعدهم، وتعفت الأعلام فإذا مرتت بها فقل ... متمثلاً : "يا دار ما صنعت بك الأيام" [نصف المصراع مضمن لأبي نواس] . وقلت: إذا أنا شارفت الديار تحدثت ... بمكنون أسراري الدموع الذوارف وماذا انتفاعي بالديار وقربها ... إذا أقفرت من كل من أنا آلف وقلت: تقول لي الأشواق: هذي ديارهم ... فقلت: نعم، لكنها منهم قفر وما كنت أهوى الدار إلا لأهلها ... وبعدهم لا جاد ساكنها القطر فما الدار تلك الدار بعد قطينها ... ولا الدهر فيها بعدهم ذلك الدهر وقلت: ديار خلت من أهلها وتوحشت ... فليس بها مرعى لعين ولا خصب علاها البلى حتى تعفت رسومها ... وأنكرها طرفي فأثبتها القلب وقلت: بنو منقذ ما أنقذوا من زمانهم ... وكم أنقذوا من مرهق وأسير أجاروا على الأيام فاضطغنتهم ... وما استمسكوا من جورها بمجير فلم يبق منهم غير حي كميت ... أخي حسرة ما تنقضي وزفير فقد أقفرت منهم ديار عهدتها ... غياثاً لملهوف، وذخر فقير وما أقفرت من ساكن بل من العلى ... ومن نائل هامي السحاب غزير وقلت: ديار الهوى حيي معالمك القطر ... وإن لم يدع إلا تذكرك الدهر عهدتك أفقاً للسعود، وساكنو ... ربوعك في أرجائك الأنجم الزهر وعصرهم فصل الربيع نضارة ... فهل يرجعن لي ذلك الزمن النضر إذا مر في فكري الديار وأهلها ... فيالي من وجد يجدده الذكر إذا أوحشتني وحدتي بعد فقدهم ... ولهت، كأني قد أصابني السحر فكيف التسلي والتأسي فيهم ... ولا عوض منهم، ولا عنهم صبر لقد ساءني الدهر الذي سرني بهم ... وما ظلموا ساءوا قصاصاً بما سروا وقلت: لا جاد ربعك من ديار أقفرت ... من أهلها صوب الغمام الماطر لم يبق منك الدهر إلا حسرة ... للذاكرين، وعبرة للناظر يا حسن أول ذلك الدهر الذي ... قد كان فيك وقبح هذا الآخر! وقلت: إذا بكى لديار باد ساكنها ... ذو وحدة ساءه في داره الزمن بكيت أهلي وأوطاني وآسفني ... أن ليس لي بعدهم دار ولا سكن أخنى الزمان على قومي وملك أو ... طاني سواي، فلا أهل ولا وطن ولم تدع لي المنايا مشتكى حزن ... أبثه كمدى إن عادني حزن

فصل آخر في ذكر الديار

(آخر ما أثبته من شعر قومي وشعري) وقال الشريف المرتضى، أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي - رضي الله عنه -: ديار كرعن الضيم وهو مصرف ... ونادى بهن الموت أهلاً فأسمعا كأن قطين الحي بعد تفرق ... جنته الليالي ساعة ما تجمعا ولو كان يدري بالذين تفرقوا ... توجع من فقدانهم وتفجعا وقال أيضاً: ولما مررنا بالديار التي خلت ... فهن لفقدان الأنيس نواحل فإشراقها بعد الذين تحملوا ظلام، وضحوات النهار أصائل أثار الجوى عرفانها، وتبادرت ... على أهلها منا الدموع الهوامل وقال المرتضى أيضاً: يا ديار الأحباب لا أبصرتك الع ... ين من بعد أن حللت رسوما إن عيشاً لنا خلسناه من أي ... دي الرزايا لديك كان نعيما من عذيري من الزمان أخي عوجا ... ء أعيا علي أن يستقيما ليس يعطي البقاء إلا لمن يس ... لبه ذلك البقاء حميما كتب إلى الملك الصالح ناصر الأئمة، وكاشف الغمة، أمير الجيوش، سيف الإسلام، غياث الأنام، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين، أبو الغارات طلائع بن رزيك فتى أمير المؤمنين عزيز مصر - رحمه الله - قصيدة من نظمه، يعزيني عن أهلي الذين هلكوا في الزلازل - رحمهم الله - منها: لهف نفسي على ديار من السك (م) ... ان أقوت، فليس فيها عريب ولكم حلها فأنسته أوطا ... ن صباه والأهل يوماً غريب فاحتسب ما أصاب قومك مجد الد (م) ... ين واصبر فالحادثات ضروب هكذا الدهر، حكمه الجور والع ... دل، وفيه المكروه والمحبوب إن تخصصكم نوائب مازا ... لت لكم دون من سواكم تنوب فكذاك القناة تكسر يوم الرو (م) ... ع منها صدور وتبقى كعوب فصل آخر في ذكر الديار قال كثير بن عبد الحرمن الخزاعي: أشاقك بالعبوقرة الديار ... نعم منا منازلها قفار أحب الأرض أرض دموها ... وكان لهم بها يوماً قرار فما عندي لواش في هواكم ... رضى حتى يموت ولا اعتذار وقال محمد بن عبد الملك بن حبيب بن تمام بن معبد بن فقعس بن طريف: وإن مروري بالديار التي بها ... سليمى ولم ألمم بها لجفاء وما بالهوى يا أم عمرو ولا الذي ... تحملت من وجد عليك خفاء على أنني يا أم عمرو تهيجني ... ديار لكم بالأبرقين خلاء وقال صالح بن عبد الله بن الحجاج: كفى حزناً يا سعد إن بنت أن أرى ... ديارك يفليها الحمام المطوق وأن يسجع القمري فيها إذا بدا ... لركبانها قرن من الشمس أورق وألا أرى يا سعد أهلك جيرة ... وأهلي إلا ريثما نتفرق وقال أبو نواس: حي الديار إذ الزمان زمان ... وإذ السماك جري لنا ومعان يا حبذا سفوان من متربع ... ولربما جمع الهوى سفوان فإذا مررت على الديار مسلماً ... فلغير دار أميمة الهجران وقال أيضاً: قل لديار حييتها درس ... من صمم ما عييت أم خرس؟ هاجر عنهن سكنهن فما ... فيهن من جنة ولا أنس إلا شبيه بها لبعضهم ... في حور المقلتين واللعس وقال قيس بن الخطيم: أتعرف رسماً كاطراد المذاهب=لعمرة وحشاً غير موقف راكب ديار التي كادت ... ونحن على منى تحل بنا، لولا نجاء الركائب تبدت لنا كالشمس تحت غمامة ... بدا حاجب منها وضنت بحاجب ولم أرها إلا ثلاثاً على نمى ... وعهدي بها عذراء ذات ذوائب وقال ذو الرمة: أراجعة يا ليل أيامنا الألى ... بذي الرمث، أم لا مالهن رجوع؟ وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى ... بلين بلى لم تبلهن ربوع ولو لم يهجني الظاعنون لهاجني ... حمائم ورق في الديار وقوع تداعين فاستبكين من كان ذا هوى ... نوائح لم تذرف لهن دموع وقال أبو نباتة الكلابي: بدا لي وللتيمي قلة صامعٍ ... على بعدها مثل الحصان المجلل فقلت: أرى تلك الديار التي بها ... أميمة، يا شوق الأسير المكبل! وقال أيضاً: أريتك إن نجدا ألظ بأهله ... وحرته العليا الغيوث الرواجس

وعاد نبات الأرض رطباً كأنه ... إذا اطردت فيه الرياح الطيالس أمطلع تلك الديار فناظر ... إلى أهلها، أم أنت من ذاك آيس؟ وقال مهيار: إن الذين نسوا برامة عهدنا ... سعدوا وأشقانا به أوفانا ظعنوا وشبت وما كبرت وإنما سار الشباب يودع الأظعانا أجد الديار كما عهدت، وإنما ... شكواي أني أفقد الجيرانا وقال آخر: أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا وما من حبي الجدران لكن ... محبة كل من سكن الديارا وقال عبدة بن الطبيب: كأن ابنة البكري يوم اجتليتها ... عبيدة مكحول الدامع مرشق وذكرنيها بعد ما قد نسيتها ... ديار عليها وابل متبعق وقفت بها والشمس دون مغيبها ... قريباً، فهاج الشوق من يتشوق قليلاً، فلما استعجمت عن جوابنا ... تعزيت عنها، والدموع ترقرق فلا الدار تدنيها لنا غير فينة ... ولا حبها عن شاحط النأي يخلق وقال جرير بن عطية: لمن الديار ببرقة الروحان ... إذ لا نبيع زماننا بزمان أصبحت بعد نعيم عيش مونق ... قفراً، وبعد نواعم أخدان هل رام جو سويقتين مكانه ... أم حل بعد محلنا البردان هل تؤنسان، ودير أروى دوننا ... بالأعزلين، بواكر الأظعان راجعت بعد سلوهن صبابتي ... وعرفت رسم منازل أبكاني وقال النابغة الجعدي: هل بالديار الغداة من صمم ... أم هل بعهد الأنيس من قدم أم ما تحيي من ماثل درج الس ... يل عليه، كالحوض منهدم تسأله العهد وهو عهدك واس ... تجمع من حله، ولم يرم إنك أنت المخزون في أثر ال ... قوم فإن تنو نيهم تقم كان بها بعض من هويت ومن ... يلق سروراً في العيش لم يدم يسألني صاحبي بدائي وقد ... نام عشاء، وبت لم أنم إن شفائي واصل دائي لشي ... ء واحد وهو أكبر السقم من عهد ما أورثت حبيبة ... والشر يوافي مطالع الأكم أكنى بغير اسمها وقد يعلم الل ... هـ خفيات كل مكتتم مخافة الكاشح المكثر أن ... يطرح فيها عوائر الكلم وقال الأخطل: لأسماء محتل بظاهرة البشر ... قديم، ولما يعفه سالف الدهر يكاد من العرفان يضحك رسمها ... ولكم من ليال للديار ومن شهر وقال زهير بن أبي سلمى: قف بالديار التي لم يعفها القدم ... بلى، وغيرها الأرواح والديم لا الدار غيرها بعد الأنيس ولا ... بالدار لو كلمت ذا حاجة صمم دار لأسماء بالغمرين ماثلة ... كالوحي ليس بها من أهلها إرم [إرم] : أحد كأن عيني وقد سال التليل بهم ... وعبرة ما هم، لو أنهم أمم [التليل] : واد غرب على بكرة، أو لؤلؤ قلق ... في السلك جاربه رباته النظم وقال امرؤ القيس بن حجر: عوجاً على الطلل المحيل لعلنا ... نبكي الديار كما بكى ابن خذام دار لهم إذ هم لأهلك جيرة ... إذ تستبيك بواضح بسام فظللت في دمن الديار كأنني ... نشوان باكره صبوح مدام وقال النابغة الذبياني: طال الوقوف على رسوم ديار ... قفر، أسائلها وما استخباري؟ دار تعفت، لا أنيس بجوها ... إلا بقايا دمنة وأوراي جادت عليها ... فاضمحل رسومها هزج الرياح بديمة مدرار دار لمية إذ هم لك جيرة ... هيهات منك منازل الزوار وقال ذو الرمة، غيلان بن عقبة بن مسعود: كأن ديار الحي بالزرق خلفة ... من الأرض أو مكتوبة بمداد إذا قلت: يعفو، لاح منها مهيج ... على الهوى من طارف وتلاد وما أنا في دار لمى عرفتها ... بجلد، ولا دمعي بها بجماد إذا قلت بعد النأي يا مي نلتقي ... عدتني بكره أن أراك عواد وقال أيضاً: أما والذي حج الملبون بيته ... شلالاً ومولى كل باق وهلك ورب القلاص البدني تدمي نحورها ... بمكة والساعين حول المناسك لقد كنت آتي الأرض ما يستفزني ... لها الشوق إلا أنها من ديارك وقال أيضاً:

ألا تسأل اليوم الرسوم الدوارس ... بحزوى وهل تدري القفار البسابس؟! متى العهد ممن حلها، أم كم انقضى ... من الدهر مذ جرت عليها الروامس ديار لمى ظل من دون صحبتي ... لنفسي مما هيجت لي وساوس ولم تنسني مياً نوى ذات غربة ... شطون، ولا المستطرفات الأوانس إذا قلت أسلو عنك يا مي لم يزل ... محل لدائي من ديارك ناكس وقال المرقش الأصغر، واسمه عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة: هل بالديار أن تجيب صمم ... لو كان رسم ناطقاً كلم الدار قفر والرسوم كما ... رقش في ظهر الأديم قلم (بهذا البيت سمى مرقشاً) . دار لأسماء التي تبلت ... قلبي، فعيني ملؤها يسجم بل هل شجاك الظعن باكرة ... كأنهن النخل من ملهم النشر مسك والوجوه دنا ... نير، وأطراف الأكف عنهم وقال أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري: ما أنت للكلف المشوق بصاحب ... فاذهب على مهل فلست بذاهب عرف الديار وقد سئمن من البلى ... ومللن من سقيا السحاب الصائب فأراه جهل الشوق بين معالم ... فيها وجد الوجد بين ملاعب ما كان أحسن هذه من وقفة ... لو كان ذاك السرب سرب كواعب وقال أيضاً: كيف أغدو من الصبابة خلوا ... بعد ما أضحت الديار خلاء قف بها وقفة ترد عليها ... أدمعاً ردها الجوى أنضاء وقال أيضاً: قد وقفنا على الديار وفي الرك ... ب حريب من الغرام ومثري ولو أني أطيع آمر حلمي ... كان شتى أمر الديار وأمري وقال أيضاً: أقام كل ملث الودق رجاس ... على ديار بعلو الشام أدراس فيها لعلوة مصطاف ومرتبع ... من بانقوسا وبابيلا وبطياس منازل أنركتنا بعد معرفة وأوحشت من هوانا بعد إيناس وقال بيهس بن صهيب بن عامر بن عبد الله بن نائل: هل بالديار وهل بالقاع من أحد ... باق فيسمع صوت المدلج الساري؟ تلك المنازل من صفراء ليس بها ... نار تضيء، ولا أصوات سمار عفت معالمها هوج مغيرة ... تسفي عليها تراب الأبطح الهار حتى تنكرت منها كل معرفة ... إلا الرماد، وإلا دمعي الجاري إن أصبح اليوم لا أهل ذوو لطف ... ألهو إليهم، ولا صفراء في الدار أرعى بعيني نجوم الليل مرتفقاً ... يا طول ذلك من ليل وإسهار فقد يكون بها الأهل الجميع وقد ... ألهو بصفراء ذات المنظر الواري كذلك الدهر، إن الدهر ذو غير ... على الأنام، وذو نقض وإمرار وقال بشر بن أبي خازم، أخو بني والبة بن الحارث: ديار أقفرت من آل سلمى ... رعى سلمى بحسن الوصل راع ذكرت بهن من سلمى وداعاً ... فشاقك منهم قرب الوداع فإن تك قد نأتك اليوم سلمى ... فكل قوى قرين لانقطاع وقال جرير بن عطية: ألا حي الديار بسعد إني ... أحب لحب فاطمة الديارا أراد الظاعنون ليحزنوني ... فهاجوا صدع قلبي فاستطارا وقال زهير بن أبي سلمى: غشيت الديار بالبقيع فثهمد ... دوارس قد أقوبن من أم معبد أربت بها الأرواح كل عشية ... فلم يبق إلا آل خيم منضد (الآل، جمع آله، وهو عود له شعبتان يعرض عليه عود آخر، ويلقي عليه ثمام يستظل به) وغير ثلاث كالحمام خوالد ... وهاب محيل هامد متلبد وقال آخر (ينسب إلى المجنون) : أهاجك ... أم لا بالستارين مربع ورسم بأجراع الغديرين بلقع ديار لليلى إذ نحل بها معاً ... وإذ نحن منها بالموادة نطمع فيارب حببني إليها وأعطني ال ... مودة منها، أنت تعطي وتمنع وإلا فصبرني وإن كنت كارهاً ... فإني بها ياذا المعارج مولع وفي الصبر عن بعض المطامع راحة ... إذا لم يكن في الشيء ترجوه مطمع وقد قرع الواشون فيها لك العصا ... قديماً، كما كانت لذي الحلم تقرع وقال آخر: بكت للفراق وقد راعها ... بكاء الحبيب لبعد الديار كأن الدموع على خدها ... بقية طل على جلنار وقال آخر: إن جرى بيننا وبينك عتب ... وتناءت منا ومنك الديار

فالعليل الذي عهدت مقيم ... والدموع التي شهدت غزار وقال آخر: أما الديار فقلما لبثوا بها ... بعد اشتياق العيس والركبان وضعوا سياط الشوق في أعناقها ... حتى طلعن بهم على الأوطان وقال قيس بن الخطيم، وقيل: هي للربيع بن أبي الحقيق الأوسي: وما بعض الإقامة في ديار يهان بها الفتى إلا عناء وبعض خلائق الأقوام داء ... كداء البطن ليس له دواء وكل شديدة نزلت بقوم ... سيأتي بعد شدتها رخاء يريد المرء أن يعطي مناه ... ويأتي الله إلا ما يشاء وقال سعيد بن حميد: تدنو الديار وأنت تبعد جاهداً ... فالدهر ينصفني وأنت الظالم فمتى ينال العدل عندك طالب ... أنت المسيء به، وأنت الحاكم وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه -: أروح بفتيان خماص من السرى ... لهم أنة في كل دار وأدمع فدمع على نأي الديار مفرق ... وقلب على أهل الديار مروع هل أنت معين للغليل بعبرة ... فنبكي على تلك الديار ونجزع؟ ألا ليت شعري كل دار مشتةٌ ... ألا منزل يدنو بشمل فيجمع؟! ألا سلوة تنهى الدموع فتنتهي ... ألا مورد يصفو لشرب فينقع؟! فصبراً على قرع الزمان وغمزه ... وهل ينكر الحمل الذلول الموقع؟! قرأت على حائط مسجد "بفنك" هذا البيت مفرداً: تجنبت غشيان الديار وليس في ... تجنبها بعد الفراق ملام فأجزته بهذا البيت، وكتبته تحته: وما كنت أهوى الدار إلا لأهلها ... على الدار بعد الظاعنين سلام ذكر أبو عمرو الشيباني أن عروة بن الورد أصاب امرأة من كنانة بكراً يقال لها: سلمى، وتكنى أم وهب، فأعتقها، واتخذها لنفسه، فمكثت عنده بضع عشرة سنة، فولدت له أولاً وهو لا يشك في أنها أرغب الناس فيه، وهي تقول له: لو حججت بي، فأمر على أهلي وأراهم؟ فحج بها، فأتى مكة، ثم أتى المدينة، وكان يخالط من أهل يثرب بني النضير، فيقر ضونه إن احتاج. ويبايعهم إذا غنم، وكان قومها يخالطون بني النضير، فأتوهم وهو عندهم، فقالت لهم سلمى: إنه خارج بي قبل أن يحرج الشهر الحرام، فتعالوا إليه، وأخبروه أنكم تستحيون أن تكون امرأة منكم معروفة النسب صحيحته سبية، وافتدوني منه، فإنه لا يرى أني أفارقه، ولا أختار عليه أحداً، فأتوه، فسقوه الخمر، فلما ثمل قالوا له: فادنا بصاحبتنا، فإنها وسيطة النسب فينا معروفة، وإن علينا سبة أن تكون سبية، فإذا صارت إلينا، وأردت معاودتها، فاخطبها إلينا، فإنها تنكحك، فقال لهم: ذاك لكم، ولكن لي شرط فيها، أن تخيروها، فإن اختارتني انطلقت معي إلى ولدها، وغن اختارتكم انطلقتم بها، قالوا: ذاك لك، قال: دعوني أله بها الليلة وأفاديها غداً، فلما كان الغد جاءوه فامتنع من فدائها، فقالوا له: قد فاديتها منذ البارحة، وشهد عليه جماعة ممن حضر، فلم يقدر على الامتناع، وفادوها، فلما فادوها خيرها، فاختارت أهلها، ثم أقبلت عليه: فقالت له: يا عروة. أما إني أقول فيك - وإن فارقتك - الحق: والله ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خير منك، أغرض طرفاً، وأقل فحشاً، وأعوذ يداً، وأحمى لحقيقة، وما مر علي يوم منذ كنت عندك إلا والموت فيه أحب إلي من الحياة بين قومك، لأني لم أكن أشاء أن أسمع امرأة من قومك تقول: أمة عروة وكذا وكذا، إلا سمعته، والله لا أنظر في وجه غطفانية أبداً، فارجع راشداً إلى ولدك، وأحسن إليهم، فقال عروة في ذلك: أرقت وصحبتي بمضيق عمق ... لبرق من تهامة مستطير سقى سلمى، وأين ديار سلمى ... إذا كانت مجاورة السدير إذا حلت بأرض بني علي ... وأهلي بين زامرة وكير ذكرت منازلاً من أم وهب ... محل الحي أسفل من ثبير وأحدث معهد من أم وهب ... معرسنا بدار بني النضير وقالوا: ما تشاء؟ فقلت: ألهو ... إلى الإصباح آثر ذي أثير بآنسة الحديث رضاب فيها ... بعيد النوم كالعنب العصير سقوني الخمر ثم تكنفوني ... عداة الله من كذب وزور وقالوا: لست بعد فداء سلمى ... بمغن ما لديك ولا فقير فلا والله لو ملكت أمري ... ومن لي بالتدبر في الأمور؟!

3- فصل في ذكر المغاني

إذن لعصيتهم في حب سلمى ... على ما كان من حسك الصدور فيا للناس كيف ملكت أمري ... على شيء ويكرهه ضميري قلت: ذكرت هذا الخبر لما في الشعر من ذكر الديار. وقال يزيد بن عبد المدان: عفا من سليمى بطن غول فيذبل ... فغمرة فيف الريح، فالمتنخل ديار التي صاد الفؤاد دلالها ... وأغرت به يوم النوى حين نرحل فإن هي صدت عن هواي وراعها ... نوازل أحداث وشيب مجلل فيا رب خيل قد هديت بشطبة ... يعارضها عبل الجزارة هيكل تواغل جرداً كالقنا حاثية ... عليها قنان والحماس ورعبل معاقلهم في كل يوم كريهة ... صدور العوالي والصفيح المصقل عن الأصمعي قال: دخلت خضراء روح، فإذا أنا برجل من ولده على فاحشة يؤتى، فقلت: قبحك الله، هذا موضع كان أبوك يضرب فيه الأعناق، ويعطي فيه اللهى، وأنت تفعل فيه ما أرى! فالتفت إلي من غير أن يزول عنها، وقال: ورثنا المجد عن آباء صدق ... أسأنا في ديارهم الصنيعا إذا الحسب الرفيع تواكلته ... بناة السوء أوشك أن يضيعا والشعر لمعن بن أوس. وقال عمر بن أبي ربيعة: يا خليلي قد مللت ثوائي ... بالمصلى، وقد شنئت البقيعا بلغاني ديار هند وسعدى ... وارجعاني، فقد هويت الرجوعا لمن الديار كأنها لم تحلل ... بجنوب أسنمة فقف العنصل درست معالمها فباقي رسمها ... خلق كعنوان الكتاب المحول دار لسعدى، إذ سعاد كأنها ... رشأ غضيض الطرف رخو المفصل وقال عبد الله بن العجلان: ولم أر هنداً بعد موقف ساعة ... بأنعم في وسط الديار تطوف أتت بين أتراب تمايس إن مشت ... دبيب القطا أوهن منهن أقطف أشارت إلينا في حياء وراعها ... سراة الضحى مني على الحي موقف وقالت: تباعد يا ابن عم، فإنني منيت بذي صول يغار ويعنف وقال آخر: عرفت ديار الحي خالية قفرا ... كأن بها لما توهمتها سطرا وقفت بها كيما ترد جوابها ... فما بينت لي الدار عن أهلها خبرا وقال ابن مفرغ الحميري: ديار للجمانة مقفرات ... بلين، وهجن للقلب ادكارا فلم أملك دموع العين مني ... ولا النفس التي جاشت مرارا فقلت لصاحبي: عرج قليلاً ... نذكر شوقنا الدرس القفارا كأن لم أغن في العرصات منها ... ولم أذعر بقاعتها صوارا وقال الحارث بن خالد المخزومي: عفت الديار فما بها أهل ... حزانها ودماثها السهل إني وما نحروا غداة مني ... عند الجمار تئودها العقل لو بدلت أعلى منازلها ... سفلاً، وأصبح سفلها يعلو فيكاد يعرفها الخبير بها ... فيرده الإقواء والمحل لعرفت مغناها بما احتملت ... مني الضلوع لأهلها قبل وقال مهيار: هل بالديار على لومي ومعذرتي ... عدوى تقام على وجدي وتذكاري أم كنت تعذل فيما لا تزيد به ... إلا مداواة حر النار بالنار 3- فصل في ذكر المغاني قال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي: وقفت عليه ناقتي فتنازعت ... شعوب الهوى لما عرفت المغانيا فما أعرف الآيات إلا توهماً ... وما أعرف الأطلال إلا تماريا وما خلف منكم بأطلال دمنة ... تنكرن فاستبدلن منك السوافيا وقال أيضاً: عفا رابغٌ من أهله فالظواهر ... فأكناف هرشي قد عفت فالأصافر مغان يهيجن الحليم إلى الهوى ... وهن قديمات العهود دوائر بما قد أرى تلك الديار وأهلها ... وهن جميعات الأنيس عوامر وقال البحتري: أناشد الغيث أن تهمي غواديه ... على العقيق وإن أقوت مغانيه على محل أرى الأيام تضحك عن ... أيامه، والليالي عن لياليه عهد من اللهو لم تذمم معاهده ... يوماً فينسى ولم تقدم بواديه وقال أبو تمام: شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي ... ومحت كما محت وشائع من برد فأنجدتم من بعد إتهام داركم ... فيا دمع أنجدني على ساكني نجد لعمري لقد أبليتم جدة البكا ... بلاى، وجددتم على بلى الوجد وقال أيضاً:

تجرع أسى قد أقفر الجرع الفرد ... ودع جفه عين يحتلب ماءها الوجد إذا انصرف المحزون قد فل صبره ... سؤال المغاني، فالبكاء له رد هوى كانقضاض النجم كان نتيجة ... من الهزل يوماً إن هزل الهوى جد وقال القاضي أبو المجد محمد بن عبد الله بن سليمان المعرى: يا مغاني الصبي بباب حناك ... لا برمل الغضا ووادي الأراك [حناك] : قرية من أعمال المعرة وعزيز علي أن حكم الده ... ر على رغم ناظري ببلاك وقال آخر: لله در أناس قد عهدتهم ... بالشام دهراً سقى مغناهم الديم لو قيل لي ... وهجير الصيف متقد وفي الحشا غلة كالنار تضطرم هم أحب إليك اليوم تبصرهم ... أو شربة من زلال الماء؟ قلت: هم وقال أبو الشعر موسى بن سحيم الضبي: فيا صاح المم بالمغاني فحيها ... مغان لهند عطلت وملاعب مغان خلت من غبطة ونضارة ... مغاني الغواني، والغني والرغائب ولكم زايلتها من فتاة ومن فتى ... ومن قرح منسوبة ونجائب وقفت فأبكاني وهيج عبرتي ... علي وقوفي في ديار الحبائب بكى صاحبي لما بكيت من الهوى ... فما كاد يقضي عبرة الحزن صاحبي جرت عبرة منه فهم بردها ... فلم يستطع رد الدموع السواكب فلو أن فيها أهلها يوم زرتها ... لقضيت حاجاتي بها، ومآربي وقال النابغة الذبياني: أهاجك من سعداك مغنى المعاهد ... بروضة نعمي فذات الأساود؟ تعاورها الأرواح ينسفن تربها ... وكل ملث ذي أهاضيب راعد عهدت بها سعدى وسعدى غريرة ... عروب تهادى في جوار خرائد وقال البحتري: ابكيا هذه المغاني التي أخ ... لقها بعد عهدها بالغواني أسعدا الغيث إذ بكاها وإن كا ... ن خلياً من كل ما تجدان جاد فيها بنفسه فاستجدت ... حللاً منه جمة الألوان وقال أبو القاسم بن هانئ المغربي: قد مررنا على مغانيك تلك ... ورأينا فيها مشابه منك عارضتنا المها الخواذل أس ... راباً بأجراعها، فلم نسل عنك لا يرع للمها هنالك سرب ... فلقد أشبهتك إن لم تكنك وقال أبو تمام: أي مرعى عين وواد قشيب ... لحيته الأيام في ملحوب ند عنك العزاء فيه وقاد الد (م) ... مع من مقلتيك قود الجنيب وبما قد أراه ريان مكسو (م) ... المغاني من كل حسن وطيب لسقيم الجفون من غير سقم ... ومريب الألحاظ غير مريب فعليه السلام لا أشرك الأط ... لال في لوعتي ولا في نحيبي فسواء إجابتي غير داع ... ودعائي بالقفر غير مجيب وقال أبو محمد القاسم بن علي الحريري العالم: عرج ... لك الخير صدور الركاب على ربا كن مغاني الرباب وقف بها وقفة مستعبر ... يسح فيها الدمع سح الرباب فسنة العشاق أن يعولوا ... في منزل الحب إذا الحب غاب يا حبذا تلك الربا من ربا ... ظباؤها أفتك من ليث غاب وقال الشيخ أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري: مغاني اللوى من شخصك اليوم أطلال ... وفي النوم مغنى من خيالك محلال معانيك شتى، والعبارة واحد ... فطرفك مغتال، وزندك مغتال متى سألت بغداد عني وأهلها ... فإني عن أهل العواصم سال إذا جن ليلي جن لبى وزائد ... خفوق فؤادي كلما خفق الآل وماء بلادي كان أنجع مشرباً=ولو أن ماء الكرخ صهباء جريال وقال المتنبي: مغاني الشعب طيباً في المغاني=بمنزلة الربيع من الزمان ولكن الفتى العربي فيها ... غريب الوجه واليد واللسان إذا غنى الحمام الورق فيها ... أجابته أغاني القيان ومن بالشعب أحوج من حمام ... إذا غنى وناح إلى البيان وقال مهيار: المغاني أحفى بقلبي من العد ... ل وإن هجن لوعة وزفيرا أفهمتني على نحول رباها ... فكأني قرأت منها سطورا يا معيري أجفانه أنا أغنى ... بجفوني الغزار أن أستعيرا وقال أخي عز الدولة أبو الحسن علي - رحمه الله -:

4- فصل في ذكر الأطلال

مغناهم أضحى صموتاً ناطقاً ... يهدي الهموم إلى القلوب بيانه غشيت ديارهم المحول، وريها ... دون السحاب على العيون ضمانه قد ألبسته يد البلى عفر الثرى ... فعفا، ومح، فأخمدت نيرانه وتنكب العافون لاحب سبله ... لما عفا، وتهدمت أركانه ولقد أراه وفيه مجتمع الهوى ... يهدي السرور إلى القلوب عيانه فرجاً لمكروب، ونضرة ثائر ... وملاذ من تنبو به أوطانه والدهر مثل الطيف لا تبقى على ... حال إساءته ولا إحسانه قول آخر: شجاني مغاني الحي وانشقت العصا ... وصاح غراب البين أنت مريض ففاضت دموعي عند ذاك صبابة ... وفيهن خود كالمهاة غضيض ووليت محزون الفؤاد مروعاً ... كئيباً ودمعي في الرداء يفيض قال آخر: هل هيجتك مغاني الحي والدور ... فاشتقت، إن الغريب الدار معذور وقد نحل بها إذ عيشنا أنق ... بيض أوانس أمثال الدمى حور وقال أبو حية النميري: ألا حي من أجل الحبيب المغانيا ... لبسن البلى مما لبسن اللياليا إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة ... تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا وقال الشريف المرتضى - رضي الله عنه -: ومن سفه وقوفك في المغاني ... تسائل عن فريق فارقونا سقين غداة بينهم دموعاً ... وكفن فما وقفن ولا روينا وقال مهيار: أنا يا دار أخو وحش الفلا ... فيك، من خان فعزمي لم يخني ولئن غال مغانيك البلى ... عادة الدهر فشخص منك يغني إن خبت نار فهذي كبدي ... أو جفا الغيث، فهذا لك جفني وقال أيضاً: يا مغاني الحمى سقيت، وما ين ... فعني الغيث أن يجودك قطرا أي عين أصابت الدار أق (م) ... ذى الله بعدي أجفانها وأضرا لا ثراها يطيل بعد النوى غص ... ناً، ولا جوها يتمم بدرا غير حم مثل القطا جاثمات ... كن جوناً فعدن بالريح كدرا وبقايا مواقد تصف الجو ... د أباديد في يد الريح تذرى قلبوا ذلك الرماد تصيبوا ... فيه قلبي إن لم تصيبوا الجمرا وقال أيضاً: عابوا وفائي لمن أهوى وقد علموا ... أن الخيانة ذنب لا أواقعه كأنني أول العشاق طالله ... مغنى الأحبة فارفضت مدامعه 4- فصل في ذكر الأطلال قال جرير بن عطية بن الخطفي: حي الغداة برامة الأطلالا ... رسماً تحمل أهله فأحالا إن السواري والغوادي غادرت ... للريح منخرقاً به ومجالا لم نلق مثلك بعد عهدك منزلاً ... فسقيت من سبل السماك سجالا أصبحت بعد جميع أهلك دمنة ... قفراً، وكنت محلة محلالا ولقد عجبت من الديار وأهلها ... والدهر كيف يبدل الأبدالا وقال أبو حية النميري: قفا حييا الأطلال من مسقط اللوى ... وهل في تحيات الرسوم جداء وماذا نحيي من عراص تبدلت ... شعوب النوى عنا فهن قواء كأن لم يكن فيها الجميع، ولم تصح ... بهم نية تعري الديار خلاء تذكرت عصراً قد مضى وصحابة ... ولم يك عما قد ذكرت عزاء وقال أبو تمام: إن شئت ألا ترى صبراً لمصطبر ... فانظر على أي حال أصبح الطلل كأنما جاد مغناه ... فغيره دموعنا يوم بانوا، وهي تنهمل وقال أيضاً: أسقى طلولهم أجش هزيم ... وغدت عليهم نضرة ونعيم جادت معاهدهم عهاد سحابة ... ما عهدها عند الديار ذميم سفه الفراق عليك يوم رحيلهم ... وبما أراه عنك وهو حليم وقال بشر بن الهذيل: يقول زميلي يوم سابقة النقى ... وعيناي من فرط الأسى تكفان: أمن أجل دار بين لوذان فالنقى ... غداة النوى عيناك تبتدران؟ فقلت له: لا، بل قذيت، وإنما ... قذى العين مما هيج الطللان وقال آخر: ثوى ماثلاً بين الطلول المواثل ... فهل بل من داء الجوى والبلابل معنى قضى دين الغرام مدامعاً ... يقسمها في دراسات المنازل تسائل عن أحبابه كل دمنة ... سوائل من عينيه غير سوائل وقال محمد بن بشير الخارجي:

سقى الله أطلالاً بأكثبة الحمى ... وإن كن قد أبدين للناس ما بيا منازل لو مرت بهن جنازتي ... لقال الصدى يا حاملي أربعا بيا وقال جميل بن معمر: أشاقتك المعارف والطلول ... عفون وخف منهن الحمول نعم وذكرت دنيا قد تولت ... وأي نعيم دنيا لا يزول؟! وقال حفص الأموي: ومن جزعي ... والشيب إحكام ذي النهى بكاء على الأطلال يوم الرواكس أسائل أطلالاً عفت بعد أهلها ... وغيرها سهك الرياح الروامس فما أبقت الأيام من عرصاتها ... لمن جاءها غير الرسوم الدوارس وقال عدي بن الرقاع العاملي: هل تعرف اليوم ... أم لا تعرف الطللا بلى، فهيج لي الأحزان والوجلا وقد أراني بها في عيشة عجب ... والدهر بينا له حال إذ انفتلا وقال طفيل بن عوف الغنوي: لمن طلل بذي خيم قديم ... يلوح كأن باقيه وشوم محا معروفه قدم الليالي ... ووكاف عزاليه سجوم وآونة عجاج الصيف حتى ... تنكرت المعالم والرسوم وقفت به أسائله ودمعي ... يفيض كأنه شن هزيم (الشن: القربة الخلقة، والإداوة الخلق، هزيم: منكسر) . وقال حاتم بن عبد الله الطائي: أتعرف أطلالاً ونوياً تهدما ... كخطك في رق كتاباً منمنما أذاعت به الأرواح بعد أنيسها ... شهوراً وأياماً وحولاً محرما دوارج قد غيرن ظاهر تربه ... وغيرت الأيام ما كان معلما وغيرها طول التقادم والبلى ... فما أعرف الأطلال إلا توهما وقال رقيع بن عبيد بن صيفي: يا صاحبي ألما بي على الطلل ... وحييا قبل طول البين والشغل وما تحية دار بعد ما درست ... إلا معارف رسم هاج من خبلي وقال ذو الرمة غيلان بن عقبة بن مسعود: خليلي عوجا اليوم حتى نسلما ... على طلل بين النقا والأخارم كأن لم يكن إلا حديثاً وقد أتى ... له ما أتى للمزمن المتقادم وهل يرجع التسليم ربع كأنه ... بسائفة قفراً ظهور الأراقم؟! [السائفة] : منقطع الرمل. وقال البحتري: يأبى الخلي بكاء المنزل الخالي ... والنوح في أرسم أقوت وأطلال وذو الصبابة ما ينفك ينصبه ... وجداً تأبد آي المنزل الخالي وقال آخر: أشاقتك من أرض العراق طلول ... تحمل منها جيرة وحلول فكيف ألذ العيش بعد معاشر ... بهم كنت عند النائبات أصول وقال أبو تمام: طلل الجميع لقد عفوت حميدا ... وكفى على رزئي بذاك شهيدا دمن كأن البين أصبح طالبا ... دمناً لدى آرامها وحقودا أمواقف الفتيان تطوى لم تذب ... شوقاً، ولم تندب لهن صعيدا؟ وقال أبو تمام أيضاً: تطل الطلول الدمع في كل موقف ... وتمثل بالدمع الديار المواثل دوارس لم يجف الربيع ربوعها ... ولا مر في أغفالها وهو غافل فقد سحبت فيها السحائب ذيلها ... وقد أخملت بالنور فيها الخمائل وقال المتنبي: أثلث، فإنا أيها الطلل ... نبكي، وترزم تحتنا الإبل لو كنت تنطق قلت ... معتذراً : بي غير ما بك أيها الرجل أبكاك أنك بعض من شعفوا ... ولم أبك أني بعض من قتلوا إن الذين أقمت وارتحلوا ... أيامهم لديارهم دول وقال أبو نواس: لمن طلل لم أشجه وشجاني ... وهاج الصبي، لو هاجه لأوان! بلى، فازدهتني للصبي أريحية ... يمانية إن السماح يماني وقال آخر، وهو ذو الرمة غيلان: ما هاج عينيك من الأطلال ... المزمنات بعدك الخوالي كالوحي في سواعد الحوالي ... غيرها تناسخ الأحوال وغير الأيام والليالي ... فاستبدلت والدهر ذو استبدال من ساكنيها فرق الآجال ... فانظر إلى صدرك ذا بلبال صبابة للأزمن الخوالي وقال الصنوبري: مألف موحش من الآلاف ... هاج عافية لي جوي غير عاف أحرام صفو الليالي لصب ... ذكرته الأطلال عهد التصافي؟! عاج يمحو بعض الصبابة ما بي ... ن مغان ممحوة وأثاف

فصل آخر في ذكر الأطلال

كم ترى شمل أهلها في افتراق ... وترى شمل دمعه في ائتلاف! وقال امرؤ القيس بن حجر: عوجا على الطلل المحيل لعلنا ... نبكي الديار كما بكى ابن خذام فظللت في دمن الديار كأنني ... نشوان باكره صبوح مدام روى ابن حبيب أنه "ابن حمام" وقال ابن الكلبي: "هو امرؤ القيس بن حمام بن مالك بن عبيدة بن هبل الكلبي، وكذا روى ابن الأعرابي، وأبو عمرو، والمفضل، وخالد. وقلت - من قصيدة -: نعم هذه الأطلال قفر كما ترى ... فما عذر أجفاني إذا لم تفض دما؟! ولليوم أعددت الدموع وصنتها ... وما يستجم الدمع إلا ليسجما وفي منزل الأحباب عذر لذي الهوى ... فلا لوم إلا أن تجور وتظلما وقال سعيد بن حميد المنبجي المذحجي المعروف بالدوقلة: هل بالطلول لسائل رد ... أم هل لها بتكلم عهد؟! درس الجديد جديد معهدها ... وكأنما هي ريطة جرد من طول ما تبكي الغيوم على ... عرصاتها، ويقهقه الرعد وتلث سارية وغادية ... ويكر نحس خلفه سعد يعني الدبران والعقرب: تلقى شآمية يمانية ... لهما بمور ترابها سرد فوقفت أسألها وليس بها ... إلا ألمها ونقانق ربد فتناثرت درر الشؤون على ... خدي كما يتناثر العقد وقال أيضاً: خبرني أيها الطلل ... الألى حدوك ما فعلوا؟ قال لي: لا علم لي بهم ... أيها المشتاق مذ رحلوا فأبكهم؛ ثم أبكني معهم ... بدموع ماؤها خضل تنسج النكباء في دمني ... للبلى ثوباً وتغتزل فإذا ما أخلقت حلل ... جددت لي بعدها حلل قلت: إن القلب بعدهم ... من عزاء عنهم عطل عصفت فيه رياح هوى ... فكلانا بعدهم طلل وقال مهيار: هل عند هذا الطلل الماحل ... إجابة تجدي على سائل؟ أصم، بل يسمع، لكنه ... من البلى في شغل شاغل وقفت فيها شبحاً ماثلا ... مرتفداً من شبح ماثل ولا ترى أعجب من ناحل ... يشكو ضنى الجسم إلى ناحل لهفك يا دار، ولهفي على ... قطينك المرتحل الزائل قلبي للأحزان بعد النوى ... وأنت للسافي وللناخل مثلان في السقم، ولي فضلة ... بالعقل، والبلوى على العاقل فصل آخر في ذكر الأطلال قال امرؤ القيس بن حجر: ألا أنعم صباحاً أيها الطلل البالي ... وهل ينعمن من كان في العصر الخالي؟! وهل ينعمن إلا سعيد مخلد ... قليل الهموم، لا يبيت بأوجال؟! ديار لسعدى عافيات بذي الخال ... ألح عليها كل أسحم هطال وقال طرفة بن العبد: لهند بحزان الشريف طلول ... تلوح وأدنى عهدهن محيل وبالسفح آيات كأن رسومها ... يمان وشته ريدة وسحيل (ريدة: قرية باليمن، وسحيل: ريح تسحل، أي تقشر) فغيرن آيات الديار مع البلى ... وليس على ريب الزمان كفيل بما قد أرى الحي الجميع بغبطة ... إذ الحي حي، والحلول حلول وقال ربيع بن قعنب: ألم تر للأطلال يوم سويقة ... عفت بعد عهد الحي فهي قفور؟ تحمل منها بعد طول إقامة ... حسان نقيات المدامع حور دعاهن سير بعد خفض ورفعت ... لهن على بزل الجمال خدور فأصبحت لا أدري لدن أن رأيتهم أتى حدب دون الجميع وقور وحتى رأيت الحي تعفو عراصهم ... يمانية تسدي البلى وتنير ونفح جنوب أو شمال ملثة ... تعارضها بالمعصفات دبور وقال جرير بن عطية: بقيت طلولك يا أمام على البلى ... لا مثل ما بقيت عليه طلول عفت الجنوب مع الشمال رسومها ... وصبا مزمزمة الحنين عجول أعذرت في طلب النوال إليكم ... لو كان من ملك النوال ينيل إن كان دهركم الدلال فإنه ... حسن دلالك يا أميم جميل لا يبعدن أنس تقادم بعدهم ... طلل ببرقة رامتين محيل ولقد نكون إذا يحل بغبطة ... أيام أهلك للديار حلول ولقد تساعفنا الديار وعيشنا ... لو دام ذاك كما نحب ظليل فسقى ديارك حيث كنت مجلجل ... هزج، ومن غر السحاب هطول وقال عمارة بن بلال بن جرير بن عطية:

ألا يا اسلما يا أيها الطللان ... وإن هجتما عيني على الهملان وهل دمع عيني اللجوجين راجع ... ليالي حل الحي هضب عران كأن زماناً حله الحي باللوى ... لوى ترمذاء لم يكن بزمان ولم تغن في أيامه أحسن الغنى ... وشعبا جميع الشمل متفقان إذا قلت: أنسى ذكر أسماء هيبت ... بقلبي دواعي حبها فعصاني روى عن مويلك عن أبيه قال: قال لي سائب خاثر يوم الحرة: ألا أسمعك شيئاً قد صنعت؟ قلت: نعم، فغناني: لمن طلل بين الكراع إلى القصر ... يغيب عنا آيه سبل القطر إلى خالدات ما تريم، وهامد ... وأشعث ترسيه الوليدة بالفهر فسمعت عجباً معجباً، ثم ذكر أهله وولده، فبكى، فقلت له: فما يمنعك منهم؟ قال: أما بعد شيء سمعته من يزيد بن معاوية فلا، ثم تقدم فقاتل بسيفه حتى قتل، وسائب خاثر: مولى بني ليث، اشترى عبد الله بن جعفر - رضي الله عنهما - ولاءه من مواليه، وقيل: اشتراه وأعتقه، فانقطع إلى عبد الله ولزمه، وهو أول من عمل العود بالمدينة، وغنى به. وقال ذو الرمة غيلان بن عقبة بن مسعود: لمية أطلال بحزوي دواثر ... عفتها السوافي بعدنا والمواطر كأن فؤادي ... هاض عرفان ربعها بها وهي ساق أسلمتها الجبائر عشية مسعود يقول ... وقد جرى على لحيتي من دمع عيني ماطر : أفي الدار تبكي أن تفرق أهلها ... وأنت امرؤ قد حلمتك العشائر؟ فلا ضير أن تسعبر العين إنني ... على ذاك إلا جولة الدمع صابر فيامي هل يجزي بكائي بمثله ... إليك، وأنفاسي عليك زوافر وإني متى أشرف إلى الجانب الذي ... به أنت من بين الجواب ناظر وأن لا ينال الركب تهويم وقعة ... من الليل إلا اعتادني منك زائر وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: بوجرة أطلال تعفت رسومها ... وأقفر من بعد الأنيس قديمها تلوح على طول الزمان عراصها ... كما لاح في كف الفتاة وشومها وقفت بها والعين شاملة القذى ... كعين طريف ما يجف سجومها فذلك هاج الشوق من أم نوفل ... وذكرى لنفس جمة ما تريمها فقد أدركت عندي من الود فوق ما ... تمنت بغيب أو تمنى حميمها وقال آخر: عفا من آل بلجاء الطلول ... وجد البين وانقطع الوسيل وصاح بصرمها من بطن قو ... غداة البين شحاج حجول من اللائي لعن بكل أرض ... فليس لهن في بلد قبول يباصرن النوى فإذا اشمعلت ... بأهل الدار واقلولى الحمول تبادرن الديار يمسن فيها ... وبئس من المليحات البديل وقال طهمان بن عمرو: ألا يا اسلما بالنير من أم واصل ... ومن أم جبر أيها الطللان وهل يسلم الربعان يجرى عليهما ... صباح مساء دائم الهطلان كفى حزناً أني تطاللت كي أرى ... ذرى علمي دمخ فما تريان كأنهما والآل يجري عليهما ... من البعد عينا برقع خلقان ألا حبذا والله ... لو تعلمانه ظلالكما يأيها العلمان وماؤكما العذب الذي لو شربته ... وبي صالب الحمى إذاً لشفاني وقال أبو الصفى رفاعة بن قيس: سفى الله أطلالاً لبلجاء بالغضا ... كساها البلى والنأي لبداً على لبد وأيامنا اللاتي مضين بعاقل ... فغير ذميمات مضين ولا نكد لقد كان لي ليل ببلجاء مرة ... قصير إذا ما الليل طال على الرمد وقال زهير بن أبي سلمى: لمن طلل برامة لا يريم ... عفا، وخلا له حقب قديم تحمل أهله منه فبانوا ... وفي عرصاته منهم رسوم يلوح كأنه كفا فتاة ... ترجع في معاصمها الوشوم وقال كثير: أمن طلل أقوى من الحي ماثله ... تهيج أحزان الطروب منازله بكيت وما يبكيك من رسم دمنة ... أضر به جود الشمال ووابله؟ وحبك ينسيني من الشيء في يدي ... ويذهلني عن كل شيء أزاوله سيهلك في الدنيا شفيق عليكم ... إذا غاله من حادث الدهر غائله كريم يميت السر حتى كأنه ... إذا استخبروه عن حديثك جاهله وقال ذو الرمة:

خليلي عوجا عوجة ناقتيكما ... على طلل بين الربنة والحبل بجرعائها من سامر الحي ملعب ... وآرى أفراس كجرثومة النمل شبه ما تهدم من مرابط الخيل بما يخرجه النمل من التراب عند بيوته: كأن لم يكنها الحي إذ أنت مرة ... بها ميت الأهواء مجتمع الشمل بكيت على مي بها إذ عرفتها ... وهجت البكا حتى بكى القوم من أجلي وهل هملان العين راجع ما مضى ... من العيش أو مدنيك يا مي من أهلي؟! وقال ذو الرمة أيضاً: قف العيش في أطلال مية فاسأل ... رسوماً كأخلاق الرداء المسلسل أظن الذي يجدي عليك سوالها ... دموعاً كتبذير الجمان المفصل وما يوم حزوي إن بكيت صبابة ... لعرفان ربع أو لعرفان منزل بأول ما هاجت لك الشوق دمنة ... بأجراع محلال مرب محلل عفت غير آري وأعضاد مسجد ... وسفع مناخات رواحل مرجل تجر بها الدقعاء هيف كأنها ... تسح التراب من خصاصات منخل دعت مية الأعداد واستبدلت بها ... خناطيل آجال من العين خذل (يقول: لما نصبت مياه منازلهم ارتحلوا إلى الأعداد، وهي المياه التي لها مادة في الصيف والشتاء، فكأنها دعتها، والخناطيل: أقاطيع الظباء والبقر، الواحدة خنطلة، وإجلٌ، والعين: البقر الوحشي، وخذلت الظبية ونحوها: أقامت وتخلفت عن قطعانها، والواحدة خاذل) وقال جميل بن معمر العذري: ألم تربع فتخبرك الطلول ... وقد ساءت لو نفع السؤول وكيف سؤال خيمات بوال ... ونوى عهد أحدثه محيل؟! لئن أمسى خلاء بعد جمل ... لقد يغني به الأنس الحلول وقال البحتري: هلا سألت بجو ثهمد ... طللا لمية قد تأبد؟ درست عهاد الغيث من ... هـ فحال عما كنت تعهد ولقد يساعف ذا الهوى ... بأوانس كالوحش خرد وقال الشريف المرتضى - رضي الله عنه -: ليس بجدي يا صاحبي وقوف ... بطلول ولا يرد سؤال إنما الربع بالمقيمين فيه ... وهو خلواً من ساكنيه مثال وقال سويد بن كراع العكلي: خليلي قوما في عطالة فانظرا ... أناراً ترى من آل يبرين أم برقا؟ فإن تك ناراً فهي في مشمخرة ... من الربح تذروها وتصفقها صفقا لأم علي أوقدتها طماعة ... لأوبة سفر أن تكون لهم وفقاً وحطاً على الأطلال رحلي فإنها ... لأول أطلال عرفت بها العشقا وقال ذو الرمة: أتعرف أطلالاً بوهبين فالخضر ... لمي كأنيار المفوفة الخضر فلما عرفت الدار واغترني الهوى ... تذكرت، هل لي إن تصابيت من عذر؟ فلم أر عذراً بعد عشرين حجة ... مضت لي وعشر قد مضين إلى عشر فأخفيت شوقي من رفيقي وإنه ... لذو نسب دان إلي وذو حجر محل الحواءين الذي لست رائياً ... محلهما إلا غلبت على الصبر فهاجت عليك الدار ما لست ناسياً ... من الحاج إلا أن تنسى على ذكر إذا قلت: يسلو ذكر مية قلبه ... أبى حبها إلا بقاء على الدهر وقال ذو الرمة أيضاً: عليكن يا أطلال مي بشارع ... على ما مضى من عهدكن سلام علام سألناكن عن أم سالم ... ومي فلم يرجع لكن كلام هوى لك لا ينفك يدعو كما دعا ... حماماً بأجراع العقيق حمام إذا هملت عيني له قال صاحبي: ... بمثلك هذا فتنة وغرام وقال البحتري: وقفنا فلا الأطلال ردت إجابة ... ولا العذل أجدى في المشوق المخاطب وما انفك رسم الدار حتى تهللت ... دموعي، وحتى أكثر اللوم صاحبي تمادت عقابيل الهوى وتطاولت ... لجاجة معتوب عليه وعاتب وقال زهير: أمن آل سلمى عرفت الطلولا ... بذي حرض ماثلات مثولا بلين وتحسب آياتهم (م) ... عن فرط حولين رقا محيلا وقال أبو تمام: أأطلال هند ساء ما اعتضت من هند ... أقايضت حور العين بالعين والربد فلا دمع ما لم يجر في إثره دم ... ولا وجد ما لم تعي عن صفة الوجد وقال أيضاً: قف بالطلول الدارسات علاثا ... أضحى حبال قطينهن رثاثا فتأبدت من كل مخطفة الحشا ... غيداء تُكسى يارقاً ورعاثا وقال أبو نواس:

لمن طلل عافى المحل دفين ... عفا آيه إلا خوالد جون كما اقترنت عند المساء حمائم ... غريبات ممسى ما لهن وكون ديار التي أما جنى رشفاتها=فيحلوا، وأما مسها فيلين وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي: متى أسل عن سعدى يهجني لذكرها ... حمائم أو أطلال دار مواثل أضر بها الأنواء والريح والندى ... وغير مغناها الضحى والأصائل وقال أيضاً: عزة أطلال أبت أن تكلما ... تهيج مغانيها الطروب المتيما كأن الرياح الذاريات عشية ... بأطلالها ينسجن ريطاً مسهما أبت وأبى وجدي بعزة إذ نأت ... على عدواء الدار أن يتصرما وقال أيضاً: أهاجك من سعدى الغداة طلول ... بذي الطلح عامي ومحيل وما هاجه من منزل لعبت به ... لهوجاء مرقال العشي ذيول بما قد ترى سُعدى به وكأنها ... طلاً راشحٌ للبارحات خذول وقال أيضاً: ألم تربع فتخبرك الطلول ... ببينة رسمها عاف محيل تحمل أهلها وجرى عليها ... رياح الصيف والسرب الهطول تحن بها الدبور إذا أربت ... كما حنت مولهة ثكول وقال الحادرة، واسمه قطبة بن أوس: لعمرة بين الأخشبين طلول ... تقادم منها مشهر ومحيل وقفت بها حتى تعالى بي الضحى ... لأخبر عنها إنني لسؤول وقال أبو نصر الخيشي: أطيل وقوفي في الطلول كأنما ... تخلف خلفي صاحب أتأناه ومن شيم العشاق في مذهب الهوى ... وقوفهم في الربع أقفر مغناه وقال عمر بن أبي ربيعة: هل تعرف الدار والأطلال والدمنا ... زدن الفؤاد على علاته حزنا دار لأسماء إذ كنا نحل بها ... وأنت إذ ذاك قد كانت لكم وطنا وقال أبو الوليد عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي: بأطلال دار من عميرة عرج ... كوشي اليماني برده غير منهج أقامت على الأنواء يسحقن تربها ... وتنسجها الأرواح من كل منسج أراني على شيب القذال متى أقف ... بأطلال دار من عميرة أنشج وقال كثير بن عبد الرحمن: أأطلال سُعدى باللوى تتعهد ... أقامت على الإقواء أم تتجدد وبين التراقي واللهاة حرارة ... مكان الشجى ما تستقر فتبرد وقلت لماء العين: أمعن لعله ... بما لا يرى من غائب الوجد يشهد ولم أر مثل العين ضنت بمائها ... علي، ولا مثلي على الدمع يحسد وقال ذو الرمة غيلان: خليلي عوجا عوجة ناقتيكما ... على طلل بين القلات وسارع وقفنا فقلنا: إيه عن أم سالم ... وما بال تكليم الديار البلاقع فما كلمتنا دارها غير أنها ... ثنت هاجسات من خبال مراجع خلت غير آجال الصريم وقد ترى ... بها وضح اللبات حور المدامع قيل: دخل بشار بن برد على عقبة بن سلم، فأنشده بعض مدائحه فيه، وعنده عقبة بن رؤبة بن العجاج، فأنشده عقبة بن رؤبة رجزاً يمدحه به، فشيعه بشار، وجعل يستحسن ما قال، إلى أن فرغ، ثم أقبل على بشار، فقال: هذا طراز لا تحسنه أنت يا أبا معاذ، فقال بشار: ألى يقال مثل هذا؟! والله لأنا أرجز منك ومن أبيك ومن جدك، فقال له عقبة: أنا - والله - وأبي وجدي فتحنا للناس باب الغريب وباب الرجز، وإني لخليق أن أسده عليهم، فقال له بشار: ارحمهم رحمك الله، فقال عقبة، أتستخف بي يا أبا معاذ وأنا شاعر ابن شاعر ابن شاعر؟ فقال له بشار: فأنت إذن من الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً. ثم خرج [من عنده] عقبة مغضباً، فلما كان من غد غدا بشار على عقبة بن سلم، وعنده عقبة ابن رؤبة فأنشده أرجوزته - التي مدحه فيها -: يا طلل الحي بذات الصمد ... بالله خبر كيف كنت بعدي؟ أحسست من دعد وترب دعد ... سقياً لأسماء ابنة الأشد قامت تراءي إذ رأتني وحدي ... كالشمس بين الزبرج المنقد صدت بخد وجلت عن خد ... ثم انثنت كالنفس المرتد عهداً لها سقياً له من عهد ... تخلف وعداً أو تفى بوعد فنحن من جهد الهوى في جهد ... .... ويقول فيها: وافق حظاً من سعى بجد ... ما ضر أهل النوك ضعف الكد الحر يلحي والعصا للعبد ... وليس للملحف مثل الرد

5- فصل في ذكر الربع

والنصف يكفيك من التعدي ... وصاحب كالدمل الممد حملته في رقعة من جلدي ... أرقب منه مثل حمى الورد حتى مضى غير فقيد الفقد ... وما درى ما رغبتي من زهدي ومدح فقال: واسلم وحييت أبا الملد ... مفتاح باب الحدب المنسد مشترك النبل ورى الزند ... أغر لباساً ثياب المجد والأرجوزة طويلة، فطرب عقبة بن سلم وأجزل صلته، وقام عقبة بن رؤبة فخرج عن المجلس بخزي، وهرب من تحت ليلته [فلم يعد إليه] . 5- فصل في ذكر الربع قال الأحوص: قد لعمري بت ليلى ... كأخي الداء الوجيع ونجي الهم مني ... بات أدنى من ضجيعي كلما أبصرت ربعاً ... خالياً فاضت دموعي وقال أبو تمام: أقشيب ربعهم أراك دريسا ... وقرى ضيوفك لوعة ورسيسا ولئن حبست على البلى لقد اغتدى ... دمعي عليك إلى الممات حبيسا وأرى ربوعك موحشات بعد ما ... قد كنت مألوف المحل أنيسا وقال أيضاً: أجل أيها الربع الذي خف آهله ... لقد أردكت فيك النوى ما تحاوله أسائلكم: ما باله حكم البلى ... عليه!، وإلا فاتركوني أسائله وقفنا على جمر الوداع عشية ... ولا قلب إلا وهو تغلي مراجله وقال أيضاً: سلم على الربع من سلمى بذي سلم ... عليه وسم من الأيام والقدم ما دام عيش لبسناه بساكنه ... لدنا، ولو أن عيشاً دام لم يدم يا منزلاً أعنقت فيه الجنوب على ... رسم محيل، وشعب غير ملتئم هرمت بعدي والربع الذي أفلت ... منه بدورك معذور على الهرم وقال أيضاً: يا موسم اللذات غالتك النوى ... بعدي فربعك للصبابة موسم ولقد أراك من الكواعب كاسياً ... فاليوم أنت من الكواعب معدم لحظت بشاشتك الحوادث لحظة ... ما زلت أعلم أنها لا تسلم قيل: خرج يحيى بن خالد بن برمك يوماً من داره يريد الرشيد، فمر ببعض أفنية قصره، فرأى على بعض حيطانه مكتوباً: أنعموا آل برمك ... وارقبوها متى هيه وارقبوا الدهر أن يدو ... ر عليكم بداهيه فوجم وجزع لذلك، ثم دخل - في ذلك اليوم - عليه أبو نواس، فأنشده: أربع البلى إن الخشوع لباد ... عليك وإني لم أخنك ودادي فمعذرة مني إليك بأن ترى ... رهينة أرواح وصوب غواد ولا أدرأ الضراء عنك بحيلة ... فما أنا فيها قائل لسعاد وإن كنت قد بدلت بؤسي بنعمة ... لقد بدلت عيني قذى برقاد إلى أن بلغ إلى قوله: سلام على الدنيا إذا ما فقدتم ... بني برمك من رائحين وغاد فتطير، فنكب في تلك الليلة. كان محمد بن واسع - رحمه الله - يمر برباع إخوانه بعد موتهم، فيناديهم: أي فلان، أي فلان، ثم يرجع إلى نفسه فيقول: ماتوا والله، وإن نعلاً فقدت أختها لسريعة اللحاق بصاحبتها. وقال الفند الزماني، واسمه شهل بن شيبان بن ربيعة بن زمان: أشجاك الربع أقوى والديار ... وبكاء المرء للربع خسار أي لب لامرئ في قدره ... عائذ بالحزن إذ تشجيه دار إنما يبكي الألى كانوا بها ... فانتأوه بعد ما شط المزار يخرب الدهر ويبني جاهداً ... وخراب الدهر للدار عمار (هذا قلب، أراد عمارتها خراب لها) : أيها الباكي على ما فاته ... أقصرن عنك، فبعض القول عار ليس يغني جزع القوم إذا ... وقع الأمر بهم إلا الغيار (يقول: ليس يغني عنهم أن يجزعوا، ولكن أن يغيروا) . فاجزعوا للأمر، أو لا تجزعوا ... قد تداعى السقف وأنهار الجدار وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: سائلاً الربع بالبلى وقولاً ... هجت شوقاً لنا الغداة طويلا أين حي حلوك إذ أنت محفو ... ف بهم آهلاً أراك جميلاً قال: ساروا بأجمع فاستقلوا ... وبكرهي لو استطعت سبيلا وقال حفص الأموي: يا ربع أين انتجع الحاضر ... جادك نوء الجبهة الماطر مالي أرى مغناك قفراً كأن (م) ... لم يله في ساحته سامر أصبح قد ردى ثوب البلى ... فالآي منه مخلق دائر وقد أراه قبل صرف النوى ... يعدب من بهجته الناظر وقال أبو حية النميري:

قفا عند مما تعرفان ربوعي ... وإن سبقت فرط العزاء دموعي نحيي على طول البلى رسم دمنة ... كأن لم تكن من آلفين جميع وماذا نحيي من رسوم كأنها ... بأسفل سلمانين سحق صديع كأن حمامات ثلاثاً بربعها ... وقعن فما يسأمن طول وقوع وإني لصب ما علمت وإنني ... لبعض هوى نفسي لغير مطيع وقال البحتري: يا ربوع الديار إني على ما ... قد أراه منكن غير جلدي أخلق الدهر عهدكن وللده ... ر صروف يبلين كل جديد فرقت شملنا النوى بعد ما ك ... نا جميعاً في ظل عيش حميد وقال قبيصة بن عمرو المهلبي: لأحسن من بطن الرصافة منظراً ... وميدانها فالرخ فالدور فالجسر ربائع لا يلبسن والريح ريدة ... قتاماً ولا يلثقن للوابل الهمر إذا ما كساهن الربيع رياطه ... تأرجن مسكاً أو تضاحكن عن در وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه -: قفا صاحبي اليوم أسأل حاجة ... ولا ترجعا سمعي بغير بيان هل الربع بعد الظاعنين كعهده ... وهل راجع فيه علي زماني؟ وقال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي بن صدقة الخياط الدمشقي: أحب ثرى الوادي الذي بان أهله ... وأصبوا إلى الربع الذي مح مغناه وبالجزع حي كلما عن ذكرهم ... أمات الهوى مني فؤاداً وأحياه فمنيتهم بالرقمتين، ودارهم ... بوادي الغضا يا بعد ما أتمناه وما شغفي بالريح إلا لأنها ... تمر بحي دون رامة مثواه وقال ذو الرمة غيلان: أللربع ظلت يعنك الماء تهمل ... رشاشاً كما استن الجمان المفصل؟! لعرفان أطلال كأن رسومها ... بوهبين وشيء أو رداء مسلسل نبت نبوة عيني بها ثم بينت=يحاميم سود أنها الدار مثل عهدت بها الحي الحلول بسلوة ... جميعاً، وآيات الهوى ما تزيل وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه -: حييت يا ربع الهوى من مربع ... وسقيت أندية الغيوث الهمع فلقد عهدتك والزمان مسالم ... فيك المنى وشفاء داء الموجع أيام إن يدع الهوى بي اتبع ... وإذا دعيت إلى النهى لم أتبع سقياً له زمناً نعمت بظله ... لكنه لما مضى لم يرجع وقال أيضاً: عوجاً نحي الربع فيه لنا الهوى ... فلربما نفع المحب سلامه واستعبرا عني به إن خانني ... جفني، ولم يمطر على غمامه دمن رضعت بهن أخلاف الصبي ... لو لم يكن بعد الرضاع فطامه وقال أيضاً: وقفنا على ربع الأحبة وقفة ... فلم نر إلا رمدداً وأثافيا وأشعث منقد السراة مهمشاً ... أضر به ضرب الوليدة باليا فما زال رسم الدار حتى أعادني ... وكنت جليد القوم في القوم باكيا وقفت به صحبي صحيحاً فلم تكن ... سوى نظرة حتى رجعت بدائيا وقال القاضي المهذب أبو محمد حسن بن علي بن الزبير - رحمه الله -: ربع الفؤاد خلال تلك الأربع ... فكأنها أولى به من أضلعي وأقام فيه فالجوانح بلقع ... منه، وما البيد القفار ببلقع وأرى الصبا تمري السحاب وإنما ... تمري صبابته سحاب الأدمع وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري: أمر بربع كنت فيه كأنما ... أمر من الإجلال بالحجر والركن وإجلال مغناك اجتهاد مقصر ... إذا السيف أودي فالعفاء على الجفن وقال أبو تمام: على مثلها من أربع وملاعب ... أذيلت مصونات الدموع السواكب أقول لقرحان من البين لم يضف ... رسيس الهوى بين الحشا والترائب أعني على تفريق دمعي فإنني ... أرى الشمل منهم ليس بالمتقارب أميدان لهوى من أتاح لك البلى ... وأصبحت ميدان الصبا والجنائب؟ أصابتك أبكار الخطوب فشتتت ... نواك بأبكار الظباء الكواعب وقال آخر: أمسح الربع بخدي ... أن مشى فيه الخليل وعلى مثلك يبكى ... أيها الربع المحيل وقال آخر: يا ربع مالك لا تجيب متيما ... قد عاج نحوك زائراً ومسلما جادتك كل سحابة هطالة ... حتى ترى عن زهره متبسما

فصل آخر في ذكر الربع

لو كنت تدري من دعاك أجبته ... وبكيت من حرق عليه إذاً دما وقال آخر: إن يمس حبلك بعد طول تواصل ... خلقاً، ويصبح ربعنا مهجورا فلقد أراني ... والجديد إلى بلى دهراً بوصلك ناعماً مسروراً كنت الهوى وأعز من وطىء الحصا ... عندي، وكنت بذاك منك جديرا وقال جبيهاء الأشجعي، واسمه يزيد بن عبيد: أمن الجميع بذي النعاج ربوع ... هاجت فؤادك والربوع ربوع من بعد ما نكرت وغير آيها ... قطر ومسبلة الذيول خريع؟ وقال آخر: وقفت على ربع لسعدى وعبرتي ... ترقرق في العينين ثم تسيل أسائل ربعاً قد تعفت رسومه ... عليه لأصناف الرياح ذيول فصل آخر في ذكر الربع قال أبو تمام: قد نابت الجزع من أروية النوب ... واستحقبت جدة من ربعها الحقب ألوى بصبرك إخلاق اللوى وهفا ... بلبك الشوق لما أقفر اللبب خفت دموعك في إثر الخليط لدن ... خفت من الكثب القضبان والكثب وقال أرطاة بن سهية: ألا حي ربعاً باللديد المقابل ... يهيج الهوى من بين تلك المنازل يهيج الذي قد كان من سالف الصبى ... على مستهام قلبه غير ذاهل يهيم بذكر الغانيات، وهمه ... طلاب الصبى في غيه المتمايل فما ظبية الغر التي هاجت الهوى ... ولكنما شبهتها أم واصل من البيض مكسالاً كأن حديثها ... جنى النحل هيفاء صموت الخلاخل وقال البحتري: وقفنا على ربع البخيلة فانبرت ... وسابق قد كانت بها العين تبخل فلم يدر ربع الدار كيف يجيبنا ... ولا نحن من فرط الأسى كيف نسأل وقال طرفة بن العبد: أشجاك الربع م قدمه ... أم رماد دارس حممه حابسي رسم وقفت به ... لو أطيع النفس لم أرمه وقال جميل بن معمر العذري: أتصرم هذا الربع أم أنت زائره ... وكيف يزار الربع قد بان عامره وقد كان ممن يسكن الربع مرة ... جميل المحيا، قاصر الطرف فاتره سقى الله بيتاً لست أقرب أهله ... ولا أنت إلا أن تعنف زائره رأيتك تأبى البيت تبغض أهله ... وقلبك في البيت الذي أنت هاجره وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي: خليلي هذا ربع عزة فاعقلا ... فلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت وما كنت أدرى قبل عزة ما البكا ... ولا موجعات القلب حتى تولت فيا عجباً للقلب كيف اعترافه ... وللنفس لما وطنت كيف ذلت وإني وتهيامي بعزة بعد ما ... تخليت عما بيننا، وتخلت لكالمرتجى ظل الغمامة كلما تبوأ منها للمقيل اضمحلت كأني وإياها سحابة ممحل ... رجاها، فلما جاوزته استهلت وقال ذو الرمة: خليلي عوجا عوجة ثم سلما ... عسى الربع بالجرعاء أن يتكلما تعرفته لما وقفت بربعه ... كأن بقاياه تماثيل أعجما ديار لمى قد تعفت رسومها ... تخال نواحيها كتاباً معجما [معجم] أي منقط وقال أيضاً: وقفت على ربع لمية ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه وأسقيه حتى كاد مما سقيته ... تكلمني أحجاره وملاعبه أسقيه: أدعو له بالسقيا ألا لا أرى مثل الهوى داء مسلم ... كريم، ولا مثل الهوى ليم صاحبه متى يعصه تبرح معاصاته به ... وإن يتبع أسبابه فهو عائبه وقال البحتري: عهدي بربعك مأنوساً ملاعبه ... مثال آرامه حسناً كواعبه يشبن للصب في صفو الهوى كدراً ... إن وخط شيب أعيرته ذوائبه وقال أيضاً: إذا شئت أجرت أدمعي من شؤونها ... ربوع لها بالأبرقين وأرسم وقفت بها والركب شتى سبيلهم ... يفيضون، منهم عاذرون ولوم هي الدار إلا أنها لا تكلم ... عفا معلم منها وأقفر معلم تقيض لي ... من حيث لا أعلم النوى ويسري إلي الشوق من حيث أعلم وقال أبو الفتيان بن حيوس: هو ذاك ربع العامرية فاربع ... واسأل مصيفاً عافياً عن مربعي واستسق للدمن الخوالي بالحمى ... غر السحائب واعتذر عن أدمعي فلقد فنين أمام دان هاجر=في قربه، ووراء ناء مزمع

وقال كثير: خليلي عوجا ... ويكما ساعة معي على الربع نقضي حاجة ونودع ولا تعجلاني أن ألم بدمنة ... لعزة لاحت لي ببيداء بلقع وقولاً لقلب قد سلا راجع الهوى ... وللعين أذرى من دموعك أودعي فلا عيش إلا مثل عيش مضى لنا ... مصيفاً، أقمنا فيه من بعد مربع وقال الشريف المرتضى - رحمه الله -: كيف أرضى عن الزمان وما أر ... ضى كريماً قبلي الزمان فأرضى عرصات أصبحن وهي سماء ... ثم أمسين بالحوادث أرضا ورباع كانت عرين أسود + أصبحت للضباع مأوى ومفضى وثرى ينبت النعيم إذا أن ... بت ترب البلاد عشباً وحمضا ولقد مضنى هجومي على الدا ... ر بلا آذن على الباب مضا وقال أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي: أيدري الربع أي دم أراقا ... وأي قلوب هذا الركب شاقا لنا ولأهله أبداً قلوب ... تلاقي في جسوم ما تلاقى فليت هوى الأحبة كان عدلاً ... فحمل كل قلب ما أطاقا وقال أيضاً: فديناك من ربع وإن زدتنا كربا ... فإنك كنت الشرق للشمس والغربا وكيف عرفنا رسم من لم يدع لنا ... فؤاداً لعرفان الرسوم ولا لبا نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن نلم به ركبا نذم السحاب الغر في فعلها به ... ونعرض عنها كلما طلعت عتبا ذكرت به وصلاً كأن لم أفز به ... وعيشاً كأني كنت أقطعه وثبا تحية كسرى في السناء وتبع ... لربعك، لا أرضى تحية أربع أمير المغاني لم تزالي أميرة ... به للغواني في مصيف ومربع لقد نصحتني في المقام بأرضكم رجال، ولكن رب نصح مضيع فلا كان سيرى عنكم رأى ملحد ... يقول بيأس من معاد ومرجع وقال المتنبي: ملث الغيث أعطشها ربوعا ... وإلا فاسقها السم النقيعا أسائلها عن المتديريها ... فما تدري ولا تذري دموعا لحاها الله إلا ماضييها ... زمان اللهو والخود الشموعا وقال أيضاً: دمع جرى فقضى في الربع ما وجبا ... لأهله وشفى أنى ولا كربا عجنا فأذهب ما أبقى الفراق لنا ... من العقول، وما رد الذي ذهبا سقيته عبرات ظنها مطرا ... سوائلاً من جفون ظنها سحبا وقال أيضاً: بكيت يا ربع حتى كدت أبكيكا ... وجدت بي وبدمعي في مغانيكا فعم صابحاً لقد هيجت لي شجناً ... واردد تحيتنا إنا محيوكا بأي حكم زمان صرت متخذاً ... ريم الفلا بدلاً من ريم أهليكا؟! أيام فيك شموس ما انبعثن لنا ... إلا التعثن دماً بالحظ مسفوكاً وقال أبو فراس بن حمدان: علي لربع العامرية وقفة ... يمل علي الشوق والدمع كاتب فلا وأبي العشاق ما أنا عاشق ... إذا أنا لم تلعب بصبري الملاعب ومن مذهبي حب الديار لأهلها ... وللناس فيما يعشقون مذاهب أتهجر هذا الربع أم أنت زائره ... وكيف يزار الربع قد بان عامره؟! فذ العرش قد أجرمت في أن هجرتها ... وما يك من ذنب فإنك غافره قد تقدمت هذه الأبيات - بزيادة فيها - منسوبة إلى جميل بن معمر العذري. وقال أبو تمام: يا ربع لو ربعوا على ابن هموم ... مستسلم لجوى الفراق سليم؟ قد كنت معهوداً بأحسن ساكن ... منا، وأحسن دمنة ورسوم أيام للأيام فيك غضارة ... والدهر في وفيك غير مليم وقال نصيب: ولو أن ربعاً راجع القول قبله ... لرد السلام ربع سعدى وسلما ولكنه هاج الهوى لمكلف ... لسعدى وأمسى دارس العلم أعجما وقال الرماح بن ميادة - وميادة أمه، وهي سنديه، وأبوه الأبرد بن ثوبان بن سراقة بن سلمى بن ظالم - من قصيدة يمدح بها يزيد بن عبد الملك بن مروان: هل ينطق الربع بالعلياء غيره ... سافي الرياح ومستن له طنب جرت به ذات أذيال مزعزعة ... لها تقى، وذيل عارم حصب تكسو معارفه حبراً تجدده ... من التراب، وأخرى بعد تستلب دار لبيضاء مسود مسائحها ... كأنها ظبية ترعى وتنصب جاورتها رجباً أيام ذي سلم ... ثم استمرت ولاقى دونها رجب

6- فصل في ذكر الدمن

وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه -: مثلت ربعك والمراحل دونه ... نصب الضمير فكنت في مغناك ورأيت ظبياً واقفاً بفنائكم ... يرنو إلي كما رنت عيناك فبكيت من أسف عليك وإنما ... أجرى مدامع مقلتي ذكراك قالت: أكنت نسيتنا فذكرتنا ... للظبي نشكر، لا للدمع الباكي وقال آخر: سقياً لربعك من ربع بذي سلم ... وللزمان به إذ ذاك من زمن إذ أنت فينا لمن ينهاك عاصية ... وإذ أجر إليكم سادراً رسنى وقال مهيار: استنجد الريح من سليمى ... مراً على ربعها المحيل ولم أخل قبلها شفائي ... عند نسيم الصبا العليل وأقتضى أذرع المطايا ... ما استصحبت من ثرى الطلول وقال آخر: أربع سلامة بالمنحنى ... بخيف سلع جادك الهاطل إن تمس وحشاً فبما قد ترى ... وأنت معمور بهم آهل وقال أخي عز الدولة أبو الحسن علي بن مرشد - رحمه الله -: أربع بتلك الأربع ... بين اللوى فالأجرع وقف ولو رجع الصدى ... وقفة صب موجع وسل صباها إن سرت ... عن الغزال الألمع إن كن قد أتهم لما ... أنجد الوجد معي كم لي إليه أنة ... تقيم عوج أضلعي أودعته قلبي قلم ... يرع حقوق المودع وإن يكن خان ولم ... يرع حقوقي فرعي فيا زماني والصبا ... هل فيكما من مطمع؟ وهل لأيام التصا ... بي والحمى من مرجع؟! ويا غراب البين طر=بعد الفراق أو قع فما أبالي بعدهم ... كيف أتاني مصرعي 6- فصل في ذكر الدمن قال رقيع بن عبيد بن صيفي: ألم تلمم على الدمن البوالي ... ديار الحي في الحجج الخوالي عفتها كل معصرة، ومر ... من الأيام بعدك والليالي فأبقى من معارفها قليلاً ... عيباً حين يسأل بالسؤال بها عمروا، وكل نعيم عيش ... من الدنيا يصير إلى زوال هم كانوا الحماة وكان فيهم ... ذوو الأفضال والأيدي الطوال وقال البحتري: ألفوا الفراق كأنه وطن لهم ... لا يقربون إليه حتى يبعدوا في كل يوم دمنة من حيهم ... تقوى، وربع منهم يتأبد أسند صدور اليعملات بوقفة ... في الماثلات كأنهن المسند دمن تقاضاهن إعلان البلى ... هوج الرياح الباديات العود حتى فنين، وما البقاء لواقف ... والدهر في أطرافه يتردد وقال أيضاً: بين السقيفة فاللوى فالأجرع ... دمن حبسن على الرياح الأربع فكأنما ضمنت معالمها الذي ... ضمنته أحشاء المحب الموجع ولو أن أنواء الربيع تطيعني ... لشفى الربيع غليل تلك الأربع ما أحسن الأيام إلا أنها ... تمضي بنا، وإذا مضت لم ترجع وقال أيضاً: ما جو خبت وإن نأت ظعنه ... تاركنا أو تشوقنا دمنه إذا استجدت داراً تعلقها ... بالإلف حتى كأنها وطنه تالله ما إن يني يدلهنا ... سرور هذا الزمان أو حزنه وقال أبو تمام: دمن ألم بها فقال سلام ... كم حل عقدة صبره الإلمام نحرت ركاب الركب حتى يغبروا ... رجلى، لقد عنفوا علي ولاموا وقفوا على اللوم حتى خيلوا ... أن الوقوف على الديار حرام لا مر يوم واحد إلا وفي ... أحشائه لمحلتيك غمام ولقد أراك فهل أراك بغرة ... والعيش غض والزمان غلام أعوام وصل كان ينسى طولها ... ذكر النوى فكأنها أيام ثم انبرت أيام هجر أردفت ... بجوى أسى فكأنها أعوام ثم انقضت تلك السنون وأهلها ... فكأنهم وكأنها أحلام وقال مهيار: دمن كمسحبة الأزم ... ة مسحلاً إمرارها ماتت حقائها وخل ... د زورها ومعارها وامتد ليل السافيا ... ت بجوها، ونهارها عندي لها إن أجدبت ... وكافة تمتارها أنست بإسبال الدمو ... ع، كأنها أشفارها فصل آخر في ذكر الدمن قال زهير بن أبي سلمى، واسمه ربيعة بن رزاح المزني: أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ... بحومانة الدراج فالمتثلم ديار لها بالرقمتين كأنها ... مراجع وشم في نواشر معصم

[النواشر] : عصب الذراع بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم وقفت بها من بعد عشرين حجة ... فلايا عرفت الدار بعد توهم فلما عرفت الدار قلت لربعها: ... ألا انعم صباحاً أيها الربع واسلم وقال النابغة الذبياني: عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار ... ماذا تحيون من نؤى وأحجار أقوى وأقفر من نعم وغيرها ... هوج الرياح بهابي الترب موار وقفت فيها سراة اليوم أسألها ... عن آل نعم أموناً عبر أسفار فاستعجمت دار نعم ما تكلمنا ... والدار لو كلمتنا ذات أخبار وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي: أهاجك مغنى دمنة ومساكن ... خلت وعفاها المعصرات السوافن (السوافن) : أراد السوافي ديار ابنة السعدي إذ عقد حبلها ... متين، وإذ معروفها لك عاهن (عاهن) : حاضر وما زلت في ليلى لدن طرشاربي ... إلى اليوم أطفئ إحنة وأداجن وأحمل في ليلى لقوم ضغينة ... وتحمل في ليلى على الضغائن وقال ذو الرمة: تحن إلى مي كما حن نازع ... دعاه الهوى فارتد في قيده قسرا فقلت: أربعاً يا صاحبي بدمنة ... بذي الرمث قد أقوت منازلها عصرا أرشت بها عيناك حتى كأنما ... يحلان من سفح الدموع بها نذرا ولا مي إلا أن تزور بمشرف ... أو الزرق من أطلالها دمناً قفرا وقال أيضاً: أمن دمنة بين القلات وشارع ... تصابيت حتى ظلت العين تدمع أجل عبرة ظلت إذا ما وزعتها ... بحلمي أبت منها عوارض تسرع وما يرجع الوجد الزمان الذي مضى ... وما للفتى في دمنة الدار مجزع عشية مالي حيلة غير أنني ... بلقط الحصى والخط في الدار مولع أخط وأمحو الخط ثم أعيده ... بكفي والغربان في الدار وقع كأن سناناً فارسياً أصابني ... على كبدي، بل لوعة الحب أوجع ألا ليت أيام القلات وشارع ... رجعن لنا، ثم انقضى العيش أجمع وقال أيضاً: أمن دمنة بالجو جو جلاجل ... زميلك منهل الدموع جزوع؟ عصيت الهوى يوم القلات وإنني لداعي الهوى يوم النقا لسميع أربت به هوجاء تستدرج الصبا ... مفرقة تذرى التراب جموع أراجعة يا مي أيامنا الألى ... بذي الرمث، أم لا مالهن رجوع؟ ولو لم يهجني الظاعنون لهاجني ... حمائم ورق في الديار وقوع تجاوبن فاستبكين من كان ذا هوى ... نوائح لم تذرف لهن دموع وقال كثير بن عبد الرحمن: سقى دمنتين لم نجد لهما مثلا ... بحقل لكم يا عز قد زانتا حقلا نجاء الثريا كل آخر ليلة ... تجودهما جوداً وتردفهما وبلا إذا شحطت دار لعزة لم أجد ... لها في الألى يلحين في وصلها مثلا فيا ليت شعري والحوادث جمة ... متى تجمع الأيام يوماً بها شملا؟ وقال أرطاة بن كعب بن قعين: يا دارة السلم التي شرقيها ... دمن يظل حمامها يبكينا ما كنت أول من تفرق شمله ... ورأى الغداة من الفراق يقينا وقال ذو الرمة غيلان: خليلي عوجا حييا رسم دمنة ... محتها الصبا بعدي وطارت خيامها هل الدار إن عجنا ... لك الخير ناطق بحاجتنا أطلالها وثمامها؟! ألا لا، ولكن عائد الشوق هاجه ... عليك طلول قد أحال مقامها منازل من مي بوهبين جادها ... أهاضيب طل دجنها واتمهامها وقال أحمر بن الأيهم التغلبي: ألمم على دمن تقادم عهدها ... بالجزع واستلب الزمان جمالها رسم لقاتلة الغرانق ما به ... إلا الوحوش خلت له وخلا لها ظلت تسائل بالمتيم أهله ... وهي التي فعلت به أفعالها وقال البحتري: دمن لزينب قبل تشريد النوى ... من ذي الأراك بزينب ولعوب تأبى المنازل أن تجيب ومن جوى ... يوم الديار دعوت غير مجيب فسقى الغضى والساكنيه وإن هم ... شبوه بين جوانح وقلوب قال أبو الفرج الأصبهاني: لما قال علي بن أحمد بن أبي أمية الكاتب: يا ريح ما تصنعين بالدمن ... كم لك من محو منظر حسن محوت آثارنا وأحدثت آ ... ثاراً بربع الحبيب لم تكن

إن تك يا ربع قد بليت من الر ... يح، فإني بال من الحزن قد كان يا ربع فيك لي سكن ... فصرت مذبان بعده سكني شبهت ما أبلت الرياح من آثار ... حبيبي النائي إلى بدني حاشاك يا ريح أن تكوني على ال ... عاشق عوناً لحادث الزمن كثر الناس فيه، وتداولوه، وغني فيه عمرو الغوال، فقال أبو موسى الأعمى: يا رب خذني، وخذ علياً، وخذ ... "يا ريح ما تصنعين بالدمن" عجل إلى النار بالثلاثة والرا ... بع عمرو الغوال في قرن وقال عمر بن شأس: متى تعرف العينان أطلال دمنة ... لليلى بأعلى ذي معارك تدمعا على النحر والسربال حتى تبله ... سجوم، ولم تجزع إلى الدار مجزعا خليلي عوجاً اليوم نقض لبانة ... وإلا تعوجا اليوم لا ننطلق معا قال أبو عمرو: كان بيهس بن صهيب بن عامر بن عبد الله بن نائل يهوى امرأة من قومه يقال لها: "صفراء" وكان يتحدث إليها، ويجلس في بيتها، ويكثر وجده بها، ولا يظهره لأحد، ولا يخطبها إلى أبيها، لأنه كان صعلوكاً لا مال له، وكان ينتظر أن يثرى، وكان شاعراً شجاعاً، له مواقف مشهورة، وكان من أحسن الشباب وجهاً وشارة، وحديثاً، وشعراً، فكان نساء الحي يتعرضن له، يجلسن إليه، ويتحدثن معه، فمرت به صفراء، فرأته جالساً مع فتاة منهن، فهجرته زماناً، لا تجيبه إذا دعاها، ولا تخرج إليه إذا زارها، وعرض له سفر، فخرج فيه، ثم عاد وقد زوجها أبوها رجلاً من بني أسد، فأخرجها وانتقل بها عن ديارهم، فقال بيهس بن صهيب: سقى دمنة صفراء كانت تحلها ... نجاء الثريا طلها وذهابها وجاد عليها كل أسحم هاطل ... ولا زال مخضراً مريعاً جنابها أحب ثرى أرض إلي وإن نأت ... محلك منها، نبتها وترابها على أنها غضبى علي وحبذا ... رضاها إذا ما أرضيت وعتابها نظرت وقد زال الحمول، ووازنوا ... بركوة والوادي وحنت ركابها فقلت لأصحابي: أبا لقرب منهم ... جرى الطير، أم نادى ببين غرابها!؟ وتوفيت "صفراء" قبل أن يدخل بها زوجها الأسدي، ولبيهس بن صهيب فيها أشعار يرثيها، وقد أوردت أخباره وأشعاره في صفراء في كتابي المترجم بكتاب "أخبار النساء" فاقتصرت على ما ذكرته ههنا من شعر، لما اقتضاه التأليف من ذكر الدمن. وقال المتنبي: قف على الدمنتين بالدو من ري ... ا، كخال في وجنة جنب خال بطلول كأنهن نجوم ... في عراص كأنهن ليالي وقال أبو تمام: أراك أكبرت إدماني على الدمن ... وحملي الشوق من باد ومكتمن لا تكثرن ملامي أن عكفت على ... ربع الحبيب فلم أعكف على وثن فما وجدت على الأحشاء أوقد من ... دمع على وطن لي في سوى وطني صيرت لي من تباري عبرتي سكناً ... مذ صرت فرداً بلا إلف ولا سكن وقال المتنبي: ذكر الصبي ومرابع الآرام ... جلبت حمامي قبل وقت حمامي دمن تكاثرت الهموم على في ... عرصاتها، كتكاثر اللوام وكأن كل سحابة وقفت بها ... تبكي بعيني عروة بن حزام ليس القباب على الركاب وإنما ... هن الحياة ترحلت بسلام ليت الذي خلق النوى جعل الحصى ... لخفافهن مفاصلي وعظامي وقال أبو نواس الحسن بن هانئ: لمن دمن تزداد طيب نسيم ... على طول ما أقوت وحسن رسوم تجافي البلى عنهن حتى كأنما ... لبسن على الإقواء ثوب نعيم وما زال مدلولاً على الربع عاشق ... أسير لبانات، طليح هموم يرى الناس أعباء على جفن عينه ... وإن حل في وادي أخ وحميم وقال أيضاً: يا كثير النوح في الدمن ... لا عليها بل على السكن سنة العشاق واحدة ... فإذا أحببت فاستنن ظن بي من قد كلفت به ... فهو يجفوني على الظنن بات لا يعنيه ما لقيت ... عين ممنوع من الوسن رشأ لولا ملاحته ... خلت الدنيا من الفتن ما بدا إلا استرق له ... حسنه عبداً بلا ثمن وقال البحتري: أفي كل يوم منك عين ترقرق ... وقلب على طول التذكر يخفق على دمنة فيها لأدمانة النقا ... محاسن أيام تخب وتعنق

وقفت فأوقفت الجوى موضع الهوى ... ليالي عود الدهر ريان مشرق فحرك بثي ربعها، وهي ساكن ... وجدد وجدي رسمها وهو مخلق وقال ابن المولى، وهو محمد بن عبد الله بن المولى، مولى الأنصار - رضي الله عنهم -: وقال خليلي ... والبكا لي غالب : أقاض على هذا البكاو التشوق؟! وقد طال توقافي أكفكف عبرة ... على دمنة كادت بها النفس تزهق وإنسان عيني في دوائر لجة ... من الماء يبدو تارة ثم يغرق وقال الشيخ الأمين أبو البركات بن أبي جرادة الحلبي: الناس لا هون في أماكنهم ... ونحن في رحلة وفي ظعن كأننا من متيمي العرب العر ... باء تهوى المعاج بالدمن هذان البيتان للشيخ الأمين أبي البركات بن أبي جرادة، وكان أميناً على خزانة الملك العادل نور الدين، فكان لا يزال معه في سفر، ولم يكن معتاداً لذلك، فتبرم بما هو فيه من الحركة والسفر المستمر في الأخطار والحروب، فكتب إلى أخيه ثقة الملك أبي عبد الله - رحمهما الله - أبياتاً، منها البيتان المقدمة، وأنا ذاكر القطعة بكمالها: يا ثقتي أنت مشتكى حزني ... قد فاتني كل مطلب حسن ما قصرت همتي فأجعلها ... مظنة الإتهام والظنن أملت أن أقتنى من المجد ... والسؤدد ما لا يباع بالثمن واقتفى سنة الألى درجوا ... قبلي على واضح من السنن راغب نفس فيما يزهدني ... ناعم بال بعيشي الخشن حيث لا أبتغي مزاحمة الخل ... ق ولا أشرئب للمنن ولا يراني امرؤ ألوذ به ... إلا خليلي في الله أو سكني هذا الذي رمته فعارضني ... في كونه عارض من الزمن أصبح شملي إلى الشتات وأص ... بحت غريباً، وما نبا وطني ولا جفاني أهل الصفاء ولا ... شربت در الصفاء بالضفن الناس لا هون في أماكنهم ... ونحن في رحلة وفي ظعن كأننا من متيمي العرب العر ... باء تهوى المعاج بالدمن لا صبر لي قد خرجت من جلدي ... وقد سلبت الحصين من جنني وأسخن اليأس ناظري فما ... يقر للمطمعات في الرسن ومج سمعي لغو الحديث فما ... يطور شيء منه على أذني وعدت من كل ما أومله ... أوقل: حسبي بصحة البدن أي عرى حالة علقت بها ... وأي شتى قرنت في قرن جمعت ... والهفتاه قلب فتى يفتر عن هم شارخ يفن ورتبة في العلاء تتبعها ... صورة مستبذل وممتهن مت ونفسي على باقية ... وضعت والحافظات تحفظني واخيبة الحاسدين كم منح ... مغبوطة، وهي أعظم المحن! يا ليت أني قبل المنية قد ... غببت في حفرتي وفي كفني يا ليت ما كان من حياتي ... إذ ال أمر على ما أراه لم يكن! وقال عروة بن حزام: ألا يا غرابي دمنة الدار بيننا ... أبا لهجر من عفراء تنتجيان؟ فإن كان حقاً ما تقولان فانهضا ... بحلمي إلى وكريكما فكلاني فعفراء أصفى الناس عندي مودة ... وعفراء عني المعرض المتواني فوالله ما حدثت سرك صاحباً ... نصيحاً، ولا فاهت به الشفتان سوى أنني قد قلت يوماً لصاحبي ... ضحى، وقلوصانا بنا تخدان : ألا حبذا من حب عفراء ملتقى ... نعام، وبرك، حيث يلتقيان وقال أبو وجزة السعدي: لمن دمنة بالنعف عاف صعيدها ... تغير باقيها ومح جديدها لسعدة في عام الهريمة إذ بنا ... تصاف، وإذ لما يرعنا صدودها وإذ هي أما نفسها فأريبة ... للهو، وأما عن صبي فتذودها تصيد ألباب الرجال بدلها ... وشيمتها وحشية لا نصيدها كباسقة الوسمي ساعة أسبلت ... تلألأ فيها البرق وابيض جيدها وقال الشريف المرتضى رضي الله عنه: فإما شئتما أن تسعداني ... فمرا بين على الدمن البوالي خرسن، فلو ملكن النطق يوماً ... شكون إليك من جنف الليالي وقال أيضاً: فيا دمنة الحي الذين تحملوا ... بوادي الغضى ماذا ألم بنا منك؟ خشعت فلا عين تراك لناظر ... دثوراً، ولا نطق يخبرنا عنك

7- فصل في ذكر الرسم

وأذكرها والشيب يضحك ثغره ... بلماتنا عهد الشبيبة والفتك ليالي لا حلم لذي الحلم والنهى ... هناك، ولا نسك يصاب لذي نسك وقال لقيط بن زرارة: لمن دمنة أقفرت بالجناب ... إلى السفح بين الملا فالهضاب بكيت لعرفان آياتها ... وهاج لك الشوق نعب الغراب وقال أشجع بن عمرو السلمي: دمن إذا اشتثبت عينك عهدها ... رجعت إليك بنظرة المتوسم فتكت بها سنتان يعتورانها ... بالعاصفات وكل أسحم مرزم وقال مهيار: رحلوا بأيامي الرقاق على ... آثارهم، وبعيشي السهل وعكفت بعدهم على ضمن ... عرف البلى فبلى كما يبلى جسدي، ودمنته بما نحلا ... يتشاكيان تصدع الشمل مغنى وضعنا أمس من شعف ... سافي ثراه مواضع الكحل 7- فصل في ذكر الرسم قال بشر بن أبي خازم: عفا رسم برامة فالتلاع ... فكثبان الحضير إلى لفاع عفاها كل هطال سكوب ... يشبه صوته صوت اليراع (اليراع: القصب التي يصفر بها، ويروى صوت الرباع يقال: ربع ورباع وهو ولد الناقة إذا كان له عشرة أيام) . وقفت بها أسائلها طويلا ... وما فيها مجاوبة لداع تحمل أهلها منها فبانوا ... فأبكتني المنازل للرواع وقال مزاحم بن الحارث العقيلي: أشاقتك بالنقع الغداة رسوم ... دوارس أدنى عهدهن قديم دوارس أما أهلها فتحملوا ... فبانوا، وأما خيمها فمقيم وما ذاك إلا من جميع تفرقت ... بهم نية بعد الجوار قسم فعادوا كبرد العصب شق فأصبحوا ... فمحتمل غاد، وظل مقيم وذلك دأب للنوى ليس مخلفي ... إذا كان لي جار علي كريم وقال أبو تمام: أما الرسوم فقد أذكرن ما سلفا ... فلا تكفن عن شأنيك أن يقفا لا عذر للصب أن يقنى السلو، ولا ... للدمع بعد مضي الحي أن يقفا حتى يظل بماء سافح ودم ... في الربع يحسب من عينيه قد رعفا وقال أبو نواس: ألا لا أرى مثلي امترى اليوم في رسم ... تغص به عيني ويلفظه وهمي أنت صور الأشياء بيني وبينه ... فجهلي كلا جهل، وعلمي كلا علم وقال أبو عبد الله بن الخياط الدمشقي: هو الرسم لو أغنى الوقوف على الرسم ... هو الحزم لولا بعد عهدك بالحزم عشية جن القلب فيها جنونه ... ونازعني شوقي منازعة الخصم فلما أبى إلا البكاء على الأسى ... بكيت فما أبقيت للرسم من رسم لقد وجدت وجدي الديار بأهلها ... ولو لم تجد وجدي لما سقمت سقمي منازل أدراسٌ شجاني نحولها ... فهلا شجاها ناحل القلب والجسم؟ سقاها الحيا قبلي فلما سقيتها ... دموي رأت فضل الولي على الوسمي وقال العرجي: أفي رسم دار دمعك المتحدر ... سفاهاً، وما استنطاق ما ليس يخبر تغير ذاك الرسم من بعد جدة ... وكل جديد مرة يتغير وقال البحتري: أرسوم دار أم سطور كتاب ... درست بشاشتها مع الأحقاب يجتاز زائرها بغير لبانة ... ويرد سائلها بغير جواب ولربما كان الزمان محبباً ... فينا بمن فيها من الأحباب وقال زهير بن أبي سلمى المزني: هاج الفؤاد معارف الرسم ... قفراً بذي الهضبات كالوشم ولقد أراها والحلول بها ... من بعد صرم أيما صرم فاستأثر الدهر الغداة بهم ... والدهر يرميني ولا أرمي لو كان لي قرناً أناضله ... ما طاش عند حفيظة سهمي أو كان يعطي النصف قلت له ... أحرزت قسمك فاله عن قسمي وقال الصمة القشيري: خليلي عوجا منكما اليوم أو دعا ... نحيي رسوماً بالقبيبة بلقعا أربت بها الأرواح حتى تنسفت ... معارفها إلا الصفيح الموضعا وغير ثلاث في الديار كأنها ... ثلاث حمامات تقابلن وقعا بكيت عيني اليسرى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا (كان الصمة أعور، فيقول: إنه بكى بعينه الصحيحة، فلما زجرها، أي كفكفها فاضت العين التالفة) . وقال جرير بن عطية: أقول لصحبتي لما ارتحلنا ... ودمع العين منهمر سجام أتمضون الرسوم ولا تحيا ... كلامكم علي إذن حرام

فصل آخر في ذكر الرسم

مقام الحي مر له ثمان ... إلى عشرين قد بلى المقام تعالى فوق أجرعك الخزامي ... بنور، واستهل بك الغمام وقال البحتري: ما على الركب من وقوف الركاب ... في مغاني الصبى ورسم التصابي أين أهل القباب بالأجزع الفر ... د، تولوا، لا أين أهل القباب! عرجوا فالدموع إن أبك في الرسم ... ، دموعي والاكتئاب اكتئابي وكمثل الأحباب لو يعلم العا ... ذل عندي منازل الأحباب وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: أمن رسم دار دمعك المترقرق ... سفاهاً، وما استنطاق ما ليس ينطق بحيث التقى جمع ومفضى محسر ... معالمه كادت على العهد تخلق ذكرت بها ما قدمضى وتذكر ال ... حبيب، ورسم الدار مما يشوق ليالي من دهر إذ الحي حيرة ... وإذ هو مأهول الخميلة مونق وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي: أمن آل سلمى الرسم أنت مسائل ... نعم، والمغاني قد درسن مواثل فظلت بها تفضي على حد عبرة ... كأنك من تجريبك الدهر جاهل وقد كان ما فيه لذي اللب عبرة ... ورأى لذي رأي، فهل أنت عاقل؟ تذكر إخوان مضوا فتتابعوا ... وشيب علا منك المفارق شامل وقال ذو الرمة: أهاجتك أطلال الرسوم الدوائر ... بأدعاص حوضي المغنقات النوادر نعم هاجت الأطلال شوقاً كفى به ... من الشوق إلا أنه غير ظاهر فما زلت أطوى النفس حتى كأنها ... بذي الرمث لم تخطر على بال خاطر حياء وإشفاقاً من الركب أن يروا ... دليلاً على مستودعات الضمائر وقال مهيار: ورب رسم ماثل ... أعجم ثم بينا وقال: من هنا طع ... ن، وغربن من هنا يا بأبي المسكون لو ... أني وجدت السكنا قالوا: النوى تسمية ... والموت يعني من عنى من اشتكى أشجانه ... فما أحس الشجنا كان فؤادي وهم ... فظعنوا وظعنا لم يترك الغادون لي ... قلباً نجن الحزنا وقال المرتضى - رضي الله عنه -: ما بال رسم بكثيب الحمى ... عطلاً بلا شاء ولا جامل حالت مغانيه ووجدي به ... غض جديد ليس بالحائل لو أبصرتني ناحلاً عينه ... لاستأنس الناحل بالناحل وقال القاضي الجليس أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين، المعروف بابن الحباب: أجدك لا تراك العين تذرى ... عقيقاً كلما لاح العقيق سقى رمل الحمى ورسوم مغنى ال ... لوى هزج يروق بما يريق فيكسو عاطل الهضبات روضاً ... له من زهره حلى أنيق أراق الطل مدمعه عليه ... وشق جيوبه فيه الشقيق وقلت: وقفت على رسم ببيداء بلقع ... خلي من النادي صموت إذا دعي نبت عنه عيني ثم قال لها البلى ... : هي الدار فاذرى من دموعك أو دعي ولا تنكرن للدهر إخلاق جدة ... وتشتيت آلاف وإيحاش مجمع فللموت سكان الديار، وللبلى ... منازلهم، وشملهم للتصدع فصبراً فإن رد التفجع والأسى ... عليك الذي ولى من الأمر فاجزع وقال الشماخ بن ضرار: طال الثواء على رسم بتمثود ... أودي، وكل جديد مرة مود دار الفتاة التي كنا نقول لها ... يا ظبية عطلاً حسانة الجيد وقال البحتري: ولقد نهيت الدمع يوم سويقة ... فأبت غوالب عبرة ما تلب عفت الرسوم، وما عفت أحشاؤه ... من عهد شوق ما يزول فيذهب ولو أنني أنصفت في حكم الهوى ... ما شمت بارقة ورأسي أشيب وقال أبو العتاهية: سل الأيام عن أمم تقضت ... ستخبرك المعالم والرسوم تنام ولم تنم عنك المنايا ... تنبه للمنية يا نئوم تروم الخلد في دار المنايا ... وكم قد رام قبلك ما تروم ألا يأيها الملك المرجى ... عليك نواهض الدنيا تحوم لأمر ما تصرفت الليالي ... وأمر ما تقلبت النجوم فصل آخر في ذكر الرسم قال مالك بن معاوية بن سلمة القشيري: تذكرت من سلمى وذو الشوق ذاكر ... وحاجة من لم تقض داء مخامر تذكر ذي شوق وهاج صبابة ... خيال سليمى والرسوم الدوائر

بجو كأن لم تحتلله، ولم يكن ... لأهلك مبدي حوله ومحاضر وقال كعب بن مشهور المخبلي: فقولاً لباقي رسم ميلاء باللوى ... لوى الهضب بين المغر والمتخرم عليك سلام أيها الرسم باللوى ... وحييت مسؤولاً وإن لم تكلم بما كنت إذ ميلاء ميلاء، والهوى ... جميع، وشعب الدار لم يتقسم كما يتمنى من تمنى، ولا أرى ... دواماً من الدنيا لحي بأنعم فإن يخل من ميلاء ربع فما خلا ... بنات الهوى من حبها المتقدم صحا من تصابي من لداتي وحبها ... شريك المنايا خيض في اللحم والدم وقال البحتري: عجباً لهجرك قبل تشتيت النوى ... منا، ووصلك في التنائي أعجب أني اهتديت، وما اهتديت لمعمد ... من ليل عانة والثريا تجنب عفت الرسوم وما عفت أحشاؤه ... من عهد شوق ما يحول فيذهب وقال أبو دواد الإيادي: أمن رسم تعفى أو رماد ... وسحم كالحمامات الفراد أطاعتك الشؤون فظلت صباً ... كأن وكيفها واهي المزاد وهل يشتاق مثلك في ديار ... عفتها الريح والديم الغوادي ذكرت بها سعاد فعجب جهلاً ... على رسم تسائل عن سعاد وقال ربيعة بن مقروم الضبي: أمن آل هند بالشريف رسوم ... دوارس منها حادث وقديم محتها رياح الصيف بعدك والبلى ... وأسحم رجاف العشي سجوم عهدت بها هنداً، وهند غريرة ... عن الفحش بلهاء العتي نئوم فشطت نوى عنك الديار فأصبحت ... مناصب رضوى دونها وتسوم وقال الأخطل: تغير الرسم من سلمى بأجفار ... وأقفرت من سليمى دمنة الدار وقد تكون بها سلمى تخدثني ... تساقط الحلى حاجاتي وأوطاري ثم استمر بسلمى نية قذف ... وسير منقضب الأقران مغيار كأن قلبي غداة البيت منقسم ... طارت به عصب شتى لأمصار ولو تلف النوى من قد تشوقه ... إذن قضيت لباناتي وأسراري وقال النابغة الذبياني: أرسماً جديداً من سعاد تجنب ... عفت روضة الأجداد منها فيثقب عفا آيه ريح الجنوب مع الصبا ... وأسحم دان مزنه متصوب عهدت بها سُعدى وفي العيش غرة ... فأصبح باقي ودها يتقضب وقد غنيت سُعدى نثيب بودها ... ليالي لا يُسطاع منها التجنب وقال نافد بن عطارد: ألا أيها الرسم المحيل ألم تكن ... بك الأنس الراضون والخيل رودا وبيض العذارى في جميع، كأنها ... نعاج الملا يلبس ريطاً ومجسدا فإني وتهيامي بهن لكالذي ... إذا نال من صداء شرباً ترددا فإن كنت ذا عقل فأقصر عن الصبي ... ولا تتبعن عينيك شعباً تبددا وقال جميل بن معمر: أهاجك أم لا بالتناصف مربع ... ورسم بأجراع الغديرين بلقع ديار لليلى إذ نحل بها معاً ... وإذ نحن منها في المودة نطمع فإن تك قد شطت نواها، وأن نأت ... فإن النوى مما تشت وتجمع وقال كثير: لعزة من أيام ذي الغصن هاجني ... بضاحي قرار الروضتين رسوم هي الدار وحشاً غير أن قد يحلها ... ويغني بها شخص علي كريم سألت حكيماً: أين شطت بها النوى؟ ... فخبرني ما لا أحب حكيم تمر السنون الماضيات ولا أرى ... بصحن الشبا أطلالهن تريم وقال ذو الرمة: أحادرة دموعك دار مي ... وهائجة صبابتك الرسوم عفت وعهودها متقادمات ... وقد يبقى لك العهد القديم وقد يمسي الجميع أولو المحاوي ... بها المتجاور الحلل المقيم وقال آخر: لم يبق بعدكم رسم ولا طلل ... إلا وللبين في تغييره عمل غبتم فأوحشتم الدنيا لغيبتكم ... فاليوم لا عوض منكم ولا بدل حملتموني على ضعفي بفرقتكم ... ما ليس يحمله سهل ولا جبل إذا شممت نسيماً من دياركم ... عدمت عقلي، كأني شارب ثمل وقال البحتري: أصبا الأصائل إن برقة ثهمد ... تشكوا اختلافك بالهبوب السرمد لا تبغني عرصاتها إن الهوى ... ملقى على تلك الرسوم الهمد دمن مواثل كالنجوم، فإن عفت ... فبأي نجم في الصبابة نهتدي؟! وقال أيضاً:

8- فصل في ذكر الآثار

ولقد وقفت على الرسوم فلم أجد ... عتباً على سكب الدموع الذرف وسألتها حين انجذبت فلم تصخ ... فيه لدعوة عاشق مستوقف دمن جنيت بها الهوى من غصنه ... وسحبت فيها اللهو سحب المطرف فلأجرين الدمع إن لم تجره ... ولأعرفن الوجد إن لم تعرف وقال ذو الرمة: ألا حي بالزرق الرسوم الخواليا ... وإن لم تكن إلا رميماً بواليا عفت برهة أطلال مي وأدرجت ... بها الريح تحت الغيم قطراً وسافيا تحمل منها أهل مي فودعوا ... بها أهلها لا ينظرون التواليا وقد كنت من مي إذ الحي جيرة ... على البخل منها ميت القلب ساهيا وقال آخر: بكيت وما أبكاني الرسم إذ عفا ... ولا الربع أضحى نويه وهو دائر ولكنني لا أستفيق تذكراً ... وليس بمنفك من الدمع ذاكر 8- فصل في ذكر الآثار قال تبارك وتعالى: (إنا نحن نحيي الموتى، ونكتب ما قدموا وآثارهم) . قيل: نحييهم بالإيمان بعد الكفر، وقيل: بالبعث، "ونكتب ما قدموا": ما عملوا من خير أو شر. "وآثارهم" ما أثروا من سنة حسنة، وسيرة يعمل بها بعدهم، وقيل: "آثارهم": خطاهم إلى المساجد. وروى سفيان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري - رحمهم الله - قال: "كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قريب من المسجد فنزلت: (إنا نحن نحيي الموتى، ونكتب ما قدموا وآثارهم) فقال لهم النبي: "إن آثاركم تكتب" فلم ينتقلوا. وقد روى عن أبي سعيد الخدري - رحمه الله - أن بني سلمة شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد، فأنزل الله سبحانه: (إنا نحن نحيي الموتى، ونكتب ما قدموا وآثارهم) فقالوا: عليكم منازلكم، فإنما تكتب آثاركم. وقال عمر بن عبد العزيز - رضوان الله عليه -: لو كان الله تعالى مغفلاً شيئاً لأغفل هذه الآثار التي تعفوها الرياح. يعني قوله عز وجل: (إنا نحن نحيي الموتى، ونكتب ما قدموا وآثارهم) . قال الأحوص: ضوء نار بدا لعينيك أم شب ... بت بذي الأثل من سلامة نار تلك بين الرياض والأثل والبا ... نات منا ومن سلامة دار وكذاك الزمان يذهب بالنا ... س، وتبقى الرسوم والآثار وقال المتنبي: تصفو الحياة لجاهل أو غافل ... عما مضى فيها، وما يتوقع ولمن يغالط في الحقائق نفسه ... ويسومها طلب المحال فتقنع أين الذي الهرمان من بنيانه؟ ... ما قومه؟ ما يومه؟ ما المصرع؟! تتخلف الآثار عن أربابها=حيناً، ويدركها الفناء فتتبع وللبيد بن ربيعة السبق إلى هذا المعنى الذي قصده الأحوص بقوله: فعفا آخر الزمان عليهم ... فعلى آخر الزمان الدمار وكذاك الزمان يذهب بالنا ... س وتبقى الرسوم والآثار وقال سلم بن عمرو الخاسر: سلام على الأطلال والمنزل القفر ... وإن كان لا يعنيه وصلي ولا هجري ولكن آثار الأحبة بينها ... بلين، وما تبلى البلابل في صدري وقال البحتري: لا تأمرني بالعزاء، وقد ترى ... أثر الخليط، ولات حين عزاء زدني اشتياقاً بالمدام وغنني ... أعزز علي بفرقة القرناء فلعلني ألقى الردى فيريحني ... عما قليل من جوى البرحاء وقال أبو الفرج الواواء: لمن أسائل لا رسم ولا أثر ... رحلتم وأقام الدمع والسهر كنتم لعيني صباحاً لا مساء له ... فعاضها البين ليلا ماله سحر وما أعاب بشيء بعد فرقتكم ... غير البقاء فإني منه أعتذر وقال علي بن أحمد بن أبي أمية الكاتب: يا ريح ما تصنعين بالدمن ... كم لك من محو منظر حسن محوت آثارنا وأحدثت آثا ... راً بربع الحبيب لم تكن إن تك يا ربع قد بليت من الر ... يح فإني بال من الحزن قد أوردت هذه الأبيات بتمامها وخبرها في فصل المغاني. وقلت: أعاضني الدهر من رؤياكم نظري ... آثاركم، وبرغمي ذلك العوض ثم استقال فقد أضحت موانعه ... دون التداني من الآثار تعترض فقل لمن يمنع الحل المباح غداً ... توفى وحقك ما أصبحت تقترض وقال مهيار: عمي صباحاً بعدنا وانعمي ... يا دار صفراء على الأنعم

9- فصل في ذكر المساكن والمحال والمعاهد والأعلام والمعالم والعرصات

دعاء من أقنعه البين بع ... د العين بالآثار والمعلم بكى النوى أمس، فلم يدخر ... دمعاً يفيض اليوم في الأرسم خان بكاء العين أجفانه ... فناح، والنوح بكاء الفم روى أن الأخطل سأل بكر بن وائل، فلما انتهى إلى بني غبر، فنزل بهم أبطئوا عليه، فقال: تنزو الدجاج عليها وهي باركة ... ترجو عطاء سويد من بني غبرا [عليها] : يعني ناقته قبيلة كشراك النعل دارجة ... إن يهبطوا عفو أرض لا ترى أثرا (يذمهم بالقلة والضعف) . وقال آخر: أرى آثاركم فأذوب شوقاً ... وأسفح في منازلكم دموعي وأسأل من بفرقتكم بلاني ... يمن علي منكم بالرجوع وقال القاضي أبو المجد بن سليمان - رحمه الله -: مررت بالدار وقد غيرت ... معالم منها وآثار فقلت ... والقلب به لوعة تحرقه، والدمع مدرار : أين زمان فيك خلفته ... وأين سكانك يا دار؟! أجابت الدار على عيها:=إن سكوتي عنك إقرار أما تراني اليوم من بعدهم ... مقفرة ما في ديار؟! وقال آخر: أعاد الدجى في الصبح من بعد فقدهم ... أم الحزن غطى ناظر العين بالدمع وقفت على آثارهم فقريتها ... دموع اشتياق مثل منهمر الرجع دموعاً جرت جرياً تحلل عقده ... غداة ربعنا بالهموم على الربع سلام على قلبي فقد بان إثرهم ... وقد صم إلا عن حديثهم سمعي كتب أرسطاطاليس إلى الإسكندر كتاباً يوصيه فيه بمصالح ملكه، ثم قال له فيه: "اعلم أن الأيام تأتي على كل شيء، فتخلق الأفعال، وتمحو الآثار، وتميت الذكر، إلا ما رسخ في القلوب بمحبة تتوارثها الأعقاب، فاجهد أن تظفر بالذكر الذي لا يموت، بأن تودع الناس محبة يبقى بها ذكر مناقبك". وقال أبو [العلاء أحمد بن عبد الله] بن سليمان: اتبع طريقاً للهدى لاحباً ... وخل آثاراً بملحوب أف لديناي، فإني بها ... لم أخل من هم وتعذيب قلت لها: امضي غير مصحوبة ... فقالت: اذهب غير مصحوب 9- فصل في ذكر المساكن والمحال والمعاهد والأعلام والمعالم والعرصات المساكن قال أبو العتاهية: جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا ... وبنوا مساكنهم فما سكنوا وكأنهم كانوا بها ظعناً ... لما استراحوا ساعة ظعنوا روى عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه أشرف على أهل حمص فقال: "ألا تستحيون؟ تبنون ما لا تسكنون، وتأملون ما لا تدركون، وتجمعون ما لا تأكلون! أين الذين بنوا قبلكم تشييداً، وجمعوا كثيراً، وأملوا بعيداً،؟! أصبحت مساكنهم قبوراً، وآمالهم غروراً، وجمعهم بورا". وقال أبو [العلاء أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري: سكنتك يا دنيا برغمي مكرهاً ... وما كان لي في ذاك صنع ولا أمر وجربت حتى قد قتلتك خبرة ... فأنت وعاء حشوه الهم والوزر فإن أرتحل يوماً أدعك ذميمة ... وما فيك من عودي غراس ولا بذر عن حاتم الأصم - رحمه الله - أنه قال: ما من صباح إلا والشيطان يقول لي: ما تأكل؟ وما تلبس؟ وأين تسكن؟ فأقول؛ آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر. وقال النابغة الذبياني: لليلى بشرقي النجاد مساكن ... قفار تعفتها شمال وداجن توهمت منها معهداً، فعرفته ... لسبعة أعوام وذا العام ثامن أقامت على ريب الزمان وأعجت ... بليلى نوى عن دار أهلك شاطن وقال كثير بن عبد الرحمن: غشيت لليلى بالبرود مساكناً ... تقادمن واستنت عليها الأعاصر وأوحشن بعد الحي إلا مساكناً ... يرين حديثات وهن دوائر وكانت إذ أخلت وأمرع ربعها ... يكون عليها من صديقك حاضر فقد خف منها الحي بعد إقامة ... فما إن بها إلا الرياح العوائر المحال قال العربي [؟] : لعمري لئن أبكتك كل محلة ... لشماء أو طيف متى تمس يطرق لتلتمسن عيناً سوى عينك التي ... ذهبت بجاري دمعها المترقرق وقال البحتري: أسقى محلتك الغمام، ولا يزال ... نوء بها خضل، ونور جاسد فلقد عهدت العيش في أفيائها ... فينان يحمد مجتناه الرائد وقال أيضاً:

المعاهد

قل للسحاب إذا حداه الشمأل ... وسرى بليل ركبه المتحمل عرج على حلب فسق محلة ... مأنوسة، فيها لعلوة منزل لغريرة أدنو وتبعد في الهوى ... وأجود بالود المصون وتبخل أحنو عليك وفي فؤادي لوعة ... وأصد عنك ووجه ودي مقبل وأعز ثم أذل ذلة عاشق ... والحب فيه تعزز وتذلل وإذا هممت بوصل غيرك ردني ... وله عليك وشافع لك أول وقال البحتري أيضاً: أمحلتي سلمى بكاظمة اسلما ... وتعلما أن الهوى ما هجتما هل ترويان من الأحبة حائماً ... أو تسعدان على الصبابة مغرما أبكيكما دمعاً، ولو أني على ... قدر الهوى أبكى بكيتكما دما طللاً أكفكف فيه دمعاً معربا ... بجوى، وأقرأ فيه خطاً أعجما تأبى رباه أن تجيب، ولم يكن ... مستخبر ليجيب حتى تفهما وقال أبو [العلاء أحمد بن عبد الله] بن سليمان: محل بأرض الشام يطرد أهله ... ولكنهم عما يقول نيام وقد تنطق الأشياء وهي صوامت ... وما كل نطق المخبرين كلام وقال مهيار: سقيت محلاً، وأحيت ربا ... ك، مدامع كل فتى تهمل وقال الشريف المرتضى - رضي الله عنه -: يا محلاً أبلته هوج الليالي ... وغرامي بساكنيه قشيب ما اطمأنت بك المحاسن حتى ... شردتها عني وعنك الخطوب ساء عهدي لقاطنيك متى آ ... ويت دمعاً في مقلة لا يصوب لست فرداً فيما دهته الليالي ... كل شيء بكرهن سليب وقال البحتري: محل من القاطول أخلق عامره ... وعادت صروف الدهر جيشاً يغاوره كأن الصبا توفى نذوراً إذا سرت ... تراوحه أذياله وتباكره ورب زمان ناعم ثم عهده ... ترق حواشيه ويورق ناضره تغير حسن الجعفري وأنسه ... وقوض بادي الجعفري وحاضره تحمل عنه ساكنوه فجاءة ... فعادت سواء دوره ومقابره إذا نحن زرناه أجد لنا الأسى ... وقد كان قبل اليوم يبهج زائره ولم أنس وحش القصر إذ ريع سربه ... وإذ ذعرت أطلاؤه وجآذره وإذ صيح فيه بالرحيل فهتكت ... على عجل استاره وستائره ووحشته حتى كأن لم يكن به ... أنيس، ولم تحسن لعين مناظره المعاهد قال أبو تمام: قفوا جددوا من عهدكم بالمعاهد ... وإن هي لم تسمع لنشدان ناشد لقد أطرق الربع المحيل لفقدهم ... وبينهم إطراق ثكلان فاقد سقته ذعافاً عادة الدهر فيهم ... وسم الليالي فوق سم الأساود به غلة للبين صماء لم تصخ ... لبرء، ولم توجب عيادة عائد وقال البحتري: سقيت معاهدك اللواتي شقنني ... ومحل منزلك الذي أبكاني إما أقمت فإن لبى ظاعن ... أو سرت منطلقاً فقلبي عان وقال الشريف المرتضى - رضي الله عنه -: أمعاهد الأحباب هل عود إلى ... مغدى يبل به الجوى ومراح يكفيك من أنفاسنا ودموعنا ... أن تمطري من بعدنا وتراحي فسقى اللوى صوب الغمام ودره ... وسقى النوازل فيه صوب الراح فلرب عيش رق فيه نسيمه ... كالماء رق على جنوب بطاح المعالم والأعلام قال أبو الطيب المتنبي: أنا لائمي إن كنت وقت اللوائم ... علمت بما بي بين تلك المعالم ولكنني مما ذهلت متيم ... كسال، وقلبي بائح مثل كاتم وقفنا كأنا كل وجد قلوبنا ... تمكن من أذوادنا في القوائم ودسنا بأخفاف المطي ترابها ... فلا زلت استشفى بلثم المناسم وقال الرئيس أبو علي أبزون العماني: تحل عقود الصبر مني المعالم ... وتبدي دموع العين ما أنا كاتم وتطمس آثار العزاء إذا بدت ... رسوم ديار الحي وهي طواسم خلت من طباء الإنس ثم تبدلت ... ظباء، وقلبي بالمبدل هائم "يديروني عن سالم وأديره=وجلدة بين العين والأنف سالم" (مضمن) : وقال جميل بن معمر العذري: أهاجتك المعالم والطلول ... عفون وخف منهن الحلول نعم وذكرت دنيا قد تولت ... وأي نعيم دنيا لا يزول؟! أسائل دار بثنة أين حلت ... كأن الدار تفهم ما أقول! وقال جميل أيضاً:

العرصات

ألا تلكما أعلام بثنة قد بدت ... كأن ذراها عممت بسبيب طوامس فيمادونهن عداوة ... لنا، ووراء الطامسات حبيب بعيد على من ليس يطلب حاجة ... وأما على ذي حاجة قفريب وقال آخر: خليلي لا والله ما أملك البكا ... إذا علم من أرض ليلى بداليا خليلي إلا تبكيا لي أستعن ... خليلا إذا أذريت دمعاً بكى ليا كأن لم يكن بين إذا كان بعده ... تلاق، ولكن لا إخال تلاقيا وقال مزاحم العقيلي: أفي كل يوم أنت من غبر الهوى ... إلى الشم من أعلام ميلاء ناظر؟! بعمشاء من طول البكاء كأنما ... بها خزر، أو طرفها متخازر تمنى المنى، حتى إذا نالت المنى ... بدا واكف من دمعها متبادر كما أرفض هلكي ... بعد ما ضم ضمة بحبل الفتيل اللؤلؤ المتناثر وقال أبو عبد الله محمد بن عثمان المعروف بابن الحداد: ألا إنها الأعلام من هضباتها ... فكيف تكف العين عن عبراتها ذراني وإذراء الدموع لعلها ... تسكن ما قد هاج من ذكراتها 'هدت بها أصنام حسن عهدتني ... هوى عبد عزاها، وعبد مناتها أهل بأشواقي إليها وأتقي ... شرائعها في الحب حق تقاتها وقال محمد بن هانئ المغربي: ما للمعالم والطلول، أما كفى ... بالعاشقين معالماً وطلولا؟! فكأننا شمل الدموع تفرقاً ... وكأننا سر الوداع نحولا سأروع من ضمنت حجالكم ولو ... غدت الأسنة دون ذلك غيلا أعصى رماح الخط دونك شرعاً ... وأطيع فيك صبابة وغليلا وقال أعرابي: سقى العلم الفرد الذي في ظلاله ... غزالان مكحولان مؤتلفان أرغتهما صيداً فلم أستطعهما ... ورمياً ففاتاني وقد قتلاني وقال ابن هانئ المغربي: لا مزار منكم يدني سوى ... أن أرى أعلام هضب ونجاد قد عقلنا العيس في أوطانها ... وهي ما بين ذميل ووخاد أسلوا عنكم أهجركم ... قلما يسلو عن الماء الصوادي فعلى الأيام من بعدكم ... ما على الظلماء من ثوب الحداد العرصات قال الرماح بن ميادة: ما هاج شوقك من معارف عرصة ... البرق بين أصالف وفدافد ولقد رددت بها السؤال صبابة ... والدار قبلي ما تبين لناشد ولقد نظرت فما رأيت لناظر ... غير الصفيح وغير أس بائد وقال الشريف المرتضى - رضي الله عنه -: عرصات أصبحن وهي سماء ... ثم أمسين بالحوادث أرضا وثرى ينبت النعيم إذا أن ... بت ترب البلاد عشباً وحمضا وقال أبو محمد بن سنان: عرصات كأنهن ليال ... فارقتها عند الكمال البدور تخبر الغافلين كيف يحول الده ... ر عن حاله وكيف يجور وقال الفرزدق: ألستم عائجين لنا لعنا ... نرى العرصات أو اثر الخيام؟ فقالوا: إن عرضت فأغن عنا ... دموعاً غير راقئة السجام 10- فصل في ذكر الأرض قالت وجيهة بنت أوس الضبية: وعاذلة تغدو علي تلومني ... على الشوق لم تمح الصبابة من قلبي فما لي إن أحببت أرض عشيرتي ... وأبغضت طرفاء القصيبة من ذنب ولو أن ريحاً بلغت وحي مرسل ... حفي لناجيت الجنوب على النقب وقلت لها: أدى إليهم رسالتي ... ولا تخلطيها طال سعدك بالترب وقالت علية بنت المهدي: ومغترب بالمرج يبكي لشجوه ... وقد بان عنه المسعدون على الحب إذا ما أتاه الركب من نحو أرضه ... تنفس يستشفى برائحة القرب وقال قيس بن ذريح: ما أحببت أرضكم ولكن ... أقبل أثر من وطئ الترابا لقد لافيت من كلفي بلبني ... بلاء لا أسيغ له شراباً إذا نادى المنادي باسم لبنى ... عييت، فما أرد له جوابا وقال آخر: سقى الله أرضاً لو ظفرت بتربها=كحلت بها من شدة الشوق أجفاني فهل بعد هذا للمحبين غاية ... وهل أحد أشجانه مثل أشجاني؟! وقال الشريف المرتضى - رضي الله عنه -: ألا يا نسيم الريح من أرض بابل ... تحمل إلى أهل الخيام سلامي وقل لحبيب فيك بعض نسيمه: ... أما آن أن تسطيع رجع كلامي؟!

فصل آخر في ذكر الأرض

وإني لأهوى أن أكون بأرضكم ... على أنني منها استفدت سقامي وقال آخر: أرى كل أرض دمنتها وإن مضت ... لها حجج يزداد طيباً ترابها ألم تعلمن يا رب، أن رب دعوة ... دعوتك فيها مخلصاً لو أجابها فأقسم لو أني أرى نسباً لها ... ذئاب الفلا حبت إلى ذئابها لعمر أبي ليلى لئن هي أصبحت ... بوادي القرى ما ضر غيري اغترابها وقال قعنب ابن أم صاحب: قد كنت أقصرت عن نجد فهيجني ... على تذكرها الخفان والحضن لما وردت بلاداً لست أعرفها ... وشاقني ذكر أخرى هاج لي حزن فقلت: قد حان من أرض ولدت بها ... أوب، وقد حان من صرف النوى قرن عل النوى بك يوماً أن تريع، فقد ... تدنو الغريبة حتى يدنو الوطن وقال أبو نصر بن النحاس الحلبي: سقى الله أرضاً لبسنا الشبا ... بأرجائها وخلعنا الوقارا دياراً شكت فرقة الظاعن ... ين بألوانها فتحلت بهارا زمان صحبناه مستعذباً ... فبان، ولم يبق إلا ادكارا وقال آخر: تعوضت من دودان حملاً وأرضها ... فما طاب لي شربي ولا راق مشربي فإن تلتبس حلى بدودان لا أرم ... لئن كنت ذا ذنب، وإن غير مذنب ألا إن قوم المرء خير تفيةٍ ... من الأبعد الأقصى، وإن لم تقرب وقال مروان بن أبي حفصة من قصيدة في معن بن زائدة الشيباني: إني إلى كل أرض أنت ساكنها ... صب، وإن كنت عنها نازح الوطن قلدتني منك حبلاً فاعتصمت به ... أسبابه غير رثات ولا وهن تضيق أعطان قوم إن هم سئلوا ... وأنت بالخير سهل واسع العطن لو لم تكن للندى جاراً فتطلقه ... ما انفك والبخل مجموعين في قرن وقال أبو الفتيان محمد بن سلطان بن حيوس الغنوي، من قصيدة يرثى بها محمود بن نصر بن صالح، ويعزى ولده نصر بن محمود، ويمدحه: فلله ملك زين الأرض ملكه ... وجاد الحيا ملكاً تضمنه القبر وكنا نظن الأرض تظلم بعده ... فقمت مقام البدر إذ أفل البدر وكاد شعار الخوف ينبث في الورى ... فنادى شعار الأمن يا نصر يا نصر وقال أعرابي: سقى الله أرضاً يعلم الضب أنها ... بعيد من الأدواء طيبة البقل بنى بيته في رأس نشز وكدية ... وكل امرئ في حرفة العيش ذو عقل فصل آخر في ذكر الأرض قال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان: تحمل عن الأرض المريضة غادياً ... ولا ترض للداء العياء سوى الحسم وما فتئت روح الفتى في نوائب ... تمارسها حتى استقلت عن الجسم إذا ما تفرقنا خلصنا من الأذى ... ولم يحتج الراعي المسيم إلى الوشم وقال الشنفرى: وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن رام القلى متحول لعمرك ما بالأرض ضيق على امرئ ... سرى راغباً أو راهباً وهو يعقل أديم مطال الجرع حتى أمله ... وأضرب عنه الذكر صفحاً فأذهل واستف ترب الأرض كيلا يرى له ... على من الطول امرؤ متطول ولولا اجتناب الذام لم يلف مشرب ... يعاش به إلا لدى ومأكل ولكن نفساً مرة لا تقيم بي ... على الضيم إلا ريثما أتحول عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلاً من بني كلاب يكنى أبا حبال نزل على عبد الله بن عمر بن حفص، ومعه ابنه حبال، فمرض ابنه ثم مات، قال عبد الله: فأمر أبي بكفنه، فكفناه، فلما فرغنا منه استأذن أبوه أبي أن يدخل عليه، فيسلم عليه ويودعه، فأذن له، فدخل، فأكب عليه، فسمعناه يقول: ولولا حبال لم تنخ بي مطيتي ... بأرض بها الحمى بورد وصالب وقائلة أرداك والله حبه ... بنفسي حبال من خليل وصاحب فجعل يكرر ذلك، ثم فقدنا صوته، فقال لنا أبي: أظنه والله قد مات، فدخلنا فوجدناه ميتاً، فجهزناهما، وحملناهما فقبرناهما. وقال آخر - وتروى لحاتم -: إن كنت تزعم أن الأض واسعة ... فيها لغيرك مرتاد ومرتحل فارحل فإن بلاد الله ما خلقت ... إلا ليسكن منها السهل والجبل وابغ المكاسب من أرض مطالبها ... من حيث يجمل حتى ينفد الأجل وقال آخر:

11- فصل في ذكر الأوطان

كيف المقام بأرض لا أشد بها ... نضوى إذا ما اعترتني سورة الغضب؟ وقال آخر: وا سوأتا لامرئٍ شبيبته ... في عنفوان، وماؤه خضل وهو مقيم بأرض مضيعة ... يمنعه من طلابه الكسل إلى متى تخدم الرجال ولا ... تخدم يوماً، لأمك الهبل؟ وقال آخر: ما أشغل الحي في الدنيا بحاجته=والميت بالموت مشغول عن الحي هون عليك فأرض الله واسعة ... والشيء يغنيك في الدنيا عن الشيء وقال البحتري: الأرض أوسع من دار ألظ بها ... والناس أكثر من خل أجاذبه أعاتب الخل فيما ساء واحدة ... ثم السلام علين، لا أعاتبه وقال أيضاً: إنني ما حللت بالأرض إلا ... كنت في أهلها المجل المفدى وإذا القوم لم يراحوا لقرى ... كان لي عنهم مراح ومغدى وقال أيضاً: فلا تسألن عن مضجعي ونبوه ... بأرضي وعن نومي بها وامتناعه أراني مشتاقاً وأهلي حضر ... على رأي عيني ناظر واستماعه ومغترب المثوى وسرجي سارب ... بأودية الساجور أو بتلاعه لفرقة من خليت دنياي غضة ... لديه، وعزى معصماً في يفاعه وما غلبتني نية الدار عنده ... على رفده في ساحتي واصطناعه وقال آخر: في سعة الأرض وفي عرضها مستبدل بالخل والجار فمن دنا منك فأهلاً به ... ومن تناءى فإلى النار وقال آخر: إذا المرء لم يحببك إلا تكرهاً ... فدعه، ولا يعجزك عنه التحول وفي الأرض أكفاء وفيها مراغم ... عريض لمن خاف الهوان ومرحل وقال آخر: طلبت المستقر بكل أرض ... فلم أر لي بأرض مستقراً أطعت مطامعي فاستعبدتني ... ولو أني قنعت لعشت حراً وقال إياس بن قبيصة الطائي: فما ولدتني حاضن ربعية ... لئن أنا مالأت الهوى لا تباعها أم تر أن الأرض رحب فسيحة ... فهل تعجزني بقعة من بقاعها؟! قال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان [المعري] : أقول لصاحبي إذ هام وجداً ... ببرق ليس يثبته نزوحا متى نصبح وقد فتنا الرزايا ... نقم حتى تقول الشمس روحا بأرض للحمامة أن تغني ... بها ولمن تأسف أن ينوحا وقال أحمد بن محمد بن الفضل الخازن: سقيت لمعنى حل فيك أوده ... ولولاه لم أسمح لتربك بالقطر فإنك أرض ما وجدت بها رضى ... وحرة سوء ما تضيع سوى الحر قد اعتل فيها كل شيء سوى الصبا ... ورق سوى الأخلاق والماء والخمر وقلت، وأنا بمصر: ودع أخا العزم مصراً، لا لميس، وخفض ... بالسابحات غمار المهمه البيد وسر عن الأرض تنبو بالكرام فقد ... طال انتظار الجنى من يابس العود وقلت: تطامن إذا أنكرت دهرك إنما ... يفوز بخفض العيش من عاش في خفض وكن كالذباب إن رأى الريح عاصفاً ... تلاصق من خوف الأذية بالأرض وقال البستي: إن ترمك الغربة في معشر ... توافقوا فيك على بغضهم فدارهم ما دمت في دارهم ... وأرضهم ما دمت في أرضهم 11- فصل في ذكر الأوطان قال إبراهيم بن أدهم - رضي الله عنه: "ما قاسيت فيما تركت من الدنيا أشد علي من مفارقة الأوطان". قال الرياشي: أنشدني أعرابي: سلم على قطن إن كنت تألفه ... سلام من كان يهوى مرة قطنا (قطن) : جبل: أحبه والذي أرسى قواعده ... حباً إذا ظهرت آياته بطنا يا ليته لا نريم الدهر ساحته ... وليته حيث سرنا غربة معنا ما من غريب وإن أبدى تجلده ... إلا سيذكر بعد الغربة الوطنا وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر: أهيم بذكر الشرق والغرب دائماً ... وما لي لا شرق البلاد ولا الغرب ولكن أوطاناً نأت وأحبة ... فقدت، متى أذكر عهودهم أصب وما أنس من ودعت بالشط سحرة ... وقد غرد الحادون واستعجل الركب أليفان: هذا سائر نحو غربة=وهذا مقيم سار عن جسمه القلب وقال آخر: لا تنهرن غريباً طال غربته ... فالدهر يضربه بالذل والمحن حسب الغريب من الدنيا ندامته=عض الأنامل من شوق إلى الوطن وقال التهامي:

استودع الله في أرض الحجاز رشا ... في روضة القلب مأواه ومرتعه بالله يا شوق رفقاً بالفؤاد فما ... أطيق أكثر مما أنت تصنعه وأنت يا وصل عج في ربع فرقتنا=عساك تجمع شملاً عز مجمعه وسقه من حيا التقريب سارية=فإنه دائر قد مح موضعه عسى الليالي بأوطاني التي سلفت=ترجعن فيه رجوعاً لا نودعه عن ابن الكلبي قال: كان رجل من طيء يقال له: زامل بن عفير، نازلاً في أخواله من كلب في الدهر الأول، وذلك قبل حرب الفجار، فأغار عليهم منسر من بني القين، فاستخفوا إبله، فاستنصر أخواله، فأبطئوا عليه، فعمد إلى جمل سائب، فاكتفله وتوجه نحو الشام، فقيل له: أتركب الحرام؟ قال: "يركب الحرام من لا حلال له" فلما قرب من الشام مر بروضة غناء وغدران، فقيد بعيره، وأكل من نبات تلك الروضة، واضطجع، فبينا هو كذلك، إذ أقبل فارس إلى الروضة، فنزل عن فرسه، وحط سرجه، وقيد فرسه، وقعد قريباً من مضطجع الطائي فاستيقظ الطائي بحرسه، فاستوى قاعداً، فقال له الفارس: من الرجل؟ فانتسب له، وسأله عن شأنه، فقص عليه قصته، فقال له الفارس: يا هذا. هل عندك طعام فإني طاو منذ أمس؟ فقال له: أتطلب الطعام وهذا اللحم معرض؟ ثم وثب إلى سيفه، فعقر بعيره، ثم اجتب سنامه، وبقر عن كبده، وذلك بعين الفارس، ثم أوقد ناراً عظيمة، ثم اشتوى، وأقبل يلقى إلى الفارس، حتى انتهى، فما لبث أن ثار العجاج، فإذا الخيل مقبلة، تتوقص بفرسانها، حتى انتهوا إلى الفارس فحيوه بتحية الملك، فركب، وقال: دونكم الرجل، فأردفه بعضهم حتى أتى دار ملكه، فإذا هو الحارث الأكبر الغساني، فأمر بعض غلمانه بإنزال الطائي، وخاف زامل أن يكون قد نسيه الملك، فقال للغلام: هل لك أن توليني عارفة، وتبلغ الملك ما أقول؟ قال: أفعل، فأنشده: أبلغ الحارث المردد في المج ... د وفي المكرمات جداً فجد وابن أرباب واطئ السب ... ب الأرحب والمالكين غوراً ونجدا إنني ناظر إليك ودوني ... عائقات غادرن قربي بعدا إن أكن نازلاً بمثوى كريم ... ناعم البال في مراح ومغدى غير أن الأوطان يجتذب المر ... ء إليها الهوى وإن عاش كدا وتأنى بالشآم مفيدي ... حسرات يقددن قلبي قدا ليس يستعذب الغريب مقاماً ... في سوى أرضه وإن نال جدا فتسبب الغلام إلى أن أنشد الملك الأبيات، فقال الملك: وا سوأتاه، كرم ولؤمنا، إيذن له يا غلام، فلما دخل قال: والله لا يرحض عارها عني إلا عطاؤها حتى ترضى، ثم أمر له بجائزة سنية، وقال له: يا زامل. إن الأوطان جواذب، كما ذكرت، فهل لك في المقام في جملتنا يفيء عليك ظلنا، وتسيل عليك صلتنا؟ فقال: أيها الملك. ما كنت لأوثر وطني عليك، ثم أقام بالشام في جواره. وقال ابن الرومي: ولي وطن آليت ألا أبيعه ... وألا أرى غيري له الدهر مالكا فقد ألفته النفس حتى كأنه ... لها جسد إن بان غودرت هالكا وحبب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضاها الرجال هنالكا إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصبى فيها فحنوا لذلكا وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه -: لا يذكر الرمل إلا حن مغترب ... له بذي الرمل أوطار وأوطان يهفو إلى البان من قلبي نوازعه ... وما بي البان، بل من دارهالبان أسد سمعي إذا غنى الحمام بها ... كيلا يبين سر الوجد إعلان ورب دار أوليها مجانبة ... ولي إلى الدار أطراب وأشجان إذا تلفت في أطلالها ابتدرت ... للقلب والعين أمواه ونيران قيل لبعض الحكماء: ما اللذة؟ قال: الكفاية مع لزوم الأوطان، ومحادثة الإخوان، وقيل: فما الذلة؟ قال: النزوح عن الأوطان، والتنقل في البلدان. وقال أبو العرب مصعب بن محمد بن الفرات: أهم ولى عزمان: عزم مشرق ... وآخر يغري همتي بالمغارب ولا بد لي أن أسأل العيس حاجة ... تشق على أخفافها والغوارب علي لآمالي اضطراب مؤمل ... ولكن على الأقدار نجح المطالب فيا نفس لا تستصحبي الهون إنه ... وإن خدعت أسبابه شر صاحب ويا وطني إن بنت عني فإنني ... سأوطن أكوار العتاق النجائب إذا كان أصلي من تراب فكلها ... بلادي، وكل العالمين أقاربي

وقال آخر: يا بعيد الدار من وطنه ... مفرداً يبكي على سكنه كلما جد النجاء به ... جدت الأسقام في بدنه ولقد زاد الفؤاد شجي ... صوت قمري على فننه شفه ما شفني فبكى ... كل من يبكي على شجنه وقال آخر: لابد للمشتاق من ذكر الوطن ... واليأس والسلوة من بعد الحزن وقال عبد السلام بن رغبان المعروف بديك الجن: أما آن للطيف أن يأتيا ... وأن يطرق الوطن الدانيا؟ وإني لأحسب ريب الزما ... ن يتركني جسداً باليا سأنشر ذكرك لا ناسيا ... جميل الصفاء ولا قاليا وقد كنت أنشره ضاحكاً ... فقد صرت أنشره باكيا وقال الشريف المرتضى - رضي الله عنه -: هل لليالي بالمنقى رجوع ... مثلما كن لي ونحن جميع زمن راعني تذكره الثا ... وي وإن كان ماضياً لا يريع وطن طاب جوه وثراه ... فكأن المصيف فيه ربيع حيث لا تهتدي الخطوب لا يخ ... فق من خشية الحوادث روع وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري: وماء بلادي كان أنجع مشرباً ... ولو أن ماء الكرخ صهباء جريال فيا وطني إن فاتني بك سابق ... من الدهر، فلينعم لساكنك البال وإن استطع في الحشر آتك زائراً ... وهيهات، لي يوم القيامة أشغال وقال المتنبي: بما التعلل؟ لا أهل ولا وطن ... ولا نديم ولا كأس ولا سكن أريد من زمني ذا أن يبلغني ... ما ليس يبلغه في نفسه الزمن لا تلق دهرك إلا غير مكترث ... ما دام يصحب فيه روحك البدن فما يدوم سرور ما سررت به ... ولا يرد عليك الفائت الحزن عن رجل من أهل خراسان قال: رأيت علي بن الجهم بعد أن أطلق من محبسه جالساً في المقابر، فقلت: ما يجلسك هنا؟ فقال: يشتاق كل غريب عند غربته ... ويذكر الأهل والجيران والسكنا وليس لي وطن أمسيت أذكره ... إلا المقابر إذ كانت لهم وطنا قلت: لي أبيات تنظر إلى هذا المعنى، وهي: أشتاق أهلي وأوطاني وقد ملكت ... دوني وأفنى الردى أهلي وأحبابي فأستريح إلى رؤيا القبور، ففي ... أمثالها حل إخواني وأترابي ولست أحيا حياة استلذ بها ... من بعدهم ولحاق القوم أولى بي وقال أبو بكر، المعروف بابن اللبانة، في نكبة آل عباد أرباب الأندلس - وكان تغلب عليهم يوسف بن تاشفين، وملك بلادهم، وكانوا محسنين إلى أجل العلم وإلى هذا الشاعر، وله فيهم أشعار كثيرة يبكيهم ويتأسف على أيامهم: بكى آل عباد ولا كمحمد ... بأبياته صوب السحاب إذا همى حبيب إلى قلبي حبيب لقوله: ... "عسى وطن يدنو بهم، ولعلما" يقول في هذا الشعر: قصور خلت من ساكنيها فما بها ... سوى الأدم تمشى حول واقفة الدمى يجيب بها البوم الصدى، ولطالما ... أجاب القيان الطائر المترنما كأن لم يكن فيها أنيس ولا التقى=بها الوفد جمعا والخميس عرمرما مصاب هوى بالنيرات من العلى=ولم يبق في أرض المكارم معلما حكيت وقد فارقت ملكك مالكاً ... ومن ولهى أحكى عليك متمما بكيتك حتى لم يخل لي الأسى ... دموعاً بها أبكى عليك ولا دما وإني على رسمي مقيم، فإن أمت ... سأترك للباكين رسمي موسما وقال رجل من تميم: حنت قلوصي في عدان إلى نجد ... ولم ينسها أوطانها قدم العهد إذا شئت لاقيت القلوص ولا أرى ... لقومي أشباهاً فيألفهم ودى وقال آخر: حن إلى أوطانهم معشر ... لهم غرام ولي اثنان إذا تشكوا شجناً واحداً ... تكاثرت ععدة أشجاني وقال آخر (البستي) : لئن سلمني الله ... وبالحفظ تولاني وأعطاني أعطاني ... وأوطاني أوطاني وأخلى ذرعي الآ ... ن، وخلاني خلاني فلا عدت إلى الغر ... بة ماكر الجديدان فإن عدت لها يوماً ... فسجاني سجاني

قال الجهم بن المغيرة: كنا عند حيوس بن ثمال القرمطي بضرية، فمرت بنا جارية صفراء مولدة، فقال لي حيوس: استفتح كلامها فإنها ظريفة، فقلت: يا جارية أين نشأت؟ فقالت: بقرقري، قلت: فأين شعبعب؟ فضحكت، ثم قالت: بين الحوض والعطن، قلت: فمن الذي يقول: يا صاحبي فدت نفسي نفوسكما ... عوجا على صدور الأبغل السنن ثم ارفعا الصوت ننظر صبح خامسة ... بقرقري، ما عناء النفس بالوطن هل أجعلن يدي للخد مرفقة ... على شعبعب بين الحوض والعطن؟! فالتفتت إلى حيوس، فقالت: خبره بقائلها، فقال: ما أعرفه، فقالت: بلى هذا يقوله شاعرنا وظريف بلادنا وغزلها، قال: ويحك: ومن ذاك؟ فقالت: أشهد إن كنت لا تعرفه وأنت من أهل الوادي إنها لسوأة، ذاك يحيى بن طالب الحنفي، وأقسم بالله ما منعك من معرفته إلا غلظ الطبع، وجفاء الخلق، فجعل حيوس يضحك من قولها. ويحيى بن طالب الحنفي من أهل اليمامة، وكان أديباً كريماً، فابتاع من عامل السلطان غلة ضيعة مما تحت يده يريد بها الربح، فأصاب الناس باليمامة قحط ومسغبة، ففرق يحيى تلك الغلة وأطعمهم إياها، وآن محل الوفاء، ولم يكن له شيء، فهرب إلى الري، وبها توفي. وقد روى عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي، قال: غنيت بين يدي الرشيد: ألا هل إلى شم الخزامى ونظرة ... إلى قرقري قبل الممات سبيل؟! فأشرب من ماء الحجيلاء شربة ... يداوى بها قبل الممات عليل فيا أثلات القاع من بطن توضح ... حنيني إلى إظلالكن طويل ويا أثلات القاع قلبي موكل ... بكن وجدوى نيلكن قليل ويا أثلات القاع قدمل صحبتي ... مقامي، فهل في ظلكن مقيل أحدث عنك النفس أن لست راجعاً ... إليك فهمي في الفؤاد دخيل أريد رجوعاً نحوكم فيصدني ... إذا رمته دين على ثقيل فطرب الرشيد، وسأل عن قائل هذا الشعر: من هو؟ فقلت: هو يحيى بن طالب الحنفي، شاعر من أهل اليمامة، وإنه لحي، وهرب إلى الري من دين غلبه، وقد ذكر ذلك في شعره هذا، فقال: أريد رجوعاً نحوكم فيصدني ... إذا رمته دين على ثقيل فأمر الرشيد أن يكتب إلى عامل الري بقضاء دينه، وإعطائه نفقة، وإنفاذه على البريد، فوصل الكتاب إلى الري يوم مات يحيى بن طالبن وقيل: مات قبل وصوله بشهر. وقلت: أين السلو من المروع بالنوى ... أبداً، فلا وطن ولا خلان عيد البرية موسم لعويله ... وسرورهم فيه له أحزان وإذا رأى الشمل الجميع تزاحمت ... في قلبه الأمواه والنيران قال أبو الفرج الوأ واء: ها قد تبدلت أوطاناً بأوطان ... عمداً، وفارقت إخواناً لإخوان فليبلغ الشوق بي أقصى مراتبه ... إلى بدور على قضبان كثبان وكتب إلي القاضي المهذب أبو محمد حسن بن علي بن الزبير قصيدة أنفذها من أسوان، وانا بمصر، منها: أأحبابنا مالي إذا ما ذكرتكم ... وما أنا ناس غال صبري غول؟ وإن شام برق الشام طرفي وشمرت ... على البعد عنه للظلام ذيول تدارك قلبي أن يطير صبابة ... بنان كأنبوب اليراع نحيل وخيل لي أن السيوف بجوه ... سللن، وأني بينهن قتيل لئن أقفرت منا الديار ومنكم ... وأمست مغانيهن وهي طلول فإن لنا في آل منقذ أسوة ... يهون لديها الخطب وهو جليل نبت بهم أوطانهم فترحلوا ... وللمجد في ذاك الرحيل رحيل بلاد بها من عزهم وعطائهم ... وعور لمن ينتباها وسهول وللدهر من أيمانهم ووجدوههم ... بها غرر ما تنقضي وحجول خلت، فالربيع الغض محل لفقدهم ... بها والصباح المستنير أصيل وساروا على رغم العدا، ودليلهم ثناء لهم في الخافقين جميل وما كنت أدرى قبل أن يترحلوا ... بأن الجبال الراسيات تزول أذلوا خطوب الدهر قهراً فبينهم ... قديماً وبين الحادثات ذحول وقال أبو بكر بن اللبانة: قد طال بي أقطع البيداء منفرداً ... وليس يسفر عن وجه المنى سفر كأنما الأرض عني غير راضية ... فليس لي وطن فيها ولا وطر قلت: لي أبيات تشابه هذا المعنى، وهي:

وقد أفردتني الحادثات فليس لي ... أنيس، ولا في طارق الخطب أعوان كأني من غير التراب نبت بي الب ... لاد، فما لي في البسيطة أوطان أجول، كما جالت قذاة بمقلة ... وأسرى، وسارى النجم في الأفق حيران إذا قلت: هذا حين ألقى عصا السرى ... دعاني إلى الترحال ظلم وعدوان وقال أبو الفتيان بن حيوس: وللحمية لا عن زلة حكمت ... بالبعد فارقت إخواناً وأوطانا تخيفني بلدة حتى أميل إلى=أخرى، كأني عمران بن حطانا قلت: ربما وقف على هذين البيتين من يتطلع إلى معنى قول أبي الفتيان: "كأني عمران بن حطان" فرأيت أن اذكر شيئاً من أخباره، وإن لم يقتض التأليف ذلك. عن الهيثم بن عدي قال: طلب الحجاج عمران بن حطان السدوسي، وكان من الخوارج، وكتب فيه إلى عماله، وإلى عبد الملك بن مروان، فهرب، فلم يزل يتنقل في أحياء العرب، وقال في ذلك: حللنا في بني كعب بن عمرو ... وفي عك وعامر عوثبان وفي جرم، وفي عمرو بن مر ... وفي زيد، وحي بن العدان ثم لحق بالشام، فنزل بروح بن زنباع الجذامي، فقال له روح: من أنت؟ فقال: من الأزد أزد السراة، وكان روح يسمر عند عبد الملك بن مروان، فقال لعبد الملك: إن في أضيافنا رجلاً ما سمعت منك حديثاً إلا حدثني به، وزادني ما لم يكن عندي، فقال: ممن هو؟ قال: من الأزد، قال: إني لأسمعك تصف عمران بن حطان، أسمعك تصف وتذكر لغة نزارية، قال روح: وما أنا وعمران بن حطان، ثم أنشد عبد الملك: يا ضربة من تقى ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا قاتل علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فراح روح فأخبر عبد الملك، فقال: من أخبرك؟ قال: ضيفي، قال: أظنه والله عمران بن حطان، فأعلمه أني قد أمرتك أن تأتيني به، فقال: أفعل، فراح روح إلى أضيافه، فأقبل على عمران، فقال له: إني ذكرتك لعبد الملك، فأمرني أن آتيه بك، فقال: قد كنت أحب ذاك، وما منعني من ذكره إلى الحياء، وأنا متبعك، فدخل روح على عبد الملك، فقال له: أين صاحبنك؟ قال: قال لي: أنا متبعك فانطلق، فقال عبد الملك: أظنك والله سترجع فلا تجده، فلما رجع روح إلى منزله، فإذا عمران قد مضى، وإذا هو قد خلف رقعة في كوة عند رأسه، وإذا فيها: يا روح كم من أخي مثوى نزلت به ... قد ظن ظنك من لخم وغسان حتى إذا خفته زايلت منزله ... من بعد ما قيل: عمران بن حطان قد كنت ضيفك حولاً لا يروعني ... فيه طوارق من إنس ومن جان حتى أردت بي العظمى فأوحشني ... ما أوحش الناس من خوف ابن مروان فاعذر أخاك ابن زنباع فإن له ... في الحادثات هنات ذات ألوان يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن ... وإن لقيت معدياً فعدناني لو كنت مستغفراً يوماً لطاغية ... كنت المقدم في سري وإعلاني لكن أبت لي آيات مطهرة ... عند التلاوة من طه وعمران قال: ثم أتى عمران بن حطان الجزيرة، فنزل بزفر بن الحارث الكلابي بقرقيسيا فجعل شباب بني عامر يتعجبون من طول صلاته، وانتسب لزفر أوزاعياً، فقدم على زفر رجل من أهل الشام، وكان قد رأى عمران بن حطان عند روح بن زنباع، فصافحه وسلم عليه، فقال: زفر للرجل الشامي: أتعرفه؟ قال: نعم، هذا الشيخ من الأزد، فقال زفر: أزدي مرة، وأوزاعي مرة؟ إن كنت خائفاً أمناك، وإن كنت عائلاً أغنيناك، فقال: إن الله هو المغني، وخرج من عنده وهو يقول: إن التي أصبحت يعيا بها زفر ... أعيا عياها على روح بن زنباع أمسى يسائلني حولاً لأخبره ... والناس من بين مخدوع وخداع حتى إذا انجذمت مني حبائله ... كف السؤال، ولم يولع بإهلاعي فاكفف كما كف روح إنني رجل ... إما صويح وإما فقعة القاع أما الصلاة فإني غير تاركها ... كل امرئ بالذي يعنى له ساع فاكفف شبابك عن هزلي ومسألتي ... ماذا تريد إلى شيخ لأوزاع؟! أكرم بروح بن زنباع وأسرته ... قوم دعا أوليهم للعلى داع جاورتهم زمنا فيما دعوت به ... عرضي صحيح ونومي غير تهجاع فاعمل فإنك منعي بحادثة ... حسب اللبيب بهذا الشيب من ناع

فصل آخر في ذكر الأوطان

ثم خرج فنزل بعمان بقوم يكثرون ذكر أبي بلال، ويبكون عليه، ويذكرون مقتله فأظهر أمره عندهم، فبلغ الحجاج مكانه، فطلبه، فهرب، فنزل فيروذستان "طسوجاً من طساسيج السواد، إلى جانب الكوفة" فلم يزل به حتى مات، وفي ذلك يقول: نزلت بحمد الله في خير أسرة ... أسر بما فيهم من الخير والخفر نزلت بقوم يجمع الله شملهم ... وليس لهم عود سوى المجد يعتصر من الأزد، إن الأزد أكرم أسرة ... يمانية تربو إذا انتسب البشر فأصبحت فيهم آمناً، لا كمعشر ... أتوني فقالوا: من ربيعة أو مضر؟! أو الحي قحطان، فتلكم سفاهة ... كما قال لي روح وصاحبه زفر وما فيهم إلا يسر بنسبة ... تقربني منه، وإن كان ذا نفر فنحن بنو الإسلام والله واحد ... وأولي عباد الله بالله من شكر هذا الذي أشار إليه أبو الفتيان بن حيوس. قلت - وقد نزلت بصور في دار ابن أبي عقيل، وكتبتها على بعض الرخام -: دار سكنت بها كرهاً وما سكنت ... نفسي إلى سكن فيها ولا شجن والقبر أرفق لي منها وأجمل بي ... إن صدني الدهر عن عود إلى وطني فصل آخر في ذكر الأوطان قال البحتري: إذا نلت في أرض معاشاً وإن نأت ... فلا تكثرن فيها نزاعاً إلى الوطن فما هي إلا بلدة مثل بلدة=وخيرهما ما كان عوناً على الزمن وقال أيضاً: كم مشرق لي قد نقلت نواله ... فجعلته لي عدة للمغرب وأحب أوطان البلاد إلى الفتى ... أرض ينال بها كريم المكسب وقال آخر: لا يصرفنك عن عزم تهم به ... نزوع نفس إلى أهل وأوطان تلقى بكل بلاد أنت ساكنها ... أرضاً بأرض وإخوانا بإخوان وقال آخر: قلقل ركابك في الفلا ... ودع الغواني في القصور فمحالفو أوطانهم ... كشبيه سكان القبور لولا التغرب ما ارتقى=در البحور إلى النحور وقال آخر: لأرحلن المطايا رحلة عجباً ... يكون أدنى مداها الصين أو عدن فكل خل إذا صافيته سكن ... وكل أرض إذا أحمدتها وطن وقال الشريف المرتضى رحمه الله: وملوح الخدين تحمله ... أبداً على أعناقها السبل ناب عن الأوطان فهو متى ... ظفرت به الأوطان يرتحل ترك البلاد لمن أقام بها ... وتقطعت عن عيسه العقل يسعى إلى العلياء يحرزها ... سعياً تحامى وقعة الزلل وإذا الفتى كتب النجاء له ... فالكلم يعفو والأذى جلل وقال الشيخ أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري: يا لهف نفسي على أني رجعت إلى ... أرض الشآم ولم أهلك ببغداذا إذا رأيت أموراً لا توافقني ... قلت: الإياب إلى الأوطان أدى ذا وقال جدي الأمير سديد الملك ذو المناقب أبو الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ رحمه الله: ولست بمحيار العزيمة إن جرت ... عليه رياح الخطب وهي زعازع يكر إلى الأوطان طرفاً موزعاً ... يلين لها طوراً وطوراً يمانع إذا ساف من تلقائها الريح لم يزل ... له نفس في إثرها متتابع أبى ذاك نفس لا يداني عقالها ... ثواء، ولا تقضي عليها المطامع وقال أيضاً: لله ما طيف ألم بفتية ... تحنو رؤوسهم على الأكوار يطوى بهم عرض الفلاة مسربل ... حلل الثناء ممزق الأطمار لا تلفت الأوطان عزمته ولا ... يهدي الحنين إلى رسوم الدار وقال آخر: وقارعتني صروف الدهر فانكشف ... طخياؤها عن كريم الأصل والغصن عن ابن ليل كنجم الليل همته ... مشيع القلب لا يلوي على وطن وأي حر إلى الأوطان ملتفت ... إذا ألح عليه الدهر بالمحن أينفع الظامئ الملهوف موقفه ... وقد فنى الماء بين الحوض والعطن؟! مسدد العزم إن نابته نائبة ... فما يقيم على ربع ولا سكن وقال آخر: قوض خيامك عن أرض تهان بها ... وجانب الذل إن الذل يجتنب وارحل إذا كانت الأوطان نابية ... فالمندل الرطب في أوطانه حطب وقلت - وأنا بمصر -: يا مصر ما درت في وهمي ولا خلدي ... ولا أجالتك خلواتي بأفكاري ما أنت أول أرض مس تربتها ... جلدي ولا فيك أوطاني وأوطاري

12- فصل في ذكر المدن

لكن إذا حمت الأقدار كان لها ... قوى تؤلف بين الماء والنار وقال آخر: ترى الذي اتخذ الدنيا له وطناً ... لم يدر أن المنايا عنه تزعجه من كان يعلم أن الموت مدرجه ... والقبر منزله، والبعث مخرجه وأنه بين جنات ستبهجه ... يوم القيامة، أو نار ستنضجه فكل شيء سوى التقوى به سمج ... وما أقام عليه فهو أسمجه وقال آخر: من الخراب من الأوطان أوطاني ... وقد مضى لي في العمران عمران قد لمت أول من يثني عناني عن ... سبل الهوى وزجرت الثاني الثاني في مجلس تبهج الرائين رؤيته ... ولي قرينان من حلوان حلوان لا يحضران امرءاً عندي بمنقصة ... ولا إذا جادت الكفان كفاني لكن يكدر عيشي بعد ذي هيف ... إدمانه الخطر بالأردان أرداني تقول ألحاظه: أنظر، فقد ضمنت ... أشباه ما ضمت الأجفان أجفاني جفا، وما كان يجفوني وغادرني=ميتاً، ولو شاء في الأحيان أحياني والحين أبعد عن مأواي مسكنه ... ولو تقاربت الداران داراني وحاسد غره بعدي فأسخطني ... ولو تجاورت الأرضان أرضاني كم قد وري من حسود ما يعاين من ... فضلي، وكم قد شجى من شأني شاني 12- فصل في ذكر المدن عن سهل بن عبد الله - رحمه الله - أنه كان ينفق ماله في طاعة الله تعالى، فجاءت أمه وإخوته إلى عبد الله بن المبارك - رضي الله عنه - يشكونه، فقالوا: هذا لا يمسك شيئاً، ونخشى عليه الفقر، فأراد عبد الله أن يعينهم عليه، فقال له سهل: يا عبد الله أرأيت لو أن رجلاً من أهل المدينة اشترى ضيعة برستاق، وهو يريد أن يتحول عن المدينة إليها، أكان يخلف بالمدينة شيئاً وهو يسكن الرستاق؟ فقال عبد الله - رحمه الله -: خصمكم، يعني أنه إذا أراد أن يتحول إلى الرستاق لا يترك بالمدينة شيئاً، فالذي يريد أن يتحول إلى الآخرة كيف يترك في الدنيا شيئاً؟! قال أبو نواس: أين من كان قبلنا ... من ذويب البأس والخطر سائلوا عنهم المدا ... ئن واستخبروا الخمر سبقونا إلى الرحي_ل، وإنا لبالأثر من مضى عبرة لنا ... وغداً نحن معتبر وقال أبو تمام: قد قلت للزباء لما أصبحت ... في حد ناب للزمان ومخلب لمدينة عجماء قد أمسى البلى ... فيها خطيباً باللسان المعرب فكأنما سكن الفناء فناءها ... أوصال فيها الدهر صولة مغضب وقلت: سل المدائن عمن كان يملكها ... هل آنست منهم من بعدهم خبرا فلو أجابتك قالت ... وهي عالمة بسيرة الذاهب الماضي ومن غبرا أرتهم العبر الدنيا، فما اعتبروا ... فصيرتهم لقوم بعدهم عبراً عن سليمان بن عياش قال: قالت أنيسة زوجة جبهاء الأشجعي لجبهاء: لو هاجرت إلى المدينة، وبعت إبلك، وافترضت في العضاء، كان خيراً لك، قال: أفعل، فأقبل غادياً بإبله، حتى إذا كان بحرة واقم من شرقي المدينة شرعها بحوض واقم يسقيها، فحنت ناقة منها، ثم نزعت، وتبعتها الإبل ففاتته، فقال جبهاء لزوجته: هذه الإبل لا تعقل تحن إلى أوطانها، ونحن أولى بالحنين منها، أنت طالق إن لم ترجعي [فقالت] : فعل الله بك وفعل، فردها، وقال: قالت أنيسة: دع بلادك والتمس ... داراً بطيبة ربة الآطام تكتب عيالك في العطاء، وتفترض ... وكذاك يفعل حازم الأقوام فهممت ثم ذكرت ليل لقاحنا ... بلوى عنيزة أو بقف بسام إذ هن عن حسبي مذاود كلما ... نزل الظلام بعصبة أعيام إن المدينة لا مدينة فالزمي=حقف السناد، وقنة الاجام وتجاوري النفر الذين بنبلهم ... أرمى العدو إذا تهضم رام الباذلين ... إذا طلبت تلادهم والمانعي ظهري من العرام ذهب الرجال فلا أحس رجالا ... وأرى الإقامة بالعراق ضلالا وأرى المرجى للعراق وأهله ... ظمآن هاجرة يؤمل آلا وطربت أن ذكر المدينة ذاكر ... يوم الخميس فهاج لي بلبالا وجعلت أنظر في السماء كأنني ... أبغي بناحية السماء هلالا طرباً إلى أهل الحجاز وتارة ... أبكي بدمع مسبل إسبالاً 13- فصل في ذكر البلاد

عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من بلدة تاب فيها تائب إلا رحم الله تعالى أهل تلك البلدة، ورفع عنهم العذاب". وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل جلب طعاماً إلى بلد من بلاد المسلمين، فباعه بسعر يومه محتسباً، كان عند الله بمنزلة الشهيد، ثم تلا: (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) . قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - "من سعادة الرجل خمس: أن تكون زوجته موافقة، وأولاده أبراراً، وإخوانه أتقياء، وجيرانه صالحين، ورزقه في بلده". عن الأصمعي قال: سمعت أعرابياً يقول: شر المال ما لا ينفق، وشر الإخوان الخاذل في الشدائد، وشر السلاطين من يخافه البريء، وشر البلاد ما ليس فيه خصب ولا أمن. وقال أبو زياد الطائي: أحقاً عباد الله أن لست ناسياً ... بلادي ولا قومي ولا ساكناً نجدا؟! ولا ناظراً نحو الحمى اليوم نظرة ... أسلى بها قلبي، ولا محدثاً عهدا بلاد بها نيطت على تمائمي ... وكان بها عصر الصبي نضراً رغداً بلاد بها قومي، وارض أحبها ... وإن لم أجد من طول هجرتها بدا وقال صدقة بن نافع الغنوي: ألا ليت شعري هل أسير ناقتي ... ببيضاء نجد حيث كان مسيرها بلاد بها أنضيت راحلة الصبي ... ولانت لنا أيامها وشهورها فقدنا بها الهم المضل وشربه ... ودار علينا بالنعيم سرورها حكي عن كاتب لأمير الحاج أنه قال: نزلنا مرة بظاهر الكوفة، ونحن متوجهون إلى الحج، فكنت كل يوم أغدو إلى الكوفة لحوائجي، ويقابلني رجل زمن يزحف. فكنت أظنه يقصد الحاج للسؤال، فاتفق أن تبعته يوماً، حتى كان بموضع يشرف منه على أخبية الحاج، فسمعته يقول: أعلمت كيف تصبري ... عن رؤية البلد الحرام والمشعرين ومسجد ... بالخيف يشهد كل عام وعن التزام المشعري ... ن وعن صلاة بالمقام وعن الزيارة للنب ... ي المصطفى خير الأنام كتصبر المدفوع بال ... أسقام عن طيب المنام قال: ثم ظعنا عن الكوفة ليالي وأياماً، ثم إني سمرت عند الأمير ليلة، فحدثته الحديث، فأحضر نجاباً، وثلاثة نجب، وقال لي: اذهب مع هذا النجاب فأتيني به، فقلت: إن ذلك يشق علي، وأنا أدل الرسول عليه، فقال: قد علمت أنك تدل الرسول، ولكني أردت عقوبتك؛ لتأخيرك إخباري عنه، فمضيت فأتيت به. وقال أشجع السلمي: ومغترب ينقضي ليله ... فنوناً ومقلته تدمع يؤرقه نأيه في البلا ... د، فما يستقر به مضجع إذا الليل ألبسه ثوبه ... تقلب فيه فتى موجع وقال آخر: ألا هل إلى نص النواعج بالضحى ... وشم الخزامى بالغوير سبيل؟! بلاد بها أهل الهوى غير أنني ... أميل مع الأقدار حيث تميل وقال أبو عبد الله محمد بن عثمان المعروف بابن الحداد الأندلسي يرثي صديقاً له: تيقن أن الله أكرم جيرة ... فأزمع عن دار الفناء رحيلا فإن أقفرت منه العيون فإنه ... تعوض منها بالقلوب بديلا ولم أر أنساً بعده صار وحشة ... وبرداً على الأكباد صار غليلا ومن كن أيام السرور قصيرة ... به كان ليل الحزن فيه طويلا وقال عيينة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري: أراكم بقلبي من بلاد بعيدة ... تراكم تروني بالقلوب على بعدي؟ فؤادي وطرفي يأسفان عليكم ... وعندكم روحي، وذكركم عندي ولست ألذ العيش حتى أراكم ... ولو كنت في الفردوس أو جنة الخلد وقالت امرأة من العرب زوجها عمها رجلاً شامياً، فنقلها إلى الشام، فاشتاقت بلادها: ألا يا خليلي اللذين أراهما ... ذوي ثقتي من دون من كان حافيا سقى الله ... والسقيا إليه بلادنا بحزم قناوين الذهاب الغواديا بلاد جميع، والعظيم أحبهم ... وإن كنت قد أيقنت ألا تلاقيا ألا ليت لي عما بعمى، وليت لي ... مكان بنيه من معد مواليا أناساً إذا خافوا على ظلامة ... وضيماً أحاطوا بالقنا من ورائيا فلا بارك الرحمن في وجه حرة ... يمانية بعدي تحب شآميا

فصل آخر في ذكر البلاد

وقال موسى بن جابر الحنفي: وجدنا أبانا كان حل ببلدة ... سوى بين قيس قيس عيلان والفزر (الفزر: لقب لسعد بن زيد مناة بن تميم، وكان أنهب معزاه بعكاظ، ويقال لجماعة المعزى: الفزر، فسمي بذلك) : فلما نأت عنا العشيرة كلها ... أنخنا فحالفنا السيوف على الدهر فما أسلمتنا عند يوم كريهة ... ولا نحن أغضينا الجفون على وتر وقال هلال بن الأسعر المازني: أقول وقد جاوزت نقمي وناقتي ... تحن إلى جنبي فليج مع الفجر سقى الله يا ناق البلاد التي بها ... هواك وإن عنا نأت سبل القطر فما عن قلى منا لها خفت النوى ... بنا عن مراعيها وكثبانها العفر ولكن صرف الدهر فرق بيننا ... وبين الأداني والفتى غرض الدهر فسقياً لصحراء الإهالة مربعاً ... وللوقبي من منزل دمث مثرى وسقياً ورعياً حيث حلت لمازن ... وأيامها الغر المحجلة الزهر وقال آخر: وارحمنا للغريب في البلد النا ... زح ماذا بنفسه صنعا؟! فارق أحبابه، فما انتفعوا ... بالعيش من بعده ولا انتفعا وقال آخر: "قيل قائلها بشر بن مروان، وقيل: عبد العزيز بن مروان": كأني وعمراً لم نسر في مجاهل ... ولم نزجر الوجناء في البلد القفر لحى الله دنيا تدخل النار أهلها ... وتهتك ما بين الأقارب من ستر هذان البيتان في عمر بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق حين قتله عبد الملك بن مروان. عن يحيى بن سعيد الأموي قال: كسا عبد الله بن الزبير - رحمه الله - قومه بني أسد جباباً، فقال أبو العباس الأعمى: كست أسد إخوانها ولو أنني ... ببلدة إخواني إذن لكسيت فلم أر مثل الحي حياً تحملوا ... إلى الشام مظلومين منذ بريت أعف وأحمى عند مختلف القنا ... وأعلم بالمسكين أين يبيت فلما قدم عبد الملك بن مروان حاجاً سنة خمس وسبعين دخل عليه أبو العباس الأعمى الشاعر، فلما رآه عبد الملك قال له: يا أبا العباس: كست أسد إخوانها، ولو أنني ... ببلدة إخواني إذن لكسيت فقال: نعم يا أمير المؤمنين أنا الذي أقول ذلك، فالتفت عبد الملك إلى من عنده من بني أمية، فقالت: عزمت على كل رجل إلا كسا أبا العباس، فكسوه ثلاثين جبة. سوى غيرها من الثياب. وقال وجيه الدولة بن حمدان وهو بالأهواز: نأيت بشخص في البلاد مشرق ... وقلب إليكم بالحنين مغرب لحى الله رأياً زين البعد عنكم ... وهمة قلب رخصت في التقلب يطيب خبيث الأرض بالقرب منكم ... ويخبث عندي بعدكم كل طيب وقال آخر: خليلي لا تستسلما وادعوا الذي ... له كل أمر أن يصوب ربيع حياً لبلاد شتت المحل أهلها ... وجبراً لعظم في شظاه صدوع عسى أن يحل الحي جرعاء واصل ... وعل النوى بالظاعنين تريع أفي كل يوم زفرة مستجدة ... تضمنها مني حشى وضلوع؟! وقال آخر: ألام على ليلى، وأحسب أنني ... كريم على ليلى وغيري كريمها لئن آثرت بالود أهل بلادها ... على نازح عن أرضها لا ألومها وما يستوي من لا يرى غير لمة ... وآخر ثاو عندها لا يريمها وقال آخر: الحين ساق إلى دمشق وما ... كانت دمشق لأهلنا بلدا قادتك نفسك فاستقدت لها ... وأرتك أمر غواية رشدا وقلت - وأنا بمصر سنة إحدى وأربعين وخمسمائة: هب أن مصر جنان الخلد ما اشتهت ... النفوس فيها في اللذت موجود ماذا انتفاعي إذا كانت زخارفها ... موجودة، وحبيب النفس مفقود؟! ما فيك لي سلوة يا مصر عن بلد ... في أهله الفضل والإقدام والجود وما الحياة لمن بانت أحبته ... رضي، ولا هو في الأحياء معدود فصل آخر في ذكر البلاد عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "العباد عباد الله، والبلاد بلاد الله، فحيث وجدت خيراً فأقم، واتق الله تعالى". وقال بزرجمهر: "إنما يستطيع الرحيل عن بلد من استطاع المقام به". وقال عيسى بن علي الموصلي: ما ذممت المقام في بلد قط ... (م) فعاتبته بغير الرحيل

إن تلقاني الزمان بمكرو ... هـ تلقيته بصبر جميل وقال المتلمس، واسمه جرير بن عبد المسيح: إن الهوان حمار البيت يعرفه ... والحر ينكره والرسلة الأجد [الرسلة] : الناقة السهلة وفي البلاد إذا ما خفت نائرة ... مشهورة عن ولاة السوء منتفد [النائرة] : ما تنفر منه، والنوار: النفور. إن الدنية لا يرضى بها أحد ... إلا الأذلان: عير السوء والوتد هذا على الخسف محبوساً برمته ... وذا يشج وما يبكي له أحد وقال أيضاً: إن العراق وأهله كانوا الهوى ... فإنما نبا بك ودهم فليبعد فلتتركنهم بليل ناقتي ... تذر السماك وتهتدي بالفرقد لبلاد قوم لا يرام هديهم ... وهدى قوم آخرين هو الردى الهدى: الجار، يعرض بعمرو بن هند، وطرفة بن العبد. وقال الحارث (؟) قالت سليمى قد غنيت فتى ... فاليوم لا تصمى ولا تنمى الموت تخشى أن توافقه ... والموت يدرك آبد العصم قوض خيامك والتمس بلداً ... ينأى عن الغاشيك بالظلم وقال آخر: وكل البلاد بلاد الفتى ... وما بينه وبلاد نسب إذا بلد بك يوماً نبا ... فلا تخلدن به واغترب وقال زياد بن منقذ بن عمرو بن عبد الله: لا حبذا أنت يا صنعاء من بلد ... ولا شعوب هوى منا ولا نقم ولا أحب بلاداً قد رأيت بها ... عنساً، ولا بلداً حلت به قدم "شعوب، ونقم وعنس وقدم: قبائل من اليمن، ومن عنس عمار بن ياسر - رضي الله عنه - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يشهد أحد من المسلمين بدراً أبواه مؤمنان غيره، ومنهم الأسود العنسي الكذاب الذي ادعى النبوة". إذا سقى الله أرضاً صوب غادية ... فلا سقاهن إلا النار تضطرم وحبذا حين تمسي الريح باردة ... وادي أشى وفتيان به هضم "وادي أشى بالمدينة" الموسعون إذا ما جر غرهم ... على العشيرة، والكافون ما جرموا والمعطمون إذا هبت شآمية ... وباكر الحي من صرادها صرم هم البحور عطاء حين تسألهم ... وفي اللقاء إذا تلقى بهم بهم وهم إذا الخيل جالوا في كواثبها ... فوارس الخيل لا ميل ولا قزم لم ألق بعدهم حياً فأخبرهم ... إلا يزيدهم حباً إلى هم وقال المتنبي: شر البلاد بلاد لا صديق بها ... وشر ما يكسب الإنسان ما يصم وشر ما قنصته راحتي قنص ... شهب البزاة سواء فيه والرخم وقال أيضاً: بلاد إذا زار الحسان بغيرها ... حصى أرضها نقينه للمخانق وما بلد الإنسان غير الموافق ... ولا أهله الأدنون غير الأصادق وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري: تذكرت من ماء العواصم شربة ... وزرق العوالي دون زرق جمامه وكم بين ريف الشام والكرخ منهل ... موارده ممزوجة بسمامه يمر به رأد الضحى متنكراً ... مخافة أن يغتاله بقتامه بلاد يضل النجم فيها سبيله ... ويثنى دجاها طيفها عن لمامه وقال المتنبي: إذا صديق نكرت جانبه ... لم تعينى في فراقه الحيل في سعة الخافقين مضطرب ... وفي بلاد من أختها بدل وقال مهيار: فمالي أقمح ملح الميا ... هـ وإذا كنت أشرب من أدمعي؟! ويرتاح وجهي لبرد النس ... يم ونار الخصاصة في أضلعي وهل قابلي بلد أن أقيم ... وقد خط في غيره مضجعي؟! وقال أيضاً: لله مر الأباء أعوزه ... من جانب الذل عزه فنبا وما مقام الكريم في بلد ... ينفق فيه الحياء والأدبا؟! وقلت: سر عن بلادهم فقد سئمت بها ... عيسى محول معرسي ومناخي ودع الأماني إنها غرارة ... ووعودها للراغبين أواخ ما عندها للواثقين بنيلها ... إلا المطال بموعد متراخ وقال البسي: ذرني أسر في البلاد مبتغياً ... فضل ثراء إن لم يفر زانا فنيذق النطع وهو أحقر ما في ... هـ إذا ساء صار فرزانا وقال أعرابي: رمى الفقر بالفتيان حتى كأنهم ... بأطراف آفاق البلاد نجوم وإن امرأ لم يقفر العام بيته ... ولم يتجدد لحمه للئيم وقلت من قصيدة:

أظن العدى أن ارتحالي ضائري ... ضلالاً لما ظنوا، وهل يكسد التبر؟ ما زادني بعدي سوى بعد همة ... كما زاد نورا في تباعده البدر وهل في ارتحالي عن بلاد تنكرت ... لمثلي أو للساكنين بها فخر؟! وإن بلاداً ضاق عني فضاؤها ... لأرحب من أكنافها للعلى فتر وأرضاً نبت بي وهي آهلة الربى ... هي القفر، لا، بل دون وحشتها القفر وهل ينكر الأعداء فضلى وإنه ... لأسير ذكراً أن يواريه الكفر؟ ألست الذي مازال كهلاً ويافعاً ... له المكرمات الغر، والنائل الغمر؟ وخائض وقعات بوارقها الظبى ... ووابل هاتيك البروق دم همر؟ يهول الردى منى تقحمي الردى=ويعتاده من جأشي الرابط الذعر وقال آخر: بلاد جفاني الناصحون وملني ... صديقي، ولمن يحفل بذلك عودي ولكن بلاد لو مرضت لعادني ... أوانس يكحلن العيون بإثمد أوانس يشفين السقيم ملاحة ... وحسن حديث كالجمان المنضد ولله قوم لم أفارقهم قلى ... كرام أولو عز وفخر وسؤدد قال أبو عبد الله إبراهيم نفطويه: أنشدنا أحمد بن يحيى، النحوي لرجل من العرب كان أبوه يمنعه الاضطراب في المعيشة شفقة عليه: ألا خلني أذهب لشأني ولا أكن ... على الناس كلاً، إن ذاك شديد أرى الضرب في البلدان يغني معاشراً ... ولم أر من أجدى عليه قعود أتمنعني خوف المنايا ولم أكن ... لأهرب مما ليس منه محيد؟ فدعني أجول في البلاد لعلني ... أسر صديقاً أو يساء حسود فلو كنت ذا مال لقرب مجلسي ... وقيل إذا أخطأت: أنت سديد وقال آخر: سقيت أيافث من بلاد ... صوب الروائح والغوادي كم قد تروت هامتي ... فيها وعول من وسادي دعني لسبل غوايتي ... والزم سبيلك للرشاد مرت بي هذه الأبيات في خبر أنا مورده لاستغرابي إياه، وإن لم يكن مما يقتضيه التأليف، والعهدة فيه على من رواه، وهو: عن ابن الكلبي عن أبيه عن أشياخ من أهل ذمار - من أهل اليمن - أنه سمعهم يخبرون عن رجل من حمير من ذي الكلاع - وكان رجلاً جلداً شجاعاً يركب الأهوال، وينفرد في الأسفار يقال له: تحياوة بن عمير - قال: خرجت أريد حضرموت، فبت في بعض المفاوز بقراب روضة غناء في ليلة مقمرة، نمت أول الليل، ثم أيقظني حس فانتبهت، فإذا فتيان قريب مني قد جلسوا على شراب لهم، فأنكرت ذلك في نفسي، وقلت: والله ما يقرب من هذا الموضع قرية ولا ماء ولا حلة، فما هؤلاء؟ ثم نمت، فأقبل واحد منهم، فحركني برجله، فأنبهني، فقلت: ما تشاء؟ فقال: إنك قد نزلت بنا، ووجب علينا ذمامك، فقم بنا تصب من طعامنا وشرابنا. فقلت: أما الطعام فلا حاجة لي به، قال: فقم إلى الشراب إذن، فقمت فاستوثقت من عقال جملي، وأخذ سيفي ومضيت معه، فإذا فتيان تسعة، كأنهم الأقمار، فحيوا فرحبوا، فإذا بين أيديهم جفنة فيها شراب كدم الخشف تسطع منه رائحة المسك، فتناول فتى منهم قعباً، فاغترف من الجفنة، فعب فيه حتى أتى على آخره، ثم قام، فأدار على القوم حتى صار إلي، فناولني القعب، فعببت فيه، ثم رددت إليه بعضه، فقال: اشرب، فشربت حتى أتيت على آخره، ثم قالوا للذي سقاهم: تغن يا تُحى، فرفع عقيرته وهو يقول: ألا يا وادي العلجان أبشر ... ببارقة على وادي الغميم لعل مصابها يدنى نوانا ... على عدوائه لنوى رميم فشدا - والله - شدوا ما سمعت مثله حسناً ولا صواباً، فقلت له: يا أخي من يقول هذا الشعر؟ فقال: أنا والله قلته على لسان جذيمة المصطلق الذي منهم جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فاستوحشت من قوله. ثم قالوا لآخر: قم يا مسعر، فقام، ففعل كفعل الأول، حتى سقى القوم، ثم قالوا له: تغن، فقال: تألق والدحى ملقى الجران ... بريق بين صاحة فالعران كأن وميضه لمعان كف ... مخاطبة على هول الجنان فكان غناؤه كغناء صاحبه وأحسن، فقلت: من يقول هذا يا أخي؟ فقال: أنا والله قلته على لسان علس ذي جدن. ثم قالوا لآخر: قم يا مقروم، فقام، ففعل كفعل أصحابه، ثم قالوا له: غننا، فقال: أبرزت من خلل البر ... د بناناً كاللجين

فصل آخر في ذكر البلاد

ورنت والعين تذرى ... كالئاً ترنو بعين م قالت لفتي ... ات كآرام الرهين: إنما يستمطر الجو ... د بكفي ذي رعين فقلت له: من يقول هذا يا أخي؟ قال: أنا والله قلته على لسان روضة قينة ذي رعين، فقالوا له: زدنا، وما استزادوا غيره، فقال: سفرت عن مثل قر ... ن الشمس في الليل البهيم في جوار قد سلبن اللح ... ظ أطلاء الصريم ثم قالوا لآخر: قم يا دلهم، ففعل كفعل أصحابه، ثم تغنى: طيف تأوب من سعاد ... حتى اجتنى ثمر الفؤاد ولبئسما متبدل ... طيف السهاد من الرقاد فقلت: من يقول هذا يا أخي؟ قال: أنا والله قلته على لسان نظام قينة ياسر المنعم. ثم قالوا: قم يا ملدم، فقام ففعل كفعل أصحابه، ثم تغنى: نذرت حماتك يا أما ... م دمي. ودون مرامه دهم تفض جماجم ال ... أقوام تحت قتامه إن يحجبوك تزره طي ... فك طارقات منامه فاستخفهم الطرب، فقاموا يصارع بعضهم بعضاً، ثم عادوا إلى مجلسهم، ثم قالوا: قم يا عرقال، قال: فقام، ففعل كفعل أصحابه، ثم تغنى: ضنت برجع سلامها هند ... أهو الدلال بها أم الصد؟! إن لم يكن نيل أعيش به ... فالوعد، ليس يئودك الوعد قال: فقام القوم، فجعل الرجل منهم يثب، فيجعل قدميه على منكبي صاحبه، ويثب الثاني على الآخر. هكذا حتى يصيروا كالنخلة السحوق، ثم يسقط بعضهم على بعض وهم يتضاحكون، ثم قالوا: قم يا عفير، فقام. ففعل كفعل أصحابه، ثم تغنى: سقيت أيافث من بلاد ... صوب الروائح والغوادي كم قد تروت هامتي ... فيها وعول من وسادي دعني لسبل غوايتي ... والزم سبيلك للرشاد ثم قالوا: قم يا معتر، فقام ففعل كفعل أصحابه، ثم تغنى: إن المدامة غادرت ... ثوبي قد ثقلا عليا فأصب بمائك قلبها ... وابعث بمهجتها إليا واحى اللذاذة بالمدا ... م وشربها مادمت حياً ثم قالوا: عم ظلاماً، فما رأينا إنسياً أصلب قلباً منك، وغابوا، فنمت، فما أيقظني إلا حر الشمس، فقلت: والله لقد تلاعبت بي الجنان في ليلتي هذه، وآليت على نفسي لا سرت بعدها مسيراً إلا في رفقة. فصل آخر في ذكر البلاد عن الأصمعي، قال: مررت بحمى الربذة، وإذا صبيان يتقامسون في الماء، وشاب مليح الوجه، ملوح الجسم، قاعد فسلمت عليه، فرد السلام، وقال: من أين وضح الراكب؟ قلت: من الحمى، قال: ومتى عهدك بها؟ قلت: رائحاً، قال: فأين كان مبيتك منها؟ فقلت: بأدنى هذه المشاقر (يعني نبات العرفج) - فألقى نفسه على ظهره، وتنفس الصعداء، فقلت: تفسأ (أي تشقق) حجاب قلبه، ثم أنشأ يقول: سقى بلداً أمست سليمى تحله ... من المزن ما يروى به ويسيم وإن لم أكن من ساكنيه فإنه ... يحل به شخص على كريم ألا حبذا من ليس يعدل قربه ... لدى وإن شط المزار نعيم ومن لامني فيه حميم وصاحب ... فرد بيأس صاحب وحميم ثم سكت سكتة كالمغمى عليه، فصحت بالأصبية، فأتوا بماء، فصببته على وجهه فأفاق، وأنشأ يقول: إذا الصب الغريب رأى خضوعي ... وأنفاسي تزين بالخشوع ولي عين أضر بها التفاتي ... إلى الأجراع مطلقة الدموع إلى الخلوات تأنس فيك نفسي ... كما أنس الوحيد إلى الجميع فقلت له: ألا أنزل فأساعدك، أو أكر عودي على بدئي في حاجة إن كانت لك، أو رسالة؟ قال: جزيت خيراً، وصحبتك السلامة، امض لطيتك، فلو علمت أنك تغني عني شيئاً لكنت موضع الرغبة، وحقيقاً بإسعاف المسألة، ولكنك أدركتني في صبابة من الحياة قال: فانصرفت، ولا أراه أمسى إلا ميتاً. وقال نبهان بن علي العبشمي: يقر بعيني أن أرى من بلادها ... ذرى عقدات الأبرق المتقاود وأن أرد الماء الذي وردت به ... سليمى وقد مل السرى كل واخد وألصق أحشائي ببرد ترابه ... ولو كان مخلوطاً بسم الأساود وقال آخر: يقر بعيني أن أرى من بلادها ... دماجاً، وأن تبدو لعيني الأجادع بلاداً حماها الخوف عني والعدى ... وحرب ذوي القربى، فما أنا صانع؟! وقال عبد الله بن الدمينة الخثعمي:

14- فصل في ذكر الدار

أفي كل يوم أنت رام بلادها ... بعينين إنساناهما غرقان؟! إذا اغرورقت عيناي قال صحابتي ... لقد أولعت عيناك بالهملان عن حفص بن الأروع قال: رأيت صبية في بلاد طيء، فقلت لها: أي البلاد أحب إليك؟ فقالت: أحب بلاد الله ما بين منعج ... إلي، وسلمى، أن يصوب سحابها بلاد بها نيطت على تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها وقال التهامي: إذا اشتد شوقي قلت قول متيم ... ليوم النوى في القلب منه كلوم فإن تكن الأيام فرقن بيننا ... فمن ذا الذي من ريبهن سليم؟ وأنشدت شعراً قاله ذو صبابة ... كئيب شجته أربع ورسوم "سقى بلداً أمست سليمى تحله ... من المزن ما يروى به ويسيم وإن لم أكن من ساكنيه فإنه ... يحل به شخص على كريم" وقال قيس بن ذريح: وما من حبيب آمن لحبيبه ... ولا ذي هوى إلا له الدهر فاجع كأن بلاد الله ما لم تكن بها ... وإن كان فيها الخلق قفر بلاقع وما كل ما منتك نفسك خالياً ... تلاقي، ولا كل الهوى أنت تابع ولولا رجاء القلب أن تسعف النوى ... لما حملته بينهن الأضالع أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم والليل جامع وقال القاضي أبو الفرج سلامة بن بحر، وتروي للقاضي النعمان المصري: نوح حمام بيثرب غرد ... هيج شوقي، وزاد في كمدي واكبدي من فراقهم، وكذا ... من ذاق ما ذقت صاح: واكبدي! فارقت إلفي فصار في بلد ... بالرغم مني، وصرت في بلد وقال آخر: وأنت التي حببت شغباً إلى بدا ... إلي وأوطاني بلاد سواهما حللت بهذا مرة ثم مرة ... بهذا، فطاب الواديان كلاهما 14- فصل في ذكر الدار روى عن يزيد بن الأصم أن الأنصار - رضي الله عنهم - قالوا: "يا رسول الله اقسم بيننا وبين إخواننا من المهاجرين - رضي الله عنهم - الأرض نصفين: قال صلى الله عليه وسلم: لا، ولكنكم تكفونهم المئونة، وتقاسمونهم الثمرة، والأرض أرضكم، قالوا: رضينا، فأنزل الله عز وجل: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) . وقوله تبارك وتعالى: (لهم دار السلام عند ربهم) هي الجنة، وفي تسميتها دار السلام وجهان: أحدهما: لأنها دار السلامة الدائمة من كل آفة. والثاني: السلام هو الله سبحانه، والجنة داره. وفي قوله تعالى: عند ربهم وجهان: أحدهما: يعني أن دار السلام عند ربهم في الآخرة؛ لأنها أخص به. والثاني: معناه أن لهم عند ربهم أن ينزلهم دار السلام. وكذلك جاء في قوله تعالى: (والله يدعو إلى دار السلام) . وقوله عز وجل: (ولدار الآخرة خير، ولنعم دار المتقين) قيل فيه: إن الآخرة خير من الدنيا؛ لفناء الدنيا وبقاء الآخرة. (ولنعم دار المتقين) قال الحسن - رضي الله عنه -: نعم دار المتقين الدنيا، لأنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة، ودخول الجنة. وقوله تبارك وتعالى: إخباراً عن قارون: (فخسفنا به وبداره الأرض) قال ابن عباس - رضي الله عنه -: شكا موسى - عليه السلام - إلى الله - عز وجل - قارون، فأمر الله تعالى الأرض أن تطيع موسى، فلما أقبل قارون وشيعته، قال موسى: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أعقابهم، ثم قال: خذيهم، فأخذتهم إلى أوساطهم، ثم قال: خذيهم، فأخذتهم إلى أعناقهم، ثم قال خذيهم، فخسف بهم، وبدار قارون وكنوزه. وروى يزيد الرقاشي - رحمه الله - أن قارون لما أخذته الأرض إلى عنقه أخذ موسى - عليه السلام - نعليه، فخفق بهما وجهه، فقال قارون: يا موسى ارحمني، فقال الله تعالى: يا موسى ما أشد قلبك! دعاك عبدي واسترحمك فلم ترحمه، وعزتي لو دعاني لأجبته. وروى سمرة بن جندب أنه يخسف بقارون وقومه في كل يوم قدر قامة، لا يبلغ الأرض السفلى إلى يوم القيامة. وقال مقاتل: لما أمر موسى عليه السلام الأرض فابتلعت قارون، قال بنو إسرائيل: إنما أهلكه ليرث ماله؛ لأنه كان ابن عم موسى أخي أبيه، فخسف الله تعالى بداره وجميع أمواله بعد ثلاثة أيام.

وقوله عز وجل: (الذي أحلنا دار المقامة من فضله) أي دار الإقامة، وهي الجنة، وفي الفرق بين المقامة بالضم والفتح وجهان: أحدهما: أنها بالضم: دار الإقامة، وبالفتح: موضع الإقامة. الثاني: أنها بالضم: المجلس الذي يجتمع فيه للطعام، وبالفتح المجلس الذي يجتمع فيه للحديث. وقوله تعالى: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم) هم الأنصار رضي الله عنهم الذين استوطنوا المدينة قبل المهاجرين إليها، قيل: إنهم تبوءوا الدار من قبلهم، والإيمان من بعدهم، وقيل: تبوءوا الدار والإيمان من قبل الهجرة إليهم. (يحبون من هاجر إليهم) بمواساتهم بأموالهم ومساكنهم. (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) أي حسداً مما خصوا به من مال الفيء. (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) يعني أنهم يفضلونهم ويقدمونهم على أنفسهم ولو كانت بهم فاقة وحاجة، وفي إيثارهم قولان: أحدهما: أنهم آثروهم على أنفسهم بما حصل من فيء وغنيمة حتى قسمت في المهاجرين دونهم، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم للمهاجرين ما أفاء الله تعالى من النضير - وقيل من قريظة - من أموالهم، فقالت الأنصار - رضي الله عنهم -: بل نقسم لهم من أموالنا، ونوثرهم بالفيء، فأنزل الله عز وجل هذه الآية. القول الثاني: أنهم آثروا المهاجرين - رضي الله عنهم - بأموالهم، وواسوهم بها، روى بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد، وخرجوا إليكم، فقالوا: أموالنا بينهم قطائع، فقال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؟ فقالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: هم قوم لا يعرفون العمل، فتكفونهم وتقاسمونهم التمر؟ يعمي مما صار لهم من نخل بني النضير، فقالوا: نعم يا رسول الله. (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) قيل: الشح بما في أيدي الناس يحب أن يكون له، وقيل: منع الزكاة، وقيل: هوى النفس، وقيل: اكتساب الحرام. روى الأسود عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رجلاً أتاه، فقالك إني أخاف أن أكون قد هلكت، قال: وما ذاك؟ قال: سمعت الله - عز وجل - يقول: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) وأنا رجل شحيح، لا أكاد أخرج من يدي شيئاً، فقال ابن مسعود - رحمه الله - ليس ذلك بالشح الذي ذكره الله تعالى في القرآن، إنما الشح الذي ذكره الله تعالى في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلماً، ولكن ذلك البخل وبئس الشيء البخل. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عجباً كل العجب من المصدق بدار الخلود وهو يعمل لدار الغرور". عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة، فقال: "أيها الناس توبوا قبل أن تموتوا، زبادروا الأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا، وأكثروا الصدقة ترزقوا، وأمروا بالمعروف تخصبوا، وانهوا عن المنكر تنصروا، أيها الناس: إن أكيسكم أكثركم للموت ذكراً، وأحزمكم أكثركم له استعداداً، ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسكنى القبور، والتأهب ليوم النشور". أنشد علي بن محمد بن ثابت الكاتب: الدار دار مرازي ومصائب ... وفجيعة بأحبة وحبائب ما ينقضي نهل بفرقة صاحب ... حتى أعل بفرقة من صاحب وإذا مضى الآلاف عنك لطية ... والمؤنسون، فأنت أول ذاهب

خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - بالكوفة، فقال - في كلام له -: "سبحانك خالقاً معبوداً، تحسن بلاءك في خلقك، خلقت داراً، وجعلت مأدبة ومطعماً ومشرباً وأزواجاً وقصوراً وخدماً وعيوناً وأنهاراً، ثم أرسلت داعياً إلينا، فلا الداعي أجبنا، ولا فيما رغبتنا رغبنا، أقبلنا على جيفة نأكل منها، قد زاد بعضنا على بعض حرصاً عليها، وافتضحنا لما اصطلحنا على حبها، عميت أبصار صالحينا وفقهائنا فيها ولها، من في قلبه مرض فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع بأذن غير سميعة، وقد ملكت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه، وذهلت عليها نفسه، فهو عبدها، وعبد من في يديه منها شيء، حيثما زالت زال معها، وحيثما أقبلت أقبل إليها، ولا يعقل ولا يسمع، ولا يزدجر من الله بزاجر، ولا يتعظ من الله بواعظ، قد رأى المأخوذين على الغرة، حيث لا إقالة ولا رجعة، كيف فاجأتهم تلك الأمور، ونزل بهم ما كانوا يوعدون، وفارقوا الدور، وصاروا إلى القبور، ولقوا دواهي تلك الأمور، فإذا نزلت بقلوبهم حسرات أنفسهم اجتمعت عليهم خصلتان: حسرة الفوت، وسكرة الموت تفطرت لها قلوبهم، وتغيرت ألوانهم، وتردد فواقهم، وحركوا لمخرج أرواحهم أيديهم وأرجلهم، فعرقت لذلك جباههم، ثم ازداد الموت فيهم، فحيل بين أحدهم ومنطقه، وإنه لبين ظهراني قومه، ففكر بعقل بقي له فيم فني عمره؟ وفيم ذهبت أيامه؟ عن الأصمعي - رحمه الله - قال: حججت فنزلت ضرية في يوم الجمعة، فإذا أعرابي قد كور عمامته، وتنكب قوسه، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناس. إن الدنيا دار ممر، والآخرة دار مقر، فخذوا من دار ممركم لدار مقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، فإنه لن يستقبل أحد يوماً من عمره إلا بفراق آخر من أجله، وإن أمس موعظة، واليوم غنيمة، وغداً لا يدري من أهله، فاستصلحوا ما تقدمون عليه، وأفنوا ما لا ترجعون إليه، وأخرجوا من الدنيا بقلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها خقتم، وإلى غيرها ندبتم، وإنه لا قوى أقوى من الخالق، ولا ضعيف أضعف من مخلوق، ولا هرب من الله إلا إليه، وكيف يهرب من يتقلب في يدي طالبه؟! (كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فار، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) . عن عيسى بن مريم صلى الله عليه، أنه قال: (من ذا الذي يبني على موج البحر داراً؟ تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراً) . وعن وهب بن منبه - رحمه الله - قال: قال عيسى بن مريم صلى الله عليه: يا دار تخربين، ويفنى ساكنك، ويا نفس اعملي ترزقي، ويا جسد انصب تسترح. قال رجل للحسن البصري - رضي الله عنه - يا أبا سعيد: إذا جعت ضعفت، وإذا شبعت وقع على البهر، فقال: يا ابن أخي هذه الدار ليست توافقك، فاطلب داراً غيرها. عن صالح المري - رحمه الله - قال: لما غضب المنصور على المورياني، وخرب داره، دخلت إليها يوماً أطوف فيها، وأعتبر، فإذا أسود قد خرج علي من بعض الحجر، فقال لي: هذا سخط المخلوق، فكيف بسخط الخالق على المخلوق؟ وعن الحسن البصري - رضي الله عنه - أنه قال: الدنيا دار عمل، فمن صحبها بالبغض لها، والزهادة فيها، والتهضم لها، سعد بها، ونفعته صحبتها، ومن صحبها بالرغبة فيها، والمحبة لها، شقي بها، وأجحفت بحظه من الله تعالى، ثم أسلمته إلى ما لا صبر له عليه من عذاب الله وسخطه، فأمرها صغير، ومتاعها قليل، والفناء عليها مكتوب، والله ولي ميراثها، وأهلها يتحولون إلى منازل لا تبلى، ولا يغيرها طول الزمن، ولا العمر فيها يفنى فيموتون، ولا إن طال الثواء فيها يخرجون، فاحذروا - ولا قوة إلا بالله - ذلك الموطن، وأكثروا ذكر ذلك المنقلب. نظر ابن مطيع إلى داره، فأعجبه حسنها، ثم بكى، ثم قال: والله لولا الموت لكنت بك مسروراً، ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا، ثم بكى حتى ارتفع صوته. روى الخطيب أبو بكر رحمه الله في تاريخه بإسناده، قال: قال يعقوب بن شيبة: رأيت على باب دار خراب: ربت دار بعد عمرانها ... أضحت خراباً ما بها آهل لم تدخل البهجة دار امرئ ... إلا وما يهدمها داخل ما يأمن الدنيا وأيامها ... بعدي إلا أنوك جاهل

أما ترى العيش بها زائلاً؟ ... تباً لدنيا عيشها زائل والشعر لسعيد بن حميد الكاتب. قال أبو زيد الرقي: قال أبو محمد الفضيل بن عياض - رضي الله عنه يا أبا يزيد اشتريت داراً؟ قلت: نعم، قال: وأشهدت شهوداً؟ قلت: نعم، قال: فإنه والله يأتيك من لا ينظر في كتابك، ولا يسأل عن بينتك، فيخرجك منها عرياناً مجرداً فانظر ألا تكون اشتريت هذا الدار من غير مالك، ووزنت فيها مالاً من غير حله، فإذا أنت قد خسرت الدنيا والآخرة. عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في خطبة أحد العيدين: "الدنيا دار بلاء، ومنزل قلعة وعناء، وقد نزعت عنها نفوس السعداء، وانتزعت بالكره من أيدي الأشقياء، فأسعد الناس بها أرغبهم عنها، وأشقاهم بها أرغبهم فيها، هي الغاشة لمن انتصحها، والمغوية لمن أطاعها، والخاترة لمن انقاد لها، فالفائز من أعرض عنها، والهالك من هو راغب فيها، وطوبى لعبد اتقى فيها ربه، وناصح نفسه، وقدم توبته، وأخر شهوته من قبل أن تلفظه الدنيا إلى الآخرة، فيصبح في بطن موشحة غبراء، مدلهمة ظلماء، لا يستطيع أن يزيد في حسنة، ولا ينقص من سيئة، ثم ينشر فيحشر، إما إلى جنة يدوم نعيمها، وإما إلى نار لا ينفد عذابها". وعن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: "يا أيها الناس: إن هذه الدار دار التواء، لا دار استواء، ومنزل ترح، لا منزل فرح، من عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، ألا وإن الله عز وجل خلق الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً، وثواب الآخرة من يلوي الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي، إنها لسريعة الذهاب، وشيكة الانقلاب، فاحذروا حلاوة رضاعها، لمرارة فطامها، وانحزوا لذيذ عاجلها لكريه آجلها، ولا تسعوا في عمران دار قد قضى الله خرابها، ولا تواصلوها وقد أراد الله منكم اجتنابها، فتكونوا لسخطه متعرضين، ولعقوبته مستوجبين". وقال الشاعر: ألا إنما الدنيا غضارة أيكة ... إذا اخضر منها جانب جف جانب فكم سخنت بالأمس عين قريرة ... وقرت عيون دمعها أمس ساكب هي الدار ما الآمال إلا فجائع ... عليها وما اللذات إلا مصائب وقال ابن المعتز: يا دار يا دار أطرابي وأشجاني ... أبلى جديد مغانيك الجديدان لئن تعطلت من لهوي ومن سكني ... لقد تأهلت من بثي وأشجاني جادتك رائحة في إثر غادية ... تروي ثرى منك أمسى غير ريان حتى أرى النور في مغناك مبتسماً ... كأنه حدق في غير أجفان وقال محمود الوراق: فما أهل الحياة لنا بأهل ... ولا دار الحياة لنا بدار وما أولادنا والأهل فيها ... ولا أموالنا إلا عواري وأنفسنا إلى أجل قريب ... سيأخذها المعير من المعار عن محمد بن الحسن بن عبيد الله الكوفي - رحمه الله - قال: كتب إلي داوود الفارسي - رحمه الله، وكان عالماً ناسكاً - بهذه الألفاظ: يا أخي الدنيا دار زلل وزوال، وتغير حال بعد حال، ثم كتب آخر كتابه هذه الأبيات: أفرطت في العيش وتأميله ... وللمنايا شيم نكد وإنما عيش الفتى ساعة ... لا قبلها منها ولا بعد ما أوسع الدنيا على أهلها ... لو لم يكن آخرها اللحد وقال سابق البربري: وللموت تغذو الوالدات سخالها ... كما لخراب الدور تبنى المساكن عجبت من الدنيا وذمي نعيمها ... وحبي لها في مضمر القلب باطن وقولي: أعذني رب من كل فتنة ... وأكلف منها بالذي هو فاتن وقال البحتري: أرسوم دار أم سطور كتاب ... درست بشاشتها مع الأحقاب؟ يجتاز زائرها بغير لبانة ... ويرد سائلها بغير جواب ولربما كان الزمان محبباً ... فينا بمن فيها من الأحباب وقال الكميت: مالي في الدار بعد ساكنها ... وإن تذكرت أهلها أرب لا الدار ردت جواب سائلها ... ولا بكت أهلها إذ اغتربوا وقال عدي بن الرقاع العاملي: لمن الدار كأنضاء الكتاب ... هاجت الشوق وعيت بالجواب لم تزدك الدار إلا طرباً ... والصبي غير شبيه بالتصابي

وبما قد كان فيها ساكن ... أهل أنعام وخيل وقباب وقال أبو داوود الإيادي (واسمه جارية بن الحجاج) : وقد عرفت الدار قفراً لم تحل ... بين أجياد خفاف فالرحل ظعن الحي الألى كانوا بها ... وعفا رسم وأضحى كالخلل هيج الشوق الذي كان صحا ... حبسك اليوم على ذاك الطلل وقال جرير بن عطية: أدار الجميع الصالحين بذي السدر ... أبيني لنا إن التحية عن عفر لقد طرفت في الدار عيني دمنة ... تعاورها الأزمان بالريح والقطر فقلت لأدنى صاحبي وإنني ... لأكتم وجداً في الجوانح كالجمر بعمركما لا تعجلاني موقفاً ... على الدار فيه القتل أو راحة الدهر وقال أيضاً: ألا حي رهبي ثم حي المطالي ... فقد كان مأنوساً فأصبح خاليا فلا عهد إلا أن تذكر أو ترى ... ثماماً حوالي نصب الخيم باليا فيا ليت أن الحي لم يتفرقوا ... وأمسوا جميعاً جيرة متدانيا فقد خفت ألا تجمع الدار بيننا ... ولا الدهر إلا أن نجد الأمانيا وقال أبو حية النميري: يا دار غيرها التقادم والبلى ... بين السليل ومأمي أكباد لا زلت في خفض عليك تهافتت ... ديم عليك طويلة الإرعاد وأنار واديك الربيع، فربما ... نغني به ونراه أبهج واد وأرى به الأنس الذين تحبهم ... عيني، ويألف من تحب فؤادي وقال حفص الأموي: يا دار أقوت من بعد حاضرها ... لم يبق فيها سوى أواصرها ألقت عليها الرياح أردية ... تنشرها من كسى أعاصرها حييت من دمنة بما خلفت عين عطوف على جآذرها يا ربما راقني بساحتها ... طيب هواها، ولهو سامرها أيام لا خوف من شتات نوى ... تخشى، ولا روع من تطايرها كنا بها حقبة فأزعجنا ... خطب نفى الخفض عن مجاورها شتت بين الخليط فارتحلوا ... عنها وأبدى خراب عامرها فالدار لو زرتها رأيت بها ... آياً تهيج الأسى لزائرها تلك المغاني فإن مررت بها ... يوماً فسلم على دواثرها وانظر إليها؛ ألم تصر دمناً ... تهفو السوافي على دعاثرها؟! قال ابن المعتز: وسكان دار لا تواصل بينهم ... على قرب بعض في التجاور من بعض كأن خواتيماً من الطين فوقهم ... فليس لها حتى القيامة من فض وقال أبو العتاهية: ألا يا نفس ما أرجو بدار ... أرى من حلها قلق القرار؟ بدار إنما الشهوات فيها ... معلقة بأيام قصار نرى الأموال أرباباً علينا ... وما هي بيننا إلا عواري ونذكر أن ندب لها وننسى ... دبيب الليل فينا والنهار وقال آخر: (هذه الأبيات من قصيدة تنسب إلى أكثم بن صيفي) : أيسأل رسم الدار، والدار قلبه ... وأنى لها ما قد حواه من الوجد؟ ويسخط أفعال السحاب بتربها ... إذا معهد منها تغير من عهد؟ وما متعة الأحباب إلا تعلة ... تلم لتشتيت وتقرب عن بعد روى أن قوماً تشاجروا بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في أشعر الناس، فقال عمر: سأرسل إلى سيد الناس فأسأله، فقال الناس: قد تشاجرنا في سيد الشعراء فنريد الآن أن ننظر إلى سيد الناس، فأرسل إلى عبد الله بن العباس - رضوان الله عليهما - فجاءه، فقال له: يا أبا العباس أنشدنا ما تستحسن من الشعر، فقال: سأنشدكم لسيد الشعراء، فأنشدهم لزهير بن أبي سلمى: هل في تذكر أيام الصبى فند ... أم هل لما فات من أيامه ردد؟ أم هل يلامن باك هاج عبرته ... بالحجر إذ شفه الوجد الذي يجد؟ أوفى على شرف نشز فأزعجه ... قلب إلى آل سلمى تائق كمد متى أرى دار حي عهدنا بهم ... حيث التقى الغور من نعمان والنجد؟ لهم هوى من هوانا ما يقربنا ... ماتت على قربه الأحشاء والكبد إني لما استودعتني يوم ذي عذم ... راع إذا طال بالمستودع الأمد إن تمس دارهم منا مباعدة ... فما الأحبة إلا هم وإن بعدوا وقال جميل بن معمر: على الدار التي لبست بلاها ... قفا يا صاحبي فسائلاها وما يبكيك من عرصات دار ... تقادم عهدها وبدا بلاها؟!

عن محمد بن يزداد، قال: دخلت على المأمون يوماً فرأيته وبيده رقعة، فقال لي: يا محمد، قرأت ما فيها؟ قلت: هي في يد أمير المؤمنين، فرمى بها إلي، فإذا فيها مكتوب: إنك في دار لها مدة ... يقبل فيها عمل العامل أما ترى الموت محيطاً بنا ... يقطع فيها أمل الآمل تعجل الذنب لما تشتهي ... وتأمل التوبة من قابل والموت يأتي بعد ذا بغتة ... ماذا بفعل الحازم العاقل قلما قرأتها قال لي المأمون: هذا من أحكم شعر قرأته وقال المساور بن هند بن قيس بن زهير العبسي: ودار حفاظ قد حللتم مهانة ... بها نبيكم، والضيف غير مهان إذا سئلوا ما ليس بالحق فيهم ... أبى كل مجني عليه وجان وقال ريطة بنت عاصم: وقفت فأبكنني بدار عشيرتي ... على رزئهن الباكيات الحواسر غدوا كسيوف الهند وراد حومة ... من الموت أعيا وردهن المصادر فوارس حاموا عن حريمي وحافظوا ... بدار المنايا، والقنا متشاجر ولو أن سلمى نالها مثل رزئنا ... لهدت، ولكن تحمل الرزء عامر وقال البحتري: يا دار لازالت رباك مجردة ... من كل سارية تعل وتنهل أذكرتنا دول الزمان وصرفه ... وأريتنا كيف الخطوب النزل أصبابة برسوم رامة بعدما ... عرفت معارفها الصبا والشمأل وسألت من لا يستجيب فكنت في استخ ... باره كمجيب من لا يسأل وقال البحتري أيضاً: هب الدار ردت رجع ما أنا قائله ... وأبدى الجواب الربع عما تسائله أفي ذاك برء من جوى ألهب الحشى ... توقده، واستغزر الدمع جائله هو الدمع موقوفاً على كل دمنة ... نعرج فيها أو خليط نزايله ترادفهم خفض الزمان ولينه ... وجادهم طل الربيع ووابله وقال آخر: يا دار أضحت خلاء لا أنيس بها ... إلا الظباء، وإلا الناشط الفرد أين الذين إذا ما زرتهم جذلوا ... فطار عن قلبي التشواق والكمد؟ وقال آخر: لمن الدار أقفرت بمعان ... بين شط اليرموك فالصمان فالقريات من بلاس فداريا ... فسكاً إلى الرسوم الدواني فقفا جاسم، فأودية الصف ... ر مغى قبائل وهجان ذاك مغنى لآل جفنة في الده ... ر وحقاً تصرف الأزمان نكلت أمهم ... وقد ثكلتهم يوم حلوا بحارث الجولان وقال آخر: عجباً لي ولاغتراري بدار ... لست أبقى لها ولا تبقى لي ما تصافي قوم على غير ذات الله ... إلا تفرقوا عن تقالي وقال آخر: يا مشيد الحصن يبغي نفعه ... قلما تغني من الموت الحصون تطلب التخليد في دار الفنا ... خاب من يطلب شيئاً لا يكون سائل الأيام عن أملاكها ... أي در قطعت عنها اللبون كم بها من راكض أيامه ... وله من ركضها يوم حرون وقال آخر: نعمر الدنيا وما الدن ... يا لنا دار إقامه إنما الغبطة والحس ... رة في يوم القيامة روى أن فاطمة بنت الحسن - رضوان الله عليه - نظرت إلى دار زوجها الحسن بن الحسين - رضي الله عنهما - فغطت وجهها وقالت: وكانوا رجاء ثم صاروا رزية ... لقد عظمت تلك الرزايا وجلت ثم ضربت على قربه فسطاطاً أقامت فيه سنة، فلما استكملتها أمرت بالفسطاط فقلع، ودخلت المدينة، فسمعت قائلاً يقول - من جانب البقيع -: هل وجدوا ما فقدوا؟ وقائلاً من الجانب الآخر يقول: بل يئسوا فانقلبوا. قال وهب بن منبه - رحمه الله -: نحن بنو آدم من نسل الجنة، سبانا إبليس إلى الدنيا بخطية أبينا، فليس لنا إلا البكاء حتى نعود إلى الدار التي سبانا منها. روى أن عبد الله بن عبيد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود - رحمه الله - باع دراً بثمانين ألف درهم، فقيل له: لو اتخذت لولدك من هذا المال ذخراً فقال: أنا أجعل هذا المال ذخراً لي عند الله تعالى، وأجعل الله سبحانه ذخراً لولدي، ثم تصدق بالمال. كتب رجل إلى صالح بن عبد القدوس: الموت باب وكل الناس داخله ... فليست شعري بعد الباب ما الدار؟ فكتب إليه صالح: الدار جنة عدن إن عملت بما ... يرضي الإله وإن فرطت فالنار

هما محلان ما للناس غيرهما ... فانظر لنفسك ماذا أنت مختار وقال آخر: درج الليل والنهار على فه ... م بن عمرو فأصبحوا كالصريم وخلت دارهم فأضحت يباباً ... بعد عز وثروة ونعيم وكذاك الزمان يذهب بالناس، وتبقى ديارهم كالرسوم وقال أبو العتاهية: ما رأيت العيش يصفو لأحد ... دون كد وعناء ونكد نحن في دار فناء وبلى ... تنقل الناس إلى دار الأبد كن لما قدمته مغتنماً ... لا تؤخر عمل اليوم لغد وقال أبو تمام: ما إن هذا موقف ... الجازع أقوى، وسؤر الزمن الفاجع دار سقاها بعد سكانها ... صرف النوى من سمه الناقع فلا تلومن ذا الهوى إنها ... ليست ببدع حنة النازع وقال أيضاً: قرى دارهم مني الدموع السوافك ... وإن عاد صبحي بعدهم وهو حالك سقت ربعهم، لا، بل سقت منتواهم ... من الأرض أخلاف السحاب الحواشك وألبسهم عصب الربيع ووشيه ... ويمنته نبت الندى المتلاحك وقال أبو نواس: يا دار ما فعلت بك الأيام ... لم تبق فيك بشاشة تستام عرم الزمان على الذين عهدتهم ... بك قاطنين وللزمان عرام أيام لا أغشى لأهلك منزلاً ... إلا مراقبة، على ظلام ولقد نهزت مع الغواة بدلوهم ... وأسمت سرح اللهو حيث أساموا وبلغت ما بلغ امرؤ بشبابه ... فإذا غضارة كل ذاك أثام وقال الشيخ أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري: هل تسمع القول دار غير ناطقة ... وفقدها السمع مقرون إلى الخرس؟! لأنسينك إن طال الزمان بنا ... كم من حبيب تمادى عهده فنسى؟! وقال النابغة الجعدي، وهو قيس بن عبد الله: وهاجت لك الأحزان دار كأنها ... بذي بقر أو بالعنابة مذهب أواري خيل قد عفت ومنازل ... أراح بها حي كرام وأعزبوا تحمل منها أهلها فتفرقوا ... فريقين منهم مصعد ومصوب وقال الربيع بن أبي الحقيق: دور عفت بقرى الخابور غيرها ... بعد الأنيس سوا في الريح والمطر إن تمس دارك ممن كان يسكنها ... وحشاً فذلك صرف الدهر والقدر وقد تحل بها بيض ترائبها ... كأنها بين كثبان النقا البقر وقال ابن المولى، وهو محمد بن عبد الله بن مسلم بن المولى، مولى الأنصار - رضي الله عنهم - من بني عمرو بن عوف: سلا دار ليلى هل تبين فتنطق ... وكيف ترد القول بيداء سملق؟ وأنى يرد القول دار كأنها ... لطول بلاها والتقادم مهرق فلا تجزعن للبين، كل جماعة ... وجدك مكتوب عليها التفرق وخذ بالتعزي؛ كل ما أنت لابس ... جديداً على الأيام يبلى ويخلق فصبر الفتى عما تولى ففاته ... من الأمر أولى بالسداد وأوفق وإنك بالإشفاق لا تدفع الردى ... ولا الخير مجلوب فما لك تشفق كأن لم يرعك الدهر، أو أنت آمن ... لأحداثه فيما يغادي ويطرق وقال خليلي ... والبكالي غالب : أقاض على هذا الأسى والتشوق؟ وقد طال توقا في أكفكف عبرة ... على دمنة كادت بها النفس تزهق وإنسان عيني في دوائر لجة ... من الماء يبدو تارة ثم يغرق وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري: الزم ذراك إذا لقيت خصاصة ... فالليث يستر حاله الإخدار هذي الجسوم من التراب كوائن ... والمرء لولا أن يحس جدار ويقول: داري من يقول، وأعبدي ... مه، فالعبيد لربنا والدار أتروم من زمن وفاء مرضياً؟ ... إن الزمان كأهله غدار يقفون والفلك المسخر دائر ... ويقدرون فيضحك المقدار

مر رجل من مراد بأويس القرني - رحمه الله - فقال: كيف أصبحت يا أويس؟ قال: أصحبت أحمد الله - قال: كيف الزمان عليك؟ قال: يا أخا مراد. إن الموت وذكره لم يدع في الأرض لمومن فرحاً، وإن علمه بكتاب الله لن يدع في ماله فضة ولا ذهباً، وإن قيامه بالحق لم يدع له صديقاً، قال: حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أخا مراد ما شهدت رسول صلى الله عليه وسلم فأحدثك عنه، ولكن افعلوا كما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاسبوا نفوسكم قبل أن تحاسبوا، فهو أيسر لحسابكم غداً، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن، فهو أثقل لوزنكم، ولا تخربوا دوركم من الآخرة بعمران دوركم في الدنيا؛ فإن الله تبارك وتعالى جعل الدنيا قنطرة للآخرة فاعبروها". وقال مهيار: يا دار ليس اليوم عهدك أمس لي ... ظهرت مفارقة وبان خلاف وتغيرت فيك الصباعن خلقها ... وليانها، فنسيمها إعصاف وقال آخر: لن يقنع النفس إذ كانت مصرفة ... إلا التنقل من حال إلى حال لأظعنن إلى دار خلقت لها ... وخير زادي فيها خير أعمالي وقال آخر: انصرف الناس إلى دورهم ... وغودر الميت في رمسه مرتهن النفس بأعماله ... لا يرتجى الإطلاق من حبسه لنفسه صالح أعماله ... وما سواه فعلى نفسه وقال أبو نواس: طوى الموت ما بيني وبين محمد ... وليس لما تطوى المنية ناشر وكنت عليه أحذر الموت وحده ... فلم يبق لي شيء عليه أحاذر لئن عمرت دور بمن لا أحبه ... لقد عمرت ممن أحب المقابر وقال المرتضى - رضي الله عنه -: قالوا نراك بلا سقم، فقلت لهم: ... السقم في القلب ليس السقم في البدن يا عاذلي خل عن قلب تملكه ... من قبل عذلك طول الهم والحزن لا يعرف الدار إلا قام يندبها ... ولا يسائلها إلا عن السكن عن الأصمعي قال: دخلت على الرشيد وهو يقرأ كتاباً ودموعه تتحدر، فلما أبصرني قال: أرأيت ما كان مني؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: أما إنه لو كان لأمر الدنيا ما رأيت هذا، ورمى بالقرطاس، فإذا فيه شعر لأبي العتاهية: هل أنت معتبر بمن خربت ... منه غداة مضى دساكره وبمن أذل الدهر مصرعه ... وتبرأت منه عساكره وبمن خلت منه أسرته ... وبمن خلت منه منابره أين الملوك؟ وأين عزهم؟ ... صاروا مصيراً أنت صائره يا مؤثر الدنيا للذته ... والمستعد لمن يفاخره نل ما بدا لك أن تنال من الد ... نيا فإن الموت آخره فقال الرشيد: والله لكأني أخاطب بهذا دون سائر الناس، فلم يلبث بعد ذلك إلا قليلاً حتى مات. وقال الشاعر: إلى متى أنا في حل وترحال ... وهم عيش بإدبار وإقبال ونازح الدار لا أنفك مغترباً ... ناء عن الأهل لا يدرون ما حالي بمشرق الأرض طوراً ثم مغربها ... لا يخطر الموت من همي على بال ولو قعدت أتاني الرزق في دعة ... إن القنوع الغنى لا كثرة المال عن الأصمعي - رحمه الله - قال: جاءني رسول الرشيد - رضي الله عنه - ليلة، وقد ذهب من الليل شطر، فقال: أجب أمير المؤمنين، ففزعت من ذلك، وقلت: حدث أمر يكره، فمضيت معه، فإذا هو قاعد في أقصى مجلسه، وبين يديه دواة وقرطاس، وهو يبكي، فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال: وعليك السلام يا ابن قريب، اجلس، فجلست، فقال: أبكاني هذا البيت وأسهر ليلتي، فقلت: لا أبكى الله عينك يا أمير المؤمنين، وأي بيت هو؟ قال: بيت ابن ذي سلم عند موته: لم تحتقب غير أثواب يمزقها ... ريب الزمان وطول العهد والقدم

أبيات في هذا المعنى من شعر جدي، ووالدي، وعمي، وأخي - رضي الله عنهم - وشعري

فقلت: والله يا أمير المؤمنين لقد صدق، وهذه سبيل الناس جميعاً، فطوبى للمتقين، فقال: ويحك يا أصمعي ذهب. جلساء الخير، ومجالس الفضل، أين من كان إذا جالسهم المسرفون على أنفسهم وعظتهم صورته، وذكرتهم هيئته، وبلغت بهم كل المبالغ مقالته؟! فقلت: يا أمير المؤمنين. لقد أسعد الله دولتك بجماعة من أهل الفضل، ثم قلت: إن أمرت أن أحدثك بحديث وعشر قرئ على بعض القبور، فقال: هاته، فقلت: حدثني من أثق به قال: غزونا في البحر، فمالت بنا السفينة إلى جزيرة، فإذا نحن بقصر شاهق، وإلى جانبه قبر، وعلى القصر بابان، وبين القصر والقبر فسيل نخل لم أر شيئاً أحسن منه، فإذا على القصر مكتوب: يؤمل دنيا لتبقى له ... فمات المؤمل قبل الأمل وبات يروي أصول الفس ... يل فعاش الفسيل ومات الرجل وعلى وجه القصر مكتوب: وفتى كأن جبينه بدر الدجى ... قامت عليه نوائح وروامس غرس الفسيل مؤملاً لبقائه ... فحيا الفسيل ومات عنه الفارس وعلى أحد بابي القصر مكتوب: تلك المدائن في الآفاق خاوية ... أمست خلاء وذاق الموت بانيها وعلى الباب الآخر مكتوب: أين القرون التي عن حظها غفلت ... حتى سقاها بكأس الموت ساقيها قال الرجل: فبقيت متعجباً أنظر إلى الشعر والقصر، والفسيل والقبر، ثم تمثلت: ناد رب الدار والحصن الذي ... جمع الدنيا بحرص ما فعل؟! كان في دار سواها داره ... عللته بالمنى، ثم انتقل قال: فلم يزل الرشيد يبكي ويصرخ حتى أصبح، فلما أصبح أمر أن يخرج مال جليل فيتصدق به على الفقراء والمساكين، وأن يدفع إلي منه عشرة آلاف درهم. وقال أبو العتاهية: هي الدار، دار الأذى والقذى ... ودار الفناء، ودار الغير فلو نلتها بحذافيرها ... لمت ولم تقض منها الوطر وقال الراضي يزيد بن محمد بن عباد، من ملوك الأندلس: هي الدار غادرة بالرجال ... وقاطعة لحبال الوصال نفجع فيها بغير اللذي ... ذ ونشرق منها بغير الزلال ونزداد مع ذاك عشقاً لها ... ألا إنما سعينا في ضلال لمعشوقة ودها لا يدو ... م، وعاشقها أبداً غير سال وقال الأحوص: هل هيجتك مغاني الحي والدور ... فاشتقت إن البعيد الدار معذور وقد يحل بها إذ عيشنا أنق ... بيض أوانس أمثال الدمى حور وقال مهيار: سائل الدار إن سألت خبيرا ... واستجر بالدموع تدع مجيرا أفهمتني على نحول رباها ... فكأني قرأت منها سطورا يقال: شحطت الدار، إذا بعدت، ونزحت، وشسعت. ودار شطون، وبين شطون، وإلية شطون: فيه عوج. ودار غربة قذف، أي بعيدة. ويقال: أسقبت الدار، إذا قربت وأسعفت. والولي - بتخفيف اللام -: القرب. قال ساعدة بن جوية: هجرت جنوب وحب من يتجنب ... وعدت عواد دون وليك تشعب والكثب: القرب، يقال: رماه من كثب، أي من قرب. قال يحيى بن معاذ - رضي الله عنه -: الدنيا دار خراب، وأخرب منها قلب من يشتهي عمارتها، والآخرة دار عمران، وأعمر منها قلب من يطلبها. وقال مهيار: ما أنت بعد البين من أوطاني ... دار الهوى، والدار بالجيران كنت المنى من قبل طارقة النوى ... والشمل شملي والزمان زماني ولئن خلوت فليس أول حادث ... خلت الكناس له من الغزلان طرب الحمام بطبعهن وإنما اس ... تملين فيك النوح من أحزاني أبيات في هذا المعنى من شعر جدي، ووالدي، وعمي، وأخي - رضي الله عنهم - وشعري قال جدي سديد الملك ذو المناقب أبو الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ - رضي الله - لله ما طيف ألم بفتية ... تحنو رؤوسهم على الأكوار كيف اهتديت لراحلين ترودوا ... ما شاء قومك من دجى ونهار لفظتهم دار الإقامة فيكم ... فنضوا عقال مطية الأسفار ورنوا إلى الحي المقيم بأعين ... ينهلن من ماء الدموع الجاري وقال عمي عز الدولة أبو المرهف، نصر بن علي - رحمه الله -: لهفي لدار عفاها كل منهمر ... جون ملث عليها رائح ساري وما عفا ذكر أحبابي الذين لهم ... حزني مقيم ودمعي إثرهم جاري

وقال والدي مجد الدين أبو سلامة مرشد بن علي بن مقلد - رحمه الله -: أيا دار التصابي والتصافي ... وخصب العيش في السنة الجماد لقد جارت عليك صروف دهر ... رمتك بكل داهية ناد فكم لي فيك من إخوان صدق ... تملك صفو ودهم قيادي قضت بفراقهم نوب الليالي ... فميعاد التلاقي في المعاد وقال أخي عز الدولة أبو الحسن علي بن مرشد بن علي - رحمه الله -: أصبحت دور آل مرشد قفراً ... بعد عز وهيبة وجلال عظة للعيون فيها اعتبار ... ونذير من حادثات الليالي تخبر الغافلين أن اقتناء الخ ... لق فان معرض للزوال فعليها السلام بعد بلاها ... من حزين ما حزنه الدهر بال وقال أيضاً: يا حيرة النفس أنى وجهة سلكوا ... ومن هم في سواد القلب حلال لا أوحش الله داراً كنت أعهدها ... مغنى بكم، وهي بعد البين أطلال وقال أيضاً: كفى حسرة في النفس بعد أحبة ... وقرب أعاد يشتهون حمامي لعمرك ما دار الفتى حين لا يرى ... أحبته فيها بدار مقام وقلت: يا دار غيرك البلى وتحكمت ... فيك الخطوب ومحت الآثار أصبحت تعرفك القلوب توهماً ... ويصد عنك الأعين الإنكار لم يبق منك الدهر رسماً ماثلاً ... ينبي بأن هناك كانت دار لهفي على الزمن القصير قطعته ... بك، إن أيام السرور قصار لم يبقى منه سوى جوى متسعر ... في القلب يذكى ناره التذكار وقلت: سقى دارهم هامي الغمام وهامله ... ونور ذاوى الروض فيها وذابله وعاد بها طيب الليالي التي خلت ... وغبطة عيش قد تقضت غياطله منى يتمناها على بعد نيلها ... كذوب الأماني ذاهب القلب ذاهله وبعض الأماني ضلة، وإذا انقضت ... أواخر دهر، كيف تثنى أوائله؟! ديار بها صاحبت شرخ شبيبتي ... أجادده طوراً، وطوراً أهازله أروح إلى لهو الصبي ونعيمه ... وأغدو على ليث كمي أنازله عهدت بها عين ألمها دون حجبها ... أسود الشرى يلقى الردى من تصاوله وسرب ظباء تحجب الشمس دونه ... وتحجب عن طيف الخيال عقائله وكل أخي بأس كريم تخاله ... إذا ما انتضى سيفاً جلته صياقله فلم يبق مما كان إلا إدكاره ... وحسرة قلب لا تقر بلابله وكنت أرى ما سرني غير زائل ... ويخطى نهج الحزم من هو جاهله فما كان إلا الطيف يحسب في الكرى ... يقيناً، فإن بان الكرى بان باطله وقلت: يقول صحابي: قد أطلت وقوفنا ... على الدار مسلوب الأسى والتماسك أفي كل دار قد عفت أنت واقف ... تروي ثراها بالدموع السوافك كأنك في رسم الديار "متمم" ... وفيما عفا من ربعها "قبر مالك" فقلت: نعم هذي ديار عهدتها ... بها معشري مثل النجوم الشوابك أصابهم ريب الزمان فأصبحت ... قفاراً، وهم ما بين ناء وهالك وقلت: يقولون: قد أعولت في الدار ما كفا ... وليس على ربع عفا بمعول وكم قدر ما تبقى الدموع إذا جرت ... على كل ربع، أو على كل منزل؟! فقلت: نعم. هذي ديار عهدتها ... عرين أسودي في الخطوب ومعقلي فقد أصبحت قفراً، وفرق شملهم ... حوادث دهر بالفراق موكل سأبكيهم أو يمزج الدم أدمعي ... فينهل سمطاً كالجمان المفصل وقلت: يا دار أنت التي كانت الجميع بها ... وكان في ربعك الولدان والحشم وكنت للضيف والعافين مرتبعاً ... يقتادهم نحوك الإكرام والكرم أصبحت قفراً، وأضحى أهلك افترقوا ... أيدي سبا، وانثنت عن قصدك الهمم ما أعجب الدهر! عيش الناس أجمعهم ... إن سرهم صرفه أو ساءهم حلم وقلت: دار على قلل الجبال تفجرت ... فيها بحار فضائل ومكارم فيها الندى والجود حقاً لا الذي ... كنا نحدث عن سماحة حاتم وفوارس جمعوا المكارم والعلى ... لين التواضع في قلوب ضراغم أفناهم ريب المنون فلم يدع ... منهم سوى ذكر لحلم الحالم وقلت: يا دار لو روت محولك أدمعي ... لسفحتها بك، أو يمازجها الدم

فصل آخر في ذكر الدار

لكن دمع الحزن يحسب قطره ... ماء بروداً، وهو جمر مضرم وإذا رأيتك قفرة من معشري ... وبني أبي، وهم لعمرك ما هم؟! فكأنني عاينت حفرة مالك ... وكأنني وجداً عليه متمم وقلت: وا وحشتي في الدار لما أصبحت موشحة من الظباء العين كانت عريناً، وكناساً فاغتدت ... مقفرة الكناس والعرين تقارن الأسد بها عين المها ... والدهر قطاع قوى القرين فأصبحت كما ترى ليس بها ... إلا دواعي الوجد والحنين وقلت: نظرت إلى دار الأحبة قفرة ... وقد كان فيها العز والكرم المحض فلما رأى صحبي عليها تلددي ... ودمعي بكى بعض وعنفني بعض وقالوا: أفق، للأرض تبكي؟ فقلت: لا ... ولكنني أبكي لمن وارث الأرض وقلت: يا دار إن بخلت على ... مغناك سارية العهاد فلأمطرنك من دمو ... عي ما ينوب عن الغوادي حتى تعود رباك حا ... لية مفوفة الوهاد كم حل ربعك من غض ... يض الطرف ممنوع الوداد يستوقف الأبصار فه ... ي عليه حائمة صوادي فرمت جموعهم اللي ... الي بالتشتت والبعاد وصروف هذا الدهر تط ... رق بالحوادث أو تغادي عاداتها رد الأمو ... ر من الصلاح إلى الفساد يحسن لا عمداً ويأ ... تين الإساءة باعتماد وقلت: ما أنت أول من تناءت داره ... فعلام قلبك ليس تخبو ناره؟ إما السلو أو الحمام، وما سوى ... هذين قسم ثالث تختاره ما بعد يومك من لقاء يرتجى ... أو يلتقي جنح الدجى ونهاره هذا وقوفك للوداع وهذه أظعان من تهوى وتلك دياره فاستبق دمعك فهو أول خاذل ... بعد الفراق، وإن طما تياره مدد الدموع يقل عن أمد النوى ... إن لم تكن من لجة تمتاره وقلت - وكتبت بها إلى أخي عز الدولة أبي الحسن علي بن مرشد بن علي بن مقلد - رحمه الله - وأنا بالعسكر الأتابكي بإربل: وإن امرأ أضحت بإربل داره ... وفي سيزر إخوانه وشجونه لغير ملوم في الحنين إليهم ... ومعذورة أن تستهل جفونه وقال أخي عز الدولة أبو الحسن علي - رحمه الله -: فيا أيها الدار التي شط أهلها ... وبالرغم مني أن سكانها شطوا رضيت بحكم الدهر فيك وإنما ... رضى من نأت أحبابه بالنوى سخط بهم كانت الدنيا التي غدرت بهم ... كأنهم فيها الحيا، والورى قحط تزيد بهم هذي البسيطة بسطة ... ومن مثلهم يستحسن القبض والبسط أعارتهم الأيام وارتجعتهم ... وكل بخيل في مواهبه ضبط فصل آخر في ذكر الدار قالت محبوبة الهذلية: بان الخليط وخف حاضره ... لما دعا بالبين طائره يا أنسنا من قرب دارهم ... قبل الذي كنا نحاذره وتخلفت من بعد فرقتهم ... أوصال صب سار سائره يا للرجال لأسر مرتهن ... جلب البلاء عليه ناظره لم يغن عنه عز أسرته ... شيئاً، ولم تنفع معاشره هذي موارد ما بليت به ... والله أعلم ما مصادره وقال آخر: يقول خليلي يوم أكثبة النقا ... وعيناي من فرط الهوى تكفان أمن أجل دار بين لوذان والنقا ... غداة اللوى عيناك تبتدران؟! فقلت له: لا، بل قذيت، وإنما قذى العين مما هيج الطللان فؤاد إذا ما قلت يصحو جلبتما ... عليه الهوى والشوق كل أوان وقال الراجز: هل تعرف الدار بأعلى ذي القور ... قد درست غير رماد مكفور مكتئب اللون مراح ممطور ... أزمان عيناء سرور المسرور عيناء حوراء من العين الحور وقال آخر يا دار ما للكرب حين وقفتهم ... ما إن سقاك من الدموع لماظ ترك الغرام عقولهم مشدوهة ... فتخالهم رقدوا وهم أيقاظ عهدي بظلك والشباب نزيله ... أيام ربعك للحسان عكاظ وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه -: أمن أجل دار بالمصلى إلى منى ... تعاد كما عيد السليم المؤرق؟! حنيناً إليها والتواء من الجوى ... كأنك في الحي الولود المطرق أجل تراب الأرض كانوا حلولها ... وأجزع من مرى عليها وأشفق

ولم يبق عندي للهوى غير أنني ... إذا الركب مروا بي على الدار أشهق وقال أبو جوثة بن زياد: خليلي من عمرو عفا الله عنكما ... ولقاكما من كل أمركما يسرا ألماً على دار لعبلة قد عفت ... كأن لمطلول الخزامى بها نشرا نظرت بأرمام، وأية ساعة ... نظرت إلى أعلامها نظراً شزرا وأغيد من طول الكلال يميله ... كلال السرى حتى كأن به سكرا سرينا به من أجل عبلة بعدما ... تجللت الآفاق أردية خضرا وقال أبو تمام: أهدى الدموع إلى دار وماصحها=فللمنازل سهم من سوافحها دار أجل الهوى عن أن ألم بها ... في الركب إلا ويعين من متائحها وقال أيضاً: يا دار در عليك أرهام الندى ... واهتز روضك في الثرى فترأدا سقياً لمعهدك الذي لو لم يكن ... ما كان قلبي للصبابة معهدا وقال المتنبي: أهلاً بدار سباك أغيدها أبعد ما بان عنك خردها ظلت بها تنطوي على كبد ... نضيجة فوق خلبها يدها قفا قليلاً بها على فلا ... أقل من نظرة أزودها ففي فؤاد المحب نار هوى ... أحر نار الجحيم أبردها وقال البحتري: يا خليلي ساعة لا تريما ... وعلى ذي صبابة فأقيما ما مررنا بدار زينب إلا ... فضح الدمع سرك المكتوما ذكرتني الهوى وهن رميم ... كيف لو لم يكن كن رميما؟ وقال أبو تمام: أدار البؤس حسنك التصابي ... إلي فصرت جنات النعيم لئن أصبحت ميدان السوافي ... لقد أصبحت ميدان الهموم ومما ضرم الأحشاء أني ... شكوت، فما شكوت إلى رحيم أظن الدمع في خدي سيبقى ... رسوماً من بكائي في الرسوم وقال النابغة الذبياني، وهو زياد بن معاوية: عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار ... ماذا تحيون من نؤي وأحجار؟! فاستعجمت دار نعم ما تكلمنا ... والدار لو كلمتنا ذات أخبار فما عرفت بها شيئاً أعيج به ... إلا الثمام، وإلا موقد النار وقد أراني ونعماً لاهيين بها ... في الدهر والعيش لم يهمم بإمرار أيام تعجبني نعم، وأخبرها ... ما أكتم الناس من حاجي وأسراري وقال الحطيئة: يا دار هند عفت إلا أثافيها ... بين الطوى فصارات فواديها قد غير الدهر بعدي من معارفها ... والريح، فادفنت فيها مغانيها جرت عليها بأذيال لها عصف ... فأصبحت مثل سحق البرد عافيها كأنني ساورتني يوم أسألها ... عود من الرقش لا تصغي لراقيها وقال أيضاً: أدار سليمى بالرواتك والعرف ... أقامت على الأرواح والديم الوطف وقفت بها، فاستوقفت ماء عبرتي ... بها العين، إلا ما كففت به طرفي فراق حباب، وانتهاء من الهوى ... فلا تعذليني، قد بدا لك ما أخفي يقولون: نستغني، ووالله مال الغنى ... من المال إلا ما يعف وما يكفي وقال النابغة الذبياني: يا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأبد وقفت فيها أصيلاناً أسائلها ... أعيت جواباً، وما بالربع من أحد أضحت قفاراً وأضحى أهلها احتملوا ... أخنني عليها الذي أخني على لبد وقال قيس بن ذريح: بكت دارهم من نأيهم فتهللت ... دموعي، فأي الجازعين ألوم أمستعبراً تبكي من الشوق والجوى ... أم آخر يبكي شجوه ويهيم كذا كان في أصل الشعر، والصحيح: "أمستعبراً يبكي من الهون والبلى". تهيضني من حب لبنى علائق ... وأصناف حب هولهن عظيم ومن يتعلق حب لبنى فؤاده ... يمت أو يعش ما عاش وهو سقيم وإن زماناً شتت الشمل بيننا ... وبينكم فيه العدى لذميم وقال جميل بن معمر: ألم تسأل الدار القديمة هل لها ... بأم حسين بعد عهدك من عهد؟ سل الركب هل عجنا بمغناك مرة ... صدور المطايا وهي موقرة تخدي؟ وهل فاضت العين الشروق بمائها ... من أجلك حتى اخضل من دمعها بردى؟ أنى القلب إلا حب بثنة لم يرد ... سواها، وحب القلب بثنة لا يجدي وكل محب لم يزد فوق جهده ... وقد زدتها في الحب مني على الجهد وقال ذو الرمة، غيلان بن عقبة بن مسعود:

لك الخير، هلا عجت إذ أنا واقف ... أغيض البكا في دار مي وأزفر فتنظر إن مالت بصبري صبابتي إلى جزعي، أم كيف إن كنت أصبر؟ إذا شئت أبكاني بجرعاء مالك ... إلى الدحل مستبدي لمي ومحضر وبالزرق أطلال لمية أقفرت ... ثلاثة أعوام تراح وتمطر إذا اعترضت حزوى وأعرض حارك ... من الرمل تمشي حوله العين أعفر (الحارك) : المشرف من الرمل وجدت فؤادي كاد أن يستخفه ... رسيس الهوى من بعض ما يتذكر عدتني العوادي عنك يا مي برهة ... وقد يلتوى دون الحبيب فيهجر على أنني في كل سير أسيره ... وفي نظري من نحو أرضك أصور فإن تحدث الأيام يا مي بيننا ... فلا ناسياً عهداً ولا متغير وقال غيلان أيضاً: أداراً بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفض أو يترقرق وقفنا فسلمنا فكادت بمشرف ... لعرفان صوتي دمنة الدار تنطق تجيش إلي النفس في كل منزل ... لمي ويرتاح الفؤاد المشوق ألا ظعنت مي فهاتيك دارها ... بها السحم تردي والحمام المطوق لها جيد أم الخشف ريعت فأتلعت ... ووجه كقرن الشمس ريان مشرق وعين كعين الرئم فيها ملاحة ... هي السحر أو أدهى التباساً وأعلق لعمرك إني يوم جرعاء مالك ... لذو عبرة كل تفيض وتخنق وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو، وتارات يجم فيغرق وقال عبد الله بن الدمينة: سلى البانة الغناء بالأجرع الذي ... به البان، هل حييت أطلال دارك؟ وهل قمت في أطلالهن عشية ... مقام أخي الضراء واخترت ذلك ليهنك إمساكي بكفى على الحشا ... ورقراق دمعي خيفة من زيالك فلو قلت: طأ في النار أعلم أنه ... رضى لك أو مدن لنا في وصالك لقدمت رجلي نحوها فوطئتها ... هدى منك لي، أو ضلة من ضلالك وقال آخر: وقفت كأني من وراء زجاجة ... إلى الدار من فرط الصبابة أنظر فعيناني طوراً تغرقان من البكا ... فأعشى، وطوراً يحسران فأبصر وقال البحتري: بنا أنت من مجفوة لم تعتب ... ومعذورة في هجرها لم تؤنب ونازحة والدار منها قريبة ... وما قرب ثاو في التراب مغيب؟! قضت عقب الأيام فينا بهجرة ... متى ما تغالب بالتجلد تغلب ألا لا تذكره الحمى إن ذكره ... جوى باطن للمستهام المعذب ولما تزايلنا من الجزع وانتأى ... مشرق ركب مصعد عن مغرب تبينت أن لا دار من بعد عالج ... تسر، وأن لا خلة بعد زينب وقال أيضاً: أبكاء في الدار بعد الدار؟ ... وسلواً بزينب عن نوار؟! لا هناك الشغل الجديد بحزوى ... عن رسوم برامتين قفار ما ظننت الأهواء قبلك تمحى ... في صدور العشاق محو الديار وقال الأحوص: خليلي من غيط بن مرة بلغا ... رسائل مني، لا أزيد كما وقرا ألا ليت شعري هل إلى أم جحدر ... سبيل، فأما الصبر عنها فلا صبرا وإني لأستثني الحديث لأجلها ... لأسمع منها وهي نازحة ذكرا وأعجب دار دارها غير أنني ... إذا ما أتيت الدار ترجعني صفرا عشية ألوي بالرداء على الحشا ... كأن الحشا من دونه مشعر جمرا وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: أألحق إن دار الرباب تباعدت ... أو انبت حبل أن لبك طائر أفق، قد أفاق العاشقون وجانبوا ال ... هوى واستمرت بالرجال المرائر زع النفس، واستقن الحياء فإنما ... يباعد أو يدني الرباب المقادر أمت حبها، واجعل مكان وصالها ... ورؤيتها أمثال من لا تجاور فكالناس علقت الرباب فلا تكن ... أحاديث من يبدو ومن هو حاضر وهبها كشيء لم يكن، أو كنازح ... به الدار، أو من غيبته المقابر فنفسك، لم جئت الذي جئت طائعاً ... وحالفت أمر الغي إذ أنت سادر؟ كان المنصور أنزل أبا دلامة في دار بالقرب من قصره، ثم دعته الحاجة إليها، فأمر بإضافتها إلى قصره، فدخل عليه أبو دلامة فأنشده: يا ابن عم الرسول دعوة شيخ ... قد دنا هدم داره ودماره

فهو كالماخض التي اعتادها الطل ... ق، فقرت، وما يقر قزاره إن يحر عسره بكفيك يوماً ... فبكفيك عسره ويساره أو تدعه إلى البوار فأني؟ ... ولماذا وأنت حي بواره؟ هل يخاف الهلاك شاعر قوم ... قدمت في مديحهم أشعاره؟ لكم الأرض كلها، فأعيروا ... شيخكم ما احتوى عليه جداره فكأن قد قضى وخلف فيكم ... ما أعرتم، وأقفرت منه داره فاستعبر المنصور، وأمر بتعويضه [داراً] خيراً منها، ووصله. عن عبد الله بن موسى الكاتب قال: دخلت على عبد الله بن المعتز، وهو يبني داره ويبيضها، فقلت له: ما هذه الغرامة؟ فقال: إن السيل الذي جاء منذ ليال أحدث في داري ما أحوج إلى الغرامة والكلفة، فقلت؟: ألا من لنفس وأحزانها ... ودار تداعت بحيطانها أظل نهاري في شمسها ... شقياً معنى ببنيانها أسود وجهي بتبييضها ... وأهدم كيسي بعمرانها وقال آخر: ومن ينأ عن دار الهوى يكثر البكا ... وقول لعل أو عسى سيكون وما اخترت نأي الدار عنكم لسلوة ... ولكن مقادير لهن شجون وقال أبو عبد الله بن حجاج: أخلاي ما استوحشتم عند غيبتي ... لبيني، ولا استأنستم بالأسى بعدي ألم تعلموا أني أحن إليكم ... كما حنت النيب العطاش إلى الورد فلا مرحباً بالدار لا تسكنونها ... ولو أنها الفردوس، أو جنة الخلد وقال آخر: وما زلت مذ شطت بي الدار باكيا ... أؤمل عطفاً منك حين أؤوب فأضعفت ما بين حين أبت وزدتني ... عذاباً وإعراضاً وأنت قريب وقال آخر: أحب بلاد الله أرض تحلها ... إلي ودار تحتويك ربوعها لحى الله قلباً لا يهيم صبابة ... إليك وعيناً لا تفيض دموعها وقال الحسين بن علي بن أبي طالب - رضوان الله عليهما -: لعمرك إنني لأحب داراً ... تحل بها سكينة والرباب أحبهما وأبذل بعد مالي ... وليس للائمي فيها عتاب ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً ... حياتي، أو يغيبني التراب (سكينة: بنته، والرباب: أمها، وهي بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم) . أورد أبو جعفر محمد بن جرير الطبري - رحمه الله - في كتابه "نسب الصحابة" رضي الله عنهم، أن أبا أحمد بن جحش بن رباب، واسمه عبد، وأمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أسلم هو وأخواه عبد الله وعبيد الله - رحمهما الله - قبل مدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح، وفرغ من خطبته، قام أبو أحمد على باب المسجد على جمل له، فجعل يصيح: أنشد الله يا بني عبد مناف حلفي، أنشد الله يا بني عبد مناف داري، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان - رضوان الله عليه - فساره بشيء، فذهب عثمان إلى أبي أحمد فساره، فنزل أبو أحمد عن بعيره، وجلس مع القوم، فما سمع ذاكرها، حتى لقي الله عز وجل، فقال آل أبي أحمد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لك بها دار في الجنة. وقد كان أبو أحمد - رحمه الله - قال في بيع داره لأبي سفيان - رحمه الله: أقطعت عهدك بيننا ... والحازيات إلى ندامه ألا ذكرت ليالي العيش ... التي فيها القسامه عقدي وعقدك قائم ... أن لا عقوق ولا أثامه دار ابن عمك بعتها ... تشرى بها عنك الندامة اذهب بها أذهب بها ... طوقتها طوق الحمامة وجزيت فيها إلى العق ... وق وأسوإ الخلق الرغامة قد كنت آوي في ذرى ... فيه المقامة والسلامة ما كان عقدك مثل ما ... عقد ابن عمرو لابن مامه وكان أبو أحمد هذا - رحمه الله - ضريراً، وله أشعار كثيرة. عن أبي عبد الله العبدي قال: كان الفرزدق مستخفياً في بني شيبان من عبيد الله بن زياد، ثم تحول عنهم وقال: تصرم عني ود بكر بن وائل ... وما خلت عني ودهم يتصرم قوارص تأتيني ويحتقرونها ... وقد يملأ القطر الإناء فيفعم فقال رجل من بكر بن وائل يجيبه: لعمري لئن كان الفرزدق قد نأى ... وأحدث صرماً للفرزدق أظلم لقد وسطتك الدار بكر بن وائل ... وضمت لك الإحسان إذ أنت مجرم

فإن تنأ عنها لا تضرها، وإن تعد ... تجدها على العهد الذي كنت تعلم أنشد ابن خالويه لبعض العرب: ألم تعلمي يا دار بلجاء أنني ... إذا أخصبت أو كان جدباً جنابها أحب بلاد الله ما بين منعج ... إلي وسلمى أن يصوب سحابها بلاد بها نيطت على تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها أورد لاشيخ الإمام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي - رضي الله عنه - في فضائل مالك بن أنس - رضوان الله عليه - أن الرشيد سأل مالكاً: هل لك من دار؟ قال: لا، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وقال: اشتر بها داراً، فأخذها مالك، ولم ينفقها، فلما أراد الرشيد الشخوص من المدينة، قال لمالك: ينبغي أن تخرج معنا، فإني عزمت أن أحمل الناس على الموطأ، كما حمل عثمان - رضوان الله عليه - الناس على القرآن، فقال له مالك: أما حملك الناس على الموطأ فليس إلى ذلك سبيل؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم افترقوا بعده في الأمصار، فحدثوا - رضي الله عنهم - فعند كل أهل مصر علم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اختلاف أمتي رحمة" وأما خروجي معك فليس إليه سبيل، فقال صلى الله عليه وسلم: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" وقال صلى الله عليه وسلم: "المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد" وهذه دنانيركم، كما هي، إن شتم خذوها، وإن شئتم دعوها. أراد أنك تكلفني مفارقة المدينة لما اصطنعت إلي، ولا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال المهدي يوماً لمالك: هل لك في دار؟ قال: لا، ولكني أحدثك: سمعت ربيعة بن عبد الرحمن يقول: "نسب المرء داره". وقال ربيعة بن مقروم الضبي: يا دار أسماء بالأمثال فالرجل ... حييت من دمنة قفر ومن طلل كأنها بعد عهد العاهدين بها ... مهارق العجم أو مشية الحلل دار غنينا بها حيناً، وأي غنى ... عن أهله يا ابنة الضبي لم يحل؟! وقال نصيب: ألا تسأل الدار التي لعب البلى ... بجدتها، فلم تكد تستبينها؟! متى بان منها أهلها؟ أم هل البكا ... إن العين بالدمع استهل شؤونها يريح هوى نفس عصتك وأصبحت ... تنازع شتى لا جميعاً شجونها إذا غشيت ربعاً لزينب راجعت ... به الشوق، حتى يستبان دفينها فلا حدث الأيام أنساك ذكرها ... ولا غربة الدار الشديد شطونها وقال آخر (ينسب إلى المجنون قيس بن الملوح) : يا دار ليلى بسقط الخل قد درست ... إلا الثمام، وإلا موقد النار أبلى عظامي ... بعد الحب دارسها كما تتبع عود الشوحط الباري ما تبرح الدهر من ليلى تموت جفاً ... في موقف وقفته أو على دار؟! وقال المرار الفقعسي: خليلي إن الدار غفر لذي الهوى ... كما ينكس المحموم أو صاحب الكلم أبى منزل بالبرق إلا يهيجني ... ودار لها بين الأجارع والرضم (الغفر: النكس والتغطية، وشعر الساق غفر) . وقال الغطمش الضبي: أقول لجواب وقيس بن عازب ... وقد بل جفن العين ماء مسيلها قفا حييا الدار التي لو وجدتما ... بها أهلها ما كان نحساً مقيلها وقال طلحة بن رفاعة: سقى الله داراً بين أمواه بارق ... وذي نخب لم يبق إلا صعيدها بها كان عهد المالكية فانقضى ... كذاك الغواني لا تدوم عهودها وكانت تمنيناً وتزعم أنه ... يجئ على بعض الأماني جودها فما زادها أن أيسرت لديوننا ... قضاء، ولكن كان بخلاً يزيدها روى أن إبراهيم بن حذيفة - رحمه الله - باع داره، فلما أراد المشتري أن يشهد عليه قال: لست أشهد عليها ولا أسلمها حتى تشتروا مني جوار سعيد بن العاصي، وتزيدوا في الثمن، قالوا: وله رأيت أحداً اشترى جواراً أو باعه؟ قال: ألا تشترون جوار من إن أسأت إليه أحسن، وإن جهلت عليه حلم، وإن أعسرت وهب؟ لا حاجة لي في بيعكم، ردوا علي داري، فبلغ ذلك سعيد بن العاصي، فبعث إليه بمائة ألف درهم.

وروى المدائني قال: باع جار لفيروز داره بأربعة آلاف درهم، فجيء بها، فقال البائع: هذا ثمن داري، فأين ثمن جاري؟ قال: ولجارك ثمن؟ قال: لا أنقصه والله من أربعة آلاف، فبلغ ذلك فيروز، فأرسل إليه بثمانية آلاف درهم، وقال: هذا ثمن دارك وجارك، والزم دارك لا تبيعها. وقال أبو تمام: إن بكاء في الدار من أربه ... فشايعا مغرماً على طربه جيدت بداني الأكناف ساحتها ... نائي المدى داني الحيا سربه مزن إذا ما استطار بارقه ... أعطى البلاد الأمان من كذبه وقال أيضاً: قد مررنا بالدار وهي خلاء ... وبكينا طلولها والرسوما وسألنا ربوعها، وانصرفنا ... بسقام وما سألنا حكيما وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان [المعري] : أنا من أقام الحرف وهي كأنها=نون بدارك والمعالم أسطر بالسعد جادتك السماء لتسعدي ... والغفر، عل ذنوب أهلك تغفر وقال أيضاً: إذ ذن أنف البرد سرت فليته ... عقيب التنائي كان عوقب بالجدع وما أورقت أوتاد دارك باللوى ... ودارة حتى أسقيت سبل الدمع وقال البحتري: ولقد منعت الدار إعلان الهوى ... وطويت عنها سرك المكتوما أتغيض من حذر الوساة مدامعي ... فإذا خلوت تفيضهن سجوما؟ وقال آخر: ولو كنت في الدار التي مسقط الصفا=مرضت، ولكن غاب عني معللي هنالك لو أني مرضت لعادني ... عوائد من لم يأت منهن يرسل وقال آخر: لا تطلبن دنو دا ... ر من خليل أو معاشر أبقى لأسباب المود ... ة أن تزور ولا تجاور قال أحمد بن إسماعيل بن الخصيب: شكا إلي ميمون بن هارون بعد داره إذا أراد زيارتي، فقلت: من هذا المنزل أقصدك إذا زرتك، ثم كتبت إليه: لا تجلعن بعد داري ... مخسساً لنصيبي فرب شخص بعيد ... إلى الفواد قريب ورب شخص قريب ... إليه غير حبيب ما البعد والقرب إلا ... ما كان بين القلوب كتب عبد الله بن طاهر إلى المأمون من خراسان: "بعدت داري عن ظل أمير المؤمنين، وإن كنت حيث تصرفت لا أتفيأ إلا به، وقد اشتد إلى أمير المؤمنين شوقي، لأرى مجلسه، وأتشرق بخطابه، وأتجمل بخدمته، وأنقح عقلي من حسن أدبه، فلا شيء آثر عندي من قربه، وإن كنت في سعة من عيش وهبها الله به، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في المصير إليه؛ لأحدث عهداً بالمنعم على، وأتهنأ بالنعمة التي آثرها لدي، فعل محسناً إن شاء الله". فوقع المأمون في كتابه: "قربك يا أبا العباس إلي حبيب، وأنت مني حيث كنت قريب، وإنما بعدت دارك نظراً لك ورغبة فيك وسمواً، واتبع قول الشاعر: رأيت دنو الدار ليس بنافع ... إذا لم يكن بين القلوب قريب ويروى: "إذا كان ما بين القلوب بعيد": وقال الشاعر: وأنزلني طول النوى دار غربة ... إذا شئت لاقيت امرأ لا أشاكله أحامقه حتى يقال: سجية ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله وقال أبو الحسن علي بن ثروان الكندي: درت عليك غوادي المزن يا دار ... ولا عفت منك آيات وآثار دعاء من لعبت أيدي الغرام به ... وساعدتها صبابات وأذكار وقال ذو الرمة: أستحدث الركب عن أشياعهم خبراً=أم راجع القلب من أطرابه طرب أم دمنة نسفت عنها الصبا سفعاً ... كما تنشر بعد الطية الكتب لا، بل هو الشوق من دار تخونها ... مر سحاب ومر بارح ترب يبدو لعينيك منها وهي مزمنة ... نؤى ومستوقد بال ومحتطب ديار مية إذ مي تساعفنا ... ولا يرى مثلها عجم ولا عرب غراء تزداد إبهاجاً إذا سفرت ... وتحرج العين فيها حين تنتقب براقة الجيد، واللبات واضحة ... كأنها طبية أفضى بها لبب نجلاء في برج صفراء في نعج ... كأنها فضة قد مسها ذهب لمياء في شفتيها حوة لعس ... وفي اللثاة وفي أنيابها شنب وقال البحتري: وما في سؤال الدار إدراك حاجة ... إذا استعجمت آياتها أن تكلما وتيمني أن الجوى غير مقصر ... وأن الحمى وصف لمن حل بالحمى

قيل: كان يونس بن المختار في أعلى مرتبة في دار المأمون، وكان يجلس دونها، فقال له الحاجب: يا أبا العباس مرتبتك، فقال: قد رفعني إليها أمير المؤمنين وليس لي عمل يفي بها، فأنا أكرمها عن القعود فيها إلى أن يتهيأ الشكر عليها، فبلغ ذلك المأمون، فقال: هذا والله هو الشكر، وبه تدوم النعم. وقال قيس بن ذريح: سقى طلل الدار التي أنتم بها ... حناتم وبل، صيف وربيع وخيماتك اللاني بمنعرج اللوى ... بلين بلى لم تبلهن ربوع مضى زمن والناس يستشفعون بين ... فهل لي إلى لبنى الغداة شفيع؟! إذا أمرتني العاذلات بهجرها ... هفت كبد عما يقلن صديع وكيف أطيع العاذلات وحبها ... يؤرقني والعاذلات هجوع وقال جميل بن معمر: هاجت فؤادك للحبيبة دار ... أقوت وغير آيها الأمطار وعفا الربيع رسومها فكأنها ... لم يغن قبل بربعها ديار لما وقفت بها القلوص تبادرت ... مني الدموع وهاجني استعبار ولقد علمت على التكالف أنه ... تشقى القلوب وتغلب الأفدار وإذا حللت بذي الأراك ودوننا ... علم المريب وجونة وتعار فهناك حين تريث عنك رسائلي ... وهناك تقطع عنكم الأخبار فسقى ديارك حيث كنت من النوى ... غيث أجش وديمة مدرار وقال ذو الرمة: خليلي عوجا اليوم ... حتى تسلما على دارمي من صدور الركائب تكن عوجة بجزيكما الله عنده ... بها الأجر، أو تقضى ذمامة صاحب وقفنا فسلمنا فردت تحية ... علينا، ولم ترجع جواب المخاطب عصتني بها نفس تريع إلى الهوى ... إذا مد دعاها دعوة لم تغالب وقال أيضاً: يا دار مية بالخلصاء فالجرد ... سقياً، وإن هجت أدنى الشوق للكمد من كل ذي لجب باتت بوارقه ... تجلو أغر الأعالي حالك النضد [حالك النضد] : متراكب السحاب. مجلجل الرعد عراصاً إذا ارتجست ... نوء الثريا به، أو نثرة الأسد أسقى الإله به حزوى، فجاد به ... ما قابل الزرق من سهل ومن جلد أرضاً معاناً من الحي الذين هم ... أهل الجياد وأهل المجد والعدد كانت تحل بها مي، فقد قذفت ... عنا بها نية من طية قدد وقال مرقش: هل تعرف الدار عفا رسمها ... إلا الأثافي ومبنى الخيم أعرفها داراً لأسماء فالدم ... ع على السربال فيض سجم أمست خلاء بعد سكانها ... مقفرة ما إن بها من إرم بعد جميع قد أراهم بها ... لهم قباب وعليهم نعم وقال آخر: هل الريح أو برق الغمامة مخبر ... ضمائر حاج لا أطيق لها ذكرا سليمى سقاها الله حيث تصرفت ... بها غربات الدار عن دارنا قطرا إذا درجت ريح الصبا أو تنسمت ... تعرفت من نجد وساكنه نشرا فقرف قرح القلب بعد اندماله ... وهيج دمعاً لا جموداً ولا نزرا وقال البحتري: أأطلال دار العامرية باللوى ... سقت ربعك الأنواء ما فعلت هند؟ أدار الهوى بين الصريمة واللوى ... أما للهوى إلا رسيس الجوى قصد؟ وقال أيضاً: قف العيسى قد أدنى خطاها كلالها ... وسل دار سعدى إن شفاك سؤالها وما أعرف الأطلال من بطن توضح ... لطول تعفيها، ولكن إخالها إذا قلت: أنسى وصل سعدى على النوى ... تصور في أقصى الضمير خيالها وقد كنت أرجو وصلها عند هجرها ... فقد بان مني هجرها ووصالها وقال أيضاً: ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها ... نعم ونسألها عن بعض أهليها يا دمنة جاذيتها الريح بهجتها ... تبيت تنشرها طوراً وتطويها لازلت في حلل للغيث ضافية ... يثيرها البرق أحياناً ويسديها تروح بالوابل الداني روائحها ... على ربوعك أو تغدو غواديها وقال ذو الرمة: ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى=ولا زال منهلاً بجرعائك القطر وإن لم تكوني غير شام مقفرة ... تجر بها الأذيال صيفية كدر أقامت به حتى ذوي العود في الثرى ... ولف الثريا في ملاءته الفجر فوالله ما أدري أجولان عبرة ... تجود بها العينان أحجى أم الصبر

وفي هملان العين من غصة الشجا ... شفاء، وفي الصبر الجلادة والأجر وقال أيضاً: يا دار مية لم يترك لها علما ... تقادم العهد والهوج المراويد سقياً لأهلك من حي تقسهم ... ريب المنون وطيات عباديد وقال أيضاً: دنا البين من مي وردت جمالها وهاج الهوى تقويضها واحتمالها عرفت لها داراً، فأبصر صاحبي ... صيفة وجهي قد تغير حالها وقلت لنفسي في حياء رددته ... إلهيا وقد بل الجفون بلالها أمن أجل دار طير البين أهلها ... أيادي سبا بعدي وطال احتبالها فؤادك مبثوث عليك شجونه ... وعينك تعصي عاذليك انهمالها لقد علقت مي بنفسي علاقة بطيئاً على مر الليالي انحلالها وقال ذو الرمة: ألا ظعنت مي فهاتيك دارها ... بها السحم تردي والحمام الموشم كأن أنوف الطير في عرصاتها ... خراطيم أقلام تخط وتعجم ألا لا أرى مثلي يحن من الهوى ... ولا مثل هذا الشوق لا يتصرم ولا مثل ما ألقى إذ الحي جيرة ... على أثر الأظعان يلقاه مسلم كفى حزة في النفس يا مي أنني ... وإياك في الأحياء لا ننتكلم أدور حواليك البيوت كأنني ... إذا جئت عن إتيان بيتك محرم وقال توبة بن الحمير: نأتك بليلى دارها لا تزورها ... وشطت نواها واستمر مريرها يقول أناس: لا يضرك نأيها ... بلى، كل ما شف النفوس يضيرها أليس يضير العين أن تدمن البكا ... ويمنع منها نومها وسرورها؟! وقال مهيار: بكر العارض تحدوه النعامى ... وسقاك الري يا دار أماما وتمشت فيك أرواح الصبا ... يتأرجن بأنفاس الخزامى وإذا مغنى خلى من زائر ... بعد ما فورق أو زير لماما فقضى حكم الهوى أن تصبحي ... للمحبين مناخاً ومقاما أورد أبو جعفر محمد بن جرير الطبري - رحمه الله - في كتاب "نسب الصحابة" رضوان الله عليهم عن عثمان بن الأرقم، أنه كان يقول: أنا ابن سبع الإسلام، أسلم أبي سابع سبعة، وكان داره بمكة على الصفا، وهي الدار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم، يكون فيها في أول الإسلام، وفيها دعا الناس إلى الإسلام، فأسلم فيها قوم كثير، وقال ليلة الاثنين فيها: "اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب، أو عمرو بن هشام" فجاء عمر - رضوان الله عليه - من الغد بكرة، فأسلم في دار الأرقم، وخرجوا منها، فكثروا وطافوا بالبيت ظاهرين، ودعيت دار الأرقم دار الإسلام، وتصدق بها الأرقم على ولده، فقرأت نسخة صدقة الأرقم بداره: "بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما قضى الأرقم في ربعه ما حاز الصفا، أنها صدقة بمكانها من الحرم لا تباع ولا تورث، شهد هشام بن العاص، وفلان مولى هشام بن العاص".

قال: فلم تزل هذه الدار صدقة قائمة، بها ولده يسكنونها ويؤاجرون عليها، حتى كان زمن أبي جعفر المنصور، قال يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم: إني لأعلم اليوم الذي وقعت في نفس أبي جعفر، وذاك أنه كان يسعى بين الصفا والمروة في حجة حجها، ونحن على ظهر الدار في فسطاط، فيمر تحتنا، ولو أشاء أن آخذ قلنسوة عليها لأخذتها، وإنه لينظر إلينا من حين يهبط بطن الوادي حتى يصعد إلى الصفا، فلما خرج محمد بن عبد الله بن حسن - رضي الله عنه - بالمدينة، كان عبد الله بن ع ثمان بن الأرقم ممن بايعه، ولم يخرج معه، فتعلق عليه أبو جعفر بذلك، فكتب إلى عامله بالمدينة أن يحبسه ويطرحه في حديد، ثم بعث رجلاً من أجل الكوفة يقال له: شهاب بن عبد رب، وكتب معه إلى عامله بالمدينة أن يفعل ما يأمره به، فدخل شهاب على عبد الله بن عثمان بن الأرقم الحبس، وهو شيخ كبير بن بضع وثمانين سنة وقد ضجر بالحديد والحبس، فقال له: هل لك أن أخلصك مما أنت فيه وتبيعني دار الأرقم، فإن أمير المؤمنين يريدها، وعسى إن بعته إياها أن أكلمه فيك، فيعفو عنك؟ قال: فإنها صدقة، ولكن حقي منها له، ومعي فيها شركاء، إخوتي وغيرهم، فقال: إنما عليك نفسك، فأعطنا حقك، وبرئت، فأشهد له، وكتب عليه كتاب شرى على سبعة عشر ألف دينار، ثم تتبع إخوته، ففتنهم بكثرة المال، فباعوه، فصارت لأبي جعفر ولمن أقطعها، ثم صيرها المهدي للخيزران أم موسى وهارون، فعرفت بها، ثم لجعفر بن موسى الهادي، ثم اشترى عامتها وأكثرها غسان بن عبادة، من ولد جعفر بن موسى. وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله [بن سليمان [المعري] : فيا برق ليس الكرخ داري وإنما ... رماني إليه لدهر منذ ليال فهل فيك من ماء المعرة قطرة ... تروي بها ظمآن ليس بسال فليت سنيراً بان منه لصحبتي ... بروقى غزال مثل قرن غزال وقال أيضاً: متى ينزل الحي الكلابي بالساً ... يحييك عنا ظاعنون وقفال تحية ود ما الفرات وماؤه ... بأعذب منها وهو أزرق سلسال فيا دارها بالحزن إن مزارها ... قريب، ولكن دون ذلك أهوال وقال أحمد بن أبي خيثمة: ولكن قرب الدار ممن تحبه ... على البعد من قلب الحبيب شديد وليس تنائي الدار للصب ضائراً ... إذا لم يكن بين القلوب بعيد وقال أبو حكيمة راشد بن إسحاق: ومستوحش لم يمس في دار غربة ولكنه ممن يحب غريب طواه الهوى واستشعر الهجر إلفه ... وشطت نواه والمزار قريب وقال آخر: هذا هو الصبر، لا الصبر الذي سلفا ... لما دنت دار من يهوى ومن ألفا قد كان في البعد إذهال لذي كلف ... لكن في القرب ما أغرى به الكلفا وقال سعيد بن حميد: إذا نائل شطت بها الدار مرة ... فلست على شيء من الدهر أشفق ولم يبق مني حبها غير مهجة ... تذوب، وقلب خشية الهجر يخفق وقال أبو الفتح الحسن بن عبد الله بن عبد الجبار بن أبي حصينة السلمي: لون داراً أخبرت عن ناسها ... لسألت رامة عن ظباء كناسها بل كيف تسأل دمنة ما عندها ... علم بوحشتها ولا إيناسها ممحوة العرصات يشغلها البلى ... عن ساحبات الريط فوق دهاسها بيض إذا انصاع النسيم من الصبا ... خلناه ما ينصاع من أنفاسها يا صاحبي سقى منازل جلق ... غيث يروى ممحلات طساسها فرواق جامعها فباب بريدها ... فمسارب القنوات من باناسها فلقد قطعت بها زماناً للصبى ... واللهو مخضر كخضرة آسها من لي برد شبيبة قضيتها ... فيها وفي حمص وفي ميماسها وزمان لهو بالمعرة مونق ... بسياثها، وبجانبي هرماسها أيام قلت لذي المودة: سقني ... من خندريس حناكها أوحاسها حمراء تغنينا بساطع نورها ... في الليلة الظلماء عن نبراسها رقت فما أدرى أكأس زجاجها ... في جسمها أم جسمها في كاسها كان هذا الشاعر ابن أبي حصينة مداحاً للأمير تاج الأمراء معز الدولة أبي العلوان شمال بن أد الدولة صالح بن مرداس، فامتدحه بقصيدة شكا فيها كثرة أولاده، وكان له أربعة عشر ولداً، أولها: سرى طيف هند والمطي بنا يسري ... فأخفى دجى ليل، وأبدى سنا فجر يقول فيها:

جنيت على نفسي بنفسي جناية ... فأثقلت ظهري بالذي شب من ظهري عداد الثريا مثل نصف عدادهم ... ومن نسله ضعف الثريا من يثرى؟! وأخشى الليالي الغادرات عليهم ... لأن الليالي غير مأمونة الغدر ولي منك إقطاع قديم وحادث ... تقلبت منه تحت ظلك من عمري وما أنا بالممنوع منه، ولا الذي أخاف عليه منك حادثة تجري وكلنني أبغية ملكاً مخلداً ... خلود القوافي الباقيات على الدهر والقصيدة طويلة ما اقتضى التأليف ذكرها بأسرها، فلماس معها معز الدولة أمر بإحضار شهود أشهدهم بتمليكه أبا الفتح الحسن بن عبد الله بن أحمد بن عبد الجبار بن أبي حصينة ضيعتين من أعمال حلب ومنبج، فأثرى، وحسنت حاله، وعمر بحلب داراً عند حمام الواساني، وكتب على إزار روشنها: دار عمرناها، وعشنا بها ... في نعمة من آل مرداس قوم محوا بوسي ولم يتركوا ... علي للأيام من باس قل لبني الدنيا: ألا هكذا فليفعل الناس مع الناس وقال ابن نباتة: يا دار بين الرقتين وبابل ... شقت عليك من السحاب جيوب وأطاع تربك وابل متعمد ... من أن تزعزعه صباً وجنوب يا حبذا ماء الفرات لو أنه ... يشفي غليل الشارب المشروب وقال آخر: سقى الله داراً لي، وأرضاً تركتها ... إلى جنب داري معقل ويسار أبو مالك جار لها، وابن برثن ... "فيالك جاري ذلة وصغار"! وقال آخر: إن جار السوء حمل فادح ... فاستعذ بالله من سوء الجوار ما لجار السوء عندي حيلة ... في جميع الأرض إلا بيع داري وقال عيسى بن القاشي في دار إسماعيل بن بلبل: أيا داراً تفيض بكل خير ... وفيها كل شهوات المريض ترقى في السماء ولا تملي ... فكم أبصرت مثلك في الحضيض وكوني كيف شئت، فأنت عندي ... وعند الناس من دور القبوض وقال آخر: إنا رأينا حجاباً منك أغرضنا ... فلا يكن ذلنا فيه لك الغرضا اسمع مقالي، ولا تغضب علي، فما ... أبغي بنصحك لا مالاً ولا عرضا في هذا الدار، في هذا المكان على ... هذا السرير رأيت العز فانقرضا وقال علي بن بسام في أبيه، وقد عمر له داراً: شدت داراً خلتها مكرمة ... سلط الله عليها الغرقا وأرانيك صريعاً وسطها ... وأرانيها صعيداً زلقا وقال أبو الهندي: ولو أن لي داراً يحل دخولها ... لمتعتكم بالعزف فيها وبالخمر ولكنني في دار سوء كأنها ... بقية ناووس على ساحل البحر أؤدي إلى من عجل الله موته ... لأدفنه فيها ثلاثين في الشهر وقال آخر: جمال الدار بالإطعا ... م، لا بالفرش والنقش وما للدار من فضل ... ولو شيدت إلى العرش وقال معاوية بنقرة المنقري: إذا خفت من أمر فواتاً فوله ... سواك وعن دار الأذى فتحول فما المرء إلا حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل وقال ابن سارة المغربي: مقام حر بدار هون ... عجز لعمري من المقيم ارحل فإن لم تجد كريماً ... فمن لئيم إلى لئيم قال بعضهم: اجتزت بباب دار، وإذا لها حش مفتوح، وفيه كساح، وهو يترنم: وإياك والسكنى بدار مذلة ... تعد مسيئاً فيه إن كنت محسنا ونفسك فأكرمها فإن ضاق مسكن ... عليك بها فاطلب لنفسك مسكنا قال: فاطلعت عليه، وقلت: وهل فوق ما أنت عليه منزلة للهوان؟ فقال: نعم مسألة سفلة الناس أهون مما أنا فيه، وأنا أغنى الناس، قال: فأفحمني وأعجبني. وقال آخر: إذا قل إنصاف الفتى لصديقه ... على غير معروف فلا لوم في الهجر وما الناس إلا منصف في مودة ... وإلا معين للصديق على الدهر وإن مقام الحر في دار ذلة ... ليصرف عنه الفقر شر من الفقر وقال ابن المعتز: إني غريب بدار لا كرام بها ... كغربة الشعرة السوداء في الشمط ما أطلق العين في شيء تسر به ... ولست أبدي الرضى إلا على سخط وقال بعض العرب في امرأته: سقى الله داراً فرق الله بيننا ... وبينك فيها وابلاً سبل القطر

15- فصل في ذكر البيت

ولا ذكر الرحمن يوماً وليلة ... ملكناك فيها لم تكن ليلة القدر وقال آخر: صبر الأديب على الهوان مذلة ... ما للأديب يرى بدار هوان أرضى الإله لخلقه مبسوطة ... والرزق مقسوم بكل مكان وقال آخر: لا أوطن الدار إيطان البعير إذا ... كانت حوادث فيها لا تواتيني أكلما أخطأت يوماً يدي قدمي ... هويت عندك في زوراء ترديني؟! وقال آخر: وليس اقتنائي سمرقند محلة ... ودار مقام لاختيار ولا رضى ولكن قلبي حل فيها فعاقني ... وأقعدني بالصغر عن فسحة الفضا وإني ممن يرقب الدهر راضياً ... بيوم سرور غير مغرى بما مضى وقال آخر: أحب الدار تسكنها سليمى ... وإن كانت تواريها الجدوب وما دهري بحب تراب أرض ... ولكن من يحل بها حبيب وقال عنترة بن شداد العبسي: هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم (ردمت الشيء، إذا أصلحته، يقول: ما ترك الشعراء من معنى إلا وقد سبقوا إليه: يا دار عبلة بالجواء تكلمي ... وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي ولقد حبست بها طويلاً ناقتي ... أشكو إلى سفع رواكد جثم حييت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم وقال جرير بن عطية: لمن رسم دار هم أن يتغيرا ... تراوحه الأرواح والقطر أعصرا وكنا عهدنا الدار والدار مرة ... هي الدار إذ حلت بها أم يعمرا ذكرت بها عهداً على الهجر والقلى ... ولابد للمحزون أن يتذكرا وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: أفي رسم دار دارس أنت واقف ... بقاع تعفيه الرياح العواصف وقفت بها، لا من أسائل ناطق ... ولا أنا إذ لم تنطق الدار صادف ولا أنا عمن يألف الدار ذاهل ... ولا التبل مردود ولا القلب عازف وقال حارثة بن بدر الغداني: سلم على الدار أقوت بعد آباد ... قفراً بطارف أعلى ذات إمهاد الدار لم يبق منها ريثما لقيت ... إلا مضارب أطناب وأوتاد كأنها بالفيافي يوم مطلعها ... من بطن ذات السنا أخلاق أبراد فما تبينتها حتى وقفت بها ... وطال بالطرف إفراعي وإصعادي فانهلت العين من عرفانها سكباً ... نضح السقاة لجم ماء أعداد فظلت كالشارب النشوان محتبساً ... يوماً طويلاً على عنس وأقتاد أراسل الطرف وهناً ثم أعطفه ... في متشتى ومصطاف ومرتاد إذ لا النوى بين أهلينا مفرقة ... ولا المكتم من أسرارنا باد وقال آخر: دار علا دور الملوك بهاؤها ... كعلو صاحبها على الأملاك فكأنها من حسنها وعلوها ... بنيت قواعدها على الأفلاك وقال رجل من عبس - من أهل الكوفة تحول إلى أخواله جعف -: لما نبت داري نبوت بها ... فتركتها ونزلت في جعف فحللت في عز وتكرمة ... بمحل بين العين والأنف هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "عمار جلدة ما بين عيني وأنفي" يعني عمار بن ياسر رحمه الله. 15- فصل في ذكر البيت قال الله تبارك وتعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً، وهدى للعالمين) . قال مجاهد - رحمه الله -: تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل، وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ولا اختلاف بين أهل السير أنه أول بيت وضع للناس، واختلفوا: هل كان أول بيت وضع بغيرها على قولين: أحدهما: أنه قد كان قبله بيوت كثيرة، وهو قول علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، والحسن رضي الله عنه. والثاني: أنه لم يوضع قبله بيت، وهو قول مجاهد وقتادة. وروى عن أبي ذكر - رضي الله عنه - أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي بيت وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي بيت؟ قال: بيت المقدس. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة. وقال الله تبارك وتعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) . أول من دله الله - عز وجل - على مكان البيت - بعد آدم - إبراهيم عليهما السلام، وهو أول من بناه مع إسماعيل عليه السلام، وأول من حجه، وغنما كانوا قبله يصلون نحوه، ولا يعرفون مكانه.

واختلفوا في سبب بنائه عند ابتداء الخلق على قولين: أحدهما: ما رواه محمد بن علي عن أبيه - رضوان الله عليهما - أن الله تعالى وضع تحت العرش بيتاً على أربع أساطين، وسماه الضراح، وهو البيت المعمور، وقال تعالى للملائكة - عليهم السلام - طوفوا به، ثم بعث ملائكته - عليهم السلام - فقال: ابنوا لي بيتاً في الأرض بمثاله وقدره، وأمر من في الأرض من خلقه أن يطوفوا به. والثاني: ما روي عن ابن عباس - رضوان الله عليهما - قال: لما أهبط - آدم عليه السلام - من الجنة إلى الأرض قال له تعالى: "يا آدم اذهب، فابن لي بيتاً، فطف به، واذكرني حوله، كما رأيت الملائكة يصنعون حول عرشي، فأقبل آدم - عليه السلام - يتخطى، فطويت له الأرض، وقبضت له المفاوز، فلم يقع قدمه على شيء إلا صار عمراناً، حتى انتهى إلى موضع البيت الحرام، وأن جبريل - عليه السلام - ضرب بجناحه الأرض، فأبرز عن أس ثابت على الأرض السابعة السفلى، وقذفت إليه الملائكة بالصخر، فما يطيق الصخرة ثلاثون رجلاً، وأنه بناه من خمسة أجبل: من لبنان، وطور زيتا، وطورسينا، والجودي، وحرى، فكان آدم عليه السلام أول من أسس البيت، وصلى فيه، وطاف به، ولم يزل كذلك حتى بعث الله تعالى الطوفان، فدرس موضع البيت، فبعث الله - عز وجل - إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فوضعا قواعد البيت وأعلامه، ثم بنته قريش بعد ذلك، وهو على حد البيت المعمور، لو سقط ما سقط إلا عليه. ثم روى علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه -: أن الله تعالى لما أمر إبراهيم عليه السلام بعمارة البيت، خرج من الشام ومعه ابنه إسماعيل، وأمه هاجر، وبعث معه السكينة لها لسان تتكلم به، يغدو إبراهيم معها إذا غدت، ويروح معها إذا راحت، حتى انتهت به إلى مكة، فقالت لإبراهيم: ابن على موضعي الأساس، فرفع البيت هو وإسماعيل عليهما السلام، حتى إلى موضع الركن، فقال لابنه: يا بني أبغني حجراً أجعله عليها علماً للناس، فجاء بحجر فلم يرضه، فقال: أبغني غيره، فذهب يلتمس، فجاءه وقد أتى بالركن، فوضعه موضعه، فقال: يا أبة من جاءك بهذا الحجر؟ قال: من لم يكلني إليك يا بني، فلما رفع إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام القواعد من البيت جاءت سحابة مربعة، فيها رأس، فنادت: أن ارفعا على تربيعي. قال القاضي المارودي - رحمه الله -: فهذا ما جاءت به الآثار في البيت قبل الطوفان وبعده. وقال ابن إسحاق - رحمه الله -: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة، اجتمعت قريش لبنيان الكعبة، وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها، ويهابون هدمها، وإنما كانت رضماً فوق القامة، فأرادوا رفعها وتسقيفها، وذلك أن نفراً سرقوا كنز الكعبة، وكان يكون في بئر في جوف الكعبة، وكان الذي وجد عنده الكنز "دويكاً" - مولى لبني مليح بن عمرو، من خزاعة - فقطعت قريش يده، وقيل: إن الذين سرقوه وضعوه عند دويك وكان البحر رمى سفينة إلى جدة لتاجر من الروم، فتحطمت، فأخذوا خشبها، فأعدوه لتسقيفها، وكان بمكة نجار قبطي، فتهيأ لهم بعض ما يصلحها, وكان حية تخرج من بئر الكعبة، فتتشرق على جدار الكعبة، فكانوا يهابونها، فبعث الله تعالى إليها طائراً، فاختطفها، فذهب بها، فقالت قريش: إنا [ل] نرجو أن يكون الله تعالى قد رضي ما أردنا، فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنائها قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم، فتناول من الكعبة حجراً، فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه، فقال: يا معشر قريش لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيباً، لا يدخل فيها مهر بغي، ولا بيع رباً، ولا مظلمة أحد من الناس. وقد نحل هذا الكلام إلى الوليد بن المغيرة، والأول أثبت، وأبو وهب خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شريفاً، وله يقول شاعر من العرب: [و] لو بأبي وهب أنخت مطيتي ... غدت من نداه رحلها غير خائب بأبيض من فرعي لوي بن غالب ... إذا حصلت أنسابها في الذوائب أبي لأخذ الضيم يرتاح للندى ... توسط جداه فروع الأطايب

و (أنا مورد سبب غسل إبراهيم - صلى الله عليه - رأسه، مختصرا ما أورده أصحاب السير

ثم إن قريشاً تجزأت الكعبة، فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة، وكان ما بين الركن الأسود، والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم، وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهم، ابني عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، وكان شق الحجر لبني عبد الدار بن قصي، ولبني أسد بن عبد العزى بن قصي، ولبني عدي بن لؤي، وهو الحطيم موضع الصنم. ثم إن الناس هابوا هدمها، وفرقوا منه، فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدو كم في هدمها، فأخذ المعول، ثم قام عليها وهو يقول: اللهم لم ترع، فإنا لا نريد إلا الخير، ثم هدم من ناحية الركنين، فتربص الناس تلك الليلة، وقالوا: ننظر، إن أصيب لم نهدم شيئاً، ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله بما صنعنا فهدمنا، فأصبح الوليد غادياً على عمله، وهدم وهدم الناس، حتى انتهى الهدم بهم إلى أساس إبراهيم عليه السلام، فأفضوا إلى حجارة خضر كالأسنة أخذ بعضها ببعض، [ ... ] . قال ابن إسحاق: ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها، كل قبيلة تجمع على حدة، ثم بنوها، حتى بلغ البنيان موضع الركن، فاختصموا فيه، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتى تحاوروا وتحالفوا، وأعدوا للقتال، فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً، وتعاقدوا هم وبنو عبد الله بن كعب بن لؤي على الموت، وغمسوا أيديهم في ذلك الدم، فسموا لعقة الدم، فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمساً، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد، فتشاوروا وتناصفوا، فروي أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم - وكان أسن قريش كلها عامئذ - قال: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد، يقضي بينكم فيه، ففعلوا، فكان أول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد، فلما انتهى إليهم، وأخبروه، قال صلى الله عليه وسلم: هلم إلي ثوباً، فأتى به، فأخذ الركن، فوضعه فيه بيده، ثم قال: "لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعاً" ففعلوا، حتى إذا بلغوا [به] موضعه وضعه هو بيده، وبنى عليه. قال أحمد بن يحيى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - حين وضع الحجر في الثوب -: ليأت من كل ربع من أرباع قريش رجل، فرفعوه، ثم وضعه صلى الله عليه وسلم في موضعه، فلما وضع الحجر احتاج إلى حجر يسنده به، فذهب رجل من أهل نجد ليأتيه [به] ، فقال: لا، وأمر العباس - رضوان الله عليه - فأتاه بحجر فأسنده، فغضب النجدي، وقال: عمدتم إلى أصغركم سناً، وأقلكم مالاً، فوليتموه هذه المكرمة! فكان يقال: إنه إبليس لعنه الله - فقال أبو طالب - في وضع الركن -: إن لنا أوله وآخره ... في الحكم، والحق الذي لن ننكره وقد عمرنا خيره وأكثره ... لما وضعنا إذ تماروا حجره وقال الله تبارك وتعالى: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً ... ) الآية، يعني بالمثابة أنهم يثابون على حجه، وقيل: مجمعاً، لاجتماع الناس عليه في الحج والعمرة، وقيل: مرجعاً، من قولهم: ثابت العلة، إذا رجعت. وقال الله تبارك وتعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) . في سبب مقامه على الحجر قولان: أحدهما: أنه لما ارتفع بنيان البيت، وضعف إبراهيم عليه السلام عن رفع الحجارة، قام على هذا الحجر، فهو مقام إبراهيم. والثاني: أنه حجر وضعته زوجة إسماعيل عليه السلام - تحت قدم إبراهيم - عليه السلام حين غسلت رأسه، فوضع قدمه عليه، فغابت قدمه فيه. و (أنا مورد سبب غسل إبراهيم - صلى الله عليه - رأسه، مختصراً ما أورده أصحاب السير في ذلك) .

لما ولدت هاجر إسماعيل - عليه السلام - أمر الله سبحانه إبراهيم - عليه السلام - أن يسكنهما مكة، فحملهما إليها، فلما أراد الرجوع قالت له هاجر: يا إبراهيم، من أمرك أن تضعني بأرض لا زرع فيها ولا ضرع، ولا أنيس ولا ماء ولا زاد؟ قال: ربي أمرني، قالت: فإنه لن يضيعنا، فلما مضى إبراهيم قال: "ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن" يعني من الحزن، فلما ظمئ إسماعيل جعل يدحض الأرض بعقبيه، فذهبت هاجر حتى علت الصفا، والوادي يومئذ عميق، فأشرفت، فلما تر شيئاً، فانحدرت في الوادي، فسعت فيه حتى خرجت منه، فأتت المروة، فصعدت واستشرفت، فلم تر شيئاً، ففعلت ذلك سبع مرات، ثم جاءت من المروة إلى إسماعيل، وهو يدحض الأرض بعقبه، وقد نبعت العين - وهي زمزم - فجعلت تفحص الأرض بيدها عن الماء، فكلما اجتمع ماء أخذته بقدحها، وأفرغته في سقائها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "رحمها الله، لو تركتها لكانت عيناً سائحة تجري إلى يوم القيامة" وكانت "جرهم" يومئذ بواد قريب من مكة، ولزمت الطير الوادي حين رأت الماء، فلما رأت "جرهم" الطير قد لزمت الوادي قالوا: ما لزمته إلا وفيه ماء، فجاءوا إلى "هاجر"، فقالوا: لو شئت لكنا معك وآنسناك، والماء ماؤك، قالت: نعم، فكانوا معها، حتى شب إسماعيل - عليه السلام - وماتت "هاجر"، فتزوج امرأة من "جرهم"، فاستأذن إبراهيم - عليه السلام - سارة أن يأتي "هاجر" فأذنت له، وشرطت عليه ألا ينزل، فقدم إبراهيم (عليه السلام) وقد ماتت هاجر، فذهب إلى بيت إسماعيل، فقال لامرأته: أين صاحبك؟ فقالت: ذهب يتصيد، فقال: هل عندك ضيافة؟ فقالت: ما عندي طعام ولا شراب. فقال إبراهيم - عليه السلام -: إذا رجع زوجك فأقرئيه السلام، وقولي له: فليغير عتبة باب داره، وذهب إبراهيم وجاء إسماعيل، فوجد ريح أبيه، فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ فقالت: جاءني شيخ [صفته] كذا وكذا، كالمستخفة بشأنه. قال: فما قال لك؟ قالت: قال لي: أقرئي زوجك السلام، وقولي له: فليغير عتبة بابه، فطلقها، وتزوج أخرى، فلبث إبراهيم - عليه السلام - ما شاء الله، ثم استأذن سارة في أن يأتي إسماعيل، فأذنت له، واشترطت عليه ألا ينزل، فجاء إبراهيم حتى انتهى إلى باب إسماعيل [عليهما السلام] ، فقال لامرأته: أين صاحبك؟ فقالت: ذهب يتصيد، وهو يجئ الآن إن شاء الله، فانزل - رحمك الله - فقال: هل عندك ضيافة؟ فقالت: نعم، فقال: هل عندك خبز، أو بر، أو شعير، أو تمر؟ فجاءت باللبن واللحم، فدعا لهما بالبركة، فلو جاءت يومئذ بخبز، أو بر، أو شعير، أو تمر، فكانت مكة أكثر أرض الله براً وشعيراً وتمراً، ثم قالت له - وقد رأته أشعث الرأس -: انزل - يرحمك الله - حتى أغسل رأسك، فلم ينزل، واعتذر، فجاءته بالمقام، فوضعته تحت شقه الأيمن، فوضع قدمه عليه، فبقي أثر قدمه عليه، ثم غسلت شق رأسه الأيمن، ثم حولت المقام إلى شق رأسه الأيسر فغسلته، كما فعلت بالجانب الأيمن، فقال لها: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام، وقولي له: قد استقامت عتبة بابك، فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه - عليهما السلام - فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ قالت: نعم، شيخ أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم ريحاً، قال لي: كذا، وقلت له: كذا، وغسلت رأسه، وهذا موضع قدمه، وقال لي: قولي لزوجك إذا جاء: قد استقامت عتبة بابك، فقال: ذاك أبي إبراهيم خليل الرحمن عز وجل. إنما أوردت هذا الخبر مختصراً؛ لئلا يقف على ذكر غسل إبراهيم - عليه السلام - رأسه من لا يكون عرف كيف كان ذلك، فيتطلع إلى معرفته. وقال تبارك وتعالى: (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي ... ) فيه خمسة أوجه: أحدهما: من الأصنام، والثاني: من الكفار، والثالث: من الأنجاس، والرابع: من الآفات والريب، والخامس: أنه لمن حجه وطاف به. فإن قيل: فلم يكن على عهد إبراهيم - عليه السلام، قبل بناء البيت - بيت مطهر؟ فعن هذا جوابان: أحدهما: أن ابنيا بيتي مطهراً. والثاني: أن طهرا مكان بيتي للطائفين. وقال تبارك وتعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله، ثم يدركه الموت، فقد وقع أجره على الله ... ) الآية. فيه وجهان: أحدهما: أنه من خرج للهجرة من مكة، فمات في طريقه قبل وصوله المدينة، فقد استحق ثواب عمله، وجزاء هجرته. والثاني: فيمن خرج غازياً، فمات قبل الوقعة، فله ثواب جهاده.

واختلف فيمن نزلت فيه هذه الآية، فقيل: إنها نزلت في أبي أمية ضمرة بن جندب الخزاعي خرج من مكة مهاجراً، فمات بالشعب. وقيل: نزلت في خالد بن حزام أخي حكيم بن حزام، خرج مهاجراً، فمات في الطريق. وقال ابن عباس - رضوان الله عليه - في رواية عطاء: كان عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - يخبر أهل مكة بما ينزل من القرآن، فكتب إليهم بقوله - عز وجل -: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا: فم كنتم، قالوا: كنا مستضعفين في الأرض، قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة، فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم، وساءت مصيراً) قال حبيب بن ضمرة الليثي - لما قرأها، وكان شيخاً كبيراً -: احملوني، فإني لست من المستضعفين، وإني لأهتدي إلى الطريق، فحملوه على سرير، متوجهاً إلى المدينة، فلما بلغ التنعيم أشرف على الموت، فصفق بيمينه على شماله، وقال: اللهم هذه لك، وهذه لرسولك، أبايعك على ما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات، فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لو كان وافى المدينة لكان أتم أجراً، فأنزل الله - عز وجل -: (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله، ثم يدركه الموت، فقد وقع أجره على الله ... ) الآية. وقال الله تبارك وتعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهركم تطهيراً) قال عطاء بن أبي رباح - رحمه الله -: حدثني من سمع أم سلمة - رضي الله عنها - تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها، فأتته فاطمة - عليها السلام - ببرمة فيها خزيرة، فدخلت عليه بها، فقال صلى الله عليه وسلم: ادعي لي زوجك وابنيك، قالت: فجاء علي، والحسن، والحسين - رضوان الله عليهم - فدخلوا عليه، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة، وهو على منامة له على دكان تحته كساء خيبري، قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل الله - عز وجل -: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهركم تطهيراً) فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فضل الكساء، فغشاهم به، ثم أخذ بيديه فألو بهما إلى السماء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي، فأذهب عنهم الرجس أهل البيت، وطهرهم تطهيراً، قالت: فأدخلت رأسي البيت، وقلت: وأنا معكم يا رسول الله، فقال: إنك إلى خير، إنك إلى خير) . وقال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، ولكن إذا دعيتم فادخلوا، فإذا طعمتم فانتشروا ... ) الآية. قال أكثر المفسرين: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، رضي الله عنها، أولم عليها بتمر وسويق، وذبح شاة، قال أنس بن مالك - رحمه الله - وبعثت إليه أمي أم سليم بحيس في تور من حجارة، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أدعو أصحابه - رضي الله عنهم - إلى الطعام، فجعل القوم يجيئون، فيأكلون، ويخرجون، فقلت: يا رسول الله قد دعوت حتى لا أجد أحداً أدعوه، قال: ارفعوا طعامكن، فرفعوا، وخرج القوم، وبقي ثلاثة نفر يتحدثون في البيت، فأطالوا المكث، وتأذى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحياء، فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية. وقوله - عز وجل، حكاية عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم -: (رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) . (ذريته: إسماعيل، وأمه هاجر. (بواد غير ذي زرع) يعني مكة، أسكنها بأبطحها، ولم يكن بها ساكن، ثقة بالله تعالى، وتوكلاً عليه. (عند بيتك المحرم) : أضاف البيت إليه سبحانه، لأنه لا يملكه غيره، والمحرم؛ لأنه يحرم فيه ما يحل في غيره من جماع واستبذال. وقوله - عز وجل -: (والبيت المعمور) فيه أربعة أوجه: أحدها: ما رواه قتادة عن أنس بن مالك - رحمه الله - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتي بي إلى السماء السابعة، فرفع لنا البيت المعمور، فإذا هو حيال الكعبة، لو خر خر عليهما، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، فإذا خرجوا منه لم يعودوا فيه". والثاني: أن البيت المعمور هو بيت في ست سموات ودون السابعة يدعى الضراح، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك من قبيلة إبليس، لا يعودون إليه أبداً، وهو بحذاء البيت العتيق.

والثالث: ما قاله الربيع بن أنس أنه كان في الأرض البيت المعمور، في موضع الكعبة، في زمان آدم - عليه السلام - حتى كان زمان نوح - عليه السلام - فأمرهم نوح أن يحجوه، فأبوا عليه؛ وعصوه، فلما طغى الماء رفع، فجعل بحذائه من سماء الدنيا، فيعبره كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يرجعون إليه، حتى ينفخ في الصور، قال: فبوأ الله تعالى لإبراهيم - عليه السلام - الكعبة البيت الحرام، حيث يقول سبحانه: (وإذا بوأنا لإبراهيم مكان البيت ... ) الآية. والرابع: ما قاله الحسن - رضي الله عنه - أن البيت المعمور هو البيت الحرام، والمعمور: قيل: إنه معمور بالقصد إليه، وقيل: بالمقام عليه. وقال تبارك وتعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه) قيل: هي المساجد، وقيل: إنها سائر البيوت. (أذن الله أن ترفع) أي تبنى، كقوله تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) أي يبني، وقيل: ترفع فيها الحوائج إلى الله عز وجل. وقال تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا، وتسلموا على أهلها ... ) الآية. روى عن عدي بن ثابت قال: جاءت امرأة من الأنصار، فقالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، فيأتي الأب، فيدخل علي، وإنه لا يزال يدخل رجل من أهلي، وأنا على تلك الحال فكيف أصنع؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال أبو بكر الصديق - رضوان الله عليه -: يا رسول الله أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام، ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة ... ) الآية. وفي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا، وتسلموا على أهلها) ثلاثة أوجه: قيل: حتى تستأذنوا. وقيل: حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح، فيعلموا بالدخول عليهم. وقيل: (حتى تستأنسوا) أي تعلموا هل فيها أحد تستأذنوه، فتسلموا عليه، ومنه قوله تعالى: (فإن آنستم منهم رشداً) ، أي علمتم. والإذن: يكون بالقول، والإشارة، عن أبي هريرة - رحمه الله - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رسول الرجل إذنه". فإن استأذن ثلاثاً، فلم يؤذن له ولى ولم يراجع، روى عن الحسن البصري عن الأشعري: أنه استأذن على عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - ثلاثاً، فلم يؤذن له، فرجع، فأرسل إليه عمر، فقال: ما ردك؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استأذن ثلاثاً، فلم يؤذن له، فليرجع" فقال عمر - رضوان الله عليه -: "لتجيئنني ببينة، وإلا جعلتك نكالاً" فأتى طلحة - رحمه الله - فشهد له. قال الحسن - رحمه الله: الأولى: إذن، والثانية: مؤامرة، والثالثة: عزمة إن شاءوا إذنوا، وإن شاؤوا ردوا، ولا يستأذن وهو مستقبل الباب إن كان الباب مفتوحاً، وإذا أذن لأول القوم، فقد أذن لآخرهم، ولا يقعد على الباب بعد الرد، فإن للناس حاجات. ثم قال تعالى: (وتسلموا على أهلها) والسلام ندب، والاستئذان حتم، وفي السلام قولان: [الأول] : أنه مسنون بعد الإذن على ما تضمنته الآية من تقديم الإذن عليه، ولأن السلام من تحيات اللقاء، واللقاء يكون بعد الإذن. والثاني: أنه مسنون قبل الإذن، وأنه وإن تأخر في التلاوة فهو مقدم في الحكم، وتقدير الكلام: حتى تسلموا، وتستأذنوا؛ لما روى محمد بن سيرين - رحمه الله - أن رجلاً استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأدخل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل عنده: "قم فعلمه كيف يستأذن، فإنه لم يحسن" فسمعها الرجل، فسلم واستأذن. وقد قيل: إن وقعت العين على العين قبل الاستئذان، فالأولى تقديم السلام على الاستئذان، وإن لم تقع العين على العين قبل الإذن، فالأولى تقديم الاستئذان على السلام. فأما الاستئذان على منازل الأهل: فإن كانوا غير ذوي محرم لزم الاستئذان عليهم، كالأجانب. وإن كانوا ذوي محارم، وكان المنزل مشتركاً، هو فيه، وهم ساكنون، لزمه قبل دخوله إنذارهم، إما بوطء أو بنحنحة مفهمة، إلا الزوجة، فلا يلزم ذلك في حقها؛ لارتفاع العورة بينهما. وإن لم يكن المنزل مشتركاً، ففي الاستئذان عليهم وجهان: أحدهما: النحنحة والحركة. والثاني: بالقول، كالأجانب.

وقد روى عطاء بن يسار - رحمه الله - أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أستأذن على أمي؟ قال: نعم، قال: فإني أخدمها، قال: استأذن عليها، فعاوده ثلاثاً، فقال صلى الله عليه وسلم: أتحب أن تراها عريانة؟ قال: لا، قال: فاستأذن عليها. (فإن لم تجدوا فيها أحداً) يعني يأذن لكم (فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) . ولا يجوز أن يتطلع إلى المنزل، ليرى من فيه فيستأذنه إذا كان الباب مغلقاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الاستئذان لأهل البصر" إلا أن يكون الباب مفتوحاً؛ فيجوز أن ينظر إذا كان خارجاً منه؛ لأن صاحبه بالفتح قد أباح النظر. (فإن قيل لكم: ارجعوا، فارجعوا، هو أزكى لكم) وهذا إن كان بعد الدخول عن إذن، لزم الانصراف وحرم اللبث، فإن كان قبل الدخول، فهو رد للإذن، ومنع من الدخول، ولا يلزمه إلا الانصراف عن موقفه. وقال تبارك وتعالى: (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة) قيل: الخانات المشتركة ذوات البيوت المسكونة، وقيل: حوانيت التجار، وقيل: منازل الأسفار، ومناخات الرحال التي يرتفقون بها مارة الطريق في أسفارهم، وقيل: الخرابات المعطلة، وقيل هي بيوت مكة (فيها متاع لكم) فلا يلزم الاستئذان في هذه المنازل. وقال تبارك وتعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) . قيل: كما أخرجك ربك من مكة إلى المدينة بالحق مع كراهة فريق من المؤمنين، كذلك ينجز وعدك بنصرك على أعدائك. وقيل: في قوله تعالى: (بالحق) قولان: أحدهما: أنك خرجت ومعك الحق، والثاني: أنه أخرجك بالحق الذي وجب عليك. وقال تبارك وتعالى: حكاية عن المشركين: ( [وقالوا] لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً [أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً. أو تسقط السماء - كما زعمت - علينا كسفاً، أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً] أو يكون لك بيت من زخرف) . قيل: الزخرف: المنقوش، وقيل: الذهب. قال مجاهد: لم أكن أدري ما الزخرف، حتى سمعنا في قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه - "بيت من زخرف" وأصله من الزخرفة، وهو تحسين الصورة، ومنه قول الله - عز وجل -: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت) . والذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول نفر من قريش، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: وهم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان، والأسود بن المطلب بن أسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، والعاص بن وائل، وأمية بن خلف، ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج. وقال تبارك وتعالى: (: لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) فيه قولان: (الأول) : لو تخلفتم لبرز الذين كتب عليهم القتل، ولم ينجهم قعودهم. والثاني: لو تخلفتم لخرج منكم المؤمنون، ولم يتخلفوا بتخلفكم، ويكون معنى قول الله عز وجل: (الذين كتب عليهم القتل) أي فرض عليهم القتال، فعبر عنه بالقتل، لأنه يئول إليه، إما بالظفر، أو بالشهادة. وقال الله تبارك وتعالى: (ويستأذن فريق منهم النبي، يقولون: إن بيوتنا عورة) . قال السدي: الذي استأذنه صلى الله عليه وسلم منهم رجلان من الأنصار: أبو عرابة بن أوس، وأوس بن قيظي، ورجع ثمانون رجلاً بغير إذن. (يقولون إن بيوتنا عورة) أي قاصية من المدينة، نخاف على عورة النساء والصبيان من السبي. وقيل: أي خالية، ليس فيها إلا العورة من النساء. وقيل: مكشوفة الحيطان يخاف عليها السرق والطلب، والعرب تقول: أعور منزلك، إذا ذهب ستره، أو سطق جداره، وكل ما كره انكشافه عندهم فهو عورة. (ولو دخلت عليهم من أقطارها) أي لو دخل على المنافقين من أقطار المدينة ونواحيها، (ثم سئلوا الفتنة لآتوها) قيل: سئلوا القتال في العصبية، لأسرعوا إليه. وقيل: لو سئلوا الشرك لأجابوا إليه مسرعين، (وما تلبثوا [بها] ) عن الإجابة إلى الفتنة (إلا يسيرا) وقيل: ما لبثوا في المدينة إلا قليلاً حتى يعذبوا. وقال الله تبارك وتعالى: (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) . قيل: بأيديهم، لنقض الموادعة، وأيدي المسلمين بالمقاتلة. وقيل: بأيديهم في تركها، وبأيدي المؤمنين بإجلائهم عنها.

وقيل: بأيديهم في خراب دواخلها وما فيها، لئلا يأخذه المسلمون، وأيدي المؤمنين في خراب ظواهرها، ليصلوا بذلك إليهم. وقيل: كانت منازلهم مزخرفة، فحسدوا المسلمين أن يسكنوها، فخربوها من داخل، وخربها المسلمون من خارج. وقيل: إنهم كانوا كلما هدم عليهم المسلمون من حصونهم شيئاً نقضوا من بيوتهم ما يعمرون به ما خرب من حصونهم. وقيل: تخريبهم لبيوتهم أنهم لما صولحوا على حمل ما أقلته إبلهم، جعلوا ينقضون ما أعجبهم من بيوتهم، حتى الأوتاد، ليحملوها على إبلهم. وقال الله تبارك وتعالى: (والله جعل لكم من بيوتكم سكناً) قال مجاهد: موضعاً تسكنون فيه (وجعل [لكم] من جلود الأنعام بيوتاً) وهي الخيام (تستخفونها يوم ظعنكم، ويوم إقامتكم) فذكر الله لهم النعمة عليهم فيما جعله لهم من بيوت الأوطان الثابتة، وبيوت الأسفار المنقلة، لتعمهم النعمة في إقامتهم وأسفارهم. وقال الله تبارك وتعالى: حكاية عن نوح عليه السلام - (رب اغفر لي، ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً) قيل: أراد أباه لمكاً، وأمه منخيل، وكانا مؤمنين، وقيل: أراد أباه وجده. (ولمن دخل بيتي مؤمناً) قيل: صديقي الداخل إلى منزلي، وقيل: من دخل مسجدي وقيل: من دخل في ديني. وقال الله تبارك وتعالى: (ليس [على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض حرج، ولا على أنفسكم] أن تأكلوا من بيوتكم، أو بيوت آبائكم، أو بيوت أمهاتكم، أو بيوت إخوانكم، أو بيوت أخواتكم، أو بيوت أعمامكم، أو بيوت عماتكم، أو بيوت أخوالكم، أو بيوت خالاتكم) . أباح سبحانه الأكل في بيوت هؤلاء لمكان النسب من غير استئذانهم في الأكل إذا كان الطعام مبذولاً، فإن كان محرزاً دونهم لم يكن لهم هتك حرزه، ولا يجوز أن يتجاوز الأكل إلى الادخار، [أو] إلى ما ليس بمأكول، وإن كان غير محرز عنهم إلا بإذن منهم. وقال الله تبارك وتعالى: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً) أي مساكن يسكنونها، وقيل: [في] قوله "مصر" إنها الإسكندرية، وقيل: بل هي مصر، وقيل: اتخذوا قصوراً، وقيل: مساجد (واجعلوا بيوتكم قبلة) ، قيل: مقابل بعضها بعضاً، وقيل: اجعلوا مساجدكم قبل الكعبة. وقال الله تبارك وتعالى: (وأوحى ربك إلى النخل أن اتخذي من الجبال بيوتاً، ومن الشجر ومما يعرشون) . في (أوحى) ثلاثة أقوال: أحدها: ألهمها. والآخر: سخرها. والثالث: أنه سبحانه جعل ذلك في غرائزها مما يخفى مثله على غيرها. (أن اتخذي من الجبال بيوتاً) ذكر الله تعالى بيوتها لما ألهمها وأودعه غرائزها من صحة القسمة، وحسن الصنعة. وقال الله تبارك وتعالى: (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء، كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) . يعني سبحانه آلهة من أصنام وأوثان عبدوها، (كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً) يعني أنهم عبدوا ما لا يغني عنهم شيئاً، كبيت العنكبوت لا يستر الأبصار، ولا يدفع الأيدي. وعن عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنه - ذكر آلهة المشركين فقال سبحانه: (وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه) وذكر كيد الآلهة، فجعله كبيت العنكبوت، فقالوا: - حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم: أي شيء يصنع بهذا؟ فأنزل الله - عز وجل -: (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها ... ) الآية. قال القاضي الماوردي - رحمه الله -: البعوضة من صغار البق، سميت بذلك لأنها كبعض البقة في صغرها. وقيل: نسجت العنكبوت مرتين: مرة على داوود عليه السلام، ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع عنكبوت عناكب، وتصغيره عنيكب.

وقد ذكر علي - رضوان الله عليه - العنكبوت في كلام له، روى أن رجلاً أتى علياً - رضوان الله عليه - فقال: يا أمير المؤمنين إنه قضيت علي قضية ذهب فيها مالي وأهلين فخرج إلى الرحبة، فاجتمع عليه الناس، فقال - رضوان الله عليه -: ذمتي بما أقول رهينة، وأنا به زعيم، إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات حجزه التقوى عن تقحم الشبهات، وإن أشقى الناس رجل قمش علماً في أوباش الناس بغير علم ولا دليل، فاستكثر مما قل منه خير، فأكثر، حتى إذا ارتوى من آجن آسن غير طائل جلس للناس مفتياً؛ ليخلص ما التبس على غيره، فهو في قطع من الشبهات، في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، خباط عشوات، ركاب جهالات، لم يعض على العلم بضرس قاطع فيغنم، ولم يسكت فيسلم، تصرخ منه الدماء، وتبكي منه المواريث، وتستحل بقضائه الفرج الحرام، أولئك الذين حلت عليهم النياحة في أيام حياتهم. -أوجب إيراد هذا الحديث ما فيه من ذكر العنكبوت) . عن أنس بن مالك - رحمه الله - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من بيت إلا وملك الموت يقف على بابه في كل يوم خمس مرات، فإذا وجد إنساناً قد نفذ أجله، وانقطع عمله، ألقى عليه غم الموت، فغشيته كرباته، وغمرته غمراته، وجهرت الباكية بشجوها، والصارخة بويلها، فيقول ملك الموت - عليه السلام -: ويلكم، وفيم الفزع؟ وفيم الجزع؟ ما أذهبت لواحد منكم رزقاً، ولا قربت له أجلاً، ولا أتيته حتى أمرت، ولا قبضت روحه حتى استأمرت، وغن لي فيكم عودة، ثم عودة، ثم عودة، حتى لا أبقى منكم أحداً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فوالذي نفسي بيده، لو يرون مكانه، أو يسمعون كلامه، لذهلوا عن ميتهم، ولبكوا على أنفسهم، حتى إذا حمل الميت على نعشه، رفرفت الروح فوق النعش، فهو ينادي: يا أهلي، ويا ولدي. لا تلعبن بكم الدنيا، كما لعبت بي، جمعت المال من حله ومن غير حله، ثم خلفته لغيري، فالهناءة له، والتبعة علي، فاحذروا ما حل بي. عن أبي موسى الأشعري - رحمه الله - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل بيت يذكر الله تعلى فيه، وبيت لا يذكر الله فيه، مثل الحي والميت". وقال صلى الله عليه وسلم: "نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن يفر منها الشيطان". وقال صلى الله عليه وسلم: "نزول الضيف في البيت بركة". وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الخيانة بيتاً إلا خرب". وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل السرقة بيتاً إلا أورثتهم الذل". وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يخرج من بيته يطلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضى بما يصنع". وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يخرج من بيته مجاهداً في سبيل الله تعالى إلا لم تزل الملائكة تستغفر له حتى يرجع". وقال الوزير الكامل أبو القاسم بن المغربي، وقد حج: أستار بيتك أمن الخوف منك وقد ... علقتها مستجيراً منك يا باري وما أظنك لما أن علقت بها ... خوفاً من النار تدنيني من النار وها أنا جار بيت أنت قلت لنا: حجوا إليه، وقد أوصيت بالجار قرئ على حائط قصر بأعلى الحجاز، قد خرب، وباد أهله: بالله ربك كم بيت مررت به ... قد كان يعمر باللذات والطرب طارت عقاب المنايا في سقائفه ... فصار من بعدهم للويل والحرب (هذان البيتان لإبراهيم بن المهدي) . وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري: كل بيت للهدم، ما تبتنى الور ... قاء، والسيد الرفيع العماد واللبيب اللبيب من ليس يغت ... ر بكون مصيره لفساد وقال أبو العتاهية: عش ما بدا لك قصرك الموت ... لا معقل منه ولا فوت بينا غنى بيت وساكنه ... زال الغنى، وتقوض البيت وقال آخر أظنه أبا العتاهية: قد آن أن يسمعك الصوت ... أنائم قلبك أم ميت؟! يا باني البيت على غرة ... أمامك المنزل والبيت وإنما الدنيا على طولها ... ثنية مطلعها الموت وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان من قصيدة يرثي بها والده: هنيئاً لك البيت الجديد موسدا ... يمينك فيه بالسعادة واليمن مجاور سكن من ديار بعيدة ... من الحي سقياً للديار وللسكن

أمر بربع كنت فيه كأنما ... أمر من الإجلال بالحجر والركن وإجلال مغناك اجتهاد مقصر ... إذا النصل أودى فالعفاء على الجفن وقال آخر: أسعداني بعبرة أسراب ... من دموع كثيرة التسكاب إن أهل الحصاب قد تركوني ... موزعاً مولعاً بأهل الحصاب أهل بيت تتابعوا للمنايا ... ما على الدهر بعدهم من عتاب فارقوني، وقد علمت يقيناً ... ما لمن ذاق ميتة من إياب كم بذاك الحجون من [حي صدق] ... وكهولٍ أعفة وشباب فلى الويل بعدهم وعليهم ... صرت فرداً، وملني أصحابي عن حماد الراوية قال: حدثنا ابن أخت لنا من مراد قال: وليت صدقات قوم من العرب، فبينا أنا أقسمها في أهلها، إذ قال لي رجل منهم: ألا أريك عجباً؟ قلت: بلى، فأدخلني في شعب من جبل، فإذا أنا بسهم من سهام عاد بن قنا قد نشب في ذروة من الجبل مكتوب عليه: ألا هل إلى أبيات شمخ إلى اللوى ... لوى الرمل يوماً للنفوس معاد؟! بلاد بها كنا، وكنا من أهلها ... إذ الناس ناس، والبلاد بلاد ثم أخرجني إلى ساحل البحر، فإذا أنا بحجر يعلوه الماء طوراً، يظهر طوراً، عليه مكتوب: يا ابن آدم، يا عبد ربه، اتق الله، ولا تعجل في أمرك؛ فإنك لن تسبق رزقك، ولا ترزق ما ليس لك. ومن البصرة إلى دبيل ستمائة فرسخن فمن لم يصدق، فليمش على الطريق على الساحل حتى يتحققه، فمن لم يقدر على ذلك فلينطح برأسه هذا الحجر" وقال أبو بكر محمد بن عيسى الداني - من شعراء الأندلس - يندب المعتمد على الله أبا القاسم محمد بن المعتضد بالله أبي عمرو عباد بن محمد بن عباد، حين تغلب على بلاده يوسف بن تاشفين المثلم، وانتزعه من ملكه، وكان أدبياً جواداً محسناً إلى أهل الأدب: يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ ... في ضم رحلك واجمع فضلة الزاد ويا مؤمل واديهم ليسكنه ... خف القطين، وجف الزرع بالوادي ضللت سبل الندى يا ابن السبيل فسر ... بغير قصد، فما يهديك من هاد إن يخلعوا فبنو العباس قد خلعوا ... وقد خلت قبل حمص أرض بغداد سارت سفائنهم والنوح يتبعها ... كأنها إبل يحدو بها حاد وأول هذا الشعر: تبكي السماء بدمع رائح غاد ... على البهاليل من أبناء عباد عريسة دخلتها الحادثات على ... أساود منهم فيها وآساد وكعبة كانت الآمال تعمرها ... فاليوم لا عاكف فيها ولا باد كم من درارى سعود قد هوت وزهت ... منهم، ومن درر للمجد أفراد (وبعده الشعر المقدم) . وقال الشمردل بن شريك المنقري يرثي أخاه وائلاً: لعمرك إن الموت منا لمولع ... بمن كان يرجى نفعه وفواضله وما البعد إلا أننا بعد صحة ... كأن لم نبايت وائلاً ونقايله فأصبح بيت الهجر قد حال دونه ... وغال أمرأً ما كان تخشى غوائله سقى الصفرات الغيث ما دام ثاوياً ... بهن، وجادت أهل شول مخايله وما بي حب الأرض إلا جوارها ... صداه، وقول ظن أني قائله عن عمير الرماح قال: رأيت مهنأة بنت الذيال اليشكرية، وقد أفسدت الدموع خديها، لكثرة بكائها، فقلت لها: إلى كم هذه العبرة، وشرق الحسرة؟ قالت: إلى أن يضمني ما ضم مسعود، تعني القبر، ومسعود بن عبد الله بن عوف زوجها، قتله بنو جعفر من كلاب يوم الحاصة، فقالت لناعيه: هل قال شيئاً، وهو يجود بنفسه؟ قال: نعم قال: أترى التي خلفتها في بيتها ... وضممت ساعدها إلى نحري ثبتت على العهد الذي عاهدتها ... أم أخلفته وأغفلت أمري فصاحت وقالت: يا مسعود إن أغفلته فأغفلني الله من رحمته. وقال آخر: لله أبيات إذا أوطنتها ... غنى الفقير بها، وعز الجاني قوم إذا نزل الغريب بدارهم ... منحوه سلوته عن الأوطان عن ابن جريح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى ليحب البيت الخصيب" يعني الكثير الخير.

فصل آخر في ذكر البيت

حضرت جليلة بنت مرة بن ذهل بن شيبان أخت جساس بن مرة - قاتل كليب، وهي امرأة كليب بن ربيعة - مأتم زوجها كليب، فأخرجتها أخته، وقالت لها: اخرجي يا هذه عن مأتمنا، فأنت أخت واترنا، وشقيقته، فلما خرجت لقيها أبوها مرة، فقال: ما وراءك يا جليلة؟ قالت: ثكل الأبد، وقلة العدد، وفقد حليل، وقتل أخ عن قليل، وبين ذين غرس الأحقاد، وتفتت الأكباد. فقال لها: أويكف ذلك كرم الصفح، وإغلاء الديات؟ فقالت: أمنية مخدوع ورب الكعبة، أبالبدن تدع لك تغلب دم ربها؟! ثم قالت جليلة في ذلك: يا ابنة الأقوام إن شئت فلا ... تعجلي باللوم حتى تسألي فإذا أنت تبينت الذي ... يوجب اللوم فلومي واعذلي إن تكن أخت امرئ ليمت على ... شفق منها عليه فافعلي جل عندي فعل جساس فيا ... حسرتا عما انجلت أو تنجلي يا قتيلاً قوض الدهر به ... سقف بيتي جميعاً من عل هدم البيت الذي استحدثته ... وانثنى في هدم بيتي الأول خصني يوم كليب بلظى ... من ورائي، ولظى مستقبلي ليس من يبكي ليوميه كمن ... إنما يبكي ليوم قد خلى يشتفي المدرك بالثأر وفي ... دركي ثأري ثكل مثكلي إنني قاتلة مقتولة ... فلعل الله أن يرتاح لي عن إسماعيل بن محمد بن أبي محمد، قال: قلت لأبي العتاهية: يا أبا إسحاق. كل شعرك حسن عجيب، وقد مرت بي منذ أيام لك أبيات استحسنتها جداً، وقال: إنها معادة من أنصاف أوائلها على أواخرها، كأنها رسالة، لو كتبها إنسان إلى صديق له كان حسناً. فدع ما يكون من شعر، فقال: وما هي؟ فأنشدته: المرء في مآخير مدته ... كالثوب يخلق بعد جدته وحياته نفس يعد له ... ووفاته استكمال عدته ومصيره من بعد أنسته ... بالناس، ظلمة بيت وحدته من مات مال ذوو مودته ... عنه، وحالوا عن مودته عجباً لمحتجب يضيع ما ... يحتاج فيه ليوم رقدته أزف الرحيل ونحن في لعب ... لا نستعد له بعدته ولقلما تبقي الخطوب على ... أشر الشباب وحر وقدته عن هشام بن عروة قال: قال ابن عمر بن الخطاب لعمر رضي الله عنهما: اخطب على ابنة نعيم النحام - رحمه الله - فقال: ليس بفاعل؛ إن له ابن أخ يتيم في حجره، وإنه لن يعدوه بها، فقال ابن عمر لأبيه: إيذن لي في ذلك، فأنا أكلمه، قال: فخرج حتى كلمه، فقال: يا ابن أخي والله لأبوك خير من أبيها، وأنت خير منها، ولكن لي ابن أخ يتيم في حجري قد زوجته إياها، وأصدقتها عنه من مالي عشرة آلاف درهم، ولست بالذي أنفض لحوم الناس وأترك لحمي ترباً، ثم تمثل بشعر قاله خالد بن واثلة الليثي: ولست ببان لامرئ سمك بيته ... وأترك بيتي خالياً بخمالي جعلت بناتي في موالي قصرة ... وما راعني ذو سورة وجمال رأيت الألى يأتون للنصر دعوتي ... موالي والأقصين غير موال فصل آخر في ذكر البيت مما ينسب إلى المجنون قيس بن الملوح: ألا أيها البيت الذي لا أزوره ... وهجرانه منى إليه ذنوب هجرتك إشفاقاً، وزرتك خائفاً ... وفيك على الدهر منك رقيب أرى أهلك الأدنين صاروا لنا عدى ... وأنت لنا سلم وفيك حبيب سأستعتب الأيام فيك لعلها ... بيوم سرور في الزمان تئوب فكم من بعيد الدار ساعفه الهوى ... ومنقطع الأسباب وهو قريب! ومما ينسب إليه أيضاً: لعمرك إن البيت بالظاهر الذي ... مررت فلم ألمم به لي شائق وإن مروري لا أكلم أهله ... أشد من الموت الذي أنا ذائق وبالجرع من أعلى الجنينة منزل ... فسيح شحا صدري به متضايق وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا ... سوى أن يقولوا: إنني لك عاشق أجل صدق الواشون أنت حبيبة ... إلي، وإن لم تصف منك الخلائق كأن على أنيابها الخمر شابها ... بماء الندى من آخر الليل غابق وما ذقته إلا بعيني تفرساً ... كما شيم من أعلى السحابة بارق وقال آخر: ألا أيها البيتان بالأجرع الذي ... بأسفل مفضاه غضى وكثيب هجرتكما هجر البغيض، وفيكما ... من الناس إنسان إلى حبيب وقال آخر:

قال: فلما كان من قابل حج أبو بكر بن عبد العزيز بن مروان، فقدم المدينة، فدخل عليه

وإني على هجران بيتك كالذي ... رأى نهلاً رياً وليس بناهل رأى برد ماء ذيد عنه وروضة ... برود الضحى فينانة بالأصائل وقال قيس بن ذريح: أرى بيت لبنى أصبح اليوم يهجر ... وهجران لبنى يا لك الخير منكر فإن تكن الدنيا بلبنى تقلبت ... فللدهر والدنيا بطون وأظهر أتبكي على لبنى وأنت تركتها ... وأنت عليها بالملا كنت تقدر وقال كثير: ما بال ذا البيت الذي كنت آلفاً ... أنارك فيه بعد إلفك نائر؟ تزور بيوتاً حوله ما تحبها ... وتهجره؟! سقيا لمن أنت هاجر قال بعضهم: خرجت [أنا] والأحوص بن محمد الأنصاري مع عبد الله بن الحسن إلى الحج، فقلنا لعبد الله: لو أرسلت إلى سليمان بن أبي دباكل، فأنشدنا من شعره؟ فأرسل إليه، فأتانا، فاستنشدناه، فأنشدنا قصيدته التي أولها: يا بيت خنساء الذي أتجنب ... ذهب الشباب وحبها لا يذهب أصبحت أمنحك الصدود وإنني ... قسماً إليك مع الصدود لأجنب مالي أحن إذا جمالك قربت ... وأصد عنك وأنت مني أقرب؟! وأرى البعيد يحبكم فأحبه ... إن كان ينسب منك أو يتنسب لله درك؟ هل لديك معول ... لمتيم، أم هل لودك مطلب تبكي الحمامة شجوها فتهيجني ... ويروح عازب همي المتأوب وتهب جارية الرياح من أرضكم ... فأرى البلاد لها تطل وتخصب وأرى السمية باسمكم فيزيدني ... شوقاً إليك سميك المتنسب وأخالق الواشين منك تجملاً ... وهم على ذوو ضغائن درب ثم اتخذتهم على وليجة حتى غضبت، ومثل ذلك يغضب قال: فلما كان من قابل حج أبو بكر بن عبد العزيز بن مروان، فقدم المدينة، فدخل عليه الأحوص، فاستصحبه، أي طلب منه أن يصحبه إلى دمشق، فوعده أبو بكر بذلك، فلما خرج الأحوص قال له بعض جلسائه: تقدم بالأحوص الشام، وفيه من يناسبك من بني أبيك، وهو من السفه على ما قد علمت؟، فلما أراد أبو بكر الرجوع من الحج، دخل عليه الأحوص مستنجزاً لما وعده من الصحابة، فدعا له بمائة دينار، وأثواب، وقال: يا خال إني نظرت فيما سألتني فكرهت أن أهجم بك على أمير المؤمنين من غير إذن، فيحجبك، فيشمت بي عدوي من أهل بيتي، ولكن خذ هذه الدنانير والثياب، وأنا استأذن لك أمير المؤمنين، فإذا أذن لك كتبت إليكفقدمت، قال: لا، ولكني قد سبعت عندك، ولا حاجة لي بعطيتك، ثم خرج من عنده، وبلغ ذلك أخاه عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - وهو يومئذ أمير المدينة فأرسل إلى الأحوص، فأتاه، فلما دخل عليه أعطاه مائة دينار، وكساه ثياباً فأخذ ذلك منه، ثم قال له: يا خال هب لي عرض أخي أبي بكر، قال: هو لك، ثم خرج الأحوص، فقال في عراض قصيدة سليمان بن أبي دباكل قصيدة مدح بها عمر بن عبد العزيز، أولها: يا بيت عائكة التي أتعزل ... حذر العدى، وبه الفؤاد موكل إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسماً إيك مع الصدود لأميل هل عيشنا بك في زمانك راجع ... فلقد تفاحش بعدك المتعلل وتجنبي بيت الحبيب أوده ... أرضى البغيض به حديث معضل ولئن صددت لأنت ... لولا رقبتي أهوى من اللائي أزور وأدخل أين الشباب وعيشنا اللذ الذي ... كنا به زمناً نسر ونجذل ذهبت بشاشته وأصبح ذكره ... حزناً يعل به الفؤاد وينهل إلا تذكر ما مضى وصبابة ... منيت لقلب متيم لا يذهل أودي الشباب وأخلفت أيامه ... وأنا الحزين على الشباب المعول والقصيدة طويلة، ثم خرج فيها إلى مدح عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - وشكره، ثم ختمها بقوله: وأراك تفعل ما تقول، وبعضهم ... مذق اللسان يقول ما لا يفعل وأرى المدينة حين صرت أميرها ... أمن البريء بها، ونام الأعزل فلما أنشدها قال عمر - رضي الله عنه -: ما أراك أعفيتني مما استعفيك منه؛ ذلك أنه مدح عمر، وعرض بأخيه أبي بكر. وقال الأحوص، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح: أدور، ولولا أن أرى أم جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور وما كنت زواراً، ولكن ذا الهوى ... إذا لم يزر لا بد أن سيزور

أزور على أن ليس ينفك ... كلما أتيت عدو بالبنان يشير فقد أنكرت بعد اعتراف زيارتي ... وقد وغرت فيها على صدور وقال أيضاً: وإني لآتي البيت ما إن أحبه ... وأكثر هجر البيت وهو حبيب وأغضى على أشياء منك تسوءني ... وأدعي إلى ما سركم فأجيب وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: ولهن بالبيت العتيق لبانة ... والركن يعرفهن لو يتكلم لو كان حياً قبلهن ظعائناً ... حياً الحطيم وجوههن وزمزم لبثوا ثلاث مني بأنعم عيشة ... وهم على سفر لعمرك ما هم متجاورين بغير دار إقامة ... ول قد أجد رحيلهم لم يندموا وكأنهن وقد حسرن لواغباً ... بيض بأكناف الحطيم مركم وقال يزيد بن الطثرية: ألا أيها البيت الذي أنا هاجره ... وإني بتلماح من الطرف ناظره لهنك من بيت إلى لمونق ... وآنق في عيني من البيت عامره أصد حياء أن يلج بي الهوى ... وأنت المنى لولا عدو أحاذره وفيك حبيب النفس لو نستطيعه ... لمات الهوى والشوق حين نجاوره فإن يكن الأعداء أحموا كلامه ... علينا، فلما تحم عنا مناظره أتهجر بيتاً بالحجاز تلعبت ... به الحرب، والأعداء، أم أنت زائره فإن آته لا أنج إلا بظنةٍ ... وإن يأته غيري تنط بي جرائره ومستخبر عنها؛ ليعلم ما الذي ... لها في فؤادي، ود أني أحاوره تركت على عمياء ظن ولم أكن ... إذا ما وشى واش بليلي أناظره وقال آخر: أمر مجنباً عن بيت ليلى ... ولم ألمم به وبي الغليل أمر مجنباً وهواي فيه ... وطرفي عنه منكسر كليل وقلبي فيه مرتهن فهل لي ... إلى قلبي ومالكه سبيل؟! فآمل أن أعل بشرب ليلى ولم أنهل فكيف لي العلول؟ وقال آخر: وإني وإن لم آت أبيات بحدل ... إلى أم يحيى من مدى العين ناظر بنفسي مجرى الطوق منها وحبذا ... إلينا غشاشاً طرفها المتشازر وقال أبو ذؤيب الهذلي، واسمه خويلد بن [خالد بن] محرث: لعمري لأنت البيت أكرم أهله ... وأقعد في أفيائه بالأصائل وإن حديثاً منك لو تبدلينه ... جنى النحل في ألبان عوذ مطافل فتلك التي لا يذهب الدهر حبها ... ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل ولو أن ما عند ابن بجرة عندها ... من الخمر لم تبلل لهاتي بناطل وقال آخر: ألا يا بيت بالعلياء بيت ... ولولا حب أهلك ما أتيت ألا يا بيت أهلك أوعدوني ... كأني كل ذنبهم جنيت وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري: أيا جارة البيت الممنع جاره ... رحلت ومن لي عندكم بمقيل نسيت مكان العقد من دهش النوى ... وعلقته في وجنة ومسيل وأرسلت طيفاً خان لما بعثته ... فلا تثقي من بعده برسول أسرت أخانا بالخداع وإنه ... يعد إذا اشتد الوغى بقبيل فإن تطلقيه ترتجى شكر قومه ... وإن تقتليه تؤخذي بقتيل وإن عاش لاقى ذلة، واختياره ... وفاة عزيز، لا حياة ذليل وقال أبو نواس: أجارة بيتينا أبوك غيور ... وميسور ما يرجى لديك عسير فإن كنت لا خلماً ولا أنت زوجة ... فلا برحت دوني عليك ستور وجاورت قوماً لا تجاور بينهم ... ولا وصل إلا أن يكون نشور يقول فيها: تقول التي من بيتها خف مركبي ... عزيز علينا أن نراك تسير أما دون مصر للغنى متطلب؟! ... بلى إن أسباب الغنى لكثير فقلت لها ... واستعجلتها بوادر جرت فجرى في جريهن عبير : ذريني أكثر حاسديك برحلة ... إلى بلد فيه الخصيب أمير إذا لم تزر أرض الخصيب ركابنا ... فأي فتى بعد الخصيب تزور؟! فتى يشترى حسن الثناء بماله ... ويعلم أن الدائرات تدور

روى الفرزدق قال: أبق غلامان لرجل منا، فخرج في طلبهما، فلما صار في ماء لبني حنيفة ارتفعت له حلة، قال: فعدلت إلى بعض ديارهم، وسألت القرى، فأجابوا، فدخلت الدار، وأنخت الناقة، وجلست تحت ظلة لهم من جريد النخل، وفي الدار جارية سوداء، إذ دخلت جارية، كأنها سبيكة فضة، فقالت للسوداء: لمن هذه الناقة؟ قالت: لضيفكم، فعدلت إلي، فسلمت، فرددت السلام، وقالت: من الرجل؟ قلت: رجل من بني حنظلة، قالت: من أيهم؟ قلت: من بني نهشل، فتبسمت، ثم قالت: أنت إذن ممن عناه الفرزدق بقوله: إن الذي رفع السماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعز وأطول بيتاً زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع، وأبو الفوارس نهشل فضحكت، فقالت: فإن ابن المراغة قد نقض عليكم بيتكم هذا حيث يقول: أخزى الذي رفع السماء مجاشعاً ... وبنى بناءك بالحضيض الأسفل بيتاً يتمم قينكم بفنائه ... دنس مقاعده خبيث المأكل قال: فوجمت، فلما رأت ذلك في وجهي قالت: لا عليك، فإن الناس يقولون ويقال لهم، ثم قالت: أين تؤم؟ قلت: اليمامة فتنفست الصعداء، ثم قالت: تذكرني بلاداً خير أهلي ... بها أهل المروءة والكرامة ألا فسقى الإله أجش صوب ... يسح بدره بلد اليمامة وحيا بالسلام أبا نجيد ... وقل له التحية والسلامة قال: فأنست بها، وقلت: أخالية أم ذات بعل؟ فقالت: إذا رقد النيام فإن عمراً ... تؤرقه الهموم إلى الصباح تقطع قلبه الذكرى وقلبي ... فلا هو بالخلي ولا بصاح سقى الله اليمامة دار قوم ... بها عمرو يحن إلى الرواح فقلت لها: ومن عمرو؟ فأنشأت تقول: سألت، ولو علمت بحال عمرو ... ومن لك بالجواب سوى الخبير؟! فإن تك ما علمت، فإن عمراً ... لكالقمر المضيء المستنير وما لي بالتبعل مستراح ... ولو رد التبعل لي أسيري ثم سكتت سكتة، كأنها تسمع إلى كلام، ثم تهافتت، وقالت: تخيل لي هيا عمرو بن كعب ... كأنك قد حملت على السرير فإن تك هكذا يا عمرو إني ... مبكرة عليك إلى القبور ثم شهقت شهقة فخرت ميتة، فقلت: من هذه؟ قالوا: هذه عقيلة بنت الضحاك بن عمرو بن محرق بن النعمان بن المنذر بن ماء السماء: فقلت لهم: ومن عمرو هذا؟ قالوا: ابن عمها، عمرو بن كعب [بن عمرو] بن محرق، قال: فارتحلت من عندهم، فلما دخلت اليمامة، سألت عن عمرو، فإذا هو قد دفن في ذلك الوقت الذي قالت فيه ما قالت. قال مهيار: استودع الله في أبياتكم قمراً ... تراه بالشوق عيني، وهو محجوب أرضاه أسخط أو أرضى تلونه ... وكل ما يفعل المحبوب محبوب وقال البحتري: مقام الفتى في الحي حياً مسلماً ... معافى مقام ذلة بالفتى يزري متى ما تنم في ظل بيتك عاجزاً ... تصبك خطوب الدهر بالناب والظفر وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري: لزمت بيتاً بناه الجد من مدر ... كأنه بيت شعر ليس يتزن إذا شتوت فمن توكافه عنتي ... وبالحرور إذا ما صفت يقترن عدم فحسبي، وعين غير مبصرة ... وشقوة وحليف الشقوة اليفن لولا القناعة جاءتني بمملكة ... لهتكت دوني الأستار والجنن وقال آخر: وليلة واكف لا نوم فيها ... سهرت بها إلى الصبح الفتيق ترق قلوب جيرتنا علينا ... إذا نظروا إلى الغيم الرقيق حماني النوم فيه سقف بيت ... كأن سماءه عين المشوق تواصلت السحائب وهو بيت ... وصدت وهو قارعة الطريق وقال آخر: وبيت تساوى والغمام وإنه ... لآغزر منها دمعة حين تذرف إذا السحب عنه أقلعت فلو كفه ... سحاب هتون ماؤها ليس ينزف فثؤبي من توكاف أسود سقفه ... وتربته الحمراء برد مفوف فدعه، ونم تحت السحاب فإنه ... سحاب ولكن صيب الجو أنظف وقال آخر: بيتي ستور العنكبوت ستوره ... ومطارح الغبراء فيه مطارحي وإذا أصابته السماء بطلها ... فسماؤه تهمي بوكف سافح وكأنني من ضيقه وظلامه ... ميت دفين في ثرى وصفائح وقال آخر: العنكبوت بنت بيتاً على وهو ... تأوى إليه ومالي مثلها وطن

والخنفساء لها من حشها سكن ... وليس لي مثلها إلف ولا سكن وقال آخر: إذا نحن جئنا للسلام ورفعت ... ستورك، فانظر ما به أنا خارج فسيان بيت العنكبوت وجوسق ... على الشط ما لم تقض فيه الحوائج وقال أبو القاسم أسعد بن إبراهيم، وتروى لابن الشقاق: رأيت ليوسف في بيته ... فخربه الله بين البيوت حصير صلاة علاه الغبا ... ر، وقد نسجت فوقه العنكبوت فقلت له: كم لهذا الحص ... ير، وكم لك لم تقر فيه القنوت؟ فقال: هنالك ألفيته ... وثم يدوم إلى أن أموت وقال آخر: لما رأيت الزمان نكساً ... وليس في أهله انتفاع لزمت بيتي وصنت نفساً ... لها عن الذلة امتناع أشرب مما اقتنيت راحاً ... لها على راحتي شعاع لي من قواريرها ندامى ... ومن قواقيزها سماع وأجتني من ثمار قوم ... قد أوحشت منهم الرباع قال الأحنف بن قيس: جزية المسلم كرى بيته، وذلك رقبته، وعذاب الرجل سوء خلق امرأته. وقال آخر: وبيت خلا من كل خير علمته ... وضاق علينا وهو رحب المساكن كأنا مع الجدران في جنباته ... دمى، في انقطاع الرزق لا في المحاسن وقال ابن المرعزي النصراني: نزلت في آل مكحول، وضيفهم ... كنازل بين سمع الأرض والبصر لا تستضيء بضوء في بيوتهم ... إن لم يكن لك تطفيل على القمر وقال آخر: يريد إهال النحض، والنحض معوز ... وليس لنا ناب يكب ولا بكر ولا ضأن يغنينا، ولا ماعز لنا ... ويقبح أن يشكى إلى جارنا الفقر ونحن أناس منفضون بمعزل ... عن الخير، لا بر لدينا، ولا تمر ولو كان في الأرض العريضة نابت ... رعينا، ولكن لا نبات ولا قطر فدنونك هذا البيت فاستتري به ... وأستر منه إن رضيت به القبر روى أن رجلاً تعاهد هو وامرأته: أيهما مات لا يتزوج الآخر بعده، فمات الرجل، فلما أوفت الامرأة العدة، خطبت، فامتنعت، فما زلن بها النساء يسهلن عليها الأمر، ويشرن عليها بالزوج، حتى أجابت، وحمل إليها الصداق، فرأت قبل دخلوها بليلة كأن زوجها قد وقف ببابها، ومد يديه فأخذ عضادتي الباب، وقال: حييت ساكن هذا البيت كلهم ... إلا الرباب، فإني لا أحييها استبدلت بدلاً مني، فقد علمت ... أن القبور توارى من ثوى فيها فاستيقظت مرعوبة، وقد حفظت الأبيات، فردت ما قدم لها، وقالت: والله لا ضمني وبعلاً بيت أبداً. وقال مهيار: نعم سقى الله بيوتاً بالحمى ... مسدلة على الدمى أستارها وأوجها يشف من أثوابها ... عنصرها الكريم [أ] ونجارها وقال الفرزدق: عزفت بأعشاش وما كدت تعزف ... وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف ولج بك الهجران حتى كأنما ... ترى الموت في البيت الذي كنت تيلف وقال جميل بن معمر العذري: ثلاثة أبيات: فبيت أحبه ... وبيتان ليسا من هواي ولا شكلي ألا أيها البيت الذي حيل دونه ... بنا أنت من بيت، وأهلك من أهل بنا أنت من بيت دخولك لذة ... وظلك لو يسطاع بالبارد السهل وقال آخر: ألا هل إلى الأبيات بالحبل ذي الغضى ... ذراهن أو أظلالهن سبيل بنفسي من قد حيل دون لقائه ... ومن حبه حب على ثقيل وقال إبراهيم بن خفاجة - في الحمام -: أهلاً ببيت النار من منزل ... شيد لأبرار وفجار نقصده ملتمسي لذة ... فندخل الجنة في النار نزل حماد عجرد على محمد بن طلحة، فأبطأ عليه بالطعام، واشتد جوع حماد، فقال: زرنا امرأ في بيته مرة ... له حياء وله خير يكره أن يتخم أضيافه ... إن أذى التخمة محذور ويشتهي أن يؤجروا عنده ... بالصوم، والصائم مأجور فقال هل محمد: عليك لعنة الله، ما حملك على هذا؟ قال: الجوع وحياتك، وإن زدت في الإبطاء زدت في القول، فبادر بإحضار المائدة. وقال صخر بن الجعد: مررت على أبيات كاس فأسبلت ... مدامع عيني، والرياح تميلها وفي دارهم قوم سواهم فأسبلت ... دموع من الأجفان باق مثيلها

16- فصل في بكاء الأهل والإخوان

كذاك الليالي، ليس فيها بسالم ... صديق، ولا يبقى عليها خليلها 16- فصل في بكاء الأهل والإخوان قلت: هذا الفصل كان موضعه صدر الكتاب؛ إذ كانت المنازل والديار إنما تبكي لسكانها من الأهل والإخوان والأحباب، لكني أخرته؛ لأختم به الكتاب. روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - أنه كان كثيراً ما يتمثل بهذا الشعر: ألا قد أرى والله أن لست منكم ... ولا أنتم مني، وإن كنتم أهلي وإني ثوى قد أحم انطلاقه ... يحييه من حياه وهو على رجل ومنطلق منكم بغير صحابة ... وتابع إخواني الذين مضوا قبلي ألم أك قد صاحبت عمراً ومالكاً ... وأدهم يغدو في فوارس أو رجل؟! وصاحبت شيباناً وصاحبت ضابئاً ... وصاحبني الشم الطوال بنو شبل أولئك إخواني مضوا لسبيلهم ... يكاد ينسيني تذكرهم عقلي يقول أناس أخلياء: تناسهم ... وليس بناس مثلهم أبداً مثلي أولاك أخلائي إذا ما ذكرتهم ... بكيت بعين ماء عبرتها كحلي وكانوا إذا ما القر هبت رياحه ... وضم سواد الليل رحلاً إلى رحل يدرون بالسيف الوريدين والنسا ... إذا لم يقم راعي أناس إلى رسل إذا ما لقوا أقرانهم قتلوهم ... وإن قتلوا لم يقشعروا من القتل فكم من أسير قد فككتم قيوده ... وسجل دم أهرقتموه على سجل وقال يزيد بن ضبة بن مقسم: لم ينس سلمى فؤادك السدك ... وكيف تصبو وأنت محتنك؟ لو كان ما واحداً هواك لقد ... أقصرت، لكن هواك مشترك تقول سلمى ... واستنكرت : عجباً ما بال أشياء منك تنتهك فقلت: من ترحة، ومن أسف ... أبناء عوف ومالك هلكوا خلوا فجاجاً علي فانخرقت ... لم يستطع سدهن من تركوا وقال وعيل العبسي: ألم ترني بعد الذين تتابعوا ... وكانوا الألى أعطي بهم وأمانع كذي وقرات كدن يكسرن عظمه ... ولن تلبث العظم الصحيح القوارع فإني وتأميلي الحياة، وقد مضوا ... كمحتبس عن مطلع، وهو طالع وقال مقاس بن شريك بن عمرو، حليف لبني شيبان: بكيت شريكاً في الغوار، وأسودا ... وذو العلق حتى ما بعيني من بلل رجالاً له ربعية المجد لم يخف ... مجاورهم ريب الحوادث والزلل وكنا بهم نرعى الجميع، ونأكل الر ... بيع، ونكفي حامل الغرم ما حمل وقال ابن المعتز: لله أقوام فقدتهم ... سكنوا بطون الأرض والحفرا وقال نهار بن توسعة، يرثي أخاه عتبان: عتبان قد كنت امرأ لي جانب ... حتى رزئتك، والجدود تضعضع قد كنت أشوس في المقادة سادراً ... فنظرت قصدي واستقام الأخدع وفقدت إخواني الذين بعيشهم ... قد كنت أعطي ما أشاء وأمنع فلمن أقول، إذا تلم ملمة ... أرني برأيك، أو إلى من أفزع؟! وقال البراء بن ربعي: أبعد بني أمي الذين تتابعوا ... أرجى حياة، أو من الموت أجزع؟! ثمانية كانوا ذؤابة قومهم ... بهم كنت أعطي ما أشاء وأمنع وكانوا كنبل المرتمى في كنانة ... فأضحت وما فهيا من النبل أهزع وقال أبو كبير الهذلي: ولرب من طأطأته في حفرة ... من كل مقتبل الشباب محبر ثم انثنيت، فلا أبثك خيبتي ... رعش القيام أميس ميس الأصور وقال آخر: أصبحت بعد مضرس ومغلس ... غرضاً بصردحة لمن راماني فلأرمينهم ... برغم أنوفهم أبداً على عدم من الفتيان أنشد أبو زيد عن المفضل: أخ لا أخا لي غيره، غير أنني كراعي الخيال يستطيف بلا فكر فإن حراماً أن أرى الدهر باكياً ... على إلفه إلا بكيت على عمرو وقال هذيلة بن سماعة بن أشول: وعاذلة باتت بليل تلومني ... فبت كأن الهم قرن أجاذبه ذكرت بني سهل وبيني وبينهم ... شراج الحمى أركانه ومناكبه أجدى لن ألقى زياداً، ولا أرى ... قناناً يقود الخيل شعثاً ذوائبه ولا مثل فتيان تولوا بمنعجٍ ... عجالي إذا ما الخوف أوضع راكبه رجالاً لو أن الصم من جانبي قنا ... هوت مثلهم منه لزلت جوانبه

وقال الفرزدق، همام بن غالب، يرثي همام بن ناشرة، أحد بني عامر: وقفت فأبكتني بدار عشيرتي ... على رزئهن الباكيات الحواسر غدوا كسيوف الهند وراد حومة ... من الموت أعيا وردهن المصادر محامين حاموا عن حريم، وحافظا ... بدار المنايا، والقنا متشاجر كأنهم تحت الخوافق إذ غدوا ... إلى الموت أسد الغابتين الهواصر ولو أن سلمى نالها مثل رزئنا ... لهدت، ولكن تحمل الرزء عامر عن الشعبي قال: كنت عند عبد الله بن جعفر بن أبي طالب - رضوان الله عليهما - فأنشدته قول حارثة بن بدر الغداني: وكان لنا نبع تقينا فروعه ... فقد بلغت إلا قليلاً عروقها وشيب رأسي واستخف حلومنا ... رعود المنايا حولنا وبروقها وإنا لتستحلي المنايا نفوسنا ... وتترك أخرى مرة ما تذوقها رأيت المنايا باديات وعوداً ... إلى دارنا، سهلاً إلينا طريقها وقد قسمت نفسي فريقين: منهما ... فريق مع الموتى، وعندي فريقها فقال لي ابن جعفر - رضي الله عنهما: نحن كنا أحق بهذا الشعر، وجاءه غلام بدراهم في منديل، فقال: هذه غلة أرضك بمكان كذا وكذا، فقال: ألقها في حجر الشعبي، فرمى بها إلي وقال أبو دواد الإيادي: لا أعد الإقتار عدماً ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام من رجال من الأقارب فادوا ... من خذام، هم الرؤوس العظام [فادوا] يريد ماتوا [خذام] : قبيلة. من رجال أبوهم وأبو عمرو وكع ... ب بيض الوجوه وسام وشباب كأنهم أسد غيل ... حالفت فرط حدها الأحلام (حالفت ... إلخ) يريد خالط حدتهم حلم. وكهول بني لهم أولوهم ... مأثرات يهابها الأقوام فيهم للملاينين أناة ... وعرام إذا يراد العرام وسماح لدى السنين إذا ما ... قحط القر، واستقل الغمام (استقل) : ارتفع سلط الموت والمنون عليهم ... فلهم في صدى المقابر هام وكذاكم يصير كل أناس ... سوف حقاً تبليهم الأيام فعلى إثرهم تساقط نفسي ... حسرات، وذكرهم لي سقام وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه -: بني أبي، قد رمى فيكم بشكته ... ونال ما شاء هذا الأزلم الجذع كنتم نجوماً لدى الدهناء زاهرة ... تضيء منها الدياجي السود والدرع إن تخب أنواركم من بعد ما صدعت ... ثوب الدجى، فلضوء الصبح منقطع أرسى النسيم بناديكم، ولا برحت ... حوامل المزن في أجداثكم تضع وقال زبان بن منظور بن سيار: لئن فجعت بالقرناء يوماً ... لقد متعت بالأمل البعيد وما تجد المنية فوق نفسي ... ولا نفس الأحبة من مزيد ألسنا أنفساً، وبني نفوس ... ولسنا بالسلام ولا الحديد قال الأصمعي: أنشدني المذحجي لأم معدان الأنصارية: لا يبعد الله فتياناً رزئتهم ... بانوا لوقت مناياهم فقد بعدوا أضحت قبورهم شتى، وتجمعهم ... زو المنون، ولم يجمعهم بلد الزو: الهلاك واختلاف المنية ميت بمصر، وميت بالعراق ومي ... ت بالحجاز، منايا بينهم بدد رعوا من المجد أكنافاً إلى أجل ... حتى إذا بلغت أظماؤهم وردوا كانت لهم همم فرقن بينهم ... إذا القعاديد عن أمثالها قعدوا فعل الجميل، وتفريج الجليل ... وإعطاء الجزيل إذا لم يعطه أحد قلت: لي أبيات تشبه معنى هذه الأبيات، وهي شرح حال صحيحة، لا على مذاهب الشعراء وذلك أنني مر بي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زار قبر أبويه، أو أحدهما في كل جمعة غفر له، وكتب براً" فآسفني ما حرمته من زيارتهما، وشتات شملنا أحياء وأمواتاً، فقلت: نافستني صروف دهري في الفو ... ز ببر الآباء في الرجم لو كنت أسطيع أن أزورهما ... مشياً على الرأس لا على القدم لكن بمصر قبر، وفي شي ... زر قبر وداري بمنتأى العجم والظلم في الأرض ما نعي كل ... ل ما أبغيه حتى زيارة الرمم وما ظننت الذي لقيت من الد ... نيا تراه عيناي في الحلم وقال آخر:

وكانوا ... بني كن كثراً فأصبحوا بني الأرض، قد وارتهم غير واحد وقد خط للباقي المخلف أنه ... لما وردوا من حومة الموت وارد وقال أبو ذؤيب الهذلي، واسمه خويلد بن خالد، وهلك له بنون خمسة في عام واحد أصابهم الطاعون، وكانوا توجهوا إلى مصر: أمن المنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع؟! قالت أميمة: ما لجسمك شاحباً ... منذ ابتدلت ومثل مالك ينفع أم مالجنبك لا يلائم مضجعاً ... إلا أقض عليك ذاك المضجع فأجبتها أن مالجسمي أنه ... أودى بني من البلاد فودعوا أودى بني وأعقبوني حسرة ... بعد الرقاد، وعبرة ما تقلع سبقوا هوى، وأعنقوا لهواهم ... ففقدتهم، ولكل جنب مصرع ولبثت بعدهم بعيش ناصب ... وإخال أني لاحق مستتبع ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... وإذا المنية أقبلت لا تدفع وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع فالعين بعدهم كأن حداقها ... كحلت بشوك فهي عور تدمع حتى كأني للحوادث مروة ... بصفا المشقر كل يوم تقرع وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع وقال أبو ذؤيب أيضاً: فإنك ... حقاً أي نظرة ناظر نظرت، و"وقف" دونها و"قبر" ديار التي قالت ... غداة لقيتها : صبوت أبا ذيب وأنت كبير تغيرت بعدي أو أصابك حادث ... من الدهر، أم مرت عليك مرور فقلت لها: فقد الأحبة، إنني حديث بأرزاء الكرام جدير فراق كنغض السن، فالصبر، إنه ... لكل أناس عثرة وجبور "نغض السن: تحريكها، قال الله تعالى (فسينغضون إليك رؤوسهم) أي يحركونها، ويروي "كقيض السن" وقيضها: انشقاقها. فأصبحت أمشي في ديار كأنها ... خلاف ديار الكاهلية عور "يقال: خلف أعور، إذا كان فاسداً، يقول: هذا الدار خلف أعور من هاتيك" أنادي إذا أوفى من الدهر مربئاً ... لأي سميع، لو أجاب بصير وقال إبراهيم بن هرمة: تفانوا، ولم يبقوا، وكل قبيلة ... سريع إلى ورد الفناء كرامها وكيف وقد صاروا عظاماً وأقبراً ... يصيح صداها بالعشي وهامها؟! وقال أبو العيص بن حزام: وكم من صاحب قد ناء عني ... رميت بفقده وهو الحبيب فلم أبد الذي تخفى ضلوعي ... عليه وإنني لأنا الكئيب مخافة أن يراني مستكيناً ... عدو، أو يساء به قريب فيشمت كاشح، ويظن أني ... جزوع عند نائبة تنوب فبعدك مدت الأعداء طرفاً ... إلى ورابني دهر مريب وأنكرت الزمان، وكل أهلي ... وهرتني لغيبتك الكليب وكنت تقطع الأبصار دوني ... وإن وغرت من الغيظ القلوب ويمنعني من الأعداء أني ... وإن رغموا لمخشى مهيب فلم أر مثل يومك كان يوماً ... بدت فيه النجوم، فما تغيب وليل ما أنام به، طويل ... كأني للنجوم به رقيب وما يك جائياً لا بد منه ... إليك فسوف تجلبه الجلوب وقال كتير بن عبد الله، وهو ابن الغريرة، وهي أمه: ألا من لشوق آخر الليل شائق ... وقلب كمكسور الجناحين خافق وصب حزين كلما جن ليله ... تذكر ذكرى من حبيب مفارق فلا تعذليني يا ابنة الخير إنما ... تخرمت الأيام مني أصادقي فأصبحت رهناً بعدهم في ديارهم ... كمستوثق منه، وليس بآبق وقال الحارث بن عوف الجشمي: فإن تكن الحوادث غيرتني ... فلم أر هالكاً كابني زياد هما رمحان خطيان كانا ... من السمر المثقفة الجلاد تهال الأرض أن يطآ عليها ... بمثلهما تسالم أو تعادي وقال تميم بن أبي بن مقبل العجلاني: تذكرت إخواني الذين عهدتهم ... كأن لم يكن شكلي لهم مرة شكلا هجرتهم من غير بغض ولا قلى ... ولكن مر الدهر كان لهم شغلا وقال محمد بن خالد بن الوليد بن عقبة: هل في الخلود إلى القيامة مطمع ... أم للمنون عن ابن آدم مدفع؟! هيهات ما للنفس من متأخر ... عن وقتها، لو أن علمك ينفع

أين الملوك، وعيشهم فيما مضى ... وزمانهم فيهم وما قد جمعوا؟! ذهبوا، ونحن على طريقة من مضى ... منهم، فمفجوع به، ومفجع عثر الزمان بنا، فأوهى عظمنا ... إن الزمان بما كرهت لمولع وقال إبراهيم بن كنف: تعز فإن الصبر بالحر أجمل ... وليس على ريب الزمان معول فلو كان يغني أن يرى المرء جازعاً ... لحادثة أو كان يغني التذلل لكان التعزي عند كل مصيبة ... ونائبة بالحر أولى وأجمل فكيف، وكل ليس يعدو حمامه ... وما لامرئ عما قضى الله مزحل فإن تكن الأيام فينا تبدلت ... ببؤسي ونعمي والحوادث تفعل فما لينت منا قناة صليبة ... ولا ذللتنا للتي ليس تجمل ولكن رحلناها نفوساً أبية ... تحمل ما لا تستطيع فتحمل وقال أبو الحسن علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -: هبني بقيت على الأيام والأبد ... ونلت ما شئت من مال ومن ولد من لي برؤية من قد كنت آلفهم ... وبالزمان الذي ولى فلم يعد؟! لا فارق الحزن قلبي بعدهم أبداً ... حتى يفرق بين الروح والجسد وقال آخر: صبرت ابتغاء الأجر بعد خويلد ... وبعد رزام والنفوس توالف وبعد الفتى فجر وليث تتابعاً ... فلم يبقى بعد الإلف إلا المعارف فقد جعلت نفسي تلذ إتّباعهم ... كما لذ برد الماء حران صائف غاب شبيب بن البرصاء عن أهله غيبة، ثم عاد بعد مدة، وقد مات جماعة من أهله، وبنى عمه، فقال: تخرم الدهر إخواني وغادرني ... كما يغادر ثور الطارد الفرد إني لباق قليلاً ثم لاحقهم ... ووارد منهل الحوض الذي وردوا وقال العتبي: ينام المسعدون ومن يلوم ... وتوقظني وأوقظها الهموم صحيح بالنهار لمن يراني ... وليلى لا ينام ولا ينيم كأن الليل محبوس دجاه ... وأوله وآخره مقيم لمهلك فتية تركوا أباهم ... وأصغر ما به منهم عظيم يذكرنيهم ما كنت فيه ... فسيان المساءة والنعيم وبالخدين من دمعي ندوب ... وبالأحشاء من وجدي كلوم فإن يهلك بني فليس شيء ... من الدنيا على أحد مقيم وقال أبو زبيد الطائي: من رأى العير لابن أروى على ظه ... ر المروري حداتهن عجال مصعدات، والبيت بيت أبي وه ... ب خلاء تهب فيه الشمال يعرف الجاهل المضلل أن الد ... هر فيه النكراء والزلزال ليت شعري! كذاكم العهد أم كا ... نوا أناساً كمن يزول فزالوا بعد ما تعلمين يا أم زيد ... كان فيهم عز لنا وجمال من وجوه بودنا مشرقات ... ونوال إذا أريد النوال وقال البريق بن عياض الهذلي: ما إن أبو زيد برث سلاحه ... جبان وما إن وجهه بدميم وكنت إذا الأيام أحدثن نكبة ... أقول: شوى، ما لم يصبن صميمي يقال: رمى فأصمي، إذا أصاب مقتلاً، ورمى فأشوى، إذا لم يصب مقتلا. أصبن أبا زيد، ولا حي مثله ... وكان أبو زيد أخي وحميمي فأصبحن لا أدعو من الناس واحداً ... سوى ولدة في الدار غير حكيم (يقول: لم يبق الموت إلا الأطفال) . كأن عجوزي لم تلد غير واحد ... وماتت بذات الشرى غير عقيم (الشرى: الحنظل، [وذات الشرى] : موضع) . يقول: كانت كثيرة الولد، فماتوا، ويقيت أنا وحدي؛ فكأنها لم تلد غيري. وقال وضاح اليمن، واسمه عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال: كأني إذ أكفكف دمع عيني ... وأنهاها، أقول لها: هريقي سأصبر للقضاء، فكل حي ... سيلقى سكرة الموت المذوق فما الدنيا بقائمة وفيها ... من الأحياء من عين رموق فأغناهم كأعدمهم إذا ما ... تقضت مدة العيش الرقيق كذلك يبعثون وهم فرادى ... ليوم فيه توفية الحقوق وقال أبو سعيد، مولى قايد: أثر الدهر في رجالي فقلوا ... بعد جمع، فراح عظمي مهيضا ما تذكرتهم فتملك عيني ... فيض دمعي، وحق لي أن تفيضا وقال أيضاً:

أولئك قومي بعد عز وثروة ... تفانوا، فإلاتذرف العين أكمد أرى أسرتي في كل يوم وليلة ... يروح بهم ريب المنون ويغتدي كأنهم لا ناس للموت غيرهم ... وإن كان فيهم منصف غير معتقد وقال نصيب، يرثي عبد العزيز بن مروان: عرفت، وجربت الأمور فما أرى ... كماض تلاه الغابر المتأخر ولكن أهل الفضل، من أهل نعمتي ... يمرون أرسالاً أمامي وأغبر فإن أبكهم أعذر، وإن أغلب الأسى ... بصبر فمثلي عندما اشتد يصبر دخل نصيب على عبد الملك بن مروان، فاستنشده ما قال في أخيه عبد العزيز، فلما أنشده هذه الأبيات، قال: أنا كنت أولى منك بهذا القول. وقال عصيمة التيمي -[من] تيم الله بن ثعلبة -: ولو أن قومي مثل قوم عباعب ... وإخوتهم ما استيق ظلماً ركائبي ولكن أصابتهم خطوب، وأخطأت ... رجالاً أروني بالنهار كواكبي وقال أبو عبد الله القزاز، وهو محمد بن جعفر النحوي من أبيات: واحسرتا، مات إخواني وأقراني ... وشتت الدهر خلاني وأعواني وغيرت غير الأيام خالصتي ... والمصطفى الحر من أهلي وجيراني وصار من كنت في السراء أذكره ... بل لست أنساه في الضراء ينساني وقال الفقيه أبو طاهر إبراهيم بن خفاجة المغربي: أإخواني، ولا إخوان صدق ... أصافي بعدكم إلا الصفاح لحسن الصبر دونكم حران ... وللعبرات بعدكم جماح فديتكم بنفسي من كرام ... يهز بهم معاطفه السماح أرى بهم النجوم ولا ظلام ... وأوضاح النهار ولا صباح لهم همم كما شمخت جبال ... وأخلاق كما دمثت بطاح قيل إن الرشيد أحضر بعض جواري البرامكة - بعد نكبتهم - وقال لها: غنى، فغنت: أبكى فراقهم عيني وأرقها ... إن التفرق للأحباب بكاء ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا، وريب الدهر عداء فظلت أبكيهم طوراً وأندبهم ... حتى أنثنيت، وما في مقلتي ماء وقال آخر: مضوا بدداً عني وحلق بعدهم ... بما سرني في العيش قادمتا نسر فما أغمض الأجفان إلا على قذى ... ولا أقلب الجنبين إلا على جمر وأصبحت أعفو عن ذنوب كثيرة ... وأحمل زلات الصديق على الدهر واعذر قوماً لو أحاكم بعضهم ... إلى نفسه أغضى حياء من العذر وقال آخر: نقبوا في البلاد من حذر المو ... ت، وجالوا في الأرض كل مجال ثم صاروا إلى التي خلقوا من ... ها، وكل مصيره لزوال وقال آخر: ثوى بين الحريش وتل محرى ... فوارس من نمارة غير ميل فلا فرحين إن نعماء واتت ... ولا جزعين للخطب الجليل وقال ابن الرومي: قد كنت أبكى على من مات من سلفي ... وأهل ودي جميع غير أشتات فالقيوم ... إذ فرقت بيني وبينهم نوى بكيت على أهل المودات وما حياة امرئ أضحت مدامعه ... مقسومة بين أحياء وأموات؟! وقال عنان جارية النطاف: نفسي على حسراتها موقوفة ... فوددت لو خلصت من الحسرات لو في يدي حساب أيامي إذن ... خطرفتهن تعجلاً لوفاتي لا خير بعدك في الحياة وإنما ... أبكي مخافة أن تطول حياتي وقال الحسين بن الضحاك: تخون الدهر منا إذ تخونهم ... ما لا يعود علينا آخر الأبد يا ليت شعري إذا ما برمك درجت ... وأصبح الفرح المسرور ذا كمد هل يستقل كيحيى بعده بشر ... أم هل يجود كجود الفضل من أحد؟ وقال شقران: ذكرت أبا أروى فبت كأنني ... برد الأمور الماضيات وكيل [ويروى: أبا] أوفى. وإن افتقادي واحداً بعد واحد ... دليل على أن لا يدوم خليل لكل اجتماع من خليلين فرقة ... وكل الذي دون الفراق قليل وقال أبو العتاهية: كم من أخ لي لا يرى ... متصرفاً فيمن تراه أمسى قريب الدار في ال ... أجداث قد شحطت نواه قد كان مغتراً بيو ... م وفاته حتى أتاه الناس في غفلاتهم ... والموت دائرة رحاه فالحمد لله الذي يبقى ويهلك من سواه وقال آخر:

أخلاي من أهل القبور: عليكم الس ... لام، أما من دعوة تسمعونها؟ ولا من كلام ترجعون جوابه ... إلينا، ولا من حاجة تلطبونها سكنتم ظهور الأرض في الدهر برهة ... فلم تلبثوا حتى سكنتم بطونها وقد كان في الدنيا قرون كثيرة ... ولكن ريب الدهر أفنى قرونها وقال أصرم بن حميد - وقيل: هي لمفضل العمى: عادات قومي من بني أسدٍ ... ريُّ القنا، وخضاب كل حسام لهفي على قتلى النباج فإنهم ... كانوا الذرى ورواسي الأعلام كانوا على الأعداء جمراً محرقاً ... ولقومهم حرماً من الأحرام لا تهلكي أسفاً، فإني واثق ... برماحنا وعواقب الأيام وصف أعرابي قومه فقال: كانوا والله ليوث حرب، وغيوث جدب، إن قاتلوا أبلوا، وإن أعطوا أغنوا، ثم عجل لهم الدهر ما أخر لغيرهم. قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - لعمرو بن معد يكرب الزبيدي: صف لي قومك، فقال: نعم القوم عند السيف المسلول، والخير المسؤول، والطعام المأكول. وقال آخر: أبعد بني بكر أؤمل مقبلاً ... من الدهر أو آسى على فقد مدبر؟! وليس وراء الفوت شيء يرده ... عليك إذا ولى سوى الصبر، فاصبر وقال ابن المعتز: أشكو إلى الله أحداثاً من الزمن ... برينني مثل بري القدح بالسفن لم يبق في العيش لي إلا مرارته ... إذا تذوقته، والحلو منه فني يا نفس صبراً، وإلا فاهلكي جزعاً ... إن الزمان على ما تكرهين بني وقال الأستاذ أبو إسماعيل الطغرائي: أثبت بالحظ لو ناديت مستعماً ... والحظ عني بالجهال في شغل تقدمتني رجال كان شوطهم ... وراء ظهري لو أمشى على مهل هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا ... من قبله فتمنى فسحة الأجل فإن علاني من دوني فلا عجب ... لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل وقال بيهس ... ويلقب نعامة وقد قتل إخوته: أرقاداً أردت أم تهويما ... أم عرتك الهموم، فانف الهموما لا، بل الحادث الجليل من الخط ... ب أتاني، فبت أرعى النجوما عين فابكي الحماة للمجد، وابكي ... من يجير الجاني ويحمي الحريما وقال ابن المعتز: أسد الوغى وبدور أن ... دية، وفرسان المنابر خاضوا غدير الموت من ... جرداً من الأقذاء حاسر فمضوا وأبقوا آجناً ... مراً تقسمه الحناجر وقال أيضاً: لا يهنأ الدهر الخئ ... ون، ولا أساغ، فكم أكل فتك الزمان بمثله ... بطل أتيح له بطل من للمحامد، لا أقو ... ل عسى يكون، ولا لعل! أنشد ابن دريد عن أبي حاتم: ألا في سبيل الله ماذا تضمنت ... بطون الثرى، واستودع البلد القفر بدور، إذا الدنيا دجت أشرقت بهم ... وإن أجدبت يوماً فأيديهم القطر فيا شامتاً بالموت، لا تشمتن بهم ... حياتهم فخر، وموتهم ذكر حياتهم كانت لأعدائهم عمى ... وموتهم للفاخرين بهم فخر وقال منقذ بن عبد الرحمن الهلالي: الدهر لاءم بين ألفتنا ... زمناً، وفرق بيننا الدهر وكذاك يفعل في تصرفه والدهر ليس يناله وتر كنت الضنين بمن فجعت به ... وسلوت حين تفاقم الأمر ولخير حظك في الرزية أن ... يلقاك عند نزولها الصبر وقال السيد بن برك الأسدي: أبعد أبي حصن حصين، ومالك وعبدة، أبكى الهالكين وأجزع أولئك إخوان الصفاء رزئتهم ... وما الكف إلا إصبع ثم إصبع كان الشمردل بن شريك المنقري خرج هو وإخوته: حكم، ووائل، وقدامة في جيش مع وكيع بن أبي سود، فبعث كل واحد منهم في جيش، فأتاه الشمردل، فقال: أيها الأمير، إن رأيت أن تبعثنا معاً في وجه واحد؛ فإنا إذا اجتمعنا تعاونا، وتواسينا، وتناصرنا، فأبى عليه، وبعث كل واحد منهم في جيش، فقتل إخوته، وأتاه نعيهم، فرثاهم، قال: أعاذل كم من روعة قد شهدتها ... وغصة حزن من فراق أخ جزل إذا وقعت بين الحيازيم أسدفت ... على الضحى حتى يوسيني أهلي أقول ... إذا آسيت نفسي بإخوة مضوا لا ضعاف في الحياة ولا عزل

ويروى أن هذا الشعر لأبي سعيد مولى فايد مولى عمر بن عثمان بن عفان - رضوان الله

أبى الموت إلا أن كل بني أب ... سيمسون شتى غير مجتمعي الشمل سأبكي أخلائي الذي تبرضوا ... دموعي، حتى أسرع الحزن في عقلي كأنك لم نعش يوماً، ونحن بغبطة ... جميعاً، وينزل عند رحلهم رحلي كان متمم بن نويرة لا ينفك يبكي أخاه مالكاً، فخاف قومه عليه أن يذهب بصره من البكاء، فزوجوه أم خالد، لعله يسلو، ويكف عن البكاء، فبينا هو وضاع رأسه على فخذها، إذ بكى، فقالت: لا إله إلا الله، ألا تنسى أخاك في حال؟! فقال: أقول لها ... لما نهتني عن البكا : أفي مالك تلحينني أم خالد؟! فإن كان إخواني أصيبوا وأخطأت ... بني أمك أسباب الحتوف الرواصد فكل بني أم سيمسون ليلة ... ولم يبق من أعيانهم غير واحد ذريني، فإن لا أبك لم أنس ذكره ... وإن أمرتني بالعزاء عوائدي ذريني، فكم من صالح قد رزئته ... أخ لي كصدر الهندواني ماجد بودي لو أني تمليت عمره ... بمالي من مال طريف وتالد وبالكف من يمنى يدي حياته ... ففارقني منها بناني وساعدي فعشنا لنا أيد ثلاث وإنما ... تصافي الحياة بذلها بالتحامد وقال متمم أيضاً: لعمري، وما دهري بتأبين هالك ... ولا جزعاً، والدهر يعثر بالفتى لئن مالك خلي على مكانه ... لفي أسوة إن كان ينفعني الأسى كهول ومرد من بني عم مالك ... وأيسار صدق لو تمليتهم رضى سقوا بالعقار الصرف حتى تتابعوا ... كدأب ثمود إذ رغا بكرهم ضحى وهون وجي بعد ما كدت أنتحى ... على السيف حتى يبلغ الجوف والشحى رجال أراهم من ملوك وسوقة ... خبوا بعد ما نالوا السلامة والغنى على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي ... لك الويل حر الوجه، وليبك من بكى على يسر منهم يسير، وفارس ... إذا ارتدف الشيء الحوارك والذرى إذا القوم قالوا من فتى؟ يوم نجدة ... فما كلهم يعنى، ولكنه الفتى تقول أمامة لما رأت ... نشوزي عن المضجع الأنفس وقلة نومي على مضجعي ... لدى هجعة الأعين النعس: أبي ما عراك؟ فقلت: الهمو ... م عرون أباك، فلا تبأسي لفقد الأحبة إذ نالها ... سهام من الحدث المؤيس رمتها المنون بلا نصل ... ولا طائشات ولا نكس بأسهمها المتلفات النفو ... متى ما تصب مهجة تخلس فصرعنهم بنواحي البلا ... ملقى بأرض ولم يرمس فذاك الذي غالني فأعلمي ... ولا تسأللي بامرئ مؤتس أولئك قومي أناخت بهم ... نوائب من زمن متعس قال: فرأيت دموع عبد الله بن حسن بن حسن - رضي الله عنهم - تتحدر على خده. ويروى أن هذا الشعر لأبي سعيد مولى فايد مولى عمر بن عثمان بن عفان - رضوان الله عليه - يرثي قتلى بني أمية الذين قتلهم عبد الله وداود ابنا علي بن عبد الله بن العباس - رضي الله عنهم - وكان الرشيد لما حج أحضرأبا سعيد، وقال له: أنشدني قصيدتك: "تقول أمامة لما رأت ... فأنشده، وقال: يا أمير المؤمنين، كان القوم موالي، وأنعموا على، فرثيتهم ولم أهج أحداً، فتركه. وقال الأشهب بن رميلة: إن الألى حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد هم ساعد الدهر الذي يتقى به ... وما خير كف لا تنوء بساعد أنشد النجيرمي لمنظور بن مرثد الراجز، يرثي مقاتلاً، وحبيشاً ابني جزء: أما تريني اليوم يا أم صالح ... طويلاً قيامي للأسى وقعودي فإن مصيبات أصبن مقاتلاً ... وأصحابه استجهلن كل جلدي وكانوا جمالي في الحياة وعدتي ... وحرزي إذا ما قلت أي أسودي وقال دعبل بن علي الخزاعي: كانت خزاعة ملء الأرض ما اتسعت ... فقص مر الليالي من حواشيها هذا أبو القاسم الثاوي ببلقعة ... تسفي الرياح عليه من سوافيها هبت، وقد علمت أن لا هبوب به ... وقد تكون حسيراً إذ يباريها أضحى قرى للمنايا إذ نزلن به ... وكان في سالف الأيام يقريها من للخصوم إذا جد الخصام بهم ... بعد ابن سعد، ومن للضمر القود وموقف قد كفيت الناطقين به ... في مجمع من نواصي الناس مشهود

فرجته بلسان غير ملتبس ... عند الحفاظ وقلب غير مزؤود فقال الرشيد: أعد، فأعاد، فقال له: ويحك، كأن قائل هذا الشعر يصف يحيى بن خالد، وجعفر بن يحيى، وبكى حتى جرت دموعه، ووصل الزبير بصلة سنية. وقال أبو خراش الهذلي، يرثي إخوته: فقدت بني لبنى فلما فقدتهم ... صبرت، ولم أقطع عليهم أناملي رماح من الخطي، زرق نصالها ... حداد أعاليها، شداد الأسافل فلهفي على ميت بنعمان للفتى ... ولهفي على ميت بقوس المعاقل حسان الوجوه طيب حجزاتهم ... كريم نثاهم غير لف معازل وقال آخر: أجدك ما تعفوا كلوم مصيبة ... على صاحب إلا فجعت بصاحب؟! تقطع أحشائي إذا ما ذكرتهم ... وتنهل عيني بالدموع السواكب وكن امرأ جلداً على ما ينوبني ... ومعترفاً بالصبر عند النوائب فهد أبو سفيان ركني، ولم أكن ... جزوعاً ولا مستنكراً للنوائب غنينا معاً بضعاً وخمسين حجة ... خليلي صفاء، ودنا غير كاذب فأصبحت لما حالت الأرض دونه ... على قربه مني كمن لم أصاحب وقال أعشى بني أسد، وهو خيثمة بن معروف، أخو الكميت بن معروف: نام الخلي، وبت الليل مرتفقاً ... كما تزاور يخشى دفه النكب إذا رجعت إلى نفسي أحدثها ... عمن تضمن من أصحابي القلب ازددت وجداً على وجد أكابده ... حتى تكاد بنات الصدر تلتهب فقد علمت وإن مليت بعدهم ... أني سأنهل بالشرب الذي شربوا وقال أبو العباس الأعمى، وهو السائب بن فروخ: آمت نساء بني أمية بعدهم ... وبناتهم بمضيعة أيتام نامت جدودهم وأسقط نجمهم ... والنجم يسقط والجدود تنام خلت المنابر والأسرة منهم ... فعليهم حتى الممات سلام وقال أيضاً: ليت شعري من أين رائحة المس ... ك وما إن إخال بالخيف إنسي؟! حين غابت بنو أمية عنها ... والبهاليل من بني عبد شمس خطباء على المنابر فرسا ... ن، عليها، وقالة غير خرس لا يعابون صامتين، وإن قا ... لوا أصابوا، ولم يقولوا بلبس بحلوم، إذا الحلوم استخفت ... ووجوه مثل الدنانير ملس عن خداش بن فراس النميري، قال: أغارت علينا بنو جشم بن بكر بظهر البشر، فأصابوا منا أخوين فارسين سيدين، يقال لأحدهما: مسعود، وللآخر حاتم، ابنا شيظم، وكانت لهما أخت سيدة برزة، يقال لها: رائطة بنت شيظم، فبكتهما، ورثتهما طويلاً، وكانت أحر ما تكون أسى وأسفاً، وأطول ما تكون حزناً ولهفاً، إذا صاح صائحنا، وذعر سارحنا، وركب فارسنا، ولقد رأيتها على مثل تلك الحال في بعض الأيام، وساس ثائرون والأصوات متواترة، والخيل متبادرة، والصارخ هاتف، وهي تندبهما، وتقول: لهفي على الأخوين كالأ ... سدين مسعود وحاتم السيدين المانعين الذ ... ائدين عن المحارم الفاتقين الراتقين السابقين إلى المكارم الضاربين جماجم ال ... أبطال بالبيض الصوارم والطاعنين بكل ما ... رنة وقاصمة وقاصم حدق الفوارس بالأس ... نة والقلوب لدى الغلاصم كانا يدي فشلتا ... بالساعدين وبالمعاصم فبقيت كالطير المقص ... ض ريشه واهي القوادم لا أستطيع، ولا أطي ... ق أرد عني كف ظالم مع كل رنة مأتم ... لي مأتم، وعلى ماتم فاليوم أخضع للذلي ... ل وللمجارب والمسالم وقال فاطمة بنت الأجحم بن دندنة الخزاعية، ترثي أباها. (والجحم: حمرة العين) . قد كنت ذات حمية ما عشت لي ... أمشي البراح، وكنت أنت جناحي قد كنت لي جبلاً ألوذ بظله ... فتركتني أمشي بأجرد ضاح فالآن أخشع للذليل وأتقى ... منه، وأدفع ظالمي بالراح وإذا دعت قمرية شجناً لها ... يوماً على فننٍ دعوت صباحي وقع الطاعون بالكوفة، فأفنى بني غاضرة، ومات فيه بنو زر بن حبيش صاحب أمير المؤمنين علي رضوان الله عليه، فقال ابن ميادة يرثيهم: أبعد بني زر وبعد ابن جندل ... وعمرو، أرجى لذة العيش في خفض مضوا وبقينا نأمل العيش بعدهم ... ألا إن من يبقى على إثر من يمضي وقال الخنساء بنت عمرو بن الشريد:

تعرقني الدهر نهساً وحزاً ... وأوجعني الدهر قرعاً وغمزاً وأفنى رجالي، فبادروا معاً ... فأصبح قلبي لهم مستفزا وكانوا سراة بني مالك ... وزين المقامة فخراً وعزا كأن لم يكونوا حمى يتقى ... إذ الناس في ذاك من عز بزا وقال البحتري يرثي المتوكل والفتح بن خاقان من قصيدة: مضى جعفر والفتح بين مزمل ... وبين صبيغ بالدماء مضرج أأطلب أنصاراً على الدهر بعدما ... ثوى منهما في الترب أوسي وخزرجي؟! أولئك ساداتي الذين بفضلهم ... حلبت أفاويق الربيع المثجج وقال توبة بن مضرس: وسائلة عن توبة بن مصرس ... وهان عليها ما أصاب به الدهر وسائلة أخرى حفي سؤالها ... إذا ذكرته فاض من دمعها غزر رأت إخوتي بعد ائتلاف تفرقوا ... فلم يبق إلا واحداً منهم شفر فلا وأبيك الخير، ما كان إخوتي ... معازيل أبراماً إذا جارد القطر أرب بهم ريب المنون كأنما ... على الدهر فيهم أن يفرقهم نذر وقال أيضاً: وقائلة لما رأت شيب لمتى ... لها ويلها! ما بال شعر أبي الجعد؟! برأسي خطوب ... لو علمت كثيرة أصبت بها ظلماً، وأطلبها وحدي تعرى المصيبات الفتى وهو عاجز ... ويلعب ريب الدهر بالجازم الجلد وإني امرؤ لا ينقض العجز مرتي ... إذا ما انطوى مني الفؤاد على الحقد ولست بمختار الحياة بسبة ... تثنى بها حياً على بنو سعد وقال دريد بن الصمة، يرثي إخوته: تقول: ألا تبكي أخاك وقد أرى ... مكان البكا لكن بنيت على الصبر فقلت: أعبد الله أبكي، أم الذي ... على الشرف الأعلى، قتيل أبي بكر؟ وعبد يغوث أم نديمي مالكاً ... وعز المصاب حثو قبر على قبر أبى القتل إلا آل صمة إنهم ... أبوا غيره، والقدر يجري على القدر قال أبو الفرج الأصبهاني: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم قس بن ساعدة الإيادي، فقال رجل: يا رسول الله، لقد رأيت من قس عجباً، فقال: وما رأيت؟ قال: بينا أنا بجبل يقال له: سمعنا، في يوم شديد الحر، إذا بقس بن ساعدة تحت ظل شجرة عند عين ماء، وعنده سباع، كلما زأر منها سبع على صاحبه ضربه بيده، وقال: كف حتى يشرب الذي ورد قبلك، قال: فرقت، فقال: لا تخف، وإذا بقبرين بينهما مسجد، فقلت: ما هذان القبران اللذان أراهما؟ قال: هما قبرا أخوين كانا لي، فماتا، فاتخذت بينهما مسجداً أعبد الله فيه حتى ألحق بهما، ثم ذكر أيامهما، فبكى، وأنشأ يقول: خليلي هبا، طال ما قد رقدتما ... أجدكما ما تقضيان كراكما؟ ألم تعلما أني بسمعان مفرد ... ومالي فيه من حبيب سواكما؟ أقيم على قبريكما لست بارحاً ... طوال الليالي أو يجيب صداكما كأنكما، والموت أقرب غاية ... بجسمي في قبريكما قد أتاكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله قساً". وروى أن هذا الشعر لعيسى بن قدامة الأسدي وكان له نديما، فماتا براوند فكان يجيء فيجلس بين القبرين بموضع يقال له حزاق، فيشرب، ويصب على القبرين، حتى يقضي وطره، وينصرف، وينشد وهو منصرف: خليلي هبا طال ما قد رقدتما ... أجدكما ما تقضيان كراكما؟ أم تعلما مالي براوند من أخ ... ولا بجزاق من نديم سواكما مقيماً على قبريكما، لست بارحاً ... طوال الليالي أو يجيب صداكما جرى النوم مجرى اللحم والدم منكما ... كأن الذي يسقي العقار سقاكما تحمل من يهوى القفول، وغادروا ... أخاً لكما أشجاه ما قد شجاكما فأي أخ يجفو أخاً بعد موته ... فلست الذي من بعد موت جفاكما أصبت على قبريكما من مدامة ... فإلا تذوقاها ترو ثراكما أناديكما كيما تجيبا وتنطقا ... وليس مجاباً صوته من دعاكما أمن طول نوم لم تجيبا وتنطقا؟ ... خليلي ما هذا الذي قد دهاكما؟ قضيت بأني لا محالة هالك ... وأني سيعروني الذي قد عراكما سأبكيكما طول الحياة وما الذي ... يرد على ذي لوعة إن بكاكما؟!

وذكر العتبي أن الشعر للحارث بن الحارث، أحد بني عامر بن صعصعة، وكان له نديمان: أحدهما من بني أسد، والآخر من بني حنيفة، فمات أحدهما، فكانا يشربان ويصبان على قبره، ويقول أحدهما: لا تصرد هامة عن شربها ... واسقه الراح وإن كان قبر كان حراً فهوى فيمن هوى ... كل عود ذي شعوب ينكسر ثم مات الآخر، فكان الثالث يشرب عند قبريهما، وينشد: خليلي هبا طال ما قد رقدتما ... أجدكما ما تقضيان كراكما؟ الأبيات وقال أعرابي: ألا يا دهر أفرش عن شريدي ... فقد أدركت مني ما تريد [أفرش] أي كف: ذهبت بسالم، وأبي سنان ... فما للرزء بعدهما مزيد تصيب أقاربي، وتحيد عني ... ومن حولي التخوف والوعيد ومن تكن المنية غيبته ... فسوف على تفيئته تعود [تفيئته] : هكذا رأيتها بخط الوزير أبي القاسم بن المغربي، وكنت أظنها "بقيته". كان محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب - رضوان الله عليهم - لما من عليه المتوكل، وأخرجه من الحبس سلمه إلى الفتح بن خاقان، وضمنه إياه ألا يفارق "سر من رأى" فكان مقيماً بها يلتمس الرجوع إلى الحجاز، فلا يقدر، وكان مألفاً لسراة الناس، ووجوه أهل البلد، وكان كثير الأنس بسعيد بن حميد، لا يكاد يفارقه، وفي سعيد يقول محمد بن صالح: أصاحب من صاحبت ثمت أنثني ... إليك أبا عثمان عطشان صاديا أبى القلب لم ينقع بهم وهو حائم ... إليك، وإن كانوا الفروع العواليا وإنا إذا جئناك لم نبغ مشراً ... سواك، وروينا العظام البواليا فتوفى محمد بن صالح ... رحمه الله بسر من رأى، فجزع عليه سيعد، وقال يرثيه: بأي يد أسطو على الدهر بعدما ... أبان يدي عضب الذبابين قاضب وهاض جناحي حادث جل خطبه ... فسدت على الصبر الجميل المذاهب ومن عادة الأيام أن صروفها ... إذا سر منها جانب ساء جانب لعمري لقد غال التجلد أننا ... فقدناك فقد الغيث، والعام جادب وما أعرف الأيام إلا ذميمة ... ولا الدهر إلا وهو بالثأر طالب لعمري لئن كان الردى بك فاتني ... فكل امرئ يوماً إلى الله ذاهب لقد أخذت مني النوائب حقها ... فما تركت حقاً على النوائب ولا تركتني أرهب الدهر بعد ... لقد كل عني بابه والمخالف سقى جدثاً أمسى الكريم ابن صالح ... يحل به دان من المزن ساكب لما ظهر عبد الله بن يحيى الكندي الإباضي، الملقب بطالب الحق، واستولى على صنعاء، وكثير من بلاد اليمن، جهز أبا حمزة في جيش من الإباضية فيهم أبرهة بن الصباح، وبلج بن عقبة، فاستولى على المدينة ومكة، فجهز إليه مروان بن محمد عبد الله بن عطية، فلقيه أبو حمزة بوادي العفرة، فقتل أبا حمزة من معه، واستولى عبد الله بن عطية على عسكرهم، وحاز غنائمهم، وبلغ ذلك عبد الله بن يحيى الملقب بطالب الحق، وهو بصنعاء، فسار يريد عبد الله بن عطية وبلغ مسيره ابن عطية، فسار إليه، فالتقى العسكران فظفر به عبد الله بن عطية وقتل عبد الله بن يحيى الكندي، ومعظم جمعه، وتفرق من سلم منهم من القتل في البلاد، وبعث برأسه إلى مروان بن محمد، فقال عمرو بن الحصين العنبري يرثي عبد الله بن يحيى، وأبا حمزة، وأبرهة، وبلجا، وغيرهم ممن قتل من الإباضية: هبت قبيل تبلج الفجر ... هند تقول ودمعها يجري إذ أبصرت عيني وأدمعها ... ينهل واكفها على نحري: أنى عراك، وكنت عهدي لا ... سرب الدموع، وكنت ذا صبر أقذى بعينك ما يفارقها ... أم عائر، أم مالها تذري؟! أم ذكر إخوان فجعت بهم ... سلكوا سبيلهم على خبر فأجبتها: من ذكر مصرعهم ... لا غيره، عبراتها تجري في فتية صبروا نفوسهم ... للمشرفية والقنا السمر تالله ألقى الدهر مثلهم ... حتى أكون رهينة القبر أوفى بذمتهم إذا عقدوا وأعف عند العسر واليسر متأهلون لكل صالحة ... ناهون من لاموا عن النكر صمت إذا احتضروا مجالسهم ... أذن لقول جليسهم، وقر

متأوهون كأن جمر غضى ... للخوف بين ضلوعهم يسري لم تلقهم إلا كأنهم ... صدروا لخوفهم عن الحشر كم من أخ لك قد فجعت به ... قوام ليلته إلى الفجر صوام وقدة كل هاجرة ... تراك لذته على قدر تراك ما تهوى النفوس إذا ... رغب النفوس دعت إلى النزر خواض غمرة كل متلفة ... في الله تحت العثير الكدر في فتية صبر رزئتهم ... كانوا يدي، وهم أولو نصري (القصيدة طويلة: اقتصرت منها على ما أثبته) . روى أن رجلين قدما الموسم أيام الحج، فسألا رجلاً يعرف بابن أبي دباكل أن يقفهما على قبر ابن سريج، فلما وقفا حسر أحدهما عمامته فإذ هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، فنزل فعقر ناقته، وأنشد عند قبر ابن سريج: وقفنا على قبر بدسم فهاجنا ... وذكرنا بالعيش إذ هو مصحب فجالت بأرجاء الجفون سوافح ... من الدمع تستتلي الذي يتعقب إذا أبطأت عن ساحة الخد ساقها ... دم بعد دمع إثره يتصبب فإن تسعدا نندب عهداً بعبرة ... وقل له منا البكا والتنحب ثم نزل صاحبه، فعقر ناقته، فقال له القرشي: خذ في صوت أبي يحيى، فاندفع يغني: أسعداني بعبرة أسراب ... من دموع كثيرة التسكاب إن أهل الحصاب قد تركوني ... موزعاً مولعاً بأهل الحصاب أهل بيت تتابعوا للمنايا ... ما على الدهر بعدهم من عتاب فارقوني، وقد علمت يقيناً ... ما لمن ذاق ميتة من إياب كم بذاك الحجون من حي صدق ... وكهول أعفة، وشباب فلي الويل بعدهم، وعليهم ... صرت فرداً وملني أصحابي قال: ثم وهبا لي عشرين ديناراً، وسارا، فعدت إلى الناقتين فبعتهما ورحليهما بثلاثين ديناراً. وقال الفرزدق يرثي بنيه: إذا ذكرت عيني الذين هم لها ... قذى هيج منها للبكاء انسكابها بنى الأرض قد كانوا بنى فعزني ... عليهم لآجال المنايا كتابها ولولا الذي للأرض ما ذهبت بهم ... ولما يفلل بالسيوف جذابها إذا ذكرت أسماؤهم، أودعوا بها ... تكاد حيازيمي تفرى صلابها وقال شتيم بن خويلد، يرثي بني خالدة: لا يبعد الله رب العباد وال ... ملح ما ولدت خالدة هم المطعمون سديف العشا ... ر واللحم في الليلة الباردة وهم يكسرون صدور الرما ... ح في الخيل تطرد أو طارده يذكرني حسن آلائهم ... تأوه معولة فاقدة فإن يكن الموت أفناهم ... فللموت ما تلد الوالدة وإن التي بقيت بعدهم ... على إثر موردهم وارده بنو خالدة الذين رثاهم شتيم بن خويلد خمسة، منهم: كردم، وهو الذي طعن دريد بن الصمة يوم قتل أخوه عبد الله، الذي يقول فيه دريد: تنادوا، فقالا: أردت الخيل فارساً ... فقلت: أعبد الله ذلكم الردى؟ فوقع دريد بين القتلى، فأقبل رجل من بني عبس، فرآه، فقال: إني لأظنه حياً، فأهوى له ليطعنه، فقال كردم بالسيف دونه، وقال: لا يدن من قتيلي أحد، ثم إن دريداً تحامل في الليل، ومضى إلى قومه، وبرأ، وحج كردم بعد زمان في أصحاب له، فلم يشعروا حتى هجموا على بيت دريد بن الصمة، فأقبل دريد، حتى انتهى إليهم، فسلم عليهم، ورحب بهم، وقال من القوم؟ وهو لا يعرفهم فغالطوه عن نسبهم، وكان دريد عالماً بالنسب، فلم يزل حتى عرفهم، فلما رأى ذلك كردم كشف عن وجهه، فعرفه دريد، فسلم عليه، وحياه، وقال: مرحباً بكم وبمن معكم، وأمر بقبة، فضربت على كردم، وبعث إليه بحلة وجزور، فقال كردم: أما الجزور فقد قبلتها، وأما الحلة فتكون عندك حتى أرجع إليك، فأقام ما أقام، ثم ارتحل، فكان آخر العهد به. ورأيت هذه الأبيات بخط الوزير الكامل أبي القاسم الحسين بن علي بن الحسين المغربي، منسوبة إلى الحارث بن عمرو الفزاري، يرثي بني خالدة، كردم واخوته، وهم بنو سعد بن حرام، والبيت السادس من الأبيات ما أورده الوزير. وقال آخر: أميم، هيهات الصبي، ذهب الصبي ... وأطار عني الحلم جهل غرابي أبكي الألى بالأمس كانوا جيرة ... أمسوا دفين جنادل وتراب ماتوا، ولو أني قدرت بحيلة ... لأحدت صرف الموت عن أحبابي

ما حيلتي إلا البكاء عليهم ... إن البكاء سلاح كل مصاب وقال النابغة الجعدي، يرثي أهله، من قصيدة أولها: ألم تسأل الدار الغداة متى هيا عهدت بها حياً كراماً، كأنهم ... عظام الملوك عزة وتباهيا لهم مجلس غلب الرقاب مرازب ... بدار الحفاظ أو يعدن الأعاديا وفتيان صدق غير وخش أشابة ... مكاسب للمال الطريف معاطيا الوخش: الرديء، والأشابة: الأخلاط. غدا فتيا دهر، وراحا عليهم ... نهار وليل يلحقان التواليا فلم يبق من تلك الديار وأهلها ... سرى الليل والأيام إلا مغانيا مغاني من غالت شعوب فأصبحت ... حلولهم تبكي، وتبكي البواكيا إذا أتيا حياً كراماً بغبطة ... أناخا بهم حتى يلاقوا الدواهيا وقال النابغة أيضاً: لمن الدار كأنضاء الخلل ... عهدها من حقب الدهر الأول دار قومي قبل أن يدركهم ... عنت الدهر، وعيش ذو خبل إذ هم من خير حي سوقة ... وطيء الأرض بسهل أو جبل لغريب قام فيهم سائلاً ... ولجار جنب جاء فحل يستخفون إلى الداعي بهم ... وإلى الضيف إذا الضيف نزل هزة النائل فيهم والندى ... وثقال عند أطراف الأسل ولهم سيما إذا ما رئيت ... بينت ريبة من كان سأل حسن أجسام وسرو ظاهر ... ورماح وجباب وحلل وسوام لجب سامره ... طلح ذادته يوم النهل جعلوه دون أحسابهم ... فوقاهم كل ذم وبخل سألتني جارتي عن أمتي ... وإذا ما عي ذو اللب سأل سألتني عن أناس هلكوا ... شرب الدهر عليهم وأكل طلبوا المجد فلما أدركوا ... لكتاب وانتهى ذاك الأجل وضع الدهر عليهم بركه ... فأراه لم يغادر غير فل وأراني طرباً في إثرهم ... طرب الواله أو كالمختبل أنشد الناس، ولا أنشدهم ... إنما ينشد من كان أضل وقال النابغة [الجعدي] أيضاً: وقالت سليمى: أرى رأسه ... كناصية الفرس الأشهب وذلك من وقعات الزما ... ن، ففيئي إليك ولا تعجبي أتين على إخوتي سبعة ... وعدن على ربعي الأقرب الربع: الدار، أراد أهلها، وقال أبو عمرو: ربعه: فخذه من عشيرته. وسادة رهطي حتى بقي ... ت فرداً كصيصية الأعضب أصابهم القتل ثم الوفا ... ة، هذ الأشاءة بالمخلب [الأشاءة] : الفسيلة -[المخلب] : المنجل. مضوا سلفاً ثم لم يرجعوا ... إلينا، فيالك من موكب! غيوثاً تنوء على المقتري ... ن إن يكذب الغيث لم تكذب كراماً لدى الضيف عند الشتا ... ء، والجدب في الزمن الأجدب إذا أعزب الناس أحلامهم ... أراحوا الحلوم فلم تعزب وقال أيضاً يرثي قومه: دار حي كانت لهم زمن التو ... بة لا عزل، ولا أكفال يريد [بالتوبة] الإسلام. لا أرى مثلهم ولو قذف الأع ... داء فيهم هواجر الأقوال من كهول غلب ملاويث قط ... ساعين قد الأسير ذي الأغلال وهم مهرب الذليل كما يه ... رب من خاف في رؤوس الجبال هاجروا يطلبون ما وعد الله فبانوا، وجارهم غير قال فسلام الإله يغدو عليهم ... وفيوء الفردوس ذات الظلال وقال أبو بلال، مرداس الخارجي، يرثي قتلى من الخوارج: أبعد ابن وهب ذي النباهة والتقى ... ومن خاض في تلك الحروب المهالكا أحب بقاء، أو أرجى سلامة ... وقد قتلوا زيد بن حصن ومالكا؟! فيا رب سلم نيتي وبصيرتي ... وهب لي ألتقي حتى ألاقي أولئكا وقال أبو الشغب العبسي: أبعد بني الزهر الغطارفة الألى ... أرجى رجاء أو نوالاً من الدهر؟! غطارفة زهر مضوا لسبيلهم ... ألهفي على تلك الغطارفة الزهر لهم ذكر يعتدن قلبي، كأنما ... يلدغنه بين الجوانح بالجمر يذكرنيهم كل خير رأيته ... وشر فما أنفك منهم على ذكر سقى الله أجساداً ورائي تركتها ... بحافة قنسرين من سبل القطر (أظنها حاضر قنسرين) : ثووا لا يريدون الرواح وغالهم ... من الموت أسباب جرين على قدر

ولو يستطيعون الرواح تروحوا ... معي ومضوا في المصبحين على ظهر لعمري لقد وارت قبور ضمنهم ... أكفاً شداد القبض للأسل السمر وآخر عهد منك يا شغب شمة ... بشرج وداعاً والمطي بنا تسري فكان وداعاً، لا تلاقي بعده ... وبينا إلى يوم القيامة والحشر وقال أيمن بن خريم الأسدي: رمى المحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا فرد شعورهن السود بيضاً ... ورد وجوههن البيض سودا فإنك لو رأيت بكاء هند ... ورملة إذ تصكان الخدودا بكيت بكاء معولة فقيد ... أصاب الدهر واحدها الفقيدا وقال أعرابي: ألا أيها الموت الذي ليس جانياً ... أرحني، فقد أفنيت كل خليل أراك بصيراً بالذين أحبهم ... كأنك تهدي نحوهم بدليل وقال- أم الصريح الكندية: هوت أمهم ماذا بهم يوم صرعوا ... بحسمان من أسباب مجد تهدما أبوا أن يفروا، والقنا في نحورهم ... ولم يرتقوا من خشية الموت سلما ولو أنهم فروا لكانوا أعزة ... ولكن رأوا صبراً على الموت أكرما عن شبل بن بشير أنه خرج في سفر وخلف الطاعون في أهله، فلم يدع منهم أحداً إلا أمة سوداء، تحولت إلى بعض الجيران، فقدم شبل فجعل يدق الباب، فسمعته الأمة، فقالت: من هذا؟ فقال: أنا رب الدار، فقالت ما بقى في الدار أحد، فجاء الناس يعزونه على ما افترط من أهله، فقال: أتى دون حلو العيش حتى أمره ... نكوب على آثارهن نكوب تتابعن في الأحباب حتى أبدنهم ... فلم يبق منهم في الديار عريب إذا ذر قرن الشمس عللت بالمنى ... ويأوي إلي الحزن حين تغيب ونام خلي البال عني ولم أنم ... كما لم ينم عاري الفناء عزيب أضرت به الأيام حتى تركنه ... بطول الذي عفين وهو رقوب وكيف بقاء المرء من بعد أهله ... وليس له في الغابرين حبيب؟! وما ترك الطاعون من ذي هوادة ... إلينا إذا حان الإياب يئوب وكنت أرجى أن أؤوب إليهم ... فغالهم من دون ذاك شعوب مقادير لا يغفلن من حان يومه ... لهن على كل النفوس رقيب سقين بكأس الموت من قد أمتنه ... وفي الحي من أنفاسهن ذنوب أريد لأنسى ذكرهم فيهيجني ... فؤاد إلى أهل القبور طروب فلسنا بأحيا منهم، غير أننا ... إلى أجل ندعى له فنجيب وقال الرقيع بن عبيد الأسدي: لحى الله دهراً شره دون خيره ... وجداً بصيفي نأى بعد معبد بقية خلاني أتى الدهر دونهم ... فما جزعي أم كيف عنهم تجلدي؟! فلو أنها إحدى يدي رزئتها! ... ولكن يدي بانت على إثرها يدي كأني وصيفياً أخا الصدق لم نقل ... لموقد نار آخر الليل : أوقد فلست بباك بعده إثر هالك ... قدي الآن من وجدي على هالك قدي وقال الشريف الرضي - رضي الله عنه -: ما للهموم كأنها ... نار على كبدي تشب أفراق إخوان الشبا ... ب غدت مطاياهم تخب؟ فارقتهم، فالعين عي ... ن بعدهم، والقلب قلب ما كنت أحسب أنني ... جلد على الأرزاء صعب أو أنني أبقى وظه ... ري بعد إخواني أجب ما أخطأتك الحادثا ... ت إذا أصابت من تحب وقال أبو رفاعة: أصبحت من حلول قومي وحشاً ... رحب الجدر جلسها فالبطاح ولقد ألفيت وفيها كهول ... وشباب بيض الوجوه صباح ومهادير في الندى ولا ينف ... ك فيه منهم ندى وسماح وقال البريق بن عياض الهذلي: ألم تسل عن ليلى وقد ذهب العمر ... وقد أوحشت منها الموارج والحضر [الموارج، والحضر] : مواضع وقد هاجني منها بوعساء فروع ... فأجراع ذي اللهباء منزلة قفر يظل بها داعي الهديل، كأنه ... على الساق نشوان تميل به الخمر فإن تبك في رسم الديار، فإنها ... ديار بني زيد وهل عنهم صبر؟ وقال آخر: ألا ليت شعري! هل يعودن ما مضى ... ليالي عيش الأصفياء رطيب؟ وهل عائد قبل الممات، فراجع ... إلى عهده دهر إلي حبيب؟!

وهل يجمعن شملي من الدهر جامع ... بلى، ذاك إن شاء الإله قريب ولي كبد حرى بما قد تضمنت=عليكم وعين بالدموع سكوب روى أن عبد الله بن عمرو العبلي قال له عبد الله بن حسن بن حسن - رضي الله عنهم -: أنشدني شيئاً مما رثيت به قومك، فأنشده: أصعد أنفاسي حنيناً إليكم كما حن مقصور اليدين نجيب وقال حيان بن قيس: تطاول ليلى بالغطاط إلى الغمر ... وبات فراشي مشعراً جاحم الجمر تذكرت من أضحت بحوران داره ... وكيف مع الأحداث أصبو إلى الذكر؟! فإن أرهم لا أصدف الدهر عنهم ... سوى سفر حتى أغيب في القبر لعمري لقد أمست إلي بغيضة ... نوى فرقت بيني وبين بني عمرو إذا هبطوا الأدوات، والبحر دوننا ... فقل في تناء بيننا آخر الدهر وقال كشاجم: تخرم الدهر أشكالي فأفردني ... منهم، وكنت أراهم خير جلاس وصرت آلف قوماً لا خلاق لهم ... والوحش يأنس عند المحل بالناس وقالت ليلى، أخت الوليد بن طريف الشاري، تبكيه: ذكرت الوليد، وأيامه ... إذ الأرض من شخصه بلقع فأقبلت أطلبه في السماء ... كما يبتغي أنفه الأجدع أضاعك قومك، فليطلبوا ... إفادة مثل الذي ضيعوا لو أن السيوف الذي حدها ... يصيبك تعلم ما تصنع نبت عنك، أو جعلت ... هيبة وخوفاً لصولك لا تقطع وقالت فارعة المرية، أخت مسعود بن شداد، تبكيه: يا من رأى بارقاً قد بت أرمقه ... جوداً، على الحرة السوداء والوادي أسقي به قبر من أعني، وحب به ... قبراً إلي، وغن لم يفده فاد شهاد أندية، رفاع ألوية ... شداد أوهية، فتاح أسداد نحار راغية، قتال طاغية ... حلال رابية، فكاك أقياد قوال محكمة، نقاض مبرمة ... فراج مبهمة، حباس أوراد حلال ممرعة، حمال مضلعة ... فراج مفظعة، طلاع أنجاد أبا زرارة لا تبعد، وكل فتى ... يوماً رهين صفيحات وأعواد وقال الشريف المرتضى، رحمه الله: أوردتني ومضيت مبتدراً ... حز المدى، ولواذع الجمر وتركتني ... والدهر ذو دول أعشى اللحاظ مقلم الظفر أمري، فلا أصمي، وإن رميت ... جهتي رميت معرض النحر وأصد عن لقيا العدو، وهل ... ألقى العدو، ولست من ظهري؟ وإذا مضى من كان يعضدني ... ويشد يوم كريهة أزري ويرد عني كل طارقة ... ويخوض كل ردى إلى نصري فالحظ لي ألا أهيج وغى ... حتى أكون مسالماً دهري لا متعة لي في الحياة ... فما أحياه بعدك ليس من عمري وقال آخر: يا دهر قد أكثرت فجعتنا ... بسراتنا، ووقرت في العظم وسلبتنا ما لست مخلفه ... يا دهر ما أنصفت في الحكم لو كان لي قرن أناضله ... ما طاش عند حفيظة سهمي أو كان يعطي النصف قلت له: ... أحرزت سهمك فاله عن سهمي وقال أميمة بنت عبد شمس، ترثي قومها: أبى ليلك أن يذهب ... ونيط الطرف بالكوكب وهذا الصبح لا يأتي ... ولا يدنو ولا يقرب لفقد عشيرة منا ... كرام الخيم والمنصب أمال عليهم دهر ... حديد الناب والمخلب فحل بهم وقد أمنوا ... فلم يقصر ولم يشطب وما عنه إذا ما حل ... ل، لا منجى، ولا مهرب ألا يا عين فابكيهم ... بدمع منك مستغرب فإن أبك، فهم عزى ... وهم ركني، وهم منكب وقال هلال بن الأسعر، يرثي رجلاً من قومه يقال له: المغيرة بن قنبر، كان يعوله ويفضل عليه: ألا ليت المغيرة كان حياً ... وأفنى قبله الناس الفناء ليبك على المغيرة كل خيل ... إذا أفنى عرائكها اللقاء ويبك على المغيرة كل كل ... فقير كان ينعشه العطاء ويبك على المغرة كل جيش ... تمور لدى معاركه الدماء فتى الفتيان، فارس كل حرب ... إذا شالت وقد رفع اللواء لقد وارى جديد الأرض منه خصالاً عقد عصمتها الوفاء وصبراً للنوائب إن ألمت ... إذا ما ضاق بالحدث الفضاء

هزير تنجلي الغمرات عنه ... نقي العرض، همته العلاء إذا شهد الكريهة خاض فيها ... بحوراً، لا تكدرها الدلاء جسوراً لا يورع منه روع ... ولا يثني عزيمته اتقاء حليم في عشيرته إذا ما ... حبا الحلماء أطلقها المراء حميد في عشيرته فقيد ... يطيب عليه في الملأ الثناء وقال امرؤ القيس بن حجر الكندي: تذكرت أهلي الصالحين وقد أتى ... على حمل منا الركاب فأعفرا ولما بدت حوران والآل دونها ... نظرت، فلم تنظر بعينيك منظرا تقطع أسباب اللبانة والهوى ... عشية جاوزنا حماة وشيزرا عشية جاوزنا حماة وسيرنا ... أخو الجهد لا نلوي على من تعذرا بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنا لا حقان بقيصرا فقلت له: لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكاً، أو نموت فنعذرا [هذا لفظ ما وجد في آخر الأصل] تم وكمل هذا التأليف المبارك، المسمى بالمنازل والديار، الذي هو بخط كاتبه العالم العلامة مجد الدولة الأمير أسامة، أناله الله الفوز والكرامة في دار المقامة، في جمادى الأولى لسنة ثمان وستين وخمسمائة من الهجرة المصطفوية، على مهاجرها أفضل الصلاة وأكمل التحية، وقد علقها مؤلفها لنفسه في مدينة حصن كيفا في التاريخ الأنور، حسبما بينه العلامة النحرير، المندرج إلى رحمة ربه القدير الإمام محمد أبو المعالي بن أحمد بن محمود الطالوي، الدمشقي تغمده الله برحمته، في بحبوحة جنته في أول هذا السفر الشريف عند ذكر ترجمة المؤلف رحمه الله تعالى، وأجزل عليه نعمه ووالى، ناقلاً تاريخ كتابته عن مؤلفه من آخر هذا المجلد الشريف، لكن لتقادم الأزمان ومرور الأيام والأعوام انخرم آخره، فقد نقلنا ما ذكره المرحوم الطاولي في ابتدائه إجمالاً في آخره؛ ليعلم أن هذه النسخة المباركة عمرت ليوم رقم هذه الحروف خمسمائة وإحدى وعشرين سنة، وليتحقق أن الخط يبقى زماناً بعد كاتبه، وأنه بعد الآن أيضاً يبقى ما شاء الله تعالى. حرره العبد الفقير محمد أنور بن الموقع، غفر الله زله، وأحسن عمله، في سنة تسع وثمانين بعد الألف من الهجرة النبوية.

§1/1